الكتاب: موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المؤلف: أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين الناشر: دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة- المدينة النبوية الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وضمن خدمة مقارنة التفاسير] ---------- الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور حكمت بشير ياسين الكتاب: موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المؤلف: أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين الناشر: دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة- المدينة النبوية الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وضمن خدمة مقارنة التفاسير] ـ[موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور]ـ المؤلف: أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين الناشر: دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة- المدينة النبوية الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 4 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وضمن خدمة مقارنة التفاسير] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الطبري مصنف "جامع البيان": إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته؟. انظر معجم الأدباء 18/63 وقال ابن أبي حاتم الرازي مصنف "تفسير القرآن العظيم مسنداً عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة والتابعين": فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة. وقال أيضاً: فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل رضي الله عنهم. فإن قيل فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، في كل دهر وزمان. تقدمة الجرح والتعديل ص 2، 5 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. [[ أهمية علم التفسير بالمأثور ]] أما بعد: فإن علم التفسير من أجلِّ العلوم وأفضلها وأشرفها باعتبار أساسه وتاريخه وموضوعه وغايته، فأساسه: القرآن الكريم والحديث الشريف، وتاريخه: أول العلوم الإسلامية. وموضوعه: كلام الله تعالى. وغايته: معرفة معانيه وإدراك مراميه. وسنام هذه المعرفة: التفسير بالمأثور لأهميته الكبرى في فهم القرآن العظيم، لأنه تفسير من رب العالمين، أو من رسوله الأمين، أو تفسير صحابي شهد التنزيل وعرف التأويل، (1) أو تفسير تابعي نهل من مدرسة النبوة عن الصحابة المفسرين النابغين. فلابد من التفسير بالمأثور لمن أراد أن يستجيب لله تعالى فيتدبر كلام الله، وكذا لمن أراد أن يفسر بالرأي يتحتم عليه أن يطلع على معرفة: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والغريب، والمشكل، والوقف والابتداء، والقراءات وأوجهها، والقراءات الشاذة التفسيرية، والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم، والأحاديث المخصصة للعام، والمقيدة للمطلق ... وهذه العلوم لا تؤخذ إلا بالنقل الصحيح ولا تنفك عن التفسير بالمأثور بل هي نابعة منه ولما أوجب الله عز وجل علينا أن نعمل بهذا القرآن بالاستجابة لأوامره والازدجار عن نواهيه والاعتبار بقصص الأمم السالفة ... فقد كان لزاماً أن نتدبر معاني هذا القرآن وأن ندرك مراميه لنعمل به ونتحرى ما ثبت في تفسيره لنستقيم على نهجه.   (1) المراد بالتأويل: التفسير. وما ذكر اقتباس من الحديث الثابت في دعاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس رضي الله عنهما: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". رواه أحمد في المسند 1/328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ولهذه الأمة تجربة خالدة حينما تدبرت هذا القرآن وأخذته بقوة، حيث أسعفها في طفرتها الكبرى حينما انتشلها من دياجير الجاهلية إلى مشاعل النور (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (1) فلما التزمت بهدية هداها، ولما تركته تركها كما نرى الحال في هذا الزمان. وبما أن العلماء هم الذين ينصحون الأمة ويحذرونها من مغبَّة البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد صدرت نداءاتهم المتكررة في كل زمان وحثهم الأمة على العودة إلى القرآن والسنة وغالباً ما يواكب هذه النداءات الدعوة لتنقية التفسير من الدخيل بأنواعه أو تصنيف تفسير نقلي بعدما ثبت فشل المدرسة العقلية -عندما زهدت بالأحاديث والآثار الصحيحة إذ لابد من الاستفادة منها- (2) ، وذلك من خلال نصائح العلماء وطلاب العلم والمثقفين، وهو مطلب مهم لأن التفسير علم جامع للقرآن والسنة. وإن جندياً من جنود القرآن والسنة ليدرك من غير شك أهمية هذا المطلب الإسلامي والمسؤولية التي تناط به وخصوصاً في عصرنا الحاضر، وآمل ساعياً أن أحقق أملاً من الآمال التي تعقد على طلاب العلم. من أجل هذا المنطلق جاءت فكرة تصنيف هذا الكتاب حيث قررت أن أجمع كل ما صح إسناده من التفسير بالمأثور؛ لأن الرواية التفسيرية الصحيحة تتقبلها النفوس -إن كانت صادقة- بكل اطمئنان وتأخذها بقوة وجدية، وخصوصاً إذا كانت الرواية من الصحيحين أو على شرطهما أو على شرط   (1) الإِسراء 9. (2) وقد صنف فضيلة د. فهد الرومي في هذا الموضوع كتاباً بعنوان: منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 أحدهما، أو صحح تلك الرواية بعض النقاد المعتمدين. ويكفينا تجربة تقبل الصحيحين (1) . وهذا التقبل والأخذ يقوي صلة المسلم بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفي الوقت نفسه إن جمع الروايات التفسيرية الصحيحة يؤدي إلى تنقية التفسير من الدخيل بأنواعه، وفي هذا الجمع غربلة لجميع الروايات التفسيرية الثابتة الموجودة في كتب التفسير المسندة المطبوعة والمخطوطة، والموجودة في الكتب المسندة في العلوم الأخرى والتي سيأتي ذكرها في الحواشي والمصادر، وطريقة هذه الغربلة بنقد جميع الأسانيد لتلك الروايات وخصوصاً للأسانيد المتكررة كثيراً، فقد أفردت لها دراسة نقدية خاصة بها كما سيأتي في آخر هذه الديباجة. هذا ومن فضل الله تعالى ومَنِّه أن هيأ الأسباب لهذا العمل حيث قيض لهذه الأمة في كل عصر ومصر من يقوم بنشر هذا العلم والعناية به، فخلفوا لنا تركة من كتب التفسير المسندة التي خزنت وحفظت كتب السابقين، وهذه من خصائص هذه الأمة. وإن تكفلَ الله تعالى القرآن بالحفظ والبيان لمن أعظم ما خص الله تعالى هذه الأمة من الفضيلة والشرف حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (2) وقال أيضاً: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) . (3) وَعَدَ سبحانه -ووعده حق-، فبَيّن وفصّل بأدق أساليب الفصاحة والبلاغة، قال تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (4) .   (1) ولا أدعي أن هذه الروايات وصلت مرتبة الصحيحين إلا أن جزءاً كبيراً مأخوذ من الصحيحين أو من كتب أسانيدها على شرطهما أو على شرط أحدهما وذلك في مجال التفسير النبوي. (2) سورة الحجر 9. (3) سورة القيامة 17-19. (4) سورة فصلت 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وقال عز وجل أيضاً: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (1) . [[ نبذة عن نشأة التفسير بالمأثور ]] كما جعل الله تعالى سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بياناً للقرآن وتطبيقاً له في أقواله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله، ليكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسوة الحسنة كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (2) . وأوحى الله تعالى إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبين للأمة ما تحتاج إلى بيانه فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (3) . وقد قام الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأداء الأمانة فبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة. (فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المبيِّن عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها. فلبث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل. فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها وأوفاها فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر.   (1) سورة البقرة 219 وقال الطبري عند هذه الآية: أي كما بينت لكم أعلامي وحججي وهي (آياته) في هذه السورة، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي، ثم على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدي فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آياتي وحججي وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي ... (التفسير 1/347-348) . (2) سورة الأحزاب 21. (3) سورة النحل 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 قال الله عز وجل (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) (1) (2) . [[ نبذة عن مراحل التفسير بالمأثور ومنهج الصحابة والتابعين فيه ]] وما أن فاضت روحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلحق بالرفيق الأعلى إلا ومدرسة النبوة قد بدأت تتحمل هذه المسؤولية من خلال تلك الصفوة التي تهذبت وتربت ونهلت من ذلك البيان، واشتهر منهم في علم التفسير جماعة كالخلفاء الراشدين وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وعبد الله ابن الزبير (3) ، ومنهم المكثرون كابن عباس وابن مسعود، ومنهم من لم يكثر وذلك بسبب تقدم وفاتهم أو انشغالهم في الإعداد والإدارة والجهاد، وقد نالوا -رضوان الله عليهم- الحظ الأوفر من ذلك الهدي والبيان النبوي، فتلقوه بكل همة وحفظوه وطبقوه بدقة وأمانة، ثم قدموه إلى من بعدهم من التابعين فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق. (وتلقى التابعون التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة) (4) ، وقد قام التابعون الذين تحملوا هذا العلم بواجبهم تجاه هذا القرآن العظيم، فكرسوا اهتمامهم وبذلوا جهودهم لتلقي ما ورد من آثار لبيان معاني ومرامي هذا القرآن الكريم، فعرفوا تفسيره وأسباب نزوله، وفضائله وأمثاله، وأحكامه وأقسامه، وغريبه ومعربه، وبينوا المحكم من المتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعموم من الخصوص، والمفصل من المجمل، والمقدم من المؤخر، والمطلق من المقيد.   (1) سورة النساء165. (2) قاله أبن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل ص 2. (3) انظر مقدمة في أصول التفسير ص 40، 41 والإتقان 2/239. (4) انظر مقدمة في أصول التفسير ص 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان من أعظم ما أنعم الله عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم: فيه نبأ من قبلهم، وخبر ما بعدهم، وحكم ما بينهم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، فلا يستطيع أن يزيغه إلى هواه، ولا يحرف به لسانه، ولا يخلق عن كثرة الترداد، فإذا ردد مرة بعد مرة لم يخلق ولم يمل كغيره من الكلام، ولا تنقضي عجائبه، ولا تشبع عنه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم. فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض في العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل. والنقل -يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين- إما أن يفوض وإما أن يؤول. ولا فيهم من يقول: إن له ذوقاً أو وجداً أو مخاطبة أو مكاشفة، تخالف القرآن والحديث ... (1) . وهذا أنموذج من النماذج الدقيقة التي تدل على رصانة المنهج المتبع عند الصحابة والتابعين في تفسير القرآن الكريم والعمل به، وقد نشروا منهجهم في أصقاع الخلافة آنذاك فحينما بدأت الفتوح على أيديهم في الجزيرة العربية وما جاورها انتشر الصحابة للدعوة إلى الله وتوحيده يفقهون الناس بما أنزل   (1) مجموع فتاوى ابن تيمية 13/28، 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 إليهم، فكان ابن عباس في مكة والبصرة، وابن مسعود في الكوفة، والخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة، وأبو موسى الأشعري باليمن، وعمرو بن العاص بمصر، وكان من منهجهم في التعليم: الفهم والتطبيق العملي لما قرأوا وتعلموا من القرآن الكريم. أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن (1) . وكان بعضهم إذا أشكل عليه مسألة سأل من هو أعلم منه في تلك المسألة، ويتكاتبون فيما بينهم إذا كانوا متباعدين. فقد كتب ابن عباس - رضي الله عنه - إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي ... أخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي. قاله الحافظ ابن حجر ثم قال: وأخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى علي -وابن عباس بالبصرة- أني أتيت بجد وستة إخوة، فكتب إليه أن أعط الجد سدساً (2) ولا تعطه أحداً بعده (3) . وقد أثَّر هؤلاء الصحابة -رضوان الله عليهم- في تلاميذهم من التابعين رحمهم الله حيث اجتمع في كل بلد لفيف من التابعين (4) حول هؤلاء الصحابة   (1) أخرجه من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي قال: سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش عن شقيق، عن ابن مسعود به (التفسير رقم 81) ، وأخرجه البيهقي (شعب الإيمان 4/510 رقم 1801) والحاكم من طريق أبي عبد الرحمن عن ابن مسعود بنحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/557) . (2) قوله سدساً: صحفت في فتح الباري إلى سبعاً وانظر فتح الباري 12/21 وقارن مع الدارمي 2/354. (3) فتح الباري 12/21 وسنن الدارمي كتاب الفرائض - باب قول علي في الجد 2/354. (4) ذكر ابن حبان مشاهير التابعين في مكة والمدينة والبصرة والكوفة ومصر واليمن (انظر مشاهير علماء الأمصار ص 62، 81، 87، 99، 119، 122) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فكان من أصحاب ابن عباس الذين يقولون بقوله ويفتون ويذهبون مذهبه: سعيد بن جبير وجابر بن زيد وطاووس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة (1) . ومن أصحاب ابن مسعود الذين يفتون بفتواه ويقرأون بقراءته علقمة ابن قيس والأسود ابن يزيد ومسروق وعبيد السلماني والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل (2) . هذا بالنسبة لابن عباس وابن مسعود وهما مكثران، وهكذا الحال بالنسبة للآخرين من الصحابة المذكورين فلهم تلاميذ سطرت أسمائهم في تراجم الصحابة ومسانيدهم، وقد تتلمذ هؤلاء التابعون على الصحابة المفسرين قراءة وحفظاً وتفسيراً وعملاً. وكان من منهج الصحابة الدقيق في تعليم التابعين العرض والتفسير والكتابة. أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس في تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: أكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله (3) . وقال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها (4) . وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق معنعناً به (5) ، وإسناده حسن لأنه ثبت تصريح محمد بن إسحاق بالسماع. فقد أخرجه الحاكم   (1) ذكره علي بن المديني عن يحيى بن سعيد (علل الحديث ومعرفة الرجال ص 45، 48، 49) . (2) ذكره علي بن المديني (المصدر السابق ص 44) . (3) أخرجه عن أبي كريب قال حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة به (التفسير رقم 107) . (4) انظر مقدمة في أصول التفسير ص 44. (5) التفسير رقم 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 من طريق محمد بن إسحاق سمع أبان بن صالح يحدث عن مجاهد قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أوقفه على كل آية أسأله فيما نزلت وكيف كانت ... (1) . وكذا كان سعيد بن جبير حريصاً على الكتابة عن ابن عباس. قال الدارمي: أخبرنا مالك بن إسماعيل، ثنا مندل بن علي العنزي، حدثني جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: كنت أجلس إلى ابن عباس فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ ثم أقلب نعلي فأكتب في ظهورها (2) . وأخرجه بن سعد والدارمي أيضاً من طريق يعقوب القمي عن جعفر به مختصراً (3) ، وأخرجه الرامهرمزي من طريق مندل به (4) . وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق حبان عن جعفر بن أبي المغيرة به (5) . وأخرج الدارمي أيضاً عن أبي النعمان، ثنا عبد الواحد، ثنا عثمان بن حكيم قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه (6) ، أخرجه الخطيب البغدادي من طريق طارق عن سعيد بن جبير بنحوه (7) . وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعرض المصحف على بعض تلاميذه ويبين سبب نزول بعض الآيات فقد روى النسائي بسند صحيح عن كعب بن علقمة عن أبي النضر عن نافع مولى ابن عمر قال: أن ابن عمر كان عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى   (1) المستدرك 2/279. (2) السنن - باب من رخص في كتابة العلم 1/128. (3) المصدر السابق والطبقات الكبرى 6/257. (4) المحدث الفاصل ص371. (5) تقييد العلم ص 102. (6) السنن 1/128. (7) تقييد العلم ص 102، 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 شِئْتُم) فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم) (1) . وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد صحيح، وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني عن الحسين ابن إسحاق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبد الله بن عياش عن كعب ابن علقمة فذكره (2) . وأما ابن مسعود - رضي الله عنه - فقد كان يقرأ على تلاميذه السورة ثم يفسرها في وقت كاف. فقد أخرج الطبري بسنده عن مسروق قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار (3) . ولهذا نرى التابعين الذين تحملوا هذا العلم من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرحلون من بلد إلى بلد في طلب تفسير آية واحدة، فهذا سعيد بن جبير يرى أهل الكوفة قد اختلفوا في قول الله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) (4) . فيرحل إلى ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيسأله عنها فيجيبه بقوله: نزلت هذه الآية (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) وهي أخر ما نزل وما نسخها شيء. أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري (5) .   (1) البقرة 223. (2) التفسير 1/465. (3) أخرجه عن يحيى بن إبراهيم المسعودي عن أبيه، عن أبيه عن جده عن الأعمش عن مسلم عن مسروق به. (التفسير رقم 84) . (4) النساء 93. (5) صحيح البخاري - التفسير - سورة النساء، ب (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) رقم 4590 وصحيح مسلم. التفسير رقم 3023. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وهذا مسروق رحل إلى البصرة في طلب تفسير آية فقيل له: الذي يفسرها رجع إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها (1) . وأما زر بن حبيش فيقول: وفدت في خلافة عثمان بن عفان وإنما حملني على الوفادة لقي أبي بن كعب وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه الخطيب البغدادي بسنده عن زر (2) . وكان من منهجهم الرائع التورع في التحمل والرواية فيبحثون عن علو الإسناد وعمن هو أهل للرواية، فهذا أبو العالية يقول: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه فأول ما أتفقد صلاته فإن أجده يقيمها أقمت وسمعت منه، وإن أجده يضيعها رجعت ولم أسمع منه، وقلت: هو لغير الصلاة أضيع". رواه الخطيب البغدادي بسنده عن أبي العالية (3) . وهو القائل أيضاً: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم. رواه ابن سعد (4) والبغدادي (5) بسنديهما عنه واللفظ لابن سعد. وقد ظفر أبو العالية بعَرضه القرآن على أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس، وصح أنه عرض على عمر رضي الله عن الجميع (6) ، كما حظي برواية نسخة أُبي بن كعب في التفسير كما سيأتي في عرض أشهر الأسانيد في التفسير.   (1) ذكره أبو حيان في البحر المحيط 1/13 وروى ابن عبد البر نحوه في جامع بيان العلم وفضله - ب ذكر الرحلة في طلب العلم 1/94. (2) الرحلة في طلب الحديث ص 92. (3) المصدر السابق ص 93 وأخرجه أبو نعيم بنحوه (حلية الأولياء 2/220) . (4) الطبقات الكبرى 7/113. (5) الرحلة في طلب الحديث ص 39. (6) ذكره ابن الجزري في غاية النهاية 1/284 وذكره أبو عمرو الداني فيما نقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وأما مسروق فيحذر من التساهل في التفسير فروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن هشيم أنبأنا عمرو بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله (1) . وفي هذه الفترة برزت جماعة من التابعين اشتهروا بمعرفة التفسير فبرعوا ونبغوا فيه ومنهم سعيد بن جبير ت 95 هـ وعكرمة ت 107 هـ ومجاهد ت 101 أو 102 أو 103 أو 104 هـ وأبو العالية ت 90 هـ وقتادة ت 110هـ وعامر الشعبي ت 105هـ ومسروق ت 63 هـ والحسن البصري ت 110 هـ والضحاك بن مزاحم ت 105 أو 106هـ وغيرهم. وقد استفادوا من تلك المنهجية العلمية الدقيقة التي بوأتهم مكانة مرموقة، فتصدروا مجالس العلم وبدأ بعضهم بتدوين التفسير فكانوا طليعة الفرسان في هذا الميدان، ففي عصرهم بدأ تدوين التفسير، وأول من قام بذلك سعيد ابن جبير الأسدي ت 95 هـ عندما كتب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يسأل سعيد ابن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن وقد استجاب له فصنف التفسير وقد وجد عطاء بن دينار هذا التفسير في الديوان، فرواه عن سعيد وجادة (2) . وفي هذا العصر انتشرت كتابة التفسير، روى الدارمي عن عمرو بن عون، أنا فضيل، عن عبيد المكتب قال: رأيتهم يكتبون التفسير عن مجاهد. (3) وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق وكيع بن فضيل ابن عياض به (4) . وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أبي يحيى الكناسي قال: كان مجاهد يصعد بي إلى غرفته فيخرج إليّ كتبه فأنسخ منها (5) .   (1) انظر المقدمة ص 50 ومجموع الفتاوى 13/374. كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية. (2) رواه ابن أبي حاتم عن أبيه في الجرح والتعديل 6/332. (3) السنن - باب من رخص في كتابة العلم 1/128. (4) تقييد العلم ص 105. (5) تقييد العلم ص 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 [[ أشهر تفاسير أتباع التابعين وما بعدهم ]] وقد واكب هذا التدوينُ الفتحَ الإسلامي الذي امتدت أطرافه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مما أدى إلى اتساع انتشار هذا العلم إضافة إلى ذلك ازدياد الرحلات العلمية، وكان لتدوينه أيضاً أثر كبير في انتشاره وتداوله عند أهل العلم من صغار التابعين وأتباع التابعين مثل: الضحاك بن مزاحم الهلالي ت 105 هـ أو 106 هـ. ومقاتل بن سليمان البلخي ت 105هـ وقد طبع تفسيره (1) . وطاوس بن كيسان اليماني ت 106هـ. وقتادة بن دعامة السدوسي ت 110هـ. ومحمد بن كعب القرظي ت 118هـ. والسدي الكبير 127هـ. وعبد الله بن يسار المعروف بابن أبي نجيح ت 131 هـ. وعطاء الخراساني ت 135 هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (2) . وزيد بن أسلم العدوي ت 136هـ. والربيع بن أنس البكري ت 140هـ. وعلي بن أبي طلحة ت 143هـ استخرج السيوطي أغلب صحيفة علي بن أبي طلحة من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم (3) . وكل هذه التفاسير قد أفرد لكل تفسير مؤلف جمعت في مرويات كل مفسر، وأغلبها رسائل جامعية.   (1) حققه د. عبد الله محمود شحاتة وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة. (2) نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة. (3) انظر الإتقان 2/ 6- 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والأعمش سليمان بن مهران ت 147هـ أو 148هـ (1) . وغيرهم من المفسرين المتقدمين فقام هؤلاء بجمع نسخ وروايات وصحف كبار التابعين وتدوينها فسطع قبس التفسير في أرجاء العالم الإسلامي آنذاك ثم أزداد تألقاً في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حيث استنار العلماء الذين تلقوا هذا العلم من شيوخهم واعتنوا به فحفظوه أو كتبوه ثم رووه لتلاميذهم فتوسعت حركة تدوين التفسير وظهرت تفاسير مشابهة للتفاسير المتقدمة وقد تكون أوسع منها مثل: تفسير سفيان الثوري ت 161هـ (2) . وتفسير معاوية بن صالح ت 158 هـ أو ت 172هـ وهو الراوي لصحيفة علي بن أبي طلحة. وتفسير شيبان بن عبد الرحمن النحوي ت 164 هـ وهو راوي التفسير عن قتادة. وتفسير نافع بن أبي نعيم القارئ ت 167هـ أو 169هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (3) . وتفسير أسباط بن نصر الهمداني ت 170 هـ وهو الراوي لتفسير السدي. وتفسير مالك بن أنس إمام دار الهجرة ت 179 هـ. وتفسير مسلم بن خالد الزنجي ت 179 هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (4) . وتفسير عبد الله بن المبارك المروزي ت 181هـ.   (1) كل هؤلاء المفسرين لهم تفاسير ذكرت في كتب طبقات المفسرين للسيوطي والداوودي وعمر نزيه التركي -باللغة التركية- ومعجم المفسرين لعادل نوهيض، وكتب فهارس التراث مثل كشف الظنون وفهرست ابن النديم وتاريخ التراث لسزكين وكتب الإجازات مثل المعجم المفهرس لابن حجر (مخطوط طبع مؤخرا) وللمزيد عن هذه التفاسير وطريقتي في استخراجها من مظانها. انظر مقدمتي لتفسير ابن أبي حاتم -المجلد الثاني- والقواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية. (2) مطبوع في جزء واحد. (3) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير. (4) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ت 182 هـ. وتفسير هشيم بن بشير السلمي ت 183 هـ. وتفسير يحيى بن يمان العجلي ت 189 هـ، وقد حققتُ قطعة من تفسيره (1) . وتفسير إسماعيل بن علية ت 193 هـ. وتفسير يحيى بن سلام البصري ت 200 هـ (2) . وفي هذا العصر ازدادت كتب التفسير وبقيت على هيئة أجزاء ونسخ كتفسير الإمام مالك بن أنس فقد وصفه ابن كثير (3) والذهبي (4) وابن حجر (5) والروداني (6) بأنه جزء وكذلك التفاسير التي تقدمت في القائمة السابقة حيث ذكرت الموجودة منها وكلها على هيئة أجزاء ونسخ. [[ أشهر تفاسير القرن الثالث والرابع ]] وفي القرن الثالث والرابع الهجري دخل التفسير في مرحلة جديدة وهي مرحلة الموسوعات الجامعة في التفسير، فظهرت تفاسير ضخمة مروية ومستوعبة لكثير من الأجزاء والنسخ المبثوثة في رحاب العالم الإسلامي آنذاك ذلك العالم الذي استطاعت حضارته أن تجمع وتؤلف بين العرب والعجم والبربر تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهذا جاءت بعض تفاسير العلماء حافلة بتفاسير السابقين وشاملة للقرآن كله وذلك بسبب انتشار العجمى ومن هذه التفاسير:   (1) نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة. (2) توجد منه أجزاء مخطوطة في المغرب وقد حققتْ في تونس، وهذه التفاسير المتقدمة ذكرت في المصادر السابقة في حاشية القائمة السابقة ويضاف إليها الرسالة المستطرفة ومفتاح السعادة ومصباح السعادة. (3) انظر التفسير 2/192. (4) انظر سير أعلام النبلاء 8/80. (5) المعجم المفهرس ل 44 ب. (6) صلة الخلف بموصول السلف ص 43، 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 تفسير عبد بن حميد الكشي ت 240 هـ (1) . تفسير ابن جرير الطبري ت 310 هـ. تفسير ابن المنذر النيسابوري ت 318 هـ (2) [[وقد اتحفني الشيخ عاصم قارئ بوريقات منه]] (*) . تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت 327 هـ (3) . وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه التفاسير عند كلامه عن الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة فساق أسماءهم -وذكر أولهم بأنه من طبقة شيوخهم- ثم قال: فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين، وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها ... (4) . وكذلك ابن أبي حاتم فقد حاول أن يفسر كل آية بل كل كلمة وحرف وقد يسوق أكثر من عشرة أوجه في الكلمة الواحدة (5) . ومن هذه التفاسير الموسوعية أيضاً: 1 - تفسير الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ت 241هـ. وتفسيره ضخم حافل بمائة وعشرين ألف رواية، صرح بهذا الرقم أبو الحسين بن المنادي في تأريخه فيما رواه عنه القاضي أبو الحسين أبو يعلى حيث ذكر عبد الله وصالح ابني الإمام أحمد فقال: كان صالح قليل الكتاب عن أبيه، فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند   (1) توجد منه قطعة في حواشي تفسير ابن أبي حاتم في المجلد الثاني. (2) توجد منه قطعة في ألمانيا الشرقية - مكتبة جوتا. (3) يوجد نصفه تقريباً وقد حقق في جامعة أم القرى. (4) العجاب في بيان الأسباب د-3. (5) انظر تفسير سورة آل عمران رقم 181-198 عند قوله تعالى (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَة) . (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية. أقول: وقد طُبعت القطعة (التي أشار إليها المؤلف) بتحقيق الدكتور سعد بن محمد السعد، وهي ضمن كتب هذا البرنامج (المكتبة الشاملة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مئة ألف وعشرون ألفاً سمع منها ثمانين ألفاً والباقي وجادة ... (1) ونقله أيضاً الخطيب البغدادي (2) والذهبي (3) ، وأبو موسى المديني في خصائص المسند (4) ، وصرح بهذا الرقم ابن الجوزي (5) . وقد ذكر هذا التفسير ابن النديم (6) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية (7) ، والداوودي (8) ، ومحمد السعدي الحنبلي ت900 هـ (9) ، وحصل الروداني المغربي على إجازة روايته فذكره في ثبته ثم ساق إسناده إلى الإمام أحمد بن جعفر القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه (10) . ولكن الإمام الذهبي أنكر وجود هذا التفسير، فبعد أن ذكر قول ابن المنادي قال: لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا التفسير ولا بعضه ولا كراسة منه ولو كان له وجود أو لشيء منه لنسخوه ... (11) . ويبدو أن الإمام الذهبي لم يحظ بجزء أو كراسة من تفسير الإمام أحمد علما بأن جزءا من تفسير أحمد كان موجودا في زمنه حيث نقله بنصه وفصه الإمام ابن قيم الجوزية -وهو معاصر للذهبي وتوفي ابن القيم سنة751 هـ أي بعد وفاة الذهبي بثلاث سنوات- فقال ابن القيم في بدائع الفوائد: ومن خط   (1) طبقات الحنابلة 1/183. (2) تاريخ بغداد 9/375. (3) سير أعلام النبلاء 13/328، 329. (4) ص 23 من مقدمة أحمد شاكر لمسند أحمد (5) مناقب الإمام أحمد ص 248. (6) الفهرست ص 285. (7) الفتاوي 6/389، 13/355 ودرء تعارض العقل والنقل 4/228. (8) طبقات المفسرين 2/22. (9) الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد في بداية عرضه لمؤلفات الإمام أحمد. (10) صلة الخلف ص 39 (11) سير أعلام النبلاء 13/522 وانظر 11/328، 329. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد. ثم ساقه بأكمله في تسع صفحات (1) إضافة إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر أفاد من تفسير أحمد وصرح بنقله منه (2) . والحق أن تفسير الإمام أحمد لم يشتهر كشهرة مسنده الذي ذاع صيته في الآفاق وكثر قصاده إلى العراق. 2- التفسير الكبير لأمير المؤمنين محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح ت 256 هـ. ذكر بروكلمان نسخة منه في باريس -المكتبة الوطنية- وقطعة منه في الجزائر في المكتبة الوطنية أيضاً (3) . ولعلها من صحيح البخاري. وقد سألت عن هاتين النسختين فلم أجد أحدا رآهما!! ويبدو من عنوانه أنه تفسير كبير. 3- تفسير أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازى ت 258 هـ. قال إبراهيم بن محمد الطيان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلا أدخلت في تصنيفي ثلاث مئة وعشرة وعطلت سائر ذلك وكتبت ألف ألف حديث وخمس مئة ألف حديث فأخذت من ذلك ثلاث مئة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيره (4) . 4- تفسير القرآن الكريم لابن ماجة القزويني ت 273 هـ. وصفه ابن كثير بالحافل فقال: ولابن ماجة تفسير حافل (5) .   (1) 3/108-116 (2) انظر مثلا تغليق التعليق 4/228 ومن أراد الاستزادة في إثبات وجود تفسير أحمد فليراجع مقدمتي لمرويات أحمد في التفسير ص 4-11. (3) تاريخ الأدب العربي 3/179. (4) انظر تهذيب الكمال 1/425. (5) البداية والنهاية 11/52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 والحافل الكثير الممتلئ (1) ، وذكره ابن خلكان والمزي والذهبي والداوودي (2) ، وللمزيد عن هذا الكتاب راجع مقالي بعنوان: استدراكات على تاريخ التراث العربي (3) ، والكتاب مفقود وقد جمعت روايات تفسيرية كثيرة من سننه، ومن الدر المنثور، ومن تهذيب الكمال في مواضع تراجم الرجال الذين رمز لهم المزي (فق) أي رجال ابن ماجة في التفسير. 5- التفسير الكبير لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي المشهور بابن راهويه ت 238هـ. ويبدو أنه كبير من عنوانه. ذكره ابن النديم والخطيب البغدادي والسمعاني والداوودي (4) . 6- التفسير لإبراهيم بن إسحاق الحربي ت 285 هـ قال الذهبي في ترجمته: مصنف التفسير الكبير (5) . وهو كسابقه وذكره ابن حجر والداوودي (6) . 7- التفسير لابن أبي داود عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ت 316 هـ. روى المفسر أبو بكر النقاش أنه سمع أبا بكر بن أبي داود يقول: إن في تفسيره مائة ألف وعشرين ألف حديث (7) . وذكر هذا التفسير الخطيب البغدادي والعليمي والداوودي (8) .   (1) الصحاح 4/1670 والنهاية 1/409. (2) انظر وفيات الأعيان 4/279 وتهذيب الكمال 4/90، 7/413 وسير أعلام النبلاء 13/277 وطبقات المفسرين 2/274. (3) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد 67، 68. (4) انظر الفهرست ص 268، وتاريخ بغداد 8/369، والتحبير في المعجم الكبير 2/190، وطبقات المفسرين 1/103. (5) تذكرة الحفاظ 2/701. (6) تهذيب التهذيب 10/281 وطبقات المفسرين 1/7. (7) انظر سير أعلام النبلاء 13/281 ولسان الميزان 3/295. (8) انظر تاريخ بغداد 9/464 والمنهج الأحمد 2/15 وطبقات المفسرين 1/336، 337. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 8- التفسير لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت 360 هـ. قال الداوودي في طبقات المفسرين: وله تفسير كبير. ا. هـ. وقد جمعت روايات تفسيرية من معاجمه الثلاثة وكتاب الدعاء، ومكارم الأخلاق، وجزء من سمع من عطاء. كلها للطبراني المذكور. 9- تفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق البستي ت 307 هـ. توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإسكندرية بمصر وقد وصل إلى النصف الثاني ويبدأ من سورة الكهف إلى نهاية التفسير، وصورته من مكتبة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله. وقد قرأت هذا التفسير الجليل ولاحظت عدم التصريح باسم المؤلف في الغلاف ولكن صرح باسمه في الورقة 126 ب، ومما يؤكد أن هذا التفسير لهذا المؤلف ما نقله العيني من هذا التفسير بأسانيد مماثلة له كما صرح باسم المؤلف أيضاً (1) . ووجدت لهذا التفسير مزايا كبرى: أولها: أن [[أغلب]] (*) أسانيده على شرط الصحيحين. ثانيها: أن مؤلفه طويل النفس في إيراد الأحاديث والآثار وعمله كصنيع ابن أبي حاتم في التفسير بالمأثور المجرد من أي قول آخر. ومن أجل ذلك اقترحت تحقيقه على فضيلة د. عوض العمري وفضيلة د. عثمان المعلم وقد حققاه ونالا به درجة الدكتوراه. 10- تفسير عمر بن أحمد بن عثمان المشهور بابن شاهين ت 385 هـ. قال الخطيب البغدادي في ترجمته: له التفسير الكبير. ا. هـ.   (1) عمدة القاري 19/14، 22، 8/283، 18/153، 218 (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وتفسيره كبير كما وصف حيث احتوى على تفاسير منها تفسير أبي الجارود (1) . وقال الكتاني: وهو في ألف جزء ووجد بواسط في نحو من ثلاثين مجلدا (2) . فهذه نماذج من كتب التفسير في ذلك العصر الذي برز فيه صرح التفسير بالمأثور شامخا مسندا كاملا للقرآن الكريم، فقد تكاملت أسسه التي أرسيت بثمار تلك الجهود المباركة السابقة، فاجتمعت مع جهود المتقدمين عنايةُ اللاحقين حيث جمعوا وأضافوا ونقدوا، وكان جميعهم عاكفين على هذا العلم، وعضوا عليه بالنواجذ لأنه جمع بين القرآن والسنة، وقد زاد اهتمامهم عندما تلوث هذا العلم بالدخيل بسبب تساهل بعض العلماء في إيرادهم الإسرائيليات بأنواعها، وبسبب صنيع الزنادقة والقصاص والكذابين وأهل الأهواء فوقع التحريف والتأويل والوضع. فما ورد عن المفسرين الكذابين طرح وفضح كتفسير محمد بن السائب (3) الكلبي وتفسير محمد بن مروان السدي الصغير (4) ، وكذلك ما ورد عن أهل الأهواء كصالح بن محمد الترمذي فقد كان مرجئا جهميا داعية يقول بخلق القرآن (5) ، وكمقاتل بن سليمان البلخي وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي مقاتل قاتله الله تعالى. قال الحافظ ابن حجر: وإنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه   (1) انظر تاريخ بغداد 11/267. (2) الرسالة المستطرفة ص 76، 77. (3) انظر العجاب د-10 وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير 4/76 والمجروحين 2/252، والكامل في الضعفاء ص 2127. (4) انظر العجاب د-10 وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير 4/126 والمجروحين 2/286، والكامل 1266. (5) انظر العجاب د-10 وانظر ترجمته في المجروحين 1/270 وميزان الاعتدال 2/200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 اشتهر عنه القول بالتجسيم (1) . قال إبراهيم الحربي مصنف التفسير الكبير (2) : وإنما جمع مقاتل تفسير الناس وفسر عليه من غير سماع. قال إبراهيم: لم أدخل في تفسيري منه شيئا (3) . وكذا الحال بالنسبة للزنادقة فقد وضعوا روايات وأحاديث كثيرة ومن المعروف أن كثيرا من هذه الروايات والأحاديث لها علاقة وطيدة بالتفسير. أخرج ابن عساكر عن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها ما فيها حرف نطق به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا (4) ؟. ولهذا انبرى جهابذة السلف إلى نقد الروايات والتفتيش عن الأسانيد، وقد بدأ هذا التحري بعد اندلاع الفتنة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - أو في زمن ابن الزبير وقد رجح الرأي الأخير مؤرخ السيرة أ. د. أكرم ضياء العمري (5) . أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن محمد بن سيرين: قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد. فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (6) . فكان أهل السنة بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يأتي بدخيل ولهذا وضعوا ضوابط محكمة وقواعد دقيقة للرواية.   (1) العجاب د-16 وأنظر ترجمته في الضعفاء الكبير 4/228 والمجروحين 2/14والكامل 2427. (2) انظر تذكرة الحفاظ 2/701. (3) انظر تهذيب التهذيب 10/281. (4) انظر تاريخ الخلفاء ص 293. (5) انظر بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 48-50. (6) المقدمة - باب بيان أن الإسناد من الدين 1/15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 قال محمد بن حاتم بن المظفر: ... وهذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا ... (1) . هكذا كان منهجهم في الرواية والتصنيف واستمر الحال على ذلك إلى القرن الثالث والرابع الهجري وكان أكثر المفسرين المصنفين يروون بالإسناد، فبرأوا ذمتهم لأنهم سموا شيوخهم ورواتهم وكانوا يميزون بين الصحيح والسقيم، وبعضهم يرى وجوب هذا التمييز بل وجوب نقد الرواة لمعرفة الثقة من الضعيف مثل ابن أبي حاتم وهو الذي صنف موسوعته في الجرح والتعديل من أجل بيان الثابت من التفسير ومن سنن البشير النذير صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تبين القرآن الكريم، فها هو يقول في تقدمة الجرح والتعديل: فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة (2) . إن هذا المنهج الدقيق وتلك الحلقات التفسيرية كانت متصلة من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع الهجري، وبدخول القرن الخامس الهجري بدأ تدريجيا إهمال الأسانيد بحذفها أو باختصارها مما ساعد على شيوع الإسرائيليات ورواج الأحاديث الواهية والموضوعة ونسب الأقوال الباطلة إلى الصحابة والتابعين، وهم برآء منها، وكانت فرصة سانحة للكذابين والوضاعين والزنادقة وأهل الأهواء، فاختلط الصحيح بالسقيم والحق بالباطل وانتشر ذلك في كتب   (1) رواه السخاوي من طريق أبي العباس الدغولي عنه (فتح المغيث 3/3) . (2) تقدمة الجرح والتعديل ص 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 التفسير بالمأثور، ولم يسلم منها إلا القليل كتفسير البغوي (1) وابن كثير وعبد الرزاق بن رزق الرسعني ت 661هـ (2) الذي روى أغلب تفسيره بإسناده واستمر الحال على ذلك إلى يومنا هذا. [[ من أسباب تأليف هذا التفسير ]] وقد تعالت صيحات وتوصيات لكثير من الغيورين في الأوساط العلمية لتنقية التفسير من الدخيل ولتمييز الصحيح من السقيم، وقد بذلت جهود لا بأس بها لغربلة بعض كتب التفسير من الدخيل وخصوصا في جامعة الأزهر، ولكن لم يقم أحد بنقد التفاسير بتمييز الصحيح من السقيم أو بجمع ما أثر من الصحيح المسند في التفسير، وكنت أفكر بهذا العمل منذ سنة 1404 هـ ولكني كنت أتردد بسبب ضخامة الموضوع وتعدد شعابه، وغزارة مصادره المطبوعة والمخطوطة القريبة والبعيدة، وعندما أسند إليَّ تدريس مادة التفسير ومناهج المفسرين في كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية ومادة طبقات المفسرين ومادة مناهج المفسرين والتفسير الموضوعي في شعبة التفسير بقسم الدراسات العليا والإشراف على رسائل الدكتوراه والماجستير ومناقشتها، رأيت الحاجة ماسّة لتصنيف تفسير بالمأثور ينتقى من الصحيح المسند من كتب التفسير المسندة ومن كتب الفنون الأخرى التي حوت التفسير بالمأثور المسند والتي سيأتي ذكرها في الهوامش وفي قائمة المصادر إن شاء الله، وكان لابد لي من القيام بشيء من هذا في تحضيري للطلاب وخصوصا لطلاب كلية القرآن الكريم باعتبارها كلية تخصص في التفسير إضافة إلى القراءات. فكان من ضمن التحضير نقد الكثير من الروايات التفسيرية معتمدا على أقوال كبار النقاد المشهورين كشيخ الإسلام ابن تيمية وأمير التفسير ابن كثير والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ الذهبي ومستأنسا بأقوال النقاد المعاصرين، وكان هذا النقد في تفسير السور التالية: سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والمائدة والأنعام والأنفال والحج والإسراء والنور، وتشكل هذه السور ثلث القرآن تقريباً.   (1) ساق أغلب أسانيده في مقدمة كتابه. (2) انظر الذيل على طبقات الحنابلة 2/274-276 والأعلام 3/292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقد سبق هذا التحضير عملي في تحقيق المجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ) وفيه سورتا آل عمران والنساء وقد بلغ عدد الروايات (4602) رواية فيها المرفوع والموقوف والمرسل، وعند هذا التحقيق لمست أن معظم كتب التفسير بالمأثور للمصنفين المتقدمين مفقودة، ولهذا قررت أن أجمع الروايات التفسيرية لهؤلاء المفسرين، وقد قمت بذلك بعد الانتهاء من التحقيق فجمعت مرويات أشهر المفسرين من أصحاب التفاسير المفقودة كالإمام مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن إسحاق وعبد الله بن المبارك ووكيع والدارمي وابن خزيمة وابن ماجة والطبراني ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد بن حميد كما جمعت روايات من تفسير ابن أبي حاتم من القسم المفقود من تفسيره، كما قمت بتحقيق تفسير يحيى ابن يمان ونافع بن أبي نعيم ومسلم ابن خالد الزنجي وعطاء الخراساني، برواية أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي ت 295 هـ (1) . وقد واكب هذا العمل اكتشاف تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني ت 220 هـ (2) . والاشراف والمناقشة على رسائل الدكتوراه والماجستير في علم التفسير وعلوم القرآن التي ناف عددها على الأربعين رسالة. وظهور بعض التحقيقات في التفسير وعلوم القرآن كتفسير عبد الرزاق الصنعاني وتفسير سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم الرازي ت 327 هـ (3) ، وأبي بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي ت 388 هـ ويسمى تفسيره (الاستغناء في علوم القرآن) وقد حقق منه سورة الفاتحة، وتفسير (الوسيط بين المقبوض والبسيط) للواحدي ت 468 هـ، كما ظهرت كتب أخرى كموسوعة في فضائل القرآن تصنيف الشيخ محمد رزق الطرهوني، وتحقيق فضائل القرآن للنسائي والفريابي وابن الضريس، والعجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر، والصحيح المسند في أسباب النزول لمقبل الوادعي، وتحقيق الناسخ والمنسوخ للنحاس، وتحقيق نواسخ القرآن، وتحقيق تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي.   (1) طبعته ونشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة. (2) وهو المنسوب إلى مجاهد انظر استدراكات على كتاب التراث العربي في كتب التفسير والقراءات بقلمي نُشرت في مجلة الجامعة الإسلامية عدد 85-100 ص 182-186. (3) يوجد نصفه تقريبا وقد حقق بجامعة أم القرى لنيل ثلاث عشرة رسالة دكتوراه وماجستير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 كما وقفت على قطع نادرة من تفسير عبد بن حميد ت 249 هـ وتفسير ابن المنذر النيسابوري ت 318 هـ (1) وتفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم البستي ت 307 هـ (2) وتفسير يحيى ابن سلام (3) ، وقد بلغني أنه حقق في بلاد المغرب، وتفسير عبد الرازق الرسعني ت 660 هـ وهو تفسير أغلبه مسند (4) . وأحكام القرآن لإسماعيل بن إسحاق الجهضمي ت 282 هـ. ومن فضل الله تعالى أن أتاح لي بلوغ الإطلاع والاقتناء لهذه الكتب قبل أن تطبع، وقد طبع أغلبها. إن اجتماع هذه العوامل المتقدمة من تحضير وتحقيق وجمع وإطلاع واقتناء شجعني على أن أخوض غمار موضوع الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور فانتقلت من مرحلة التردد إلى مرحلة التنفيذ، فاقتنيت ما يلزم من مصادر مطبوعة، وحصلت وصورت ما يلزم من المخطوطات والرسائل العلمية المكتوبة بالآلة الكاتبة ومنها ما تقدم ذكره آنفا، ولم أظفر ببعض كتب التفسير الهامة فكلفت بعض الزملاء لتصويرها، كتفسير ابن المنذر ت 318 هـ (*) ، وأحكام القرآن للطحاوي ت 123 هـ (*) ، وتوجد قطعة من الأول في مكتبة جوتا بألمانيا الشرقية وقطعة من الثاني في القيروان في تونس وأما كتاب الطحاوي فبلغني أنه يقوم بتحقيقه باحثان تركيان في مكة المكرمة، ولازلت أنتظر تصوير هذه الكتب.   (1) يوجد قطعة منهما في حواشي تفسير ابن أبي حاتم المجلد الثاني. (2) يوجد نصفه وقد صورته عن صورة من مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن نسخة الإسكندرية بمصر. (3) توجد قطعة منه في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله. (4) يحقق بجامعة أم القرى وقد أتحفني الأخ د. عبد العزيز العثيم بقطعة منه. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كلاهما (القطعة الموجودة من تفسير ابن المنذر، وأحكام القرآن للطحاوي) ، قد طُبع، وتجده ضمن كتب هذا البرنامج (المكتبة الشاملة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 المنهج في الجمع والتخريج والاختصار : وقد قمت بجولة علمية باحثا عن الكتب المتعلقة بهذا المشروع، فاستكملت مكتبتي حسب الحاجة، وجمعت ما تفرق من الشوارد والفرائد من تحضيراتي وتقييداتي الصالحة لهذا الباب، حيث انتخبت منها الصفو واللباب، ورتبتها حسب سور القرآن الكريم وآياته، ثم بدأت بالتفسير مصدرا السورة بفضائلها إن صحت الرواية، ثم بتفسير القرآن بالقرآن إن وجد وهو قمة البيان وغالبا ما أعتمد على كتاب أضواء البيان ثم تفسير ابن كثير وتفسير القاسمي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قال قائل: فما أحسن طريق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له (1) . وقد سلكت هذا الطريق متحرياً ما ثبت عن رسوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: "ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه" (2) ، وقدمت ما اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما، ثم ما انفرد به أحدهما ولا داعي لتخريج الحديث من مصادر أخرى لأن هدفي من التخريج التوصل إلى صحة الحديث وكفى بإطباق الأمة على صحتهما. قال الزركشي: لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا هو الطراز الأول ولكن يجب الحذر من الضعيف والموضوع فإنه كثير وإن سواد الأوراق سواد في القلب ... (3) .   (1) مقدمة في أصول التفسير ص 39. (2) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب السنة - باب في لزوم السنة رقم 4604 وما ذكرته قطعة من الحديث وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح 1/58 وصحيح الجامع الصغير 2/375. (3) البرهان في علوم القرآن2/156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وقد استفدت من تحذير الزركشي، فتركت كل ضعيف وموضوع، فإذا لم أجد الحديث في الصحيحين أو في أحدهما ألجأ إلى كتب التفسير وعلوم القرآن المسندة كفضائل القرآن وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وإلى كتب الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات والجوامع وغيرها من كتب السيرة والتاريخ والعقيدة المسندة مبتدئا بالأعلى سندا أو بما حكم عليه الأئمة النقاد المعتمدين، وأقوم بتخريجه تخريجا يوصلني إلى صحة الإسناد أو حسنه مستأنسا بحكم النقاد الجهابذة، فإذا لم أجد حديثا مرفوعا فأرجع إلى أقوال الصحابة الذين شهدوا التنزيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن (1) والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم (2) . أما إذ وجدت الحديث المرفوع الثابت فقد أسوق معه بعض أقوال الصحابة الثابتة إذا كان فيها زيادة فائدة وإذا لم يكن فيها فأكتفي بما ثبت من الحديث الشريف، وقد أوردت أقوال الصحابة رضوان الله عليهم بأصح الأسانيد عنهم. علما بأن بعض الأحاديث لا يندرج تحت التفسير مباشرة وإنما لها علاقة وتناسب مع الآية المراد تفسيرها، وفي بعض الأحيان يفيد إيراد ذكر اسم الباب والكتاب عند ذكر المصدر لتوضيح مناسبة إيراد الحديث. وهذا المنهج المتقدم في إيراد وانتقاء الأحاديث والآثار المروية عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه رضوان الله عليهم هو منهج ابن أبي حاتم القائل: فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، رضي الله تعالى عنهم،   (1) قوله (من القرآن) كذا في الأصل ولعلها القرائن. (2) مقدمة في أصول التفسير ص 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 فإن قيل فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، في كل دهر وزمان (1) . وكذا منهج سفيان الثوري وعطاء الخراساني وعبد الرزاق ويحيى بن يمان وسعيد بن منصور وابن المنذر فإنهم يقتصرون على الرواية فقط. فجدير لمن تاقت نفسه ليشتغل بعلم التفسير أن يسلك هذا المنهج فهو المعول عليه في هذا العلم، وقد مكنني من اتباع هذا المنهج العكوف على الأسانيد الواردة في التفسير وانتقاء الصحيح والثابت منها مع تركيز البحث على حكم الأئمة النقاد على هذه الأسانيد (2) . فإذا لم أعثر على قول صحابي فحينئذ ألجأ إلى ما ثبت من أقوال التابعين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير ... وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين (3) . وبالنسبة لأقوال الصحابة والتابعين فأغلبها كتب ونسخ رويت بأسانيد متكررة، فبعضها يتكرر آلاف المرات في تفسيري الطبري وابن أبي حاتم، وبعضها يتكرر مئات المرات فمثلا تكرر إسناد علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أكثر من (1500) مرة في تفسير الطبري وذلك حسب إحصائية الشيخ أحمد عايش الذي قام بجمع روايات علي بن أبي طلحة.   (1) تقدمة الجرح والتعديل ص 2. (2) انظر مثلا: المنتخب من أسانيد التفسير الثابتة عن ابن عباس بقلمي وانظر الأسانيد الواردة في آخر هذه المقدمة. (3) المصدر السابق ص 44، 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وقال الأستاذ سزكين عند تفسير قتادة: ويبدو أنه كان تفسيرا كبير الحجم ذكره الطبري أكثر من (3000) مرة، ربما يكون قد نقل كل مادته بالرواية التالية: حدثنا بشر بن معاذ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة. وقال أيضاً عند تفسير مجاهد: وقد نقل الطبري من هذا التفسير حوالي (700) مرة وذكره بالرواية التالية: حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ت 249 هـ قال: حدثنا أبو عاصم النبيل (ت 212 هـ) قال حدثني عيسى بن ميمون المكي قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد. وذكر أن الطبري نقل من تفسير عطية العوفي عن ابن عباس في (1560) موضعا وبإسناد واحد أيضاً (1) . وكذا الحال في تفسير ابن أبي حاتم، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني الذي روى أغلب تفسيره عن معمر عن قتادة. [[ دراسة أشهر الطرق والأسانيد المتكررة ]] ولهذا قررت أن أجعل دراسة الأسانيد والطرق المتكررة في المقدمة وذلك لعدم التكرار ثم لبيان موضع الحكم على صحتها وحسنها، وما لم أذكره في هذه المقدمة فهو من قبيل غير المتكرر فأحكم عليه في موضع وروده. وذكرُ الأسانيد في المقدمة من صنيع ابن أبي حاتم الرازي والبغوي في تفسيريهما والحافظ ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب وقد رتبت هذه الأسانيد على حروف المعجم كما يلي: الإسناد إلى أُبي بن كعب - رضي الله عنه -: - طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي: وقد اعتمد هذا الإسناد كبار المصنفين كالإمام أحمد في مسنده (2) ، وأبو داود في   (1) انظر تاريخ التراث العربي 1/71-75. (2) انظر مثلا: (5/133، 134) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 سننه (1) ، والترمذي في جامعه (2) ، والطبري (3) وابن أبي حاتم (4) في تفسيريهما، وابن خزيمة في التوحيد (5) ، والحاكم في مستدركه (6) ، والواحدي في أسباب النزول (7) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (8) ، والثعلبي (9) والبغوي (10) في تفسيريهما. وكثيرا ما اعتمد على هذا الإسناد الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، ويرويه ابن أبي حاتم عن عصام بن داود العسقلاني عن آدم بن إياس العسقلاني، عن أبي جعفر به (11) . وقد حكم الحافظ ابن حجر العسقلاني على الإسناد بأنه جيد (12) . كما يرويه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي عن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه به. وقواه الحافظ ابن حجر (13) . ويرويه الحاكم من طريق جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق عن أبي جعفر الرازي به، ويرويه أيضاً من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن الربيع بن أنس به، وصححه هو والذهبي (14) .   (1) انظر مثلا: كتاب الصلاة - ب من قال أربع ركعات رقم 1182. (2) انظر مثلا: التفسير - باب ومن سورة الإِخلاص رقم 3364، 3365. (3) انظر مثلا: (3/342) . (4) انظر مثلا: سورة البقرة الجزء الثاني رقم 28. (5) انظر مثلا: ص 41. (6) انظر مثلا: (2/540) . (7) انظر مثلا: ص 262. (8) انظر مثلا: ص 32. (9) انظر مثلا: الكشف والبيان ل 6 أ. (10) انظر مثلا: (4/421) . (11) انظر مقدمة ابن أبي حاتم في التفسير. (12) قارن فتح الباري 8/172 مع تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الثاني رقم 28. (13) انظر تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الأول رقم 1083 وقارن مع العجاب في بيان الأسباب ص 127. (14) انظر مثلا: المستدرك 2/2766، 323، 401، 540. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وقال السيوطي: وأما أُبي بن كعب فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح (1) . وحسنه الألباني (2) . وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذا الإسناد بأنه معروف فقال: وهذا التفسير معروف عن أبي العالية ورواه عن أبى بن كعب. ورواه ابن أبي حاتم وغيره من (طريق) (3) الربيع عن أبي العالية عن أُبي بن كعب (4) . وقال أيضاً: هكذا رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المعروف عن الربيع بن أنس (5) ، ونقل أيضاً عن ابن عبد البر قال: وروى بإسناده (6) في التفسير المعروف عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب ... (7) . بل قد اعتمد شيخ الإسلام هذا الإسناد في تفسير سورة الإخلاص (8) . وأبو جعفر الرازي هو: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة. مات في حدود الستين والمائة، وروى له الجماعة إلا البخاري فروى له في الأدب المفرد (9) . والربيع بن أنس: البكري أو الحنفي، بصري نزل خراسان صدوق له أوهام ورمي بالتشيع مات سنة أربعين ومائة أو قبلها روى له الأربعة (10) .   (1) الإتقان 2/242. (2) صحيح سنن الترمذي - سورة الإخلاص رقم 2680. (3) قوله طريق سقط من الأصل. (4) انظر دقائق التفسير 5/304. (5) انظر دقائق التفسير 5/304. (6) أي بإسناد ابن عبد البر. (7) انظر درء تعارض العقل والنقل 8/438. (8) ص 48. (9) انظر التقريب رقم 8019 وتهذيب التهذيب 12/56، 57. (10) انظر التقريب رقم 1882 وتهذيب التهذيب 3/238، 239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وأبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء والياء، ثقة كثير الإرسال، مات سنة تسعين أو بعدها، وروى له الجماعة (1) . وبما أن الرواية من نسخة فلا يضر سوء حفظ أبي جعفر ولا أوهام الربيع لأن نقلهم هنا عن طريق السطور لا الصدور، فما يروونه عن كتاب، ولهذا صححه الحاكم والذهبي والسيوطي وجوده ابن حجر واعتمده ابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية كما تقدم. ومما يؤكد أن هذا الإسناد ينقل من كتاب قول ابن أبي حاتم الرازي في مقدمة تفسيره: فأما ما ذكر عن أبي العالية في سورة البقرة بلا إسناد فهو: ما حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ... (2) . الإسناد عن أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي : طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية: يروي هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم وتقدم الكلام عنه في طريق أُبي بن كعب رضي الله عنه فلينظر هناك. الأسانيد عن ابن عباس : روى عنه جمع غفير من التابعين ذكرت طرقهم في كتاب المنتخب في الأسانيد الثابتة المروية عن ابن عباس في التفسير وسأذكر في هذه المقدمة بعض الطرق التي تتكرر كثيرا في التفسير عن ابن عباس وهي: (1) طريق سعيد بن جبير : من أشهر الطرق المتكررة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: - طريق محمد ابن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس.   (1) انظر التقريب رقم 1953 وتهذيب التهذيب 3/284. (2) مقدمة تفسير ابن أبي حاتم ص 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 قال الطبري: إن أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع. فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا! قالوا: يا محمد، لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! فأنزله الله عز وجل في ذلك من قولهم: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) إلى قوله: (لأُولِي الأَبْصَارِ) (1) ، (2) . وهذا الإسناد يتكرر كثيرا في كتب التفسير وخصوصا في تفسير الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير، والراوي دائما عن محمد بن أبي محمد هو محمد ابن إسحاق. وذكره الحافظ ابن حجر من طريق ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس (3) وفي موضع آخر قال: سنده جيد (4) أي أنه حسن وجود طريق ابن إسحاق إلى ابن عباس وهو نفس الإسناد المذكور حيث ذكره ابن كثير من طريق آخر غير طريق ابن عباس ثم ساقه بهذا الإسناد فقال: ورواه ابن إسحاق أيضاً عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس فذكره (5) ، ووردت هذه الرواية في سيرة ابن هشام بدون إسناد، وقد ساق ابن إسحاق مثل هذا المتن بدون إسناد ولعله حذف الإسناد أو حذفه ابن هشام؛ لأن هذه الرواية سبقت   (1) آل عمران 21. (2) التفسير. رقم 6666. (3) فتح الباري 7/332 (4) انظر العجاب في بيان الأسباب ل 36 ب. (5) التفسير 2/12، 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 بروايات محذوفة الأسانيد وكأنه اعتمد على الإسناد نفسه في بداية الروايات؛ لأن هذه الروايات غير المسندة أسندها ابن إسحاق كلها بالإسناد نفسه فيما نقله عنه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق (1) . وأخرج ابن أبي حاتم رواية طويلة من طريق يونس بن بكير به في سبب نزول قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) . (2) وذكره الحافظ ابن حجر مختصرا وحسنه (3) . وحسنه السيوطي أيضاً في لباب النقول في أسباب النزول بعد أن ذكر رواية ابن أبي حاتم (4) . وقد ساق هذا الطريق في الإتقان ثم قال: وهي طريق جيدة وإسنادها حسن (5) . وقد اعتبر الشيخ محمد نسيب الرفاعي الذي اختصر تفسير ابن كثير هذا الإسناد من الأسانيد الثابتة حيث ذكر في مقدمة مختصره شرطه أنه يختار أصح الأقوال ولا يسوق الروايات الضعيفة والموضوعة، وأكثر النقل بهذا الإسناد (6) . وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال عنه الإمام الذهبي: لا يعرف (7) ، [[وفي الكاشف: وثق]] (*) وقال الحافظ ابن حجر: مجهول (8) .   (1) انظر تفسير ابن أبي حاتم رقم 911، 979، 1081، 1088 مع التخريج لأن المحقق ذكر مواضع النصوص في سيرة ابن هشام وقارن مع تفسير الطبري رقم 1520، 1521، 1637، 1638، 1639، 1640. (2) التفسير سورة آل عمران رقم 1954. (3) فتح الباري 8/231. (4) ص 62. (5) الإتقان 2/242. (6) انظر مثلا: 1/76، 81، 114. (7) ميزان الاعتدال 4/26. (8) التقريب ص 555. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم (1) ، وذكره ابن حبان في الثقات (2) ، وقال أحمد شاكر عن توثيق ابن حبان: وكفى بذلك معرفة وتوثيقا (3) . والحق أن توثيق ابن حبان على درجات تبدأ من الثقة وتصل إلى الضعيف وقسمها الشيخ المعلمي إلى خمس درجات وأثنى الشيخ الألباني على هذا التقسيم واستحسنه (4) ، وقد انبرى الزميل الشيخ عداب الحمش لدراسة منهج ابن حبان في النقد، في رسالته (الإمام ابن حبان ومنهجه في الجرح والتعديل) ، وبعد التتبع والإحصاء تبين له أنهم على ثلاث درجات: 1- فمنهم الثقات وأهل الصدق. 2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار. 3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول وهؤلاء ذكرهم للمعرفة (5) . علما أن ابن حبان لم يذكره في المجروحين، ومع هذا لا نستطيع أن نجزم بتوثيق محمد بن أبي محمد ولا بتضعيفه، وكذلك بالنسبة لقول الذهبي: لا يعرف، وقول ابن حجر: مجهول لأن بعض المجهولين قد وثق وبعضهم قد ضعف وبعضهم غير ذلك (6) ، وكذا الحال بالنسبة للذين سكت عنهم البخاري ثم ابن أبي حاتم   (1) التاريخ الكبير 1/225 والجرح والتعديل 8/88. (2) الثقات 7/392. (3) تفسير الطبري 1/219 في الحاشية. (4) انظر التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل 1/438 مع الحاشية. (5) انظر رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل ص 72. (6) المصدر السابق ص 189-193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فبعضهم وثق وبعضهم ضعف وبعضهم ما بين درجة الثقة والضعيف (1) . ولكن توجد بعض القرائن تؤكد على تحسين طريق محمد بن أبي محمد وهي: 1- إن الحافظ ابن حجر ذكر هذا الإسناد ضمن أسانيد الثقات عن ابن عباس فقال في مقدمته النفيسة لكتابه (العجاب في بيان الأسباب) : والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء فمن الثقات مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد عن غيره بينته، ومنهم عكرمة ويروى التفسير عنه من طريق الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه. ومن طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير -هكذا بالشك- ولا يضر لكونه يدور على ثقة ... ثم ذكر طريق علي بن أبي طلحة وعطاء بن أبي رباح ثم قال: ومن روايات الضعفاء فساقها ... (2) . 2- إن أبا داود روى له وسكت عنه فأخرج رواية الطبري المتقدمة من طريق مصرف بن عمرو الأيامي ثنا يونس يعني ابن بكير قال ثنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت به (3) ، فرواية أبي داود له وسكوته عنه يؤيد حكم الحافظ ابن حجر أن إسناده حسن، كما روى له أبو داود رواية أخرى من طريق ابن إسحاق عن مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة ...   (1) المصدر السابق ص 244-248 وانظر مقالاً بعنوان سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمنكر يعد توثيقا له, نشر في مجلة كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود العدد الثاني عام 1399-1400هـ. (2) ق 5، 6. (3) السنن - كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة رقم 3001. وأخرج له رواية أخرى برقم 3002. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وسكت عنه أيضاً (1) ، وسكت عنهما المنذري في مختصره لسنن أبي داود وعلق على الروايتين بقوله: في إسناده محمد ابن إسحاق (2) . فقط. 3- قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه يقول الله تعالى لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (3) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (4) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات، وقال الضحاك عن ابن عباس (فتمنوا الموت) : فسلوا الموت، وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قوله (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ، قال: قال ابن عباس: لو تمنى يهود الموت لماتوا، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا عثام سمعت الأعمش قال لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه، وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس (5) . علما بأن طريق الضحاك عن ابن عباس منقطع لأن الضحاك وهو ابن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وحكمه بأن هذه الأسانيد صحيحة إما بمجموعها أو أن بعضها تقوى من الحسن إلى الصحيح لغيره.   (1) المصدر السابق رقم 3002. (2) 4/233. (3) البقرة 94. (4) البقرة 95. (5) التفسير 1/226. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ومن الجدير بالذكر أن ابن كثير صدر الأسانيد بطريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد المذكور وأيضا أنه رجحه لأن فحوى معناه المباهلة وهو الرأي الذي تمسك به ابن كثير وردّ به على الطبري، لأن الطبري رجح المراد من التمني أن يدعوا على أنفسهم بالموت (1) . 4- وقد يرجح الطبراني في بعض الأحيان مما يدل أنه يذهب إلى ثبوت هذا الإسناد (2) . 5- وقد روى الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت (3) ، وقال الهيثمي: ورجاله موثقون (4) . وبهذا يكون قد اعتمد هذا الإسناد الإمام الطبري والحافظ ابن حجر والهيثمي والسيوطي. كما نقل الذهبي في السيرة بهذا الإسناد وسكت عنه (5) . ومن الجدير بالذكر أن أغلب روايات محمد بن إسحاق بهذا الإسناد في نطاق المغازي والسير وذلك من خلال استقرائي لتفسير ابن كثير بكامله، وللموجود من تفسير ابن أبي حاتم ولبعض الأجزاء من تفسير الطبري، وكثير من هذه الروايات موجودة في سيرة ابن هشام بالإسناد المذكور أو بحذفه، ومن المعروف أن الأمة قد تقبلت روايات ابن إسحاق في المغازي والسير فلا غرابة من تحسين هذا الإسناد. وقد أكثر الطبري وابن أبي حاتم في روايتهما عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، ورواية ابن أبي حاتم غالبا ما تكون عن محمد بن العباس بن بسام تارة وعن   (1) التفسير 1/227، 228. (2) انظر جامع البيان 1/252 و10/430 ط. أحمد ومحمود شاكر. (3) المعجم الكبير 12/68رقم 12498. (4) مجمع الزوائد 2/14. (5) انظر السيرة النبوية ص 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 محمد بن يحيى الواسطي تارة كلاهما عن أبي غسان محمد بن عمرو زنيج عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق به. ورواية الطبري غالبا ما تكون عن أبي كريب محمد بن العلاء عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. وأبو كريب ثقة، ويونس بن بكير هو ابن واصل الشيباني: صدوق يخطئ. وقد روى له مسلم، ووصفه الذهبي بالإمام الحافظ الصدوق (1) . وقال أيضاً: وهو حسن الحديث (2) . وأما أنه يخطئ فلا يضر لأن ما يرويه عن ابن إسحاق من كتاب وهو السيرة كما تقدم أو من كتاب آخر لابن إسحاق لأن ما يرويه عن ابن إسحاق بإسناد واحد لا يتغير وهو الإسناد الذي نتكلم عنه. وابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق: بن يسار قال الحافظ ابن حجر في التقريب: إمام المغازي صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر. وقد تُكلم فيه، وحبَّر له الخطيب البغدادي ترجمة حافلة بلغت عشرين صفحة ذبَّ فيها عنه كل ما قيل فيه (3) . وقد تقبلت الأمة رواياته في السير والمغازي وكفى بقول الحافظ ابن حجر: إمام المغازي ولكن تدليسه من الطبقة الثالثة الذين لا تقبل روايتهم إلا إذا صرحوا بالسماع وقد صرح في هذا الإسناد بالسماع. ومحمد بن العباس بن بسام مولى بني هاشم قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق (4) . ومحمد بن يحيى بن عمرو الواسطي قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث سئل أبي عنه فقال: ثقة (5) .   (1) سير أعلام النبلاء 9/245. (2) ميزان الاعتدال 4/478. (3) تاريخ بغداد 1/214-234. (4) الجرح والتعديل 8/48. (5) الجرح والتعديل 8/125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وأبو غسان محمد بن عمرو، لقبه زنيج ثقة. وسلمة بن الفضل الأبرش: صدوق كثير الخطأ ولكن في غير روايته عن محمد بن إسحاق فقد نقل الحافظ ابن حجر عن يحيى بن معين قال: سمعت جريرا يقول: ليس من لدن بغداد إلى أن يبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة (1) . ونقل الذهبي عن ابن معين قال: كتبنا عنه وليس في المغازي أتم من كتابه. ونقل عَن زنيج قال: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت المغازي من ابن إسحاق مرتين وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي (2) . وقد ساق الحافظ ابن حجر حديثا بإسناده من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ثم قال: هذا حديث حسن صحيح (3) . (2) طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس : أشهر من روى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: ابن جريج وابن أبي نجيح وعمرو بن دينار. روى سفيان بن عيينة عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس في قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (4) قال: في شدة خلق، ثم ذكر مولده ونبات أسنانه، رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن عيينة (5) . وذكره في الفتح وصححه (6) .   (1) انظر تهذيب التهذيب 4/153، 154. (2) ميزان الاعتدال 2/192 والتاريخ لابن معين 2/226. (3) موافقة الخُبر الخبر ص 392، 393. (4) سورة البلد آية 4. (5) تغليق التعليق 4/3. (6) 6/365. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع (1) . وهذه الرواية ثابتة في تفسير محمد بن يوسف الفريابي (2) . طريق عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: وقال عبد الرزاق في المصنف: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار -أظنه- عن عطاء عن ابن عباس قال في أم الولد (3) : والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك (4) . ذكره الحافظ ابن حجر وصححه (5) . وكذا العيني (6) . (3) طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وهي صحيفة مشهورة تداولها العلماء وأكثرهم نقلا الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما فقد كادا أن يستوعبا هذه الصحيفة. ويروي ابن أبي حاتم هذه الصحيفة غالبا عن أبيه، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وأبو صالح: هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني مولاهم المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه. وقد تُكلم فيه،   (1) الصحيح - التفسير - سورة النساء، باب ولكم نصف ما ترك أزواجكم رقم 4578. (2) انظر فتح الباري 8/245. (3) أي الأمة المتزوجة والرواية في جواز بيعها. (4) 7/290 رقم 13218 باب بيع أمهات الأولاد. (5) موافقة الخُبر الخبر في تخريج آثار المختصر ص 259 (6) عمدة القاري 18/162) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وقال الذهبي: الإمام المحدث، وعرض أقوال النقاد وذبَّ عنه معظم ما قيل فيه (1) . ولا داعي لسرد الأقوال فيه لأن الحافظ ابن حجر ذكر القول الفصل في هدي الساري فقال: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه. ا. هـ. ثم سرد الأحاديث التي رواها البخاري عنه في صحيحه (2) . والراوي هنا عنه أبو حاتم -في تفسير ابن أبي حاتم- وهو من أهل الحذق فروايته من صحيح حديثه كما قرر الحافظ. - معاوية بن صالح: صدوق له أوهام. قال الحافظ ابن حجر في ترجمة علي بن أبي طلحة: ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها ولكنه لا يسميه يقول: قال ابن عباس أو يُذكر عن ابن عباس (3) . - علي بن أبي طلحة: مولى بني العباس، أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق قد يخطئ. وقد تُكلم في روايته عن ابن عباس بأنه لم يسمع منه (4) وأجاب عن ذلك أبو جعفر النحاس فقال: والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق. ا. هـ. (5) . وأرى أن الواسطة هو: مجاهد، إذ قارنت كثير من نصوص مجاهد في التفسير مع روايات علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، فوجدتها متوافقة غير مختلفة.   (1) سير أعلام النبلاء 10/405-416. (2) ص 414. (3) تهذيب التهذيب 7/340. (4) انظر المراسيل ص 140. (5) الناسخ والمنسوخ ص 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ويؤكد هذا أني وقفت على رواية في تفسير النسائي والأموال لابن زنجويه من طريق علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس (1) . وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه -العجاب في بيان الأسباب- الرواة الثقات عن ابن عباس فقال: وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة (2) . ونقل السيوطي عن ابن حجر أنه قال: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك (3) . وروى أبو جعفر النحاس بإسناده عن الإمام أحمد قال: بمصر صحيفة تفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا (4) . وفي رواية: ما ذهبت باطلا (5) . وأخرج الآجري من طريق جعفر بن محمد بن فضيل الرأسي قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد قال: حدثنا معاوية بن صالح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (6) قال: غير مخلوق (7) . وقد بلغ الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل يكتب إليه بإجازته، فكتب إليه بإجازته، فسُرَ أحمد بهذا الحديث (8) . نستنتج من هذا أن الإمام أحمد قد اعتمد هذا الطريق. وقال يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ت 909 هـ: وقد نقلت عن ابن عباس تفاسير متعددة لجميع القرآن من طرق شتى ومن أجودها التفسير الذي رواه معاوية بن   (1) تفسير النسائي ص 79، والأموال 1/312 رقم 479. (2) ص د-9. (3) الإتقان 2/241. (4) الناسخ والمنسوخ ص 12 وانظر فتح الباري 8/438 حيث نقل العبارة عن معاني القرآن للنحاس. (5) المصدر السابق المحقق 1/65. (6) الزمر 28. (7) الشريعة ص 77. (8) الشريعة ص 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. ا. هـ. ثم ذكر الانقطاع وذكر الواسطة مجاهداً وعكرمة (1) . وقال السيوطي: وقد ورد، عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة وفيه روايات وطرق مختلفة فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه (2) . فالإسناد حسن. وبالنسبة لأبي صالح عبد الله بن صالح أنه صدوق كثير الغلط فلا يضر كثرة غلطه لأن ما يرويه عن نسخة وغلطه في حفظه لا في كتابه وقد تقدم أنه ثبت في كتابه. وكذا الحال بالنسبة لأوهام معاوية بن صالح لأن ما يرويه عن نسخة علي ابن أبي طلحة. قال الحافظ ابن حجر عند الكلام على هذه النسخة: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه فى أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح. ا. هـ. (3) . وكذا عند الحاكم فقد روى مثل هذا الإسناد وصححه، ووافقه الذهبي (4) . وحسنه الهيثمي (5) . ولأهمية هذا الطريق اقترحت على الأخ د. أحمد عبد اللطيف عايش أن يدرس هذا الإسناد ويجمع الصحيفة وقد قام بذلك في تحضيره لرسالة الماجستير في جامعة أم القري ومن الموافقة أن أسندت إليّ مناقشة هذه الرسالة وكنت أحد المناقشين لها في عام 1409هـ.   (1) هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن 1/212. (2) الإتقان 2/241. (3) فتح الباري 8/438، 439. (4) المستدرك 3/23. (5) مجمع الزوائد 7/119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الإسناد عن عطاء بن أبي رباح : - طريق ابن أبي نجيح عنه: ويرويه الطبري عن محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح (1) . ورجاله ثقات يأتي ذكرهم مفصلا في طرق مجاهد بن جبر، والإِسناد صحيح. الإسناد عن عكرمة مولى ابن عباس : - طريق حصين عن عكرمة: قال الطبري: حدثنا يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا (حصين) (2) ، عن عكرمة قال: كانت طيرا (3) وذكره ابن كثير وصححه (4) ، وصححه الحافظ ابن حجر أيضاً (5) وله طرق أخرى كثيرة تقدمت في عرض طرق ابن عباس. الإسناد عن قتادة بن دعامة السدوسي : روى تفسير قتادة جماعة وأشهرهم: 1- سعيد بن أبي عروبة البصري. 2- شيبان بن عبد الرحمن النحوي. 3- معمر بن راشد الأزدي. (1) طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : يرويه الطبري عن بشر بن معاذ العقدي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة. وقد صححه الحافظ ابن حجر (6) . ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا بشر ابن معاذ صدوق والإسناد حسن والله أعلم.   (1) انظر مثلا التفسير رقم 1993. (2) في الأصل حسين وهو تصحيف والتصويب من رواية الطبري بعد هذه الرواية بعشر روايات ومما نقله ابن كثير عن الطبري وحصين هذا هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهديل الكوفي معروف بالرواية عن عكرمة وبرواية هشيم بن بشير عنه (انظر تهذيب الكمال 6/519-521) . (3) التفسير 30/298. (4) التفسير 8/508. (5) انظر فتح الباري 12/207. (6) انظر فتح الباري 6/364 وقارن مع تفسير الطبري 14/27 ط. حلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 - سعيد بن أبي عروبة بن مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري [[قال الحافظ ابن حجر في التقريب]] (*) ثقة حافظ، له تصانيف لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، روى له الجماعة. [[ا. هـ]] (*) وبالنسبة لتدليسه ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من المدلسين. وبالنسبة لاختلاطه فقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن حبان في الثقات أنه مات سنة (155 هـ) وبقي في اختلاطه خمس سنين ولا يحتج إلا بما روى عنه القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك ... (1) . وقال ابن عدي: وسعيد من ثقات المسلمين وله أصناف كثيرة وحدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه ... أرواهم عنه عبد الأعلى وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه ... وأثبت الناس عنه يزيد ابن زريع و ... (2) . ونقل الذهبي عن ابن معين أنه أثبت الناس في قتادة، ونقل عن ابن أبي حاتم أنه ثقة قبل أن يختلط وكان أعلم الناس بحديث قتادة. وكذا نقل عن الطيالسي (3) . وبالنسبة لتفسيره فقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد (4) . ولكن ابن أبي حاتم نقل عن يحيى بن سعيد أنه قال: سعيد بن أبي عروبة لم يسمع التفسير من قتادة (5) .   (1) تهذيب التهذيب 4/65. (2) الكامل ص 1233 وانظر تهذيب التهذيب 4/65، 66. (3) سير أعلام النبلاء 6/414، 415. (4) التاريخ 2/205. (5) تقدمة الجرح والتعديل ص 240. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 والصحيح أنه سمع التفسير من قتادة بدليل ما رواه البخاري من طريق يزيد ابن زريع، حدثنا سعيد عن قتادة (1) . قال العيني: وسعيد: هو سعيد بن أبي عروبة (2) . ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليّ أن اكتبه (3) . وقد أفاد الإمام أحمد من تفسير سعيد عن قتادة وصرح أنه من تفسير سعيد (4) . وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثابت (5) . والخلاصة: أن رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة صحيحة وكفى باعتماد البخاري عليها. كما صحح الذهبي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (6) . - يزيد بن زريع: بتقديم الزاي مصغرا، البصري، أبو معاوية ثقة ثبت روى له الجماعة. - بشر بن معاذ العقدي: بفتح المهملة والقاف، أبو سهل البصري الضرير، صدوق. وعلى هذا فالإسناد حسن وقد يعود تصحيح ابن حجر لهذا الإسناد بسبب رواية بشر بن معاذ من كتاب التفسير، أو بسبب اعتماد الأئمة النقاد على هذا التفسير والله أعلم.   (1) الصحيح - التفسير - سورة البقرة - باب وعلم آدم الأسماء كلها رقم 4476، والمغازي - باب ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ... رقم 4068. (2) عمدة القاري 17/417. (3) سير أعلام النبلاء 6/417. (4) الزهد ص 31. (5) تفسير سورة الإخلاص ص 201. (6) العلو ص 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فقولي: أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة فالمراد به اختصار هذا الإسناد. ويروي ابن أبي حاتم هذا الإسناد عن شيخه محمد بن يحيى عن العباس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريع به (1) . ومحمد بن يحيى: هو ابن عمر الواسطي نزيل بغداد قال ابن أبي حاتم كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث، سئل أبي عنه فقال: ثقة (2) . والعباس بن الوليد: هو ابن نصر النرسي ثقة روى له الشيخان. وهو معروف بالرواية عن يزيد بن زريع (3) . ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا محمدا شيخ ابن أبي حاتم والإسناد صحيح. وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فالمراد به هذا الإسناد. (2) طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة : يرويه ابن أبي حاتم عن موسى بن هارون الطوسي، ثنا الحسين بن محمد المروذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي عن قتادة (4) . ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا موسى وهو ثقة فالإسناد صحيح كما يلي: - شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب روى له الجماعة.   (1) انظر مثلا سورة آل عمران رقم 288. (2) الجرح والتعديل 8/125. (3) انظر تهذيب التهذيب 5/133. (4) انظر مثلا التفسير - سورة آل عمران رقم 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 - الحسين بن محمد المروّذي: التميمي نزيل بغداد ثقة روى له الجماعة. - موسى بن هارون الطوسي: أبو عيسى نزيل بغداد روى عن حسين بن محمد المروّذي تفسير شيبان النحوي عن قتادة. قال ابن أبي حاتم: كتب إليَّ بتفسير شيبان وبكتب محمد بن الحسين وسكت عنه (1) . ويروي ابن أبي حاتم هذا الإسناد بهذه الصيغة: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا .... الإسناد نفسه (2) . ووثقه الخطيب البغدادي (3) . وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة فهو هذا الإسناد وقد أذكره بتمامه لتمييزه عن الأسانيد المشابهة له، هذا وقد أخرج الإمام البخاري طريق الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة (4) . كما أفاد الإمام أحمد من تفسير شيبان عن قتادة حيث صرح بذلك في مسنده في تسعة مواضع فقط فيقول: ثنا حسين في تفسير شيبان عن قتادة (5) . (3) طريق معمر بن راشد عن قتادة : أكثر العلماء نقلا عن معمر بن راشد عن قتادة في التفسير هو عبد الرزاق ابن همام الصنعاني في تفسيره ومصنفه، وأغلب تفسيره عن معمر عن قتادة. وقد صحح إسناده الحافظ ابن حجر (6) وهو كما قال؛ لأن رجاله ثقات والإسناد متصل على شرط الشيخين كما يلي:   (1) الجرح والتعديل 8/168 وانظر غاية النهاية 2/324. (2) انظر مثلا التفسير - سورة آل عمران رقم 39، 40. (3) تاريخ بغداد 13/48. (4) الصحيح - التفسير - سورة آل عمران - باب أمنة نعاسا رقم 4562. (5) المسند 1/245، 2/392، 437، 3/13، 260، 261، 4/28، 29، 6/29، 449، وقد أتحفني الزميل د. عامر حسن صبري بمعظم هذه المواضع. (6) انظر مثلا فتح الباري 4/255 وقارن مع تفسير عبد الرزاق ص 486. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 - معمر بن راشد: الأزدي الأموي، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث بالبصرة روى له الجماعة. أ. هـ. وهو معروف بالرواية عن قتادة بن دعامة وبرواية عبد الرزاق عنه (1) . - قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت روى له الجماعة، ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين. وقد سمع من أنس وسعيد بن المسيب وأبي رافع على خلاف ولم يسمع من أبي بردة وخلاس بن عمرو ومجاهد وأبي العالية وسعيد بن جبير (2) . وإسناد عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يرويه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن أبي الربيع -أي الحسن بن يحيى- عن عبد الرزاق به (3) . الإسناد عن مجاهد بن جبر المخزومي : اشتهر ابن أبي نجيح برواية التفسير عن مجاهد ويكاد تفسير مجاهد يدور محور إسناده علي ابن أبي نجيح، فمن الطرق إلى ابن أبي نجيح عن مجاهد ما يلي: أولاً: طريق عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ويروي الطبري غالبا هذا الطريق فيقول: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى بن ميمون، قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد (4) .   (1) انظر تهذيب التهذيب 1/243، 244. (2) انظر المراسيل ص 168-175. (3) انظر مثلا تفسير الطبري رقم 225 وتفسير ابن أبي حاتم - سورة آل عمران - رقم 10. (4) انظر مثلا رقم 514. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ومحمد بن عمرو: هو أبو بكر الباهلي البصري: ثقة (1) . وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت. وعيسى بن ميمون: هو الجرشي: ثقة. وابن أبي نجيح: هو عبد الله بن يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمي بالقدر، وهو من مدلسي المرتبة الثالثة، وقد تُكلم فيه وفي روايته عن مجاهد، فنقل الذهبي أنه لم يسمع التفسير كله من مجاهد، ونقل أيضاً عن البخاري أنه كان يتهم بالاعتزال والقدر، وعن القطان أنه كان من رؤوس الدعاة. وأجاب الذهبي عن ذلك كله فقال: هو من أخص الناس بمجاهد، ونقل عن ابن المديني قال: أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح ولعله رجع عن البدعة وقد رأى القدر جماعة من الثقات وأخطؤوا (2) . ونقل ابن أبي حاتم عن وكيع قال: كان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح (3) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقول القائل: لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن يكون نظيره في الصحة. (4) كما وثقه جمع من الأئمة النقاد كابن معين وأحمد وأبي زرعة والنسائي وابن سعد والعجلي والذهبي (5) . وعلى هذا فرجاله ثقات وإسناده صحيح وصححه الحافظ ابن حجر (6) .   (1) انظر تاريخ بغداد 3/127. (2) سير أعلام النبلاء 6/125-126. (3) الجرح والتعديل 5/203. (4) الفتاوى 17/409 وانظر دقائق التفسير 6/452. (5) انظر تهذيب التهذيب 6/54، 55 وسير أعلام النبلاء 6/125. (6) انظر فتح الباري 2/355 والعجاب ص 127 وقارن مع تفسير الطبري 14/193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وقد أورد الطبري هذا الإسناد كثيرا، فإذا قلت: وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد فالمراد هذا الإسناد. ثانيا: طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ورقاء: هو ورقاء بن عمر اليشكري، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن وقد اختلف فيه، فنقل ابن حجر عن حرب قال: قلت لأحمد: ورقاء أحب إليك في تفسير ابن أبي نجيح أو شيبان؟ قال: كلاهما ثقة وورقاء أوثقهما إلا أنهم يقولون لم يسمع التفسير كله، يقولون: بعضه عرض ونقل عن يحيى بن سعيد قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير قرأت نصفه على ابن أبي نجيح وقرأ عليَّ نصفه. وعن الدوري قال: قلت لابن معين: أيما أحب إليك تفسير ورقاء أو تفسير شيبان وسعيد عن قتادة؟ قال: تفسير ورقاء، لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قلت: فأيما أحب إليك تفسير ورقاء أو ابن جريج؟ قال: ورقاء لأن ابن جريج لم يسمع من مجاهد إلا حرفا واحدا. ا. هـ. وقد وثقه أحمد وابن معين ووكيع، وأما ما قيل فيه ففي روايته عن منصور (1) . قال الحافظ في التقريب: صدوق في حديثه، عن منصور لين. ا. هـ. روى له الجماعة. وقد أورد البخاري مثل هذا الإسناد في صحيحه في كتاب التفسير باب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (2) . وقد أورد ابن أبي حاتم هذا الإسناد كثيرا في تفسيره يرويه عن حجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وشبابة: هو ابن سوار المدائني أصله من خراسان يقال: كان اسمه مروان مولى بني فزارة، ثقة حافظ روى له الجماعة.   (1) انظر تهذيب التهذيب 11/114، 115 وهدي الساري ص 450. (2) الأنفال 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وحجاج بن حمزة: هو ابن سويد العجلي الخشابي، ونقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه: شيخ مسلم صدوق (1) . وعلى هذا فالإسناد حسن. فإذا قلت: وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن فالمراد به هذا الإسناد. ومن الجدير بالذكر أن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي ت 212 هـ شيخ البخاري اعتمد كثيرا في تفسيره على إسناد ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فقد جمعت الروايات التي نقلها الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من هذا التفسير فبلغت 298 رواية (2) . كلها من هذا الطريق إلا بضع روايات رواها من طرق أخرى (3) . وكذا الحافظ عبد بن حميد ت 249 هـ أورد هذا الإسناد في تفسيره من طريق شيخه شبابة عن ورقاء به (4) . ثالثا: طريق شبل بن عباد المكي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ويروي من هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما وقد نقل الذهبي مثل هذا الإسناد في كتابه (العلو) ثم قال: هذا ثابت عن مجاهد (5) . وشبل بن عباد المكي: ثقة فالإسناد صحيح. كما توجد طرق أخرى عن مجاهد غير طريق ابن أبي نجيح تقدم ذكرها في طرق مجاهد عن ابن عباس، فلا حاجة لتكرارها.   (1) الجرح والتعديل 3/158، 159. (2) انظر مثلا 4/5، 183، 187، 189، 216، 218، 224، 235، 272 - 5/345، 359، 360، 361. (3) انظر القاعدة الأولى من كتابي (القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية ص 30، 31. (4) المصدر السابق ص 32. (5) ص 97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وما سوى هذه الأسانيد والطرق فانظر في رجالها من حيث التوثيق والتضعيف وذلك بعد التأكد من معرفة الرجل نفسه وطبقته فإذا كان الراوي من رجال الكتب الستة فترجمته من تقريب التهذيب أو تهذيب التهذيب أو كليهما، ولم أذكر موضع الترجمة لسهولة الرجوع إليها ولعدم الإِطالة، أما إذا كان الراوي من غير رجال الكتب الستة فأذكر موضع ترجمته من المصادر التي تتناول الجرح والتعديل. فإذا كان الراوي ثقة فأشير إلى ذلك وإذا كان الراوي ممن اختلف فيه فأنظر في أقواله النقاد جرحا وتعديلا، ثم أغربل أقوالهم وأرجح أقوال المعتدلين القوية تاركا أقوال المتشددين إذا تفردوا وأقوال المتساهلين إذا خالفوا غيرهم، ولا أعتبر أقوال النقاد الذين لا يعتد بهم بسبب قادح فيهم عند أهل السنة والجماعة. وأستأنس بمن يعول عليه في هذا الشأن وخصوصا المعتدلين من المتقدمين والمتأخرين. وقد أوفق بين أقوال النقاد المختلفة ظاهرا بمعرفة مقصود كل واحد منهم وذلك لأن لكل ناقد اصطلاحات خاصة به يستخدمها في حكمه على الراوي. ومن أراد الاطلاع على التراجم فليراجع تحقيقي للمجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت 328 هـ. وبالنسبة لمعرفة اتصال الإسناد فإن كان الراوي من رجال الصحيحين وصيغ أدائه كما في الصحيحين أو أحدهما فأعتبر الإسناد متصلا، وإذا كان الراوي من غير رجال الصحيحين فأنظر إلى طبقته واحتمال لقائه مع شيخه وأقرانه من خلال تواريخ البلدان والمواليد والوفيات ثم الرجوع إلى كتب العلل والمراسيل والتدليس. ولم أذكر شيئا من هذا في الكتاب سوى ما ورد بأن فلانا معروف بالرواية عن فلان، أو بأنه لم يلق فلانا، أو أن فلانا من المدلسين وما ذكرته من مدلسين فهو من كتاب تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر. وكل ذلك للاختصار وطول المشوار. وبعد بيان حال الرواة واتصال الإسناد والتخريج يأتي الحكم على الإسناد وأستأنس أيضاً ببعض أقوال النقاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 من المتقدمين والمتأخرين كما تقدم في إيراد الطرق والأسانيد وكما سيأتي في التفسير. إن هذا الاستئناس والاعتماد على أقوال النقاد لا يعني أن كل ما صححوه أو حسنوه أو جودوه أثبته في هذا التفسير وإنما أراجعه من خلال معرفة الرواة واتصال الإسناد، فما تبين لي أنه ثابت دونته وما تبين لي أنه غير ثابت من حيث الإسناد أو المتن فقد تركته ومثال ما لم يثبت سنده ما يلي: أولا: قال ابن أبي حاتم في التفسير: حدثنا أبي ثنا أبو الجماهر أبنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب (1) . وذكره الحافظ ابن حجر وحسن إسناده (2) . وقوله حدثنا أبي: أي أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: ثقة. وأبو الجماهر: هو محمد بن عثمان التنوخي ثقة. وسعيد بن بشير: الأزدي مولاهم ضعيف عند معظم النقاد، بل صرح ابن نمير أنه يروي عن قتادة المنكرات (3) . وأما تحسين ابن حجر لهذا الإسناد فلعله اشتبه عليه بسعيد بن أبي عروبة لأن روايته صحيحة عن قتادة، أو أن ابن حجر اعتمد على ما قاله الذهبي: وله عند أهل دمشق تصانيف رأيت له تفسيرا مصنفا، والغالب عليه الصدق (4) . أو لأنه صاحب قتادة كما نص الذهبي في أول ترجمته في المصدر السابق وبجميع الاحتمالات المتقدمة لا يرقى حديثه إلى الحسن والله أعلم.   (1) سورة البقرة رقم 2527. (2) فتح الباري 8/196 (3) انظر ميزان الاعتدال 2/129. (4) انظر ميزان الاعتدال 2/130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثانيا: قال الطبري: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه ليستجير مني فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يارب ما كان هذا الظن بك؟ فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك قال: فيقول أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف (1) . ذكره ابن كثير وصحح إسناده (2) . وأبو يحيى هو القتات معروف بالرواية عن مجاهد بن جبر وبرواية إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عنه (3) . وقد تُكلم فيه وعنده مناكير كثيرة. كما تُكلم في رواية إسرائيل عن أبي يحيى القتات بسبب أبي يحيى. قال الحافظ ابن حجر قال الأثرم عن أحمد: روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث مناكير جدا كثيرة، وأما حديث سفيان عنه فمقارب. فقلت لأحمد: فهذا من قبيل إسرائيل؟ قال: أي شيء أقدر أقول لإسرائيل مسكين من أين يجيء بهذه هو وحديثه عن غيره، أي أنه قد روى عن غير أبي يحيى فلم يجيء بمناكير. وقال علي بن المديني: قيل ليحيى بن سعيد: إن إسرائيل روى عن أبي يحيى القتات ثلاثمائة وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة. فقال: لم يؤت منه أتي منهما جميعا. يعني: من أبي يحيى ومن إبراهيم (4) .   (1) التفسير 18/187. (2) التفسير 3/311 ط. المعرفة. (3) تهذيب الكمال ل 1658. (4) انظر ترجمته في المصدر السابق وتهذيب التهذيب 12/277، 278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وبهذا يتضح أن الإسناد ضعيف من أجل أبي يحيى القتات. هذا بالنسبة لما لم يثبت سنده، وأما مثال ما لم يثبت متنه فكما يلي: أولا: قال البيهقي في (الأسماء والصفات) : حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا عبيد بن غنام النخعي، أخبرنا علي بن حكيم، حدثنا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قال (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنّ) (1) قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى. ذكره ابن كثير ثم قال: ثم رواه البيهقي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قول الله عز وجل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ) قال في كل أرض نحو إبراهيم عليه السلام ثم قال البيهقي إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا والله أعلم (2) . ثانيا: قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا: ربنا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض ومُثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا، فذهبت عنهما ثم   (1) الطلاق آية 12. (2) انظر تفسير ابن كثير 4/385 ط. المعرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا: والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتما حين سكرتما فخُيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا (1) . وحسنه الحافظ ابن حجر (2) . ولكن هذه الرواية ثبتت من طريق عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار وذلك فيما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب بنحوه مختصرا (3) . فهي من الإسرائيليات ومتنها يخالف النقل والعقل لما ثبت في الأحاديث الصحيحة في عصمة الملائكة. والأمثلة كثيرة جدا في الروايات المعلولة سندا ومتنا أو كليهما، واكتفيت بنماذج منها. وأما منهجي في الاختصار فهو كالتالي : (1) نظرا لسهولة الرجوع إلى المصادر في التفسير لترتيبها حسب السور والآيات ولعدم إطالة الحواشي، فقد اكتفيت بذكر المصدر دون ذكر الصفحة والجزء للاختصار حيث رأيت أن الكتاب سيتضخم حجمه، وأما المصادر الأخرى فأوردها بعد الرواية مباشرة وأذكر أسماءها مع الجزء والصفحة، والباب والكتاب إن تعددت الطبعات، وجعلت حروفها صغيرة متميزة وكذا أقوال النقاد في الحكم على الروايات للاختصار. وهذا المنهج في كل التفسير إلا سورة الفاتحة فذكرناها بحواشيها لكثرة الإحالة إلى غير كتب التفسير وفيها يتبين سبب اختصار الحواشي إذ أن   (1) المسند 6178. (2) انظر فتح الباري (10/225) . (3) تفسير عبد الرزاق ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الحواشي تأخذ مساحة كبيرة من التفسير وانظر للمزيد في مجلة الجامعة الإسلامية الأعداد ذوات الأرقام 101، 102 و105، 106 و107 ففيها الحواشي لتفسير الجزء الأول من القرآن الكريم. (2) اختصار الكلام عن رجال السند وخصوصا إذا تقدم البحث عنهم في تحقيقي لتفسير سورتي آل عمران والنساء من تفسير ابن أبي حاتم. ومن هذا الاختصار سند ابن أبي حاتم إلى السدي وسنده إلى مقاتل بن حيان. وأضيف هنا أن ما يرويه مقاتل بن حيان في التفسير فهو عن مجاهد والحسن البصري والضحاك. رواه الشافعي عن معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل ابن حيان. (1) (3) الاكتفاء بتفسير الطبري أو ابن أبي حاتم أو بكليهما في كثير من الأحيان لشمولهما ولاختصار تعدد المصادر. (4) في العزو أحيانا تتكرر الكلمة في القرآن الكريم كثيراً جداً، لذا يمكن الرجوع إلى تفسيرها عند أول ورودها فمثلا لفظ (حكيم) تكررت (96) مرة وورد تفسيرها في سورة البقرة عند الآية رقم (32) فلا داعي لتكرار الإحالة لكثرتها. وأما القصص فإنها تتضح من تتماتها في السور الآخرى فإن ورودها في عدة سور يكمل بعضها بعضا. ولهذا يأتي التفسير مبينا للغريب والمبهم وغالبا تجد الإحالة خشية التكرار. والإحالة في بعض الأحيان يكون إلى الآية فقط لأنها مفسِّرة للآية المنشود تفسيرها أو مفسِّرة لبعض أجزاء تلك الآية. (5) قد لا نجد معاني بعض الكلمات أو المفردات بسبب تقدم معناها في أصل الكلمة أو مشتقاتها فمثلا في قوله تعالي (ذلك كتاب لا ريب فيه) البقرة: 2. تقدم أن معناه لا شك فيه، فيصلح هذا المعنى لبيان الريب في خمسة وعشرين موطنا كما في قوله تعالى: قوله تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) البقرة: 23. قوله تعالى (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) آل عمران: 9.   (1) أحكام القرآن 2/148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قوله تعالى (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) آل عمران: 25. قوله تعالى (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه) النساء: 87. قوله تعالى (كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) الأنعام: 12. قوله تعالى (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) غافر: 34. قوله تعالى (إذاً لارتاب المبطلون) العنكبوت: 48. قوله تعالى (وارتابت قلوبهم) التوبة: 45. وكذا في سورة الإسراء 99، والكهف 21، والحج 5 و7، والسجدة 2، والشورى 7، والجاثية 26 و32، والتوبة 110. وسورة النور 50، والمائدة 106، والحديد 14، والطلاق 4، والبقرة 282، والمدثر 31، والحجرات 15. وكذلك قوله تعالى (يوم الدين) ورد في سورة الحجر 35، والشعراء 82، والصافات 20، وص 78، والذاريات 12، والواقعة 56، والمعارج 26، والانفطار 15 و17 و18، المطففين 11. فقد تقدم معناه في سورة الفاتحة أنه يوم الحساب. (6) وفي بعض الأحيان يتكرر اللفظ لكن المعنى لا يكون متفقاً وذلك حسب السياق كما في قوله (الصراط المستقيم) ، فكل ما ورد في القرآن الكريم من (الصراط المستقيم) هو الإسلام كما في سورة الفاتحة إلا في موضعين، في سورة الأعراف 86، والصافات 23. (7) بعض الكلمات تتكرر كثيرا فاختصارها كما يلي: كتاب: ك. باب: ب. مخطوط: خ. لوحة: ل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 (8) بالنسبة لأرقام الآيات وأسماء السور فقد اختصرتها في كل صفحة إذ فيها اسم السورة ورقم الآية المفسرة. (9) إن بعض الآيات واضحة لا تحتاج إلى تفسير، لذا لم يذكر المفسرون من الصحابة والتابعين تفسيرهن. وكذا آيات الصفات لله عز وجل. وقد سلكنا المنهج نفسه في الحالتين. وأخيرا أشكر الأخوة الأفاضل الذين شاركوا معي في جمع وتخريج (مرويات الإمام أحمد في التفسير) و (مرويات الإمام مالك في التفسير) و (مرويات الإمام الدارمي في التفسير) و (مرويات الإمام ابن ماجة في التفسير) و (مرويات التفسير النبوي) (1) وهؤلاء هم: د. عبد الغفور عبد الخالق البلوشي، والشيخ محمد بن رزق بن طرهوني، والباحث محمد أحمد البزرة، والشيخ محمد إبراهيم السامرائي، ود. جمال محمد السيد، ود. أبو محمد بن عبد الغني الدمنهوري. وقد انتخبت من هذه المصادر بعض الأحاديث المرفوعة الصحيحة والحسنة. كما أشكر الأخ الفاضل المهندس محمد سامي فرج على مساعدته في برمجة تحويل التفسير المدخل على جهاز الحاسوب (MACINTOSH) إلي جهاز (IBM) وقد نفذها ابني أحمد فلهما جزيل الشكر وكذا للأخ نزار سليم كيخيا على مشاركته في التنسيق والإدخال والإخراج بالحاسوب. كما أقدم الشكر الجزيل لزوجتي أم أحمد التي هيأت أسباب الهدوء للبحث والدراسة ولأولادي الذين ساعدوني في المشاركة لإدخال المعلومات ونسخ النصوص بآلة التصوير وهم: أحمد وأم الحسن وأم عبد الله وأم معاذ وعمر وبشير وعبد الرحمن. والحمد لله رب العالمين. كتبه حكمت بن بشير بن ياسين قباء - المدينة المنورة   (1) وسيتم إصداره بعد الانتهاء من التفسير الصحيح إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الاستعاذة فضائلها وحكمها من فضائل الاستعاذة أنها تدفع الوسوسة كما في قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (1) فأمر الله تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به. ومن فضائلها أنها تُذهب الغضب، روى الشيخان في صحيحيهما عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: "استب رجلان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: تعوذ بالله من الشيطان. فقال أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب" (2) . واللفظ للبخاري. وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة للقرآن الكريم فقال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (3) . وهذا الأمر على الندب ولا يأثم تاركها وهو قول جمهور أهل العلم (4) . والمراد من الشيطان: شياطين الإنس والجن. قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (5) .   (1) الأعراف آية 200، وفصلت آية 36. (2) انظر (فتح الباري رقم 6048 - الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن) (وصحيح مسلم رقم 2610 - البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب) . (3) النحل آية 98. (4) انظر تفسير القرطبي 1/86 وتفسير ابن كثير 1/32. (5) الأنعام آية 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وروى الإمام أحمد عن يزيد، أنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد فجلست إليه فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا. قال: قم فصلَّ. قال: فقمت فصليت ثم أتيته فجلست إليه، فقال لي: يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإِنس والجن. قال: قلت: يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم ... الحديث (1) . وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد أن ذكر جزءا منه (2) . ويشهد لبعضه الآية المتقدمة. وذكره ابن كثير من عدة طرق ثم قال: ومجموعها يفيد قوته وصحته (3) . كما تعوذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشيطان ومن همزه ونفخه ونفثه. روى الإمام أحمد عن محمد بن الحسن بن أنس، ثنا جعفر يعني: ابن سليمان، عن علي بن علي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه، ثم يقول: الله أكبر ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه (4) .   (1) المسند 5/179 (2) صحيح الجامع الصغير 6/258. (3) التفسير 3/312. (4) المسند 3/50، وأخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة (المسند 6/156) ، ومن حديث عبد الله بن مسعود (المسند 1/403، 404) ومن حديث أبي أمامة الباهلي نحوه (المسند 5/253) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وأخرجه أبو داود (1) وابن ماجة (2) من طريق عمرو بن مرة عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه نحوه. قال عمرو: همزه: الموته، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (3) وحسنه مقبل الوادعي في تحقيقه لتفسير ابن كثير (4) . ونقل القرطبي عن ابن ماجة قال: الموته يعني: الجنون، والنفث: نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه، والكبر: التيه (5) . ومعنى الشيطان: قال الطبري: والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء. ثم استشهد بالآية السابقة ثم بالرواية الآتية (6) . قال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب بِرْذَوْنَا فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. ذكره ابن كثير وصحح إسناده (7) . ومعنى الرجيم: قال ابن كثير: والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي: أنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ   (1) السنن - الصلاة - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم 764. (2) السنن - إقامة الصلاة - باب الاستعاذة في الصلاة رقم 807. (3) 1/136 رقم 658. (4) 1/30. (5) الجامع لأحكام القرآن 1/87. (6) التفسير 1/111، وأخرجه الطبري عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به (التفسير رقم 136) . (7) التفسير 1/34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) (1) . وقال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (2) وقال أيضاً: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِين) (3) . إلى غير ذلك من الآيات (4) . البسملة كيفية قراءتها أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى قتادة قال: سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم (5) . وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقطع قراءته آية آية ومنها البسملة. قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقطع قراءته آية آية (6) .   (1) الملك آية 5. (2) الصافات 7-11. (3) الحجر 16-18. (4) التفسير 1/34. (5) انظر فتح الباري - فضائل القرآن - باب مد القراءة رقم 5046. (6) السنن - الحروف والقراءات رقم 4001. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وأخرجه أبو عمرو الداني من طريق أبي عبيد -وهو القاسم بن سلام- عن يحيى بن سعيد به، وأخرجه أيضاً من طريق محمد بن سعدان عن يحيى بن سعيد به وزيادة: (ثم يقف) بعد كل آية، ثم قال: ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل في هذا الباب (1) وفي زيادة قوله: ثم يقف بيان لمعنى التقطيع. وقال ابن الجزري: وهو حديث حسن وسنده صحيح (2) . وأخرجه الحاكم من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج به بلفظ: يقطعها حرفا حرفا. وصححه وسكت عنه الذهبي (3) . فضائلها أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد! اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك. باسم الله أرقيك (4) . قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عاصم، عن أبي تميمة الهجيمي، عمن كان رديف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كنت رديفه على حمار فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان، فقال لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال: صرعته بقوتي، فإذا قلت باسم الله، تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب (5) .   (1) المكتفى في الوقف والابتداء ص 147. (2) النشر في القراءات العشر 1/226. (3) المستدرك 1/232. (4) الصحيح رقم 2186 - السلام، باب الطب والمرض والرقى. (5) المسند 5/59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وأخرجه الإمام أحمد من طرق أخرى عن رديف النبي صلى الله عيه وسلم (1) . وذكره ابن كثير وقال: تفرد به أحمد وهو إسناد جيد (2) . وأخرجه النسائي (3) والحاكم من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (4) ، وصححه محقق عمل اليوم والليلة، وصححه أيضاً الشيخ الألباني (5) . قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: آية من كتاب الله أغفلها الناس (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . ذكره الحافظ ابن كثير ثم قال: إسناده جيد (6) . وذكره الحافظ ابن حجر وحسنه ثم قال: أخرجه ابن مردويه عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن ناجيه عن خلاد بن أسلم ... وليث هو ابن أبي سليم فيه مقال لكن الأثر يعتضد بما تقدم (7) . وقد روى عن مجاهد: جعفر بن إياس بن أبي وحشية وتقدم ذكره عند طريق أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.   (1) المسند 5/71، 365. (2) التفسير 1/38، والبداية والنهاية 1/60. (3) عمل اليوم والليلة رقم 554. (4) المستدرك 4/292. (5) صحيح الجامع الصغير 6/169. (6) تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 114. (7) موافقة الخُبُر الخَبَر ص 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 نزولها قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن محمد المروزي وابن السرح، قالوا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال قتيبة (فيه) : عن ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . وهذا لفظ ابن السرح (1) . وصححه ابن كثير (2) . وأخرجه الواحدي، (3) والحاكم من طريق سفيان بن عيينة به وصححه، وقال الذهبي: أما هذا فثابت (4) . وأخرجه البزار من طريق سفيان بن عيينة به (5) . قال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح (6) والإسناد على شرط الشيخين. تفسيرها قوله تعالى (باسم الله) قال التجيبي مختصر تفسير الطبري (بسم الله) بمعنى: بذكر الله وتسميته أبدأُ وأقرأُ (7) .   (1) السنن رقم 788 - الصلاة، باب من جهر بها -أي البسملة-. (2) التفسير 1/34. (3) أسباب النزول ص 15. (4) المستدرك 1/231. (5) كشف الأستار 3/40. (6) مجمع الزوائد 2/109، 6/310. (7) مختصر تفسير الطبري ص 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قوله تعالى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أخرج الشيخان بإسنادهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي تغلب غضبي". وفي رواية لمسلم: "إن رحمتي سبقت غضبي" (1) . واللفظان لمسلم. وأخرج مسلم أيضاً بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحوش على ولدها، وأخَّرَ الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" (2) . وأخرجه البخاري بنحوه وزيادة قوله: "حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" (3) . وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد" (4) وأخرجه البخاري بنحوه وأطول (5) . والرحمن مشتق من الرحمة، وهو قول الجمهور (6) . والدليل ما أخرجه أحمد قال: ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض فقال له عبد الرحمن: وصلتك رحمٌ إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم   (1) صحيح البخاري رقم 7404 - التوحيد، باب قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه) ، وصحيح مسلم - التوبة - باب في سعة رحمة الله تعالى رقم 2751 وما بعده. (2) المصدر السابق رقم 19. (3) الصحيح - الأدب، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء رقم 6000 البسملة. (4) الصحيح - التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى رقم 2755. (5) الصحيح - الرقاق، باب الرجاء مع الخوف رقم 6469. (6) انظر تفسير القرطبي 1/104، وتفسير ابن كثير 1/42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وشققت لها من اسمي فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبته، أو قال من يبتها أبته (1) . وأخرجه أيضاً من حديث أبي هريرة بنحوه (2) . وصححه أحمد شاكر والألباني (3) . وأخرجه الحاكم من طريق يزيد بن هارون به، وسكت عنه هو والذهبي (4) . وأخرجه أحمد (5) وأبو داود (6) والترمذي (7) والحاكم (8) كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ردَّاد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف بنحوه. قال الترمذي: حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. والرحمن اسم من أسماء الله التي منع التسمي بها العباد. كما روى الطبري عن الحسن فقال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، عن عوف، عن الحسن، قال: "الرحمن" اسم ممنوع (9) . وعوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي ثقة وباقي رجاله ثقات أيضاً فالإِسناد صحيح إلى الحسن البصري. وانظر الروايات عند قوله تعالى في سورة الفاتحة: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيم) .   (1) المسند رقم 1659. (2) المسند 2/498. (3) صحيح الجامع الصغير 4/115 والمسند رقم 1659. (4) المستدرك 4/157. (5) المسند رقم 1686. (6) السنن - الزكاة - باب في صلة الرحم رقم 1694. (7) السنن - البر والصلة - باب ما جاء في قطيعة الرحم رقم 1907. (8) المستدرك 4/157، 158. (9) التفسير الصحيح رقم 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 سورة الفاتحة فضائلها أخرج مسلم بسنده عن ابن عباس، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سمع نقيضا من فوقه. فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته (1) . وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد بن المعلى قال مر بي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيت فقال: ما منعك أن تأتي، فقلت: كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُول، ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخرج من المسجد فذكَّرته فقال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته (2) . وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا، فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبِنُهُ برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أوكنت ترقي؟ قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم (3) .   (1) الصحيح - صلاة المسافرين، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة رقم 806. (2) الصحيح 8/381 رقم 4703 - التفسير - سورة الحج، باب فضل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، وفي رقم 5006 - ك فضائل القرآن - باب فضل فاتحة الكتاب. (3) الصحيح - فصائل القرآن - باب فضل الفاتحة رقم 5007. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 (الحمد لله) فضائلها روى مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض ... الحديث (1) . قال الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى بن إبراهيم ابن كثير الأنصاري، قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله. ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم وقد روى علي بن المديني وغير واحد عن موسى بن إبراهيم هذا الحديث (2) ، وأخرجه ابن ماجة (3) وصححه الألباني (4) ،وأخرجه ابن أبي الدنيا (5) والخرائطي (6) وابن حبان (7) كلهم من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير به، والحديث السابق الصحيح شاهد له. قال أبو داود: حدثنا أبو توبة، قال: زعم الوليد، عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم".   (1) كتاب الطهارة - باب فضل الوضوء رقم 322. (2) السنن - الدعاء - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة رقم 3383. (3) السنن - الأدب - باب فضل الحامدين رقم 3800. (4) صحيح سنن ابن ماجة 2/319 رقم 3065 وسلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1497. (5) الشكر ص 21. (6) فضيلة الشكر لله على نعمه ص 35. (7) موارد الظمآن رقم 2326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 قال أبو داود: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا (1) . وأخرجه ابن أبي شيبة (2) ، والنسائي (3) ، وابن ماجة (4) ، وابن حبان (5) ، والدارقطني (6) ، والبيهقي (7) كلهم من طريق قرة به نحوه. وقال الدارقطني: تفرد به قرة عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأرسله غيره عن الزهري عن النبي صلى لله عليه وسلم، وقرة ليس بقوي في الحديث، ورواه صدقة عن محمد بن سعيد عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصح الحديث، وصدقة ومحمد بن سعيد ضعيفان والمرسل هو الصواب (8) وكذا ضعفه الألباني (9) . وحسنه النووي ثم قال: وقد روي موصولا كما ذكرنا وروي مرسلا ورواية الموصول جيدة الإسناد وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا، فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير (10) . وحسنه ابن الصلاح والعراقي وابن حجر (11) ، والسبكي وذكر تخريج البغوي وابن الصلاح من طريق   (1) السنن - الأدب - باب الهدي في الكلام رقم 4840. (2) المصنف - الأدب - باب ما قالوا فيما يستحب أن يبدأ به الكلام 9/115 رقم 6734. (3) عمل اليوم والليلة رقم 494. (4) السنن - النكاح - باب خطبة النكاح رقم 1984. (5) الإِحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/102 وموارد الظمآن رقم 578 و1993. (6) السنن - الصلاة 1/229. (7) السنن الكبرى 3/209 وشعب الإِيمان كما ذكره الزيلعي في تخريجه لأحاديث الكشاف ل 2. (8) السنن - الصلاة 1/229. (9) ضعيف الجامع الصغير 4/147. (10) الأذكار ص 94. (11) انظر الفتوحات الربانية على الأذكار النبوية 3/288، 6/63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الأوزاعي عن قرة به (1) ، وحسنه السيوطي (2) . والعجلوني وقال: ألَّف فيه السخاوي جزءاً (3) . قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: لم يذكر لحمده هنا ظرفا مكانيا ولا زمانيا. وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية: السماوات والأرض في قوله (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض) الآية (4) وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله: (َهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَة) الآية (5) . وقال في أول سورة سبأ (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (6) (7) . قال الطبري: حدثنا علي بن الحسن الخراز، قال: حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي، قال: حدثنا محمد بن مصعب القرقساني، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأسود بن سريع: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس شيء أحب إليه الحمد، من الله تعالى، ولذلك أثنى على نفسه فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) . ورجاله ثقات إلا مبارك بن فضالة صدوق، والإسناد حسن. ورواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع قيل إنها منقطعة (8) . ولكن صرح الحسن   (1) طبقات الشافعية الكبرى 1/6، 7، 12، 15. (2) الجامع الصغير بشرح الفيض القدير 5/13. (3) كشف الخفاء 2/119. (4) الروم 18. (5) القصص 70. (6) سبأ 1. (7) أضواء البيان 1/101. (8) المراسيل لابن أبي حاتم ص 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 البصري بالسماع فيما نقله الضياء المقدسي (1) . وقرر ذلك الإمام البيقهي (2) . إضافة إلى ذلك أنه على شرط أرباب الصحاح كابن حبان (3) ، والحاكم ووافقه الذهبي (4) ، والضياء كما تقدم. وقد صححه الأستاذ أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري (5) . قال الطبري: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أنبأنا ابن وهب، قال حدثني عمر بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال: أخبرني السلولي عن كعب، قال: من قال "الحمد لله" فذلك ثناء على الله (6) . أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهيب عن سهيل بن أبي صالح به (7) . ورجال إسناد الطبري ثقات إلا سهيل بن أبي صالح. قال الحافظ ابن حجر: صدوق تغير حفظه بآخره روى له الجماعة، ورواية البخاري له مقرونا وتعليقا (8) . وقد تُكلم في روايته عن أبيه وأجاب عن ذلك محمد بن طاهر المقدسي، بأن سماعه من أبيه صحيح (9) . وعلى هذا فالإسناد حسن إلى كعب. وقد رجح ابن كثير هذا التفسير (10) .   (1) المختارة 4/742. (2) السنن الكبرى 9/77. (3) الإحسان 1/171 ح 231. (4) المستدرك 3/416. (5) 1/731. (6) التفسير رقم 153. (7) التفسير رقم 10. (8) التقريب ص 259. (9) شروط الأئمة الستة ص 12. (10) التفسير 1/37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 قوله تعالى (رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي رب السماوات السبع والأرضين ومن فيهن وما بينهن حيث بين الله تعالى ذلك عندما ذكر مناظرة فرعون لموسى فقال تعالى (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) (1) . وأخرج الطبري عن بشر بن معاذ العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: كل صنف عالم (2) . وإسناده حسن. قوله تعالى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال ابن كثير: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ورحمن أشد مبالغة من رحيم. أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي: "قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي ... وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي ... الحديث (3) . وقد تقدم في البسملة ذكر بعض الروايات التي تتعلق ببيان قوله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . وقد بين الله تعالى سعة رحمته فقال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (4) .   (1) الشعراء آية 23. (2) التفسير رقم (163) . (3) الصحيح - الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم 395. وقد قطعت هذا الحديث حسب موافقته لآيات سورة الفاتحة كصنيع ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره. (4) الأعراف 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 قوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بين الله عز وجل يوم الدين بأنه يوم الحساب كما في قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (1) . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا محمود بن غيلان، ثنا سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج في قول الله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال: يوم الجزاء (2) . ورجاله ثقات إلا الأعرج: لا بأس به وهو المفسر فإسناده صحيح إليه. وروى البخاري عند تفسير هذه الآية معلقاً عن مجاهد: بالدين: بالحساب، مدينيين: محاسبين (3) .ووصله عبد بن حميد من طريق أبي نعيم عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: (بِالدِّينِ) قال: بالحساب. وقوله محاسبين، وصله أيضاً عبد بن حميد من طريق شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به (4) . وكلا الإسنادين صحيحان. أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم وفيه أنه قال. وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي (وقال مرة: فوض إلي عبدي) (5) . وأخرج الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك" (6) .   (1) الانفطار 17 - 19. (2) التفسير 1/157 رقم 26. (3) التفسير- سورة الفاتحة، الفتح 8/156. (4) انظر تغليق التعليق 4/171. (5) الصحيح - الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم 395. (6) فتح الباري - الأدب، باب أبغض إلى الله رقم 6205، وصحيح مسلم - الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك رقم 2143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قال الإمام أحمد: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع اسم عند الله؟ فقال: أوضع اسم عند الله (1) . وذكر ابن كثير حديث الشيخين في التفسير (2) . وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، قال معمر: وربما ذكر ابن المسيب، قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان يقرؤن (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وأول من قرأها (ملك يوم الدين) مروان، قال أبو داود: هذا أصح من حديث الزهري عن أنس، والزهري عن سالم عن أبيه (3) . أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي المطرف عن الزهري به، دون ذكر ابن المسيب (4) . وذكر والترمذي أن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرفوعا به (5) . وأخرجه حفص بن عمر الدوري من طريق سليمان التيمي عن الزهري عن سعيد بن المسيب والبراء بن عازب مرفوعا به دون ذكر عثمان (6) . وهذه القراءة ثابتة قرأ بها عاصم والكسائي (7) . وقد ذكر هذا الحديث ابن كثير من رواية ابن أبي داود ثم قال: مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب (8) .   (1) المسند رقم 7325. (2) 1/51. سقطت هذه الرواية من طبعة الشعب لتفسير ابن كثير. (3) السنن - الحروف والقراءات رقم 4000. (4) المصاحف ص 93. (5) السنن - القراءات، باب في فاتحة الكتاب 5/186. (6) جزء من قراءات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقم (1) بتحقيقي. (7) انظر التيسير ص 18 والإِقناع ص 595. (8) التفسير 1/40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله لأن معناها مركب من أمرين: نفي وإثبات. فالنفي: خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنه العبادات، والإثبات: إفراد رب السماوات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع، وقد أشار إلى النفي من الإله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو (إياك) ، وقد تقرر في الأصول، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة، وفي المعاني في مبحث القصر: أن تقديم المعمول من صيغ الحصر، وأشار إلى الإثبات منها بقوله (نعبد) وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلا في آيات أخر كقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) الآية (1) . فصرح بالإثبات منها بقوله (اعْبُدُوا رَبَّكُم) وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . (2) وكقوله (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (3) فصرح بالإثبات بقوله (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) وبالنفي: بقوله (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (4) . وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته لابن عباس: "وإذا استعنت فاستعن بالله ... ". (5) . وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم: فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.   (1) البقرة 21. (2) البقرة 22. (3) النحل 36. (4) أضواء البيان 1/103. (5) انظر سورة البقرة آية (45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم (1) . ورجاله ثقات إلا الحسن وعبد الوهاب فصدوقان وعبد الوهاب هو ابن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ ومن مدلسي المرتبة الثالثة الذين لا يقبل تدليسهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولكن عبد الوهاب معروف بصحبة سعيد بن أبي عروبة وكتب كتبه لأنه كان مستملي سعيد وروايته عن سعيد قديمة قبل الاختلاط (2) . وأما سعيد بن أبي عروبة ثقة ولكنه مدلس إلا أنه من المرتبة الثانية فلا يضر وخصوصا أنه أثبت الناس في قتادة بل قد روى البخاري له في الصحيح في كتاب التفسير عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (3) . وقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد (4) . ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليَّ أن اكتبه (5) . فالإسناد حسن إلى قتادة. وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي لا نطلب العون إلا منك وحدك، لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة، وإتيانه بقوله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بعد قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة؛ لأن غيره ليس بيده الأمر، وهذا   (1) التفسير 1/158 رقم 29. (2) انظر تهذيب التهذيب 6/450، 451. (3) 5/127 باب سورة آل عمران، قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) ، وانظر عمدة القاري 17/155. (4) التاريخ 2/205. (5) سير أعلام النبلاء 6/417. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 المعنى المشار إليه هنا جاء مبينا واضحا في آيات أخر كقوله (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه) الآية (1) . وقوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت) الآية. (2) وقوله (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (3) . وقوله (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا) (4) . إلى غير ذلك من الآيات (5) . قوله تعالى (اهْدِنَا) أي ارشدنا ووفقنا. قال الأدفوي: (هدى) أرشد كما قال جل ثناؤه: (وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) (6) . و (هدى) : بيّن. كما قال جل ثناؤه (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) (7) . و (هدى) : بمعنى ألهم. كما قال تبارك اسمه (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (8) . أي ألهمه مصلحته وقيل إتيان الأنثى. و (هدى) : بمعنى دعا. كما قال جل ثناؤه (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (9) . وأصل هذا كله: أرشد، ويكون (هدى) : بمعنى وفق ومنه (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (10) . لا يوفقهم ولا يشرح للحق والإيمان صدورهم (11) . وقد علمنا الله تعالى كيفية الهداية إلى الصراط المستقيم بقوله تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) (12) .   (1) هود 123. (2) التوبة 129. (3) المزمل 9. (4) الملك 29. (5) أضواء البيان 1/104. (6) سورة ص 22. (7) سورة فصلت 17. (8) سورة طه 50. (9) سورة الرعد 7. (10) سورة البقرة 258. (11) تفسير الأدفوي ص 587-598. (12) سورة آل عمران 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قوله تعالى (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهو: دين الإسلام. وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (1) . فقد ذكر الله عز وجل أن الصراط المستقيم هو دين إبراهيم كما في الآية الأولى ثم بين أن هذا الدين هو الإسلام كما في الآية الثانية، وقد ثبت هذا التفسير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الإمام أحمد: ثنا الحسن بن سوار أبو العلاء، ثنا ليث يعني: ابن سعد، عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن النواس ابن سمعان الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكر حديثا طويلا والشاهد فيه: والصراط: الإسلام (2) . وأخرجه الإمام أحمد (3) أيضاً والترمذي (4) وحسنه، والنسائي (5) ، كلهم من طريق خالد بن معدان عن جبير بن نفير به مختصرا، وأخرجه الطبري (6) وابن أبي حاتم (7) والآجري (8) من طريق معاوية ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير به باختصار فذكروا الشاهد نفسه.   (1) الأنعام 161-163. (2) المسند 4/182. (3) المسند 4/182. (4) سنن الترمذي - أبواب الأمثال، رقم 3019. (5) تفسير النسائي ص 89. (6) التفسير رقم 187. (7) التفسير رقم 33. (8) الشريعة ص 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وذكره ابن كثير ثم قال: وهو إسناد حسن صحيح (1) . وصححه أيضاً السيوطي (2) والألباني (3) . كما ثبت أيضاً عن أبي العالية فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عاصم عن أبي العالية (4) . وإسناده حسن. قوله تعالى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) والذين أنعم الله عليهم هم: الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (5) . قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم) والمغضوب عليهم هم: اليهود. قال الله تعالى فيهم (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) (6) . وقال أيضاً: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (7) . وثبت ذلك أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن بديل العقيلي، أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بوادي القرى وهو على فرسه فسأله رجل من بني القين فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هؤلاء؟ قال: "هؤلاء المغضوب   (1) 1/43. (2) الجامع الصغير بشرح فيض القدير 4/254. (3) صحيح الجامع الصغير 4/4. (4) المصنف 11/367 رقم 20758. (5) سورة البقرة 90. (6) سورة المائدة 60، وانظر تفسير الطبري 1/185، وأضواء البيان 1/106. (7) التفسير رقم 198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عليهم وأشار إلى اليهود. قال: فمن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الضالين يعني النصارى، قال وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك أو قال غلامك فلان قال: بل يجر إلى النار في عباءة غلَّها (1) . وأخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق به وصححه أحمد شاكر (2) ، وذكر ابن كثير رواية ابن مردويه من طريق إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر مرفوعا مقتصرا على الشاهد (3) . وذكر الحافظ ابن حجر رواية ابن مردويه وحسن الإسناد (4) . وأخرجه أحمد (5) والترمذي من طريق سماك بن حرب قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم فذكره مرفوعا ومطولا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب (6) . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سماك أيضاً به (7) . ولكن الطبري أخرجه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي مقتصرا على الشاهد (8) . قوله تعالى (وَلا الضَّالِّينَ) والضالون: هم النصارى كما قال تعالى: (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (9) .   (1) المسند 5/32, 33 و5/77. (2) التفسير رقم 198. (3) التفسير 1/46 (4) فتح الباري 8/159. (5) المسند 4/384، 379. (6) السنن - التفسير - باب ومن سورة الفاتحة 5/202، 203. (7) التفسير رقم 41. (8) التفسير رقم 207. (9) سورة المائدة 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وهؤلاء هم النصارى كما صرح بذلك الطبري (1) وابن كثير (2) ، بل قال ابن كثير: وأخص أوصاف النصارى الضلال. وأيضا فإن السياق يدل على أنهم النصارى لأن الآيات التي قبلها صريحة في النصارى قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيح ... ) (3) . وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ... ) (4) . وثبت هذا التفسير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن المراد بالضالين هم: النصارى. كما تقدم من حديث أبي ذر وعدي بن حاتم، وقال ابن أبي حاتم بعد أن ساق حديث عدي: ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا (5) . وقال أبو الليث السمرقندي: وقد أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم أراد به اليهود، والضالين أراد به النصارى (6) .   (1) التفسير 1/487. (2) التفسير 3/148، 149. (3) سورة المائدة 72. (4) سورة المائدة 73. (5) التفسير 1/163. (6) بحر العلوم 1/242. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ذكر آمين وفضلها أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (1) . وأخرج مسلم بسنده عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أُقرت (2) الصلاة بالبر والزكاة؟ قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمَّ القوم (3) ، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمَّ القوم فقال: لعلك ياحطان قلتها قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني (4) ، بها فقال رجل من القوم أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين. يجبكم الله .... (5) . قال الإمام أحمد ثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمر بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة قالت: بينا أنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   (1) صحيح البخاري 8/159 رقم 4475 - التفسير، باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين وصحيح مسلم رقم 410 - الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين. (2) قوله: أُقرت أي قرنت بها وأقرت معهما. (3) قوله فأرمَّ القوم أي سكتوا ولم يجيبوا. (4) قوله: ولقد رهبت أن تبكعني بها: أي خفت أن تستقبلني بما أكره. قال ابن الأثير: البكع نحو التقريع، وفسره النووي بالتبكيت والتوبيخ. ا. هـ. وهذه المعاني أفدتها من حاشية صحيح مسلم. (5) الصحيح - الصلاة - باب التشهد في الصلاة رقم 404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 إذ استأذن رجل من اليهود، فأذن له فقال: السام عليك، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وعليك. قالت: فهممت أن أتكلم، قالت: ثم دخل الثانية فقال مثل ذلك، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وعليك. قالت: ثم دخل الثالثة فقال: السام عليك، قالت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يحيه به الله؟ قالت: فنظر إليَّ فقال: مه إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شيئا ولزمهم إلى يوم القيامة إنه لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين (1) . أخرجه ابن ماجة من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا مقتصرا على الشاهد بلفظ: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" (2) . وصحح المنذري (3) والبوصيري (4) إسناد ابن ماجة، وذكر المنذري أن الطبراني رواه في المعجم الأوسط بإسناد حسن وصححه مغلطاي (5) ، والألباني (6) . وكلمة آمين ليست من القرآن الكريم.   (1) المسند 6/134، 135. (2) السنن رقم 856 - إقامة الصلاة - باب الجهر بآمين. (3) الترغيب والترهيب 1/328 - الصلاة، باب الترغيب في التأمين خلف الإمام. (4) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة 1/106. (5) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 5/440-441. (6) صحيح سنن ابن ماجه ح 697 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 سورة البقرة فضائلها أخرج مسلم بسنده عن معاوية (يعني: ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيابتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة. فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة"، وقال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة. (الصحيح - صلاة المسافرين - رقم 804، ب قراءة القرآن وسورة البقرة) . وأخرج أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة". (الصحيح - صلاة المسافرين - رقم 780، ب استحباب صلاة النافلة) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما اجتَّره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدّث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك. ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ((صحيح البخاري 9/93 ح 5018 - فضائل القرآن - ب نزول السكينة والملائكة) ، و (صحيح مسلم رقم 796 - صلاة المسافرين، ب نزول السكينة لقراءة القرآن) . واللفظ للبخاري) . وقال الإمام أحمد: ثنا سليمان بن داود، قال: أخبرنا حسين قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني عمرو بن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة، عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أخذ السبع الأول فهو حبر. ((المسند 6/73) ، ذكره الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح غير حبيب بن هند الأسلمي وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/162) ، وأخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن جعفر به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/564) ، وقد خرّج هذا الحديث الشيخ محمد رزق طرهوني تخريجا وافيا وتوصل إلى تصحيحه أيضاً (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن 1/124، 125)) . قوله تعالى (الم) قال الدارمي: حدثنا أبو عامر قبيصة أنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: تعلموا هذا القرآن، فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول بـ (الم) ، ولكن بألف، ولام، وميم بكل حرف عشر حسنات. ((سنن الدارمي 2/429 - ك فضائل القرآن، ب فضل من قرأ القرآن) ، وأخرجه أبو القاسم ابن منده في الرد على من يقول الم حرف (ص 44) من طريق عبد الرزاق عن سفيان به. وقد صححه الألباني في عدة مواضع (انظر السلسلة الصحيحة رقم 660، وصحيح الجامع رقم 6345)) . وقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه فسرها، فيستحسن أن نقول: الله أعلم بالمراد منها، ولكن ثبت عن بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم أنهم بينوا تفسيرها واختلفوا فيها وأسوق هنا ما ثبت عنهم من الأوجه الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الوجه الأول: أنها قسم أقسم الله به وهو من أسمائه: وأخرج الطبري: بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله. وأخرج الطبري من طريق يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية قال حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة قال (الم) قسم. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن ابن علية به ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الوجه الثاني: أنها فواتح يفتح الله بها القرآن. قال الطبري: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن مجاهد قال: (الم) فواتح. (ورجاله ثقات إلا أحمد بن حازم الغفاري وهو أبو عمرو الكوفي صاحب المسند ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنا. ت 276 هـ (انظر تذكرة الحفاظ ص 594) . هذا وقد رواه الطبري من طرق أخرى إلى مجاهد، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. فالإِسناد صحيح) . الوجه الثالث: أنها اسم من أسماء القرآن. قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: (الم) قال: اسم من أسماء القرآن. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري، وابن أبي حاتم، من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به) . الوجه الرابع: أنها اسم من أسماء الله. قال البيهقي: وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، ثنا دعلج بن أحمد، ثنا محمد بن سليمان، حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن السدي قال: فواتح السور من أسماء الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ((الأسماء والصفات ص 120) ، وإسناده صحيح إلى السدي -وهو الكبير- فرجاله ثقات إلى السدي إلا محمد بن سليمان وهو ابن الحارث الباغندي اختلف فيه (انظر لسان الميزان 5/186 وسير أعلام النبلاء 13/386) ، ولكن قد روي من طرق أخرى إلى السدي (انظر تفسير الطبري رقم 233-235)) . قوله تعالى (ذلِكَ اْلْكِتَابُ) قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية قال: أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: (ذَلِكَ الْكِتَابُ) هذا الكتاب (وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن ابن علية به. وإسناده صحيح تقدم، وقد روي عن مجاهد والسدي وابن جريج نحوه [. واستناداً على هذه الرواية يكون معنى الكتاب: القرآن لأن الإِشارة إليه، واختصاص ذلك بالإشارة للبعيد حكم عرفي لا وضعي، فإن العرب تعارض بين اسمي الإشارة، فيستعملون كلا منهما مكان الآخر، وهذا معروف في كلامهم، وفي التنزيل من ذلك آيات كثيرة. ومن جرى على أن ذلك إشارة للبعيد يقول: إنما صحت الإشارة بذلك، هنا إلى ما ليس ببعيد، لتعظيم المشار إليه، ذهابا إلى بعد درجته وعلو مرتبته ومنزلته في الهداية والشرف (انظر تفسير القاسمي 1/32-33)) . قوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا معمر عن قتادة (لا رَيْبَ فِيهِ) يقول: لاشك فيه. ((تفسير عبد الرزاق ص 31) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. قال ابن أبي حاتم الرازي: ولا أعلم في هذا الحرف اختلافا بين المفسرين، منهم: ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وأبو العالية، والربيع بن أنس وقتادة، ومقاتل بن حيان، والسدي، وإسماعيل بن أبي خالد) . قوله تعالى (هُدَىً) قال الطبري: حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: (هُدَىً) قال: هدى من الضلالة. (وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أبي نعيم وعيسى بن جعفر عن سفيان، ومن طريق عبد الرزاق عن الثوري به. وسفيان هو الثوري وبيان هو ابن بشر الأحمسي، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. وإسناده صحيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 قوله تعالى (لِلْمُتَّقِينَ) قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، ثنا يحيى بن حمزة، ثنا زيد بن واقد، ثنا مغيث بن سمي عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد. ((السنن رقم 4216 - الزهد، ب الورع والتقوى) . قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه (مصباح الزجاجة 3/299 رقم 1504) . وصححه أيضاً الشيخ الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم 3397)) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ أبو غسان محمد بن عمرو زنيج، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد ابن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يقول الله سبحانه وبحمده (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه. وإسناده حسن تقدم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، حدثني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) من هم؟ نعتهم الله فأثبت نعتهم ووصفهم. وإسناده صحيح تقدم. وقد عدد الله تعالى أصنافا من المتقين في قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) سورة البقرة آية: 177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما سبقونا به فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيّناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) -إلى قوله- (الْمُفْلِحُونَ) . ((انظر تفسير ابن كثير 1/81) . وأخرجه ابن أبي حاتم، وابن مردويه (انظر تفسير ابن كثير 1/81 ق) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/260) ، وأخرجه الواحدي (الوسيط بين المقبوض والبسيط 1/195) ، كلهم من طريق الأعمش به. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في (الكافي الشافي ص 4-5 ح 22) ، والبوصيري في (المطالب العالية 3/69)) . قال الدارمي: أخبرنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي ثنا أسيد بن عبد الرحمن، عن خالد بن دريك، عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم، أحدثك حديثا جيدا، تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال: "نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني". ((سنن الدارمي 2/308 - ك الرقاق، ب في فضل آخر هذه الأمة) ، وأخرجه أحمد في مسنده (4/106) عن أبي المغيرة به، والطبراني في الكبير (4/27، رقم 3538) من طريق أبي المغيرة ويحيى بن عبد الله البابلتي كلاهما عن الأوزاعي به. ورجاله ثقات إلا أنه قد اختلف في إسناده. فأخرجه أحمد في مسنده (4/106) عن أبي المغيرة أيضاً به ولكنه قال: ... حدثني صالح بن محمد قال حدثني أبو جمعة ... فذكر صالح بن محمد بدل عبد الله بن محيريز. وكذا رواه الحاكم في (المستدرك 4/85) من طريق أبي المغيرة بهذا الإسناد فقال: صالح بن محمد. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وقد ذكر الحافظ في الفتح (7/6) لفظ رواية أبي المغيرة عن الأوزاعي، ثم قال: وإسناده حسن وقد صححه الحاكم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 قال الطبري: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زرِّ قال: (بِالْغَيْب) : القرآن. (وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن أبي أحمد الزبيري به. وإسناده حسن. وعاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود معروف بالرواية عن زر بن حبيش وبرواية الثوري وابن عيينة عنه (تهذيب الكمال ل 634)) . وقال الطبري: حدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) ، قال: آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القيامة، وكل هذا غيب. وإسناده حسن. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا عثمان بن الأسود، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) فقال: من آمن بالله فقد آمن بالغيب. ((وصفوان هو ابن صالح معروف بالرواية عن الوليد بن مسلم وبرواية أبي زرعة الرازي عنه (انظر تهذيب الكمال ل 609) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح) . وقال أيضاً: حدثنا أبي، ثنا شهاب بن عباد، ثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) قال: بغيب الإسلام. (وإسناده صحيح. وذكر ابن كثير هذه الأقوال ثم قال: فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به (التفسير 1/81)) . قال مسلم في صحيحه: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وكيع عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، وهذا حديثه: حدثنا أبي. حدثنا كهمس عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 سيكل الكلام إليَّ. فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإِيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإِحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: "أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان" قال ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم". ((الصحيح ـ ك الإيمان، ب بيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم 1) . وأخرجه البغوي من طريق يزيد بن هارون عن كهمس به ثم نقل عن الفراء أنه قال: فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الإسلام في هذا الحديث اسما لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإِيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين ولذلك قال: "ذلك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم". ثم ساق حديثا صحيحاً ليدلل على أن الأعمال من الإيمان (معالم التنزيل 1/46)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو بن العباس، الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، قال: حدثنا عيسى بن ميمون المكي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم وأخرجه الثوري بلفظه. (تفسير سفيان الثوري ص 41) ، وأخرجه آدم في تفسيره (ص 69) عن ورقاء عن ابن أبي نجيح به، وأخرجه الواحدي (أسباب النزول ص 19) من طريق شبل عن ابن أبي نجيح به) . قوله تعالى (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، أنبأ أبو غسان محمد بن عمرو زنيج، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: يقول الله سبحانه وبحمده (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يقيمون الصلاة بفرضها. وإسناده حسن تقدم. قوله تعالى (وَممَّا رَزَقنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَممَّا رَزَقنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) عبَّر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله، ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه، والذي ينبغي إمساكه ولكنه بين في مواضع أخر أن القدر الذي ينبغي إنفاقه: هو الزائد على الحاجة وسد الخلة التي لابد منها، وذلك قوله (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) والمراد بالعفو: الزائد على قدر الحاجة التي لابد منها على أصح التفسيرات، وهو مذهب الجمهور ... وقوله تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) الإسراء آية: 29، فنهاه عن البخل بقوله: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) ، ونهاه عن الإسراف بقوله (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) فيتعين الوسط بين الأمرين، كما بينه بقوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان آية: 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وبالإسناد الحسن المتقدم الذي رواه ابن أبي حاتم إلى ابن عباس (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) يؤتون الزكاة احتسابا بها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) فأنفقوا مما أعطاكم الله، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وقال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قال: زكاة أموالهم. وسنده حسن. قوله تعالى (وآلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَاَ أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ من قَبْلِكَ) روى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد المتقدم عن ابن إسحاق ... عن ابن عباس (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي يصدقونك بما جئت من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون بما جاؤهم به من ربهم. وروى ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم عن قتادة قوله (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) فآمنوا بالفرقان وبالكتب التي قد خلت قبله من التوراة والزبور والإِنجيل. قوله تعالى (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) قال عبد الرحمن بن يزيد بن رستة الحافظ في "كتاب الإيمان": ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، أخبرنا الأعمش، عن أبي ظبيان ح ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن علقمة عن عبد الله قال: الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 (رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن رستة به، ثم قال: وهذا موقوف صحيح (تغليق التعليق 2/22) ، وصححه العيني (عمدة القاري 1/130) . وأخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ (انظر تغليق التعليق 2/21) ، والحاكم كلاهما من طريق الأعمش به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/446)) . روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي: بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك قوله تعالى (أُولَئِكَ عَلى هُدىً مِن رَّبِهمْ) روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس (أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي على نور من ربهم، وإستقامة على ما جاءهم. قوله تعالى (وأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا. قال ابن أبي حاتم: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا الحسن بن محمد المروذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة (أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال: قوم استحقوا الهدى والفلاح بحق، فأحقه الله لهم، وهذا نعت أهل الإيمان. قوله تعالى (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أخرج الطبري بسنده عن طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله جل ثناؤه أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول. وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وروى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد الحسن المتقدم عن محمد ابن إسحاق ... عن ابن عباس (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بما أنزل إليك وإن قالوا: إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك، (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي أنهم قد كَفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم غيرك، فكيف يسمعون منك إنذاراً وتحذيراً؟ وقد كفروا بما عندهم من علمك. قوله تعالى (خَتَم الله عَلَى قُلُوبِهِمْ) أخرج مسلم بسنده عن حذيفة، قال: كنا عند عمر. فقال: أيكم سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا؟ فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا، كالكوز مُجَخِّيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه". قال حذيفة: وحدثته، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسراً، لا أبالك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر. وحدثته، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد. قال، قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا. ((الصحيح رقم 231 - الإيمان، ب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا) ، وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا (1/89) . قوله مربادا: والمربد المولّع بسواد وبياض (ترتيب القاموس المحيط 2/286) . قوله كالكوز مُجَخِّيا: مائلا (ترتيب القاموس المحيط 1/453)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت، حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) . ((المسند رقم 7941) ، أخرجه الترمذي (السنن - التفسير - سورة المطففين رقم 3334) ، وابن ماجة (السنن - الزهد - ب ذكر الذنوب رقم 4244) من طريق محمد بن عجلان به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه الطبري، والحاكم (المستدرك 2/517) من طريق صفوان بن عيسى به، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجه 2/417) ، وأحمد شاكر (المسند رقم 7941)) . وقال الطبري: فأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع. والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِم) ، نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم، إلا بعد فضه خاتمه وحله رباطه عنها. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك. وأخرج ابن أبي حاتم بالإسناد الصحيح من طريق شيبان عن قتادة قال: استحوذ عليهم الشيطان إذا أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قوله تعالى (وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصَارِهِمْ) قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: لا يخفى أن الواو في قوله: (وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها، وأن تكون استئنافية. ولم يبين ذلك هنا، ولكن بين في موضع آخر أن قوله (وَعَلَى سَمْعِهِمْ) معطوف على قوله (عَلَى قُلُوبِهِمْ) وأن قوله (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) استئناف والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو (غِشَاوَةٌ) وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادهما على الجار والمجرور قبلها. ولذلك يجب تقديم هذا الخبر، لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ .... فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع، وأن الغشاوة على الأبصار وذلك في قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) الجاثية: 23. فإن قيل: قد يكون الطبع على الأبصار أيضاً. كما في قوله تعالى في سورة النحل (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) الآية، النحل 108. فالجواب: أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل: هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية، والعلم عند الله تعالى. ((أضواء البيان 1/109، 110)) . قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِالله وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَاهُم بِمُؤْمِنِينَ) وهذا الصنف من الناس هم المنافقون كما سماهم الله تعالى في مطلعٍ سورة المنافقون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) وقال أيضاً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) النساء: 142. وقد تقدم في الآية رقم (3) قول مجاهد: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين. قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يذكر هنا بيانا عن هؤلاء المنافقين، وصرح بذكر بعضهم بقوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) التوبة: 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ونهى تعالى رسوله عن الصلاة عليهم والدعاء لهم فحينما صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عبد الله ابن أبي بن سلول أنزل الله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه) التوبة: 84. (وانظر صحيح مسلم - صفات المنافقين رقم 2774) . كما بين سبحانه وتعالى بعض صفاتهم في قوله تعالى (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) النساء: 143. وقد عرَّفنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض صفاتهم حتى نحذرهم ولكي لا نتصف بها، فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "أربع من كن فيه كان مناففا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". ((فتح الباري - الإيمان، ب علامة المنافق رقم 43) ، وصحيح مسلم (الإيمان، ب بيان خصال المنافق رقم 601) . واللفظ للبخاري) . وأخرجا أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". ((نفس المصدرين السابقين رقم 33، 107)) . وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة". ((الصحيح - صفات المنافقين وأحكامهم رقم 2784)) . وقد أخبر سبحانه وتعالى عن مصيرهم الرهيب فقال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار) النساء: 145، وسيأتي تفسيرها. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم. وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قوله تعالى (يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَءَامَنُوا) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ، نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق يصدق بلسانه، وينكر بقلبه، ويخالف بعمله، ويصبح على حال، ويمسي على غيره، ويمسي على حال، ويصبح على غيره، يتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها. وإسناده صحيح. قوله تعالى (وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنْفُسَهمْ وما يشعرون) قال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قوله (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) قال: ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم، بما أسروا من الكفر والنفاق، وقرأ قول الله تعالى ذكره (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) قال: هم المنافقون حتى بلغ (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) المجادلة: 18، قد كان الإِيمان ينفعهم عندكم. وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ولهذا أوردته هنا، وابن وهب هو عبد الله وابن زيد هو عبد الرحمن، والإسناد صحيح إليه. قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ، حتى بلغ (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) ، قال: هذه في المنافقين. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح) . قوله تعالى (في قلوبِهِم مَرَضٌ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق محمد ابن إسحاق عن ابن عباس (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) أي شك، ثّم قال ابن أبي حاتم: وكذا روي عن مجاهد والحسن وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وقتادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مالك بن دينار، عن عكرمة (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) قال: الزنا. ((ورجاله ثقات إلا مالك بن دينار صدوق فالإسناد حسن)) . وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) قال: ذلك في بعض أمور النساء. ((ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة، فالإسناد صحيح)) . قوله تعالى (فَزَادَهُم الله مَرَضاً) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: (فَزَادَهُم الله مَرَضاً) أي: شكا. قال الطبري: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) قال زادهم رجسا، وقرأ قول الله عز وجل (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) قال: شرا إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم. (وإسناده صحيح إلى ابن زيد وهو عبد الرحمن. وهذا التفسير من قبيل تفسير القرآن بالقرآن، وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن، وهو الجزاء من جنس العمل، وكذلك قاله الأولون، وهو نظير قوله تعالى أيضاً (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)) . قوله تعالى (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني ثنا آدم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم) قال: الأليم: الموجع في القرآن كله. (ثم قال: وكذلك فسره سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وقتادة وأبو مالك وأبو عمران الجوني ومقاتل بن حيان وإسناد ابن أبي حاتم إلى أبي العالية جيد تقدم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 قوله تعالى (وَإذا قِيلَ لَهُم لا تفسدوا في الأرْض قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصلِحُون ألاْ إنَّهُمْ هُمُ اْلمُفْسِدُونَ ولَكِن لايَشْعُرُون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض، أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة. (وإسناده حسن) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن من طريق ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) قال: هم المنافقون. قوله تعالى (وإذا قِيلَ لَهُم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ألا إنَّهُم هُمُ السُفَهَاءُ ولَكن لا يعلمون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء) يعنون: أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قوله تعالى (وإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا) أن صاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 قوله تعالى (وإذا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ) وبه عن ابن عباس (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وأخرجه أيضاً الطبري) . وأخرج الطبري عن بشر بن معاذ العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد، عن قتادة: قوله (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) أي: رؤسائهم في الشر. (وإسناده حسن) . وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) قال: إذا خلا المنافقون إلى أصحابهم من الكفار. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن من طريق ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) أي: إنا على مثل ما أنتم عليه. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) إنما نستهزئ بهؤلاء القوم ونسخر بهم. وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الشياطين من الإنس والجن كما تقدم في الاستعاذة. قوله تعالى (الله يستهزئ بِهِمْ ويَمُدُّهُم فِي طُغْيانِهِم يَعْمَهُون) أخرج الطبري من طريق ابن المبارك، وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق الحجاج بن محمد كلاهما عن ابن جريج قراءة عن مجاهد (يمدهم) قال: يزيدهم. ((واللفظ للطبري. وإسناده صحيح)) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يعني يترددون. يقول زادهم ضلالة إلى ضلالتهم وعمى إلى عماهم. وبه في قوله (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ) يعني: في ضلالتهم. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي في ضلالتهم يعمهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس (يَعْمَهُونَ) قال يتمادون. قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِين اشْترَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) قال: استحبوا الضلالة على الهدى. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) أي الكفر بالإيمان. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) آمنوا ثم كفروا. قوله تعالى (فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن قتادة في قوله (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) قال: هذه في المنافقين. وأخرج أيضاً عن محمد بن يحيى: أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) قد والله رأيتموهم فخرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة، يقول (فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) . ((وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري من طريق بشر بن معاذ عن يزيد به)) . قوله تعالى (مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً فَلَمَّا أضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَب الله بِنُورهِم وَتَركَهُم فِي ظُلمَات لا يُبْصِرُونَ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) إلى آخر الآية: هذا مثل ضربه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإِسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات) يقول: في عذاب. وإسناده حسن. وأخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ضرب الله للمنافقين مثلا، فقال: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) أي: يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم في ظلمات الكفر، فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق. ((وأخرج ابن أبي حاتم جزءا منه من طريق ابن إسحاق به)) . قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه. (وإسناده حسن) . وأخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) عن الخير. وبه (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي فلا يرجعون إلى الهدى ولا إلى خير فلا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه. (وإسناده حسن) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي: لا يتوبون ولا يذكرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) الآية، ظاهر هذه الآية أن المنافقين متصفون بالصمم والبكم، والعمى. ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن معنى صممهم، وبكمهم، وعماهم، هو عدم انتفاعهم بأسماعهم وقلوبهم وأبصارهم، وذلك في قوله جل وعلا (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأحقاف: 26. قوله تعالى (أوْ كَصَيِّبِ مِنَ السَّمَاء) قال البخاري: حدثنا محمد -هو ابن مقاتل أبو الحسن المروزي- قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن القاسم بن محمد عن عائشة: "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى المطر قال: صيباً نافعاً". (فتح الباري 2/518) . أخرج الطبري عن محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ) قال: القطر. ((ورجاله ثقات إلا هارون لا بأس به فالإِسناد حسن: ومحمد بن عبيد هو الطنافسي معروف بالرواية عن هارون بن عنترة (تهذيب الكمال ل 1430) . وأخرجه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" من طريق الثوري عن هارون بلفظ: المطر. (انظر تغليق التعليق 2/394) ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أحمد بن بشير عن هارون به، ثم قال: وكذلك فسره أبو العالية والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعطية العوفي وقتادة وعطاء الخراساني والسدي والربيع ابن أنس. ورواه البخاري معلقا عن ابن عباس بصيغة الجزم بلفظ: المطر. (فتح الباري 2/518) . ووصله الطبري بسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصيب: المطر. (وإسناده حسن) . قوله تعالى (فِيه ظُلمَاتٌ وَرعدٌ وبرقٌ يَجعلونَ أصَابعَهُم فِي آذانهم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذرَ المَوت والله مُحِيط بِالكَافِرين) أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فِيهِ ظُلُمَاتٌ) . يقول: ابتلاء. (وإسناده حسن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق محمد بن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس (فِيهِ ظُلُمَاتٌ) أي هم في ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب. (وإسناده حسن) . أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا ما هذا الرعد؟. قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده أو في يده مخاريق من نار يزجر به السحاب ويسوقه حيث أمره الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: صوته. قالوا: صدقت. ((المسند رقم 2483) ، والترمذي في (السنن - التفسير سورة الرعد رقم 3117) ، والنسائي في (السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 4/394) . واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصرا على موضع تفسير الرعد والحديث طويل، وقال الترمذي: حسن غريب وفي تحفة الأحوذي: حسن صحيح غريب (تحفة الأحوذي 8/542-544) ، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني: وقال: ورجالهما ثقات (مجمع الزوائد 8/242) . وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد (المسند رقم 2483) ، والألباني في (صحيح سنن الترمذي رقم 2492) . ولهذا الحديث شاهد من القرآن في قوله تعالى ( ... وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) الرعد: 13. وفيه تسبيح هذا الملك بحمد الله تعالى والملائكة معطوف على الرعد فهو عطف عام على خاص، كما تقدم في سورة البقرة آية: 98 (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ... ) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) والله منزل ذلك بهم من النقمة أي محيط بالكافرين. وأخرج عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) قال: الله جامعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وإسناده حسن. وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن بن صباح عن شبابة به وزاد قوله: يعني يوم القيامة (تغليق التعليق 4/171، 172) . وهذه الزيادة من ابن أبي حاتم أو من الحسن. قوله تعالى (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين. (وإسناده حسن) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) أي: لشدة ضوء الحق. (وإسناده حسن) . قوله تعالى (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) وأخرجا أيضاً بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر. يقول (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) كقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج: 11. (واللفظ للطبري) . وأخرجا من طريق ابن إسحاق بالإسناد الحسن عن ابن عباس: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) أي: يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وأخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني بها، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا) فمثله كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة لها مطر ورعد وبرق على جادة كلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها، فإذا ذهب البرق تحيروا فكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، وكلما شك تحير ووقع في الظلمة. (وإسناده جيد، وأخرجه الطبري من طريق عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه به، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن الحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك) . قوله تعالى (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) أي لما تركوا من الحق بعد معرفته. قوله تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق بسنده الحسن إلى ابن عباس قال: قال الله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم. قال الإمام أحمد: ثنا عفان ثنا أبو خلف موسى بن خلف كان يعد من البدلاء قال: ثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن الحارث الأشعري أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فكاد يبطيء فقال له عيسى إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وأن تأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أبلغهن ففال له: يا أخي إني أخشى إن سبقنني أن أعذب أو يخسف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 بي قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي عمله إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وإن الله عز وجل خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأمركم بالصلاة فإن الله عز وجل ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فقال هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه وأمركم بذكر الله كثيرا وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. ((المسند رقم 4/202) . وقال ابن كثير بعد أن ساق الحديث: هذا حديث حسن والشاهد منه في هذه الآية قوله: (وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً) ، وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له. ا. هـ التفسير (1/110، 111)) . قوله تعالى (الذي خلقكم والذين من قبلكم) بين سبحانه وتعالى أطوار خلق الإنسان في سورة المؤمنون (الآيات 12-14) فقال (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 قوله تعالى (لعلكم تتقون) أخرج ابن أبي حاتم عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (لعلكم تتقون) لعلكم تطيعونه. (ورجاله ثقات وسفيان هو الثوري وأبو داود الحفري اسمه: عمر بن سعد ابن عبيد الكوفي، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري من طريق ابن وكيع عن أبيه عن سفيان به) . قوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (الذي جعل لكم الأرض فراشا) قال: مهادا. (وأخرجه محمد بن يوسف الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه (تغليق التعليق 3/491) وإسناده حسن) . قوله تعالى (والسماء بناء) أخرج الطبري عن بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد، عن سعيد عن قتادة في قول الله (والسماء بناء) قال: جعل السماء سقفاً لك. ويزيد هو ابن زريع، وسعيد هو ابن أبي عروبة. والإسناد حسن تقدم. قوله تعالى (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم) روى ابن أبي حاتم عن أبيه ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عباد بن العوام ثنا سفيان بن حسين عن الحكم، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء من السحاب فيمر به السحاب فتدر كما تدر الناقة، وثجاج مثل العزالي غير أنه متفرق. (ورجاله ثقات والحكم هو ابن عتيبة الكندي معروف برواية سفيان ابن حسين عنه (تهذيب الكمال 7/114-116) . وهو مدلس لكن تدليِسه لا يضر لأنه من مدلسي الطبقة الثانية كما قرر الحافظ ابن حجر (طبقات المدلسين ص 20) . ورواية سفيان بن حسين عن الزهري فيها مقال لكنه لم يرو هنا عن الزهري. فالإسناد صحيح. قوله: العزالى: جمع عزلاء: والمراد بها هنا مصب الماء من الراوية. (ترتيب القاموس المحيط 3/218) . ومن في قوله تعالى (من الثمرات) لبيان الجنس. فيكون شاملا لكل الثمرات كما في قوله تعالى (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات) سورة النحل آية (11)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (فلا تجعلوا لله أنداداً) أي عدلاء. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (أنداداً) أي عدلا شركا. ثم قال: وروي عن الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبي مالك وإسماعيل ابن أبي خالد نحو ذلك. أخرج الشيخان في صحيحيهما لسنديهما عن ابن مسعود أنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. ((صحيح البخاري رقم 4477 - التفسير - سورة البقرة - ب قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) ، وصحيح مسلم - رقم 141، 142 - الإيمان، ب كون الشرك أقبح الذنوب)) . قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أنا أجلح عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما شاء الله وشئت. فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده. ((المسند رقم 1839) . ورجاله ثقات إلا الأجلح فصدوق وإسناده حسن، وصححه أحمد شاكر والألباني في (صحيح سنن ابن ماجة 1/362 رقم 1720) ، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة ص 545، 546) ، وابن ماجة (السنن - الكفارات - باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت رقم 211) من طريق الأجلح به. وقد روى هذا الحديث جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة. فأخرجه أحمد (المسند 5/393) ، والنسائي (عمل اليوم والليلة ص 554) بإسناد صحيح من حديث حذيفة ابن اليمان، وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن يسار في (عمل اليوم والليلة ص 545) وصححه محققه. وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن رجل صحابي. (المصنف 11/28 رقم 19813) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/73) ، وابن ماجة (السنن - الكفارات - ب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت. بعد رقم 2118) من حديث طفيل بن سخبرة وهو حديث طويل والشاهد فيه آخره: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد. قال البوصيري مشيرا إلى رواية ابن ماجة: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم. (مصباح الزجاجة 2/152) . وبهذا يكون الإسناد صحيحا لغيره، وقد صححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة 1/362 رقم 1721) . وذكره ابن كثير (التفسير 1/109-110) . والسيوطي (الدر المنثور 1/88) عند تفسير هذه الآية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد حدثني أبو عمر حدثني أبو عاصم أنبأ شبيب بن بشر ثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا) قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء، في ظلمة الليل. وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي. ويقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك. (وإسناده حسن. وقال ابن حجر: سنده قوي (العجاب في بيان الأسباب ص 51) ، وقال مؤلف تيسير العزيز الحميد (ص 587) : وسنده جيد) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما إلى ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لاشك فيه. وأخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا محمد بن يحيى ثنا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) إن الله خلقكم وخلق السموات والأرض ثم أنتم تجعلون له أندادا. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح) . قوله تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) أي في شك مما جاءكم به. وأخرجه أيضاً، بإسناده الجيد عن أبي العالية بلفظ: في شك. ثم قال: وكذلك فسره الحسن وقتادة والربيع بن أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (فأتوأ بسورة من مثله) مثل القرآن. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق يزيد عن سعيد عن قتادة (فأتوا بسورة من مثله) يعني: من مثل هذا القرآن حقا وصدقا لا باطل فيه ولا كذب. (وإسناده صحيح) . قوله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وادعوا شهداءكم من دون الله) من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين. (واللفظ للطبري وإسناده حسن) . وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (وادعوا شهداءكم) ناس يشهدون. قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) أي لا تقدرون على ذلك ولا تطيقونه. وأخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. ((فتح الباري - فضائل القرآن، ب كيف نزل الوحي رقم 4981) ، (وصحيح مسلم رقم 239 - الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) واللفظ لمسلم. وذكره ابن كثير ثم قال: وإنما كان الذي أوتيته وحيا أي: الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية لأنها ليست معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم. (التفسير 1/114)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 قوله تعالى (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو معاوية، عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله (وقودها الناس والحجارة) قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين. (ورجاله ثقات والإسناد صحيح وأبو كريب هو محمد بن العلاء، وأبو معاوية: محمد بن حازم وكلاهما ثقة. وأخرجه الحاكم من طريق مسعر به. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي (المستدرك 2/261) . وتعقبه الشيخ مقبل الوادعي بقوله: والأثر على شرط مسلم فإن عبد الرحمن بن سابط ليس من رجال البخاري كما في تهذيب التهذيب والكاشف والخلاصة (انظر هامش تفسير ابن كثير 1/115) . وقد بين الله سبحانه في سورة الأنبياء أن الكفار وأصنامهم من هؤلاء الناس والحجارة فقال (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) الآية 98) . قوله تعالى (أعدت للكافرين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (أعدت للكافرين) أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر. وقد وردت عدة أحاديث تدل على أن النار موجودة الآن ومنها ما يلي: أخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم. قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها". ((صحيح البخاري رقم 3265 - بدء الخلق، ب صفة النار وأنها مخلوقة) ، (وصحيح مسلم رقم 2843 - الجنة وصفة نعيمها، ب في شدة حر نار جهنم) ، وذكره السيوطي في (الدر المنثور 1/90، 91)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وأخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة مالي لايدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتليء، حتى يضع رجله فتقول قط قط قط، فهناك تمتليء ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشيء لها خلقا". ((صحيح البخاري رقم 4850 - التفسير سورة ق، ب وتقول هل من مزيد) ، (وصحيح مسلم رقم 2846 - الجنة وصفة نعيمهما، ب النار يدخلها الجبارون) . وذكره ابن كثير مختصرا (التفسير 1/116)) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جنهم. ((صحيح البخاري 2/15 رقم 533 - المواقيت، ب الإبراد بالظهر في شدة الحر) ، (وصحيح مسلم رقم 615 - المساجد، ب استحباب الإبراد، بالظهر) ، واللفظ للبخاري. وقد أخرجه أيضاً من حديث ابن عمر وذكره ابن كثير مختصرا (التفسير 1/116)) . وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إذ سمع وجبة. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تدرون ما هذا؟ " قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا. فهو يهوي في النار إلى الآن، حتى انتهى إلى قعرها". (الصحيح رقم 2844 - الجنة وصفة نعيمها، ب في شدة حر نار جهنم) . وذكره ابن كثير (التفسير 1/116) . قوله تعالى (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله ابن مرة عن مسروق قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل مسك. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح) وله شاهد يأتي في تفسير سورة الكوثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا أنواع هذه الأنهار ولكنه بين ذلك في قوله (فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى) سورة محمد: 15. وقد عقد البخاري في صحيحه باباً في صفة الجنة والنار فساق أحاديث كثيرة في صفة الجنة وكذا مسلم في صحيحه وورد أيضاً كتاب بعنوان الجنة ونعيمها فمن أراد الاستزادة فليرجع إليهما. أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سيحان وجيحان، والفرات والنيل، كل من أنهار الجنة". ((الصحيح رقم 2839 - كتاب الجنة ونعيمها، ب ما في الدنيا من أنهار الجنة) . وذكره السيوطي في (الدر المنثور 1/94)) . وقال الإمام أحمد: ثنا عفان ثنا سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعجبه الرؤيا الحسنة وربما قال رأى أحد منكم رؤيا فإذا رأى الرؤيا الرجل الذي لا يعرفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل عنه فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه فجاءت إليه امرأة فقالت يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة فسمعت وجبة ارتجت لها الجنة فلان بن فلان وفلان بن فلان حتى عدت اثني عشر رجلا فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم دما فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو البيدح فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم مثل القمر ليلة البدر ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأتوا بصحفة فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا فاكهة ما أرادوا وجاء البشر من تلك السرية فقال كان من أمرنا كذا وكذا وأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا الذين عدت المرأة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علي بالمرأة قصي على هذا روياك فقصت فقال هو كما قالت. ((المسند 3/257) . وأخرجه النسائي في السنن الكبرى من طريق أبي هشام المخزومي عن سليمان بن المغيرة به (تحفة الأشراف 1/138) . ورجاله ثقات وثابت هو البناني وقد تكلم فيه من جهة الاختلاط إلا أن أبا بكر البرديجي قال: ثابت عن أنس صحيح من حديث شعبة والحمادين وسليمان بن المغيرة فهم ثقات (تهذيب التهذيب 2/4) ، فالإسناد صحيح. وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى عبد بن حميد في مسنده وأبي يعلى والبيهقي في (الدلائل) والمقدسي في (صفة الجنة) وصححه (1/94-95)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قوله تعالى (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية يعني (كلما رزقوا منها من ثمرة) قال: كلما أوتوا منه بشيء ثم أوتوا بآخر قالوا هذا الذي أوتينا من قبل. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح المتقدم عن مجاهد (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) يقولون: ما أشبهه به. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي في الدنيا. وأخرج الطبري عن ابن بشار قال: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا سفيان قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة قال: نخل الجنة نضيد أصلها إلى فرعها، وثمرها مثل القلال كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى. ((رجاله ثقات وإسناده صحيح وابن بشار هو محمد، وابن مهدي هو عبد الرحمن، وسفيان هو الثوري، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود معروف برواية عمرو بن مرة عنه. (انظر تهذيب التهذيب 8/102)) . قوله تعالى (وأتوا به متشابها) أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء. ((ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرجه سفيان الثوري عن الأعمش به وقال الشيخ مقبل سنده صحيح على شرط الشيخين إشارة إلى طريق الثوري (انظر تفسير ابن كثير 1/119 مع الهامش) . وأخرجه الطبري من طريق محمد عبيد عن الأعمش به، ومن طريق مؤمل وابن بشار عن سفيان به) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأتوا به متشابها) يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم. ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدي نحو ما حكينا عن أبي العالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 قوله تعالى (ولهم فيها أزواج مطهرة) وقد بين سبحانه وتعالى نوعا من طهارة الأزواج في سورة الرحمن عند قوله (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) آية: 56. وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا صفات تلك الأزواج ولكنه بين صفاتهن الجميلة في آيات أخر كقوله (وعندهم قاصرات الطرف عين) الصافات: 48. وقوله (كأنهن الياقوت والمرجان) الرحمن: 58. وقوله (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) الواقعة: 22. وقوله (وكواعب أتراباً) النبأ: 33. إلى غير ذلك من الآيات المبينة لجميل صفاتهن. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أزواج مطهرة) يقول: مطهرة من القذر والأذى. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (ولهم فيها أزواج مطهرة) قال: مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد. وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أول زمر تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون. آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك. ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن. لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا". ((صحيح البخاري رقم 3245 - بدء الخلق، ب ما جاء في صفة الجنة) ، (وصحيح مسلم رقم 2834 وما بعده - كتاب الجنة وصفة نعيمها، ب أول زمرة تدخل الجنة) ، واللفظ للبخاري. وذكره السيوطي في الدر المنثور (1/98)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قوله تعالى (وهم فيها خالدون) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: (وهم فيها خالدون) أي خالدا أبدا يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له. وانظر رواية البخاري من حديث أبي سعيد في سورة مريم آية (39) . قوله تعالى (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) فإذا جاءت آجالهم، وانقطعت مدتهم صاروا كالبعوضة، تحيا ما جاعت وتموت إذا رويت. فكذلك هؤلاء الذين ضرب لهم هذا المثل إذا امتلئوا من الدنيا رياً أخذهم الله فأهلكهم. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قال: لما ذكر الله تبارك وتعالى العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) . (ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة. والإسناد إلى قتادة حسن، وكون هذا السبب روي من طرق أخرى فإن هذه الطرق المرسلة يقوي بعضها بعضا) . قوله تعالى (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (مثلا ما بعوضة) يعني الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ويهديهم الله بها ويضل بها الفاسقين يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به ويعرفه الفاسقون فيكفرون به. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) يعني: هذا المثل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة، قوله (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه الحق من الله. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيراً) فهم أهل النفاق. قوله تعالى (وما يضل به إلا الفاسقين) وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) فسقوا فأضلهم الله على فسقهم. قوله تعالى (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) إلى قوله (أولئك هم الخاسرون) قال هي ست خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: قوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) ، فإياكم ونقض هذا الميثاق، فإن الله قد كره نقضه وأوعد فيه، وقدم فيه في آي القرآن حجة وموعظة ونصيحة، وإنا لا نعلم الله جل ذكره أوعد في ذنب ما أوعد في نقض الميثاق. فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فلْيفِ به لله. أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطي ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي فقلت قوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) إلى آخر الآية. فقال هم الحرورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 (ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قال ابن كثير: وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فهو تفسير على المعنى لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا بالخوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام (التفسير 1/124)) . قوله تعالى (ويقطعون ما أمر به أن يوصل) قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هذا الذي أمر به أن يوصل وقد أشار إلى أن منه الأرحام بقوله (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) سورة محمد: 22. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن الصباح ثنا يزيد بن هارون، ويحي بن عباد، وشبابة بن سوار. قالوا: ثنا شعبة عن عمرو بن قرة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: الحرورية الذين قال الله: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) . والسياق: ليزيد. (وإسناده صحيح وانظر قول الحافظ ابن كثير آنفا) . قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) أخرج سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود في قوله عز وجل (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) قال: هي مثل الآية التي في أول المؤمن (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) . ((التفسير ص 43) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به. وأبو إسحاق هو: السبيعي، وأبو الأحوص هو: عوف بن مالك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) الآية قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله وخلقهم ثم أماتهم الموتة التي لابد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما حياتان وموتتان. قوله تعالى (ثم إليه ترجعون) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (ثم إليه ترجعون) قال: ترجعون إليه بعد الحياة. قوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات) وتفصيل هذه الآية في قوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) سورة فصلت: 9-12، وانظر تفسير ابن كثير. وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي فقال: "خلق الله، عز وجل، التربة يوم السبت. وخلق فيها الجبال يوم الأحد. وخلق الشجر يوم الاثنين. وخلق المكروه يوم الثلاثاء. وخلق النور يوم الأربعاء. وبث فيها الدواب يوم الخميس. وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة. في آخر الخلق. في آخر ساعة من ساعات الجمعة. فيما بين العصر إلى الليل". ((الصحيح رقم 2789 - صفات المنافقين، ب ابتداء الخلق وخلق آدم) . وقد تكلم بعض الأئمة النقاد في متن هذا الحديث وأجاب عنهم آخرون وقد سرد د. أحمد بن عبد الله الزهراني أقوال العلماء النقاد ثم عقبها بالإجابات ومنها أن هذا الحديث غير مخالف للقرآن الكريم، فأجاد وأفاد (تفسير ابن أبي حاتم - سورة البقرة 1/268)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) نعم والله سخر لكم ما في الأرض. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، ثم استوى إلى السماء) . قال: خلق الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذلك حين يقول (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات) . قال: بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين، بعضهن تحت بعض. (ورجاله ثقات إلا الحسن بن يحيى صدوق فالإسناد حسن) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ثم استوى إلى السماء) يقول: ارتفع. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات) ، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (فسواهن سبع سموات) قال: بعضهن فوق بعض بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام. قوله تعالى (وهو بكل شيء عليم) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: العالم الذي قد كمل في علمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) أخرج مسلم بإسناده عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم" ((الصحيح رقم 2996 - الزهد، ب في أحاديث متفرقة)) . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن قال: قال الله للملائكة: (إني جاعل في الأرض خليفة) قال لهم إني فاعل. (ورجاله ثقات إلا الحسن ومبارك فصدوقان ومبارك مدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالسماع وقد صرح فالإسناد حسن. وأخرجه الطبري من طريق جرير بن حازم ومبارك وأبي بكر الهذلي كلهم عن الحسن وقتادة بلفظه) . قال محمد بن سعد. أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف عن قسامة بن زهير قال سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك". ((الطبقات الكبرى 1/26) . وأخرجه أحمد (المسند 4/400) ، والترمذي (السنن رقم 2955 - التفسير - سورة البقرة) عن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر عن عوف به. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود من طريق يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد (السنن رقم 4693 - السنة، ب في القدر) ، وأخرجه الحاكم من طريق معمر كلهم عن عوف به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/261، 262) ، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة رقم 1630) ، وأحمد شاكر في (تفسير الطبري رقم 645) . وذكره السيوطي ونسبه إليهم وإلى غيرهم (الدر المنثور 1/118)) . أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ((صحيح البخاري رقم 3326 - الأنبياء، ب خلق آدم) ، (وصحيح مسلم رقم 2840 - الجنة وصفة نعيمها، ب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) . واللفظ للبخاري. وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى غيرهما (الدر المنثور 1/118)) . قال مسلم: حدثنا حسن بن علي الحلواني. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع. حدثنا معاوية (يعني ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله ابن فروخ، أنه سمع عائشة تقول: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى. فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار". قال أبو توبة: وربما قال (يمسي) . ((الصحيح رقم 1007 - الزكاة، ب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف)) . قوله تعالى (قالوا أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء) قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد قال الله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما قال الله (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يعنون الجن بني الجان فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور قال فقال الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها كما فعل أولئك الجن بنو الجان قال فقال الله (إني أعلم ما لا تعلمون) . (وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/261) . وقد يكون هذا الخبر من أهل الكتاب ولكنه من الأخبار التي لا تخالف نصا من الكتاب والسنة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (أتجعل فيها من يفسد فيها) قال كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فذلك حين قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها. قوله تعالى (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) أخرج مسلم بإسناده عن أبي ذر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده. سبحان الله وبحمده. ((الصحيح رقم 2731 - الذكر والدعاء، ب فضل سبحان الله وبحمده) ، وأخرجه البغوي في تفسيره من طريق مسلم به) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (ونحن نسبح بحمدك) قال: التسبيح، التسبيح. وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (نسبح لك ونقدس لك) قال: نعظمك. وإسناده حسن. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ونقدس لك) قال: نعظمك ونكبرك. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (ونقدس لك) قال: التقديس: الصلاة. قوله تعالى (قال إني أعلم ما لا تعلمون) قال الطبري: وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد -وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل- قالا جميعا: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إني أعلم ما لا تعلمون) قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها. (وإسناده صحيح. وأخرجه اللالكائي من طريق علي بن بذيمة عن مجاهد بلفظه. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص 546)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) قال: علم من إبليس المعصية. وأخرجه الطبري أيضاً من طرق أخرى عن مجاهد بنحوه. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: (إني أعلم ما لا تعلمون) فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة. أخرج البخاري ومسلم بإسناديهما عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون". ((صحيح البخاري رقم 555 - مواقيت الصلاة، ب فضل صلاة العصر) ، (وصحيح مسلم رقم 210 - المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل صلاتي الصبح والعصر) واللفظ للبخاري. وذكره ابن كثير ثم قال: فقولهم أتيناهم وهم يصلون من تفسير قوله لهم (إني أعلم ما لا تعلمون) . (التفسير 1/130)) . قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي وخلاد بن يحيى قالا: أخبرنا مسعر بن أبي حصين قال: قال لي سعيد بن جبير أتدري لم سمي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض. ((الطبقات الكبرى 1/26) ، ورجاله ثقات إلا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي صدوق وقد تابعه محمد ابن عبد الله الأسدي. وأبو حصين هو: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي. فالإسناد صحيح) . وأخرجه الطبري عن أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد، قال حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: خلق آدم من أديم الأرض، فسمى آدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 (ورجاله ثقات إلا أحمد بن إسحاق وهو الأهوازي: صدوق. وأبو حصين: هو عثمان بن عاصم المتقدم في رواية ابن سعد فالإسناد حسن. وانظر إلى قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) وقد ورد في الحديث المتفق عليه أن الله تعالى علمه أسماء كل شيء) . فأخرج الشيخان بسنديهما عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ... " الحديث. ((الصحيح رقم 4476 - التفسير - سورة البقرة، ب قول الله (وعلم آدم الأسماء كلها)) . (وصحيح مسلم رقم 322 - الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها) . واللفظ للبخاري) . قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك ابن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، قال سمعت أبا سلام قال: سمعت أبا أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم. قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون. ((الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) 14/69 ح 6190) ، وذكره ابن كثير بسنده ومتنه ثم قال: وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. ا. هـ (قصص الأنبياء 1/60) . وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ح 7545) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع به. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 8/210) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة. وأخرجه الحاكم من طريق أبي توبة وأطول وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/262) ، وصححه أيضاً محقق الإحسان) . قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة) وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (وعلم آدم الأسماء كلها) ، قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء. ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة (ثم عرضهم) قال علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة. قوله تعالى (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (بأسماء هؤلاء) قال: بأسماء هذه التي حدثت بها آدم. قوله تعالى (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) تقدم حديث مسلم ورواية الطبري وابن أبي حاتم عند قوله تعالى (ونحن نسبح بحمدك) . قوله تعالى (إنك أنت العليم الحكيم) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله (الحكيم) قال: حكيم في أمره. قوله تعالى (قال يا آدم أنبئهم بأسماءهم فلما أنبأهم بأسماءهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه. قوله تعالى (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) قال: أسروا بينهم فقالوا: يخلق الله ما يشاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا ونحن أكرم عليه منه. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فكان الذي كتموا قولهم لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق آدم أو بعد خلقه؟ وقد صرح في سورة الحجر وص بأنه قال لهم ذلك قبل خلق آدم. فقال في الحجر (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وقال في سورة ص (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قول الله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) قال للملائكة الذين كانوا في الأرض. قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر) وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) الكهف: 50. كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن. وهذا التفسير مستنبط من قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) . وأخرج الطبري عن محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس. (وذكره ابن كثير وصحح إسناده (التفسير 1/140)) . قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) الأعراف: 12. وقوله (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) الحجر: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته. ومعنى: استكبر أي تكبر فالسين للمبالغة. ((انظر تفسير القاسمي 2/101)) . وقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنى الكبر وخطره. فأخرج مسلم بإسناده عن ابن مسعود عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ... الكبر بطر الحق وغمط الناس". ((الصحيح رقم 147 - الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه)) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (أبى واستكبر وكان من الكافرين) حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري وهذا طيني. فكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم. قوله تعالى (وكان من الكافرين) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (وكان من الكافرين) يعني: من العاصين. وأخرج البغوي عند آخر هذه الآية بإسناده عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا جرير ووكيع وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فأطاع فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار". ((التفسير 1/63) وإسناده صحيح. وأخرجه مسلم في (صحيحه من حديث أبي هريرة - كتاب الإيمان، ب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم 133)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض. (ورجاله ثقات على شرط الشيخين وإسناده صحيح. وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح الهمداني) . وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تبارك وتعالى (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) قال: خلق الله آدم يوم الجمعة وأدخله الجنة يوم الجنة فجعله في جنات الفردوس. وله شاهد من الصحيح كما سيأتي عند قوله تعالى (فأخرجهما مما كانا فيه) . وقوله تعالى (أنت وزوجك) يوحي أن حواء قد خلقت. وقد أخبرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن خلقها فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء". ((فتح الباري رقم 3331 - أحاديث الأنبياء، ب خلق آدم وذريته) ، (وصحيح مسلم رقم 60 - الرضاع، ب الوصية بالنساء) . واللفظ للبخاري. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير. أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم. (فتح الباري 6/368)) . قوله تعالى (وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ... ) وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (رغدا) قال: لا حساب عليهم. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما) ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدم كما ابتلي الخلق قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء، غير شجرة واحدة نهي عنها، وقدم إليه فيها، فما زال البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه. انظر الآية رقم (58) من السورة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 قوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها) أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا خالد بن خداش المهلبي ثنا حماد بن زيد عن الزبير بن خريت، عن عكرمة قال: إنما سمي الشيطان لأنه تشيطن. (ورجاله ثقات إلا خالد بن خداش صدوق فالإسناد حسن) . وقد فصل الله تعالى كيف أزلهما الشيطان كما في سورة طه آية (116-123) قال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) . قوله تعالى (فأخرجهما مما كانا فيه) أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها". ((الصحيح رقم 854 - الجمعة، ب فضل يوم الجمعة) ، وذكره ابن كثير في التفسير (1/148) . وانظر الآيات السابقة من سورة طه) . قوله تعالى (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) أخرج آدم بن أبي إياس بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني: إبليس وآدم. قوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله (ولكم في الأرض مستقر) هو قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا) البقرة: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات) هو قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) . ((التفسير ص 35) ، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بإسناده عن سعيد عن قتادة عن الحسن بلفظه. وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن) . قوله تعالى (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) قال المروزي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جرير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن المستورد بن أحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: صلبت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة، فكان إذا مر بآبة رحمة سأل، وإذ مر بآية عذاب تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح. ((تعظيم قدر الصلاة 1/327 رقم 315) . ورجاله ثقات على شرط مسلم وإسناده صحيح. وقد روى أبو داود وأحمد والترمذي في الشمائل والطبراني في المعجم الكبير ومسند الشاميين والبيهقي في السنن الكبرى وشعب الإِيمان من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ. وحسنه محقق شعب الإيمان انظر (شعب الإيمان 5/57 مع الحاشية) ، وانظر (مسند أحمد 2/24) ، (وسنن النسائي الدعاء في السجود 2/223) ، والسنن (الكبرى 2/310) (والمعجم الكبير 18/61 رقم 113) ، (وتحفة الأشراف 8/213 رقم 10912)) . قوله تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا) انظر الآية السابقة رواية آدم بن أبي إياس عن مجاهد. قال عبد الرزاق قال: نا معمر، وأخبرني عوف أيضاً عن قسامة عن أبي موسى أن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير. ((التفسير ص 35) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وقسامة: هو ابن زهير المازني معروف بالرواية عن أبي موسى الأشعري وبرواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي عنه. (انظر تهذيب الكمال ل 1129)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 قوله تعالى (فإما يأتينكم مني هدى) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (فإما يأتينكم مني هدى) قال: الهدى: الأنبياء والرسل والبيان. قوله تعالى (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وبه عن أبي العالية في قوله (فمن تبع هداي) يعني: البيان. قوله تعالى (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أخرج مسلم بإسناده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة. حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة. فجيء بهم ضبائر ضبائر. فبثوا على أنهار الجنة. ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل". فقال رجل من القوم: كأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كان بالبادية. (الصحيح رقم 185 - الإيمان، ب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار) ، وذكره ابن كثير (التفسير 1/150) . قوله: ضبائر ضبائر: أي جماعات في تفرقة (شرح مسلم للنووي 3/38) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (والذين كفروا) قال: المشركون من قريش. وقد ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا مر بآية عذاب تعوذ، كما في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة. قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال عبد بن حميد في التفسير: حدثنا أبو نعيم ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود قال: إلياس هو إدريس، ويعقوب هو إسرائيل. ((انظر تغليق التعليق 4/9) ، وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 6/373)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وأخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن اليهود قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها ... وهذا جزء من حديث تقدم تخريجه عند الآية (19) من هذه السورة عند تفسير: الرعد. وروى الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس أن إسرائيل كقولك: عبد الله. ((انظر تفسير ابن كثير 1/151) . ورجاله ثقات وعنعنة الأعمش لا تضر لأن المعنى معروف في اللغة السريانية. (انظر تفسير القرطبي 1/331)) . أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: يا أهل الكتاب للأحبار من اليهود (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه. وقد بين الله تعالى بعض النعم التي أنعم بها علي بني إسرائيل ومنها: قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى) البقرة: 57. وقوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ... ) البقرة: 49. وقوله (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) القصص: 5. وقوله (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) البقرة: 47. وقد فضلهم على أهل زمانهم كما سيأتي عند تفسير هذه الآية. وقوله (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون ... ) البقرة: 50. وقوله (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ... ) البقرة 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قوله تعالى (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما عهده وما عهدهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) المائدة: 12. فعهدهم هو المذكور في قوله (لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا) وعهده هو المذكور في قوله (لأكفرن عنكم سيئاتكم) الآية. وأشار إلى عهدهم أيضاً بقوله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه) آل عمران: 187. إلى غير ذلك من الآيات. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (أوفوا بعهدي) الذي أخذت في أعناقكم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءكم. (أوف بعهدكم) أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه فوضع عنكم ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم. قوله تعالى (وإياي فارهبون) وبه عن ابن عباس (فارهبون) أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وإياي فارهبون) فاخشون. ثم قال: وكذا روي عن السدي والربيع بن أنس وقتادة. قوله تعالى (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية: في قوله (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم) يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم يقول: لأنهم يجدون محمدا مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم) يقول: إنما أنزلت القرآن مصدقا لما معكم التوارة والإنجيل. قوله تعالى (ولا تكونوا أول كافر به) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق بإسناده الحسن عن ابن عباس (ولا تكونوا أول كافر به) وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم. وأخرج بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا تكونوا أول كافر به) يقول: لا تكونوا أول من كفر بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) قال الإمام أحمد: ثنا يونس وسريج بن النعمان قالا ثنا فليح عن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة". قال سريج في حديثه يعني ريحها. ((المسند رقم 2338) ، وأخرجه ابن ماجة (المقدمة - ب الانتفاع بالعلم والعمل به) من طريق يونس وسريج به. وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير 5/272)) . قوله (وإياي فاتقون) راجع الآثار الواردة في ذكر المتقين عند قوله تعالى (هدى للمتقين) . قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولا تلبسوا الحق بالباطل) يقول: ولا تخلطوا الحق بالباطل وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل) الحق الذي لبسوه بالباطل: هو إيمانهم ببعض ما في التوراة. والباطل الذي لبسوا به الحق: كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له. كصفات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرها مما كتموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وجحدوه وهذا يبينه قوله تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) الآية البقرة: 85. والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما تقدم. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة في قول الله (ولا تلبسوا الحق بالباطل) قال: لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله. ثم قال: وروي عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس نحو ما ذكرنا عن أبي العالية وروي عن الحسن نحو قول قتادة. قوله تعالى (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) قال: يكتم أهل الكتاب محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يجدونه عندهم في التوراة والإنجيل. قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله (وأقيموا الصلاة) قال: فريضة واجبة لا تنفع الأعمال إلا بها وبالزكاة. (ورجال الإسناد ثقات إلا عصاما ومباركا فصدوقان، ومبارك كثير التدليس ولكن روايته عن الحسن يحتج بها. (انظر تهذيب التهذيب 10/29) ، فالإسناد حسن. وقال أيضاً: حدثنا علي بن الحسين، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ثنا الوليد ثنا عبد الرحمن بن نمر قال: سألت الزهري عن قول الله (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) قال الزهري: إقامتها أن تصلي الصلوات الخمس لوقتها. قال المحقق حسن الإسناد ... وأصله في الصحيحين مرفوعا: أي الأعمال أحب إلى الله قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاة على وقتها ... " الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) أخرج الشيخان بسنديهما عن أسامة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت أمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه". ((صحيح البخاري رقم 2989 - بدء الخلق، ب صفة النار) ، (وصحيح مسلم رقم 2989 - الزهد، ب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله) . واللفظ للبخاري وقد اقتصرت على ذكر الشاهد. وأخرجه البغوي في (التفسير 1/68) بإسناده عن البخاري به) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة، (وتنسون أنفسكم) أي تتركون أنفسكم. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله. ((التفسير ص 35) ، وإسناده صحيح) . قال الحافظ الذهبي: حديث أبي صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن سليم بن عامر أن أبا أمامة حدثه قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد صلاة الصبح فقال: "إني رأيت رؤيا هي حق فاعقلوها، أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى جبلا وعرا فقال لي ارقه. قلت لا أستطيع. فقال إني سأسهله لك، فجعلت كلما رفعت قدمي وضعتها على درجة حتى استوينا على سواء الجبل، فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء يقولون ما لا يفعلون -فذكر خبراً طويلاً يقول فيه- ثم رفعت رأسي فإذ ثلاثة نفر تحت العرش. قلت ما هؤلاء؟ قال: أبوك إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك". (إسناده جيد، رواه أبو إسماعيل الترمذي عن كاتب الليث، وهو ملي بمعرفته إن شاء الله (العلو ص 82)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قوله تعالى (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) أي تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي فتنقضون ميثاقي وتجحدون بما تعلمون من كتابي. قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) . الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها. وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة. فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها: النهي عما لا يليق وذلك في قوله (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) ولذا كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة. قال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل بن عمر وخلف بن الوليد قالا ثنا يحيى بن زكريا يعني ابن زائدة عن عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدولي قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة قال حذيفة كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا حزبه أمر صلى. ((المسند 5/388) ، وأخرجه أبو داود (السنن رقم 1319 - الصلاة، ب وقت قيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل) ، والطبري في (التفسير رقم 850) من طريق يحيى بن زكريا به. وقد صححه أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري، وحسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير 4/215)) . وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا كهمس بن الحسن عن الحجاج بن الفرافصة، قال أبو عبد الرحمن -هو عبد الله بن يزيد-: وأنا قد رأيته في طريق فسلم علي وأنا صبي، رفعه إلى ابن عباس، أو أسنده إلى ابن عباس، قال: وحدثنا همام بن يحيى أبو عبد الله صاحب البصري، أسنده إلى ابن عباس، وحدثني عبد الله بن لهيعة ونافع بن يزيد المصريان عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس، ولا أحفظ حديث بعضهم من بعض، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أنه قال: كنت رديف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بها؟ فقلت: بلى، فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا. ((المسند رقم 2804) ، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (4/233 ح 2669) ، أخرجه الترمذي (السنن رقم 2516 - صفة القيامة، ب 59) من طريق عبد الله بن لهيعه والليث بن سعد عن قيس به نحوه مختصرا ثم قال: هذا حديث حسن. وصححه الشيخ الألباني (صحيح سنن الترمذي 2/309 رقم 2043) . وحسنه الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالة بشرح هذا الحديث اسمها: "نور الاقتباس في مشكاة وصية - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن عباس رضي الله عنهما ص23، 24". وفي كتابه جامع العلوم والحكم (ص 174)) . وقال الطبري: حدثنا محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا ابن عليه، قال: حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر، فاسترجع. ثم تنحى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) . (ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو عيينة هو عبد الرحمن بن جوشن. وأخرجه المروزي (تعظيم قدر الصلاة 1/222 رقم 201) ، والحاكم (المستدرك 2/269-270) من طريق هشيم عن خالد بن صفوان عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه به، وصححه الحاكم وأقره الذهبي) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية يقول: َاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ على مرضات الله. واعلموا أنها من طاعة الله. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الاستعانة بالصبر انظر مثلا (جامع الأصول 6/429-441) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وأخرج المروزي والحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق أنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة، وكانت من المهاجرات الأول، في قوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية حتى ظنوا أنه فاضت نفسه فيها فخرجت امرأته: أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة. ((تعظيم قدر الصلاة 1/223، 224 رقم 205) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/269) . وأخرجه عبد الرزاق في التفسير بنحوه (التفسير ص 50، 51)) . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة قال: حدثونا يعني: ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (واستعينوا بالصبر) قال: الصبر: الصيام. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح) . قوله تعالى (وإنها لكبيرة) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله (وإنها لكبيرة) قال: الصلاة. (ورجاله ثقات إلا ورقاء صدوق والإسناد حسن) . وانظر الروايات الواردة عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ... ) آية: 153 من هذه السورة. قوله تعالى (إلا على الخاشعين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إلا على الخاشعين) يعني: المصدقين بما أنزل الله تعالى. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إلا على الخاشعين) قال يعني: الخائفين. وأخرج عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (إلا على الخاشعين) على المؤمنين حقا. ((انظر تغليق التعليق 4/171، 172) ، وإسناده حسن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 قوله تعالى (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) قال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو علم. (وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا سند صحيح. (التفسير 1/162)) . ولو لم يقل مجاهد كل ظن لكان أحسن لأن بعض الآيات تخالف ما ذهب إليه مثل قوله تعالى (وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) الجاثية: 24. وقوله (لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) البقرة 78. وقوله (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) النساء: 157. وقوله (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) الأنعام: 116. وغيرها من الآيات في باب (ظن) فلو جعلها على سبيل التغليب لكان أحسن والله أعلم. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) قال: الظن هاهنا اليقين. قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: المراد بالظن هنا: اليقين كما يدل عليه قوله تعالى (وبالآخرة هم يوقنون) . قوله تعالى (وأنهم إليه راجعون) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي العالية في قوله (وأنهم إليه راجعون) قال: يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة. قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وأني فضلتكم على العالمين) قال: فضلوا على عالم ذلك الزمان. ((التفسير ص 35) ، وإسناده صحيح) . وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال عند هذه الآية: على من هم بين ظهرانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأني فضلتكم على العالمين) قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالما. (وذكره ابن كثير ثم قال: وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل ابن أبي خالد نحو ذلك ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)) . والدليل من السنة ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنتم تتمون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله". ((أخرجه أحمد (المسند 5/3) ، والترمذي وحسنه (السنن - التفسير - سورة آل عمران رقم 3001) ، وابن ماجه (السنن - الزهد - باب صفة أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رقم 4287) ، والطبري، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/84) وكلهم من طريق بهز به. وقال ابن كثير: وهو حديث مشهور (التفسير2/78 ط الشعب)) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". ((فتح الباري رقم 3649 - فضائل أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، (وصحيح مسلم رقم 212 - فضائل الصحابة، ب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) . قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئاً) فسر الطبري هذه الآية بقوله: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئاً ولا تغني عنها غنى. ثم استدل بما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي قالا، حدثنا المحاربي، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض -قال أبو كريب في حديثه: أو مال، أو جاه- فاستحله قبل أن يؤخذ منه، وليس ثم دينار ولا درهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم". (وأخرجه أيضاً من طريق مالك عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه، ومن طريق مالك أخرجه البخاري. (فتح الباري - الرقاق، ب القصاص يوم القيامة 6534)) . وقال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) لقمان: 33. قال ابن كثير بعد أن ذكر هذه الآية: فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً. وقال الطبري أيضاً: حدثني موسى بن سهل الرملي، حدثنا نعيم بن حماد قال، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يموتن أحدكم وعليه دين، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يقتسمون الحسنات والسيئات. وأشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده يمينا وشمالا". ((وصحح إسناده الأستاذ أحمد شاكر والصواب أن إسناده حسن لأن الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، ونعيم بن حماد صدوق يخطيء كثيرا وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال: باقي حديثه مستقيم، ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث من أخطائه (الكامل ص 2482-2485) . وباقي رجاله ثقات والحديث السابق شاهد له وعلى هذا فالإسناد حسن) . قوله تعالى (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ مها عدل ولا هم ينصرون) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها. (وإسناده صحيح) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا يؤخذ منها عدل) يعني فداء. (ثم قال: وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقاً يوم القيامة. ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض. أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء: 28. وقد قال (ولا يرضى لعباده الكفر) الزمر: 7. وقال تعالى عنهم مقررا له (فما لنا من شافعين) الشعراء: 100. وقال (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) المدثر: 48. إلى غير ذلك من الآيات. وقال في الشفاعة بدون إذنه (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة: 255. وقال (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم: 26. وقال (يؤمئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) طه: 109. إلى غير ذلك من الآيات وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جل وعلا. كما صرح بذلك قوله (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) يونس: 18. وقال الألوسي عند قوله تعالى (ولا يقبل منها شفاعة) إن النفي مخصص بما قبل الإذن لقوله تعالى (لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن) طه: 109. (روح المعاني 1/252) . قوله تعالى (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب) أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه. ((صحيح البخاري رقم 2004 - الصيام، ب صيام يوم عاشوراء) ، (وصحيح مسلم رقم 128 - الصيام، باب أي يوم يصام عاشوراء) . واللفظ للبخاري. وذكره ابن كثير في (التفسير 1/167) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يسومونكم سوء العذاب) بينه بقوله بعده (يذبحون أبناءكم ... ) الآية. وقال الطبري: حدثنا به العباس بن الوليد الآملي، وتميم المنتصر الواسطي قالا، حدثنا يزيد بن هرون قال، أخبرنا الأسبغ بن زيد (الجهني) قال، حدثنا القاسم ابن أبي أيوب قال، حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله -أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، وائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا منهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، وأن الصغار يذبحون، قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم! فاقتلوا عاما كل مولود ذكر، فتقل أبناؤهم، ودعوا عاما. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، حتى إذا كان القابل حملت بموسى. (ورجاله ثقات إلا الأصبغ صدوق يغرب والخبر ليس من غرائبه لأنه روي من طرق أخرى (انظر مثلا تفسير الطبري رقم 892) . وغالبا ما يكون من أخبار أهل الكتاب ولكن لا ضير لأن هذا الخبر من قبيل المسكوت عنه فلا نصدقه ولا نكذبه ونسوقه لا اعتقادا بسلامته من التحريف وإنما للتوسع في باب الأخبار والاستشهاد والاعتبار، وأن صح إلى ابن عباس (انظر تفسير القاسمي 1/44، 45)) . قوله تعالى (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (بلاء من ربكم عظيم) قال: نعمة. ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد وأبي مالك والسدي نحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قوله تعالى (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) قال الطبري: حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أوحى الله جل وعز إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون. قال: فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمئة ألف. فلما عاينهم فرعون قال (إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون) الشعراء: 54-56. فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا! هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه! قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. قال: فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك. قال: فبات البحر له أفكل -يعني: له رعدة- لا يدري من أي جوانبه يضربه قال: فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقا، كل طريق كالطود العظيم، فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه. فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: مالنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتى نراهم. قال سفيان، قال عمار الدهني: قال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة. قال: فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا. وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر. قال موسى بعصاه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الحيطان هكذا، فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض. قال سفيان: قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: فساروا حتى خرجوا من البحر. فلما جاز آخر قوم موسى، هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ........ وقيل لموسى: اترك البحر رهوا -قال: طرقا على حاله- قال: ودخل فرعون وقومه في البحر، فلما دخل آخر قوم فرعون، وجاز آخر قوم موسى، أطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقوا. (ورجاله ثقات والإسناد صحيح، وأبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري، والخبر غالبا ما يكون من أخبار أهل الكتاب وهو شبيه بما تقدم في الآية السابقة ولكن له شواهد من القرآن ذكر بعضها الشيخ الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآية فقال: لم يبين هنا كيفية فرق البحر بهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) الشعراء: 63، وقوله (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) الآية، طه 77) . قوله تعالى (وأغرقنا آل فرعون) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا كيفية إغراقهم ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله (فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين) الشعراء: 60-64. وقوله (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) طه: 78. وقوله (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) الدخان: 24. وقوله (رهوا) أي ساكنا على حالة انفلاقه حتى يدخلوا فيه، إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 قوله تعالى (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) بين الله تعالى مكان الواعدة في سورة طه آية (80) فقال (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ... ) . والطور سيأتي ذكره عند الآية (63) من هذه السورة إن شاء الله. وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة؟ ولكنه بين في سورة الأعراف أنها متفرقة، وأنه واعده أولا ثلاثين، ثم أتمها بعشر. وذلك في قوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) . صفة موسى عليه السلام أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب، رجل كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس، وأنا أشبه ولد إبراهيم - رضي الله عنه - به. ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقال: اشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك". ((الصحيح رقم 3394 - الأنبياء - باب قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ... ) . - ضَرب: بفتح الضاد وسكون الراء: نحيف. - شنوءة: حي من اليمين ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله. (فتح الباري 6/429) . - الديماس: الحمَّام، وقيل الكن، وفي حديت المسيح: كأنه خرج من ديماس يعنى في نضرته وكثرة ماء وجهه (انظر لسان العرب 6/88)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قوله تعالى (لم اتخذتم العجل من بعده) بين الله تعالى من أي شيء هذا العجل وصفته وصرح بذكر السامري الذي صنع العجل في قوله (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) الأعراف 148. وقوله (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار) طه 87-88. ((أضواء البيان 1/140)) . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحجاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (العجل) حسيل البقرة -ولد البقرة-. (وإسناده حسن) . قوله تعالى (وأنتم ظالمون) وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن مجاهد قوله: الظالمين. قال: أصحاب العجل. قوله تعالى (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) يعني: من بعد ما اتخذوا العجل. قوله تعالى (لعلكم تشكرون) أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا ابن أبي عمر العدني ثنا سفيان، عن مسعر، عن عون بن عبد الله في قوله (لعلكم) قال: إن لعل من الله واحب. (رجاله ثقات وإسناده صحيح) . قوله تعالى (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) قال: فرق فيه بين الحق والباطل. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) قال: الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أخرج الطبري عن عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال موسى لقومه (توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) قال: أمر موسى قومه -عن أمر ربه عز وجل- أن يقتلوا أنفسهم، قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل، وأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة. (أبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري. ورجاله ثقات وإسناده صحيح والخبر عن أهل الكتاب وهو من قبيل المسكوت عنه) . وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (باتخاذكم العجل) قال: كان موسى أمر قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده فتاب الله عليهم. قوله تعالى (فتوبوا إلى بارئكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فتوبوا إلى بارئكم) أي إلى خالقكم. قوله تعالى (فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ... ) الآية قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة في قوله (فاقتلوا أنفسكم) قال: قاموا صفين يقتل بعضهم بعضا، حتى قيل لهم: كفوا! قال قتادة: كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي. (وإسناده حسن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي قال كتب إلي أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن أبي الحويرث عن ابن عباس أنه قال في قول الله (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) أي علانية. أي حتى نرى الله. (وفي إسناده أبو الحويرث وهو عبد الرحمن بن معاوية الرزقي، صدوق سيء الحفظ، ولكن المتن لا يحتمل الخطأ لأن له شواهد من اللغة وأهل التفسير كما سيأتي، وباقي رجاله ما بين ثقة وصدوق فالإسناد حسن) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة في قول الله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) أي عيانا. ثم قال: وكذا فسره الربيع بن أنس: عيانا. قوله تعالى (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم) قال: أخذتهم الصاعقة أي ماتوا ثم بعتهم الله تعالى. -ليكملوا بقية آجالهم-. ((التفسير ص 37) وإسناده صحيح. والتتمة من رواية الطبري رقم 960، وابن أبي حاتم رقم 547) . قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام) أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه (وظللنا عليكم الغمام) قال: هو بمنزلة السحاب. قوله تعالى (وأنزلنا عليكم المن) أخرج الشيخان بسنديهما عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين". ((صحيح البخاري رقم 4478 - التفسير - سورة البقرة، ب قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام)) ، (وصحيح مسلم رقم 157-162 - الأشربة، ب فضل الكمأة ومداواة العين)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا. وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (المن) قال: صمغة. ((تغليق التعليق 4/173) ، وإسناده حسن) . قوله تعالى (والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ... ) الآية أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) قال: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج والسلوى طير كانت تحشرها عليهم ريح الجنوب. ((التفسير ص 37) ، وإسناده صحيح) . وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: السلوى: طائر. قوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) ومعنى ادخلوا هنا أي اسكنوا كما جاء في قوله تعالى (قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيت شئتم رغدا ... ) الأعراف: 116. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ادخلوا هذه القرية) قال: بيت القدس. ((التفسير ص 27) ، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال: وروي عن الربيع بن أنس والسدي نحو ذلك) . قوله تعالى (فكلوا منها حيث شئتم رغداً) أخرج ابن أبي حاتم عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (رغدا) قال: لا حساب عليهم. (وإسناده حسن) . قوله تعالى (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (ادخلوا الباب سجدا) قال: باب الحطة من باب إيلياء من بيت المقدس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وأخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قيل لبني إسرائيل (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا، وقالوا حطة حبة في شعرة". ((الصحيح رقم 4479 - التفسير - سورة البقرة - ب (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً ... )) . وأخرجه أيضاً من حديث أبي هريرة من طريق آخر بلفظ: وقالوا: حبة في شعرة) ، (الصحيح رقم 4641 - التفسير - سورة الأعراف - ب (وقولوا حطة)) . وقال الطبري عن محمد بن بشار قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (ادخلوا الباب سجدا) قال: ركعا من باب صغير. (وأخرجه الحاكم من طريق أبي حذيفة عن سفيان به. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/262)) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة: أي احطط عنا خطايانا، فدخلوا على غير الجهة التي أمرو بها، دخلوا متزحفين على أوراكهم وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا: حبة في شعيرة. انظر الآية رقم (71) من السورة نفسها. ((التفسير ص 37) ، وإسناده صحيح) . وأخرج الطبري عن أبي كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله (حطة) مغفرة. (وأخرجه الحاكم من طريق أبي حذيفة عن سفيان به. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/262)) . قوله تعالى (وسنزيد المحسنين) وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية رحمة سأل. ((انظر آخر تفسير آية 37 من هذه السورة)) . قوله تعالى (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) أخرج الحاكم: عن أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، ثنا إسحاق بن الحسن، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ادخلوا الباب سجدا قال بابا ضيقا قال ركعا، وقوله حطة قال: مغفرة. فقالوا: حنطة ودخلوا على أستاههم فذلك قوله تعالى (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/262) . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن آدم عن سفيان به ثم قال: وروى عن عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والحسن والربيع ويحيى بن رافع نحو ذلك) . قوله تعالى (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) أخرج الشيخان بسنديهما عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها لا تخرجوا فرارا منه". قال أبو النضر: لا يخرجكم إلا فرارا منه. ((صحيح البخاري رقم 3473 - الأنبياء) ، (وصحيح مسلم - السلام، ب الطاعون والطيرة رقم 2218 وما بعده) . واللفظ للبخاري وسقناه مختصرا) . قوله تعالى (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) قال الطبري: حدثني عبد الكريم قال، أخبرنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ذلك في التيه. ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها. (وأبو سعيد: هو عبد الكريم بن مالك الجزري. ورجاله ثقات والإسناد صحيح وقد أخرج الطبري بأسانيد صحيحة عن قتادة ومجاهد بنحوه) . قوله تعالى (قد علم كل أناس مشربهم) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (قد علم كل أناس مشربهم) قال: كانوا اثني عشر سبطا لكل سبط عين. ((التفسير ص 37) ، وإسناده صحيح) . قوله تعالى (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) يقول: لا تسعوا في الأرض فسادا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وأخرج أيضاً بإسناده الصحيح عن شيبان عن قتادة (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين. قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) قال عبد الرزاق نا معمر عن قتادة في قوله (لن نصبر على طعام واحد) قال: ملوا طعامهم، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه مثل ذلك، فقالوا: (ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها) . ((التفسير ص 37) ، وإسناده صحيح) . وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وفومها) يقول: الحنطة والخبز. وأخرج نافع بن أبي نعيم القاري في "تفسيره" قال: سمعت الأعرج يقول: سمعت عبد الله بن عباس يقول في قول الله عز وجل (فومها) قال: الحنطة ثم قال ابن عباس أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح حيث يقول: قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ... ورد المدينة عن زراعة فوم ((تفسير القرآن ليحيى بن يمان، وتفسير لنافع بن أبي نعيم رقم 37) . الأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة وابن عباس وتلا عليه نافع بن أبي نعيم وصفه الذهبي بالإمام الحافظ الحجة المقري ت 117 هـ (سير أعلام النبلاء 5/69، 70) . أحيحه بن الجلاح: بن الحريشي الأوسي شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم (الأعلام 1/277)) وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (وفومها) قال الخبز. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن: الفوم: الخبز. ((التفسير ص 37) ، وإسناده صحيح) . قوله تعالى (قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة: (أتستبدلون الذي هو أدنى -الذي هو شر- (بالذي هو خير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قوله تعالى (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (اهبطوا مصرا) أي مصرا من الأمصار فإن لكم ما سألتم. قوله تعالى (ضربت عليهم الذلة) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله (ضربت عليهم الذلة) قالا: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. ((التفسير ص 38) ، وإسناده صحيح) . قوله تعالى (والمسكنة) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية: في قوله (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) قال: المسكنة: الفاقة. ثم قال: وروي عن السدي والربيع نحو ذلك. قوله تعالى (وباءوا بغضب من الله) أخرج عبد الرزاق في "تفسيره" عن معمر عن قتادة في قوله (فباءوا) قال: فانقلبوا. وهذا التفسير يعود لقوله تعالى (فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين) . ((انظر تغليق التعليق 4/172) ، وإسناده صحيح) . قوله تعالى (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي، أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين". ((المسند رقم 3868) ، وصححه أحمد شاكر، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والبزار ونسبه إلى أحمد والبزار ونص أن رجالهما ثقات (مجمع الزوائد 5/236) . ولكن عاصما هذا هو ابن بهدلة صدوق له أوهام فالإسناد حسن وحسنه أيضاً الشيخ مقبل الوادعي. (انظر حاشية تفسير ابن كثير 1/186)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 قوله تعالى (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك قبلكم من الناس. قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) إلى قوله (ولاهم يحزنون) . فأنزل الله تعالى بعد هذا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) سورة آل عمران: 85. ثم قال الطبري: وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا -من اليهود والنصارى والصابئين- على عمله، في الآخرة الجنة، ثم نسخ ذلك بقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: إنما سموا نصارى لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (والصابئين) قال: بين المجوس واليهود لا دين لهم. وقال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن قال: حدثني زياد: أن الصابئين يصلون إلى القبلة، ويصلون الخمس. قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية. قال: فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح. (وزياد: هو زياد بن أبيه، واسم أبيه: عبيد، ادعاه معاوية أنه أخوه والتحق به فعرف بزياد بن أبي سفيان ونسبه ابن الأثير إلى أمه سمية أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره ولاه معاوية العراق. ت 53 هـ. انظر تاريخ خليفة ص 219، والإستيعاب 1/567، أسد الغابة 2/119، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5/409، الوافي بالوفيات 15/10)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قوله تعالى (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (من آمن بالله) يعني من وحد الله. (واليوم الآخر) من آمن باليوم الآخر يقول آمن بما أنزل الله. قوله تعالى (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه ثنا هشام بن خالد ثنا شعيب بن إسحاق ثنا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة قال: أجر كبير لحسناتهم وهي الجنة. (ورجاله ثقات إلا هشام بن خالد وهو ابن الأزرق الدمشقي صدوق. فالإسناد حسن) . قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاقكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (ميثاقكم) يقول: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره. قوله تعالى (ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ورفعنا فوقكم الطور) أوضحه بقوله (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) . قوله تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة) لم يبين هنا هذا الذي آتاهم ما هو، ولكنه بين في موضع آخر أنه الكتاب الفارق بين الحق والباطل. وذلك في قوله (وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) قال: الطور: الجبل، اقتلعه الله فرفعه فوقهم، فقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة) ، والقوة: الجد، وإلا قذفته عليكم، قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة. ((التفسير ص 38) ، وإسناده صحيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (خذوا ما آتيناكم بقوة) أي بطاعة. وقال عبد بن حميد: ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (بقوة) يعمل بما فيه. ((انظر تغليق التعليق 4/173) ، وإسناده حسن) . قوله تعالى (واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (واذكروا ما فيه) يقول: أقرّوا ما في التوراة واعملوا به. قوله تعالى (ثم توليتم من بعد ذلك) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة في قوله (من بعد ذلك) قال: من بعد ما أتاهم. قوله تعالى (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ورحمته) قال: القرآن. ثم قال وروي عن قتادة والربيع بن أنس ومجاهد والحسن والضحاك وهلال بن يساف نحو ذلك. وكأنهم استنبطوا هذا التفسير من قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء: 82. قوله تعالى (لكنتم من الخاسرين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لكنتم من الخاسرين) قال: خسروا الدنيا والآخرة. وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية رحمة سأل. انظر آخر تفسير آية (37) من هذه السورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 قوله تعالى (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) قال الشيخ الشنقيطي: عند هذه الآية: أجمل قصتهم هنا وفصلها في سورة الأعراف في قوله (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) الأعراف: 163-165. أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) قال: نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت، فكانت تشرع إليهم يوم السبت بلوا بذلك فاصطادوها فجعلهم الله قردة خاسئين. ((التفسير ص 38) ، وإسناده صحيح) . وأخرج مسلم بسنده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً: إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا. وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك. ((الصحيح رقم 2663 - القدر، ب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها) . وهذا الشاهد في الحديث حيث ورد أطول من هذا اللفظ) . أخرج عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة في قوله (خاسئين) قال: صاغرين. ((التفسير ص 38) ، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بلفظه عن محمد بن بشار قال: حدثا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وإسناده صحيح) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بلفظ: أذلة صاغرين. قوله تعالى (فجعلناها نكالا لما بين يديها) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فجعلناها نكالا لما بين يديها) أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (لما بين يديها) ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به. قوله تعالى (وما خلفها) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (وما خلفها) التي قد أهلكوا بها يعني: خطاياهم. وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وما خلفها) أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس. قوله تعالى (وموعظة للمتقين) قال الإمام عبيد الله بن بطة: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن سلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل". ((إبطال الحيل ص 46، 47) . ذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد جيد، وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح (التفسير 1/193)) . وأخرج عبد الرزاق: عند تفسير هذه الآية عن معمر عن قتادة في قوله (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة) ، قال: لما بين يديها من ذنوبهم، وما خلفها من الحيتان، وموعظة للمتقين من بعدهم. ((التفسير ص 38) ، وإسناده صحيح) . قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا يزيد بن هارون أبنا هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: كان رجل في بني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 بني إسرائيل عقيم لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه فقتله، ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا، وركب بعضهم إلى بعض فقال ذو الرأي والنهى على ما يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا له: فقال (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فقالوا: أتتخذونا هزوا؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) . قال: فلو لم يعترضوا البقرة، لأجزت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها. فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا. فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه بعضها فقام فقالوا من قتلك؟ فقال هذا. لابن أخيه. ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيء ولم يورث قاتل بعد. ((وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن يزيد بن هارون به، وأخرجه آدم بن أبي إياس في تفسيره عن أبي جعفر الرازي عن هشام بن حسان به (انظر تفسير ابن كثير 1/194) ، وأخرجه عبد الرزاق (التفسير ص 38) . والطبري) من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحوه. والإِسناد صحيح إلى عبيدة، وقد صححه الحافظ ابن حجر عند ذكر قصة البقرة (فتح الباري 6/440) ، وما رواه من الإسرائيليات، إلا أن لبعضه شاهد من القرآن الكريم في قوله تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة 72-73) . قوله تعالى (قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) أخرج عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة: الفارض: الهرمة. يقول ليست بالهرمة ولا البكر (عوان بين ذلك) . ((التفسير ص 39) ، وإسناده صحيح) . قوله تعالى (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها كسر الناظرين) أخرج عبد الرزاق: عن معمر قال قتادة: هي الصافي لونها. ((التفسير ص 39) ، وإسناده صحيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة (تسر الناظرين) أي: تعجب الناظرين. قوله تعالى (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون) أخرج الطبري عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: لو أخذ بنو إسرائيل بقرة لأجزأت عنهم ولولا قولهم (وإنا إن شاء الله لمهتدون) لما وجدوها. (ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق فالإسناد حسن) . قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم. وذكره ابن كثير ثم قال: إسناده صحيح وقد رواه غير واحد عن ابن عباس وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد. (التفسير 1/198) . قوله تعالى (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها) أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة قوله (لا ذلول) قال: يعني: صعبة يقول لم يذلها العمل. وأخرج بإسناده الجيد عن أبي العالية (تثير الأرض) قال: يعني ليست بذلول تثير الأرض. وأخرج بإسناده الجيد أيضاً عن أبي العالية (ولا تسقي الحرث) يقول: لا تعمل في الحرث. أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (مسلمة) لا عيب فيها. ((التفسير ص 39) ، وإسناده صحيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (مسلمة) يقول: مسلمة من الشية و (لا شية فيها) لا بياض فيها ولا سواد. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (لا شية فيها) : لا بياض فيها. (وإسناده صحيح) . قوله تعالى (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان عن قتادة (قالوا الآن جئت بالحق) قال: قالوا: الآن بينت لنا. قوله تعالى (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (فادارأتم فيها) قال: اختلفتم فيها. قوله تعالى (والله مخرج ما كنتم تكتمون) وبه عن مجاهد في قول الله (والله مخرج ما كنتم تكتمون) قال: تغيبون. قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) تقدم تفسيره في رواية عبيدة عند قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ... ) الآية. وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: وأشار في هذه الآية إلى أن إحياء قتيل بني إسرائيل دليل على بعث الناس بعد الموت، لأن من أحيا نفسا واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس. وقد صرح بهذا في قوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) . قوله تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك) قال: قست قلوبهم من بعد ما أراهم الله الآية، فهي كالحجارة أو أشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 قسوة، ثم عذر الحجارة، فقال (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) . ((التفسير ص 40) ، وإسناده صحيح) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك) يعني به: بني إسرائيل. وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا سبب قسوة قلوبهم، ولكنه أشار إلى ذلك في مواضع أخر كقوله (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) وقوله (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) الآية. أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يتشقق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل، فهو من خشية الله عز وجل. نزل بذلك القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق (وما الله بغافل عما تعملون) . وإسناد الخشوع إلى الحجارة من باب الحقيقة لا من باب المجاز -كما قيل- وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على ذلك فعن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه". (أخرجه الشيخان (صحيح مسلم رقم 1365 - الحج، ب فضل المدينة)) . وقال أيضاً: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني أعرفه الآن". (أخرجه مسلم (الصحيح رقم 2277 - الفضائل، ب فضل نسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتسليم الحجر عليه قبل النبوة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 قوله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: ثم قال لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) . وأخرج الطبري بإسناد حسن عن قتادة (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) قال: هم اليهود. قوله تعالى (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله) وليس قوله سمعوا التوراة كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: فالذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحرفوه عن مواضعه. وأخرج بسنده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة (ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) قال: هم اليهود وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه بعد ما سمعوه ووعوه. أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا أن رجلا منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله ابن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرجما. قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة. (الصحيح رقم 3635- المناقب، قول الله تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناؤهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)) . قوله تعالى (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم عند ربكم أفلا تعقلون) وأخرج ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) أي أن صاحبكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكنه خاصة إليكم. وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ... ) . (انظر تفسير ابن كثير 1/207) . وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قول الله (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) في كتابكم من نعت محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به) قال: كانوا يقولون: إنه سيكون نبي فجاء بعضهم لبعض فقالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحتجوا به عليكم. (التفسير ص40) . قوله تعالى (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون) يعني: ما أسروا من كفرهم بمحمد وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم. وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون) ، من كفرهم وتكذيبهم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خلا بعضهم إلى بعض، (وما يعلنون) إذا لقوا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: آمنا. ليرضوهم بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وما يعلنون) حين قالوا للمؤمنين آمنا. قوله تعالى (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: يقول الله (ومنهم أميون) يعنى اليهود. والمراد بالأميين الذين لا يكتبون ومنه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب". أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر (صحيح البخاري رقم 1913- الصوم، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نكتب ولا نحسب) ، (وصحيح مسلم رقم 15- الصيام، ب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لا يعلمون الكتاب) يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: بلفظ: لا يدرون ما فيه. وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: اختلف العلماء في المراد بالأماني هنا على قولين: أحدهما: أن المراد بالأمنية القراءة، أي: لا يعلمون من الكتاب إلا قراءة ألفاظ دون إدراك معانيها. وهذا القول لا يتناسب مع قوله (ومنهم أميون) لأن الأمي لا يقرأ. الثاني: أن الاستثناء منقطع، والمعنى لا يعلمون الكتاب، لكن يتمنون أماني باطلة، ويدل لهذا القول: قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم) . وقوله (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) . ويؤيد ما ذهب إليه الشيخ قول ابن عباس وقتادة ومجاهد وأبي العالية: فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) قال: أمثال البهائم، لا يعلمون شيئاً، قال: إلا أماني. قال: يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم. (التفسير ص40) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) يقول: إلا أحاديث. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) إلا كذباً. (التفسير ص 81) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إلا أماني) يتمنون على الله ما ليس لهم. قوله تعالى (وإن هم إلا يظنون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن هم إلا يظنون) إلا يكذبون. وأخرج بسنده الحسن عن قتادة (وإن هم إلا يظنون) قال: يظنون بغير الحق. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية يعني قوله (وإن هم إلا يظنون) يظنون الظنون بغير الحق. قوله تعالى (فويل) أخرج ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال: الويل: واد في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره. (الزهد رقم 323 باب صفة النار برواية نعيم بن حماد) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وابن عجلان اسمه: محمد، وابن المبارك: هو عبد الله. وأخرجه الطبري عن محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي. قال، حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض يقول: الويل: ما يسيل من صديد في أصل جهنم. ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو عياض هو عمرو بن الأسود العنسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 قوله تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل حدثني أبي حدثني أبي الضحاك بن مخلد، أنبا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) قال: هم أحبار اليهود. ورجاله ثقات سوى شبيب بن بشر صدوق يخطيء وتقدم الكلام عن هذا الطريق في المقدمة والمتن لا يحتمل الخطأ بل السياق يشهد له لأن أغلب الذين يكتبون من أهل الكتاب من أولئك الأحبار. فالإسناد حسن. وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدث، تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا، لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم. (الصحيح رقم 7363- الاعتصام، ب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله) قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتبا ليتأكلوا بها الناس، ثم قالوا هذه من عند الله وما هي من عند الله. (التفسير ص 40) ، وإسناده صحيح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل حدثني أبي عمرو بن الضحاك حدثني أبي الضحاك بن مخلد أنبا شبيب عن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) أحبار يهود وجدوا صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محمد مكتوباً في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعرة حسن الوجه فلما وجدوه في التوراة محوه حسداً وبغياً. فأتاهم نفر من قريش من أهل مكة فقالوا: أتجدون في التوراة نبياً أمياً؟ فقالوا نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر. فأنكرت قريش. وقالوا ليس هذا منا. وإسناده حسن تقدم، وله شواهد يأتي ذكرها منها قول أبي العالية الآتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) قال: هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله يحرفونه. قوله تعالى (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) أخرج مسلم بسنده عن جرير مرفوعاً: "من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء". (الصحيح رقم 15- العلم، ب من سن سنة حسنة أو سيئة) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك غرضا من غرض الدنيا قال الله عز وجل (فويل لهم مما كتبت أيديهم) . وبه عن أبي العالية (وويل لهم مما يكسبون) يعني من الخطة. وأخرج سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) قال: نزلت في المشركين وأهل الكتاب. (انظر تفسير ابن كثير (1/210) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالى (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ٍ شاة فيها سم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود، فجمعوا له، فقال: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟ فقالوا: نعم. قال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أبوكم؟ قالوا: فلان. فقال: كذبتم، بل أبوكم فلان. قالوا: صدقت. قال: فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفونا فيها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا. ثم قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشاة سما؟ قالوا: نعم. قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك. (الصحيح 3169- الجزية والموادعة- باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدنية ويهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الناس بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) قال: أياما معدودة بما أصبنا في العجل. (التفسير ص 40, 41) . قوله تعالى (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون) أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (قل أتخذتم عند الله عهدا) أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) قال: قال القوم الكذب والباطل وقالوا على الله مالا يعلمون. قوله تعالى (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) أي من عمل. بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره. بما له من حسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وأخرج عبد الرزاق عن معمر في قوله تعالى (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) قال: السيئة: الشرك، والخطيئة: الكبائر. (التفسير 41) ، وإسناده صحيح. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (بلى من كسب سيئة) شركا. (وأحاطت به خطيئته) قال: ما أوجب الله فيه النار. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) قال: الكبيرة الموجبة. وقال الطبري: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) قال: كل ذنب محيط، فهو ما وعد الله عليه النار. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا خالد بن مخلد. حدثني سعيد بن مسلم بن بانك، قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة! إياك ومحقرات الأعمال. فإن لها من الله طالباً". (السنن- الزهد رقم 4243- باب ذكر الذنوب) قال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه أحمد بسنده عن سهل بن سعد بنحوه (المسند 5/331) . وحسن إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري 11/329) ، وذكره ابن كثير في (التفسير 1/213) . قوله تعالى (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أي خالدا أبداً. ثم قال وروي عن السدي نحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) أي من آمن بما كفرتم وعمل ما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله لا انقطاع له. قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) وبه عن ابن عباس: ثم قال يؤنبهم (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل -أي ميثاقكم- لا تعبدون إلا الله) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) قال أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره وبالوالدين إحساناً إلى آخر الآية. قوله تعالى (وبالوالدين إحساناً) أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله … الحديث. (صحيح البخاري رقم 527- مواقيت الصلاة، ب فضل الصلاة لوقتها) ، (وصحيح مسلم رقم 85- الإيمان، ب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال) ، ذكره ابن كثير في (التفسير 1/214) . قوله تعالى (واليتامى) قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، ثنا يحيى بن محمد المديني، ثنا عبد الله ابن خالد بن سعيد بن أبي مريم، عن سعيد بن عبد الرحمن (بن يزيد) بن رقيش، أنه سمع شيوخا من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد، قال: قال علي بن أبي طالب: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 (السنن- الوصايا 3/115 رقم 2873، ب متى ينقطع اليتم) . وصححه الألباني بالشواهد والمتابعات بعد أن خرجه تخريجاً وافياً (صحيح الجامع الصغير 6/613 وإرواء الغليل 5/79-83) وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا جرير بن حازم عن قيس ابن سعد عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى، لمن هو؟ وعن اليتيم، متى ينقضي يتمه؟ وعن المرأة والعبد يشهدان الغنيمة؟ وعن قتل أطفال المشركين؟ فقال ابن عباس: لولا أن أرده عن شيء يقع فيه ما أجبته، وكتب إليه: إنك كتبت إلي تسأل عن سهم ذي القربى لمن هو، وإنا كنا نراها لقرابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأبى ذلك علينا قومنا، وعن اليتيم متى ينقضي يتمه، قال: إذا احتلم وأونس منه خير، وعن المرأة والعبد يشهدان الغنيمة، فلا شيء لهما، ولكنهما يحذيان ويعطيان، وعن قتل أطفال المشركين، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقتلهم، وأنت فلا تقتلهم، إلا أن تعلم منهم ما علم الخضر من الغلام حين قتله!. (وصححه أحمد شاكر (المسند رقم 2685) ، والألباني وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم (إرواء الغليل 5/82) . قوله تعالى (والمساكين) أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي، أو لا يسأل الناس إلحافاً". (صحيح البخاري 1476- الزكاة، ب قوله تعالى (لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً)) ، (وصحيح مسلم رقم 1039- الزكاة، ب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له) . واللفظ للبخاري. قوله تعالى (وقولوا للناس حسناً) أخرج مسلم بسنده عن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". (الصحيح 2626- البر والصلاة، ب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وذكره ابن كثير في التفسير، وقال قبل أن ساق هذا الحديث: فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلم ويعفو ويصفح ويقول للناس حسنا كما قال الله وهو كل خلق حسن رضيه الله. (التفسير 1/214) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ثنا أحمد بن عبد الرحمن -يعني- الدشتكي حدثني أبي عن أبيه عن الأشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: في قوله (وقولوا للناس حسنا) قال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ورجاله ما بين ثقة وصدوق إلا جعفر وهو ابن أبي المغيرة وثقه جماعة وقال ابن مندة: ليس بالقوى من سعيد بن جبير وقد ساق ابن مندة رواية عنه ثم قال: لم يتابع عليه ولكن الذهبي أجاب عن ذلك. (انظر ميزان الاعتدال 1/417 والثقات لابن حبان 6/134 والثقات لابن شاهين ص 55) . هذا وقد اعتمد ابن كثير هذا التفسير كما تقدم آنفًا. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وقولوا للناس حسنا) يقول: قولوا للناس معروفا. قوله تعالى (وآتوا الزكاة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص. قوله تعالى (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) أي تركتم ذلك كله. وأخرج بسنده الصحيح عن قتادة قوله (معرضون) قال: عن كتاب الله عز وجل. قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (لا تسفكون دماءكم) يقول: لا يقتل بعضكم بعضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) ، أي: لا يقتل بعضكم بعضا، (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) ، ونفسك يا ابن آدم أهل ملتك. ويؤيد هذا القول ما رواه الشيخان بسنديهما عن النعمان بن بشير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". (صحيح البخاري رقم 6011- الأدب، ب رحمة الناس والبهائم) ، (وصحيح مسلم رقم 2586- البر والصلة، ب تراحم المؤمنين) . واللفظ لمسلم. وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة (انظر تفسير ابن كثير 1/216) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) يقول: لا يخرج بعضكم بعضا من الديار وكان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم، وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم. قوله تعالى (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) وبه عن أبي العالية (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) يقول: أقررتم بهذا الميثاق وأنتم شهود. وأخرج بسنده الحسن المتقدم عن ابن عباس في قوله (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) إن هذا حق من ميثاقي عليكم. قوله تعالى (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) روى محمد بن إسحاق بن يسار سبب نزول هذه الآية فقال: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) والآية قال: أنبأهم الله ذلك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فداء أسراهم فكانوا فريقين طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج، والنضير. وقريظة وهم حلفاء الأوس فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم ومالهم والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ولا يعرفون جنة ولا ناراً ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا ولا حلالا وحراما فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة وأخذا به بعضهم من بعض يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ويفتدي النضر وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم يقول الله تعالى ذكره حيث أنبأهم بذلك (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) أي تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا؟ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة. ذكره ابن كثير في (التفسير 1/216) . وإسناده حسن تقدم وقد أخرجه ابن أبي حاتم مقطعا في عدة مواضع من طريق محمد بن يحيى عن أبي غسان عن سلمة عن محمد بن إسحاق به. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد إلى أبي العالية قال: وقد أخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم أن يفادوهم فأخرجوهم عن ديارهم ثم فادوهم فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض آمنوا بالفدية ففدوا وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوا. وأخرج بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم) قال: والله إن فداءهم لإيمان وإن إخراجهم لكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن يأتوكم أسارى تفدوهم) يقول: إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك؟. قوله تعالى (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ... ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) إلى قوله (ولا هم ينصرون) فأنبهم بذلك من فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فداء أسراهم. قوله تعالى (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) قال ابن حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا عفان ثنا حماد عن عطاء ابن السائب عن عبد الله بن حبيب السلمي قال: كان يكون أول الآية عاما، وأخرها خاصا وقرأ هذه الآية (يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) . ورجاله ثقات إلا الحسن وعطاء بن السائب فصدوقان وعطاء اختلط ولكن رواية حماد عنه قبل الاختلاط نص على ذلك الحافظان ابن عبد البر (التمهيد 1/109) ، وابن حجر العسقلاني (فتح الباري 3/642) . فالإسناد حسن. قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) قال: استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة. قوله تعالى (فلا يخفف عنهم العذاب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فلا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون) قال: هو كقوله (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) المرسلات: 35. وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية عذاب تعوذ كما نقدم في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 قوله تعالى (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما هذه البينات ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله (ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) آل عمران 49. إلى غير ذلك من الآيات. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات) أي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله. صفة عيسى ابن مريم عليه السلام تقدم ذكرها عند قوله تعالى (وإذ واعدنا موسى) آية (51) أنه مربوع الخلق في الحمرة والبياض سبطًا. قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس) أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ثنا أبي، ثنا أبي ثنا شبيب بن بشر ثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله (أيدنا) يقول: قوينا. ورجاله ثقات إلا أحمد وشبيب فصدوقان وشبيب يخطئ ولكن المتن لا يحتمل الخطأ بل تؤيده اللغة. وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس) هو جبريل على الأصح ويدل لذلك قوله تعالى (نزل به الروح الأمين) والشعراء: 193 الآية، وقوله (فأرسلنا إليها روحنا) الآية مريم: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل ثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله: روح القدس: جبريل. ثم قال: وروى عن محمد بن كعب القرظي قتادة وعطية العوفي والسدي والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك. ويؤيد هذا القول ما تقدم وما رواه الشيخان بسنديهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك بالله هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا حسان أجب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اللهم أيده بروح القدس". قال: أبو هريرة: نعم. (صحيح البخاري رقم 453- الصلاة، ب الشعر في المسجد) ، (وصحيح مسلم رقم 2485 - فضائل الصحابة، ب فضائل حسان بن ثابت) . واللفظ للبخاري. قوله تعالى (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم فريقا كذبتم وفريقا تقتلون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: ومارد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله قال (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون. قال البخاري: وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم". (الصحيح 4428- المغازى، ب مرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووفاته) . وصله الحافظ ابن حجر بسنده عن أبي بكر بن أبي داود ثنا أحمد بن صالح ثنا عنبسة ثنا يونس به. (تغليق التعليق 4/162) . وأخرجه الحاكم من طريق أحمد بن صالح عن عنبسة به. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 3/58) . وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه وحسن إسناده الهيثمي (مجمع الزوائد 9/35) وقد تتبع الحافظ ابن حجر أغلب طرقه فقال: وهذا وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد. وقال البزار: تفرد به عنبسة عن يونس، أي بوصله، وإلا فقد رواه موسى بن عقبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 في المغازي عن الزهري لكنه أرسله، وله شاهدان مرسلان أيضاً أخرجهما إبراهيم الحربي في (غريب الحديث) ، له أحدهما من طريق يزيد بن رومان والآخر من رواية أبي جعفر الباقر، وللحاكم موصول من حديث أم مبشر قالت قلت يا رسول الله ما تتهم بنفسك؟ فإني لا أتهم يا بنى إلا الطعام الذي أكل بخيبر وكان ابنها بشر ابن البراء بن معرور مات، فقال: وأنا لا أتهم غيرها. وهذا أوان انقطاع أبهري، وروى ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سمت له بخيبر، فقال في آخر ذلك: وعاش بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه. وجعل يقول: "ما زلت، أجد ألم الأكلة التي أكلتها بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري" عرق في الظهر وتوفى شهيداً. ا. هـ. (فتح الباري 8/131، وانظر تغليق التعليق 4/162, 163) . قوله تعالى (وقالوا قلوبنا غلف) أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان ثنا أسباط بن محمد عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما سمي القلب لتقلبه. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قالوا (قلوبنا غلف) قال في غطاء. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قلوبنا غلف) لا تفقه. وأخرجه الطبري بلفظه بسنده الحسن عن قتادة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو الأودي ثنا أبو أسامة عن النضر بن عربي عن عكرمة (قلوبنا غلف) قال: عليها طابع. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة معروف برواية عمرو الأودي عنه. (انظر تهذيب الكمال 7/221) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (قلوبنا غلف) قال: هو كقوله (قلوبنا في أكنة) فصلت: 5. (التفسير ص 41) ، وإسناده صحيح. قوله تعالى (بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فقليلا ما يؤمنون) قال: لا يؤمن منهم إلا قليل. (التفسير ص 41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 قوله تعالى (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) وهو القرآن الذي أنزل على محمد مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن المنادي فيما كتب إلي ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان النحوي عن قتادة قوله (ولما جاءهم كتاب من عند الله) قال: هو الفرقان الذي أنزله الله على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ورجاله ثقات إلا محمداً صدوق فالإسناد حسن. قوله تعالى (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) قال محمد بن إسحاق: حدثنى محمد بن أبي محمد أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته. فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فأنزل الله في ذلك من قولهم (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) الآية. (انظر تفسير ابن كثير 1/222) . وإسناده حسن تقدم وأخرجه الطبري من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق. وكذا ابن أبي حاتم من طريق يونس به. وأخرج عبد بن حميد عن شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (يستفتحون) قال: يستنصرون. (انظر تغليق التعليق 4/172-174 وإسناده حسن) . قال الإمام أحمد: ثنا يعقوب قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان ترى هذا كائن أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف به لود، أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه وأن ينجوا من تلك النار غدا. قالوا له ويحك وما آية ذلك قال نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا ومتى تراه قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال أن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت قال بلى وليس به. (المسند 3/467) ، أخرجه أبو نعيم الأصبهاني (دلائل النبوة 1/84) ، والبيهقي (دلائل النبوة 2/78، 79) , والحاكم (المستدرك 3/417) ، من طريق محمد بن إسحاق به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع (مجمع الزوائد 8/230) . وذكره السيوطي ونسبه إليهم وزاد ابن قانع (الدر 1/217) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا كانت اليهود تستفتح بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على كفار العرب من قبل، وقالوا: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم! فلما بعث الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأوا أنه بعث من غيرهم، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) . أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مختصراً. (التفسير ص 41) ، وهو مرسل ويتقوى بالمرسل الثابت التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كانت اليهود تستنصر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على مشركي العرب: يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ونقتلهم. فلما بعث الله محمداً، ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسد للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله. فقال الله (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) . فلعنة الله على الكافرين. قوله تعالى (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس يقول الله (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) أي أن الله جعله في غيرهم. وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية (أن يكفروا بما أنزل الله) قال: اليهود كفروا بما أنزل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبه عن أبي العالية (بما أنزل الله) قال: هم اليهود قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) يعني: حسدا. وأخرجه الطبري بلفظه بسنده الحسن عن قتادة. قوله تعالى (فباءوا بغضب على غضب) أخرج عبد الرزاق عن الثوري عن أبي بكير، عن عكرمة في قوله (فباءوا بغضب على غضب) قال: كفرهم بعيسى وكفرهم بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (التفسير ص 41) . أبو بكير: في الأصل أبو بكر والتصويب من رواية الطبري وأيضاً، فإن أبا بكير اسمه مرزوق التيمي الكوفي معروف الرواية عن عكرمة وبرواية الثوري عنه. ورجال الإسناد ثقات إلا أبا بكر فقد ذكره ابن حبان في الثقات كما صرح الحافظ ابن حجر (انظر تهذيب التهذيب 10/87) ، إلا أن هذه الرواية قد ثبتت من طرق أخرى كما سيأتي فالإسناد حسن على الأقل. وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بنحوه. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظ: غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وبعيسى، وغضب عليهم بكفرهم بالقرآن وبمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 قوله تعالى (وللكافرين عذاب مهين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (عذاب مهين) يعني بالمهين: الهوان. وانظر ما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار". (المسند 2/179) ، وأخرجه الترمذي (السنن- صفة القيامة رقم 2492) ، من طريق عبد الله ابن المبارك عن محمد بن عجلان به. ثم قال: حديث حسن صحيح. وحسنه الشيخ الألباني (صحيح الجامع 6/327) ، وذكر ابن كثير رواية الإمام أحمد (التفسير 1/223) . قوله تعالى (ويكفرون بما وراءه) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ويكفرون بما وراءه) أي بما بعده يعني: ما بعد التوراة. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ بما بعده. قوله تعالى (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل) الآية أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس ثم أنبأهم (برفع) الطور عليهم واتخاذ العجل إلها دون ربهم. قوله: برفع في الأصل: رفع. والتصويب من (سيرة ابن هشام 2/190) . وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما هذه البينات وبينها في مواضع أخر كقوله (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) وقوله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء) الآية وقوله (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) الآية. إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 قوله تعالى (وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وأشربوا في قلوبهم العجل) قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. (التفسير ص 41) ، وإسناده صحيح. قوله تعالى (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) الخطاب لليهود فحينما زعموا أنهم أولياء لله رد عليهم سبحانه وتعالى بقوله (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) الجمعة: 6-7. وقال عبد الرزاق: قال معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة في قوله (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) قال: قال ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ ذلك رسول الله، فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً". قال: وقال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون النبي لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا. (التفسير ص 41، 42) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا وصحح إسناده (1/222) . وأخرج البخاري الشطر المرفوع (الصحيح ح 4958- التفسير) . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ثنا علي بن محمد الطنافس ثنا عثام قال سمعت الأعمش قال: لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. وذكره ابن كثير في التفسير (1/226) وصحح إسناده. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس سيقول الله لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تعالى لليهود إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت. فلم يفعلوا حيث قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه فقال الله لهم ذلك. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وذلك أنهم قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) سورة البقرة: 111، وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه) سورة المائدة: 18. فقيل لهم (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون. قوله تعالى (ولن تمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: يقول الله لنبيه (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات. وقال أيضاً حدثنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا الحسين بن محمد المروذي ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قوله (والله عليم) قال: عالم. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وقد ذكر سبحانه وتعالى شبه هذه الآية في سورة الجمعة آية (7) . ثم أكد بأنهم يفرون من الموت فقال (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) الجمعة: 8. قوله تعالى (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) قال: اليهود. وأخرجه الحاكم من طريق قبيصة بن عقبة عن سفيان به وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/263) ، وأخرجه الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد. قوله تعالى (ومن الذين أشركوا يود أحدهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (يود أحدهم) يعني: المجوس. قوله تعالى (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) قال: حببت إليهم الخطيئة طول العمر. ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق فالإسناد حسن. قوله تعالى (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وما هو بمزحزحه من العذاب) أي ماهو بمنجيه وذلك أن المشرك لايرجو بعثا بعد الموت، فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (وماهو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) يقول: وإن عمر فماذاك بمغنيه من العذاب ولا منجيه منه. قوله تعالى (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك، بإذن الله) أخرج البخاري بسنده عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في أرض يخترف فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال إني سائلك عن ثلاث لايعلمهن إلا نبي فما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال: أخبرني بهن جبريل آنفا، قال جبريل: قال نعم، قال ذاك عدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ... ) الحديث. (الصحيح رقم 4480- التفسير- سورة البقرة، ب قوله من كان عدوا لجبريل) . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 8/166) في هذا الحديث: تلا عليه الآية مذكراً له سبب نزولها والله أعلم. وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أقبلت يهود إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه: إن قال: الله على ما نقول وكيل. قالوا: فأخبرنا من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة. فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر فهي التي نتابعك إن أخبرتنا قال: جبريل. قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالنبات والقطر والرحمة. فأنزل الله عز وجل (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك) إلى آخر الآية. راجع مواضع تخريجه والحكم على إسناده في الآيه (19) عند قوله تعالى (فيه ظلمات ورعد وبرق) . واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصرا على الشاهد والحديث طويل. أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى جبريل له ستمائة جناح. (صحيح البخاري رقم 4857- التفسير- سورة والنجم، ب فأوحى إلى عبده ما أوحى) ، (وصحيح مسلم رقم 174- الإيمان، ب في ذكر سدرة المنتهى) . واللفظ للبخاري. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس: قال إنما قوله جبريل كقوله عبد الله وعبد الرحمن. ورجاله ثقات إلا الحسن صدوق فالإسناد حسن. وأخرجه من طريق سفيان عن الأعمش به. وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فإنه نزله على قلبك) يقول نزل الكتاب على قلبك جبريل بإذن الله عز وجل. قوله تعالى (مصدقا لما بين يديه) وبه عن أبي العالية (مصدقا لما بين يديه) يعني: من التوراة والإنجيل. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظه. قوله تعالى (وهدى وبشرى للمؤمنين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (هدى وبشرى للمؤمنين) جعل الله هذا القرآن: هدى وبشرى للمؤمنين لأن المؤمن إذا سمع القرآن وحفظه ووعاه انتفع به واطمأن إليه وصدق بموعود الله الذي وعد فيه وكان على يقين من ذلك. قوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) أخرج البخاري عن عكرمة تعليقا بصيغة الجزم فقال: وقال عكرمة: جبر، وميك، وسراف: عبد. إيل: الله. (الصحيح- التفسير- سورة البقرة- باب قوله (من كان عدوا لجبريل)) ، ووصله الطبري، والحربي في غريب الحديث (انظر تغليق التعليق 4/175) ، بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عكرمة وعن ابن عباس. قوله تعالى (فإن الله عدو للكافرين) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ... الحديث. (الصحيح- الرقاق، ب التواضع 11/340، 341 رقم 6502) . قوله تعالى (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا يونس ابن بكير ثنا ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: قال: قال ابن صوريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك فأنزل الله عز وجل في ذلك قوله (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) . وأخرجه الطبري من طريق أبي كريب عن يونس بن بكر به. قوله تعالى (الفاسقون) أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن ابن جريج عن مجاهد (الفاسقون) قال: العاصون. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالي (أو كما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال مالك بن الضيف حين بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاقا فأنزل الله عز وجل (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) . وأخرجه أيضاً الطبري من طريق أبي كريب عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة (نبذه فريق منهم) يقول: نقضه فريق منهم. قوله تعالى (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب) يقول: نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب (كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) : أي أن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم أفسدوا علمهم، وجحدوا وكفروا وكتموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ... ) الآية. ذكر يهود. وإسناده حسن. قوله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أسامة عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم (الأعظم) وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا (بين*) كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال فأكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبوه حتى أنزل على محمد (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) . (*) في الأصل بلفظ من والتصويب من الدر المنثور 1/95. وأخرجه النسائي (التفسير رقم 14) عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة به. ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق ربما وهم وهذه الرواية ليست من أوهامه لأنها قد وردت من طريق آخر بلفظ مشابه كما سيأتي فالإسناد حسن. هذا وقد صحح الحافظ ابن حجر رواية الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير (انظر فتح الباري 10/224) . وقال الواحدي: أخبرنا محمد بن عبد العزيز القنطري، أخبرنا أبو الفضل الحدادي، أخبرنا أبو يزيد الخالدي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق، فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة، فيشربها قلوب الناس. فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قال شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه فقالوا: هذا سحر. فتناسخته الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) . (أسباب النزول ص 29) ، وأخرجه الحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم به، وصححه الذهبي (المستدرك 2/265) . وهاتان الروايتان من أخبار أهل الكتاب ولكنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة بل لبعض فقراتها شواهد فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبريء ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات. واستراق الشياطين السمع ثابت كما في قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظاها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) الحجر: 16-18. وقد حذرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصديق الكهنة والسحرة والاستعانة بهم في أي حال من الأحوال، فأخرج أبو داود (السنن رقم 3904- الطب، ب في الكاهن) ، والترمذي، (السنن رقم 135- الطهارة، ب في كراهية إتيان الحائض) ، وابن ماجة (السنن رقم 639- الطهارة، ب النهي عن إتيان الحائض) ، وأحمد (المسند رقم 9279، 10170) ، والدارمي (السنن 9532) . كلهم من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد - صلى الله عليه وسلم -". واللفظ للترمذي. وقد تكلم في سماع أبي تميمة من أبي هريرة ولكن أخرجه الإمام أحمد (المسند رقم 9532) من طريق خلاس عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -". وقد حسن السيوطي الرواية الأولى (فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/23) ، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي 1/44 وإرواء الغليل 7/68-70) ، وصحح أحمد شاكر الرواية الثانية في تحقيقه لمسند أحمد. قوله تعالى (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما أنزل على الملكين) قال: التفريق بين المرء وزوجه. ويستنتج من هذا التفسير أن ما في قوله (وما أنزل) موصولة وهو قول الجمهور بما نقله الحافظ ابن حجر (انظر فتح الباري 10/4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (وما أنزل على الملكين) قال: لم ينزل عليهما السحر. يقول: علما الإيمان والكفر فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: فكانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لاتعلما أحدا حتى تقولا (إنما نحن فتنة فلا تكفر) . التفسير ص 42. وإسناده صحيح. قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن إبليس يضع عرشه على الماء. ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال فيدنيه منه ويقول: نعم أنت". (الصحيح رقم 2813- صفات المنافقين) . وذكره ابن كثير في (التفسير 1/252) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وتفريقهما أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه. أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: ياعائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد ابن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في شط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناس من أصحابه. فجاء فقال: ياعائشة، كان ماءها نقاعة الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافانى الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت". تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام. وقال الليث وابن عيينة عن هشام: (في مشط ومشاطة) ويقال: المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاطة من مشاطة الكتان. (الصحيح 10/221 رقم 5763- الطب، ب السحر وقول الله تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... ) الآية. قوله تعالى (وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت الحسن يقول: في قوله (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي: لايضر هذا السحر إلا من دخل فيه. ورجاله ثقات إلا الحسن بن الصباح صدوق، فالإسناد حسن. قوله تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) أخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) بقول: قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم: أن الساحر لاخلاق له عند الله يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وماله في الآخرة من خلاق) ليس له في الآخرة جنة عند الله. (التفسير ص43) , وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بلفظ: حجة. وأخرج عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال: قال الحسن (ماله في الآخرة من خلاق) قال: ليس له دين. وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لمثوبة من عند الله) قال: ثواب من عند الله. وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بلفظه ثم قال: وروي عن الحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا) قال محمد بن إسحاق: حدثنى محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس (راعنا) أي: ارعنا سمعك. (تفسير ابن كثير 1/262) ، وإسناده حسن. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ثنا أبو معاوية عن عبد الملك عن عطاء (لا تقولوا راعنا) قال: كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها قال (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) . ورجاله ثقات، إلا عبد الملك وهو: ابن أبي سليمان ميسرة العزرمي: صدوق له أوهام ولكنه توبع حيث أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق عن عطاء بنحوه. فالأسناد حسن وأخرج الطبري بسنده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) قال: كانوا يقولون: راعنا سمعك! فكان اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك مستهزئين، فقال الله (لاتقولوا راعنا وقولوا انظرنا) . قال القاسمي: وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة النساء آية (46) (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً باُلسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) . (محاسن التأويل 2/216، وانظر تفسير ابن كثير 1/261) . وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لاتقولوا راعنا) لا تقولوا خلافاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النصر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم". (المسند رقم 5115) ، وصححه أحمد شاكر. والشاهد فيه قوله: "ومن تشبه بقوم فهو منهم". لأن الله تعالى نهى عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا. (انظر تفسير ابن كثير 1/261) ، وأخرجه أبو داود (السنن رقم 4031- اللباس- باب في لبس الشهرة) من طريق أبي النضر به مقتصرا على الشاهد، وحسنه عبد القادر الأرناؤط (انظر هامش جامع الأصول 10/657) . ونقل الشيخ مقبل الوادعي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: سنده جيد (انظر هامش تفسير ابن كثير 1/261) . وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقولوا انظرنا) فهمنا بين لنا يا محمد. قوله تعالى (وللكافرين عذاب أليم) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة (وللكافرين عذاب أليم) أى: موجع. وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية عذاب تعوذ كما تقدم في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة. قوله تعالى (والله يختص برحمته من يشاء) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد (يختص برحمته من يشاء) قال: النبوة. ثم قال وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك. قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما ننسخ من آية) يقول: ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وقال الطبري: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عوف، عن الحسن أنه قال في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) قال: إن نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرىء قرآنا، ثم نسيه فلم يكن شيئاً، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرأونه. ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى الحسن فهو مرسل وله شواهد تأتي بعد الرواية التالية. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها) قال: كان الله تعالى ذكره ينسي نبيه ما شاء وينسخ ما شاء. (التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح إلى قتادة وهو مرسل وله شواهد. قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب وهرون بن عبد الله. قالا: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج. قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن يكون إليه مثله. ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب. والله يتوب على من تاب". (صحيح مسلم رقم 1049-1050- الزكاة، ب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا) . وأخرج مسلم بسنده عن أبي الأسود، عن أبيه. قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة. فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن. فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم. فاتلوه. ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم. كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة. كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة. فأنسيتها. غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقر سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات. فأنسيتها. غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم. فتسألون عنها يوم القيامة. (صحيح مسلم رقم 1049-1050- الزكاة، ب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وأخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود مرفوعا قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت ذكروني ... ". (الصحيح رقم 401- الصلاة، ب التوجه نحو القبة حيث كان) . وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي سعيد الخدرى مرفوعا وفيه: "فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها". (صحيح البخاري رقم 2027- الاعتكاف، ب الاعتكاف في العشر الأواخر) ، (وصحيح مسلم رقم 1167- الصيام، ب فضل ليلة القدر) واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم للفظ: رأيت. ويقصد ليلة القدر. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد العسقلانى ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبيد بن عمير في قول الله (ما ننسخ من آية أو ننسها) يقول أو نتركها نرفعها من عندكم فنأت بمثلها، أو بخير منها ومثلها. ورجاله ثقات، إلا عصام العسقلاني وورقاء فصدوقان. فالإسناد حسن. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ماننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) كان ينسخ الآية بالآية بعدها، ويقرأ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - الآية أو أكثر من ذلك، ثم تنسى وترفع. وما تقدم على قراءة ننسها. أما على قراءة ننسأها فقد أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عطاء وابن أبي نجيح ومجاهد وعبيد بن عمير وعطية قوله (ننسأها) نؤخرها وبلفظ نرجئها. وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: أقرؤنا أبي، وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي، وذاك أن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قال الله تعالى (ماننسخ من آية أو ننسأها) . (الصحيح 8/167 رقم 4881- التفسير- سورة البقرة، ب قوله (ما ننسخ من آية أو ننسأها)) . قوله تعالى (نأت بخير منها أو مثلها) وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نأت بخير منها أو مثلها) يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة وأما قوله (نأت بخير منها أو مثلها) يقول آية فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي. (التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح. قوله تعالى (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هذا الذي سأل موسى من قبل من هو؟ ولكنه بينه في موضع آخر. وذلك في قوله (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد ايتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله في ذلك عن قولهم (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته". (صحيح البخاري 13/264 رقم 7289- الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال) ، (وصحيح مسلم- الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله) . واللفظ للبخارى. وذكره ابن كثير في (التفسير 1/267) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "ذرونى ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه". (صحيح البخاري 13/248 رقم 7288- الإعتصام ب الإقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ، (وصحيح مسلم- الحج 2/975 رقم 1337، ب فرض الحج مرة في العمر) . واللفظ لمسلم وهو مختصر من حديث فرض الحج. وذكره ابن كثير في (التفسير 1/268) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) ، أن يريهم الله جهرة. فسألت قريش محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل الله لهم الصفا ذهبا، قال: نعم! وهو لكم كمائدة بنى إسرائيل إن كفرتم! فأبوا ورجعوا. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) ، وكان موسى يسأل، فقيل له (أرنا الله جهرة) . قوله تعالى (ومن تبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) تقدم الكلام عن الإيمان في قوله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ... ) الآية (3) من هذه السورة. وأضيف هنا حديث شعب الإيمان وحديث تذوق طعم الإيمان فقد أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان". (صحيح البخاري رقم 9- الإيمان، ب أمور الإيمان) ، وصحيح مسلم- رقم 57- الإيمان، ب بيان عدد شعب الإيمان) . واللفظ لمسلم ولفظ البخاري مختصر. قوله: شعبة بالضم أي قطعة والمراد الخصلة أو الجزء (فتح الباري 1/52) . وأخرج مسلم بسنده عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً". (الصحيح رقم 56- الإيمان، ب الدليل على أن من رضي بالله ربا ... ) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن أنس مرفوعاً: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". (صحيح البخاري رقم 16- الإيمان، ب حلاوة الإيمان) ، وصحيح مسلم رقم 67- الإيمان, ب بيان خصال من اتصف لهن وجد حلاوة الإيمان) . واللفظ للبخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 هذا والأحاديث كثيرة جداً في خصال الإيمان وشعبه وصنف فيها المؤلفات وأشملها كتاب شعب الإيمان للحليمي، وشعب الإيمان للبيهقي، وأحاديثه كلها مسندة واختصره القزويني وهو جزء لطيف ومحقق ومخرج، وكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية. ومن الكتب المسندة في الإيمان: كتاب الإمام أحمد وابن أبي شيبة، والقاسم بن سلام، وابن مندة. قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: فكان حيي بن أخطب، وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً إذ خصهم الله برسوله. وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله (ود كثير من أهل الكتاب) قال: هو كعب بن الأشرف. (التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح. قوله تعالى (من بعد ما تبين لهم الحق) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (من بعد ما تبين لهم الحق) من بعد ما تبين أن محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكفروا به حسدا وبغيا إذ كان من غيرهم. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من بعد ما تبين لهم الحق) من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإسلام دين الله. قوله تعالى (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة في قوله (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) نسخ ذلك كله بقوله (فاقتلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 المشركين حيث وجدتموهم) التوبة: 5، وقوله (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله (وهم صاغرون) التوبة: 29، فنسخ هذا. واللفظ لابن أبي حاتم. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة بنحوه (التفسير ص 44) . وكذا أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية. أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب على حمار، على قطيفة فدكية، وأردف أسامة ابن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله ابن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال لاتغبروا علينا، فسلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً، فلا تؤذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال سعد بن عبادة يا رسول الله، اعف عنه، واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك لقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة فلما أبي الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه يعفون عن المشركين، وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 كثيراً) الآية، وقال الله (ود كثر من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم) إلى آخر الآية، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتأول العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم فلما غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً، فقتل الله به صناديد كفار قريش، قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان، هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الإسلام فأسلموا. (الصحيح رقم 4566- التفسير- آل عمران، ب (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً)) . قوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (تجدوه عند الله) فيقول تجدوا ثوابه عند الله. قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وبه عن أبي العالية قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا يهودي. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا نصراني. ثم قال وروي عن مجاهد والربيع والسدي نحو ذلك. قوله تعالى (تلك أمانيهم) وبه عن أبي العالية (تلك) يقول أمانى تمنوها على الله بغير حق. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تلك أمانيهم) أماني يتمنونها على الله كاذبة. قوله تعالى (قل هاتوا برهانكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قل هاتوا برهانكم) أي: حجتكم. ثم قال: وروي عن مجاهد والسدي والربيع نحو ذلك. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هاتوا برهانكم) هاتوا بينتكم. قوله تعالى (إن كنتم صادقين) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قوله تعالى (بلى من أسلم وجهه) وبه عن أبي العالية (بلى من أسلم وجهه) يقول الله: من أخلص لله. قوله تعالى (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد بنبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) قال: بلى! قد كانت أوائل النصارى على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، وقالت النصارى (ليست اليهود على شيء) ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: حدثنا عصام ابن رواد ثنا آدم عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء. وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) قال: هولاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وهم يتلون الكتاب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وهم يتلون الكتاب) قال أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به أن تكفر اليهود بعيسى وعندهم في التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يدي صاحبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 قوله تعالى (كذلك قال الذين لايعلمون مثل قولهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال الذين لايعلمون مثل قولهم) قال: قالت النصارى مثل قول اليهود قبلهم. وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية. قوله تعالى (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) الحج: 17، وكما قال تعالى (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) سبأ: 26. (التفسير 1/274) . قوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ... ) الآية أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) قال: هو بختنصر وأصحابه خربوا بيت المقدس، وأعانته على ذلك النصارى، قال الله (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) وهم النصارى لا يدخلون المسجد إلا مسارقة إن قدر عليهم عوقبوا (لهم في الدنيا خزي) قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. (التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح. وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: قال بعض العلماء: نزلت في صد المشركين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البيت الحرام في عمرة الحديبية عام ست. وعلى هذا القول: فالخراب معنوي، وهو خراب المساجد بمنع العبادة فيها. وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) الآية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وقال بعض العلماء: الخراب المذكور هو الخراب الحسي. والآية نزلت فيمن خرب بيت المقدس وهو بختنصر أو غيره وهذا القول يبينه ويشهد له قوله جل وعلا (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) . ويؤيد القول الأول قوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة آتى الزكاة ويخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة: 18،17. وقوله تعالى (ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لايعلمون) الأنفال: 34. قوله تعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) القول الأول: أن الآية منسوخة: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: وأما ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله تبارك وتعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: فصلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تبارك وتعالى إلى البيت العتيق وقال (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) . (الناسخ والمنسوخ رقم 21 ص 146) . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الحسن بن محمد بن الصباح عن حجاح بن محمد به. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/267، 268) من طريق ابن جريج به وصححه ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، وعثمان هو ابن عطاء. ضعيف ولايضر إذ هو مقرون بابن جريج. وعطاء هو: الخراساني حيث صرح ابن الجوزي بذلك فأخرجه من طريق أحمد بن حنبل عن حجاج بن محمد قال: أنبأ ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس بلفظه (نواسخ القرآن ص 144) ولعل الحاكم والذهبي صححاه على أن المقصود بعطاء: ابن أبي رباح ويؤيد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر فقال عند عرضه لطرق ابن عباس في التفسير: ومن طريق ابن جريح عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء والخرساني، وهو لم يسمع من ابن عباس فيكون منقطعا إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح (العجاب في بيان الأسباب ص د-9) . وعلى هذا تبقى المسألة محتملة فإن كان عطاء بن أبي رباح فالإسناد صحيح، وإن كان الخراساني الإسناد ضعيف ويقويه رواية علي بن أبي طلحة التالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة. وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) إلى قوله (فولوا وجوهكم شطره) سورة البقرة: 144، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: (ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب) وقال (أينما تولوا فثم وجه الله) سورة البقرة: 142. وأخرج الإمام أحمد (انظر نواسخ القرآن ص 145) ، والطبري بأسانيد حسنة عن قتادة بنحوه. القول الثانى: أنها محكمة وتفسيرها في صلاة السفر تطوعاً. أخرج مسلم بسنده عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه قال: وفيه نزلت (فأينما تولوا فثم وجه الله) . (الصحيح رقم 33- الصلاة، ب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت) . القول الثالث: أنها محكمة وتفسيرها استقبال الكعبة. قال الطبري: أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي سنان، عن الضحاك، والنضر بن عربي، عن مجاهد في قول الله عز وجل (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: قبلة الله، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها. ورجاله ثقات إلا أبا سنان وهو سعيد بن سنان الرجمي معروف برواية وكيع عنه. (انظر تهذيب التهذيب 4/45) وهو صدوق له أوهام وباقي رجاله ثقات وأخرجه الطبري عن ابن جريج عن مجاهد, وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن أبي بكر عن مجاهد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان الكلابي عن نضر بن العربي عن عكرمة عن ابن عباس (فأينما تولوا فثم وجه الله) قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 قال الله تعالى (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياى فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً. (الصحيح رقم 4482 -التفسير- سورة البقرة، ب (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه)) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم". (صحيح البخاري رقم 7378- التوحيد، ب قول الله تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)) ، (وصحيح مسلم -صفات المنافقين، ب لا أحد أصبر على أذى من الله) . وذكر ابن كثير هذين الحديثين في تفسيره (1/282) . وقال الشنقيطي عند هذه الآية: هذا الولد المزعوم -على زاعمه لعائن الله- قد جاء مفصلا في آيات أخر كقوله (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) وقوله (ويجعلون لله البنات) الآية. قوله تعالى (كل له قانتون) وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (كل له قانتون) قال: مطيعون. قال: طاعة الكافر في سجود ظله. وكأنه استنبط هذا القول من قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد: 15، ومن قوله تعالى (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) النحل: 48. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظ: مطيعون. قوله تعالى (بديع السموات والأرض) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: يعني قوله (بديع السموات والأرض) ابتدع خلقها ولم يشركه في خلقها أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قوله تعالى (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) والقضاء فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا ومثال القول قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء: 23، (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبير) الإسراء: 4، ومن الفعل قوله (فقضاهن سبع سماوات في يومين) فصلت: 12. (انظر المفردات للراغب ص 406) . وقال ابن كثير عند هذه الآية: يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه وأنه إذا قدر أمرا فإنما يقول له كن فيكون كن أي مرة واحدة فيكون أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) وقال تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) وقال تعالى (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) . (التفسير 1/283) . وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية تنزيه سبح كما تقدم في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة. قوله تعالى (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) ورد فيها ثلاثة أقوال وهي: القول الأول: أنهم يهود. أخرج ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك من قوله (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) . (انظر تفسير ابن كثير 1/283, 284) . وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق به. القول الثاني: أنهم كفار الرب. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) قال: هو قول كفار العرب. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 القول الثالث: أنهم النصارى. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) قال: النصارى تقوله. واختار الطبري القول الثالث لأن السياق فيهم. وتعقبه ابن كثير فقال: وفي ذلك نظر وحكى القرطبي (لولا يكلمنا الله) أي يخاطبنا بنبوتك يا محمد -قلت- وهو ظاهر السياق والله أعلم. وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي في تفسير هذه الآية هذا قول كفار العرب (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) قال: هم اليهود والنصارى ويؤيد هذا القول وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله) الآية وقوله تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) إلى قوله (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولاً) ، وقوله تعالى (وقال الذين لايرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) الآية وقوله تعالى (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لاحاجة لهم به. قوله تعالى (لولا يكلمنا الله) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن قتادة في قوله (لولا يكلمنا الله) قال: فهلا يكلمنا الله!. قوله تعالى (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية يقول الله (كذلك قال الذين من قبلهم) يعني: اليهود والنصارى أو غيرهم. ثم قال: وروي عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك. وما روى عن قتادة أخرجه الطبري بسنده الحسن بلفظ: اليهود النصارى وغيرهم. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظ: هم اليهود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 قوله تعالى (قد بينا الآيات لقوم يوقنون) قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الطهراني فيما كتب إلي أنبا عبد الرزاق أنبا معمر عن قتادة يعني قوله (آيات لقوم يوقنون) قال: معتبرا لمن اعتبر. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالى (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا) أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن هذه الآية التي في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) قال في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولاغليظ ولاسخاب بالأسواق ولايدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا عميا وقلوبا غلفا. (الصحيح رقم 4838- التفسير سورة الفتح، ب (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصفا ذات يوم فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش قالوا: مالك؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب تبا لك، ألهذا جمعتنا، فأنزل الله (تبت يدا أبي لهب) . (صحيح البخاري رقم 4801- التفسير- سورة سبأ ب (إن هو إلا نذير لكم)) ، (وصحيح مسلم رقم 355- الإيمان، ب قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين)) . وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية. قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) يبينه قوله تعالى (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) سورة البقرة: 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قوله تعالى (قل إن هدى الله هو الهدى) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (قل إن هدى الله هو الهدى) قال: خصومة علمها الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم يخاصمون لها أهل الضلالة. وأخرج الشيخان بسنديهما عن معاوية - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لايزال من أمتي أمة قائمة لأمر الله لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك". (صحيح البخاري 6/632 رقم 3641- المناقب) ، (وصحيح مسلم رقم 1037- الإمارة، ب قوله تعالى: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين") . واللفظ للبخاري. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة مرسلاً. وذكره ابن كثير في التفسير (1/286) . قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (الذين آتيناهم الكتاب) قال: اليهود والنصارى. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (الذين آتيناهم الكتاب) هؤلاء أصحاب نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمنوا بكتاب الله وصدقوا به. وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق شيبان عن قتادة. واختار الطبري القول الأول. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة ثنا إبراهيم بن موسى أبنا ابن أبي زائدة أنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (يتلونه حق تلاوته) قال: يتبعونه حق اتباعه. ثم قرأ إذا تلاها يقول: اتبعها. وروي عن عكرمة، وعطاء، ومجاهد، وأبي رزين، وإبراهيم ذلك. ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى ابن عباس. وأخرج المروزى عن إسحاق بن إبراهيم، أنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد مثله. (تعظيم قدر الصلاة 1/396 رقم 384) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالى (ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "والذي نفس محمد بيده! لايسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصرانى، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار". (الصحيح- الإيمان، رقم 153، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 قوله تعالى (يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين. واتقوا يوما لاتجزي نفس عن نفس شيئا ولايقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولاهم ينصرون) تقدم تفسير هاتين الآيتين عند الآية رقم (47 و48) . قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) اختلف المفسرون في المراد بالكلمات. القول الأول: هي خصال عشر من سنن الإسلام. أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) قال ابتلاه الله بالطهارة. (التفسير ص 46) ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق ابن طاوس به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/266) ، وابن طاوس هو عبد الله. وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي صالح وأبي الجلد ومجاهد وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي نحو ذلك. القول الثانى: ما أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما! قال: نعم. قال: ومن ذريتي. قال: لا ينال عهدي الظالمين. قال: تجعل البيت مثابة للناس. قال: نعم. قال: وأمنا. قال: نعم. قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. قال: نعم. قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا. قال: نعم قال: وتجعل هذا البلد آمنا. قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم. قال: نعم. وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال: ابتلي بالآيات التي بعدها. (المصنف 11/521 رقم 11876- الفضائل، ب ما ذكر مما أعطى الله إبراهيم) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 القول الثالث: ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بفراقهم، ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ماوقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها، وماله وما ابتلى به من ذبح ولده، حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من أمر الله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم قال: أسلمت لرب العالمين. على ما كان من خلاف الناس وفراقهم. القول الرابع: ما أخرجه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: قلت للحسن: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال: ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه، وابتلاه بالقمر، فرضي عنه، وابتلاه بالشمس، فرضي عنه، وابتلاه بالنار، فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان. ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء هو: محمد بن سيف الحداني. وأخرجه إسناده الحسن عن قتادة عن الحسن بنحوه وزاد ابتلاه بذبح ابنه. وقال الطبري: ما حاصله أنه يحتمل أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ويحتمل أن يكون بعض ذلك ولايجوز الجزم بشيء منها إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إجماع من الحجة ولم يصح شيء من ذلك. قوله تعالى (فأتمهن) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فأتمهن) أي: عمل بهن. وقال الطبري: حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا دواد، عن عكرمة، عن ابن عباس (فأتمهن) ، أي فأداهن. ورجاله ثقات وإسناده صحيح وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى وداود: هو ابن أبي هند. وعبد الأعلى هذا معروف روايته عن داود بن أبي هند. (انظر تهذيب التهذيب 6/96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قوله تعالى (قال إني جاعلك للناس إماما ومن ذريتي) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (إني جاعلك للناس إماما) فجعله الله إماما يؤتم ويقتدى به. ثم قال: وروي عن الحسن وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وقتادة والربيع ابن أنس نحو ذلك. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) يخبره أي أنه كان في ذريته ظالم لاينال عهده ولاينبغي له أن يوليه شيئا من أمره، وإن كانوا من ذرية خليله، ومحسن ستنفذ فيه دعوته ويبلغ فيه ما أراب من مسألته. وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال إبراهيم: يا رب (ومن ذريتي) يقول اجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به. يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق. قوله تعالى (قال لاينال عهدى الظالمين) اختلف المفسرون في تفسير العهد. القول الأول: الأمان. أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لاينال عهدي الظالمين) قال لاينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا قد ناله الظالم وأمن به، وأكل وأبصر وعاش. (التفسير ص 46) ، وإسناده صحيح. القول الثانى: دين الله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (لاينال عهدي الظالمين) فعهد الله الذي عهد إلى عباده دينه قال: لاينال ديني الظالمين. القول الثالث: الإمامة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قال لاينال عهدي الظالمين) قال: لا يكون إماما ظالما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 القول الرابع: أنه لاعهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه. قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسحاق الأزرق ثنا سفيان عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله (لاينال عهدى الظالمين) قال: ليس لظالم عليك عهد في معصية الله أن نطيعه. وروي عن مجاهد، وعطاء، ومقاتل بن حيان نحو ذلك. ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق وهارون لا بأس به. فالإسناد حسن. واختار الطبري أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لاينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره. ويؤيد هذا الإختيار قول الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: يفهم من هذه الآية أن الله علم أن من ذرية ابراهيم ظالمين. وقد صرح تعالى في مواضع أخر بأن منهم ظالما غير ظالم. كقوله (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) الصافات: 113، وقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) الزخرف: 28. قوله تعالى (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مثابة للناس) قال: يثوبون إليه. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: لايقضون منه وطرا. (التفسير ص 46) ، وإسناده صحيح. قال عبد الرزاق نا الثوري عن أبي الهذيل عن سعيد بن جبير في قوله (مثابة للناس) قال: يحجون ثم يحجون لايقضون منه وطراً. ورجاله ثقات إلا أبا الهذيل وهو غالب بن الهذيل الأودى صدوق رمي بالرفض والأثر ليس له علاقة بالرافضة. فالإسناد حسن. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ: مجمعا. وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن غالب عن سعيد بن جبير بلفظ يحجون ثم يعودون. (المصنف 4/112) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قوله تعالى (وأمنا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) يقول أمنا من العدو وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لايسبون. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأمنا) قال: تحريمه، لايخاف فيه من دخله. قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) اختلف المفسرون في المراد بالمقام على أقوال: القول الأول: هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة. أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله: لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى، وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب ... (الصحيح رقم 4483- التفسير- سورة البقرة, قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) . وأخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في الحديث الطويل والشاهد فيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت. (الصحيح رقم 1218- الحج، ب حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وأخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين ... (الصحيح 3/484 رقم 1623- الحج، ب صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسبوعه ركعتين) . القول الثانى: الحج كله أي الحرم وعرفات. قال عبد الرزاق: نا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله (مقام إبراهيم) قال: الحج كله مقام إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وأخرجه الطبري من طريق ابن جريج به. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حجاج من ابن جريج به وأطول وفيه قال ابن جريج سألت عطاء. وعطاء هذا ابن أبي رباح فالإسناد صحيح، وقد نبه على هذه الفائدة -عدم تصريح ابن جريج باسم والد عطاء- الحافظ ابن حجر فقال: ومن طريق ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران، وما عدا ذلك يكون عطاء هو: الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عباس، فيكون منقطعا. إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح. (العجاب في بيان الأسباب ص د-9) . القول الثالث: عرفة والمزدلفة والجمار. قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: لأني قد جعلته إماما، فمقامه: عرفة والمزدلفة والجمار. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن نجيح عن مجاهد بنحوه (التفسير ص 46) . والصحيح القول الأول لما ثبت في الصحيح وقد رجحه الطبري (التفسير 3/36) ، وابن كثير (التفسير 1/298) ، والبغوي (التفسير 1/113) . فصل: وثيقة تاريخية ثابتة عن مقام إبراهيم قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبو ثابت، حدثنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها أن المقام كان زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزمان أبي بكر - رضي الله عنه - ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم. (التفسير 1/299) . ويقصد بما تقدم الآثار التالية عن الإمام أنس بن مالك وقتادة ومجاهد. فقال عبد الله بن وهب: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن أنس ابن مالك حدثهم، قال رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام، وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم. (انظر المصدر السابق) . وإسناده صحيح إلى أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها. ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى. وأخرج عبد الرزاق مصنفه عن ابن جريج حدثني عطاء وغيره من أصحابنا قال: أول من نقله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وذكره ابن كثير، والحافظ ابن حجر وصحح إسناده (فتح الباري 8/169) . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنى قال: قال سفيان: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- وبعد قوله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه. وقال سفيان: لا أدرى كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقا بها أم لا. وسفيان هذا هو ابن عيينة، كما صرح ابن كثير حيث نقل رواية ابن أبي حاتم كاملة (التفسير 1/299، 300) . قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال ابن أبي حاتم: حدثني سهل بن بحر العسكرى بالري ثنا جعفر بن حميد أنا ابن المبارك عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (واتخذوا من مقام إبراهم مصلى) قال: مدعى. ورجاله ثقات، إلا العسكري صدوق فالإسناد حسن. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: أمروا أن يصلوا عنده. قوله تعالى (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين) قال الطبري. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيرى قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير (أن طهرا بيتي للطائفين) قال: من الأوثان والريب. وأخرجه أيضاً من طريق ابن جريج عن عطاء به. وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة كتاب (العجاب في بيان الأسباب) . ورجاله ثقات إلا أحمد صدوق فالإسناد حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة (والطائفين) قال: الطائفون: من يعتنقه. ورجاله ثقات إلا يحيى بن خلف: صدوق فالإسناد حسن. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أن طهرا بيتي للطائفين) قال: من الشرك وعبادة الأوثان. (التفسير ص 46) . قوله تعالى (والعاكفين) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت قال: قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير: ما أرأني إلا مكلم الأمير أن يمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون؟. قال: لا تفعل فإن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح وذكره ابن كثير ثم قال: وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عزب. (التفسير 1/301) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاكفين) قال: العاكفون أهله. قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا) أخرج الشيخان بسنديهما عن عمرو بن سعيد مرفوعاً إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولايعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها فقولوا إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالماس وليببغ الشاهد الغائب ... (صحيح البخاري رقم 104- العلم، ب ليبلغ الشاهد الغائب) ، (وصحيح مسلم رقم 1354- الحج، ب تحريم مكة وصيدها) . وأخرج مسلم بسنده عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها" -يريد المدينة-. (صحيح مسلم رقم 1361- الحج، ب فضل المدينة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 قوله تعالى (وارزق أهله من الثمرات) دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء لأنه كان بواد غير ذي زرع وقد حكى الله تعالى عنه أنه قال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ... ) الآية. سورة إبراهيم: 37. وقد استجاب الله سبحانه وتعالى لإبراهيم فصار يجبى إليه ثمرات كل شيء كما قال تعالى (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء) سورة القصص: 57. قوله تعالى (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) يعني من وحّد الله وآمن باليوم الآخر. قوله تعالى (ومن كفر فأمتعه قليلا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - (ومن كفر) إن هذا من قول الرب قال: ومن كفر فأمتعه قليلا. قال ابن كثير: عند هذه الآية وهذا كقوله تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) . والآية في سورة النحل 116, 117. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة قال: قال الله (ومن كفر) -أيضاً- فإني أرزقه من الدنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن. قال ابن أبي نجيح: سمعت هذا من عكرمة، ثم عرضته على مجاهد فلم ينكره. ورجاله ثقات إلا عصام بن رواد صدوق فالإسناد حسن. قوله تعالى (ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح قوله (ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) قال: ثم مصير الكافر إلى النار. قال ابن أبي نجيح سمعته من عكرمة، فعرضته على مجاهد فلم ينكره. وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته". (صحيح البخاري رقم 4686- التفسير- سورة هود، ب قوله (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة)) ، (وصحيح مسلم 2583- البر والصلة، ب تحريم الظلم) . قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) قال عبد الرزاق: نا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك. (التفسير ص 47) ، وأيوب هو السختياني. وأخرجه الطبري عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. وذكر الحافظ ابن حجر رواية الطبري وصحح إسنادها (فتح البارى 8/170) . قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: ذكر في هذه الآية رفع إبراهيم وإسماعيل لقواعد البيت. وبين في سورة الحج أنه أراه موضعه بقوله (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي: عينا له محله وعرفناه به. وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم قال لإسماعيل: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا -وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني. حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) . (الصحيح 6/396-398 رقم 3664- الأنبياء، ب يزفون: النسلان في المشي) . وهذا طرف من آخر الحديث الطويل الذي ذكر فيه قصة إسماعيل وأمه في البيت الحرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وأخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ألم تري أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال: لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك استلام الركنين الذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. (صحيح البخاري رقم 4484- التفسير- سورة البقرة، ب قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ... )) ، وصحيح مسلم- الحج رقم 1333، ب نقض الكعبة وبنائها) . واللفظ للبخاري. وأخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: "ألم تري قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت". (صحيح البخاري 3/439 رقم 1583- الحج، ب فضل مكة وبنيانها) ، (وصحيح مسلم- الباب السابق رقم 400) . وذكر ابن كثير هذه الروايات التي في الصحيحين (التفسير 1/313، 314) . وقد قام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بما أراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنقض حجارة الكعبة ثم بناها من جديد وأدخل الحجر وجعل لها بابا للدخول وآخر للخروج وزاد في طول الكعبة. وقد أخرج مسلم بسنده عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير. حتى قدم الناس الموسم. يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام. فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس! أشيروا علي في الكعبة. أنقضها ثم أبني بناءها. أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها. أرى أن تصلح ما وهي منها. وتدع بيتا أسلم الناس عليه. وأحجارا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتى يجده. فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثا. ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماه الناس أن ينزل، بأول الناس يصعد فيه، أمر من السماء. حتى صعده رجل فألقى منه حجارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوه. فنقضوه حتى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزبير أعمدة. فستر عليها الستور. حتى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق. ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر. حتى أبدى أساً نظر الناس إليه. فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا. فلما زاد فيه استقصره. فزاد في طوله عشر أذرع. وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلما قتل ابن الزبير. الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يضره بذلك. ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة. فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء. أما ما زاد في طوله فأقره. وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه. وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. (الصحيح رقم 402- الحج، ب نقض الكعبة بنائها) . قوله تعالى (ربنا واجعلنا مسلمين لك) قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال إبراهيم: تجعلنا مسلمين لك؟ قال الله: نعم. وإسناده حسن. وكأنه يعني أن الله تعالى استجاب له. وكذا الأثر الذي يليه. قوله تعالى (ومن ذريتا أمة مسلمة لك) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده المتقدم آنفا عن عكرمة قال: قال إبراهيم (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) فقال الله: نعم. وهو كما قال فقد استجاب الله تعالى فقال (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب) العنكبوت: 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقوله تعالى (وأرنا مناسكنا) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء (وأرنا مناسكنا) أخرجها لنا، علمناها. ورجاله ثقات، إلا الحسن صدوق الإسناد حسن. وحجاج هو ابن محمد. وعطاء هو ابن أبي رباح. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظ: أرنا منسكنا وحجنا. وأخرج الثوري عن ابن جريج عن عطاء بلفظ: مذابحنا. وإسنادهما صحيح. وأخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظه. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (وأرنا مناسكنا) فأراهما مناسكهما: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار، حتى أكمل الله الدين - أو: دينه. وقال أيضاً: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال ابن المسيب، قال علي بن أبي طالب: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: فعلت أي رب، فأرنا مناسكنا -أبرزها لنا، علمناها- فبعث الله جبريل، فحج به. وإسناده صحيح. قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل (قلت لابن عباس) يزعم قومك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف على بعير بالبيت وأن ذلك سنة، قال صدقوا وكذبوا، قلت ما صدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا طاف على بعير وليس بسنة، إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لايصرف الناس عنه ولايدفع فطاف على بعير كي يسمع كلامه ولاتناله أيديهم (قلت) يزعمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا (قلت) ماصدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا قد رمل وكذبوا ليست بسنة، إن قريشاً قالت دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوا رسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن يجيء في العام المقبل فيقيم بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه والمشركون من قبل قعيقعان قال لأصحابه ارملوا وليس بسنة (قلت) يزعم قومك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد سعى بين الصفا والمروة وأن ذلك سنة، قال: صدقوا إن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لما رأى المناسك عرض له شيطان عند المسعى فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل عليه السلام حتى أتى به منى فقال مناخ الناس هذا، ثم انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم انتهى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم انتهى إلى الجمرة القصوى فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به جمعا فقال هذا المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة فقال هذه عرفة، قال ابن عباس: أتدري لم سميت عرفة؟ قال لا، قال لأن جبريل قال له عرفت، قال ابن عباس: أتدري كيف كانت التلبية؟ قال: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج أمرت الجبال فخفضت رؤسها ورفعت له القرى فأذن في الناس بالحج. (منحة المعبود 1/207 رقم 992) ، وأخرجه أحمد (المسند رقم 707) من طريق حماد بن سلمة به. وصححه محققه أحمد شاكر، وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي داود له. وذكره الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 3/359) . وقال في موضع آخر رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عاصم وهو ثقة (مجمع الزوائد 8/200, 201) . وهو كما قال فقد وثقه يحيى بن معين (انظر تهذيب التهذيب 12/143) . وذكره ابن كثير مختصرا وسكت عنه (التفسير 1/320) . ولمعظم هذا الحديث شواهد في (صحيح مسلم) سردها محققو مسند أحمد (4/437 ح 2707 ط الموسوعة الحديثية بإشراف معالي أ. ك. عبد الله التركي. قوله تعالى (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للناس إماما. قال الله: نعم. قال إبراهيم: وتتوب علينا؟ قال الله: نعم. وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 قوله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم) قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية والتي قبلها: لم يبين هنا من هذه الأمة التي أجاب الله بها دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل. ولم يبين هنا أيضاً: هذا الرسول المسئول بعثه فيهم من هو؟ ولكنه يبين في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب، والرسول هو سيد الرسل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك في قوله (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) لأن الأميين العرب بالإجماع والرسول المذكور نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجماعا. ولم يبعث رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل إلا نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده. وقال ابن كثير عند هذه الآية: والمراد بذلك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد بعث فيهم كما قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود لقوله تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) . قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني ثور ابن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له بصرى وبصرى من أرض الشام. قال الحاكم خالد بن معدان من خيار التابعين صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة فإذا أسند حديث إلى الصحابة فإنه صحيح الإسناد وإن لم يخرجاه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/600) ، وذكره ابن كثير من طريق محمد بن إسحاق به وقال: وهذا إسناد جيد قوي (البداية والنهاية 2/275) . وفي التفسير قال: وهذا إسناد جيد وروي له شواهد من وجوه أخر (4/360 ط المعرفة) . ساق الشواهد وهي أحاديث يقوي بعضها بعضاً. وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة ح 1545) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم) يعني: أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقيل قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 قوله تعالى (يتلو عليهم آياتك) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك) قال: ففعل الله ذلك، فبعث فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه يخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد. قوله تعالى (والحكمة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة والحكمة أي: السنة. قوله تعالى (إنك أنت العزيز الحكيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (العزيز) يقول عزيز في نقمته إذا انتقم، (الحكيم) قال: حكيم في أمره. قوله تعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) قال: رغبت اليهود والنصارى عن ملة إبراهيم وابتدعوا اليهودية والنصرانية وليست من الله وتركوا دين إبراهيم. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه. قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما ملة إبراهيم وبينها بقوله (قل إنني هدانى ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) فصرح في هذه الآية بأنها دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذا في قوله (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) الآية. قوله تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) يقول: ووصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: أشار إلى أنه دين الإسلام هنا بقوله (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وصرح بذلك في قوله (إن الدين عند الله الإسلام) وقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . قوله تعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (أم كنتم شهداء) يعني: أهل الكتاب. قوله تعالى (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) أخرج البخاري تعليقاً عن أبي بكر وابن عباس وابن الزبير: أن الجد أب. (الصحيح 5/214- الفرائض، ب ميراث الجد مع الأب والأخوة) . قال ابن حجر في (تغليق التعليق) : أما قول أبي بكر أن الجد أب فأسنده المؤلف -أي البخاري- في فضل أبي بكر وكذا قول ابن الزبير (وانظر فتح الباري 7/17 رقم 3658) وأما قول ابن عباس فقد ذكر من أخرجه كالبيهقي وسعيد بن منصور (تغليق التعليق 5/215) ، وسنن سعيد بن منصور رقم (40-52) ، والسنن الكبرى (6/246) . وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية مستشهدا لمن استدل بهذه الآية في جعل الجد أبا وحجب به الإخوة (التفسير 1/323, 324) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) فسمى عمه أباه. قوله تعالى (ونحن له مسلمون) أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "الأنبياء إخوة لعلات" أمهاتهم شتى ودينهم واحد". (صحيح البخاري رقم 3443- الأنبياء، ب قول الله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت)) ، (وصحيح مسلم رقم 2365- الفضائل، ب فضائل عيسى) . وذكره ابن كثير مستدلا على أن الإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم (التفسير 1/324) . قوله: إخوة لعلات: وفي رواية أولاد علات كما في الصحيحين وقال النووي عندها قال العلماء: أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى وأما الأخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان. قال جمهور العلماء: معنى الحديث: أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفه فإنهم متفقون أصول التوحيد وأما في فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف (صحيح مسلم بشرح النووي 15/119، 120) . وقال ابن حجر: العلات الضرائر (الفتح 6/849) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مسلمين) يقول: موحدين. قوله: مسلمين كذا في الأصل وكأنه قد فسره عند لفظ: مسلمين. في موضع آخر ثم به هنا باللفظ نفسه. قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون) أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: " ... ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه". (الصحيح رقم 2699- الذكر، ب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم) يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا القاسم بن هزان الخولاني ثنا الزهري ثنا سعيد بن مرجانة قال: قال ابن عباس قوله عز وجل (ماكسبت) من العمل. ورجاله ثقات إلا القاسم قال عنه أبو حاتم: شيخ محله الصدق. والمتن له شاهد من اللغة فالإسناد حسن أما الوليد بن مسلم هو القرشي الدمشقي ثقة لكنه يدلس (الجرح والتعديل 7/123) ، (انظر تهذيب التهذيب 11/151-155) وقد صرح، لسماع فلا ضير. قال الطبري وأصل الكسب العمل. وانظر الآية (141) من هذه السورة. قوله تعالى (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ... ) الآية قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مالهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً) (انظر تفسير ابن كثير 1/324) ، وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 قوله تعالى (قل بل ملة إبراهيم حنيفا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (حنيفا) يقول: حاجا. وقال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهل، قال: سألت الحسن عن (الحنيفية) قال: حج البيت. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا قبيصة وعيسى بن جعفر قالا ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (حنيفا) قال متبعا. وإسناده صحيح. وتفسير الآية يستوعب القولين السابقين. قوله تعالى (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ... ) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل إلينا ... ) الآية. (الصحيح رقم 4485- التفسير- سورة البقرة، ب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)) . ومن فضل هذه الآية ما أخرجه مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) البقرة. الآية 136. الآية التي في البقرة. وفي الآخرة منهما: (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) . (الصحيح رقم 727- صلاة المسافرين، ب استحباب ركعتي سنة الفجر) . وأخرج الطبري بسنده عن قتادة قال: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدقوا بأنبيائه ورسله كلهم ولايفرقوا بين أحد منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 قوله تعالى (والأسباط) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (الأسباط) هم: يوسف وإخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ولد كل رجل منهم أمة فسموا الأسباط. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه. قال الشيخ الشنقيطي: عند قوله تعالى (وما أنزل إلى إبراهيم) : لم ييين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم، ولكنه بيّن في سورة الأعلى أنه صحف وأن من جملة ما في تلك الصحف (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وذلك في قوله (إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) . قوله تعالى (وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون) قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما أوتيه موسى وعيسى، ولكنه بينه في مواضع أخر. فذكر أن ما أوتيه موسى هو التوراة المعبر عنها بالصحف في قوله (صحف إبراهيم وموسى) وذلك كقوله (ثم آتينا موسى الكتاب) وهو التوراة بالإجماع. وذكر أن ما أوتيه عيسى هو الإنجيل كما في قوله (وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان عن قتادة قال: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله. قوله تعالى (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وأخرج بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) قال: أمر الله المؤمنين أن لا يفرقوا بين أحد منهم. قوله تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) ونحو هذا، قال: أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى، وأنه لايقبل عملا إلا به، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قوله تعالى (فإنما هم في شقاق) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (في شقاق) يعني في فراق. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة. قوله تعالى (فسيكفيكهم الله) وقد أنجز الله وعده وهزم الأحزاب وحده فكفى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومكنه من أعدائه فقتل قريظة وسباهم وأجلى بني النضير. (انظر صحيح البخاري -المغازي- ب مرجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم وباب حديث بني النضير ومخرجه إليهم) . قوله تعالى (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (صبغة الله) قال: دين الله. (التفسير ص 48) ، وإسناده صحيح. وقال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله (صبغة الله) قال: دين الله، (ومن أحسن من الله صبغة) ومن أحسن من الله دينا. وإسناده جيد. وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (صبغة الله) قال: فطرة الله التي فطر الناس عليها. قوله تعالى (قل أتحاجوننا في الله) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قل أتحاجوننا في الله) أتجادلوننا؟. قوله تعالى (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيلِ وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله، واتخذوا اليهودية والنصرانية، وكتموا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم يعلمون أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. انظر الآية رقم (136) من السورة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قوله تعالى (ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: هم اليهود والنصارى كتموا الإسلام، وهم يعلمون أنه دين الله، وكتموا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يعلمون أنه رسول الله، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل أنه ليس يهوديا. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما، إنهم كانوا يهود أو نصارى. فيقول الله: لاتكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنهم كاذبون. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: الشهادة: النبي مكتوبا عندهم هو الذين كتموا. قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ... ) الآية تقدمت هذه الآية برقم (134) فلينظر تفسيرها هناك. وأخرج ابن أبي حاتم عند هذه الآية بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدي. وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله تعالى (تلك أمة قد خلت) يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط. قوله تعالى (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب ... ) الآية أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: اليهود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم) قال: اليهود تقوله، حين ترك بيت المقدس. ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم، وصححه أيضاً الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/171) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم والبيهقي بالإسناد الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصرفت في رجب، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة - أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ونافع بن أبي نافع -هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع- والحجاج بن عمرو -حليف كعب بن الأشرف- والربيع بن الربيع بن (أبي) الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد، ماولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل الله فيهم (سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) إلى قوله (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) . (واللفظ للطبري تفسير الطبري رقم 2149 وتفسير سورة البقرة - الجزء الثاني رقم (8) لابن أبي حاتم ودلائل النبوة 2/575) . قال الحافظ ابن حجر: وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس (فتح الباري 1/97) . وسيأتي حديث متفق عليه له علاقة بالآية عند قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قوله تعالى (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قول الله (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يقول: يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتنة. وقد تقدم في سورة الفاتحة أن الصراط المستقيم: الإسلام كما ثبت في القرآن وعن النبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) أخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب، فيقول هل بلغت؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم، فيقولون ما أتانا من نذير، فيقول من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيدا، فذلك قوله جل ذكره (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) والوسط العدل. (الصحيح رقم 4487- تفسير سورة البقرة، ب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)) . وقال عبد الرزاق الصنعاني: نا معمر عن قتادة قال في قوله (أمة وسطا) قال: عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا، أن قد بلغ ما أرسل به. وإسناده صحيح. وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: " ... والوسط: العدل" (الصحيح ح 4487) . أخرج البخاري بإسناده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال وجبت. فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض. (الصحيح رقم 1367- الجنائز، ب ثناء الناس على الميت) . وأخرج بإسناده أيضاً عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة -وقد وقع بها مرض- فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فمرت بهم جنازة فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت. ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت. ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شرا، فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وجبت. فقال أبو الأسود: فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد. (الصحيح رقم 1368- الجنائز- ب ثناء الناس على الميت) . وقال ابن أبي حاتم حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية (لتكونوا شهداء على الناس) يقول: لتكونوا شهداء على الأمم التي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذبوهم. (تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم 20، 28) . وبه عن أبي العالية عن أبي بن كعب (لتكونوا شهداء على الناس) فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعبي، وآل فرعون، أن رسلهم قد بلغتهم وأنهم كذبوا وهي في قراءة أبي بن كعب (وتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة) . وإسنادهما جيد. (تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم 20، 28) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويكون الرسول عليكم شهيدا) لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا والآخرة؟ ولكنه بين في موضع آخر: أنه شهيد عليهم في الآخرة وذلك في قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) . (أضواء البيان 1/49) . قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم) الآية. ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا بل هو تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون. وقد بين أنه لايستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) فقوله (والله عليم بذات الصدور) بعد قوله (ليبتلي) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، لأن العليم بذات الصدر وغني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه. ومعنى (إلا لنعلم) أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لايخفى. أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن ابن عمر رضي الله عنهما بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء جاء فقال أنزل الله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة. واللفظ للبخاري. (الصحيح رقم 4488- تفسير سورة البقرة، ب (وماجعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ... ) . ومسلم (الصحيح رقم 526- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) قال: لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق ... عن ابن عباس: أي ابتلاء واختبارا. ثم قال وروي عن الحسن وعطاء وقتادة نحو ذلك. قوله تعالى (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قال الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يعني: تحويلها على أهل الشك والريب. واللفظ لابن أبي حاتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وأخرج الطبري: بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس. وقال عبد الرزاق: نا معمر عن قتادة في قوله تعالى (لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله. وإسناده صحيح وأخرجه الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يقول: إلا على الخاشعين يعني: المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن محمد بن إسحاق ... عن ابن عباس (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) ، أي الذين ثبت الله. قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم ... ) الآية أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن البراء رضى الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال أشهد بالله لقد صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله (وماكان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم) . واللفظ للبخاري (الصحيح 8/141 رقم 4486- تفسير سورة البقرة، ب (سيقول السفهاء من الناس … )) ، ومسلم (الصحيح رقم 525- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 والمراد بالإيمان هنا الصلاة وقد أخرج الطبري عن إسماعيل بن موسى قال أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قول الله عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال: صلاتكم نحو بيت المقدس. وأخرجه من طريق أبي أحمد الزبيري عن شريك به نحوه. وفي إسناده شريك وهو ابن عبد الله النخعي: صدوق يخطئ كثيراً وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ت 177هـ. وأخرجه أحمد (انظر مسائل الخلال ل 112ب) . وابن أبي حاتم من طريق شريك به. ورواية ابن أبي حاتم مقرونا مع حديج إلا أن حديج وهو ابن معاوية صدوق يخطئ وبما أن الحديث المتفق عليه السابق شاهد لحديث البراء، فالإسناد حسن. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق ... عن ابن عباس (وما كان الله ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي: ليعطينكم أجرهما جميعا. قوله تعالى (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) تقدم الكلام عن بيان الرحيم في سورة الفاتحة. قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء ... ) الآية أخرج البخاري بسنده عن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يبق ممن صلى القبلتين غيري. (الصحيح 8/173 رقم 4489- تفسير سورة البقرة، ب (قد نرى تقلب وجهك في السماء ... ) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وكان (أكثر) أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء) سورة البقرة الآية: 144- فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: (ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) . فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب) . واللفظ للطبري. وأخرجه النحاس من طريق بكر بن سهل (الناسخ والمنسوخ 1/58-59) ، والبيهقي (السنن الكبرى 2/12-13) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي كلاهما عن عبد الله بن صالح به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عمر، قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أنزل عليه الليلة. وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام. فاستداروا إلى الكعبة. (صحيح البخاري رقم 4488- التفسير, ب (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول)) ، (وصحيح مسلم رقم 526- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قد نرى تقلب وجهك في السماء) يقول: قد نرى نظرك إلى السماء. قوله تعالى (لنولينك قبلة ترضاها) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فلنولينك قبلة ترضاها) وذلك أن الكعبة كانت أحب القبلتين إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقلب وجهه في السماء، وكان يهوي الكعبة، فولاه الله قبلة كان يهواها ويرضاها. وأخرجه الطبري بسند حسن عن قتادة وابن عباس بنحوه. وقال الشيخ الشنقيطي قوله تعالى (فلنولينك قبلة ترضاها) بينه قوله بعده (فول وجهك شطر المسجد الحرام) . قوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو سفيان يعني المعمري، عن معمر، عن قتادة، قوله (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: توجه. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأبو سفيان العمري هو: محمد بن حميد معروف بالرواية عن معمر بن راشد وبرواية أبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج عنه (انظر تهذيب الكمال ل 1191) . أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (شطر المسجد الحرام) نحوه. وكذا أخرجه بسنده الصحيح عن مجاهد. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (التفسير ص 50) . وإسناده صحيح. وقال الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: سمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 تؤمروا بدخوله. قال: قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكني سمعته يقول: أخبرني، أسامة بن زيد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل القبلة ركعتين، وقال: هذه القبلة. (ورجاله ثقات إلا يحيى بن سعيد بن أبان الأموي صدوق فالإسناد حسن. وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة (العجاب في بيان الأسباب) . وقال الطبري: حدثنا، أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عميرة بن زياد الكندي، عن علي (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: شطره: قبله. أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الفضل بن دكين عن إسرائيل به، ثم قال وروي عن البراء بن عازب وابن عباس ومجاهد وقتادة نحو ذلك. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/269) ، والبيهقي (السنن الكبرى 2/3) ، من طريق سفيان الثورى عن أبي إسحاق السبيعي به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وذكره ابن كثير وقال: هذا قول أبي العالية ومجاهد وعكرمة وسعيد ابن جبير وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم (التفسير 1/335) ، وانظر تفسير ابن أبي حاتم (2 رقم 61-65) . قوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أي: تلقاءه. قوله تعالى (وإن الذين أُوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم) انظر الآية (146) بعد التالية. قوله تعالى (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم تابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) هذه الآية مبينة ومؤكدة لقوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) الآية (120) من هذه السورة. قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 انطر تفسير آية (75) من السورة نفسها وهو حديث البخاري عن ابن عمر رجم اليهود اللذين زنيا. قوله تعالى (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن فريقا منهم) قال: من أهل الكتاب. وأخرج بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) فكتموا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ولكل وجهة هو موليها) قال: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم الله أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي القبلة. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (ولكل وجهة) قال: لكل صاحب ملة. (وجهة) قبلة (هو موليها) قال: هو مستقبلها. قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (فاستبقوا الخيرات) يقول: سارعوا في الخيرات. (يأت بكم الله جميعا) يعني: يوم القيامة. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاستبقوا الخيرات) يقول: لا تغلبن على قبلتكم. قوله تعالى (ومن حيث خرجت فول وجوهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) انظر الآية السابقة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (لئلا يكون للناس عليكم حجة يعني به أهل الكتاب حين قالوا صرف محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الكعبة، وقالوا اشتاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجتهم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد قوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) قال: هم مشركوا العرب. قالوا -حين صرفت القبلة إلى الكعبة-: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم. قال الله تعالى (فلا تخشوا الناس واخشوني) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن أبي العالية قوله (إلا الذين ظلموا منهم) يعني: مشركي قريش، يقول أنهم سيحتجون عليكم بذاك. وأخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا الذين ظلموا منهم) قوم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال مجاهد: حجتهم، قولهم: قد راجعت قبلتنا. قوله تعالى (ولأتم عليكم نعمتي ولعلكم تهتدون) لقد أنجز الله وعده وأتم شرائع الدين كما قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) المائدة: 3. قوله تعالى (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم) وأخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم) كما فعلت بكم فاذكروني. وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، ثنا محمد بن خلف العسقلاني، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر حدثني الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يعني: محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ا. هـ. وإسناده جيد، تقدم نحوه في المقدمة. قوله تعالى (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تَقرب إلي شِبراً تقربتُ إليه ذراعاً؛ وإن تقرب إليَّ ذِراعاً تقْربتُ إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلة". (الصحيح- التوحيد، ب قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه) ح 7405، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2061 ح 2675- الذكر، ب الحث على ذكر الله تعالى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وأخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدرى وأبي هريرة أنهما شهدا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". (الصحيح رقم 2700- الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) . وقال الإمام أحمد: ثنا روح ثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس ثنا أبو رجاء العطاردي قال خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده فقال إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أنعم الله عز وجل عليه بنعمة فإن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه". وقال روح ببغداد: يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. (المسند 4/438) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء العطاردي هو عمران بن ملحان. وذكره ابن كثير عند قوله تعالى (واشكروا لي ولا تكفرون) (التفسير 1/341) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: إن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره، ويعذب من كفره يعني قوله (فاذكروني أذكركم) . وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال: قال أبو عثمان النهدي: إني لأعلم حين يذكرني ربي، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: إن الله يقول (فاذكروني أذكركم) فإذا ذكرت الله ذكرني. (المصنف 13/547) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وثابت هو ابن أسلم البناني معروف بالرواية عن أبي عثمان النهدي وبرواية حماد بن سلمة عنه. (انظر تهذيب الكمال 4/344) . وأبو عثمان النهدى هو عبد الرحمن بن مل من كبار التابعين. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة) وانظر الروايات الواردة تحت قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) الآية (45) من هذه السورة. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأول، في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 غشية ظنوا أن نفسه فيها فخرجت امرأته أم كلثوم أبي المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين من الصبر والصلاة، قال: فلما أفاق قال: أغشى علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم إنه أتاني ملكان في غشيتي هذه، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، قال: فانطلقا بي، فلقيهما ملك آخر، فقال: أين تريدان؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به بنيه ما شاء الله قال: فعاش شهرا ثم مات. ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق عبد الرزاق به بنحوه وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/269) . وأخرج مسلم بسنده عن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له". (الصحيح رقم 2999- كتاب الزهد والرقائق، بيان المؤمن أمره كله خير) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان المروزي، أبنا ابن المبارك، أبنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: الصبر: اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر. (في إسناده ابن لهيعة وهو عبد الله بن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، وعطاء بن دينار لم يسمع من سعيد بن جبير. أما بالنسبة لابن لهيعة فقد روى عنه ابن المبارك وهو أحد العبادلة، ورواية العبادلة عنه صحيحة قبل الإحتراق، وأما بالنسبة لعطاء بن دينار فإنه يروي تفسير سعيد بن جبير وجادة لأنه وجد هذا التفسير في ديوان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهو الذي أمر سعيد بن جبير أن يفسر القرآن (الجرح والتعديل 6/332) . والوجادة احتج بها المحدثون. وباقي رجاله ثقات إلا عبدة صدوق فالإسناد حسن والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قوله تعالى (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) قال ابن كثير: يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما جاء في صحيح مسلم أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تهوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحد من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلي الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى -لما يرون من ثواب الشهادة- فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون. (التفسير 1/342) ، وانظر (صحيح مسلم- ك الأمارة - ب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون رقم 1887) . قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الشهداء على بارق، نهر باب الجنة، في قبة خضراء -وقال عبدة في روضة خضراء- يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً. وذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء ولكن عند ربهم يرزقون) ثم قال: وهو إسناد جيد. وهو كما قال، وعنعنة ابن إسحاق محمولة على الاتصال لأنه صرح بالسماع فيما أخرجه الحاكم عن طريق يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري به، وصححه وسكت عنه الذهبي (المستدرك 2/74) وأخرجه الإمام أحمد عن طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به (المسند رقم 2390) ، وقال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 5/298) ، وصححه السيوطي في الجامع الصغير مع فيض القدير (4/180 ح 4956) ، وحسنه الألبانى (صحيح الجامع الصغير 3/235, 236) ، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 قوله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) قال ابن كثير: أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده: أي يختبرهم ويمتحنهم كما قال تعالى (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) سورة محمد: 31، فتارة بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع كما قال تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) سورة النحل، 112، فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه، ولهذا قال لباس الجوع والخوف وقال ههنا (بشيء من الخوف والجوع) أي بقليل من ذلك. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ونحو هذا، قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال (وبشر الصابرين) ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) . وقال أحمد: حدثنا عبد الوهاب في تفسير سعيد، عن قتادة قال: لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب على بطنه الحجر ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها. (الزهد ص 31-32) ، وإسناده حسن. وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة وهشام وحماد بن سلمة كلهم عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل حتى يبتلي الرجل على قدر دينه فان كان صلب الدين اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب ذلك أو قدر ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 (المسند ص 29-30 رقم 215) . ورجاله ثقات إلا عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام وإسناده حسن، وأخرجه ابن سعد (الطبقات الكبرى 2/209) ، وابن أبي شيبة (المصنف 3/233) ، وأحمد (المسند رقم 1481 والزهد ص 53) ، وابن منيع وابن أبي عمرو والنسائي في الكبرى (انظر المقاصد الحسنة ص 60) ، والدورقي (مسند سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ص 87 رقم 41) ، وعبد بن حميد (المنتخب 1/180 رقم 146) ، والدارمي (السنن- الرقاق، ب أشد الناس ابتلاء 20/320) . والترمذي (السنن - الزهد، ب ما جاء في الصبر على البلاء رقم 2398) ، وابن ماجة (السنن- الفتن، ب الصبر على البلاء رقم 4033) ، وأبو يعلى (المسند 2/143 رقم 142) ، والبزار (البحر الزخار 3/253 رقم 1154) ، وابن حبان (موارد الظمآن رقم 599) ، والدارقطني (العلل 4/315-318 رقم 590) ، والطحاوي (مشكل الآثار 3/61- 62) ، وبحشل (تاريخ واسط 253) ، والحاكم (المستدرك 1/41) ، والبيهقي (السنن الكبرى 3/372) ، والبغوي (شرح السنة 5/244) ، وأبو نعيم الأصفهاني (حلية الأولياء 1/368) ، والخطيب البغدادي (تاريخ بغداد 3/378) كلهم من طريق عاصم بن أبي النجود به. قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن سعد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نعلم رواه عن سعد بهذا اللفظ إلا مصعب وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة منهم حماد والعلاء بن المسيب وهاشم صاحب الدستوائي وغيرهم. ا. هـ. ولكن أخرجه الطحاوي أيضاً من طريق سماك عن مصعب به (مشكل الآثار 3/62) . وقال الدارقطني: ورواه القاسم بن مالك والمحاربي عن العلاء بن المسيب عن ابن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد ... ورواه أيضاً سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن سعد حدث به عن شريك والمحفوظ حديث عاصم عن مصعب (العلل 4/316-318) . وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجة 2/371 رقم 3249) ، وأخرجه ابن حبان من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد بنحوه (موارد الظمآن رقم 698) ، ولكن المسيب لن يسمع من سعد (انظر تهذيب التهذيب 10/153) . وله شواهد منها ما أخرجه ابن ماجة (السنن رقم 4024) ، والحاكم (المستدرك 4/307) ، والبيهقي (السنن الكبرى 3/372) عن أبي سعيد الخدري بنحوه. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال البوصيري. هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات ... (مصباح الزجاجة 3/248) . قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) قال: أخبر الله سبحانه وتعالى أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبيل الهدى. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته وأحسن عقابه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه. كما ثبت في فضل الاسترجاع ما أخرجه مسلم بسنده عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر أبي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالت أرسل إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقالت: إن لي بنتاً وأنا غيور فقال أما ابنتها فندعوا الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة. (الصحيح- ك الجنائز، ب ما يقال عند المصيبة رقم 918) . وانظر استرجاع ابن عباس في تفسير سورة البقرة آية (45) . قوله تعالى (أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة) يقول: فالصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا. وقوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) أخرج الشيخان عن عروة بن الزبير أنه قال (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما. فقالت عائشة: لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لايطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 جاء الإسلام سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فأنزل الله (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) . (صحيح البخاري - التفسير، سورة البقرة، ب (إن الصفا والمروة) رقم 4495) ، (وصحيح مسلم - ك الحج، ب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن رقم 1277) . قال الإمام أحمد: ثنا شريح قال: ثنا عبد الله بن المؤمل، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجزئ قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعى يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي. (المسند 6/421-422) . وأخرجه أيضاً من طريق موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة (المسند 6/437) ، وفي الطريق الأول عبد الله بن المؤمل، وفي الطريق الثاني موسى بن عبيدة وكلاهما ضعيف وله شاهد في الصحيح، وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى بين الصفا والمروة وأمر أصحابه بذلك. (انظر صحيح البخاري- ك الحج، ب ما يلبس المحرم من الثياب- والأردية والإزر رقم 1545) ، (وصحيح مسلم- ك الحج، ب بيان وجوه الإحرام ... رقم 143) فالإسناد حسن لغيره وصححه الألباني. (صحيح الجامع الصغير 1/327) . وذكره ابن كثير بطريقيه ثم قال: وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج كما هو مذهب الشافعي ومن وافقه، وقيل إنه بواجب وليس بركن، وقيل بل مستحب ... والقول الأول أرجح لأنه عليه السلام طاف بينهما وقال: لتأخذوا عنى مناسككم، فكل ما فعله في حجته تلك واجب لابد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل (التفسير 1/347) . وأخرج مسلم من حديث جابر الطويل وفيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما فرغ من طوافه بالبيت رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلي الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله "أبدأ بما بدأ الله به" فبدأ بالصفا. (الصحيح - ك الحج، ب حجة النبي رقم 1218) . انظر الآية رقم (233) من السورة نفسها عند قوله تعالى (فلا جناح عليهما) . قوله تعالى (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم) قال: من تطوع خيرٌ له، تطوع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانت من السنن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً أبداً (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ... إلي ... الرحيم) . (الصحيح- ك الحرث والمزارعة- في الغوص ح 2350) ، أخرجه مسلم في (صحيحه- ك فضائل الصحابة- ب من فضائل أبي هريرة ح 2492) . قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما اللاعنون ولكنه أشار إلى ذلك في قوله (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويلعنهم اللاعون) قال: اللاعنون: البهائم. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويلعنهم اللاعنون) : من ملائكة الله ومن المؤمنين. قوله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتاده في قوله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله، وبينوا الذي جاءهم من الله فلم يكتموه ولم يجحدوا به، أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم. قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ... ) يعني بالناس أجمعين: المؤمنين. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قوله تعالى (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (خالدين فيها ... ) يعني: في النار، في اللعنة لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. وبه في قوله (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) قال: هو كقوله (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (المرسلات 35، 36) . قوله تعالى (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المُسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) قال الترمذي: حدثنا علي بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله ابن أبي زياد القداح، كذا قال عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وفاتحة آل عمران (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) . (جامع الترمذي (5/517 ح 3478- ك الدعوات، ب 65) وأخرجه أبو داود في سننه (2/80 ح 1496) وابن ماجه (2/1267 ح 3855) وأحمد في المسند (6/461) والدارمي في السنن (2/450) وابن أبي حاتم (التفسير - آل عمران/1 ح 4) من طرق، عن عبيد الله بن زياد به. قال الترمذي حسن صحيح. وقال السيوطي: صحيح (الجامع الصغير مع فيض القدير 1/510 ح 1032) . وحسنه الألباني (صحيح الجامع رقم 991) ، وكذا حسنه الدكتور حكمت بشير في تحقيقه لابن حاتم. والحديث وإن تكلم فيه البعض لأجل شهر بن حوشب وعبيد الله بن أبي زياد، فإن له شاهداً من حديث أبي أمامة مرفوعاً: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: البقرة, وآل عمران، وطه". وأخرجه ابن ماجة (رقم 3856) والحاكم في المستدرك (1/506) ، وعزاه الألباني لجماعة آخرين، منهم: أبو عبد الله القرشي في (الفوائد) وزاد: قال القاسم أبو عبد الرحمن: فالتمست في البقرة فإذا هو في آية الكرسي (لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي آل عمران فاتحتها (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي طه (وعنت الوجوه للحي القيوم) ثم قال الألباني: وهذا إسناد حسن. (الصحيحة 2/383 ح 746) . قال البوصيري: عن إسناد ابن ماجه: فيه غيلان، لم أر لأحد فيه كلاماً لا بجرح ولا توثيق، وباقي رجال الإسناد ثقات. قلت: وغيلان هو ابن أنس، قال عنه ابن حجر: مقبول وقد تابعه عبد الله بن العلاء بن زبر عند أبي الله القرشي الماضي سياقه وغيره، فيكون حديث أبي أمامة هذا حسناً إن شاء الله، وهو شاهد قوي يعضد حديث أسماء بنت يزيد المتقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أخرج الطبري وابن أبي حاتم ووكيع وأحمد (كما في ابن كثير) بسند حسن عن أبي الضحى في قول الله (وإلهكم إله واحد) قال: لما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا: إن محمداً يقول: إلهكم إله واحد، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله تعالى ( ... إن في خلق السموات والأرض ... لآيات لقوم يعقلون) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عطاء بن أبي رباح نحوه. وأبو الضحى: مسلم بن صبيح تابعي وعطاء تابعي والمرسلان يقوي أحدهما الآخر ولهما حكم الرفع. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض) الآية. لم يبين هنا وجه كونهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر. كقوله: (أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) وقوله: (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. ولقد زينا السماء الدنيا. بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين. وأعتدنا لهم عذاب السعير) وقوله في الأرض: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) . قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار) لم يبين هنا وجه كون اختلافهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون؟ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون؟ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي مالك -غزوان الغفاري- (الفلك) قال: السفينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أخرج الطيالسي (المسند رقم 1089) وأحمد (المسند 4/11، 12) والطبراني (المعجم الكبير 19/208 رقم 208) كلهم من طريق وكيع بن عدس عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله كيف يحيى الله الموتى؟ قال: أما مررت بوادي ممحل ثم مررت به خضراً؟ قال: بلى. قال: فكذلك النشور أو قال: كذلك يحيى الله الموتى. وهذا لفظ الطيالسي وفي سنده وكيع بن عدس مقبول ولكن قد توبع في رواية ابن أبي حاتم فأخرجه من طريق سليمان بن موسى عن أبي رزين، والإسناد حسن. وأخرجه الحاكم من الطريق نفسه وصحيحه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/560) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وتصريف الرياح والسحاب المسخر) قال: قادر والله ربنا على ذلك، إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته، وإذا شاء جعلها عذاباً ريحاً عقيماً لا تلقح، إنما هي عذاب على من أرسلت عليه. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والسحاب المسخر بين السماء والأرض) لم يبين هنا كيفية تسخيره، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) وقوله (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله) . قوله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال. قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك. تقدم تخريجه عند الآية (22) . وانظر الآية رقم (22) من السورة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله عز وجل (يحبونهم كحب الله) يقول: يحبون تلك الأوثان كحب الله. أي كحب الذين آمنوا ربهم. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وعن مجاهد بسند صحيح نحوه. قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) يقول: لو قد عاينوا العذاب. وأخرج أيضاً بسنده الحسن عن قتادة قوله (العذاب) أي: عقوبة الآخرة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) الآية. المراد بالذين ظلموا: الكفار وقد بين ذلك بقوله في آخر الآية (وما هم بخارجين من النار) ويدل لذلك قوله تعالى عن لقمان مقرراً له (يا بنَيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقوله جل وعلا: (والكافرون هم الظالمون) وقوله: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) . قوله تعالى (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا) قال: تبرأت القادة من الأتباع يوم القيامة إذ رأت العذاب. وأخرج أيضاً بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا) قال: هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشر والشرك (من الذين اتبعوا) وهم الأتباع والضعفاء. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) الآية.. أشار هنا ألي تخاصم أهل النار. وقد بين منه غير ما ذكر هنا في مواضع أخر كقوله (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم أبي بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً. وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب) قال: المودة. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/272) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب) قال: هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا. قوله تعالى (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: فقالت الأتباع: لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا. وبه عن أبي العالية.. يقول الله (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) يقول: أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم يوم القيامة. وأخرج الطبري والحاكم عن ابن مسعود في قصة ذكرها فقال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلي بيت في الجنة وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، قال: فيرى أهل النار الذين في الجنة، فيقال لهم: لو عملتم! فتأخذهم الحسرة قال: فيرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم. وهذا لفظ الطبري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/496-498) وأحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 قوله تعالى (يا أيها الناس كلوا مما الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) أخرج مسلم (الصحيح - كتاب الجنة باب 16 رقم 2865) عن عياض بن حمار المجاشعي في الحديث القدسي: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم ... أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (خطوات الشيطان) يقول: عمله. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: خطيئته. وعن قتادة بسند حسن قال: خطاياه. وقد بين في الآية التالية أنواعاً من خطوات الشيطان فقال: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) . قال الشخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) لم يبين هنا هذا الذي يقولونه عليه بغير علم، ولكنه فصله في مواضع أخر فذكر أن ذلك الذي يقولونه بغير علم هو: أن الله حرم البحائر والسوائب ونحوها، وأن له أولاداً، وأن له شركاء، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. فصرح بأنه لم يحرم ذلك بقوله: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) وقوله: (وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله) الآية. وقوله: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً) الآية وقوله: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) إلي غير ذلك من الآيات. ونزه نفسه عن الشركاء المزعومة بقوله: (سبحانه وتعالى عما يشركون) ونحوها من الآيات، ونزه نفسه عن الأولاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 المزعومة بقوله: (قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه) الآية. ونحوها من الآيات فظهر من هذه الآيات تفصيل ما أجمل في اسم الموصول الذي هو (ما) ، من قوله: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) . قوله تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيراً منا فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك من قولهما (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (بل نتبع ما ألفينا) : أي ما وجدنا. قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر، يقول: مثل هذا الكافر كمثل هذه البهيمة التي لا تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر يقال له ولا ينتفع. بما يقال له. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (صم بكم عمي) يقول: صم عن الحق فلا يسمعونه، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (صم بكم عمي) يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه. وانظر الآية رقم (17) من السورة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر. أشعث، أغبر. يمد يديه إلي السماء. يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟. (الصحيح- الزكاة- باب 19 ح 1015) . وأخرج البخاري تعليقاً (الصحيح- الأطعمة، باب 56 ج 9 ص 582) عن أبي هريرة مرفوعاً: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر". وقد وصله الحافظ ابن حجر من طرق كثيرة وفيها من المتابعات والشواهد التي تدل على ثبوته. (تغليق التعليق 4/491-493) . قوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله) قال ابن كثير: وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) وحديث العنبر في الصحيح. وفي المسند والموطأ والسنن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". اهـ. وصححه الترمذي (السنن- الطهارة 1/100، 101) وصححه البخاري فيما سأله الترمذي عنه (علل الترمذي 1/136) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/140) وقال البيهقي حديث صحيح (المعرفة 1/152) وقال البغوي: صحيح متفق على صحته (شرح السنة 2/55) وصححه ابن الملقن ونقل تصحيح ابن الأثير، وقال ابن كثير: إسناده جيد (التفسير 6/126) . والألباني (صحيح سنن ابن ماجة 1/67) وفي السنة تخصيص آخر وهو ما أخرجه أحمد (المسند رقم 5723) وابن ماجة (السنن- الصيد- باب صيد الجراد والحيتان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 عن ابن عمر مرفوعاً: أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. وقد روي موقوفاً وهو أصح وله حكم الرفع. وصححه الألباني، (سلسلة الأحاديث الصحيحة 1118) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) قال: ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: ما ذكر عليه غير اسم الله. قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول، عام الفتح، وهو بمكة: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله. أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا. هو حرام". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عند ذلك: "قاتل الله اليهود. إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها. أجملوه ثم باعوه. فأكلوا ثمنه". (الصحيح (3/1207 ح 1581- ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة..) . الحديث فيه زيادة تشريع، حيث لم يقتصر التحريم على تناول عين تلك المحرمات، بل حرم بيعها أيضاً. كل ذلك إبعاد للأمة من التلبس بتلك القازورات بأي وجه من الوجوه إلا ما استثني من دباغ جلود الميتة. قال الترمذي: حديثا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا سلمة بن رجاء قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال: قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم قال: ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، حدثنا أبو النضر، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار نحوه. (السنن (4/74ح1480- ك الأطعمة، ب ما قطع من الحي فهو ميت) وأخرجه أحمد من طريق عبد الصمد وحماد بن خالد عن عبد الرحمن. قال الترمذي: حديث حسن غريب ... والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/239) وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/461) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير 5/150-151) . وانظر تفصيل الكلام على طرق هذا الحديث في (البدر المنير 2/180-192) . قوله تعالى ( ... فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب اضطراره، ولم يبين المراد بالباغي والعادي، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة، وهي الجوع وهو قوله (فمن اضطر في مخمصة) وأشار أبي أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم، وذلك في قوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) والمتجانف المائل، ومنه قول الأعشى: تجانف عن حجراليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا فيفهم من الآية أن الباغى والعادي كلاهما متجانف لإثم، وهذا غاية ما يفهم منها. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن اضطر) يعني: إلى شيء مما حرم (غير باغ ولا عاد) يقول: من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى. أخرج آدم بن أبي، إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (غير باغ ولا عاد) يقول: غير قاطع سبيل، ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية الله عز وجل. قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ... ) قال: هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق والهدى والإسلام وشأن محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونعته. اهـ. والعبرة بعموم اللفظ. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة نحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وبه عن أبي العالية قوله: (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) يقول: ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم. قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار) وبه عن أبي العالية في قوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) : اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة. وبه عن أبي العالية في قوله (فما أصبرهم على النار) قال: ما أصبرهم وأجرأهم على عمل أهل النار. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار. انظر الآية رقم (16) من السورة نفسها. قوله تعالى (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) يقول: هم اليهود والنصارى. في عداوة بعيدة. انظر الآية رقم (137) من السورة نفسها. قوله تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق، فقال الله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقة العمل. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة نحوه. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله. انظر سورة لقمان آية (34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 قوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل هذا المصدر مضاف إلي فاعله فيكون الضمير عائدا إلى المال ولكنه ذكر في موضع آخر لم يدل على أن المصدر مضاف إلى فاعله وأن المعنى على حبه أي حب مؤتي المال لذلك المال وهو قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ولا يخفى أن بين القولين تلازما في المعنى. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن مسعود (وآتى المال على حبه) أي: يؤتيه وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/272) . وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال:: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى". (صحيح البخاري- الزكاة، ب 11 رقم 1419) ، (وصحيح مسلم- الزكاة، ب 31 رقم 1032) وقوله تعالى (ذوي القربى) قال ابن خزيمة: حدثنا أحمد بن عبدة، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن حميد ابن عبد الرحمن، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة -، قال سفيان: وكانت قد صلّت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلتين- قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح". (صحيح ابن خزيمة (4/78 ح 2386- ك الزكاة، ب فضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) وأخرجه الحاكم في (المستدرك 1/406) من طريق معمر وابن عيينة عن الزهري به. وقال الحاكم: هدا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي في (المجمع 3/116) للطبراني في الكبير، وقال: رجاله رجال الصحيح. ونقل في حاشية (المطالب العالية (1/257) قول البوصيري: رواه الطبراني بسند صحيح. وقال الألباني: صحيح (الإرواء 3/404) ، وقال محقق صحيح ابن خزيمة: إسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون قال أنا هشام عن حفصة عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة". (المسند 4/18) ، وأخرجه الحميدي (المسند ص 362 و363) ، والترمذي (السنن - الزكاة رقم 658) ، وابن ماجة (السنن - الزكاة رقم 1494) ، والحاكم (المستدرك 1/407) كلهم عن سلمان بن عامر، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن كثير في التفسير، والألباني في صحيح سنن الترمذي، وابن ماجة) . وله شاهد في الصحيح من حديث زينب امرأة عبد الله (صحيح البخاري -الزكاة - في الزكاة على الزوج والأيتام ح 1466) . وقوله تعالى (واليتامى) تقدم حديث: "لا يتم بعد احتلام" عند الآية (83) . وقوله تعالى (والمساكين) تقدم بيانه عند الآية (83) أيضاً وهو حديث: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة ... ". وقوله تعالى (وابن السبيل) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين. وقوله تعالى (وفي الرقاب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان في قول الله: (وفي الرقاب) قال: هم المكاتبون. قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله ابن سعيد (وهو ابن أبي هند) . حدثني إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله، بكل إرب منها، إرباً منه من النار". (الصحيح (2/1147 ح 1509- ك العتق) . الحديث يبين عظم فضل تحرير الرقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وقوله تعالى (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) فمن أعطى عهد الله ثم نقضه، انتقم منه، ومن أعلى ذمة رسول الله ثم غدر بها فرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خصمه يوم القيامة. قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". (الصحيح 1/89 ح 33، 34- ك الإيمان، ب علامة المنافق) وأخرجه مسلم في صحيحه (1/78ح85, 59) الحديث يدل على أن الوفاء بالعهد من علامات الإيمان. وقوله تعالى (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) أخرج عبد الرزاق والطبري وابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) قال: البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد، وحين البأس قال: حين القتال. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا مالمراد بالبأس؟ ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البأس القتال، وهو قوله (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا) كما هو ظاهر من سياق الكلام. قوله تعالى (أولئك الذين صدقوا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (أولئك الذين صدقوا) يقول: تكلموا بكلام الإيمان وحققوا بالعمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان في بنى إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله عز وجل لهذه الأمة: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) فالعفو أن يقبل الدية في العمد (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) بالمعروف ويؤدى بإحسان (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) وكتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) قتل بعد قبول الدية. وأخرج البخاري (الصحيح -العلم، باب 39 رقم 111) ومسلم (الصحيح- الحج، باب فضل المدينة رقم 1370) عن علي رضى الله عنه مرفوعاً: لا يقتل مسلم بكافر. وقد نص الإمام إسماعيل القاضي الجهضمي في كتابه (أحكام القرآن) على الجمع بين هذه الآية وقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس فقال: الجمع بين الآيتين أولى فتحمل النفس على المكافئة. (انظر الصحيح 12/198) . قوله تعالى (والأنثى بالأنثى) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والأنثى بالأنثى) وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن كانوا يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فأنزل الله تعالى: (النفس بالنفس والعين بالعين) فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد سواء رجالهم ونساءهم، في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم في العمد، في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساءهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وأخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال: فرماها يهودي بحجر. قال: فجيء بها إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبها رَمق. فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلان قتلك"؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها قال: فلان قتلك؟ فرفعت رأسها فقال لها في الثالثة: فلان قتلك؟ فخفضت رأسها. فدعا به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقتله بين الحجرين. (الصحيح- ك الديات، ب إذا كل بحجر أو بعصا.. ح 6877) ، قوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) وأخرج البخاري عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فأبوا فعرضوا الأرش، فأبوا فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أنس. كتاب الله القصاص". فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره". (الصحيح- تفسير سورة البقرة رقم 4500) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (فاتباع بالمعروف) قال: يتبع الطالب بالمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بالإحسان. أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء) قال: إذا قتل الرجل عمداً، ثم أخذت منه الدية فقد عفى له عن القتل. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن عفي له من أخيه شيء) وهو العفو عن الدم وأخذ الدية. ثم قال (فمن اعتدى) يقول: بعد أخذه الدية (فله عذاب أليم) . أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى (فمن اعتدى بعد ذلك) قال: هو القتل بعد أخذ الدية. يقول: من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل، لا تقبل منه الدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي الجوزاء قال (القصاص) القرآن. ويشهد له ما تقدم في الصحيح عن أنس: كتاب الله: القصاص. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح بسنده قتادة في قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) قال: جعل الله في القصاص حياة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية نحوه. قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إن ترك خيراً) يعني: مالاً. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين) : فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم، إلا وصية إن كانت للأقربين، فأنزل الله بعد هذا (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) فبين الله سبحانه ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت. أخرج البخاري (الصحيح- الوصايا- ب 2 رقم 2742) ومسلم (الصحيح-الوصية- ب الوصية بثلث رقم 1628) عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعودنى وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال: "يرحم الله ابن عفراء". قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: الثلث؟ قال: فالثلث والثلث كثير. وثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: إن الله أعطى كل ذي حق حقه لا وصية لوارث. (أخرجه أحمد (المسند4/187) والترمذي وقال: حسن صحيح (السنن- الوصايا- ب ما جاء لا وصية لوارث رقم 2121) وذكره الحافظ ابن حجر له شواهد كثيرة ونقل عن الشافعي أنه متواتر (فتح الباري 5/372) . وصححه الألباني وقال: إنه متواتر، نقلاً من السيوطى (الإرواء ح 1655) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع. (الصحيح -الوصايا- باب 6 رقم 2747) . قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن بديل، عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر (الهوزني عبد الله بن لحي) ، عن المقدام، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك كلا فإلىّ. وربما قال: إلى الله وإلى رسوله. ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له: أعقلُ له، وأرثه، والخال وارث من لا وارث له: يعقل عنه، ويرثه". (السنن 3/123) - ك الفرائض، ب في ميراث ذوي الأرحام ح 2899) ، وأخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 8/510) وابن ماجه (2/914 ح 2738) وأحمد في مسنده (4/131, 133) والطبراني في الكبير (20/265 ح 626) ، والحاكم في المستدرك (4/344) من طرق عن بديل بن ميسرة به. قال أبو زرعة الرازي: حديث حسن (علل ابن أبي حاتم 2/50 ح 1636) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وحسنه العلامة ابن القيم رحمه الله، ورد على من تكلم فيه في بحث له نافع (تهذيب السنن 4/170-171) وحسنه الألباني (صحيح الجامع 6147) . هذا مع تصحيح ابن حبان له، حيث أخرجه في صحيحه (الإحسان 7/611 ح 6003) . قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) وقد وقع أجر الميت على الله وبرئ من إثمه. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه) قال: من بدل الوصية بعد ما سمعها فإن إثم ما بدل عليه. قوله تعالى (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن خاف من موص جنفاً) يعني: إثماً، يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه) قال: هذا حين يُحضر الرجل وهو يموت فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصر قالوا: افعل كذا، اعط فلاناً كذا. وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: يرد من صدقة الحائف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً". فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً". (الصحيح (4/102 ح 1891) - كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان..) وأخرجه مسلم (1/40-41 ح 11) - ك الإيمان، ب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإيمان) . أخرج البخاري عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه. (الصحيح- تفسير سورة البقرة رقم 5404) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) : أهل الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قوله تعالى (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) أخرج البخاري (الصحيح- الصوم، باب 34 ح 1944) ومسلم (الصحيح- الصيام، باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر ح 88) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس. قال أبو عبد الله البخاري: والكديد ماء بين عسفان وقديد. أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر". (الصحيح- الصوم، باب 33 ح 1943) . أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو معاوية، عن عاصم، عن مورق، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كنا مع الني - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر". (الصحيح (3/788 ح 1119- ك الصيام، ب أجر المفطر في السفر إذا تولى لعمل) . وانظر الأحاديث الآتية عند الآية (185) من السورة نفسها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن شاء تابع وإن شاء فرق لأن الله يقول: (فعدة من أيام أخر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا بالصوم. أخرج البخاري عن ابن عمر قرأ (فدية طعام مساكين) قال: هي منسوخة. (الصحيح- الصوم- ب 39 ح 1949) . وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. (الصحيح- التفسير، ب 26 ح 4507) . وثبت عن ابن عباس أنه يرى عدم النسخ ففد أخرج البخاري بسنده عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً. (الصحيح- التفسير- سورة البقرة، ب 35 ح 4505) . وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يتصدق بكل يوم نصف صاع. وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (فمن تطوع يراً) فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له وأن تصوموا خير لكم. قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ... ) أخرج البخاري عن ابن عمر يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الشهر هكذا وهكذا، وخنس الإبهام في الثالثة". (الصحيح- الصوم، ب 11 ح 1908) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أخرج البخاري عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إنا أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا". يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين. (الصحيح- الصوم، ب 13 ح 1913) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) لم يبين هنا هل أنزل في الليل أو النهار؟ ولكنه بين في غير هذا الموضع أنه أنزل في ليلة القدر من رمضان وذلك في قوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) ... وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقد أنزل الله قرآناً في شوال وذي القعدة وغيره. قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام. وقوله تعالى (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين". (صحيح البخاري- الصوم، ب 5 ح 1899) ، (وصحيح مسلم- الصيام، ب فضل شهر رمضان ح 758) . وهذا الحديث بيان بعض أفراد الآية. قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له". (صحيح البخاري- الصوم، ب 11 ح 1906) ، (وصحيح مسلم- الصيام ح 760) . وقوله تعالى (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر) انظر الآية السابقة رقم (184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر -جعفر بن إياس اليشكري- عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء، عن محجن، قال أخذ محجن بيدي حتى انتهينا إلى مسجد البصرة ... فذكر الحديث أبي أن قال: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي حتى انتهينا إلى سدة المسجد، فإذا رجل يركع ويسجد ويركع ويسجد فقال لي: "من هذا"؟ فقلت: هذا فلان، فجعلت أطريه وأقول: هذا هذا، فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تسمعه فتهلكه". ثم انطلق بي حتى بلغ باب حجره، ثم أرسل يدي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير دينكم أيسره". قالها ثلاثاً. (المسند ص 183 ح 1295-1296) وأخرجه أحمد في المسند (5/32) ، والبخارى في الأدب المفرد (1/433 ح 341) ، والطبراني في المعجم الكبير (20/296 ح 704) ، والمزي في تهذيبه (9/160) -من طريق الطبراني- أربعتهم من طريق أبي عوانة. وأخرجه أحمد في المسند (4/338) ، والطبراني في الكبير (ح 705) ، كلاهما من طريق شعبة، كلاهما -شعبة وأبو عوانة- عن أبي بشر به نحوه. قال الحافظ العراقى: إسناد جيد (تخريج الإحياء 1/40) . وقال الهيثمى: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا رجاء، وقد وثقه ابن حبان. (مجمع الزوائد 3/308) قلت: ووثقه أيضاً العجلي (تاريخ الثقات ص 160 رقم 440) . ورمز السيوطي للحديث بالحسن (الجامع الصغير مع فيض القدير 2/236) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع ح 1769) . وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال: اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصيام في السفر. أخرج البخاري عن أنس مرفوعاً: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا". (الصحيح- العلم- باب 11 ح 69) وأخرجه مسلم في صحيحه (3/1359 ح 1734) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن زيد بن أسلم في قوله (ولتكبروا الله على ما هداكم) قال: التكبير يوم الفطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع ... ) انظر تفسير آية 152. وأخرج البخاري (الصحيح- الجهاد- باب 131 ح 2992) ومسلم (الصحيح- الذكر- باب 13 ح 2704، بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا، ارتفعت أصواتنا فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده". واللفظ للبخاري. أخرج البخاري (الصحيح- الدعوات، باب 22 ح 6340) ومسلم (الصحيح في الذكر والدعاء، باب 25 ح 2735) بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي". وفي صحيح مسلم عنه بلفظ: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ". (الصحيح 3/35-36 ح 1145- ك التهجد، ب الدعاء والصلاة من آخر الليل) . وأخرجه مسلم (1/521- ك صلاة المسافرين، ب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل) . قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن. أخبرنا محمد بن يوسف عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير أن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقل رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر". (جامع الترمذي (5/566 ح 3573- ك الدعوات، ب في انتظار الفرج وغير ذلك) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وقال الحافظ ابن حجر: صحيح (فتح الباري 11/96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وقال الألباني- حسن صحيح (صحيح الترمذي ح 2827) وقال مرة: إسناده حسن. (صحيح الأدب المفرد ص 264/حاشية) . وللحديث شاهد من رواية أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه -، أخرجه أحمد في (المسند 3/18) ، والبخاري في الأدب المفرد (رقم 710 ب ما يدخر للداعي من الأجر والثواب) ، وأبو يعلى في مسنده (2/296 ح 1019) ، والطبراني في الدعاء (2/801-802 ح 35-37) . والحاكم في المستدرك (1/493) ، من طرق، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد به نحوه، وفيه زيادة خصلة ثالثة وهي: وإما أن يدخر له في الآجرة. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ... ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي: لأحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني، ثم قال: ورجال أحمد وأبي يعلي وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/148- 149) . وقال الحافظ ابن عبد البر: محفوظ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث أبي سعيد الخدري (تجريد التمهيد ص53، والتمهيد 5/343) . وقال الألباني. صحيح (صحيح الأدب المفرد رقم 547/710) . وقال في حاشية الكتاب المذكور: إسناد حديث أبي سعيد صحيح، وصححه الحاكم والذهبي، وأقره الحافظ. يعني: ابن حجر في (الفتح) في الموضع المذكور عاليه. قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار. حدثنا أبي عاصم. حدثنا الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده". حدثنا علي بن حجر. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائى عن يحيى ابن أبي كثير بهذا الإسناد نحوه: وزاد فيه: "مستجابات لا شك فيهن". (السنن 5/502 ح 3448- ك الدعوات، ب 48) وأخرجه الطيالسي في مسنده (رقم 2517) وأبو داود في سننه (2/187 ح 1536) وابن ماجه في سننه (2/1270 ح 3862) ، والبخارى في الأدب المفرد (1/103 ح 32- ب دعوة الوالدين) وأحمد في المسند (2/258) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 4/167 ح 2688) كلهم من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى به مثله. واختلف في تعيين (أبي جعفر) راويه عن أبي هريرة، وقد نقل الشيخ الألباني الخلاف في ذلك، وخلص إلى أنه: إما مجهول أو منقطع أو مرسل، إلا أن الحديث حسن لغيره، وذلك لوجود شاهد له من حديث عقبة بن عامر عند أحمد وغيره (انظر: السلسلة الصحيحة 2/147-149ح 596) . والحديث قال عنه الترمذي: حسن. وحسنه كذلك الحافظ ابن حجر -فيما نقله الشيخ الألباني عنه في المصدر السابق- وحسنه الشيخ الألباني -كما مضى- (صحيح الأدب المفرد 24/32، صحيح الجامع ح 3031) وصححه الشيخ أحمد شاكر (حاشية المسند رقم 7501) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 قوله تعالى ( ... لعلهم يرشدون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (لعلهم يرشدون) يعني يهتدون. قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنهم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) أخرج البخاري بسنده عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: "أعندك طعام؟ " قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه الآية (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) . (الصحيح- الصوم- باب 15- ح 1915) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (الرفث) : الجماع. أخرج الطبري وابن أبي حاتم والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) قال: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن. وصحيحه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/275) . أخرج البخاري بسنده عن البراء - رضي الله عنه -: "لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) . (الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 27 ح 4508) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في قوله تعالى ذكره: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حُرِّم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن) يعني: انكحوهن، (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر. أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن (وهو ابن معمر بن حزم الأنصاري أبو طوالة) أن أبا يونس مولى عائشة أخبره عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رجلاً جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله! تدركني الصلاة وأنا جنب. أفأصوم؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم" فقال: لست مثلنا. يا رسول الله! قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: "والله! إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم. بما أتقى". (الصحيح 2/781 ح1110- ك الصيام، ب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب) . فيه بيان جواز الجماع ليلة الصيام حتى يتبين الصبح كالأكل والشرب. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المباشرة: هو الجماع ولكن الله يكني. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ومجاهد (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال: الولد. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال: الرخصة التي كتبت لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ... ) قال البخاري: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "تسحروا، فإن في السحور بركة" (الصحيح 4/139 ح 1923- كتاب الصيام، باب بركة السحور من غير إيجاب) وأخرجه مسلم (2/770 ح 1095) . أخرج البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال: أنزلت (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل (من الفجر) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده (من الفجر) فعلموا أنما يعني: الليل من النهار. (الصحيح- تفسير سورة البقرة، ب 28 ح 4511) . قال الترمذي: حدثنا هناد. حدثنا ملازم بن عمرو. حدثني عبد الله بن النعمان عن قيس بن طلق. حدثني أبي طلق بن علي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر". (جامع الترمذي 3/76 ح 705- ك الصوم، ب ما جاء في بيان الفجر) ، وأخرجه أبو داود (2/304 ح 2348) وأحمد في مسنده (4/23) والطبراني في الكبير (8/403-404 ح 8257) وابن خزيمة في صحيحه (3/211 ح 1930) ، والدارقطى في سننه (2/166 ح 7) كلهم من طريق عبد الله بن النعمان به. وعند الدارقطني والطبراني قصة وقعت بين عبد الله بن النعمان وقيس بن طلق، وهو عند أحمد مختصر بلفظ: "ليس الفجر المستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر". قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وغمزه الدارقطني بقيس بن طلق، وتوقف ابن خزيمة في صحته لعدم معرفته عبد الله بن النعمان بعدالة ولا جرح. وقد رد الشيخ الألبانى ذلك فقال عن قيس بن طلق: وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، ووهاه أبو حاتم، وقال الحافظ: صدوق. قال: فمثله حسن الحديث إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 شاء الله تعالى إن لم يخالف. ثم رأيت الذهبي ذكر عن ابن القطان أنه قال: يقتضي أن يكون خبره حسناً لا صحيحاً. فالحمد لله على توقيفه (الصحيحه 5/50-51) , وأما عبد الله بن النعمان، فقال: وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، وقد روى عنه ثقتان ... فحاله قريب من حال شيخه قيس بن طلق، ولكنه قد توبع، فقال عبد الله بن بدر السحيمي: حدثني جدي قيس بن طلق به، أخرجه الطحاوي (1/325) . وجملة القول: أن الحديث حسن. وله شاهد من حديث سمرة بن جندب مرفوعاً نحوه ... (الصحيحة 5/51) . وقال لي حاشية ابن خزيمة: إسناده حسن. أخرج البخاري (الصحيح -الصوم- باب 16 ح 1916) ومسلم (الصحيح -الصيام- ح 1090) عن عبدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له ذلك فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار". أخرج الطبري وأحمد (المسند 5/405) بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه". وقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلي الليل) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوصال في الصوم". (الصحيح -الصوم- باب 49 ح 1965) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". (الصحيح 4/198 ح 1957- ك الصيام، ب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره) ، وأخرجه مسلم (2/771 ح 1098) . أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم". (الصحيح -الصوم، ب 43 ح 1954) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 قوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: "وإن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا الحاجة إذا كان معتكفاً". (الصحيح 4/273 ح 2029- ك الصيام، ب لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) . وأخرجه مسلم (1/244 ح 297) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) في رمضان أو في غير رمضان فحرم الله أن ينكح النساء ليلاً ونهاراً حتى يقضي اعتكافه. قوله تعالى (تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (تلك حدود الله) يعني: طاعة الله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد (لعلهم يتقون) قال: يطيعون. قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وتدلوا بها إلى الحكام) قال: هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم آكل حراماً. أخرج البخاري عن أم سلمة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنكم تخَتصمون إليَّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها". (الصحيح- الشهادات، ب من أقام البينة ح 2680) ومسلم (الصحيح -الأقضية، ب الحكم بالظاهر ح 1713) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وذكره ابن كثير ثم قال: فدلت هذه الآية وهذا الحديث أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراماً هو حرام ولا يحرم حلالاً هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره. قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم". (المسند 5/425) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/587 ح 5946) ، والبيهقي في سننه (6/100) ، كلاهما من طريق سليمان بن بلال، عن سهيل به. وقد وقع في إسناد البيهقي: عبد الرحمن بن سعد (بدل) عبد الرحمن بن سعيد، وقال البيهقي: هو ابن سعد بن مالك، وسعد بن مالك هو أبو سعيد الخدري، ورواه أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان، فقال: عبد الرحمن بن سعيد ... يعنى: كما في رواية أحمد وابن حبان. وقد رجح الشيخ الألباني رواية (عبد الرحمن بن سعيد) وأنه: عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع أبو محمد المدني (إرواء الغليل 5/280) . ولعل الصواب عبد الرحمن بن سعد، وهو ابن أبي سعيد الخدري كما ذهب البيهقي، وذلك أن عبد الرحمن بن سعيد هو المعروف بالرواية عن أبي حميد، ولم أقف على من ذكر عبد الرحمن بن سعيد في الرواة عن أبي حميد. وقد وقع اختلاف آخر في إسناد هذا الحديث، وبين البيهقي في السنن (6/97) ذلك الخلاف، ثم روى، إسناده عن علي بن المديني -إمام العلل- أنه قال: الحديث عندي حديث سهيل -يعنى المتقدم عاليه عند أحمد وابن حبان- (السنن 6/100) ، وكذا نقله عن ابن المديني: ابن حجر رحمه الله (التلخيص الحبير 3/46) . وقال عنه الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 4/171) . وهذا من الأدلة أيضاً على ترجيح القول بـ (عبد الرحمن بن سعيد) ؛ لأن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ليس من رواة الصحيح وقال عنه الشيخ الألباني: صحيح (الإرواء 5/279) . وله شواهد عدة تنظر في (الإرواء) و (التلخيص الحبير 3/46) ، غير أن حديث أبي حميد أصح ما في الباب، كما في (التلخيص) ، لابن حجر. علماً أن لفظ حديث أبي حميد عند ابن حبان والبيهقي: "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه ..... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ... ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) يقول: جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وعدة نسائهم ومحل دينهم. وأخرجه الطبري بنحوه بسند حسن عن قتادة. فيتقوى المرسل. وبه إلى أبي العالية (قل هي مواقيت للناس والحج) يقول: مواقيت لحجهم ومناسكهم. انظر حديث البخاري ومسلم عن ابن عمر المتقدم عند الآية (185) من السورة نفسها، وهو حديث "لا تصوموا حتى تروا الهلال ... ". قوله تعالى (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) أخرج البخاري بسنده عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) . (الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 29 ح 4512) . وأخرجه مسلم بسنده عن البراء بلفظ: "كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها ... ) . (الصحيح- التفسير ح 3026) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولكن البر من اتقى) يصرح هنا بالمراد بمن اتقى، ولكنه بينه بقوله: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ... ) قال البخاري: حدثنا عثمان قال أخبرنا جرير عن عصفور عن أبي وائل عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية. فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع رأسه إلا أنه كان قائماً- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل". (الصحيح 1/222 ح 123- ك العلم، ب سأل وهو قائم عالماً جالساً) . وأخرجه مسلم (3/1512 ح 1904) . قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال قلت لأبى أسامة: حدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل النساء والصبيان". (الصحيح 6/148 ح 3015- ك الجهاد، ب قتل النساء في الحرب) . وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1364 ح 1744- ك الجهاد، ب تحريم قتل النساء والصبيان) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) لأصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمروا بقتال الكفار. أخرج مسلم عن بريدة مرفوعاً: "اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً". (الصحيح -الجهاد- باب 2 ح 1731) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولا تعتدوا) يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم. قوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ... ) بين الله تعالى أن هذا الأمر في الحرب حيث قال في سورة الأنفال: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) آية: 57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (والفتنة أشد من القتل) يقول: الشرك أشد من القتل. وصح عن قتادة كما في تفسير عبد الرزاق. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من القتل. قوله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) قال: نسخها قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد (فإن قاتلوكم) في الحرم (فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) ، لا تقاتل أحداً فيه، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه". (الصحيح 4/59 ح 1846- ك جزاء الصيد، ب دخول الحرم ومكة بغير إحرام) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) يعني: الحرم. (حتى يقاتلوكم فيه) يقول: إن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم (كذلك جزاء الكافرين) . قوله تعالى (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن مجاهد (فإن انتهوا) : فإن تابوا (فإن الله غفور رحيم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يقول: شرك. قال البخاري: وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بُكير عبد الله حدثه عن نافع "أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: با أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي، بُني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن. ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله) ، (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) قال: فعلنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يفتن في دينه: إما قتلوه، وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة. (الصحيح 8/183-184 ح 4514- ك التفسير- سورة البقرة- نفس التبويب) . قوله تعالى (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (فلا عدوان إلا على الظالمين) يعني على من أبى أن يقول: لا إله إلا الله. وصح عن قتادة ومجاهد كما في الطبري ويؤكد ما ذكره هؤلاء رواية الإمام مسلم، عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله". (الصحيح- الإيمان- باب 8 ح 32) . قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ... ) أخرج أحمد (المسند 3/345) عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغْزَوْا، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ. (وصحح إسناده ابن كثير في التفسير والحافظ ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/66) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وأخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي ومقسم والضحاك وعطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) قال: فخرت قريش بردِّها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية محرماً في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القعدة فقضى عمرته، وأقصه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية. واللفظ لمجاهد. قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل وليس لهم سلطان يقهر المشركين. وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله المسلمين من يجازى منهم أن يجازى بمثل ما أتي إليه، أو يصبر أو يعفو فهو أمثل. فلما هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم وأن لا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية. قال ابن كثير: وقوله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أمر بالعدل حتى في المشركين كما قال (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) . قوله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) أخرج البخاري بسنده عن حذيفة (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال: نزلت في النفقة. (الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 31 ح 4516) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 أخرج الطبري وابن أبي حاتم، وأبو داود (المسند ص 599) والترمذي (السنن- تفسير سورة البقرة ح 2972) والنسائي في تفسيره والحاكم (المستدرك 2/275) وصححه ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح 2373) . واللفظ للطبري عن أسلم أبي عمران التجيي قال: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، قال: وصففنا صفاً عظيماً من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلاً، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار! إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه, قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سراً من رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها! فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها، فأمرنا بالغزو. فما زال أبو أيوب غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله. وسيأتي مزيد من الأحاديث في فضل الإنفاق في سبيل الله عند الآيات التي ذكرت فضل الإنفاق في سبيل الله في هذه السورة. وفي قوله (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) فيه حث على الإحسان وهو لمصلحة المحسن كما قال تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) . قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وأتموا الحج والعمرة لله) يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، فليس له أن يحل حتى يتمها، تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حلّ من إحرامه كله، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حلّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 انظر حديث مسلم تحت الآية (125) من سورة البقرة، وهر حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: "قدمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبطحاء وهو منيخٌ فقال: أحججت؟ قلت نعم. قال: مما أهللت؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل. فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قيس ففلت رأسي، ثم أهللت بالحج، فكنت أفت به حتى كان في خلافة عمر فقال: إن أخذنا بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام، وإن أخذنا بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه لم يحل حتى يبلغ الهَدْيُ مَحِلَّه". (الصحيح 3/720 ح 1795- ك العمرة، ب متى يحل المعتمر) . قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) ساق البخاري عند ذكره لهذه الآية قول عطاء: الإحصار من كل شيء يحبسه. وذكر وصله الحافظ ابن حجر وقال: وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم. فقال كثير منهم: الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك حتى أفتى ابن مسعود رجلاً لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه. وقال النخعي والكوفيون: الحصر الكسر والمرض والخوف، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو (فتح الباري 3/4) . والحديث أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من كسر أو عرج فقد حل". (أخرجه أبو داود (السنن- الحج ح 1882) والترمذي (السنن- الحج ح 940) وابن ماجه (السنن- المناسك ح 3077) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه) . وصححه الحاكم ووفقه الذهبي (المستدرك 1/470) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الحصر) الحبس كله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن عباس أنه قال: (الحصر) حصر العدو. (صححه الحافظ ابن حجر فتح الباري 4/3) . أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: قد أحصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر قابلاً. (الصحيح- المحصر- باب 1 ح 1809) . أخرج البخاري بسنده عن عائشة قالت: دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ضباعة بنت الزبير فقال لها: "لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني". (الصحيح- النكاح- باب 15 ح 5089) . أخرج الطبري بأسانيد ثابتة عن ابن عمر (فما استيسر من الهدي) قال: الإبل والبقر. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، وإنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت. فقال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحال كفار قريش دون البيت, فنحر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هديه، وحلق رأسه. وأشهدُ كم أني قد أوجبت العمرة إن شاء الله، أنطلق، فإن خلِّىَ بيني وبين البيت طفت، وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا معه. فأهل بالعمرة من ذي الحليفة، ثم سار ساعة، ثم قال: إنما شأنهما واحد، أشهدُ كم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي. فلم يحل منهما حتى دخل يوم النحر وأهدى، وكان يقول: لا يحل حتى يطوف طوافاً واحداً يوم يدخل مكة. (الصحيح4/4 ح 1807 - ك الحج، ب إذا أحصر المعتمر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك. وحدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهما زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس حَلوا بعمرة ولم تَحلل أنت من عمرتك؟ قال: "إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر". (صحيح البخاري 3/493 ح 1566- ك الحج، ب التمتع والقرآن والإفراد) ، وأخرجه مسلم (2/902 ح 1229- ك الحج، ب القارن لا يتحلل إلا وقت تحلل المفرد) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) يقول: من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يذبح عنه. فإن كانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة، فلا قضاء عليه. ثم قال: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) ، فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى البيت. أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه؟ فقال: "لا حرج لا حرج". (الصحيح- الحج- باب الذبح قبل الحلق ح 1721) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن إبراهيم النخعي عن علقمة (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) فإن عجل فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك. قال إبراهيم: فذكرته لسعيد بن جبير. فقال: هذا قول ابن عباس وعقد بيده ثلاثين. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (حتى يبلغ الهدي محله) ومحله مكة فإذا بلغ الهدي مكة حل من إحرامه وحلق رأسه، وعليه الحج من قابل وذلك عن عطاء بن أبي رباح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) أخرج البخاري (الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 32 ح 4517) ومسلم (الصحيح -الحج- باب 10 ح 81) عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف عليه ورأسه يتهافت قملاً فقال: أيؤذيك هوامك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق رأسك. قال: ففي نزلت هذه الآية (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صم ثلاثة أيام أو تصدق بعذق بين ستة مساكين أو انسك ما تيسر". واللفظ لمسلم. وفي رواية لمسلم بلفظ: "احلق رأسك ثم اذبح شاة نُسكاً". (الصحيح- الحج ح 84) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن كان منكم مريضاً) يعني بالمرض: أن يكون برأسه أذى أو قرح. أخرج الطبري بأسانيد عن مجاهد وعطاء بن أبي رباح أنهما قالا: ما كان في القرآن أو كذا، أو كذا فصاحبه بالخيار أي ذلك شاء فعل. (وصححه الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (5/206) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: النسك بمكة أو بمنى. قوله تعالى (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي من لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال "تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 مكة قال الناس: "من كان منكم أهدى فانه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ... " الحديث. (الصحيح 3 /630 ح 1691- ك الحج، ب من ساق البدن معه) ، وأخرجه مسلم (2/901 ح 1227- ك الحج، ب وجوب الدم على المتمتع ... ) . قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا النضر، أخبرنا شعبة، حدثنا أبو جمرة قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي، فقال: فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم. قال: وكأن ناساً كرهوها، فنمت فرأيت في المنام كأن إنساناً ينادي: حج مبرور، ومتعة متقبلة. فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فحدثته، فقال: الله أكبر، سنة أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة (عمرة متقبلة، وحج مبرور) . (الصحيح 3/534 ح 1688- ك الحج, ب (فمن تمتع العمرة إلى الحج ... ) . وقال البخاري: وقال أبو كامل فضيل بن حسين البصري، حدثنا أبو معشر، حدثنا عثمان بن غياث، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن متعة الحج فقال: "أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي"، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب، وقال: "من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله". ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال الله تعالى (فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) إلى أمصاركم، الشاة تجزى، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة، فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنّه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وأباحه للناس غير أهل مكة، قال الله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم". (الصحيح 3/433 ح 1572- ك الحج, ب قول الله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) . أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض، وكانوا يسمون المحرم صفر ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر، حلّت العمرة لمن اعتمر. قال فقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رابعة مهلين بالحج وأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعلوها عمرة، قالوا: يا رسول الله أي الحلّ؟ قال: "الحل كله". (الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- باب أيام الجاهلية ح 2832) . وقد ساق الحافظ ابن حجر، هذا الحديث في أسباب نزول هذه الآية في (العجاب في بيان الأسباب) . أخرج البخاري بسنده عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينزل قرآن يُحرمه ولم ينه عنها حتى مات. (الصحيح - تفسير سورة البقرة، ب 33 ح 4518) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (2/900 ح 172) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن علقمة (فإذا أمنتم) : فإذا برأتم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن عروة في قوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) قال يقول: إذا أمنت حين تحصر من كسرك من وجعك فعليك أن تأتى البيت فتكون متعة لك أبي قابل، ولا حل لك حتى تأتي البيت. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) من يوم الفطر إلى يوم عرفة فعليه ما استيسر من الهدي. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فمن لم يجد) يعني الهدي إذا كان متمتعاً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن سعيد بن جبير أنه قال في المتمتع: إذا لم يجد الهدي صام يوماً قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) آخرهن يوم عرفة من ذي الحجة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن عكرمة قال: صيام ثلاثة أيام يعني أيام العشر من حين يحرم آخرها يوم عرفة. أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير إن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه. (الصحيح- تفسير سورة البقرة ح 4521) . أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر مرفوعاً: فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. (الصحيح- الحج- باب 104 ح 1691) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وسبعة إذا رجعتم) قال: هي رخصة إن شاء صامها في الطريق وإن شاء صامها بعد ما يرجع إلى أهله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) يقول: المتعة لأهل الأمصار ولأهل الآفاق وليس على أهل مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 قوله تعالى (الحج أشهر معلومات ... ) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: ... وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم. (الصحيح- الحج، ب 37 ح 1572) . أخرج الطبري والحاكم عن ابن عمر قال: (الحج أشهر معلومات) قال: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/276) وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 3/420) . قوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عمر (فمن فرض فيهن الحج) قال: من أهلّ بالحج. أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". (صحيح البخاري- الحج، ب 4 ح 1521) ، (وصحيح مسلم- الحج ح 1350) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (فلا رفث) التعريض بذكر الجماع. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (الرفث) الجماع. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر (الرفث) إتيان النساء والتكلم بذلك. أخرج البخاري (الصحيح- الإيمان ح 48) ومسلم (الصحيح- الإيمان ح 64) عن عبد الله ابن مسعود مرفوعاً: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر (الفسوق) إتيان معاصي الله في الحرم. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال (الفسوق) المعاصي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر (الجدال في الحج) السباب والمراء والخصومات. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (الجدال) أن تماري صاحبك حتى تغضبه. وقوله تعالى (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) يبينه قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) سورة الزلزلة آية (7) . قوله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ... ) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) . (الصحيح- الحج، ب 6 ح 1523) . قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) في مواسم الحج. (الصحيح- تفسير سورة البقرة، ب 34 ح 4519) . أخرج أحمد: عن أبي أمامة التيمى قال: قلت لابن عمر: إلا قوم نكرَى فهل لنا حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعرَّف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ فقلنا بلى، قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يدر ما يقول له حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) إلى آخر الآية، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتم حجاج". (المسند ح 6434) ، وأخرجه أبو داود (السنن- المناسك، ب الكرى ح 1733) ، والطبري وابن أبي حاتم وعبد الرزاق والحاكم في (المستدرك 1/449) وصححه ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: وهو قوي جيد (التفسير 1/349) . وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) ، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 قوله تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين) انظر الآية رقم (233) من السورة نفسها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن المعرور بن سويد قال رأيت ابن عمر حين دفع من عرفة كأني أنظر إليه، رجل أصلع على بعير له يوضع وهو يقول: إنا وجدنا الإفاضة الإيضاع. والإيضاع: أن يعد الرجل بعيره ويحمله على العدو الحثيث. قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحج عرفات، الحج عرفات، الحج عرفات، أيام منى ثلاث (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج. قال ابن أبي عمر: قال سفيان بن عيينة، وهذا أجود حديث رواه الثوري. (جامع الترمذي 5/214 ح 2975) وأخرجه أبو داود (2/485 ح 1949) والنسائي (5/256) وابن ماجة (رقم 3015) والحاكم في المستدرك (2/278) ، من طرق عن بكير بن عطاء به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم. حديث صحيح ولم يخرجاه وصحح إسناده الحافظ ابن كثير (التفسير 1/350) . وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم 2441) . قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع. ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر، يعني الشعبي، عن عروة بن مضرس الطائي؛ أنه حج، على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلم يدرك الناس إلا وهم يجمع. قال، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: يا رسول الله!. إني أنضيت راحلتي. وأتعبت نفسي. والله! إن تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من شهد معنا الصلاة، وأفاض من عرفات، ليلاً أو نهاراً فقد قضى تفثه وتم حجه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 (السنن 2/1004 ح 3016- ك المناسك، ب من أتي عرفة في الفجر … ) ، وأخرجه أبو داود (2/486 ح 1950) ، والنسائي (5/263) ، والترمذي (3/229 ح 891) ، وأحمد في المسند (4/261) من طرق، عن الشعبي به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم 2442) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عمرو بن ميمون قال: سألت عبد الله ابن عمرو عن المشعر الحرام فسكت حتى إذا هبطت يدي رواحلنا بالمزدلفة قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر: (المشعر الحرام) : المزدلفة كلها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (لمن الضالين) قال: لمن الجاهلين. قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ... ) قال الشيخ الشنقيطي: عند قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) لم يبين هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة (حيث) ، التي هي كلمة تدل على المكان كما تدل (حين) على الزمان، ولكنه يبين ذلك بقوله (فإذا أفضتم من عرفات) . أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحُمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) . (الصحيح- تفسير سورة البقرة ح 4520) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (2/893-894 ح 1219) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه بأنه قال: "سئل أسامة وأنا جالس: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 قال هشام والنص فوق العنق. قال أبو عبد الله: فجوة: متسع، والجمع فجوات وفجاء، وكذلك ركوة وركاء. مناص: ليس حين فرار. العنقُ. سير مسبطِر للإبل والدابة (القاموس المحيط باب: ع ن ق) . (الصحيح 3/518 ح 1666 كَ الحج، ب السير إذا دفع عن عرفة) . أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير إن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعاً الذي يبيتون به ثم ليذكر الله كثيراً، وأكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون، وقال الله تعالى: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) حتى ترموا الجمرة. (الصحيح ح 4521- ك التفسير، سورة البقرة، ب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) . قوله تعالى (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم ... ) قال: إهراقه الدماء. وبه عن مجاهد (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم) قال: تفاخرت العرب بينها بفعل آبائها يوم النحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك. أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في المواسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم فأنزل الله تعالى على نبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) يعني: ذكر آبائهم في الجاهلية أو أشد ذكراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عطاء بن أبي رباح (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) قال: هو الصبي أول ما يلهج من الكلام يا أبه، يا أمه. قوله تعالى (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق) أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً فأنزل الله فيهم (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا) يعني: نصراً ورزقاً. ولا يسأل لآخرته شيئاً. قوله تعالى (ومنهم من يقول ربنا آتنا الدنيا حسنة والآخرة حسنة وقنا عذاب النار) أخرج البخاري بسنده عن أنس: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". (الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 36 ح 4522) . قال مسلم: حدثنا أبو الخطاب، زياد بن يحيى الحساني. حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟. "قال: نعم. كنت أقول: اللهم! ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبحان الله! لا تطيقه -أو لا تستطيعه- أفلا قلت: اللهم! آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" قال، فدعا الله له. فشفاه. (الصحيح 4/2068-2069 ح 2688- ك الذكر والدعاء..، ب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) قال: هذا عبد نوى الآخرة لها شخص ولها أنفق ولها عمل وكانت الآخرة هي سدمه وطلبته ونيته. قوله تعالى (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم والحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: إني آجرت نفسي من قوم على أن أخدمهم ويحجوا بي فقال ابن عباس: هذا من الذين قال الله (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) . وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/481) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد (سريع الحساب) إحصاء سريع الإحصاء. قوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (واذكروا الله في أيام معدودات) يعني أيام التشريق. أخرج مسلم بسنده عن نبيشة الهذلي مرفوعاً: أيام التشريق أيام أكل وشرب. (الصحيح -الصيام- 23 ح 114) . قوله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ... ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن تعجل في يومين) بعد يوم النحر (فلا إثم عليه) يقول: من نفر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه (ومن تأخر فلا إثم عليه) في تأخره فلا حرج عليه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عطاء بن أبي رباح في التعجل في يومين: أي في النهار يخرج قال: إذا زالت الشمس إلى الليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لمن اتقى) معاصي الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 قوله تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله، أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس: لما أصيبت هذه السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة، فقال رجال من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا! لا هم قعدوا في بيوتهم، ولا أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين، وما أصاب أولئك النفر من الشهادة والخير من الله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) أي: ما يظهر بلسانه من الإسلام (ويشهد الله على ما في قلبه) أي: من النفاق (وهو ألد الخصام) أي: ذو جدال إذا كلمك وراجعك (وإذا تولى) أي: خرج من عندك (سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) أي: لا يحب عمله ولا يرضاه (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد. ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) الذين شروا أنفسهم لله بالجهاد في سبيل الله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك -يعني هذه السرية-. أخرج الشيخان عن عائشة مرفوعاً: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". (صحيح البخاري- تفسير سورة البقرة، ب 37 ح 4523) (وصحيح مسلم- العلم، ب الألد الخصم ح 2668) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ألد الخصام) : ظالم لا يستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (وهو ألد الخصام) : شديد القسوة في معصيته لله جدل بالباطل. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (وإذا تولى) أي خرج من عندك. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (ويهلك الحرث) : الزرع. (والنسل) قال: نسل كل دابة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن النضر بن عربي عن مجاهد قيل له: يا أبا الحجاج: وكيف هلاك الحرث والنسل؟ قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم فيحبس بذلك القطر من السماء، فيهلك بحبس القطر الحرث والنسل. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (والله لا يحب الفساد) أي لا يحب عمله ولا يرضى به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي رجاء العطاردي قال: سمعت علياً في هذه الآية (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) إلى (والله رؤوف بالعباد) قال علي: اقتتلا ورب الكعبة. وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بلفظ: اقتتل اقتتل هذان. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد في قول الله (ولبئس المهاد) قال: بئس ما مهدوا لأنفسهم. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة، فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى هذا بيديه إلى التهلكة، فكتب فيه أبي عمر - رضي الله عنه -، فكتب عمر: ليس كما قالوا هو من الذين قال الله فيهم (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) . وهذا لفظ ابن أبي حاتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني: السرية. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) قال: هم المهاجرون والأنصار. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) الآية. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (ادخلوا في السلم) قال: ادخلوا في الإسلام جميعاً. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة (في السلم) يعني الموادعة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ادخلوا في السلم كافة) قال: ادخلوا في الإسلام جميعاً (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) يقول: خطاياه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس في قوله (خطوات الشيطان) يقول: عمله. وينظر تفسير آية (168) عند قوله تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) . قوله تعالى (إن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات) يعني بالبينات: ما أنزل الله من الحلال والحرام. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم، حكيم في أمره. قوله تعالى (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) قال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان، ثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 مسروق، عن عبد الله بن مسعود (ح) وحدثنا محمد بن النضر الأزدي وعبد الله ابن أحمد بن حنبل والحضرمي، قالوا: ثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، ثنا محمد بن سلمة الحراني، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن مسروق بن الأجدع، ثنا عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قال: وينزل الله -عز وجل- في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، ثم ينادي مناد: أيها الناس ألم ترضوا من ربكم ... " فذكر الحديث بطوله في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل، وإعطاء المؤمنين نورهم كل على قدر عمله، وصفة الجنة ونعيمها ودخول المؤمنين إليها ... إلخ. (المعجم الكبير 9/416 ح 9763) . وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في (السنة 2/520 ح 1203) ، والحاكم في المستدرك (2/376-377) ، وابن مردويه في تفسير -كما في تفسير ابن كثير (1/248-249) من طرق عن المنهال بن عمرو به نحوه. قال ابن منده- وقد أخرجه في كتاب الإيمان. إسناد صحيح (حاشية العلل للدارقطني 5/244) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي. وقال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق، أحدها صحيح. (الترغيب 4/391) . وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طرق، رجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني، وهو ثقة. (مجمع الزوائد 10/343) . وحسن إسناده الحافظ الذهبي، قال الألباني عقبه: هو كما قال أو أعلى. ثم نقل عن الذهبي قوله في الأربعين: حديث صحيح. (مختصر العلو ص 110-111 ح 69) . هذا وقد ذكر الحافظ الدارقطني خلافاً على المنهال بن عمرو في رفع هذا الحديث ووقفه، ثم صحح الحديث من الطريقين الذين رواهما الطبراني، فقال: والصحيح حديث أبي خالد الدالاني وزيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله مرفوعاً (علل الدارقطني 5/243-244، سؤال رقم 854) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) يقول: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام والله تبارك وتعالى يجيء فيما يشاء. وهي في بعض القراءة (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام) وهي كقوله (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا)) الفرقان آية 25. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) وذلك يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قوله تعالى (سل بني إسرائيل كم آتياهم من آية بينة ... ) الآية أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة) ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر، وهم اليهود. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة) قال: آتاهم الله آيات بينات: عصى موسى ويده وأقطعهم البحر وأغرق عدوهم وهم ينظرون وظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى. وقوله تعالى (ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب) وبه عن أبي العالية قوله (ومن يبدل نعمة الله) يقول: من يكفر بنعمة الله من بعد ما جاءته. وبنحوه أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد. قوله تعالى (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا) بين الله عز وجل المزين لهم في عدة مواطن كما في قوله تعالى (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) (النحل آية 4) . وقوله تعالى (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء) (فاطر آية 8) . وقوله تعالى (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم) (فصلت 25) . قوله تعالى (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن قتادة (والذين اتقوا فوقهم) قال: فوقهم في الجنة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) لم يبين هنا فوقية هؤلاء المؤمنين على هؤلاء الكفرة، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الآرائك ينظرون) وقوله (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 قوله تعالى (والله يرزق من يشاء بغير حساب) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن سعيد بن جبير (بغير حساب) قال: لا يحاسب الرب. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ميمون بن مهران (بغير حساب) قال: غدقاً. قوله تعالى (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله (كان الناس أمة واحدة) قال: كانوا على الإسلام كلهم. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (كان الناس أمة واحدة) قال يعني بالناس: آدم. أخرج الطبري والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا. (وصححه الحاكم ووافقه الذهبي المستدرك 2/546) . وصحح إسناده ابن كثير في التفسير (1/250) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب في قول الله تعالى (كان الناس أمة واحدة) قال: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم الله يومئذ على الإسلام وأقروا له بالعبودية، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم ثم اختلفوا من بعد آدم (وأنزل معهم الكتاب بالحق) قال: أنزل الكتاب عند الاختلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 قوله تعالى (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبيَّ قوله (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه) يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم من بعد ما جاءتهم البينات. وبه عن أُبيَّ في قوله (بغيا بينهم) يقول: بغياً على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها وزينتها، أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس، فبغى بعضهم على بعض فضرب بعضهم رقاب بعض. وقوله تعالى (فهدى الله الذين آمنوا لا اختلفوا فيه من الحق بإذنه) اخرج البخاري (الصحيح- الجمعة- باب فرض الجمعة ح 876) ومسلم (الصحيح - الجمعة ح 855) وأحمد (المسند 2/274) عن أبي هريرة مرفوعاً: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولاً الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا الكتاب من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهذا اليوم الذي هدانا الله له والناس لنا فيه تبع غداً لليهود وبعد غد للنصارى". واللفظ لأحمد. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي بن كعب (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه) يقول: فهداهم الله عند الاختلاف، أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف. أقاموا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة. كانوا شهداء على قوم نوح، وقوم هود وقوم صالح، وقوم شعيب، وآل فرعون، أن رسلهم قد بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم. قوله تعالى (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قول الله تعالى (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يقول: يهديهم للخروج من الشبهات والضلالات والفتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) ينظر آية (177) من هذه السورة في قوله تعالى (والصابرين في البأساء والضراء) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأخبر أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال: (مستهم البأساء والضراء) . أخرج البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذِبوا) خفيفة، ذهب بها هناك وتلا (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك فقال: قالت عائشة: معاذ الله، والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم. فكانت تقرؤها (وظنوا أنهم قد كذبوا) مثقلة. (الصحيح- تفسير سورة البقرة ح 2524 و2525) وفي تفسير سورة يوسف عند قوله تعالى (حتى إذا استيأس الرسل) قال عروة: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من، قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك. (الصحيح- تفسير سورة يوسف ح4695) . أخرج البخاري بسنده عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". (الصحيح- الإكراه، ب 1 ح 6943) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء) قال: نزلت في يوم الأحزاب, أصاب النبي وأصحابه يومئذ بلاء وحصر فكانوا كما قال الله عز وجل (وبلغت القلوب الحناجر) . قوله تعالى (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ... ) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ. بمن تعول". (الصحيح- النفقات، ب 2 ح 5356) . وأخرج أحمد (المسند 2/471) ، وأبو داود (السنن- الزكاة، ب في صلة الرحم 2/320) ، والنسائي (الزكاة، ب الصدقة عن ظهر غنى 2/62) ، وابن حبان (موارد الظمآن ح 828) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/415) عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوماً لأصحابه: "تصدقوا". فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار. قال: "أنفقه على نفسك" قال: إن عندي آخر. قال: "أنفقه على زوجتك". قال: إن عندي آخر. قال: "أنفقه على ولدك". قال: إن عندي آخر. قال: "أنفقه على خادمك". قال: إن عندي آخر قال: "أنت أبصر". وينظر تفسير آية (83 و177) من هذه السورة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يسألونك ماذا ينفقون) قال: سألوه فأفتاهم في ذلك فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 قوله تعالى (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) ينظر تفسير آية (197) من هذه السورة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (فإن الله به عليم) قال: محفوظ ذلك عند الله عالم به شاكر له وإنه لا شيء أشكر من الله ولا أجزأ بخير من الله. قوله تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ... ) الآية أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس مرفوعاً: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا". (صحيح البخاري- الجهاد، ب فضل الجهاد ح 2783) ، (وصحيح مسلم- الإمارة، ب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد ح 1353) . أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة نفاق". (الصحيح- الإمارة، ب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو) ، والبخاري في (الصحيح - الجهاد، ب الغدوة والروحة في سبيل الله ح 2792) ومسلم (الصحيح- الإمارة، ب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله ح 1881) عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها". أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن قتادة في قوله (وهو كره لكم) قال: شديد عليكم. قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) قال الشيخ الشنقيطي: لم يصف هذا الخير هنا بالكثرة وقد وصفه في قوله (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) . قوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به ... ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن جندب بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رهطاً وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب ينطلق بكى صبابة أبي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجلس. فبعث عليهم مكانه عبد الله بن جحش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وكتب له كتاباً وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، فقال: "لا تكرهن أحداً على السير معك من أصحابك". فلما قرأ الكتاب، استرجع، وقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله. فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه. ولم يدروا أن ذلك اليوم من رحب أو من جمادى؟ فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام، فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) الآية. وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى 9/11) ، وحسنه الحافظ ابن حجر (العجاب في بيان الأسباب ق 87 ب) وصححه السيوطي في الدر المنثور. قوله تعالى (والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقسم مولى ابن عباس قوله (والمسجد الحرام) يقول: وصد عن المسجد الحرام. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (وإخراج أهله منه) قال: إخراج محمد وأصحابه من مكة أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. أخرج ابن أبي حاتم بسنده المتقدم عن جندب بن عبد الله قوله (والفتنة أكبر من القتل) قال: في الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإخراج أهله منه أكبر عند الله) من ذلك ثم عيَّر المشركين بأعمالهم أعمال السوء فقال (والفتنة أكبر من القتل) أي: الشرك بالله أكبر من القتل. قوله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) لم يبين هنا هل استطاعوا ذلك أولا؟ ولكنه بين في موضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 آخر أنهم لم يستطيعوا، وأنهم حصل لهم اليأس من رد المؤمنين عن دينهم، وهو قوله تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) الآية.. وبين في مواضع أخر أنه مظهر دين الإسلام على كل دين كقوله في براءة، والصف، والفتح (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عروة بن الزبير (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) يعني: كفار قريش. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن كعب قوله (ومن يرتدد منكم عن دينه) قال: من يرتد عن الحق. قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن جندب بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رهطاً وبعث عليهم عبد الله بن جحش فقال بعض المشركين: إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم أجر، فأنزل الله عز وجل: (إن الذين آمنوا ... ) الآية كلها. قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) . أخرج أحمد بسنده عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية في سورة البقرة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال: فدعي عمر فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أقام الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال عمر: انتهينا انتهينا. (المسند ح 378) ، وأبو داود (السنن، الأشربة ح 3670) ، والترمذي (السنن- التفسير ح 3049) ، والحاكم (المستدرك 2/278) ، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند ونقل ابن كثير تصحيحه عن علي بن المديني، وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - على منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل". (الصحيح- تفسير سورة المائدة- باب 10 ح 4619) . قال مسلم: حدثنا أبو الربيع العتكي وأبو كامل قالا: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل مسكر خمر. وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة". (الصحيح 3/1587 ح 2003- ك الأشربة، ب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قال: الميسر هو القمار. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (قل فيهما إثم كبير) يعني ما ينقص من الدين عند شربها (ومنافع) يقول: فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوا، (وإثمهما أكبر من نفعهما) يقول ما يذهب من الدين والإثم فيه، أكبر مما يصيبون في فرحها إذا شربوها. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل فيهما إثم كبير) لم يبين هنا ما هذا الإثم الكبير؟ ولكنه بين في آية أخرى أنه إيقاع العداوة والبغضاء بينهم والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهي قوله (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ... ) الآية أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال: العفو ما فضل عن أهلك. وينظر تفسير آية (215) من هذه السورة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال: كان هذا قبل أن تفرض الصدقة. قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر. قال: أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر. فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألك مال غيره؟ " فقال: لا. فقال: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم. فجاء بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدفعها إليه. ثم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها. فإن فضل شيء فلأهلك. فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك. فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك. (الصحيح 2/692-693 ح 997- ك الزكاة، باب الإبتداء في النفقة بالنفس .... ) وهذا على القول بأن العفو معناه: ما فضل عن مال المسلم. قوله تعالى (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) قال: يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها. وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) قال: يقول: لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة، فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قوله تعالى (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ... ) الآية (أخرج أحمد (المسند ح 3002) ، والطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما والنسائي (السنن- الوصايا، باب ما للوصي من مال اليتيم 5/276) والحاكم (المستدرك 2/278) عن ابن عباس قال: لما نزلت (ولا تقربوا هال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت (وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) قال: فخالطوهم. وهذا لفظ أحمد. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح سنن النسائي ح 3430) وحسنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند. قوله تعالى (ولو شاء الله لأعنتكم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (ولو شاء الله لأعنتكم) يقول: لو شاء الله لأخرجكم فضيق عليكم ولكنه وسع ويسر فقال (ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) سورة النساء آية (6) . قوله تعالى (ولا تَنْكِحوا المشركات حتى يؤمن) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر عمومه شمول الكتابيات، ولكنه بين في آية أخرى أن الكتابيات لسن داخلات في هذا التحريم، وهي قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فإن قيل الكتابيات لا يدخلن في اسم المشركات بدليل قوله (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) وقوله (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) والعطف يقتضي المغايرة، فالجواب أن أهل الكتاب داخلون في اسم المشركين كما صرح به تعالى في قوله (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) المائدة آية (5) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن عمر بن الخطاب قال: المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة. قوله تعالى (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ... ) الآية أخرج البخاري (الصحيح- النكاح، ب الأكفاء في الدين ح 5090) ومسلم (الصحيح - الرضاع، ب استحباب نكاح ذات الدين ح 1466) عن أبي هريرة مرفوعاً: "تنكح النساء لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك". قوله تعالى (ولا تُنْكحوا المشركين حتى يؤمنوا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن الزهري وقتادة في قوله (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) قال: لا يحل لك أن تنْكح يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك. قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض حتى يطهرن) أخرج مسلم بسنده عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول: كذا وكذا. فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى ظننا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأرسل في آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما. (الصحيح- الحيض، ب جواز غسل الحائض رأس زوجها ح 302) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) قال: قذر. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (فاعتزلوا النساء في المحيض) يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن. أخرج أحمد (المسند 2121) والدارمي (السنن- الطهارة، ب من قال عليه الكفارة 1/255) والبيهقي (السنن الكبرى 1/317 (والترمذي) السنن، ب الطهارة ح 137) والنسائي (عشرة النساء ح 221، 222) وأبو يعلى (المسند ح 2432) والطبراني (المعجم الكبير ح 12135) والبغوي (شرح السنة ح 315) والحاكم (المستدرك 1/171، 172) كلهم عن ابن عباس قال: "أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يأتي امرأته وهي حائض أن يتصدق بدينار أو نصف دينار". (وصححه أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي حيث أخرجه من خمسين طريقاً. وصححه الحاكم ووفقه الذهبي. وصححه ابن القطان وابن الملقن. والألباني انظر (مرويات الدارمي التفسير ص 82-98) . قوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار. قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن إبراهيم بن المهاجر؛ قال سمعت صفية تحدث عن عائشة؛ أن أسماء سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن غسل المحيض؟ فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر. فتحسن الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً. حتى تبلغ شؤن رأسها. ثم تصب عليها الماء. ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها" فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: "سبحان الله تطهرين بها" فقالت عائشة (كأنها تخفي ذلك) تتبعين أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة؟ فقال: "تأخذ ماء فتطهر، فتحسن الطهور. أو تبلغ الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه. حتى تبلغ شؤن رأسها. ثم تفيض عليها الماء". فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 (الصحيح 1/261- ك الحيض، ب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم) . انظر أحاديث أبو هريرة وابن عباس وجابر وغيرهم الآتية عند الآية (108) من سورة التوبة، في ثناء الله عز وجل على الأنصار في طهورهم. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظة "حيث" ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين. إحداهما: هي قوله هنا (فأتوا حرثكم) لأن قوله (فأتوا) أمر بالإتيان بمعنى الجماع وقوله (حرثكم) يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث يعني بذر الولد بالنطفة، وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى، لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد، كما هو ضروري. الثانية: قوله تعالى (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) لأن المراد بما كتب الله لكم الولد على قول الجمهور وهو اختيار ابن جرير. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس يعني قوله (فإذا تطهرن) يقول: إذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء. أخرج البخاري (الصحيح -الحيض، ب 5 ح 303) ومسلم (الصحيح- الحيض، ب 3 ح 294) عن ميمونة قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض". أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى (فأتوهن من حيث أمركم الله) يقول: طئوهن غير حيّض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن مسروق الأجدع قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. أخرج الطبري وان أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (فأتوهن من حيث أمركم الله) قال: من حيث جاء الدم، من ثم أمرت أن تأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس (فأتوهن من حيث أمركم الله) يقول: في الفرج لا تعدوه إلى غيره فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن الشعبي قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ثم قرأ (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) . أخرج مسلم (الصحيح- التوبة، ب في الحض على التوبة ح 2 ص 2102) عن أبي هريرة مرفوعاً: "لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها". قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ... ) الآية أخرج البخاري (الصحيح- تفسير سورة البقرة ح 4528) ومسلم (الصحيح- النكاح، ب جواز جماعه امرأته في قبلها 117، 118) عن جابر بن عبد الله قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم) . (أخرج أحمد (المسند ح 2703) ، والترمذي (السنن- تفسير سورة البقرة ح 2980) ، والطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله هلكت. قال: "وما الذي أهلكك"؟ قال: حولت رحلي البارحة. قال: فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة. (وحسنه الترمذي والألباني في صحيح سنن الترمذي وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند وصححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 8/191) . وذكره الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 6/319) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار. حدثنا عبد الرحمن بن مهدى. حدثنا سفيان عن ابن خثيم عن ابن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني صِماماً واحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (جامع الترمذي 5/215-216 ح 2979- ك التفسير، ومن سورة البقرة) . وأخرجه أحمد في مسنده (6/318-319) , وأبو يعلى في المسند (12/407 ح 6972) ، والطبري في (تفسيره 2/369) ، من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي به. وأخرجه أحمد (6/318) ، والدارمي في (سننه 1/204-205 ح 1124) ، والبيهقي في سننه (7/195) وفيه عندهم قصة. قال الترمذي: هذا حديث حسن ... وصححه الألباني على شرط مسلم (آداب الزفاف ص 103) وللحديث شاهد من رواية ابن عباس - رضي الله عنه -، أخرجه أبو داود في سننه (2/618-620 ح 2164) وفيه تفسير الآية بقوله: أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك: موضع الولد. (وانظر مرويات الدارمي في التفسير ص 101-102 ح 159) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني بالحرث: الفرج، يقول: تأتيه كيف شئتت مستقبله ومستدبره، وعلى أي ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره وهو قوله (فأتوهن من حيث أمركم الله) . قوله تعالى (وقدموا لأنفسكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عكرمة (وقدموا لأنفسكم) قال: الولد. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (وقدموا لأنفسكم) يقول: طاعة ربكم وأحسنوا عبادته. قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير. أخرج البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعاً: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير". (الصحيح- الأيمان والنذور، ب 1 ح 1622) . أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي خير وليكفر عن يمينه". (الصحيح- الأيمان، ب 3 ح 13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم) أخرج البخاري بسنده عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: قالت: أنزلت في قوله: لا والله، وبلى والله. (الصحيح 11/547 ح 6663- الأيمان والنذور، ب (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)) . أخرج مالك بسنده عن عائشة أنها كانت تقول: لغو اليمين قول الإنسان: لا والله بلى والله. (الموطأ- الأيمان والنذور، ب اللغو في اليمين 2/477) وأخرجه أحمد في (العلل ومعرفة الرجال ص 245) ، وأبو داود (السنن -الأيمان والنذور، ب لغو اليمين ح 3254) ، والطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وهذا لفظ مالك. (وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح 278) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) قال: أن تحلف على الشيء وأنت تعلمه. قوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ... ) الآية أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن سعيد بن المسيب في قوله (للذين يؤلون) : يحلفون. أخرج البخاري عن أنس بن مالك يقول: آلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام لا مشربة له تسعاً وعشرين ثم نزل فقالوا: يا رسول الله آليت شهراً فقال: الشهر تسع وعشرون. (الصحيح- الطلاق، ب قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة، أشهر) إلى قوله (سميع عليم) (ح 5289) ، وأخرج نحوه مسلم عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب (الصحيح- الطلاق- ب 5 ح 32-34) . أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن عائشة قالت: كان إيلاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقسم بالله لا أقربكن شهراً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمر الله عز وجل. وبسند آخر عن ابن عمر: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق. قال البخاري: ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. (الصحيح- الطلاق- باب 21) وقد وصل الحافظ ابن حجر هذه المعلقات في (تغليق التعليق 4/466-468) وصحح بعضها في (فتح الباري 9/428 و429) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. قوله تعالى (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس الفيء: الجماع. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن الحسن (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) قال: لا كفارة عليه. قوله تعالى (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ... ) الآية أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال: عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن مسعود قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهى تطليقة بائنة، وتعتد ثلاثة قروء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي بن أبي طالب قال: يُوقَف المولى عند انقضاء الأربعة الأشهر حتى يفيء أو يطلق. وأخرجه بنحوه بسند صحيح عن ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها أجبره السلطان: إما أن يفيء فيراجع وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه. قال ابن كثير: وقوله (وإن عزموا الطلاق) فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي الأربعة أشهر كقول الجمهور من المتأخرين، وذهب آخرون إلى أنه يقع بمضي أربعة أشهر تطليقة وهو مروي بأسانيد صحيحة عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت. قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ... ) الآية قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ظاهر هذه الآية شمولها لجميع المطلقات، ولكنه بين في آيات أخر خروج بعض المطلقات من هذا العموم، كالحوامل المنصوص على أن عدتهن وضع الحمل، في قوله (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) . وكالمطلقات قبل الدخول المنصوص على أنهن لا عدة عليهن أصلا، بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً) . أما اللواتى لا يحضن، لكبر أو صغر فقد بين أن عدتهن ثلاثة أشهر في قوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) . (أخرج مالك (الموطأ- الطلاق، ب ما جاء في الأقراء 2/576) ، والشافعي (ترتيب المسند 2/60) ، والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عائشة قالت: الأقراء: الأطهار. وأخرجه الطبري بأسانيد ثابتة عن زيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وغيرهم من التابعين. أخرج أحمد (المسند 6/420، 463، 464) وأبو داود (السنن- الطهارة، ب في المرأة تستحاض ح 280) والنسائي (السنن- الطهارة، ذكر الأقراء 1/121) عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 فشكت إليه الدم فقال لها رسول الله: "إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي فإذا مرّ قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء أبي القرء". ثم قال: هذا الدليل على أن الأقراء حيض. (وصححه الألباني (صحيح سنن النسائي ح 205) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال: حيض. وأخرج الطبري بسند صحيح عن علي بن أبي طالب بنحوه. وبأسانيده عن ابن مسعود وعمر بن الخطاب أيضاً. قوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، فنهاهن الله تعالى عن ذلك. أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد في قول الله تعالى ذكره (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال: لا يحل للمطلقة أن تقول: إني حائض. وليست بحائض، ولا تقول: إني حبلى. وليست بحبلى. ولا تقول: لست بحبلى، وهي حبلى. قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن أزواج كل المطلقات أحق بردهن لا فرق في ذلك بين رجعية وغيرها. ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البائن لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) . وذلك لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما أنه أشار هنا إلى أنها إذا بانت بانقضاء العدة لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 في ذلك لأن الإشارة بقوله (ذلك) راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه في الآية بثلاثة قروء. واشترط هنا في كون بعولة الرجعيات أحق بردهن إرادتهم الإصلاح بتلك الرجعة، في قوله (إن أرادوا إصلاحا) ولم يتعرض لمفهوم هذا لا بنية الإصلاح بل يقصد الإضرار بها؛ لتخالعه أو نحو ذلك، أن رجعتها حرام عليه، كما هو مدلول النهي في قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن عباس قوله (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً) يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل، فهو أحق برجعتها ما لم تضع. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) : في عدتهن. وبنحوه أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة. قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس قال: إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) . قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما هذه الدرجة التي للرجال على النساء، ولكنه أشار لها في موضع آخر وهو قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ... وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين، بقوله: (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) ... وأشار بقوله: (وبما أنفقوا من أموالهم) إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله أن يكون قائما على الضعيف الناقص خلقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وللرجال عليهن درجة) قال: فضل ما فضله الله به عليها الجهاد، وفضل ميراثه على ميراثها، وكل ما فضل به عليها. قوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) الآية أخرج مالك (الموطأ- الطلاق- باب جامع الطلاق 2/588) والترمذي (السنن- الطلاق واللعان 3/488) والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عروة بن الزبير: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال: لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبداً فأنزل الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق. واللفظ لمالك. وأخرجه الترمذي والحاكم وصححه (المستدرك 2/279، 280) والبيهقي (السنن الكبرى 7/333) وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الطبري كلهم عن عروة عن عائشة وتكلم في سنده بسبب يعلى بن شبيب ولكنه روي من طرق مرسلة تقويه. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئاً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) قال: يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى، إن أحب أن يفعل، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان -مثنى قرء- ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة". (السنن 2/268 ح 2226- ك الطلاق، ب في الخلع) . وأخرجه ابن ماجه (2/662- ك الطلاق، ب كراهية الخلع للمرأة رقم 2055) وابن الجارود في (المنتقى رقم 748) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/490 ح 4184) والحاكم في (المستدرك 2/200) وغيرهم من طرق عن أيوب به. وأخرجه الترمذي (3/484- ك الطلاق، ب ما جاء في المختلعات رقم 1187) ووقع في إسناده: عن أبي قلابة عمن حدثه عن ثوبان. المبهم في إسناد الترمذي هو أبو أسماء الرحبي كما تقدم. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. قال الألباني: إنما هو على شرط مسلم وحده. (الإرواء 7/100) وحسَّنه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير 3/138 ح 2944) . وصححه الألباني (الإرواء 7/100) . قوله تعالى (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: صرح في هذه الآية الكريمة بأن الزوج لا يحل له الرجوع في شيء مما أعطى زوجته، إلا على سبيل الخلع، إذا خافا ألا يقيما حدود الله، فيما بينها، فلا جناح عليهما إذن في الخلع. أي: لا جناح عليها هي في الدفع، ولا عليه هو في الأخذ. وصرح في موضع آخر بالنهي عن الرجوع في شيء مما أعطى الأزواج زوجاتهم، ولو كان المعطى قنطاراً وبين أن أخذه بهتان وإثم بين، وبين أن السبب المانع من أخذ شيء منه هو أنه أفضى إليها بالجماع. وذلك في قوله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) وبين في موضع آخر أن محل النهى عن ذلك إذا لم يكن عن طيب النفس من المرأة، وذلك في قوله: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) وأشار إلى ذلك بقوله: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى أن تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به. قوله تعالى (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليها فيما افتدت به) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) هو تركها إقامة حدود الله استخفافاً بحق زوجها وسوء خلقها فتقول له: والله لا أبر لك قسماً، ولا أطأ لك مضجعاً، ولا أطيع لك أمراً، فإذا فعلت ذلك، فقد حل له منها الفدية ولا يأخذ أكثر مما أعطاها شيئاً ويخلي سبيلها إن كانت الإساءة من قبلها. أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقبل الحديقة وطلقها تطليقة". (الصحيح- الطلاق، ب الخلع وقول الله تعالى (لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً) ح 5273) . انظر الآية رقم (233) من السورة نفسها. قوله تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) انظر سورة البقرة آية (187) . قوله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) يقول: إن طلقها ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: جعل الله الطلاق ثلاثاً، فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة، وعدتها ثلاث حيض. فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها، فقد بانت منه بواحدة، وصارت أحق بنفسها، وصار خاطباً من الخطاب. فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل. فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها، وإن تركها حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه بواحدة. وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قُبْل عدتها. فإن بدا له مراجعتها راجعها، فكانت عنده على واحدة. وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها، فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره: لا تحل له حتى تنكح زوجاً. أخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له أنه لا يأتيها، وإنه ليس معه إلا مثل هدبة. فقال: "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". (صحيح البخاري- الطلاق، في 37 ح 5317) ، (وصحيح مسلم- النكاح، ب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره ح 1433) . أي حتى يحصل الجماع معه. وقد نقل ابن حجر عن ابن المنذر قال: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول. (فتح الباري 9/467) وينظر تفسير الآية السابقة. قوله تعالى (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) يقول: إذا تزوجت بعد الأول فدخل الآخر بها، فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها فقد حلت له. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن ظنا أن يقيما حدود الله) : إن ظنا أن نكاحهما على غير دُلسة. والتدليس: إخفاء العيب. (النهاية لابن الأثير 2/130) . وانظر الآية رقم (233) من السورة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 قوله تعالى (وإذا طلقكم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فبلغن أجلهن) انقضاء عدتهن بالفعل، ولكنه بين في موضع آخر أنه لا رجعة إلا في زمن العدة خاصة، وذلك في قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ، لأن الإشارة في قوله (ذلك راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه بثلاثة قروء في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن) الآية. فاتضح من تلك الآية أن معنى (فبلغن أجلهن) أي: قاربن انقضاء العدة، وأشرفن على بلوغ أجلها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) يعني ثلاثة قروء، يعني ثلاث حيض (فأمسكوهن بمعروف) يقول: فأمسكوهن من قبل أن تغتسل من حيضتها الثالثة بطاعة الله (أو سرحوهن بمعروف) بطاعة الله إذا اغتسلت من حيضتها الثالثة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف. ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) قال: كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها يضارها فنهاهم الله عن ذلك. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) الآية صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بالنهى عن إمساك المرأة مضارة لها، لأجل الاعتداء عليها بأخذه ما أعطاها، لأنها إذا طال عليها الإضرار افتدت منه، ابتغاء السلامة من ضرره. وصرح في موضع آخر بأنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز له عضلها، حتى تفتدى منه وذلك في قوله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضراراً) قال: هو الرجل يطلق امرأته فإذا بقي من عدتها يسير راجعها يضارها بذلك ويطول عليها فنهاهم الله تعالى عن ذلك فأمرهم أن يمسكوهن بمعروف أو يسرحوهن بمعروف. وفي قوله تعالى (ولا تتخذوا آيات الله هزواً) أخرج أبو داود (السنن- الطلاق، ب الطلاق على الهزل 2/259) والترمذي (السنن- الطلاق، ب في الجد والهزل في الطلاق 3/381) وابن ماجة (السنن - الطلاق، ب من طلق أو نكح أو رجع لاعباً ح 2039) عن أبي هريرة مرفوعاً به: "ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة". وحسنه الترمذي، وكذا حسنه ابن حجر (التلخيص الحبير 3/210) ، والسيوطي في (الجامع الصغير 3/300 ح 3451) ، والألباني في (صحيح الجامع ح 3027) ، وصحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/197) . قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نعمة الله) يقول: عافية الله. أخرج مسلم (الصحيح- الزهد- ح 9 ص 2255) عن أبي هريرة مرفوعاً: "انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله". قوله تعالى (وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة) يعني بالحكمة: الحلال والحرام وما سن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يعظكم به واتقوا الله) في أمره ونهيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 قوله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ... ) الآية قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فبلغن أجلهن) انقضاء عدتهن بالفعل، ولكنه بين في موضع آخر أنه لا رجعة إلا في زمن العدة خاصة، وذلك في قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) لأن الإشارة في قوله تعالى (ذلك) راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه بثلاثة قروء في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن) الآية. فاتضح من تلك الآية أن معنى فبلغن أجلهن. أي: قاربن انقضاء العدة، وأشرفن على بلوغ أجلها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يمنعوها. (أخرج البخاري (الصحيح- التفسير- سورة البقرة، ب (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) ح 4529) عن الحسن: أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) فهذا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك. فنهى الله سبحانه أن يمنعوها. قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب. ثنا عبد الله بن المبارك، عن حجاج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن عكرمة، عن ابن عباس. قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نكاح إلا بولي". وفي حديث عائشة: "والسلطان ولي من لا ولي له". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 (السنن- النكاح، ب لا نكاح إلا بولي 1880) حديث ابن عباس أخرجه أحمد والبيهقي من طريق حجاج به. وله طريق آخر من سعيد بن جبير عند الطبراني في المعجم الكبير (انظر: الإرواء 6/238، المسند 1/250، سنن البيهقي 7/109، 110) ، وأخرجه من طريق سعيد بن جبير الطبراني في الأوسط (1/318 ح 525) . قال الهيثمي عنه: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 4/186) وحديث عائشة أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي من طريق حجاج به، وله طرق أخرى عنها (انظر: الإرواء 6/247، المسند 6/260) قال الألباني. صحيح. (صحيح ابن ماجه 1/317) . ذكره ابن كثير (1/415) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (إذا تراضوا بينهم بالمعروف) يعني بمهر وبينة ونكاح مؤتنف. قوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضآرّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة، عن الأشعث عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة". (الصحيح- النكاح، ب من قال لا رضاع بعد حولين 9/146 ح 5102) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 2/1078 ح 1455) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فجعل الله سبحانه الرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ثم قال (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده. وبه قوله تعالى (فلا جناح عليهما) قال فلا حرج عليهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد قال: حولين كاملين: سنتين. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد قال: (لا تضآرّ والدة بولدها) لا تأبى أن ترضعه ليشق ذلك على أبيه، ولا يضار الوالد بولده، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) قال: نهى الله تعالى عن الضرار وقدم فيه، فنهى الله أن يضار الوالد فينتزع الولد من أمه، إذا كانت راضية بما كان مسترضعا به غيرها ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضرارا. قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب أخبرنا هشام، عن أبيه، عن زينب ابنة أبي سلمة، عن أم سلمة: قلت يا رسول الله، هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما همَ بنيَّ. قال: "نعم لك أجر ما أنفقت عليهم". (صحيح البخاري - النفقات، ب وعلى الوارث مثل ذلك 9/514 ح 5369) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وعلى الوارث مثل ذلك) , على وارث الولد. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: الولي من كان. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: وعلى وارث الولد ما كان على الوالد من أجر الرضاع، إذا كان الولد لا مال له. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الرجل إذا أراد أن يطلب لولده مرضعة غير أمه لا جناح عليه في ذلك، إذا سلم الأجرة المعينة في العقد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ولم يبين هنا الوجه الموجب لذلك ولكنه بينه في سورة الطلاق بقوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) والمراد بتعاسرهم: امتناع الرجل من دفع ما تطلبه المرأة، وامتناع المرأة من قبول الإرضاع بما يبذله الرجل ويرضى به. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) خيفة الضيعة على الصبي (فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف) قال: حساب ما أرضع به الصبي. قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل متوفي عنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، ولكنه بين في موضع آخر أن محل ذلك ما لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا كانت عدتها وضع حملها، وذلك في قوله (وأُلات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ويزيده إيضاحاً ما ثبت في الحديث المتفق عليه من إذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسبيعة الأسلمية في الزواج بوضع حملها بعد وفاة زوجها بأيام، وكون عدة الحامل المتوفى عنها بوضع حملها هو الحق، كما ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلافا لمن قال: تعتد بأقصى الأجلين. ا. هـ. روى مالك: عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة. فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا. حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة. فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" قالت: فانصرفت. حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو أمر بي فنوديت له فقال: "كيف قلت"؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً. قالت: فلما كان عثمان بن عفان, أرسل إلي فسألني عن ذلك؟ فأخبرته. فاتبعه وقضى به. (الموطأ 2/591، ك الطلاق، ب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها ... ) ، وأخرجه أبو داود (2/291 ك الطلاق، ب المتوفى عنها زوجها تنتقل، ح 2300) ، والترمذي (ك الطلاق، ب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها ح 1204) كلاهما من طريق مالك به، وأخرجه أحمد في المسند (6/420) من طريق بشر بن المفصل عن سعد بن إسحاق به. وأخرجه ابن ماجه (رقم 2031- كتاب الطلاق، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها) من طريق سليمان بن حيان، والحاكم في (المستدرك 2/208) من طريق يحيى بن سعيد كلهم عن سعد بن إسحاق بن كعب به. أما ما وقع عند مالك باسم (سعيد بن إسحاق فقد قال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى -أي راوي الموطأ- تابعه بعضهم وأكثر الرواة يقولون فيه: سعد بن إسحاق وهو الأشهر (التمهيد 21/27) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم. وقال ابن عبد البر: حديث مشهور معروف. (التمهيد 21/31) . وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ونقل عن الذهلي قوله: حديث صحيح محفوظ. ووافق الذهبي الحاكم على تصحيحه. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ح 2016) . قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا أيوب بن موسى قال: أخبرني حميد بن نافع، عن زينب ابنة أبي سلمة قالت: لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً". (الصحيح - الجنائز، ب إحداد المرأة على غير زوجها 3/146 ح 1280) وأخرجه مسلم في (صحيحه 2/1125 ح 1486) . قال مسلم: وحدثنا حسن بن الربيع، حدثنا ابن إدريس عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية، أن رسول الله قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث. إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً. ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب. ولا تكتحل ولا تمس طيباً. إلا إذا طهرت، نبذة من قسط أو أظفار". (صحيح مسلم 2/127 ح 141 ولعده - الطلاق، ب وجوب الإحداد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وقال: حدثنا محمد بن المثنى العنزي. حدثنا عبد الوهاب. قال: سمعت يحيى ابن سعيد. أخبرني سليمان بن يسار؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة. وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال. فقال ابن عباس: عدتها آخر الأجلين. وقال أبو سلمة: قد حلت. فجعلا يتنازعان ذلك. قال: فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (يعني أبا سلمة) فبعثوا كريباً (مولى ابن عباس) إلى أم سلمة يسألها عن ذلك؟ فجاءهم فأخبرهم؛ أن أم سلمة قالت: إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال. وإنها ذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأمرها أن تتزوج. (الصحيح- الطلاق، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل 2/1122 ح 1485) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه 8/623 ح 4909) . قال البخاري: حدثنا حبان. حدثنا عبد الله. أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمن ابن أبي ليلى، فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث، فقال عبد الرحمن: ولكن عمه كان لا يقول ذلك، فقلت: إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة. ورفع صوته. قال: ثم خرجت فلقيت مالك ابن عامر -أو مالك بن عوف- قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى. (البخاري 8/193 ح 4532، كتاب التفسير - سورة البقرة الآية 234) . قال البخاري: وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين استفتته. فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله ابن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 -وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدراً- فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي. تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب وسألناه فقال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمد بن إياس بن البكير -وكان أبوه شهد بدراً- أخبره. (البخاري 7/360 ح 3991- ك المغازي، وأخرجه موصولاً 9/469 ح 5319) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (2/1122 ك الطلاق، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل رقم 1484) . قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد. قالا: حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع؛ أنه سمع زينب بنت أبي سلمة تحدث عن أم سلمة وأم حبيبة. تذكران أن امرأة أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فذكرت له أن بنتاً لها توفي عنها زوجها. فاشتكت عينها فهي تريد أن تكحلها فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد كانت إحداكن ترمى بالبعرة عند رأس الحول. وإنما هي أربعة أشهر وعشر". (مسلم 2/1126 ح 1486 إلى 1488- ك الطلاق، ب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملا، فعدتها أن تضع ما في بطنها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) ، قال: الحلال الطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 قوله تعالى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) انظر الآية رقم (233) من السورة نفسها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعرض لها في عدتها، يقول لها: "إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك، ونحو هذا عن الكلام، فلا حرج". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (أو أكننتم في أنفسكم) ، قال: الإكنان: ذكر خطبتها في نفسه، لا يبديه لها. هذا كله حل معروف. قوله تعالى (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تقل لها: إني عاشق، وعاهديني ألا تتزوجي غيري ... ونحو هذا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (ولكن لا تواعدوهن سراً) قال: هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تنكح غيره، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه، وأحل الخطبة والقول بالمعروف، ونهى عن الفاحشة والخضع عن القول. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى (ولا تواعدوهن سراً) قال: هو الفاحشة. قوله تعالى (إلا أن تقولوا قولا معروفا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو قوله: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك. قوله تعالى (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (حتى يبلغ الكتاب أجله) قال: حتى تنقضي العدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قوله تعالى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المس: النكاح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) ، قال: ليس لها صداق إلا متاع بالمعروف. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الفريضة: الصداق. قوله تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا الرجل يتزوج المرأة، ولم يسم لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن ينكحها، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يمتعها على قدر عسره ويسره، فإن كان موسراً متعها بخادم أو شبه ذلك، وإن كان معسراً متعها بثلاثة أثواب ونحو ذلك. قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا في الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يمسها (والمس الجماع) فلها نصف صداقها ليس لها أكثر من ذلك. قوله تعالى (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هي المرأة الثيب أو البكر يزوجها غير أبيها، فجعل الله العفو إليهن، إن شئن عفون فتركن، وإن شئن أخذن نصف الصداق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 قوله تعالى (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وهو أبو الجارية البكر، جعل الله سبحانه العفو إليه، ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره. قوله تعالى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال إتمام الزوج الصداق، وترك المرأة الشطر. قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال: حدثنا شعبة قال: الوليد بن العيزار أخبرني قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثنا صاحب هذا الدار -وأشار أبي دار عبد الله- قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني. (الصحيح - مواقيت الصلاة، فضل الصلاة لوقتها 2/9 ح 527) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 1/89 ح 85) . قال مسلم: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد. ح قال وحدثني أبو الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري. قالا: حدثنا حماد عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر؛ قال: قال لي رسول الله: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ " قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل. فإنها لك نافلة". ولم يذكر خلف: عن وقتها. (صحيح مسلم 1/448 ح 648 - كتاب المساجد - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 قال الدارمي: أخبرنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد -هو ابن أبي أيوب- قال: حدثني كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة من النار يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" (السنن 2/301-302 - كتاب الرقاق - باب في المحافظة على الصلاة) وأخرجه أحمد في المسند (2/169) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 4/329 رقم 1467) من طرق عن عبد الله بن يزيد به. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد بإسناد جيد ... وذكره الهيثمي في (المجمع 1/192) وعزاه لأحمد والطبراني ثم قال: ورجال أحمد ثقات. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح. قال البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا روح حدثنا هشام عن محمد، عن عبيدة، عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال يوم الخندق: "ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس". (الصحيح - المغاري، ب غزوة الخندق 7/405 ح 4111، ومسلم في (صحيحه 1/437 ح 628) . وقال: حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله، ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله ما صليتها". فنزلنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطحان، فتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب. (الصحيح - المغازي، ب غزوة الخندق 7/405 ح 4112) . قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا يحيى بن آدم. حدثنا الفضيل بن مرزوق، عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب؛ قال: نزلت هذه الآية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) . فقرأناها ما شاء الله. ثم نسخها الله. فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) . فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 رجل كان جالساً عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر. فقال البراء: قد أخبرنك كيف نزلت وكيف نسخها الله. والله أعلم. (الصحيح- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر 1/438 ح 631) . وقال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. قال: قرأت على مالك، عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة؟ أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً. وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فلما بلغتها آذنتها. فأملت عليَّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) . قالت عائشة: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (مسلم 1/437-438 ح 629 - ك المساجد ومواضع الصلاة- ب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". (البخاري 2/37 - كتاب مواقيت الصلاة- باب إثم من فاتته العصر، ح 552) وأخرجه مسلم (1/435 - كتاب المساجد، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، ح200) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم؛ قال: كنا نتكلم في الصلاة. يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة. حتى نزلت: (وقوموا لله قانتين) . فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام. (مسلم 1/383 ح 539 - ك المساجد ومواضع الصلاة - ب تحريم الكلام في الصلاة) ، وأخرجه البخاري (8/198 ح 4534- ك التفسير، ب (وقوموا لله قانتين)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 قال مسلم: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، وأبو بكر بن أبي شيبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حجاج الصواف، عن يحيى ابن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إليَّ. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني. لكنِّي سكتُّ. فلما صلَّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعلماً منه. فوالله! ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني. قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" ... (مسلم 1/381-382 ح 537- كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (قانتين) : مطيعين. وينظر آية رقم (116) من السورة نفسها عند قوله تعالى (كل له قانتون) . قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك، عن نافع أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلى بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين. فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 8/199 ح 4553 - ك التفسير، ب سورة البقرة) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً) ، أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القتال على الخيل فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا، أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه. قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) أخرج البخاري: بسنده عن ابن الزبير: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً -إلى قوله- غير إخراج) قد نسختها الأخرى فلم تكتبها؟ قال: تدعها يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه. (الصحيح ح 4536 - التفسير - سورة البقرة، ب (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً)) . أخرج أبو داود بسنده عن ابن عباس قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية إلى الحول غير إخراج) فنسخ ذلك بآية الميراث، بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها؛ أربعة أشهر وعشراً. (وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود - الطلاق، ب نسخ متاع المتوفي عنها ح 2012) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال: فكان الرجل إذا مات وترك امرأته، اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله، ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها، وقال في ميراثها (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن) النساء 21. فبين الله ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 قوله تعالى (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حقاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) قال ابن كثير: وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مفوضة، أو مفروضاً لها أو مطلقة، قبل المسيس أو مدخولاً بها، وهو قول عن الشافعي، رحمه الله. وإليه ذهب سعيد بن جبير. وغيره من السلف، واختاره ابن جرير. ومن لم يوجبها مطلقاً يخصص من هذا العموم بمفهوم قوله (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين) . قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان، عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو الأسدي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال كانوا أربعة آلاف، خرجوا فراراً من الطاعون، قالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم: (موتوا) فماتوا، فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربهم أن يحييهم، فأحياهم، فذلك قوله عز وجل (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) الآية. ذكره ابن كثير، وسنده حسن. قوله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قال ابن كثير: وقوله (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي: كما أن الحذر لا يغني من القدر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً، ولا يباعده، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن، لا يزاد فيه ولا ينص منه، كما قال تعالى (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) وقال (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) . قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا قدر هذه الأضعاف الكثيرة، ولكنه بين في موضع آخر أنها تبلغ سبعمائة ضعف وتزيد عن ذلك. وذلك في قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) . انظر سورة الرعد آية (26) ، وانظر سورة الإسراء آية (30) . قوله تعالى (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) سلطانه. قوله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فيه سكينة: رحمة. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (فيه سكينة من ربكم) أي: وقار (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) قال: فالبقية عصا موسى والرضراض من الألواح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (تحمله الملائكة) قال: تحمله حتى تضعه في بيت طالوت. قوله تعالى (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (إن الله مبتليكم بنهر) قال: إن الله يبتلى خلقه بما يشاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلون يغترفون غرفة، فيجزئهم ذلك. قوله تعالى (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمنوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد. حدثنا زهير. حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء - رضي الله عنه - يقول: حدثني أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن شهد بدراً أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر: بضعة عشر وثلاثمائة. قال البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن. (الصحيح- ك المغازي، ب عدة أصحاب بدر 7/290 ح 3957) . قوله تعالى (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا شيئا مما علمه، وقد بين في مواضع أخر أن مما علمه صنعة الدروع كقوله (وعلمناه صنعة لبوس لكم ليحصنكم من بأسكم) الآية وقوله (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدّر في السرد) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) يقول: ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم ببعض (لفسدت الأرض) ، بهلاك أهلها. وقد بين الله تعالى فساد الأرض بقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثير) . كوله تعالى (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: يفهم من تأكيده هنا بإن واللام أن الكفار ينكرون رسالته كما تقرر في فن المعاني، وقد صرح بهذا المفهوم في قوله تعالى (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً) الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 قوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا) وقال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا الذي كلمه الله منهم وقد بين أن منهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بقوله (وكلم الله موسى تكليما) وقوله (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) قال: يقول: منهم من كلم الله، ورفع بعضهم على بعض درجات. يقول: كلم الله موسى، وأرسل محمداً إلى الناس كافة. وقال أيضاً: وقوله تعالى (ورفع بعضهم درجات) أشار في مواضع أخر إلى أن منهم محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) أو قوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) الآية. وقوله (إني رسول الله إليكم جميعاً) وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وأشار في مواضع أخر إلى أن منهم إبراهيم كقوله (واتخذ الله إبراهيم خليلا) وقوله (إني جاعلك للناس إماما) إلى غير ذلك من الآيات، وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود وهو قوله (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس وهو قوله (ورفعناه مكانا علياً) وأشار هنا إلى أن منهم عيسى بقوله (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) الآية. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس) قال: هو جبريل عليه السلام. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات) ، يقول: من بعد موسى وعيسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) انظر حديث أبي هريرة عند البخاري تحت الآية رقم (177) من سورة البقرة. وهو حديث: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) ، قد علم الله أن ناسا يتحابون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض. فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين. قوله تعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (القيوم) ، قال: القائم على كل شيء. وفي قوله تعالى (من ذا الذي يشفع إلا بإذنه) انظر سورة الإسراء آية (79) في بيان المقام المحمود، وفيه حديث البخاري عن أنس وفيه: "فانطلق حتى استأذن على ربي فيؤذن ... ثم أشفع ... ". أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: السنة: النعاس، والنوم هو النوم. (ولا يؤوده حفظهما) : لا يثقل عليه (وهو العلي العظيم) : الذي قد كمل في عظمته. وانظر سورة البقرة آية (31) حديث الشيخين عن أنس بن مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمس كلمات. فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار. وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور. (وفي رواية أبي بكر: النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". (صحيح مسلم 1/161-162 ح 179) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، ثنا أبو أحمد الزبيري عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن الكرسي موضع القدمين. (أخرجه وكيع في تفسيره كما صرح ابن كثير في التفسير من طريق سفيان به وأطول وأخرجه الحاكم من طريق سفيان به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/282) وذكره الهيثمي ونسبه إلى الطبراني وقال رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/326) . قال الضياء المقدسي: وأخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد أيضاً -بأصبهان- أن محمود بن إسماعيل أخبرهم -قراءة عليه وهو حاضر- أنا أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر بن الخطاب (- رضي الله عنه -) قال: أتت امرأة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظّم الرب ثم قال: "إن كرسيه وسع السماوات والأرض وإنه يقعد عليه ما يفضل منه مقدار أربع أصابع" ثم قال بأصابعه فجمعها "وإن له أطيط كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله". وقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق. (المختارة ح 153 وقال محققه: إسناده حسن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 قوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل: "أسلم". قال: إني أجدني كارهاً. قال: "وإن كنت كارهاً". (المسند 3/181) وإسناده ثلاثي صحيح، كما قال ابن كثير (التفسير 1/460) . قال أبو داود: حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، قال: ثنا أشعث بن عبد الله -يعني السجستاني- ح وثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، وهذا لفظه، ح وثنا الحسن بن علي، قال: ثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تكون مقلاتاً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوِّده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل (لا إكراه في الدين قد تبرأ الرشد من الغي) قال أبو داود: المقلات: التي لا يعيش لها ولد. (السنن 3/58 - كتاب الجهاد - باب في الأسير يكره على الإسلام) وأخرجه ابن حبان (الإحسان 1/352، ح 140) من طريق إبراهيم بن إسماعيل عن حسن بن علي به. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 2333) . والمرأة المقلاة: التي لا يعيش لها ولد. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله (لا إكراه في الدين) قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف، قال: ولا يكره اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي إذا أعطوا الجزية. انظر الآية رقم (186) من السورة نفسها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: الطاغوت الشيطان. قوله تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد. حدثنا أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن قيس بن عباد قال: كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فيهما، ثم خرج وتبعته فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك لم ذاك. رأيت رؤيا على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة -ذكر من سعتها وخضرتها- وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقبت حتى كنت في أعلاها، فأخذت في العروة، فقيل له استمسك. فاستيقظت وإنها لفي يدي. فقصصتها على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت". وذلك الرجل عبد الله بن سلام. (البخاري 7/161 ح 3813 - كتاب المناقب، ب مناقب عبد الله بن سلام) ، وأخرجه مسلم أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (بالعروة الوثقى) ، قال: الإيمان. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (لا انفصام لها) قال: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. قوله تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمنوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) يقول: من الضلالة إلى الهدى (والذين كفروا أوليائهم الطاغوت) ، الشيطان: (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) ، يقول: من الهدى إلى الضلالة. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) ، قال: هو نمروذ بن كنعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (لم يتسنه) : لم يتغير. قوله تعالى (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كيف نخرجها. قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال البخاري: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وسعيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) . ا. هـ. وعلى هذا فإن إبراهيم لم يشك وإنما أراد التأكد والاطمئنان. (البخاري 8/49 ح 4537 - كتاب التفسير - سورة البقرة - باب وإذ قال إبراهيم) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولكن ليطمئن قلبي) ، يقول: لأزداد يقيناً. قوله تعالى (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قطعهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك) قال: فمزقهن، قال: أمر أن يخلط الدماء بالدماء والريش بالريش، ثم يجعل على كل جبل منهن جزءاً. قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش. ح وحدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير، عن الأعمش. ح وحدثنا أبو سعيد الأشج (واللفظ له) حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل عمل ابن آدم يضاعف. الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف". (مسلم 2/807 ح 164 - الصيام، ب فضل الصيام) . قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري. قال: جاء رجل بناقة مخطومة. فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لك بها، يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة". (الصحيح 3/1505 ح 1892 - كتاب الإمارة - باب فضل الصدقة في سبيل الله) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب (واللفظ لأبى كريب) قالوا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن مزاحم بن زفر، عن مجاهد، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دينار أنفقته في سبيل الله. ودينار أنفقنه في رقبة. ودينار تصدقت به على مسكين. ودينار أنفقته على أهلك. أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك". (الصحيح 2/692 ح 995 - كتاب الزكاة - باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 قوله تعالى (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الغني: الذي كمل غناه. والحليم: الذي كمل في حلمه. وانظر الآية التالية مع حديث أحمد عن عبد الله بن عمرو. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة، وحجاج قال: حدثني شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن نبيط بن شريط -قال غندر: نبيط بن سميط، قال ححاج: نبيط بن شريط- عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق والديه، ولا مدمن خمر". (المسند رقم 6882) وأخرجه أيضاً من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابان به. وأخرجه من طرق أخرى كذلك ذكرها المحقق (المسند رقم 6537، 6892) وصححه المحقق بعد أن جمع طرقه وشواهده وخرجه تخريجاً وافياً كافياً نافعاً فلا داعي لتكراره) انظر هامش رقم 6537) . وقال محققو المسند صحيح لغيره (11/473 ح 6882) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) فقرأ حتى بلغ (على شيء مما كسبوا) ، فهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول: لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ، كما ترك هذا المطر الصفاة الحجر ليس عليه شيء، أنقى ما كان عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 قال الشيخ الشنقيطي: بين أن المراد بالذي الذين بقوله (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: صفوان: يعني الحجر. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ليس عليه شيء. قوله تعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أنفسهم كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وتثبيتا من أنفسهم) ، قال: ثقة من أنفسهم. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (كمثل جنة بربوة) قال: الربوة المكان الظاهر المستوى. أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فطل) قال: الطل: الندا. قوله تعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) قال البخاري بسنده عن عبيد بن عمير قال: قال عمر - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في ترون هذه الآية نزلت (أيود أحدكم أن تكون له جنة) ؟ قالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. (الصحيح ح 4538 - تفسير سورة البقرة، باب قوله (أيود أحدكم أن تكون له جنة)) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) ، كمثل المفرط في طاعة الله حتى يموت. قال، يقول: أيود أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنات تجري من تحتها الأنهار، (له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) ، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئاً، وولده صغار لا يغنون عنها شيئاً. وكذلك المفرط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (أيود أحدكم أن تكون له جنة) إلى قوله (فاحترقت) يقول: فذهبت جنته كأحوج ما كان إليها حين كبرت سنه وضعف عن الكسب (وله ذرية ضعفاء) لا ينفعونه. قال: وكان الحسن يقول (فاحترقت) فذهبت أحوج ما كان إليها فذلك قوله: أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوج ما كان إليه؟. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها. أخرج الطبري بسند صحيح قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري قال، قال مجاهد: (لعلكم تتفكرون) ، قال: تطيعون. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ... ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تصدقوا من أطيب أموالكم وأنفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، ثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن أبيه، عن الأشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد، عن ابن عباس قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون، فأنزل الله على نبيه (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) الآية إلى آخرها. (التفسير ح رقم 3172) . وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه، والضياء المقدسي أيضاً (الدر المنثور 1/345) . وهل الأثر إسناده حسن، وقد تكلم ابن منده وحده في جعفر بن أبي المغيرة، لكن وثقه الإمام أحمد، وابن شاهين، وقال الذهبي: كان صدوقاً. (انظر: ثقات ابن شاهين رقم 167، تهذيب التهذيب 2/108، الميزان 1/417) . وبقية رجال الإسناد. ما بين ثقة إمام، وصدوق، فيكون الإسناد حسناً كما تقدم تقريره. ويشهد له ما سيأتي عن البراء بن عازب. قوله تعالى (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قال الحاكم: أخبرنا محمد بن أحمد بن إسحاق الصفار العدل. ثنا أحمد بن محمد بن نصر. ثنا عمرو بن طلحة القناد. ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل (ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال: نزلت في الأنصار كانت الأنصار تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء البسر فيعلقونه على حد رأس اسطوانتين في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيأكل منه فقراء المهاجرين فيعمد أحدهم فيدخل قنو الحشف يظن أنه في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن فعل ذلك (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) يقول: لو أهدي لكم لم تقبلوه إلا على استحياء من صاحبه عطاء أنه بعث إليكم بما لم يكن له فيه حاجة واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم حميد. (هذا حديث غريب صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/285) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عمارة بن عمير، عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفأكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه". (السنن 3/288 - كتاب البيوع - باب في الرجل يأكل من مال ولده، ح 3528) وأخرجه الترمذي (كتاب الأحكام، ب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده ح 1358) ، والنسائي (7/241 - كتاب البيوع، ب الحث على الكسب) كلاهط من طريق عمارة بن عمير به. وأخرجه ابن ماجه (كتاب التجارات، ب الحث على الكسب ح 2137) من طريق إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة به. قال الترمذي: حديث حسن صحح. وصححه الألباني (صحيح الجامع 2/49) . قال النسائي: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب قال: حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدثه قال: حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال: هو الجعرور ولون حُبَيْق فنهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تؤخذ في الصدقة الرذالة. (السنن 5/43 - كتاب الزكاة - باب قوله عز وجل (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وأخرجه ابن خزيمة (4/39 - كتاب الزكاة - باب الزجر عن إخراج الحبوب والتمور الرديئة ح 2312) من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب به. وأخرجه الحاكم من طريق الزهري به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/284) قال الألباني: إسناده حسن صحيح. والجُعرور: نوع رديء من العمر (المصباح المنير 1/102) . والحُبيق: لون من الدْقل رديء (مختار الصحاح 205) . انظر حديث أبي هريرة المتقدم عند تفسير الآية (172) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولا تيمموا) ، لا تعمدوا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) ، قال: كانوا يتصدقون -يعني من النخل- بحشفه وشراره، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) يقول: لستم بآخدي هذا الرديء بسعر هدا الطيب، إلا أن يغمض لكم فيه. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوا بحساب الجيد حتى تنقصوه، قال فذلك قوله (إلا أن تغمضوا فيه) فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟ وهو قوله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران: 92. قوله تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) يقول مغفرة لفحشائكم وفضلاً لفقركم. قوله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) أخرج الشيخان بسنديهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها". (صحيح البخاري- العلم، ب الاغتباط في العلم والحكمة 1/165 ح 73) ، (وصحيح مسلم 1/558 ح 816 - ك صلاة المسافرين، ب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه) .. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابيه، ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (يؤتي الحكمة من يشاء) ، قال: يؤتي الإصابة من يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 قوله تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم. حدثنا مالك، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصه فلا يعصيه". (الصحيح 11/581 ح 6696 - ك الأيمان والنذور، ب النذر في طاعة) . قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد القطان قال: أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري، أخبرني عبيد الله بن زحر، أن أبا سعيد أخبره، أن عبد الله بن مالك أخبره، أن عقبة بن عامر أخبره، أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: "مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام". (السنن 3/233- ك الأيمان والنذر، ب من رأى عليه كفارة إذا كاد في معصية) وأخرجه الترمذي (كتاب الأيمان والنذور رقم 1544) عن سفيان، والنسائي (7/20 - ك الأيمان والنذور - ب إذا حلفت المرأة لتمشي) من طريق عمرو بن علي ومحمد بن المثنى، وأحمد في مسنده (4/143) عن هيثم، كلهم عن يحيى بن سعيد به. قال الترمذي: هذا حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح 2821) . قال مسلم: حدثني زهير بن حرب وعلي بن حجر السعدي -واللفظ لزهير- قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الملهب، عن عمران بن حصين ... فذكر حديثاً طويلاً فيه قصة المرأة التي نذرت أن تذبح ناقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن نجاها الله عليها، وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها: "سبحان الله -بئسما جزتها، نذرت لله إن نجاها عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد". (الصحيح 3/1262-1263 ح 1641 - ك النذر، ب لا وفاء لنذر في معصية الله ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) ، ويحصيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ... ) قال الإمام أحمد: ثنا علي بن إسحاق، أنا عبد الله بن مبارك، أنا حرملة بن عمران أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس -أو قال: يحكم بين الناس-" قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا. (المسند 4/147) وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير 4/170) وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4/94 ح 2431) ، وابن حبان (الإحسان 5/131-132 ح 3299) ، والحاكم في المستدرك (1/416) من طرق عن ابن مبارك به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي إلى أحمد والطبراني وأبي يعلى وقال: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 3/110) . وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/12 ح 6282) . قال أحمد: حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: "ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة". (المسند ح 4265) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 3/105) وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير 5/83) . أخرج الشيخان بسنديهما عن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تصدقوا، فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها". (البخاري 3/330 ح 1411 - كتاب الزكاة، ب الصدقة قبل الرد) ، (مسلم - كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة ح 1011) من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة به. قوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". (صحح البخاري - الأذان، باب من جلس في المسجد 2/143) ، (وصحيح مسلم 2/517 ح 1031 - الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فجعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة: علانيتها أفضل من سرها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفا وكذلك جميع الفرائض والنوافل. قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) قال النسائي: أنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، نا الفريابي، نا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسبائهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) . (التفسير 1/282 ح 72) . وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (رقم 3242) ، والطبراني في الكبير (12/54 ح 12453) ، والحاكم في المستدرك (2/285، 4/191) ، والبيهقي في سننه (4/191) -من طريق الحاكم في الموضع الأول-، كلهم من طرق عن سفيان، عن الأعمش. وهذا الإسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، من سفيان إلى آخره، وما دون سفيان: فالفريابي في إسناد النسائي هو محمد بن يوسف. ثقة فاضل، وشيخ النسائي: ثقة. ولهذا قال الحاكم -عقب إخراجه في الموضع الأول-: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورمز له الذهبي في التلخيص برمز البخاري ومسلم. وقد سقط من إسناد الحاكم الأول (الأعمش) وتابعه في ذلك البيهقي، لكنه أتى به تاماً -كرواية الجماعة- في الموضع الثاني. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد 6/324) في رواية البزار: ورجاله ثقات. وقال ابن حجر (مختصر زوائد البزار 2/75 ح 1450) : صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قوله تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ... ) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب فقرهم، ولكنه بين في سورة الحشر أن سبب فقرهم هو إخراج الكفار لهم من ديارهم وأموالهم بقوله (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) الآية. قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا المغيرة (يعني الحزامي) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس. فترده اللقمة واللقمتان. والتمرة والتمرتان". قالوا: فما المسكين؟ يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! قال: "الذي لا يجد غنى يغنيه. ولا يُفطن له، فيُتصدق عليه. ولا يسأل الناس شيئاً". (الصحيح - الزكاة، ب المسكين الذي لا يجد غنى 2/219 ح 103) وأخرجه البخاري في (الصحيح - التفسير، ب لا يسألون الناس إلحافاً) 8/202 ح 4539) . قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف" فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية قال هشام: خير من أربعين درهماً، فرجعت فلم أسأله شيئاً، زاد هشام في حديثه: وكانت الأوقية على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين درهماً. (السنن 2/116-117 ك الزكاة، ب من يعطي من الصدقة وحد الغنى) وأخرجه النسائي 5/98 (ك الزكاة، ب من الملحف) من طريق قتيبة عن ابن أبي الرجال به. وأخرجه ابن خزيمة (4/100- ك الزكاة، ب ذكر الغني تكون المسألة معه إلحافاًَ ح 2447) من طريق عبد الله بن يوسف عن ابن أبي الرجال به. قال الألباني: إسناده صحيح كما بينته في الصحيحة رقم (1719) . وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (ح 2448) ، وابن حبان كما في (الإحسان 5/165 ح 3381) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) ، مهاجري قريش بالمدينة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أمروا بالصدقة عليهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدو فلا يستطيعون تجارة. انظر الآية رقم (196) من السورة نفسها عند قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (تعرفهم بسيماهم) ، قال: من التخشع. قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) أخرج البخاري بسنده عن حمزة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم من رؤيا"؟ … ثم ذكر حديث الإسراء وفيه قول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فانطلقنا فأتينا على نهر -حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم- وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فليقمه حجراً ... وفي آخر الحديث قول جبريل عليه السلام: "وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه حمل الربا". (البخاري 12/457 ح 747 - كتاب التعبير - باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) ، يوم القيامة، لما أكل الربا في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (الذين يأكلون الربا لا يقومون) الآية، وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة، بعثوا وبهم خبل من الشيطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) قال الشيخ الشنقيطي: واعلم أن الله صرح بتحريم الربا بقوله (وحرم الربا) وصرح بأن المتعامل بالربا محارب الله بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) . وصرح بأن آكل الربا لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس بقوله (إن الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) والأحاديث في ذلك كثيرة جداً. أخرج مسلم بسنده عن أبي قلابة، قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار. فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا، أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس فقلت له: حَدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم. غزونا غزاة وعلى الناس معاوية. فغنمنا غنائم كثيرة. فكان، فيما غنمنا، آنية من فضة. فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك. فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء. عيناً بعين. فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فرد الناس ما أخذوا. فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه. فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة. ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كره معاوية (أو قال: وإن رغم) ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء. قال حماد: هذا أو نحوه. (مسلم 3/1210 ح 1587 - كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان؛ أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله (وهو عند عمر بن الخطاب) : أرنا ذهبك. ثم ائتنا، إذا جاء خادمنا، نعطك ورقك. فقال عمر بن الخطاب: كلا، والله! لتعطينه ورقه. أو لتردن إليه ذهبه. فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الورق بالذهب رباً إلا هاء وهاء. والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء. والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء. والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء". (مسلم 3/1209 ح 1586 - كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق) . أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم في المسجد، ثم حرم التجارة في الخمر. صحيح البخاري 4/313 و8/51 ك التفسير سورة البقرة) ، (وصحيح مسلم 3/1206 ح1580) . أخرج مسلم: عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز". (مسلم 3/1208 ح 1584 - كتاب المساقاة - ب الصرف وبيع الذهب بالورق) . قال البخاري: حدثنا أبو الوليد. حدثنا شعبة، عن عون بن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى عبداً حجاماً، فسألته، فقال: "نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور". (صحيح البخاري 4/314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قوله تعالى (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ... ) قال ابن ماجة: حدثنا العباس بن جعفر. ثنا عمرو بن عون. ثنا يحيى بن أبي زائد، عن إسرائيل، عن دكين بن الربيع بن عميلة، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة". (السنن - التجارات، ب التغليظ في الربا - 2279. قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 2/24) ، رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي مسعود أيضاً (المسند 1/395، 424) . والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي (المستدرك 2/37) (وحسنه ابن حجر (الفتح 4/315) . وقال الألباني: صحيح. (صحيح ابن ماجه 2/28) . قال ابن كثير: يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به بل يعدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة كما قال تعالى (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) وقال تعالى (ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم) وقال (وما أوتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله) الآية. قوله تعالى (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) الآية. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه تعالى يربي الصدقات وبين في موضع آخره أن هذا الإرباء مضاعفة الأجر، وأنه يشترط في ذلك إخلاص النية لوجه الله تعالى وهو قوله تعالى (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) . أخرج البخاري: بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل". (الصحيح 3/278 ح 1410 - ك الزكاة، ب الصدقة من كسب طيب لقوله تعالى (ويربي الصدقات ... )) . الفلو: المهر بعد الفطام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج أنبأنا شريك، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعن الله آكل الربا، وموكله وشاهديه، وكاتبه"، قال: وقال: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل". (المسند رقم 3809، وصححه المحقق. وذكره الهيثمي في المجمع (4/118) وقال: إسناده جيد. وصححه الألباني (صحيح الجامع 5/18) . وأخرجه مسلم مقتصراً على الشق الأول (الصحيح 3/1218 ح 1597 - ك المساقاة، باب لعن آكل الربا وموكله) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه. قوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) قال الترمذي: حدثنا الحسن بن علي الخلال. حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن شبيب بن غرقدة، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص. حدثنا أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: "أي يوم أحرم أي يوم أحرم أي يوم أحرم"؟ قال: فقال الناس يوم الحج الأكبر يا رسول الله، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده؛ ألا إن المسلم أخو المسلم، فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس ابن عبد المطلب فإنه موضوع كله، ألا وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وأول دم وضع من دماء الجاهلية دم الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بن ليث فقتلته هذيل. ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً؛ ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أنا تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". (السنن 5/273-274 ح 3087 - ك التفسير، ب سورة التوبة) ، وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود في سننه (3/244 - ك البيوع، ب في وضع الربا 3334، وأخرجه ابن ماجه في سننه (2/1015 - ك المناسك، ب خطبة يوم النحر 3055) ، كلاهما من حديث أبي الأحوص عن شبيب به. وصححه ابن عبد البر (الاستيعاب 2/516 حاشية الإصابة) . وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة، وأبي داود ح 2852) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تَظلِمون: فتربون. وتُظلَمون: فتنقصون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) ، والمال الذي لهم على ظهور الرجال، جعل لهم رؤوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا. قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أخرج البخاري بسنده أن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر. قال: فتجاوزوا عنه". (الصحيح 4/307 ح 2077 - البيوع، ب من أنظر موسراً) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 قال الحاكم: حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني وأبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي قالا ثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان بن عبد الوارث بن سعيد، ثنا محمد بن جحادة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أنظر معسراً فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله بكل يوم مثله صدقة". (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك 2/29) . وأخرجه الإمام أحمد من طريق محمد بن جحادة به. (المسند 5/360) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 4/135) . وصححه السيوطي (الجامع الصغير 6/90 ح 8539) ، وصححه الألباني في (الصحيحة ح 86) . أخرج مسلم بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت مرفوعاً: "من أنظر معسراً، أو وضع عنه، أظله الله في ظله". (الصحيح 4/2301-2302- ك الزهد والرقائق، ب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) يعني المطلوب. قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ … ) ساق الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر آية نزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آية الربا. (الصحيح ح 4544 - تفسير سورة البقرة، ب (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) ، وعلق الحاكم ابن حجر بقوله: وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه، وجاء عنه من وجه آخر: آخر آية نزلت على النبي (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... ) أخرجه الطبري من طرق عنه، وكذا أخرجه من طرق جماعة من التابعين وزاد عن ابن جريح قال: يقولون إنه مكث بعدها تسع ليال. ونحوه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وروى عن غيره أقل من ذلك وأكثر فقيل إحدى وعشرين، وقيل سبعاً، وطريق الجمع بين هذين القولين أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن. (الفتح 8/205) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) قال ابن كثير: فقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها وقد نبه على هذا في آخر الآية حيث قال (ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا) . قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كتابة الدين واجبة؛ لأن الأمر من الله يدل على الوجوب - ولكنه أشار إلى أنه أمر إرشاد لا إيجاب بقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) ؛ لأن الرهن لا يجب إجماعا وهو بدل من الكتابة عند تعذرها في الآية فلو كانت الكتابة واجبة لكان بدلها واجبا. وصرح بعدم الوجوب بقوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) . قوله تعالى (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) اتقى الله كاتب في كتابه، فلا يدعن منه حقاً، ولا يزيدن فيه باطلاً. قوله تعالى (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ) قال: واجب على الكاتب أن يكتب. قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) علم الله أن ستكون حقوق، فأخذ من بعضهم لبعض الثقة، فخذوا بثقة الله، فإنه أطوع لربكم وأدرك لأموالكم. ولعمري إن كان تقياً لا يزيده الكتاب إلا خيراً، وإن كان فاجراً فبالحرى أن يؤدي إذا علم أن عليه شهود. أخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها". (الصحيح 5/269 ح 2658 - الشهادات، ب شهادة النساء قوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)) . قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير. قالا: حدثنا زيد (وهو ابن حباب) . حدثني سيف بن سليمان. أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بيمين وشاهد". (الصحيح 3/1337 ح 1712 - ك الأقضية، ب القضاء باليمين والشاهد) . قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبد الله بن موسى، أبنا ابن جريح، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في شهادة الصبيان قال: قال الله عز وجل (ممن ترضون من الشهداء) قال: ليس الصبيان ممن يرضى. (المستدرك 4/99) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. قال مسلم: وحدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن ابن أبي عمرة الأنصاري، عن زيد بن خالد الجهني؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء! الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها". (الصحيح 3/1344 ح 1719 - كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 قوله تعالى (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني من احتيج إليه من المسلمين شهد على شهادة إن كانت عنده، ولا يحل له أن يأبى إذا ما دعى. قوله تعالى (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني، إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت! فيضاره بذلك، وهو مكتف بغيره، فنهاه الله عن ذلك وقال (وإن تفعلوا فإنه فسوق) . أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) قال: لا يضار كاتب، فيكتب ما لم يمل عليه، ولا شهيد، يقول: فيشهد بما لم يشهد عليه. قوله تعالى (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الفسوق: المعصية. قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) أخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عها قالت: "اشترى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاماً من يهودي بنسيئة، ورهنه درعاً له من حديد". (صحيح البخاري 5/142 ح 2509 - ك الرهن، ب من رهن درعه) . (وصحيح مسلم 3/1226 ح 1603 - ك المساقاة، ب الرهن وجوازه في السفر) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً) يقول: مداداً -يقرؤها كذلك- يقول: فإن لم تجدوا مداداً، فعند ذلك تكون الرهون المقبوضة (فرهن مقبوضة) ، لا يكون الرهن إلا في السفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 قوله تعالى (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) المائدة: 72. وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) . قوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإنها لم تنسخ، ولكن الله إذا جمع الخلاق يوم القيامة، يقول الله عز وجل إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي. فأما المؤمنين فيغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله (يحاسبكم به الله) يقول: يخبركم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه في أنفسهم من التكذيب وهو قوله (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) وهو قوله (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) البقرة 225. أي من الشك والنفاق. أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، قال: لما نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) قال: فاشتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 ذلك على أصحاب رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم بركوا على الركب. فقالوا أي رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق. الصلاة والصيام والجهاد والصدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (قال: نعم) (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) (قال: نعم) (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) (قال: نعم) (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (قال: نعم) . (صحيح مسلم 1/115-116 - ك الإيمان، ب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق) . أخرج البخاري بسنده عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال أحسبه ابن عمر- (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) قال: نسختها الآية التي بعدها. (الصحيح ح 4546 - ك التفسير - ب (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) ، وب (وإن تبدوا ما في أنفسكم) ح 45) . أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة يرفعه قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست -أو حدَّثت- به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم". (صحيح البخاري 11/549 ح 6664 - ك الأيمان والنذور، ب إذا حنث ناسياً في الأيمان) ، (وصحيح مسلم - ك الأيمان، ب تجاوز الله عن حديث النفس رقم 201) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "من هذه"؟ قلت: فلانة، لا تنام الليل -تذكر من صلاتها- فقال: "مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا". (الصحيح 3/36 ح 1151- ك التشهد، ب ما يكره من التشديد به في العبادة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقال (فاتقوا الله ما استطعتم) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت) أي: من خير (وعليها ما اكتسبت) أي: من شر - أو قال من سوء. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إصراً: عهداً. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: (لا تحمل علينا إصراً) قال: لا تحمل علينا عهداً وميثاقاً (كما حملته على الذين من قبلنا) يقول: كما غلظ على الذين من قبلنا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) تشديد يشدد به، كما شدد على ما كان قبلكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 سورة آل عمران فضلها: تقدم ذكره مقروناً بفضل سورة البقرة. قوله تعالى (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قال الترمذي: حدثنا علي بن خشرم. حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله ابن أبي زياد القداح، كذا قال عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وفاتحة آل عمران (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) . (السنن 5/517 ح 3478 - ك الدعوات، ب 65) وأخرجه أبو داود (السنن 2/80 ح 1496 - ك الصلاة، ب الدعاء عن مسدد) ، وابن ماجه (السنن 2/1267 ح 3855 - ك الدعاء، ب اسم الله الأعظم) عن أبي بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن عيسى بن يونس. وأخرجه أحمد (المسند 6/461) عن محمد بن بكر. والدارمي (السنن 2/450 - ك فضائل القرآن، ب فضل أول سورة البقرة..) عن أبي عاصم النبيل. وابن أبي حاتم (التفسير ح 4 - آل عمران/1) من طريق مكي بن إبراهيم، جميعهم عن عبيد الله بن أبي زياد به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقد ذكر الإمام أحمد أن شهراً روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حساناً (التهذيب 4/370) فلعل هذا الحديث منها. وقال الألباني: حسن. (صحيح الترمذي ح 2764) . وانظر الكلام عن الحروف المقطعة في بداية سورة البقرة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه (الحي القيوم) قال القائم على كل شيء. قوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (نزل عليك الكتاب بالحق) يقول: (القرآن) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه) يقول: القرآن (مصدقا لما بين يديه) من الكتب التي قد خلت من قبله. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (مصدقا لما بين يديه) قال: لما قبله من كتاب أو رسول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 قوله تعالى (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: ثنا عمران أبو العوام، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان". (المسند (4/107) ، أخرجه الطبراني (22/75 ح 185) ، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة آل عمران، الآية 3-4 ح 335، وسورة المائدة الآية 44، 46، 48 ح 68، 150، 164) من طريق عبد الله بن رجاء عن عمران به. وحسنه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير 3/57) . وقال الألباني: وهذا إسناده حسن ورجاله ثقات، وفي القطان -عمران أبي العوام- كلام يسير، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً نحوه. أخرجه ابن عساكر (2/167/1) و (5/352/1) من طريق علي ابن طلحة عنه ... (الصحيحة ح 1575) . وله شاهد آخر من حديث جابر عند ابن مردويه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس) هما كتابان أنزلهما الله، فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به وصدق به، وعمل بما فيه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (وأنزل الفرقان) هو القرآن، أنزله على محمد، وفرق به بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه، وحد فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه، وبين فيه بيانه وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته. قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) أي إن الله تعالى يعلم كل شيء وقد فصل ذلك في سورة الأنعام وبين أن كل شيء في كتاب مبين كما قال تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) ، قادر والله ربنا أن يصور عباده في الأرحام كيف يشاء، ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خلقه أو غير تام. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (العزيز) عزيز في نقمته إذا انتقم. (الحكيم) حكيم في أمره. قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيات مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) إلى قوله (أُولُو الْأَلْبَابِ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المحكمات: ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده وفرائضه وما يؤمن له ويعمل به (وأخر متشابهات) والمتشابهات: منسوخه، ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به. قال ومسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا يزيد بن إبراهيم التُستري، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (هو الذيَ أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أمّ الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب) ". قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله، فاحذروهم". (صحيح مسلم 4/2053 ح 2665- ك العلم، ب النهي عن اتباع متشابه القرآن) واللفظ له، (وصحيح البخاري 8/209 ح 4547- ك التفسير- سورة آل عمران) . قال البخاري: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال. حدثنا خالد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "اللهم علِّمه الكتاب". (الصحيح 1/169 ح 75) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (المحكمات) : الناسخ الذي يعمل به، ما أحل الله فيه حلاله وحرم فيه حرامه وأما (المتشابهات) : فالمنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن به. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (منه آيات محكمات) ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك فهو (متشابه) ، يصدق بعضه بعضاً وهو مثل قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) سورة البقرة 26، ومثل قوله (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) سورة الأنعام 125، ومثل قوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) سورة محمد 17. قوله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله) قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوماً يتدارؤون فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوا وما جهلتم فكلوه إلى عالمه". (المصنف 11/216-217 ح 20367) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 6741) عن عبد الرزاق به، وصححه محققه. وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح 2370) . يتدارؤون: درأ يدرأ درءاً إذا وقع. (النهاية لابن الأثير 2/109) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فأما الذين في قلوبهم زيغ) قال: من أهل الشك. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون فلبس الله عليهم. قال عبد بن حميد: ثنا يونس عن شيبان عن قتادة: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) قال: طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك. ويونس هو الأيلي وشيبان وقتادة تقدم ذكرهما في المقدمة وكلهم ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فيتبعون ما تشابه منه) ، يتبعون المنسوخ والناسخ فيقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مكان هذه الآية، فتركت الأولى وعمل بهذه الأخرى؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجىء الأولى التي نسخت؟ وما باله يعد العذاب من عمل عملا يعذبه في النار، وفي مكان آخر: من عمله فإنه لم يوجب النار؟. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ابتغاء الفتنة) قال: إرادة الشرك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ابتغاء الفتنة) قال: الشبهات بها أهلكوا. قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني تأويله يوم القيامة إلا الله. قال الطبري حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا خالد بن نزار عن نافع، عن ابن أبي ملكة، عن عائشة قوله: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله. وسنده حسن. قال الطبري حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن أبي الزناد قال، قال هشام بن عروة: كان أبي يقول في هذه الآية (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون (آمنا به كل من عند ربنا) . وسنده حسن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) قالوا: (كل من عند ربنا) آمنوا بمتشابهه، وعملوا بمحكمه. قوله تعالى (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر حدثنا أبو أسامة عن أبي حبان عن أبي زرعة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً بلحم، فقال: "إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر، تدنوا الشمس منهم -فذكر حديث الشفاعة- فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من الأرض اشفع لنا إلى ربك، فيقول- فذكر كذباته-: نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى". تابعه أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 6/455 ح 3361- ك الأنبياء، ب يزفون: النسلان في المشي) قوله تعالى (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة لهم سوء الدار) وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه كما قال تعالى (ولا تعجبك أمولهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) قال تعالى (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا ابن أبي مريم، أنبأ ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت: بينما نحن بمكة قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الليل فنادى: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت "ثلاثاً، فقام عمر بن الخطاب فقال: نعم، ثم أصبح، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليظهرن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الإسلام حتى يرد الكفر إلى موطنه، وليخوضن البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ثم يقولون: قد قرأنا القرآن، وعلمنا فمن هذا الذي هو خير منا، فهل في أولئك خير؟ "قالوا: يا رسول الله فمن أولئك؟ قال: أولئك منكم، فأولئك معهم (وأولئك هم وقود النار) . (التفسير: سورة آل عمران- آية 10، ح 152) . وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا ابن لهيعة، فإنه صدوق واختلط بعد احتراق كتبه، لكن تابعه على رواية هذا الحديث عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن الهاد به، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/250 ح 13019) ، وحسن إسناده المنذري في (الترغيب والترهيب) ، وحسنه الألباني (صحيح الترغيب 1/58 ح 133) . ولبعضه شاهد من حديث أنس عند البخاري (الصحيح 6/103 ح 2894، 2895) ، قال: حدثتني أم حرام ... أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة ... " فيكون هذا الحديث حسناً بهذه المتابعة، الشاهد) . وانظر سورة البقرة آية (24) لبيان وقود النار. قوله تعالى (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا من هؤلاء الذين من قبلهم وما ذنوبهم التي أخذهم الله بها. وبين مواضع أخر أن منهم قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وأن ذنوبهم التي أخذهم بها هي الكفر بالله وتكذيب الرسل وغير ذلك من المعاصي، كعقر ثمود للناقة وكلواط قوم لوط، كتطفيف قوم شعيب للمكيال والميزان، وغير ذلك كما جاء مفصلاً في آيات كثيرة كقوله في نوح وقومه (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم هود: (فأرسلنا عليهم الريح العقيم) الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم صالح: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم لوط: (فجعلنا عاليها سافلها) الآية، ونحوها من الآيات وكقوله في قوم شعيب: (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) ونحوها من الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم) ، ذكر الذين كفروا وأفعال تكذيبهم كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب. قوله تعالى (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وبئس المهاد) , قال: بئسما مهدوا لأنفسهم. قوله تعالى (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (قد كان لكم آية) ، عبرة وتفكر. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (قد كان لكم آية في فئتين) . قال: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، ومشركي قريش يوم بدر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين) ، ذلكم يوم بدر ألف المشركون أو قاربوا، وكان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) يقول لقد كان لهم في هؤلاء عبرة وتفكر، أيدهم الله ونصرهم على عدوهم. قوله تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ... ) انظر حديث الشيخين عن أبي هريرة مرفوعاً: "تنكح النساء لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها .... " في تفسير سورة البقرة آية 221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديها الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: القنطار اثنا عشر ألف درهم، وألف دينار. قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد ابن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: القنطار ألف ومئتا أوقية. وسنده حسن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة عن الحسن: أن القنطار اثنا عشر ألفاً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: كنا نحدث أن القنطار ألف رطل من ذهب، أو ثمانون ألفاً من الورق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: القنطار يكون مائة رطل، وهو ثمانية آلاف مثقال. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (القناطير المقنطرة) قال: القنطار سبعون ألف دينار. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (القناطير المقنطرة من الذهب والفضة) ، والمقنطرة المال الكثير بعضه على بعض. ولعل هذا الخلاف بسبب اختلاف البلدان، فلكل بلد له مكاييله وأوزانه كالحجاز والشام الكوفة والبصرة ومصر. قوله تعالى (والخيل المسومة) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: و (الخيل المسومة) : يعني المعلمة. قال الطبري حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا سفيان، قال عن حبيب عن سعيد بن جبير (الخيل المسومة) قال: الراعية، التي ترعى. ورجاله ثقات وسنده صحيح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد وفي قوله: (والخيل المسومة) قال: المطهمة حسناً. المطهم: البارع الجمال (القاموس مادة: ط هـ م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 قوله تعالى (والأنعام والحرث) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا كم يدخل تحت لفظ الأنعام من الأصناف، ولكنه قد بين في مواضع أخر أنها ثمانية أصناف هي: الجمل والناقة والثور والبقرة والكبش والنعجة والتيس والعنز كقوله تعالى (ومن الأنعام حمولة وفرشاً) ثم بين الأنعام بقوله (ثمانية أزواج من الضأن اثنين) يعنى الكبش والنعجة (من المعز اثنين) يعني التيس والعنز إلى قوله (من الأبل اثنين) يعني الجمل والناقة (ومن البقر اثنين) يعني: الثور والبقرة، وهذه الثمانية هي المرادة بقوله (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) وهي المشار إليها بقوله (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا) الآية. وانظر سورة البقرة آية (205) . قوله تعالى (والله عنده حسن المآب) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن السدي: (والله عنده حسن المآب) ، يقول: حسن المنقلب، وهي الجنة. قوله تعالى (وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد) قال البخاري: حدثنا معاذ بن أسدٍ، أخبرنا عبد الله، أخبرنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة يقولون لبيك وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خَلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضلَ من ذلك قالوا: يا رب، وأي شيء أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا". (الصحيح 11/423 ح 6549- ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار) , (وأخرجه مسلم 4/2176 ح 2829- ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبداً) . وانظر سورة البقرة آية (25) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 قوله تعالى (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) في هذه الآية والتي تليها بيان صفة العباد من أهل الجنة المذكورين في الآية السابقة. قوله تعالى (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين) ، (الصادقين) : قوم صدقت أفواههم استقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية (والصابرين) قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه (القانتين) هم المطيعين لله. وانظر سورة البقرة آية (116) . قوله تعالى (والمستغفرين بالأسحار) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغرِّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: مَن يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". (الصحيح 3/29- ح 1145- ك التهجد، الدعاء والصلاة من آخر الليل) . وأخرجه مسلم (الصحيح- صلاة المسافرين، الترغيب في الدعاء والذكر 1/521 ح 758) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (والمستغفرين بالأسحار) هم أهل الصلاة. قوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن السدي: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة) إلى (لا إله إلا هو العزيز الحكيم) ، قال: الله يشهد هو والملائكة والعلماء من الناس: أن الدين عند الله الإسلام. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (إن الدين عند الله الإسلام) والإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه،: بعث به رسله، ودل عليه أولياءه، لا يقبل غيره، ولا يجزي إلا به. قوله تعالى (وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ... ) انظر حديث أبي بكرة المتقدم عند الآية (217) من سورة البقرة، والآتي تحت الآية (2) من سورة المائدة. وفيه: "ألا هل بلغت؟ ". قوله تعالى (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) انظر حديث ابن مسعود المتقدم عند الآية (61) من سورة البقرة. قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه. فقالا: فإن إبراهيم كان يهودياً! قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فهلموا إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم! فأبيا عليه، فأنزل الله عز وجل: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) إلى قوله (وما كانوا يفترون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) أولئك أعداء الله اليهود، دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم وإلى نبيه ليحكم بينهم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ثم تولوا عنه وهم معرضون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 قوله تعالى (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) ، قالوا: لن تمسنا النار إلا تحلة القسم التي نصبنا فيها العجل، ثم ينقطع القسم والعذاب عنا قال الله عز وجل: (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) ، أي قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه) . انظر حديث البخاري عن أبي هريرة عند الآية (80) من سورة البقرة، وفيه سؤال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لليهود: من أهل النار؟ وقولهم: نكون فيها يسيرا … الحديث. قوله تعالى (تولج الليل في النهار تولج النهار في الليل) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله تعالى (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) وقال: ما ينقص من أحدهما في الآخر، يعتقبان أو يتعاقبان. قوله تعالى (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) قال: الناس الأحياء من النطف والنطف ميته، ويخرجها من الناس الأحياء، والأنعام. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة عن الحسن في قوله: (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) ، يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والمؤمن عبد حي الفؤاد، والكافر عبد ميت الفؤاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف، ويخالفوهم في الدين، وذلك في قوله (إلا أن تتقوا منهم تقاة) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (ومن يفعل ذلك) قال: ومن يفعل هذا فهو مشرك. وبه عن السدي: (فليس من الله في شيء) فقد برئ الله منه. قوله تعالى (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير) أخرج ابن حاتم بسنده الحسن عن السدي قال: أخبرهم أنه يعلم ما أسروا من ذلك وما أعلنوا، فقال: (إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) . قال الإمام أحمد: ثنا أبو العلاء الحسن بن سوار ثنا ليث عن معاوية عن أيوب ابن زياد حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني. قال: يا بني إنك لا تطعم طعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قال قلت: يا أبتاه فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره قال: تعلم ما أخطأك لم يكن يصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك يا بني إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول. إن أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم. ثم قال: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يا بني: إن متّ ولست على ذلك دخلت النار. (المسند 5/317) ، وأخرجه أبو داود من طريق أبي حفصة عن عبادة بنحوه. وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود ح 3933) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 قوله تعالى (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً) يقول: موفراً. قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) قال البخاري: حدثنا عبدان أخبرنا أبي عن شعبة عن عمرو بن مُرّة عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: أنتَ مع من أحببت". (الصحيح 10/557 ح 6171- ك الأدب, علامة الحب في الله) . قوله تعالى (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي، قالا: ثنا سفيان، عن أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ألفيّن أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو ُنهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه". (السنن 4/200 ح 4605- ك السنة، ب في لزوم السنة) ، (وأخرجه الترمذي 5/37 ح 2663- ك العلم، ب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتيبة) . وابن ماجة (السنن 1/6-7 ح 13- المقدمة، ب تعظيم حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... ) عن نصر بن علي الجهضمي. والحاكم (المستدرك 1/108) من طريق الشافعي والحميدي، كلهم عن سفيان بن عيينة به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال البغوي: حديث حسن (شرح السنة 1/200) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن ابن ماجة ح 13) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإن تولوا) يعني الكفار تولوا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) قال الإمام أحمد: ثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال حدثني النضر بن شميل المازني قال حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو هنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: أصبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فصلى الغداة ثم جلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الآخرة ثم قام إلى أهله فقال الناس لأبي بكر لا تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شأنه صنع اليوم شيئاً لم يصنعه قط قال: فسأله فقال: "نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا وأمر الآخرة فجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد ففظع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم عليه السلام والعرق يكاد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عز وجل اشفع لنا إلى ربك قال لقد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم إلى نوح (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) قال: فينطلقون إلى نوح عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائه ... فذكر الحديث بطوله. (المسند 1/4) . وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير- آل عمران- آية 33 ح 390) عن أحمد بن منصور المروزي عن النضر بن شميل. قال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند ح 15) . وأخرجه ابن حبان من طريق النضر بن شميل به (الإحسان 8/134-136 ح 6442) . وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجالهم ثقات (مجمع الزوائد 10/375) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران: آل ياسين وآل محمد يقول الله عز وجل (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 قوله تعالى (ذرية بعضها من بعض) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ذرية بعضها من بعض) يقول: في النية والعمل والإخلاص والتوحيد له. قوله تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) الآية كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها، وكانوا إنما يحررون الذكور، وكان المحرر إذا حرر جعل الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها. قوله تعالى (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) المرأة لا تستطيع أن يصنع بها ذلك يعني أن تحرر للكنيسة، فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى، فعند ذلك قالت (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) . قوله تعالى (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يَمسّه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها". ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) . (الصحيح 8/60 ح 4548- ك التفسير، سورة آل عمران) . (وأخرجه مسلم 4/1838 ح 2366- ك الفضائل، ب فضائل عيسى عليه السلام) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قوله تعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) قال حُدثنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) قال: سهمهم بقلمه. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) يقول: ضمها إليه. قوله تعالى (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: في قوله (وجد عندها رزقاً) قال: عنبا وجده زكريا عند مريم يا غير زمانه. قوله تعالى (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) يقول: مباركة. قوله تعالى (فنادته الملائكة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فنادته الملائكة) وهو جبريل. قوله تعالى (إن الله يبشرك بيحيى مصدقاً يكلمة من الله) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (أن الله يبشرك بيحيى) قال: عبد أحياه الله بالإيمان. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (مصدقاً بكلمة من الله) يقول: مصدقاً بعيسى بن مريم، وعلى سنته ومنهاجه. قوله تعالى (وسيداً وحصوراً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وسيداً) إي والله، لسيد في العبادة والحلم والعلم والورع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وسيداً) قال: السيد: الكريم على الله. وبه عن مجاهد الحصور: الذي لا يقرب النساء. قوله تعالى (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا القدر الذي بلغ من الكبر، ولكنه بين في سورة مريم أنه بلغ من الكبر عتيا. وذلك في قوله تعالى عنه (وقد بلغت من الكبر عتيا) والعتى: اليبس والقحول في المفاصل والعظام من شدة الكبر. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (قال رب أنى يكون لي غلام) يقول: من أين. قوله تعالى (قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) قال: إيماؤه بشفتيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إِلَّا رَمْزًا) إلا إيماء. وانظر لبيان قصة زكريا سورة مريم الآيات (2-11) وسورة الأنبياء (89-90) . قوله تعالى (وسبح بالعشي والإبكار) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وسبح بالعشي والإبكار) قال: الإبكار أول الفجر، والعشي ميل الشمس حتى تغيب. قوله تعالى (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) انظر قصة مريم سورة مريم الآيات (16-29) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (إن الله اصطفاك وطهرك) قال: جعلك طيبة إيماناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قال البخاري: حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام قال: أخبرني أبي قال: سمعت عبد الله بن جعفر قال: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خيرُ نسائها مريم ابنة عمران، وخيرُ نسائها خديجة". (الصحيح 6/470 ح 3432- ك أحاديث الآنبياء، ب (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك ... ) ، (وأخرجه مسلم 4/1886 ح 2430- ك فضائل الصحابة، ب فضائل خديجة) . قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت مرّة الهمداني يُحدِّث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون". (الصحيح 6/471-472 ح 3433- ك أحاديث الأنبياء، ب قوله تعالى (إذ قالت الملائكة يا مريم) إلى قوله (فإنما يقول له كن فيكون)) . قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حسبك من نساء العالمين: مريم ابنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون". (المصنف 11/430 ح 20919) ، وأخرجه أيضاً في التفسير (1/128 ح 403) بالإسناد نفسه. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه: الترمذي في جامعه (5/703 ح 3878- ك المناقب، ب فضل خديجة رضي الله عنها) ، وأحمد في مسنده (3/135) ، وأبو يعلى كذلك في مسنده (5/380 ح 3039) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/71 ح 6964) والطبراني في الكبير (22/402 ح 1003) ، والحاكم في المستدرك 3/157) . قال الترمذي: حديث صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري 6/471) . وأدخله البغوي في قسم الحسن من "مصابيحه" (انظر المشكاة 3/1745 ح 6181) . وصححه الشيخ الألباني (صحيح الجامع 3143 وصحيح الترمذي رقم 3053) . وقد روي عن أنس بلفظ: "خير نساء العالمين ... "، أخرجه كذلك ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني 5/364 ح 2961) ، والطبراني في الكبير (22/402 ح 1004) ، وابن مردويه في تفسيره -كما في تفسير ابن كثير 1/362) - ثلاثتهم من طريق أبي جعفر الرازي، عن ثابت، عن أنس به. ويشهد له حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعاً: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة" أخرجه البخاري (6/470 ح 3432 الفتح) ومسلم (4/1886 ح 2430) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 قوله تعالى (يا مريم اقنتي لربك) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يا مريم اقنتى لربك) قال: أطيلي الركوع، يعني القنوت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (اقنتي لربك) أطيعي ربك. وانظر سورة البقرة آية (116) . قوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وما كنت لديهم) يعني محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (يلقون أقلامهم) زكريا وأصحابه، استهموا بأقلامهم على مريم حين دخلت عليهم. قوله تعالى (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذه الكلمة التي أطلقت على عيسى لأنها هي سبب في وجوده من إطلاق السبب وإرادة مسببه، ولكنه بين في موضع آخر أنها لفظة كن وذلك في قوله (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (بكلمة منه) قال: قوله كن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ومن المقربين) يقول: من المقربين عند الله يوم القيامة. قوله تعالى (ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما كلمهم به في المهد. ولكنه بينه في سورة مريم بقوله (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى. وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريَه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرّضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت مِن جريج، فأَتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبُّوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: مَن أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرّ رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه"، -قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمُص إصبعه- "ثم مرّ بأمة فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، هذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل". (صحيح البخاري 6/549 ح 3436- ك أحاديث الأنبياء، قول الله (واذكر في الكتاب مريم ... )) . (صحيح مسلم 4/1976-1977 بعد رقم 2550- ك البر والصلة، ب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين) يقول: يكلمهم صغيراً وكبيراً. قوله تعالى (قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) الآية قال الشيخ الشنقيطي: أشار في هذه الآية إلى قصة حملها بعيسى وبسطها مبينة في سورة مريم بقوله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا) . إلى آخر القصة وبين النفخ فيها في سورة التحريم والأنبياء، معبراً في التحريم بالنفخ في فرجها، وفي الأنبياء بالنفخ فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 قوله تعالى (ويعلمه الكتاب والحكمة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ويعلمه الكتاب والحكمة) قال: الحكمة: السنة. قوله تعالى (وأبرئ الأكمه والأبرص) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وأبرئ الأكمه) قال: الأكمه: الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل، فهو يتكمه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: الأكمه: الأعمى. قوله تعالى (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) قال: بما أكلتم البارحة، وما خبأتم منه عيسى ابن مريم يقوله. قوله تعالى (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى، وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والشروب، وأشياء من الطير: الحيتان. قوله تعالى (وجئتكم بآية من ربكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وجئتكم بآية من ربكم) قال ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها، وما أعطاه ربه. قوله تعالى (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) انظر سورة الفاتحة الصراط المستقيم: الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 قوله تعالى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) الآية. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا الحكمة في ذكر قصة الحواريين مع عيسى ولكنه بين في سورة الصف أن حكمة ذكر قصتهم هي أن تتأسى بهم أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نصرة الله ودينه، ذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله) الآية. قوله تعالى (قال الحواريون نحن أنصار الله) قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز -هو ابن أبي سلمة- عن محمد بن المنكدر عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لكل نبي حواريا، وإن حواريَّ الزبير بن العوام". (الصحيح 7/99 ح 3719- ك فضائل الصحابة، ب مناقب الزبير بن العوام) . وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/1879 ح 2415- ك فضائل الصحابة ب من فضائل طلحة والزبير) من طريق ابن عيينة، عن ابن المنكدر به. قوله تعالى (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا مكر اليهود بعيسى ولا مكر الله باليهود، ولكنه بين في موضع آخر أن مكرهم به محاولتهم قتله، وذلك في قوله (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) وبين أن مكره بهم إلقاؤه الشبه على غير عيسى وإنجاؤه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذلك قوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله (وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه) الآية. قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إني متوفيك) يقول: إني مميتك. قوله تعالى (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) انظر حديث البخاري ومسلم عن معاوية المتقدم عند الآية (120) من سورة البقرة، والآتي عند الآية (181) من سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته، فلا يزالون طاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة. قوله تعالى (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وعملوا الصالحات) يقول: أدوا فرائضي. قوله تعالى (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الذكر: القرآن. الحكيم: الذي قد كمل في حكمته. قوله تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) وقد بين الله تعالى قصة خلق عيسى عليه السلام في سورة مريم آية 16-36. قوله تعالى (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) يعني: فلا تكن في شك من عيسى أنه كمثل آدم، عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروحه. قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين) قال البخاري: حدثنا عباس بن الحسين، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صِلة بن زُفر، عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُريدان أن يُلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فوالله لئن كان نبياً فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدِنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعث معنا ألا أميناً. فقال: "لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين". فاستشرف له أصحابُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا أمينُ هذه الأمة". (الصحيح 7/695 ح 4380- ك المغازي، ب قصة أهل نجران) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك فضائل الصحابة، ب فضل أبي عبيدة بن الجراح- ح 2420 من حديث حذيفة) . قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد (وتقاربا في اللفظ) قالا: حدثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلن أسُبّه. لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم. سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول له، خَلفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌ: يا رسول الله! خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنه لا نبوة بعدي". وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويُحبه الله ورسوله" قال فتطاولنا لها فقال: "ادعوا لي عليّا". فأتى به أرمد. فبصق في عينه ودفع الراية إليه. ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءكم) دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: "اللهم! هؤلاء أهلي". (الصحيح 4/1871 ح 32- ك فضائل الصحابه، ب من فضائل علي - رضي الله عنه -) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) أي في عيسى: أنه عبد الله ورسوله، من كلمة الله وروحه (فقل تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءكم) إلى قوله: (على الكاذبين) . قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا. ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق والإسناد حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 قوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر ح. وحدثني عبد الله ابن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال حدثني ابن عباس قال: حدثني أبو سفيان من فيه إلى في قال: انطلقت في المدّة التي كانت بيني وبين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: قال: فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هرقل ... فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم. تسلَم، وأسلمْ يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله -إلى قوله- اشهدوا بأنا مسلمون) فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عندَه، وكثر اللَّغط، وأمر بنا فأُخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملكُ بني الأصفر. فما زلت موقناً بأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام. قال الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له، فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وإن يثبتَ لكم ملككم؟ قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت. فقال: عليَّ لهم. فدعا بهم فقال: إني إنما اختبرتُ شدتَّكم على دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحببتُ، فسجدوا له ورضوا عنه". (الصحيح 8/62-63 ح 4553- ك التفسير، سورة آل عمران) . انظر حديث الحاكم عن ابن عباس المتقدم تحت الآية رقم (136) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) عدل بيننا وبينكم (ألا نعبد إلا الله) الآية. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: كلمة السواء لا إله إلا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما وجه محاجتهم في إبراهيم، ولكنه بين في موضع آخر أن محاجتهم في إبراهيم هي قول اليهود: إنه يهودي، والنصارى إنه نصراني وذلك في قوله (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله) وأشار إلى ذلك هنا بقوله (والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا) الآية. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا! وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا! فأنزل الله عز وجل فيهم (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) : قالت النصارى: كان نصرانيا! وقالت اليهود كان يهوديا فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل ما أنزل إلا من بعده، وبعده كانت اليهودية والنصرانية. قوله تعالى (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم) يقول: فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) فيما لم تشاهدوا ولم تروا ولم تعاينوا (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) . قوله تعالى (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مُسلماً وما كان من المشركين) يفسرها قول ابن عباس السابق. وانظر سورة البقرة آية (135) لبيان كلمة حنيفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 كقوله تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى عن مسروق، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لكل نبي وُلاة من النبيين وإن وليِّى أبي وخليل ربي" ثم قرأ (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) . وقال الترمذي: حدثنا محمود، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثِله، ولم يقل فيه عن مسروق. قال أبو عيسى: هذا أصح من حديث أبي الضحى عن مسروق، وأبو الضحى اسمه مسلم بن صبيح. حدثنا أبو كريب. حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو حديث أبي نعيم وليس فيه عن مسروق) . سنن الترمذي 5/223- 224 ح 2995- ك تفسير القرآن، ب من سورة آل عمران) . وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه الطبري (التفسير 6/498) ، والحاكم (المستدرك 2/292-553) كلاهما من طريق الثوري به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال أحمد شاكر في تعليقه على رواية الطبري: إسناد صحيح متصل) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول الله سبحانه (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) وهم المؤمنون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) يقول: الذين اتبعوه على ملته وسنته ومنهاجه وفطرته (وهذا النبي) وهو نبي الله محمد (والذين آمنوا) معه وهم المؤمنون الذين صدقوا نبي الله واتبعوه. كان محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين معه من المؤمنين، أولى الناس بإبراهيم. قوله تعالى (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون) بيان هذه الطائفة ورد في الآية (72-73) من السورة نفسها. قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) يقول: تشهدون أن نعت محمد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابكم، ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدى بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعوا عن دينهم! فأنزل الله عز وجل فيهم: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) إلى قوله (والله واسع عليم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) يقول: لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره، الإسلام، ولا يجزى إلا به. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) كتموا شأن محمد، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم المعروف وينهاهم عن المنكر. قوله تعالى (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا الذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره) فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضى بدينهم أول النهار، واكفروا آخره، فإنه أجدر أن يصدقوكم، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار) يهود تقوله. صلت مع محمد صلاة الصبح وكفروا آخر النهار، مكرا منهم، ليُروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (لعلهم يرجعون) يقول: لعلهم يدعون دينهم، ويرجعون إلى الذي أتم عليه. قوله تعالى (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) هذا قول بعضهم لبعض. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم، وإرادة أن يُتبعوا على دينهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) يقول: لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم، وبعث نبيا مثل نبيكم، حسدتموهم على ذلك (قل إن الفضل بيد الله) الآية. قوله تعالى (يختص برحمته من يشاء) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يختص برحمته من يشاء) قال: النبوة، يخص بها من يشاء. قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) قال البخاري: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يُسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشهداء أُشهدهم، فقال كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً. قال: صدقتَ، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجَّله فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجّج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: "اللهْم إنك تعلم أني كنتُ تسلْفتُ فلاناً ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك. وسألني شهيداً فقلت: كفى بالله شهيداً، فرضى بذلك. وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإنى أستودعكَهَا. فرمى بها في البحر حتىَ ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلمّا نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدِم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زِلتُ جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدتُ مركباً قبل الذي أتيتُ فيه. قال: هل كنت بعثتَ إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنى لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه. قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشداً". (الصحيح 4/548-549 ح 2291- ك الكفالة, ب الكفالة في القرض والديون ... وكذا وقع عند البخاري هنا معلقاً، وقد جاء في موضع آخر موصولاً في رواية أبي ذر، ولم يذكر لفظه وإنما ذكر طرفاً منه فقط (الصحيح 4/350 ح 2063- ك البيوع، ب التجارة في البحر) قال: حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث،.. به. وأخرجه أحمد (المسند 2/348-349) عن يونس بن محمد عن الليث به. وتقدم تفسير القنطار في الآية (14) من هذه السورة. وانظر الآية (14) من هذه السورة لبيان القنطار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إلا ما دمت عليه قائما) إلا ما طلبته واتبعته. قوله تعالى (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) الآية قالت اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل. قوله تعالى (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: اتقى الشرك، (فإن الله يحب المتقين) . المتقين: الذين يتقون الشرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 قوله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط. ورجل أقام سِلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيتُ بها كذا وكذا، فصدّقه رجل". ثم قرأ هذه الآية (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً) . (الصحيح 5/34- ح 2358- ك المساقاة، ب إثم من منع ابن السبيل من الماء) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/103 ح 108- الإيمان، ب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار) . قال البخاري: حدثني إسحاق أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوّام، حدثني إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي، سمع عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما يقول: أقام رجل سِلعته فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يُعطها. فنزلت: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً) قال ابن أبي أوفى: "الناجش آكل رباً خائن". (الصحيح 5/286 ح 2675- الشهادات، باب قوله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله)) . قال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حلف يمين صبرٍ ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) إلى آخر الآية. قال: فدخل الأشعث بن قيس وقال: ما يحدثك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 أبو عبد الرحمن؟ قلنا كذا وكذا، قال: فيَّ أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بيِّنتك أو يمينه". فقلت: إذا يحلف يا رسول الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان". (الصحيح 8/60- 61 ك التفسير، ب سورة آل عمران- الآية. ح4549، 4550) ، وأخرجه مسلم (1/122-123ح 1338- ك الإيمان، ب وعد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار) . قوله تعالى (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب) قال: يحرفونه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب) حتى بلغ: (وهم يعلمون) وهم أعداء الله اليهود، حرفوا كتاب الله، وابتدعوا فيه وزعموا أنه من عند الله. قوله تعالى (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانييِن بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك، كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعونا! أو كما قال، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني أو كما قال. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة) الآية إلى قوله (بعد إذ أنتم مسلمون) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله) يقول: ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، يأمر عباده أن يتخذوه رباً من دون الله. قوله تعالى (كونوا ربانيين) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (كونوا ربانيين) قال: فقهاء. علماء. حكماء. قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب) الآية: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم -فيما بلغهم رسلهم- أن يؤمنوا بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويصدقوه وينصروه. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم -يعني أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه -يعني بتصديق محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم. فقال: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) إلى آخر الآية. قوله تعالى (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على من أراد دينا سوى دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي له أسلم من في السموات والأرض أي استسلم له من فيهما طوعا وكرها كما قال تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) الآية، وقال تعالى (أو لم يروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (أفغير دين الله يبغون) الآية، فأما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم كرها حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) قال: كل آدمي قد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده، فهذا الإسلام لو استقام عليه فلما تكلم بهذا صارت حجة عليه، ثم أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها، ومنهم من شهد أن الله ربي وأنا عبده ثم أخلص له العبودية فهذا الذي أسلم طوعا. قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان عن منصور عن مجاهد: (وله أسلم من في السموات والأرض) قال: هو كقوله: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) سورة الزمر: 38. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: عبادتهم لي أجمعين طوعا وكرها وهو قوله (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (طوعا وكرها) قال: سجود المؤمن طائعا، وسجود الكافر وهو كاره. قوله تعالى (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ... ) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (136) من سورة البقرة. وفي الآية نفسها بيان الأسباط عن أبي العالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 قوله تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر) إلى قوله (ولا هم يحزنون) فأنزل الله عز وجل بعد هذا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . قوله تعالى (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) انظر سورة البقرة آية رقم (159-161) . قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يزيد -وهو ابن زريع- قال: أنبأنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم تندم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن فلانا قد ندم وإنه أمرنا أن نسألك هل له من توبة، فنزلت (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم … ) إلى قوله (غفور رحيم) فأرسل إليه فأسلم. (السنن 7/107 ك تحريم الدم، ب توبة المرتد) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/329 ح 4477) من طريق بشر بن معاذ العقدي عن يزيد به. قال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/142) من طريق حفص بن غياث عن داود بن أبي هند به، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي. قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) قال: هم أهل الكتاب كانوا يجدون محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابهم، ويستفتحون به فكفروا بعد إيمانهم. وسنده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 قوله تعالى (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) أولئك أعداء الله اليهود، كفروا بالإنجيل وبعيسى، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والفرقان. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (لن تقبل توبتهم) قال: تابوا من بعض، ولم يتوبوا من الأصل. قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ح. وحدثني محمد بن معمر, حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "يُجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد كنتَ سُئلت ما هو أيسر من ذلك". (الصحيح 11/408 ح 6538- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب) . وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2160 ح 2805- ك صفات المنافقين، ب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهباً) . قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب. فلما أنزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وقام أبو طلحة فقال يا رسول الله، إن الله يقول (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وأن أحب أموالي إليَّ بيرحاء. وأنها صدقة لله أرجو برّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَخٍ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح. وقد سمعت ما قلتَ وإني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أرى، أن تجعلها في الأقربين". قال، أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. قال عبد الله بن يوسف ورَوح بن عُبادة" ذلك مال رابح". حدثني يحيى بن يحيى قال قرأتُ على مالك: "مال رابح". (الصحيح 8/71 ح 4554- ك التفسير، سورة آل عمران) , (ومسلم 3/293 ح 1461- ك الزكاة، ب الزكاة على الأقارب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) يقول: لن تنالوا بر ربكم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوون من أموالكم. قوله تعالى (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوارة فاتلوها إن كنتم صادقين) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو نعيم، عن عبد الله ابن الوليد -وكان يكون في بني عِجل- عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: "ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله"، فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر، قالوا: صدقت. فأخبرنا عما حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: اشتكى عِرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها، قالوا: صدقت. (السنن 5/294 ح 3117- ك التفسير، ب ومن سورة الرعد) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 2483) من طريق عبد الله بن الوليد به. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2492) . وأخرجه أحمد (المسند ح 2471) ، والطبري (التفسير ح 1605، 7420) ، والطبراني (المعجم الكبير 12/246 ح 13012) من طرق عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس به. قال الهيثمي - بعد أن عزاه لأحمد والطبراني: رجالهما ثقات (مجمع الزوائد 8/242) . وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 قال البخاري: حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أبو ضمرة حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برُجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: "كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ ". قالوا: نحمِّمهما ونضربهما. فقال: "لا تجدون في التوراة الرجم؟ " فقالوا: لا نجدُ فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضَعَ مِدراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفّه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم فقال؟ ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد، قال: فرأيت صاحبها يجنَأُ عليها، يقيها الحجارة. (صحيح البخاري 8/72 ح 4556- ك التفسير- سورة آل عمران) ، ومسلم (3/1326 ح 1699- ك الحدود، ب رجم العهود وأهل الذمة في الزنى) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) وإسرائيل، هو يعقوب (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) يقول: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، فلما أنزل الله التوراة حرم عليهم فيها ما شاء وأحل لهم ما شاء. قوله تعالى (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) انظر سورة البقرة آية (135) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين يعني: ابن حفص، ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو قال عن أبي جبريل بإبراهيم صلى الله عليهما، فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا من منى إلى عرفة، فصلى به الصلاتين: الظهر والعصر ثم وقف له حتى غابت الشمس ثم دفع حتى أتى المزدلفة، فنزل بها، فبات وصلى، ثم صلى كأعجل ما يصلي أحد من المسلمين، ثم وقف به كأبطأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع منه إلى منى، فرمى وذبح، ثم أوحى الله تعالى إلى محمد أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. (التفسير- آل عمران/آية 95- ح 961) . وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير بأسانيد، وقال: رجال بعضها رجال الصحيح (مجمع الزوائد 3/251) . ورجاله ثقات إلا الحسين بن حفص محله الصدق، فالإسناد حسن. قوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ... ) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم التيمى، عن أبيه عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال قلتُ: يا رسول الله أي مسجد وُضِعَ أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أيِّ؟ قال: "ثم المسجد الأقصى" قلتُ كم كان بينهما؟ قال: "أربعون"، ثم قال: "حيثما أدركتكَ الصلاة فصل والأرض لك مسجد". (الصحيح 6/458 ح 3425- ك أحاديث الأنبياء، قوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان)) . قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عاصم بن عمر، عن علي بن أبي طالب قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى إذا كنا بحرَّة السقيا التي كانت لسعد ابن أبي وقاص، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ائتوني بِوضوء، فتوضأ ثم قام فاستقبل القبلة، ثم قال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعا لأهل مكة بالبركة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مُدِّهم وصاعهم مِثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين". (السنن 5/718 ح 3914- ك المناقب، ب في فضل المدينة ح 3914) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/105-106 ح 2090- ك الوضوء، ب استحباب الوضوء للدعاء ... ) من حديث شعيب بن الليث عن سعيد بن أبي سعيد به، قال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/61 ح 3746) من طريق ابن خزيمة به. قال محققه: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 2/164-166ح 543 و544) من طرق عن الليث، قال محققه في الموضعين: إسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 قال الضياء المقدسي: قُرئ على أبي أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي -ونحن نسمع- أخبركم أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي -قراءةً عليه وأنت تسمع- أنا أحمد بن محمد بن الخليلي، أنا علي بن أحمد الخزاعي، أنا الهيثم بن كليب الشاشي، ثنا إسماعيل القاضي، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، قال: لما قتل عثمان، ذَعرَني ذعراً شديداً، وكان سَلُّ السيف فينا عظيماً، فجلستُ في بيتي، وكانت لي حاجة في السوق لثياب اشتريتها، فخرجت فإذا أنا بنفر في ظلٍ جلوسٍ، نحوٍ من أربعين رجلاً، وإذا سلسلة معلّقة معروضة على الباب، فقلت: لأدخلن فلأنظرن. قال: فذهبتُ لأدخل، فمنعني البواب، فقالوا: دع الرجل. فدخلتُ، فإذا أشراف الناس، وإذا وسادة معروضة، فجلست، فجاء رجلٌ جميل عليه حُلّة ليس عليه قميص ولا عمامة، فإذا هو على - رضي الله عنه - ثم جلس، فلم ينكر من القوم غيري. فقال: سَلوني، ولا تسألوني إلا عما ينفع ويضر. فقال رجل: ما قلتَ حتى أحببتَ أن تقول، أنا أسألك. فقال: سلْ، ولا تسأل إلا عما ينفع أو يضر. فقال: ما (الذاريات ذَروا فالحاملات وقْراً. فالجاريات يُسراً. فالمقَسمات أمراً) قال: الملائكة. (الذاريات 1-4) . ثم قال: أخبرني عن ما أسألك. فقال: سل، ولا تسأل إلا عما ينفع أو يضر. فقال: ما (السقْف المرفوع) قال: السماء. قال: فما (العاصفات عصفاً) قال: الرياح. قال: فما (الجوار الكُنس) ؟ قال: الكواكب. قال: فما (البيت المعمور) ؟ قال: قال علي لأصحابه ما تقولون؟ قالوا: نقول: هو البيت الحرام. قال: بل هو بيت في السماء يقال له: الصراح، حِيال هذا البيت، حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه، ثم تلا هذه الآية: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) . ثم قال: أما إنه ليس بأول بيت كان، قد كان نوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 قبله وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله وفي البيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة، (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) ثم حدث أن إبراهيم -عليه السلام- لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعاً فلم يَدْرِ كيف يبنيه، فأرسل الله السكينة، وهي ريح خجوج لها رأس، فتطوقت له بالحج، فكان يبني عليها كل يوماً سافاً، ومكة شديدة الحر، فلما بلغ الحَجَرَ، قال لإسماعيل: اذهب فالتمس لي حجراً أضعه. فذهب يطوف في الجبال، فجاء جبريل بالحجر فوضعه، فجاء إسماعيل فقال: من أين هذا؟ قال: جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك، فوضعه، فلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم انهدم، فبنتْه العمالقة، ثم انهدم فبنته جُرْهُم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحَجَر تنازعوا في وضعه. قالوا: أول من يخرج من هذا الباب يضعه، فخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، ووضع الحجر في وسط الثوب، وأمر من كل فخذٍ رجلاً أن يأخذ ناحية الثوب، فأخذوه فرفعوه، فأخذه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضعه. فقام رجل آخر فقال: أخبرني عن هذه الآية: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما) حتى ختم الآية؟ قال: عن مثل هذا فَسَلوا، هذا العلم، هو الرجل تكون له امرأتان، إحداهما قد عجزت وهي دميمة، فيصالحها أن يأتيها كل يوم، أو ثلاثة، أو أربع. فقام إليه رجل آخر فسأله عن هذه الآية: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) (النساء 128) . فأقيمت الصلاة فقام. روى قتيبة عن أبي عوانة، عن سماك، عن خالد بن عرعرة قال: سمعت علياً وسأله رجل عن: (الذاريات ذَروا) و (الحاملات وقراً) و (المقسمات) . (المختارة 2/60 ح 438) . وحسنه المحقق وهو كما قال، وأخرجه الحاكم من طريق خالد بن عرعرة به منحصراً على الآية المذكورة وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/292-293) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: "بكة" بك الناس بعضهم بعضا، الرجال والنساء، يصلى بعضهم بين يدي بعض، لا يصح ذلك إلا بمكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 قوله تعالى (فِيهِ آيات بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ومجاهد: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) قال: مقام إبراهيم، من الآيات البينات. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فيه آيات بينات) قال: قدماه في المقام آية بينة. يقول: (ومن دخله كان آمنا) قال: هذا شيء آخر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ومن دخله كان آمنا) وهذا كان في الجاهلية، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه، ثم لجأ إلى حرم الله، لم يتناول ولم يطلب. فأما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله، من سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد، ومن قتل فيه قتل. وعن قتادة: أن الحسن كان يقول: إن الحرم لا يمنع من حدود الله. لو أصاب حداً في غير الحرم، فلجأ إلى الحرم، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد. قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخاً كبيراً لا يثبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم" وذلك في حجة الوداع. (الصحيح 3/378 ح 1513- ك الحج, ب وجوب الحج وفضله) . وانظر حديث البخاري تحت الآية رقم (126) من سورة البقرة. قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة المعنى، قالا: ثنا يزيد ابن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي سنان، عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: "بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال عبد الجليل بن حميد وسليمان ابن كثير جميعاً عن الزهري، وقال عقيل: عن سنان. (السنن 2/139 ح 1721- ك المناسك، ب فرض الحج) ، وأخرجه النسائي (5/111- ك المناسك، ب وجوب الحج) ، وابن ماجه (ك المناسك، ب فرض الحج رقم 2886) ، والحاكم في المستدرك (1/441 و470- ك المناسك) من طرق عن الزهري به. قال الحاكم: إسناده صحيح، وأبو سنان هذا هو الدؤلي ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وعند بعضهم بدون اسم السائل. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ح 1514) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به. قوله تعالى (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) صرح في هذه الآية إنه غني عن خلقه وإن كفر من كفر منهم لا يضره شيئاً، وبين هذا المعنى) في مواضع متعددة، كقوله عن نبيه موسى (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغنى حميد) وقوله (إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) وقوله (فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد) وقوله (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني) إلى غير ذلك من الآيات، فالله تبارك وتعالى يأمر الخلق وينهاهم، لا لأنه تضره معصيتهم وتنفعه طاعتهم، بل نفع طاعتهم لهم وضرر معصيتهم عليهم، كما قال تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) وقال (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من كفر بالحج فلم ير حجه برا، ولا تركه مأثما. قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن المهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (ومن كفر) قال: من كفر بالله واليوم الآخر. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون) بيانها في الآية التي تليها. قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) يقول: لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله، من آمن بالله، وأنتم شهداء فيما تقرأون من كتاب الله: أن محمدا رسول الله، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزى إلا به، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) قال ابن كثير: يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم من إرسال رسوله كما قال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم) الآية، وهكذا قال هاهنا: (إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) ثم قال تعالى (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه، فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم، وهذا كقوله تعالى: (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين) الآية بعدها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) قال: علمان بينان: نبي الله وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام، وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأمنوهم على دينكم ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال. كيف تأتمنون قوما كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتحيروا في دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله هم أهل التهمة والعداوة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسين بن السكن، ثنا أبو زيد النحوي، أنبأ قيسْ ابن الربيع، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت بين الأوس والخزرج حرب في الجاهلية، فبينما هم يوماً جلوس إذ ذكروا ما بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فنزلت: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) الآية كلها. (التفسير- آل عمران آية (1, 1) ح69, 1) . وأخرجه الطبري (التفسير 7/63 ح 7535) عن أبي كريب عن الحسن بن عطية عن قيس به. وأخرجه البخاري (التاريخ الكبير 9/76) من طريق إبراهيم ابن نصر عن الأشجعي عن سفيان الثوري عن الأغر به. والحديث بهذه المتابعات حسن (انظر تفسير ابن أبي حاتم - الوضع المذكور أعلاه) . قوله تعالى (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عمرو بن رافع، ثنا سليمان يعني: ابن عامر عن الربيع بن أنس في قوله: (ومن يعتصم بالله) والاعتصام هو: الثقة بالله. وسنده حسن. وانظر حديث النواس بن سمعان المتقدم عند الآية (6) من سورة الفاتحة. قوله تعالى (يا أيها الدين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يحيى بن زكرياء، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم ألا وهو يحسن بالله الظن". (الصحيح 4 /2205 ح 2877- ك الجنة وصفة نعيمها، ب الأمر بحسن الظن بالله ... ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا أبو داود. أخبرنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ هذه الآية (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه". (السنن 4/706-707- ك صفة الجنة، ب ما جاء في صفة شراب أهل النار ح 2585، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه (ابن ماجة- ك الزهد، ب صفة النار ح 4325) ، وأحمد في (المسند 1/300-301) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/511 ح 7470) والحاكم في المستدرك (2/294) من طرق عن شعبة به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- (اتقوا الله حق تقاته) قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح موقوف. وأخرجه الحاكم من طريق مسعر عن زبيد به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/294) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (اتقوا الله حق تقاته) أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا يأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله، بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنها لم تنسخ، ولكن (حق تقاته) أن يجاهد في الله حق جهاده، ثم ذكر تأويله الذيَ ذكرناه عنه آنفا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا أنتم مسلمون) ثم أنزل التخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال (فاتقوا الله ما استطعتم) فجاءت هذه الآية، فيها تخفيف وعافية ويسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 قوله تعالى ( ... واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثاً. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال. وإضاعة المال". (صحيح مسلم 3/1340 ح 1715- ك الأقضية، ب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة) . قال الترمذي: حدثنا علي بن المنذر كوفي. حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي. أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما". (السنن 5/663 ح 3788) ، أخرجه أحمد (المسند 3/14، 17، 26، 59) من طرق عن عطية به. قال الترمذي: حسن غريب. وقال الألباني صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 2980) . والحديث له شاهد من رواية زيد بن ثابت أخرجه أحمد (5/182) ، وذكر الحديث الهيثمي ونسبه إلى أحمد ثم قال: إسناده جيد (مجمع الزوائد 9/162, 163) وصححه الألباني (صحيح الجامع 2/317) . وانظر حديث ابن ماجة عن أنس الآتي عند الآية (105) من السورة نفسها. قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله: (واعتصموا بحبل الله) ، قال: حبل الله، القرآن. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج بن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً) ، يقول اعتصموا بالإخلاص لله وحده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولا تفرقوا واذكروا نعمه الله عليكم) إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة، وقدم إليكم فيها، حذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضى الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) لم يبين هنا ما بلغته معاداتهم من الشدة، ولكنه بين في موضع آخر أن معاداتهم بلغت من الشدة أمرا عظيماً حتى لو أنفق ما في الأرض كله لإزالتها وللتأليف بين قلوبهم لم يفد شيئاً، وذلك في قوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . وانظر حديث البخاري عن عبد الله بن زيد بن عاصم الآتي عند الآية (63) من سورة الأنفال. قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا جرير (يعني ابن حازم) : حدثنا غيلان بن جرير، عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت رايةٍ عُميةٍ، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية. ومن خرج على أمتي، يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه". (الصحيح 3/1476-1477 ح 1848- ك الإمارة، ب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ... ) . قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا عاصم (وهو ابن محمد بن زيد) عن زيد بن محمد، عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية. فقال: اطرحوا لأبى عبد الرحمن وِسادةً. فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوله، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 "من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة، لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية". (الصحيح 3/1478 ح 1851- ك الإمارة، وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نعمت الله) . عافية الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) ، كنتم تذابحون يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم، وألف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو إن الألفة لرحمة، إن الفرقة لعذاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يقول كنتم على طرف النار، من مات منكم أوبق في النار، فبعث الله محُمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستنقذكم به من تلك الحفرة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (وكنتم على شفا حفرة من النار لأنقذكم منها) أنقذكم الله من الشرك إلى الإَّيمان. قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم". (السنن 4/468 ح 2169- ك الفتن، ب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، وقال الألباني: وأخرجه أحمد في مسنده (5/388) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو به وانظر (صحيح سنن الترمذي ح 1762) وله شاهد أخرجه الطبراني بسنده عن ابن مسعود (المعجم الكبير 10/180 ح 10267) ، وله شواهد ذكرها الهيثمي (مجمع الزوائد 7/266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كل آية يذكرها الله في القرآن، فذكر الأمر بالمعروف، فالأمر بالمعروف أنهم دعوا إلى الله وحده وعبادته لا شريك له دعاء من الشرك إلى الإسلام. وبه عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها الله في القرآن، فذكر النهى عن المنكر، النهي عن عبادة الأوثان والشيطان. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولتكن منكم أمة يقول ليكن منكم قوم يعني: واحد أو اثنين أو ثلاثة نفر فما فوق ذلك. (أمة) يقول: إماماً يقتدي به كما قال لإبراهيم كان أمة قانتا يقول: إماماً مطيعاً لربه يقتدي به. قوله: (يدعون إلى الخير) قال: إلى الإسلام. قوله (يأمرون بالمعروف) يأمرون بطاعة ربهم. قوله (ينهون عن المنكر) وينهون عن معصيته يعني: معصية ربهم. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، كلاهما عن قيس ابن مسلم، عن طارق بن شهاب -وهذا حديث أبي بكر- قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنا لك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". (الصحيح 1/69 ح 49- ك الإيمان، ب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس (وأولئك هم المفلحون) أي: الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين فرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار. ثنا الوليد بن مسلم. ثنا أبو عمرو. ثنا قتادة عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة. وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة. كلها في النار إلا واحدة. وهي الجماعة". (السنن ح 3993- ك الفتن، ب افتراق الأمم) ، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس أيضاً ورواه أبو يعلى الموصلي (مصباح الزجاجة 2/296) . وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 2/364) ، وصححه أحمد شاكر في المسند (16/169) وأشار إلى تصحيح السيوطي له، وأخرجه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/128) وذكره ابن كثير في (2/76) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) ونحوها هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولا تكونوا) يعنى للمؤمنين يقول: لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد موسى فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتفرقوا من بعد كفعل اليهود. قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتسود وجوه) بين في هذه الآية الكريمة أن من أسباب اسوداد الوجوه يوم القيامة الكفر بعد الإيمان وذلك في قوله (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) الآية. وبين في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكذب على الله تعالى وهو قوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) . وبين في موضع آخر أن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 أسباب ذلك اكتساب السيئات وهو قوله (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً) وبين في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكفر والفجور وهو قوله تعالى: (ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) . قال الترمذي: حدثنا أبو كريب. حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح وحماد بن سلمة عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رءُوساً منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) إلى آخر الآية قلتُ لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً -حتى عدّ سبعاً- ما حدثتكموه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وأبو غالب يقال اسمه حزور وأبو أمامة الباهلي اسمه صدي بن عجلان وهو سيد باهلة. (سنن الترمذي 5/226 ح 3000- ك التفسير، ب ك سورة آل عمران) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 6/234) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبى (المستدرك 2/149-150) ، وذكره ابن كثير وقال: وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي (التفسير 1/346) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الجيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال: صاروا يوم القيامة فريقين، فقال لمن اسود وجهه، وعيّرهم: (أكفرتم بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتم تكفرون) قال: هو الإيمان الذي كان قبل الاختلاف في زمن آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم وأقروا كلهم بالعبودية وفطرهم على الإسلام، فكانوا أمة واحدة مسلمين. يقول: (أكفرتم بعد إيمانكم) يقول: بعد ذلك الذي كان في زمان آدم. وقال في الآخرين: الذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدين والعمل، فبيض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنته. واللفظ للطبري وقد رجحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز ابن حكيم، عن أبيه، عن جده أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: "إنكم تُتِمُّون سبعين أمة أنتم خيرُها وأكرمها على الله". هذا حديث حسن. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز بن حكيم نحو هذا ولم يذكروا فيه (كنتم خير أمة أخرجت للناس) . (سنن الترمذي 5/266 ح 3001) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه الحاكم (4/84) من طريق عبد الرزاق عن معمر به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال ابن حجر: وهذا حديث حسن صحيح (الفتح 8/73) . وقال ابن كثير. حديث مشهور (التفسير 2/78 ط الشعب) ، ويشهد له حديث أحمد عن علي بن أبي طالب كما سيأتي عند هذه الآية. قال أحمد: حدثنا حسين وأبو نعيم قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) قال: هم الذين هاجروا مع محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة قال أبو نعيم: مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (المسند رقم 2463) وأخرجه أيضاً برقم (2989، 2928، 3321) من طرق عن إسرائيل به، وصححه أحمد شاكر. وأخرجه الحاكم (2/294) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وجَوّد الحافظ ابن حجر إسناد روايتي أحمد والحاكم (فتح الباري 8/225) وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/327) . قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن حدثنا زهير عن عبد الله -يعني ابن محمد بن عقيل- عن محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء" فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، جعلت أمتي خير الأمم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 (المسند رقم 763) وصححه المحقق. وقال ابن كثير: إسناده حسن التفسير (2/78) وحسّنه الهيثمي أيضاً (مجمع الزوائد 1/260) ، وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/225) ، وكذا السيوطي (الدر المنثور 2/294) . قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني؛ قال. صدرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "والذي نفس محمد بيده! ما من عبد يؤمن ثم يُسَدد إلا سُلِك به في الجنة. وأرجو ألاّ يدخلوها حتى تبوَّؤُا أنتم ومَن صَلَحَ من ذراريِّكم، مَسَاكنَ في الجنة. ولقد وعدني ربي، عز وجل، أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب". (السنن 4/1432-1433 ح 4285- ك الزهد، ب صفة أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة رقم 475) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/444 ح 212) من طرق عن الأوزاعي به. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني والبزار وقال: ورجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/408) ، وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم 3458) ، وقال الأرناؤوط في تعليقه على الإحسان: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أحمد من حديث ثوبان بنحوه، وصححه ابن كثير في (التفسير 2/79) . وله شاهد في صحيح مسلم من حديث ابن عباس (الصحيح 1/199 ح 220) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تأمرونهم بالمعروف: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بما أنزل الله، وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف وتنهونهم عن المنكر والمنكر هو التكذيب، وهو أنكر المنكر. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس) . قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ذم الله أكثر الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 قوله تعالى (لن يضروكم إلا أذى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لن يضروكم إلا أذى) يقول: لن يضروكم، إلا أذى تسمعونه منهم. قوله تعالى (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إلا بحبل من الله) قال: بعهد (وحبل من الناس) قال: بعهدهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (وضربت عليهم المسكنة) قال: المسكنة: الفاقة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك من قبلكم من الناس. قوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يُكْفَرُوهُ والله عليم بالمتقين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من اليهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه، قالت أحبار اليهود وأهل الكفار منهم: ما آمن بمحمد ولاتبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 عز وجل في ذلك من قولهم (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله) إلى قوله: (وأولئك من الصالحين) . واللفظ للطبري. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) . ذكر هنا من صفات هذه الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب أنها قائمة. أي: مستقيمة على الحق وأنها تتلو آيات الله آناء الليل وتصلي وتؤمن بالله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وذكر في موضع آخر أنها تتلوا الكتاب حق تلاوته وتؤمن بالله. وهو قوله (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) . ذكر في موضع آخر أنهم يؤمنون بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليهم وأنهم خاشعون لله لا يشترون بآياته ثمنا قليلا وهو قوله (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) الآية. يقول: ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (أمة قائمة) قال: عادلة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (أمة قائمة) يقول: قائمة على كتَاب الله وحدوده وفرائضه. قال النسائي: أنا محمد بن رافع، نا أبو النضر، نا أبو معاوية، عن عاصم، عن زرّ، عن ابن مسعود قال: أخّر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: "أما إنه ليس من هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: وأنزلت هذه الآية (ليسوا سواء من أهل الكتاب) حتى بلغ (والله عليم بالمتقين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 (التفسير 1/320-321 ح 93 عند تفسير هذه الآية من آل عمران) . وأخرجه أحمد (المسند 1/396) ، والطبري (التفسير رقم 7662) ، وابن أبي حاتم (التفسير- آل عمران، ح 1226) ، والبزار (كشف الأستار ح 375) ، وابن حبان (الإحسان 4/397-398 ح 1530) . من طرق عن عاصم عن زر به. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود، وهو مختلف في الاحتجاج به (مجمع الزاوئد 1/312) . وحسَّن السيوطي إسناده (الدر المنثور 2/65) وكذا فعل محقق الإحسان، وتفسير النسائي. وصححه محقق المسند، ولعله إلى الحسن أقرب لأجل عاصم هذا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يتلون آيات الله آناء الليل) أي: ساعات الليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) يقول: لن يضل عنهم. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال (المتقين) أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه. قوله تعالى (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) انظر آية (10) من السورة نفسها. قوله تعالى (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأَهلكتهُ وما ظَلمَهُم الله ولكن أنفسهم يظلمون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) قال: نفقة الكافر في الدنيا. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ريح فيها صر) برد. وانظر سورة البقرة آية (205 و264) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ... ) قال البخاري: حدثنا أصبغ، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضُّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى". (الصحيح 13/201 ح 7198- ك الأحكام، ب بطانة الإمام ... ) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباس قال: كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل فيهم ينهاهم عن مباطنتهم، تخوفوا الفتنة عليهم منهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) إلى قوله (وتؤمنون بالكتاب كله) . قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، حدثني أيوب بن محمد الوزان، ثنا عيسى بن يونس، عن أبي حيان التيمي، عن أبي الزنباع، عن أبي دهقانة، قال: قيل لعمر ابن الخطاب إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة حافظاً كاتباً، فلو اتخذته كاتباً، قال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين. ورجاله ثقات تقدم ذكرهم في تفسير ابن أبي حاتم وإسناده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (لا يألونكم خبالا) يقول: يضلونكم كما ضلوا فنهاهم أن يستدخلوا المنافقين دون المؤمنين أو يتخذوهم أولياء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) في المنافقين من أهل المدينة. نهى الله عز وجل المؤمنين أن يتولوهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 قوله تعالى (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد بدت البغضاء من أفواههم) يقول: قد بدت البغضاء من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار، من غشهم للإسلام وأهله، وبغضهم إياهم. وبه عن قتادة: قوله (ما تخفى صدورهم أكبر) يقول: وما تخفي صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم. قوله تعالى (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله) فوالله إن المؤمن ليحب المنافق يأوي له ويرحمه. ولو أن المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن منه، لأباد خضراءه. قوله تعالى (وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) ، إذا لقوا المؤمنين قالوا: (آمنا) ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم، فصانعوهم فذلك (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) ، يقول: مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه لو يجدون ريحا لكانوا على المؤمنين، فهم كما نعت الله عز وجل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الأنامل) ، أطراف الأصابع. قوله تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) ، وإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرهم ذلك وأعجبوا: ابتهجوا به فهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته، وأوطأ محلته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقى إلى يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 قوله تعالى (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: "فينا نزلت (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) قال: نحن الطائفتان: بنو حارثة، وبنو سلمة. وما نحب -وقال سفيان مرة: وما يسرّني- أنها لم تنزل، لقول الله: (والله وليهما) . (الصحيح 8/73 ح 4558- ك التفسير، سورة آل عمران) ، ومسلم في (صحيحه 4/1949- ك فضائل الصحابة، ب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم) . قوله تعالى (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) انظر الآية (15) من السورة نفسها. قوله تعالى (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض، وليس عياض هذا بالذي حدث سماكا، قال وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة قال: فكتبنا إليه، إنه قد جاش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا أنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإنى أدلكم على من هو أعز نصرا وأحضر جندا الله عز وجل فاستنصروه، فإن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني. فقال شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقران وهو خلفه على فرس عربي. (المسند رقم 344) وصححه أحمد شاكر ومحققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي (1/422 ح 344) وذكره ابن كثير في تفسيره وعزاه لابن حبان والضياء. وقال: وهذا إسناد صحيح (التفسير 2/93) . وأخرجه ابن حبان في طريق محمد بن جعفر به وحسنه شعيب الأرناؤوط (11/83-84 ح 4766) . وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/213) . العقيصة: الشعر المعقوص وهو نحو في المضفور، وأصل العقص: اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله. (النهاية لابن الأثير 3/275) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وانظر حديث البراء في صحيح البخاري عند الآية (247) سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من فورهم هذا) ، يقول: من وجههم هذا. قوله تعالى (ويأتوكم من فورهم هذا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ويأتوكم من فورهم هذا) قال: غضب لهم، يعني الكفار، فلم يقاتلوهم عند تلك الساعة، وذلك يوم أحد. قوله تعالى (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد في قوله: (بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) ، يقول: معلمين، مجزوزة أذناب خيلهم، ونواصيها - فيها الصوف أو العهن. وذلك التسويم. قوله تعالى (وما جعله الله إلا بشرى لكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وما جعله الله إلا بشرى لكم) يقول: إنما جعلهم ليستبشروا بهم وليطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ يعني يوم أحد قال مجاهد: ولم يقاتلوا معهم يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر. قوله تعالى (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أو يكبتهم) ، يقول: يخزيهم (فينقلبوا خائبين) . قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كسِرت رباعيتة يوم أحد. وشُجَّ في رأسه. فجعل يسلت الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجّوا نبيهم وكَسَروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟ " فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الأمر شيء) . (الصحيح 13/1417 ح 1791- ك الجهاد والسير، ب غزوة أحد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابنُ شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعوَ لأحد قَنَتَ بعد الركوع فربّما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف. يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العَن فلاناً وفلاناً" -لأحياء من العرب- حتى أنزل الله (ليس لك من الأمر شيء) الآية. (صحيح البخاري 8/74 ح/4560- ك التفسير، سورة آل عمران) ، (وصحيح مسلم 1/466 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة نحوه) . قوله تعالى (ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم) انظر تفسير آخر سورة البقرة آية (284) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قال: ربا الجاهلية. وانظر سورة البقرة آية (275-279) . قوله تعالى (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص, حدثنا أبي قال: حدثني الأعمش، قال: حدثني خيثمة، عن عدي بن حاتم قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا برى شيئاً قدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النارَ ولو بشق تمرة". (الصحيح 11/408 ح 6539- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب) ، (وصحيح مسلم 2/703-704- ك الزكاة، ب الحث على الصدقة) . وانظر سورة البقرة آية (24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 قوله تعالى (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) انظر سورة آل عمران آية (32) . قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) انظر حديث مسلم عن أبي هريرة الآتي عند الآية (21) من سورة التوبة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، ثنا وكيع عن سعدان الجهني، عن سعد أبي مجاهد الطائي، عن أبي مدله، عن أبي هريرة قال: قلنا: يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب، ملاطها المسك الأذفر، حصباؤها الياقوت واللؤلؤ، ومزاجها الورس والزعفران من يدخلها يخلد فلا يموت وينعم, لا يبؤس لا يبلى شبابهم ولا تحرق ثيابهم". (التفسير- آل عمران آية 133 ح 1423) . وأخرجه أحمد (المسند 2/304- 305) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/396 ح 7387) كلاهما من طريق زهير بن معاوية عن سعد الطائي بنحوه مطولاً، وفيه الشاهد. قال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند ح 8030) . وأخرجه بنحو حديث ابن أبي حاتم، أحمد (المسند 2/362) ، والطبراني في الأوسط (-كما في المجمع- والبزار في مسنده) ، وأبو نعيم في (صفة الجنة ح 137) من طرق عن عمران القطان، عن قتادة، عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة به. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/396) . وللحديث شاهد عن أبي سعيد موقوفاً عليه، ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 10/397) وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط وقال: رجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجنة عرضها السموات والأرض) يعني عرضها كعرض السموات والأرض كما بينه قوله تعالى: في سورة الحديد (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) . وآية آل عمران هذه تبين أن المراد بالسماء في آية الحديد جنسها الصادق بجميع السموات كما هو ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 قال ابن حبان أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: أخبرنا المخزومي، قال حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله الأصم، قال: حدثنا يزيد الأصم. عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا محمد أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء أين جعل؟ "قال: "فإن الله يفعل ما يشاء". (الصحيح ح 103) وأخرجه الحاكم من طريق الأصم عن أبي هريرة وقال: حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولا أعلم له علة ووافقه الذهبي (المستدرك 1/36) وذكره الهيثمي وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/327) . وله شاهد رواه أحمد (المسند 3/441) ، والطبري (التفسير رقم 8731) من حديث سعيد بن أبي راشد وفيه تسمية الرجل السائل وهو: هرقل. وذكره ابن كثير وقال: إسناده لا بأس به (البداية والنهاية 5/15، 16) . قوله تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ، قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله. فنعمت والله يا بن آدم، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ، وأنت مظلوم. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". (الصحيح 10/535 ح 6114- ك الأدب، ب الحذر من الغضب) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/294 ح 2609) وانظر حديث سليمان بن صرد في الصحيحين في تفسير الاستعاذة. وانظر سورة البقرة آية (177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وقال البخاري: حدثنا يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر -هو ابن عياش- عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أوصِني. قال: "لا تغضب". فردد مراراً، قال: "لا تغضب". (الصحيح 10/535 ح 6116- ك الأدب، ب الحذر من الغضب) . قال ابن ماجة: حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني سعيد ابن أبي أيوب عن أبي مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كظم غيظاً، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيّره في أي الحور شاء". (السنن - الزهد، باب الحلم ح 4186) . أخرجه أبو داود والترمذي من طريق سعيد بن أبي أيوب به نحوه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب (السنن- الأدب، 4/448) ، (السنن، باب كظم الغيظ) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/407) . وذكره ابن كثير (2/102) . قال ابن ماجة: حدثنا زيد بن أخزم ثنا بشر بن عمر، ثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من جرعة أعظم أجراً عند الله، مِنْ جُرعة غيظ، كظمها عبد ابتغاء وجه الله". (السنن (2/14,1) ح 4189- ك الزهد، ب الحِلْم، وأخرجه أحمد (المسند ح 6116) من طريق سالم عن ابن عمر به. وصححه أحمد شاكر. قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 3/291) ، وقال العراقي: رواه ابن ماجه بإسناد جيد (تخريج الإحياء 4/1810) ، وحسنه السيوطي (الدر المنثور 2/317) ، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح 3377) . قوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) قال الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت عليا يقول: إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، وإن حدثني أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 بكر، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له. ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون) . (السنن 2/257-258 ح 406- ك الصلاة، ب ما جاء في الصلاة عند التوبة) وقال: حديث حسن. وأخرجه أبو داود (2/86 ح 1521- ك الصلاة، ب في الاستغفار) من طريق مسدد عن أبي عوانة به، وأخرجه ابن ماجة (1/446 ح 1395- ك إقامة الصلاة، ب ما جاء أن الصلاة كفارة) من طريق مسعر وسفيان عن عثمان بن المغيرة به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/389 ح 623) من طريق الفضل بن الحباب عن مسدد به. قال محققه: إسناده حسن. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 1/83-87 ح 9-11) من طرق عن عثمان بن المغيرة به، وصحح محققه إسناده في المواضع كلها) . وقال ابن كثير: حديث حسن (التفسير 1/407) . وقال ابن حجر. جيد الإسناد (تهذيب التهذيب 1/268) ، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي. وصححه الألباني في (صحيح الجامع برقم 5738) . قال مسلم: حدثني عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: "أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلِمَ أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. فقال: أي ربِّ! اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعَلِمَ أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربّ! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً. فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك". قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة "اعمل ما شئت". (الصحيح 4/2112 ح 2758- ك التوبة، ب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت ... ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا حريز، حدثنا حبان الشرعبي، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال وهو على المنبر: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون". (المسند ح 6541) وصححه أحمد شاكر. وقال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد (الترغيب 3/155) ، وكذا العراقي، وصححه السيوطي في (الجامع الصغير 1/475) ، وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن يزيد الشرعبي ووثقه ابن حبان (مجمع الزوائد 10/191) وصححه الألباني (صحيح الجامع 1/308) قوله تعالى (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) انظر سورة البقرة آية (25) . قوله تعالى (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (قد خلت من قبلكم سنن) يقول: في الكفار والمؤمنين، والخير والشر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) ، يقول: متعهم في الدنيا قليلا، ثم صيرهم إلى النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (هذا بيان للناس) ، وهو هذا القرآن، جعله الله بيانا للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا. قوله تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) ، يعزي أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تسمعون، ويحثهم على قتال عدوهم، وينهاهم عن العجز والوهن في طلب عدوهم في سبيل الله. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (ولا تهنوا) ولا تضعفوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد من القوم قرح مثله) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) المراد بالقرح الذي مس المسلمين هو ما أصابهم يوم أحد من القتل والجراح كما أشار له تعالى في هذه السورة الكريمة في مواضع متعددة كقوله (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) وقوله (ويتخذ منكم شهداء) الآية. وقوله (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) وقوله (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) ونحو ذلك من الآيات. وأما المراد بالقرح الذي مس القوم المشركين فيحتمل أنه هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر، وعليه فإليه الإشارة بقوله (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. ذلك لأنهم شاقوا الله رسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) ويحتمل أيضاً أنه هزيمة المشركين أولا يوم أحد كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وقد أشار إلى القرحين معا بقوله: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) قال: جراح وقتل. قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) إنه الله لولا الدول ما أوذي المؤمنون، ولكن يدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 قوله تعالى (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) ، فكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله. قوله تعالى (وليمحص الله الذين آمنوا) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وليمحص الله الذين آمنوا) قال: ليبتلي. قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) قال الشيخ الشنقيطي: أنكر الله في هذه الآية على من ظن أنه يدخل الجنة دون أن يبتلى بشدائد التكاليف التي يحصل بها الفرق بين الصابر المخلص في دينه وبين غيره وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون) وقوله (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يقتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) . قوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) قال البخاري: حدثنا بِشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال: أخبرني معمر ويونس عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 أخبرته قالت: أقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرسه من مسكنه بالسُّنحِ حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمَّمَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو مسجَّى ببرد حِبرَة- فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله، ثم بكى فقال: بِأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتّها. قال أبو سلمة: فأخبرني ابنُ عباس رضي الله عنهما أن أبا بكر - رضي الله عنه - خرج وعمر - رضي الله عنه - يُكلّم الناس، فقال: اجلس، فأبى. فقال: اجلس، فأبى، فتشهّد أبو بكر - رضي الله عنه -، فمالَ إليه الناس وتركوا عمرَ، فقال: أما بعدُ فمن كان منكم يعبد محمداً - صلى الله عليه وسلم - فإن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) فوالله لَكأنَّ الناسَ لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه -، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشرٌ إلا يتلوها. (الصحيح3/136-137 ك الجنائز - ب الدخول على الميت بعد الموت إذا أُدرج في أكفانه ح/1241، 1242) . قوله تعالى (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها) هذه الآية مقيدة بمشيئة الله تعالى وإرادته المذكورة في قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) الإسراء: 18. كما سيأتي تفصيله في سورة هود آية (15) . قوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (قاتل معه ربيون كثير) جموع. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عاصم، عن زر عن عبد الله: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) قال: ألوف. ورجاله ثقات إلا عاصماً صدوق وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 قوله تعالى (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) يقول: ما عجزوا وما اتضعوا لقتل نبيهم (وما استكانوا) يقول: ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم، بل قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله. قوله تعالى (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحُسنَ ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي عباس في قول الله (وإسرافنا في أمرنا) قال: خطايانا. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا) ، فقرأ حتى بلغ (والله يحب المحسنين) ، إي والله، لآتاهم الله الفتح والظهور والتمكين والنصر على عدوهم في الدنيا (وحسن ثواب الآخرة) ، يقول: حسن الثواب في الآخرة، هي الجنة. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) انظر آية (28) من السورة نفسها، وأما الآية (150) فبيانها في قوله تعالى (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فيتوكل المؤمنون) سورة آل عمران: 160. قوله تعالى (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله) قال البخاري: حدثنا محمد بن سِنان قال حدثنا هُشيم. ح. قال: وحدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هُشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُعطيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 خمساً لم يُعطهن أحد قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى الناس عامّة". (الصحيح 1/519 ح 335 - ك التيمم) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/370 ح 521) . قوله تعالى (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (تحسونهم) : تقتلونهم. قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيشاً من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال: "لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا". فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إلي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا تبرحوا فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلاً. وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد؟ فقال: "لا تجيبوه" فقال أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يكن عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يخزي. قال أبو سفيان: اعل هبل. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. (الصحيح 7/405 ح 4043 - ك المغازي - ب غزوة أحد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 قوله تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) قال ابن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن المفضل، ثنا أسباط، عن السدي، عن عبد خير، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد الدنيا، حتى نزل (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) . (المطالب العالية - المسندة (ق 132/أ) . وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/605 ح 1649) الطبري (4/130) ، والطبراني في الأوسط (2/237 ح 1421) من طرق عن أحمد بن المفضل به. وهذا الإسناد فيه أسباط بن نصر، وهو (صدوق كثير الخطأ يغرب) ، كما قاله ابن حجر رحمه الله (التقريب ص 98) . ولكن لم ينفرد بروايته لهذا الأثر، بل روي من طريق آخر عن ابن مسعود، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/463) ضمن حديث طويل في قصة أحد، من طريق: حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود، وعطاء وإن كان قد اختلط، إلا أن رواية حماد عنه قبل الاختلاط، وباقي رجال الإسناد ثقات، فيكون الحديث بمجموع هذين الطريقين حسناً إن شاء الله. وقد حسن إسناده الحافظ العراقي في تخريجه للإحياء (4/219) ، وقال الهيثمي -بعد أن عزاه للطبراني وأحمد-: ورجال الطبراني ثقات (مجمع الزوائد 6/327-328) . وصحح إسناده السيوطي (الدر المنثور 2/86) . وانظر: تخريج الحديث والكلام عليه في حاشية ابن أبي حاتم. قوله تعالى (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم) قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الرجّالة يوم أُحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك: إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم، ولم يبقَ مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيرُ اثني عشر رجلاً. (الصحيح 8/75 ك التفسير - سورة آل عمران - ح/4561) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: انحازوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعلوا يصعدون في الجبل، والرسول يدعوهم في أخراهم. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة: (غما بغم) قال: الغم الأول: الجراح والقتل، والغم الآخر: حين سمعوا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قتل فأنساهم الغم الأخير ما أصابهم من الجراح والقتل وما كانوا يرجون من الغنيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) قال ابن كثير: يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمنة كما قال في سورة الأنفال في قصة بدر (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) الآية. قال البخاري: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أنس أن أبا طلحة قال: غشينا النعاسُ ونحن في مصافّنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. (الصحيح 8/76 ح 4562 - ك التفسير- سورة آل عمران) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعتُ رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحدٌ إلا يميد تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله عز وجل: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً) . حدثنا عبد بن حميد. حدثنا رَوح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير مثله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (سنن الترمذي 5/229 ح 3007 - ك التفسير، ب سورة آل عمران) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/297) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه المقدسي (المختارة 3/62 ح 866) من طريق الترمذي به، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم ووكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله بن مسعود قال: النعاس في القتال من الله وفي الصلاة من الشيطان. ورجاله ثقات إلا عاصماً صدوق وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 قوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: معتّب الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله) إلى آخره القصة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق، يظنون بالله غير الحق ظنونا كاذبة، إنما هم شك وريبة في أمر الله: (يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ظن الجاهلية) قال: ظن أهل الشرك. قوله تعالى (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا) قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو هاشم الحسين بن محمد علي الحربادقاني -بأصبهان- أن محمد بن أحمد بن محمد البَاغبان أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، أنا أبو بكر أحمد بن مردويه الحافظ، نا دَعْلج بن أحمد، نا عبد الله بن الحسن الحراني، نا أبو جعفر النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: والله إني لأسمع قول مُعَتب بن قُشير أخي بني عمرو بن عوف، والنُّعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحُلم حين قال: (لو كان لنا من الأمر شيء في ما قُتلنا ها هنا) . (المختارة 3/60 ح 864) . وأخرجه ابن أبي حاتم عن طريق ابن إسحاق به، وبينت أن إسناده حسن (التفسير 2/620 ح 1697) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 قوله تعالى (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم) قال البخاري: حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال: جاء رجلٌ حَجَّ البيتَ فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قُريش. قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر. فأتاه فقال: إني سائلُك عن شيء أتحدثّني؟ قال أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أنَّ عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: فتعلمه تغيّب عن بدرٍ فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه تخلّف عن بيعة الرضوان فلم يشهدهما؟ قال: نعم. قال: فكبَّر. قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبيّن لك عمّا سألتني عنه: أما فراره يومَ أحد فأشهد أن الله عفا عنه. وأما تغيُّبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت مريضةً، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لك أجرَ رجلٍ ممن شهدَ بدراً وسهمه". وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحَدٌ أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهبَ عثمان إلى مكة، فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده اليُمنى: "هذه يدُ عثمان"، فضرب بها على يده فقال: "هذه لعثمان". اذهب بهذا الآن معك". (الصحيح 7/421 - ك المغازي، ب الآية نفسها ح/4066) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ... ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا مات بعض إخوانهم يقولون لو أطاعونا فلم يخرجوا إلى الغزو ما قتلوا، ولم يبين هنا هل يقولون لهم ذلك قبل السفر إلى الغزو ليثبطوهم أولا؟ ونظير هذه الآية: قوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا) ولكنه بين في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 آيات أخر أنهم يقولون لهم ذلك قبل الغزو ليثبطوهم كقوله (وقالوا لا تنفروا في الحر) الآية. وقوله (قد يعلم المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) وقوله (وإن منكم لمن ليبطئن) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض) أما إذا ضربوا في الأرض فهي التجارة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (في قلوبهم) ، قال: يخزيهم قولهم لا ينفعهم شيئاً. قوله تعالى (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) انظر آية (169-171) من السورة نفسها، وانظر سورة البقرة آية (154) . قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) انظر سورة التوبة آية (128) وتفسرها. قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بُكر، عن شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: "المستشار مؤتمن". (السنن ح 3745- ك الأدب، ب المستشار مؤتمن) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق عبد الملك بن عمير به، وحسنه الترمذي (انظر تفسير ابن كثير 2/129) وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/308) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فإذا عزمت فتوكل على الله) أمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا عزم على أمر أن يمضي فيه، ويستقيم على أمر الله ويتوكل على الله. قوله تعالى (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة..) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال: كان علَى ثَقَل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل يقال له كَركرَة، فمات، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هو في النار"، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها، قال أبو عبد الله قال ابن سلام: كركرة يعني بفتح الكاف، وهو مضبوط كذا. (صحيح البخاري 6/216 ح 3074- ك الجهاد، ب القليل من الغلول) . ثَقَل: يقال لكل خطير نفيس (النهاية لابن الأثير 1/216) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة عن أبي حميد الساعدي أنه أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل عاملاً فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله، هذا لكم، وهذا أهدي لي. فقال له: "أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرتَ أيهدى لك أم لا؟ ثم قام رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال، "أما بعدُ فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدىَ له أم لا؟ فوالذي نفسُ محمد بيده، لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: إن كان بعيراً جاء به له رُغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تَيعر. فقد بلغتُ. قال أبو حميد: ثم رفع رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده حتى إنا لننظر إلى عفرةِ إبطيه. قال أبو حميد: وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلوه. (الصحيح 11/532 ح 6636- ك الأيمان والنذور، ب كيف يمين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن أبي حيان قال: حدثني أبو زرعة قال: حدثني أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قام فينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت فيقول: نجا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة". (الصحيح 6/214-215 - ك الجهاد والسير، ب الغلول وقول الله عز وجل (الآية ح/3073) . قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع فأهدى رجل من بني الضُّبيب، يقال له فارعة بن زيد لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غلاماً يقال له مِدعم، فوجَّه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وادي القرى حتى إذا كان بوادي القرى بينما مِدعم يحط رحلاً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس هنيئاً له الجنة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: شراك من نار أو شِراكان من نار. (الصحيح 11/600 ح 6707- ك الأيمان والنذور، ب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع، الأمتعة) . وأخرجه مسلم في (صحيحه 1/108 ح 183- ك الإيمان، ب غلظ تحريم الغلول) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عديِّ بن عميرة الكندي، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود، من الأنصار. كأني أنظر إليه. فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك. قال ومالك؟. قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره. فما أُوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى. (الصحيح 3/1465 ح 1833- ك الإمارة، ب تحريم هدايا العمال) . قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عكرمة بن عمار، قال حدثني سماك الحنفي، أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسوا الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلا، إني رأيته في النار، في بردة غلّها، أو عباءة". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". قال فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". (الصحيح 1/107-108 ح 114- ك الإيمان، ب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 قال الدارمي: حدثنا محمد بن عيينه ثنا أبو إسحاق الفزاري عن عبد الرحمن ابن عياش عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "أدوا الخياط والمخيط وإياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة) . (السنن 2/229-230- ك السير، ب ما جاء أنه قال: أد الخياط والمخيط) . وأخرجه أحمد (المسند 5/313) من طريق أبي إسحاق الفزاري بإسناده نحوه، وابن حبان في صحيحه (الموارد رقم 193) والحاكم (المستدرك 3/49) وسكت هو والذهبي. قال الألباني: إسناد حسن رجاله كلهم ثقات. (السلسلة الصحيحة 2/717) . قال الترمذي: حدثنا قتيبة. حدثنا عبد الواحد بن زياد. عن خصيف حدثنا مِقسم قال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية (ما كان لنبي أن يغل) في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر. فقال بعض الناس: لعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل الله (ما كان لنبي أن يغل) إلى آخر الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وقد روى عبد السلام بن حرب عن خصيف نحو هذا، وروى بعضهم هذا حديث عن خصيف عن مقسم، ولم يذكر فيه عن ابن عباس. (سنن الترمذي 5/230 ح/3009- ك التفسير، ب سورة آل عمران) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وأخرجه ابن مردويه (كما في تفسير ابن كثير 2/130) ، والواحدي في (أسباب النزول ص 108) كلاهما من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، وفيه متابعة لخصيف ومقسم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ما كان لنبي أن يغل) ، قال: أن يخون. قوله تعالى (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله) الآية قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية أن من اتبع رضوان الله ليس كمن باء بسخط منه لأن همزة الإنكار بمعنى النفي ولم يذكر هنا صفة من اتبع رضوان الله ولكن أشار إلى بعضها في موضع آخر وهو قوله (الذين قال لهم الناس إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) وأشار إلى بعض صفات من باء بسخط من الله بقوله (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب خالدون) وبقوله هنا (ومن يغلل يأت بما غل) الآية. قوله تعالى (هم درجات عند الله) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (درجات عند الله) قال: هي كقوله (لهم درجات عند ربهم) سورة الأنفال آية: 4. قوله تعالى (لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) انظر سورة البقرة آية (129) . قوله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير فأصابوا منّا سبعين، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. (صحيح البخاري 7/357 ح/3986 - ك المغازي) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) ذكر في الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أحد إنما جاءهم من قبل أنفسهم، ولم يبين تفصيل ذلك هنا ولكنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 فصله في موضع آخر وهو قوله: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) . وهذا هو الظاهر في معنى الآية، لأن خير ما يبين به القرآن: القرآن. قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو المجد، زاهر بن أحمد بن حامد الثقفي -بأصبهان- أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم -قراءة عليه- أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن النُّعمان، أنا محمد بن إبراهيم بن علي، ثنا أبو يعلى، أحمد بن علي، ثنا زهير، ثنا أبو نوح، ثنا عكرمة بن عمار العجلي، ثنا سماك أبو زُميل قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر ابن الخطاب، نحو حديث عمر بن يونس في قصة بدر. وزاد أبو نوح في حديثه قال: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذِهم الفِداء، فقُتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكُسرت رباعيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهُشّمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله عز وجل: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) بأخذكم الفداء. هذه الزيادة لم يخرجها مسلم، وقد روى من طرق عمر بن ويونس عن عكرمة حديثاً طويلاً في قصة بدر. وأبو نوح اسمه: عبد الرحمن بن غزوان، أخرج له البخاري. (المختارة 1/280-281 ح 170) . وصححه محقق المختارة، وسنده حسن، ولبعضه شواهد في الصحيح. قوله تعالى (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين) أي في غزوة أحد، وانظر آية (172-174) من السورة نفسها. قوله تعالى (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، وبسنده الحسن عن السدي: هم عبد الله بن أُبيّ وأصحابه. قوله تعالى (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) انظر سورة البقرة آية (8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 قوله تعالى (قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (إن كنتم صادقين) بما يقولونه إنه كما يقولون. قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يَلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يُضيع أجر المؤمنين) قال الشيخ الشنقيطى: نهى الله تبارك وتعالى في هذه الآية عن ظن الموت بالشهداء وصرح بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فصله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ولم يبين هنا هل حياتهم البرزخ يدرك أهل الدنيا حقيقتها أو لا؟ ولكنه بين من سورة البقرة أنهم لا يدركونها بقوله (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) لأن نفي الشعور يدل على نفس الإدراك من باب أولى كما هو ظاهر) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن أبي معاوية. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا جرير وعيسى بن يونس، جميعا عن الأعمش. ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ له) . حدثنا أسباط وأبو معاوية. قالا: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مُرّة، عن مسروق. قال: سألنا عبد الله (هو ابن مسعود) عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما أنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت. ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطّلع إليهم ربهم اطّلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: (أيّ شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلمّا رأوا أنهم لن يتركوا مِن أن يُسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا. (الصحيح 3/1502-1503 ح 1887 - ك الإمارة، ب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن شعبة، عن قتادة، وحميد، عن أنس بن مالك، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرُّها أنها ترجع إلى الدنيا. ولا أن لها الدنيا وما فيها. إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل في الدنيا، لِما يرى من فضل الشهادة". (الصحيح 3/1498 ح 1877 - ك الإمارة، ب فضل الشهادة في سبيل الله) . قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لمّا أُصيب إخوانكم بأُحد جعل الله أرواحهم في جَوفِ طير خُضر تردُ أنهار الجنة: تأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب مُعلّقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنّا أحياء في الجنة نُرزَق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم، قال فأنزل الله (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) إلى آخر الآية. (السنن 3/15 ح 2520 - ك الجهاد، ب في فضل الشهادة) ، وفي إسناده ابن إسحاق ولم يصرح بالسماع ولكنه لا يضر لأنه صرح في رواية أحمد (المسند 1/266) . وأخرجه أحمد في (مسنده رقم 2389) بإسناد أبي داود به، وصححه أحمد شاكر وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/297-298 - ك التفسير، تفسير سورة آل عمران) من طريق مسدد بن قطن عن عثمان بن أبي شيبة به، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) . قال الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعتُ جابر بن عبد الله يقول: لقيني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال لي: "يا جابر مالي أراك منكسراً؟ ". قلتُ: يا رسول الله استُشهد أبي قُتل يوم أُحد، وترك عيالاً ودَيناً، قال: "أفلا أُبشرك بما لقي الله به أباك؟ ". قال: قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: "ما كلّم اللهُ أحداً قطّ إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمّه كِفاحاً. فقال: يا عبدي تَمنّ عليّ أُعطك. قال: يا رب تُحييني فأُقتل فيك ثانية. قال الربّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 عزّ وجل: إنه قد سبق منى (أنهم إليها لا يُرجعون) قال: وأُنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً) الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (سنن الترمذي 5/230-231 ح/3010 - ك التفسير، ب سورة آل عمران) . وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وأخرجه ابن ماجة في (سننه - ك الجهاد، ب فضل الشهادة في سبيل الله ح 2800) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/490-491 ح7022) والحاكم في (المستدرك 3/203-204 - ك معرفة الصحابة، ب ذكر مناقب اليمان بن جابر ... ) وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو يعلى، وصححه المحقق (المسند 4/6 ح 2002) . وانظر حديث ابن عباس في مسند أحمد في تفسير سورة البقرة آية (154) . قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أن بن مالك - رضي الله عنه - قال: دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الذين قَتَلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة، على رِعل وذكوان وعُصيّة عَصَتِ الله ورسوله. قال أنس: أُنزل في الذين قُتلوا بِبئر معونة قرآن قرأناه ثم نُسخ بعد: بلغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه. (الصحيح 6/37-38 ح 2814 - ك الجهاد والسير، ب فضل قول الله تعالى (الآية)) . قوله تعالى (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) قال البخاري: حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتّقَوا أجر عظيم) قالت لِعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر. لما أصابَ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصابَ يومَ أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً. قال: كان فيهم أبو بكر والزبير. (صحيح البخاري 7/432 ح 4077 - ك الغازي، ب (الذين استجابوا..)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 قوله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس -أراه قال- حدثنا أبو بكر عن أبي حَصين عن أبي الضحى عن ابن عباس (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قالوا: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) . (صحيح البخاري 8/77 ح 4563 - ك التفسير، سورة آل عمران، ب (الدين قال لهم الناس)) . قوله تعالى (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (فانقلبوا بنعمة من الله) أما النعمة فهي العافية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) قال: والفضل ما أصابوا من التجارة والأجر. قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) يخوف والله المؤمن بالكافر، ويرهب المؤمن بالكافر. قوله تعالى (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) يعني: أنهم المنافقون. قوله تعالى (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً) قال هم المنافقون. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله: (اشتروا) استحبوا الضلالة على الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (ولهم عذاب أليم) قال: الأليم الموجع في القرآن كله. قوله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم وشدة العذاب وبين في موضع آخر: أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء، فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة، كقوله (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) وقوله (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا -إلى قوله- أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) وبين في موضع آخر أن ذلك الاستدراج من كيده المتين وهو قوله (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) . قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن خيثمة عن الأسود قال، قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها وقرأ: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) وقرأ: (نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار) . (ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به. (المستدرك 2/298) . قوله تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول للكفار ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر حتى يميز الخبيث من الطيب، فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) قال: ميز بينهم يوم أحد المنافق من المؤمن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) يعني الكفار. يقول: لم يكن الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من ضلالة (حتى يميز الخبيث من الطيب) يميز بينهم في الجهاد والهجرة. قوله تعالى (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) قال: يخلصهم لنفسه. قوله تعالى (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ... ) قال البخاري: حدثني عبد الله بن منُير سمع أبا النضر حدثنا عبد الرحمن -هو ابن عبد الله بن دينار- عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له ماله شُجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بِلهْزِمتيه -يعني بشدقيه- يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) إلى آخر الآية. (الصحيح 8/78 ح 4565 - ك التفسير - سورة آل عمران، ب (ولا يحسبن الذين يبخلون)) . قوله تعالى (والله بما تعملون خبير) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (خبير) قال: خبير بخلقه. قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بيت المدراس، فوجد من يهود ناسا كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، كان من علمائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وأحبارهم ومعه حبر يقال له أشيع. فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لفنحاص: ويحك يا فنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل قال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك فأنزل الله تبارك تعالى فيما قال فنحاص، رداً عليه وتصديقاً لأبي بكر: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق) وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) . سورة آل عمران (186) . قوله تعالى (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد في قوله: (فإن كذبوك) قال: اليهود. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) قال: يعزي نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) قال ابن كثير: يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا يزيد بن هارون وسعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم: (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (سنن الترمذي 5/232-233 ح/3013 - ك التفسير، ب سورة آل عمران) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/299 - ك التفسير، سورة آل عمران) . وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني في (الأوسط) وقال: ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 10/415) وعنده: خير مما بين السماء والأرض. وأخرجه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد بلفظه ولكن بدون ذكر الآية (الصحيح - ك بدء الخلق، ب ما جاء في صفة الجنة ح 3250) . وانظر حديث مسلم عن عبد الله بن عمرو الآتي عند الآية (29) من سورة النساء. قوله تعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم، وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين، وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله، فإن صبرهم وتقاهم من عزم الأمور، أي: من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عيها لوجوبها. وقد بين في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 موضع آخر أن من جملة هذا البلاء: الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله (فإن ذلك من عزم الأمور) وذلك الموضع هو قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) . قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة ابن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنها أخبره: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب على حمار على قطيفة فَدَ كية، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشَيتِ المجلس عجاجة الدابة حمّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه ثم قال: "لا تُغبِّروا علينا فسلّم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول: أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاتسبِّ المسلمون والمشركون واليهودُ حتى كادوا يتشاورون، فلم ينزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخفضهم حتى سكنوا. ثم ركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا سعد أسلم تسمع ما قال أبو حُباب -يريد عبد الله بن أبي- قال كذا وكذا. قال سعد بن عُبادة: يا رسول الله أعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البُحيرة على أن يتوّجوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 فيعصبونه بالعصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرِق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصطبرون على الأذى، قال الله عز وجل: (ولتسمعن من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً) الآية. وقال الله: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) إلى آخر الآية. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتأوّل العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً فقتل الله به صناديد كفّار قريش قال ابن أبيّ ابنُ سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه، فبايعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الإسلام، فأسلموا". (الصحيح 8/78-79 ح 4566 - ك التفسير - سورة آل عمران، قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب) . توجه: أقبل (القاموس مادة: وج هـ) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا عبد الرحمن بن صالح ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: ثنا يوسف يعنيان ابن بكير، ثنا ابن إسحاق، فحدثني محمد ابن أبي محمد. عن عكرمة أنه حدثه، عن ابن عباس قال: نزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً) وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/231) . قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا بها ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتوا ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) إلى قوله: (عذاب أليم) يعني: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وهارون بن عبد الله (واللفظ لزهير) قالا: حدثنا حجّاج بن محمد عن ابن جريج. أخبرني ابن أبي مليكة؛ أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أن مروان قال: اذهب. يا رافع! (لبوّابه) إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منّا فرح بما أَتَى، وأحبّ أن يُحمد بما لم يفعل، معذّباً لنُعذّبن أجمعون، قال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) هذه الآية. وتلا ابن عباس: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتَوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) . وقال ابن عباس: سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء، فكتموه إيّاه. وأخبروه بغيره. فخرجوا قد أَروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه. واستحمدوا بذلك إليه. وفرحوا بما أَتَوا، من كِتمانهم إياه، ما سألهم عنه. (الصحيح 4/2143 ح 2778 - ك صفات المنافقين وأحكامهم) . وأخرج البخاري (الصحيح - التفسير - ب و (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) ح 4568) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم) الآية، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئاً فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين، كان يقال: "مثل علم لا يقال به، كمثل كنز لا ينفق منه! ومثل حكمة لا تخرج، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب (وكان يقال) طوبى لعالم ناطق، وطوبى لمستمع واع". هذا رجل علم علماً فعلمه وبذله ودعا إليه، ورجل سمع خيراً فحفظه ووعاه وانتفع به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا إدريس أبو أسامة، والسياق لابن إدريس، عن يحيى بن أيوب الهجلي، عن الشعبي في قوله: (فنبذوه وراء ظهورهم) قال: قد كانوا يقرأونه ولكنهم نبذوا العمل به. ورجاله ثقات إلا يحيى لا بأس به فالإسناد حسن. وانظر حديث: "من سئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار". في تفسير سورة البقرة آية (159) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فبئس ما يشترون) قال: تبديل اليهود التوراة. قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الغزو تخلَّفوا عنه وفرِحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبُّوا أن يحمدوا بما لم يَفعلوا، فنزلت (لا تحسبن الذين يفرَحون) الآية. (صحيح البخاري 8/81 ح 4567 - ك التفسير - سورة آل عمران، ب (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا)) و (صحيح مسلم 4/2142 - ك صفات المنافقين وأحكامهم) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا) قال: يهود، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه، ولا تملك يهود ذلك. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قوله (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) أن يقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على خير ولا هدى ويحبون أن يقول الناس قد فعلوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 قوله تعالى (ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير) انظر سورة البقرة آية (117) . قوله تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) قال ابن حبان: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن إبراهيم بن سويد النخعي، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، قالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زر غباً تزدد حباً. قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فسكتت ثم قالت. لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي". قالت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرّك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكى، قال: "يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ويتفكر فيها (إن في خلق السموات والأرض) الآية كلها. (الإحسان 2/329 ح 620 - طبعة الأرناؤوط) ، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب (أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص160) من طريق عثمان بن أبي شيبة به. وهذا الإسناد رجاله ثقات أئمة، وعبد الملك بن أبي سليمان، وإن تكلم فيه البعض، فإن ثناء الأئمة عليه ووصفه بالحفظ والإتقان مستفيض مشهور (النظر: تهذيب الكمال 18/322-328) . فيكون الحديث من هذا الطريق حسناً إن شاء الله. ومع ذلك فللحديث طريق آخر: أخرجه ابن مردويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا -كما في تفسير ابن كثير (1/440) - من طرق، عن أبي جناب الكلبي، عن عطاء به نحوه. -وأخرجه الأصبهاني في (الترغيب والترهيب 1/286 ح 639) من طريق ابن مردويه- وأبو جناب وإن كان مدلساً، إلا أن أبا الشيخ أخرجه من طريقه مصرحاً فيه بالسماع (أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص160) فنزول الخشية من تدليسه، وبذلك يكون هذا الطريق متابعة قوية لطريق ابن حبان المتقدم، ويتأكد بذلك حسن الحديث كما قدمنا. وقد قوى إسناده الأرناؤوط في حاشية (الإحسان) ، وحكم بحسنه الشيخ محمد رزق في (موسوعة فضائل القرآن 1/219 ح 90) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسماعيل بن مسلم، حدثنا أبو المتوكل؛ أن ابن عباس حدثه، أنه بات عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة. فقام نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آخر الليل. فخرج فنظر في السماء. ثم تلا هذه الآية في آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) حتى بلغ (فقنا عذاب النار) ثم رجع إلى البيت فتسوّك وتوضأ. ثم قام فصلى. ثم اضطجع. ثم قام فخرج نظر إلى السماء فتلا هذه الآية. ثم رجع فتسوك فتوضأ. ثم قام فصلى. (الصحيح 1/221 ح 256- ك الطهارة، ب السواك) . قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهي خالته- قال: فاضطجعتُ في عرض الوِسادة: واضطجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل يمسح النومَ من وجهه بيديه، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وُضوءه ثم قام يصلى. فصنعتُ مثل ما صنَع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن, فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. (الصحيح 8/84-85 ح 4571- ك التفسير- سورة آل عمران، ب (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم) وهذه حالات كلها يا ابن آدم، اذكر الله وأنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 قائم فإن لم تستطع فاذكره وأنتَ قاعد، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جانبك يسر من الله وتخفيف. قوله تعالى (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، ثنا مؤمل، ثنا حماد بن سلمة عن قتادة، عن أنس في قوله: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) قال: من تدخل في النار فقد أخزيته. ورجاله ثقات سوى مؤمل صدوق فالإسناد حسن. قوله تعالى (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) إلى قوله (وتوفنا مع الأبرار) سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها، وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجن كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال: (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) وأما مؤمن الإنس فقال (إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) الآية. قوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ... ) قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت رجلاً من ولد أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) . (التفسير 1/144 ح 498) . وأخرجه الترمذي في جامعه (5/237 ح 3023- ك التفسير، ب ومن سورة النساء) ، والشافعي من سنن حرملة -كما في (المعرفة) للبيهقي (3/120 ح 17644) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 والحاكم في (المستدرك 2/300- تسمية ولد أم سلمة بـ (سلمة بن أبي سلمة) . وهذا الحديث إسناده صحيح، ووافقه الذهبي. ورجاله أئمة ثقات. وقد وقع تصريح ابن عيينة بالإخبار في روايه الشافعي، فزالت الخشية من احتمال تدليسه، هذا مع احتمال الأئمة لتدليسه؛ حيث كان لا يدلس إلا عن ثقة. (انظر طبقات المدلسين ص 23) . قوله تعالى (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) قال الطبري حدثنا عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمى عبد الله بن وهب قال، حدثني عمرو بن الحارث: أن أبا عشانة المعافري حدثه: أنه سمع عبد الله ابن عمرو بن العاص يقول: لقد سمعت رسول الله يقول: إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان، لم تقض حتى يموت وهي في صدره، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول: "أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة"، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: "ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار، ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا". فيقول الرب جل ثناؤه: "هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي". فتدخل الملائكة عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) سورة الرعد: 24. (أخرجه الإمام أحمد في (المسند 6570) والحاكم في (المستدرك 2/71-72) كلاهما من طريق عبد الله بن وهب به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 10/259) ونسبه للطبراني أيضا وقال ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عشانه وهو ثقة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 قوله تعالى (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) قال ابن كثير: يقول تعالى لا تنظر إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة. فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا وجميع ما هم فيه (متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) وهذه الآية كقوله تعالى: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) وقال تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وقال تعالى (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقال تعالى (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) أي: قليلا، وقال تعالى (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) والله ما غروا نبي الله، ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله حتى قبضه الله على ذلك. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) يقول: ضربهم في البلاد. قوله تعالى (وما عند الله خير للأبرار) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما عنده للأبرار ولكنه بين في موضع آخر: أنه النعيم، وهو قوله (إن الأبرار لفي نعيم) وبين في موضع آخر: أن من جملة ذلك النعيم: الشرب من كأس ممزوجة بالكافور وهو قوله (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود قال: قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها، لئن كان برا لقد قال الله: (وما عند الله خير الأبرار) . (ورجاله ثقات، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/298) . قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة أنهم خاشعون لله أي مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أي لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر صفته ومبعثه وصفة أمته، وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم سواء كانوا يهودا أو نصارى. وقد قال تعالى في سورة القصص (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) الآية. وقد قال تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) الآية. وقد قال تعالى (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وقال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) وقال تعالى (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وهذه الصفات توجد في اليهود ولكن قليلا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس، وأما النصارى منهم يهتدون وينقادون للحق كما قال تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) إلى قوله تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) الآية. قال البخاري: حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء عن جابر - رضي الله عنه - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مات النجاشي: "مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحَمة". (الصحيح 7/230 ح 3877- ك مناقب الأنصار- ب موت النجاشي) . قال الضياء: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مكي بن أبي الرجاء -بأصبهان- أن مسعود بن الحسن الثّقفي أخبرهم، أنا أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، أنا أبو بكر أحمد بن موسى الحافظ، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم (ح) . وأخبرنا أبو طاهر معاوية بن علي بن معاوية الصّوفي- إجازة- أنا الحسن بن أحمد الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، قالا: نا إبراهيم بن أحمد بن عمر، نا أبي، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، قال: لمّا مات النجاشي، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استغفروا لأخيكم". فقال بعضُ الناس: تأمرنا أن نستغفر له وقد مات بأرض الحبشة؟ فنزلت: (إن من أهل الكتاب لمَن يؤمن بالله وما أنزل إليكم) . اللفظ للطبراني والآخر بمعناه قال الطبراني: لم يروه عن حماد إلا مؤمل. (وقد رواه حميد عن أنس ا. هـ. (المختارة 5/40-41 ح 1648، 1649) ولفظه: "قوموا صلوا على أخيكم النجاشي". (المختارة 6/61 ح 2037) ورواية الطبراني في (الأوسط 3/323 ح 2688) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني ورجال الطبراني ثقات. (مجمع الزوائد 3/38) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) : من اليهود والنصارى وهم مسلمة أهل الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يرُوحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها". (الصحيح 6/100 ح 2892- ك الجهاد والسير، ب فضل رباط يوم سبيل الله..) . قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا ليث (يعني ابن سعد) عن أيوب بن موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان. قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه: إن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجرى عليه رزقه، وأمن الفتّان". (الصحيح 3/1520 ح 1913- ك الإمارة، ب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. جميعاً عن إسماعيل بن جعفر. قال ابن أيوب. حدثنا إسماعيل. أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"؟ قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: "إسباغ الوُضوء على المكاره. وكثرة الخطا إلى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط". (الصحيح 1/219 ح 251- ك الطهارة، ب فضل إسباغ الوضوء على المكاره) . قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني أبو هانيء، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كل الميت يختم على عمله، إلا المرابط، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 (السنن 3/9 ح 2500- ك الجهاد، ب في فضل الرباط) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/79- ك الجهاد) . من طريق أحمد بن نجدة القرشي، عن سعيد بن منصور به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي (السنن 4/165 ح 1621) . (فضائل الجهاد، ب ما جاء في فضل من مات مرابطاً) . وأحمد في المسند (6/20) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/484 ح 4624) ، والحاكم في المستدرك (2/144) من طرق عن حيوة بن شريح عن أبي هانئ به. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 1322) . قال الحاكم: حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني، ثنا أحمد بن نجدة القرشي، ثنا سعيد بن منصور، ثنا ابن المبارك، أنبا مصعب بن ثابت، حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (اصبروا وصابروا ورابطوا) قال: قلت، لا. قال: يا ابن أخي إني سمعت أبا هريرة يقول: لم يكن في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة. (المستدرك 2/301- ك التفسير، تفسير سورة آل عمران وصححه ووافقه الذهبي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) أي: اصبروا على طاعة الله، وصابروا أهل الضلالة ورابطوا في سبيل الله (واتقوا الله لعلكم تفلحون) . قال البخاري: وزادنا عمرو قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة: إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع". (الصحيح 6/81 الفتح ح 2887- ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله) . وهكذا وقعت هذه الرواية عند البخاري من شيخه عمرو، وهو ابن مرزوق. قال ابن حجر: وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى. (الفتح 6/82) ، وإنما عطف البخاري على رواية سابقة فيها ذكر ما يتعلق بالحراسة والجهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 سورة النساء فضلها: انظر حديث: "من أخذ السبع الأول من القرآن فهو خير". تقدم في فضل سورة البقرة. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) انظر تفسير التقوى في الآية (102) من سورة آل عمران. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: قوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) أما خلقكم من نفس واحدة، فمن آدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (وَبَثَّ مِنْهُمَا) من أدم وحواء، يقول خلق منهما رجالا كثيرا ونساء. قال الحاكم: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعانى. بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد، أنبا عبد الرزاق، أنبا معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) . قال: إن الرحم لتقطع وإن النعمة لتكفر وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء أبداً ثم قرأ (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جميعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) قال: وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الرحم شجنة من الرحمن وإنها تجيئ يوم القيامة تتكلم بلسان طلق ذلق فمن أشارت إليه بوصل وصله الله ومن أشارت إليه بقطع قطعه الله". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. (المستدرك 2/301-302- ك التفسير، سورة النساء ووافقه الذهبي) . وأخرج البخاري الجزء المرفوع من الحديث (الصحيح- الأدب، ب من وصل وصله الله ح 5988-5989) من حديث عائشة وأبى هريرة بنحوه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (اتقوا الله الذي تساءلون به) ، واتقوا الله في الأرحام فصلوها. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان ح وثنا الأشج، ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (اتقوا الله الذي تساءلون به) قال: يقول أسألك بالله وبالرحم. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (إن الله كان عليكم رقيباً) قال: حفيظاً. قوله تعالى (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأتوا اليتامى أموالهم) الآية أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة بإيتاء اليتامى أموالهم، ولم يشترط هنا في ذلك شرطا، ولكنه بين بعد هذا أن هذا الإيتاء المأمور به مشروط بشرطين: الأول: بلوغ اليتامى، الثاني: إيناس الرشد منهم، وذلك قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) قال: الحلال بالحرام. قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا) ذكر في هذه الآية الكريمة أن أكل أموال اليتامى حوب كبير، أي: إثم عظيم، ولم يبين مبلغ هذا الحوب من العظم، ولكنه بينه في موضع أخر وهو قوله (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) ، يقول: لا تأكلوا أموالكم وأموالهم تخلطوها فتأكلوها جميعاً. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إنه كان حوبا كبيرا) قال: إثما عظيما. (وصححه الحافظ ابن حجر من طريق عكرمة عن ابن عباس (فتح الباري 8/246)) . قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رجلاً كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عَذْق وكان يُمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العَذْق وفي ماله. (الصحيح 8/86-87 ح 4573- ك التفسير- سورة النساء، ب (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) . العذق: النخلة، وبالكسر عِذْق: العرجون بما فيه من الشماريخ، ويجمع على عِذَاق. (النهاية لابن الأثير 3/199) . وقال البخاري: حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) ؟ فقالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويُعجبه مالها وجَمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها فيُعطيها مثل ما يُعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهنّ أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة قالت عائشة: وإن الناس استفتَوا رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ هذه الآية، فأنزل الله (ويستفتونك في النساء) قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدِكم عن يتيمته حين تكون قليلةَ المال والجمال، قالت: فنهوا عن أن ينكحوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كن قليلات المال والجمال. (الصحيح 8/87 ح 4574- ك التفسير- سورة النساء، ب (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) (وصحيح مسلم 4/2314- ك التفسير) . أخرج الطبري وبن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية، فقال (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية. قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن مهدي، ثنا النفيلي، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقى عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) قال: فكما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا أن لا تعدلوا في النساء، إنما جمعتموهن عندكم. قال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي. ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى، عن حُميضة بنت الشمردل، عن قيس بن الحارث " قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة. فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت ذلك له. فقال: اختر منهن أربعاً. وقال ابن ماجة: حدثنا يحيى بن حكيم. ثنا محمد بن جعفر. ثنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة. فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خذ منهن أربعاً ". (السنن ح 1952، 1953- النكاح- باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة) ، حديث قيس بن الحارث: أخرجه أبو داود من طريق هشيم به. (السنن 2/272- الطلاق) ، وقال ابن كثير: وهذا الإسناد حسن. (التفسير 2/184) وقال الألباني: حسن. (الإرواء6/295) . وحديث ابن عمر: أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم من طرق عن معمر به. (المسند 2/14، 44) ، (السنن- النكاح 4/278) ، (موارد الظمآن 1377) ، (المستدرك 2/192) . وقد أعله جماعة ووهموا فيه معمر بن راشد ولكن قد تابعه غيره على روايته، فقال ابن كثير: وهذا الإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد رجاله ثقات على شرط الصحيحين. ثم قد روي من غير طريق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 معمر، ثم ذكره بإسناد النسائي إلى مرار بن مجشر عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر بنحوه وقال: قال أبو علي بن السكن تفرد به مرار بن مجشر وهو ثقة وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي وكذلك رواه السميدع بن واهب عن مرار وقال الحافظ ابن حجر: ورجال إسناده ثقات (التلخيص الحبير 3/169) وقال الألبانى: صحيح. (انظر التفسير 2/182، 183 والإرواء6/291- 295) . قوله تعالى (أدنى ألا تعولوا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني ألا تميلوا. قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة..) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس: أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواةٍ، فرأى النبيُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاشة العُرس، فسأله، فقال. إني تزوجت امرأة على وزن نواة". وعن قتادة عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة من ذهب. (الصحيح 9/111 ح 5148- ك النكاح، ب قوله تعالى: (الآية)) . قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا عبد العزيز بن عمر. حدثني الربيع بن سبرة الجهني، أن أباه حدثه، أنه كان مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " يا أيها الناس! إني قد كنتُ أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله. ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً". (الصحيح 2/1025 ح 1406- ك النكاح، ب نكاح المتعة وبيان انه أبيح ثم نسخ ... واستقر تحريمه إلى يوم القيامة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني بـ "النحلة" المهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 قوله تعالى (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئًا مريئا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إذا كان من غير إضرار ولا خديعة، فهو هنيء مرىء كما قال الله جل ثناؤه. قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: امرأتك وبنيك، وقال: (السفهاء) الولدان، والنساء أسفه السفهاء. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) يقول الله سبحانه: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤونتهم. قال وقوله (قياما) . بمعنى: قوامكم في معايشكم. قوله تعالى (وقولوا لهم قولا معروفا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وقولوا لهم قولا معروفا) قال: أمروا أن يقولوا لهم قولا معروفا في البر والصلة. قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول الله تبارك وتعالى اختبروا اليتامى عند الحلم، فإن عرفتم منهم الرشد في حالهم والإصلاح في أموالهم فادفعوا إليهم أموالهم وأشهدوا عليهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فإن أنستم منهم رشدا) يقول: صلاحا في عقله ودينه. قوله تعالى (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إسرافا وبدارا) يعني: أكل مال اليتيم مبادرا أن يبلغ، فيحول بينه وبين ماله. قوله تعالى (ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) قال البخاري: حدثني إسحاق أخبرنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: (ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) أنها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيراً أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف. (الصحيح 8/89 ح 4575- ك التفسير- سورة النساء، ب (الآية) ، (صحيح مسلم 4/2315- ك التفسير) . قال أبو داود: حدثنا حميد بن مسعدة، أن خالد بن الحارث حدثهم، ثنا حسين -يعني المعلم- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: فقال: "كلْ مِن مال يتيمك غير مسرف، ولا مبادر، ولا متأثل". (السنن 3/115 ح 2872- ك الوصايا، ب ما جاء في ما لولى اليتيم أن ينال من مال اليتيم) . وأخرجه النسائي (السنن 6/256- ك الوصايا، ب ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه) . وأحمد (6747) و (7022) . قال ابن حجر: إسناده قوي. (فتح الباري 8/90) وقال محقق المسند: إسناده صحيح. وقال الألبانى: حسن صحيح. (صحيح النسائى 3429) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) يعني: القرض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 قوله تعالى (وكفى بالله حسيباً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وكفى بالله حسيباً) يقول: شهيداً. قوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أوكثر نصيبا مفروضا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) ، لم يبين هنا قدر هذا النصيب الذي هو للرجال والنساء مما ترك الوالدان والأقربون، ولكنه بينه في آيات المواريث كقوله (يوصيكم الله في أولادكم) الآيتين، وقوله في خاتمة هذه السورة الكريمة (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كانوا لا يورثون النساء، فنزلت: (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) . قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) قال البخاري: حدثنا أحمد بن حميد أخبرنا عبيد الله الأشجعى عن سفيان عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين) قال: هي مُحكمة. وليست. بمنسوخة. تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس (الصحيح 8/90 ح 4576- ك التفسير- سورة النساء الآية) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) أمر الله جل ثناؤه المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 ومساكينهم من الوصية، إن كان أوصى لهم، وإن لم تكن لهم وصية، وصل إليهم من مواريثهم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أبي الربيع، أنبا عبد الرزاق، أنبا ابن جريح أخبرنى ابن أبي مليكة أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر والقاسم بن محمد أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية، قالا: فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه قال: وتلا (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) قال: القسم، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: ما أصاب ذلك له، إنما ذلك إلى الوصية وإنما هذه الآية في الوصية، يريد الميت أن يوصي لهم. (وذكره ابن حجر وقال: أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد (فتح الباري 8/242) . وهو في تفسير عبد الرزاق) . قوله تعالى (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا) قال يقول: من حضر ميتا فليأمره بالعدل والإحسان، ولينهه عن الحيف والجور في وصيته، وليخش على عياله ما كان خائفا على عياله لو نزل به الموت. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا) ، يعني الرجل يحضره الموت، فيقال له تصدق من مالك واعتق، وأعط منه في سبيل الله، فنهوا اًن يأمروه بذلك، يعني من حضر منكم مريضا عند الموت فلا يأمره أن ينفق ماله في العتق والصدقة في سبيل الله، ولكن يأمره أن يبين ما له وما عليه من دين ويوصي من ماله لذي قرابته الذين لا يرثون، يوصي لهم بالخمس أو الربع، يقول أيسر أحدكم إذا مات وله ولد ضعاف -يعنى صغارا- إن يتركهم بغير مال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 فيكونوا عيالا على الناس، فلا ينبغي أن تأمروه بما لا ترضون به لأنفسكم ولأولادكم ولكن قولوا الحق من ذلك. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا) ، فهذا الرجل يحضر الرجل عند موته فيسمعه بوصية يضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه، ويسدده للصواب، ولينظر لورثته كما يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ما ينهى عنه من الإضرار في الوصية. قوله تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد المدني عن أبي الغيث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". (الصحيح 5/462 ح 2766- ك الوصايا، ب قوله تعالى (الآية)) . وانظر حديث الحاكم المتقدم عند تفسير الآية (220) من سورة البقرة. قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ماترك وإن كانت واحدة فلها النصف) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا حكمة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث مع أنهما سواء في القرابة. ولكنه أشار في موضع أخر وهو قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقب النقص دائما، والمقوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائما، والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبراً لنقصه المترقب ظاهرة جداً. قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني ابن المنكدر عن جابر - رضي الله عنه - قال عادني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر في بني سَلِمة ماشيين، فوجدني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش على فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالى يا رسول الله؟ فنزلت (يوصيكم الله في أولادكم) . (الصحيح 8/91 ح 4577- ك التفسير- سورة النساء الآية) ، (صحيح مسلم 3/1235-ك الفرائض، ب ميراث الكلالة) . قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المالُ للولد، وكانتِ الوصية للوالدين، فنَسخ الله من ذلك ما أحبّ: فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين، وجعل للأبوين لكلّ واحد منهما السدس والثلث، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع. (صحيح البخاري 8/93 ح 4578 -ك التفسير- سورة النساء، ب الآية) . قوله تعالى ( ... فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) قال البخاري: حدثنا أدم حدثنا شعبة حدثنا أبو قيس: سمعت هزيل بن شرحبيل قال: سُئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للابنة النصف وللأخت النصف وائت ابنَ مسعود فسيُتابعني، فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللتُ إذا وما أنا من المهتدين، أقضى فيها بما قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 (الصحيح 12/18 ح 6736- ك الفرائض، ب ميراث ابنة ابن مع ابنة. وأخرجه أيضاً في، ب ميراث الأخوات مع البنات عصباً عن ابن مسعود به مختصراً. الصحيح 12/25 ح 6742) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثني زكرياء بن عدي، أخبرنا عبيد الله ابن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا، ولا تنكَحَان إلا ولهما مال، قال: "يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عمهما، فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك". (السنن 4/414 ح 2092-ك الفرائض، ب ما جاء في ميراث البنات) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/352) عن زكريا بن عدي به. وأبو داود (السنن 3/121 ح 2892- ك الفرائض، ب ما جاء في ميراث الصلب من طريق داود بن قيس. وابن ماجه (السنن 2/908 ح 2720- ك الفرائض، ب فرائض الصلب) . من طريق سفيان بن عيينة. والحاكم (المستدرك 4/333، 334) من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي كلهم عن عبد الله بن محمد بن عقيل به. قال الترمذي. هذا حديث صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه الألبانى (صحيح ابن ماجه ح 2199) . قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس) أضروا بالأم ولا يرثون، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث، ويحجبها ما فوق ذلك. وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث لأن أباهم يلى نكاحهم والنفقة عليهم دون أمهم. قال ابن كثير: وهذا كلام حسن. قوله تعالى (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وقال البخاري: حدثنا بِشر بن محمد السختياني أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كلكم راع ومسئول عن رعيته، والإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته، قال: وأحسب أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه". (الصحيح 5/ 444 ح 2751- ك الوصايا، ب تأويل قوله تعالى (.. من بعد وصية يوصي)) . وانظر حديث البخاري (آية المنافق ... ) تحت الآية رقم (177) من سورة البقرة. وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (182) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) والدين أحق ما بدئ به من جميع المال، فيؤدى عن أمانة الميت، ثم الوصية، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم. قال أحمد: ثنا حيوة بن شريح، ثنا بقية، ثنا بَحير بن سعيد، عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إن الله عز وجل يوصيكم بالأقرب فالأقرب". (المسند 4/131) وأخرجه ابن ماجه (السنن 2/1207، 1208 ح 3661- ك الأدب، ب بر الوالدين) عن هشام بن عمار، والحاكم (المستدرك 4/151- ك البر والصلة) من طريق أسد بن موسى، كلاهما عن إسماعيل بن عياش عن بحير به. وصححه الألبانى (السلسلة الصحيحة ح 1666) . وأخرجه البيهقي من طريق بقية به (السنن الكبرى 4/179) وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه البيهقي بإسناد حسن (التلخيص الحبير 4/10) وحسنه السيوطى (الجامع الصغير2/319 ح 1946) . قوله تعالى (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله) أخرج الطبري وأبن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أطوعكم لله من الآباء والأبناء، أرفعكم درجة يوم القيامة، لأن الله سبحانه يشفع المؤمنين بعضهم في بعض. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (أيهم أقرب لكم نفعا) في الدنيا. انظر تفسير سورة البقرة آية (236) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 قوله تعالى (إن الله كان عليما حكيما) اخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (حكيما) قال حكيم في أمره. قوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) قال مسلم: حدثنا عبد الأعلى بن حماد (وهو النرسي) . حدثنا وُهيب عن ابن طاوُس، عن أبيه، عن ابن عباس. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولَى رجل ذكر". (الصحيح 3/1233ح 1615 - ك الفرائض، ب ألحقوا الفرائض بأهلها) . قوله تعالى (فلهن الثمن مما تركتم) انظر حديث جابر في امرأة سعد بن الربيع في الآية السابقة. قوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الكلالة من لم يترك ولدا ولا والدا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وله أخ أو أخت) فهؤلاء الاخوة من الأم: وإن كان واحد فله السدس، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء. قوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم) انظر الآية السابقة قول قتادة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (غير مضار) قال: في ميراث أهله. قال الطبري: حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا عبيدة بن حميد وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال حدثنا ابن علية جميعاً، عن داود بن أبي هند، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية: (غير مضار وصية من الله والله عليم حليم) قال: الضرار في الوصية من الكبائر. (وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم كلاهما في التفسير، والبيهقي (السنن الكبرى 6/271) كلهم من طريق داود بن أبي هند به، وصححه ابن أبي حاتم ونقل ابن كثير تصحيحه عن الطبري) . قال البخاري: حدثنا محمد بن خالد حدثنا محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي عن عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه". (الصحيح4/226-227 ح 1952- ك الصوم، باب من مات وعليه صوم) . قوله تعالى (كذلك حدود الله) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني طاعة الله، يعني المواريث التي سمى الله. قوله تعالى (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده) في شأن المواريث التي ذكر من قبل. قوله تعالى (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. أخبرنا هُشيم عن منصور، عن الحسن، عن حِطان بن عبد الله الرّقاشي، عن عُبادة بن الصامت. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خذوا عني. خذوا عني. قد جعل الله لهن سبيلاً. البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم". (الصحيح 3/1316 ح 1690 -ك الحدود- ب حد الزنى) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) لم يبين هنا هل جعل لهن سبيلا أولا؟ ولكنه بين في مواضع أنه جعل لهن السبيل بالحد كقوله في البكر (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما) الآية. وقوله في الثيب الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. لأن هذه الآية باقية الحكم كما صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه - وأرضاه- وإن كانت منسوخة التلاوة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانت المرأة إذا زنت جلست في البيت حتى تموت، وفي قوله (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) قال: كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعزير، وضرب بالنعال فأنزل الله عز وجل بعد هذا (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) النور: 2. فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا وهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (واللذان يأتيانها منكم) الزانيان. قوله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) قال ابن ماجه: حدثنا راشد بن سعيد الرملى. أنبأنا الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جُبير بن نفير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يُغرغِر". (السنن ح 4253- ك الزهد، باب ذكر التوبة) . قال المزي: عند ابن ماجة عبد الله بن عمرو وهذا وهم والصواب ابن عمر (تحفة الأشراف 5/328) . قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لتدليس الوليد ومكحول الدمشقي (مصباح الزجاجة 3/309) . أخرجه الترمذي من طريق محمد بن بشار وأبي ثابت العقدي عن ابن ثوبان عنه به (السنن- الدعوات، باب إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) . وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 حسن غريب. ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من طريق ابن ثوبان به (مصباح الزجاجة 3/ 09) . ذكره ابن كثير وقال: ووقع في سنن ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو وهو وهم إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب ا. هـ. ثم ذكر له شواهد موصولة ومرسلة (انظر التفسير 2/206، 207) . وحسنه السيوطي (الجامع الصغير 2/306) ، وصححه أحمد شاكر في المسند (ح 6160) وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/418) . أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (للذين يعملون السوء بجهالة) قال: كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. وانظر سورة الأنعام آية (54) وتفسيرها. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ثم يتوبون من قريب) والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت. قوله تعالى (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا اليماً) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك (إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) النساء: 48 فحرم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) قال: هذا في أهل النفاق. وبه عن أبي العالية: (أليماً) قال: الأليم الموجع في القرآن كله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا أسباط بن محمد حدثنا الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس -قال الشيباني وذكره أبو الحسن السوائى ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس- (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن) قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وان شاءوا لم يُزوجوها وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك. (الصحيح 8/93 ح 4579 -ك التفسير- سورة النساء، ب الآية) . قال النسائي: نا على بن المنذر، عن ابن فضيل، نا يحيى بن سعيد، عن محمد ابن أبي أمامة، عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده، فكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً) . (التفسير 1/369 ح 115) . وأخرجه الطبري (التفسير 8/105 ح 8870) من طريق عبد الرحمن ابن صالح. وابن أبي حاتم (التفسير- النساء/ آية 19ح 2580) عن أبي سعيد الأشج. وابن مردويه- كما في ابن كثير (1/701) - من طريق علي بن المنذر، كلهم عن محمد بن فضيل به. قال الحافظ ابن حجر: إسناد حسن. (فتح الباري 8/95) . وحسنه السيوطي في (لباب النقول ص 65) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا مات وترك جارية ألقى عليها حميمة ثوبه فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها. قوله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تعضلوهن: لا تقهروهن (لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن) يعني: الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر، فيضر بها لتفتدى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 قوله تعالى (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ٍ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) هو البغض والنشوز، فإذا فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية. قوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود قال، أنبأنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول: سألت عائشة عن خلُق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالت: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. (السنن 4/369 ح 2016- ك البر والصلة، ب ما جاء في خلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه أحمد (المسند 6/174) من طريق محمد بن جعفر عن شعبة به. وأخرجه في (الزهد ص4) من طريق زكريا ابن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن الجدلى به، وفيه قول الجدلى: كيف كان خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أهله؟. وأخرجه ابن حبان من هذا الطريق وبهذا اللفظ أيضاً (الإحسان 14/355 ح 6443) قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني (صحيح الترمذي ح 1640) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه". (السنن 5/709 ح 3895- ك المناقب، ب فضل أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث الثورى ... وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/484ح 4177) من طريق: هشام بن عبد الملك ويحيى بن عثمان، عن محمد بن يوسف به. قال محققه: إسناده صحيح. وصححه الألباني (صحيح الترمذي 3/245) . وأخرج له الحاكم شاهداً من حديث أبي هريرة بدون الجملة الأخيرة (المستدرك 3/311، 312) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ... وأخرج عن ابن عباس بنحوه (المستدرك 4/173) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على كل منهما) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 قوله تعالى (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) قال مسلم: وحدثني إبراهيم بن موسى الرازي، حدثنا عيسى (يعنى ابن يونس) : حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمران بن أبي أنس، عن عمر بن الحكم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" أو قال "غيره". (الصحيح 2/1091 ح 1469- الرضاع، ب الوصية بالنساء) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) يقول فعسى الله أن يجعل في الكراهة خيراً كثيراً. قوله تعالى (وإن أردتم إستبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) قال: إن كرهت امرأتك وأعجبك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك. وبه عن ابن عباس قوله: (وآتيتم إحداهن قنطارا) قال: إن كرهت امرأتك وأعجبك غيرها، فطلقت هذه وتزوجت تلك، فأعط هذه مهرها وإن كان قنطارا. قوله تعالى (فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (فلا تأخذوا منه شيئاً) قال، فلا يحل له من مال المطلقة شيء وإن كثر. وبه عن مجاهد قوله: (بهتانا) قال: إثماً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 قوله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا مقاتل بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزنى، عن ابن عباس في قوله: (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) قال: الإفضاء: الجماع. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قال: هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقدة النكاح. قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم المكى، عن مجاهد في قوله: (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قال قوله: نكحتُ. وأبو هاشم هو إسماعيل بن كثير. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالى (ولا تنكحوا مانكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن نكاح المرأة التي نكحها الأب، ولم يبين ما المراد بنكاح الأب هل هو العقد أو الوطء، ولكنه بين في موضع أخر أن اسم النكاح يطلق على العقد وحده، وإن لم يحصل مسيس وذلك في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) فصرح بأنه نكاح وأنه لا مسيس فيه. وقد أجمع العلماء على أن من عقد عليها الأب حرمت على ابنه وإن لم يمسها الأب، وكذلك عقد الابن محرّم على الأب إجماعا، وإن لم يمسها وقد أطلق تعالى النكاح لا آية أخرى مريدا به الجماع بعد العقد وذلك في قوله (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) . قال أبو داود: حدثنا عمرو بن قسَيط الرقي، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء، عن أبيه، قال: لقيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 عَمّي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرنى أن أضرب عنقه وآخذ ماله. (السنن 4/ 157 ح 4457- ك الحدود، ب في الرجل يزني بحريمه) ، وأخرجه النسائي في (سننه 6/109-110- ك النكاح، ب نكاح ما نكح الآباء) من طريق عبد الله بن جعفر عن عبيد الله بن عمرو به. والحاكم في (المستدرك، 4/ 357- ك الحدود) . ونقل المنذري عن ابن القيم قوله: والحديث له طرق حسان يقوي بعضها بعضاً (تهذيب السنن 6/266) ، وأورد ابن القيم شاهداًٍ له بإسناد صحيح (زاد المعاد 5/15) . وصححه الألباني وأفاض في الكلام عليه وبيان طرقه، ومتابعاته (الإرواء رقم 2351) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كل ذات تزوجها أبوك وابنك دخل أو لم يدخل، فهي عليك حرام. قوله تعالى (إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى (إلا ما قد سلف) يقول: في جاهليتكم. وسنده صحيح. وبه عن عطاء بن رباح (وساء سبيلا) قال: طريقا لمن عمل به. قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ... ) قال البخاري: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرتها: أن رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت فقلتُ: يا رسول الله، هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أراه فلاناً" لعمّ حفصة من الرضاعة- قالت عائشة: لو كان فلان حياً -لعمها من الرضاعة- دخل عليّ؟ فقال: نعم، الرضاعة تحرّم ما تحرم الولادة ". (الصحيح 9/43، ح 5099- ك النكاح، ب (الآية) ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . (وصحيح مسلم 2/1068 ح 1444- ك الرضاعة، ب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 قال مسلم: وحدثني حرملة بن يحيى. حدثنا ابن وهب. أخبرنى يونس عن ابن شهاب، عن عروة، أن عائشة أخبرته، أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها بعد ما نزل الحجاب. وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة. قالت عائشة: فقلت: والله! لا آذن لأفلح. حتى استأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني. ولكن أرضعتني امرأته. قالت عائشة: فلمّا دخل رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلتُ: يا رسول الله! إن أفلح أخا أبي القعيس جاءنى يستأذن عليّ. فكرهتُ أن أذن له حتى استأذنك. قالت: فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ائذني له". قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرّموا من الرضاعة ما تحرّمون من النسب. (الصحيح 2/1069 ح 1445- ك الرضاعة- ب تحريم الرضاعة من ماء الفحل) . قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن الأشعث، عن أبيه، عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندَها رجل، فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظُرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المَجاعة". (الصحيح 9/50 ح 5102- ك النكاح، ب من قال: لا رضاع بعد حولين ... ) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه ح 1455- ك الرضاع، ب إنما الرضاعة من المجاعة) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأتُ على مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عَمرة، عن عائشة، أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحرِّمن. ثم نسخن: بخمس معلومات. فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهُنّ فيما يُقرأ من القرآن. (الصحيح 2/1075 ح 1452- ك الرضاع، ب التحريم بخمس رضعات) . وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم. كلهم عن المعتمر (واللفظ ليحيى) . أخبرنا المعتمر بن سليمان عن أيوب، يُحدّث عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم الفضل. قالت: دخل أعرابى على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في بيتي. فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى. فزعمت امرأتى الأولى أُنها أرضعت امرأتي الحدثى رضعة أو رضعتين. فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان". قال عمرو في روايته: عن عبد الله بن الحارث بن نوفل. (الصحيح 2/1074 ح 1451- ك الرضاع، ب في المصة والمصتان) . قوله تعالى ( ... وأخواتكم من الرضاعة ... ) قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حُسين قال حدثني عبد الله بن أبي مُليكة عن عقبة ابن الحارث أنه تزوج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعتُ عقبة والتي تزوّج. فقال لها عُقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني. فركب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، فسأله، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف وقد قيل". ففارقها عُقبة، ونكحت زوجاً غيره. (الصحيح 1/222 ح 88- ك العلم، ب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله) . قوله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب عن أم حبيبة قالت: قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال: " فأفعل ماذا"؟. قلت: تنْكحُ. قال: " أتحبين"؟ قلت: لستُ لك. بمخلية، وأحب من شركتي فيك أختي. قال: "إنها لا تحل لي"، قلت بلغني أنك تخطب. قال: "ابنة أم سلمة"؟ قلت: نعم. قال: " لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي، أرضعتني وإياها ثُويبة، فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن". قال الليث حدثنا هشام (دُرة بنت أم سلمة) . (الصحيح 9/158 ح 5106- ك النكاح، ب الآية) . وأخرجه مسلم في (صحيحه 2/1072 - ك الرضاع، ب تحريم الربيبة وأخت المرأة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 قوله تعالى (من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الدخول: النكاح. قوله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وبه عن ابن عباس قوله تعالى: (فلا جناح عليكم) قال: فلا حرج. قوله تعالى (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) والآية قال الشيخ الشنقيطي: يفهم منه أن حليلة دعيه الذي تبناه لا تحرم عليه، وهذا المفهوم صرح به تعالى في قوله (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) وقوله (وما جعل أدعيائكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم) وقوله (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الآية. قوله تعالى (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) قال ابن ماجة: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي وهب الجيشاني، حدثه أنه سمع الضحاك بن فيروز الديلمي يحدث عن أبيه، قال: أتيتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! إني أسلمت وتحتي أختان. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لي: "طلق أيتهما شئت". (السنن 1/627 ح 1951- ك النكاح، ب الرجل يسلم وعنده أختان) . وأخرجه أحمد (المسند 4/232) عن يحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة به. قال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة ح 1587) . وأخرجه الترمذي (السنن 3/427 ح 2911) عن قتيبه عن ابن لهيعة، لكن لفظه: "أختر أيتهما شئت". وقد توبع ابن لهيعة في اللفظ الأول، فأخرجه ابن ماجة (ح 1950) من طريق إسحاق بن أبي فروة عن أبي وهب به. وتوبع في اللفظ الثاني، أخرجه الترمذي (ح 1130) من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب، وقال: حديث حسن. وقال ابن حجر: صححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي (بلوغ المرام مع سبل السلام 3/279) ، وحسنه الألباني (صحيح سنن الترمذي ح 902) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها". (الصحيح 9/64 ح 5109- ك النكاح، ب لاتنكح المرأة على عمتها) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 2/1028ح 33- ك النكاح، ب تحريم الجمع في المرأة وعمتها والمرأة وخالتها) . قال مالك: عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين، هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية. فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. قال: فخرج من عنده، فلقى رجلا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأله عن ذلك؟ فقال: "لو كان لى من الأمر شىء، ثم وجدت أحدا فعل ذلك، لجعلته نكالا. قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب. (الموطأ 2/538 ح 33- النكاح، ب ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين والمرأة وابنتها) . ورجاله ثقات وسنده صحيح. قوله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري. حدثنا يزيد بن زُريع. حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن صالح، أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يوم حنين، بعث جيشاً إلى أوطاس، فلقوا عدواً. فقاتلوهم. فظهروا عليهم. وأصابوا لهم سبايا. فكأن ناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله عز وجل في ذلك: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) . أي: فهُن لكم حلال إذا انقضت عدتهن. (الصحيح 2/1079 ح 1456- ك الرضاع، ب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء..) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) كل امرأة لها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 زوج فهي عليك حرام، إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب فهي لك حلال إذا استبرأتها. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كل ذات زوج عليكم حرام، إلا الأربع اللائى ينكحن بالبينة والمهر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا يوسف الصفار، ثنا أبو أسامة، أخبرنى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى مشركة محصنة، يعنى: اليهوديات والنصرانيات. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ... ) قال الشيخ الشنقيطي: يعني: كما أنكم تستمتعون بالمنكوحات فأعطوهن مهورهن في مقابلة ذلك، وهذا المعنى تدل له آيات من كتاب الله كقوله تعالى: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) الآية. فإفضاء بعضهم إلى بعض المصرح بأنه سبب لاستحقاق الصداق كاملا، هو بعينه الاستمتاع المذكور هنا في قوله (فما استمتعتم به منهن) الآية. أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (محصنين) ، قال: متناكحين (غير مسافحين) ، قال: زانين بكل زانية. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) إذا تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله، والاستمتاع هو النكاح. انظر تفسير سورة البقرة آية (236) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماً حكيماً) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: التراضي: أن يوفيها صداقها ثم يخيرها. قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن الأمة لا يجوز نكاحها، ولو عند الضرورة إلا إذا كانت مؤمنة بدليل قوله (من فتياتكم المؤمنات) فمفهوم مخالفته أن غير المؤمنات من الإماء لا يجوز نكاحهن على كل حال، وهذا المفهوم يفهم من مفهوم آية أخرى وهي قوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فإن المراد بالمحصنات فيها الحرائر على أحد الأقوال، ويفهم منه أن الإماء الكوافر لا يحل نكاحهن ولو كن كتابيات. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومن لم يستطع منكم طولا) من لم يكن له سعة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (أن ينكح المحصنات) أن ينكح الحرائر، فلينكح من إماء المؤمنين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (من فتياتكم المؤمنات) قال: لا ينبغي أن يتزوج مملوكة نصرانية. قوله تعالى (فانكحوهن بإذن أهلهن) قال ابن ماجة: حدثنا جميل بن الحسن العتكي. ثنا محمد بن مروان العُقيلى. ثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُزوج المرأةُ المرأةَ. ولا تزوج المرأة نفسها. فإن الزانية هي التي تزوج نفسها". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 (السنن ح 1882 -ك النكاح- باب لا نكاح إلا بولى) . قال محقق السنن: في الزوائد: في إسناده جميل بن الحسن العتكي. قال فيه عبدان: إنه فاسق يكذب، يعني في كلامه. وقال ابن عدي: لم أسمع أحدا تكلم فيه غير عبدان، إنه لا بأس به، ولا أعلم له حديثاً منكراً. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: يغرب. وأخرج له في صحيحه هو وابن خزيمة والحاكم. وقال مسلمة الأندلسي: ثقة. وباقي رجال الإسناد ثقات ا. هـ. والذى في مصباح الزجاجة غير هذا بالمرة (انظر 1/332) .وقد أخرجه الدارقطني من طريق عبد السلام بن حرب عن هشام به، وفي آخره بلفظ ".. إن التى تزوج نفسها هي الفاجرة.." (السنن3/227 ح 26) وصحح ابن الملقن رواية الدارقطني (خلاصة البدر المنير 2/187 ح 1938) . وقال الألباني في أحد هذه الطرق: إسناده صحيح على شرط الشيخين. (انظر الإرواء 6/249) . وذكره ابن كثير (2/227) . وانظر حديث ابن ماجة الآخر المتقدم تحت الآية رقم (232) من سورة البقرة. وهو حديث: "لا نكاح إلا بولي". قوله تعالى (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني تنكحوهن عفائف غير زوان في سر ولا علانية ولا متخذات أخدان "يعني في أخلاء". قوله تعالى (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا العذاب الذي على المحصنات -وهن الحرائر- الذي نصفه على الإماء، ولكنه بين في موضع أخر أنه جلد مائة بقوله (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فيعلم منه أن على الأمة الزانية خمسين جلدة ويلحق بها العبد الزاني فيجلد خمسين، فعموم الزانية مخصوص بنص قوله تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وعموم الزاني مخصوص بالقياس على المنصوص، لأنه لا فارق البتة بين الحرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 والأمة إلا الرق، فعلم أنه سبب تشطير الجلد فأجرى في العبد لاتصافه بالرق الذي هو مناط تشطير الجلد، وهذه الآية عند الأصوليين من أمثلة تخصيص عموم النص بالقياس، بناء على أن نوع تنقيح المناط المعروف بإلغاء الفارق يسمى قياسا، والخلاف في كونه قياسا معروف في الأصول. أما الرجم فمعلوم أنه لا يتشطر، فلم يدخل في المراد بالآية. قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمى. حدثنا سليمان أبو داود. حدثنا زائدة عن السُّدّي، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن. قال: خطب عليّ فقال: يا أيها الناس! أقيموا على أرقّائكم الحدّ. من أحصن منهم ومن لم يُحصن. فإن أمَة لِرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زنت. فأمرني أن أجلدها. فإذا هي حديث عهد بنفاس. فخشيتُ، إن أنا جلدتها، أن أقتلها. فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أحسنتَ". (الصحيح 3/1330 ح 1705- ك الحدود، ب تأخير الحد عن النفساء) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال قوله (فإذا أحصن) إذا تزوجن حرا. قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا سفيان عن الزهري حدثني عبيد الله سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - وزيد بن خالد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها في الثالثة أو الرابعة فبيعوها ولو بضفير". (الصحيح 5/211 ح 2555، 2556- ك العتق، ب كراهية التطاول على الرقيق ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1328 ح 1703- ك الحدود، ب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) من الجلد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) خمسون جلدة، ولا نفى ولا رجم. قوله تعالى (ذلك لمن خشي العنت) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (العنت) الزنا. قوله تعالى (وأن تصبروا خير لكم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (وأن تصبروا خير لكم) وأن تصبروا عن الأمة خير لكم. قوله تعالى (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: مبدأ التوبة من الله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم) من تحريم الأمهات والبنات، كذلك كان سنة الذين من قبلكم، ثم قال: (والله يريد أن يتوب عليكم) . قوله تعالى (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ويريد الذين يتبعون الشهوات) قال: الزنا (أن تميلوا ميلا عظيما) قال: يريدون أن تزنوا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ويريد الذين يتبعون الشهوات) قال هم اليهود والنصارى (أن تميلوا ميلا عظيما) . قوله تعالى (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يريد الله أن يخفف عنكم) في نكاح الأمة، وفي كل شيء فيه يسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحسى، ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه: (وخلق الإنسان ضعيفا) قال: في أمر النساء. قال وكيع: يذهب عقله عندهن. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً) قال ابن ماجة: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي. ثنا مروان بن محمد. ثنا عبد العزيز بن محمد، عن داود بن صالح المدني، عن أبيه، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما البيع عن تراض". (السنن ح 2185- التجارات، باب بيع الخيار) قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان ثنا سعيد بن عبد الجبار ثنا الدراوردى عن داود بن صالح به وزيادة. ورواه البيهقي في الكبرى من طريق يحيى بن سليمان عن عبد العزيز فذكره بإسناده ومتنه، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، رواه الترمذي وابن ماجة، ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة. (مصباح الزجاجة 2/10) . وحسنه السيوطي (الجامع الصغير 2/559 ح 2551) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/13) . قال البخاري: حدثنا صدقة، أخبرنا عبد الوهاب، قال سمعت يحيى بن سعيد، قال سمعت نافعا، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا". قال نافع: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه. (الصحيح ح 2107- البيوع، ب كم يجوز الخيار) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه- البيوع ح 45) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الموصلى، ثنا ابن فضيل، عن داود الأدوي، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) قال: إنها لمحكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال زهير: حدثنا جرير) عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، قال: دخلتُ المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر، فنزلنا منزلا، فمنّا من يصلح خباءه. ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَره. إذ نادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: "إنه لم يكن نبي قبلى إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها. وسيصيب أخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيُرقق بعضها بعضاً. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي، ثم تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويُدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء أخر ينازعه فاضربوا عنق الأخر". فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيده. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي، فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) . قال: فسكت ساعةً ثم قال: أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله. (الصحيح 3/1472-1473 ح 1844- ك الأمارة، ب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء ... ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فقال المسلمون إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو من فضل الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك فأنزل الله تعالى بعد ذلك: (ليس على الأعمى حرج) الآية. (التفسير- النساء/29، ح 2900) . وقد أخرج هذا الحديث أبو داود (السنن 3/343 ح 3753- ك الأطعمة، ب نسخ الضيف يأكل من مال غيره) من طريق يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه. قال الألباني: حسن الإسناد (صحيح أبي داود ح 3192) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) قال: التجارة رزق من رزق الله، وحلال من حلال الله، لمن طلبها بصدقها وبرها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قول الله تبارك وتعالى (عن تراض منكم) ، في تجارة أو بيع، أو عطاء يعطه أحد أحدا. قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك -وكان من أصحاب الشجرة- حدثه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من حَلَفَ على ملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال، وليس على ابن أدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشىء في الدنيا عُذب به يوم القيامة، ومن لَعنَ مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله". (الصحيح 10/479 ح 6047- ك الأدب، ب ما ينهى عن السب واللعن) . وأخرجه مسلم في (الصحيح - ك الإيمان، ب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، ح 176-177) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت ذكوان يحدث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 فيه خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبداً". (الصحيح 10/258 ح 5778- ك الطب، ب شراب السم والدواء به ... ) ، وأخرجه مسلم (ك الإيمان، باب غلظ تحريم قتل النفس ح 175) . قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى، أخبرنا وهب بن جرير: أخبرنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيِب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير (المصري) ، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول (وٍ لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل شيئا. قال أبو داود: عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة، وليس هو ابن جبير بن نفير. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن سلمة (المرادي) : أخبرنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، أن عمرو بن العاص كان على سرية، وذكر الحديث نحوه، قال: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم، فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم، قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه "فتيمم". (السنن 1/92 ح 334، 335- ك الطهارة، ب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟) . والرواية الثانية: أخرجها ابن حبان في صحيحه (الإحسان 4/142-143 ح 1315) من طريق. عمرو بن الحارث عن يزيد به. قال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أحمد من طريق ابن لهيعة به، (المسند 4/203، 204) قال ابن حجر: إسناده قوى (الفتح1/454) وصححه النووي كما نقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 الألباني (إرواء الغليل 1/181، 182) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 1/177- ك الطهارة) عن عمرو ابن الحارث ورجل آخر، عن يزيد به، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقد رجح ابن القيم الرواية التي فيها الغسل على رواية التيمم (زاد المعاد 3/388) . قال النسائى: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا بقية قال: حدثني بجير بن سعد، عن خالد بن معدان أن أبارهم السمعي حدثهم أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويجتنب الكبائر كان له الجنة فسألوه عن الكبائر؟ فقال: "الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف". (السنن7/88- ك تحريم الدم، ب ذكر الكبائر) . وأخرجه أحمد (المسند 5/413) من طريق حيوة عن بقيه به. وصححه الألباني (صحيح النسائي ح 3743) وحسنه الأرناؤوط (جامع الأصول 10/626) . قوله تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه" قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه". (الصحيح 10/417 ح 5973 - ك الأدب، ب لا يسب الرجل والديه) . وأخرجه مسلم (الصحيح 1/92 ح 90- ك الإيمان، ب بيان الكبائر وأكبرها) . وانظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (10) من السورة نفسها "اجتنبوا السبع الموبقات". وانظر حديث النسائي عن أبي أيوب المتقدم عند الآية (29) من السورة نفسها. وهو حديث: "من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ... ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 قال الترمذي: حدثنا حميد بن مسعدة بصري. حدثنا بِشر بن المفضل حدثنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أحدثكم بأكبر الكبائر"؟. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعُقوق الوالدين"، قال: وجَلَسَ وكان متكئاً قال: "وشهادة الزور- أو قال: قول الزور" قال: فما زال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولها حتى قلنا ليته سكت. قال أبو عيسى. هذا حديث حسن غريب صحيح. (السنن5/235-236 ح 3019-3021- ك التفسير، ب سورة النساء) . وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . قال الحاكم: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا إسحاق ابن الحسن ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان (وحدثنا) أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم انبأ وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: الكبائر من أول سورة النساء إلى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) من أول السورة ثلاثين آية. (المستدرك 1/59 - ك الإيمان) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وجب إخراجه على ما شرطت في تفسير الصحابة) . قال ابن خزيمة: ثنا علي بن مسلم قال: ثنا أبو داود قال: ثنا الحكم بن خزرج قال: ثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". (التوحيد 2/656، ب ذكر لفظة رويت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذكر الشفاعة) . وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 5/21-22 ح 1622-1623) من طريق محمد بن رافع وعلي بن مسلم عن كلاهما عن أبي داود -وهو الطيالسي- به. وصحح محققه إسناديهما) . وأخرجه الترمذي (السنن 4/625 ح 2435) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 8/132 ح 6434) ، والحاكم (المستدرك 1/69) كلهم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه البيهقي. (انظر تخريج إحياء علوم الدين 5/2205 ح 3483، وكشف الخفا 2/10) . وقال الحافظ ابن كثير: إسناد صحيح على شرط الشيخين (التفسير 2/248) ، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي ح 1983) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وانظر حديث البخاري عن عبد الله بن مسعود الآتي عند الآية (68) من سورة الفرقان. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الكبائر: كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، أو لعنة أو عذاب. قوله تعالى (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما) قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم سلمة، أنها قالت: يغزو الرجال ولا يغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث. فأنزل الله: (ولا تتمنوا ما فضّل الله بعضكم على بعض) . قال مجاهد: فأنزل فيها: (إن المسلمين والمسلمات) وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة. قال أبو عيسى: هذا حديث مرسل. ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرسلاً أن أم سلمة قالت: كذا وكذا. (السنن 5/237 ح 3022- ك تفسير القرآن، ب من سورة النساء) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/305-306) من طريق قبيصة عن سفيان به، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبري في تفسيرة (8/262 ح 9241) من طريق: عبد الرزاق، عن سفيان: وعنده: عن مجاهد قال: قالت أم سلمة. ولأجل ذلك حكم الترمذي على الرواية السالفه بالإرسال، ولكن رد الشيخ أحمد شاكر القول بإرساله في بحث له نافع، وأثبت صحة الحديث واتصاله (حاشية الطبري 8/263) ، وصححه الألباني (صحيح الترمذي ح 2419) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يتمنى الرجل فيقول: "ليت لي مال فلان أو أهله فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) : يعني مما ترك الوالدان والأقربون، يقول: للذكر مثل حظ الأنثيين. قوله تعالى (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ... ) قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما (ولكل جعلنا موالي) قال: ورثة. (والذين عقدت أيمانكم) كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصارىَّ دون ذوي رحمه للأخوة التي أخى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم فلما نزلت (ولكل جعلنا موالي) نسخت. ثم قال (والذين عقدت أيمانكم) من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له. سمع أبو أسامة إدريس. سمع إدريس طلحة. (الصحيح 8/96 ح 4580- ك التفسير، سورة النساء) . قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري. بمرو ثنا محمد بن موسى بن حاتم ثنا علي بن الحسن بن شقيق انبأ الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب ليرث أحدهما الآخر فنسخ الله ذلك بالأنفال (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . (المستدرك 4/346- ك الفرائض) . وسكت عنه وكذا الذهبي. وقد رويت عدة آثار في ذلك تقوي أثر ابن عباس وتشهد له. (انظر بيان ذلك في مرويات الإمام أحمد في التفسير 1/353) . ومن هذه الآثار رواية الطبري عن ابن عباس التالية: أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الموالي، العصبة، يعنى: الورثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) الأحزاب: 6. يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت وذلك هو المعروف. وانظر حديث مسلم عن جبير بن مطعم الآتي عند الآية (91) من سورة النحل: "لا حلف في الإسلام". قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا النضر بن شميل، أخبرنا محمد ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". (السنن 3/456 ح 1159- ك الرضاع، ب حق الزوج على المرأة) قال الترمذي: حسن غريب. وقال الألبانى: حسن صحيح (صحيح الترمذى ح 926) . وأخرجه أحمد (المسند 4/381) من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وله زيادة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله" ... ) ، وأخرجه الحاكم من حديث قيس بن سعد وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/187) وصححه السيوطي (الجامع الصغير 5/329 ح 7482) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الرجال قوامون على النساء) يعني: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنة إلى أهله، حافظة لماله وفضله عليها بنفقته وسعيه.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 قوله تعالى (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) قال الطبري: حدثني المثنى، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا أبو معشر قال، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" قال: ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الرجال قوامون على النساء) الآية. (التفسير 8/295 ح 9328) ، وأخرجه الطيالسي (المسند ص 306 ح 2325) عن أبي معشر به. وقد تابع أبا معشر محمد بن عجلان: أخرجه النسائى (السنن 6/68- ك النكاح، ب أي النساء خير) . وأحمد (المسند 2/251، 432، 438) والحاكم (المستدرك 2/161) من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقرى به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام، ذكره الهيثمي (المجمع 4/273) وقال: رواه الطبرانى وفيه زريك بن أبي زريك ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. قال الألبانى: وزريك معروف وثقة ... -ثم ذكر توثيق ابن معين له- ومن طريق الطبراني أخرجه الضياء في (المختارة 58/180/1/ق) ، (الصحيحة 4/453 ح 1838) وله شاهد أخر من حديث عبد الله بن عمر: أخرجه ابن ماجة (1/1857) . وصححه الألبانى (المصدر المتقدم) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (قانتات) مطيعات.. وانظر تفسير سورة البقرة آية (116) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (حافظات للغيب بما حفظ الله) يعنى إذا كن هكذا فأصلحوا إليهن. قوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن النشوز قد يحصل من النساء ولم يبين هل يحصل من الرجال نشوز أو لا؟ ولكنه بين في موضع أخر أن النشوز قد يحصل من الرجال. وهو قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يُجامعها في أخر اليوم". (الصحيح 9/213 ح 5204-ك النكاح، ب ما يكره من ضرب النساء ... ) . قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان قال حدثني حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: آلى رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نسائه شهراً، وقعد في مشربة له، فنزل لتسع وعشرين، فقيل: يا رسول الله إنك آليت شهراً، قال: "إن الشهر تسع وعشرون". (الصحيح 9/112 ح 5201 -ك النكاح- ب قوله الله تعالى الآية ... ) . قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أخبرنا أبو قزعة الباهلي، عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا تُقبّح ولا تهجر إلا في البيت. قال أبو داود: "ولا تقبح الوجه" أن تقول: قبحك الله. (السنن 2/244 ح 2142 -ك النكاح، ب في حق المرأة على زوجها) . وأخرجه أحمد (المسند 4/447) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 6/188 ح 4163) ، والحاكم (المستدرك 2/187) كلهم من طريق أبي قزعة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال الألباني: حسن صحيح. (صحيح أبي داود ح 1875) . انظر حديث مسلم عن جابر في صفة حجة الوداع المتقدم عند الآية (19) من السورة نفسها. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (واللاتى تخافون نشوزهن) تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره فأمر الله عز وجل أن يعظها ويذكرها بالله، ويعظم حقه عليها، فإن قبلت وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها -وذلك عليها شديد- فإن رجعت وإلا ضربها ضربا غير مبرح ولا يكسر له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 عظما ولا يجرح لها جرحاً قال (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) يقول: "إذا أطاعتك فلا تتجن عليها العلل". أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: عظوهن فإن أطعنكم، وإلا فاهجروهن. والهجر أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (فلا تبغوا عليهن سبيلا) فحرم الله ضربهن عند الطاعة. قوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى الطبّاع، حدثني يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس، مرجعه من العراق ليالى قتل على فقالت له: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما اسألك عنه؟ تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي؟ قال: ومالي لا أصدُقك! قالت: تحدثنى عن قصتهم، قال: فإن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية ألاف من قرّاء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميصٍ ألبسكه الله تعالى، واسم سماك الله تعالى به، ثم انطلقت فحكّمت في دين الله، فلا حكم إلا لله تعالى، فلما أن بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه عليه، فأمر مؤذنا فأذن، أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يصُكه بيده ويقول: أيها المصحف! حدّث الناس! فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه؟ إنما هو مداد في ورق! ونحن نتكلم. بما روينا منه! فماذا تريد؟ قال: أصحابكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفّق الله بينهما) فأمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل ... (المسند ح 656) ، وصحح أحمد شاكر إسناده، وأخرجه الضياء (المختارة 2/222-226 ح 605) من طريق ابن أبي عمر العدني، عن يحيى بن سليم به. وقال ابن كثير: إسناده صحيح (البداية والنهاية 7/279-280) وصحح إسناده محقق الضياء) . وقال المنذري: رواه أحمد، بإسناد جيد (الترغيب 3/64) وقال الهيثمى رجاله ثقات (مجمع الزوائد 3/119) وحسنه السيوطي وصححه المناوى (فيض القدير شرح الجامع الصغير 5/423 ح 1824) وصححه الألبانى (صحيح الجامع رقم 5535) . انظر تفسير سورة البقرة آية (137) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما، فأمر الله سبحانه أن يبعثوا رجلا صالحاً من أهل الرجل، ومثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة، قصروها على زوجها ومنعوها النفقة، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا، فأمرهما جائز، فإن رأيا أن يجمعا، فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الأخر، ثم مات أحدهما، فإن الذي رضي يرث الذي كره، ولا يرث الكاره الراضي وذلك قوله (إن يريدا إصلاحا) قال: هما الحكمان (يوفق الله بينهما) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وذلك الحكمان، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب. قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) قال البخاري: حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة: حدثنا أنس ابن مالك، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال، بينا أنا رديف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بيني وبينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 إلا آخرة الرحل فقال: "يا معاذ"، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ، قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل"، قلتُ: لبيك رسول الله وسعديك. قال: هل تدري ماحق الله على عباده؟ "قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. ثم سار ساعة ثم قال: "يا معاذ بن جبل"، قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ "قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق العباد على الله أن لايعذبهم". (الصحيح 11/345 ح 6500 -ك الرقاق- ب من جاهد نفسه في طاعة الله) . قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة قال: الوليد بن العيزار أخبرنى قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثنا صاحب هذه الدار -وأشار إلى دار عبد الله- قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثم أى؟ قال: "ثم برّ الوالدين". قال: ثم أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني. (الصحيح 2/12 ح 527- ك مواقيت الصلاة، ب فضل الصلاة لوقتها) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان في قول الله تعالى (وبالوالدين إحسانا) فيما أمركم به من حق الوالدين. قوله تعالى (وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) قال أحمد: ثنا إبراهيم بن أبي العباس قال ثنا بقية قال ثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة". (المسند 4/131) ، وأخرجه النسائي في الكبرى (5/382 ح 9204) من طريق عيسى بن أحمد عن بقية به. قال ابن كثير: إسناده صحيح ولله الحمد. (التفسير 2/264) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وانظر حديث أبي داود عن علي المتقدم عند الآية (83) من سورة البقرة. وانظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (273) من سورة البقرة. قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني أبو بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". (الصحيح 10/455 ح 6014- ك الأدب، ب الوصاة بالجار) . قال مسلم: حدثنا أبو كامل الجحدري وإسحاق بن إبراهيم -واللفظ لإسحاق- قال أبو كامل: حدثنا. وقال إسحاق: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمّى. حدثنا أبو عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك. (الصحيح 4/2025- ك البر والصلة والآداب، ب الوصية بالجار، والإحسان إليه بعد رقم 2625) . وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني سعيد المقبري عن أبي شريح العدوي قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليكرم ضيفه جائزته"، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". (الصحيح 10/445 ح 6019- ك الأدب، ب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) . قال الترمذي: حدثنا أحمد بن محمد. حدثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شُريح عن شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 (السنن 4/333 ح 1944 - ك البر والصلة، باب ما جاء في حق الجوار) . وقال: حدث حسن غريب. وأخرجه الدارمي في سننه (2/215 - ك السير، باب في حسن الصحبه) من طريق عبد الله يزيد، عن حيوة وابن لهيعة، عن شرحبيل به. والحاكم في المستدرك (4/164) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وتعقبهما الألباني: بأن ابن مسلم لم يخرج له الشيخان، وأن ابن شريك قد احتج به مسلم وحده، وهما ثقتان. ثم نقل عن ابن بشران قوله: حديث صحيح وإسناده كلهم ثقات قال: وهو كما قال (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 103) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (والجار ذى القربي) الذي بينك وبينه قرابة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله تعالى: (والجار الجنب) الذي ليس بينك وبينه قرابه. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (والصاحب بالجنب) الرفيق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والصاحب بالجنب) ، وهو الرفيق في السفر. قال الطبري حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وابن السبيل) ، هو الذي يمر عليك وهو مسافر. وإسناده صحيح. وانظر تفسير سورة البقرة آية (177) . قال البخاري: حدثنا أدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، حدثنا واصل الأحدب قال: سمعت المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري - رضي الله عنه - وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فشكاني إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعيَرته بأمِّه"؟ ثم قال: "إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تُكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم". (الصحيح 5/206 ح 2545- ك العتق، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "العبيد إخوانكم") ، وأخرجه مسلم بنحوه عن أبي هريرة (الصحيح 3/1284 ح 1662 - ك الأيمان، ب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه مايغلبه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 قوله تعالى (إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً) قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن أبي غفار، ثنا أبو تميمة الهجيمى، -وأبو تميمة اسمه طريف بن مجالد- عن أبي جري جابر بن سليم، قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال: "لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك". قال: قلت: أنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: " أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عامة سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك" قلت: اعهد إلى قال: "لا تسبن أحداً" قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة، قال: "ولا تحقرن شيئاً من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك لا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه". (السنن 4/56 ح 4084 -ك اللباس- ب ما جاء في إسبال الإزار) ، وأخرجه الترمذى (السنن 5/72 ح 2722 -ك الاستئذان- ب ماجاء في كراهية أن يقول: عيك السلام مبتدئاً) من طريق أبي أسامة، عن أبي غفار به، وأخرجه أحمد (المسند 5/63-64) من طرق عدة، عن أبي تميمة به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 11/5) . وقال الألبانى: صحيح (صحيح أبي داود ح 3442) . وانظر حديث مسلم عن ابن مسعود الآتي عند سورة الأعراف آية (31) وهو حديث: "الكبر بطر الحق وغمط الناس". قال أحمد: ثنا يزيد، أنا الأسود بن شيبان، عن يزيد أبو العلاء، عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير، قال: بلغني عن أبي ذر حديث فكنت أحب أن ألقاه، فلقيته فقلت له: يا أبا ذر بلغنى عنك حديث فكنت أحب أن ألقاك فأسألك عنه. فقال: قد لقيت فاسأل قال: قلت بلغنى أنك تقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 "ثلاثة يحبهم الله عز وجل، وثلاثة يبغضهم الله عز وجل"؟ قال: نعم فما إخالنى أكذب على خليلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثلاثاً يقولها. قال: قلت من الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: رجل غزا في سبيل الله فلقى العدو مجاهداً محتسباً فقاتل حتى قتل وأنتم تجدون في كتاب الله عز وجل (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً) ورجل له جار يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يكفيه الله إياه. بموت أو حياة، ورجل يكون مع قوم فيسيرون حتى يشق عليهم الكرى أو النعاس فينزلون في آخر الليل فيقوم إلى وضوئه وصلاته. قال: قلت من الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال: الفخور المختال وأنتم تجدون في كتاب الله عز وجل (إن الله لا يحب كل مختال فخور) والبخيل المنان، والتاجر والبياع الحلاف. قال: قلت يا أبا ذر ما المال؟ قال: فرق لنا وذرد. يعني بالفرق غنماً يسيرة. قال قلت لست عن هذا أسأل إنما أسألك عن صامت المال قال: ما أصبح لا أمسى وما أمسى لا أصبح. قال: قلت: يا أبا ذر مالك ولإخوتك قريش؟ قال: والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين الله تبارك وتعالى حتى ألقى الله ورسوله. ثلاثاً يقولها. (المسند 5/176) ، أخرجه الطيالسى (المسند 368) عن الأسود به، وأخرجه الطبرانى (المعجم الكبير ح 1637) ، والحاكم (المستدرك 2/88، 89) ، والبيهقي (السنن 9/160) كلهم من طريق الأسود به. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقد تابع مطرفاً زيد بن ظبيان: أخرجه الترمذي (السنن4/698 ح 2568) والنسائى (السنن 5/84) وابن حبان (الإحسان 8/137 ح 3349) من طريق ربعى بن حِراش عن زيد بن ظبيان به مختصراً. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وقال الحافظ العراقى: إسناد جيد (تخريج الإحياء 4/1705 ح 2671) وصححه السيوطى (الجامع الصغير 3/335 ح 3550) ، وصححه الألبانى (صحيحح الجامع الصغير ح 3074) . قوله تعالى (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً. وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم وكان الله بهم عليماً) قال، أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث عن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا". (السنن 2/133 ح 1698- ك الزكاة، ب في الشح) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 6487) عن ابن أبي عدي. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/579 ح 5176) من طريق ابن أبي عدي وأبى داود -لعله الطيالسي-. والحاكم (المستدرك 1/11) من طريق سليم بن حرب ومعاذ، كلهم عن شعبة به، وهو عندهم مطول فيه التحذير من الظلم والفحش والقطيعة وغير ذلك. قال الحاكم عن هذه الرواية: صحيحة سليمه من رواية المجروحين ... ولم يخرجاها. وقال الألبانى: صحيح (صحيح أبي داود ح /1489) وصححه محقق المسند والإحسان، وصححه السيوطي الجامع السيوطي (الجامع الصغير3/125 ح 2906) . ْأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) إلى قوله (وكان الله بهم عليما) ما بين ذلك في اليهود. قوله تعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين في هذه الآية الكريمة أقل ما تضاعف به الحسنة، ولا أكثره ولكنه بين في موضع أخر أن أقل ما تضاعف به الحسنة عشر أمثالها، وهو قوله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وبين في موضع أخر أن المضاعفة ربما بلغت سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله وهو قوله (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) الآية كما تقدم. قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا أنه لا يظلم أحدا من خلقه يوم القيامة مثقال حبة من خردل أو مثقال ذرة بل يوفيها له ويضاعفها له إن كانت حسنة كما قال تعالى (ونضع الموازين القسط) الآية وقال تعالى مخبرا عن لقمان أنه قال (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) الآية. وقال تعالى (يومئذ يصدر الناس أشتاتا فيروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدتنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري فذكر حديث رؤية الرب يوم القيامة مطولاً، وفيه: "فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه" فيخرجون من عرفوا. قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) الحديث. (الصحيح 13/431 ح 7439 - ك التوحيد، ب قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)) . وانظر حيث مسلم عن أنس الآتي عند الآية (97) من سورة النحل. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عيسى بن يونس، عن هارون ابن عنترة، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان قال: قال عبد الله ابن مسعود: يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة، فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان ابن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها أو على أخيها أو على زوجها فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فيغفر الله من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا، فينصب للناس، فينادى: هذا فلان ابن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه، فيقول: فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم، قال: خذوا من أعماله الصالحة، فأعطوا كل ذى حق بقدر طلبته، فإن كان وليا لله، ففضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يدخله الجنة، ثم قرأ علينا: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) قال ادخل الجنة، وإن كان عبدا شقيا قال الملك: فنيت حسناته وبقي له طالبون كثير، قال: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صكوا له صكا من النار. (رجاله ثقات إلا زاذان صدوق وهو أبو عمر الكندى، وهارون بن عنترة صدوق وإسناده صحيح) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 قوله تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. جميعاً عن حفص. قال أبو بكر: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: قال لى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقرأ علىّ القرآن". قال فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري" فقرأت النساء. حتى إذا بلغت: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدأ) رفعت رأسي. أو غمزني رجل إلى جَنْبى فرفعت رأسي. فرأيت دموعه تسيل. (الصحيح 1/551 ك صلاة المسافرين وقصرها ب فضل استماع القرآن ح /800) . قوله تعالى (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) الآية قال الشيخ الشنقيطي: على القراءات الثلاث معناه أنهم يستووا بالأرض، فيكونوا ترابا مثلها على أظهر الأقوال، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا) . قوله تعالى (ولا يكتمون الله حديثا) قال الشيخ الشنقيطي: بين في موضع أخر أن عدم الكتم المذكور هنا، إنما هو باعتبار إخبار أيديهم وأرجلهم بكل ماعملوا عند الختم على أفواههم إذا أنكروا شركهم ومعاصيهم وهو قوله تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) فلا يتنافى قوله (ولا يكتمون الله حديثا) مع قوله عنهم (والله ربنا ما كنا مشركين) وقوله عنهم أيضاً (ما كنا نعمل من سوء) وقوله عنهم (بل لم نكن ندعو من قبل شيئا) للبيان الذي ذكرنا والعلم عند الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 قال مسلم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن سعد بن طارق، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: أتى الله بعبد من عباده، أتاه الله مالاً. فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ - قال: (ولا يكتمون الله حديثاً) - قال: يارب. أتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي. فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 3/1195 بعد رقم 1560- ك المساقاة، ب فضل إنظار المعسر) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) قال الترمذي: حدثنا سُويد: أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن الأعمش نحو حديث معاوية بن هشام. حدثنا عبد بن حميد. حدثنا عبد الرحمن بن سعد عن أبي جعفر الرازي عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال: صنع بنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذتِ الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدّمونى فقرأتُ: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون) . قال: فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح كريب. (السنن 5/238 ح /3026) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وأخرجه الضياء في (المختارة 2/187 ح 566) من طريق: إبراهيم بن خذم، عن عبد بن حميد به. وقال محققه: إسناده صحيح) . وانظر حديث عمر في نزول تحريم الخمر المتقدم عند الآية (219) من سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أن النبي كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخل أصابعه في الماء فيُخلل بها أصول شعره، ثم يَصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جِلده كله". وقال البخاري حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: "توضأ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضوءه للصلاة غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء ثم نحّى رجليه فغسلهما" هذه غُسله من الجنابة. (الصحيح 1/429 و431 ح 248، 249- ك الغسل، ب الوضوء قبل الغسل) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى بن ملك السوسي، ثنا أبو بدر، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله، قال أبو بدر -وليس هو السعدي- عن المنهال ابن عمرو، عن زر بن حبيش عن علي قال: نزلت هذه الآية في المسافر (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم، وصلى، حتى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل وصلى. (التفسير -سورة النساء آية 43 - ح 3196. وأخرجه الطبري (التفسير 8/379 ح 9537) من طريق ابن أبي ليلى، عن المنهال به. والإسناد حسن بهذه المتابعة (انظر حاشية تفسير ابن أبي حاتم) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال: مسافرين لا يجدون ماء. قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً) قال البخاري: حدثنا أدم قال حدثنا شعبة حدثنا الحكم عن ذرّ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 أجنبتُ فلم أصب الماء. فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنا في سفر أنا وأنت، فأمّا أنتَ فلم تصل، وأما أنا فتمعّكت فصليت، فذكرتُ للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كان يكفيك هكذا" فضرب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه. (الصحيح 1/528 ح 338- ك التيمم، ب المتيمم هل ينفخ فيهما) ، وأخرجه مسلم (الصحيح ح 112، 113 - ك الحيض، باب التيمم) . قال البخاري: حدثنا محمد أخبرنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: هلكت قلادة لأسماء، فبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طلبها رجالاً فحضرت الصلاة وليسوا على وُضوء ولم يجدوا ماء، فصلّوا وهم على غير وضوء فأنزل الله. يعنى آية التيمم. (الصحيح 8/100 ح 4583- ك التفسير، سورة النساء) . وانظر حديث البخاري عن جابر بن عبد الله المتقدم عند الآية 151 من سورة آل عمران، وهو حديث: "أعطيت خمساً ... ". قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا خالد الواسطى، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة ح وحدثنا مسدد: أخبرنا خالد -يعنى ابن عبد الله الواسطى- عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أبا ذر، ابدُ فيها" فبدوتُ إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والستّ، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أبو ذر" فسكت، فقال: "ثكلتك أمك أبا ذر، لأمك الويل" فدعا لى بجارية سوداء، فجاءت بعس فيه ماء فسترتني بثوب، واستترت بالراحلة، واغتسلت فكأني ألقيت عني جبلاً، فقال: "الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك، فإن ذلك خير. وقال مسدد: غنيمة من الصدقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 (السنن 1/90-91 ح 332 - ك الطهارة، ب الجنب يتيمم) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 4/135 ح 311) من طريق وهب بن بقية. والحاكم (المستدرك 1/176-177) من طريق مسدد، كلاهما عن خالد الواسطى عن خالد الحذاء به. وأخرجه الترمذي (السنن 1/211-212) ، وأحمد (المسند 5/180) كلاهما من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء به. وأخرجه النسائى (السنن 1/171) ، وأحمد (المسند 5/6) كلاهما من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو ابن بجدان به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ونقل محقق الإحسان تصحيح الأئمة: أبي حاتم والدارقطنى والنووي له. وقال الألبانى: صحيح (صحيح الترمذي ح 107) . قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام ح وحدثنا أبو نعيم، عن هشام، عن قتادة، عن الحسن عن أبي رافع، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل". (الصحيح 1/470 ح 291- ك الغسل، ب إذا التقى الختانان) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الحيض، ب نسخ الماء من الماء ح 348) . قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب عن عروة عن عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبَّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. (السنن 1/46 ح 179- ك الطهارة، ب الوضوء من القبلة) . وأخرجه الترمذي (السنن 1/133 ح 86- ك الطهارة، ب ترك الوضوء من القبلة) من طريق: أحمد بن منيع، ومحمود بن غيلان، والحسين بن حريث. وابن ماجه (السنن 1/168 ح 502 - ك الطهارة، ب الوضوء من القبلة (من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وعلى بن محمد. وأحمد (المسند 6/210) . والطبرى (التفسير 8/396 ح 9630) من طريق أبي كريب. كلهم عن وكيع عن الأعمش به، وقد أعل بعضهم هذا الحديث بعدم سماع حبيب بن أبي ثابت من عروة، لكن صححه جماعة من الأئمة، وقال أبو داود -مشيراً إلى صحة سماع حبيب من عروة-: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً. ومال أبو عمر بن عبد البر إلى تصحيحه (نصب الراية 1/38) . وقال البوصيرى: رواه البزار بإسناد حسن. وأفاض العلامة أحمد شاكر في تصحيح الحديث ودفع علته فأجاد رحمه الله (حاشية سنن الترمذى) وقال الألبانى: صحيح (صحيح الترمذى ح 75) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "الملامسة": النكاح.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، ثنا أبو جعفر الجمال، ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد قال: كل شيء وضعت عليه يدك صعيد حتى غبار لبدك فتيمم به. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فإن أعياك الماء، فلا يعييك الصعيد أن تضع فيه كفك، ثم تنفضهما فتمسح بهما وجهك وكفيك، ولا بعد ذلك لغسل جنابة ولا لوضوء صلاة، فمن تيمم بالصعيد وصلى ثم قدر على الماء بعد فعليه الغسل وحسبه صلاته التي كان صلى. قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل) الآية قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب مع اشترائهم الضلالة يريدون إضلال المسلمين أيضاً. وذكر في موضع أخر أنهم كثير، وأنهم يتمنون ردة المسلمين، وأن السبب الحامل لذلك هو الحسد أنهم ما صدر منهم ذلك إلا بعد معرفتهم الحق وهو قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) . وذكر في موضع آخر أن هذا الإضلال الذي يتمنونه للمسلمين لا يقع من المسلمين وإنما يقع منهم - أعني المتمنين الضلال. للمسلمين - وهو قوله (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد التابوت من عظماء اليهود إذا كَلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوى لسانه وقال: أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله تعالى فيه: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (اشتروا الضلالة) يقول اختاروا الضلالة. وهذا الأثر قد أورده ابن أبي حاتم في سورة البقرة. قوله تعالى (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) أخرج وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعنى يحرفون حدود الله في التوراة. قال الطبري حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: (واسمع غير مسمع) ، قال: كما تقول اسمع غير مسموع منك. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وانظر تفسير سورة البقرة الآية (104) . قوله تعالى (ولو أنهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم) أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (وانظرنا) ، قال: أفهمنا بين لنا. قوله تعالى (يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رؤساء من أحبار اليهود: عبد الله بن صوريا، وكعب بن أسد فقال لهم: يامعشر اليهود، اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 فقالوا: مانعرف ذلك يامحمد! وجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر، فأنزل الله فيهم (يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) . أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) فنردها عن الصراط، عن الحق (فنردها على أدبارها) ، قال: الضلالة. قوله تعالى (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا صفة لعنه لأصحاب السبت، ولكنه بين في غير هذا الموضع أن لعنه لهم هو مسخهم قردة ومن مسخه الله قردا غضبا عليه فهو ملعون بلا شك، وذلك قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) وقوله (فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) والاستدلال على مغايرة اللعن للمسخ بعطفه عليه في قوله (قل أؤنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) لا يفيد أكثر من مغايرته للمسخ في تلك الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) إلى قوله (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) أي: نحولهم قردة. قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه تعالى لا يغفر الإشراك به وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء وأن من أشرك به فقد افترى إثما عظيما. وذكر في مواضع أخر أن محل كونه لا يغفر الإشراك به إذا لم يتب المشرك من ذلك فإن تاب غفر له كقوله (إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحاً) الاَية فإن الاستثناء راجع لقوله (والذين لا يدعون مع الله إلها أخر) وما عطف عليه لأن معنى الكل جمع في قوله (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) الآية وقوله (قل للذين كفروا إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وذكر في موضع آخر أن من أشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق وهو قوله في هذه السورة الكريمة أيضاً (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) وصرح بأن من أشرك بالله فالجنة عليه حرام ومأواه النار بقوله (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) وقوله (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) . قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ومعاذ رديفه على الرحل- قال: "يامعاذ بن جبل". قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: "يامعاذ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثاً) ،. قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله صِدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار"، قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتّكلوا". وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. وقال البخاري: حدثنا مسدد قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي قال سمعت أنسا قال: ذكر لي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمعاذ "من لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة" قال: ألا أبشر الناسَ؟ قال: "لا؛ إني أخاف أن يتكلوا" (الصحيح 1/272 و274 ح 128، 129- ك العلم، ب من خص بالعلم قوماً دون قوم ... ) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة.. حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن المعرور بن سُويد، عن أبي ذر. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد. ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها. أو أغفر. ومن تقرب منّي شبرا، تقربتُ منه ذراعاً. ومن تقرب مني ذراعاً، تقربتُ منه باعاً. ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة. ومن لقيني بِقُراب الأرض خطيئة لا يُشرك بي شيئاً، لقيته. بمثلها مغفرة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 (الصحيح 4/2068 ح 2687 - ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى) . قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر حدثه، أن أبا الأسود الديلى حدثه، أن أبا ذر - رضي الله عنه - حدثه قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة". قلت: وان زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر". وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر. قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله، غفر له. (الصحيح 10/283 (الفتح ح رقم 5827) - ك الباس، ب الثياب البيض) وأخرجه مسلم (الصحيح 1/95 ح 154- ك الإيمان، ب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ... ) . قال النسائى: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا صفوان بن عيسى، عن ثور، عن أبي عون عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية يخطب -وكان قليل الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- قال سمعته يخطب يقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لكل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً". (السنن 7/81 - تحريم الدم) وأخرجه أحمد (المسند 4/99) عن صفوان بن عيسى به. والحاكم (المستدرك 4/351) من طريق بكار بن قتية عن صفوان، عن ثور به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وصححه الألبانى (صحيح النسائي ح 3719) . وللحديث شواهد، منها: عن أبي الدرداء، أخرجه ابن حبان (الإحسان 13/318 ح 5980) والحاكم (المستدرك 4/351) وغيرهما من طرق عن عبد الله بن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء، وفيه: " ... إلا من مات مشركاً" قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) وأخرج البزار: حديث عبادة بن الصامت نحوه (المسند 7/163 ح 2730) . وق الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/296) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وانظر حديث مسلم عن جابر الآتي عند الآية 90 من سورة النمل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الله لايغفر أن يشرك به) فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجاها أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة. قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا. انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً) قال الشيخ الشنقيطي: أنكر تعالى في هذه الآية تزكيتهم أنفسهم بقوله (ألم تر إلى الذين) وبقوله (انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا) وصرح بالنهى العام عن تزكية النفس وأحرى نفس الكافر التي هي أخس شيء وأنجسه بقوله (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) ولم يبين هنا كيفية تزكيتهم أنفسهم. ولكنه بين ذلك في مواضع أخر، كقوله عنهم (نحن أبناء الله وأحباؤه) وقوله (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أونصارى) إلى غير ذلك من الآيات. قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن معبد الجهنى، عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إياكم والتمادح، فإنه الذبح". (السنن 2/1232 ح 3743 - ك الأدب، ب المدح) ، وأخرجه أحمد (المسند 4/93) عن محمد ابن جعفر عن شعبة وحجاج عن سعد به، وفيه زيادة وهي قوله: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر". قال البوصيرى: هذا إسناد حسن، لأن معبداً مختلف فيه، وباقى رجال الإسناد ثقات (مصباح الزجاجة 3/181) . وحسنه الألباني كذلك (صحيح سنن ابن ماجة ح 3017) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) وهم أعداء الله اليهود، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه، فقالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه) . وقالوا: لا ذنوب لنا. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فتيلا) الذي في الشق: الذي في بطن النواة. قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) قال ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لمّا قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه، فقالوا: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل يثرب، فنحن خير أم هذا الصنَيْبير المنْبَتِر من قومه يزعم أنه خير منا؟ فقال: أنتم خير منه، فنزل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن شانئك هو الأبتر) ونزلت: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يومنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) . (الإحسان، 14/534 ح 6572 - ك التاريخ، ب تسمية المشركين صفي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَصنيبير) . وأخرجه الطبري (ح 9786) ، وعزاه ابن كثير للبزار، وقال: وهو إسناد صحيح (التفسير 4/ 598) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الجبت) السحر. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا وكيع ح، وثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد، عن عمر قال: (الجبت) السحر. (الطاغوت) : الشيطان. أخرجه البخارى عن عمر معلقاً. قال ابن حجر: وصله عبد بن حميد في تفسيره ومسدد في مسنده، وعبد الرحمن بن رسته في كتاب (الإيمان) ، كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله وإسناده قوي، وقد وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان وسماع حبان من عمر في رواية ابن رسته) . (فتح الباري 8/252، وانظر التهذيب 2/252) 0 أي في رواية ابن رسته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفر، ثنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) قال: يهود تقول ذلك يقولون: قريش أهدى من محمد وأصحابه. وإسناده حسن. قوله تعالى (أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً) أنظر سورة البقرة آية (159) . قوله تعالى (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (نقيرا) : النقطة التي في ظهر النواة. قوله تعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (أم يحسدون الناس) قال يهود (على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب) وليسوا منهم (والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما) قال: النبوة. قوله تعالى (فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه) أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (فمنهم من أمن به) قال: بما أنزل على محمد من يهود (ومنهم من صد عنه) . قوله تعالى (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نَضِجَتَ جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) يقول: كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (عزيزا حكيما) يقول: عزيزا في نقمته إذا انتقم ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة) انظر تفسير سورة البقرة آية (25) . قوله تعالى (وندخلهم ظلا ظليلًا) قال الشيخ الشنقيطي: وصف في هذه الآية الكريمة ظل الجنة بأنه ظليل ووصفه في آية أخرى بأنه دائم، وهي قوله (أكلها دائم وظلها) ووصفه في آية أخرى بأنه ممدود وهي قوله (وظل ممدود) وبين في موضع أخر أنها ظلال متعددة وهو قوله (إن المتقين وظلال وعيون) الآية، وذكر في موضع أخر أنهم في تلك الظلال متكئون مع أزواجهم على الأرائك وهو قوله (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) . انظر حديث البخاري عن أبي هريرة الآتي عند الآية (30) من سورة الواقعة. قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى قوله (إن الله كان سميعاً بصيراً) قال مسدد: حدثنا يحيى، ثنا سفيان، حدثنى عبد الله بن السائب، عن زاذان قال: قال عبد الله هو ابن مسعود - رضي الله عنه -: القتل في سبيل الله تعالى يكفر الذنوب كلها غير الأمانة. يؤتى بالشهيد في سبيل الله عز وجل، فيقال: أد أمانتك، فيقول: من أين أؤديها، فقد ذهبت الدنيا؟ قال فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، حتى إذا انتهى به إلى قرار الهاوية مثلت له أمانته كهيئة يوم ذهبت، فيحملها فيضعها على عاتقه، فيصعد في النار، حتى إذا رأى أنه قد خرج منها هوت وهوى في أثرها أبد الآبدين، ثم قرأ عبد الله (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) . (المطالب العالية ل/133/ب) ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (تفسير آل عمران والنساء ح 3481) من طريق سفيان الثوري به، إلى قوله "أبد الآبدين". وزاد: قال زاذان: فأتيت البراء فحدثته، فقال: صدق أخي (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) . وهذا إسناد صحيح عن ابن مسعود. وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ح 144) وأبو نعيم في الحلية (4/201) والبيهقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 في (شعب الإيمان 4/323-324 ح 5266) من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن السائب به، وزادوا في قول ابن مسعود: "وإن الأمانة في الصلاة والزكاة والغسل من الجنابة والكيل والميزان والحديث"، وأعظم من ذلك الودائع". واللفظ للخرائطي، وزاد أبو نعيم والبيهقي أيضاً قول البراء. وأخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (ح 250) ، والطبري في تفسيره (22/56) وابن أبي حاتم في تفسيره (آل عمران والنساء ح 3482) والخرئطي في (مكارم الأخلاق ح 145) والطبرانى في الكبير (10/270 ح 10527) وغيرهم من طريق إسحاق الأزرق عن شريك عن الأعمش عن عبد الله بن السائب به مرفوعاً، وفيه الزيادتان السابقتان، وزادوا أيضاً: "قال شريك: وحدثنا عياش العامري عن زاذان عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحو منه، ولم يذكر الأمانة في الصلاة والأمانة في كل شيء". واللفظ لابن أبي الدنيا. وقال ابن كثير: إسناد جيد ولم يخرجوه (التفسير 3/524) وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 5/293) . وقال الدارقطني: الموقوف هو الصواب (العلل 5/78) ، ولكن له حكم الرفع إذ ليس للاجتهاد فيه مجال. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يعني السلطان يعظون النساء. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه. قوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا إسماعيل، عن مصعب بن سعد قال: قال على - رضي الله عنه - كلمات أصاب فيهن: فحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدى الأمانة. وإذا فعل ذلك، فحق على الناس أن يسمعوا، وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا. ورجاله ثقات وسنده صحيح وتقدم بحثه في تفسير ابن أبي حاتم. قال أبو داود: حدثنا علي بن نصر ومحمد بن يونس النسائى، المعنى، قالا: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حرملة -يعني ابن عمران- حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة، قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى قوله تعالى: (سميعاً بصيراً) قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس: قال المقرىء: يعنى أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً. قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية. (السنن 4/233 ح /4728- ك السنة، ب في الجهمية) . وأخرجه ابن خزيمة في (التوحيد 1/97 ح 46) عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن يزيد به. قال محققه: رجال المسند كلهم ثقات في الصحيحين أو في أحدهما، وأخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن يزيد به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/236) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/498) من طريق: محمد بن يحيى الذهبي عن المقرى به، قال محققه: إسناده صحيح على شرط الصحيح، وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود 3/895 ح 3954) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا حجّاج بن محمد، عن ابن جريج، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) قال: نزلت في عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية. (الصحيح 8/101-102 ح 4584- ك التفسير، سورة النساء) ، (صحيح مسلم 3/1465 ح 1834 ك الإمارة، ب وجوب طاعة الأمراء) . وقال البخاري: حدثنا محمد بن أبان، حدثنا غندر، عن شعبة، عن أبي التياح أنه سمع أنس بن مالك قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى ذر: "اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة". (الصحيح 2/696 ح 696 ك الأذان، ب إمامة المفتون والمبتدع ... ) . قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي - رضي الله عنه - قال: بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وقال: أليس قد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلما همّوا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لو دخلوها ما خرجو منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف". (الصحيح 13/130 ح 7145 - ك الأحكام، ب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) . وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1469 ح 1840- ك الأمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) . انظر حديث البخاري عند الآية 80 من السورة نفسها. قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره. إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". (الصحيح 3/1469 ح 1839- ك الأمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) . قال البخاري: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عُبادة بن الوليد أخبرنى أبي عن عُبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعة في المنشَط والمكرَه، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم -أو نقول- بالحق حيثما كنا ولا نخاف في الله لومة لائم". (الصحيح 13/204 ح 7199، 7200- ك الأحكام، ب كيف يبايع الإمام الناس) . وأخرجه مسلم في (صحيحه 3/1470 ح 41- ك الإمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) . قال الحاكم: حدثنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم العدل ببغداد، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي. وحدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري من أصل كتابه وسأله عنه أبو على الحافظ ثنا عثمان بن سعيد الدارمي (قالا) ثنا نعيم بن حماد، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهرى، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخيف فقال: "نَضَّر الله عبداً سمع مقالتىَ فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والطاعة لذوي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم". (المستدرك 1/86-87- ك العلم) ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، قاعدة من قواعد أصحاب الروايات، ولم يخرجاه ... ووافقه الذهبي. والحديث عند الطبرانى في (الكبير 2/127 رقم 1544) من هذا الوجه. قال الهيثمي في (المجمع 1/139) : رجاله موثقون. وقال الألبانى: إسناد حسن (صحيح الترغيب 1/42) . قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في قول الله تعالى: (وأولى الأمر منكم) قال: هم الأمراء. ورجاله ثقات وسنده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) يعني أهل الفقه والدين واْهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معانى دينهم ويأمرونهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على العباد. وأخرجه الحاكم في (المستدرك 1/123) . قوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) الآية قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع إلى كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأنه تعالى قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وأوضح هذا المأمور به هنا بقوله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) يقول: ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 قوله تعالى ذلك خير وأحسن تأويلا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وأحسن تأويلا) ، قال: أحسن جزاء. قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ... ) الآية أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباس قال: كان الجلاس بن الصامت قبل توبته فيما بلغني، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشير كانوا يدّعون الإسلام، فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية، فأنزل الله تعالى فيهم (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصى، ثنا أبو اليمان، ثنا صفوان يعنى ابن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الأسلمى كاهنا يقضى بين اليهود، فتنافروا إليه أناس من أسلم من اليهود فأنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) . (ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وصححه السيوطي في الدر المنثور 2/178) . قوله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً. فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً) قال ابن كثير: وقوله (ويصدون عنك صدوداً) أي: يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك، كما قال تعالى عن المشركين (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) ، هؤلاء وهؤلاء بخلاف المؤمنين، الذين قال الله فيهم (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 ثم قال تعالى في ذم المنافقين: (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم) أي: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير، إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك (ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً) أى: يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى) إلى قوله (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) . قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إلا ليطاع بإذن الله) واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله. قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) قال الشيخ الشنقيطي: أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهرا وباطنا ويسلمه تسليما كليا من غير ممانعة ولامدافعة ولامنازعة، وبين في آية أخرى أن قول المؤمنين عصور في هذا التسليم الكلى، والانقياد التام ظاهراً وباطناً لما حكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي قوله تعالى: (إنما كان قول المومنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) الآية. قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رُمح. أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه، أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شراج الحَرّة التي يسقون بها النخل. فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يمر. فأبى عليهم. فاختصموا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير: "اسق. يا زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك". فغضب الأنصاري. فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فتلوّن وجه نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم قال: "يا زبير اسق. ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدْر"؟. فقال الزبير: والله! إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً) . (الصحيح 4/1829-1830 ح 2357- ك الفضائل، ب وجوب اتباعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه البخاري (الصحيح 5/34 ح 2359- ك الشرب، ب سكر الأنهار) . أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً) قال: شكاً. قوله تعالى (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً) وبه عن مجاهد قوله (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) هم يهود يعنى الرب كما أمر أصحاب موسى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً) قال تصديقاً. قوله تعالى (ولهديناهم صراطاً مستقيماً) انظر حديث النواس بن سمعان المتقدم عند الآية 6 من سورة الفاتحة. قوله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) قال مسلم: وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة قالت: كنتُ أسمع أنه لن يموت نبيّ حتى يُخيّر بين الدنيا والآخرة. قالت: فسمعتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في مرضه الذي مات فيه، وأخذتْهُ بُحَّة، يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً) قالت: فظننته خير حينئذ. (الصحيح 4/1893 بعد رقم ح 2444- ك فضائل الصحابة) ب فضل عائشة رضي الله عنها) ، وأخرجه البخارى (الصحيح 8/136 ح 4435- المغازي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما تعدّون الشهيد فيكم؟. قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: "إن شهداء أمتي إذاً لقيل". قالوا: فمن هم؟ يا رسول الله! قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في الطاعون فهو شهيد. ومن مات في البطن فهو شهيد". قال ابن مقسم: أشهد على أبيك، في هذا الحديث؛ أنه قال: "والغريق شهيد". (الصحيح 3/1521 ح 1915- ك الإمارة، ب بيان الشهداء) . قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدرى الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبباء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين". (الصحيح 6/368 ح 3256- ك بدء الخلق، ب ماجاء في صفة الجنة ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2177 ح 2831- ك الجنة وصفة نعيمها، ب ترائي أهل الجنة اهل الغرف) . قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي زائل، عن أبي موسى قال: قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: "المرء مع من أحب". (الصحيح 10/573 ح 6170 - ك الأدب، ب علامة الحب في الله) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2034 ح 2640- ك البر والصلة، ب المرء مع من أحب) من حديث ابن مسعود بنحوه. قال الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي أبو عبد الله حدثنا عبد الله ابن عمران العابدي حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله والله إنك لأحب إلى من نفسي، وإنك أحب إلى من أهلى ومالى وأحب إلى من ولدى وإني لأكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 في البيت فأذكرك فما أصبر حتى أتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) الآية. (المعجم الصغير 1/26) ، وأخرجه أبو نعيم (حلية الأولياء 4/240) عن أحمد بن عمرو الخلال به. وعزاه الحافظ ابن كثير إلى المقدسى في (صفة الجنة) من طريق الطبراني، ثم قال: لا أرى بإسناده بأساً. (التفسير 1/523) . وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله ابن عمران العابدى، وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/7) ، والحديث أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير ح 3575) ، والطبري (التفسير ح 9925) من طريق جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق به مرسلاً. وهو إسناد حسن على إرساله (انظر تفسير ابن أبي حاتم- الحاشية) . قوله تعالى (ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً) إشارة إلى مقام الطاعة بالله والرسول كما في الآية السابقة. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: (خذوا حذركم فانفروا ثبات) قال: عصبا، يعنى سرايا متفرقين (أو انفروا جميعاً) يعني كلكم. قوله تعالى (وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا) أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة) إلى قوله (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) مابين ذلك في المنافقين. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (وإن منكم لمن ليبطئن) يقول: وإن منكم لمن ليتخلفن عن الجهاد (فإن أصابتكم مصيبة) من العدو والجهد من العيش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا سمعوا بأن المسلمين أصابتهم مصيبة أي: من قتل الأعداء لهم، أو جراح أصابتهم أو نحو ذلك يقولون إن عدم حضورهم معهم من نعم الله عليهم. وذكر في مواضع أخر: أنهم يفرحون بالسوء الذي أصاب المسلمين، كقوله تعالى (وإن تصبكم سيئة يفرحرا بها) وقوله (وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل، ويتولوا وهم فرحون) . قوله تعالى (ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية، أن المنافقين إذا سمعوا أن المسلمين أصابهم فضل الله أي: نصر وظفر وغنيمة، تمنوا أن يكونوا معهم ليفوزوا بسهامهم من الغنيمة، وذكر في مواضع أخر أن ذلك الفضل الذي يصيب المؤمنين يسوءهم لشدة عداوتهم الباطنة لهم كقوله تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم) وقوله (إن تصبك حسنة تسؤهم) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولئن أصابكم فضل من الله) يعنى فتحاً وغنيمة وسعة في الرزق، قوله تعالى (ليقولن) المنافق وهو نادم في التخلف، قوله (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) يقول: كأنه ليس من أهل دينكم في المودة، فهذا من التقديم، قوله: (ياليتنى كنت معهم) قال: المنافق نادم في التخلف يتمنى ياليتني كنت معهم، قوله (فأفوز) يعني أنجو بالغنيمة، قوله (عظيما) يقول: وافرا. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (ياليتني كنت معهم) قال: قول حاسد. قوله تعالى (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيماً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة، أنه سوف يؤتى المجاهد في سبيله أجرا عظيما سواء قتل في سبيل الله، أم غلب عدوه وظفر به وبين في موضع أخر: أن كلتا الحالتين حسنى، وهو قوله (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) . قوله تعالى (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً) قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عبيد الله قال: سمعتُ ابن عباس قال: كنتُ أنا وأمي من المستضعفين. (الصحيح 8/103 ح 4587- ك التفسير، سورة النساء) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) قال: أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفى المؤمنين، كانوا بمكة. قوله تعالى (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) انظر تفسير سورة آل عمران آية 13 وسورة النساء آية (51) . قوله تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس قاسم بن القاسم السياري ثنا إبراهيم بن هلال ثنا على بن الحسن بن شقيق أنبأ الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة؟ قال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا" فكفوا فأنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس) . (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه المستدرك 2/307 ووافقه الذهبي) ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن الحسن بن شقيق به، ورجاله ثقات وسنده صحيح) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد، ثنا عبد الرحمن بن نمر قال: سألت الزهري عن قوله: (وأقيموا الصلاة) قال الزهري: أن يصلى الصلوات الخمس لوقتها. ورجاله ثقات وسنده صحيح، والوليد هو ابن مسلم القرشى. قوله تعالى (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (لولا أخرتنا إلى أجل قريب) وهو الموت. قال ابن أبي حاتم: حدثنى أبي، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حماد بن زيد، عن هشام قال: قرأ الحسن (قل متاع الدنيا قليل) قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك، ما الدنيا كلها من أولها إلى أخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه. ورجاله ثقات وسنده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لمن اتقى) يقول اتقى معاصى الله. قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولو كنتم في بروج مشيدة) يقول: في قصور محصنة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) قال هذه في السراء، قوله (وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) قال فهذه في الضراء. قوله تعالى (قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قل كل من عند الله) النعم والمصائب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) الحسنة والسيئة من عند الله، أما الحسنة فأنعم الله بها عليك، وأما السيئة فابتلاك الله بها. قوله تعالى (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الحسنة) ما فتح الله عليه يوم بدر، وما أصابه من الغنيمة والفتح و (السيئة) ما أصابه يوم أحد أن شج في وجهه وكسرت رباعيته. قال الطبري: حدثني يونس قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) قال: بذنبك وأنا قدرتها عليك. قوله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد أن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يُطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني. وإنما الإمام جُنّة يُقاتل من ورائه، ويُتّقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجراً، وإن قال بغيره فإن عليه منه". (الصحيح 6/135 ح 2957- ك الجهاد والسير، ب يقاتل من وراء الإمام) ، (صحيح مسلم 3/1466 - ك الإمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصيه ... ) . وانظر الأحاديث المتقدمة عند الآية (59) من السورة نفسها. قوله تعالى (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول) قال: يغيرون ما عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 قوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) قال أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخى مجلساً ما أحب أن لى به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القرأن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مغضباً قد احمر وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول: "مهلاً يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً، بل يصدق بعضه بعضا فماعرفتم فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه". (المسند ح 6702) . وأخرجه ابن ماجة (السنن 1/33 ح 85- المقدمة، ب في القدر) من طريق داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب بنحوه مختصراً، وفيه: "إنهم اختصموا في آية من القدر". قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 1/58) . وقال الألبانى: حسن صحيح (صحيح ابن ماجة ح 69) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفلا يتدبرون القرأن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) أي: قول الله لا يختلف، وهو حق ليس فيه باطل، وإن قول الناس يختلف. قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا عمر بن يونس الحنفى. حدثنا عكرمة بن عمار عن سماك أبي زُميل. حدثني عبد الله بن عباس. حدثنى عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه قال: دخلتُ المسجد. فإذا الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 ينكتون بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر: فقلتُ: لأعلمنّ ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة. فقلتُ: يابنت أبي بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟. فقالت: مالى ومالك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلتُ على حفصة بنت عمر. فقلتُ لها: يا حفصة! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والله! لقد علمت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يُحبكِ. ولولا أنا لطلقكِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فبكتْ أشد البكاء. فقلتُ لها: أين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: هو في خِزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعدأ على أسكفة المشربة. مدلِّ رجليه على نقير من خشب. وهو جِذع يرقى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وينحدر. فناديت: يا رباح! استأذن لى عندك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلىّ. فلم يقل شيئاً. ثم قلت: يا رباح! استأذن لى عندك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلى. فلم يقل شيئاً. ثم رفعتُ صوتي فقلت: يا رباح! استأذن لى عندك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإنّي أظنّ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظن أنّي جئتُ من أجل حفصة. والله! لئن أمرني رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضرب عنقها لأضربن عنقها. ورفعتُ صوتي. فأومأ إلى أن ارْقه. فدخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مضطجع على حصير. فجلستُ. فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره. وإذا الحصير قد أثّر في جَنْبه. فنظرت ببصرى في خزانة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا أنا بقبضةٍ من شعير نحو الصاع. ومثلها قَرَظاً في ناحية الغرفة. وإذا أفيق معلق. قال: فابتدرتْ عيناي. قال: "ما يُبكيك؟ يا ابن الخطاب"! قلتُ: يا نبي الله! ومالى لا أبكى؟ وهذا الحصير قد أثّر في جنبك وهذه خِزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار. وأنتَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصفوته. وهذه خِزانتك. فقال: "يا ابن الخطاب!. ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا"؟. قلتُ: بلى. قال ودخلتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 عليه حين دخلتُ وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلتُ: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلّقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلّما تكلمت، وأحمد الله، بكلام إلا رجوت أن يكون الله يُصدق قولى الذي أقول، ونزلت هذه الآية. آية التخيير (عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن) (66/ التحريم/5) . (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) (66/ التحريم/4) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: يا رسول الله! أطلقتهن؟ قال: لا "قلتُ: يا رسول الله! إني دخلتُ المسجد والمسلمون ينكبنون بالحصى. يقولون: طلّق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه. أفأنزل فأُخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال نعم إن شئت" فلم أزل أْحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه. وحتى كشر فضحك. وكان من أحسن الناس ثَغْراً. ثم نزل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونزلتُ. فنزلتُ أتشبّث بالجذع ونزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده. فقلتُ: يا رسول الله! إنما كنتَ في الغرفة تسعة وعشرين. قال: "إن الشهر يكون تسعاً وعشرين" فقمتُ على باب المسجد. فناديت بأعلى صوتي: لم يُطّلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه. ونزلت هذه الآية: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أوالخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وأنزل الله عز وجل آية التخيير. (الصحيح 2/1105 ح 1479- ك الطلاق، ب في الإيلاء واعتزال النساء ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) يقول سارعوا به وأفشوه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم) يقول: إلى علمائهم. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) قال الذين يتتبعونه ويتجسسونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 قوله تعالى (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) فهو في أول الآية لخبر المنافقين، قال (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) إلا قليلا، يعني بالقليل "المؤمنين". قوله تعالى (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ... ) قال الإمام أحمد: ثنا سليمان بن داود الهاشمى قال أنا أبو بكر عن أبي إسحاق قال قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة قال: لا لأن الله عز وجل بعث رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) إنما ذاك في النفقة. (المسند 4/281) ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وأبو بكر هو: ابن عياش المقري ثقة الا أنه ساء حفظه لما كبر وكتابه صحيح والحديث ليس من سوء حفظه لأنه ثبت في الصحيح من حديث حذيفة وغيره (انظر صحيح البخارى -التفسير- سورة البقرة، باب (وآنفقوا في سبيل الله) رقم 4516) . وأبو إسحاق هو السبيعي، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش به، (تفسير ابن أبي حاتم رقم 3745) وانظر تفسير ابن كثير فقد ذكر رواية أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه (2/322 و323) وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/275-276) . قوله تعالى (وحرض المؤمنين على القتال عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا) قال الشيخ الشنقيطي: لم يصرح هنا بالذى يحرض عليه المؤمنين ماهو، وصرح في موضع أخر بأنه القتال، وهو قوله (وحرض المؤمنين على القتال) وأشار إلى ذلك هنا بقوله في أول الآية (فقاتل في سبيل الله) وقوله في آخرها: (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأشد تنكيلا) أى عقوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 قوله تعالى (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة) ، قال: شفاعة بعض الناس لبعضهم أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) أي حظ منها، (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) والكفل هو الإثم. قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا أبو بريدة بن عبد الله بن أبي بردة، حدثنا أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: "اشفعوا تؤجروا، ويقضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء". (الصحيح 3/351 ح 1432 - ك الزكاة، ب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها) . وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2026 ح 2627 - ك البر والصلة، ب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام) . قوله تعالى (وكان الله على كل شيء مقيتا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (مقيتا) حفيظاً. قوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليكم، فقل: وعليك". (الصحيح 11 ح 6257- ك الإستئذان، ب كيف يرد على أهل الذمة بالسلام؟) . وأخرجه مسلم في (صحيحه4/1706- ك السلام، ب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز (يعنى الدراوردي) عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه". (الصحيح 4/1707 ح 2167 - ك السلام، ب النهي عن ابتداء أهل الكتاب، بالسلام ... ) . قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين، قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "عشر" ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: "عشرون" ثم جاء أخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: "ثلاثون". (السنن 4/350 ح 5195- ك الأدب، ب كيف السلام؟) .، وأخرجه الترمذي (5/52 ح 2689- ك الاستئذان، ب ما ذكر في فضل السلام) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن والحسين بن محمد الجريري عن محمد بن كثير به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال ابن حجر. سند قوي (الفتح 11/6) ، صححه الألباني (انظر صحيح سنن الترمذي ح 2163) . روى ابن أبي شيبة: عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله قال: "إن السلام اسم من أسماء الله فأفشوه". وبالإسناد نفسه قال: إن الرجل إذا مر بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له فضل درجة عليهم، لأنه أذكرهم السلام. (المصنف 8/438 و441 ح 5796، 5807) ، وأخرجه الخطيب في (موضح الأوهام 1/409-410) من طريق ابن جريج، عن فافاه به. وقد روي هذا الحديث عن ابن مسعود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرفوعاً، أخرجه كذلك: البزار في (مسنده 5/174-175 ح 1770، 1771) ، والطبرانى في (الكبير 10/224 ح 10391، 10392) ، وابن حبان في (روضة العقلاء ص 112) ، من طرق، عن الأعمش به، وساقوه جميعاً مساق حديث واحد. قال المنذري. رواه البزار والطبراني، وأحد إسنادي البزار جيد قوي. (الترغيب والترهيب 3/427-428) ، وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين والطبرانى بأسانيد، وأحدهما رجاله رجاله الصحيح عند البزار والطبراني. (مجمع الزوائد 8/29) . وقال الحافظ ابن حجر: رواه البزار بإسناد جيد. (التلخيص الحبير 4/94) . ورمز له السيوطي بالحسن في (الجامع الصغير 4/151مع فيض القدير) ، وصححه الألبانى في (صحيح الجامع 3697) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وأما الاختلاف في رفعه ووقفه: فقد صحح الأئمه روايه الوقف، فقال الدارقطني -بعد أن ذكر الخلاف في رفعه-: والموقوف أصح. (العلل 5/76) . وقال الحافظ ابن حجر: ... وطريق الموقوف أقوى. (فتح الباري 11/3) والحديث وإن كان موقوفاً، إلا أن أكثره له معنى الرفع؛ إذ أنه مما لا بمجال للرأي فيه. هذا، وللشطر الأول منه شاهد من رواية أنس - رضي الله عنه -، أخرجه البخارى في (الأدب المفرد 2/449 ح 989 - مع فضل الله الصمد) إلى قوله " ... فأفشوا السلام بينكم. وحسن الحافظ ابن حجر إسناده (فتح الباري 11/13) ، وصحيح إسناده الألبانى (السلسلة الصحيحة رقم 184) ، وحسن الحديث في (صحيح الأدب المفرد ص 380 ح 760) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) عن قتادة يقول: حيوا أحسن منها، أي: على المسلمين (أو ردوها) أي: على أهل الكتاب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (حسيبا) قال: حفيظاً. قوله تعالى (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لاريب فيه) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (لاريب فيه) لا شك فيه. قوله تعالى (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر وعبد الرحمن قالا: حدثنا شعبة، عن عدى عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - (فما لكم في المنافقين فئتين) رجع ناس من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أحدٍ وكان الناس فيهم فِرقتين: فريق يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين) . (الصحيح 8/104-105 ح 4589 -ك التفسير- سورة النساء) ، (صحيح مسلم 4/2142 ح 2776 - ك صفات المنافقين) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (والله أركسهم بما كسبوا) يقول: أوقعهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 قوله تعالى (أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) قال الشيخ الشنقيطي: أنكر تعالى في هذه الآية الكريمة على من أراد أن يهدي من أضل الله، وصرح فيها بأن من أضله الله لايوجد سبيل إلى هداه وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم) وقوله (ومن يضلل الله فلا هادى له) . قوله تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (فإن تولوا) يقول: إذا أظهروا كفرهم. انظر سورة البقرة آية (191) وسورة الأنفال آية (57) . قوله تعالى (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (أوجاءوكم) يقول: رجعوا فدخلوا فيكم. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (حصرت صدورهم) ضاقت. قوله تعالى (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (أن يقاتلوكم) أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فإن اعتزلوكم) ، قال: نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) . انظر تفسير سورة البقرة آية (208) . قوله تعالى (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) قال: ناس كانوا يأتون إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش يرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا. فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ستجدون آخرين يريدون) قال: حيا كانوا بتهامة، قالوا: يانبي الله: إنا لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا فأرادو أن يأمنوا رسول الله، ويأمنوا قومهم فأبى الله ذلك عليهم. وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضاً في الإحتجاج. قوله تعالى (كلما ردوا إلى الفتنة اركسوا فيها) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) كلما عرض لهم بلاء هلكوا فيه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) قال كلما ابتلوا بها عموا فيها. قوله تعالى (فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (فإن لم يعتزلوكم) قال: أمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا. انظر تفسير سورة البقرة آية (208) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) أما السلطان فهو الحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 قوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) يقول: ماكان له ذلك فيما أتاه من ربه، من عهد الله الذي عهد إليه. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (فتحرير رقبة مؤمنة) ، يعني بالمؤمنة: من عقل الإيمان وصام، وصلى فإن لم يجد رقبة، فصيام شهرين متتابعين، وعليه دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا بها عليه. قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى. أخبرنا جرير عن منصور، عن إبراهيم، عن عُبيد بن نضيلة الخُزاعي، عن المغيرة بن شعبة. قال: ضربتْ امرأة ضرّتها بعمود فسطاط وهي حبلى. فقتلتها. قال: وإحداهما لِحيانية. قال: فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية المقتولة على عصبة القاتلة. وغرّة لما في بطنها فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطل. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أسجع كسجع الأعراب"؟ قال: وجعل عليهم الدية. (الصحيح 3/1310 ح 1682- ك القسامة، ب دية الجنين ... ) . وانظر حديث مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي المتقدم تحت الآية رقم (238) من سورة البقرة وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعتقها فإنها مؤمنة". أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن، فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة أو صام شهرين متتابعين ولا دية عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 قال البخاري: حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا الحسن بن عمرو، حدثنا مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قتل معاهداً لم يرِحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً". (الصحيح 6/311 ح 3166- ك الجزية، ب إثم من قتل معاهداً بغير جرم) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) وإذا كان كافرا في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين. انظر تفسير سورة البقرة آية (185) . قال ابن أبي حاتم حدثنا عمار بن خالد التمار، ثنا أسباط، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة قال: اذا كان (فمن لم يجد) فالأول الأول. ورجاله ثقات وسنده صحيح، وأسباط هو ابن محمد. قوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) قال البخاري: حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن زبيد قال: سألت أبا وائل عن المرجئة، فقال: حدثني عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سِباب المسلم فسُوق وقتاله كفر". (الصحيح 1/135 ح 48 - ك الايمان، ب خوف المؤمن من أن يحبط عمله ... ) ، صحيح مسلم 1/81 - ك الايمان، ب بيان قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سباب المسلم فسوق") . قال البخاري: حدثنا علي حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حَراماً". (الصحيح 12/194 ح 6862 - ك الديات، ب قول الله تعالى (الآية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 قال البخاري: حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا مغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلتُ فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) هي أخر ما نزل، وما نسخها شيء. (الصحيح 8/106 ح 4590 - ك التفسير، سورة النساء، ب (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم)) . وانظر سورة الفرقان آية (68) حديث النسائي عن زيد بن ثابت. قال البخارى: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء". (الصحيح 12/194 ح، 6864- ك الديات، ب قول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1304 ح 1678- ك القسامة، ب المجازاة بالدماء في الآخرة) من طريق عبدة بن سليمان ووكيع، كلاهما عن الأعمش به، وفيه: "يوم القيامة". قال البخاري: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب ويونس، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقينى أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل. قال: ارجع، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار". قلت: يارسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". (الصحيح 12/192 ح 6875 -فتح البارى- ك الديات، ب قوله تعالى (ومن أحياها ... )) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2213 ح 2888- ك الفتن وأشراط الساعة، ب إذا تواجه المسلمان بسيفهما) وعنده قول الأحنف: قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يعنى علياً- ... ) . قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عُيينة، عن عمار الدهني، عن سالم ابن أبي الجعد، قال: سئل ابن عباس عمّن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: ويحه! وأنى له الهدى؟ سمعت نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يجئ القاتل، والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 يقول: ربّ! سَل هذا، لِم قتلنى"؟ والله! لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم، ثم ما نسخها بعد ما أنزلها. (السنن ح 2621 - ك الديات، ب هل لقاتل مؤمن توبة) . وأخرجه أحمد والنسائي من طرق عن سالم به نحوه. وقال ابن كثير: وقد روى هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة. (المسند 1/240) ، (السنن - التحريم 7/85) ، (التفسير 2/333) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجه 2/93) . وأخرجه الطبري (9/63 ح 10188) من طريق يحيى الجابر عن سالم، بزيادة ألفاظ فيه. قال الشيخ أحمد شاكر: وهو حديث صحيح. وانظر سورة النساء آية (48) حديث النسائي عن معاوية. وانظر سورة الفرقان آية (69) . قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا مروان بن جناح، عن أبي الجهم الجوزجانى، عن البراء بن عازب، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق". (السنن ح 2619- ك الديات، ب التغليظ في قتل مسلم ظلماً) ، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه البيهقى والأصبهانى من هذا الوجه وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه النسائى في الصغرى من حديث بريدة بن الحصيب ومن حديث عبد الله بن مسعود (مصباح الزجاجة 2/83) . وحسن إسناده المنذرى (الترغيب 3/202) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/92) . وله شاهد أخرجه النسائى من حديث بريدة (السنن 7/83) صحح إسناده ابن الملقن (خلاصة البدر المنير 2/261) . قال الضياء المقدسي: أخبرنا عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد المروزي - بها- أن أبا الفضل محمد بن عبد الواحد بن محمد المغازلى أخبرهم -قراءةً عليه- أنا أبو الخير محمد بن أحمد بن رَرَا الأصبهاني -قراءة عليه- أبنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ، ثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، ثنا عبد الرحمن بن علي بن خشرم، ثنا سُويد بن نصر، ثنا ابن المبارك، عن سليمان التيمى، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أبى علَي أن يجعل لقاتل المؤمن توبة". (المختارة 6/163 ح /2164) قال محققه: إسناده صحيح، وصححه السيوطي (الجامع الصغير 1/71) ، وصححه الألبانى (السلسلة الصحيحة 2/309 ح 689) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله لأن الله سبحانه يقول (فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه وأعد له عذابا عظيماً) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ... ) إلى قوله (إن الله كان بما تعملون خبيراً) قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن (محمد بن) إسحاق حدثني يزيد بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد قال: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم مر بنا عامر الأشجعي على قعود له متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله بشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعلمون خبيراً) . (المسند 6/11) ، وأخرجه الطبري في (تفسيره رقم 10212، 10213) ، وغيرهما. قال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/7) . وقال د. حكمت بشير: إسناده حسن (مرويات الإمام أحمد 1/386) قال البخاري: حدثني على بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً) . قال: قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحِقه المسلمون. فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله (عرض الحياة الدنيا) تلك الغنيمة. قال: قرأ ابن عباس: (السلام) . (الصحيح 8/107 ح 4591 - ك التفسير، سورة النساء، ب (الآية)) ، (صحيح مسلم، 4/2319 - ك التفسير) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 قال ابن أبي حاتم: حدثنا إبراهيم بن عتيق الدمشقى، ثنا مروان يعني ابن محمد الطاطري، ثنا ابن لهيعة حدثني أبو الزبير، عن جابر قال: أنزلت هذه الآية: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً) في مرداس. (التفسير ح 3932 - سورة النساء، آية 94) . وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/107) وله شاهد في البخاري (8/107 ح 4591) من حديث ابن عباس، دون تسمية صاحب القصة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن شهد أن لا إله إلا الله: (لست مؤمنا) ، كما حرم عليهم الميتة، فهو أمن على ماله ودمه، لاتردوا عليه قوله. قوله تعالى (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا) قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا وكيع، عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: (فمن الله عليكم) فأظهر الإسلام. قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا وكيع، عن سفيان عن حبِيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير قوله: (فتبينوا) قال: وعيد من الله مرتين (إن الله كان بما تعملون خبيرا) . قوله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) ذكر في هذه الآية الكريمة أنه فضل المجاهدين في سبيل الله بأموالهم على القاعدين درجة وأجرا عظيما، ولم يتعرض لتفضيل بعض المجاهدين على بعض، ولكنه بين في موضع أخر وهو قوله (لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) وقوله في هذه الآية الكريمة (غير أولى الضرر) يفهم من مفهوم مخالفته أن من خلفه العذر إذا كانت نيته صالحة يحصل على ثواب المجاهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال حدثني سهلُ بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلتُ حتى جلستُ إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أملى عليه (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُملها عليّ قال: يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت -وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفخذُه على فخذى، فثقُلت على حتى خفتُ أن ترضّ فخذي. ثم سُرّىَ عنه فأنزل الله (غير أولى الضرر) . (الصحيح 8/108 ح 4592 - ك التفسير، سورة النساء، ب (الآية) ، (صحيح مسلم 3/1508 - ك الإمارة، ب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين) . قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد -هو ابن زيد- عن حميد عن أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في غزاة فقال: "إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر". وقال موسى: حدثنا حماد عن حُميد عن موسى بن أنس عن أبيه: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال أبو عبد الله: الأول أصح. (الصحيح 6/55 ح 2839 - ك الجهاد والسير، ب من حبسه العذر عن الغزو) ، (صحيح مسلم 3/1518 ح 1911- ك الامارة، ب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر نحوه) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أولى الضرر) أهل العذر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وكلا وعد الله الحسنى) وهي الجنة، والله يؤتي كل ذى فضل فضله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 قوله تعالى (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة ... ) قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور. حدثنا عبد الله بن وهب. حدثني أبو هانيء الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبُلي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا أبا سعيد! مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وجبت له الجنة". فعجب لها أبو سعيد. فقال: أعِدْها علي. يا رسول الله! ففعل. ثم قال: "وأُخرى يُرفع بها العبد مائة درجة في الجنة. ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" قال: وما هي؟ يا رسول الله! قال: "الجهاد في سبيل الله. الجهاد في سبيل الله". (الصحيح 3/1501 ح 1884 - ك الإمارة، ب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهدين في الجنة من الدرجات) . قال الترمذي: حدثنا عباس العنبري. حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا إسرائيل عن محمد بن جُحادة عن عطاء عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مائة عام". (السنن 4/674 ح 2529 - صفة الجنة، ب صفة درجات الجنة) . قال الترمذي: حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد في المسند رقم (7910) من طريق: شريك، عن محمد بن جحادة به. قال محققه: صحيح. وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذي رقم 2054) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (درجات منه ومغفرة ورحمة) كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والقتل والجهاد درجة. قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد المقريء حدثنا حيوة وغيره قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود قال: قُطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبتُ فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس، فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدّ النهي ثم قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يُكثرون سواد المشركين على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي السهم يرمى به فيُصيب أحدَهم فيقتله، أو يُضرب فيقتل، فأنزل الله (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم) الآية. رواه الليث عن أبي الأسود. (الصحيح 8/111 ح 4596 - ك التفسير، سورة النساء) . قال الطبري: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا! فاستغفروا لهم، فنزلت (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم) الآية، قال: فكتب إلى من بقى بمكة من المسلمين بهذه الآية، لا عذر لهم. قال: فخرجنا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله) (سورة العنكبوت: 10) إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير ثم نزلت فيهم: (إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) (سورة النحل:110) فكتبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجاً، فخرجوا فأدركهم المشركون، فقاتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل. (التفسير 9/102- 103 ح 10260) ، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير ح 3969- النساء/ 97) بإسناد الطبري نفسه، ولفظه أخصر منه، والطحاوى (مشكل الآثار 4/328) ، والبيهقي (السنن 9/14) ، من طرق عن عمرو بن دينار نحوه. وعزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك، وهو ثقة. (مجمع الزوائد 7/10) . والحديث رجاله ثقات، وإسناده صحيح (انظر تفسير ابن أبي حاتم - في الموضع المشار إليه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبا ابن وهب، حدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد أن سعيد بن جبير قال: في قول الله تعالى (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) قالوا: إذا عمل فيها بالمعاصي فاخرجوا. ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وابن وهب هو ابن عبد الله. قوله تعالى (إلا المستضعفين من الرجال والنساء ... ) قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مُضر، اللهم اجعلها سِنين كسِني يوسف. وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: غِفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله". قال ابن أبي الزناد عن أبيه: هذا كله في الصُبح. (الصحيح 2/572 ح 1006 - ك الاستسقاء، ب دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . انظر حديثي البخارى عن ابن عباس المتقدمين في الآية (75) من السورة نفسها. قوله تعالى (لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة في قوله: (لا يستطيعون حيلة) قال: نهوضا إلى المدينة، (ولا يهتدون سبيلا) طريقا إلى المدينة. ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وعمرو هو ابن دينار. قوله تعالى (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المراغم: التحول من الأرض إلى الأرض. والسعة: السعة في الرزق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 قوله تعالى (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ... ) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق حدثنا خباب - رضي الله عنه - قال: "هاجرنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نلتمس وجه الله، فوقع أجرُنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عُمير، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. قتل يوم أحد فلم نجد ما نكَفنه إلا بُردة إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نغطّى رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر" (الصحيح 3/170 ح 1276 - ك الجنائز، ب إذا لم يجد كفنا إلا ... ) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان بمكة رجل يقال له: ضمرة من بنى بكر، وكان مريضاً، فقال لأهله: أخرجوني من مكة فإني أجد الحرّ فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة يعني. فمات، فنزلت هذه الآية: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) . (التفسير- سورة النساء/100 ح 4001) . وأخرجه الطبري (التفسير 9/118 ح 10294) بسند ابن أبي حاتم نفسه، لكن وقع في إسناده "شريك" وصوابه: محمد بن شريك كما عند أبي حاتم. وعزاه السيوطي لابن المنذر أيضاً بلفظه. وعزاه الهيثمي لأبى يعلى بنحوه وقال: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/10) وقال السيوطى عن سند أبي يعلى والطبرانى: رجاله ثقات (الدر المنثور 2/207 وسنده صحيح) . قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال البخاري: حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا يحيى ابن أبي إسحاق قال: سمعت أنساً يقول: خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة إلى مكة، فكان يُصلى ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال أقمنا بها عشراً. (الصحيح 2/653 ح 1081- ك تقصير الصلاة، ب ما جاء في التقصير ... ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وقال البخارى: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا سفيان، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقِرَّتْ صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان. (الصحيح 2/663 ح 1090- ك تقصير الصلاة، ب يقصر إذا خرج من موضعه ... ) ، و (صحيح مسلم 1/478 بعد رقم 685ك صلاة المسافرين ... ) . قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا عبد الله بن إدريس) عن ابن جريج، عن ابن أبي عمار، عن عبد الله بن بابيه، عن يعلى بن أمية؛ قال: قلتُ لعمر بن الخطاب (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمِن الناس! فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه. فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم. فاقبلوا صدقته". (الصحيح 1/478 ح 686- ك صلاة المسافرين وقصرها، ب صلاة المسافرين وقصرها) . قال أحمد: حدثنا الفضل بن دكين حدثنا مالك، -يعني ابن مغول- عن أبي حنظلة قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتين قال: قلت فأين قول الله تبارك وتعالى (إن خفتم) ونحن آمنون؟ قال: سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو قال كذاك سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (المسند رقم 6194) وصححه أحمد شاكر. وقال محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركى: صحيح لغيره (المسند 10/331 ح 7194) . واورده الحافظ ابن حجر محتجاً به (الفتح 2/564) . قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ... ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى بعده يليه مبينا له (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 حذرهم وأسلحتهم) الآية. وقوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) ويزيده إيضاحا أنه قال هنا (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) وقال في آية البقرة (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) ؛ لأن معناه فإذا أمنتم فأتموا كيفيتها بركوعها وسجودها وجميع ما يلزم فيها مما يتعذر وقت الخوف. وعلي هذا التفسير الذي دل له القرآن فشرط الخوف في قوله (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) معتبر أي: وإن لم تخافوا منهم أن يفتنوكم فلا تقصررا من كيفيتها، بل صلوها على أكمل الهيئات، كما صرح به في قوله (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) وصرح باشتراط الخوف أيضاً لقصر كيفيتها بأن يصليها الماشي والراكب بقوله (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) . ثم قال (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم) الآية. قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال آخبرنا شعيب عن الزهري قال: سألته هل صلّى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يعني صلاة الخوف-؟ قال: أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبل نجد، فوازينا العدوّ فصاففنا لهم، فقام رسول الله يصلى لنا، فقامت طائفة معه تصلى، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بمَن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تُصل، فجاءوا فركع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحدٍ منهم فركع بنفسه ركعة وسجد سجدتين". (الصحيح 2/497 ح 942- ك صلاة الخوف، ب صلاة الخوف) ، وأخرجه مسلم في صحيحه - ك صلاة المسافرين، ب صلاة الخوف ح 305، 306) . قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي. حدثنا عبد الله بن شقيق. حدثنا أبو هريرة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل بين ضجنان وعُسفان، فقال المشركون: إن لهولاء صلاةً هي أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم مَيلة واحدة، وإن جبريل أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمره أن يقسِم أصحابه شطرين فيُصلى بهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وتقوم طائفة أخرى وراءهم، وليأخذوا حِذرهم وأسلحتهم، ثم يأتي الآخرون ويُصلّون معه ركعة واحدة، ثم يأخذ هؤلاء حِذرهم وأسلحتهم، فتكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة وفى الباب عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجابر وأبى عياش الزرقي وابن عمر وحذيفة وأبى بكرة وسهل بن أبي حثمة وأبو عياش الزرقى اسمه زيد بن صامت. (سنن الترمذى 5/243 ح 3035- ك التفسير، سورة النساء) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي 3/42) . ونقل ابن رجب عن البخاري قوله: حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة: حسن (علل الترمذي 1/303) . قال أبو داود: وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا قال: حدثني عمي، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة حدثته بهذه القصة، قالت: كبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالساً ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى، حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى فقاموا فكبروا، ثم ركعوا لأنفسهم ثم سجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجدوا معه، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسجدوا لأنفسهم الثانية. ثم قامت الطائفتان جميعاً فصلوا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعاً، ثم عاد فسجد الثانية وسجدوا معه سريعاً كأسرع الاسراع جاهداً لا يألون سراعاً، ثم سلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلموا فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد شاركه الناس في الصلاة كلها. (السنن 2/15 ح /1242- ك الصلاة، ب من قال يكبرون جميعاً) ، وأخرجه أحمد في (مسنده 6/275) من طريق: يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق به وفيه: صلى رسول الله بالناس صلاة الخوف بذات الرقاع ... والحاكم في المستدرك (1/ 336-337) من طريق: محمد بن حاتم الدورى، عن يعقوب به. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف. ووافقه الذهبي. وإسناده حسن. وقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن أي الروايات في صلاة الخوف أصح؟ فقال: كل الروايات عندي صحيح وكل يستعمل. (انظر العلل لابن رجب 1/301) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم) ، وطائفة يأخذون أسلحتهم ويقفون بإزاء العدو، فيصلى الإمام بمن معه ركعة ثم يجلس علي هيئته، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية والإمام جالس، ثم ينصرفرن حتى يأتوا أصحابهم فيقفون موقفهم، ثم يقبل الآخرون فيصلى بهم الإمام الركعة الثانية، ثم يسلم، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية. فهكذا صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بطن نخلة. قوله تعالى (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلى بصلاتك ففرغت من سجودها. (فليكونوا من ورائكم) ، يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدو في المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصل معك، ولم تدخل معك في صلاتك. قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس (إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) قال عبد الرحمن بن عوف، وكان جريحاً. (الصحيح 8/264 ح 4599- التفسير) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ولا جناح) لا حرج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 قوله تعالى (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (فاذكروا الله قياما) ، لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال عذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحد في تركه إلا مغلوبا على عقله فقال (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية وعلي كل حال. قوله تعالى (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (فإذا اطمأننتم) يقول: إذا استقررتم وآمنتم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) ، قال: أتموها. قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتابا أى: شيئا مكتوبا عليهم واجبا حتما موقوتا أي له أوقات يجب بدخولها ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات، ولكنه أشار لها في مواضع أخر كقوله (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) . قال الترمذي: حدثنا هناد حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن للصلاة أولاً وآخراً، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفرّ الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن أخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن أخر وقتها حين تطلع الشمس". (السنن 1/283-284 ح 151- ك الصلاة، ب ما جاء في مواقيت الصلاة) ، وأخرجه الإمام أحمد في (مسنده رقم 7172) حدثنا محمد بن فضيل به. وقد أعل الترمذي الحديث برواية أخرى عن مجاهد مرسلاً، ورد ذلك التعليل ابن حزم وابن الجوزى وابن القطان والزيلعي وأحمد شاكر ومحققو (مسند أحمد 12/94-96) بإشراف أ. د. عبد الله التركي، وله شواهد صحيحة وردت في المسند برقم (6966 و4/416) ، وصححه الألبانى (صحيح سنن الترمذي رقم 129) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (موقوتا) مفروضا. قوله تعالى (ولاتهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليما حكيما) قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله تعالى المسلمين في هذه الآية الكريمة عن الوهن الضعف في طلب أعدائهم الكافرين وأخبرهم بأنهم إن كانوا يجدون الألم من القتل والجراح فالكفار كذلك والمسلم يرجو من الله من الثواب والرحمة مالا يرجوه الكافر فهو أحق بالصبر على الآلام منه، وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) وكقوله (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن تكونوا تألمون) ، قال: توجعون (وترجون من الله مالا يرجون) ، قال: ترجون الخير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 قوله تعالى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً. واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما تعملون محيطاً. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً) قال الترمذي: حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني. حدثنا محمد بن سلمة الحرّاني. حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منّا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث أو كما قال الرجل، وقالوا ابن الأبيرق قالها، قال وكان أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدِمت ضافطة من الشام من الدَرْمَك ابتاع الرجل منها فخصَّ بها نفسه. وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمِّى رفاعة بن زيد حِملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف، فعُدى عليه من تحت البيت فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمِّى رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدى علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال! فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار، والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشكّ أنهم أصحابها، فقال لى عمّى: يا ابن أخى لو آتيتَ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرتَ ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيتٍ منا أهلُ جفاء عمدوا إلى عمّى رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليرُدّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سآمر في ذلك"، فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عروة فكلّموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمّه عمدوا إلى أهل بيت منّا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلّمته، فقال: لعمدت إلى أهل بيتٍ ذُكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة"، قال: فرجعتُ، ولوَدِدتُ أني خرجت من بعض مالى ولم أكلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمّى رفاعة، فقال: يا ابن أخي ما صنعتَ؟ فأخبرته بما قال لى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) بني أبيرق (واستغفر الله) أي مما قلتُ لقتادة (إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوّاناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله -إلى قوله- غفورا رحيما) أي: لو استغفروا الله لغفر لهم، (ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه -إلى قوله- إثماً مبيناً) قوله للبيد: (ولولا فضل الله عليك ورحمته -إلى قوله- فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) فلما نزل القرأن أتى رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فردّه إلى رفاعة، فقال قتادة: لمّا أتيتُ عمّي بالسلاح، وكان شيخاً قد عمىَ أو عشي في الجاهلية، وكنتُ أرى إسلامه مدخولاً، فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخى هو في سبيل الله، فعرفتُ أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحِق بشيرٌ بالمشركين، فنزل على سُلافة بنت سعد بن سُمية فأنزل الله (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيداً) فلما نزل على سُلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعره، فأخذتْ رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ لى شعر حسّان؟ ما كنتَ تأتيني بخير. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نحلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحَراني. وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده، وقتادة هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه وأبو سعيد الخدري سعد ابن مالك بن سنان. (السنن 5/ 244-247 ح /3036 - ك التفسير، سورة النساء) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) وأخرجه الطبري في (تفسيره 9/177) ح 10411) بسند الترمذي نفسه. وأخرجه الحاكم (4/385- ك الحدود) -مع اختلاف في لفظه- من طريق: يونس بن بكير، عن ابن إسحاق به. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. "وأما عن قول الترمذي: بأن يونس بن بكير وجماعة رووه عن عاصم بن عمر مرسلاً، فقد قال الشيخ أحمد شاكر: غير أن الحاكم: رواه كما ترى من طريق يونس بن بكير مرفوعاً إلى قتادة بن النعمان" (تفسير الطبري 9/183) . وانظر حديث أم سلمة عند البخاري ومسلم المتقدم تحت الآية رقم (188) من سورة البقرة. قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن أبي رزين: (إذ يبيتون مالا يرضى من القول) قال: يؤلفون مالا يرضى من القول. ورجاله ثقات وسنده صحيح، وأبو رزين هو مسعود بن مالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 قوله تعالى (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) انظر حديث علي الذي يرويه عن أبي بكر الصديق المتقدم عند الترمذي تحت الآية (135) من سورة آل عمران. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وسعة رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال. قوله تعالى (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية أن من فعل ذنبا فإنه إنما يضر به خصوص نفسه لا غيرها وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقوله (ومن أساء فعليها) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك) انظر حديث الترمذي عن قتادة بن النعمان المتقدم عند الآية (105) من السورة نفسها. قوله تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه علم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يكن يعلمه، وبين في مواضع أخر أنه علمه ذلك عن طريق هذا القرآن العظيم الذي أنزله عليه كقوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) الآية. وقوله (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتاده قوله (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) علمه الله بيان الدنيا والآخرة، بين حلاله وحرامه ليحتج به على خلقه. قوله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ... ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كثيرا من مناجاة الناس فيما بينهم لاخير فيه. ونهى في موضع آخر عن التناجى بما لا خير فيه وبين أنه من الشيطان ليحزن به المؤمنين وهو قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالأثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي اليه تحشرون إنما النجوي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بأذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله في هذه الآية الكريمة (أو إصلاح بين الناس) لم يبين هنا هل المراد بالناس المسلمون دون الكفار أولا. ولكنه أشار في مواضع أخر أن المراد بالناس المرغب في الأصلاح بينهم هنا المسلمون خاصة كقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فتخصيصه المؤمنين بالذكر يدل على أن غيرهم ليس كذلك كما هو ظاهر وكقوله تعالى (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) . قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب أن حُميد بن عبد الرحمن أخبره أن أمّه أمّ كلثوم بنت عُقبة أخبرته أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليس الكذّاب الذي يُصلح بين الناس فينمى خيراً أو يقول خيراً". (الصحيح 5/353 ح 2692 - ك الصلح، ب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس) ، وأخرجه مسلم (ح 2605 - ك البر، ب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه) ، وأخرجه أحمد في مسنده (6/403) وفى آخره زيادة وهي بيان ما رخص فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الكذب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 قال الترمذى: حدثنا هناد. حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مُرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخبركم بأفضل مِن درجة الصيام والصلاة والصدقة"؟، قالوا: بلى قال: "إصلاح ذاتِ البين، فإن فساد ذاتِ البين هي الحالقة". (السنن 4/663 ح 2509- ك صفة القيامة) وقال: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. وأخرجه الإمام أحمد في المسند (6/444، 445) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/275 ح 5070) كلاهما من طريق أبي معاوية به. وعزاه الزيلعى للبزار في مسنده ثم نقل عنه قوله: لا نعلمه يروى بإسناد متصل أحسن من هذا، وإسناده صحيح (نصب الراية 4/355) ، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر والسيوطى (فيض القدير شرح الجامع الصغير 3/106) ، وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذى رقم 2037) . قوله تعالى (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيماً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (ومن يفعل ذلك) تصدق أو أقرض أو أصلح بين الناس (ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيماً) قوله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين) انظر حديث الترمذي عن قتادة بن النعمان المتقدم عند الآية (105) من السورة نفسها. قوله تعالى (نوله ما تولى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (نوله ما تولى) قال، من آلهة الباطل. قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) يقول: من يجتنب الكبائر من المسلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 قوله تعالى (إن يدعون من دونه إلا إناثا) قال الضياء المقدسى: أخبرنا أبو طاهر المبارك بن أبي المعالى -بقراءتي عليه بالجانب الغربي من بغداد- قلتُ له: أخبركم هِبة الله بن الحصين -قراءة عليه وأنت تسمع- أنا الحسن بن المذهِب، أنا أبو بكر القطيعى، نا عبد الله بن أحمد، حدثنى هدية بن عبد الوهاب ومحمود بن غيلان، قالا: نا الفضل بن مرسى، أنا حُسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب (إن يدعون من دونه إلا إناثاً) قال: مع كل صنمٍ جِنِّية. (المختارة 3/362، 363 ح 1157) ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمود بن غيلان به. وسنده حسن، وعزاه الهيثمي لأحمد وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/12) ، وصحح إسناده، د. عامر حسن صبري في (زوائد المسند ص351 ح 144) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إلا إناثا) ، يقول: ميتا. قوله تعالى (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) قال الشيخ الشنقيطي: المراد في هذه الآية بدعائهم الشيطان المريد عبادتهم له ونظيره قوله تعالى (ألم أعهد إليكم يابني أدم ألا تعبدوا الشيطان) الآية، وقوله عن خليله إبراهيم مقررا له (يا أبت لا تعبد الشيطان) وقوله عن الملائكة (بل كانوا يعبدون الجن) الآية وقوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) ولم يبين في هذه الآيات ماوجه عبادتهم للشيطان وإطاعتهم له واتباعهم لتشريعه وإيثاره على ماجاءت به الرسل من عند الله تعالى كقوله (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وقوله (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) قال: تمرد على معاصي الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 قوله تعالى (وقال لآتخدن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خَلقَ الله) قال الشيخ الشنقيطي: بين هنا فيما ذكر عن الشيطان كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض بقوله (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن أذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) ... كما بين كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض في آيات أخر كقوله (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) وقوله (أرأيتك هذا الذي كرمت على لأحتنكن ذريته) الآية. ولم يبين هنا هل هذا الظن الذي ظنه لإبليس ببني أدم أنه يتخذ منهم نصيبا مفروضا وأنه يضلهم تحقق لإبليس أولا، ولكنه بين في آية أخرى أن ظنه تحقق له وهي قوله (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) الآية. ولم يبين هنا الفريق السالم من كونه من نصيب إبليس ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبا هاشم يعني ابن يوسف عن ابن جريج، أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن عكرمة يعنى قوله: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم) قال: دين شرعه لهم الشيطان كهيئة البحاير والسوائب. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فليبتكن أذان الأنعام) قال: البتك في البحيرة والسائبة، كانوا يبتكون أذانها لطواغيتهم. قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: "لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمِّصات والمتفلِّجات للحُسن، المغيّرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسدٍ يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنكَ لعنت كيت وكيت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فقال: وماليَ لا ألعن من لعَنَ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن هو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول. قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأتِ (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: فإني أرى أهلكَ يفعلونه. قال: فاذهبي فانظري، فذهبتْ فنظرت فلم ترَ من حاجتها شيئاًَ. فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها". (الصحيح 8/498 ح 4886 - ك التفسير، ب (وما آتاكم الرسول فخذوه) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه - ك اللباس والزينة، ب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ... التالى لرقم120) . انظر حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري عند الآية (87-88) من سورة المائدة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (خلق الله) : دين الله. قوله تعالى (ومن أصدق من الله قيلاً) قال البخاري: حدثنا أدم بن أبي إياس حدثنا شعبة أخبرنا عمرو بن مُرّة سمعت مرة الهمدانى يقول: قال عبد الله: إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. (الصحيح 13/263 ح 7277 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الاقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه الإمام أحمد (المسند3/310) بلفظ: " ... فإن أصدق الحديث كتاب الله ... ". وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (1) من سورة القمر. قوله تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) الآية قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا شيئا من أمانيهم، ولا أماني أهل الكتاب، ولكنه أشار إلى بعض ذلك في مواضع أخر كقوله في أماني العرب الكاذبة (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) وقوله عنهم (إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) ونحو ذلك من الآيات، وقوله في أماني أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 الكتاب (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم) الآية. وقوله (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) الآية. ونحو ذلك من الآيات. قوله تعالى (من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن ابن عُيينة (واللفظ لقتيبة) حدثنا سفيان عن ابن محيصن، شيخ من قريش، سمع محمد بن قيس بن مخرمة يُحدّث عن أبي هريرة قال: لمّا نزلت (من يعمل سوءاً يُجز به) بلغتْ من المسلمين مبلغاً شديداً فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قاربوا وسدّدوا. ففي كلّ ما يصاب به المسلم كفارة. حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يُشاكها". قال مسلم: هو عمر بن عبد الرحمن بن محيصن، من أهل مكة. (الصحيح 4/1993 ح 2574 - ك البر والصلة والآداب، ب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت سعيدَ بن يسار أبا الحباب يقول: سمعت أبا هريرة يقول، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يرد الله به خيراً يصب منه". (الصحيح 10/108 ح 5645 - ك المرضى، ب ما جاء في كفارة المرض ... ) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من يشرك يجز به، وهو "السوء"، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، إلا أن يتوب قبل فيتوب الله عليه. قوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) ، قال: أبي أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 قوله تعالى (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) يقول: من أخلص لله. وانظر سورة البقرة آية (135) لبيان كلمة: حنيفاً. قوله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلاً) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا جرير. ح وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان. كلهم عن الأعمش. ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وأبو سعيد الأشج (واللفظ لهما) قالا: حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا إني أبرأ إلى كل خِلَّ من خله ولو كنت متخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً. إن صاحبكم خليل الله". (الصحيح 4/1856 - فضائل الصحابة، ب من فضائل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -) . قوله تعالى (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتى لاتؤتونهن ماكتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) قال البخاري: حدثنا عُبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن -إلا قوله- وترغبون أن تنكحوهن) قالت عائشة: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها فأشركته في ماله حتى في العذق. فيرغب أن ينكحها ويكره أن يُزوجها رجلاً فيشركه في ماله بما شرِكته فيعضلها، فنزلت هذه الآية. (الصحيح 8/114 ح 4600- ك التفسير، سورة النساء ب الآية) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) الآية. لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم في الكتاب ماهو، ولكنه بينه في أول السورة وهو قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 قال مسلم: حدثي أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن سرح وحرملة بن يحيى التجيبي (قال أبو الطاهر: حدثنا. وقال حرملة: أخبرنا) ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. أخبرنى عروة بن الزبير؛ أنه سأل عائشة عن قول الله: (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (النساء: 3) . قالت: يا ابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليها تُشاركه في ماله فيُعجبه مالها وجمالها. فيُريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها. فيعطيها مثل ما يُعطيها غيره. فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يُقسطوا لهن. ويبلغوا بهن أعلى سُنتهن من الصداق. وأمرو أن ينكحوا من طاب لهم من النساء، سواهن قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذه الآية، فيهن. فأنزل الله عز وجل: (يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) قالت: والذي ذكر الله تعالى؛ أنه يُتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى التي قال الله فيها: (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (النساء: 3) قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: (وترغبون أن تنكحوهن) ، رغبة أحدكم عن اليتيمة التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط. من أجل رغبتهم عنهن. (الصحيح 4/2313 ح 3018 - ك التفسير) . انظر حديث البخاري عن عائشة عند الآية (3) من السورة نفسها. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ماكتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) فكان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقى عليها ثوبه، فإذا فعل بها ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً، فإن كانت جميلة وهويها تزوجها وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجل أبداً حتى تموت، فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 قوله تعالى (والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (والمستضعفين من الولدان) فكانوا في الجاهية لايورثون الصغار ولا البنات، فذلك قوله: (لا تؤتونهن ما كتب لهن) فنهى الله عن ذلك وبين لكل ذي سهم سهمه، فقال: (للذكر مثل حظ الأنثيين) صغيرا كان أو كبيرا. قال الشيخ الشنقيطي: القسط العدل، ولم يبين هنا هذا القسط الذي أمر به لليتامى، ولكنه أشار له في مواضع أخر كقوله (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وقوله (قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) وقوله (فأما اليتيم فلا تقهر) وقوله (وآتى المال على حبه ذوي القربي واليتامى) الآية. ونحو ذلك من الآيات فكل ذلك فيه القيام بالقسط لليتامى. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة يعنى قوله (فإن الله كان به عليما) قال: محفوظ ذلك عند الله، عالم به شاكر له ... قوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبدة بن سليمان. حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشه: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) الآية. قالت: أنزلت في المرأة تكون عند الرجل. فتطول صُحبتها. فيُريد طلاقها فتقول: لا تطلّقني، وأمسكني، وأنت في حل منّي. فنزلت هذه الآية. (الصحيح 4/2316 ح 3021 - ك التفسير) ، (وصحيح البخاري 8/114ح 4601 - ك التفسير سورة النساء بنحوه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 قال الترمذى: حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا أبو داود. حدثنا سليمان بن معاذ عن سِماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: خشيتْ سودة أن يُطلقها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومى لعائشة ففعل فنزلت (فلا جناح عليها أن يصلحا بينهما صُلحاً والصلح خير) فما اصطلحا عليه من شىء فهو جائز. كأنه من قول ابن عباس. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. (السنن 5/249 ح /3040 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي) . وفيه سماك بن حرب وروايته عن عكرمة فيها اضطراب ولا يضر لأنه ثبت عن عائشة فيما أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/186) وانظر (الفتح 9/313) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (نشوزا) البغض. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فتلك المرأة تكون عند الرجل، لايرى منها ما يحب وله امرأة غيرها أحب اليه منها، فيؤثرها عليها. فأمره الله إذا كان ذلك ما تقول لها: "ياهذه إن شئت أن تقيمي على ما ترين من الأثرة، فأواسيك وأنافق عليك، فأقيمي وإن كرهت خليت سبيلك"، فإن هي رضيت أن تقيم بعد أن يخيرها فلا جناح عليه، وهو قوله: "والصلح خير"، وهو التخيير. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الشح: هواه في الشيء يحرص عليه. قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال الشيخ الشنقيطي: هذا العدل الذي ذكر تعالى هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة، والميل الطبيعى؛ لأنه ليس تحت قدرة البشر بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة بينهن ولو حرصت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وقال أيضاً في تفسير هذه الآية الكريمة: اخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني: في الحب والجماع. قوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا همام، ثنا قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". (السنن 2/242 ح 2133- ك النكاح، ب في القسم بين النساء) . وأخرجه الترمذي في (سننه 3/438 ح 1141 - ك النكاح، ب ما جاء في التسوية بين الضرائر) . والنسائى في (سننه 7/63 - ك عشرة النساء، ب ميل الرجل إلى بعض نسائه) . وابن ماجه في (سننه 1/633 ح 1969 - ك النكاح، ب القسمة بين النساء) . والحاكم في (المستدرك 2/186 - ك النكاح من طرق عن همام به نحوه) . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي. ونقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله: إسناده على شرط الشيخين ونقل عن عبد الحق قوله: خبر ثابت (التلخيص الحبير 3/201) وقد أعله بعضهم بأن هماماً تفرد برفعه، وأن هشاماً الدستوائى قال فيه: كان يقال. لكن قال الترمذي: لا يعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من حديث همام وهمام ثقة حافظ. وتعقبه ابن الملقن فقال: هو ثقة احتج به الشيخان وباقي الكتب السته فلا يضره ذلك (خلاصة البدر المنير 2/213) وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات (الدراية 2/66) ، وصححه السيوطي (الجامع الصغير 1/430 ح 826) . وقال الألباني في جواب هذه العلة: وهذه العلة غير قادحة ولذلك تتابع العلماء على تصحيحه (إرواء الغليل 7/81) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فتذروها كالمعلقة) تذروها لا هي أيم، ولا هي ذات زوج. قوله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الزوجين إذا افترقا أغنى الله كلا منهما من سعته وفضله الواسع، وربط بين الأمرين بأن جعل أحدهما شرطا والآخر جزاء. وقد ذكر أيضاً أن النكاح سبب للغنى بقوله (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته) قال الطلاق. قوله تعالى (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه إن شاء أذهب الناس الموجودين وقت نزولها، وأتى بغيرهم بدلا منهم، وأقام الدليل على ذلك في موضع آخر، وذلك الدليل هو أنه أذهب من كان قبلهم وجاء بهم بدلا منهم وهو قوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) . وذكر في موضع آخر: أنهم إن تولوا أبدل غيرهم وأن هؤلاء المبدلين لا يكونون مثل المبدل منهم بل يكونون خيرا منهم، وهو قوله تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) . وذكر في موضع آخر: أن ذلك هين عليه غير صعب وهو قوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) أي: ليس بممتنع ولا صعب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا) ، قادر والله ربنا على ذلك: أن يهلك من يشاء من خلقه، ويأتى بآخرين من بعدهم. قوله تعالى (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً) انظر سورة الإسراء آية (18) وفيها تقييد هذا الاطلاق في قوله تعالى (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) انظر حديث مسلم عن زيد بن خالد المتقدم في سورة البقرة آية (282) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) أمر الله المؤمنين أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم أو آبائهم ولايحابوا غنيا لغناه، ولا يرحموا مسكينا لمسكنته، وذلك قوله: (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) ، فتذروا الحق، فتجوروا. أخرج الطبري بنسده الحسن عن قتادة: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) الآية، هذا في الشهادة. فأقم الشهادة، يا ابن أدم، ولو على نفسك، أو الوالدين، أو على ذوى قرابتك أو أشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله رضي العدل بنفسه، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق. وبالعدل يصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويرد المعتدي ويوبخه، تعالى ربنا وتبارك وبالعدل يصلح الناس يا ابن آدم (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) يقول: أولى بغنيكم وفقيركم. قوله تعالى (إن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإن تلووا أو تعرضوا) إن تلووا بألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها. قوله تعالى (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا) وهم اليهود والنصارى. آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت، وأمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت. وكفرهم به: تركهم إياه ثم ازدادوا كفرا بالفرقان وبمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال الله: (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) ، يقول: لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريق هدى، وقد كفروا بكتاب الله وبرسوله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 قوله تعالى (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (عذابا أليما) قال: الأليم الموجع في القرآن كله. قوله تعالى (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) قال: نهى الله تعالى المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم ويخالفونهم في الدين. قوله تعالى (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن جميع العزة له جل وعلى وبين في موضع آخر: أن العزة التي هي له وحده أعز بها رسوله والمؤمنين، وهو قوله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) أي وذلك بإعزاز الله لهم. والعزة: الغلبة، ومنه قوله تعالى (وعزني في الخطاب) أي: غلبني في الخصام. قوله تعالى (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم) قال الشيخ الشنقيطي: هذا المنزل الذي أحال عليه هنا هو المذكور في سورة الأنعام في قوله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) وقوله هنا (فلا تقعدوا معهم) لم يبين فيه حكم ما إذا نسوا النهي حتى قعدوا معهم، ولكنه بينه في سورة الأنعام بقوله (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله تعالى (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها) ، وقوله (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقوله (وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ونحو هذا من القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم، أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 قوله تعالى (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة يعني قوله: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم) قال: هم المنافقون. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم) يقول: نغلب عليكم. قال الضياء: أخبرنا أبو الحسن على بن حمزة بن علي بن طلحة البغدادي -بالقاهرة- أن هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو طالب محمد بن محمد بن ابراهيم بن غيلان، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، ثنا إسحاق بن الحسن الحربي، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان -يعني عن الأعمش- عن ذرّ، عن يسيع، قال: جاء رجل إلى على قال: يقول الله تبارك وتعالى (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) وهؤلاء المؤمنون يُقتلون؟! فقال علي: ادنه (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) . (التفسير ص 98، ورجاله ثقات. وسنده صحيح) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/309) والضياء المقدسي (المختارة 2/406-407 ح 793) كلاهما من طريق الثوري به وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (سبيلا) قال: حجة. قوله تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قال: يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفيه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسور. وأخرجه بسند صحيح عن الحسن البصري بنحوه وأطول. انظر تفسير سورة البقرة آية (9) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 قوله تعالى (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة صفة صلاة المنافقين بأنهم يقومون إليها في كسل ورياء، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا، ونظيرها في ذمهم على التهاون بالصلاة قوله تعالى (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) الآية. وقوله (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) الآية. ويفهم من مفهوم مخالفة هذه الآيات أن صلاة المؤمنين المخلصين ليست كذلك، وهذا المفهوم صرح به تعالى في آيات كثيرة كقوله (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقوله (والذين هم على صلاتهم يحافظون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس) قال: هم المنافقون، لولا الرياء ما صلوا. أخرج ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي الأشهب عن الحسن: (لا يذكرون الله إلا قليلا) قال: إنما قل لأنه كان لغير الله. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثني أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. لقد هممتُ أن آمر المؤذن فيُقيم، ثم آمر رجلا يؤمّ الناس، ثم آخذ شُعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد. (الصحيح 2/165ح 657- ك الأذان، ب فضل العشاء في جماعه) . قال مسلم: وحدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن الصباح وقتيبة وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن؛ أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة. حين انصرف من الظهر. وداره بجنب المسجد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قال: فصلّوا العصر فقمنا فصلينا. فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول قال: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعاً. لا يذكر الله فيها إلا قليلا". (الصحيح 1/434، ح 622 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب التكبير بالعصر) . قوله تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) قال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة. حدثنا أبو أسامة. قالا: حدثنا عبيد الله. ح وحدثنا محمد بن المثنى (واللفظ له) أخبرنا عبد الوهاب (يعني الثقفى) . حدثنا عُبيد الله عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين. تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة". (الصحيح 4/2146 ح 2784 - ك صفات المنافقين وأحكامهم) . أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد (مذبذبين) قال: المنافقون لا مع المؤمنين ولا مع اليهود. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هولاء) يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرحين بالشرك. انظر تفسير سورة البقرة آية (8) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) قال ابن كثير: ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المومنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم، ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه) . وانظر تفسير سورة آل عمران آية (28) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 قوله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين في أسفل طبقات النار عياذا بالله تعالى. وذكر في موضع آخر أن آل فرعون يوم القيامة يؤمر بإدخالهم أشد العذاب، وهو قوله (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) . وذكر في موضع آخر أنه يعذب من كفر من أصحاب المائدة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين وهو قوله تعالى (قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) فهذه الآيات تبين أن أشد أهل النار عذابا المنافقون وآل فرعون ومن كفر من أصحاب المائدة. قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة عن خيثمة عن عبد الله (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار) قال: في توابيت مبهمة عليهم. (المصنف 13/154 ح 159 72) ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وسلمة هو ابن كهيل، وخيثمة هو ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي، وعبد الله هو ابن مسعود) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبا إسرائيل، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قال: الدرك الاسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فيوقد من تحتهم ومن فوقهم. وسنده حسن وعاصم هو ابن بهدلة، وأبو صالح هو ذكوان السمان. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: في الدرك الأسفل من النار: يعنى في أسفل النار. قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثني الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن الأسود قال: "كنا في حلقة عبد الله، فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم. قال الأسود: سبحان الله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 إن الله يقول (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) . فتبسم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله، فتفرق أصحابه، فرماني بالحصا فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم ثم تابوا، فتاب الله عليهم. (الصحيح ح 4602 - التفسير، سورة النساء) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة (وأصلحوا) قال: أصلحوا ما بينهم وبين الله ورسوله. قوله تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما) قال: إن الله جل ثناؤه لا يعذب شاكراً ولا مؤمناً. قوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يحب الله أن يدعوَ أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعوَ على من ظلمه، وذلك قوله: (إلا من ظلم) ، وإن صبر فهو خير له. قوله تعالى (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً) قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما نقصت صدقة من مال ومازاد الله عبداً بعفو إلا عزاً. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". (الصحيح 4/2001 ح 2588 - ك البر والصلة، ب استحباب العفو والتواضع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أخبر الله عباده بحكمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته فمن أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا ثم استغفر الله يجد الله غفورا رحيما ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال. قوله تعالى (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) انظر حديث أبي أمامة: "كم كانت الرسل؟ " عند الحاكم المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده عن قتادة قوله: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن لبعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) ، أولئك أعداء الله اليهود والنصارى. أمنت اليهود بالتوراة وموسى، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وأمنت النصارى بالإنجيل وعيسى، وكفروا بالقرأن وبمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاتخذوا اليهودية والنصرانية، وهما بدعتان وليستا من الله، وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رسله. قوله تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) ، أي كتاباً، خاصة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد، أخبرني سعيد عن قتادة في قوله: (جهرة) أي: عياناً. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فأخذتهم الصاعقة) قال: أخذتهم الصاعقة أي: ماتوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 قوله تعالى (ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب عفوه عنهم ذنب اتخاذ العجل إلها ولكنه بينه في سورة البقرة بقوله (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: إنما سمى العجل لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد: قوله (العجل) حسيل البقرة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: قوله (عفونا) يعني: من بعد ما اتخذوا العجل. قوله تعالى (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم تحت الآية (58) من سورة البقرة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين في قوله: (ورفعنا فوقهم الطور) قال: رفعته الملائكة. وسنده حسن. قوله تعالى (وقلنا لا تعدوا في السبت) الآية قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل امتثلوا هذا الأمر، فتركوا العدوان في السبت أولا، ولكنه بين في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا وأنهم اعتدوا في السبت كقوله تعالى (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) الآية. وقوله (واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) الآية. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة: (وقلنا لا تعدوا في السبت) أمر القوم أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا وأحلت لهم ماخلا ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فبما نقضهم ميثاقهم) يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم (وقولهم قلوبنا غلف) ، أي لا نفقه، (بل طبع الله عليها بكفرهم) ، ولعنهم حين فعلوا ذلك. (فلا يؤمنون إلا قليلا) لما ترك القوم أمر الله، وقتلوا رسله، وكفروا بآياته، ونقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم، طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قلوبنا غلف) قال: في غطاء. انظر تفسير سورة البقرة آية (88) . قوله تعالى (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا البهتان العظيم الذي قالوه على الصديقة مريم العذراء، ولكنه أشار في موضع أخر إلى أنه رميهم لها بالفاحشة، وأنها جاءت بولد لغير رشدة في زعمهم الباطل -لعنهم الله- وذلك في قوله (فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا) يعنون ارتكاب الفاحشة (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) يعني: رموها بالزنا. قوله تعالى: (قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطى، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جيبر، عن ابن عباس قال: لما أراد الله تعالى أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 رجلا من الحواريين، يعني فخرج عيسى من عين في البيت ورأسه يقطر ماء، فقال: إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي، فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: أنت هو ذاك فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق. فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء، فهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ما شاء الله ثم رفعه إليه، فهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ابن كثير: هذا إسناد صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وماصلبوه) إلى قوله (وكان الله عزيزا حكيماً) أولئك أعداء الله اليهود ائتمروا بقتل عيسى ابن مريم رسول الله، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني لم يقتلوه ظنهم يقينا. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (بل رفعه الله إليه) رفع الله إليه عيسى حيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) قال البخاري: حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويفيض المالُ حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها". ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) . (الصحيح 6/566 ح 3448 - ك أحاديث الأنبياء، ب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام) . قال مسلم: حدثنا أبو خيثمة، زهير بن حرب. حدثنا الوليد بن مسلم. حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. حدثني يحيى بن جابر الطائى، قاضى حمص حدثني عبد الرحمن بن جُبر عن أبيه، جبير بن نفير الحضرمي، أنه سمع النوّاس بن سمعان الكلابى. ح وحدثني محمد بن مهران الرازي -واللفظ له- حدثنا الوليد ابن مسلم. حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، جبير بن نفير، عن النوّاس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدجال ذات غداة. فخفّض فيه ورفّع. حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا. فقال: "ما شأنكم؟. قلنا: يا رسول الله! ذكرتَ الدجال غداة. فخفّضتَ فيه ورفّعت. حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم. إن يخرج، وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم. وإن يخرج، ولستُ فيكم، فامرؤ حجيج نفسه. والله خليفتيَ علي كل مسلم. إنه شاب قطط. عينه طافئة. كأني أشبّهه بعبد العزى بن قطن. فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف. إنه خارج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 خلّة بين الشام والعراق. فعاث يميناً وعاث شمالاً. يا عباد الله! فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر. ويوم كجمعة. وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنةٍ، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له. فيأمر السماء فتمطر. والأرض فتنبت، فنزوحُ عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضُروعاً، وأمدّه خواصر. ثم يأتي القوم. فيدعوهم فيردون عليه قوله. فينصرف عنهم. فيُصبحون ممحِلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل. ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً. فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيُقبل ويتَهَلل وجهه. يضحك. فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم. فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق. بين مهرودتين. واضعاً كفّيه على أجنحة ملكين. إذا طأطأ رأسه قطر. وإذا رفعه تحدر منه جُمان كاللولؤ. فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات. ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه حتى يُدركه بباب لدّ. فيقتله. ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه. فيمسح عن وجوههم ويُحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي، لايدان لأحد بقتالهم، فحرزّ عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج. وهم من كل حدب ينسلون. فيمرّ أوائلهم على بُحيرة طبرية. فيشربون ما فيها. ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه، مرة، ماء. ويُحصر نبي الله عيسى وأصحابه. حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه. فيُرسل الله عليهم النغف في رقابهم. فيُصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وأصحابه إلى الأرض. فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله. فيُرسل الله طيراً كأعناق البُخت. فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثم يُرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر. فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة. ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، ورُدّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمّانة. ويستظلون بقحفها. ويُبارك في الرسل. حتى أن اللقحة من الابل لتكفي الفئام من الناس. واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس. واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس. فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة. فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض رُوح كل مؤمن وكل مسلم. ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحُمر، فعليهم تقوم الساعة. (الصحيح 4/2250 ح 2937- ك الفتن وأشراط الساعة، ب ذكر الدجال وصفته وما معه) . قال مسلم: وحدثنا سعيد بن منصور وعمرو الناقد وزهير بن حرب. جميعاً عن ابن عيينة. قال سعيد: حدثنا سفيان بن عيينة. حدثني الزهري عن حنظلة الأسلمي. قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يُحدّث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفسي بيده! ليهلن ابن مريم بفجّ الروحاء، حاجاً أو معتمراًَ أو ليثنينهما". (الصحيح 2/915 ح 1252 - ك الحج، ب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه) . قال الترمذي: حدثنا قتيبة. حدثنا الليث عن ابن شهاب أنه سمع عُبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاري يحدّث عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف يقول: سمعت عمي مجمع بن جارية الأنصاري يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد". (السنن 4/515 ح 2244- ك الفتن، ب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في (المسند 3/420) من طريق: ابن عيينة، عن الزهري به) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار. ثنا يزيد بن هارون. ثنا العوّام بن حوشب. حدثني جبلة بن سُحيم عن مؤثر بن عفازة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لمّا كان ليلة أُسرِيَ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لقي إبراهيم وموسى وعيسى. فتذاكروا الساعة. فبدأوا بإبراهيم. فسألوه عنها. فلم يكن عنده منها علم. ثم سألوا موسى. فلم يكن عنده منها علم. فرُدّ الحديث إلى عيسى بن مريم. فقال: قد عُهد إلى فيما دون وجبتها. فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله. فذكر خروج الدجال. قال: أنزل فأقتله. فرجع الناس إلى بلادهم. فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. فلا يمرون بماء إلا شربوه. ولا بشىء إلا أفسدوه. فيجأرون إلى الله. فأدعو الله أن يُميتهم. فتنتن الأرض من ريحهم. فيجأرون إلى الله. فأدعو الله. فيرسل السماء بالماء. فيحملهم فيلقيهم في البحر. ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم. فعُهد إليّ: متى كان ذلك، كانت الساعة من الناس. كالحامل التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها. قال العوام: ووُجد تصديق ذلك في كتاب الله تعالى (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) . (السنن 2/1365 ح 4081 - ك الفتن، ب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج) . وأخرجه أحمد في (المسند رقم 3556) من طريق هشيم عن العوام به. وقال محققه: صحيح، وأخرجه أحمد في (المسند رقم 4/488، 489- ك الفتن والملاحم) من طريق: سعيد بن مسعود، عن يزيد بن هارون به. وقال: صحيح الأسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وفى (زوائد ابن ماجة للبوصيري) قال: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وانظر حديث مسلم عن أبي سريحة الآتي عند الآية (82) من سورة النمل: "إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات ... ". أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) يقول: يكون عليهم شهيدا يوم القيامة على أنه بلغ رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه. قوله تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا. وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما هذه الطيبات التى حرمها عليهم بسبب ظلمهم ولكنه بينها في سورة الأنعام بقوله (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان في قوله: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) كان الله تعالى حرم على أهل التوراة حين أقروا بها أن يأكلوا الربا، ونهاهم أن يبخسوا الناس أشياءهم ونهاهم أن يأكلوا أموال الناس ظلما، فأكلوا الربا وأكلوا أموال الناس ظلما وصدوا عن دين الله وعن الإيمان بمحمد، فلما فعلوا ذلك حرم الله عليهم بعض ماكان أحل لهم في التوراة عقوبة لهم بما استحلوا مما كان نهاهم عنه، فحرم عليهم كل ذى ظفر: البعير والنعامة ونحوهما من الدواب ومن البقر والغنم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما من الشحم والحوايا يقال: هذا البقر ويقال هذا البطن غير الثرب وما اختلط بعظم من اللحم، يقول ذلك جزيناهم ببغيهم يقول باستحلالهم ماكان الله حرم عليهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) قال: أنفسهم وغيرهم عن الحق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 قوله تعالى (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) استثنى الله منهم ثنية من أهل الكتاب فكان منهم من يؤمن بالله وما أنزل عليهم وما أنزل على نبي الله يؤمنون به ويصدقونه ويعلمون أنه الحق من ربهم. قوله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال سكين وعدي بن زيد: يامحمد، مانعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى! فأنزل الله في ذلك من قولهم (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) إلى آخر الآيات. وانظر تفسير سورة البقرة آية (136) . قوله تعالى (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك) انظر حديث أبي أمامة: "كم كانت الرسل". عند الحاكم المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة. قوله تعالى (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما هذه الحجة التى كانت تكون للناس عليه لو عذبهم دون إنذارهم على ألسنة الرسل ولكنه بينها في (سورة طه) بقوله (ولو أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) وأشار لها في سورة القصص بقوله (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 قوله تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: دخل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جماعة من اليهود، فقال لهم: "إني والله أعلم أنكم لتعلمون أني رسول الله! فقالوا: مانعلم ذلك! فأنزل الله (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) . وفي سورة الإسراء آية (105) بين الله تعالى أنه شهد بالحق على نزول القرآن فقال تعالى (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) . قوله تعالى (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً) انظر سورة آل عمران آية (99) لبيان (سبيل الله) . قوله تعالى (يا أيها الناس) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: (يا أيها الناس) أي: الفريقين جميعاً من الكافرين والمنافقين. قوله تعالى (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله..) قال الشيخ الشنقيطي: هذا الغلو الذي نهوا عنه هو قول غير الحق وهو قول بعضهم إن عيسى ابن الله، وقول بعضهم هو الله، وقول بعضهم هو إله مع الله سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا كما بينه قوله تعالى (وقالت النصارى المسيح ابن الله) وقوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وقوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وأشار هنا إلى إبطال هذه المفتريات بقوله (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) الآية. وقوله (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: صنع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً ترخّص فيه وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمِد الله وأثنى عليه. ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشىء أصنعه؟ فو الله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية". (الصحيح 13/290 ح 7301 - ك الاعتصام بالكتاب والسنه، ب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع لقوله تعالى (الآية) . قال البخاري: حدثنا الحميدى حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول: أخبرني عُبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس سمع عمر - رضي الله عنه - يقول على المنبر: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله". (الصحيح 6/551 ح 3445- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) مريم/16) . قوله تعالى (وكلمته ألقاها إلى مريم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وكلمته ألقاها إلى مريم) قال: هو قوله (كن) فكان. قوله تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبا همام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قوله: (لن يستنكف) قال: لن يستكبر. وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/237) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً بالله ولا الملائكة المقربون) لن يحتشم المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة. قوله تعالى (ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) أي: بينة من ربكم (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) وهو هذا القرآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 قال الشيخ الشنقيطي: المراد بهذا النور المبين القرآن العظيم؛ لأنه يزيل ظلمات الجهل والشك كما يزيل النور الحسي ظلمة الليل، وقد أوضح تعالى ذلك بقوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا) الآية. وقوله (واتبعوا النور الذي أنزل معه) ونحو ذلك من الآيات. وانظر تفسير سورة البقرة آية (111) . قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ... ) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء - رضي الله عنه - قال: آخر سورة نزلت براءة، وأخر آية نزلت (يستفتونك) . (الصحيح 8/117 ح 4605- ك التفسير، سورة النساء، ب (الآية) . قال مسلم: حدثنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد. حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر. سمع جابر بن عبد الله قال: مرضت فأتاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر. يعوداني، ماشيان فأُغمي علي. فتوضأ ثم صبّ على من وضوئه. فأفقت فقلت: يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ فلم يرُدّ على شيئاً. حتى نزلت آية الميراث: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) . (الصحيح 3/1234 ح 1616 -كتاب الفرائض- ب ميراث الكلالة) . قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدّمي ومحمد بن المثنى (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا يحيى بن سعيد. حدثنا هشام. حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة؛ أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة. فذكر نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أدع بعدى شيئاً أهمّ عندي من الكلالة. ما راجعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شيء ما راجعته في الكلالة. وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري. وقال: "ياعمر! ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟. وإنى إن أعِش أقضِ فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 بقضية، يقضي بها من يقرأ القرأن قوله تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) ومن لا يقرأ القرآن. (الصحيح 3/1236 ح 1617 - ك الفرائض، باب ميراث الكلالة) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الكلالة من لم يترك ولدا ولا والدا. قوله تعالى (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم) قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة بأن الأختين ترثان الثلثين، والمراد بهما الأختان لغير أم، بأن تكونا شقيقتين أو لأب بإجماع العلماء، ولم يبين هنا ميراث الثلاث من الأخوات فصاعداً، ولكنه أشار في موضع آخر أن الأخوات لا يزدن على الثلثين، ولو بلغ عددهن ما بلغ وهو قوله تعالى في البنات (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فللذكر مثل حظ الأنثيين) صغيرا أو كبيرا. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (حظ) يقول: نصيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 سورة المائدة قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أوفوا بالعقود) يعنى: بالعهود. قوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قال: الأنعام كلها إلا ما يتلى عليكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) هي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ماهذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية بهيمة الأنعام، ولكن بينه بقوله: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) إلى قوله: (وماذبح على النصب) فالمذكورات في هذه الآية الكريمة كالموقوذة والمتردية، وإن كانت من الأنعام، فإنها تحرم بهذه العوارض. قوله تعالى (إن الله يحكم مايريد) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن الله يحكم مايريد) إن الله يحكم ما أراد في خلقه، وبيّن لعباده، وفرض فرائضه، وحد حدوده، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (شعائر الله) الصفا والمروة، والهَدْى والبُدن، كل هذا من (شعائر الله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 قوله تعالى (ولا الشهر الحرام) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا قرّة عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حُميد بن عبد الرحمن عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر قال: "أتدرون أي يومٍ هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟ ". قلنا. بلى. قال: "أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغر اسمه. فقال: "أليس ذوالحجة؟ " قلنا: بلى. قال: "أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليست بالبلدة الحرام؟ " قلنا: بلى. قال: "فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغتُ؟ قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُب مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". (صحيح البخاري 3/670 ح 1741- ك الحج، ب الخطبة أيام منى) . وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (217) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا الشهر الحرام) يعني: لا تستحلوا قتالا فيه. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (لاتحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) قال منسوخ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج، تقلد من السمر، فلم يعرض له أحد. وإذا رجع تقلد قلادة شعر، لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لايصد عن البيت، فأمروا ألا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت، فنسخها قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 قوله تعالى (ولا الهدي ولا القلائد) قال البخاري: حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذى الحليفة قلّد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدى وأشعر وأحرم بالعمرة. (صحيح البخاري 3/634 ح 1694، 1695- ك الحج، ب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم ... ) . وقال البخارى: حدثنا أبو نعيم حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: فَتَلتُ قلائد بُدنِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرُم عليه شيء كان أحِلّ له. (صحيح البخاري 3/634 ح 1696-ك الحج، ب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم ... ) . قال مسلم: حدثنا أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا أبو الزبير عن جابر. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تذبحوا إلا مُسنة. إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن". (صحيح مسلم 3/1555 ح 1963- ك الأضاحي، ب سن الأضحية) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا القلائد) قال: (القلائد) اللحاء في رقاب الناس والبهائم، أمْن لهم. قوله تعالى (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) قال: يبتغون الأجر والتجارة. قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) قال الشيخ الشنقيطي: يعني إن شئتم، فلا يدل هذا الأمر على إيجاب الاصطياد عند الإحلال، ويدل له الاستقراء في القرآن، فإن كل شىء كان جائزاً ثم حُرِّم لموجب، ثم أمر به بعد زوال ذلك الموجب، فإن ذلك الأمر كله في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 القرآن للجواز نحو قوله هنا: (وإذا حللتم فاصطادوا) وقوله: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) وقوله: (فالآن باشروهن) الآية، وقوله: (فإذا تطهرن فأتوهن) الآية. وبهذا تعلم أن التحقيق الذي دل عليه الاستقراء التام في القرآن أن الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب، فالصيد قبل الاحرام كان جائزا فمنع للإحرام، ثم أمر به بعد الإحلال بقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا) . قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنئان قوم أن عدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يجرمنكم شنئان قوم) يقول: لا يحملنكم بغض قوم. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين حكمة هذا الصد، ولم يذكر أنهم صدوا معهم الهدي معكوفا أن يبلغ محله، وذكر في سورة الفتح أنهم صدوا معهم الهدي، وأن الحكمة في ذلك المحافظة على المؤمنين والمؤمنات، الذين لم يتميزوا عن الكفار في ذلك الوقت، بقوله: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه، بأن يطيع الله فيه. قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) قال مسلم: حدثنى محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا ابن مهدى، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البر والإثم؟ فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس". (الصحيح 4/1980 ح 2553 - ك البر والصلة، في تفسير البر والإثم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 قال أحمد: ثنا زيد بن يحيى الدمشقي قال: ثنا عبد الله بن العلاء قال: سمعت مسلم بن مشكم قال: سمعت الخشني يقول: قلت: يارسول الله أخبرني بما يحل لي ويحرم علي؟ قال: فصعَّد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصوب فيَّ النظر فقال: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والأثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون". وقال: "لا تقرب لحم الحمار الأهلي، ولا ذا ناب من السباع". (المسند 4/194) ، وأخرجه الطبراني في (الكبير 22/218 ح 582) من طريقين عن عبد الله ابن العلاء به، وقال الهيثمى عنه: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 1/175-176) ، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 3/218 ح 3198) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع ح 2878) . قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا معتمر، عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تأخذ فوق يديه". (الصحيح 5/118 ح 2444- ك المظالم، ب أعن أخاك ظالما أو مظلوما) . قال الترمذى: حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر النهشلى عن مرزوق أبي بكر التيْمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ردّ عن عِرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة". (السنن4/327 ح 1931 - ك البر والصلة، ب ما جاء في الذب عن عرض المسلم) ، وأخرجه أحمد (المسند 6/450) عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك به، قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الألباني، ونقل عن المنذرى تحسينه (صحيح الجامع ح 6138) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى) ، (البر) ماأمرت به (والتقوى) ما نهيت عنه. قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم) قال مسلم: حدثنا أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا أبو الزبير عن جابر. ح وحدثناه يحيى بن يحيى. أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير، عن جابر. قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر علينا أبا عبيدة. نتلقى عيراً لقريش. وزوّدنا جِراباً من تمر لم يجد لنا غيره. فكان أبو عبيدة يُعطينا تمرة تمرة. قال: فقلتُ: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصّها كما يمص الصبي. ثم نشرب عليها من الماء. فتكفينا يومنا إلى الليل. وكنا نضرب بعصينا الخبَط. ثم نبُلّه بالماء فنأكله. قال: وانطلقنا على ساحل البحر. فرفع بنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم. فأتيناه فإذا هي دابة تُدعى العنبر. قال: قال: أبو عبيدة: ميتة. ثم قال: لا. بل نحن رُسُل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي سبيل الله. وقد اضطررتم فكلوا. قال: فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاث مائة حتى سمنّا. قال: ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه، بالقلال، الدهن. ونقتطع منه الفِدر كالثور (أو كقدر الثور) فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً. فأقعدهم في وقب عينه. وأخذ ضلعاً من أضلاعه. فأقامها. ثم رحل أعظم بعير معنا. فمرّ من تحتها. وتزوّدنا من لحمه وشائق. فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فذكرنا ذلك له. فقال: "هو رزق وأخرجه الله لكم. فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ " قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه. فأكله. (صحيح مسلم 3/1535-1536 ح 1935- ك الصيد والذبائح، ب إباحة ميتات البحر) ، وأخرجه البخاري (الصحيح ح 5494- الصيد، ب وأحل لكم صيد البحر) . والخبط: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط بالتحريك، وهو من علف الإبل. النهاية لابن الأثير 2/7. وانظر حديث ابن ماجة المتقدم تحت الآية رقم (173) من سورة البقرة. وهو حديث: "أحلت لنا ميتتان ... ". قوله تعالى (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والمنخنقة) التي تخنق فتموت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال: سمعت عدىّ بن حاتم - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المعراض فقال: "إذا أصبت بحده فكلْ، فإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا نأكل". فقلت: أرسل كلبي؟ قال: "إذا أرسلت كلبك وسمّيت فكلْ". قلتُ: فإن أكل؟ قال: "فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه". قلتُ: أرسِل كلبي فأجد معه كلباً أخر؟ قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت علي كلبك، ولم تسمّ على الآخر". (صحيح البخاري 9/518 ح 5476 - ك الذبائح والصيد، ب صيد المِعراض) ، (صحيح مسلم رقم 1- ك الصيد) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والموقوذة) قال: الموقوذة، التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والمتردية) قال: التي تتردى من الجبل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والنطيحة) قال: الشاة تنطح شاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما أكل السبع) يقول: ما أخذ السبع. قوله تعالى (إلا ما ذكيتم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إلا ماذكيتم) يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله، يتحرك له ذنب، أو تطرف له عين، فاذبح واذكر اسم الله عليه، فهو حلال. قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد -أو سعد بن معاذ- أخبره أنّ جارية لكعب بن مالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 كانت ترعى غنماً بسلع فأصيبت شاة منها، فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "كلوها". (صحيح البخاري 9/548 ح 5505 - ك الذبائح والصيد، ب ذبيحة المرأة والأمة) . انظر حديث مسلم عن رافع بن خديج الآتى عند الآية (4) من السورة نفسها، وكذا عند الآية (121) من سورة الأنعام وهو هناك من رواية البخاري وهو حديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ... ". قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد الله قال: ثنا محمد بن حرب قال: ثنا الزبيدي عن يونس بن سيف الكلاعي (ثم مريم) عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصعد في النظر ثم صوبه فقال: "نويبتة" قلت: يارسول الله نويبتة خير أو نويبتة شر؟ قال: "بل نويبتة خير". قلت: يا رسول الله أنا في أرض صيد فأرسل كلبي المعلم فمنه ما أدرك ذكاته ومنه مالا أدرك ذكاته وأرمي بسهمي فمنه ما أدرك ذكاته ومنه مالا أدرك ذكاته. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل ماردَّت عليك يدك وقوسك وكلبك المعلم ذكياً وغير ذكى". (المسند 4/195) ، وأخرجه أبوداود (السنن 3/110 ح 2856- ك الصيد، ب في الصيد) من طريق بقية عن الزبيدي به، والنسائي (السنن 7/181- ك الصيد والذبائح، ب صيد الكلب الذي ليس بمعلم) من طريق ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني بنحوه. قال: ابن كثير: وهذان إسنادان جيدان (التفسير 3/32) . قوله تعالى (وماذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (النصب) قال: الحجارة حول الكعبة يذبح عليها أهل الجاهلية، ويبدلونها إذا شاؤوا بحجارة أعجب إليهم منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأن تستقسموا بالأزلام) قال: كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا، كتب في قدح (هذا يأمرنى بالمكث) و (هذا يأمرنى بالخروج) وجعل معهما منيحة، شىء لم يكتب فيه شيئا، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج. فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج، وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين. ا. هـ. والمنيحة هي الناقة أو الشاة المعارة. قوله تعالى (ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذلكم فسق) يعني: من أكل من ذلك كله فهو فسق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال: أن ترجعوا إلى دينهم أبداً. قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) قال البخاري: حدثى محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لا تخذناها عيداً. فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أنزلت: يوم عرفة، وإنا والله بعرفة. قال: سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا (اليوم أكملتُ لكم دينكم) . (صحيح البخاري 8/119 ح 4606 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآيه) ، (صحيح مسلم 4/2312 - ك التفسير) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام أخبر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الايمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) قال: أخلص الله لهم دينهم، ونفى الله المشركين عن البيت. قوله تعالى (وأتممت عليكم نعمتي) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً، فلما نزلت (براءة) فنفى المشركين عن البيت وحج المسلمون لايشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من تمام النعمة: (وأتممت عليكم نعمتي) . قوله تعالى (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اضطر في مخمصة) يعني: في مجاعة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اضطر في مخمصة غر متجانف لإثم) يعني: إلى ماحُرم، مما سمي في صدر هذه الآية (غير متجانف لإثم) يقول: غير متعمد لإثم. قوله تعالى (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) قال مسلم: وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا زكريا عن عامر، عن عدي بن حاتم. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيد المِعراض؟ فقال: "ما أصاب بحده فكُله. وما أصاب بعرضه فهو وقيذ". وسألته عن صيد الكلب؟ فقال: "ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله. فإن ذكاته أخذه فإن وجدت عنده كلباً أخر، فخشيت أن يكون أخذه معه، وقد قتله، فلا تأكل. إنما ذكرت اسم الله علي كلبك. ولم تذكره على غيره". (صحيح مسلم 3/1530 بعد رقم 1929 - ك الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، ب الصيد بالكلاب المعلمة) ، (صحيح البخاري 9/631 ح 5503) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي. حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان. حدثني أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن رافع بن خديج. قلتُ: يارسول الله إنا لاقو العدوّ غداً. وليست معنا مُدى. قال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعجل أو أرني. ما أنهر الدم، وذكر اسم الله فكل. ليس السن والظفر. وسأحدثك أما السن فعظم. وأما الظفر فمُدى الحبشة". قال: وأصبنا نهْب إبل وغنم. فندّ منها بعير. فرماه رجل بسهم فحبسه. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش. فإذا غلبكم منها شيء، فاصنعوا به هكذا". (صحيح مسلم 3/1558 ح 1968- ك الأضاحي، ب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم) ، وأخرجه البخاري (الصحيح 9/631 ح 5503) . قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا جرير عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عدي بن حاتم. قال: قلتُ: يارسول الله إني أُرسل الكلاب المعلمة. فيُمسكن عليّ. وأذكر اسم الله عليه. فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل". قلتُ: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن. ما لم يشركها كلب ليس معها". قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب. فقال: "إذا رميت بالمعراض فخزق. فكله. وإن أصابه بعرضه، فلا تأكله". (صحيح مسلم 3/1529ح 1929- ك الصيد والذبائح، ب الصيد بالكلاب المعلمة) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا ابن فضيل عن بيان، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلتُ: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب. فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرتَ اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك، وإن قتلن. إلا أن يأكل الكلب. فإن أكل فلا تأكل. فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه. وإن خالطها كلاب من غيرها، فلا تأكل". (صحيح مسلم 3/1529 - ك الصيد والذبائح، ب الصيد بالكلاب المعلمة) ، (صحيح البخاري 1/335 و9/599 رقم 5475) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماعلمتم من الجوارح مكلبين) يعني بـ (الجوارح) الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. قال البخاري: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت: قالوا يارسول الله: إن هنا أقواماً حديثاً عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا. قال: "اذكروا أنتم اسم الله وكلوا". تابعه محمد بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد وأسامة بن حفص. (صحيح البخاري 13/391 ح 7398 - ك التوحيد، ب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها) . قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي التياح. سمع مطرف بن عبد الله عن ابن المغفل قال: أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب. ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب"؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم. (صحيح مسلم 3/1200-1201 ح 1573- ك المساقاة، ب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم) يقول: كلوا مما قتلن. إن قتل وأكل فلا تأكل وإن أمسك فأدركته حَياً فذكِّه. قوله تعالى ( ... واذكروا اسم الله عليه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واذكروا اسم الله عليه) يقول: إذا أرسلت جوارحك فقل "بسم الله" وإذا نسيت فلا حرج. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن أبي حذيفة، عن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيضع يده، وإنّا حضرنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 معه مرة طعاما، فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع. فأخذ بيده. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية وليستحل بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابى وليستحل به. فأخذت بيده، والذي نفسى بيده إن يده في يدي مع يدها". (الصحيح 3/1597 ح 2017 - ك الأشربة، ب آداب الطعام والشراب وأحكامهما) . قال أبوداود: حدثنا مؤمل بن هشام: ثنا إسماعيل، عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي- عن بديل، عن عبد الله بن عبيد، عن امرأة منهم يقال: لها أم كلثوم، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره". (السنن 3/347 ح 3767- ك الأطعمة، ب التسمية على الطعام) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/288 ح 1858 - ك الأطعمة، ب ماجاء في التسمية على الطعام) من طريق وكيع. والحاكم (المستدرك 4/108 - ك الأطعمة) من طريق عفان، كلاهما، عن هشام الدستوائي به، وعند الترمذي زيادة وهي: قصة الأعرابى الذي أكل طعام السته بلقمتين. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن القيم. حديث صحيح (زاد المعاد 2/397) وصححه السيوطي (الجامع الصغير فيض القدير1/296 ح 476) وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 1513، 1514) . قوله تعالى (وطعام الذين آوتوا الكتاب حل لكم) انظر حديث إهداء اليهود الشاة المسمومه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سورة البقرة آية (80) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) قال: ذبائحهم. قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: ولقد رهن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرعه بشعير، ومشيت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبزِ شعيرٍ وإهالة سنخة. ولقد سمعته يقول: "ما أصبح لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا صاع ولا أمسى، وإنهم لتسعة أبيات". (الصحيح 5/166 ح 2508- ك الرهن، ب في الرهن في الحضر) . والأهالة السنخة هي: كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به إهالة ... والسنخة المتغيرة الريح (النهاية 1/84) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 قال أبوداود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلى، ثنا زهير، ثنا سماك بن حرب، حدثني قبيصة بن هلب عن أبيه، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسأله رجل فقال: إن من الطعام طعاماً أتحرّج منه، فقال: "لا يتحلّجنّ في صدرك شىء ضارعت فيه النصرانية". (السنن 3/351 ح 3784 - ك الأطعمة، ب في كراهية التقذر للطعام) ، وأخرجه الترمذى (السنن 4/133-134ح 1565 - ك السير، ب ما جاء في طعام المشركين) من طريق شعبة. وابن ماجة (السنن 2/944 ح 2830 ك الجهاد، ب الأكل في قدور المشركين) من طريق سفيان. وأخرجه أحمد (المسند 5/226) من طريق زهير، كلهم عن سماك بن حرب به. قال الترمذي: حديث حسن. وكذا حسنه الألبانى (صحيح سنن الترمذى ح 1270) . قوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال: من الحرائر. ا.هـ. وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وسفيان هو الثوري، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أتيتموهن أجورهن) يعني: مهورهن. قوله تعالى (محصنين غير مسافحين ولامتخذي أخدان) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (محصنين غير مسافحين) يعني: ينكحوهن بالمهر والبينة غير مسافحين متعالنين بالزنا (ولا متخذي أخدان) يعني: يسرون بالزنا. قوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) أخرج الطبري بسنده الصحيِح عن مجاهد في قوله: (ومن يكفر بالإيمان) قال: من يكفر بالله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن المرتد يحبط جميع عمله بردته من غير شرط زائد، ولكنه أشار في موضع أخر إلى أن ذلك فيما إذا مات علي كفر، وهو قوله: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) يقول: قمتم وأنتم على غير طهر. قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقبل صلاة مَن أحدث حتى يتوضأ". قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. (صحيح البخاري 1/282-283 ح 135 ك الوضوء، ب لا تقبل صلاة بغير طهور) ، (صحيح مسلم 1/204 ح 225- ك الطهارة، ب وجوب الطهارة للصلاة) . قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري (واللفظ لسعيد) قالوا: حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، قال: دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض. فقال: ألا تدعو الله لي، يا ابن عمر؟ قال: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول". وكنت على البصرة. (الصحيح 1/204 ح 224 - ك الطهارة، ب وجوب الطهارة للصلاة) . وقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا سفيان عن علقمة ابن مرثد. ح وحدثني محمد بن حاتم (واللفظ له) حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصلوات يوم الفتح بوُضوء واحد. ومسح على خفيه. فقال له عمر: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعه. قال: "عمداً صنعته يا عمر". (صحيح مسلم 1/232 ح 277 - ك الطهارة، ب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة قال: ذهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبعض حاجته فقمت أسكب عليه الماء -لا أعلمه إلا قال: في غزوة تبوك- فغسل وجهه وذهب يغسل ذراعيه، فضاق عليه كمّا الجبّة، فأخرجهما من تحت فغسلهما، ثم مسح على خفيه. (صحيح البخاري 7/731 ح 4421 - ك المغازي، ب81) . وقال البخاري: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف عنّا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار". مرتين أو ثلاثاً. (صحيح البخاري 1/173 ح 60- ك العلم، ب من رفع صوته بالعلم) . قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن نُعيم المجمر قال: رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال إني سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". (صحيح البخاري 1/282-283 ح 136 - ك الوضوء، ب فضل الوضوء والغر المحجلون..) ، وقد أخرجه مسلم بأطول منه وفيه قصه سلامه على الموتى وفيه موضع الشاهد (الصحيح 1/218 - الطهارة، ب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء) . وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال: أخبرنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة قال: أخبرنا ابن بلال -يعني سليمان- عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غَرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله -يعني اليسرى- ثم قال هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ. (صحيح البخاري 1/290 ح 140- ك الوضوء، ب غسل الوجه باليدين) . وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر. ومن استجمر فليوتر. وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يُدخلها في وضوئه فإن أحدكم لايدري أين باتت يده". (صحيح البخاري 1/316 ح 162- ك الوضوء، ب الإستجمار وتراً) ، (وصحيح مسلم 1/160-161 - ك الطهارة، ب كراهة غمس المتوضيء وغيره يده المشكوك في نجاستها في الأناء) . وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسى قال: حدثني إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حُمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ علي كفّيه ثلاث مرار فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرارٍ، (ثم) مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدّث فيهما نفسه، غفر له ماتقدم من ذنبه". (صحيح البخاري 1/311-312 ح 159 - ك الوضوء، ب الوضوء ثلاثا ثلاثا) ، (صحيح مسلم 1/204 ح 226 - ك الطهارة، ب صفة الوضوء وكماله) . وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: توضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرةً مرةً. (صحيح البخاري 1/311 ح 157 - ك الوضوء، ب الوضوء مرة مرة) . وقال البخاري: حدثنا حسين بن عيسى. قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا فُليح بن سليمان عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عبّاد بن تميم عن عبد الله بن زيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ مرّتين مرتين. (صحيح البخاري 1/311 ح 158 - ك الوضوء، ب الوضوء مرتين مرتين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وقال البخاري: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر اليه". (الصحيح 1/15 ح 1 - ك بدء الوحي، ب كيف كان بدأ الوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الإمارة، ب قوله: "إنما الأعمال بالنية") . قال مسلم: حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا معقل عن أبي الزبير، عن جابر، أخبرني عمر بن الخطاب: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه. فأبصره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ارجع فأحسن وضوءك". فرجع ثم صلى. (الصحيح 1/215 ح 243 - ك الطهارة، ب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وإسحاق بن إبراهيم وأبو كريب. جميعاً عن أبي معاوية، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع (واللفظ ليحيى) قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن هَمّام، قال: بال جرير. ثم توضأ. ومسح على خفيه. فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، ثم توضأ ومسح على خفيه. قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. (الصحيح 1/227-228 ح 272- ك الطهارة، ب المسح على الخفين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى: حدثنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق عن أبي وائل، عن عثمان بن عفان: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُخلل لحيته". (السنن 1/46 ح 31 - ك الطهارة، ب ما جاء في تخليل اللحية) ، وأخرجه ابن ماجة (السنن 1/148 ح 430 - ك الطهارة، ب ما جاء في تخليل اللحية) من طريق محمد بن أبي خالد عن عبد الرزاق به وأحمد في المسند (انظر تفسير ابن كثير 3/44) عن عبد الرزاق به؛ وابن خزيمة في صحيحه 1/78 ح 151، 152) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/206 ح 1078) ، والحاكم في (المستدرك 1/148-149) من طريق الإمام أحمد. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ونقل ابن كثير تحسينه عن البخاري (التفسير 3/44) . وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح. وقال ابن الملقن: هذا الحديث حسن (البدر المنير 3/394) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 28) . قوله تعالى (وإن كنتم جنباً فاطهروا ... ) قال أبو داود: محمد بن مهران البزاز الرازي، حدثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، حدثني أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن الفتيا التي كانوا يُفتون: إن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ. (السنن 1/55 ح 215 - ك الطهارة، ب في الإكسال) ، وأخرجه الترمذي (1/183-184 ح 110، 111) ، وابن ماجة (1/200 ح 609) ، وأحمد في المسند (5/115) ثلاثتهم من طريق الزهري عن سهل به. وأخرجه الطبراني في (الكبير 1/168 ح 538) عن عبد الرحمن بن سلم، عن محمد بن مهران -شيخ أبي داود- عن مبشر به. قال الترمذى: حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة (الصحيح 1/113-114) ، وابن حبان أيضاً (الإحسان 2/244) ، وأخرجه أيضاً الضياء المقدسي من طريق محمد المهران (المختارة 3/382 ح 1177) . وقال الإسماعيلي: صحيح على شرط البخاري (فتح الباري 1/397) وفيه علة ذكرها الحافظ ابن حجر، ثم قال: وفى الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به (الفتح 1/397) ، وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم 493) . انظر تفسير سورة النساء آية 43 قوله تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 قوله تعالى ( ... وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً) قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه. وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ماصنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذي. فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فقال: أسيد ابن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قال: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه، فإذا العِقد تحته. (صحيح البخاري 8/121 ح 4607 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) . قال ابن أبي حاتم: ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا وكيع، عن سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله (أو لامستم النساء) قال: هو الجماع. (وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح 8/272) . قال الحافظ ابن حجر: وروى عبد الرزاق من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: قال ابن عباس: إن الله حيي كريم يكني عما شاء، الدخول والتغشي والافضاء والمباشرة والرفث واللمس: الجماع ... (وإسناده صحيح (الفتح 8/158/ و8/372) ، وإسناده في المصنف عن الثوري عن عاصم الأحور عن بكر بن عبد الله المزني (انظر مصنف عبد الرزاق 277 رقم 10826) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وانظر حديثى البخاري في تفسير سورة النساء آية (43) قوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا) . قوله تعالى (مايريد الله ليجعل عليكم من حرج) أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (من حرج) من ضيق. بينه الله تعالى في سورة البقرة آية (185) قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . قوله تعالى (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكلم لعلكم تشكرون) قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد عن مالك بن أنس. ح وحدثنا أبو الطاهر. واللفظ له. أخبرنا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتى يخرج نقياً من الذنوب". (الصحيح 1/215 ح 244 - ك الطهارة، ب خروج الخطايا مع ماء الوضوء) . قوله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (واذكروا نعمة الله عليكم) قال: النعم آلاء الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا) الآية، يعني: حيث بعث الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل عليه الكتاب فقالوا: (آمنا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالكتاب وأقررنا بما في التوراة) فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وميثاقه الذي واثقكم به) قال: الذي واثق به بني أدم في ظهر آدم. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثاه عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً. فقال: "أكلَّ ولدِكَ نحلتَ مثله؟ ". قال: لا. قال: "فارجعه". (صحيح البخاري 5/250 ح 2586- ك الهبة، ب الهبة للولد) ، (صحيح مسلم 3/1242 - ك الهبات، ب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة) . قوله تعالى (ولقد أخد الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) قال: أخذ الله مواثيقهم أن يخلصوا له، ولا يعبدوا غيره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) من كل سبط رجل شاهد على قومه. قوله تعالى (وعزرتموهم) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وعزرتموهم) قال: نصرتموهم. قوله تعالى (يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يحرفون الكلم عن مواضعه) يعني: حدود الله في التوراة ويقولون: إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه، وإن خالفكم فاحذروا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ونسوا حظا مما ذكروا به) يقول: تركوا نصيبا. قوله تعالى (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم) قال: على خيانة وكذب وفجور. قوله تعالى (فاعف عنهم واصفح) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فاعف عنهم واصفح) قال: نسختها (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) . قوله تعالى (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به) نسوا كتاب الله بين أظهرهم، وعهد الله الذي عهده إليهم، وأمر الله الذي أمرهم به. قوله تعالى (فأغرينا بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فأغرينا بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة) الآية، إن القوم لما تركوا كتاب الله، وعصوا رسله، وضيعوا فرائضه، وعطلوا حدوده، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، بأعمالهم أعمال السوء، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره، ما افترقوا ولا تباغضوا. أخرج أدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) قال: بين اليهود والنصارى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 قوله تعالى (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب) قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري ثنا محمد بن موسى الباشاني ثنا علي بن الحسن بن شقيق أنبأ الحسين بن واقد ثنا يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، قوله عز وجل: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب) فكان الرجم مما أخفوا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 4/359 - ك الحدود) ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/276 ح 4430) صححه المحقق شعيب الأرناؤط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا) هو محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (من اتبع رضوانه سبل السلام) سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسوله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية. قوله تعالى (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم) قال أحمد: ثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفر من أصحابه وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني وسعت فأخذته، فقال القوم: يارسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار قال: فخفضهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ولا الله عز وجل لا يلقي حبيبه في النار". (المسند 3/104) ، وأخرجه البزار (كشف الأستار 4/174) وأبو يعلى (المسند 6/397) ، والحاكم في (المستدرك ا/58) من طرق عن حميد به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/383) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعمان بن أضاء، وبحري بن عمرو، وشأس بن عدي، فكلموه، فكلمهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا: ماتخوفنا يامحمد!! نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى، فأنزل الله عز وجل فيهم (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) إلى آخر الآية. قوله تعالى (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم علي كفره فيعذبه. قوله تعالى (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ماجاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير) قال مسلم: حدثنى حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا أولى الناس بابن مريم، الأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي". (الصحيح 4/1837 ح 2365 - ك الفضائل، ب فضائل عيسى عليه السلام) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه 6/477-478 ح 3442) . انظر حديث مسلم عن عياض بن حمار المتقدم عند الآية (168) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود: يامعشر اليهود اتقوا الله، فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله! لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفوه لنا بصفتة! فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا: ما قلنا هذا لكم، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده! فأنزل الله عز وجل في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 ذلك من قولهما (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ماجاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) وهو محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جاء بالفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل، فيه بيان الله ونوره وهداه، وعصمة لمن أخذ به. قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اذكروا نعمة الله عليكم) يقول: عافية الله عز وجل. قوله تعالى (وجعلكم ملوكا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (وجعلكم ملوكا) قال: ملكهم الخدم، كانوا أول من ملك الخدم. قوله تعالى (وآتاكم مالم يؤت أحداً من العالمين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: هم قوم موسى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وآتاكم مالم يؤت أحداً من العالمين) يعني: أهل ذلك الزمان، المن والسلوى والحجر والغمام. قوله تعالى، (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الأرض المقدسة) الطور وما حوله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الأرض المقدسة) قال: المباركة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (الأرض المقدسة) قال: هي الشام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) أمروا بها كما أمروا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين) قال: هم أطول منا أجساما وأشد قوة. قوله تعالى (ادخلوا عليهم الباب) أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ادخلوا عليهم الباب) قال: يعني قرية الجبارين. قوله تعالى (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب سمعت ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: شهدت من المقداد ح. وحدثنى حمدان بن عمر حدثنا أبو النضر حدثنا الأشجع عن سفيان عن مخارق عن طارق عن عبد الله قال: المقداد يوم بدر: يارسول الله، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ولكن امض ونحن معك. فكأنه سري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه وكيع عن سفيان عن مخارق عن طارق أن المقداد قال: ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 8/122 ح 4609 - ك التفسير، ب (فاذهب أنت وربك فقاتلا ... )) . قوله تعالى (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) يقول: اقض بيننا وبينهم. قوله تعالى (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة) يعني الشام على بني إسرائيل (يتيهون في الأرض) لا يأوون إلى قرية، فعند ذلك أظلهم الله بالغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، وفي تيههم ذلك ضرب موسى بعصاه الحجر، فكان يتفجر منه اثنا عشرة عينا لكل سبط منهم عين، قال وكان يحملونه فإذا ضربه بعصاه تفجرت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 قوله تعالى (فلا تأس على القوم الفاسقين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) يقول: فلا تحزن. قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثي عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقتَل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل". (صحيح البخاري 6/419 ح 3335 - ك أحاديث الأنبياء، ب خلق أدم وذريته) ، (صحيح مسلم 3/1303 - ك القسامة، ب بيان إثم من سن القتل) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) كان رجلان من بني آدم، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، عن رجل لم يُسمّه عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالى الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلتُ أريد نُصرة ابن عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار". قيل: فهذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه". (الصحيح 13/35 ح 7083 - ك الفتن، ب إذا التقى المسلمان بسيفيهما) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2213 ح 2888) . قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الرملي، ثنا مفضل، عن عياش، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي، أنه سمع سعد ابن أبي وقاص، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث، قال: فقلت يارسول الله، أرأيت إن دخل على بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كن كابني آدم". وتلا يزيد (لئن بسطت إلى يدك) الآية. (السنن 4/99 ح 4257 - ك الفتن والملاحم، ب النهي عن السعي في الفتنة) ، وأخرجه الترمذي في (السنن4/486 ح 2194) ثم قال: حديث حسن. وأحمد (شرح المسند ح 1609) من طريق ليث بن سعد عن عياش بن عباس به وصحح المحقق إسناده، وقال الألباني: سند صحيح على شرط مسلم (الإرواء 8/104) ، وأخرجه الضياء في (المختارة 3/144-145 ح 942) من طريق أبي داود به، وحسنه محققه إسناده. وصححه الألبانى في (صحيح سنن أبي داود) وللحديث شواهد عدة استوفى الكلام عليها الشيخ الألباني (انظر الإرواء 8/100-104) . قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني، عن المشعث بن طريف، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا ذر" قلت: لبيك يارسول الله وسعديك. فذكر الحديث، قال فيه: "كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف"؟. (يعني القبر) قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: "عليك بالصبر" أو قال: "تصبر". ثم قال لي: "يا أبا ذر". قلت: لبيك وسعديك، قال: "كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم"؟. قلت: ماخار الله لي ورسوله، قال: "عليك بمن أنت منه". قلت: يارسول الله أفلا أخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: "شاركت القوم إذنْ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 قلت: فما تأمرنى؟ قال: "تلزم بيتك". قلت: فإن دخل على بيتى؟ قال: "فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه". (السنن 4/101 ح 4261 - ك الفتن والملاحم، ب في النهي عن السعي في الفتة) ، وأخرجه ابن ماجة (السنن 2/1308 ح 3958 - ك الفتن، ب التثبت في الفتنة) عن أحمد بن عبدة عن حماد به، وعنده زيادة قوله: "فيكون من أصحاب النار"، وأخرجه أحمد (المسند 5/163) عن عبد العزيز العمي وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/78-79 ح 6685) من طريق مرحوم بن عبد العزيز، والحاكم في (المستدرك 4/423-424) . من طريقين عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، كلهم عن أبي عمران الجونى به نحوه. قال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين ... ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني فقال: وحماد بن سلمة احتج به مسلم وحده ومثله عبد الله بن الصامت. وذكر للحديث عدة شواهد وصححه (الإرواء 8/100-104) ، وصححه في تصحيح ابن ماجة أيضاً (رقم 3197) . وصححه محقق الإحسان على شرط مسلم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) يقول: بقتلك إياي، وإثمك قبل ذلك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) يقول: إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي، تبوء بهما جميعاً. قوله تعالى (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فطوعت له نفسه) قال: فشجعته. قوله تعالى (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخي فاصبح من النادمين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض) قال: جاء غراب إلى غراب ميت فحثى عليه من التراب حتى واراه، فقال الذي قتل أخاه: (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 قوله تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة أنه كتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ولم يتعرض هنا لحكم من قتل نفسا بنفس، أو بفساد في الأرض، ولكنه بين ذلك في موضع آخر، فبين أن قتل النفس بالنفس جائز، في قوله: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) الآية، وفي قوله (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقوله (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) قال: هو كما قال. وقال (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فإحياؤها: لايقتل نفسا حرمها الله، فذلك أحيى الناس جميعاً، يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق، حيى الناس منه جميعاً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (فكأنما قتل الناس جميعاً) قال: هي كالتي في النساء (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) سورة النساء: 93، في جزائه. قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا ابن عون قال: حدثي سلمان أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة أنه كان جالساً خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال: ماتقول يا عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 زيد أو قال: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلتُ: ماعلمتُ نفساً حلّ قتلها في الإسلام إلا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفساً بغير نفس، أو حارب الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال عنبسة: حدثنا أنس بكذا وكذا. قلتُ: إياي حدث أنس. قال: قدِم قوم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلموه فقالوا: قد استوحمنا هذه الأرض، فقال: "هذه نَعِم لنا تخرجُ لترعى فاخرجوا فيها، فاشربوا من ألبانها وأبوالها". فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحّوا، ومالوا على الراعي فقتلوه، واطردوا النعم. فما يُستبطأ من هؤلاء؟ قتلوا النفسَ، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: سبحان الله! فقلتُ: تتهمني؟ قال: حدثنا بهذا أنس. قال: وقال: يا أهل كذا، إنكم لن تزالوا بخير ما أبقي هذا فيكم ومثلُ هذا. (صحيح البخاري 8/123 ح 4610 -ك التفسير- سورة المائدة) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 13/1297 بعد رقم 6713) ، وقوله: في الحديث: "قد أفادت به الخلفاء" يعني: القسامه كما صرح به في رواية مسلم) . وقال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس - رضي الله عنه -: أن ناساً من عُرينة اجتووا المدينة، فرخّص لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها. فقتلوا الراعي واستاقوا الذود. فأرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتى بهم فقطّع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم بالحرة يعضّون الحجارة. تابعه أبو قلابة وحُميد وثابت عن أنس. (صحيح البخاري 3/428-429 ح 1501 - ك الزكاة، ب استعمال إبل الصدقة وألبانها..) ، و (صحيح مسلم 3/1296 ح 1671 - ك القسامة والمحاربين ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً) قال: من شهر السلاح في قبه الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار؛ إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 قوله تعالى (أو ينفوا من الأرض) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو ينفوا من الأرض) يقول: أو يهربوا حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) قال الشيخ الشنقيطي: اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ماجاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة. قال مسلم: حدثنا محمد بن سلمة المرادي، حدثنا عبد الله بن وهب، عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا. ثم سلوا الله لي الوسيلة. فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة". (الصحيح 1/288 ح 384 - ك الصلاة، في استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه) ، وأخرجه (البخاري في (كتاب الأذان بنحوه 2/94) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أتينا على حذيفة فقلنا: حدِّثنا من أقرب الناس من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هدياً ودلاّ فنأخذ عنه ونسمع منه. قال: كان أقرب الناس هدياً ودلا وسمتا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن مسعود حتى يتوارى منا في بيته، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد هو أقربهم إلى الله زلفى. (السنن 5/673 ح 3807 - ك المناقب، ب مناقب ابن مسعود) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/395) من طريق شعبة عن أبي إسحاق به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2994) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وأخرجه الحاكم قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا محمد ابن عبد الوهاب، ثنا محاضر بن المورع، ثنا الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة أنه سمع قارئاً يقرأ: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) . قال: القربة. ثم قال: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة. (المستدرك 2/312 - ك التفسير، سورة المائدة، وصححه الذهبي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وابتغوا إليه الوسيلة) أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. قوله تعالى (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها) قال ابن حبان: سمعت الهيثم بن خلف الدوري ببغداد يقول: سمعت إسحاق ابن موسى الأنصاري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول بأذني هاتين وأشار بيده إلى أذنيه: "يُخرج الله قوماً من النار فيُدخلهم الجنة". فقال له رجل في حديث عمرو إن الله يقول: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) فقال: جابر بن عبد الله: إنكم تجعلون الخاص عاما، هذه للكفار اقرؤوا ما قبلها، ثم تلا (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبِّل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها) هذه للكفار. (الإحسان 16/526-527 ح 7483) قال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين..) . قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ... ) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر (واللفظ ليحيى) (قال ابن أبي عمر: حدثنا. وقال: الآخران: أخبرنا سفيان بن عيينة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقطع السارق في رُبع دينار فصاعداً. (الصحيح 3/1312 ح 1684- ك الحدود، ب حد السرقة ونصابها) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح 12/96 ح 6789-6791 - ك الحدود، ب قوله تعالى (والسارق والسارقة..)) . وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم. (صحيح مسلم 3/1312، 1313 - ك الحدود، ب حد السرقة ونصابها ح /1684، 1686) ، وأخرجه البخاري (الصحيح 12/97 ح 6797، 6798) . وقال مسلم: وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى (واللفظ لحرملة) قالا: أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب. قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن قريشاً أهمّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامهَ بن زيد، حِب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فأتى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوّن وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ "فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله! فلما كان العَشِي قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد. وإني والذي نفسي يده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قال يونس: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: فحسُنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح مسلم 3/1315 - ك الحدود، في قطع السارق الشريف وغيره) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح 12/87 ح 6788 - ك الحدود، ب كراهية الشفاعة في الحد ... ) . قوله تعالى (فمن تاب من بعد ظلمه) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (فمن تاب من بعد ظلمه) يقول: الحد كفارة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 قوله تعالى (ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ... ) انظر حديث الترمذي عن أبي ذر الآتي عند الآية (44) من سورة الإسراء. وهو حديث: "أطت السماء ... ") . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي معاوية، قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مُرّ على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودى محمّما مجلودا، فدعاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم؟ ". قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزانى في كتابكم؟ ". قالْ لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لما أخبرتك بحده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه". فأمر به فرجم. فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله: (إن أوتيتم هذا فخذوه) . بقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، (وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (5/المائدة/45) . (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون) (5/ المائدة/45) . (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (5/ المائدة/47) في الكفار كلها. (صحيح مسلم 3/2713 ح 1700- ك الحدود، ب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى) . محمماً: مسود الوجه، من الحمحمة: الفحممة، وجمعها حمم. (النهاية لابن الأثير 1-444) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (آمنا بأفواههم) قال يقول: هم المنافقون (سماعون لقوم آخرين) قال: هم أيضاً سماعون لليهود. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (يحرفون الكلم) يعني يحرفون حدود الله في التوراة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن أوتيتم هذا) إن وافقكم هذا فخذوه. يهود تقوله للمنافقين. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (وإن لم تؤتوه فاحذروا) يقول: إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله: (ومن يرد الله فتنته) يقول: من يرد الله ضلالته (فلن تملك) لن تغني. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (قلوبهم) إنما سمى القلب لتقلبه. قوله تعالى (سماعون للكذب أكالون للسحت) انظر حديت مسلم عن قبيصة بن مخارق الآتي تحت الآية (60) من سورة التوبة عند قوله: (والغارمين) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور المروزي، ثنا النضر بن شميل، أنبا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن مهر البغي، وثمن الكلب والسنور، وكسب الحجام من السحت". (التفسير - سورة المائدة آية 42 ح 43) وإسناده حسن كما قال محققه، وأخرجه الطبري (التفسير 10/320 ح 11956) من طريق طلحة عن أبي هريرة به. وعزاه السيوطي لابن مردويه والديلمي والخطيب في تاريخه نحوه (الدر المنثور 2/248) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (سماعون للكذب أكالون للسحت) قال: كان هذا في حكام اليهود بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى: (أكالون للسحت) قال الرشوة في الحكم وهم يهود. قوله تعالى (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ... ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: أيتان نسختا من هذه السورة -يعني المائدة- آية القلائد، وقوله: (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) . وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخيراً إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم، فردهم إلى أحكامهم فنزلت (وأن احكم بينهم. مما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم) فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحكم بينهم بما في كتابنا. (التفسير - المائدة / آية 42 ح 51) ، وأخرجه النحاس في (الناسخ والمنسوخ ص 160) ، والطبراني (المعجم الكبير 11/63-64 ح 11054) والحاكم (المستدرك 2/312) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والبيهقي في سننه (8/249) كلهم من طريق عباد بن العوام به. قال أبو جعفر النحاس: وهذا إسناد مستقيم. وقال محقق ابن أبي حاتم: رجاله كلهم ثقات، والإسناد صحيح) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإن جاءوك فاحكم بينهم) يقول: إن جاءوك، فاحكم بينهم بما أنزل الله، أو أعرض عنهم. فجعل الله في ذلك رخصة إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم. قوله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء، ثنا عبيد الله -يعني ابن موسى- عن علي بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فودي بمائة وسْق من تمر، فلما بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتوه، فنزلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) والقسط: النفس بالنفس، ثم نزلت (أفحكم الجاهلية يبغون) . قال أبو داود: قريظة والنضير جميعاً من ولد هارون النبي عليه السلام. (السنن 4/168 ح 4494 - ك الديات، ب النفس بالنفس) ، وأخرجه النسائي في (سننه 8/18-19 ك القسامة، ب تأويل قول الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/442 ح 5057) ، والحاكم في (المستدرك 4/366) وابن أبي حاتم من تفسيره (5/107 ح 59) من طرق عن عبيد الله بن موسى به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داوود 3/843 ح 3740) . قوله تعالى (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) يعني: حدود الله، فأخبر الله بحكمه في التوراة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (ثم يتولون من بعد ذلك) يتولون عن الحق بعد البيان (وما أولئك بالمؤمنين) اليهود. قوله تعالى (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار ... ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (هدى ونور) هدى من الضلالة، ونور من العمي (يحكم به النبيون) يحكمون بما في التوراة من لدن موسى وعيسى. انظر حديث مسلم عن البراء بن عازب المتقدم عند الآية (41) من السورة نفسها. وانظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (3-4) من سورة آل عمران. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الربانيون) فقهاء اليهود، (والأحبار) علماؤهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) انظر حديث مسلم السابق تحت الآية رقم (41) من سورة المائدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال من جحد ما أنزل الله فقد كفر. ومن أقر به ولم يحكم، فهو ظالم فاسق. قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وسنده صحيح ورجاله ثقات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) قال: إن بني إسرائيل لم تجعل لهم دية فيما كتب الله لموسى في التوراة من نفس قتلت، أو جرح، أو سن، أو عين، أو أنف، إنما هو القصاص، أو العفو. قال البخاري: حدثني محمد بن سلام، أخبرنا الفزاري عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَسَرتِ الرُّبيع -وهي عمة أنس بن مالك- ثنية جارية من الأنصار. فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقصاص، فقال: أنس بن النضر عم أنسِ بن مالك: لا والله لا تكسر سنها يا رسول الله، فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أنس كتاب الله القصاص". فرضي القوم وقبلوا الأرش، فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من عباد الله منَ لو أقسم على الله لأبره". (صحيح البخاري 8/124 ح 4611 -ك التفسير- سورة المائدة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفّان بن مسلم، حدثنا حمّاد، أخبرنا ثابت عن أنس، أن أخت الربيع، أم حارثة، جرحت إنسانا، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "القِصاص، القصاص" فقالت أمُّ الربيع: يارسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتصّ منها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبحان الله يا أم الربيع، القصاص كتاب الله "قالت: لا. والله لا يُقتص منها أبداً. قال: فما زالت حتى قبلوا الدية. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه". (صحيح مسلم 3/1302 ح 1675 - ك القسامة، ب إثبات القصاص في في الأسنان وما في معناها) . قال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، فذكر حديثاً وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رجل طعن رجلا بقرن في رجله، فقال: يارسول الله أقدني، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لاتعجل حتى يبرأ جرحك" قال: فأبى الرجل إلا أن يستقيد، فأقاده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه، قال: فعرج المستقيد وبرأ المستقاد منه، فأتى المستقيد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: يارسول الله عرجت وبرأ صاحبي؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألم أمرك أن لا تستقيد حتى يبرأ جرحك فعصيتني فأبعدك الله، وبطل جرحك". ثم أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الرجل الذي عرج من كان به جرح أن لا يستقيد حتى تبرأ جراحته، فإذا برئت جراحته استقاد. (المسند رقم 7034) وصححه محققه، وأخرجه الدارقطني (السنن 3/88 ح 24 - ك الحدود والديات) ، والبيهقي (السنن 8/67-68 - ك الجنايات، ب الاستثناء بالقصاص ... ) كلاهما عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب به. وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 6/295) ، وصححه الألبانى وساق له عدة شواهد يتقوى بها. (إرواء الغليل 7/298) . قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا: ثنا يحيى بن سعيد، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 انطلقت أنا والأشتر إلى علي عليه السلام، فقلنا: هل عَهِدَ إليك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا، قال مسدد: قال: فأخرج كتاباً، وقال أحمد: كتاباً من قراب سيفه، فإذا فيه "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدَثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". قال مسدد: عن ابن أبي عروبة فأخرج كتاباً. (السنن 4/180-181 ح 4530 - ك الديات، ب إيقاد المسلم بالكافر) ، وأخرجه النسائي (السنن 8/19 - ك القسامة، ب القود بين الأحرار والمماليك في النفس) من طريق محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد به. قال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح 3797) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 959) من حديث الأشتر عن علي مطولاً بنحوه، وفيه موضع الشاهد. وصححه محققه وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/141) من طريق أحمد، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 13/340-341 ح 5996) من حديث مجاهد عن ابن عمر مطولا جداً، وفيه موضع الشاهد أيضاً، قال محققه: إسناده حسن. قوله تعالى (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال النسائي: أنا على بن حُجر، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن الصامت قال: قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تصدق من جسده بشيء كفّر الله عنه بقدر ذلك من ذنوبه". (التفسير 1/439 ح 166) قال محققه: صحيح. وأخرجه أحمد (المسند 5/316) من حديث هشيم عن مغيرة بنحوه وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وعزاه مرة لعبد الله به أحمد والطبراني بلفظ: "من تصدق بشيء من جسده أعطى بقدر ماتصدق به". ثم قال: ورجال المسند رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/302) . وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح 5589) . وللحديث شواهد كثيرة عن عدة من الصحابة (انظر تفصيل القول عن هذه الشواهد: حاشية تفسير النسائي 1/439-441) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال: كفارة للمتصدق عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 قوله تعالى (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) انظر حديث واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية 3-4 من سورة آل عمران. قوله تعالى (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا شيئاً مما أنزل الله في الانجيل الذي أمر أهل الإنجيل بالحكم به وبين في موضع آخر أن من ذلك البشارة بمبعث نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوب اتباعه والإيمان به كقوله: (وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) وقوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) الآية إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) انظر حديث مسلم تحت الآية رقم (41) من نفس السورة. قوله تعالى (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) انظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (3-4) من سورة آل عمران. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومهيمنا عليه) قال: والمهيمن الأمين. قال: القرآن أمين علي كل كتاب قبله. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ومهيمناً عليه) قال: شهيداً عليه. وصح أيضاً عن ابن عباس فيما رواه الطبري. قوله تعالى (فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فاحكم بينهم بما أنزل الله) يقول: بحدود الله (ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) . قوله تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) يقول: سبيلاً وسنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) قال: الدين واحد والشريعة مختلفة. قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات) انظر سورة البقرة آية (148) . قوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صوريا، وشأس بن قيس، بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا: يامحمد، إنك قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك! فأبى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله فيهم (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك ولاتتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) إلى قوله (لقوم يوقنون) . قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون) انظر حديث أبي داود المتقدم عند الآية رقم (42) من السورة نفسها. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أفحكم الجاهلية يبغون) قال: يهود. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) ذكر تعالى هذه في الآية الكريمة أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، ولكنه بين في مواضع أخر أن ولاية بعضهم لبعض زائفة وليست خالصة، لأنها لاتستند على أساس صحيح، هو دين الإسلام، فبين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أن العداوة والبغضاء بين النصارى دائمة إلى يوم القيامة، بقوله: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) وبين مثل ذلك في اليهود أيضاً، حيث قال فيهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) . والظاهر أنها في اليهود فيما بينهم، كما هو صريح السياق، خلافاً لمن قال إنها بين اليهود والنصارى. وصرح تعالى بعدم اتفاق اليهود معللاً له بعدم عقولهم في قوله: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) . وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم؛ وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليهود ما أتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) . ونهى في موضع آخر عن توليهم مبيناً سبب التنفير منه؛ وهو قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) . وبين في موضع آخر: أن محل ذلك، فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاح، لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 بقدر المداراة التي يكتفى بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة. ومن يأتي الأمور على اضطرار ... فليس كمثل آتيها اختيار ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً، رغبة فيهم أنه كافر مثلهم. قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم) قال: المنافقون، في مصانعة اليهود ومناجاتهم، واسترضاعهم أولادهم إياهم وقول الله تعالى ذكره (نخشى أن تصيبنا دائرة) قال يقول: نخشى أن تكون الدائرة لليهود. انظر سورة البقرة آية (10) عند قوله تعالى (في قلوبهم مرض) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: بالقضاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: فتح مكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) من موادتهم اليهود، ومن غشهم للإسلام وأهله. قوله تعالى (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) قال الشيخ الشنقيطي: وبين الله تعالى في موضع أخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين أنهم منهم، إنما هو الفرق أي الخوف، وأنهم لو وجدوا محلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 يستترون فيه عن المسلمين لسارعوا إليه، لشدة بغضهم للمسلمين، وهو قوله (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون) ففي هذه الآية بيان سبب أيمان المنافقين ونظيرها قوله: (اتخذوا أيمانهم جنة) . وبين تعالى في موضع آخر، أنهم يحلفون تلك الأيمان ليرضى عنهم المؤمنون وأنهم إن رضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عنهم وهو قوله (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لايرضى عن القوم الفاسقين) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) قال ابن كثير: يقول الله تعالى مخبرا عن قدراته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وقوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) أي: بممتنع ولا صعب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) الآية، وعيد من الله أنه من ارتد منكم أنه سيستبدل خيراً منهم. قال الحاكم أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد، ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا وهب بن جرير وسعيد بن عامر (قالا) ثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عياضاً الاشعري يقول: لما نزلت (فسوف يأتي الله لقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم قومك يا أبا موسى". وأومى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى أبي موسى الأشعري. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 2/313) وصححه الذهبي وابن الملقن، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 17/371 ح 1016) ، وأبو بكر ابن أبي شيبة في مسنده - كما في إتحاف الخيرة (1/163 ح 103) ، الطبري في (تفسيره 1/414-415 ح 12188، 12192) ، وابن حاتم في (تفسيره 5/169 ح 266) كلهم من طريق شعبة به. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/16) ، وقال البوصيري في الإتحاف: هذا إسناد رواته ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) يعني بالأذلة: الرحماء. قوله تعالى (ولا يخافون لومة لائم) قال ابن ماجة: حدثنا عمران بن موسى، أنبأنا حماد بن زيد، ثنا على بن زيد ابن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام خطيباً، فكان فيما قال: "ألا، لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء، فهبنا. (السنن ح 4007 - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، وأخرجه الترمذي (السنن ح 2191 - ك الفتن، ب ما جاء ما أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما هو كائن إلى يوم القيامة) بإسناد ابن ماجة نفسه في حديث طويل وفيه موضع الشاهد. قال أبوعيسى: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني (صحيح ابن ماجه رقم 3237) وقد توبع علي بن زيد على إسناد هذا الحديث، فأخرجه أحمد (المسند 3/5) من طريق سليمان بن طرخان، و (3/44) من طريق أبي سلمة، و (3/46-47) من طريق المستمر بن الريان، كلهم عن أبي نضرة به. وأخرجه أحمد (المسند 3/87) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/509ح 275) من طرق عن خالد بن عبد الله، عن الجريري عن أبي نضرة به. وخالد بن عبد الله هو الواسطي، وقد أخرج البخاري ومسلم روايته عن الجريرى. قال محقق الإحسان: إسناده صحيح، رجاله رجال مسلم إلا الجريري وقد أخرجه أبو يعلى في مسنده (2/536 ح 1411) ضمن حديث طويل، من طريق الحسن عن أبي سعيد، وفيه قوله: حدثنا أبو سعيد، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال صحيح (مجمع الزوائد 7/ 274) . قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ... ) قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد ربه قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن فيروز الديلمي، عن أبيه أنهم أسلموا أو كان فيمن أسلم فبعثوا وفدهم إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببيعتهم وإسلامهم فقبل ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم فقالوا يا رسول الله نحن من قد عرفت وجئنا من حيث قد علمت وأسلمنا فمن ولينا؟ قال: "الله ورسوله". قالوا: حسبنا رضينا. (المسند 4/232) ، وأخرجه أبو يعلى في (مسنده 12/203 ح 6825) من طريق الأوزاعي، والطبراني في (الكبير 18/329 ح 846) مطولا من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن يحيى السيبانى عن ابن الديلمي به. وعزاه الهيثمي لأحمد وأبى يعلى والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن فيروز وهو ثقة (مجمع الزوائد 9/406) وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله. قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أخبرهم يعني الرب تعالى ذكره من الغالب فقال: لا تخافوا الدولة والدائرة فقال (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) و (الحزب) هم الأنصار. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: قال كان رفاعة بن زيد في التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله فيهما (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء) إلى قوله تعالى (والله أعلم بما كانوا يكتمون) . قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال: أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به. فأنزل الله فيهم: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 قوله تعالى (وجعل منهم القردة والخنازير) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب (واللفظ لأبي بكر) . قالا: حدثنا وكيع، عن مسعر، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن المعرور بن سويد، عن عبد الله، قال: قالت أم حبيبة، زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم أمتعني بزوجي، رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبأبي أبي سفيان، وبأخي، معاوية قال: فقال: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يُعجِّل شيئاً قبل حله. أو يؤخر شيئاً عن حله. ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل". قال: وذُكرتْ عنده القردة. قال مسعر: وأُراه قال: والخنازير من مسخ. فقال: " إن الله لم يجعل لمسخِ نسلاً ولا عقباً. وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك". (الصحيح 4/2050- 2051 ح 2663 - ك القدر، ب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرهما لا تزيد ولا تنقص ... ) . أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) قال: مسخت من يهود. قوله تعالى (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا له والله أعلم بما كانوا يكتمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا) الآية، أناس من اليهود، كانوا يدخلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذى جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي نحوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 قوله تعالى (وترى كثيراً منهْم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ماكانوا يعملون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) قال: (الإثم) ، الكفر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) وكان هذا في حكام اليهود بين أيديكم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأكلهم السحت) قال: الرشا. قوله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الأثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) يعنى: الربانيين، أنهم: لبئس ما كانوا يصنعون. قوله تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) ، قال: ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكنهم يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً. قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام، حدثنا أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن يمين الله ملأى لا يفيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلقَ السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض -أو القبض- يرفع ويخفِض". (صحيح البخاري 13/414 ح 7419 - ك التوحيد، ب (وكان عرشه على الماء..) ، (وصحيح مسلم 2/690 - ك الزكاة، ب الحث على النفقة، من طريق الأعرج عن أبي هريرة بنحوه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 قوله تعالى (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) حملهم حسد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم. قوله تعالى (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً) أولئك أعداء الله اليهود، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء، وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليهم. قوله تعالى (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) يقول: آمنوا بما أنزل الله، واتقوا ما حرم الله (لكفرنا عنهم سيئاتهم) . قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم) يعني: لأرسل السماء عليهم مدراراً (ومن تحت أرجلهم) تخرج الأرض بركتها. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه ليسر الله لهم الأرزاق وأرسل عليهم المطر، وأخرج لهم ثمرات الأرض. وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خاصاً بهم كقوله عن نوح وقومه (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) وقوله عن هود وقومه (وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم) الآية. وقوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقومه (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجل مسمى) . قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً، فقال: "ذاك عند أوان ذهاب العلم" قلتُ: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويُقرئه أبناؤنا أبناهم، إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمك، زياد إن كنتُ لأراكَ من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟ ". (السنن 2/1344 ح 4048 - ك الفتن، ب ذهاب القرآن والعلم) ، وأخرجه أحمد (المسند 4/160) عن وكيع عن الأعمش به. وذكره ابن كثير في تفسيرة (3/140) وقال: هذا إسناد صحيح. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح 3272) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله (منهم أمة مقتصدة) يقول: على كتابه وأمره، ثم ذم أكثر القوم فقال: (وكثير منهم ساء ما يعملون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (منهم أمة مقتصدة) يقول: مؤمنة. قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. أمر تعالى في هذه الآية نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبليغ ما أنزل إليه، وشهد له بالامتثال في آيات متعددة، كقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ) ، وقوله: (فتول عنهم فما أنت بملوم) ولو كان يمكن أن يكتم شيئاً لكتم قوله تعالى (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ، فمن زعم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كتم حرفاً مما أنزل عليه، فقد أعظم الافتراء على الله، وعلى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت. مَن حدّثك أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتم شيئاً مما أنزل عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. (صحيح البخاري 8/124 ح 4612 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/159 ح 177 مطولاً - ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى)) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ، يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك، لم تبلغ رسالاتي. قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر. ح وحدثني أبو عمران، محمد بن جعفر بن زياد (واللفظ له) . أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد) عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة قِبل نجد، فأدركنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن رجلاً أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظتُ وهو قائم على رأسي فلم أشَعر إلا والسيِف صَلتاً في يده، فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلتُ: "الله". ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟. قال: قلت: "الله". قال: " فَشَام السيف، فها هو ذا جالس" ثم لم يعرِض له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح مسلم 4/1786 ح 843 - ك الفضائل، ب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح 6/96 ح 2910 - ك الجهاد، ب من علق سيفه بالشجر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا على بن مسهر، أخبرنا يحيى ابن سعيد، أخبرنا عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهِرَ، فلما قدم المدينة قال: "ليت رجلا من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة". إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك. فنام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 6/95 ح 2885 - ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1875 ح 2410 - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص) . قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: سمعت أبا إسرائيل قال: سمعت جعدة قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورأى رجلا سمينا فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك". قال: وأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل فقالوا: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لم ترع لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله على". (المسند 3/471) ، وأخرجه الطبراني في (الكبير 2/319 ح 2183) من طريق علي بن الجعد، عن شعبة به مختصراً، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير أبي إسرائيل الجشمي، وهو ثقة (مجمع الزوائد 8/227) . وصحح إسناده الحافظ ابن حجر. (تهذيب التهذيب 2/81) . قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: "الله". فأنزل الله (والله يعصمك من الناس) . وهذا إسناد حسن (الفتح 6/98) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث ابن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشهَ قالت: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه من القبة، فقال لهم: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله". حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد نحوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 (السنن 5/251 ح 3046 - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) وقال: غريب، وأخرجه الطبري (التفسير 10/469 ح 12276) عن المثنى، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية 67 - ح 357) عن إبراهيم بن مرزوق البصري، والحاكم (المستدرك 2/313) من طريق محمد بن عيسى القاضي، كلهم عن مسلم ابن إبراهيم به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن (فتح الباري 6/82) وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 2440) . وذكر ابن كثير لهذا الحديث شواهد عن أبي سعيد، وعصمة بن مالك وغيرهما (التفسير 2/125-126) . قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين) قال ابن حجر: وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص، فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا: يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى، ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه، فأنا أبرأ مما أحدثتموه. قالوا: فإنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن لك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية. (الفتح 8/269) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) قال: فلا تحزن. قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون) الآية. ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين تتخللهما توبة من الله عليهم، وبين تفصيل ذلك في قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) الآية. فبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الأولى بقوله: (فإذا جاء وعد أولاهما، بعثنا عليكم عباداً لنا، أولي بأس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 شديد) وبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الآخرة بقوله (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) وبين التوبة التي بينهما بقوله (ثم رددنا لكم الكرة عليهم، وأمددناكم بأموال وبنين، وجعلناكم أكثر نفيراً) ، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: (وإن عدتم عدنا) فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتم صفاته التى في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم فسلط عليهم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم وذراريهم وأجلى بني قينقاع، وبني النضير، كما ذكر تعالى طرفاً من ذلك في سورة الحشر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وحسبوا ألا تكون فتنة) الآية يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاء (فعموا وصموا) كلما عرض بلاء ابتلوا به هلكوا فيه. انظر سورة البقرة آية (18) عند قوله تعالى (صم بكم عمي) . قوله تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) بيانه في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) النساء: 116. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". (صحيح مسلم 1/74 ح 54 - ك الإيمان، ب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ... ) . قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) ، قال: قالت النصارى هو والمسيح وأمه، فذلك قول الله تعالى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) ذكر في هذه الآية الكريمة أن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، وذكر في مواضع أخر، أن جميع الرسل كانوا كذلك، كقوله: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) الآية، وقوله: (وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام) الآية. قوله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل) قال: يهود. قوله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكان يعتدون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى بن مريم، ولعنوا في الزبور على لسان داود. قوله تعالى (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) قال: المنافقون. قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشهدين) قال الطبري: حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بمكة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 خاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب، وابن مسعود، وعثمان بن مظعون، في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما بلغ ذلك المشركين، بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم، ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى النجاشي، فقالوا: إنه خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها، زعم أنه نبي وإنه بعث إليك رهطاً ليفسدوا عليك قومك، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم، قال: إن جاؤوني نظرت فيما يقولون. فقدم أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأموا باب النجاشي، فقالوا: استأذن لأولياء الله، فقالا: ائذن لهم، فمرحباً بأولياء الله، فلما دخلوا عليه سلموا، فقال له الرهط من المشركين: ألا ترى أيها الملك أنا صدقناك؟ لم يحيوك بتحيتك التي تحيَّ بها. فقال لهم: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي؟ فقالوا: إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة. قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال: يقول: هو عبد الله، وكلمة من الله ألقاها إلى مريم، وروح منه. ويقول في مريم: إنها العذراء البتول. قال: فأخذ عوداً من الأرض فقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود. فكره المشركون قوله، وتغيَّرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم. قال: اقرأوا فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبان وسائر النصارى، فعرفت كل ما قرءوه وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق. قال الله تعالى ذكره: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) الآية. (التفسير 10/499-500 ح 12317) ، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية 83 ح 428) عن أبيه عن عبد الله بن صالح به، ولفظه أخصر من لفظ الطبري. وإسناده جيد محتج به، وتقدم الكلام عليه عند الآية 29 من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً) قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا خالد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا نغزو مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص بنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب. ثم قرأ (يا أيها الذين آمنوا لا تُحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم) . (صحيح البخاري 8/126 ح 4615 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) . (صحيح مسلم 2/1022 ح 1404 - ك نكاح، ب نكاح المتعة وبيان انه ابيح ثم نسخ) . قال الحافظ ابن حجر: أخرج الثوري في جامعه وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جيء عنده بطعام فتنحى رجل فقال: إني حرمته أن لا آكله. فقال: ادن فكل وكفر عن يمينك ثم تلا هذه الآية إلى قوله: (ولا تعتدوا) . (الفتح 11/575) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/313-314) . قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد ابن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألون عن عبادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأينَ نحنُ من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر. وقال أخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". (الصحيح 9/5-6 ح 5063 - ك النكاح، ب الترغيب في النكاح) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/1020 ح 1401 - ك النكاح، ب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) فهو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وقال مرة أخرى قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) إلى قوله: (بما عقدتم الأيمان) قال: واللغو من الأيمان، هي التي تكفر، لا يؤاخذ الله بها. ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له، ولم يتحول عنه، ولم يكفر عن يمينه، فتلك التي يؤخذ بها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) يقول: ما تعمدت فيه المأثم، فعليك فيه الكفارة. قوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين، وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره. قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان ابن عيينة عن سليمان بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدة فنزلت الآية (من أوسط ما تطعمون أهليكم) . (السنن - الكفارات، ب من أوسط ماتطعمون أهليكم) ، وصحح إسناده البوصيري (مصباح الزجاجة 2/135) ، وكذا الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح 1717) . انظر حديث معاوية بن الحكم المتقدم عند الآية (238) من سورة البقرة. وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعتقها فإنها مؤمنة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة، الأول فالأول، فإن لم يجد من ذلك شيئًا فصيام ثلاثة أيام متتابعات. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله: (رجس من عمل الشيطان) يقول: سخط. قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى، أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيّان عن الشعبي عن ابن عمر قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - على منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل". (صحيح البخاري 8/126 ح 4619- ك التفسير- سورة المائدة) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة". (صحيح البخاري 10/33 ح 5575 - ك الأشربة، ب قول الله تعالى (إنما الخمر والميسر والأنصاب)) . قال مسلم: حدثنا سُويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة (رجل من أهل مصر) ، أنه جاء عبد الله بن عباس. ح وحدثنا أبو الطاهر (واللفظ له) ، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس وغيره عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة السبأي (من أهل مصر) ، أنه سأل عبد الله بن عباس عمّا يُعصر من العنب؟ فقال ابن عباس: إن رجلا أهدى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوية خمر. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل علمت أن الله قد حرمها؟ "قال: لا. فسارَّ إنساناً. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بِم ساررته؟ ". فقال: أمرته ببيعها. فقال: "إن الذي حرم شُربها حرّم بيعها". قال: ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها. (صحيح مسلم 3/1206 ح 1579 - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالا: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا سماك بن حرب. حدثني مصعب بن سعد عن أبيه، أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب. قالت: زعمت أن الله وصّاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد. فقام ابن لها يقال له عُمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد. فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصله في عاميِن أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير) لقمان: 15، وفيها (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) قال: وأصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنيِمة عظيمة، فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: نفّلنى هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله. فقال: "رُدّه من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلتُ: أعطنيه. قال: فشد لي صوته: "ردّه من حيث أخذته". قال: فأنزل الله عز وجل (يسألونك عن الأنفال) الأنفال: 1. قال: ومرضت فأرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتاني، فقلتُ: دعني أقسم مالي حيث شئت. قال: فأبى. قلت: فالنصف. قال: فأبى. قلت: فالثلث. قال: فسكت. فكان بعد الثلث جائزاً. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً -وذلك قبل، أن تحرّم الخمر- قال: فأتيتهم في حش -والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق من خمر، قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرون عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيى الرأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فأنزل الله عز وجل فيّ -يعني نفسه- شأن الخمر (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) . (صحيح مسلم 14/1877 ح 1748 - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز (يعنى الدراوردي) عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرّة يقال له المِزر، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أو مسكر هو؟ " قال: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل مسكر حرام. إن على الله -عز وجل- عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال". قالوا: يا رسول الله وماطينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار". (صحيح مسلم 3/1587 ح 2002 - ك الأشربة، ب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام) . قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن منير قال: سمعت أبا عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له. (السنن 3/580 ح 1295 - ك البيوع، ب النهي أن يتخد الخمر خلا) وقال: حديث غريب، وأخرجه ابن ماجة (السنن 2/1122 ح 3381 - ك الأشربة، ب التجارة في الخمر) من طريق محمد بن سعيد التستري عن أبي عاصم به. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الترمذي 2/27) وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 6/181-183) من طرق عن شبيب بن بشر به، وحسن محققه أسانيدها) . انظر حديث عمر المتقدم في سورة البقرة عند الآية (219) . قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ابن همام، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بالمدينة قال؟ "يا أيها الناس: إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمراً، فمن كان عنده شيء فليبعه ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيراً حتى قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده شيء فلا يشرب ولا يبع". قال: فاستقبل الناس بما كان عنده منها في طريق المدينة، فسفكوها. (الصحيح 3/1205 ح 1578 - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 قال أبو داود: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، ثنا يزيد بن هارون الواسطي، ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه". (السنن 4/164 ح 4484 - ك الحدود، ب إذا تتابع في شرب الخمر) ، وأخرجه النسائي (السنن 8/314 - ك الأشربه، ب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر) ، وابن ماجة (السنن 2/859 ح 2572 - ك الحدود، ب في شرب الخمر مراراً) كلاهما من طريق شبابة، عن ابن أبي ذئب به. وأخرجه أحمد (المسند ح 7898، 10554) عن يزيد عن ابن أبي ذئب به. والحديث صحيح أفاض الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند في تصحيحه وذكر شواهده. وصححه كذلك الألباني (السلسلة الصحيحة ح 1360) . وانظر حديث أبي داود عن أبي موسى الأشعري المتقدم تحت الآية رقم (219) من سورة البقرة. قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه". (الصحيح 4/1770 ح 2260 - ك الشعر، ب تحريم اللعب بالنردشير) . قال النسائي: أنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة، أنا حجاج بن منهال، نا ربيعة ابن كلثوم بن جبير عن أبيه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى إذا نهلوا عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته فيقول: قد فعل هذا بي أخي - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله عز وجل: (إنما الخمر والميسر) إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) فقال ناس: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله عز وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 (التفسير 1/447-448 ح 171) ، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 12/56 ح 12459) ، والطبري في تفسيره (10/571 ح 12522) ، والحاكم في (المستدرك 4/141-142) ، والبيهقي في (سننه 8/285-286) ، كلهم من طريق ربيعة بن كلثوم به مثله. وهذا الإسناد رجاله أئمة ثقات، إلا أن ربيعة بن كلثوم وأباه في حفظهما شيء، وقد روى لهما مسلم رحمه الله. ويشهد لشطر الحديث الأول حديث سعد بن أبي وقاص عند الإمام مسلم، وقد تقدم عند الآية (90) من السورة نفسها، ويشهد لشطره الثاني حديث البراء عند الترمذي وغيره الماضي قبل هذا الحديث مباشرة، فيكون حديث ابن عباس هذا حسناً إن شاء الله. وقد سكت عنه الحاكم - مع نقل السيوطي عنه انه صححه؟ (الدر المنثور 3/157-158) . وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/18) . قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا) قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت عن أنس - رضي الله عنه -: إن الخمر التي أهريقت الفضيخ. وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا منادى، فقال أبو طلحة: اخرُج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت. فقال لي: اذهب فأهرقها. قال: فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال: بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) . (صحيح البخاري 8/128 ح 4620 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) ، (صحيح مسلم 3/1570 - ك الأشربة، ب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر) . قال مسلم: حدثنا منجاب بن الحارث التميمي وسهل بن عثمان وعبد الله ابن عامر بن زرارة الحضرمي وسُويد بن سعيد والوليد بن شجاع (قال سهل ومنجاب: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا) على بن مسهر عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا) المائدة: 93 إلى آخر الآية. قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قيل لي: أنت منهم". (صحيح مسلم 4/1910 ح 2459 - ك فضائل الصحابة، ب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (تناله أيديكم ورماحكم) قال: النبل (رماحكم) تنال كبير الصيد (وأيديكم) تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أيديكم ورماحكم) قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلى الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) هذه الآية الكريمة يفهم من دليل خطابها أي مفهوم مخالفتها أنهم إن حلوا من إحرامهم، جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مصرح به في قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) يعني: إن شئتم كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) قال: إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم عليه، وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة، إلا أن يعفو الله. قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) قال: إذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبيا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل إيّلا أو نحوه، فعليه بقرة، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً) انظر سورة البقرة آية (48) عند قوله تعالى (ولا يؤخذ منها عدل) . قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم، حكم عليه فيه مرة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم الله منكم، كما قال الله عز وجل. قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم ... ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا سفيان عن عمرو قال: سمعت جابراً يقول: بعثنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة نرصُدُ عيراً لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط، فسمي جيش الخبط، وألقى البحر حوتاً يقال له العنبر، فأكلنا نصف شهر، وادَّهنا بودكه حتى صلحت أجسامنا، قال: فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه فمر الراكب تحته، وكان فينا رجل، فلمّا اشتد الجوع نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاث جزائر، ثم نهاه أبو عبيدة. (صحيح البخاري 9/530 ح 5494 - ك الذبائح والصيد، ب قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر)) . قال الطبري: حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد ابن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" قال: طعامه ما لفظه ميتاً فهو طعامه. (التفسير 11/70 ح 12729) قال الشيخ محمود شاكر: إسناد صحيح، ورجاله ثقات حفاظ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعامه متاعا لكم) يعني: بطعامه، مالحه، وما قذف البحر منه، مالحه. قوله تعالى (وحرّم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عثمان -هو ابن موهب- قال: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال: خذوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 ساحل البحر حتى نلتقى، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يُحرم. فبينما هم يسيرون إذ رأوا حُمُر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا، فنزلوا فأكلوا من لحمها وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا مابقي من لحم الأتان. فلمّا أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: يا رسول الله، إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم، فرأينا حمر وحش، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا مابقي من لحمها. قال: "منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " قالوا: لا. قال: "فكلوا ما بقي من لحمها". (صحيح البخاري 4/35 ح 1824 -ك جزاء الصيد- ب لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاده الحلال) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حماراً وحشياً وهو بالأبواء -أو بودان- فردّه عليه فلمّا رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم". (صحيح البخاري 4/38 ح 1825 - ك جزاء الصيد، ب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل) . قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال: حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة، أن سعيد بن المسيب حدثه، عن أبي هريرة أنه سئل عن صيد صاده حلال، أيأكله المحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله، ثم لقي عمر ابن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره، فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك. (وصححه أحمد شاكر. التفسير ح 12754) . قال مسلم: وحدثنا يحيى، قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور". (كتاب الحج ح 1199، ب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرام) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 قال البخاري: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خمس من الدواب كلهن فاسق يُقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور". (صحيح البخاري 4/42 ح 1829 - ك جزاء الصيد، ب ما يقتل المحرم من الدواب) . قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) يعنى: قياما لدينهم، ومعالم لحجهم. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) قال البخاري: حدثني الفضل بن سهل قال: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم يسألون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضلُّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) حتي فرغ من الآية كلها. (صحيح البخاري 8/130 ح 4622 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد، حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يُحرم فحرّم من أجل مسألته". (صحيح البخاري 13/278 - ك الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال ح 7289) . قال مسلم: حدثنا محمود بن غيلان ومحمد بن قدامة السلمي ويحيى بن محمد اللؤلؤي. وألفاظهم متقاربة (قال محمود: حدثنا النضر بن شميل. وقال الآخران: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 أخبرنا النضر) أخبرنا شعبة، حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عُرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً". قال: فما أتى على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أشدّ منه. قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين. قال: فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، قال: فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال: "أبوك فلان". فنزلت: (يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم) . (صحيح مسلم 4/1832 ح 2359 - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه البخاري بنحوه الصحيح - الفتن باب التعوذ من النفاق ح 7089 ح 7295) . قال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". (صحيح البخاري 13/264 ح 7288 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الإقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، (صحيح مسلم 4/1830 - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله عمالا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف ومالا يقع، ونحو ذلك ح 1337 نحوه) . قوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البَحيرة التي يُمنع درّها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يُحمل عليها شيء. قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت عمرو ابن عامر الخزاعى يجرّ قصبه في النار، كان أول من سيّب السوائب". والوصيلة: الناقة البكر تبَكر في أول نِتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يُسيّبونهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 لطواغيتهم أن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضِرابه ودَعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يُحمل عليه شيء، وسموه الحامي. وقال لي أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت سعيداً يُخبره بهذا قال: وقال أبو هريرة: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح البخاري 8/132-133 ح 4623 -ك التفسير- سورة المائدة) ، (صحيح مسلم 4/2192 ح 51 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء. نحوه) . قال البخاري: حدثني محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عَمْراً يَجُر قصبه، وهو أول من سيب السوائب". (صحيح البخاري 8/132-133 ح 4624 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) . ابن عمرو بن لي قمعه (انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/78، والمستدرك 4/605) . قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قشف الهيئة فقال: هل لك مال؟ قال: قلت: نعم. قال: من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال؛ من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك. ثم قال: هل تنتج إبل قومك صحاحاً آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها وتقول: هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم. قال: فإن ما آتاك الله عز وجل لك وساعد الله أشد وموسى الله أحدّ. وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك. قال: فقلت: يا رسول الله أرأيت رجلاً نزلت به فلم يكرمني ولم يقرني ثم نزل بي أجزيه بما صنع أم أقريه؟ قال: أقره. (المسند 3/473) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/181) من طريق وهب بن جرير كلاهما عن شعبة به، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي للطبراني في الصغير وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 5/133) ، وصححه الألباني بشواهده في (غاية المرام ح 75) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة) ليسيبوها لأصنامهم (ولا وصيلة) ، يقول: الشاة، (ولا حام) يقول: الفحل من الإبل. قوله تعالى (وأكثرهم لا يعقلون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأكثرهم لا يعقلون) يقول: تحريم الشيطان الذي حرم عليهم، إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال الشيخ الشنقيطي: قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله (إذا اهتديتم) لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد؛ أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى (والعصر. إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) . فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل. وقد دلت الآيات كقوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهو عن المنكر، عمهم الله بعذاب من عنده. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب. وهذا حديث أبي بكر. قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". (الصحيح 1/69 ح 49 - ك الإيمان، في بيان كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان ... ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن جرير، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز منهم وأمنع، لا يُغيّرون، إلا عمّهم الله بعقاب". (السنن ح 4009 - الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، وأخرجه أحمد وأبو داود من طريقين عن جرير به نحوه (المسند 4/361، 363، 364، 366) ، (السنن4/122 - الملاحم، ب الأمر والنهي) ، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق كذلك، وصححه ابن حبان (الإحسان 1/259 ح 300) ، وأيضاً صححه الألباني (صحيح الجامع رقم 5749) ، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/493 ح 8085) . قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد. ح وثنا عمرو بن عون، أخبرنا هشيم المعني، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال عن خالد: وإنا سمعنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب". وقال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب". قال أبو داود: ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، وقال شعبة فيه: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله". (السنن 4/122 ح 4338 - ك الملاحم، ب الأمر والنهي) ، وأخرجه الترمذى (السنن 5/257 ح 3057 - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) والضياء في (المختارة 1/146-147) من طريق يزيد بن هارون. وابن ماجة (السنن 2/1327 ح 4005 - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من طريق ابن نمير وأبى أسامة، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به، وأخرجه أحمد (المسند 1/2) عن ابن نمير به، قال محققه: إسناد صحيح (المسند 1/160) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/261 ح 304) ، وأبو يعلى في (مسند 1/118 ح 128) كلاهما من طريق شعبة، عن إسماعيل به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذى ح 2448) ، وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا: حدثنا عوف، عن سوّار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألوا، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! قال: فقال الرجل: إني لست إياك أسأل أنا أسأل الشيخ، فأعاد على عبد الله الحديث، فقال عبد الله بن عمر: لعلك ترى -لا أبا لك- أني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون) . (التفسير 11/140 ح 12854) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا محمد بن فضيل، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أبو طوالة، ثنا نهار العبدي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقّن الله عبداً حجته، قالا: يارب رجوتك، وفرِقْتُ من الناس". (السنن 2/1332 ح 4017 - ك الفتن، ب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/77) من طريق وهب، عن يحيى بن سعيد به. قال العراقي: رواه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري، بإسناد جيد. (تخريج الإحياء 3/1273 ح 1926) وقال البوصيرى: إسناد صحيح ... (مصباح الزجاجة 2/300) وقال الألباني: هذا إسناد جيد (السلسلة الصحيحة ح 929) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم) يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين) قال البخاري: وقال لي على بن عبد الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعديّ بن بدّاء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلمّا قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوّصاً من ذهب، فأحلفهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم وُجد الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) . (صحيح البخاري 5/480 ح 2780 - ك الوصايا، ب قوله الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت..)) . وقد حسنه علي بن المديني، كما نقله المزي في (تهذيب الكمال 18/312) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) إلى قوله: (ذوا عدل منكم) فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين. ثم قال: (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد. فذلك قوله: (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يقول: إن اطلع على الكافرين كذبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 (فآخران يقومان مقامهما) يقول: من الأولياء، فحلفا بالله إن شهادة الكافرين باطلة وإنا لم نعتد فترد شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم. وليس على شهود المسلمين إقسام، وإنما الإقسام إذا كانوا كافرين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: سمعت ابن المسيب يقول: (اثنان ذوا عدل منكم) أى: مسلمين (أوآخران من غيركم) أهل الكتاب. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كاتم الشهادة أثم وبين في موضع آخر أن هذا الإثم من الآثام القلبية وهو قوله: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) ومعلوم أن منشأ الآثام والطاعات جميعاً من القلب، لأنه إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله. قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) إلا علم أنت أعلم به منا. انظر حديث الحاكم عن أبي أمامة المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة. وهو حديث: "كم كانت الرسل؟ ... ") . قوله تعالى (تكلم الناس في المهد) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (46) من سورة آل عمران. وهو حديث: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ... ") . قوله تعالى (وإذ تخرج الموتى بإذني) قال الشيخ الشنقيطي: معناه إخراجهم من قبورهم أحياء بمشيئة الله، وقدرته كما أوضحه بقوله: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 قوله تعالى (وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات) قال الشيخ الشنقيطي: لم يذكر هنا كيفية كفه إياهم عنه، ولكنه بينه في موضع آخر كقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) الآية. وقوله: (ومطهرك من الذين كفروا) . قوله تعالى (وإذ أوحيت إلى الحواريين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذ أوحيت إلى الحواريين) يقول: قذفت في قلوبهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: الحواري: الوزير. قوله تعالى (مائدة من السماء) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (مائدة من السماء) قال: مائدة عليها طعام، أتوا بها، حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينزل عليهم. قوله تعالى (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم. قوله تعالى (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه) قال أحمد: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن عمران أبي الحكم السلمي عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادع لنا ربك يصبح لنا الصفا ذهبة، فإن أصبحت ذهبة اتبعناك وعرفنا أن ما قلت كما قلت. فسأل ربه عز وجل، فأتاه جبريل فقال: إن شئت أصبحت لهم هذه الصفا ذهبة، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحنا لهم أبواب التوبة. قال: "يا رب لا، بل افتح لهم أبواب التوبة". (المسند 1/345) ، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (12/152 ح 12736) ، والحاكم في (المستدرك 1/53 و2/314 و4/240) من طريق سفيان به مثله. ووقع عند الإمام أحمد (1/242) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وعند الحاكم في الموضع الأول والثاني (عمران بن الحكم) والصواب المثبت كما نبه على ذلك: الهيثمي في مجمع الزوائد (7/50) وابن حجر في تعجيل المنفعة (ص 319) قال الحاكم في الموضع الثاني: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. وقال الحاكم أيضاً في الموضع الثالث: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ونقل الشيخ أحمد شاكر عن ابن كثير أنه قال: إسناد جيد. (حاشية المسند رقم2166) . وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/50، 10/96) وصحح إسناده أحمد شاكر في الموضع المشار إليه عاليه) . قوله تعالى (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوُس عن أبي هريرة قال: تلقّى عيسى حُجّته ولقاه الله في قوله: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمّي إلهين من دون الله) قال أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلقاه الله: (سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) الآية كلها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (سنن الترمذى 5/260 - ك التفسير، سورة المائدة ح /3062) ، وأخرج النسائي في (التفسير 1/468 ح 182) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/474 ح 992) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به. وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذى 3/48-49) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) متى تكون؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) . قوله تعالى (وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) إلى أخر الآية. ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 قال: "ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يارب أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دُمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم". (صحيح البخاري 8/135 ح 4625 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) و (11/385- ك الرقاق، ب الحشر) ، (صحيح مسلم 4/2194 - ك الجنه وصفة نعيمها وأهلها، ب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (كنت أنت الرقيب عليهم) قال: الحفيظ عليهم. قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني) إبراهيم: 36، الآية. وقال عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي". وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسلْه ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله. فأخبره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما قال. وهو أعلم. فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. (صحيح مسلم 1/191 ح 202 - ك الأيمان، ب دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته وبكائه شفقة عليهم) . قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه) انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (15) من آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 فضلها: عن جابر وابن عباس وأنس وابن مسعود وغيرهم: لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق. واللفظ لجابر (انظر موسوعة فضائل سور وآيات القرآن 1/255/257) . قوله تعالى (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: أما قوله: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) فإنه خلق السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار. قوله تعالى (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (يعدلون) ، قال: يشركون. قوله تعالى (هو الذي خلقكم من طين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هو الذي خلقكم من طين) ، بدء الخلق، خلق الله آدم من طين. قوله تعالى (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) ، يعني أجل الموت، "والأجل المسمى"، أجل الساعة والوقوف عند الله. قوله تعالى (ثم أنتم تمترون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن الربيع بن آنس في قول الله: (ثم أنتم تمترون) يعني: الشك والريبة في أمر الساعة. قوله تعالى (يعلم سركم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (يعلم سركم) قال: السر ما أسر ابن آدم في نفسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 قوله تعالى (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) إلى قوله ( ... أنباء ما كانوا به يستهزءون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) يقول: ما تأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه. قوله: (أنباء ما كانوا به يستهزءون) يقول: سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزءوا به من كتاب الله عز وجل. قوله تعالى (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن) انظر سورة الإسراء آية (17) . قوله تعالى (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) ، يقول: أعطيناهم ما لم نعطكم. قوله تعالى (مدرارا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (مدرارا) يتبع بعضها بعضاً. قوله تعالى (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) ، ذكر في هذه الآية الكريمة أن الكفار لو نزل الله عليهم كتابا مكتوبا في قرطاس، أي صحيفة إجابة لما اقترحوه، كما قال تعالى عنهم (ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) الآية، فعاينوا ذلك الكتاب المنزل، ولمسته أيديهم لعاندوا، وادعوا أن ذلك من أجل أنه سحرهم، وهذا العناد واللجاج العظيم والمكابرة الذي هو شأن الكفار بينه تعالى في آيات كثيرة كقوله (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (كتابا في قرطاس) في صحيفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: (كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم) قال: فمسوه ونظروا إليه، لم يصدقوا به. قوله تعالى (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ماذا يريدون بإنزال الملك المقترح، ولكنه بين في موضع آخر أنهم يريدون بإنزال الملك أن يكون نذيرا آخر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك في قوله: (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) الآية. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون) يعني أنه لو نزل عليهم الملائكة وهم على ماهم عليه من الكفر والمعاصي، لجاءهم من الله العذاب من غير إهمال ولا إنظار، لأنه حكم بأن الملائكة لا تنزل عليهم إلا بذلك، كما بينه تعالى بقوله: (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين) . وقوله (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون) ، يقول: ولو أنهم أنزلنا إليهم ملكا، ثم لم يؤمنوا، لم ينظروا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: (لولا أنزل عليه ملك) في صورته (ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر) لقامت الساعة. قوله تعالى (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً) يقول في صورة آدمي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وللبسنا عليهم ما يلبسون) ، يقول: لشبهنا عليهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 قوله تعالى (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله تعالى في الآية الكريمة أن الكفار استهزءوا برسل قبل نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنهم حاق بهم العذاب بسبب ذلك، ولم يفصل هنا كيفية استهزائهم، ولا كيفية العذاب الذي أهلكوا به، ولكنه فصل كثيرا من ذلك في مواضع أخر متعددة في ذكر نوح وقومه وهود وقومه، وصالح وقومه، ولوط وقومه، وشعيب وقومه، إلى غير ذلك، فمن استهزائهم بنوح قولهم له: "بعد أن كنت نبياً صرت نجاراً"، وقد قال الله تعالى عن نوح: (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) ، وذكر ما حاق بهم بقوله: (فأخذهم الطوفان، وهم ظالمون) وأمثالها من الآيات. ومن استهزائهم بهود ما ذكره الله عنهم من قولهم (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) ، ... ومن استهزائهم بصالح، قولهم فيما ذكر الله عنهم (يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) ، ... ومن استهزائهم بلوط قولهم فيما حكى الله عنهم: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم) الآية ... ومن استهزائهم بشعيب قولهم فيما حكى الله عنهم: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (فحاق بالذين سخروا منهم) من الرسل. قوله (ما كانوا به يستهزءون) يقول: وقع بهم العذاب الذي استهزءوا به. قوله تعالى (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) ، دمر الله عليهم وأهلكهم، ثم صيرهم إلى النار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 قوله تعالى (كتب على نفسه الرحمة) قال البخاري: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه -وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش-: إن رحمتي تغلب غضبى". (الصحيح 13/395 ح 7404 - ك التوحيد، ب قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2107-2108 - ك التوبة، ب في سعة رحمة الله تعالى ... ) . وانظر تفسير سورة الفاتحة قوله تعالى (الرحمن الرحيم) . وانظر حديث مسلم عن أبي هريرة في آخر هذه السورة آية (165) . قوله تعالى (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) انظر الآية (6) من سورة المطففين. وانظر سورة البقرة آية (2) . قوله تعالى (وله ما سكن في الليل والنهار) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وله ما سكن في الليل والنهار) يقول: ما استقر في الليل والنهار. قوله تعالى (قل أغير الله أتخذ ولياً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (قل أغير الله أتخذ ولياً) أما الولى فالذي يتولاه ويقر له بالربوبية. قوله تعالى (فاطر السماوات والأرض وهو يُطعِمُ ولا يُطعَم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فاطر السموات والأرض) خالق السماوات والأرض. قال الشنقيطي: قوله تعالى (وهو يُطعِمُ ولا يُطعَمُ) يعني أنه تعالى هو الذي يرزق الخلائق، وهو الغني المطلق فليس بمحتاج إلى رزق. وقد بين تعالى هذا بقوله: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وهو يُطعِمُ ولا يُطعَمُ) قال: يَرزق ولا يُرزق. قوله تعالى (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) قال الشنقيطي: قوله تعالى (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) الآية يعني أول من أسلم من هذه الأمة التى أرسلت إليها، وليس المراد أول من أسلم من جميع الناس كما بينه تعالى بآيات كثيرة تدل على وجود قبل وجوده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجود أمته كقوله عن إبراهيم (إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) وقوله عن يوسف: (توفني مسلما وألحقنى بالصالحين) . قوله تعالى (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) قال: من يصرف عنه العذاب. قوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو علي كل شيء قدير) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو علي كل شيء قدير) أشار تعالى بقوله هنا فهو على كل شيء قدير بعد قوله: (وإن يمسسك بخير) إلى أن فضله وعطاءه الجزيل لا يقدر أحد على رده عمن أراده له تعالى كما صرح بذلك في قوله (وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء) الآية. قوله تعالى (الحكيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي العالية (الحكيم) قال: الحكيم في أمره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 قوله تعالى (قل أي شيء أكبر شهادة) اخرج ابن آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (قل أي شيء أكبر شهادة) قال: أمر محمد أن يسأل قريشاً، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: (الله شهيد بيني وبينكم) . قوله تعالى (وأوحيَ إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به) يعني أهل مكة (ومن بلغ) يعني: ومن أبلغه هذا القرآن فهو له نذير. قال الشنقيطي قوله تعالى (وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) صرح في هذه الآية الكريمة بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منذر لكل من بلغه هذا القرآن العظيم كائنا من كان، ويفهم من الآية أن الإنذار به عام لكل من بلغه وأن كل من بلغه ولم يؤمن به فهو في النار وهو كذلك. أما عموم إنذاره لكل من بلغه فقد دلت عليه آيات أخر أيضاً كقوله: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وقوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) . وأما دخول من لم يؤمن به النار فقد صرح به تعالى في قوله (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) . قوله تعالى (الذين آتينهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (الذين آتينهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) النصارى واليهود، يعرفون رسول الله في كتابهم، كما يعرفون أبناءهم. وانظر سورة البقرة آية رقم (146) قوله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون) انظر سورة البقرة آية (140) وفيها بيان بعض أنواع الافتراء، وانظر عن بعض افتراءات أخرى في الآيات التالية رقم (23 و24) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 قوله تعالى (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) يقول: اعتذارهم بالباطل والكذب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (والله ربنا ما كنا مشركين) ثم قال (ولا يكتمون الله حديثاً) . (سورة النساء 42) بجوارحهم. قوله تعالى (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) وهي مبيِّنة للآية رقم (21) في السورة نفسها. قوله تعالى (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقراً) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ومنهم من يستمع إليك) يعني قريشاً. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي أذانهم وقراً) قال يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئاً، كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها. وانظر سورة فصلت آية (5) ، وسورة الإسراء آية (46) . قوله تعالى (إن هذا إلا أساطير الأولين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إن هذا إلا أساطير الأولين) إن هذا إلا أحاديث الأولين. قوله تعالى (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وهم ينهون عنه وينأون عنه) يعني ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به (وينأون عنه) يعنى يتباعدون عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 قوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) بيانها وجوابه تعالى على طلب الكفار في الآية التالية مباشرة. قوله تعالى (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) قال: من أعمالهم. قوله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) قال الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن الله جل وعلا الذي أحاط علمه بكل موجود ومعدوم، يعلم المعدوم الذي يسبق في الأزل أنه لا يكون لو وجد كيف يكون، لأنه يعلم أن رد الكفار يوم القيامة إلى الدنيا مرة أخرى لا يكون، ويعلم هذا الرد الذي لا يكون لو وقع كيف يكون، كما صرح به بقوله (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وهذا المعنى جاء مصرحاً به في آيات أخر. فمن ذلك أنه تعالى سبق في عمله أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لا يخرجون إليها معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله ثبطهم عنها لحكمة. كما صرح به فيقول (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) الآية. وهو يعلم هذا الخروج الذي لا يكون لو وقع كيف يكون. كما صرح به تعالى في قوله (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً) الآية. ومن الآيات الدالة على المعنى المذكور قوله تعالى (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس، قال: فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى، وقال: (لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) يقول: ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم، لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 قوله تعالى (وقالوا إن هي حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) انظر سورة الإسراء آية (49 و50) وتفسيرهما. قوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) انظر سورة الأحقاف آية (34) . قوله تعالى (حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة ... ) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرأها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً. ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويناه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه. ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه. ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها". (الصحيح 11/360 ح 6506 - ك الرقاق، ب 40) ، وأخرجه مسلم من طريق ابن عيينه عن أبي الزناد به (الصحيح 4/2270ح 2954 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب قرب الساعة) . قوله تعالى ( ... قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها) قال الطبري: حدثنا محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا يزيد بن مهران قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (يا حسرتنا) ، قال: "يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون: يا حسرتنا". (التفسير 11/326 ح 13186) ، وأخرجه أيضاً ابن أبي حاتم في تفسيره (سورة الأنعام ح 160) من طريق يزيد بن مهران، والخطيب في تاريخ بغداد (3/389) من طريق داود بن مهران الدباغ كلاهما عن أبي بكر بن عياش به، وصحح إسناده السيوطي (الدر المنثور 3/9) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: قوله (يا حسرتنا على ما فرطنا فيها) أما (يا حسرتنا) ، فندامتنا، (على ما فرطنا فيها) ، فضيعنا من عمل الجنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 قوله تعالى (ألا ساء ما يزرون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ألا ساء ما يزرون) ، قال: ساء ما يعملون. قوله تعالى (وللدار الآخرة خير) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (وللدار الآخرة خير) باقية. قوله تعالى (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون) الآية قال الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، بأنه يعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحزنه ما يقوله الكفار من تكذيبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد نهاه عن هذا الحزن المفرط في مواضع أخر كقوله (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) الآية، وقوله (فلا تأس على القوم الكافرين) وقوله (فلعلك باخع نفسك على أثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) وقوله (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) الباخع: هو المهلك نفسه. قوله تعالى (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) قال: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون. قوله تعالى (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا) ، يعزي نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تسمعون، ويخبره أن الرسل قد كذبت قبله، فصبروا على ما كذبوا، حتى حكم الله وهو خير الحاكمين. قوله تعالى (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 في السماء) ، و (النفق) السرب، فتذهب فيه، (فتأتيهم بآية) ، أو تجعل لك سلما في السماء، فتصعد عليه، فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به، فافعل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول الله سبحانه: لو شئتُ لجمعتُهم على الهدى أجمعين. قوله تعالى (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله) الآية قال الشنقيطي: قال جمهور علماء التفسير: المراد بالموتى في هذه الآية: الكفار، وتدل على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه) الآية، وقوله (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) وقوله (وما أنت بمسمع من في القبور) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما يستجيب الذين يسمعون) المؤمنون للذكر (والموتى) الكفار حين يبعثهم الله مع الموتى، أي مع الكفار. قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن المشركين أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون كقولهم (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) الآيات. قوله تعالى (قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة: أنه قادر على تنزيل الآية التي اقترحها الكفار على رسوله، وأشار لحكمة عدم إنزالها بقوله (ولكن أكثرهم لا يعلمون) وبين في موضع آخر أن لحكمة عدم إنزالها أنها لو أنزلت ولم يؤمنوا بها لنزل بهم العذاب العاجل كما وقع بقوم صالح لما اقترحوا عليه إخراج ناقة عشراء، وبراء، جوفاء، من صخرة صماء، فأخرجها الله لهم منها بقدرته ومشيئته، فعقروها (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) فأهلكهم الله دفعة واحدة بعذاب استئصال، وذلك في قوله (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، وأتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وبين في مواضع أخر أنه لا داعي إلى ما اقترحوا من الآيات، لأنه أنزل عليهم آية أعظم من جميع الآيات التي اقترحوها وغيرها، وتلك الآية هي هذا القرآن العظيم، وذلك في قوله (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) فإنكاره جل وعلا عليهم عدم الاكتفاء بهذا الكتاب عن الآيات المقترحة يدل على أنه أعظم وأفخم من كل آية. قوله تعالى (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (أمم أمثالكم) أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) يقول: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة. قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ما فرطنا في الكتاب من شىء) ما تركنا شيئا إلا قد كتبناه في أم الكتاب. قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن واصل، عن يحيى ابن عقيل، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة". (المسند 2/363) ، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح (الترغيب والترهيب 4/402) ، وكذا قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/352) وقال الألباني: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم (السلسله الصحيحة رقم 1967) وللحديث متابعات وشواهد ذكرها الألباني. وله شاهد من حديث أبي ذر في اقتصاص الشاة من الشاة يوم القيامة. أخرجه الإمام أحمد (المسند 5/172-173) ، وقال عنه الشيخ محمود شاكر: إسناده حسن متصل (حاشية الطبري 11/348) . قوله تعالى (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (صم بكم) ، هذا مثل الكافر، أصم أبكم، لا يبصر هدى، ولا ينتفع به، صم عن الحق في الظلمات، لايستطيع منها خروجا، متسكع فيها. وانظر سورة البقرة آية (18) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 قوله تعالى (ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) . انظر حديث النواس بن سمعان المتقدم عند الآية (6) من سورة الفاتحة. قوله تعالى (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن المشركين إذا أتاهم عذاب من الله، أو أتتهم الساعة أخلصوا الدعاء الذي هو مخ العبادة لله وحده، ونسوا ما كانوا يشركون به، لعلمهم أنه لا يكشف الكروب إلا الله وحده جل وعلا. ولم يبين هنا نوع العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص لله، ولم يبين هنا أيضاً إذا كشف عنهم العذاب هل يستمرون على إخلاصهم، أو يرجعون إلى كفرهم وشركهم، ولكنه بين كل ذلك في مواضع أخر فبين أن العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص، هو نزول الكروب التي يخاف من نزلت به الهلاك، كأن يهيج البحر عليهم وتلتطم أمواجه، ويغلب على ظنه أنهم سيغرقون فيه إن لم يخلصوا الدعاء بالله وحده، كقوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) ، وقوله (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) ، وقوله (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) ، إلى غير ذلك من الآيات. وبين أنهم إذا كشف الله عنهم ذلك الكرب، رجعوا إلى ما كانوا عليه من الشرك في مواضع كثيرة كقوله (فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا) ، وقوله (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) ، وقوله (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) ، وقوله (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 قوله تعالى (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن يوسف، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، أن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: "الله أكثر". (السنن 5/566 ح 3573 - ك الدعوات، ب في انتظار الفرج وغير ذلك) . وأخرجه عبد الله ابن أحمد في زوائد المسند (المسند 5/329) عن إسحاق الكوسج عن محمد بن يوسف. قال الترمذى: حسن صحيح (صحيح الترمذي 2827) . وللحديث شواهد عدة، منها: عن جابر، أخرجه الترمذى (ح 3813) عن قتيبة، وابن أبي حاتم (التفسير - تفسير سورة الأنعام/40 - ح 210) من طريق ابن وهب، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً نحوه. قال السيوطي. حسن (فيض القدير مع الجامع الصغير 5/467) . وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 2692) ومنها: عن أبي سعيد، أخرجه أحمد (المسند 3/18) ، والحاكم (1/493) كلاهما من طريق علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد به. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قوله تعالى (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون) انظر سورة البقرة آية (212) ، وسورة النحل آية (63) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، ثنا عمرو بن محمد العنقزي، ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: (البأساء) قال: البأساء: الفقر. (والضراء) ، قال: الضراء: السقم. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي عن أبي مالك قوله: (لعلهم) يعني: كي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) قال: عاب الله عليهم القسوة عند ذلك فتضعضعوا لعقوبة الله. قوله تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) قال أحمد: ثنا يحيى بن غيلان قال: ثنا رشدين يعني ابن سعد أبو الحجاج المهري، عن حرملة بن عمران التجيبي، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) . (المسند 4/145) ، وأخرجه الطبري (التفسير 11/361 ح 13240) من طريق أبي الصلت. وابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنعام/44 - ح 228) من طريق ابن وهب كلاهما عن حرملة به، وعند ابن أبي حاتم: عن حرملة وابن لهيعة. وقال العراقي في تخريج الإحياء: رواه أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب بسند حسن. ورمز له السيوطي بالحسن (انظر فيض القدير 1/354) ، وقال الألبانى في طريق حرملة: وهذا إسناد قوي ... (السلسله الصحيحة رقم 413، 1/773-774) ، وحسن إسناده محقق تفسير ابن أبي حاتم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فلما نسوا ما ذكروا به) يعنى: تركوا ما ذكروا به. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: (فتحنا عليهم أبواب كل شيء) قال: رخاء الدنيا ويسرها، على القرون الأولى. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أخذناهم بغتة) قال: فجأة آمنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 قوله تعالى (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) ، يقول: قطع أصل الذين ظلموا. وانظر سورة الفاتحة آية (1) . قوله تعالى (وختم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي عن أبي مالك قوله (وختم) يعني: وطبع. قوله تعالى (يصدفون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (يصدفون) قال: يعرضون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يصدفون) ، قال: يعدلون. قوله تعالى (جهرة) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (جهرة) ، قال: وهم ينظرون. قوله تعالى (وأصلح) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (وأصلح) قال: أصلح ما بينه وبين الله. قوله تعالى (قل هل يستوى الأعمى والبصير) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: (قل هل يستوى الأعمى والبصير) ، قال: الضال والمهتدي. قوله تعالى (وأنذر به الذين يخافون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (وأنذر به الذين يخافون) هؤلاء المؤمنون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 قوله تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ... ) إلى قوله (سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ... ) قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن طرد ضعفاء المسلمين وفقرائهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأمره في آية أخرى أن يصبر نفسه معهم، وأن لا تعدو عيناه معهم إلى أهل الجاه والمنزلة في الدنيا، ونهاه عن إطاعة الكفرة في ذلك وهي قوله (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) كما أمره هنا بالسلام عليهم، وبشارتهم برحمة ربهم جل وعلا قوله (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) الآية، وبين في آيات أخر أن طرد ضعفاء المسلمين الذي طلبه كفار العرب من نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنهاه الله عنه، طلبه أيضاً قوم نوح من نوح، فأبى كقوله تعالى عنه (وما أنا بطارد الذين آمنوا) الآية، وقوله (يا قوم من ينصرنى من الله إن طردتهم) الآية، وقوله (وما أنا بطارد المؤمنين) ، وهذا من تشابه قلوب الكفار المذكور في قوله تعالى (تشابهت قلوبهم) الآية. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد. قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة نفر. فقال المشركون للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اطرد هؤلاء لا يجترءون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما. فوقع في نفس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء الله أن يقع. فحدث نفسه. فأنزل الله عز وجل: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه) . (صحيح مسلم 4/1878 - ك فضائل الصحابة، ب فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) يعني: يعبدون ربهم (بالغداة والعشى) يعني الصلاة المكتوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 قوله تعالى (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء مَن الله عليهم من بيننا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) يقول: ابتلينا بعضهم ببعض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) ، يعني أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء، فقال الأغنياء للفقراء (أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا) ، يعني: هداهم الله. وإنما قالوا ذلك استهزاء وسخرياً. قوله تعالى (سوءاً بجهالة) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (سوءاً بجهالة) من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. وانظر سورة النساء آية (17) وتفسيرها. قوله تعالى (وكذلك نفصل الآيات) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي في قوله: (وكذلك نفصل الآيات) أما نفصل: فنبين. قوله تعالى (قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين) انظر حديث البخاري عن هذيل بن شرحبيل السابق عند الآية (11) من سورة النساء. قوله تعالى (ما عندي ما تستعجلون به) الآية قال الشنقيطي: أمر الله تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة أن يخبر الكفار، أن تعجيل العذاب عليهم الذي يطلبونه منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس عنده، وإنما هو عند الله إن شاء عجله، وإن شاء أخره عنهم، ثم أمره أن يخبرهم بأنه لو كان عنده لعجله بقوله: (قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم) الآية، وبين في مواضع أخر أنهم ما حملهم على استعجال العذاب إلا الكفر والتكذيب، وأنهم إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 عاينوا ذلك العذاب علموا أنه عظيم هائل لا يستعجل به إلا جاهل مثلهم، كقوله: (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولون ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) ، وقوله (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها) الآية، وقوله (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) وقوله: (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) . وبين في مواضع أخر أنه لولا أن الله حدد لهم أجلا لا يأتيهم العذاب قبله لعجله عليهم، وهو قوله (ويستعجلونك بالعذاب، ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) ، الآية. قوله تعالى (يقص الحق وهو خير الفاصلين) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سفان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء: قرأ ابن عباس: (يقص الحق وهو خير الفاصلين) وقال: (نحن نقص عليك أحسن القصص) . ورجاله ثقات وسنده صحيح. قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مفاتح الغيب خمس: (إن الله عنده علم الساعة، ويُنزّل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير) ". (صحيح البخاري 8/141 ح 4627 -ك التفسير- سورة الأنعام، ب الآية) . وانظر حديث ابن ماجة عن ابن مسعود الآتي عند الآية (34) من سورة لقمان: "إذا كان أجل أحدكم بأرض ... ". قوله تعالى (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) الآية، ذكر في هذه الآية الكريمة أن النوم وفاة، وأشار في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 موضع آخر إلى أنه وفاة صغرى وأن صاحبها لم يمت حقيقة، وأنه تعالى يرسل روحه إلى بدنه حتى ينقضي أجله، وأن وفاة الموت التى هي الكبرى قد مات صاحبها، ولذا يمسك روحه عنده، وذلك في قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتى لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) ، يعنى: ما اكتسبتم من الإثم، قوله تعالى (ثم يبعثكم فيه) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم يبعثكم فيه) في النهار، و (البعث) ، اليقظة. قوله تعالى (إليه مرجعكم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إليه مرجعكم) قال: يرجعون إليه بعد الحياة. قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون. ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويرسل عليكم حفظة) الآية، لم يبين هنا ماذا يحفظون وبينه في مواضع أخر فذكر أن مما يحفظونه بدن الإنسان بقوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ، وذكر أن مما يحفظونه جميع أعماله من خير وشر، بقوله: (وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون) ، وقوله: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقوله: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بلى ورسلنا لديهم يكتبون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 يقول: حفظة، يا ابن آدم، يحفظون عليك عملك ورزقك وأجلك، إذا توفيت ذلك قبضت إلى ربك (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) ، يقول تعالى ذكره: إن ربكم يحفظكم برسل يعقب بينها، يرسلهم إليكم بحفظكم وبحفظ أعمالكم إلى أن يحضركم الموت، وينزل بكم أمر الله، فإذا جاء ذلك أحدكم، توفاه أملاكنا الموكلون بقبض الأرواح، ورسلنا المرسلون به (وهم لا يفرطون) في ذلك فيضيعونه. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، (توفته رسلنا) ، قال: يلى قبضها الرسل، ثم ترفعها إليه، يقول إلى ملك الموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وهم لا يفرطون) ، يقول: لا يضيعون. انظر حديث أبي هريرة عند الآية (40) من سورة الأعراف. والأحاديث الآتية في سورة إبراهيم عند الآية (27) . قوله تعالى (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) ، يقول: من كرب البر والبحر. قوله تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) قال البخاري: حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعوذ بوجهك" قال: (أو من تحت أرجلكم) قال: "أعوذ بوجهك". (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا أهون أو هذا أيسر". (الصحيح 8/141 ح 4628 - ك التفسير، ب (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبه. حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير (واللفظ له) . حدثنا أبي. حدثنا عثمان بن حكيم. أخبرني عامر بن سعد عن أبيه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين. وصلينا معه. ودعا ربه طويلا. ثم انصرف إلينا. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سألت ربي ثلاثاً. فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ". (الصحيح 4/2216 ح 2890 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض) . وانظر حديث مسلم عن ثوبان الآتي عند الآية (33) من سورة التوبة وهو حديث: "إن الله زوى لي الأرض ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو يلبسكم شيعا) ، يعني بالشيع، الأهواء المختلفة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي بن كعب: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم) إلى قوله: (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال: فهن أربع خلال جاء منهم ثنتان بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمس وعشرين سنة: ألبسوا شيعاً وأذيق بعضهم بأس بعض. وبقيت اثنتان هما لابد واقعتان: الرجم والخسف. قوله تعالى (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (وكذب به قومك) يقول: كذبت قريش بالقرآن وهو الحق. قوله: (قل لست عليكم بوكيل) أما (الوكيل) فالحفيظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 قوله تعالى (لكل نبأ مستقر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لكل نبأ مستقر) ، يقول: حقيقة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد (لكل نبأ مستقر) ما كان في الدنيا فسوف ترونه، وما كان في الآخرة فسوف يبدو لكم. قوله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيرة) . نهى الله تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة عن مجالسة الخائضين في آياته، ولم يبين كيفية خوضهم فيها التي هي سبب منع مجالستهم، ولم يذكر حكم مجالستهم هنا، وبين ذلك كله في موضع أخر فبين أن خوضهم فيها بالكفر والاستهزاء بقوله: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم) الآية. ويبين أن من مجالستهم في وقت خوضهم فيها مثلهم في الإثم بقوله: (إنكم إذاً مثلهم) ، وبين حكم من جالسهم ناسياً، ثم تذكر بقوله هنا (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) كما تقدم في سورة النساء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) وقوله (الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً) وقوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) وقوله (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (في آياتنا) يعني بالقرآن. قوله: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) يقول: قصر عن مجالستهم ولا تسمع حديثهم حتى يخوضوا في حديث غيرة. قوله: (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) يقول: لا تقعد بعد ما تذكر النهي مع القوم (الظالمين) المشركين. قوله تعالى (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان: ثم ذكر المؤمنين في قولهم حين قالوا: إنا نخاف أن نحرج في سكوتنا عنهم فقال الله تعالى: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء) ولا من ذنوبهم ولا من خوضهم (ولكن ذكرى لعلهم يتقون) يقولون: لو خضنا قاموا عنا، فإذا ذكروا ذلك لم يخوضوا فذلك قوله: (ولكن ذكرى لعلهم يتقون) . قوله تعالى (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) قال نسخها قوله (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) . قوله تعالى (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: (أن تبسل) ، قال: أن تسلم النفس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت) ، يقول: تفضح. قوله تعالى (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) ، قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل منها. انظر سورة البقرة آية رقم (48) لبيان عدل: أي فداء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أولئك الذين أبسلوا) ، قال: فضحوا. قوله تعالى (حميم) قال ابن أي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو نعيم عن سفيان عن منصور عن إبراهيم وأبي رزين: (حميم) قالا: ما يسيل من صديدهم. وأبو رزين هو مسعود بن مالك الأسدى تابعي، ورجاله ثقات وسنده صحيح. قوله تعالى (عذاب أليم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (عذاب أليم) قال: الأليم الموجع. قوله تعالى (قل أندعوا من دون الله مالا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل أندعوا من دون الله مالا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا) قال: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها، وللدعاة الذين يدعون إلى الله، كمثل رجل ضل عن الطريق تائها ضالا، إذ ناداه مناد: (يا فلان بن فلان، هلم إلى الطريق) ، وله أصحاب يدعونه: (يا فلان، هلم إلى الطريق) فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق. وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان. يقول: مثل من يعبد هؤلاء الآلهه من دون الله، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت، فيستقبل الهلكة والندامة، وقوله (كالذي استهوته الشياطين في الأرض) وهم "الغيلان"، يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جده، فيتبعها، فيرى أنه في شيء، فيصبح وقد ألقته في الهلكة، وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا. فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ما لا ينفعنا ولا يضرنا) ، قال: الأوثان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 قوله تعالى (استهوته الشياطين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (استهوته الشياطين) قال: أضلته الشياطين في الأرض حيران. قوله تعالى (أقيموا الصلاة) قال ابن أبي حاتم: حدثنى عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ثنا الوليد ثنا عبد الرحمن بن نمر قال: سألت الزهري عن قول الله: (أقيموا الصلاة) قال الزهري: إقامتها أن تصلى الصلوات الخمس لوقتها. الوليد هو بن مسلم الدمشقي، ورجاله ثقات وسنده صحيح. قوله تعالى (وله الملك يوم ينفخ في الصور) قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا معتمر، قال: سمعت أبي قال: ثنا أسلم، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصور قرن ينفخ فيه". (السنن 4/236 ح 4742 - ك السنة، ب في ذكر البعث والصور) ، وأخرجه الترمذي وحسنه في (سننه 4/620 ح 2430 - ك صفة القيامة، ب ما جاء في شأن الصور) من طريق: عبد الله بن المبارك، والنسائي في (التفسير 3/25 ح 332) من طريق: إسماعيل، والدارمي في (سننه 2/325 - ك الرقاق، ب في نفخ الصور) من طريق سفيان. وأخرجه ابن حبان (الإحسان 16/303 ح 7312) من طريق يزيد بن زريع، كلهم: عن سليمان التيمي، عن أسلم به، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/436) من طريق: عبد الرزاق عن معمر عن سليمان به. وعند الجميع -ماعدا الحاكم- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الصور؟ ... وصححه الحاكم وصححه الألباني أيضاً (صحيح الجامع ح 3757) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (عالم الغيب والشهادة) يعني: أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور. قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) جاءت هذه الآية مفصلة في سورة مريم من الآية (41-48) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 قوله تعالى (نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض) أي: خلق السماوات والأرض. قوله تعالى (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض) يعني به: الشمس والقمر والنجوم. (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحب الآفلين (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) فعبدها حتى غابت، فلما غابت قال: (يا قوم إني بريء مما تشركون) . وانظر سورة البقرة آية (135) لبيان معنى: حنيفاً. قوله تعالى (فأي الفريقين أحق بالأمن) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره، قال إبراهيم حين سألهم: (فأي الفريقين أحق بالأمن) ؟ قال: وهي حجة إبراهيم عليه السلام. قوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قال البخاري: حدثنى محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قال أصحابه: وأينا لم يظلم؟ فنزلت (إن الشرك لظلم عظيم) . (صحيح البخاري 8/144 ح 4629 - ك التفسير، سورة الأنعام) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان (إن الشرك لظلم عظيم) ". (صحيح البخاري 12/276 ح 6918 - ك استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، ب إثم من أشرك بالله) . قال أحمد: ثنا إسحاق بن يوسف، ثنا أبو جناب، عن زاذان، عن جرير بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما برزنا من المدينة إذ راكب يوضع نحونا فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كأن هذا الراكب إياكم يريد" قال: فانتهى لرجل إلينا فسلم فرددنا عليه فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أين أقبلت؟ " قال: من أهلي وولدي وعشيرتي قال: "فأين تريد؟ ". قال: أريد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "فقد أصبته". قال: يا رسول الله علمني ما الإيمان؟ قال: "تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت" قال: قد أقررت، قال: ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع علي هامته فمات فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "على بالرجل" قال: فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة فأقعداه فقالا: يا رسول الله قبض الرجل قال فأعرض عنهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال لهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ "أما رأيتما إعراضي عن الرجل فإنى رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة فعلمت أنه مات جائعاً" ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا والله من الذين قال الله عز وجل (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) قال: ثم قال: "دونكم أخاكم" قال: فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه وحملناه إلى القبر قال: فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى جلس على شفير القبر قال: فقال: "الحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا". (المسند 4/359) ، وأخرجه أيضاً: عن أسود بن عامر، عن عبد الحميد بن أبي جعفر، عن ثابت عن زاذان بنحوه، (المسند- الصفة نفسها) . وسنده حسن (كما في مرويات أحمد في التفسير -عند هذه الآيه- ح 269) . وللحديث شاهد من رواية ابن عباس، أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - الآيه 82 من الأنعام - ح 516) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 قوله تعالى (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) قال ابن كثير: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) أي: وجهنا حجته على قومه. قال مجاهد وغيره: يعني بذلك قوله (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن) . قوله تعالى (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيي وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه وهب لابراهيم إسحاق بعد أن طعن في السن وأيس هو وامرأته ساره من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط فبشروهما باسحاق فتعجبت المرأة من ذلك وقالت (ياويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) فبشروهم مع وجوده بنبوته وبأن له نسلا وعقبا كما قال تعالى (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) وهذا أكمل في البشارة وأعظم في النعمة وقال (فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) أي: ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما فتقر أعينكما به كما قرت بوالده، فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب. قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود قال: إدريس هو: إلياس، وإسرائيل هو: يعقوب. وسنده صحيح، وأبو أحمد هو الزبيري، وأبو إسحاق هو السبيعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل) ثم قال في إبراهيم: (ومن ذريته داود وسليمان) إلى قوله (وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) ثم قال في الأنبياء الذين سماهم الله في هذه الاية (فبهداهم اقتده) صلى الله عليهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى ذكره: (واجتبيناهم) قال: أخلصناهم. أي إلى دين الإسلام كما تقدم في سورة الفاتحة. قوله تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) قال ابن كثير: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) تشديد لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته، كما قال (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك) الآية. وهذا الشرط لا يقتضى جواز الوقوع، كقوله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) . انظر حديث مسلم الآتي عند الآية (110) من سورة الكهف. قوله تعالى (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإن يكفر بها هؤلاء) ، يعني أهل مكة، يقول: إن يكفروا بالقرآن (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) يعني أهل المدينة والأنصار. قوله تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسالكم عله أجراً إن هو ذكرى للعالمين) قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرنى سليمان الأحول أن مجاهدا أخبره أنه " سأل ابن عباس أفي ص سجدة؟ فقال؟ نعم، ثم تلا (ووهبنا له إسحاق ويعقوب -إلى قوله- فبهداهم اقتده) ثم قال: هو منهم، زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام عن مجاهد: قلن لابن عباس، فقال: نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن أمر أن يقتدى بهم. (الصحيح- تفسير سورة الأنعام، ب أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ح 4632) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ثم قال في الأنبياء الذين سماهم في هذه الآية: (فبهداهم اقتده) . قوله تعالى (وما قدرو الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماقدرو الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) ، يعني من بني إسرائيل، قالت اليهود: يامحمد، أنزل الله عليك كتابا؟ قال: نعم! قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا! قال: فأنزل الله: (قل) يامحمد (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس) قال: الله أنزله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) هم اليهود والنصارى. قوله تعالى (مصدقُ الذي بين يديه) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (مصدقُ الذي بين يديه) يعني من التوراة والإنجيل. قوله تعالى (ولتنذر أم القرى ومن حولها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولتنذر أم القرى ومن حولها) يعنى، بـ (أم القرى) مكة (ومن حولها) من القرى إلى المشرق والمغرب. قوله تعالى (على صلاتهم يحافظون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (على صلاتهم يحافظون) أي على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 قوله تعالى (أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) قال: نزلت في مسيلمة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) أي لا أحد أظلم ممن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. ونظيرها قوله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) ، وقد بين الله تعالى كذبهم في افترائهم هذا حيث تحدى جميع العرب بسورة واحدة منه، كما ذكره تعالى في البقرة بقوله (فاتوا بسورة من مثله) ، وفي يونس بقوله (قل فأتوا بسورة مثله) ، وتحداهم في هود بعشر سور مثله في قوله (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) ، وتحداهم به كله في الطور بقوله (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) . ثم صرح في سورة بني إسرائيل بعجز جميع الخلائق عن الاتيان بمثله في قوله (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) فاتضح بطلان دعواهم الكاذبة. قوله تعالى (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم) قال: هذا عند الموت، (والبسط) الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والملائكة باسطوا أيديهم) الآية، لم يصرح هنا بالشيء الذي بسطوا إليه الأيدي، ولكنه أشار إلى أنه التعذيب بقوله: (أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون) الآية، وصرح بذلك في قوله (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) ، وبين في مواضع أخر أنه يراد ببسط اليد التناول بالسوء كقوله (ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) ، وقوله (لئن بسطت إلى يدك لتقتلني) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 قوله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار يأتون يوم القيامة كل واحد منهم بمفرده ليس معهم شركاؤهم، وصرح تعالى بأن كل واحد يأتي فرداً في قوله: (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) وقوله في هذه الآية (كما خلقناكم أول مرة) أي منفردين لامال، ولا أثاث، ولا رقيق، ولا خول عندكم، حفاة عراة غرلا، أي غير مختونين (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) . قال مسلم: حدثنا هداب بن خالد، حدثنا همّام، حدثنا قتادة عن مطرف، عن أبيه، قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقرأ: (ألهاكم التكاثر) . قال: ليقول ابن آدم: مالي. مالي " قال: وهل لك يا ابن آدم! من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ ". (الصحيح 4/2273 ح 2958 - ك الزهد والرقائق) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وتركتم ما خولناكم) من المال والخدم (وراء ظهوركم) في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي أما قوله (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدون الآلهة، لأنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله، وإن هذه الآلهة شركاء لله. قوله تعالى (لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لقد تقطع بينكم وضل عنكم ماكنتم تزعمون) ذكر في هذه الآية الكريمة: أن الأنداد التي كانوا يعبدونها في الدنيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 تضل عنهم يوم القيامة، وينقطع ما كان بينهم من الصلات في الدنيا، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة جداً كقوله (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقوله (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً) ، وقوله (إنما تعبدون من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لقد تقطع بينكم) ، (البين) ، تواصلهم في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) يعني الأرحام والمنازل. قوله تعالى (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (فالق الحب والنوى) قال: الشقان اللتان فيهما. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (قالق الحب والنوى) قال: تفلق الحب والنوى عن النبات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي) قال: يخرج النطفة الميتهَ، ثم يخرج من النطفة بشراً حياً. قوله تعالى (فالق الأصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فالق الإصباح) يعني بالاصباح، ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجعل الليل سكناً) أي مظلماً ساجياً ليسكن فيه الخلق فيستريحوا من تعب الكد بالنهار كما بينه قوله تعالى (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً) وقوله (قل أرأيتم إن جعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) الآية، وقوله (لتسكنوا فيه) يعني الليل، (ولتبتغوا من فضله) يعني بالنهار (ومن آياته الليل والنهار) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والشمس والقمر حسبانا) يعني عدد الأيام والشهور والسنين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (والشمس والقمر حسبانا) قال: يدوران بحساب. قوله تعالى (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) الآية. ظاهر هذه الآية الكريمة أن حكمة خلق النجوم هي الاهتداء بها فقط كقوله (وبالنجم هم يهتدون) ، ولكنه تعالى بين في غير هذا الموضع أن لها حكمتين أخريين غير الاهتداء بها وهما تزيين السماء الدنيا، ورجم الشياطين بها، كقوله (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح، وجعلناها رجوماً للشياطين) الآية. وقوله (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد لايسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحوراً ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) ، وقوله (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم) . قوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر) الآية، لم يبين هنا كيفية إنشائهم من نفس واحدة، ولكنه بين في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 مواضع أخر أن كيفيته أنه خلق من تلك النفس الواحدة التي هي آدم زوجها حواء وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء كقوله (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) وقوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) من آدم عليه السلام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمستقر ومستودع) قال (المستقر) في الرحم و (المستودع) ما استودع في أصلب الرجال والدواب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) يقول: قد بينا الآيات لقوم يفقهون. قوله تعالى (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قنوان دانية) يعني بالقنوان الدانية قصار النخل، لاصقة عذوقها بالأرض. قوله تعالى (انظروا إلى ثمره إلى إذا أثمر وينعه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وينعه) يعني: إذا نضج. قوله تعالى (وخرقوا له بنين وبنات) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات) يعني أنهم تخرصوا. قوله تعالى (سبحانه وتعالى عما يصفون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سبحانه وتعالى عما يصفون) عما يكذبون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 قوله تعالى (بديع السموات والأرض) انظر سورة البقرة آية (117) . قوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لا تدركه الأبصار) . أشار في مواضع أخر: إلى أن نفي الإدراك المذكور هنا لا يقتضي نفي مطلق الرؤية كقوله (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ، وقوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) يفهم منه أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه وهو كذلك. قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه، هل رأى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه؟ فقالت: لقد قفَّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) . (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. ولكن رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين". (الصحيح 8/472 ح 4855 - ك التفسير، ب 1 من سورة النجم) . قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داوود، عن الشعبي، عن مسروق؛ قال: كنت متكئاً عند عائشة. فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت ماهن؟ قالت: من زعم أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال وكنت متكئاً فجلست. فقلت: يا أم المؤمنين! أنظريني ولاتعجليني. ألم يقل الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 عز وجل: (ولقد رأه بالأفق المبين) - التكوير/ الآية 23 - (ولقد رأه نزلة أخرى) - النجم/الآية 13 - فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إنما هو جبريل. لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين. رأيته منهبطا من السماء. سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض"، فقالت أو لم تسمع أن الله يقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) الأنعام/آية 103، أو لم تسمع أن الله يقول: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه مايشاء إنه على حكيم) الشورى/الآية 19، قالت: ومن زعم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية. والله يقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) المائدة/الآية 67، قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية. والله يقول: (قل لايعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) النمل/الآية 59. انظر حديث مسلم المتقدم عند الآية (255) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) وهو أعظم من أن تدركه الأبصار. أخرج الطبري بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (اللطيف الخبير) قال: (اللطيف) باستخراجها (الخبير) بمكانها. قوله تعالى (قد جاءكم بصائر من ربكم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قد جاءكم بصائر من ربكم) أي بينة. قوله تعالى (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وليقولوا درست) الآية يعني ليزعموا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما تعلم هذا القرآن بالدرس والتعليم من غيره من أهل الكتاب، كما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 زعم كفار مكة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعلم هذا القرآن من جبر ويسار، وكانا غلامين نصرانيين بمكة، وقد أوضح الله تعالى بطلان افترائهم هذا في آيات كثيرة كقوله (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) ، وقوله (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر) ، ومعنى يؤثر: يرويه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن غيره في زعمهم الباطل، وقوله (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وليقولوا درست) قالوا: قرأت وتعلمت. تقول ذلك قريش. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (درست) قال: فقهت، قرأت على اليهود، قرأوا عليك. قوله تعالى (اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أما قوله: (وأعرض عن المشركين) ونحوه، مما أمر الله المومنين بالعفو عن المشركين، فإنه نسخ ذلك قوله (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) . قوله تعالى (ولو شاء الله ما أشركوا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولو شاء الله ما أشركوا) يقول سبحانه: لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين. قوله تعالى (ولا تسبوا الدين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن أبي عباس (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) قال؟ قالوا: يامحمد، لتنتهين عن سب آلهتنا، أو لنهجون ربك! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عدوا بغير علم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لايؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) إلى قوله (يجهلون) سألت قريش محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتيهم بآية، واستحلفهم: ليؤمنن بها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وما يشعركم) قال: مايدريكم. قال: ثم أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: ولا ينبئك مثل خبير: (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) سورة الزمر (56-58) يقول: من المهتدين. فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا إلى الدنيا، لما استقاموا على الهدى وقال (لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وقال (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) قال: لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا) وهم أهل الشقاء، ثم قال: (إلا إن يشاء الله) ، وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) يقول: معاينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الأنس والجن ... ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه جعل لكل نبي عدواً، وبين هنا أن أعداء الأنبياء هم شياطين الإنس والجن، وصرح في موضعٍ أخر هنا أن أعداء الأنبياء من المجرمين، وهو قوله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) فدل ذلك على أن المراد بالمجرمين شياطين الإنس والجن، وذكر في هذه الآية أن من الإنس شياطين، وصرح بذلك في قوله (وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) الآية. وقد جاء الخبر بذلك مرفوعاً من حديث أبي ذر عند الإمام أحمد وغيره والعرب تسمى كل متمرد شيطاناً سواء كان من الجن أو من الإنس كما ذكرنا أو من غيرهما. قال أحمد: ثنا وكيع ثنا المسعودي أنبأنى أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد فجلست فقال: "يا أبا ذر هل صليت"؟. قلت: لا. قال: "قم فصل" قال: فقمت فصليت ثم جلست فقال: "يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الانس والجن" قال: قلت يا رسول الله وللإنس شياطين؟. قال: "نعم" قلت: يا رسول الله ما الصلاة؟ قال: "خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر" قال: قلت يا رسول الله فما الصوم؟. قال: "فرض مجزئ وعند الله مزيد" قلت: يا رسول الله فما الصدقة؟. قال: "أضعاف مضاعفة" قلت: يا رسول الله فأيهما أفضل؟. قال: "جهد من مقل أو سر إلى فقير" قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟. قال: "آدم" قلت: يا رسول الله ونبي كان قال: "نعم نبي مكلم" قال قلت يا رسول الله كم المرسلون قال: "ثلاثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً" وقال مرة "خمسة عشر" قال قلت: يا رسول الله آدم أنبي كان؟. قال: "نعم نبي مكلم" قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟. قال: " آية الكرسى (الله لا إله إلا هو الحى القيوم) ". (المسند 5/178) ، ويروى هذا الحديث عن أبي أمامه أيضاً (المسند 5/265-266) ، وقد ذكر ابن كثير للحديث طرقاً كثيرة ثم قال: ومجموعها يفيد قوته وصحته. (التفسير 3/312) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 قوله تعالى (زخرف القول غرورا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (زخرف القول غرورا) قال: تزين الباطل بالألسنة الغرور. قوله تعالى (ولتصغى إليه أفئدة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولتصغى إليه أفئدة) يقول: تزيغ إليه أفئدة. قوله تعالى (وليقترفوا ماهم مقترفون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وليقترفوا ماهم مقترفون) وليكسبوا ماهم مكتسبون. قوله تعالى (وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته) يقول: صدقاً: فيما وعد. وعدلا: فيما حكم. قوله تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) ذكر في هذه الآية الكريمة أن إطاعة أكثر أهل الأرض ضلال، وبين في مواضع أخر أن أكثر أهل الأرض غير مؤمنين، وأن ذلك واقع في الأمم الماضية كقوله (ولكن أكثر الناس لايؤمنون) ، وقوله (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ، وقوله (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين) ، وقوله (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) . قوله تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عيكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وان أطعتموهم إنكم لمشركون) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) قال: قالوا: يا محمد، أما ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه، وأما ما قتل ربكم فتحرمونه! فأنزل الله (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه، إنكم إذا لمشركون. قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن جدّه رافع قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الحليفة فأصاب الناس جوع، وأصبنا إبلاً وغنماً -وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أخريات الناس- فعجلوا فنصبوا القدور، فأمر بالقدور فأكفئت ثم قَسَمَ، فعدل عشرة من الغنم ببعير، فندّ منها بعير، وفي القوم خيل يسيرة، فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال: "هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش، فما ندّ عليكم فاصنعوا به هكذا". فقال جدي: إنّا نرجو -أو نخاف- أو نلقى العدوّ غداً، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ فقال: "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكُل، ليس السنّ والظفر. وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة". (صحيح البخاري 6/218 ح 3075 - ك الجهاد والسير، ب ما يكره من ذبح الأبل والغنم في المغانم) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن موسى البصري الحرشي. حدثنا زياد بن عبد الله البكائي. حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال: أتى أُناس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا يا رسول الله: أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله: (فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين -إلى قوله- وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عباس أيضاً، ورواه بعضهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً. (السنن 5/263-264 ح 3069 - ك التفسير، ب سورة الأنعام وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وقد فصل لكم ماحرم عليكم) يقول: قد بين لكم ماحرم عليكم. وانظر الآية (145) من السورة نفسها وتفسيرها لبيان ما حرم الله تعالى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلا ما اضطررتم إليه) من الميتة. وانظر الآية (145) من السورة نفسها لبيان تقييد الضرورة. قال ابن ماجة: حدثنا عمرو بن عبد الله: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) قال: كانوا يقولون: ما ذكر عليه اسم الله فلا تأكلوا. وما لم يُذكر اسم الله عليه فكلوه. فقال الله عز وجل (ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه) . (السنن ح 3173 - الذبائح، ب التسمية عند الذبح) ، وأخرجه أبو داود من طريق محمد بن كثير عن إسرائيل نحوه (السنن - الأضاحي، ب في ذبائح أهل الكتاب) وأخرجه الحاكم في (المستدرك 4/113) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في التفسير وقال: هذا إسناد صحيح (3/321) . انظر حديث مسلم عن النواس بن سمعان الآتي عند الآية (2) من سورة التوبة وهو حديث: "البر حسن الخلق ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) أي: قليله وكثيره، وسره وعلانيته. قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) ، (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) فنسخ، واستثنى من ذلك قال (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) (السنن ح 2817 - ك الأضاحي، ب في ذبائح أهل الكتاب) ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/282) من طريق أبي داود به، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2443/2817) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وإن أطعتموهم) يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 قوله تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أومن كان ميتا فأحييناه) يعني: من كان كافرا فهديناه (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) يعني بالنور، القرآن، من صدق وعمل به (كمن مثله في الظلمات) يعني: بالظلمات، الكفر والضلالة. قوله تعالى (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ... ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه جعل في كل قرية أكابر المجرمين منها ليمكروا فيها، ولم يبين المراد بالأكابر هنا، ولا كيفية مكرهم، وبين جميع ذلك في مواضع أخر: فبين أن مجرميها الأكابر هم أهل الترف، والنعمة في الدنيا، بقوله (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) ، وقوله (كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) ونحو ذلك من الآيات. وبين أن مكر الأكابر المذكور: هو أمرهم بالكفر بالله تعالى، وجعل الأنداد له بقوله (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً) ، وقوله (ومكروا مكراً كباراً وقالوا لا تذرن آلهتكم) الآية. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أكابر مجرميها) قال: عظماؤها. قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله) ، يعنون أنهم لن يؤمنوا حتى تأتيهم الملائكة بالرسالة، كما أتت الرسل، كما بينه تعالى في آيات أخر، كقوله (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) الآية، وقوله (أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) قال مسلم: حدثنا محمد بن مهران الرازي ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم. جميعاً عن الوليد، قال ابن مهران: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار -شداد- أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل. واصطفي قريشاً من كنانة، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". (الصحيح 4/1782 ح 2276 - ك الفضائل، ب فضل نسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قوله تعالى (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لكل غادر لواء يُنصب يوم القيامة بغدرته". (الصحيح 6/327 ح 3188 - ك الجزيه والموادعة، ب إثم الغادر للبر والفاجر) ، وأخرجه مسلم بنحوه (الصحيح 3/1359 ح 1735 - ك الجهاد والسير، ب تحريم الغدر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (سيصيب الذين أجرمو صغار عند الله) قال: (الصغار) الذلة. قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) أما (يشرح صدره للإسلام) فيوسع صدره للإسلام. قوله تعالى (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يجعل صدره ضيقا حرجا) قال: ضيقاً ملتبساً. قوله تعالى (كأنما يصعد في السماء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (كأنما يصعد في السماء) من ضيق صدره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 قوله تعالى (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس: (الرجس) قال: الشيطان. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (نفصل الآيات) نبين الآيات. قوله تعالى (وهذا صراط ربك مستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) انظر سورة الفاتحة وفيها أن الصراط المستقيم هو: الإسلام. قوله تعالى (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لهم دار السلام عند ربهم) الله هو السلام، والدار الجنة. قوله تعالى (ويوم يحشرهم جميعاً يامعشر الجن قد استكثرتم من الأنس) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ويوم يحشرهم جميعاً يامعشر الجن قد استكثرتم من الأنس) يعني: أضللتم منهم كثير. وانظر سورة الجن آية (6) . قوله تعالى (وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: أما قوله (وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) فالموت. قوله تعالى (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) قال: إن هذه الآية: آية لاينبغى لأحد أن يحكم على الله في خلقه، لا ينزلهم جنة ولا نار. قوله تعالى (وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) وإنما يولي الله بين الناس بأعمالهم، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان. ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 قوله تعالى (يا معشر الجن والأنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (يا معشر الجن والإنس) قال: ليس في الجن رسل إنما الرسل في الإنس، والنذارة في الجن، وقرأ: (فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين) الأحقاف آية (30) . وانظر سورة الجن الآية (1-5) . قوله تعالى (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) النفي في هذه الآية الكريمة منصب على الجملة الحالية، والمعنى أنه لا يهلك قوماً في حال غفلتهم، أي عدم إنذارهم، بل لا يهلك أحداً إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، كما بين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، وقوله (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) ، وقوله (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) . وانظر سورة الإسراء آية (15) . قوله تعالى (ولكل درجات مما عملوا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولكل درجات مما عملوا) بين في موضع آخر: أن تفاضل درجات العاملين في الآخرة أكبر، وأن تفضيلها أعظم من درجات أهل الدنيا، وهو قوله (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) . وانظر سورة الإسراء آية (21) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 قوله تعالى (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين) قال ابن كثير: (إن يشأ يذهبكم) أي: إذا خالفتم أمره (ويستخلف من بعدكم ما يشاء) أي: قوماً آخرين، أي: يعلمون بطاعته، (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) أي: هو قادر على ذلك، سهل عليه، يسير لديه، كما أذهب القرون الأول وأتى بالذي بعدها، كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين، كما قال تعالى (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً) وقال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) . وانظر سورة النساء آية (133) وتفسيرها. قوله تعالى (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) انظر سورة يس آية (63) ، وسورة مريم آية (75) . قوله تعالى (قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعملون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ياقوم اعملوا على مكانتكم) يعني علي ناحيتكم. قوله تعالى (الظالمون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس: (الظالمون) يعني لا أقبل ما كان في الشرك. قوله تعالى (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) قال: جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيبا، وللشيطان والأوثان نصيباً. فإن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 للشيطان في نصيب الله التقطوه وحفظوه وردوه إلى نصيب الشيطان، وإن انفجر من سقى ما جعلوه الله في نصيب الشيطان تركوه، وإن انفجر من سقى ما جعلوه للشيطان في نصيب الله سدوه. فهذا ما جعلوا من الحروث وسقي الماء. وأما ماجعلوا للشيطان من الأنعام فهو قول الله (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) سورة المائدة آية: 103. وانظر سورة البقرة آية (205) . قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) زينوا لهم، من قتل أولادهم. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (قتل أولادهم شركاؤهم) شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة. أي خشية الفقر. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (ليردوهم) فيهلكوهم. (وليلبسوا عليهم دينهم) فيخلطوا عليهم دينهم. (ذرهم) يعني خل عنهم. قوله تعالى (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) اخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الأنعام) السائبة والبحيرة التي سموا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وحرث حجر) فالحجر، ما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) فيقولون: حرام أن يطعم إلا من شئنا. (وأنعام حرمت ظهورها) قال: البحيرة والسائبة والحام (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) فكانوا لا يذكرون اسم الله عليها إذا ولدوها، ولا إن نحروها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 قوله تعالى (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيها شركاء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام) السائبة والبحيرة. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام) فهذه الأنعام، ما ولد منها حي. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (خالصة لذكورنا) فهو خالص للرجال دون النساء. (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) قال: ما ولدت من ميت فيأكله الرجال والنساء. قوله تعالى (سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (سيجزيهم وصفهم) قال: قولهم الكذب في ذلك. قوله تعالى (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا مارزقهم الله) قال البخاري: حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم) إلى قوله (قد ضلوا وما كانوا مهتدين) . (الصحيح ح 3524 - ك المناقب، ب قصة زمزم وجهل العرب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله تعالى (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) فقال: هذا صنيع أهل الجاهلية. كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويغذو كلبه، وقوله: (وحرموا مارزقهم الله) الآية، وهم أهل الجاهلية. جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا، تحكما من الشياطين في أموالهم. قوله تعالى (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) فالمعروشات ما عرش الناس، (وغير معروشات) ما خرج في البر والجبال من الثمرات. قوله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده ... ) قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني: حدثني محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن جابر بن عبد الله: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين". (السنن 2/125 ح 1662 - ك الزكاة، ب في حقوق المال) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/359-360) من طريق أحمد بن عبد الملك عن محمد بن سلمة به. قال ابن كثير: إسناد جيد قوي. (التفسير 3/341) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) يعنى بحقه، زكاته المفروضة، يوم يكال أو يعلم كيله. قوله تعالى ( ... ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) قال النسائي: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة". (السنن 5/79- ك الزكاة، ب الاختيال في الصدقة) ، وأخرجه ابن ماجه (السنن 2/1921- ح 3605 - ك اللباس، ب البس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 يزيد بن هارون به. وأحمد في مسنده (ح 6708) عن بهز -وفى آخره: "إن الله يحب أن ترى نعمته على عبده". قال محققه: إسناده صحيح-. والحاكم: (المستدرك 4/ 135 - ك الأطعمة) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، كلاهما عن همام به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة جزم (الصحيح10/ 264 - ك اللباس، ب قوله تعالى (قل من حرم زينة الله ... ) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن النسائي ح 2399) . وانظر سورة الأعراف آية (31) ، وسورة الإسراء آية (2) وتفسيرها. قوله تعالى (ومن الأنعام حمولة وفرشا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ومن الأنعام حمولة فرشا) فأما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه، وأما الفرش الغنم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى (حمولة وفرشاً) قال: الحمولة: ما حمل عليه منها. والفرش: حواشيها يعنى صغارها. قوله تعالى ( ... ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) انظر سورة البقرة آية (168) لبيان خطوات الشيطان. قوله تعالى (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل ءالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) الآية، إن كل هذا لم أحرم منه قليلا ولا كثيراً، ذكراً ولا أنثى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل ءالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) يعني: هل تشتمل الرحم إلا على ذكر وأنثى؟ فهل يحرمون بعضا ويحلون بعضاً؟. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (قل ءالذكرين حرم أم الأنثيين) يقول: سلهم (ءالذكرين حرم أم الأنثيين أما ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ؟ أي: إني لم أحرم شيئا من هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 قوله تعالى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: كانوا يقولون يعني الذين كانوا يتخذون البحائر والسوائب: إن الله أمر بهذا. فقال الله: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا فليضل الناس بغير علم) . قوله تعالى (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو ... ) قال الحاكم: أخبرني علي بن محمد بن دحيم الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم الغفاري ثنا أبو نعيم ثنا محمد بن شريك المكي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً فبعث الله تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وتلا هذه الآية (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم) الآية. (المستدرك4/115 - ك الأطعمة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) ، وأخرجه أبو داوود من طريق أبي نعيم به (السنن ح 3800 - ك الأطعمة، ب مالم يذكر تحريمه) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داوود ح 3225) . قال مسلم: وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن الحكم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس. قال: "نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع. وعن كل ذي مخلب من الطير". (صحيح مسلم 3/1534 ح 1934 - ك الصيد والذبائح، ب تحريم أكل كل ذي ناب ... ) . وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن، ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب؛ "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر. وعن لحوم الحمُر الإنسية". (صحيح مسلم 3/1537 ح 1407 - ك الصيد والذبائح، ب تحريم أكل الحمر الإنسية) ، وأخرجه البخاري من طريق مالك به (الصحيح ح 4216 - ك المغازي، ب غزوة خيبر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 قال البخاري: حدثنا سعيد بن عُفير حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاةً ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هلاّ انتفعتم بجلدها؟ "قالوا: إنها ميتة! قال: "إنما حرم أكلها". (صحيح البخاري 3/416 ح 1492 - ك الزكاة، ب الصدقة على موالي أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 1/276-277 - ك الحيض، ب طهارة جلود الميتة بالدباغ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) يعني: مهراقا. أخرج عبد الرزاق بسنده الحسن عن قتادة: (أو دماً مسفوحاً) قال: حرم الله الدم ما كان مسفوحاً فأما لحم يخالطه دم، فلا بأس به. قوله تعالى (وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (وما أهل لغير الله به) ، يقول: ما ذكر عليه غير اسم الله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) يقول: من أكل شيئا من هذه وهو مضطر، فلا حرج. ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى. وانظر سورة البقرة آية (145) . قوله تعالى (وعلى الذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفر..) قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب قال عطاء: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قاتل الله اليهود، لما حرم الله عليهم شحومها جملوها ثم باعوها فأكلوها". (صحيح البخاري 8/ 145 ح 4633 -ك التفسير- سورة الأنعام، ب الآية) ، (صحيح مسلم 3/1208 - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام نحوه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر) وهو البعير والنعامة. وانظر سورة النحل آية (118) وتفسيرها. قوله تعالى (حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) قال: الثرب وشحم الكليتين. وكانت اليهود تقول: إنما حرمه إسرائيل، فنحن نحرمه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إلا ما حملت ظهورهما) يعني: ما علق بالظهر من الشحوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو الحوايا) وهي المبعر. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (أو الحوايا) قال: هو البقر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (أو ما اختلط بعظم) مما كان من شحم على عظم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم. قوله تعالى (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فإن كذبوك) اليهود. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قال: كانت اليهود يقولون: إنما حرمه إسرائيل فنحن نحرمه، فذلك قوله: (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 قوله تعالى (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) وقال: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ثم قال: (ولو شاء الله ما أشركوا) فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقربنا من الله زلفي فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) يقول الله سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) قول قريش بغير يقين: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة. قوله تعالى (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) انظر سورة القمر آية (5) وتفسيرها. قوله تعالى (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (قل هلم شهداءكم) قال: أرونى شهداءكم. (الذين يشهدون أن الله حرم هذا) فيما حرمت العرب، وقالوا: أمرنا الله به. قال الله لرسوله: (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) . قوله تعالى (وهم بربهم يعدلون) أي: يشركون بربهم كما تقدم في مطلع تفسير هذه السورة. قوله تعالى (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً) قال الحاكم: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، ثنا محمد بن مسلمة الواسطى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "من يبايعني على هؤلاء الآيات؟ " ثم قرأ (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) حتى ختم الآيات الثلاث فمن وفي فأجره على الله ومن انتقص شيئأ أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته ومن أخر إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إنما اتفقا جميعاً على حديث الزهري عن أبي إدريس عن عبادة: "بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئاً". وقد روى سفيان بن حسين الواسطي كلا الحديثين عن الزهري فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما والله أعلم. (المستدرك 2/318 - ك التفسير، سورة الأنعام، وصححه الذهبي) . قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) الإملاق الفقر، قتلوا أولادهم خشية من الفقر. قوله تعالى (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن أبي وائل، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "لا أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا شيء أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه". قلتُ: سمعته من عبد الله؟ قال: نعم. قلت: ورفعه؟ قال: نعم. (صحيح البخاري 8/146ح 4634 -ك التفسير- سور الأنعام، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/2113 ح 2760 - ك التوبة، ب غيرة الله تعالى ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها ومابطن) قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله الزنا في السر والعلانية. قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق..) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن عبد الله ابن مُرّة، عن مسروق، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحل دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة". (الصحيح 12/209 ح 6878 - ك الديات، ب قول الله تعالى (أن النفس بالنفس)) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1302 ح 1676 - ك القسامة، ب مايباح به دم المسلم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 قال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن عبدة. أنبأنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف؛ أن عثمان بن عفان أشرف عليهم. فسمعهم وهم يذكرون القتل فقال: إنهم ليتواعدوني بالقتل؟ فلم يقتلوني؟ وقد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يحل دم امريء مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل زنى وهو محصن فرجم. أو رجل قتل نفساً بغير نفس. أو رجل ارتدّ بعد إسلامه" فوالله! ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت نفساً مسلمة، ولا ارتددت منذ أسلمت. (سنن ابن ماجة 2/847 ح 2533 - ك الحدود، ب لا يحل دم امريء مسلم إلا في ثلاث) ، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن (المسند 1/63، السنن4/460 -أبواب الفتن- ب لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث، السنن 7/91 -تحريم الدم- ب ذكر ما يحل به دم المسلم) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجه 2/77) . قوله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ... ) انظر حديث أحمد المتقدم عند الآية (220) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) فليثمر ماله. قوله تعالى (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها) أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة بإيفاء الكيل والميزان بالعدل، وذكر أن من أخل بإيفائه من غير قصد منه لذلك، لا حرج عليه لعدم قصده، ولم يذكر هنا عقاباً لمن تعمد ذلك، ولكنه توعده بالويل في موضع آخر ووبخه بأنه لا يظن البعث ليوم القيامة، وذلك في قوله: (ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وذكر في موضع أخر أن إيفاء الكيل والميزان خير لفاعله، وأحسن عاقبة، وهو قوله تعالى (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن مجاهد (بالقسط) بالعدل. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (لا نكلف نفساً إلا وسعها) قال: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) . قوله تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالعدل في القول، ولو كان على ذي قرابة، وصرح في موضع آخر بالأمر بذلك، ولو كان على نفسه أو والديه، وهو قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء الله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) الآية. قوله تعالى (وبعهد الله أوفوا) الآية قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وبعهد الله أوفوا) الآية، أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالإيفاء بعهد الله، وصرح في موضع آخر أن عهد الله سيسأل عنه يوم القيامة، بقوله (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً) أي عنه. قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) قال النسائي: أنا يحيى بن حبيب بن عربي: نا حماد، عن عاصم، عن أبي وائل قال: قال عبد الله: خط لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً خطاً، وخطه لنا عاصم - فقال: "هذا سبيل الله"، ثم خط خطوطاً عن يمين الخط - وعن شماله فقال: لهذه السُّبُل، وهذه سُبُل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم تلا هذه الآية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه) للخط الأول (ولا تتبعوا السبل) للخطوط (فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون) . (التفسير 1/485 ح 194) ، وأخرجه أحمد في مسنده (1/435، 465) والدارمي في سننه (1/67-68، ب في كراهية أخذ الرأي) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/181 ح 7) ، والحاكم في مستدركه (2/318) من طرق عن حماد بن زيد به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وحسن إسناده الألباني في (ظلال الجنة 1/13) . قال الترمذي: حدثنا علي بن حُجر السعدي: حدثنا بقية بن الوليد، عن بُحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نُفير، عن النواس بن سمعان الكلابي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً، على كنفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة، على الأبواب سُتور وداعٍ يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) والأبواب التي علي كنفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يُكشف السِّتر، والذي يدعو من فوقه واعظ ربه". (السنن 5/144 ح 2859 - ك الأمثال، ب ما جاء في مثل الله لعباده) . وقال: غريب، ولكن في (تحفة الأشراف ح 11714) : أنه حسنه، وأخرجه النسائي (التفسير 1/568 ح 253) عن علي ابن حجر وعمرو بن عثمان، وأحمد (المسند 4/183) عن حيوة بن شريح. كلهم عن بقية به. وأخرجه أحمد (المسند 14/82-183) ، والحاكم (المستدرك 1/73) من طرق عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولا أعرف له علة. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير. إسناد حسن صحيح (التفسير 1/28) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2295) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) قال: البدع والشبهات والضلالات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقوله (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) سورة الشورى: 13. ونحو هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 قوله تعالى (ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) انظر حديث واثلة بن الأسقع عند الإمام أحمد المتقدم تحت الآية (3-4) من سورة آل عمران. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن) قال: من أحسن في الدنيا، تمم الله ذلك له في الآخرة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (تماماً على الذي أحسن) قال: على المؤمنين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وتفصيلا لكل شيء) فيه حلاله وحرامه. قوله تعالى (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد عليه السلام (فاتبعوه) يقول: فاتبعوا حلاله، وحرموا حرامه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (واتقوا) يقول: واتقوا ما حرم، وهو هذا القرآن. قوله تعالى (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) وهم اليهود والنصارى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) يقول: وإن كنا عن تلاوتهم لغافلين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 قوله تعالى (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ) الآية، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن من حكم إنزال القرآن العظيم قطع عذر كفار مكة. لئلا يقولوا: لو أنزل علينا كتاب لعملنا به، ولكنا أهدى من اليهود والنصارى الذين لم يعملوا بكتبهم، وصرح في موضع آخر أنهم أقسموا على ذلك، وأنه لما أنزل عليهم ما زادهم نزوله إلا نفوراً وبعداً عن الحق، لاستكبارهم ومكرهم السيء، وهو قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً استكباراً في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم) يقول: قد جاءكم بينة لسان عربي مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) ، فهذا قول كفار العرب (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) . قوله تعالى (وصدف عنها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وصدف عنها) يقول: أعرض عنها. قوله تعالى (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك) الآية. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة إتيان الله جل وعلا وملائكته يوم القيامة، وذكر ذلك في موضع آخر، وزاد فيه أن الملائكة يجيئون صفوفا وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 قوله تعالى (وجاء ربك والملك صفا صفا) ، وذكره في موضع آخر، وزاد فيه أنه جل وعلا يأتي في ظلل من الغمام وهو قوله تعالى (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) الآية. ومثل هذا من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه يمر كما جاء يؤمن بها. وانظر سورة البقرة آية (210) وتفسيرها. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (إلا أن تأتيهم الملائكة) بالموت، (أو يأتي ربك) يوم القيامة، (أو تأتي بعض آيات ربك) ، قال: آية موجبة، طلوع الشمس من مغربها، أو ما شاء الله. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك) قال: يوم القيامة في ظلل من الغمام. قوله تعالى (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً) قال البخاري: حدثني إسحاق أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها". ثم قرأ الآية. (صحيح البخاري 8/147 ح 4636 -ك التفسير- سورة الأنعام، ب الآية) ، وأخرجه مسلم (1/137 - ك الإيمان، ب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان. نحوه) والمراد بالآية التي قرأها هي الآية المذكورة أعلاه. قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب. قالا: حدثنا وكيع ح وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق. جميعاً عن فضيل بن غزوان. ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء (واللفظ له) . حدثنا ابن فضيل عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سل: ثلاث إذا خرجن، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها. والدجال. ودابة الأرض". (صحيح مسلم 1/138 ح 158 - ك الإيمان، ب بيان الزمن الذي لا يقبل به الإيمان. نحوه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (159) من سورة النساء. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد (يعني سليمان بن حيان) ح وحدثنا ابن نمير: حدثنا أبو معاوية، ح وحدثني أبو سعيد الأشجّ، حدثنا حفص (يعني ابن غياث) كلهم عن هشام، ح وحدثني أبو خيثمة، زهير ابن حرب (واللفظ له) ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه". (الصحيح 4/2076 ح 2703 - ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب استحباب الاستغفار والإكثار منه) . قال الترمذي: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟ قلت: ابتغاء العلم ... فذكر الحديث، وفيه: "قال زر: فما برح يحدثني حتى حدثني أن الله جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة، لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله، وذلك قول الله عز وجل (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها ... ) الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن ح 3536، واللفظ للثاني - ك الدعوات، ب في فضل التوبة والإستغفار) ، وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره ح 877) ، والنسائي في تفسيره ح 198) ، وابن ماجة في (سننه ح 4070 - ك الفتن، ب طلوع الشمس من مغربها) ، والطبري في تفسيره (12/250 ح 14206و14207) ، وابن خزيمة في (صحيحه ح 193) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ح 1321) وغيرهم من طرق عن عاصم، بإسناده نحوه، وحسنه الألباني في (صحيح سنن الترمذي 3/174 و175) ، وابن ماجه (2/382) . انظر حديث مسلم عن أبي ذر الآتي عند الآية (38) من سورة يس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانهم لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) يقول: كسبت في تصديقها خيراً، عملاً صالحاً. فهؤلاء أهل القبلة. وإن كانت مصدقة ولم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 تعمل قبل ذلك خيراً. فعملت بعد أن رأت الآية، لم يقبل منها. وإن عملت قبل الآية خيراً، ثم عملت بعد الآية خيراً، قبل منها. قوله تعالى (قل انتظروا إنا منتظرون) انظر سورة يونس آية (20) . قوله تعالى (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً) قال: هم اليهود والنصارى. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) لم يؤمر بقتالهم، ثم نسخت، فأمر بقتلهم في سورة براءة. قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ... ) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عمرو قال: أُخبِر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشتُ. فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي. قال: "فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونَم، وصم من الشهر ثلاثة أيام فإنّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فصم يوماً وأفطر يومين". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام" وهو أفضل الصيام، فقلتُ: إني أطيق أفضل من ذلك. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أفضل من ذلك". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 (الصحيح 4/259 ح 1976 - ك الصوم، في صوم الدهر) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 2/812 ح 1159 - ك الصيام، ب النهي عن صوم الدهر ... من طريق يونس عن الزهري به) . انظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (261) من سورة البقرة. قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعليّ بن حُجر. جميعاً عن إسماعيل. قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر. أخبرني سعد بن سعيد بن قيس عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي، عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، أنه حدثه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام رمضان. ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". (الصحيح 2/822 ح 1164 - ك الصيام، ب استحباب صوم ستة أيام من شوال أتباعا لرمضان) . قال أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أشياخه، عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال: "إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها" قال: قلت يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: "هي أفضل الحسنات". (المسند 5/169) ، وأخرجه أيضاً في الزهد (27) ، وأخرجه هناد (الزهد 1071) ، والطبري (التفسير 8/81) ، وابن أبي حاتم (سورة الأنعام/160 ح 1215 وسورة النمل/89 ح 572) ، وأبو نعيم في الحلية (4/217) ، والبيهقي (الأسماء والصفات 1/182) من طرق عن الأعمش به. قال الألباني: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير أشياخ شمر فلم يسموا، لكنهم جمع ينجبر الضعف بعددهم كما قال السخاوي في غير هذا الحديث ... قال (يعنى أبا نعيم في الحلية 4/217) : رواه أبو نعيم عن الأعمش، وجوده يونس بن بكير عنه. ثم ساقه من طريق عقبة بن مكرم ثنا يونس بن بكير، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر به نحوه. وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ووالد إبرهيم اسمه يزيد بن شريك التيمي. (الصحيحة 3/361 ح 1373) . وللحديث شاهد عن عبد الله بن مسعود موقوفا عليه في تفسير قوله تعالى: (من جاء بالحسنة) قال: لا إله إلا الله. أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنعام/160 ح 1216، سورة النمل/89 ح 573) ، والطبري (التفسير 12/276 ح 14272، 14274) من طريق الأسود ابن هلال عنه به. وصححه محقق ابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنعام/160 ح 1216) . ولهذا الموقوف شواهد عن بعض الصحابة والتابعين. ساق بعضها الطبري (التفسير - سورة الأنعام/160) وأشار إليها ابن أبي حاتم (التفسير تحت الآية المذكورة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله عز وجل، وقوله الحق: إذا هَمَّ عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها، وإذا همّ بسيئة فلا تكتبوها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، فإن تركها - ورُبّما قال: لم يعمل بها - فاكتبوها له حسنة ثم قرأ: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (سنن الترمذي 5/265 ح 3073 - ك التفسير، سورة الأنعام) . أمل الحديث عند مسلم (1/117 أو 118 رقم 203-206) بدون قوله (ثم قرأ ... الخ، وجاء نحوه مع زيادة ونقص من حديث ابن عباس عند البخاري (رقم 6491) ومسلم (1/118 رقم 207 و208) ، ومن حديث أبي ذر عند مسلم (4/2068 رقم 2687) . قال أبو داود: حدثنا مسدد وأبو كامل، قالا: ثنا يزيد، عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عز وجل: إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) . (السنن 1/291 ح 1113 - ك الصلاة، ب الكلام والإمام يخطب) ، وأخرجه ابن خزيمة في (صحيحه 3/157 ح 1813 - ك الجمعة، ب طبقات من يحضر الجمعة) من طريق محمد بن عبد الله ابن زريع عن حبيب به. قال العراقي: إسناده جيد (انظر نيل الأوطار 3/304) قال الألباني: إسناده حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (حاشية ابن خزيمة) . وأخرجه أحمد في مسنده (11/183 رقم 7002) من طريق يزيد به. وفي (10/174 رقم 6701) من طريق آخر عن عمرو بن شعيب بإسناده مختصراً وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق المسند. قوله تعالى (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ... ) انظر سورة الفاتحة في قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 قوله تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ... ) قال الشيخ الشنقيطي: قال بعض العلماء: المراد بالنسك هنا النحر، لأن الكفار كانوا يتقربون لأصنامهم بعبادة من أعظم العبادات: هي النحر. فأمر الله تعالى نبيه أن يقول إن صلاته ونحره كلاهما خالص لله تعالى، ويدل لهذا قوله تعالى (فصل لربك وانحر) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (قل إن صلاتي) صلاتي المفروضة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ونسكي) ذبحي في الحج والعمرة. قوله تعالى (وأنا أول المسلمين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأنا أول المسلمين) قال: أول المسلمين من هذه الأمة. قوله تعالى (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا القاسم بن هزان، حدثني الزهري، حدثني سعيد بن مرجانة قال: قال ابن عباس (عليها ما اكتسبت) البقرة: 286، من العمل. وسنده حسن. قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: "إنما مرّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على يهودية يبكى عليها أهلها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذّب في قبرها". (صحيح البخاري 3/181 ح 1289 - ك الجنائز، ب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان أبوح من سنته"، وأخرجه مسلم في (صحيحه 2/641-643 - ك الجنائز، ب الميت يعذب ببكاء أهله عليه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا عبيد الله - يعني ابن إياد - ثنا إياد، عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إن رسول الله قال لأبي: "ابنك هذا"؟ قال: أي ورب الكعبة، قال: "لحقاً"؟ قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله ضاحكاً من ثبت شبهي في أبي، ومن حلف أبي على، ثم قال: "أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه" وقرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . (السنن 4/168 ح 4495 - ك الديات، ب لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه) ، وأخرجه أحمد في (مسنده 2/226) ، والدارمي 2/199 - ك الديات، ب لا يؤاخذ أحد بجناية غيره) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 13/337 ح 5995) ، والحاكم في (المستدرك 2/425) كلهم من طريق أبي الوليد الطيالسي عن عبد الله بن إياد به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصححه أيضاً الألباني واستوفى طرقه وشواهده (الإرواء رقم 2303) ، وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم (انظر مرويات الدارمي في التفسير ص241) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن الربيع بن أنس قوله (ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم) قال. يبعثهم من بعد الموت فيبعث أولياءه وأعداءه فينبئهم بأعمالهم. وانظر سورة الإسراء آية رقم (15) وتفسيرها. قوله تعالى (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ... ) قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة قال: سمعت أبا نضرة، عن أبي سعيد الخدري؛ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها. فينظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء. فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". وفي حديث ابن بشّار "لينظر كيف تعملون". (صحيح مسلم 4/2098 ح 2742 - ك الرقاق، ب أكثر أهل الجنة الفقراء) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض) قال: أما (خلائف الأرض) فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 قوله تعالى (ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) يقول: في الرزق. انظر سورة الإسراء آية (21) وتفسيرها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (ليبلوكم فيما أتاكم) ، يقول: فيما أعطاكم. قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجر. جميعاً عن إسماعيل بن جعفر. قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل: أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قَنِطَ من جنته أحد". (الصحيح 4/2109 ح 2755 - ك التوبة، ب في سعة رحمة الله تعالى ... ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 سورة الأعراف فضلها: انظر حديث: "من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر". تقدم في فضل سورة البقرة. قوله تعالى (المص) انظر بداية سورة البقرة في الحروف المقطعة. قوله تعالى (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) قال: شك منه. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) لم يبين هنا المفعول به لقوله تنذر، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (وتنذر به قوماً لداً) وقوله (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) إلى غير ذلك من الآيات. كما أنه بين المفعول الثاني للإنذار في آيات أخر كقوله (لينذر بأساً شديداً من لدنه) الآية، وقوله (فأنذرتكم ناراً تلظى) وقوله (إنا أنذرناكم عذابً قريباً) الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد جمع تعالى في هذه الآية الكريمة بين الإنذار والذكرى في قوله (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) فالإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين، ويدل لذلك قوله تعالى (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً) وقوله (وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقوله (فذكِّر بالقرآن من يخاف وعيد) . ولا ينافي ما ذكرنا من أن الإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين. أنه قصر الإنذار على المؤمنين دون غيرهم في قوله تعالى (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) لأنه لما كان الانتفاع بالإنذار مقصوراً عليهم، صار الإنذار كأنه مقصور عليهم، لأن ما لا نفع فيه فهو كالعدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 قوله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) انظر سورة الأنعام الآية (153) وتفسيرها. قوله تعالى (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون) خوف الله تعالى في هذه الآية الكفار الذين كذبوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنه أهلك كثيراً من القرى بسبب تكذيبهم الرسل، فمنهم من أهلكها بياتاً أي ليلاً، ومنهم من أهلكها وهم قائلون، أي في حال قيلولتهم، والقيلولة: استراحة وسط النهار. يعني: فاحذروا تكذيب رسولي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لئلا أنزل بكم مثل ما أنزلت بهم، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون) وقوله (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد) ، وقوله (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) وقوله (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) ثم بين أنه يريد تهديدهم بذلك بقوله (وللكافرين أمثالها) إلى غير ذلك من الآيات. وقد هدد تعالى أهل القرى بأن يأتيهم عذابه ليلاً في حالة النوم، أو ضحى في حالة اللعب، في قوله تعالى (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون) . وهدد أمثالهم من الذين مكروا السيئات بقوله تعالى (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم) .ا. هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 قوله تعالى (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن تلك القرى الكثيرة التي أهلكها في حال البيات، أو في حالة القيلولة، لم يكن لهم من الدعوى إلا اعترافهم بأنهم كانوا ظالمين. وأوضح هذا المعنى في قوله (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعبدها قوماً آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) . قوله تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) لم يبين هنا الشيء المسؤول عنه المرسلون، ولا الشيء المسئول عنه الذين أرسل إليهم. وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم. قال في الأول: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) . وقال في الثاني: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) . وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعملون، وهو قوله تعالي (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا. قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن بهز قال: أخبرني أبي عن جدي قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا إن ربي داعي، وإنه سائلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 هل بلغت عبادي؟ وأنا قائل له: رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم إنكم مدعوون ومفدمة أفواهكم بالفدام .... (المسند 5/4) ، وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه 11/130) ، والطبراني في (الكبير 19/407) ، وابن عبد البر في (الإستيعاب 1/323) - هامش الإصابة - من طرق عن بهز به وصححه ابن عبد البر. وأصله في (سنن النسائي 5/4-5) ، وحسنه الألباني في (صحيح النسائي 2/511 و542) . انظر حديث البخاري عن عبد الله بن عمر الآتي عند الآية (6) من سورة التحريم. قوله تعالى (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يقص على عباده يوم القيامة ما كانوا يعملونه في الدنيا، وأخبرهم بأنه جل وعلا لم يكن غائباً عما فعلوه أيام فعلهم له في دار الدنيا، بل هو الرقيب الشهيد على جميع الخلق، المحيط علمه بكل ما فعلوه من صغير وكبير، وجليل وحقير، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) وقوله (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم) وقوله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرأن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب) . انظر حديث البخاري عن عدي بن حاتم المقدم عند الآية (131) من سورة آل عمران. قال ابن كثير: (وما كنا غائبين) يعني: أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحقير، لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 قوله تعالى (والوزن يومئذ الحق ... ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والوزن يومئذ الحق) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن وزنه للأعمال يوم القيامة حق أي لا جور فيه، ولا ظلم، فلا يزاد في سيئات مسيء، ولا ينقص من حسنات محسن. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين) وقوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) الآية إلى غير ذلك من الآيات. قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا ابن أبي مريم، ثنا الليث، حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُصاح برجل من أمتي، يوم القيامة، على رءوس الخلائق. فيُنشر له تسعة وتسعون سجلا. كل سجل مدّ البصر. ثم يقول الله عز وجل: هل تُنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا. يارب! فيقول: أظلمتك كتبتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيُهاب الرجل، فيقول: لا. فيقول: بلى. إن لك عندنا حسنات. وإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، قال، فيقول: يارب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات! فيقول: إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كِفّة والبطاقة في كِفّة. فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة". قال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة. وأهل مصر يقولون للرقعة: بطاقة. (سنن ابن ماجة 2/1437 ح 4300 - ك الزهد، ب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة) ، وأخرجه الترمذي من طريق ابن المبارك عن الليث (السنن - ك الإيمان - ب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله) . وقال: حسن غريب. ونقل الحافظ ابن كثير التصحيح في كتاب التفسير، وأخرجه أحمد من طريق ابن المبارك نحوه (المسند ح 6994) قال محققه: إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث نحوه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (المستدرك 1/529) ، ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/420) ، وصححه الألباني في (صحيح من الترمذي ح 2127) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (والوزن يومئذ الحق) توزن الأعمال. قوله تعالى ( ... فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن من ثقلت موازينهم أفلحوا، ومن خفت موازينهم خسروا بسبب ظلمهم، ولم يفصل الفلاح والخسران هنا. وقد جاء في بعض المواضع ما يدل على أن المراد بالفلاح هنا كونه في عيشة راضية في الجنة، وأن المراد بالخسران هنا كونه في الهاوية في النار، وذلك في قوله (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية) . وبين أيضاً خسران من خفت موازينه بقوله (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجعلنا لكم فيها معايش) الآية. لم يبين هنا كيفية هذه المعايش التي جعل لنا في الأرض، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً متاعاً لكم ولأنعامكم) . وقوله (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) وقوله (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك الآيات لأولي النهى) . وذكر كثيراً من ذلك في سورة النحل كقوله (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 قوله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) قوله (خلقناكم) يعني آدم، وأما (صورناكم) فذريته. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قول الله (ولقد خلقناكم) قال: آدم (ثم صورناكم) قال: في ظهر آدم عليه السلام. قوله تعالى (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) قال بعض العلماء، معناه: ما منعك أن تسجد، و (لا) صلة، ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة "ص" (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) الآية. قوله تعالى (قال أنا خير منه خلقت من نار وخلقته من طين) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ذكر في هذه الآية الكريمة: أن إبليس -لعنه الله- خلق من نار، وعلى القول بأن إبليس هو الجان الذي هو أبو الجن. فقد زاد في مواضع أخر أوصافاً للنار التي خلقه منها. من ذلك أنها نار السموم. كما في قوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) ، ومن ذلك أنها خصوص المارج. كما في قوله (وخلق الجان من مارج من نار) والمارج أخص من مطلق النار لأنه اللهب الذي لا دخان فيه. انظر مسلم عن عائشة الآتي عند الآية (27) من سورة الحجر. قوله تعالى (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر، فأخرجه الله صاغراً حقيراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 ذليلاً، متصفاً بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة، وذلك في قوله (إنك من الصاغرين) والصغار: أشد الذل والهوان، وقوله (اخرج منها مذموماً مدحوراً) ونحو ذلك من الآيات. ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة، وإنما يحصل له نقيض ذلك؛ وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) . وبين في مواضع أخر كثير من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر -أعاذنا الله والمسلمين منه- فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله، والاهتداء بها كما في قوله تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) الآية. ومن ذلك أنه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) وقوله (ذلك بأنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فأخرج إنك من الصاغرين) و (الصغار) هو الذل. قوله تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) . لم يبين هنا في سورة الأعراف الغاية التي أنظره إليها، وقد ذكرها في "الحجر" و"ص" مبيناً أن غاية ذلك الإنظار هو يوم الوقت المعلوم. لقوله في سورة "الحجر" و"ص" (إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) فقد طلب الشيطان الإنظار إلى يوم البعث، وقد أعطاه الله الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم. وأكثر العلماء يقولون: المراد به وقت النفخة الأولى - والعلم عند الله تعالى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى، فصعق من في السماوات ومن في الأرض، فمات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 قوله تعالى (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم) قال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل قال: حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرُقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين أبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تُجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويُقسم المال، فعصاه فجاهد فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يُدخله الجنة. ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة". (السنن 6/21-22 - ك الجهاد، ب ما لمن أسلم وهاجر وجاهد) ، وأخرجه أحمد (3/483) ، والطبراني (6558) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/453، 454 ح 4593) من طرق عن موسى بن المسيب به، ووقع عند أحمد: موسى بن المثنى، وقال محقق الإحسان: إسناده قوي. وصححه الألباني (صحيح سنن النسائي ح 2937) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فبما أغوتينى) يقول أضللتنى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (صراطك المستقيم) قال: الحق. قوله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) يعنى الدنيا (ومن خلفهم) من الآخرة (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم (وعن شمائلهم) من قبل سيئاتهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار (ومن خلفهم) من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم بطأهم عنها (وعن شمائلهم) زين لهم السيئات والمعاصى، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يا ابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله!. قوله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا الذي ذكر إبليس أنه سيوقع بني آدم فيه قاله ظناً منه أنهم سيطيعونه فيما يدعوهم إليه حتى يهلكهم. وقد بين تعالى في سورة "سبأ" أن ظنه هذا صدق فيهم بقوله (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه) الآية. كما تقدمت الإشارة إليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) يقول: موحدين. قوله تعالى (قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تَبِعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تَبِعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) . بين في هذه الآية الكريمة أنه قال لإبليس: اخرج منها في حال كونك مذءوماً مدحوراً. والمذءوم: المعيب أو الممقوت، والمدحور: المبعد عن الرحمة، المطرود، وأنه أوعده بملء جهنم منه، وممن تبعه. وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله تعالى (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) وقوله (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورَجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وقوله (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (مذءوماً) قال: منفياً (مدحوراً) قال: مطروداً. قوله تعالى (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) إلى قوله ( ... وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) انظر سورة البقرة آية (35-36) . قوله تعالى (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا. قوله تعالى (بدت لهما سوآتهما) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (بدت لهما سوآتهما) قال: كانا لا يريان سوآتهما. فقال آدم عليه السلام: يارب، أرأيت إن تبت فاستغفرت؟ قال إذاً أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يستغفر، وإنما سأل النظرة، فأعطى كل واحد منهما الذي سأل. قوله تعالى (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يخصفان) قال: يرقعان، كهيئة الثوب. قوله تعالى (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ولقد تاب الله على آدم وحواء كما في قوله تعالى ( ... فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) سورة البقرة آية (37) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 قوله تعالى (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر) أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر) قال: هو قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا) سورة البقرة آية (22) . قوله تعالى (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) قال ابن كثير: كقوله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) طه آية: 55. يخبر تعالى أنه يجعل الأرض داراً لبني آدم مدة الحياة الدنيا، فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم، ومنها نشورهم ليوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ويجازي كلا بعمله. قوله تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (لباسا يواري سوآتكم) قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وريشاً) يقول: مالا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولباس التقوى) هو الإيمان. قوله تعالى (يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) . حذر تعالى في هذه الآية الكريمة بني آدم أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم، وصرح في موضع آخر. أنه حذر آدم من مكر إبليس قبل أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 يقع فيما وقع فيه، ولم ينجه ذلك التحذير من عدوه وهو قوله تعالى (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) . أخرج آدم بن بي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه يراكم هو وقبيله) قال: قبيله الجن والشياطين. قوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) الآية. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: إن الكفار إذا فعلوا فاحشة، استدلوا على أنها حق وصواب، بأنهم وجدوا آباءهم يفعلونها، وأنهم ما فعلوها، إلا لأنها صواب ورشد. وبين في موضع آخر: أن هذا واقع من جميع الأمم، وهو قوله تعالى (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) . ورد الله عليهم هذا التقليد الأعمى في آيات كثيرة، كقوله (أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) وقوله (أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) وقوله (قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) وقوله (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل لم تفعلون ذلك؟ قالوا: (وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) . قوله تعالى (قل أمر ربي بالقسط) أي بالعدل، كما تقدم في سورة آل عمران آية (18) . قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) يقول: اجعلوا وجوهكم عند كل مسجد إلى الكعبة حيث ماصليتم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 قوله تعالى (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عُراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) إلى آخر الآية. ثم قال: ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم. ألا وإنه يُجاءُ برجال من أمتى فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابى، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم. فلما توفيتني كنتَ أنتَ الرقيب عليهم) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". (الصحيح 8/135 ح 4625 - ك التفسير، ب (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2194 - ك الجنة، ب فناء الدنيا ... ) . قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُبعث كل عبدٍ على ما مات عليه". (الصحيح 4/2206 ح 2878 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا، كما قال جل ثناؤه: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) - سورة التغابن:2 - ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنا وكافرا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (كما بدأكم تعودون) يحييكم بعد موتكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 قوله تعالى (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ومن تلك الموالاة طاعتهم لهم فيما يخالف ما شرعه الله تعالى، ومع ذلك يظنون أنفسهم علي هدى. وبين في موضع آخر: أن من كان كذلك فهو أخسر الناس عملاً، والعياذ بالله تعالى، وهو قوله تعالى جل وعلا (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) قوله تعالى (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار وإبراهيم بن دينار، جميعاً عن يحيى بن حماد. قال ابن المثنى: حدثى يحيى بن حماد، أخبرنا شعبة، عن أبان ابن تغلب، عن فُضيل الفقيمي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبرٍ". قال رجل: "إن الرجل يُحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: "إن الله جميل يحب الجمال. الكِبر بطر الحق وغَمْط الناس". (الصحيح 1/93 ح 147 - ك الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه) . قال مسلم: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، ح وحدثني أبو بكر بن نافع (واللفظ له) حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يُعيرنى تطوافاً؟ تجعله على فرجها. وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله فنزلت هذه الآية: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (الصحيح 4/2320 ح 3028 - ك التفسير، في قوله تعالى الآية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يابنى آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد) قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا. قوله تعالى ( ... وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) قال الترمذي: حدثنا سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا إسماعيل بن عيّاش، حدثني أبو سلمة الحِمصي وحبيب بن صالح، عن يحيى بن جابر الطائي، عن مقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما ملأ آدمي وِعاء شراً من بطنٍ، بحسب ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صُلبه، فإن كان لا محالة فثلثْ لطعامه وثلث لشرابه وثلُث لنفسه". حدثنا الحسن بن عرفة. حدثنا إسماعيل بن عياش نحوه. وقال المقدام بن معدي كرب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يذكر فيه سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (السنن 4/590 ح 2380 - ك الزهد، ب ما جاء في كراهية كثرة الأكل) ، وأخرجه ابن ماجة (السنن 12/1111 ح 3349 - ك الأطعمة، ب الإقتصاد في الأكل وكراهة الشبع) من طريق جدة محمد بن حرب لأمه عن المقدام به. وأحمد (المسند 4/132) من طريق سليمان بن سليم. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/449) من طريق معاوية بن صالح. والحاكم في (المستدرك 4/331) من طريق سليمان بن سليم كذلك كلهم عن يحيى بن جابر عن المقدام به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 1939) . وانظر سورة الأنعام آية (141) ، وانظر سورة الإسراء آية (26) . قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق) قال البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم يُخبرونه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: "لا ينظر الله إلى من جرَّ ثوبه خيلاء". (الصحيح 10/264 ح 5783 - ك اللباس، ب قول الله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده)) ، أخرجه مسلم في (صحيحه - ك اللباس ح 2085، ب تحريم جر الثوب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 أخرج الطبري: بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً) (سورة يونس: 59) وهو هذا، فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق) هو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام. وانظر سورة المائدة آية (103) ففيها بيان هذه التي حرمها أهل الجاهلية. قوله تعالى (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة. قوله تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حَرَّمَ الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله". (الصحيح 9/230 ح 5220 - ك النكاح، ب الغيرة) ، وأخرجه مسلم (ك التوبة ح 2760، ب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وانظر حديث المغيرة بن شعبه المتقدم عند الآية رقم (165) من سورة النساء "أتعجبون من غيرة سعد ... ". انظر حديث مسلم عن النواس بن سمعان المتقدم عند الآية (2) من سورة المائدة، وهو حديث: "البر حسن الخلق". أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (والإثم والبغي) أما (الإثم) فالمعصية و (البغي) أن يبغي على الناس بغير الحق. قوله تعالى (وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) انظر سورة الإسراء آية (36) قوله تعالى (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) انظر قول الشيخ الشنقيطي في سورة يونس آية (49) . قوله تعالى (يا بني آدم إما يآتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) انظر سورة يس آية (60-61) . قوله تعالى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: ما كتب لهم من العذاب. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة بأعمالهم التي عملوا وسلفوا في الدنيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 قوله تعالى (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) انظر سورة النساء آية (97) وسورة الأنفال آية (50) . قوله تعالى (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والأنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (كلما دخلت أمة لعنت أختها) يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الذين، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصائبون الصائبين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى. قوله تعالى (حتى إذا إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكلٍ ضعف ولكن لا تعلمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار) . لم يبين هنا السبب الذي مكنهم من إضلالهم، ولكنه بين في موضع آخر: أن السبب الذي مكنهم من ذلك هو كونهم سادتهم وكبرائهم، ومعلوم أن الأتباع يطيعون السادة الكبراء فيما يأمرونهم به، وهو قوله تعالى (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب) الآية. وبسط ذلك في "سورة سبأ" بقوله (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (قالت أخراهم) الذين كانوا في أخر الزمان (لأولاهم) الذين شرعوا لهم ذلك الدين (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فآتهم عذاباً ضعفاً من النار) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة وأمثالها من الآيات: أن الأتباع يسألون الله يوم القيامة أن يضاعف العذاب للمتبوعين، وبين في مواضع أخر: أن مضاعفة العذاب للمتبوعين لا تنفع الأتباع، ولا تخفف عنهم من العذاب، كقوله (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) ، وقوله هنا (قال لكل ضعف) الآية، وقوله (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) ، وقوله (قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف) مضعّف. قوله تعالى (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل) قال: من التخفيف من العذاب. قوله تعالى (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر قبض روح الفاجر وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان، بأقبح أسمائه التى كان يدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 (التفسير 12/424 ح 14614) ، وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده (4/287-288) عن أبي معاوية عن الأعمش يإسناده ضمن حديث مطول. وأصل الحديث عند النسائي في (المجتبى 4/78) ، وابن ماجه في (سننه ح 1549) ، والحاكم في (المستدرك 1/37-40) من طرق عن الأعمش بإسناده بدون موضع الشاهد. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: هذا حديث صحيح الإسناد (شعب الإيمان 2/316) ، وصححه أيضاً القرطبي وابن القيم والألباني وغيرهم، وحسنه ابن تيمية (انظر رسالة صحة حديث البراء بن عازب ... للدكتور عاصم القريوتي) . قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة! كانت في الجسد الطيب. اخرجي حميدة، وأبشري برَوح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها، حتى تخرج. ثم يُعرج بها إلى السماء. فيُفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقولون فلان. فيُقال: مرحباً بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة. وأبشرى برَوح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء قال: اخرُجي أيتها النفس الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث. اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسّاق. وآخر من شكله أزواج. فلا يزال يُقال لها ذلك حتى تخرج. ثم يُعرج بها إلى السماء. فلا يُفتح لها. فيُقال: من هذا؟ فيُقال: فلان. فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة. فإنها لا تُفتح لك أبواب السماء. فيُرسل بها من السماء، ثم تصير إلى القبر". (السنن ح 4262 - الزهد، ب ذكر الموت والإستعداد له) ، قال البويصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه النسائي في (التفسير ح 462) عن عمرو بن سواد وفى الملائكة عن سليمان بن داود كلاهما عن ابن وهب عن ابن أبى ذئب به (مصباح الزجاجة 2/349) ، قال الألباني: صحيح. (صحيح ابن ماجة 2/420) ، وأخرجه أحمد (2/364-365 و6/140) والطبري (12/424-425 و425 ح 14615 و 14616) من طريق: عثمان بن عبد الرحمن الثقفي عن ابن أبي ذئب به. قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا خبر صحيح. وأخرجه الحاكم مختصراً من طريق البراء وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/37-40، وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجه ح 1259) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) يعنى: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء. قوله تعالى (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (حتى يلج الجمل في سم الخياط) والجمل ذو القوائم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (في سم الخياط) يقول: جحر الإبرة. قوله تعالى (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) أما (المهاد) كهيئة الفراش و (الغواشي) ، تتغشاهم من فوقهم. قوله تعالى (لا نكلف نفساً إلا وسعها) انظر آخر سورة البقرة. قوله تعالى (ونزعنا ما في صدوره من غل ... ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه جل وعلا، ينزع ما في صدور أهل الجنة من الحقد والحسد الذي كان في الدنيا، وأنهم تجري من تحتهم الأنهار في الجنة. وذكر في موضع آخر أن نزع الغل من صدورهم يقع في حال كونهم إخواناً على سرر متقابلين آمنين من النصب، والخروج من الجنة. وهو قوله تعالى في "الحجر" (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) . انظر حديث البخاري عن أبي سعيد الآتي عند الآية (47) من سورة الحجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 قوله تعالى (وقالوا الحمد له الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) قال الطبري: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون: لو هدانا الله، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: لولا أن هدانا الله. فهذا شكرهم". (التفسير 12/440 ح 14665) ، وعزاه السيوطي في (الدر 3/85) لابن مردويه وابن أبى الدنيا وغيرهما. وعزاه الهيثمي لأحمد من طريقين وقال: ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/399) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/435-436) ، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع ح 4514) . قوله تعالى (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) قال الطبري: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا شريك ابن عبد الله، عن أبى إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) حتى إذا انتهوا إلى بابها، إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان، فعمدوا إلى إحداهما، فشربوا منها كأنما أمروا بها، فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتوضئوا منها كأنما أمروا به، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رءوسهم بعدها أبداً ولن تبلى ثيابهم بعدها، ثم دخلوا الجنة، فتلقتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، فيقولون: أبشر، أعد الله لك كذا، وأعد لك كذا وكذا، ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل اللؤلؤ الأحمر والأصفر والأخضر، يتلألأ كأنه البرق، فلولا أن الله قضى أن لا يذهب بصره لذهب، ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه، فيقول: أبشري قد قدم فلان بن فلان، فيسميه باسمه واسم أبيه، فتقول: أنت رأيته، أنت رأيته! فيستخفها الفرح حتى تقوم، فتجلس على أسكفة بابها، فيدخل فيتكئ على سريره، ويقرأ هذه الآية: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ... الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 (التفسير 24/35) ، وأخرجه ابن المبارك في (الزهد ص 508-509 ح 1450) وعبد الرزاق في (التفسير - سورة الزمر) والضياء المقدسي (المختارة 2/160 ح 541) من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق به. وقال محقق المختارة: إسناده صحيح. وأورده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية المسندة (ل 198 أ-ب، رواية إسحاق في مسنده من طرق عن أبي إسحاق به، ثم قال: هذا حديث صحيح وحكمه حكم الرفع إذ لا مجال للرأي في هذه الأمور) . قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد (واللفظ لإسحاق) . قالا: أخبرنا عبد الرزاق. قال: قال الثوري: فحدثني أبو إسحاق؛ أن الأغر حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبى هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يُنادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبْأسوا أبداً" فذلك قوله عز وجل: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) . (الصحيح 4/2182 ح 2837 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب في دوام نعيم أهل الجنة ... ) . قوله تعالى (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) قال: وجد أهل الجنة ما وعدوا من الثواب، وأهل النار ما وعدوا من عقاب. قوله تعالى (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) انظر سورة البقرة آية (158) . قوله تعالى (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة كافرون) انظر آية (86) من السورة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 قوله تعالى (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يَطمعون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وبينهما حجاب) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن بين أهل الجنة، وأهل النار حجاباً يوم القيامة، ولم يبين هذا الحجاب هنا، ولكنه بينه في سورة الحديد بقوله (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) الآية. وانظر حديث ابن عمر في سورة الروم آية (52) وفيه: وقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً". أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وبينهما حجاب) وهو "السور" وهو "الأعراف". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الأعراف) سور بين الجنة والنار. قال الطبري بعد أن ساق أقوالا: والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الأعراف، يعرفون كلا من أهل الجنة، وأهل النار بسيماهم، ولم يبين هنا سيما أهل الجنة، ولا أهل النار، ولكنه أشار لذلك في مواضع أخر، كقوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) الآية. فبياض الوجوه وحسنها؛ سيما أهل الحسنة وسوادها وقبحها، وزرقة العيون، سيما أهل النار، كما قال أيضاً في سيما أهل الجنة (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) وقال (وجوه يومئذ ناضرة) الآية، وقال في سيما أهل النار (كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً) الآية، قال (ووجوه يومئذ عليها غبرة) الآية، وقال (ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أهل الأعراف يعرفون الناس فإذا مروا عليهم بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا (سلام عليكم) يقول الله لأهل الأعراف: (لم يدخلوها وهم يطمعون) أن يدخلوها. قوله تعالى (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: وإذا مروا بهم يعني بأصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار، قالوا (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) . قوله تعالى (ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (أصحاب الأعراف) رجال كانت لهم ذنوب عظام وكان حسم أمرهم لله، يقومون على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها، وإذا نظروا إلى أهل النار تعوذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) يعني أصحاب الأعراف (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) . قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الأعراف قالوا لرجال من أهل النار: يعرفونهم بسيماهم لم ينفعكم ما كنتم تجمعونه في الدنيا من المال، ولا كثرة جماعتكم وأنصاركم، ولا استكباركم في الدنيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وبين في مواضع أخر وجه ذلك: وهو أن الإنسان يوم القيامة، يحشر فرداً، لا مال معه، ولا ناصر، ولا خادم، ولا خول. وأن استكباره في الدنيا يجزي به عذاب الهون في الآخرة، كقوله (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) . قوله تعالى (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) قال: من الطعام. قوله تعالى ( ... إن الله حرمهما على الكافرين) انظر حديث أبي هريرة في تفسير سورة الشعراء آية (87) وفيه: "فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين". قوله تعالى (الذين اتخذوا دينهم لهو ولعبا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا) الآية قال: وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزأوا به اغترارا بالله. وفي هذه الآية بيان لفريق المنافقين. قوله تعالى (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون) قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر حديث الرؤية إلى أن قال: قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي رب! فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني ... الحديث. (الصحيح 4/2279-2280 ح 2968 - ك الزهد والرقائق) . ومعني أي فل: أي فلان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) قال: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا. قوله تعالى (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسول إليهم بالكتاب الذي جاء به الرسول، وأنه كتاب مفصل مبين، كما قال تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) الآية. وقوله (فصلناه على علم) أي: على علم منا بما فصلناه به، كما قال تعالى (أنزله بعلمه) . قوله تعالى (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) قال: (تأويله) عاقبته. قوله تعالى (يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (يقول الذين نسوه) قال: أعرضوا عنه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قول (قد خسروا أنفسهم) يقول: شروها بخسران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) لم يفصل هنا ذلك، ولكنه فصله في سورة "فصلت" بقوله: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا آتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) . وانظر حديث خلق السموات والأرض في تفسير سورة البقرة آية (29) . قوله تعالى (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) يقول: سريعاً. قوله تعالى (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) انظر حديث ابن ماجة عن النعمان بن بشير الآتي عند الآية (60) من سورة غافر. وانظر حديث أبي موسى الأشعري في تفسير سورة البقرة آية (186) . ولفظه: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبط وادياً إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير فقال: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ... ". قوله تعالى (إن رحمت الله قريب من المحسنين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن رحمت الله قريب من المحسنين) ذكر في هذه الآية الكريمة: أن رحمته جل وعلا قريب من عباده المحسنين، وأوضح في موضع آخر صفات عبيده الذين سيكتبها لهم في قوله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته) على قراءة عاصم بشراً بضم الباء الموحدة، وإسكان الشين: بشير. لأنها تنتشر أمام المطر مبشرة به، وهذا المعنى يوضحه قوله تعالى (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) الآية، وقوله (بين يدي رحمته) ، يعني برحمته المطر كما جاء مبيناً في غير هذا الموضع كقوله (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته) الآية، وقوله (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته) إلى قوله (لعلكم تذكرون) قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثمّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما (رحمته) فهو المطر. قوله تعالى (كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قول الله: (كذلك نخرج الموتى) قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، كذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 قوله تعالى (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبيث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لايخرج إلا نكدا) فهذا مثل ضربه الله للمؤمنين. يقول: هو طيب وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي يخرج منها النَّزُّ، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث. قوله تعالى (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) انظر تفاصل قصة نوح وقومه وابنه في سورة هود آية (25-41) ، وسورة المؤمنون آية (23-30) ، وسورة الشعراء آية (105-122) ، وسورة نوح آية (1-28) . قال مسلم: حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، ومحمد بن عبيد الغُبري -واللفظ لأبي كامل- قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ... فذكر حديث الشفاعة الطويل وفيه: "ولكن أئتوا نوحاً. أول رسول بعثه الله ... ". (الصحيح 1/180 ح 322 - ك الأيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه ح 6564 - ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار) . قوله تعالى (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتفوا ولعلكم ترحمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم) الآية. أنكر تعالى في هذه السورة الكريمة على قوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 نوح، وقوم هود عجبهم من إرسال رجل؛ وبين في مواضع أخر أن جميع الأمم عجبوا من ذلك. قال في عجب قوم نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك (أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس) ، وقال (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) الآية، وقال عن الأمم السابقة (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد) ، وقال (كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه) الآية، وقال (ولئن اتبعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون) . قوله تعالى (فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) . لم يبين هنا كيفية إغراقهم، ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) الآية، وقوله (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (عمين) قال: عن الحق. قوله تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) أن عاداً أتاهم هود، فوعظهم وذكرهم بما قص الله في القرآن، فكذبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب، فقال لهم (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به) سورة الأحقاف: 23، وإن عاداً أصابهم حين كفروا قحوط المطر، حتى جهدوا لذلك جهدا شديدا، وذلك أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 هودا دعا عليهم فبعت الله عليهم الريح العقيم، وهي الريح التي لا تلقح الشجر. فلما نظروا إليهم قالوا (هذا عارض ممطرنا) سورة الأحقاف: 24، فلما دنت منهم، نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض. فلما رأوها تبادروا إلى البيوت، فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم "في يوم نحس" والنحس، هو الشؤم و"مستمر" استمر عليهم بالعذاب "سبع ليال وثمانية أيام حسوماً حسمت كل شيء مرت به، فلما أخرجتهم من البيوت قال الله (تنزع الناس) من البيوت (كأنهم أعجاز نخل منقعر) سورة القمر: 20، انقعر من أصوله "خاوية" خوت فسقطت. فلما أهلكهم الله، أرسل عليهم طيرا سودا، فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) سورة الأحقاف: 25، ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال، إلا يومئذ، فإنه عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله (فأهلكوا بريح صرصر عاتية) سورة الحاقة: 6، و"الصرصر" ذات صوت شديد. قوله تعالى (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) انظر آية (63) من السورة نفسها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وزادكم في الخلق بسطة) قال: ما لقوه قوم عاد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاذكروا آلاء الله) أى: نعم الله. قوله تعالى (قد وقع عليكم من ربكم رجس) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قد وقع عليكم من ربكم رجس) يقول: سخط. وانظر سورة هود آية (50-60) وسورة المؤمنون آية (31-41) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 قوله تعالى (فأنجيناه والذين معه برحمة هنا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) الآية. لم يبين هنا كيفية قطعه دابر عاد، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) الآية، وقوله (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) الآية، ونحو ذلك من الآيات. قوله تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم بعذاب أليم) قال أحمد: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما مرَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فكانت تشرب ماءهم يوماً ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة، أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً، كان في حرم الله عز وجل "قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه". (المسند 3/296) ، وأخرجه الطبري (التفسير 12/537 ح 14817) عند الآية (73) من الأعراف، والحاكم (المستدرك 2/320) كلاهما من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي على شرطهما. وقال ابن كثير: على شرط مسلم (التفسير 2/364) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/77 ح 6197) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/340-341) من طريق: مسلم بن خالد، عن ابن خثيم به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسن ابن حجر إسناده (فتح الباري 6/270) . وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار والطبراني في الأوسط وقال ورجال أحمد رجال الصحيح (المجمع 6/194 و7/38) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 قوله تعالى (وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وتنحتون الجبال بيوتا) كانوا ينقبون في الجبال البيوت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) يقول: لا تسيروا في الأرض مفسدين. قوله تعالى (فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا دارهم جاثمين) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن عقرها باشرته جماعة، ولكنه تعالى بين في سورة القمر: أن المراد أنهم نادوا واحداً منهم. فباشر عقرها، وذلك في قوله تعالى (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وعتوا عن أمر ربهم) قال: علوا في الباطل. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) الآية. لم يبين هنا هذا الذي يعبدهم به، ولكنه بين في مواضع أخر أنه العذاب كقوله (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب) وقوله هنا (فيأخذكم عذاب أليم) وقوله (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) ، ونحو ذلك من الآيات. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) . لم يبين هنا سبب رجفة الأرض بهم، ولكنه بين في موضع آخر أن سبب ذلك صيحة الملك بهم، وهو قوله (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) الآية. والظاهر أن الملك لما صاح بهم رجفت بهم الأرض من شدة الصيحة، وفارقت أرواحهم أبدانهم -والله جل وعلا أعلم-. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك، عن عبد الله ابن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يُصيبكم ما أصابهم". (الصحيح 1/631 ح 433 - ك الصلاة، ب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2285 ح 2980 - ك الزهد، ب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين) . وانظر حديث البخاري عن عبد الله بن زمعة تحت الآية (12) من سورة الشمس. وانظر حديث أحمد عن جابر المتقدم عند الآية رقم 73 من السورة نفسها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الرجفة) قال: الصيحة. قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي) الآية. بين تعالى هذه الرسالة التي أبلغها نبيه صالح إلى قومه في آيات كثيرة كقوله (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) . قوله تعالى (ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين..) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) . بين تعالى أن المراد بهذه الفاحشة اللواط بقوله بعده (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) الآية، وبين ذلك أيضاً بقوله (أتأتون الذكران من العالمين) وقوله (وتأتون في ناديكم المنكر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا همام، عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابراً يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط". (السنن 4/58 ح 1457 - ك الحدود، ب ما جاء في حد اللوطي) ، وأخرجه ابن ماجة (السنن 2/856 ح 2563 - ك الحدود، ب من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط) من طريق عبد الوارث بن سعيد. وأحمد (المسند 3/382) ، والحاكم (المستدرك 4/357) كلاهما من طريق همام، كلهم عن القاسم به. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 1178) . قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن زهير عن عمرو -يعني ابن أبي عمرو- عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من غَيَّر تخوم الأرض، ولعن الله من كمه الأعمى عن السبيل ولعن الله من سب والده -وفي في رواية: والديه- ولعن الله من تولى غير مواليه، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط". (المسند 1/309) ، وأخرجه ابن حبان في صححه (الإحسان 10/265 ح 4417) من طريق عبد الملك ابن عمرو. والحاكم (المستدرك 4/356) من طريق عبد الله بن مسلمة، كلاهما عن زهير بن محمد به. وأخرجه الحاكم بعده من طريق الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به، وزاد فيه: "لعن الله من وقع على بهيمة". قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الأرناؤوط في حاشية الإحسان: إسناده على شرط الشيخين. وانظر قصة قوم لوط ومصيرهم في سورة هود آية (77-83) وجاءت مفصلة مفسرة في سورة الحجر آية (51-75) . قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن علي النفيلي، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". (السنن 4/158 ح 4462 - ك الحدود، ب فيمن عمل عمل قوم لوط) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/57 ح 1456 - ك الحدود، ب ما جاء في حد اللوطي) عن محمد بن عمرو السواق. وابن ماجة (السنن 2/856 ح 2561 - ك الحدود، ب من عمل عمل قوم لوط) عن محمد بن الصباح وأبي بكر بن خلاد كلهم عن عبد العزيز بن محمد به. والحاكم (المستدرك 4/355) من طريق سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 1177) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 قوله تعالى (إنهم أناس يتطهرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إنهم أناس يتطهرون) قال: يتحرجون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنهم أناس يتطهرون) يقول: عابوهم بغير عيب، وذموهم بغير ذم. قوله تعالى (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فأنجياه وأهله) ظاهر هذه الآية الكريمة أنه لم ينج مع لوط إلا خصوص أهله، وقد بين تعالى ذلك في "الذاريات": بقوله (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وقوله هنا (إلا امرأته كانت من الغابرين) أوضحه في مواضع أخر فبين أنها خائنة، وأنها من أهل النار وأنها واقعة فيما أصاب قومها من الهلاك، قال فيها: هي وامرأة نوح (وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) وقال فيها وحدها: أعني امرأة لوط (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) الآية، وقوله هنا في قوم لوط (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إلا عجوزا من الغابرين) (سورة الشعراء: 171، سورة الصافات: 135) في الباقين في عذاب الله. والآية الواردة في سورة الشعراء مبينة للآية المذكورة أعلاه. قوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا المطر ما هو، ولكنه بين في مواضع أُخر أنه مطر حجارة أهلكهم الله بها كقوله (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) وأشار إلى أن السجيل الطين بقوله في "الذاريات" (لنرسل عليهم حجارة من طين) ، وبين أن هذا المطر سوء لا رحمة بقوله (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) وقوله تعالى في "الشعراء" (وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 قوله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرة قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً) انظر سورة هود آية (84-94) . أحرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) قال: لا تظلموا الناس أشياءهم. أحرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به) قال: كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتي عليهم: أن شعيباً عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وتصدون عن سبيل الله) قال: أهلها (وتبغونها عوجاً) تلتمسون لها الزيغ. قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ علماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) . بين تعالى حكمه الذي حكم به بينهم بقوله (ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة) وقوله (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) وقوله (الذين كذبوا شعيباً كان لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علماً على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منها، إلا أن يشاء الله ربنا، فالله لا يشاء الشرك، ولكن نقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئا فإنه وسع كل شيء علماً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) يقول: اقض بيننا وبين قومنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (كأن لم يغنوا فيها) يقول: كأن لم يعيشوا فيها. قوله تعالى (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين) . بين جل وعلا الرسالات التي أبلغها رسوله شعيب إلى قومه في آيات كثيرة كقوله (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان) الآية ونحوها من الآيات، وبين نصحه لهم في آيات كثيرة كقوله (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هوم أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد) الآية وقوله تعالى (فكيف آسى على قوم كافرين) أنكر نبي الله شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الأسى أي الحزن على الكفار إذا أهلكهم الله بعد إبلاغهم، وإقامة الحجة عليهم مع تماديهم في الكفر والطغيان لجاجاً وعناداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكيف آسى) يعني: فكيف أحزن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أخذنا أهلها بالبأساء والضراء) يقول: بالفقر والجوع. انظر سورة البقرة آية (177) وسورة الأنعام آية (42) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة) يقول: مكان الشدة الرخاء. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (حتى عفوا) قال: حتى سّروا بذلك. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (حتى عفوا) قال: كثرت أموالهم وأولادهم. قوله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى (فلولا كانت قرية أمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) . قوله تعالى (أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أولم يهد) أولم نبين لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم. ا.هـ. وتفسير ابن عباس في الطبري بلفظ (أولم يبين) وقد أكملناه من تفسير ابن كثير لأنه اعتمد على نسخة أكمل من النسخه التى بين أيدينا. انظر سورة البقرة آية (7) لبيان (ونطبع على قلوبهم) وانظر سورة طه آية (128) ، وسورة السجدة آية (26) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 قوله تعالى (تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين) قال ابن كثير: لما قص تعالى على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خبر قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين، وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى (تلك القرى نقص عليك) أي: يا محمد (من أنبائها) أي: من أخبارها، (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) أي: بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وقال تعالى (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (تلك القرى نقص عليك من أنبائها) الآية. ذكر أنباءهم مفصلة في مواضع كثيرة. كالآيات التى ذكر فيها خبر نوح وهود، وصالح ولوط، وشعيب وغيرهم، مع أممهم صلوات الله وسلامه عليهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (بما كذبوا من قبل) قال: كقوله (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي بن كعب (فما كانو ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) قال: كان في علمه يوم أقروا له بالميثاق. انظر الآية السابقة لبيان (كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين) . قوله تعالى (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) اُخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) قال: في الميثاق الذي أخذه في ظهر آدم عليه السلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) قال: القرون السابقة. قوله تعالى (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها) الآية. بين تعالى هنا أن فرعون وملأه ظلموا بالآيات التي جاءهم بها موسى، وصرح في النمل بأنهم فعلوا ذلك جاحدين لها، مع أنهم مستيقنون أنها حق لأجل ظلمهم وعلوهم؛ وذلك في قوله (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) . قوله تعالى (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فإذا هي ثعبان مبين) قال: تحولت حية عظيمة. قوله تعالى (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين) . ذكر تعالى هنا أن موسى نزع يده فإذا هي بيضاء، ولم يبين أن ذلك البياض خال من البرص، ولكنه بين ذلك في سورة: "النمل" و"القصص" في قوله فيهما (تخرج بيضاء من غير سوء) أي من غير برص. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بيضاء للناظرين) يقول: من غير برص. قوله تعالى (أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أرجه وأخاه) أي: أحبسه وأخاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 أخرج الطبري بسنده ثابت عن ابن عباس: (وأرسل في المدائن) قال: الشرط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأرسل في المدائن حاشرين) فحشروا عليه السحرة (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) يقول: عطية تعطينا (إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين) . قوله تعالى (قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) . لم يبين هنا هذا السحر العظيم ما هو؟ ولم يبين هل أوجس موسى في نفسه الخوف منه؟ ولكنه بين كل ذلك في "طه" بقوله (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) . ولم يبين هنا أنهم تواعدوا مع موسى موعداً لوقت مغالبته مع السحرة، وأوضح ذلك في سورة "طه" في قوله عنهم (فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى قال موعدكم يوم الزينة) الآية. قوله تعالى (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فماذا هي تلقف ما يأفكون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) فالقى موسى عصاه فتحولت حية فأكلت سحرهم كله. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد فيقول الله (يأفكون) قال: يكذبون. قوله تعالى (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فوقع الحق) قال: ظهر الحق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 قوله تعالى (وألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لَما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين) أخرج الطبري بسند ثابت عن ابن عباس قال: لما رأت السحرة ما رأت، عرفت أن ذلك أمر من السماء وليس بسحر، فخروا سجدا، وقالوا: (آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) . انظر قصة إيمان السحرة في سورة طه آية (70-75) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ثم لأصلبنكم أجمعين) لم يبين هنا الشىء الذي توعدهم بأنهم يصلبهم فيه، ولكنه بينه في موضع آخر، كقوله في "طه" (ولأصلبنكم في جذوع النخل) الآية. قوله تعالى (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويذرك وآلهتك) قال: يترك عبادتك. قوله تعالى (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (من قبل أن تأتينا) من قبل إرسال الله إياك وبعده. قوله تعالى (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (بالسنين) ، الجائحة (ونقص من الثمرات) دون ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 قوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث: في المرأة، والدار، والدابة". (الصحيح 10/223 ح 5753 - ك الطب، ب الطيرة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1746 ح 2223 - ك السلام، ب الطيرة والفأل ... ) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فإذا جاءتهم الحسنة) العافية والرخاء (قالوا لنا هذه) نحن أحق بها (وإن تصبهم سيئة) بلاء وعقوبة (يطيروا) يتشاءموا بموسى. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) ذكر تعالى في هذ الآية الكريمة: أن فرعون وقومه إن أصابتهم سيئة أي قحط وجدب ونحو ذلك، تطيروا بموسى وقومه فقالوا: ما جاءنا هذا الجدب والقحط إلا من شؤمكم، وذكر مثل هذا عن بعض الكفار مع نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله (وإن تصيبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) الآية. وذكر نحوه أيضاً عن قوم صالح مع صالح في قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) الآية. وذكر نحو ذلك أيضاً عن القرية التي جاءها المرسلون في قوله (قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) الآية. وبين تعالى أن شؤمهم من قبل كفرهم، ومعاصيهم. لا من قبل الرسل قال في "الأعراف" (ألا إنما طائرهم عند الله) وقال في سورة "النمل" في قوم صالح (قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون) وقال في "يس" (قالوا طائركم معكم) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ألا إنما طائرهم عند الله) قال: مصائبهم عند الله، قال الله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 قوله تعالى (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الطوفان) الماء والطاعون علي كل حال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (القمل) الدّبي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض، ليكون الله الحجة عليهم، فأخذهم الله بذنوبهم، فأغرقهم في اليمّ. قوله تعالى (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن محمد بن المنكدر وأبى النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص، عن أبيه، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطاعون رِجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه". وقال أبو النضر "لا يخرجكم إلا فرار منه". (الصحيح 4/1737 ح 2218 - ك السلام، ب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها) وأخرجه البخاري في (الصحيح ح 6974 - ك الحيل، ب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون) . قوله تعالى (فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (الرجز) العذاب. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (إلى أجل هم بالغوه) قال: عدد مسمى من أيامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 قوله تعالى (فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) انظر سبب غرقهم مفصلاً في سورة طه آية (77-78) . قوله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها) قال: التي بارك فيها الشام. قال ابن كثير: وأخبر تعالى أنه أورث القوم الذين يستضعفون -وهم بنو إسرائيل- (مشارق الأرض ومغاربها) كما قال تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون) ، وقال تعالى (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك واورثناها قوماً آخرين) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) الآية. لم يبين هنا من هؤلاء القوم، ولكنه صرح في سورة "الشعراء" بأن المراد بهم بنو إسرائيل لقوله في القصة بعينها (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) الآية، وأشار إلى ذلك هنا بقوله بعده (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) . قوله تعالى (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) الآية. لم يبين هنا هذه الكلمة الحسنى التي تمت عليهم، ولكنه بينها في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 القصص بقوله (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) قال: ظهور قوم موسى على فرعون، وتمكين الله في الأرض ماورثهم منها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماكانوا يعرشون) يقول: يبنون. قوله تعالى (قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) قال الترمذي: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمّا خرج إلى خيبر مرَّ بشجرة للمشركين يُقال لها ذات أنواطٍ يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذاتُ أنواط فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سبحان الله هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سُنّة من كان قبلكم. (السنن 4/475 ح 2180 - ك الفتن، ب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم) ، وأخرجه النسائي (التفسير 1/499 ح 205) ، وأحمد (المسند 5/218) كلاهما: من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الأحسان 15/94 ح 6702) من طريق يونس عن الزهري به. وعند أكثر هؤلاء: لحنين "بدل لخبير" وهو الصواب كما في نسخة معتمدة من سنن الترمذي. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني. صحيح (صحيح الترمذي ح 1771) وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.. (حاشية الإحسان) . قوله تعالى (إن هؤلاء متبّر ماهم فيه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اِن هؤلاء متبر ماهم فيه) يقول: خسران. قوله تعالى (قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين) انظر سورة البقرة آية (47) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 قوله تعالى (وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) انظر سورة البقرة آية (49-50) . قوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) انظر سورة البقرة آية (51) . قال ابن كثير: فلما تم الميقات عزم موسى على الذهاب إلى الطور، كما قال تعالى (يابني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن) الآية، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد وهذا تنبيه وتذكير، وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف كريم على الله، وله وجاهة وجلالة صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء. قوله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى المازنى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لُطم وجهه وقال: يا محمد إن رجلاً من أصحابك من الأنصار لطم وجهي. قال: "ادعوه"، فدعوه، قال: "لِمَ لطمتَ وجهه؟ " قال: يا رسول الله، إني مررت باليهود، فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر. فقلت: وعلى محمد؟ وأخذتني غضبة فلطمته. قال: "لا تخيّروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يُفيق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جُزي بصعقة الطور". (الصحيح 8/152-153 ح 4638 -ك التفسير- سورة الأعراف، ب الآية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح4/1843 - ك الفضائل، ب من فضائل موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً) قال حماد: هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال: فساخ الجبل (وخر موسى صعقاً) . (السنن 5/265 ح 3074 - ك تفسير القرآن، ب ومن سورة الأعراف) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. وأخرجه أحمد في المسند (3/125) ، وابن خزيمة في التوحيد (1/258-263 ح 162-166) ، والحاكم في المستدرك (2/320-321 -ك التفسير) ، والضياء المقدسي في (المختارة 5/54-57 ح 1672-1675) من طرق عن حماد بن سلمة به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وابن الملقن. وقال ابن كثير: إسناد صحيح لا علة فيه) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (دكا) قال: دك بعضه بعضاً. قوله تعالى (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) يقول: أنا أول من يؤمن أنه لايراك شيء من خلقك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأنا أول المؤمنين) ، أنا أول قومي إيماناً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 قوله تعالى (وكتبنا له في الألواح من كل شيء) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: حفِظناه من عمرو، عن طاوُس: سمعت أبا هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "احتجّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصفاك الله بكلامه وخطّ لك بيده، أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى "ثلاثا". (الصحيح 11/ 513 ح 6614 - ك القدر، ب تحاج آدم وموسى عند الله) . قوله تعالى (موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأُريكم دار الفاسقين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أو: سعيد بن جبير، وهو في أصل كتابي: عن سعيد بن جبير في قول الله: (وتفصيلا لكل شيء) قال: ما أمروا به ونهوا عنه. أخرج الطبري بسند صحيح عن عكرمة، عن ابن عباس: (فخذها بقوة) قال بجد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) بأحسن ما يجدون فيها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (سأريكم دار الفاسقين) قال: مصيرهم في الآخرة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (سأريكم دار الفاسقين) قال: منازلهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 قوله تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) قال ابن كثير: يقول تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) أي: سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، وقال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) . وقوله (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) ، كما قال تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) . قوله تعالى (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل، الذي اتخذه لهم السامري من حُلي القبط، الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل منه عجلاً، ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام، فصار عجلاً جسداً له خوار (والخوار) صوت البقر. وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول تعالى إخباراً عن نفسه الكريمة (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين) . بين في هذه الآية الكريمة سخافة عقول عبدة العجل، ووبخهم على أنهم يعبدون مالا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وأوضح هذا في سورة طه، بقوله (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 قوله تعالى (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن عبدة العجل اعترفوا بذنوبهم وندموا على ما فعلوا. وصرح في سورة البقرة بتوبتهم ورضاهم بالقتل وتوبة الله جل وعلا عليهم بقوله (وإذا قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) . أوضح الله ما ذكره هنا بقوله في "طه" (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) الآية. قوله تعالى (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح..) قال أحمد: حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس الخبر كالمعاينة، إن الله عز وجل أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح، فلما عاين ماصنعوا ألقى الألواح فانكسرت". (المسند 1/271) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/96 ح 6213) من طريق الحسن بن سفيان. والحاكم (المستدرك 2/321) من طريق العباس بن محمد الدوري، كلاهما عن سريج بن النعمان به، وليس عندهما قوله: "فانكسرت". قال الحاكم. صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار والطبراني في (الأوسط) ، ثم قال: رجاله رجال الصحيح (المجمع 1/153) ، وصححه ابن حبان. وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - الأعراف /150 - ح 1004) ، وابن حبان (الإحسان ح 6214) ، والحاكم (المستدرك 2/380) من طرق، عن أبي عوانة، عن سعيد بن جبير بنحوه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في (تخريج أحاديث المشكاة ح 5738) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (أسفاً) قال: حزيناً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 قوله تعالى (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أمّ إن القوم استضعفوني) الآية. أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى ما اعتذر به نبي الله هارون لأخيه موسى عما وجهه إليه من اللوم، وأوضحه في "طه" بقوله (قال يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) وصرح الله تعالى ببراءته بقوله (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) . أخرج الطبري بسند صحيح عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما رجع موسى إلى قومه، وكان قريبا منهم، سمع أصواتهم، فقال: إني أسمع أصوات قوم لاهين: فلما عاينهم وقد عكفوا على العجل، ألقى الألواح فكسرها، وأخذ برأس أخيه يجره إليه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) قال: أصحاب العجل. وانظر قصة السامري الذي صنع من حليهم عجلاً له خوار، في سورة طه آية (78-98) . قوله تعالى (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) قال ابن كثير: أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة، حتى قتل بعضهم بعضاً، كما تقدم في سورة البقرة (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) . وعن الذلة انظر سورة البقرة آية (61) قوله تعالى (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 قوله تعالى (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكناهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فلما أخذتهم الرجفة) ماتوا ثم أحياهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء) ، إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء، وتصرفه عمن تشاء. قوله تعالى (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنّا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) انظر سورة البقرة آية (201) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (إنّا هدنا إليك) ، يقول: تبنا إليك. قال أحمد: ثنا حسن وروح قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "افتخرت الجنة والنار فقالت النار يارب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف وقالت الجنة رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين فيقول الله تبارك وتعالى للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقي في النار أهلها ... " الحديث. (المسند 3/13 و 78 واللفظ للأول) ، وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في السنة (ح 528) ، وأبو يعلى في مسنده (ح 1313) ، وابن خزيمة في التوحيد (1/214-215 رقم 121) ، وابن حبان في صحيحه (16/492 رقم 7454) من طرق عن حماد بن سلمة به. وقال الألباني في (ظلال الجنة 1/233) : حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، غير أن عطاء بن السائب كان اختلط، وحماد ابن سلمة روى عنه في الأختلاط وقبله، فلا يحتج به بحديثه عنه إلا إذا تبين أنه سمعه منه، قبل، وهيهات. ولكن الحديث صحيح لمجيئه من طريق أخرى عن أبي سعيد ... ، يشير إلى ما أخرجه مسلم في (صحيحه ح 2847 - ك الجنة، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء) ، ولم يسق لفظه بل أحال على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 لفظ حديث أبى هريرة الآتي. وأحمد (3/79) وغيرهما من طريق أبي صالح عن أبي سعيد مرفوعاً، ولفظ أحمد: " ... قال: فقضى بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من اشاء ... ". وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً عند البخاري (ح 4850 - ك التفسير، (وتقول هل من مزيد) ، ومسلم (ح 2846 - ك الجنه، ب النار يدخلها الجبارون) ، بنحو لفظ أبي صالح عن أبي سعيد، ولفظ لمسلم: "أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وربما قال أصيب بك من أشاء". قوله تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن داود عن أبي عثمان عن سلمان قال: خلق الله مائة رحمة فجعل منها رحمة بين الخلائق، كل رحمة أعظم ما بين السماء والأرض فيها تعطف الوالدة على ولدها وبها شرب الطير والوحش الماء فإذا كان يوم القيامة قبضها الله من الخلائق فجعلها والتسع والتسعين للمتقين فذلك قوله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) . (المصنف 13/182 ح 16053) وإسناده صحيح عن سلمان، رجاله كلهم ثقات، وقد أخرجه مسلم في (صحيحه 4/2109 - ك التوبه، ب في سعة رحمة الله تعالى) من طريق أبي معاوية عن داود ابن أبي هند عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعاً لكن بدون ذكر الآية، وبدون قوله (للمتقين) . وانظر ما تقدم في سورة الفاتحة عند قوله تعالى (الرحمن الرحيم) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة والحسن في قوله: (ورحمتي وسعت كل شيء) قالا: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فسأكتبها للذين يتقون) ، يعنى الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فسأكتبها للذين يتقون) ، معاصى الله. قوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ... ) انظر حديث البخاري الآتي عند الآية رقم (2) من سورة الجمعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمى) هذا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال، عن عطاء ابن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلتُ: أخبرني عن صفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التوراة، قال: أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولى، سمّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، لا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويُفتح بها أعيُن عمي وأذان صم وقلوب غلف) . تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال عن عطاء عن ابن سلام. غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يكن مختوناً. (الصحيح 4/402 ح 2125 - ك البيوع، ب كراهية السخب في الأسواق) . وانظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم تحت الآية (3-4) من سورة آل عمران. وهو حديث: "أنزلت التوراة لست مضين ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله: (الذي يجدونه مكتوباً عندهم) ، يقول: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم. قال النسائي: أخبرنا سويد قال: أنبأنا عبد الله، عن معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه قال: سمعت عثمان - رضي الله عنه - يقول: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبّد، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة. فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع عليّ أو تشرب من هذه الخمرة كأساً أو تقتل هذا الغلام قال: فاسقيني من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 هذا الخمر كأساً، فسقته كأساً قال: زيدوني، فلم يرمْ حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يُخرج أحدهما صاحبه. (السنن 8/315 - ك الأشربة، ب ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 12/168-169 ح 5348) من طريق عمر بن سعيد عن الزهري به مرفوعاً. وأخرجه الضياء من طريق ابن إسحاق عن الزهري مختصرا بلفظ: "فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماها أم الخبائث" (المختارة 1/464 ح 338) ، وقال الدارقطني: والموقوف هو الصواب (العلل 3/41) . وذكره ابن كثير في تفسير سورة المائدة 3/180 وقال: وهذا إسناد صحيح. وقال الألباني في (صحيح سنن النسائي 3/ 1147 ح 5236) : صحيح موقوف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويحرم عليهم الخبائث) ، وهو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المأكل التى حرمها الله. قوله تعالى (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم) ، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم. يقول: يضع ذلك عنهم. قوله تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسول إلى جميع الناس، وصرح بذلك في آيات كثيرة كقوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) ، وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) ، وقوله (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) وقيد في موضع آخر: عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن، وهو قوله تعالى (وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به، ومن بلغ) ، وصرح بشمول رسالته لأهل الكتاب مع العرب بقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) إلى غير ذلك من الآيات. قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى: أخبرنا ابن وهب. قال: وأخبرني عمرو، أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان مِن أصحاب النار". (الصحيح 1/134 ح 153 - ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا..) . انظر حديث البخاري تحت الآية رقم (151) من سورة آل عمران. وهو حديث: "أعطيت خمساً ... ". قوله تعالى ( ... الذي له ملك السموات والأرض) انظر حديث الترمذي عن أبي ذر الآتى تحت الآية (44) من سورة الإسراء، وهو حديث (الأطيط) . قوله تعالى (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الذي يؤمن بالله وكلماته) يقول: آياته. قوله تعالى (ومن قوم موسى أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون) قال ابن كثير: يقول تعالى يخبرنا عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به، كما قال تعالى (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) وقال تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله، وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) . قوله تعالى (وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم ... ) انظر سورة البقرة آية (60) وآية (136) لبيان الأسباط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 قوله تعالى (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) انظر حديث البخاري عن سعيد بن زيد المتقدم تحت الآية (57) من سورة البقرة. وهو حديث: "الكمأة من المن ... ". انظر سورة البقرة آية (57) . قوله تعالى (وإذ قيل لهم اسكنوا هذة القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين. فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون) انظر سورة البقرة آية (58-59) . انظر حديث البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً عند الآية (58) من سورة البقرة. وفي حديث: "فدخلوا يزحفون على أستاههم ... " انظر حديث البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد المتقدم تحت الآية (59) من سورة البقرة. وهو حديث: "الطاعون رجز ... ". قوله تعالى (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هي قرية على شاطئ البحر، بين مصر والمدينة، يقال لها: أيلة. ا.هـ. وتسمى الآن: إيلات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً) فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر. فإذا مضى يوم السبت، لم يقدروا عليها. فمكثوا بذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة وقالوا: تأخذونها، وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم! فلم يزدادوا إلاغيا وعتوا، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم. فلما طال ذلك عليهم، قالت طائفة من النهاة: تعلموا أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب، لم تعظون قوما الله مهلكهم، وكانوا أشد غضباً بالله من الطائفة الأخرى، فقالوا: (معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله، نجت الطائفتان اللتان قالوا: (لم تعظون قوما الله مهلكهم) ، والذين قالوا: (معذرة إلى ربكم) وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردة وخنازير. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (بعذاب بئيس) قال: شديد. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (بعذاب بئيس) قال: وجيع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما عتوا عن ما نهوا عنه) يقول: لما مرد القوم على المعصية (قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) ، فصاروا قردة لها أذناب، تعاوى بعدما كانوا رجالاً ونساء. وانظر قصة المسخ في سورة البقرة آية (65-66) . قوله تعالى (وإذ تأذن ربك فليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: في قول الله: (وإذ تأذن ربك) قال: أمر ربك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) قال: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمته، إلى يوم القيامة. قوله تعالى (وقطعناهم في الأرض أمما) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (وقطعناهم في الأرض أمما) ، قال: يهود. قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (فخلف من بعدهم خلف) ، قال: النصارى. قوله تعالى (يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يأخذون عرض هذا الأدنى) ، قال: ما أشرف لهم من شيء في اليوم من الدنيا حلال أو حرام يشتهونه أخذوه، ويبتغون المغفرة، فإن يجدوا الغد مثله يأخذوه. قوله تعالى (وإن يأتِهِم عرض مثله يأخذوه) قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: (وإن يأتِهِم عرض مثله يأخذوه) ، قال: من الذنوب. وسنده صحيح. قوله تعالى (ألم يُؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق) الآية. هذا الميثاق المذكور يبينه قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلًا فبئس ما يشترون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 قوله تعالى (والذين يُمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) انظر سورة آل عمران آية (113-115) . قوله تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا مافيه لعلكم تتقون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) ، فهو قوله تعالى (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) سورة النساء آية: 154، فقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة) ، وإلا أرسلته عليكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة) ، أي بجد (واذكروا مافيه لعلكم تتقون) ، جبل نزعه الله من أصله، ثم جعله فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذن أمري، أو لأرمينكم به!. انظر سورة البقرة آية (63) . قوله تعالى (وإذ أخد ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) قال البخاري: حدثنا قيس بن حفص، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني عن أنس يرفعه: "إن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيتَ إلا الشرك". (الصحيح 6/419 ح 3334 - ك أحاديث الانبياء، ب خلق آدم وذريته) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2160-2161 ح 2805 -صفات المنافقين- ب طلب الكافر الفداء) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا أبو نعيم. حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أو لم يبق من عمري أربعين سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونُسِّي آدم فنُسِّيت ذريته، وخطيء آدم فخطئت ذريته. (السنن 5/267 ح 3076 - ك التفسير، ب ومن سورة الأعراف) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/325) من طريق: بشر بن موسى الأسدي وعلي بن عبد العزيز، كلاهما عن أبي نعيم به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح 2459) . قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن حازم عن كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يِديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . (المسند ح 2455) ، وأخرجه النسائي (التفسير 1/506 ح 211) عن محمد بن عبد الرحيم. والطبري (التفسير 13/222 ح 15338) عن أحمد بن محمد الطوسي والحاكم (المستدرك 2/544) من طريق جعفر بن محمد الصائغ، كلهم عن حسين بن محمد به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/25، 188، 189) . وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وحسن إسناده محقق النسائي. وأورده الألباني في (السلسلة الصحيحة ح 1623) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) ، قال: إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر، فقال لهم: من ربكم؟ قالوا: الله ربنا! ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب ثنا محمد بن سعيد بن سابق، أنبأنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية رفيع، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - في قول الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) قال: جمعه له يومئذ جميعاً ما هو كاين منه إلى يوم القيامة فجعلهم أزواجا ثم صورهم، ثم استنطقهم وتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) قال: فإني أُشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أن لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئا وإني سأرسل لكم رسلا ينذرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي، قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقروا له يومئذ بالطاعة ورفع أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك. فقال: يا رب لو سويت بين عبادك، قال: إني أحببت أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة فهو الذي يقول تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وهو الذي يقول: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) وفي ذلك قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 (هذا نذير من النذر الأولى) وفي ذلك قال: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) . وسنده حسن، وأخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي به، (المستدرك 2/323-324- ك التفسير) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 3/363-366 ح 1158-1159) من طرق عن الربيع بن أنس بنحوه، قال محققه: إسناده حسن. وقد حكم الحافظ ابن حجر على طريق أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن إسناده جيد وانظر مقدمة هذه الموسوعة عن التفصيل في هذا الإسناد. قوله تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) روى عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود في قوله تعالى (آتيناه آياتنا فانسلخ منها) قال: هو بلعم بن آبر. (التفسير/2 243 طبعة الرشد) ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبري في تفسيره (13/253- 254، رقم 15389) والحاكم في المستدرك (2/325) ، إلا أن عند الطبري "ابن أبر، بضم الباء"، وعند الحاكم "بلعم بن باعوراء" وأخرجه أيضاً النسائي في تفسيره (رقم 213) والطبري (رقم 15381- 15383-15385-15388) وابن أبي حاتم (الأعراف 1343) والطبراني في الكبير (9/249 رقم 9064) من طريق أبى الضحى بإسناده، وابن أبي حاتم: رجل من أهل اليمن. وسكت عليه الحاكم، وأشار الذهبي إلى أنه على شرط الشيخين، قال الهيثمي في (المجمع 7/25) : رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وقال محقق النسائي: صحيح موقوف، وكذا صحح إسناده محقق ابن أبي حاتم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، أخبرني يعلى بن عطاء قال: سمعت نافع بن عاصم يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول في هذه الآية (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) ، قال: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي. (التفسير: سورة الأعراف ح 1344) ، وأخرجه أيضاً النسائي في تفسيره (1/508 رقم 212) ، والطبري في تفسيره (13/256 رقم 1540-15406) من طرق عن شعبة به. وأورده ابن كثير في (تفسيره 2/265) من رواية شعبة، بإسناده عن عبد الله بن عمرو، ثم قال: وقد روى من غير وجه عنه، وهو صحيح إليه. وقال الهيثمي في (المجمع 7/25) : رواه الطبري ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/154) : وروى ابن مردويه بإسناد قوي عن عبد الله بن عمرو ابن العاص.. فذكره. قال ابن كثير: وكأنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه ... إلى آخر كلامه رحمه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه أياتنا فانسلخ منها) قال هو رجل من مدينة الجبارين يقال له: بلعم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان) ، الآية، هذا مثل ضربه الله لمن عُرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه، قال: وكان الحسن يقول: هو المنافق (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) ، قال: هذا مثل الكافر ميت الفؤاد. وهذا الرأي يجمع بين الآراء السابقة. قوله تعالى (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ولو شئنا لرفعناه بها) لدفعناه عنه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (أخلد) سكن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) ، أما (أخلد إلى الأرض) ، فاتبع الدنيا وركن إليها. قوله تعالى (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أوتتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أوتتركه يلهث) قال: تطرده، هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمثله كمثل الكلب) ، إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها، وإن ترك لم يهتد لخير، كالكلب إن كان رابضا لهث، وإن طرد لهث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 قوله تعالى (من يهدِ الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) قال الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله عز وجل خلق خلقه في ظُلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جَفَّ القلم على علم الله". (السنن 5/26 ح 2642 - ك الأيمان، ب ما جاء في افتراق هذة الأمة) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/176) س طريق أبي إسحاق الفزاري. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/43 ح 6169) من طريق ابن المبارك. والحاكم (المستدرك 1/30) من طريق: الوليد البيروتي، ومحمد بن كثير المصيصي، وأبي إسحاق الفزاري. -في حديث طويل- كلهم عن الأوزاعي، عن ربيعة بن يزيد عن ابن الديلمي به. وله طرق أخرى عن ابن الديلمي غير هذه (انظر منها: مسند أحمد 2/197، والإحسان ح 6170) . قال الترمذي: حديت حسن. وقال الحاكم: حديث صحيح قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجال أحد إسنادي أحمد ثقات (مجمع الزوائد 7/193-194) . وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 2130) . قوله تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولقد ذرأنا لجهنم) ، خلقنا. قال ابن كثير: وقوله تعالى (لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) يعني: ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله، كما قال تعالى (وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله) ... الآية. وقال تعالى (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) هذا في حق المنافقين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وقال في حق الكافرين (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) ولم يكونوا صماً بكماً عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) وقال (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وقوله تعالى (أولئك كالأنعام) أى: هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا كما قال تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) أي: ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول. ولهذا قال في هؤلاء: (بل هم أضل) أي: من الدواب لأن الدواب قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبَسّ بها، وإن لم تفقه كلامه. انظر حديث عائشة الآتي عند الآية (15) من سورة الاسراء. وهو حديث: "إن الله خلق للجنة أهلاً". قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: حفظناه من أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رواية قال: "لله تسعة وتسعون اسماً -مائة إلا واحدة- لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يُحب الوتر". (الصحيح 11/218 ح 6410 - ك الدعوات، ب لله مائة اسم غير واحدة) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/2062 - ك الذكر والدعاء، ب في أسماء الله تعالى ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذروا الذين يلحدون في أسمائه) قال: (الإلحاد) ، التكذيب. قوله تعالى (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) قال البخاري: حدثنا الحميدي: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر: حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يزال من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" فقال مالك بن يُخامر: سمعت معاذاً يقول: وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام. (الصحيح 13/451 ح 7460 - ك التوحيد، ب قول الله تعالى (إنما قولنا لشئ إذا أردناه) وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1524 ح 1037 -ك الإمارة- ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لا تزال طائفة من أمتى ... *. قوله تعالى (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) قال ابن كثير: يقول تعالى (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا، حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) . ولهذا قال تعالى (وأملى لهم) أي: وسأملي لهم، أطول لهم ماهم فيه (إن كيدي متين) أي قوي شديد. قال تعالى (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين) قال ابن كثير: يقول تعالى (أولم يتفكروا) هؤلاء بآياتنا (ما بصاحبهم) يعني محمداً -صلوات الله وسلامه عليه- (من جنة) أي: ليس به جنون، بل هو رسول الله حقا دعا إلى حق (إن هو إلا نذير مبين) أي: ظاهر لمن كان له قلب ولب يعقل به ويعي به، كما قال تعالى (وماصاحبكم بمجنون) وقال تعالى (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) . قوله تعالى (أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض) انظر سورة الأنعام آية (75) لبيان ملكوت السموات والأرض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 قوله تعالى (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) انظر سورة الإسراء آية (67) وفيها تفسير ابن كثير. قوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وقد جاءت آيات أخر تدل على ذلك أيضاً كقوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها) ، وقوله (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو) وقد ثبت في الصحيح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها الخمس المذكورة في قوله تعالى (إن الله عنده علم الساعة) الآية. قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر. قالا: حدثنا ححاج بن محمد. قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول قبل أن يموت بشهر: "تسألوني عن الساعة؟ وإنما علمها عند الله. وأقسم بالله! ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة". الصحيح 4/1966 ح 2538 - ك فضائل الصحابة، ب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض) . قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي- حدثنا شعبة، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس". (الصحيح 4/2268 ح 2949 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب قرب الساعه) . وانظر حديث مسلم الآتي عند الآية رقم (1) من سورة القمر، وحديث البخاري عن أبي هريرة الآتي عند الآية (34) من سورة لقمان. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق، بسنده عن ابن عباس قال: قال: جبل بن أبي قشير، وشمول بن زيد، لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يامحمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيّا كما تقول، فإنا نعلم متى هي؟. فأنزل الله تبارك وتعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي) إلى قوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) متى قيامها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (مرساها) منتهاها. قوله تعالى (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) ، يقول: علمها عند الله، هو يجليها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (لا يجليها) ، يأتي بها. قوله تعالى (ثقلت في السموات والأرض) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (ثقلت في السموات والأرض) يقول: خفيت في السموات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم ملك مقرب، ولا نبي مرسل. قوله تعالى (لا تأتيكم إلا بغتة) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم. والرجلان يتبايعان الثوب، فما يتبايعانه حتى تقوم. والرجل يلط في حوضه، فما يصدر حتى تقوم". (الصحيح 4/2270 ح 2954 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب قرب الساعة) ، وأخرج البخاري (الصحيح ح 6506 - ك الرقاق) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (لا تأتيكم إلا بغتة) ، يقول يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة. قوله تعالى (يسألونك كأنك حفي عنها) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (كأنك حفي عنها) استحفيت عنها السؤال حتى علمتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 قوله تعالى (قل لا أملك بنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ماشاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) الآية. هذه الآية تدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وقد أمره تعالى أن يقول إنه لا يعلم الغيب في قوله في "الأنعام" (قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب) الآية، وقال (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) الآية، وقال (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) الآية. إلى غير ذك من الآيات. والمراد بالخير في هذه الآية الكريمة قيل: المال، ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى المال في القرآن كقوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) وقوله (إن ترك خيراً) وقوله (قل ما أنفقتم من خير) الآية. إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) من آدم. قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) الآية. ذكر في هذه الآية الكريمة أنه خلق حواء من آدم ليسكن إليها، أي: ليألفها ويطمئن بها، وبين في موضع آخر أنه جعل أزواج ذريته كذلك، وهو قوله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وجعل منها زوجها) ، حواء فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 قوله تعالى (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) استبان حملها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فلما أثقلت) ، كبر الولد في بطنها. قوله تعالى (لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن معمر قال: قال الحسن في قوله: (لئن آتيتنا صالحا) قال: غلام. قوله تعالى (فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا. اهـ وصححه ابن كثير في التفسير. قوله تعالى (أيُشركون ما لايخلق شيئاً وهم يخلقُون) قال ابن كثير: هذا إنكار على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة، لا تملك شيئاً من الأمر، ولا تضر ولا تنفع، ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم، ولهذا قال (أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون) أي: أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك، كما قال تعالى (ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضَعُفَ الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) وأخبر تعالى أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها ما استطاعوا خلق ذبابة، بل استلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر؟. ولهذا قال تعالى (لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون) أي: بل هم مخلوقون مصنوعون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 قوله تعالى (ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون) قال ابن كثير: ثم قال تعالى (ولا يستطيعون لهم نصراً) أى: لعابديهم (ولا أنفسهم ينصرون) يعني: ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء، كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويُهينها غاية الإهانة، كما أخبر تعالى عنه في قوله (فراغ عليهم ضرباً باليمين) وقال تعالى (فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) . قوله تعالى (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) قال ابن كثير: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) الآية، يعني: أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ودحاها، كما قال إبراهيم (يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً) . قوله تعالى ( ... قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون) قال ابن كثير: وقوله (قل ادعوا شركاءكم) الآية، أي: استنصروا بها عليّ، فلا تؤخروني طرفة عين، واجهدوا جهدكم! (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) أي: الله حسبي وكافيّ، وهو نصيري، وعليه متكلي، وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة، وهو ولي كل صالح بعدي. وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدون جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) . قوله تعالى (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يُبصرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) قال: هؤلاء المشركون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 قال ابن كثير: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يُبصرون) كقوله تعالى (إن تَدْعوهم لا يسمعوا دعاءكم) الآية. قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هِيْ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزْل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله. (الصحيح 8/155 ح 4642 -ك التفسير- سورة الأعراف، ب الآية) . أخرج البخاري بسنده الصحيح عن عبد الله بن الزبير (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال: ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس. (الصحيح ح 4643 -ك التفسير) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس وأعمالهم، من غير تحسس أو تجسس، شك أبو عاصم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (خذ العفو) ، يعني خذ ما عفا لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه. فكان هذا قبل أن تنزل (براءة) بفرائض الصدقات وتفصيلها، وما انتهت الصدقات إليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) ، قال: أخلاق أمر الله بها نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودله عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 قوله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ... ) قال ابن كثير: وأصل (النزغ) الفساد، إما بالغضب أو غيره، قال الله تعالى (وقل لعبادى يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم) و (العياذ) الالتجاء والاستناد والإستجارة من الشر، وأما (الملاذ) ففي طلب الخير، كما قال أبو الطيب: يا مَنْ ألوذ به فيما أوْملُه ... ومَنْ أعُوذ به مما أحَاذرُه لا يَجبْرُ الناس عَظماً أنت كاسرُه ... ولا يَهِيضون عَظْماً أنت جَابِره قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي صلاة، قال عمرو: لا أدري أى صلاة هي؟ فقال: "الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. ثلاثاً" أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه". قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة. (السنن 1/203 ح 764 - ك الصلاة، ب ما يستفتح به الصلاة الدعاء) ، وأخرجه أحمد (المسند 4/85) ، والطبراني (ح 1568) ، وابن خزيمة (الصحيح 1/239 ح 468) ، وابن حبان (الإحسان 5/78 ح 1779) ، والحاكم (المستدرك 1/235 - ك الصلاة) من طرق عن شعبة قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وللحديث شواهد، منها: عن ابن مسعود، أخرجه ابن ماجة (السنن 1/66) ، وأحمد (المسند 1/404) . ومنها: عن أبي سعيد، أخرجه الترمذي (ح 242) ، وأبو داود (ح 775) ، وغيرهما. وصححه أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي، وحسنه الألباني كما في (الإرواء 2/51-54) . وانظر تفسير الإستعاذة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 قوله تعالى (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عمران أبي بكر قال: حدثني عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني أصرَعُ وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: "إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك". فقالت: أصبُر. فقالت إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. حدثنا محمد، أخبرنا مخلد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر، تلك المرأة الطويلة السوداء، على سِتر الكعبة. (الصحيح 10/119 ح 5652 - ك المرضى، ب فضل من يصرع من الريح) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1994 - ك البر والصلة، ب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (طائف من الشيطان) قال: الغضب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) ، والطائف: اللمة من الشيطان (فإذا هم مبصرون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) يقول: إذا زلوا تابوا. قوله تعالى (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) ذكر في هذه الآية الكريمة أن إخوان الإنس من الشياطين يمدون الإنس في الغي، ثم لا يقصرون، وبين ذلك أيضاً في مواضع أخر كقوله (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) وقوله (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) وبين في موضع آخر أن بعض الإنس إخوان للشياطين وهو قوله (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم. قوله تعالى (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) أي: لولا أتيتنا بها من قبل نفسك؟ هذا قول كفار قريش. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لولا اجتبيتها) يقول: لولا تلقيتها وقال مرة أخرى: لولا أحدثتها فأنشأتها. انظر سورة الأنعام آية (104) لبيان: بصائر. قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى الأشعري، وفيه قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ... ". الحديث، وفيه: "وإذا قرأ فأنصتوا". (الصحيح 1/304 ح 63 - ك الصلاة، ب التشهد في الصلاة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) يعني: في الصلاة المفروضة. قوله تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة) إلى قوله: (بالغدو والآصال) أمر الله بذكره، ونهى عن الغفلة، أما (بالغدو) ، فصلاة الصبح (والآصال) بالعشي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 قوله تعالى (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي. يقول: يا ويله. (وفي رواية أبي كريب: يا ويلي) . أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة. وأمرتُ بالسجود فأبيت فلي النار". (الصحيح 1/87 ح 133 - ك الإيمان، ب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 سورة الأنفال نزولها قال البخاري: حدثني محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هُشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلتُ لابن عباس رضي الله عنهما: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر. (صحيح البخاري 8/156 ح 4645 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) ، أخرجه مسلم (الصحيح - ك التفسير ح 3031، ب في سورة براءة والأنفال) . قوله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية، وأنا فيهم قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سُهمانهم اثنا عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، ونُفَلوا بعيراً بعيراً. (الصحيح 3/1368 ح 1749 - ك الجهاد والسير، ب الأنفال) . وانظر حديث البخاري: "أعطيت خمساً ... " المتقدم تحت الآية رقم (151) من سورة آل عمران، وحديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (90) من سورة المائدة. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين علا رجلاً من المسلمين، فاستدبرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل على فضمّني ضمَة وجدتُ منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقتُ عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه". فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه". فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال الثالثه مثله، فقمت، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مالكَ يا أبا قتاده؟ ". فاقتصصت عليه القصة. فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلبه عندي، فأرضه عني. فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: لاها الله إذأ لا يعمد إلى أسد من أسُد الله يقاتل عن الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعطيك سلبه. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صدق"، فأعطاه، فابتعت مخْرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. (صحيح البخاري 6/284 ح 3142 - ك فرض الخمس، ب من لم يخمس الأسلاب) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 3/1371-1372 - ك فرض الخمس، ب استحقاق القاتل سلب القتيل) . قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار (واللفظ لابن المثنى) . قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه. قال: نزلت في أربع آيات. أصبت سيفاً فأتى به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: يا رسول الله! نفِّلنيه. فقال: "ضعه" ثم قام. فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ضعه من حيث أخذته". ثم قام فقال: نفلنيه يا رسول الله! فقال: "ضعه" فقام فقال يارسول الله! نفلنيه. أأجعل كمن لا غناء له؟ فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ضعه من حيث أخذته" قال: فنزلت هذه الآية: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) . (الصحيح 3/1367-1368 ح بعد رقم 1748 - ك الجهاد والسير، ب الأنفال) . قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب. حدثنا عمر بن يونس. حدثنا عكرمة بن عمار. حدثني إياس بن سلمة. حدثني أبي قال: غزونا فزارة وعلينا أبو بكر. أثَره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علينا. فلما كان بيننا وبين الماء ساعة، أمرنا أبو بكر فعرسنا. ثم شن الغارة. فورد الماء. فقتل من قتل عليه، وسبى. وأنظر إلى عنق الناس. فيهم الذراري. فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل. فرميت بسهم بينهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 وبين الجبل. فلما رأوا السهم وقفوا. فجئت بهم أسوقهم. وفيهم امرأة من بني فزارة. عليها قشع من أدم. (قال: القشع النطع) معها ابنة لها من أحسن العرب. فشقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلني أبو بكر ابنتها. فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوباً. فلقيني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السوق فقال: "يا سلمة! هب لي المرأة" فقلت: يا رسول الله! والله! لقد أعجبتني. وما كشفت لها ثوباً ثم لقيني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الغد في السوق. فقال لي: "يا سلمة! هب لي المرأة. لله أبوك! فقلت: هي لك. يا رسول الله! فوالله! ما كشفت لها ثوباً. فبعث بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهل مكة ففدى بها ناساً من المسلمين، كانوا أسروا بمكة. (الصحيح 3/1375، 1376 ح 1755 - ك الجهاد والسير، ب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى) . قال أبو داود: حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى، أخبرنا أبو إسحاق الفزاري، عن عاصم بن كليب، عن أبي الجويرية الجرمي، قال: أصبت بأرض الروم جرَّة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية وعلينا رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بني سليم يقال له معن بن يزيد، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا نفل إلا بعد الخمس" لأعطيتك، ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت. (السنن 3/81-82 ح 2753 - ك الجهاد، ب في النفل من الذهب والفضة ... ) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/470) من طريق عفان. وابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنفال/1، ح 13) من طريق عون بن الحكم، ومحمد بن أبى نعيم، وعبيد بن محمد، كلهم عن أبي عوانة، عن عاصم بن كليب به، وليس عند ابن أبي حاتم ذكر القصة. قال الألباني: صحيح (صحيح أبي داودح 2392) . وقال محقق ابن أبى حاتم: إسناده صحيح. قال الحاكم: حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق، ثنا أبو المثنى، ثنا مسدد، ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت داود بن أبي هند يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من فعل كذا وكذا أو أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا" فتسارع الشبان إلى ذلك وثبت الشيوخ تحت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 الرايات، لما فتح الله عليهم جاء الشبان يطلبون ما جعل لهم، وقال الشيوخ: إنا كنا ردأ لكم وكنا تحت الرايات، فأنزل الله عز وجل (يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/326-327) وصححه الذهبي وابن الملقن، وأخرجه أبو داوود (السنن - الجهاد، ب النفل ح 2737) ، والطبري (التفسير 13/367 ح 15650-1552) ، وابن حبان (الإحسان 11/490 ح 5093) من طرق عن عكرمة به، قال الشيخ أحمد شاكر: صحيح الإسناد، وذلك في حاشية تفسير الطبري وصححه الألباني في (صحيح سنن أبى داوود ح 2376) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يسألونك عن الأنفال) ، قال (الأنفال) الغنائم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي لا تستبوا. قوله تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) قال: المنافقون، لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولايؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون على الله، ولايصلون إذا غابوا ولايؤدون زكاة أموالهم. فأخبر الله سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فأدوا فرائضه (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا) يقول: تصديقا (وعلى ربهم يتوكلون) ، يقول: لا يرجون غيره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) قال: فرقا من الله تبارك وتعالى، ووجلاً من الله، وخوفاً من الله تبارك وتعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 قال الشيخ الشنقيطي: في هذه الآية الكريمة التصريح بزيادة الإيمان، وقد صرح تعالى بذلك في مواضع أخر؛ كقوله: (واذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ايماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون) . وقوله (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) الآية. وقوله (ليستيقين الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايماناً) الآية. وقوله (والذين اهتدوا زادهم هدى) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) قال: هذا نعت أهل الإيمان، فأثبت نعتهم ووصفهم، فأثبت صفتهم. قوله تعالى (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الذين يقيمون الصلاة) يقول: الصلوات الخمس (ومما رزقناهم ينفقون) يقول: زكاة أموالهم (أولئك هم المؤمنون حقا) يقول: برئوا من الكفر. ثم وصف الله النفاق وأهله فقال (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) إلى قوله (أولئك هم الكافرون حقا) سورة النساء: 150، 151. فجعل الله المؤمن مؤمنا حقا، وجعل الكافر كافراً حقا، وهو قوله (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) سورة التغابن: 2. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أولئك هم المؤمنون حقا) ، استحقوا الايمان بحق، فأحقه الله لهم. انظر سورة آل عمران آية (163) والأنعام آية (83) لبيان درجات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ومغفرة) قال: لذنوبهم (ورزق كريم) قال: الجنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 قوله تعالى (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) قال: كذلك يجادلونك في الحق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أنزل الله في خروجه يعني خروج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بدر، ومجادلتهم إياه فقال: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) لطلب المشركين (يجادلونك في الحق بعد ما تبين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يجادلونك في الحق) قال: القتال. قوله تعالى (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) ، قال: أقبلت عير أهل مكة يريد من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة، فسارعوا السير إليها، لا يغلب عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فسبقت العير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين، فكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنما فلما سبقت العير وفاتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة في القوم. قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لمّا فرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بدر قِيل له: عليك العِير ليس دونها شيء، قال: فناداه العباس وهو في وثاقه: لا يصلحُ، وقال: "إن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك". (السنن 5/269 ح 3080 - ك لتفسير، ب ومن سورة الأنفال) ، وأخرجه أحمد في (المسند ح 2022 وح 2875) ، والحاكم (المستدرك 2/327) ، من طريق أبي نعيم عن إسرائيل به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: إسناد جيد (التفسير 3/556) ، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 قوله تعالى (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) هم المشركون. قوله تعالى (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) قال مسلم: حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر. ح وحدثنا زهير بن حرب (واللفظ له) . حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني أبو زميل (هو سماك الحنفي) . حدثني عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً. فاستقبل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة. ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربّه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم! أت ما وعدتنى، اللهم! إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض". فما زال يهتف بربه، مادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر. فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه. ثم التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله! كذاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) فأمده الله بالملائكة. قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدّ في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه. وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم. فنظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقياً. فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشُق وجهه كضربة السوط. فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: "صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثه" فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى بكر وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى"؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى إن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله إن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ترى؟ يا ابن الخطاب! " قلتُ: لا. والله! يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر. ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتُمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه. وتمكنى من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلتُ. فلما كان من الغد جئتُ فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر قاعدين يبكيان. قلتُ: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدتُ بكاء بكيت. وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أبكى للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عُرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة" (شجرة قريبة من نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وأنزل الله عز وجل (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى قوله (فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً) فأحل الله الغنيمة لهم. (الصحيح 3/1383-1385 - ك الجهاد والسير، ب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم) . قال الضياء المقدسي: أخبرنا زاهر بن أحمد بن حامد الثقفي، أن أبا عبد الله الحسين بن عبد الملك الأديب أخبرهم -قراءة عليه- أنا إبراهيم سبط بحرويه، أنا محمد بن إبراهيم بن المقريء أنا أحمد بن علي، ثنا عبد الله -هو القواريري- ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ثنا مسعر عن أبي عون، عن أبى صالح الحنفي، عن علي قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر ولأبى بكر: "مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، ملك عظيم يشهد القتال أو يكون في القتال". (المختارة 2/257-259 ح 633-636) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/308 ح 1256) ، وأبو يعلى (المسند 1/283-284 ح 340) ، والبزار في (البحر الزخار 2/33 ح 729) ، والحاكم في (المستدرك 3/68) كلهم من طريق مسعر به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي إلى أحمد والبزار وقال: ورجالهما رجال الصحيح (المجمع 6/82) . وصحح إسناده أحمد شاكر ومحقق مسند أبي يعلى ومحقق المختارة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (بألف من الملائكة مردفين) أى: متتابعين. قوله تعالى (وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم) قال ابن كثير: أي وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إياكم بهم إلا بشرى (لتطمئن به قلوبكم) وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على اعدائكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله أي بدون ذلك ولهذا قال (وما النصر إلا من عند الله) كما قال تعالى (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك لو يشاء الله لا تنصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) . قوله تعالى (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويُذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) قال ابن كثير: يذكرهم الله تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أماناً أمنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد كما قال تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) الآية. قال أبو طلحة: كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مراراً يسقط وأخذه، ويسقط وآخذه ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الجحف ... وأحسن ما في هذا ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي رحمه الله حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهساً فأصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشاً ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه وقال مجاهد: أنزل الله عليهم المطر قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الأرض وطابت نفوسهم وثبت به أقدامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 قال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله -وهو ابن مسعود- قال: النعاس في القتال أمنة من الله عز وجل، وفي الصلاة من الشيطان. وأخرجه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري به. وسنده صحيح. انظر حديث مسلم السابق تحت الآية (9) من السورة نفسها. وأخرجه مسلم بسنده الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: "اجتنبوا السبع الموبقات ... ومنها ... التولى يوم الزحف". (الصحيح 1/92 ح 89 -الأيمان- ب الكبائر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: نزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: حين سار إلى بدر والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ، فوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين! فأمطر الله عليهم مطراً شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه بألف من الملائكة، فكان جبريل عليه السلام في خمسمئة من الملائكة مجنّبة، وميكائيل في خمسمئة مجنّبة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ألقى النعاس على المؤمنين ليجعل قلوبهم آمنة غير خائفة من عدوها، لأن الخائف الفزع لا يغشاه النعاس، وظاهر سياق هذه الآية أن النعاس ألقي عليهم يوم بدر، لأن الكلام هنا في وقعة بدر، كما لا يخفى. وذكر في سورة آل عمران أن النعاس غشيهم أيضاً يوم أحد وذلك في قوله تعالى في وقعة أحد (ثم أنزل على من بعد الغم أمنة نعاساً) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 قوله تعالى (إذ يُوحي ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) انظر سورة آل عمران آية (151) لبيان: في قلوب الذين كفروا الرعب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني: بالبنان، الأطراف. قوله تعالى (ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار) انظر سورة البقرة آية (24) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حسان بن عبد الله المصري، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، حدثنا نافع أنه سأل ابن عمر، قلت: إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا، ولاندري من الفئة: إمامنا أوعسكرنا؟ فقال لي: الفئة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: إن الله يقول (إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) ، قال: إنما أنزلت هذه الآية لأهل بدر، لا قبلها ولا بعدها. (التفسير - سورة الأنفال ح 164) ، وأخرجه البخاري معلقاً في التاريخ الكبير (3/188) وفيه تحريف في السياق، والنسائي في تفسيره (1/517، رقم 220) كلاهما من طريق حسان بن عبد الله بإسناده، وإسناده حسن. انظر حديث أبي هريرة: "اجتنبوا السبع الموبقات عند الآية (12) من السورة نفسها. قوله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة لقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) ، أما المتحرف، يقول: إلا مستطرداً يريد العودة (أو متحيزا إلى فئة) قال: المتحيز، إلى الإمام وجنده إن هو كر فلم يكن له بهم طاقة، ولا يعذر الناس وإن كثروا أن يولوا عن الإمام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 قال النسائي في تفسيره: أنا أبو داود قال: أنا أبو زيد الهدوي، نا شعبة، عن داود بن أبي هند نضرة، عن أبي سعيد (ومن يولهم يومئذ دبره) قال: نزلت في أهل بدر. (التفسير: 1/521 و 522، ح 223 و 224) واللفظ للأول. وأخرجه أيضاً أبو داود في (سننه ح 2648 - ك الجهاد، ب في التولي يوم الزحف) ، والطبري في تفسيره (13/436 و 437، ح 15798-15801) ، وابن أبن حاتم في تفسيره (سورة الأنفال ح 147) ، والحاكم في (المستدرك 2/327) من طرق عن داود بن أبي هند به، ولفظ ابن أبي حاتم: "كانت لأهل بدر خاصة". وزاد في رواية الطبري رقم 15801: "لم يكن للمسلمين فئة إلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض". وفى إسنادها علي بن عاصم وهو صدوق يخطئ كما في (التقريب) ، وفي أخرى للطبري (رقم 15798) : " ... ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ مسلم في الأرض غيرهم". وقد قال الحاكم: "صحيح علي شرط مسلم". وأقره الذهبي، وصححه أيضاً الألباني في (صحيح أبى داود 2/502 رقم 2406) ، ومحققا النسائي وابن أبي حاتم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذلكم يوم بدر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الشرك بالله، والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) . قوله تعالى (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً إن الله سميع عليم) قال الحاكم: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، ثنا جدى ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: أقبل أبي بن خلف يوم أحد إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريده، فاعترض رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخلوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ورأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترقوة أبي من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه بحريته فسقط أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فكسر ضلعاً من أضلاعه، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش؟ فذكر لهم قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بل أنا أقتل أبياً" ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات أبي إلى النار، فسحقاً لأصحاب السعير، قبل إن يقدم مكة فأنزل الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) الآية. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/327 - ك التفسير، سورة الأنفال وصححه الذهبي وابن الملقن) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: رفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده يوم بدر فقال: يارب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا! فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب! فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين. (التفسير 13/445 ح 15827) ، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنفال/17 ح 174) من طريق أبيه، عن أبي صالح به. وهذا الإسناد جيد محتج به، وتقدم الكلام عليه عند الآية (29) من سورة النساء. والحديث أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد 6/74) وعزاه للطبراني ثم قال: إسناده حسن. قوله تعالى (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) قال النسائي: أنا عبيد بن سعيد بن إبراهيم بن سعد، نا عمي، نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح يوم بدر أبو جهل، وإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى لما لا نعرف فافتح الغد، وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . (التفسير 1/518 ح 221) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/431) ، والطبري (التفسير 13/452 ح 15839) ، وابن أبي حاتم (التفسير الأنفال/19 ح 183) ، والحاكم (المستدرك 2/328) من طرق عن ابن شهاب به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعند هؤلاء جميعاً: "فأحسنه الغداة". وفي إسناده عبد الله بن ثعلبة له رؤية ولم يثبت له سماع، وله شاهد أخرجه الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما اصطف القوم قال أبو جهل: الله أولانا بالحق فانصره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد. وانظر سورة البقرة آية (89) وفيها يستفتحون: يستنصرون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه!. ففتح بينهم يوم بدر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإن تعودوا نعد) إن تستفتحوا الثانية، نفتح لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) ، محمد وأصحابه. قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وهم لا يسمعون) قال: عاصون. قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) قال: هم نفر من بني عبد الدار. (الصحيح 8/158 ح 4646 -ك التفسير- سورة الأنعام) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الصم البكم الذين لا يعقلون) قال: الذين لا يتبعون الحق. وانظر سورة البقرة آية (18) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ... ) قال البخاري: حدثني إسحاق قال: أخبرنا رَوح، حدثنا شعبة، عن خبيْب ابن عبد الرحمن، سمعت حفص بن عاصم يُحدّث عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال: كنت أصلي، فمر بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: "ما منعك أن تأتي؟ ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) "ثم قال: "لأعلّمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج". فذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخرج، فذكرت له. وقال معاذ: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، سمع حفصاً، سمع أبا سعيد رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا، وقال: "هي الحمد لله رب العالمين، السبع المثاني". (الصحيح 8/158 ح 4647 -ك التفسير- سورة الأنعام، ب الآية) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (لما يحييكم) قال: الحق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. قوله تعالى (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله قال: كثيراً ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحلف: "لا ومقلب القلوب". (الصحيح 11/521 ح 6617 - ك القدر، ب يحول بين المرء وقلبه) . وانظر الأحاديث المتقدمة عند آية (8) من سورة آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 أخرج الطرى بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، يقول: يحول بين المؤمن وبين الكفر، ويحول بين الكافر وبين الإيمان. قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ... ) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا قال: سمعت عامراً يقول: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَثَل القائم على حدود الله والواقع فيها كَمَثَلِ قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجَوا جميعاً"، (الصحيح 5/157 ح 2493 - ك الشركة، ب هل يقرع في القسمة) . قال أحمد: ثنا حسين، قال: ثنا خلف -يعني ابن خليفة- عن ليث، عن علقمة بن مرتد، عن المعرور بن سويد، عن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله عز وجل بعذاب من عنده"، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون، قال: "بلى"، قالت: فكيف يمنع أولئك؟ قال: "يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان". (المسند 6/304) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/268) ، وللحديث شواهد أخرى استوفاها الهيثمي في الموضع المشار إليه. منها ما أخرجه الحاكم بسنده عن مولاه لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/523) ، وصحح إسناده الألباني (السلسلة الصحيحة 3/360) . أخرج مسلم بسنده عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". (صحيح مسلم - كتاب الفتن ح 2880) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وقال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد يعني ابن سعيد حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه! قال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت. (المسند ح 1414) ، وقال محققه: إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/27) . وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 3/66 ح 872) من طريق الإمام أحمد به وقال محققه: إسناده حسن. وانظر حديث أبي بكر وجرير عند تفسير الآية (105) من سورة المائدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب. قوله تعالى (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فآواكم) ، قال: إلى الأنصار بالمدينة (وأيدكم بنصره) وهولاء أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أيدهم بنصره يوم بدر. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتخونوا أماناتكم) والأمانة، الأعمال التي أمن الله عليها العباد يعني الفريضة. يقول: (لا تخونوا) يعني: لا تنقصوها. قوله تعالى (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم) قال الشيخ الشنقيطي: أمر تعالى الناس في هذه الآية الكريمة أن يعلموا: أن أموالهم وأولادهم فتنة يختبرون بها، هل يكون المال والولد سبباً للوقوع فيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 لا يرضى الله؟. وزاد في موضع آخر أن الأزواج فتنة أيضاً، كالمال والولد، فأمر الانسان بالحذر منهم أن يوقعوه فيما لا يرضي الله. ثم أمره إن اطلع على ما يكره من أولئك الأعداء الذين أقرب الناس له، وأخصهم به، وهم الأولاد والأزواج أن يعفو عنهم، ويصفح ولايؤاخذهم، فيحذر منهم أولاً، ويصفح عنهم إن وقع منهم بعض الشيء، وذلك في قوله في التغابن: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) . وصرح في موضع آخر بنهي المؤمنين عن أن تلهيهم الأموال والأولاد عن ذكره جل وعلا، وأن من وقع في ذلك فهو الخاسر المغبون في حظوظه، وهو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) . والمراد بالفتنة في الآيات: الاختبار والابتلاء، وهو أحد معاني الفتنة في القرآن. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويُكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاث مَن كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار". (الصحيح 1/77 ح 16 - ك الأيمان، ب حلاوة الإيمان) وأخرجه مسلم (الصحيح 1/66 ح 43 - ك الإيمان، ب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فرقانا) ، قال: مخرجا في الدنيا والآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 قوله تعالى (وإن يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر قال: وأخبرني عثمان الجزري أن مقسماً مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك فبات عليٌّ على فراش النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الليلة وخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال. (المسند ح 3251) ، قال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن، وهو أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار (البداية والنهاية 3/181) . وحسن إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح 7/236) . وقصة مكر قريش بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواها بطولها: الطبري (التفسير ح 15965) ، وأبو نعيم (دلائل النبوة 1/63) ، والبيهقى (دلائل النبوة 2/468-469) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس، وكذلك أخرجها ابن سعد (الطبقات 1/227) من حديث عائشه وابن عباس وعلى وسراقة بن جعشم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) ، يعني ليوثقوك. وانظر سورة الإسراء آية (73 و76) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ليثبتوك أو يقتلوك) ، قال: كفار قريش، أرادوا ذلك بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يخرج من مكة. قوله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن هذا إلا أساطير الأولين) رد الله عليهم كذبهم وافتراءهم هذا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى (وقالوا أساطير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً. قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً) وما أنزله عالم السر في السموات والأرض فهو بعيد جداً من أن يكون أساطير الأولين، وكقوله (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) . إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) قال البخاري: حدثني أحمد، حدثنا عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن عبد الحميد -هو ابن كرديد صاحب الزيادي- سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال أبو جهل (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب إليم) فنزلت (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) الآية. (الصحيح 8/158 ح 4648 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2154 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب قوله (إن الإنسان ليطغى)) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إن كان هذا هو الحق من عندك) قال: قول النضر بن الحارث أو: ابن الحارث بن كلدة. ا.هـ. وأخرجه من طرق صحيحه مرسلة أخرى، عن سعيد بن جبير وعطاء والسدي، وهي مراسيل يقوي بعضها بعضاً. قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا الأسود بن عامر شاذان، ثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي، عن محمد ابن كعب القرظي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان فيكم أمانان مضت إحداهما وبقيت الأخرى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) . (المستدرك 1/542 - ك الدعاء) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 قال أحمد: ثنا أبو سلمة، أنا ليث، عن يزيد بن الهاد عن عمرو، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول. "إن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم مادامت الأرواح فيهم، فقال الله: فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني". (المسند 3/29) ، وأخرجه أيضاً عن يونس عن ليث به (المسند 3/41) ، وعزاه الهيثمي لأحمد وأبي يعلى والطبراني في الأوسط ثم قال: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي أبى يعلى (مجمع الزوائد 10/207) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/261) من طريق دراج عن أبى الهيثم عن أبي سعيد به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في (السلسله الصحيحة ح 104) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم) يقول: ماكان الله سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ثم قال: (وما كان الله معذبهم وهم بستغفرون) يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار. ثم قال. (وما لهم ألا يعذبهم الله) ، فعذبهم يوم بدر بالسيف. قوله تعالى (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون) قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بنفي ولاية الكفار على المسجد الحرام، وأثبتها لخصوص المتقين، وأوضح هذا المعنى في قوله (ماكان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك إن يكونوا من المهتدين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (إن أولياؤه إلا المتقون) ، من كانوا، وحيث كانوا. قوله تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) المكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 قوله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) الآية حتى قوله (أولئك هم الخاسرون) قال: في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد. ورواه الطبري بسنده الحسن عن السدي ورواه عن غير السدي فهذه مراسيل يقوي بعضها بعضاً. قوله تعالى (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ليميز الله الخبيث من الطيب) ، فميز أهل السعادة من أهل الشقاوة. قوله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) قال البخاري: حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر". (الصحيح 12/277 ح 6921 - ك استتابة المرتدين، ب إثم من أشرك بالله) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/111 ح 120 - ك الأيمان، ب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية) . قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي وأبو معن الرقاشي وإسحاق ابن منصور كلهم عن أبى عاصم واللفظ لابن المثنى: حدثنا الضحاك (يعني أبا عاصم) قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال. حدثني يزيد بن أبى حبيب، عن ابن شُماسة المهري، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكذا؟ أما بشرك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعِد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إني قد كنت على أطباق ثلاث. لقد رأيتني وما أحد أشدّ بُغضاً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منى، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مُتُّ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال: فقبضتُ يدي. قال: "مالك يا عمرو؟ ". قال قلتُ: أردتُ أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟ " قلتُ: أن يُغفر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ " وما كان أحدٌ أحب إلىّ من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أجَلَّ في عيني منه. وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالاً له. ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقتُ. لأني لم أكن أملأ عينيّ منه. ولومُتُّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا مت، فلا تصحبني نائحة ولا نار. فذا دفنتموني فشُنُّوا عليّ التراب شناً. ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور. ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي. (الصحيح 1/112-113 ح 121 - ك الايمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فقد مضت سنة الأولين) في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم قبل ذلك. قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يعني: حتى لا يكون شرك. قال البخاري: حدثنا الحسن بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن يحيى، حدثنا حَيوة، عن بكر بن عمرو، عن بُكير، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) إلى آخر الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي أعَير بهذه الآية ولا أقاتل أحبَّ إليّ من أن أعيَّر بهذه الآية التي يقول الله تعالى: (ومن يقتل مومناً متعمداً) إلى آخرها. قال: فإن الله يقول: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ كان الإسلام قليلا، فكان الرجل يُفتن في دينه: إما يقتلوه، وإما يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن قتنة. فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد قال: فما قولك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 في عليّ وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في عليّ وعثمان؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه، فكرهتم أن يعفو عنه، وأما عليّ فابن عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وختنه -وأشار بيده- وهذه ابنته -أو بنته- حيث ترون. (الصحيح 8/160 ح 4650 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) . وقال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا بيان: أنّ وبرة حدثه قال: حدثني سعيد بن جبير قال: خرج علينا -أو إلينا- ابنُ عمر، فقال رجل: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك. (الصحيح 8/160 ح 4651 -ك التفسير- سورة الأنفال) . وانظر حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.." في سورة التوبة آية (5) . قال البخاري: حدثنا عثمان، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية. فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائماً- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل". (الصحيح 1/268 ح 123 - ك العلم، ب من سأل وهو قائم عالماً جالساً) . قال ابن ماجة: حدثنا سويد بن سعيد، ثنا على بن مسهر، عن عاصم، عن السميط بن السمير، عن عمران بن الحصين، قال: أتى نافع بن الأزرق وأصحابه. فقالوا: هلكتَ يا عمران! قال: ما هلكتُ؟ قالوا: بلى. قال: ما الذي أهلكني؟ قالوا: قال الله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) قال: قد قاتلناهم حتى نفيناهم، فكان الدين كله الله، إن شئتم حدّثتكم حديثاً سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالوا: وأنت سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم، شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد بعث جيشا من المسلمين إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 المشركين، فلما لقوهم قاتلوهم قتالاً شديداً، فمنحوهم أكتافهم. فحمل رجل من لُحمتي على رجل من المشركين بالرمح، فلمّا غشيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، إني مسلم. فطعنه فقتله. فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! هلكتُ. قال: "وما الذي صنعتَ؟ " مرّةً أو مرتين، فأخبره بالذي صنع. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فهلا شققت عن بطنه فعلمتَ ما في قلبه؟ ". قال: يا رسول الله! لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه؟ قال: "فلا أنت قبلتَ ماتكلّم به، ولا أنت تعلم ما في قلبه ... ". (سنن ابن ماجة 2/1296 ح 3930 - ك الفتن، ب الكف عمن قال لا إله إلا الله) ، قال البوصيرى: هذا إسناد حسن، عاصم هو الأحول روى له مسلم. والسميط: وثقه العجلي وروى له مسلم في صحيحه، وسويد بن سعيد مختلف فيه (مصباح الزجاحة 3/222) ، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة من غير طريق سويد من طريق حفص بن غياث عن عاصم به رقم 3931. ولذا حسنه الألباني (انظر صحيح ابن ماجه 2/348) . قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل شيء حواه المسلمون من أموال الكفار فإنه يخمس حسبما نص عليه في الآية، سواء أوجفوا عليه الخيل والركاب أولا، ولكنه تعالى بين في سورة "الحشر" أن ما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف المسلمين عليه الخيل والركاب، أنه لا يخمس ومصارفه التي بين أنه يصرف فيها كمصارف خمس الغنيمة المذكورة هنا، وذلك في قوله تعالى في فيء بني النضير: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) الآية، ثم بين شمول الحكم لكل ما أفاء الله على رسوله من جميع القرى بقوله (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 قال البخاري: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا شعبة عن أبي جمرة قال: كنت أقعد مع ابن عباس يُجلسني على سريره، فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهماً من مالي. فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَنِ القوم -أو من الوفد؟ "- قالوا: ربيعة. قال: "مرحبا بالقوم -أو بالوفد- غير خزايا ولا ندامى". فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمُرنا بأمر فصْلٍ نُخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة. فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخُمس". ونهاهم عن أربع: عن الحنتم، والدبّاء، والنقير، والمزفت -وربما قال: المقيَّر- وقال: "احفظوهن، وأخبروا بهن مَن وراءكم". (الصحيح 1/157 ح 53 - ك الإيمان، ب أداء الخمس من الإيمان) . وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جُبير بن مطعم قال: مَشَيت أنا وعثمان بن عفان فقال: يا رسول الله أعطيتَ بني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد". (الصحيح 6/616 ح 3502 - ك المناقب، ب مناقب قريش) . وقال: حدثني محمد بن بشار، حدثنا روح بن عُبادة، حدثنا علي بن سويد ابن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنتُ أبغض علياً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرت ذلك له، فقال: "يا بُريدة أتبغض علياً؟ ". فقلت: نعم. قال: "لا تُبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك". (الصحيح 7/664 ح 4350 - ك المغازي، ب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان (يعنى ابن بلال) ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز، أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خِلال. فقال ابن عباس: لولا أن أكتم عِلماً ما كتبتُ إليه. كتب إليه نجدة: أما بعد. فأخبِرْني هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يُتم اليتيم؟ وعن الخمس لِمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبتَ تسألني هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى وُيحذين من الغنيمة. وأما بسهم فلم يضرب لهن. وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان. وكتبت تسألني: متى ينقضي يُتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه. ضعيف العطاء منها. فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس، فقد ذهب عنه اليتم. وكتبتَ تسألني عن الخمس لمن هو؟ وإنا كنا نقول: هو لنا. فأبى علينا قومنا ذاك. (الصحيح 3/1444-1445 ح 1812 - ك الجهاد والسير، ب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا بسهم) . قال الترمذي: حدثنا هناد، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنفّل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. (السن 4/130 ح 1561 - ك السير، ب في النفل. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وأخرجه الحاكم من طريق ابن أبي الزناد وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/128-129 و3/39) . وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 1266) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 2445) عن سريج عن ابن أبي الزناد بأطول منه. قال محققه: إسناده صحيح) . قال أبو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا قرة، قال: سمعت يزيد بن عبد الله قال: كنا بالمربد فجاء رجل أشعث الرأس بيده قطعة أديم أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية، فقال: أجل، قلنا: ناولنا هذه القطعة الأديم التي في يدك، فناولناها، فقرأناها، فإذا فيها: "من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أُقيش إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله "فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟ قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". (السنن 3/153-154 ح 2999 - ك الخراج والإمارة والفيء، ب ما جاء في سهم الصفي) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/497 ح 6557) عن الفضل بن الحباب عن مسلم بن إبراهيم به. قال محققه: إسناده صحيح.. وأخرجه النسائي (السنن 7/134 - ك قسم الفيء) ، وأحمد (المسند 5/77، 78) من طرق عن الجريري عن يزيد به. وذكره ابن كثير في جملة من الأحاديث ثم قال: هذه أحاديث جيدة) . وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 2/581 ح 2592) . قال النسائي: أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث قال، حدثنا محبوب يعني ابن موسى قال، أنبأنا أبو إسحاق وهو الفزاري، عن عبد الرحمن بن عياش عن سليمان بن موسى عن مكحول، عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة ابن الصامت قال أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين وبرة من جنب بعير فقال: "يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم". قال أبو عبد الرحمن: اسم أبي سلام ممطور وهو حبشي، واسم أبي أمامة: صدي بن عجلان. (السنن 7/131 - ك قسم الفيء) ، وأخرجه ابن حبان (الإحسان 11/193-194 ح 4855) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 3/49) من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى به بأطول منه. قال الألباني: حسن صحيح (صحيح النسائي ح 3858) وللحديث شاهد عن عمرو بن عبسة. أخرجه أبو داود (السنن 3/82 - ك الجهاد، ب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه من طريق أبي سلام عنه به) . قال الألباني: وهذا سند صحيح رجاله رجال الصحيح غير الوليد بن عتبة وهو ثقة. (الصحيحة 2/718 ح 985) و (صحح أبي داود ح 2393) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) قال: كان الفىء في هؤلاء، ثم نسخ في ذلك سورة الأنفال فقال (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن بالله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ، فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الأنفال، وجعل الخمس لمن كان له الفىء في سورة الحشر، وسائر ذلك لمن قاتل عليه. وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان: اليتامى والمساكين وابن السبيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 قال الحاكم: أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العنزي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) يعني بالفرقان: يوم بدر فَرَّق الله بين الحق والباطل. (المستدرك 3/23 - ك المغازي) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) . انظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (3-4) من سورة آل عمران. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم الفرقان) ، يعنى: بـ (الفرقان) ، يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل. قوله تعالى (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) أخرج الطبري عن قتادة قوله (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) وهما شفير الوادي كان نبي الله أعلى الوادي والمشركون أسفله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (والركب أسفل منكم) ، قال: أبو سفيان وأصحابه، مقبلون من الشام تجارا، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكفار قريش، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه حتى التقى على ماء بدر من يسقي لهم كلهم. فاقتتلوا، فغلبهم أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسروهم. قال ابن كثير وقوله (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) قال محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجة، لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك. وهذا تفسير جيد، وبسط ذلك أنه تعالى يقول: إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد على غير ميعاد، لينصركم عليهم، ويرفع كلمة الحق على الباطل ليصير الأمر ظاهراً، والحجة قاطعة، والبراهين ساطعة، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة، فحينئذ (يهلك من هلك) أي يستمر في الكفر من استمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 فيه على بصيرة من أمره أنه بطل، ليقام الحجة عليه، (ويحيى من حيَّ) أي: يؤمن من آمن، (عن بينة) أي: حجة وبصيرة. والإيمان هو حياة القلوب، قال تعالى (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) . قوله تعالى (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور) أخرج الطبري بسند صحيح عن مجاهد (إذ يريكهم الله في منامك قليلا) قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا، فأخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم. قوله تعالى (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور) قال الطبري: حدثنى ابن بزيع البغدادي قال، حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قُلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة! قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم هم؟ قال: ألفاً. وابن بزيع هو: محمد بن عبد الله بن بزيع. وسنده صحيح. قال ابن أبي حاتم: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن الزبير ابن الخريت، عن عكرمة (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) قال: حضض بعضهم على بعض. وصححه ابن كثير. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بالثبات عند لقاء العدو، وذكر الله كثيراً مشيراً إلى أن ذلك سبب للفلاح، والأمر بالشيء نهي عن ضده، أو مستلزم للنهي عن ضده، كما علم في الأصول، فتدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 الآية الكريمة على النهي عن عدم الثبات أمام الكفار، وقد صرح تعالى بهذا المدلول في قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) إلى قوله (وبئس المصير) . وفي الأمر بالإكثار من ذكر الله تعالى في أضيق الأوقات؛ وهو وقت التحام القتال دليل واضح على أن المسلم ينبغي له الإكثار من ذكر الله على كل حال، ولاسيما في وقت الضيق، والمحب الصادق في حبه لا ينسى محبوبه عند نزول الشدائد. قال البخاري: وقال أبو عامر: حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تمنّوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا". (الصحيح 6/181 ح 3026 - ك الجهاد والسير، ب لا تمنوا لقاء العدو) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح ح 1742 - ك الجهاد، ب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق -هو الفزاري- عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النخير مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبا له قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقرأته: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أيامه التى لقي فيها انتظر حتى مالت الشمس. ثم قام في الناس خطيباً قال: أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم". (الصحيح 6/140 ح 2965-2966 - ك الجهاد والسير، ب كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الجهاد، ب كراهية تمني لقاء العدو) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) ، افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون، عند الضراب بالسيوف. قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي، ثنا بقية، حدثني بحير، عن خالد بن معدان، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 قال: "الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد؛ فإن نومه ونبْهه أجر كله. وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكَفَاف". (السنن 3/13-14 ح 2515 - ك الجهاد، ب في من يغزو ويلتمس الدنيا) ، وأخرجه النسائي (6/49 - ك الجهاد، في فضل الصدقة في سبيل الله) ، والدارمي في (السنن 2/208-209 - ك الجهاد، ب الغزو غزوان) ، وأحمد في مسنده (5/234) من طرق عن بقية به. حسنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 2/478 ح 2195) . وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات ليس فيه إلا ما يخشى من تدليس بقية، وقد صرح بالتحديث كما في رواية أبي داود (انظر مرويات الدارمي في التفسير ص252) . قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الآية قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله جل وعلا المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن التنازع، مبيناً أنه سبب الفشل، وذهاب القوة، ونهى عن الفرقة أيضاً في مواضع أخر؛ كقوله (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ونحوها من الآيات. وقوله في هذه الآية (وتذهب ريحكم) أي قوتكم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (وتذهب ريحكم) قال: نصركم. قال: وذهبت ريح أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين نازعوه يوم أحد. قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (بطرا ورئاء الناس) قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر. وأخرجه بنحوه بسند صحيح عن قتادة. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان غر الكفار، وخدعهم، وقال لهم: لا غالب لكم وأنا جار لكم. وذكر المفسرون: أنه تمثل لهم في صورة (سراقة بن مالك بن جعشم) سيد بني مدلج بن بكر بن كنانة، وقال لهم ما ذكر الله عنه، وأنه يجيرهم من بني كنانة، وكانت بينهم عداوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 (فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه) عندما رأى الملائكة وقال لهم (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) فكان حاصل أمره أنه غرهم، وخدعهم حتى أوردهم الهلاك، ثم تبرأ منهم. وهذه هي عادة الشيطان مع الإنسان كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) الآية. وقوله (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) إلى قوله (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) . وكقوله (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجل من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم) . فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبضة من التراب فرمى به في وجوه المشركين، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل المشركين، انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) ، وذلك حين رأى الملائكة. قوله تعالى (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) قال لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: وما هؤلاء؟ غر هولاء دينهم، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في أنفسهم في ذلك، فقال الله تعالى (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) . (التفسير - سورة الأنفال ح 521) ، وأخرجه أيضاً البيهقي في الدلائل 3/120-121) من طريق علي بن أبي طلحة به. وانظر سورة البقرة آية (10) في قلوبهم مرض أي شك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 قال الطبري: حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين. وسنده صحيح. قوله تعالى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) ، قال: يوم بدر. انظر سورة الأنعام آية (93) . قوله تعالى (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب) انظر سورة آل عمران آية (11) . قوله تعالى (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر؛ كقوله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) . وقوله (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) . وقوله (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، يقول: نعمة الله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنعم به على قريش، وكفروا، فنقله إلى الأنصار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 قوله تعالى (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين) انظر سورة البقرة عن اغراق آل فرعون آية (50) وسورة آل عمران آية (11) في تفسير بقية الآية. قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) انظر سورة الفرقان آية (44) وفيها بيان شر الدواب قال تعالى: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) . قوله تعالى (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم) قال: قريظة، ما لأوا على محمد يوم الخندق أعداءه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) يعنى: نكل بهم من بعدهم. انظر سورة النساء آية (89) . قوله تعالى (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري، قال: ثنا شعبة، عن أبي الفيض، عن سليم بن عامر -رحل من حمير-، قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو بِرذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو ابن عبسة، فأرسل إليه معاوية، فسأله، فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من كان بينه وبين قوم عهد لا يَشُدُّ عقدة ولا يحلها حتى يقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء" فرجع معاوية. (السنن 3/83 ح 2759 - ك الجهاد، ب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/143 ح 1580 - ك السير، ب ما جاء في الغدر) من طريق: أبي داود الطيالسي. وأحمد (المسند 4/111) من طريق: محمد بن جعفر، كلاهما عن شعبة به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 1285) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فانبذ إليهم على سواء) قال: قريظة. وانظر آية (71) من السورة نفسها. قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... ) قال مسلم: حدثنا هارون بن معروف، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي علي، ثُمامة بن شُفيٍّ؛ أنه عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو على المنبر، يقول: " (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي". (الصحيح 3/1522 ح 1917 - ك الإمارة، ب فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ثم نسبه) . قوله تعالى (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة". (الصحيح 3/1492 ح 1871 - ك الإمارة، ب الخيل في نواصيها الخير) ، وأخرجه البخاري 6/64 - ك الجهاد، ب الخيل معقودة في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) . قال البخاري: حدثنا علي بن حفص، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا طلحة بن أبي سعيد قال: سمعت سعيداً المقبري يُحدث أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ احتبس فرساً في سبيل الله، إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، فإنّ شِبعه وريّه ورَوْثه وبوله في ميزانه يوم القيامة". (الصحيح 6/67 ح 2853 - ك الجهاد، ب من احتبس فرسا في سبيل الله) . قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمّان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجرٌ، ولرجل سِترٌ، وعلى رجل وِزر. فأما الذي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مَرْج أو روضة، فما أصابت في طِيَلها ذلك في المرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 والروضة كان له حسنات. ولو أنها قطعت طِيَلها فاستنت شرفاً أو شرفين، كانت آثارها وأروائها حسنات له، ولو أنها مرتْ بنهر فشربت منه -ولم يرد أن يسقى به- كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغَنِّيا وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظُهُورها، فهي له ستر. ورجل ربطها فخراً ورئاءً ونِواء فهي على ذلك وزر". فسُئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحُمر؟ قال: "ما أُنزِلَ عليّ فيها إلا هذه الآية الفاذة الجامعة (فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره) . (الصحيح 8/598 ح 4962 - ك التفسير - سورة الزلزلة، ب قوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) . و (6/75 ح 2860 - ك الجهاد والسير، ب الخيل لثلاثة) ، وأخرجه مسلم (2/682 ح 987 - ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة نحوه) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وآخرين من دونهم) ، قال: قريظة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) ، هؤلاء أهل فارس. ويمكن الجمع بين القولين. قوله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) قال ابن الجوزي: وأخبرنا ابن ناصر، قال أنبا ابن أيوب قال: أنبا ابن شاذان قال: أنبا أبو بكر النجار قال: أنبا أبو داود السجستاني قال: أنبا أحمد بن محمد قال: أنبا علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) نسختها (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) . (نواسخ القرآن ص348) . وقد تقدم مثل هذا الإسناد عند أبي داود في (السنن رقم2817) ، عند قوله تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) الأنعام/118. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وانظر سورة البقرة آية (208) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (وإن جنحوا للسلم) قال: للصلح، ونسخها قوله: (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) سورة التوبة: 5. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن السدي: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) وإن أرادوا الصلح فأرده. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وان يريدوا أن يخدعوك) قال: قريظة. انظر سورة البقرة آية (9) لبيان الخداع. قوله تعالى (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يُعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يُصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ كلّما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنُّ. قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنُّ. قال: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا. ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى رحالكم؟ لولا الهجرة، لكنت امرءاً من الأنصار. ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادى الأنصار وشعبها. الأنصار شعار، والناس دثار. إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض". (الصحيح 7/ 644 ح 4330 - ك المغازي، ب غزوة الطائف) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الزكاة، ب إعطاء المؤلفة قلوبهم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وألف بين قلوبهم) ، قال: هؤلاء الأنصار، ألف بين قلوبهم من بعد حرب، فيما كان بينهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 قال الطبري: حدثني محمد بن خلف، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثني فضيل بن غزوان، قال: أتيت أبا إسحق فسلمت عليه فقلت: أتعرفني؟ فقال فضيل: نعم! لولا الحياء منك لقبلتك حدثني أبو الأحوص، عن عبد الله قال: نزلت هذه الآية في المتحابين في الله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم) . (أبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة، وأخرجه الحاكم من طريق علي بن عبيد عن فضيل به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/329) وذكره الهيثمي وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير جنادة بن سلم وهو ثقة. (مجمع الزوائد 7/27) . قوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) انظر سورة آل عمران آية (173-174) . قوله تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزلت (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فكتب عليهم أن لا يفرّ واحدٌ من عشرة، فقال سفيان غير مرة: أن لا يفرّ عشرون من مائتين، ثم نزلت (الآن خفف الله عنكم) الآية، فكتب أن لا يفر مائة من مائتين، وزاد سفيان مرة: نزلت (حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون) قال سفيان وقال ابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا. (الصحيح 8/161-162 ح 4652 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1431 ح 1805 - ك الجهاد، ب غزوة الأحزاب) . وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن حُميد قال: سمعت أنساً - رضي الله عنه - يقول: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلمّا رأى ما بهم من النصب والجوع قال: "اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر اللهم للأنصار والمهاجره". فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمداً ... على الجهاد ما بقينا أبداً (الصحيح 6/54 ح 2834 - ك الجهاد والسير، ب التحريض على القتال وقول الله عز وجل الآية) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر وهارون بن عبد الله ومحمد ابن رافع وعبد بن حميد -وألفاظهم متقاربة- قالوا: حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا سليمان -وهو ابن المغيرة- عن ثابت، عن أنس بن مالك. قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُسَيْسَةَ عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان. فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدثه الحديث. قال: فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتكلم. فقال: "إن لنا طَلِبَةً، فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا" فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة. فقال: "لا، إلا من كان ظهره حاضراً". فانطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه. حتى سبقوا المشركين إلى بدر. وجاء المشركون، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يُقدّمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه" فدنا المشركون. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" قال: يقول عُمير بن الحمام الأنصاري: يارسول الله! جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: "نعم" قال: بخ بخ. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما يحملك على قولك بخ بخ" قال: لا. والله! يارسول الله! إلا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها" فأخرج تمرات من قرنه. فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر. ثم قاتلهم حتى قتل. (الصحيح 3/1509-1511 ح 1901 - ك الإمارة، ب ثبوت الجنة للشهيد) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 قوله تعالى (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) قال البخاري: حدثنا يحيي بن عبد الله السلمي، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا جرير بن حازم، قال: أخبرني الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) شق ذلك على المسلمين حين فرِضَ عليهم أن لا يفرّ واحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال (الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) قال: فلما خَفّف الله عنهم من العدة نَقَص من الصبر بقدر ما خُفّف عنهم. (الصحيح 8/163 ح 4653 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) . قوله تعالى (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) انظر حديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (125) من سورة البقرة. وانظر حديث مسلم الطويل تحت الآية رقم (9) من سورة الأنفال. قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد ابن مسعود، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: استشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأسارى أبا بكر، فقال: قومك وعشيرتك فخل سبيلهم فاستشار عمر، فقال: اقتلهم، قال: ففداهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأنزل الله عز وجل (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى قوله (فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً) قال: فلقي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر قال: "كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/329 - ك التفسير، سورة الأنفال) وصححه الذهبي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) وذلك يوم بدر، والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: (فإما منا بعد وإما فداء) ، فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم شاءوا فادوهم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله ابن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن خيثمة قال: كان سعد جالساً ذات يوم وعنده نفر من أصحابه، إذ ذكر رجلاً، فنالوا منه، فقال: مهلاً عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنا أذنبنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذنباً، فأنزل الله عز وجل (لولا كتاب من الله سبق) الآية. فكنا نرى، أنها رحمة من الله سبقت. (التفسير - سورة الأنفال ح 660) ، وأخرجه أيضاً إسحاق في مسنده (انظر المطالب العالية المسنده (ق 166/أ) ، والحاكم في (المستدرك (2/329-330) من طريق عبد الله بن عمر بإسناده مطولاً، وفى لفظ الحاكم. "فأرجو أن تكون رحمة من عند الله سبقت لنا". ولفظ إسحاق بنحوه، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. وأقره الذهبي. وصحح الحافظ إسناده في المطالب العالية. وحكى محقق (المطالب المجردة 4/151) : عن البوصيري أنه قال: رواه إسحاق بإسناد حسن. قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، أخبرني معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لمْ تحلَّ الغنائم لأحد سُود الرءوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها"، قال سليمان الأعمش: فمن يقول هذا إلا أبو هريرة الآن، فلما كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل أن تحل لهم، فأنزل الله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث الأعمش (السنن5/271 - ك التفسير، ب سورة الأنفال) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح 3085) ، وأخرجه الطبري بنحوه من طريق: أبى معاوية عن الأعمش به، قال الشيخ أحمد شاكر: حديث صحيح الإسناد. (تفسير الطبري 14/66 ح 16301، 16302) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/ 134 ح 4806) من طريق جرير، عن الأعمش به. قال محققه: إسناده على شرط الشيخين. وكذا قال الألباني في (السلسله الصحيحة ح 2155) وكلامه أسبق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) كان سبق لهم من الله خير، وأحل لهم الغنائم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (لولا كتاب من الله سبق) ، لأهل بدر، ومشهدهم إياه. قوله تعالى (فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا الله إن الله غفور رحيم) قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان حدثنا هُشيم. ح. قال: وحدثني سعيد ابن النضر، قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا سيار قال: حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعطيتُ خمساً لم يُعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيمّا رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى الناس عامة". (الصحيح 1/519 ح 335 - ك التيمم) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/370 ح 521 - ك المساجد) . قوله تعالى (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله الزبير، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما جاءت أهل مكة في فداء أساراهم، بعثت زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فداء أبي العاص، وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بني عليها، فلما رأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَق لها رقة شديدة وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا" قالوا: نعم يا رسول الله، وردوا عليه الذي لها. قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلماً فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل ابن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث ابن فهر". فقال: ماذاك عندي يا رسول الله. قال: "فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها: إن أصبت فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم؟ "فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "افعل" ففدى العباس نفسه وابني أخويه وحليفه، وأنزل الله عز وجل (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل. (المستدرك 3/324 - ك معرفة الصحابة) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وللحديث شاهد بنحوه مختصراً، أخرجه الطبراني (المعجم الكبير 11/171 ح 11398) ، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنفال/70 ح 683) كلاهما من طريق ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس. وعزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط والكبير، وقال: رجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع (مجمع الزوائد 7/28) ، وأخرجه الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وأصل الحديث في (سنن أبي داود ح 2692 - ك الجهاد، ب فداء الأسير بالمال) ، وحسنه الألباني في (صحيح أبي داود ح 2341) . قوله تعالى (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدر. وانظر آية (58) من السورة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 قوله تعالى (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) انظر حديث بريدة المتقدم عند مسلم، سورة البقرة (190) . قال أحمد: ثنا وكيع عن شريك، عن عاصم، عن أبي وائل، عن جرير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة". قال شريك: فحدثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. (المسند 4/363) ، وأخرجه الطيالسى (المسند ح 671) ، والطبراني (المعجم الكبير ح 2311) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/250 ح 7260) من طرق عن عاصم به. وأخرجه الطبراني (ح 2438) ، والحاكم (المستدرك 4/80-81) من طريق الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عبد الرحمن بن هلال، عن جرير به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني وقال: وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح ... (مجمع الزوائد 10/15) . وحسن الشيخ الأرناؤوط إسناد ابن حبان، وأورده الألباني في (السلسلة الصحيحة ح 1036) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) ، يعنى: في الميراث، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوى الأرحام، قال الله: (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، يقول: مالكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) سورة الأنفال: 75، سورة الأحزاب: 6، في الميراث، فنسخت التي قبلها، وصار الميراث لذوي الأرحام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإن استنصروكم في الدين) يعنى: إن استنصركم الأعراب المسلمون، أيها المهاجرون والأنصار، على عدوهم، فعليكم أن تنصروهم، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. قوله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) يعنى في الميراث (إلا تفعلوه) يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) . قوله تعالى (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم) انظر آية (72) من السورة نفسها. قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس، ثنا الحسن بن عفان، ثنا يحيى بن آدم، ثنا الحسن بن صالح، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: هيهات هيهات أين ابن مسعود، إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الأعراب فنزلت (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) . (وصحح إسناده ووافقه الذهبي (المستدرك 4/344-345) ومناسبة قول ابن عباس هذا رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بلفظ: قيل لابن عباس أن ابن مسعود لايورث الموالي دون ذوي الأرحام ويقول: إن ذوي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فقال: ابن عباس: هيهات. هيهات ... قال الحاكم: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا الحسن بن علي بن زياد، ثنا إبراهيم ابن المنذر الحزامي، ثنا محمد بن صدقة الفدكي، ثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير بن العوام - رضي الله عنه -: فينا نزلت هذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد آخى بين رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فلم نشك أنا نتوارث لو هلك كعب وليس له من يرثه فظننت أني أرثه ولو هلكت كذلك يرثني حتى نزلت هذه الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) . (المستدرك 4/344-345 - ك الفرائض وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي) . قال الترمذي: حدثنا علي بن حُجر وهناد قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، والولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على الله، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة. لا تنفِق امرأة من بيت زوجها" إلا بإذن زوجها. قيل: يا رسول الله ولا الطعام، قال: لذلك أفضل أموالنا"، ثم قال: "العارية مؤدّاة، والمنحة مردودة والدين مَقْضيّ، والزعيم غارم. (السنن 4/433 ح 2120 - ك الوصايا، ب ما جاء لا وصية لوارث) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/267) عن أبي المغيرة عن إسماعيل بن عياش به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 1721) . وله شاهد من حديث عمرو بن خارجة. أخرجه الترمذي بعده (ح 2121) وقال: حسن صحيح ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 سورة التوبة أسماءها قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى ظنوا أنها لم تبق أحداً منهم إلا ذكر فيها. قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر. قال: قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير. (الصحيح ح 4882 - ك التفسير، سورة الحشر) ، وأخرجه أيضاً مسلم في (صحيحه 4/2322 ح 3031 - ك التفسير، في سورة براءة والأنفال والحشر) من طريق هشيم به. وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن حذيفة قال: يسمونها سورة التوبة، وهي سورة العذاب، يعني براءة. (فضائل القرآن ح 446) ، وإسناده حسن. وأخرجه الطبراني في (الأوسط 2/196 ح 1352) ، والحاكم في (المستدرك 2/330-331) من طريق عبد الله بن سلمة عن حذيفة، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، وأقره الذهبي. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. (مجمع الزوائد 7/28) . نزولها قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراءه - رضي الله عنه - يقول لآخر آية نزلت (يستفتونك قل الله يُفتيكم في الكلالة) وآخر سورة نزلت براءة. (الصحيح 8/167 ح 4654 -ك التفسير- سورة التوبة، ب الآية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 قوله تعالى (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة العموم في جميع الكفار المعاهدين وأنه بعد انقضاء أشهر الإمهال الأربعة المذكورة في قوله (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) لا عهد لكافر. وفي هذا اختلاف كثير بين العلماء، والذي يبينه القرآن، ويشهد له من تلك الأقوال، هو أن محل ذلك إنما هو في أصحاب العهود المطلقة غير المؤقتة بوقت معين، أو من كانت مدة عهده الموقت أقل من أربعة أشهر فتكمل له أربعة أشهر، أما أصحاب العهود الموقتة الباقي من مدتها أكثر من أربعة أشهر، فإنه يجب لهم إتمام مدتهم، ودليله المبين له من القرآن؛ هو قوله تعالى (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) وهو اختيار ابن جرير. قوله تعالى (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم هو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) قال الترمذي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عبّاد ابن العوام، حدثنا سفيان بن حسين، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس قال: بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر وأمره أن يُنادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه علياً. فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذْ سمع رُغاء ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القصواء، فخرج أبو بكر فزعاً فظن أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو عليٌّ، فدفع إليه كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر علياً أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجَّا، فقام عليٌّ أيام التشريق، فنادى: ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجّن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، وكان عليّ ينادي، فإذا عَيِى قام أبو بكر فنادى بها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس. (السنن 5/274-276 ح 3089، 3091 - ك التفسير، ب سورة التوبة) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه بنحوه النسائي (5/247 - ك الحج، ب الخطبة قبل يوم التروية) ، والدارمي (2/66-67 - ك المناسك، ب في خطبة الموسم) من طرق عن جابر به، وله شاهد صحيح من حديث علي أخرجه الضياء من طريق زيد بن يثيع عن علي نحوه (المختاره 2/84 ح 461) . وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 3/51، 52) . قال البخاري: حدثنا سعيد بن غُفير قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب وأخبرني حُميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثني أبو بكر في تلك الحَجّة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعليّ بن أبي طالب وأمره أن يوذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ يوم النحر في أهل منى ببراءة، وألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان. (الصحيح 8/168 ح 4655 -ك التفسير- سورة التوبة، ب الآية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) قال: حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر، يسيحون فيها حيثما شاؤوا، وحد أجل من ليس له عهد، انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، فذلك خمسون ليلة. فإذا انسلخ الأشهر الحرم، أمره بأن يضع السيف فيمن عاهد. قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، ثنا هشام ابن الغاز قال: سمعت نافعا يُحدّث عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجّ فيها فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيّ يوم هذا؟ ". قالوا: يوم النحر. قال: "فأيّ بلد هذا؟ ". قالوا: هذا بلد الله الحرام. قال: "فأي شهْر هذا؟ ". قالوا: شهْر الله الحرام. قال: "هذا يوم الحج الأكبر. ودماؤكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحُرمة هذا البلد، في هذا الشهر، في هذا اليوم". ثم قال: "هل بلغتُ؟ ". قالوا: نعم. فطفق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اللهم اشهد". ثم ودّع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع. (السنن 2/1016 ح 3058 - المناسك، ب الخطبة يوم النحر) . علقه البخاري بصيغه الجزم مختصراً، وأخرجه أبو داود من طريق هشام بن الغاز به مختصراً (الصحيح 3/574 فتح - الحج، ب الخطبة أيام منى) ، (السنن 2/195 -المناسك- باب يوم الحج الأكبر) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجه 2/182) . ذكره ابن كثير (4/52) . وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/331) من طريق الوليد بن مسلم، عن هشام بن الغاز به، قال: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي) . أخرج الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عبد الله بن أبي أوفي وابن عباس وعلي بن أبي طالب وابن عمر ومجاهد وعكرمة والنخعي والشعبي أن الحج الأكبر هو: يوم النحر. قوله تعالى (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يُظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) قال الشيخ الشنقيطى: يفهم من مفهوم هذه الآية: أن المشركين إذا نقضوا العهد جاز قتالهم، ونظير ذلك أيضا، قوله تعالى (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) وهذا المفهوم في الآيتين صرح به جل وعلا في قوله (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) . قال البخاري: حدثنا قيس بن حفص، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الحسن، حدثنا مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قتل نفسا معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً". (الصحيح ح 6914 - ك الديات، في إثم من قتل ذميا بغير جرم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) يقول: إلى أجلهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحداً) الآية، قال: هم مشركو قريش، الذين عاهدهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية، وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر. فأمر الله نبيه أن يوفي لهم بعهدهم إلى مدتهم، ومن لا عهد له إلى انسلاخ المحرم، ونبذ إلى كل ذى عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن لا يقبل منهم إلا ذلك. انظر تفسير الآية (2) من سورة البقرة في بيان المتقين. قوله تعالى (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد المسندي، قال: حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله". (الصحيح 1/95 ح 25 - ك الأيمان، ب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/53 ح 22 - الإيمان، ب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) حتى آخر الآية. وكان قتادة يقول: خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله، فإنما الناس ثلاثة رهط مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 قال ابن كثير: وقوله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) أي: من الأرض وهذا عام، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) البقرة آية (191) . وانظر سورة البقرة آية (196) لبيان معنى الحصر. قوله تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجِره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فأجِره حتى يسمع كلام الله) أما (كلام الله) فالقرآن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) قال: إنسان يأتيك فيسمع ما تقول، ويسمع ما أنزل عليك، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاءه. قوله تعالى (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) يعني: أهل مكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة) يقول: قرابة ولا عهداً. وقوله: (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة) ، قال (الإل) يعني: القرابة، و (الذمة) العهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 قوله تعالى (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلا) قال أبو سفيان بن حرب: أطعم حلفاءه، وترك حلفاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون) انظر آية (8) من السورة نفسها. قوله تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون) أخرج البخاري بسنده مرفوعاً: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ... ". قال ابن ماجة: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا أبو أحمد، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راض". قال أنس: وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء. وتصديق ذلك في كتاب الله، في آخر ما نزل يقول الله (فإن تابوا) قال: خلع الأوثان وعبدتها (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) . وقال في آية أخرى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) . (السنن 1/27 ح 70 - المقدمة، ب في الإيمان) ، صححه الحاكم، فإنه أخرجه في (المستدرك 2/331-332 - ك التفسير) ، من طريق إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي جعفر الرازي به. وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. وكذا صححه الضياء المقدسي، فإنه أخرجه في (الأحاديث الصحاح المختارة 6/126-127 ح 2122-2123) من طرق عن أبي جعفر الرازي به وحسنه محققه، وانظر المقدمة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) يقول: إن تركوا اللات والعزى، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون) . قوله تعالى (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإن نكثوا أيمانهم) إلى (ينتهون) هؤلاء قريش. يقول: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام وطعنوا فيه، فقاتلهم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة قال: ذكروا عنده هذه الآية (فقاتلوا أئمة الكفر) قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد. (أخرجه الطبري في تفسيره (14/155-156 ح 16527 و16528) من طريق الأعمش به، ورجاله ثقات. وأخرجه بنحوه الحاكم في المستدرك (2/332) من طريق صلة بن زفر عن حذيفة، ثم قال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين". وأقره الذهبي، وقد أخرجه بسياق آخر البخاري في (الصحيح 4658 -ك التفسير- تفسير سورة التوبة، ب (فقاتلوا أئمة الكفر)) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن زيد بن وهب، ولفظه: "قال: كنا عند حذيفة فقال: ما بقى من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلافنا؟ قال: أولئك الفساق. أجل، لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده". قال الحافظ: "والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط، لأن لفظ الآية (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا) فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم يقاتلوا") . (فتح الباري 8/323) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 أخرج عبد الرزاق بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر) ، أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وسيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول. وليس والله كما تأوله أهل الشبهات والبدع والفرى على الله وعلى كتابه. قوله تعالى (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن كفار مكة هموا بإخراجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة، وصرح في مواضع أخر بأنهم أخرجوه بالفعل، كقوله (يخرجون الرسول وإياكم) الآية. وقوله (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التى أخرجتك) . وقوله (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا) الآية. وذكر في مواضع أخر محاولتهم لإخراجه قبل أن يخرجوه كقوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) وقوله: (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وهم بدأوكم أول مرة) قال: قتال قريش حلفاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (ويشف صدور قوم مؤمنين) خزاعة، حلفاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ويذهب غيظ قلوبهم) حين قتلهم بنو بكر، وأعانتهم عليهم قريش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 قوله تعالى (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ولا المؤمنين وليجة) يتولجها، من الولاية للمشركين. قوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) يقول: ما ينبغى لهم أن يعمروها. وأما (شاهدين على أنفسهم بالكفر) فإن النصراني يسأل: ما أنت؟ فيقول: نصراني. واليهودى فيقول: يهودي. والصابئ فيقول: صابئ، والمشرك يقول إذا سألته: ما دينك؟ فيقول: مشرك. لم يكن ليقوله أحد إلا العرب. قوله تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) قال البخاري: حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، أخبرني عمرو، أن بكيراً حدثه، أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه، أنه سمع عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان يقول - عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنكم أكثرتم، وإني سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من بنى مسجداً -قال بكير: حَسِبتُ أنه قال- يبتغي به وجه الله، بنى الله له مِثله في الجنة". (الصحيح 1/648 ح 450 - ك الصلاة، ب من بنى مسجداً) ، أخرجه مسلم (الصحيح 1/378 ح 533 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل بناء المساجد والحث عليها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر) يقول: من وحد الله، وأمن باليوم الآخر. يقول: أقر بما أنزل الله (وأقام الصلاة) يعني: الصلوات الخمس (ولم يخش إلا الله) يقول: ثم لم يعبد إلا الله قال (فعسى أولئك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 يقول: إن أولئك هم المفلحون، كقوله لنبيه (عسى أن يبعثك ربك مقاما محموداً) سورة الاسراء: 79. يقول: إن ربك سيبعثك مقاما محموداً، وهي الشفاعة، وكل (عسى) في القرآن فهي واجبة. قوله تعالى (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين) قال مسلم: حدثني حسن بن علي الحلواني، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلاّم، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام قال: حدثني النعمان بن بشير قال: كنتُ عند منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج. وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو يوم الجمعة. ولكن إذا صليتُ الجمعة دخلتُ فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عز وجل (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) الآية إلى أخرها. (الصحيح 13/1499 ح 1879 - ك الإمارة، ب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى) . قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن خالد الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشراب من عندها. فقال: اسقني. قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال: اسقنِي. فشرب منه. ثم أتى زمزم وهم يَسقون ويعملون فيها فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح. ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل علي هذه. يعني عاتقه. وأشار إلى عاتقه". (الصحيح 3/574 ح 1635 - ك الحج، ب سقاية الحاج) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 قوله تعالى (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون) انظر سورة البقرة آية (218) ، وسورة الأنفال آية (74) . قوله تعالى (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من يدخل الجنة ينعم لا يبأسى لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه". (الصحيح 4/2181-2182 ح 2836 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب في دوام نعيم أهل الجنة ... ) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله سبحانه: أعطيكم أفضل من هذا. فيقولون: ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ قال، رضواني. ورجاله ثقات وسنده صحيح. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان) الآية. نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن موالاة الكفار، ولو كانوا أقرباء، وصرح في موضع آخر بأن الاتصاف بوصف الإيمان مانع من موادة الكفار ولو كانوا أقرباء وهو قوله: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 قوله تعالى (قل إن كان آباؤكم وآبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "فوالذي نفسي بيده لا يُؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده". (الصحيح 1/74-75 ح 14 - ك الأيمان، ب حب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني حيوة ابن شريح. ح وثنا جعفر بن مسافر التنيسي: ثنا عبد الله بن يحيى البرلسي، ثنا حيوة بن شريح، عن إسحاق أبي عبد الرحمن، قال سليمان: عن أبي عبد الرحمن الخراساني، أن عطاء الخراساني حدثه، إن نافعاً حدثه، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا تبايعتم بالعِينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليِكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". قال أبو داود: الإخبار لجعفر، وهذا لفظه. (السنن 3/274 ح 3462 - ك البيوع، ب في النهي عن العينة) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 4825) من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر نحوه. قال محقق المسند: إسناده صحيح وقال الألباني: صحيح بمجموع طرقه. (صحيح الجامع ح 16 والسلسلة الصحيحة ح 11) وذكر فيها ممن قوى الحديث كابن القطان وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والشوكاني. قال ابن كثير: أمر تعالى بمباينة الكفار به، وإن كانوا آباء أو أبناء، ونهى عن موالاتهم إذا (استحبوا) أي: اختاروا الكفر على الإيمان، وتوعد على ذلك كما قال تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار) الآية، سورة المجادلة آية: 22. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (حتى يأتي الله بأمره) بالفتح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 قوله تعالى (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذاب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عبّاس: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد الطلب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم نفارقه، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلة له، بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولي المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يركض بغلته قِبل الكفار. قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكُفّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيْ عبّاس ناد أصحاب السَّمُرة". فقال عباس (وكان رجلا صيِّتا) : فقلتُ بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطْفتهم، حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك! يا لبّيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. قال: ثم قُصِرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على بغلته، كالمتطاول عليها، إلى قتالهم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا حين حَمِيَ الوطيسَ". قال: ثم أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار. ثم قال: "انهزموا وربّ محمد". قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال علي هيئته فيما أرى. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبراً. قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي إسحاق قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا. والله ما ولّى رسول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفْاؤهم حُسّرا ليس عليهم سلاح، أو كثير سلاح، فلقوا قوما رُماة لا يكاد يسقط لهم سهم؛ جمع هوازن وبني نصر، فرشقوهم رشقا ما يكادون يُخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطب يقود به فنزل فاستنصر. وقال: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب". ثم صفهم. (الصحيح 3/1398-1400 ح 1775 و1776 - ك الجهاد والسير، ب في غزوة حنين) . قال أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، قال: أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم فجعلوها صفوفا وكثرن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عباد الله، أنا عبد الله ورسوله". ثم قال: "يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله فهزم الله المشركين ولم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح ... " الحديث. (المسند 3/279) ، وأخرجه أحمد أيضاً (المسند 3/190) ، والحاكم في (المستدرك 2/130) ، والبيهقي في (الدلائل 5/150) من طريق حماد بن سلمة به، وقال الحاكم. حديث صحيح علي شرط مسلم، وأقره الذهبي. وأصله في الصحيحين من وجه آخر عن أنس بدون الإشارة للآية (انظر صحيح البخاري ح 4333 و4337 - ك المغازي، ب غزوة الطائف) ، (وصحيح مسلم ح 1059 - ك الزكاة، ب إعطاء المؤلفة قلوبهم) . قوله تعالى (وأنزل جنوداً لم تروها) انظر حديث مسلم عن جابر الآتي عند الآية (151) من سورة آل عمران وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نصرت بالرعب". أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وعذب الذين كفروا) يقول: قتلهم بالسيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (2) من السورة نفسها وفيه: " ... وألا يحج بعد العام مشرك". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس) أى: أجناب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) وهو العام الذي حج فيه أبو بكر، ونادى عليّ رحمة الله عليهما بالأذان، وذلك لتسع سنين مضين من هجرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحج نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العام المقبل حجة الوداع، لم يحج قبلها ولا بعدها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) قال: لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام، ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن، قال: من أين تأكلون، وقد نفي المشركون وانقطعت عنهم العير. فقال الله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) فأمرهم بقتال أهل الكتاب، وأغناهم من فضله. قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة. ورجاله ثقات وسنده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: سمعت عمراً قال: كنت جالساً مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة سنة سبعين -عام حجّ مصعب بن الزبير بأهل البصرة- عند درج زمزم قال: كنتُ كاتبا لجزء ابن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها من مجوس هَجَر. (الصحيح 6/297 ح 3156 - ك الجزية والموادعة، ب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب) . وانظر حديث مسلم عن بريدة تحت الآية (190) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله: (عن يد وهم صاغرون) حين أمر محمد وأصحابه بغزوة تبوك. قوله تعالى (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وشأس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) إلى: (إني يؤفكون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يضاهئون) يشبهون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قاتلهم الله) يقول: لعنهم الله. قوله تعالى (اتخدوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ... ) قال الترمذي: حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي عنقي صليب من ذهب فقال: "يا عدى اطرح عنك هذا الوثن". وسمعته يقرأ في سورة براءة: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه. (السنن 5/278) وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الإيمان ص64) ، والألباني في (صحيح سنن الترمذي ح 3095) وله شاهد صحيح من كلام ابن عباس. قال الطبري: حدثني الحسن بن يحيي قال، أخبرنا عبد الرزق قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: سأل رجل حذيفة فقال: يا أبا عبد الله، أرأيت قوله: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. وأبو البختري هو فيروز بن سعيد، ورجاله ثقات وسنده صحيح ... قوله تعالى (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) يقول: يريدون أن يطفئوا الإسلام بكلامهم. وانظر سورة المائدة آية (3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 قوله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) قال مسلم: حدثنا أبو كامل الجحدري وأبو معن زيد بن يزيد الرقاشي (واللفظ لأبي معن) قالا: حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعزى". فقلت: يا رسول الله إن كنتُ لأظن حين أنزل الله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (9/التوبة/33) و (61/الصف/9) أن ذللك تاماً. قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله. ثم يبعث الله ريحا طيبة، فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين أبائهم". (الصحيح 4/2230 ح 2907 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب لا تقوم الساعه حتى تعبد دوس ذا الخلصة) . قال مسلم: حدثنا أبو الربيع العَتكي وقتيبة بن سعيد، كلاهما عن حمّاد بن زيد (واللفظ لقتيبة) : حدثنا حماد عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ مُلكها ما زُوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإنى سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يُسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد؛. وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يُهلِك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً". (الصحيح 4/2215 ح 2889 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 قال البخاري: حدثني محمد بن الحكم، أخبرنا النضر، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا سعد الطائي، أخبرنا مُحلٌّ بن خليفة، عن عدى بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: "يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ "قلت: لم أرها، وقد أنبئتُ عنها. قال: "فإن طالتْ بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لاتخاف أحداً إلا الله -قلتُ فيما بيني وبين نفسي فأين دُعّار طيء الذين قد سعّروا البلاد؟ - ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى". قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملءَ كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيُبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم". قال عدي سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شِق تمرة فبكلمة طيبة". قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتَح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبي أبو القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُخرج ملء كفه". (الصحيح 6/706، 707 ح 3595 - ك المناقب، ب علامات النبوة في الإسلام) . قال أحمد: ثنا أبو المغيرة قال: ثنا صفوان بن مسلم قال: حدثني سليم بن عامر، عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر". وكان تميم الدارى يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 (المسند 4/103) ، وأخرجه أيضاً الطبراني (2/58 ح 1280) ، وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/14، 8/262) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/430-431) من طريق الحكم بن نافع عن صفوان به، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني أنه على شرط مسلم فقط وحكى عن عبد الغني المقدسي أنه قال: حديث حسن صحيح (تحذير الساجد ص 173-174) ، وله شاهد من حديث المقداد بن الأسود عند أحمد (6/4) ، وابن حبان (الإحسان 15/91-92 و93-94، ح 6699 و6701) ، والحاكم (4/430) وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وفيه من ليس من رجال الشيخين مع صحة إسناده وأورده الألباني في الصحيحة (ح /3) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ليظهره على الدين كله) قال: ليظهر الله نبيه على أمر الدين كله، فيعطيه إياه كله، ولا يخفى عليه منه شيء وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك. قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: ... أما (الأحبار) فمن اليهود، وأما (الرهبان) فمن النصارى، وأما (سبيل الله) فمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال البخاري: حدثنا الحَكم بن نافع، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن الأعرج حدثه أنه قال: حدثني أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع". (الصحيح 8/173 ك التفسير - سورة التوبة - ب (الآية) - ح 4659) . قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن حُصين، عن زيد بن وهب قال: مررتُ على أبي ذرّ بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنّا بالشام، فقرأت (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) قال معاوية: ماهذه فينا، ماهذه إلا في أهل الكتاب. قال: قلتُ: إنها لفينا وفيهم". (الصحيح 8/173 ح 4660 -ك التفسير- سورة التوبة، ب الآية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 قال مسلم: حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري، عن أبي العلاء، عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخس الثياب أخس الجسد، أخس الوجه، فقام عليهم فقال: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نفض كتفيه، ويوضع على نفض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل ... الحديث. (الصحيح ح 992 - ك الزكاة، ب في الكنازين للأموال ... ) ، وأخرجه البخاري أيضا من طريق الجريري به، (ح 1407 - ك الزكاة، ب ما أدي زكاته فليس بكنز) . قال البخاري: حدثنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد أنّ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يُعطِ فيها حقها، تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يُعط فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال: ومِن حقها أن تُحلب على الماء قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يُعارْ فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلّغت". (الصحيح 3/314 ح 1402 - ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة وقول الله تعالى (الآية) ، (وصحيح مسلم 2/684 ح 988 - ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة) . قوله تعالى (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) قال البخاري: وقال أحمد بن شبيب بن سعيد، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال: هذا قبل أن تُنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال. (الصحيح 8/175 ح 4661 -ك التفسير- سورة التوبة، ب الآية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 قال مسلم: وحدثني سويد بن سعيد، حدثنا حفص (يعني ابن ميسرة الصنعاني) ، عن زيد بن أسلم، أن أبا صالح ذكوان أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما مِن صاحب ذهب ولا فضة، لا يُؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صُفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيُكوى بها جنبه وجبينة وظهره. كلّما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار". قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل لا يُؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحداً تطؤه بأخفافها وتعضّه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رُدّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار". قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يُؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رُدّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار". قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: "الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر وهي لرجل سِتر وهي لرجل أجر؛ فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياء وفخراً ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طِوَلها فاستنت شرفاً أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يُريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات". قيل: يا رسول الله فالحمر؟ قال: ما أنزل عليّ في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذّة الجامعة: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره) (99/الزلزلة/الآية 7-8) . (الصحيح 2/680-682 - ك الزكاة، ب إثم مانع الزكاة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 قوله تعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) انظر سورة البقرة آية (185) لبيان الشهر. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". (الصحيح ح 4662 - ك التفسير، ب (إن عدة الشهور ... ) ، وأخرجه أيضاً مسلم من طريق أيوب به، (الصحيح ح 1679 - ك القسامة، ب تغليظ تحريم الدماء) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) في كلهن. ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ذلك الدين القيم) يقول: المستقيم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: أما قوله (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فإن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم علي كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) أما (كافة) فجميع، وأمركم مجتمع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كافة) يقول: جميعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 قوله تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر) قال: النسيء: هو أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم كل عام، وكان يكنى (أبا ثمامة) فينادي: "ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الأول العام حلال" فيحله الناس، فيحرم صفر عاما، ويحرم المحرم عاما، فذلك قوله تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر) إلى قوله (الكافرين) وقوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر) يقول: يتركون المحرم عاما، وعاما يحرمونه. ا.هـ. قال الطبري: وهذا التأويل من تأويل ابن عباس، يدل على صحة قراءة من قرأ (النسى) بترك الهمز وترك المد، وتوجيهه معنى الكلام إلى أنه "فَعْل" من قول القائل: نسيت الشيء أنساه. ومن قول الله (نسوا الله فنسيهم) سورة التوبة: 67. بمعنى: تركوا الله فتركهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ليواطئوا) يشبهون. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) قال البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، حدثنا سفيان قال: حدثني منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا". (الصحيح 6/45 ح 2825 - ك الجهاد والسير، ب وجوب النفير ... ) ، وأيضاً في (6/219 - ك الجهاد والسير، ب لا هجرة بعد الفتح) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وبعد الطائف، وبعد حنين، أمروا بالنفير في الصيف، حين خرفت النخل، وطابت الثمار، واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج. قوله تعالى (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس. ح وحدثنا ابن نمير، حدثنا أبي ومحمد بن بِشر. ح وحدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا موسى بن أَعْين. ح وحدثني محمد بن رافع، حدثنا أبو أسامة، كلهم عن إسماعيل ابن أبي خالد. ح وحدثني محمد بن حاتم (واللفظ له) ، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا إسماعيل حدثنا قيس، قال: سمعت مستورداً أخا بني فهر يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار يحيى بالسبابة- في اليمّ فلينظر بم ترجع؟ ". (الصحيح 4/2193 ح 2858 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب فناء الدنيا ... ) . قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان (يعني ابن بلال) ، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسَكَّ ميِّت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: "أتحبون أنه لكم؟ " قالوا: والله لو كان حيا، كان عيباً فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: "فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم". (الصحيح 4/2272 ح 2957 - ك الزهد والرقائق) . انظر حديث ابن ماجة عن ابن مسعود الآتي عند الآية (4) من سورة الضحى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 قوله تعالى (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) استنفر الله المؤمنين في لهبان الحر في غزوة تبوك قبل الشام على ما يعلم الله من الجهد. وتقدم عن الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية: (أليما) موجعاً. قوله تعالى (إلا نصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (إلا تنصروه) ذكر ما كان في أول شأنه حين بعثه يقول الله: فأنا فاعل ذلك به وناصره، كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا حبّان، حدثنا همام، حدثنا ثابت، حدثنا أنس قال: حدثني أبو بكر - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغار، فرأيتُ آثار المشركين، قلتُ: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال: "ما ظنّك باثنين الله ثالثهما". (الصحيح 8/176-177 ك التفسير - سورة التوبة، ب (الآية) ح 4663) ، (وصحيح مسلم 4/1854 ك فضائل الصحابة - ب من فضائل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -) . قال مسلم: حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن أعين، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: جاء أبو بكر الصديق إلى أبي في منزله فاشترى منه رَحْلاً فقال لعازب: ابعث معي ابنك يحمله معي إلى منزلي. فقال لي أبي: احمله. فحملته. وخرج أبي معه ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريتَ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: نعم. أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يمرّ فيه أحد حتى رُفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسوّيت بيدي مكاناً ينام فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ظلها، ثم بسطتُ عليه فروة، ثم قلت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك. فنام. وخرجتُ أنفض ما حوله، فإذا أنا براعي غنم مُقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فلقيته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة. قلتُ: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلتُ: أفتحلب لي؟ قال: نعم. فأخذ شاة، فقلت له: انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى (قال فرأيت البراء يضرب بيده على الأخرى ينفض) فحلب لي، في قعب معه، كثبة من لبن، قال: ومعي إداوة أرتوى فيها للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليشرب منها ويتوضأ، قال: فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكرهت أن أُوقظه من نومه، فوافقته استيقظ، فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله، فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن، قال: فشرب حتى رضيتُ، ثم قال: "ألم يأن للرحيل؟ " قلتُ: بلى. قال فارتحلنا بعد مازالت الشمس. واتبعنا سراقة بن مالك. قال: ونحن في جَلد من الأرض. فقلت: يا رسول الله أُتينا. فقال: "لا تحزن إن الله معنا". فدعا عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فارتطمت فرسه إلى بطنها. أُرى فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما عليّ. فأدعوا لي، فالله لكما أن أرُد عنكما الطلب. فدعا الله، فنجى. فرجع لا يلقى أحداً إلا قال: قد كفيتكم ماههنا. فلا يلقى أحداً إلا ردّه. قال: ووفي لنا. (الصحيح 4/2309 ح 2009 - ك الزهد والرقائق، ب في حديث الهجرة ... ) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح ح 3615 - المناقب، علامات النبوة) . وانظر حديث البخاري تحت الآية رقم 39 من سورة الأنفال. قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طرفي النهار: بكرة وعشية، فلما ابتُلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة -وهو سيد القارة- فقال أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخرُج ولا يُخرَج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمِل الكَلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار. ارجع واعبد ربك ببلدك. فرجع، وأرتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف، ويُعين على نوائب الحق؟ فلم تكذّب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لأبى بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك عينيهِ إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدِم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانْهَهُ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبي إلا أن يعلن بذلك فسلْه أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلى ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر: فإني أرُد إليك جِوارك، وأرضى بجوار الله عزل جل. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ بمكة. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمسلمين: "إني أريت دارَ هجرتكم ذات نخل بين لابتين". وهما الحرّتان. فهاجر من هاجر قِبَل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهزّ أبو بكر قِبَل المدينة، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 "على رسلك، فإنى أرجو أن يؤذن لي". فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: "نعم". فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر -وهو الخبط- أربعة أشهر. قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبى بكر: هذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متقنعا -في ساعة لم يكن يأتينا فيها- فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى بكر: "أَخرِجْ مَن عندك". فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج. فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم". قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بالثمن. قالت عائشة: فجهزّناهما أحثّ الجِهاز، وصنعنا لهما سُفرة في جِراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُميت ذات النطاق. قالت: ثم لحق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر بغار في جبل ثَور، فكَمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثَقِف لَقِن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يُكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر مِنحة من غنم فيُريحها عليهما حين تذهب ساعة من العِشاء فيبيتان في رِسلٍ -وهو لَبنُ منحتهما ورضيفهما- حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغَلَس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالى الثلاث. واستأجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر رجلاً من بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي هاديا خِرّيتا -والخريت: الماهر بالهداية- قد غمس حِلفا في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمِناه، فدفعا اليهود راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صُبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل. (الصحيح 7/271-273 ح 3905 - ك مناقب الأنصار، ب هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه إلى المدينة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 قال البخاري: حدثني محمد، حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز ابن صهيب، حدثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أقبل نبيّ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يُعرفَ، ونبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاب لا يعرف، قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر مَن هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهدينى السبيل، قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحِقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللهم اصرعْه". فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحداً يلحق بنا. قال: فكان أول النهار جاهداً على نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان آخر النهار مَسْلحة له. فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جانب الحرّة، ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبيّ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله. فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب، فإنه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم، فعجِل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم رجع إلى أهله، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري وهذا بابي. قال: فانطلق فهيء لنا مقيلاً. قال: قوما على بركة الله. فلما جاء نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمتْ يهودُ أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعُهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ماليس فيّ، فأرسل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 رسول الله حقا، وأنى جئتكم بحق، فأسلموا. قالوا: ما نعلمه -قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالها ثلاث مرار- قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا، وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: يا ابن سلام أخرج عليهم، فخرج، فقال: يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 7/293-294 ح 3911 - ك مناقب الأنصار، ب هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه إلى المدينه) . قوله تعالى (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء - رضي الله عنه - قال: بينما رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ، وفرس له مربوط في الدار، فجعل ينفر، فخرج الرجل فنظر فلم ير شيئاً، وجعل ينفر، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "تلك السكينة تنزلت بالقرآن". (الصحيح 8/451 ح 4839 - ك التفسير، ب (هو الذي أنزل السكينة) . وأخرجه البخاري (9/716 ح 3614 - ك المناقب، ب علامات النبوة في الإسلام) ، ومسلم (الصحيح 1/547 ح 795 - ك صلاة المسافرين، ب نزول السكينة لقراءة القرآن) كلاهما من طريق شعبة، عن أبي إسحاق به، وفيه أن القاريء كان يقرأ سورة الكهف. اخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلي) وهى الشرك بالله (وكلمة الله هي العليا) وهى: لا إله إلا الله. قوله تعالى (انفروا خِفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) قال الشيخ الشنقيطي: لا يخفى ما في هذه الآية من التشديد في الخروج إلى الجهاد علي كل حال، ولكنه تعالى بين رفع هذا التشديد بقوله (ليس على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) الآية؛ فهي ناسخة لها. قال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يُخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يُدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة". (الصحيح 13/450 ع 7457 - ك التوحيد، ب قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) . وأخرجه مسلم في (الصحيح 3/1495 ح 1876 - ك الإمارة، ب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله) . قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى، حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية (انفروا خفافا وثقالا) فقال: ألا أرى ربّي يستنفرني شابا وشيخا، جهّزوني، فقال له بنوه: قد غزوتَ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قُبض، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت مع عمر فنحن نغزو عنك، فقال: جهّزوني، فجهّزوه وركب البحر، فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، فلم يتغيّر. (الإحسان 16/152 - ك إخباره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مناقب الصحابة) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 3/353) من طريق ابن المبارك عن حماد بن سلمه به، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت الذهبي. وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد 9/312-313) وعزاه إلى أبي يعلى والطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. وانظر حديث البخاري أيضاً تحت الآية رقم (191) من سورة البقرة. وانظر حديث أبي هريرة المتقدم عند الآية 216 من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (انفروا خفافا وثقالا) قال: شبابا وشيوخا، وأغنياء ومساكين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (خفافا وثقالا) قال: نِشاطا وغير نِشاط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 قوله تعالى (لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لا تبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لو كان عرضا قريبا) إلى قوله (لكاذبون) إنهم يستطيعون الخروج، ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم والشيطان، وزهادة في الخير. قوله تعالى (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا) الآية، عاتبه كما تسمعون، ثم أنزل الله التي في (سورة النور) فرخص له أن يأذن لهم إن شاء فقال: (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) سورة النور: 26، فجعله الله رخصة في ذلك من ذلك. قوله تعالى (لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) قال أبو داود: حدثنا أحمد بن ثابت المروزي، حدثني علي بن حسين، عن أبيه عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: (لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) الآية، نسختها التي في النور (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله) إلى قوله (غفور رحيم) . (السنن ح 2771 - ك الجهاد، ب في الإذن في القفول بعد النهي) ومن طريق أبي داوود وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى 9/173-174) وابن الجوزي في (نواسخ القرآن ص 367-368) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (2/533، ح 249) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله) ، فهذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد من غير عذر، وعذر الله المؤمنين فقال: (لم يذهبوا حتي يستأذنوه) سورة النور: 26. قوله تعالى (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولأوضعوا خلالكم) يقول: ولأوضعوا بينكم، خلالكم، بالفتنة. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (وفيكم سماعون) يحدثون أحاديثكم، عيون غير منافقين. قوله تعالى (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) قال ابن كثير: يقول تعالى محرضاً لنبيه عليه السلام على المنافقين (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور) أي: لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك وإحماله مدة طويلة، وذلك أول مقدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة؛ رمته العرب عن قوسٍ واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته، قال عبد الله بن أبي وأصحابه: هذا أمر قد توجه. فدخلوا في الإسلام ظاهراً. ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم. قوله تعالى (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) يقول: ائذن لي ولا تحرجني (ألا في الفتنة سقطوا) يعني: في الحرج سقطوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتاده: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) ولا تؤثمني، ألا في الإثم سقطوا. قوله تعالى (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن تصبك حسنة تسؤهم) إن كان فتح للمسلمين، كبر ذلك عليهم وساءهم. أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (قد أخذنا أمرنا من قبل) حذرنا. قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) قال أحمد: ثنا هيثم قال: ثنا أبو الربيع، عن يونس، عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه". (المسند 6/441-442) ، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/197) ، وصححه الألباني في (ظلال الجنة) ، وله شواهد (انظر الصحيحة 2439، والسنة ح 111 و245) . وانظر سورة الحديد آية (23) ، قول ابن عباس وقتادة. قال الترمذي: حدثنا أحمد بن محمد بن موسى، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا ليث بن سعد وابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج قال. ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا ليث بن سعد، حدثني قيس بن الحجاج المعنى واحدٌ عن حَنَش الصنعاني عن ابن عباس قال: كنت خلْفَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً، فقال: "يا غلام إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسئل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأفلام وجفّت الصُحُف". (السنن 4/667 ح 2516 - ك صفة القيامة، ب 59) ، وأخرجه أحمد (المسند ح 2669) عن يونس عن ليث به. قال الترمذي: حسن صحيح وقال محقق المسند: إسناده صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2043) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 قوله تعالى (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (216) من سورة البقرة، وعند الآية (41) من سورة التوبة، وهو حديث: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله ... بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) يقول: فتح أو شهادة، القتل فهي الشهادة والحياة والرزق، وإما يخزيكم بأيدينا. قوله تعالى (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) قال ابن كثير: يقول تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) كما قال تعالى (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) سورة طه: 31. وقال (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) سورة النور آية: 55، 56. وانظر سورة المنافقون آية (4) . قوله تعالى (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلاً لّولّوا إليه وهم يجمحون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لو يجدون ملجأ) (الملجأ) الحرز في الجبال (والمغارات) الغيران في الجبال. قوله: (أو مدخلا) و (المدخل) السرب. قوله تعالى (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: بينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم جاء عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدِل يا رسول الله، فقال: ويلك، ومن يعدِل إذا لم أعدل؟ قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه. قال: دعه فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرُقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يُنظر في قُذَذِه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيّه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والندم. آيتهم رجلٌ إحدى يديه -أو قال ثدييه- مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضْعة تَدَردَرُ يخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل عَلى النعت الذي نعته النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: فنزلت فيه (ومنهم من يلمزك في الصدقات) . (الصحيح 12/303 ح 6933 - ك استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، ب من ترك قتال الخوارج ... ) . قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن هلال بن أبي ميمونة، حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يُحدث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عميكم من زهرة الدنيا وزينتها". فقال رجل: يا رسول الله، أوَ يأتي الخيرُ بالشر؟ فسكت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقيل له: ما شأنك تُكلّم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يُكلمك؟ فرأينا أنه يُنزل عليه. قال: فمسح عنه الرُّحضاء فقال: "أين السائل؟ "-وكأنه حمِده- فقال: "إنه لا يأتي الخيرُ بالشر، وإن مما يُنبت الربيع يَقتل أو يُلمُّ، إلا آكلة الخضراء، أكلتْ حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ورتعت. وإن هذا المال خضرة حلوة، فنِعم صاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل - أو كما قال النبي (وإنه من يأخذه بغير حقّه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة) . (الصحيح 3/383-384 - ح 1465 - ك الزكاة، ب الصدقة على اليتامى) ، أخرجه مسلم في (الصحيح 2/728-729 ح 1052 - ك الزكاة، ب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا) . قال أبو داود: حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي، ثنا إبراهيم -يعني ابن سعد- قال: أخبرني أبي، عن ريحان بن يزيد، عن عبد الله بن عَمْرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سويِّ". (السنن 2/118 ح 1634 - ك الزكاة، ب من يعطي من الصدقة؟ ... ) ، وأخرجه الترمذي (السنن 3/33 ح 652 - ك الزكاة، ب ما جاء من لا تحل له الصدقة) من طريق: أبي داود الطيالسي وعبد الرزاق. وأحمد (المسند ح 2036) من طريق وكيع، كلهم عن سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن ريحان بن يزيد به. قال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن سعد به وسكت عليه هو والذهبي (المستدرك 1/407) وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 527 - وصحيح الجامع ح 7128) ، وصححه أيضاً محقق المسند. قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لِغَنِيٍّ ولا لقويٍّ مُكتسب". (السنن 2/118 ح 1633 - ك الزكاة، ب من يعطى من الصدقة؟..) ، وأخرجه النسائي (السنن 5/99-100 - ك الزكاة، ب مسألة القوي المكتسب) ، وأحمد (المسند 4/224) كلاهما من طريق يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة به. قال ابن كثير: إسناد جيد قوي (التفسير 4/106) . قال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/1522) وهو حديث إسناده صحيح، ورواته ثقات، قال الإمام أحمد: ما أجوده من حديث، هو أحسنها إسناداً وصححه الألباني أيضاً في (الإرواء 3/381 ح 876) . انظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (273) من سورة البقرة. قال الطبري بعد أن ساق عدة أقوال في المسكين: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: "الفقير" هو ذو الفقر والحاجة، ومع حاجته يتعفف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع و"المسكين" هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 قال مسلم: حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، حدثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري؛ أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عباس) إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصدقات، فأدّيا ما يُؤدّي الناس، وأصابا مما يصيب الناس. قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك. فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا. فوالله ما هو بفاعل. فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسةً منك علينا، فوالله لقد نلت صهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما نفسناه عليك. قال علي: أرسلوهما، فانطلقا. واضطجع علي. قال: فلما صلّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر سبقناه إلى الحُجرة، فقمنا عندها، حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: "أخرجا ما تُصرِّران" ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبرّ الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتُؤمِّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يُؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نُكلّمه، قال: وجعلت زينب تُلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تُكلماه. قال: ثم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب". قال: فجاءاه. فقال لمحمية: "أنكح هذا الغلام ابنتك" (للفضل بن عباس) فأنكَحَه. وقال لنوفل بن الحارث: "أنكحْ هذا الغلام ابنتك" (لي) فأنكحني. وقال لمحمية: "أصدِقْ عنهما من الخُمُس كذا وكذا". قال الزهري: ولم يُسمّه لي. (الصحيح 2/752-753 ح 1072 - ك الزكاة، ب ترك استعمال آل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصدقة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 أخرج عبد الرزاق عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني". (المصنف: 4/109، ح 7151) ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد في مسنده (3/56) ، وأبو داود (ك الزكاة، ب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، ح 3636) ، وابن ماجة (ك الزكاة، ب من تحل له الصدقة، ح 1841) ، وابن الجارود في (المنتقى ح 365) ، وابن خزيمة في (صحيحه ح 2374) ، والحاكم في المستدرك (1/407-408) ، وغيرهم، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه لإرسال مالك بن أنس إياه عن زيد بن أسلم) ، وأقره الذهبي على تصحيحه على شرطهما. قال الحافظ: وصحيحه جماعة (التلخيص الحبير 3/111) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/377، رقم 870) . قال أبو داود: حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي، ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع ابن خديج، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته". (السنن 3/132 ح 2936 - ك الخراج والإمارة والفيء، ب في السعاية على الصدقة) ، وأخرجه الترمذي (السنن 3/28 ح 645 - ك الزكاة، ب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق) ، من طريق أحمد بن خالد. وابن ماجة (السنن 1/578 ح 1809 - ك الزكاة، ب ما جاء في عمال الصدقة) من طريق: عبدة بن سليمان، ومحمد بن فضيل، ويونس بن بكير، وأحمد (المسند 4/143) من طريق يعقوب عن أبيه، كلهم عن ابن إسحاق به. قال الترمذي: حسن صحيح. وصرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وأخرجه ابن خزيمة (4/51 ح 2334) والحاكم في المستدرك (1/406) كلاهما من طريق أحمد بن خالد الوهبي به، وقال حديث صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة ح 3996) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (والعاملين عليها) قال: جباتها، الذين يجمعونها ويسعون فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني أُعطي قريشاً أتألّفهم، لأنهم حديث عهد بجاهلية". (الصحيح 6/288 ح 3146 - ك فرض الخمس، ب ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطى المؤلفة قلوبهم) . وأخرجه مسلم في (الصحيح 2/735 ح 133 (1059) - ك الزكاة، ب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام) . قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن أبيه، عن أبي نُعم، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: بعث إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشيء، فقسمه بين أربعة وقال: أتألفهم. فقال رجل: ما عَدَلتَ، فقال: يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الذين". (الصحيح 8/181 ح 4667 - ك التفسير - سورة التوبة، في الآية) ، وأخرجه مسلم مطولا من طريق عبد الرحمن بن أبي أنعم عن أبي سعيد (الصحيح 2/7410 ح 1064 - ك الزكاة، ب ذكر الخوارج وصفاتهم) . قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن سرحٍ، أخبرنا عبد الله ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة الفتح، فتح مكة، تم خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحني، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة. قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب؛ أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطني حتى إنه لأحب الناس إليّ. (الصحيح 4/1806 ح 2313 - ك الفضائل، ب ما سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً قط فقال: لا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: وأما (المؤلفة قلوبهم) فأناس من الأعراب ومن غيرهم، كان نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا. انظر حديث الترمذي عن أبي هريرة الآتي عند الآية (32) من سورة النور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 قال الطبري: حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل ابن عبيد الله قال، سألت الزهري عن قوله: (وفي الرقاب) قال: المكاتبون. وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان الرقاب. قوله تعالى (والغارمين) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، كلاهما عن حماد بن زيد، قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب، حدثني كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحمّلت حمالة فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها". قال: ثم قال: "يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٍ تحمّل حمالةٌ فحلّت له المسألة حتى يُصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش (أو قال سِداداً من عيش) ، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش (أو قال سداداً من عيش) فما سواهنّ من المسألة يا قبيصة سُحتاً يأكلها صاحبها سُحتاً". (الصحيح 2/722 ح 109) ك الزكاة، ب من تحل له المسألة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: أما (الغارمون) فقوم غرّقتهم الديون في غير إملاق، ولا تبذير ولا فساد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وابن السبيل) الضيف، جعل له فيها حق. وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان ابن السبيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 قوله تعالى (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم، حدثنا محمد بن عمرو زنيج، حدثنا سلمة، حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيجلس اليهود فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، فأنزل الله فيه: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) . وأخرجه الطبري بهذا الإسناد عن ابن إسحاق من قوله. وإسناد ابن أبي حاتم هذا حسن، تقدم الكلام عيه عند الآية (113) من سورة آل عمران وتقدم في المقدمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) يسمع من كل أحد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) يعني: يؤمن بالله ويصدق المؤمنين. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، بأن من يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له العذاب الأليم. وذكر في (الأحزاب) أنه ملعون في الدنيا والآخرة، وأن له العذاب المهين، وذلك في قوله: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) . قوله تعالى (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم) انظر سورة المجادلة آية (5) . قوله تعالى (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة) إلى قوله: (ما تحذرون) صرح في هذه الآية الكريمة بأن المنافقين يحذرون أن ينزل الله سورة تفضحهم وتبين ما تنطوي عليه ضمائرهم من الخبث. ثم بين أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 مخرج ما كانوا يحذرونه، وذكر في موضع آخر أنه فاعل ذلك، وهو قوله تعالى (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) إلى قوله: (ولتعرفنهم في لحن القول) ، وبين في موضع آخر شدة خوفهم، وهو قوله: (يحسبون كل صيحة عليهم) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة) قال يقولون القول بينهم، ثم يقولون: عسى الله أن لا يفشي سرنا علينا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كانت تسمى هذه السورة: (الفاضحة) فاضحة المنافقين. قوله تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون) قال الطبري: حدثنا علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا الليث قال، حدثني هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم: أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقرائنا هؤلاء، أرغبنا بطوناً وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء؟ فقال له عوف: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذهب عوف إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، قال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقاً بحقب ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنكبه الحجارة، يقول: "إنما كنا نخوض ونلعب". فيقول له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون"؟ ما يزيده. (التفسير 14/333 ح 16911، وأخرجه أيضاً ح 16912) ، وابن أبي حاتم (التفسير - التوبة/65 ح 1307) كلاهما من يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعد به. وصحح إسناده محمود شاكر في حاشية الطبري. وقال مقبل الوادعي: رجاله رجال الصحيح إلا هشام ابن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد كما في الميزان (الصحيح المسند من أسباب النزول ص78) وله شاهد من حديث كعب بن مالك، أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير ح 1306) من طريق عبد الرحمن ابن كعب، عن أبيه قال محققه: إسناده حسن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 قوله تعالى (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) انظر سورة البقرة آية (10-14-205) ، وسورة النساء آية (145) . أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ويقبضون أيديهم) قال: لا يبسطونها بنفقة في حق. أخرج الطبري بسنده الحسن قتادة قوله: (نسوا الله فنسيهم) نسوا من الخير، ولم ينسوا من الشر. قوله تعالى (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ... ) قال الطبري: حدثنا محمد بن الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (فاستمتعوا بخلاقهم) قال بدينهم. وسنده صحيح. قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا غسان قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لتتبعنّ سَننَ من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه". قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن". (الصحيح 6/571 ح 3456 - ك أحاديث الأنبياء، ب ما ذكر عن بني إسرائيل) ، وأخرجه مسلم الصحيح 4/2054 ح 2669 - ك العلم، ب اتباع سنن اليهود والنصارى) . قوله تعالى (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (والمؤتفكات) قال: قوم لوط، انقلبت بهم أرضهم فجعل عاليها سافلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا، عن عامر قال: سمعته يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عُضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى". (الصحيح 10/452 ح 6011 - ك الأدب، ب رحمة الناس والبهائم) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1999 ح 2586 - ك البر والصلة، ب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم) . وانظر حديث البخاري عن أبي موسى الآتي عند الآية (29) من سورة الفتح. وانظر حديث أحمد عن جرير المتقدم تحت الآية (72) من سورة الأنفال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويقيمون الصلاة) قال: الصلوات الخمس. قوله تعالى (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز، عن أبيه، عن سهل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء". (الصحيح 11/424 ح 6555 - ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2177 ح 2831 - ك الجنة وصفة نعيمها، ب ترائي أهل الجنة الغرف ... ) . قال أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن معانق أو أبي معانق، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن في الجنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام". (المسند 5/343) ، وأخرجه ابن حبان (الإحسان 2/262 ح 509) من طريق عباس بن عبد العظيم عن عبد الرزاق به. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن معانق ووثقه ابن حبان (مجمع الزوائد 10/420) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 1/321) من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو به. وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير وقال: رجاله ثقات (مجمع الزاوئد 2/254) . وأشار إليه ابن كثير وقال عن إسناده: جيد حسن (التفسير 4/117) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/808 و321) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً، وقال الحاكم في الموضع الأول: حديث صحيح على شرط الشيخين. وقال في الموضع الثاني: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في كليهما) . وقال المنذري في الترغيب (1/424) : رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. وحسن الألباني كلا من الحديثين في موضع من صحيح الترغيب (ح 938 و939) وصححهما في موضع آخر (ح 613 و614) . انظر حديث مسلم عن أبي سعيد المتقدم عند الآية 95-96 من سورة النساء. وانظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية 21 من السورة نفسها. انظر حديث ابن أبي حاتم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (133) من سورة آل عمران وهو حديث: وصف بناء الجنة، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب ... ". قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، في قوله: (جنات عدن) قال: بطنان الجنة، قال ابن بشار في حديثه، فقلت: ما بطنانها؟ وقال ابن المثنى في حديثه، فقلت للأعمش: ما بطنان الجنة؟ قال: وسطها. قوله تعالى (ورضوان من الله أكبر) انظر حديث البخاري ومسلم عن أبي سعيد المتقدم تحت الآية رقم (15) من سورة آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 قوله تعالى (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) فأمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم. قوله تعالى (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) انظر حديث الحاكم عن ابن عباس الآتي عند الآية 18 من سورة المجادلة. قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة: أن المنافقين ما وجدوا شيئاً ينقمونه أي: يعيبونه وينتقدونه إلا أن الله تفضل عليهم فأغناهم بما فتح الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الخير والبركة. والمعنى أنه لا يوجد شيء يحتمل أن يعاب أو ينتقم بوجه من الوجوه، والآية كقوله: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) . وقوله (وما تنقمون منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا) . وقوله (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) . قوله تعالى (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) انظر سورة آل عمران آية (180) ، وسورة النساء آية (37) . قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". (الصحيح 1/111 ح 33 - ك الإيمان، ب علامة المنافق) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/78-79 ح 59 - ك الإيمان، ب بيان خصال المنافق) ، وزاد في بعض رواياته: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 قوله تعالى (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) قال البخاري: حدثني بشر بن خالد أبو محمد، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: لما أُمرنا بالصدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغنيٌّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت (الذين يلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) الآية. (الصحيح 8/181 ح 4668 - ك التفسير - سورة التوبة، ب الآية) ، (الصحيح 2/706 ح 1018 - ك الزكاة، ب الحمل أجرة يتصدق بها..) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء، وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع. وانظر حديث كعب بن مالك الطويل الآتي عند قوله تعالى (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) آية (118) سورة التوبة وفيه أن أبا خيثمة الأنصاري هو الذي تصدق بصالح التمر حين لمزه المنافقون. (صحيح مسلم رقم 2679) . قوله تعالى (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد مرسلة يقوي بعضها بعضا عن الشعبي وقتادة ومجاهد أن هذه الآية نزلت حينما استغفر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبعض المنافقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 قوله تعالى (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (بمقعدهم خلاف رسول الله) قال: هي غزوة تبوك. قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم". قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: "فُضّلت عليهن بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرِّها". (الصحيح 6/380-381 ح 3265 - ك بدء الخلق، ب صفة النار وأنها مخلوقة) ، وأخرجه مسلم (4/2184 ح 2843 - ك الجنة وصفة نعيمها ... ، ب في شدة حر نار جهنم ... ) . انظر حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (24) من سورة البقرة. وانظر حديث البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير الآتي عند الآية (14) من سورة الليل. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة شدة حر نار جهنم -أعاذنا الله والمسلمين منها- وبين ذلك في مواضع أخر كقوله: (نارا وقودها الناس والحجارة) وقوله: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى) . وقوله: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) . وقوله: (يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد) وقوله: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) الآية. وقوله: (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) . إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 قوله تعالى (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً) قال: هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعباً. يقول الله تبارك وتعالى: (فليضحكوا قليلاً) في الدنيا (وليبكوا كثيرا) في النار. قوله تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج، فقل لن تخرجوا معي أبداً) إلى قوله: (الخالفين) عاقب الله في هذه الآية الكريمة المتخلفين عن غزوة تبوك بأنهم لا يؤذن لهم في الخروج مع نبيه، ولا القتال معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن شؤم المخالفة يؤدي إلى فوات الخير الكثير. وقد جاء مثل هذا في آيات أخر كقوله: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم) إلى قوله: (كذلكم قال الله من قبل) . وقوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) الآية. إلى غير ذلك من الآيات. والخالف هو الذي يتخلف عن الرجال في الغزو فيبقى مع النساء والصبيان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فاقعدوا مع الخالفين) والخالفون الرجال. انظر حديث الترمذي عن أبي ذر الآتي عند الآية (44) من سورة الإسراء. قوله تعالى (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعى له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي عليه، فلما قام رسول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا -أعدد عليه قوله- فتبسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "أخر عني يا عمر". فلما أكثرت عليه قال: "إني خيرت فاخترت، لو أعلم إني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها". قال: فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم انصرف. فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً) إلى (وهم فاسقون) قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله ورسوله أعلم. (الصحيح ح 1366 - ك الجنائز، ب ما يكره من الصلاة على المنافقين) ، وح 4671 - ك التفسير، ب (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم)) . قوله تعالى (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) انظر آية (55 و73) من السورة نفسها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وتزهق أنفسهم) في الحياة الدنيا. قوله تعالى (وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله اسئذنك أولوا الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة، أنه إذا أنزل سورة فيها الأمر بالإيمان، والجهاد مع نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، استأذن الأغنياء من المنافقين في التخلف عن الجهاد مع القدرة عليه، وطلبوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتركهم مع القاعدين المتخلفين عن الغزو. وبين في موضع آخر أن هذا ليس من صفات المؤمنين، وإنه من صفات الشاكين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وذلك في قوله (لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) . وبين أن السبيل عليهم بذلك، وأنهم مطبوع على قلوبهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 بقوله (إنما السبيل على الذين يستئذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم) الآية. وبين في موضع آخر شدة جزعهم من الخروج إلى الجهاد كقوله (فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) الآية. وقوله (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (استأذنك أولوا الطول) يعني: أهل الغني. قوله تعالى (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) قال: الخوالف هن النساء. وانظر سورة البقرة آية (7) عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) . قوله تعالى (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) انظر حديث أنس عند البخاري المتقدم تحت الآية (95) من سورة النساء. قال مسلم: حدثنا محمد بن عباد المكي، حدثنا سفيان قال: قُلت لسهيل: إن عمراً حدثنا عن القعقاع، عن أبيك قال: ورجوتُ إن يُسقط عني رجلاً. قال: فقال: سمعته من الذي سمعه منه أبي. كان صديقا له بالشام. ثم حدثنا سفيان، عن سهيل، عن عطاء بن يزيد، عن تميم الداري، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". (الصحيح 1/74 - ك الإيمان، ب بيان أن الدين النصيحة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 قوله تعالى (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة قال: وحدثني القاسم بن عاصم الكليني -وأنا لحديث القاسم أحفظ- عن زهدم قال: كنا عند أبي موسى فأتى ذكرُ دجاجة وعنده رجل من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي، فدعاه للطعام فقال: إني رأيته يأكل شيئاً فقذرته فحلفت أن لا أكل. فقال: هلم فلأحدثكم عن ذلك: إني أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفر من الأشعريين نستحمله، فقال: والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم. وأُتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنهب إبل فسأل عنا فقال: أين النفر الأشعريون؟ فأمر لنا بخمس ذود غُرِّ الذرى، فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا. لا يبارك لنا. فرجعنا إليه فقلنا: إنا سألناك أن تحملنا، فحفلتَ أن لا تحملنا، أفنسيت؟ قال: لستُ أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها. (الصحيح 6/272 ح 3132 - ك فرض الخمس، ب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ... ) ، (وصحيح مسلم 3/1269 - ك الأيمان، ب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها..، مطولا) . قوله تعالى (رضوا أن يكونوا مع الخوالف وطَبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) انظر سورة البقرة آية (7) عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) . قوله تعالى (وسيرى الله عملكم ورسوله ... ) انظر حديث مسلم عن أبي هريرة الآتي عند الآية (37) من سورة سبأ. وفيه إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 قوله تعالى (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن تبوك، والله ما أنعم الله عليّ من نعمة بعد إذ هداني أعظم من صدقي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين أُنزل الوحيُ (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم) -إلى قوله- (الفاسقين) . (الصحيح 8/191 ح 4673 - ك التفسير - سورة التوبة، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/2127-2128 ح 2769 ضمن حديث توبة كعب بن مالك الطويل - ك التوبة، ب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه) . وانظر سورة الأنعام آية (124) لبيان الرجس: الشيطان. قوله تعالى (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأجدر ألا يعملوا حدود ما أنزل الله على رسوله) قال: هم أقل علماً بالسنن. قوله تعالى (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وصلوات الرسول) يعنى: استغفار النبي عليه السلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) قال البخاري: حدثنا حجّاج بن منهال، حدثنا شعبة قال: حدثني عدي بن ثابت قال: سمعت البراء - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". وقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن عبد الله بن جَبر، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "آية الإيمان حُب الأنصار، وآية النفاق بُغض الأنصار". (الصحيح 7/141 ح 3783، 3784 - ك مناقب الأنصار، ب حب الأنصار من الإيمان) . وأخرجهما مسلم (الصحيح 1/85 ح 74، 75 - ك الإيمان، ب الدليل على أن حب الأنصار ... من الإيمان) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: المهاجرون الأولون، الذين صلوا القبلتين. ورجاله ثقات وسنده صحيح. قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه) انظر حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري المتقدم تحت الآية (15) من سورة آل عمران. قوله تعالى (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) قال ابن كثير: وقوله (لا تعلمهم نحن نعلمهم) لا ينافي قوله تعالى (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول) سورة محمد آية (30) . لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين. وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً، وإن كان يراه صباحاً ومساءً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (سنعذبهم مرتين) قال: القتل والسباء. وسنده صحيح. أحرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (سنعذبهم مرتين) عذاب الدنيا، وعذاب القبر. قوله تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) قال البخاري: حدثنا مؤمّل، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنا: "أتاني الليلة آتيان فابتعثاني، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجالٌ شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك. قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم". (الصحيح 8/192 ح 4674 - ك التفسير - سورة التوبة، ب الآية) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً) قال: كان عشرة رهط تخلفوا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فلما حضر رجوع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، فكان ممر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم قال: "من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري؟ ". قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عنك يا رسول الله أوثقوا أنفسهم، وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد، حتى يطلقهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويعذرهم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم ويعذرهم، رغبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين". فلما بلغهم ذلك قالوا: نحن -والله- لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فانزل الله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) فلما نزلت أرسل إليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأطلقهم وعذرهم. قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ... ) قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن عقيل، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستُخلف أبو بكر بعبده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله". فقال: والله لأُقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقاتلتهم على منعه. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيتُ الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. قال ابن بُكير وعبد الله عن الليث (عناقاً) وهو أصحّ. (الصحيح 13/264 ح 7284، 7285 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الاقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/53 ح 2 - ك الإيمان، ب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ... ) من حديث ابن عمر بنحوه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما نزلت (وآخرون اعترفوا بذنوبهم ... ) أرسل إليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأطلقهم وعذرهم، فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا، قال: "ما أمرت أن آخذ أموالكم". فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ... ) الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 قوله تعالى ( ... وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن عبد الله بن أبي أوفي قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: "اللهم صلِّ على آل فلان. فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى". (الصحيح 3/423 ح 1497 - ك الزكاة، ب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 2/756-757 ح 1078 - ك الزكاة، ب الدعاء لمن أتى بصدقة) . قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى، ثنا أبو عوانة، عن الأسود ابن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد الله: أن امرأة قالت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صلِّ عليَّ وعلى زوجي. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلَّى الله عليك وعلى زوجك". (السنن 2/88-89 ح 1533 - ك الصلاة، ب الصلاة على غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وأخرجه الترمذي (الشمائل ح 93، 94) والنسائي (عمل اليوم والليلة ح 423) وإسماعيل القاضي في (فضل الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح 77) من طرق عن الأسود به مختصراً، وأخرجه أحمد (المسند 3/303) من طريق سفيان عن الأسود به مطولاً. وحسنه ابن حجر (فتح الباري 7/398) وقال الألباني: إسناده صحيح (فضل الصلاة ح 77) . أخرج الطبري بسنده الحسنِ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن صلاتك سكن لهم) يقول: رحمة لهم. قوله تعالى (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (276) من سورة البقرة. وهو حديث: "من تصدق بعدل تمرة ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وأن الله هو التواب الرحيم) يعنى: إن استقاموا. قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) انظر الآية (94) من السورة نفسها، وانظر حديث البخاري عن أنس المتقدم عند الآية (143) من سورة البقرة. وهو حديث: "أنتم شهداء الله في الأرض ... ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 قوله تعالى (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وكان ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم بالسواري، أرجوا سنة، لا يدرون أيعذبون أويتاب عليهم؟ فأنزل الله تعالى - يعني قوله: (وآخرون مرجون لأمر الله) . قوله تعالى (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين) إلى قوله (لا تقم فيه أبداً ... ) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً) وهم أناس من الأنصار، ابتنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم، واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه. فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله: (لا تقم فيه أبداً) . قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) قال مسلم: حدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حميد الخرّاط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفّا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: "هو مسجدكم هذا". (لمسجد المدينة) قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره. (الصحيح 2/1015 ح 1398 - ك الحج، ب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر، عن أبي عبد الله الأغرّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". (الصحيح 3/76 ح 1190 - ك فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة) ، وأخرجه مسلم (2/1012 ح 1394 - ك الحج، ب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة) . قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، ثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثني طلحة بن نافع، أبو سفيان قال: حدثني أبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، أن هذه الآية نزلت (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهّرين) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ ". قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء. قال: "فهو ذاك. فعليكموه". (السنن 1/127 ح 355 - ك الطهارة، ب الاستنجاء بالماء) ، وأخرجه الدارقطني في (سننه 1/62) ، والحاكم في (المستدرك 1/155 - ك الطهارة) كلاهما من طريق محمد بن شعيب بن شابور عن عتبة به. قال الحاكم: هذا حديث كبير صحيح في كتاب الطهارة. ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء (المختارة 6/218-219 ح 2231) من طريق الدارقطني به. وله شواهد في (مجمع الزوائد 1/221-213) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجه 1/63) . قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن خالد بن خلي، ثنا أحمد بن خالد الوهبي، ثنا محمد بن إسحاق عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) ، قال: لما نزلت هذه الآية بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عويم بن ساعدة فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 عليكم به؟ فقالوا: يا نبي الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره -أو قال مقعدته- فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ففي هذا". (المستدرك 1/187 - ك الطهارة) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وأخرجه الطبراني في الكبير (11/67 ح 11065) من طريق محمد بن إسحاق به، وقال الهيثمي في المجمع (1/212) وإسناده حسن إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ويشهد له ما تقدم. قوله تعالى (أم مّن أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فانهار به) يعني قواعده (في نار جهنم) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المعلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الداناج، عن طلق بن حبيب، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت الدخان من مسجد الضرار حين انهار. (وأخرجه الطبري في تفسيره، أخرجه الحاكم في (المستدرك 4/596) عن عبد العزيز بن المختار. وقال الحاكم: "هذا إسناد صحيح، وصحح إسناده أيضاً محمود شاكر في تعليقه على الطبري) . قوله تعالى (لا يزال بنيانهم الذي بنوا رِيبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ريبة) شكا، (إلا أن تقطع قلوبهم) يعنى: الموت. قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) يعني: بالجنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 قوله تعالى (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (التائبون) قال: تابوا من الشرك، ثم لم ينافقوا في الإسلام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (العابدون) قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (الحامدون) قوم حمدوا الله على كل حال. قال أبو داود: حدثنا محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر، ثنا الهيثم بن حميد، أخبرني العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى". (السنن 2/5 ح 2486 - ك الجهاد، ب في النهي عن السياحة) ، وأخرجه ابن أبى حاتم (التفسير - التوبة/112 ح 1668) عن أبيه، والحاكم (المستدرك 2/73 - ك الجهاد) . من طريق عبيد بن شريك، كلاهما عن أبي الجماهر به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وذكره القرطبي في (تفسيره 8/270) ونقل عن أبي محمد عبد الحق تصحيحه. وقال الألباني: حسن. (صحيح أبي داود ح 2172) . قال الطبري حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: (السائحون) الصائمون. وسنده حسن، وأخرجه بأسانيد صحاح عن أبي هريرة وابن عباس موقوفاً أيضاً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والحافظون لحدود الله) يعني: القائمين على طاعة الله، وهو شرط اشترطه على أهل الجهاد، إذا وفوا لله بشرطه، وفى لهم بشرطهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 قوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قُربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أي عمّ، قل لا إله إلا الله، أحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك"، فنزلت (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) . (الصحيح 8/192 ح 4675 - ك التفسير - سورة التوبة، ب الآية) ، وأيضاً 7/233 - ك مناقب الأنصار. باب قصة أبي طالب) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/54 ح 24 - ك الأيمان، ب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن عبّاد (واللفظ ليحيى) قالا: حدثنا مروان بن معاوية، عن يزيد (يعني ابن كيسان) ، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي". (الصحيح 2/671 ح 976 - ك الجنائز، ب استئذان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه عز وجل في زيارة قبر أمه) . قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل كوفي، عن علي قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان، فقال: أوليس استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ... ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 (السنن 5/281 ح 3101 - ك التفسير، ب ومن سورة التوبة) ، وأخرجه النسائي (السنن 4/91 - ك الجنائز، ب النهي عن الاستغفار للمشركين) من طريق عبد الرحمن بن مهدي. وأحمد (المسند ح 771 و1085) عن يحيى بن آدم ووكيع وعبد الرحمن. وابن أبي حاتم (التفسير - التوبة/113 ح 1700) من طريق أبي نعيم. والحاكم (المستدرك 2/335) من طريق أبي نعيم وأبي حذيفة ووكيع، كلهم عن سفيان به، وعند هؤلاء جميعاً زيادة وهي: نزول قوله تعالى (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة ... ) . قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 2477) وكذا قال أحمد شاكر: إسناده صحيح. قال الألباني في أحكام الجنائز (ص65) : في هذا الحديث أن سبب نزول الآية غير السبب المذكور في الحديث الذي قبله -يعني حديث المسيب-، ولا تعارض بينهما لجواز تعدد سبب النزول كما وقع ذلك في غير آية وقد أيد هذا الحافظ في الفتح. (508/8 ط1 من السلفية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) الآية، فكانوا يستغفرون لهم، حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت، أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل الله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) الآية. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذه الموعدة التي وعدها إياه، ولكنه بينها في سورة مريم بقوله (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: (تبين له) حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت عنه يعني في قوله: (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) . أخرج الطبري بسند صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات (فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) يعني: استغفر له ما كان حيا، فلما مات أمسك عن الاستغفار له. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما تبين له أنه عدو الله) لما مات على شركه (تبرأ منه) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: (الأواه) الدعّاء. ورجاله ثقات إلا عاصم فإنه صدوق فهو حسن. قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين قال: سئل عبد الله عن (الأواه) فقال: الرحيم. ورجاله ثقات فهو صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن إبراهيم لأواه) يعني: المؤمن التواب. ويمكن الجمع بين الأقوال أن المؤمن الذي يدعو الله كثيرا يكون من المؤمنين والتوابين الذين يستحقون رحمة الله تعالى. قوله تعالى (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) قال: بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه طاعته ومعصيته عامة، فافعلوا أو ذروا. قوله تعالى (إن الله له ملك السموات والأرض ... ) انظر حديث الترمذي عن أبي ذر الآتي عند الآية (44) من سورة الإسراء (هو حديث الأطيط) . قوله تعالى (لقد تاب الله على النبي والهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ... ) قال البخاري: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثني ابن وهب قال أخبرني يونس. ح قال أحمد: وحدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن كعب قال: أخبرني عبد الله بن كعب -وكان قائد كعب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 من بنيه حين عميَ- قال: سمعت كعب بن مالك في حديثه (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا) قال في آخر حديثه: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمسِك بعض مالك، فهو خير لك". (الصحيح 8/192-193 ح 4676 - ك التفسير - سورة التوبة، ب الآية) . وانظر رواية مسلم الآتية تحت الآية رقم (118) من نفس السورة. قال ابن حبان: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس أنه قِيل لعمر بن الخطاب: حدِّثنا من شأن العسرة، قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا، أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء، فلا يرجع حتى نظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله قد عوّدك الله في الدعاء خيرا، فادعُ لنا، فقال: "أتُحب ذلك؟ " قال: نعم. قال: فرفع يديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يرجعهما حتى أظلّت سحابة، فسكبت، فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر. (الإحسان 4/223 ح 1383) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 1/159 - ك الطهارة) من طريق محمد ابن الحسن العسقلاني عن حرملة به وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 1/278 ح 168) من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد 6/194-195) وعزاه للبزار والطبراني ثم قال: ورجال البزار ثقات. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (في ساعة العسرة) في غزوة تبوك. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه. قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 مالك -وكان قائد كعب بن مالك- قال: سمعت كعب بن مالك يُحدّث حين تخلف عن قصة تبوك، فوالله ما أعلم أحداً أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني، ما تعمّدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومي هذا كذبا، وأنزل الله عز وجل على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين -إلى قوله- وكونوا مع الصادقين) . (الصحيح 8/194 ح 4678 -ك التفسير- سورة التوبة، ب (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) . قوله تعالى (وعلى الثلاثة الذين خُلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: أما قوله: (خلفوا) فخلّفوا عن التوبة. قال مسلم: حدثني أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح، مولى بني أمية، أخبرني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: ثم غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة تبوك وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام. قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب كان قائد كعب، من بنيه، حين عمي. قال: سمعت كعب بن مالك يُحدّث حديثه حين تخلف عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك. قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يُعاتِب أحداً تخلف عنه، إنما خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدتُ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أُحبُ أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدرٌ أذكر في الناس منها، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، أنّي لم أكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعتُ قبلها راحلتين قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، فغزاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرّ شديد، واستقبل سفراً بعيدا ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً، فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أُهبة غزوهم، فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الديوان) قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظن أن ذلك سيخفي له، ما لم ينزل فيه وحيٌ من الله عز وجل، وغزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر، فتجهزّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون معه، وطفقتُ أغدو لكي أتجهزّ معهم، فأرجعُ ولم أقض شيئاً، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجِدّ، فأصبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غادياً والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلتُ، ثم لم يُقدّر ذلك لي، فطفقت، إذا خرجت في الناس، بعد خروج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يحزُنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصا عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بلغ تبوكاً فقال وهو جالس في القوم تبوك: "ما فعل كعب بن مالك؟ " قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه بُرداه والنظر في عِطفيه. فقال له معاذ ابن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً. فسكت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبينما هو على ذلك رأى رجلاً مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كن أبا خيثمة" فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري. وهو الذي تصدّق بصاع التمر حين لمزه المنافقون. فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد توجه قافلا من تبوك، حضرني بثّي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بِمَ أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 كل ذي رأى من أهلي. فلما قيل لي: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أظلّ قادما، زاح عني الباطل، حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً. فأجمعت صدقه. وصبّح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئتُ، فلمّا سلّمتُ، تبسم تبسُّم المغضبَ ثم قال: "تعال" فجئتُ أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي: "ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " قال: قلتُ: يا رسول الله إني، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعُذر، ولقد أُعطيتُ جدلا، ولكني، والله لقد علمتُ، لئن حدثّتك اليوم حديثَ كذب ترضى به عني، ليُوشكن الله أن يُسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إني لأرجو فيه عقبى الله. والله ما كان لي عذرٌ. والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسر منّي حين تخلفت عنك. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما هذا، فقد صدق. فقم حتى يقضي الله فيك". فقمتُ. وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرتَ إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنِّبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأكذّب نفسي. قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت: من هما؟ قالوا: مُرارة بن ربيعة العامري، وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين عن كلامنا، أيها الثلاثة، من بين من تخلف عنه. قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 فاجتنبنا الناس. وقال: تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم؛ فكنتُ أخرج وأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يُكلّمني أحد، وآتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأُسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السلام، أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأُسارقه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إلي، وإذا التفتُ نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فسلّمت عليه، فوالله ما ردّ عليّ السلام. فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمنّ أني أحب الله ورسوله؟ قال فسكت. فعُدت فناشدته. فسكت فعُدت فناشدته. فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت، حتى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدُلّ على كعب بن مالك. قال: فطفق الناس يشيرون له إليّ، حتى جاءني فدفع إليّ كتاباً من مَلك غسان، وكنت كاتباً، فقرأته فإذا فيه: أما بعد؛ فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحَقْ بنا نواسك. قال: فقلت حين قرأتها: وهذه أيضاً من البلاء. فتياممتُ بها التنور فسجرتها بها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا رسول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتيني فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلتُ: أُطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها، فلا تقربنّها. قال: فأرسل إلى صاحبيَّ بمثل ذلك. قال فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت له: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: "لا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 ولكن لا يقربّنك". فقالت: إنه والله ما به حركةٌ إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. قال: فقلت: لا استأذن فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يدريني ماذا يقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. قال: فلبثت بذلك عشر ليال، فكمُل لنا خمسون ليلة من حين نُهي عن كلامنا. قال: ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا، قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفي على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررتُ ساجداً، وعرفتُ أن قد جاء فرج. قال فآذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشّروننا، فذهب قَبل صاحبيّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قِبلي، وأوفي الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعتُ صوته يُبشرني، فنزعتُ له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتلقاني الناس فوجاً فوجاً، يُهنئوني بالتوبة ويقولون: لِتَهنئْك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس في المجلس، وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنّأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلمت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال -وهو يبرق وجهه من السرور- ويقول: "أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك". قال فقلت: أمِن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: لا، بل من عند الله" وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سُرّ استنار وجهه، كأن وجهه قطعة قمر. قال: وكنا نعرف ذلك. قال: فلما جلستُ بين يديه قلتُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمسك بعض مالك فهو خير لك". قال فقلت؟ فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أُحدث إلا صدقا ما بقيت. قال: فوالله ما علمتُ أن أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومي هذا. وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله عز وجل: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كان يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم) حتى بلغ: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا. إن الله قال للذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد، وقال الله: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لترضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) قال كعب: كنا خُلّفنا، أيها الثلاثة، عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين خلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله عز وجل: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) وليس الذي ذكر الله مما خُلفنا، تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. (الصحيح 4/2120-2128 - ك التوبة، ب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه) ، وأخرجه البخاري مختصراً (الصحيح - ك التفسير - سورة التوبة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البرّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صدّيقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً". (الصحيح 10/523 ح 6094 - ك الأدب،، ب قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) . انظر رواية البخاري من حديث كعب بن مالك المذكورة عند الآية (117-119) من هذه السورة. وفيها: فوالله ما أعلم أحداً أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ... وأنزل الله عز وجل على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين) إلى قوله (وكونوا مع الصادقين) . وقد ذكر البخاري هذه الرواية في تفسير التوبة آية (119) . قوله تعالى (ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين) قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثنا علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) ، (وما كان لأهل المدينة) إلى قوله (يعملون) نسختها الآية التي تليها (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) . (السنن ح 2505 - ك الجهاد، ب في النسخ نفير العامة بالخاصة) ، ومن طريق أبي داود، أخرجه ابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص364-365 مختصراً) ، وقال الألباني: حسن (صحيح أبي داود 2/475-476 ح 2187) . انظر حديث أبي عبس المتقدم تحت الآية رقم (216) من سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 قوله تعالى (ولا ينفقون نققة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة) الآية، قال: ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بُعدا إلا ازدادوا من الله قرباً. قوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) قال البخاري: حدثنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون". (الصحيح 6/250-251 ح 3116 - ك فرض الخمس، ب قول الله تعالى (فأن لله خمسه)) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 3/1524، ح 1037 - ك الأمارة، ب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) فإنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مضر بالسنين أجدبت بلادهم، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأجهدوهم، وأنزل الله يخبر رسول الله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله إلى عشائرهم، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعا، ويتركوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) يعنى عصبة، يعنى السرايا، ولا يتسروا إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 تعلمه القاعدون من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم بعدكم قرآنا، وقد تعلمناه. فيمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله: (ليتفقهوا في الدين) يقول: يتعلمون ما أنزل الله على نبيه، ويعلموا السرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) قال ابن كثير: وقوله تعالى (وليجدوا فيكم غلظة) أي: وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقاً لأخيه المؤمن، غليظاً على عدوه الكافر، كما قال تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) سورة المائدة آية: 54. وقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) سورة الفتح آية: 29. وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) سورة التوبة آية: 73، وسورة التحريم آية: 9. قوله تعالى (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) قال ابن كثير في قوله تعالى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم) أي: زادتهم شكاً إلى شكهم، وريباً إلى ريبهم؛ كما قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) سورة الإسراء آية: 82. وقال تعالى (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يومنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) سورة فصلت آية: 44. انظر سورة البقرة آية (125) عند قوله تعالى (في قلوبهم مرض) ، وانظر سورة الأنفال آية (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 قوله تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يّذكّرون) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (يفتنون) ، قال: يبتلون (في كل عام مرة أو مرتين) ، قال: بالسِنة والجوع. قوله تعالى (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) قال ابن كثير: وقوله: (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) هذا أيضاً إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نظر بعضهم إلى بعض) أي: تلفتوا (هل يراكم من أحد ثم انصرفوا) أي: تولوا عن الحق وانصرفوا عنه. وهذا حالهم في الدين لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه؛ كما قال تعالى (فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة) سورة المدثر الآيات: 49-51. وقال تعالى: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين. عن اليمين وعن الشمال عزين) سورة المعارج آية: 36، 37. قوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حربص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن بعث هذا الرسول الذي هو من أنفسنا الذي هو متصف بهذه الصفات المشعرة بغاية الكمال، وغاية شفقته علينا هو أعظم منن الله تعالى، وأجزل نعمة علينا، وقد بين ذلك في موضع أخر؛ كقوله تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) الآية. وقوله: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 قال البخاري: حدثنا محمد بن عُبيد الله أبو ثابت، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عُبيد بن السبّاق، عن زيد بن تابت قال: بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليّ مما كلفني من جمع القرآن. قلتُ: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال أبو بكر: هو والله خير. فلم يزل يحثّ مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا. فتتبَعت القرآن أجمعه من العُسُب والرقاع واللخاف وصدور الرجال فوجدت آخر سورة التوبة (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) إلى آخرها مع خزيمة -أو أبي خزيمة- فألحقتها في سورتها. وكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. قال محمد بن عبيد الله: اللخاف يعني الخزَف. (الصحيح 13/195 ح 7191 - ك الأحكام، ب يستحب للكاتب أن يكون أميناً عاقلاً) . قال البخاري: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغِفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الذين يُسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة". (الصحيح 1/116 ح 39 - ك الإيمان، ب الدين يسر ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) قال: جعله الله من أنفسهم، فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (عزيز عليه ما عنتم) قال: ما ضللتم. قوله تعالى (حريص عليكم) قال مسلم: وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحُجَزِكم وأنتم تقَحَّمون فيه". (الصحيح 4/1789 ح 2284 - ك الفضائل، ب شفقته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أمته) ، وأخرجه البخاري (الصحيح ح 6483 - ك الرقاق، ب الانتهاء عن المعاصي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (حريص عليكم) حريص على ضالهم أن يهديه الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فإن تولوا فقل حسبي الله) يعني الكفار، تولوا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذه في المؤمنين. وانظر سورة آل عمران آية (173) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 سورة يونس قوله تعالى (الر تِلْكَ آيات الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) انظر سورة البقرة آية (1-2) ، وانظر سورة آل عمران آية (158) لبيان: الحكيم. قوله تعالى (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار من إرسال المرسلين من البشر كما أخبر تعالى عن القرون الماضين من قولهم: (أبشر يهدوننا) وقال هود وصالح لقومهما: (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم) وقال تعالى مخبراً عن كفار قريش أنهم قالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) سورة ص آية: 5. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) ، يقول: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (قدم صدق) ، قال: خير. قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) انظر عن بيان خلق السموات والأرض في ستة أيام في سورة فصلت آية (9-11) . أخرج الطري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يدبر الأمر) قال: يقضيه وحده. قال ابن كثير: وقوله (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) كقوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) وكقوله تعالى: (وكم من ملك في السموات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن له الله لمن يشاء ويرضى) وقوله: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) سورة سبأ: 23. وانظر سورة البقرة آية (255) قوله تعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) . قوله تعالى (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ الله حقاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) وانظر تفسير قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده) الأنبياء: 104. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يبدأ الخلق ثم يعيده) ، قال: يحييه ثم يميته. ا. هـ. قال أبو جعفر الطبري: وأحسبه أنا قال: ثم يحييه. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والذين كفروا لهم شراب من حميم) الآية وذكر في هذه الآية الكريمة: أن الذين كفروا يعذبون يوم القيامة بشرب الحميم وبالعذاب الأليم، والحميم: الماء الحار، وذكر أوصاف هذا الحميم في آيات أخر كقوله: (يطوفون بينها وبين حميم آن) ، وقوله: (وسقوا ماء حميم فقطع أمعائهم) ، وقوله: (يصب من فوق رؤوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود) ، قوله: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه) الآية، وقوله: (فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم) . وذكر في موضع آخر أن الماء الذي يسقون صديد -أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من ذلك بفضله ورحمته- وذلك في قوله تعالى: (من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه) الآية. وذكر في الموضع الآخر أنهم يسقون مع الحميم الغساق، كقوله: (هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج) وقوله: (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا) والغساق: صديد أهل النار، -أعاذنا الله والمسلمين منها- وأصله من غسقت العين سال دمعها، وقيل: هو لغة، البارد المنتن، والحميم الآنى: الماء البالغ غاية الحرارة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ الله ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ الله فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وجعل شعاع القمر نوراً، هذا فن وهذا فن آخر، ففاوت بينهما لئلا يشتبها، وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل، وقدر القمر منازل، فأول ما يبدو صغيرا ثم يتزايد نوره ... وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر كقوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وقوله تعالى: (والشمس والقمر حسبانا) الآية. وانظر سورة الإسراء آية (12) . قال ابن كثير: وقوله: (يفصل الآيات) أي نبين الحجج والأدلة (لقوم يعلمون) وقوله: (إن في اختلاف الليل والنهار) أي تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا وإذا ذهب هذا جاء هذا لا يتأخر عنه شيئاً كقوله تعالى: (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) وقال: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) الآية. وقال تعالى: (فالق الإصباح وجعل الليل سكنا) الآية. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) ، قال: إذا شئت رأيت صاحب دنيا، لها يفرح، ولها يحزن، ولها يسخط، ولها يرضى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (يهديهم ربهم بإيمانهم) ، قال: يكون لهم نوراً يمشون به. قوله تعالى (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال مسلم: وحدثني الحسن بن علي الحلواني وحجاج بن الشاعر. كلاهما عن أبي عاصم. قال حسن: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج. أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يأكل أهل الجنة فيها ويشربون. ولا يتغوطون ولا يمْتخطون ولا يبولون. ولكن طعامهم ذاك جُشاء كرشح المسك. يُلهمون التسبيح والحمد، كما يُلهمون النفس". قال وفي حديث حجاج: "طعامهم ذلك". (صحيح مسلم 4/2181- ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب في صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (دعواهم فيها سبحانك اللهم) يقول: ذلك قولهم فيها (وتحيتهم فيها سلام) . قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية: أن تحية أهل الجنة في الجنة سلام، أي يسلم بعضهم على بعض ذلك، ويسلمون على الملائكة، وتسلم عليهم الملائكة بذلك، وقد بين تعالى هذا في مواضع أخر، كقوله: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) الآية، وقوله: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) الآية، وقوله: (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) الآية، وقوله: (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما وسلاما) وقوله: (سلام قولا من رب رحيم) إلى غير ذلك من الآيات. ومعنى السلام: الدعاء: بالسلامة من الآفات، والتحية مصدر حياك الله. ومعنى أطال حياتك. ا. هـ. وانظر بداية سورة الفاتحة لبيان (الحمد لله رب العالمين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 قوله تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له. وانظر سورة الإسراء آية (11) ، وانظر سورة البقرة آية (15) لبيان (في طغيانهم يعمهون) . قوله تعالى (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسه الشر كقوله: (وِإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) أي كثير وهما في معنى واحد وذلك لأنه إِذا أصابته شدة قلق وجزع منها وأكثر الدعاء عند ذلك فدعا الله في كشفها ورفعها عنه في حال اضطجاعه وقعوده وقيامه وفي جميع أحواله فإِذا فرج الله شدته وكشف كربته أعرض ونأى بجانبه وذهب كأنه ما كان به من ذلك شيء (مرّ كأن لم يدعنا إِلى ضر مسه) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الإنسان في وقت الكرب، يبتهل إلى ربه بالدعاء في جميع أحواله، فإذا أفرج الله كربه، أعرض عن ذكر ربه، ونسى ما كان فيه كأنه لم يكن فيه قط. وبين هذا في مواضع أخر كقوله: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة نسى ما كان يدعو إليه من قبل) الآية، وقوله: (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم) الآية، وقوله: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه شر فذو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 دعاء عريض) والآيات في مثل ذلك كثيرة. إلا أن الله استثنى من هذه الصفات الذميمة عباده المؤمنين، بقوله في سورة هود: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه لفرح فخور إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير) . قوله تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) انظر سورة الإسراء آية (17) . قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الأرض مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) انظر تفسير آية (165) من سورة الأنعام، وانظر حديث مسلم عن أبي سعيد المتقدم في الآية نفسها. قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا آئت بقرآن غير هذا أو بدله) ، وهو قول مشركي أهل مكة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) ، لبث أربعين سنة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) الآية: أمر الله تعالى: في هذه الآية الكريمة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أن يقول: إنه ما يكون له أن يبدل شيئاً من القرآن من تلقاء نفسه، ويفهم من قوله من تلقاء نفسي أن الله تعالى يبدل منه ما شاء بما شاء. وصرح بهذا المفهوم في مواضع أخر كقوله (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل) الآية، وقوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) الآية، وقوله: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 قوله تعالى (قُلْ لَوْ شَاءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا أدراكم به) ، ولا أعلمكم. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك بن أنس، عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه سمعه يقول: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق وليس بالآدم، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط. بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء". (صحيح البخاري 6/652- ك المناقب، ب صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح 3548. (وأخرجه مسلم 4/1824، 1825- ك الفضائل، ب صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح 113) قوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) قال ابن كثير: وقال في هذه الآية الكريمة (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون) وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل وفات عليه الحجج لا أحد أظلم منه. قال تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله قُلْ أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأرض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) انظر سورة البقرة آية (213) . قوله تعالى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس كائن بعد أن لم يكن وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد وهو الإسلام قال ابن عباس: كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم وقع الاختلاف بين الناس وعبدت الأصنام والأنداد والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) . قال تعالى (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) قال ابن كثير: أي يقول هؤلاء الكفرة المكذبون المعاندون: لولا أنزل على محمد آية من ربه يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة أو أن يحول لهم الصفا ذهبا أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهاراً أو نحو ذلك مما الله عليه قادر ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله كما قال تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا. بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) وكقوله: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إِلا أن كذب بها الأولون) الآية، يقول تعالى: إِن سنني في خلقي أني إِذا أتيتهم ما سألوا، فإن آمنوا وإِلا عاجلتهم بالعقوبة. ولهذا لما خير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين إعطائهم ما سألوا فإن آمنوا وإِلا عذبوا وبين إِنظارهم اختار إنظارهم ... (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) أي إِن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله فيّ وفيكم. هذا مع أنهم قد شاهدوا من آياته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إِلى القمر ليلة إِبداره فانشق اثنَتين فرقة من وراء الجبل وفرقة من دونه. وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا وما لم يسألوا، ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبيتا لأجابهم، ولكن علم أنهم إِنما يسألون عنادا وتعنتا فتركهم فيما رابهم وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد كقوله تعالى: (إِن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) الآية، وقوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إِليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إِلا أن يشاء الله) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 قوله تعالى (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ الله أَسْرَعُ مكراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) انظر آية (12) من السورة نفسها، وسورة البقرة آية (177) ، وسورة الإسراء آية (83) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (إذا لهم مكر في آياتنا) قال: استهزاء وتكذيب. قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) قال ابن كثير: يحفظكم ويكلؤكم بحراسته (حتى إِذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها) أي بسرعة سيرهم رافقين فبينما هم كذلك إِذ (جاءتها) أي تلك السفن (ريح عاصف) أي شديدة (وجاءهم الموج من كل مكان) أي اغتلم البحر عليهم (وظنوا أنهم أحيط بهم) أي هلكوا (دعوا الله مخلصين له الدين) أي لا يدعون معه صنما ولا وثنا بل يفردونه بالدعاء والابتهال كقوله تعالى (وإِذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) . سورة الإسراء: 67. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (دعوا الله مخلصين له الدين) قال: إذا مسهم الضر في البحر أخلصوا له الدعاء. قوله تعالى (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال الحاكم: أخبرنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ النضر بن شميل، ثنا عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني قال: سمعت أبي يحدث عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تبغ ولا تكن باغيا فإن الله يقول (إنما بغيكم على أنفسكم) ". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/338- ك التفسير، سورة يونس صححه الذهبي) . وانظر سورة الإسراء آية (66-68) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 قوله تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) هذا المثل شبيه بالمثل المتقدم في سورة الكهف آية (45) وسورة الزمر آية (21) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) ، الآية، إي والله، من تشبث بالدنيا وحدب عليها، لتوشك الدنيا أن تلفظه وتقضي منه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وازينت) قال: أنبتت وحسنت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (كأن لم تغن بالأمس) ، يقول: كأن لم تعش، كأن لم تنعم. قوله تعالى (والله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا همام عن قتادة، عن خليد المصري عن أبي الدرداء قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ... " الحديث. (المسند 5/197، والزهد ص 19، وأخرجه أيضاً أبو داود الطيالسي (ح 979) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ح 686 و3329) ، والحاكم في المستدرك (2/444-445) ، وأبو نعيم في الحلية (1/226 و2/233-234 و9/60) ، والبغوي في شرح السنة (ح 4045) وغيرهم من طرق عن قتادة به، وصحح إسناده الحاكم، وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (3/122) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأورده الألباني في (الصحيحة ح 443) وقال إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد صرح قتادة بالتحديث عند الحاكم وأخرجه الطبري (ح 17608) وابن أبي حاتم في تفسيره (سورة يونس ح 2009) تحت هذه الآية من طريق عباد بن راشد عن قتادة به، وزادا: قال: وأنزل ذلك في القرآن في قوله: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) واللفظ للطبري، وعباد صدوق له أوهام، وصحح إسناده أحمد شاكر رحمه الله) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 قال الحاكم: حدثني أبو الطيب طاهر بن يحيى البيهقي -بها من أصل كتاب خاله- ثنا خالي الفضل بن محمد البيهقي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين وتلا هذه الآية (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) قال: حدثني جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلا فقال: اسمع سمعة اذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامهم فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول من أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل منها". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/338-339 ك التفسير، سورة يونس. وصححه ووافقه الذهبي) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (والله يدعو إلى دار السلام) ، قال: (الله) هو السلام، وداره الجنة. وقوله تعالى (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أي إلى دين الإسلام كما تقدم في سورة الفاتحة. قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة. قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 (صحيح مسلم 1/163 ح 181- ك الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى) . وقد أخرجه الترمذي (السنن 5/286 ح 3105- ك التفسير، ب ومن سورة يونس) ، وأحمد (المسند 6/15-16) ، وابن أبي حاتم (التفسير- سورة يونس/26 ح 2034) ، وابن خزيمة (التوحيد 1/443-444 ح 258) ، من طرق عن حماد بن سلمة بن وجاء عند الترمذي وابن خزيمة: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال: "إذا دخل ... الحديث. ووقع عند أحمد وابن أبي حاتم ذكر الحديث كما عند مسلم وفي آخره: ثم قرأ (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (للذين أحسنوا الحسنى) ، يقول: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله. قال تعالى (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) قال ابن كثير: لما أخبر تعالى عن حال السعداء الذين يضاعف لهم الحسنات ويزدادون على ذلك عطف بذكر حال الأشقياء فذكر تعالى عدله فيهم وأنه يجازيهم على السيئة بمثلها لا يزيدهم على ذلك (وترهقهم) أي تعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها كما قال: (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل) الآية، وقال تعالى (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم) الآيات، وقوله (ما لهم من الله من عاصم) أي مانع ولا واق يقيهم العذاب كقوله تعالى (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر) وقوله: (كأنما أغشيت وجوههم) الآية إخبار عن سواد وجوههم في الدار الآخرة كقوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون) وقوله تعالى (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وترهقهم ذلة) ، قال: تغشاهم ذلة وشدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) ، قال: ظلمة من الليل. قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يوم القيامة يجمع الناس جميعا، والآيات بمثل ذلك كثيرة. وصرح في الكهف بأنه لا يترك منهم أحدا بقوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) . قال أحمد: حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير أنه سأل جابراً عن الورود قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس، فيدعى بالأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا عز وجل بعد ذلك فيقول ما تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا عز وجل فيقول: أنا ربكم. فيقولون حتى ننظر إليه قال فيتجلى لهم عز وجل وهو يضحك ويعطي كل إنسان منهم منافق ومؤمن نوراً وتغشاه ظلمة ثم يتبعونه معهم المنافقون على جسر جهنم فيه كلاليب وحسك، يأخذون من شاء ثم يطفأ نور المنافقين وينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ثم ذلك حتى تحل الشفاعة فيشفعون حتى يخرج من قال لا إله إلا الله ممن في قلبه ميزان شعيرة فيجعل بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يهريقون عليهم من الماء حتى ينبتون نبات الشيء في السيل ويذهب حرقهم ثم يسأل الله عز وجل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها. (المسند 3/345، 346. والحديث في صحيح مسلم (1/177، 178 ح 191) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير به، وقد وقع في بعضه تصحيف وتخليط، نبه عليه محمد فؤاد عبد الباقي وبين حقيقته، فلينظر هناك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 قال ابن كثير: وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارا عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة (مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) أنهم أنكروا عبادتهم، وتبرؤوا منهم، كما قال تعالى: (سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) الآية. قوله تعالى (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت) قال: تختبر. قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة بأن كل نفس يوم القيامة تبلو أي تخبر وتعلم ما أسلفت أي قدمت من خير وشر، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) وقوله (يوم تبلى السرائر) وقوله (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) وقوله (ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) الآية. قوله تعالى (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) قال ابن كثير: يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية إلاهيته فقال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض) أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقا بقدرته ومشيئته فيخرج منها (حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأباً) أإله مع الله؟ فسيقولون الله (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) وقوله: (أمن يملك السمع والأبصار) أي الذي وهبكم هذه القوة السامعة، والقوة الباصرة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كقولة تعالى: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار) الآية. وقال: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) الآية. وانظر سورة آل عمران آية (27) لبيان قوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) . قوله تعالى (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) قال ابن كثير: وقوله (كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا) الآية، أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق المتصرف في الملك وحده الذي بعث رسله بتوحيده، فلهذا حقت عليهم كلمه الله أنهم أشقياء من ساكني النار كقوله: (قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) . قوله تعالى (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ألقم الله تعالى المشركين في هذه الآيات حجرا بأن الشركاء الذين تعبدونهم من دونه لا قدرة لهم على فعل شيء وأنه هو وحده جل وعلا الذي يبدأ الخلق ثم يعيده بالإحياء مرة أخرى وأنه يهدي من يشاء. وصرح بمثل هذا في آيات كثيرة كقوله (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) وقوله تعالى (واتخذوا من دونه آلهة لا يَخلقون شيئاً وهم يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) . قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (فأنى تؤفكون) ، قال: أنى تصرفون؟. رجاله ثقات وسنده صحيح. انظر سورة الأنبياء آية (104) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 قوله تعالى (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) ، قال: الأوثان، الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لما شاء. قوله تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شيئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) انظر سورة الأنعام آية (116) . قوله تعالى (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". (الصحيح 8/619 ح 4981- ك فضائل القرآن، ب كيف نزل الوحي ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قال ابن كثير: وهذا هو المقام الثالث في التحدي فإنه تعالى تحداهم ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده وليستعينوا بمن شاءوا وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ولا سبيل لهم إليه فقال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 فقال في أول سورة هود: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) ثم تنازل إلى سورة فقال في هذه السورة: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وكذا في سورة البقرة وهي مدنية تحداهم بسورة منه وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا فقال: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار) الآية، سورة البقرة آية: 24. وانظر سورة البقرة آية (23) . قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: التحقيق أن تأويله هنا هو حقيقة ما يؤول إليه الأمر يوم القيامة، كما قدمنا في أول آل عمران ويدل لصحة هذا قوله في الأعراف (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء) الآية. قوله تعالى (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة، أن يظهر البراءة من أعمال الكفار القبيحة إنكارا لها وإظهارا لوجوب التباعد عنها وبين هذا المعنى في قوله (قل يا أيها الكافرون) إلى قوله (ولي دين) ونظير ذلك قول إبراهيم الخليل -وأتباعه- لقومه (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله) الآية. قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) انظر سورة الأحقاف آية (26) . قال ابن كثير: أي ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لأولي البصائر والنهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا) الآية. وانظر سورة البقرة آية (42) وسورة النمل آية (80) وسورة الروم آية (52) . قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شيئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي، حدثنا مروان (يعني ابن محمد الدمشقي) ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادى! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيتُ كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيَط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه". قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني، إذا حدث بهذا الحديث، جثا على ركبتيه. (الصحيح 4/1994-1995 ح 2577- ك البر والصلة، ب تحريم الظلم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 قوله تعالى (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار إذا حشروا استقلوا مدة مكثهم في دار الدنيا، حتى كأنها قدر ساعة عندهم وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله في آخر الأحقاف (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) الآية وقوله في آخر النازعات (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقوله في آخر الروم (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا إلا ساعة) الآية. قوله تعالى (يتعارفون بينهم) قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة أن أهل المحشر يعرف بعضهم بعضاً فيعرف الأباء الأبناء كالعكس ولكنه بينه في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها، فلا يسأل بعضهم بعضاً شيئاً كقوله: (ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم) ، وقوله: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) . قوله تعالى (وإما نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفّينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب في حياتك (أو نتوفينك) ، قبل (فإلينا مرجعهم) . قوله تعالى (ولكل أمة رسول ... ) قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أن لكل أمة رسولا وبين هذا في مواضع أخر كقوله (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) الآية، وقوله (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وقوله (ولكل قوم هاد) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) وانظر حديث البخاري ومسلم المتقدم عند الآية (31) من سورة البقرة (وهو حديث الشفاعة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 قال الشيخ الشنقيطي: أوضح الله تعالى معنى هذه الآية الكريمة في سورة الزمر بقوله (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون) . قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن كفر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعيين مما لا فائدة لهم فيه كقوله: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) أي كائنة لا محالة وواقعة وإن لم يعلموا وقتها عينا، ولهذا أرشد تعالى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جوابهم فقال: (قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعا) الآية، أي لا أقول إلا ما علمني ولا أقدر على شيء مما استأثر به إلا أن يطلعني الله عليه فأنا عبده ورسوله إليكم ... (لكل أمة أجل) أي لكل قرن مدة من العمر مقدرة فإذا انقضى أجلهم (فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) كقوله: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) الآية. سورة المنافقون آية: 11. قوله تعالى (لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن لكل أمة أجلا، وأنه لا يسبق أحد أجله المحدد له، ولا يتأخر عنه. وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) وقوله: (إن أجل الله إذا جاء لا يأخر لو كنتم تعلمون) وقوله: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) الآية. إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 قوله تعالى (أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار يطلبون في الدنيا تعجيل العذاب كفرا وعنادا، فإذا عاينوا العذاب آمنوا، وذلك الإيمان عند معاينة العذاب وحضوره لا يقبل منهم، وقد أنكر ذلك تعالى عليهم هنا بقوله: (أثم إذا ما وقع آمنتم به) ونفى أيضاً قبول إيمانهم في ذلك الحين بقوله: (آلآن وقد كنتم به تستعجلون) . وأوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وقوله: (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لآ إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين، آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) . قوله تعالى (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) قال ابن كثير: (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد) أي يوم القيامة يقال لهم هذا تبكيتاً وتقريعا كقوله: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تحزون ما كنتم تعملون) . قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض لَافْتَدَتْ بِهِ) انظر حديث البخاري عن أنس المتقدم عند الآية (91) من سورة آل عمران وهو حديث: "يجاء بالكافر يوم القيامة ... ". وانظر سورة آل عمران آية (91) . قوله تعالى (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) انظر سورة آل عمران آية (27) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال ابن كثير: يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) أي زاجر عن الفواحش (وشفاء لما في الصدور) أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، وهدى ورحمة أي يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) وقوله: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) الآية. قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا السري بن يحيى، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنزلت عليّ سورة وأمرت أن أقرئكها". قال: قلت: أسميت لك قال: نعم. قلت لأبي: أفرحت بذاك يا أبا المنذر؟ قال: وما يمنعني والله تعالى وتبارك يقول (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) . (المستدرك 3/304- ك معرفه الصحابة) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو داود عن سفيان به (السنن ح 3980) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3367) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قل بفضل الله وبرحمته) ، يقول: فضله الإسلام، ورحمته القرآن. قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا) ، وهو هذا. فأنزل الله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) الآية، سورة الأعراف: 32. وانظر سورة الأعراف آية (32) . قوله تعالى (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) قال ابن كثير: يخبر تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته وجميع الخلائق في كل ساعة وأوان ولحظة وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ولا في الأرض ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين كقوله (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) . وانظر حديث البخاري ومسلم الآتي عند الآية (34) من سورة لقمان، وهو حديث جبريل الطويل في بيان شرائع الإسلام والإيمان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إذ تفيضون فيه) ، يقول: إذ تفعلون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما يعزب) ، يقول: لا يغيب عنه. وانظر سورة الزلزلة لبيان: مثقال ذرة. قوله تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال ابن حبان: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: حدثنا ابنُ فضيل، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: مَن هم لعلّنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا انتساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . (الإحسان 2/332-333 ك البر والإحسان- ب الصحة والمجالسة) . وقال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه الطبري في (التفسير 11/132) عند تفسير الآية عن أبي هشام الرفاعي عن ابن فضيل به. وأخرج الحاكم في (المستدرك 4/170) عن ابن عمر نحوه. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال العراقى: رواه النسائي في سننه الكبرى ورجاله ثقات (اتحاف السادة 6/174) ، وصحح الشيخ محمود شاكر إسناد رواية أبي هريرة في حاشية الطبري، وله شاهد صحيح أخرجه أحمد من طريق أبي مالك الأشعري حسنه المنذري في (الترغيب 4/21-22) ، وقال الهيثمي: رجاله وثقوا (مجمع الزوائد 10/276-277) . قوله تعالى (الذين آمنوا وكانوا يتقون) ثم بين الله تعالى من هم أولياء الله فقال في الآية التالية (الذين آمنوا وكانوا يتقون) ثم بين جزاءهم في الدنيا والآخرة كما في الآية التالية. وانظر سورة البقرة آية (2) لبيان المتقين. قوله تعالى (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) قال ابن كثير: وأما بشراهم في الآخرة فكما قال تعالى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) وقال تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) . قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة، والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان. ورؤيا مما يُحدث المرءُ نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس". قال: "وأحب القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين". فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين. (الصحيح 4/1773 ح 2263- ك الرؤيا) . وأخرجه البخاري في (صحيحه - التعبير، القيد في المنام ح 7017) . قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سعيد ابن المسبب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة". (الصحيح 12/391 ح 6990 ك التعبير، ب المبشرات) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه من حديث ابن عباس- ك الصلاة، ب النهي عن القراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح 479) . قال أحمد: ثنا أبو معاوية قال: ثنا الأعمش، عن منهال بن عمرو، عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون -يعني بها- على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد ... ". (المسند 4/287-288) ، أخرجه أبو داود (السنن 4/239-240 ح 4753- ك السنة، ب في المسئلة في القبر وعذاب القبر) من طريق جرير وأبي معاوية. وأخرجه الحاكم (1/37-38- ك الإيمان) من طريق أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به، وليس عند أبي داود قوله: "ابشر بالذي يسرك..". قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ... ولم يخرجاه بطوله. وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح 1672) . قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قوله الله سبحانه (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) قال: "هي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له". (سنن ابن ماجة 2/1283- ك تعبير الرؤيا، ب الرؤيا الصادقة يراها المسلم أو ترى له ح 3898) ، أخرجه أحمد والترمذي والحاكم (المستدرك 2/340) من طريق يحيى بن أبي كثير به نحوه. وقال الترمذي: حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المسند 5/315) ، (السنن 4/534- الرؤيا، ب قوله (لهم البشرى في الحياة الدنيا) . وللحديث طرق عن عبادة به نحوه (انظر تفسير ابن كثير 4/215) . وذكره الألباني في صحيح ابن ماجة وسقط حكمه عليه (2/338) . وأورده في السلسة الصحيحة (ح 1786) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) انظر سورة الإسراء آية (12) . قوله تعالى (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على من ادعى أن له (ولداً سبحانه هو الغني) أي تقدس عن ذلك هو الغني عن كل ما سواه وكل شيء فقير إليه (له ما في السموات وما في الأرض) أي فكيف يكون له ولد مما خلق وكل شيء مملوك له عبد له (إن عندكم من سلطان بهذا) أي ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان (أتقولون على الله ما لا تعلمون) إنكار ووعيد أكيد وتهديد شديد كقوله تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شيئاً إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هذا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) . قوله تعالى (مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) انظر سورة الرعد آية (26) لبيان متاع: إنه قليل ذاهب. قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) انظر قصة نوح في سورة الأعراف آية (59-64) . وانظر حديث مسلم عن أنس المتقدم تحت الآية (59) من سورة الأعراف وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "ولكن ائتوا نوحاً أول رسول ... ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أمركم عليكم غمة) قال: لا يكبر عليكم أمركم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) قال: اقضوا إلي ما كنتم قاضين. قوله تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأرض وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وهذه قصة موسى مع فرعون والسحرة وإيمانهم وقد تقدمت في سورة الأعراف آية (103-128) . أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) قال: الملك. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى عن موسى في هذه الآية، أنه قال: إن الله سيبطل سحر سحرة فرعون. وصرح في مواضع أخر بأن ذلك الذي قال موسى، أنه سيقع؛ من إبطال الله لسحرهم؛ أنه وقع بالفعل، كقوله: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) ونحوها من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذرية من قومه) يقول: بني إسرائيل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق ما سلطنا عليهم ولا عذبوا، فيفتنوا بنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) ، قال: وذلك حين منعهم فرعون الصلاة، فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم، وأن يوجهوا نحو القبلة. قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) في هذه الآيات دعاء موسى وهارون ودمار فرعون وقومه وقد تقدمت في سورة الأعراف آية (129-137) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ربنا اطمس على أموالهم) ، قال: بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: وقال موسى قبل أن يأتي فرعون: (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) ، فاستجاب الله له، وحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق، فلم ينفعه الإيمان. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (قد أجيبت دعوتكما) قال: دعا موسى وأمّن هارون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 قوله تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدِم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة واليهود تصوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا". (الصحيح 8/198 ك التفسير- سورة يونس ح 4680) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا الحجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فقال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. (سنن الترمذي 5/287- ك التفسير، سورة يونس) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي 3/61-62) . وأخرجه أحمد في المسند (ح 2144) ، والحاكم في المستدرك بنحوه (2/340) وصححه وقال: إلا أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس. ووافقه الذهبي وقال: عامة أصحاب شعبة أوقفوه. وابن الملقن. وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند. قوله تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) ، يقول: أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه. قوله تعالى (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه بوأ بني إسرائيل مبوأ صدق. وبين ذلك في آيات أخر كقوله. (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) الآية، وقوله: (كم تركوا من جنات ونعيم وكنوز ومقام كريم) إلى قوله: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (مبوأ صدق) قال بوأهم الله الشام وبيت القدس. قوله تعالى (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) انظر حديث ابن ماجة عن أنس المتقدم عند الآية (105) من سورة آل عمران. وهو حديث: "إن بني إسرائيل افترقت ... ". قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) قال ابن كثير: وهذا فيه تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب كما قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) الآية. قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا يحيى ابن محمد ابن يحيى، ثنا مسدد، ثنا المعتمر بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المراء في القرآن كفر". تابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه. (المستدرك 2/223- ك التفسير، سورة يونس- الآية) . وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو داود (السنن- السنة، ب النهي عن الجدال في القرآن ح 4603) ، وأحمد في المسند (2/286، 424، 375) ، وابن حبان في (الإحسان 4/324-325 ح 1464) من طرق عن محمد بن عمرو وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح 3847) ، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند ومحقق الإحسان. ونسبه الهيثمي إلى أحمد بإسناد حسن وقال: رجال أحدهما رجال الصحيح (المجمع 7/151) . قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، أن من حقت عليه كلمة العذاب، وسبقت له في علم الله الشقاوة لا ينفعه وضوح أدلة الحق، وذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) وقوله: (وإن يروا آية يعرضوا) الآية، وقوله: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) وقوله: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم معرضون) وقوله: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) ، حق عليهم سخط الله بما عصوه. قوله تعالى (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) ، يقول: لم يكن هذا في الأمم قبلهم، لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتركت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة. فلما عرف الله الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم قال: وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل. قال ابن كثير: واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين: (أحدهما) إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الآية. (والثاني) فيهما لقوله تعالى (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين) فأطلق عليهم الإيمان. والإيمان منقذ من العذاب الأخروي وهذا هو الظاهر والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن إيمان قوم يونس ما نفعهم إلا في الدنيا دون الآخرة، لقوله (كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) ويفهم من مفهوم المخالفة في قوله (في الحياة الدنيا) أن الآخرة ليست كذلك، ولكنه تعالى أطلق عليهم إسم الإيمان من غير قيد في سورة "الصافات" والإيمان منقذ من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، كما أنه بين في "الصافات" أيضاً كثرة عددهم وكل ذلك في قوله تعالى: (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين) . قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) ، (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) سورة يونس: 100، ونحو هذا في القرآن، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول. قال ابن كثير: يقول تعالى (ولو شاء ربك) يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وقال تعالى (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً) ولهذا قال تعالى (أفأنت تكره الناس) أي تلزمهم وتلجئهم (حتى يكونوا مؤمنين) أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) ، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) (لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لو شاء إيمان جميع أهل الأرض لآمنوا كلهم جميعاً، وهو دليل واضح على كفرهم واقع بمشيئته الكونية القدرية. وبين ذلك في آيات كثيرة كقوله (ولو شاء الله ما أشركوا) الآية وقوله: (ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها) وقوله: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن من لم يهده الله فلا هادي له، ولا يمكن أحدا أن يقهر قلبه على الانشراح إلى الإيمان إلا إذا أراد الله به ذلك. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً) ، وقوله (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل) الآية، وقوله: (إنك لا تهدي من أحببت) الآية، وقوله: (ومن يضلل الله فلا هادي له) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويجعل الرجس) ، قال: السخط. قوله تعالى (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيات وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حقاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا جميع عباده أن ينظروا ماذا خلق في السموات والأرض من المخلوقات الدالة على عظم خالقها، وكماله، وجلاله، واستحقاقه لأن يعبد وحده جل وعلا. وأشار لمثل ذلك بقوله: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) ، يقول: وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. قال ابن كثير: وقوله (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) ، أي فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلهم (قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا) أي ونهلك المكذبين بالرسل (كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين) حقاً أوجبه الله تعالى على نفسه الكريمة كقوله: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وكما جاء في الصحيحين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي". قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) انظر سورة الكافرون آية (1-2) . قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: أوضح هذا المعنى في قوله (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) الآية. وانظر سورة البقرة آية (135) لبيان معنى حنيفا. قوله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) انظر سورة الأنعام آية (17) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) انظر سورة الإسراء آية (15) . قوله تعالى (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما حكم الله به بين نبيه وبين أعدائه، وقد بين في آيات كثيرة أنه حكم بنصره عليهم، وإظهار دينه على كل دين، كقوله: (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخر السورة، وقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) إلى آخرها وقوله: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه) الآية. إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 سورة هود قوله تعالى (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) ، أحكمها الله من الباطل، ثم فصلها بعلمه، فبين حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ثم فصلت) قال: فسرت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (من لدن حكيم خبير) يقول: من عند حكيم خبير. قوله تعالى (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) قال ابن كثير: (ألا تعبدوا إلا الله) أي نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له كقوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقال (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وقوله (إنني لكم منه نذير وبشير) أي إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه، وبشر بالثواب إن أطعتموه كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد الصفا فدعا بطون قريش الأقرب ثم الأقرب فاجتمعوا فقال: "يا معشر قريش أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تصبحكم ألستم مصدقي؟ " فقالوا: ما جربنا عليك كذبا قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". ا. هـ. (صحيح البخاري- ك الإيمان، ب ما جاء إن الأعمال بالنيات) ، (وصحيح مسلم- ك الوصية، ب الوصية بالثلث) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية فيها الدلالة الواضحة على أن الحكمة العظمى التي أنزل القرآن من أجلها هي: أن يعبد الله جل وعلا وحده، ولا يشرك به في عبادته شئ، لأن قوله جل وعلا: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله) الآية- صريح في أن آيات هذا الكتاب فصلت من عند الحكيم الخبير لأجل أن يعبد الله وحده، سواء قلنا إن (أن) هي المفسرة أو أن المصدر المنسبك منها ومن صلتها مفعول من أجله، لأن ضابط (أن) المفسرة أن يكون ما قبلها متضمنا معنى القول، ولا يكون فيه حروف القول. قوله تعالى (النبي لكم منه نذير وبشير) انظر حديث ابن عباس الآتي عند الآية (214) من سورة الشعراء. قوله تعالى (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن الأستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعا حسنا إلى أجل مسمى؛ لأنه رتب ذلك على الأستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه. والظاهر أن المراد بالمتاع الحسن، سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى: الموت، ويدل لذلك قوله تعالى في هذه السورة الكريمة عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم) وقوله تعالى عن نوح: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا غندر عن شعبة، عن عمرو ابن مرة، عن أبي بردة. قال: سمعت الأغرّ، وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 يُحدث ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يا أيها الناس! توبوا إلى الله. فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة". (صحيح مسلم 4/2075-2076- ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب استحباب الاستغفار والاستكثار منه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) ، فأنتم في ذلك المتاع، فخذوا بطاعة الله ومعرفة حقه، فإن الله منعم يحب الشاكرين، وأهل الشكر في مزيد من الله. وذلك قضاؤه الذي قضى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إلى أجل مسمى) قال: الموت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ويؤت كل ذي فضل فضله) ، قال: ما احتسب به من ماله أو عمل بيده أو رجله أو كلمة، أو ما تطوع به من أمره كله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ويؤت كل ذي فضل فضله) أي: في الآخرة. قوله تعالى (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) قال الشيخ الشنقيطي: يبين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يخفى عليه شئ، وأن السر كالعلانية عنده، فهو عالم بما تنطوي عليه الضمائر وما يعلن وما يسر، والآيات المبينة لهذا كثيرة جدا، كقوله: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله جل وعلا: (واعلموا أن يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) وقوله: (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) ، وقوله: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 قال البخاري: حدثنا الحسنُ بن محمد بن صباح حدثنا حجّاج قال: قال ابن جريج: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمعَ ابن عباس يَقرأ (ألا إنهم تثنوني صدورُهم) قال سألته عنها فقال: أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضون إلى السماء، فنزل ذلك فيهم. (صحيح البخاري 8/349- ك التفسير- سورة هود، ب (الآية) ح 4681) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ألا حين يستغشون ثيابهم) يقول: يغطون رؤوسهم. قوله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويعلم مستقرها) يقول: حيث تأوي (ومستودعها) يقول: إذا مات. قوله تعالى (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة أنه خلق السماوات والأرض لحكمة ابتلاء الخلق، ولم يخلقهما عبثا ولا باطلا. ونزه نفسه تعالى عن ذلك، وصرح بأن من ظن ذلك فهو من الذين كفروا وهددهم بالنار، قال تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للكافرين من النار) وقال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) وقال: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) ، وقال: (الذي خلق الموت والحياة ليلوكم أيكم أحسن عملاً) إلى غير ذلك من الآيات. وانظر سورة فصلت آية (12) لبيان الستة أيام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدَّثَنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله عز وجل: أنفِق أنفق عليك. وقال: يدُ الله مَلأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفِض ويرفع". (صحيح البخاري 8/202- ك التفسير- سورة هود، ب (الآية) ح 4684) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 2/691 ح 37- ك الزكاة، ب الحث على النفقة) . قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: دخلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعقلت ناقتي بالباب. فأتاه ناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: قد بشرتنا فأعطنا (مرتين) . ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن أن لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قد قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئنا نسألك عن هذا الأمر. قال: كان الله ولم يكن شيء غيره. وكان عرشه على الماء. وكتب في الذكر كل شيء. وخلق السموات والأرض. فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين. فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب. فوالله لوددت أني كنت تركتها. (الصحيح 6/330-331 ح 3191- ك بدء الخلق، ب ما جاء في قوله تعالى (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ... )) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وكان عرشه على الماء) قبل أن يخلق شيئاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 قوله تعالى (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) قال الطبري حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) قال: إلى أجل محدود. وسنده حسن. وانظر سورة الأنعام آية (10) قول السدي، فحاق: وقع.. قوله تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) انظر سورة فصلت آية (50) ، وسورة الشورى آية (48) ، وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان: ضراء. قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) انظر سورة العصر آية (2-3) . قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) قال ابن كثير: يقول تعالى مسليا لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما كان يتعنت به المشركون فيما كانوا يقولونه عن الرسول كما أخبر تعالى عنهم في قوله: (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) فأمر الله تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه وأرشده إلى أن لا يضيق بذلك منهم صدره ولا يهيدنه ذلك ولا يثنية عن دعائهم إلى الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار كما قال تعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) الآية. انظر حديث ابن عباس الآتي عند الآية (214) من سورة الشعراء وهو حديث: "إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) انظر سورة البقرة آية (23) وسورة يونس آية (38) . قوله تعالى (فهل أنتم مسلمون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (فهل أنتم مسلمون) قال: لأصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هذه الآية مطلقة وقد قيدتها آية أخرى كما في قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا فيها ما نشاء لمن نريد) الإسراء آية: 18، فقيد الأمر في هذه الآية تقييدين: أحدهما: تقييد المعجل بمشيئته تعالى. والثاني: تقييد المعجل له. بإرادته تعالى. قال الدارمي: أخبرنا عصمة بن الفضل، ثنا حرمي بن عمارة، عن شعبة، عن عَمْرو بن سليمان، عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان بن الحكم بنصف النهار، قال: فقلت ما خرج هذه الساعة من عند مروان إلا وقد سأله عن شيء فأتيته فسألته، قال: نعم سألني عن حديث سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نضّر الله امرا سمع منا حديثا فحفظه، فأداه إلى من هو أحفظ منه، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. لا يعتقد قلب مسلم على ثلاث خصال إلا دخل الجنة". قال: قلت: ما هي؟ قال: "إخلاص العمل، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم. ومن كانت الآخرة نيته جعل الله غناه في قلبه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا نيته فرق الله عليه شمله، وجعل فَرَقَهُ بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له". (السنن 1/75- المقدمة، ب الاقتداء بالعلماء ح 233) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/454-455) من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة به. وقال محققه: إسناده صحيح. وانظر تفسير سورة طه آية (132) في حديث عثمان بن عفان ففيه المزيد من تصحيح النقاد لهذا الحديث. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس بن مالك في قوله (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) قال: نزلت في اليهود والنصارى. (التفسير- سورة هود/15 ح 156) ، وأخرجه الطبري (التفسير 15/265 ح 23-18) من طريق همام عن قتادة به. وصحح إسناده محقق ابن أبي حاتم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) ، أي: لا يظلمون. يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه، وطلبته ونيته، جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضى إلى الآخرة، وليس له حسنة يعطى بها جزاء. وأما المؤمن، فيجازى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة (وهم فيها لا يبخسون) ، أي في الآخرة لا يظلمون. قوله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) وهو محمد، كان على بينة من ربه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن البصري قوله: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: لسانه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: معه حافظ من الله ملك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 قال الطبري: وأولى هذه الأقوال في تأويل قوله (ويتلوه شاهد منه) قول من قال: "هو جبريل"، لدلالة قوله (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) على صحة ذلك. وذلك أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتل قبل القرآن كتاب موسى، فيكون ذلك دليلا على صحة قول من قال: "عنى به لسان محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو: محمد نفسه، أو: "علي"، على قول من قال: "عنى به علي" ولا يعلم أن أحدا كان تلا ذلك قبل القرآن أو جاء به. قوله تعالى (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن لا يكفر به أحد كائنا من كان إلا دخل النار. وهو صريح في عموم رسالة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جميع الخلق، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، كقوله تعالى: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) وقوله: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) ، وقوله: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) الآية. وقوله (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الآية. قال الحاكم: أخبرني محمد بن علي الصنعاني بمكة ثنا علي بن المبارك الصنعاني ثنا زيد بن المبارك الصنعاني عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي عَمْرو البصري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بي إلا دخل النار فجعلت أقول أين تصديقها في كتاب الله؟ حتى وجدت هذه الآية (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) قال: الأحزاب الملل كلها. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/342- ك التفسير- سورة هود. صححه الذهبي) ، وأخرجه مسلم بدون ذكر الآية بنحوه (الصحيح- الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد 1/134 ح 240) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 قوله تعالى (فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك) قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله وعلا في هذه الآية الكريمة عن الشك عن هذا القرآن العظيم وصرح أنه الحق من الله. والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جدا كقوله (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه) الآية وقوله: (الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) وغير ذلك من الآيات. والمرية: الشك. قوله تعالى (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن أكثر الناس لا يؤمنون، وبين ذلك أيضاً في مواضع كثيرة، كقوله (وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين) وقوله (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك) ، وقوله (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين) وقوله (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم..) قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زُريع، حدثنا سعيد وهشام قالا: حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال "بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن -أو قال يا ابن عمر- هل سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النجوى؟ فقال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُدنى المؤمن من ربه". وقال هشام: يدنو المؤمن حتى يضع عليه كنفه فيُقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول ربِّ أعرف (مرتين) فيقول سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم. ثم تطوى صحيفة حَسناته. وأما الآخرون -أو الكفار- فينادى على رءوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم". وقال شيبان عن قتادة: حدثنا صفوان. (صحيح البخاري 8/204- ك التفسير- سورة هود- ب (الآية) ح 4685) . وأخرجه مسلم في (صحيحه- ك التوبة، ب قبول توبة القاتل 4/2120 ح 2769) . وانظر حديث مسلم الآتي عند الآية (23) من سورة سبأ. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الأشهاد) الملائكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 قوله تعالى (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون) أنظر سورة الأعراف آية (86) وانظر قول الشيخ الشنقيطي في الآية التالية. قوله تعالى (أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) قال ابن كثير: (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء) أي بل كانوا تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة لكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وفي الصحيحين: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخده لم يفلته". قوله تعالى (يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن الكفار الذين يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجا، يضاعف لهم العذاب يوم القيامة، لأنهم يعذبون على ضلالهم، ويعذبون أيضاً على إضلالهم غيرهم، كما أوضحه تعالى بقوله: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون) . وبين في موضع آخر أن العذاب يضاعف للأتباع والمتبوعين، وهو قوله: (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفا من النار قال لكل ضعف) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، صم عن الحق فما يسمعونه، بُكم فما ينطقون، عمي فلا يبصرونه ولا ينتفعون به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك، وبين طاعته في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا، فإنه قال: (ما كانوا يستطيعون السمع) ، وهي طاعته (وما كانوا يبصرون) وأما في الآخرة، فإنه قال: (فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم) سورة القلم: 42-43. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) قال ابن كثير: أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى (كلما خبت زدناهم سعيرا) (وضلّ عنهم) أي ذهب عنهم (ما كانوا يفترون) من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئاً بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى: (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) . قوله تعالى (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) انظر سورة النحل آية (62) لبيان (لا جرم) أي: بلى. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) يقول: خافوا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأخبتوا إلى ربهم) الإخبات: التخشع والتواضع. قوله تعالى (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) قال الشيخ الشنقيطي: ضرب الله تعالى في هذه الآية الكريمة المثل للكافر بالأعمى والأصم، وضرب المثل للمؤمن بالسميع والبصير، وبين أنهما لا يستويان ولا يستوي الأعمى والبصير، ولا يستوي الأصم والسميع، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة: قوله: (وما يستوي الأعمي ولا البصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) الآية، هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن. فأما الكافر فصم عن الحق فلا يسمعه، وعمي عنه فلا يبصره. وأما المؤمن فسمع الحق فانتفع به، وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) في هذه الآيات قصة نوح مع قومه وقد تقدم طرف منها في سورة الأعراف آية (59-64) وانظر سورة الشعراء آية (105-117) . انظر حديث مسلم عن أنس المتقدم تحت الآية (59) من سورة الأعراف وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "ولكن ائتوا نوحاً أول رسول بعثه الله ... ". قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن الملأ من قوم نوح قالوا له: ما نراك اتبعك منا إلا الأسافل والأراذل. وذكر في سورة الشعراء، أن اتباع الأراذل له في زعمهم مانع لهم من اتباعه بقوله: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) . وبين في هذه السورة الكريمة: أن نوحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أبى أن يطرد أولئك المؤمنين الذين اتبعوه بقوله: (وما أنا بطارد الذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله أن طردتهم) الآية. وذكر تعالى عنه ذلك في الشعراء أيضاً بقوله: (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون. وما أنا بطارد المؤمنين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) ، الآية، أما والله لو استطاع نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لألزمها قومه، ولكن لم يستطع ذلك ولم يملكه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (جادلتنا) قال: ماريتنا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فلا تبتئس) قال: لا تحزن. قوله تعالى (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ... ) في هذه الآيات قصة نوح والسفينة وابنه وقد وردت في سورة الشعراء آية (118-120) ، وسورة القمر آية (9-17) . قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبراً عنه أنه قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) فعند ذلك أوحى الله تعالى إليه (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الفلك) ، السفينة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (ووحينا) ، قال: كما نأمرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 قوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) قال ابن كثير: هذه مواعدة من الله تعالى لنوح عليه السلام إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر، بل هو كما قال تعالى: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وفار التنور) ، قال: انبجس الماء منه، آية، أن يركب بأهله ومن معه في السفينة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وفار التنور) ، قال: نبع. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبيه نوحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين، وبين في سورة قد أفلح المؤمنون: أنه أمره أن يسلكهم فيها أي يدخلهم فيها. فدل ذلك على أن فيها بيوتا يدخل فيها الراكبون، وذلك في قوله: (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) ومعنى (اسلك) أدخل فيها من كل زوجين اثنين؛ تقول العرب: سلكت الشئ في الشئ: أدخلته فيه. وفيه لغة أخرى أسلكته فيه، رباعيا بوزن أفعل، والثلاثية لغة القرآن؛ كقوله: (فاسلك فيها من كل زوجين) الآية. وقوله: (اسلك يدك في جيبك) الآية. وقوله: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) الآية. وقوله: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) وقوله (ما سلككم في سقر) الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (من كل زوجين اثنين) ، قال: ذكر وأنثى، من كل صنف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 قوله تعالى (وأهلك إلا من سبق عليه القول) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أمر نوحاً أن يحمل في السفينة أهله إلا من سبق عليه القول، أي سبق عليه من الله القول بأنه شقى، وأنه هالك مع الكافرين. ولم يبين هنا من سبق عليه القول منهم، ولكنه بين بعد هذا أن الذي سبق عليه القول من أهله هو ابنه وامرأته. قال في ابنه الذي سبق عليه القول: (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) -إلى قوله- (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) وقال فيه أيضاً: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) الآية. وقال في امرأته: (وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح -إلى قوله- مع الداخلين) . قوله تعالى (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: بسم الله حين يركبون ويجرون ويرسون. قال ابن كثير: يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة (اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سرها وهو رسوّها ... وقال الله تعالى: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين) ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى: (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره) الآية، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة: أن السفينة تجري بنوح ومن معه في ماء عظيم، أمواجه كالجبال، وبين جريانها هذا في ذلك الماء الهائل في مواضع أخر كقوله: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) وقوله: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر) . قوله تعالى (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا سماء أقعلي) يقول أمسكي (وغيض الماء) ، يقول: ذهب الماء. قوله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كنت عند الحسن فقال (ونادى نوح ابنه) لعمر الله ما هو ابنه قال قلت: يا أبا سعيد، يقول: (ونادى نوح ابنه) وتقول: ليس بابنه قال: أفرأيت قوله: (إنه ليس من أهلك) ؟ قال: قلت إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه. قال: إن أهل الكتاب يكذبون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) يقول: ليس ممن وعدناه النجاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنه عمل غير صالح) يقول: سؤالك عما ليس لك به علم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 قوله تعالى (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الطبري حدثنا العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، أخبرنا عبد الله بن شوذب قال سمعت داود بن أبي هند يحدث، عن الحسن: أنه أتي على هذه الآية: (اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال. فكان ذلك حين بعث الله عادا، فأرسل إليهم هودا، فصدقه مصدقون، وكذبه مكذبون، حتى جاء أمر الله. فلما جاء أمر الله، نجى الله هودا والذين آمنوا معه وأهلك الله المتمتعين. ثم بعث الله ثمود، فبعث إليهم صالحاً، فصدقه مصدقون، وكذبه مكذبون، حتى جاء أمر الله. فلما جاء أمر الله نجى الله صالحاً والذين آمنوا معه، وأهلك الله المتمتعين. ثم استقرأ الأنبياء نبيا نبيا، على نحو من هذا. وسنده حسن. قوله تعالى (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) القرآن، وما كان علم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقومه ما صنع نوح وقومه، لولا ما بين الله له في كتابه. قوله تعالى (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) في هذه الآيات قصة عاد مع قومه هود وقد تقدم طرف منها في سورة الأعراف آية (65-72) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن أجري إلا على الذي فطرني) أي: خلقني. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مدرارا) ، يقول: يتبع بعضها بعضاً. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ويزدكم قوة إلى قوتكم) ، قال: شدة إلى شدتكم. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (اعتراك بعض آلهتنا بسوء) قال: أصابك الأوثان بجنون. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (إن ربي على صراط مستقيم) ، الحق. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا أمره الذي جاء الذي نجا منه هودا والذين آمنوا معه عند مجيئه. ولكه بين في مواضع أخر: أنه الإهلاك المستأصل بالريح العقيم. التي أهلكهم الله بها فقطع دابرهم؛ كقوله: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شئ إلا جعلته كالرميم) . وقوله: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) الآية، وقوله (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) . وانظر للمزيد عن عاد وقومه هود في سورة الأعراف (65-71) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) المشرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 قوله تعالى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صالحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) في هذه الآيات قصة صالح عليه السلام مع قومه ثمود وقد تقدم طرف منها في سورة الأعراف آية (73-79) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (واستعمركم فيها) قال: أعمركم فيها. انظر حديث أحمد عن جابر المتقدم عند الآية (73) من سورة الأعراف. لبيان آية (64-65) المذكورتين آنفاً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) قال: بقية آجالهم. قال الشيخ الشنقيطي: بين هذا الأمر الذي جاء بقوله: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة لأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود) ونحوها من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (برحمة منا ومن خزي يومئذ) ، قال: نجاه الله برحمة منه، ونجاه من خزي يومئذ. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كأن لم يغنوا فيها) ، كان لم يعيشوا فيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) وفي هذه الآيات قصة إبراهيم وامرأته والملائكة المرسلة إلى لوط وقومه وقد تقدم طرف من قصة لوط وقومه في سورة الأعراف آية (80-84) ، وسيأتي تفسيرها مفصلا في سورة الحجر من الآية (51-75) . قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما المراد بهذه البشرى التي جاءت بها رسل الملائكة إبراهيم ولكنه أشار بعد هذا إلى أنها البشارة بإسحاق ويعقوب: (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) لأن البشارة بالذرية الطيبة شاملة للأم والأب، كما يدل لذلك قوله: (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) ، وقوله: (قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم) وقوله (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) وقيل: البشرى هي إخبارهم له بأنهم أرسلوا لإهلاك قوم لوط، وعليه فالآيات المبينة لها كقوله هنا في هذه السورة (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن إبراهيم لما سلم على رسل الملائكة وكان يظنهم ضيوفا من الآدميين، أسرع إليهم بالأتيان بالقرى وهو لحم عجل حنيذ -أي منضج بالنار- وأنهم لما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة فقالوا لا تخف وأخبروه بخبرهم. وبين في الذاريات: أنه راغ إلى أهله -أي مال إليهم- فجاء بذلك العجل وبين أنه سمين، وأنه قربه إليهم وعرض عليهم الأكل برفق فقال لهم (ألا تأكلون) ، وأنه أوجس منهم خيفة وذلك في قوله: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال ألا تأكلون، فأوجس منهم خيفة) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بعجل حنيذ) ، يقول: نضيج. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة) ، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف، فلم يطعم من طعامهم، ظنوا أنه لم يجئ بخير، وأنه يحدث نفسه بشر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه، حدثوه عند ذلك مما جاءوا فيه، فضحكت امرأته، وعجبت من أن قوما أتاهم العذاب، وهم في غفلة. فضحكت من ذلك وعجبت (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) . قال ابن كثير: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق إلهاً واحدا ونحن له مسلمون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 قال الطبري حدثنا عمرو بن علي، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن أبي عدي قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) قال: ولد الولد هو الوراء. وسنده صحيح. قال الشيخ الشنقيطي: بين الله جل وعلا في هذه السورة الكريمة ما قالته امرأة إبراهيم لما بشرت بالولد وهي عجوز، ولم يبين هنا ما فعلت عند ذلك، ولكنه بين ما فعلت في الذاريات بقوله: (فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) وقوله: "في صرة" أي ضجة وصيحة. وقوله (فصكت وجهها) أي: لطمته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) يقول: ذهب عنه الخوف (وجاءته البشرى) بإسحاق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الروع) الفرق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) قال: ذهب عنه الخوف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وجاءته البشرى) قال: حين أخبروه أنهم أرسلوا إلى قوم لوط، وأنهم ليسوا إياه يريدون. قوله تعالى (وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما جادل به إبراهيم الملائكة في قوم لوط، ولكنه أشار إليه في العنكبوت بقوله: (قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) الآية. فحاصل جداله لهم أنه يقول: إن أهلكتم القرية وفيها أحدا من المؤمنين أهلكتم ذلك المؤمن بغير ذنب، فأجابوه عن هذا بقولهم: (نحن أعلم بمن فيها) الآية. ونظير ذلك قوله: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (يجادلنا) يخاصمنا. قال الشيخ الشنقيطي: هذا العذاب الذي صرح هنا بأنه آت قوم لوط، لا محالة وأنه لا مرد له بينه في مواضع متعددة، كقوله في هذه السورة الكريمة: (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) وقوله في الحجر: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين) . وقوله: (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) الآية. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن لوطا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاءته رسل ربه من الملائكة حصلت له بسبب مجيئهم مساءة عظيمة ضاق صدره بها، وأشار في مواضع متعددة إلى أن سبب مساءته وكونه ضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب أنه ظن أنهم ضيوف من بني آدم كما ظنه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. وظن أن قومه ينتهكون حرمة ضيوفه فيفعلون بهم فاحشة اللواط، لأنهم إن علموا بقدوم ضيف فرحوا واستبشروا ليفعلوا به الفاحشة المذكورة - فمن ذلك قوله هنا (وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) وقوله في الحجر: (وجاء أهل المدينة يتبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) يقول: ساء ظنا بقومه، وضاق ذرعا بأضيافه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقال هذا يوم عصيب) أي: يوم شديد. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه لوطا وعظ قومه ونهاهم أن يفضحوه في ضيفه، وعرض عليهم النساء وترك الرجال، فلم يلتفتوا إلى قوله، وتمادوا فيما هم فيه من إرادة الفاحشة فقال لوط: (لو أن لي بكم قوة) الآية. فأخبرته الملائكة بأنهم رسل ربه، وأن الكفار الخبثاء لا يصلون إليه بسوء. وبين في القمر أنه تعالى طمس أعينهم، وذلك في قوله: (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجاءه قوم يهرعون إليه) ، يقول: مسرعين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) قال: أمرهم لوط تزويج النساء، وقال: (هن أطهر لكم) . قال ابن كثير: وقوله: (قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) يرشدهم إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة كما قال لهم في الآية الأخرى: (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإنك لتعلم ما نريد) إنا نريد الرجال. قوله تعالى (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ابن أخي جويرية، حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثتُ في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته". (صحيح البخاري 6/481-482- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين) ح/3387) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه- ك الأنبياء، ب زيادة طمأنينة القلب 1/133 ح 151) . وانظر سورة يوسف آية (50) حديث الترمذي عن أبي هريرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: قال لوط: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) يقول: إلى جند شديد، لقاتلتكم. قوله تعالى (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه أمر نبيه لوطا يسري بأهله بقطع من الليل، ولم يبين هنا هل هو من آخر الليل، أو وسطه أو أوله، ولكنه بين في القمر أن ذلك من آخر الليل وقت السحر، وذلك في قوله: (إلا آل لوط نجيناهم بسحر) . ولم يبين هنا أنه أمره أن يكون من ورائهم وهم أمامه، ولكنه بين ذلك في الحجر: (فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تأمرون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بقطع من الليل) ، قال: بطائفة من الليل. قوله تعالى (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن موعد إهلاك قوم لوط وقت الصبح من تلك الليلة، وكذلك قال في الحجر: (وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) وزاد في الحجر أن صيحة العذاب وقعت عليهم وقت الإشراق وهو وقت طلوع الشمس بقوله: (فأخذتهم الصيحة مشرقين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) قال الشيخ الشنقيطي: اختلف العلماء في المراد بحجارة السجيل اختلافا كثيرا، والظاهر أنها حجارة من طين في غاية الشدة والقوة. والدليل على أن المراد بالسجيل: الطين. قوله تعالى في الذاريات في القصة بعينها: (لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين) وخير ما يفسر به القرآن القرآن. وانظر سورة الحجر من الآية (51) إلى الآية (77) في قصة قوم لوط. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (من سجيل) بالفارسية، أولها حجر، وآخرها طين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (منضود) ، يقول: مصفوفة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (مسوّمة) قال: معلمة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: يرهب بها من يشاء. قوله تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) في هذه الآيات قصة شعيب مع قوم مدين وقد تقدم طرف منها في سورة الأعراف آية (85-93) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: يعني خير الدنيا وزينتها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال: لا تسيروا في الأرض. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (بقيت الله) ، قال: طاعة الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) حظكم من ربكم خير لكم. قوله (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن نبيه شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أنه أخبر قومه: أنه إذا نهاهم عن شئ انتهى هو عنه وأن فعله لا يخالف قوله. ويفهم من هذه الآية الكريمة أن الإنسان يجب عليه أن يكون منتهيا عما ينهى عنه غيره، مؤتمرا بما يأمر به غيره. وقد بين تعالى ذلك في مواضع أخر؛ كقوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) الآية. وقوله (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) يقول: لم أكن لأنهاكم عن أمر أركبه أو آتيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وإليه أنيب) قال: أرجع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لا يجرمنكم شقاقي) يقول: لا يحملنكم فراقي (أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وما قوم لوط منكم ببعيد) قال: إنما كانوا حديثي عهد قريب، بعد نوح وثمود. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله: (أرهطي أعز عليكم من الله) ، قال: أعززتم قومكم، واغتررتم بربكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال: قفا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال: هم رهط شعيب، بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم، ظهريا. قوله تعالى (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) انظر سورة الأنعام آية (135) تفسير ابن عباس. قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) قال ابن كثير: قال الله تعالى (ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) وقوله جاثمين أي هامدين لا حراك بهم. وذكر ههنا أنه أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة وفي الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإِنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ففي الأعراف لما قالوا (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا) ناسب أن يذكر الرجفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إخراج نبيهم منها، وههنا لما أساءوا الأدب في ضالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي اسكتتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا (فأسقط علينا كسفا من السماء إِن كنت من الصادقين) قال (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كأن لم يغنوا فيها) ، قال يقول: كأن لم يعيشوا فيها. قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) انظر سورة الأعراف آية (130-133) لبيان الآيات التي أيد الله تعالى بها موسى عليه الصلاة والسلام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يقدم قومه يوم القيامة) ، قال: فرعون، يقدم قومه يوم القيامة، يمضي بين أيديهم، حتى يهجم بهم على النار. قوله تعالى (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) قال: زيدوا بلعنته لعنة أخرى، فتلك لعنتان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بئس الرفد المرفود) قال: لعنة الدنيا والآخرة. قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (منها قائم) ، يرى مكانه (وحصيد) ، لا يرى له أْثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 قوله تعالى (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (غير تبيب) قال: تخسير. قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نصر، حدثنا أبو معاوية، حدثنا بريد ابن أبي بردة عن أبيه، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله عز وجل يُملى للظالم، فإذا أخذه لم يُفلته". ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) . (صحيح مسلم 4/1997-1998- ك البر والصلة والآداب، ب تحريم الظلم ح/2583) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه في- ك التفسير- سورة هود (وكذلك أخذ ربك) ح 4686) . قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) قال ابن كثير: يقول تعالى إن في إِهلاكنا الكافرين ونصرة الأنبياء وإنجائنا المؤمنين (لآية) أي عظة واعتبارا على صدق موعودنا في الآخرة (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) وقال تعالى (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين) الآية، وقوله: (ذلك يوم مجموع له الناس) فلا يبقى منهم أحد أي أولهم وآخرهم كقوله: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) ... (يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه) أي يوم يأتي يوم القيامة لا يتكلم أحد إلا بإذن الله كقوله: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) وقال: (وخشعت الأصوات للرحمن) الآية. وفي الصحيحين من حديث الشفاعة "ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم" ... وقوله (فمنهم شقي وسعيد) أي فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد كما قال (فريق في الجنة وفريق في السعير) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 قال الترمذي: حدثنا بُندار، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا سليمان ابن سُفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال: لمّا نزلت هذه الآية: (فمنهم شقي وسعيد) سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت، يا نبي الله فعلى ما نعمل؟ على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يُفرغ منه؟ قال: "بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام ياعمر، ولكن كل مُيسر لما خلق له". هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمر. (السنن 5/289 ح/3111- ك التفسير، في سورة هود) ، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لهم فيها زفير وشهيق) ، يقول: صوت شديد، وصوت ضعيف. قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) قال الشيخ الشنقيطي: قيد تعالى خلود أهل الجنة وأهل النار بالمشيئة. فقال في كل منهما: (إلا ما شاء ربك) ثم بين عدم الانقطاع في كل منهما، فقال في خلود أهل الجنة: (عطاء غير مجذوذ) وقال (إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ) وقال في خلود أهل النار: (كلما خبت زدناهم سعيرا) ، ومعلوم أن (كلما) تقتضي التكرار بتكرر الفعل الذي بعدها. قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُوتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه فيذبح. ثم يقول يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة) وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون". (الصحيح- التفسير، ب وأنذرهم يوم الحسرة ح 4730) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (عطاء غير مجذوذ) يقول: عطاء غير مقطوع. قوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) يعني الركون إلى الشرك. قوله تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) قال البخاري: حدثنا مسدّد، حدثنا يزيد بن زُريع، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلة، فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر ذلك له، فأنزلت عليه (وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفا من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئآت ذلك ذِكرى للذاكرين) ، قال الرجل: أَلِيَ هذه؟ قال: "لمن عملَ بها من أمتي". (صحيح البخاري 8/206- ك التفسير- سورة هود، ب (الآية) ح/4687) ، (وصحيح مسلم 4/2115-2116- ك التوبة، ب قوله تعالى (الآية) . وقال: حدثنا إبراهيم بن حمزة قال: حدثني ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يُبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا". (صحيح البخاري 2/14-15- ك مواقيت الصلاة، ب الصلوات الخمس كفارة ح/528) ، (وصحيح مسلم 4/2115-2116 ح 2763- ك التوبة، في قوله تعالى (الآية) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 قال البخاري: حدثنا هدبة بن خالد قال: حدثنا همام، حدثني أبو جمرة، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صلّى البردين دخل الجنة". (صحيح البخاري 2/63- ك مواقيت الصلاة، ب فضل صلاة الفجر ح 574) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 1/440- ك المساجد، ب فضل صلاتي الصبح والعصر ... ح 635) من طريق البخاري نفسه، ولكن عنده: هداب بن خالد بدل: هدبة) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حُجر. كلهم عن إسماعيل. قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الصلاة الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ما لم تغْش الكبائر". (الصحيح 1/209 ح 233 ك الطهارة- في الصلوات الخمس.. مكفرات لما بينهن ... ) قال مسلم: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أصبتُ حداً فأقمه عليّ. قال: وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قضى الصلاة قال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقم فيَّ كتاب الله. قال: "هل حضرتَ الصلاة معنا؟ ". قال: نعم. قال: "قد غفر لك". (الصحيح 4/2117 ح 2764- ك التوبة، ب قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات)) . قال أحمد: ثنا علي بن إسحاق قال: أنا عبد الله -يعني ابن المبارك- قال: أنا ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: ثنا أبو الخير أنه سمع عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج إلى الأرض". (المسند 4/145) . وعزاه الهيثمي إلى أحمد والطبراني وقال: وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/201-202) . وقال الألباني: حسن (صحيح الجامع ح 2188) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 قال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا حيوة أنبأنا أبو عقيل أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول: جلس عثمان يوماً وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا بماء في إناء، أظنه سيكون فيه مُدّ، فتوضأ ثم قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: "ومن توضأ وضوئي ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله أن يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غُفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يُذهبن السيئات، قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات يا عثمان؟ قال: هن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". (المسند 1/382 ح 513) قال محققه: إسناده صحيح، وأخرجه ابن جرير (التفسير 15/511-512 ح 18662) . وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 1/297) وقال: رجاله رجال الصحيح غير الحارث مولى عثمان، وهو ثقة. وصحح السيوطي إسناده في (الدر 4/353) ، وقال الشيخ محمود شاكر في حاشية الطبري: صحيح الإسناد، وحسنه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي 1/537 ح 513) . قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن رمح، أنبأنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سفيان بن عبد الله، (أظنه) عن عاصم بن سفيان الثقفي، أنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم الغزو. فرابطوا. ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة ابن عامر. فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العام. وقد أخبرنا أنه من صلّى في المساجد الأربعة، غفر له ذنبه. فقال: يا ابن أخي! أدُلّك على أيسر من ذلك. إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من توضأ كما أُمر، وصلى كما أمر، غُفر له ما تقدم من عمل". أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم. (السنن 1/447- إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء أن الصلاة كفارة ح 1396) ، أخرجه أحمد (المسند 5/423) ، والنسائي (السنن 1/90-99) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/317 ح 1042) والدارمي. وقال الألباني: حسن، وانظر (تحفة الأشراف 3/90، 19) وانظر (صحيح الترغيب 1/85) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وأقم الصلاة طرفي النهار) ، يقول: صلاة الغداة، وصلاة المغرب. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وزلفا من الليل) ، قال: الساعات من الليل، صلاة العتمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وزلفا من الليل) ، قال: يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء. قال الطبري: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، قول من قال في ذلك: "هن الصلوات الخمس"، لصحة الأخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتواترها عنه أنه قال: "مثل الصلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم، ينغمس فيه كل يوم خمس مرات، فماذا يبقين من درنه"، وأن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات، والوعد على إقامتها الجزيل من الثواب عقيبها، وأولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال، إذا خص بالقصد بذلك بعض دون بعض. قوله تعالى (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قليلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين كما قال تعالى: (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم) وقال: (وما ربك بظلام للعبيد) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم) ، أي: لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض (إلا قليلاً ممن أنجينا منهم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) من دنياهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) قال: في ملكهم وتجبرهم، وتركوا الحق. قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) يقول: لجعلهم مسلمين كلهم. قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو كفران كما قال تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الباطل (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، فأهل رحمة الله أهل جماعة، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم. وأهل معصيته أهل فرقة، وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولذلك خلقهم) قال: خلقهم فريقين، فريقا يرحم فلا يختلف، وفريقا لا يرحم يختلف، وذلك قوله: (فمنهم شقي وسعيد) سورة هود: 105. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولذلك خلقهم) ، قال: للرحمة خلقهم. قوله تعالى (وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 "اختصمتِ الجنة والنار إلى ربهما، فقالت الجنة: يا رب مالها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار يعني: أوثرت بالمتكبرين، فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنتِ عذابي، أصيبُ بكِ من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها، قال فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد. ثلاثا، حتى يضع فيها قدمه فتمتليء، ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط". (الصحيح 13/443-444 ح 7449- ك التوحيد، ب ما جاء في قول الله تعالى (إن رحمة الله قريب من المحسنين)) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الجنة، ب النار يدخلها الجبارون ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: قوله (وجاءك في هذه الحق) وجاءك في هذه السورة. وانظر سورة الفرقان آية (32) . قوله تعالى (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون) انظر سورة الأنعام آية (135) . قوله تعالى (وانتظروا إنا منتظرون) انظر قول ابن كثير في تفسير سورة يونس آية (20) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 سورة يوسف قوله تعالى (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الر تلك آيات الكتاب المبين) إي والله لمبين، بين الله هداه ورشده. قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) انظر حديث واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (3-4) من سورة آل عمران، وفيه: "أنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان". انظر سورة فصلت آية (3) . قوله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أنبا عمرو بن محمد، ثنا خلاد بن مسلم الصفار، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في قول الله عز وجل (نحن نقص عليك أحسن القصص) الآية، قال: أنزل القرآن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتلاه عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فأنزل الله عز وجل (الر تلك آيات الكتاب المبين) تلا إلى قوله (نحن نقص عليك أحسن القصص) الآية فتلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمانا فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله عز وجل (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) الآية، كل ذلك يؤمرون بالقرآن. (اتحاف الخيرة 1/238 ح 162) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/345) ، وابن حبان (الإحسان 14/92 ح 6209) ، والضياء المقدسي في المختارة (3/265 ح 1069) كلهم من طريق إسحاق بن إبراهيم به. وقال محقق المختارة: إسناده حسن. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن كما في الإتحاف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 قوله تعالى (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا تأويل هذه الرؤيا، ولكنه بينه في هذه السورة الكريمة في قوله: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً) الآية. ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ، قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا) إخوته، أحد عشر كوكبا (والشمس والقمر) يعني بذلك: أبويه. قوله تعالى (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير -وأثنى عليه خيرا لقيته باليمامة- عن أبيه، حدثنا أبو سلمة، عن أبي قتادة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره". (الصحيح 12/389 ح 6986- ك التعبير، ب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1771-1772 بعد رقم 2261- الرؤيا) . قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر، ثنا هشيم عن يعلي بن عطاء، عن وكيع بن عُدس العُقيلي، عن عمه أبي رَزين، أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الرُؤيا على رِجل طائر ما لم تعْبَر. فإذا عُبرت وقعت" قال: "والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" قال: وأحسبه قال: "لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 (سنن ابن ماجة 3/1288- ك تعبير الرؤيا،- الرؤيا إذا عبرت وقعت فلا يقصها إلا على واد ح/3914) ، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق يعلى بن عطاء به نحوه، وقال الترمذي حسن صحيح (المسند 4/10) ، (السنن- الأدب، ب ما جاء في الرؤيا 4/305) ، (السنن- الرؤيا، ب ما جاء في تعبير الرؤيا 4/536) . ووكيع بن عدس قال الحافظ: مقبول. ولكن للحديث شاهد عن أنس عند الحاكم وصححه وسكت الذهبي. وقد حسن الحافظ في (الفتح 12/432) . وقال الألباني: صحيح (انظر الصحيحة 120) ، (صحيح ابن ماجة 2/342) ، ذكره ابن كثير (4/299) . وله شواهد في الصحيحين كما جاء في جامع الأصول (2/518-520) . قوله تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وإسحاق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث) فاجتباه واصطفاه وعلمه من عبر الأحاديث وهو (تأويل الأحاديث) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الصمد، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم". (صحيح البخاري 8/212- ك التفسير- سورة يوسف، ب (الآية) ح/4688) . قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن مراد أولاد يعقوب بهذا الضلال الذي وصفرا به أباهم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في هذه الآية الكريمة- إنما هو الذهاب عن علم حقيقة الأمر كما ينبغي. ويدل لهذا ورود الضلال بهذا المعنى في القرآن وفي كلام العرب. فمنه بهذا المعنى قوله تعالى عنهم مخاطبين أباهم: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) وقوله تعالى في نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ووجدك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 ضالا فهدى) أي لست عالما بهذه العلوم التي لا تعرف إلا بالوحي، فهداك إليها وعلمكها بما أوحى إليك من هذا القرآن العظيم. ومنه بهذا المعنى قول الشاعر: وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلا أراها في الضلال تهيم يعني: أنها غير عالمة بالحقيقة في ظنها أنه يبغي بها بدلا وهو لا يبغي بها بدلا. وليس مراد أولاد يعقوب الضلال في الدين، إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارا، وإنما مرادهم أن أباهم في زعمهم في ذهاب عن إدراك الحقيقة، وإنزال الأمر منزلته اللائقة به، حيث آثر اثنين على عشرة، مع أن العشرة أكثر نفعا له، وأقدر على القيام بشؤونه وتدبيره أموره. قوله تعالى (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (لا تقتلوا يوسف) قال: كان أكبر إخوته، وكان ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (غيابت الجب) قال: بئر بيت المقدس، بئر في بعض نواحيها. قوله تعالى (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يرتع ويلعب) قال: يسعى ويلهو. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يرتع) ، قال: يحفظ بعضنا بعضاً، نتكالأ. قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أوحى إلى يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنه سينبئ إخوته بهذا الأمر الذي فعلوا به في حال كونهم لا يشعرون. ثم صرح في هذه السورة الكريمة بأنه جل وعلا أنجز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 ذلك الوعد في قوله (قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) وصرح بعدم شعورهم بأنه يوسف في قوله (وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وأوحينا إليه) ، إلى يوسف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) قال: أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا له، وهم لا يشعرون بذلك الوحي. قوله تعالى (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (بدم كذب) ، قال: دم سخلة، يعني شاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا) قال يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (فصبر جميل) ، قال: ليس فيه جزع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (والله المستعان على ما تصفون) أي: على ما تكذبون. قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فأرسلوا واردهم) يقال: أرسلوا رسولهم، فلما أدلى دلوه تشبث بها الغلام (قال يا بشرى هذا غلام) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قال يا بشرى هذا غلام) تباشروا به حين أخرجوه، وهي بئر بأرض بيت المقدس معلوم مكانها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يا بشرى هذا غلام) ، قال: بشرهم واردهم حين وجد يوسف. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (وأسروه بضاعة) ، قال: أسروا بيعه. قوله تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وشروه بثمن بخس) ، وهم السيارة الذين باعوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وشروه بثمن بخس) ، قال: (البخس) ، وهو الظلم. وكان بيع يوسف وثمنه حراما عليهم. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أكرمي مثواه) منزلته، وهي امرأة العزيز. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أنطلِق بيوسف إلى مصر، فاشتراه العزيز ملك مصر، فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) . أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا. قوله تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وكذلك نجزي المحسنين) ، يقول: المهتدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 قوله تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه". (الصحيح 2/168 ح 660- ك الأذان، ب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الزكاة، ب فضل إخفاء الصدقة) . أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (هيت لك) ، قال: هلم لك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (إنه ربي) ، قال: سيدي. قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه، ولكن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيث بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به. أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود. أما جزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله: (هي راودتني عن نفسي) وقوله: (قال رب السجن أحب إلي مما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 يدعونني إليه) الآية. وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وقولها: (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) . وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله: (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين) الآية. وأما شهادة الله عز وجل ببراءته ففي قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) . قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يقول الله: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها، فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة". (الصحيح البخاري 13/473 ح 7501- ك التوحيد، ب قول الله تعالى (يريدون أن يبدلوا كلام الله) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/117 ح 128- ك الإيمان، ب إذا هم العبد بحسنة ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: يعقوب. قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من الله زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للحذر قاطعة بأي ذلك كان من أي. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 قوله تعالى (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (واستبقا الباب) ، قال: استبق هو والمرأة الباب، (وقدت قميصه من دبر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب) أي عند الباب. قوله تعالى (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) قال الشيخ الشنقيطي: يفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة على صدق أحد الخصمين، وكذب الآخر؛ لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الإستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب، لأن كون القميص مشقوقا من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها، وهي تنوشه من خلفه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل. قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة إذا ضمت، لها آية أخرى حصل بذلك بيان أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، والآية المذكورة هي قوله: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) ، لأن قوله في النساء: (إن كيدكن عظيم) وقوله في الشيطان: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) يدل على أن كيدهن أعظم من كيده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 قوله تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أخرج الطَبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (قد شغفها حبا) قال: دخل حبه في شغافها. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قد شغفها حبا) ، قال: غلبها. قوله تعالى (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فلما سمعت بمكرهن) أي بحديثهن (أرسلت إليهن) ، يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واعتدت لهن متكأ) قال: مجلسا. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (أكبرنه) ، أعظمنه. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (وقطعن أيديهن) ، قال: حزا حزا بالسكاكين. قوله تعالى (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة ثناء هؤلاء النسوة على يوسف بهذه الصفات الحميدة فيما بينهن، ثم بين اعترافهن بذلك عند سؤال الملك لهن أمام الناس في قوله: (قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء، قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البنانى، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتيت بالبراق ... " فذكر حديث الإسراء الطويل وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... فإذا أنا بيوسف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا هو قد أعطي شطر الحسن". (الصحيح مسلم 1/145-146 ح 162- ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... ) . أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (حاش لله) ، معاذ الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن هذا إلا ملك كريم) ، قال: قلن: ملك من الملائكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فاستعصم) ، يقول: فامتنع. قوله تعالى (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أصبُ إليهن) ، يقول: أتابعهن. قوله تعالى (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح، عن مجاهد: (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: قد القميص من دبر. قوله تعالى (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ودخل معه السجن فتيان) قال: كان أحدهما خبازا للملك على طعامه، وكان الآخر ساقيه على شرابه. قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذلك من فضل الله علينا) أن جعلنا أنبياء (وعلى الناس) يقول: أن بعثنا إليهم رسلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 قوله تعالى (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون) إلى قوله: (لا يعلمون) ، لما عرف نبي الله يوسف أن أحدهما مقتول، دعاهما إلى حظهما من ربهما: وإلى نصيبهما من آخرتهما. أخرج الطبري بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) ، قال: أسس الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له. قوله تعالى (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (اذكرني عند ربك) ، قال: للذي نجا من صاحبي السجن، يوسف يقول: اذكرني عند الملك. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قال: قال له: (اذكرني عند ربك) ، قال: فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده فلبث في السجن بضع سنين بقوله: (اذكرني عند ربك) . قوله تعالى (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أضغاث أحلام) ، يقول: مشتبهة. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: (وادكر بعد أمة) قال: بعد حين. قال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد (انظر الفتح 12/381) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 قال الطبري: حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ (بعد أمة) ويفسرها، بعد نسيان. صحح إسناده الحافظ ابن حجر (انظر الفتح 12/382) . قوله تعالى (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أفتنا في سبع بقرات سمان) فالسمان المخاصيب، والبقرات العجاف هي السنون المحول الجدوب. قوله تعالى (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قليلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال لهم نبي الله يوسف: (تزرعون سبع سنين دأبا) الآية، فإنما أراد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البقاء. قوله تعالى (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قليلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله - رضي الله عنه -: إن قريشا لما أبطئوا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإسلام قال: "اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة حصَّت كل شيء، حتى أكلوا العظام، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان، قال الله (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) ، قال الله (إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون) . أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة وقد مضى الدخان ومضت البطشة"؟. (الصحيح البخاري 8/214 ح 4693- ك التفسير سورة يوسف، ب (وراودته التى هو في بيتها عن نفسه ... )) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2155- ك صفات المنافقين، ب الدخان) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يأكلن ما قدمتم لهن) يقول: يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت، (إلا قليلاً مما تحصنون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد) وهن الجدوب، (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون) ، مما تدخرون. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إلا قليلا مما تحصنون) ، يقول: تخزنون. قوله تعالى (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس) قال: فيه يغاثون بالمطر. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وفيه يعصرون) قال: الأعناب والدهن. قوله تعالى (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعى لأجبته". (الصحيح البخاري 12/397- ك التعبير، ب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك ح/6992) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب 1/133 ح 151) . قال الترمذي: حدثنا الحسن بن حُريث الخزاعي المروزي، حدثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عَمْرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: ولو لبثتُ في السجن ما لبث ثم جاءني الرسول أجبتُ ثم قرأ (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) قال ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) فما بعث الله من بعده نبيا إلا في ذرْوة من قومه. حَدثنا أبو كريب، حدثنا عبدة وعبد الرحيم عن محمد بن عمرو نحو حديث الفضل بن موسى إلا أنه قال: "ما بعث الله بعده نبيا إلا في ثروة من قومه". قال محمد بن عَمرو: الثروة: الكثرة والمنعة. قال أبو عيسى: وهذا أصح من رواية الفضل بن موسى، وهذا حديث حسن. (سنن الترمذي 5/293- ك التفسير- سورة يوسف ح 3116) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي 3/64) . والمستدرك (2/346-347) بنحوه. وصححه الذهبي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة) ، أراد نبي الله عليه السلام أن لا يخرج حتى يكون له عذر. قوله تعالى (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبين. قوله تعالى (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) يوسف بقوله. قوله تعالى (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أستخلصه لنفسي) ، يقول: أتخذه لنفسي. قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إني حفيظ عليم) ، يقول: حفيظ لما وليت، عليم بأمره. قوله تعالى (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهم له منكرون) ، قال: لا يعرفونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 قوله تعالى (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه. قوله تعالى (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: وقال (لفتيانه) أي: لغلمانه. (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم، (في رحالهم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) أي أوراقهم. قوله تعالى (يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما نبغي) ، يقول: ما نبغي وراء هذا، إن بضاعتنا ردت إلينا، وقد أوفى لنا الكيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ونزداد كيل بعير) ، يقول: حمل بعير. قوله تعالى (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (إلا أن يحاط بكم) ، قال: إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فلما آتوه موثقهم) ، قال: عهدهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 قوله تعالى (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وادخلوا من أبواب متفرقة) قال: كانوا قد أتوا صورة وجمالا، فخشى عليهم أنفس الناس. قوله تعالى (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) خيفة العين علي بنيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) أي: مما علمناه. قوله تعالى (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ضمه إليه، وأنزله، وهو بنيامين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فلا تبئس) يقول: فلا تحزن ولا تيأس. قوله تعالى (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فلما جهزهم بجهازهم) يقول: لما قضى لهم حاجتهم ووفاهم كيلهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (السقاية في رحل أخيه) ، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (في رحل أخيه) أي: في متاع أخيه. قوله تعالى (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولمن جاء به حمل بعير) يقول: وقر بعير. قال النسائي: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب قال: أخبرني أبو هاني عن عمرو بن مالك الجنبي أنه سمع فضالة بن عبيد يقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا زعيم والزعيم الحميل لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى غرف الجنة من فعل ذلك فلم يدع للخير مطلبا ولا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت". (السنن 6/21- ك الجهاد، ب ما لمن أسلم وهاجر وجاهد) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/71 - ك الجهاد) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب به. وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير- سورة يوسف/72 ح 539) عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب مختصرا جداً، بلفظ: "أنا زعيم، والزعيم الحميل". قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الذهبي على شرط البخاري ومسلم. وقال الألباني: صحيح (صحيح النسائي ح 2936) . أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وأنا به زعيم) ، يقول: كفيل. قوله تعالى (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) أخرج الطبري بسنده الجيد عن الربيع بن أنس في قوله: (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، نقول: ما جئنا لنعصي في الأرض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 قوله تعالى (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، إلا فعلة كادها الله له، فاعتل بها يوسف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلمت العلماء، وإليه يعود. قوله تعالى (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا والله أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، ليوسف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسر في نفسه فقوله: (أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون) . قوله تعالى (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (خلصوا نجيا) ، خلصوا وحدهم نجيا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (قال كبيرهم) ، قال: هو شمعون الذي تخلف، وأكبر منه، أو: أكبر منهم، في الميلاد، روبيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قال كبيرهم) ، وهو روبيل، أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي نهاهم عن قتله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عنى بقوله (قال كبيرهم) روبيل لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنا. قوله تعالى (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) قال: ما كنا نرى أنه سيسرق. قوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (واسأل القرية التي كنا فيها) وهي مصر. قوله تعالى (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) يقول: زينت، وقوله: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً) يقول: بيوسف وأخيه وروبيل. قوله تعالى (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أسفا على يوسف) أي: حزناه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فهو كظيم) قال: كظيم الحزن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) يقول: يردد حزنه في جوفه، ولم يتكلم بسوء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 قوله تعالى (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (تفتؤا) تفتر من حبه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (حتى تكون حرضا) حتى تبلى أو تهرم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (أو تكون من الهالكين) قال: أو تموت. قوله تعالى (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) أي: من رحمة الله. قوله تعالى (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة. قوله تعالى (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (تالله لقد آثرك الله علينا) وذلك بعد ما عرفهم أنفسهم. يقول: جعلك الله رجلا حليما. قوله تعالى (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لا تثريب عليكم) لم يثرِب عليهم أعمالهم. قوله تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لولا أن تفندون) يقول: تجهلون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 قوله تعالى (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنك لفي ضلالك القديم) يقول: خطائك القديم. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (البشير) ، قال: يهوذا بن يعقوب. قوله تعالى (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حقاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (العرش) ، السرير. قال ابن كثير: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً) أي هذا ما آل إليه الأمر، فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر، كما قال تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) أي يوم القيامة يأتيتهم ما وعدوا به من خير وشر. قال الحافظ ابن حجر: أخرج الطبري والحاكم والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن سلمان الفارسي قال: كان بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عاما. (الفتح 12/3077) ، وانظر تفسير الطبري رقم (19917) ، والمستدرك (4/396) ، وشعب الإيمان رقم (4780) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخروا له سجدا) وكانت تحية من قبلكم، كان بها يحيي بعضهم بعضاً، فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة، كرامة من الله تبارك وتعالى، عجلها لهم، ونعمة منه. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح 12/376) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) ، وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواش وبرية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن ربي لطيف لما يشاء) ، لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان، وتحريشه على إخوته. قوله تعالى (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) انظر سورة الأنعام آية (14) . قال مسلم: حدثنا زهر بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، قال إسحاق: أخبرنا، وقال زهير -واللفظ له-: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا اشتكى منا إنسان، مسحه بيمينه. ثم قال: "أذهب البأس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماًً". فلما مرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثقل، أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع، فانتزع يده من يدي، ثم قال: "اللهم اغفر لي واجعلني مع الرفيق الأعلى". قالت: فذهبت أنظر، فإذا هو قد قضى. (الصحيح 4/1721-1722 ح 2191- ك السلام، ب استحباب رقية المريض) ، وأخرجه أحمد (المسند 6/74) من طريق كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من نبي إلا قبض نفسه ثم يرى الثواب ... " فذكرت الحديث، وفي آخره قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مع الرفيق الأعلى في الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) قال ابن كثير: يقول تعالى لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قص عليه نبأ إِخوة يوسف، وكيف رفعه الله عليهم، وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم، مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام، هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة (نوحيه إِليك) ونعلمك به يا محمد لما فيه من العبرة لك، والاتعاظ لمن خالفك (وما كنت لديهم) حاضرا عندهم ولا مشاهدا لهم (إِذ أجمعوا أمرهم) أي على إِلقائه في الجب (وهم يمكرون) به، ولكنا أعلمناك به وحيا إِليك وإنزالا عليك، كقوله: (وما كنت لديهم إِذ يلقون أقلامهم) الآية، وقال تعالى: (وما كنت بجانب الغربي إِذ قضينا إِلى موسى الأمر) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وما كنت لديهم) ، يعني محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب، (وهم يمكرون) أي: بيوسف. قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا روح ابن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه". (الصحيح 4/2289 ح 2985- ك الزهد والرقائق، ب من أشرك في عمله غير الله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، فإيمانهم قولهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا. قوله تعالى (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) قال: تغشاهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) ، أي: عقوبة من عذاب الله. انظر حديث البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم عند الآية (31) من سورة الأنعام وهو حديث: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس ... ". قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم من أهل القرى) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العمود. قال ابن كثير: وقوله: (من أهل القرى) المراد بالقرى المدن لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعاً وأخلاقاً، وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل سوادهم، وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي، ولهذا قال تعالى: (الأعراب أشد كفراً ونفاقا) الآية ... وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض) يعني هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) أي من الأمم المكذبة للرسل، كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها، كقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) الآية، فإذا استمعوا خبر ذلك رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين، وهذه كانت سنته تعالى في خلقه. وانظر سورة الأنعام آية (11) ، وانظر سورة غافر آية (82) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 قوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى (حتى إذا استيأس الرسل) قال قلت أكذِبوا أم كذّبوا؟ قالت عائشة: كذّبوا. قلتُ: فقد استيقنوا أنّ قومهم كذبوهم، فما هو بالظن. قالت أجل لعَمري، لقد استيقنوا بذلك. فقلتُ لها: وظنوا أنهم قد كُذِبوا؟ قالت: معاذ الله، لم تكن الرسلُ تظنّ ذلك بربها. قلتُ: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسلُ ممن كذبهم من قومهم، وظنّت الرسلُ أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. (صحيح البخاري 8/217-218- ك التفسير- سورة يوسف، ب (الآية) ح/4695) . أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، يعني: أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، فينصر الله الرسل، ويبعث العذاب. قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (لقد كان في قصصهم عبرة) ، ليوسف وإخوته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما كان حديثا يفترى) و"الفرية" الكذب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولكن تصديق الذي بين يديه) ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله، ويشهد عليها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 سورة الرعد قوله تعالى (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) ، الكتب التي كانت قبل القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (والذي أنزل إليك من ربك الحق) أي: هذا القرآن. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمدٍ، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا تدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام، ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وبينها وبينها من البعد مسيرة خمسمائة عام، وسمكها خمسمائة عام ثم السماء الثالثة محيطة بالثانية، بما فيها، وبينها وبينها خمسمائة عام وسكمها خمسمائة عام وكذا الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، كما قال تعالى: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) . وفي الحديث: "ما السموات السبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وما فيهن وما بينهى في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة والكرسي في العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة". وانظر سورة البقرة آية (29) وتفسيرها. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (بغير عمد ترونها) قال: رفعها بغير عمد. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) قال: الدنيا -أي فناء الدنيا-. قال ابن كثير: وقوله (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) قيل: المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة، كقوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يدبر الأمر) ، يقضيه وحده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده، ونستيقن بلقائه. قوله تعالى (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) انظر سورة فصلت آية (9-12) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يغشي الليل النهار) ، أي: يلبس الليل النهار. وانظر سورة لقمان آية (10) لبيان رواسي أي: جبال. قوله تعالى (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (قطع متجاورات) طيبها وعذبها، وخبيثها والسباخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (وفي الأرض قطع متجاورات) قال، قرى متجاورات. قال الطبري حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب: (صنوان وغير صنوان) ، قال: (الصنوان) ، النخلتان أصلهما واحد، (وغير صنوان) ، النخلة والنخلتان المتفرقتان. وسنده صحيح. وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد، وأبو إسحاق هو السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (صنوان) ، يقول: مجتمع. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (يسقى بماء واحد) بماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم، أبوهم واحد. قوله تعالى (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإن تعجب فعجب) ، إن عجبت، يا محمد (فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت. قال ابن كثير: يقول تعالى لرسوله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإن تعجب) من تكذيب هؤلاء المشركين بأمر المعاد، مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه ودلائله في خلقه على أنه القادر على ما يشاء، ومع ما يعترفون به من أنه ابتدأ خلق الأشياء فكونها بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالمين خلقاً جديداً، وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو أعجب مما كذبوا به، فالعجب من قولهم (أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) ، وقد علم كل عالم وعاقل أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، وأن من بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل، كما قال تعالى: (أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير) . وانظر سورة سبأ آية (33) لبيان الأغلال، وكذا في سورة غافر آية (71) . قوله تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) قال الشنقيطي: قوله تعالى (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات) الآية. المراد بالسيئة هنا: العقوبة وإنزال العذاب قبل الحسنة أي قبل العافية، وقيل الإيمان، وقد بين تعالى في هذه الآية أن الكفار يطلبون منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعجل لهم العذاب الذي يخوفهم به إن تمادوا على الكفر، وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده) ، وكقوله: (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغته وهم لايشعرون) ، وكقوله (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) ، وقوله (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) ، وقوله (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية. وسبب طلبهم لتعجيل العذاب هو العناد، وزعم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كاذب فيما يخوفهم به من بأس الله وعقابه، كما قال تعالى (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه) ، وكقوله: (يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) ، وقوله (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وقد خلت من قبلهم المثلات) وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم، وقوله: (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) ، وهم مشركو العرب، استعجلوا بالشر قبل الخير، وقالوا: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) الأنفال: 32. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (المثلات) قال: الأمثال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإن ربك لذو مغفرة للناس) ، يقول: ولكن ربك. قوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه) ، هذا قول مشركي العرب، قال الله: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، لكل قوم داع يدعوهم إلى الله. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنما أنت منذر) ، أي إنما عليك البلاغ والإنذار، أما هداهم وتوفيقهم فهو بيد الله تعالى، كما أن حسابهم عليه جل وعلا. وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) ، وقوله (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) . قوله تعالى (ولكل قوم هاد) قال الشيخ الشنقيطي: أظهر الأقوال في هذه الآية الكريمة أن المراد بالقوم الأمة، والمراد بالهادي الرسول، كما يدل قوله تعالى: (ولكل أمة رسول) الآية. وقوله: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) ، وقوله: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولكل قوم هاد) ، قال: داع. قوله تعالى (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال الشيخ الشنقيطي: لفظه في هذه الآية يحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف، أي يعلم الذي تحمله كل أنثى وعلى هذا فالمعنى: يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة، وخداج، وحسن وقبح، وطول وقصر، وسعادة وشقاوة إلى غير ذلك من الأحوال. وقد دلت على هذا المعنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 آيات من كتاب الله كقوله: (ويعلم ما في الأرحام) ؛ لأن ما فيه موصولة بلا نزاع، وكقوله: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) وقوله: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) الآية. ويحتمل أيضاً: أن تكون لفظة ما في هذه الآية الكريمة مصدرية، أي يعلم حمل كل أنثى بالمعنى المصدري، وقد جاءت آيات تدل أيضاً على هذا المعنى كقوله (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) ، وقوله: (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) الآية. قال البخاري: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن قال: حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدرى نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله". (الصحيح 8/225- ك التفسير- سورة الرعد ح/4697) . قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك، حدثنا شعبة، أنبأني سليمان الأعمش قال: سمعت زيد بن وهب، عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو الصادق المصدوق- قال: "إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح. فوالله إن أحدكم -أو الرجل- ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" قال آدم: إلا ذراع. (الصحيح 11/486 ح 6594- ك القدر) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك القدر، ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وما تغيض الأرحام وما تزداد) قال: المرأة ترى الدم، وتحمل أكثر من تسعة أشهر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) ، قال: كان الحسن يقول: الغيضوضة، أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر، أو لما دون الحد، قال قتادة: وأما الزيادة فما زاد على تسعة أشهر. قوله تعالى (وكل شيء عنده بمقدار) قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أسامة قال: كنت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه رسول إحدى بناته -وعنده سعد وأبيُّ بن كعب ومعاذ- أن ابنها يجود بنفسه، فبعث إليها: "لله ما أخذ ولله ما أعطى، كل بأجل، فلتصبر ولتحتسب". (الصحيح 11/503 ح 6602- ك القدر، ب (وكان أمر الله قدرا مقدورا) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/635-636 ح 923- ك الجنائز، في البكاء على الميت) . ورواية الطبري الآتية تبين مناسبة إيراد حديث البخاري عند الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وكل شيء عنده بمقدار) ، إي والله، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم، وجعل لهم أجلا معلوماً. قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن السر والجهر عنده سواء، وإن الاختفاء والظهور عنده أيضاً سواء؛ لأنه يسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخفي كما يعلم الظاهر، وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله: (وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وقوله: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 وأخفى) وقوله: (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) وقوله: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) الآية - إلى غير ذلك من الآيات. وأظهر القولين في المستخفى بالليل والسارب بالنهار: أن المستخفى هو المختفي المستتر عن الأعين، والسارب هو الظاهر البارز الذاهب حيث يشاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء، السر عنده علانية قوله: (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) أي: في ظلمة الليل، و (سارب) أي: ظاهر بالنهار. قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) قال البخاري: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يُصلون". (الصحيح البخاري 13/426 ح 7429- ك التوحيد، في قول الله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه)) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (1/439- ك المساجد، ب فضل صلاتي الصبح والعصر ح 632) . قال مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينه من الجن "قالوا: وإياك؟ يا رسول الله! قال: "وإياي، إلا أن الله أعانتي عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير". وأخرجه بعده بمثله، لكن فيه: "وقد وكل له قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة". (الصحيح 4/2167-2168 ح 2814 وما بعده- ك صفات المنافقين، ب تحريش الشيطان ... ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 قال الطبري: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) ، قال: ذلك ملك من ملوك الدنيا، له حرس من دونه حرس. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر، انظر (الفتح 8/372) . ويريد بملوك أي الملائكة والدليل الرواية التالية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يحفظونه من أمر الله) ، يقول: بإذن الله، فالمعقبات هي من أمر الله، وهي الملائكة. قال الحافظ ابن حجر: وروى الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدره خلوا عنه. (الفتح 8/372) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دوله من وال) بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا. والمعنى: أنه لا يسلب قوما نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الآية. وقوله (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) . وقد بين في هذه الآية أيضاً: أنه إذا أراد قوما بسوء فلا مرد له، وبين ذلك في مواضع أخر كقوله: (ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) ونحوها من الآيات. وقوله في هذه الآية الكريمة (حتى يغيروا ما بأنفسهم) يصدق بأن يكون التغيير من بعضهم كما وقع يوم أحد بتغيير الرماة ما بأنفسهم فعمت البلية الجميع، وقد سئل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثير الخبث". ا. هـ. وهذا الحديث صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 قوله تعالى (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشيء السحاب الثقال) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (خوفاً وطمعا) ، خوفاً للمسافر، وطمعا للمقيم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وينشئ السحاب الثقال) قال: الذي فيه الماء. قوله تعالى (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) انظر حديث ابن عباس عند الآية (19) من سورة البقرة. قال أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر وغيره قالوا: حدثنا ديلم بن غزوان، حدثنا ثابت، عن أنس قال: أرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً من أصحابه إلى رأس من رؤوس المشركين يدعوه إلى الله. فقال: هذا الإله الذي تدعو إليه، أمن فضة هو أم من نحاس هو؟ فتعاظم مقالته في صدر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فرجع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال: "ارجع إليه فادعه إلى الله". فرجع فقال له مثل مقالته. فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره! فقال: "ارجع فادعه إلى الله". وأرسل الله عليه صاعقة". فرجع فقال له مثل مقالته، فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال: "ارجع إليه فادعه إلى الله". ورسول الله في الطريق لا يعلم، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره أن الله قد أهلك صاحبه. ونزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله) . (المسند 6/87-88 ح 3341) ، قال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي عاصم (السنة 1/304 ح 692) من محمد بن أبي بكر به. قال الألباني في ظلال الجنة: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ديلم بن غزوان وهو ثقة، وأخرجه البزار من طريق ديلم به، وصححه الحافظ ابن حجر (مختصر زوائد البزار ح 1474) ، (وكشف الأستار ح 2221) قال الهيثمي: ورجال البزار رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/42) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وهو شديد المحال) أي القوة والحيلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 قوله تعالى (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (له دعوة الحق) ، قال: شهادة أن لا إله إلا الله. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه، ويشير إليه بيده، فلا يأتيه أبدا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) فقال: هذا مثل المشرك مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه. قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) ، فأما المؤمن فيسجد طائعا، وأما الكافر فيسجد كارها. قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه، الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء، ولهذا يسجد له كل شيء طوعاً من المؤمنين وكرهاً على الكافرين (وظلالهم بالغدوّ) أي البكر (والآصال) وهو جمع أصيل، وهو آخر النهار، كقوله تعالى (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله) الآية. وانظر تفسير الغدو والأصال في سورة الأعراف آية (205) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) ، أما (الأعمى والبصير) ، فالكافر والمؤمن، وأما (الظلمات والنور) ، فالهدى والضلالة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) ، حملهمِ ذلك على أن شكوا في الأوثان. قوله تعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) ، فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها. فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء) ، وهو الشك، (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، وهو اليقين، كما يجعل الحلى في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك. قوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال: (للذين استجابوا لربهم) أي أطاعوا الله ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم (الحسنى) وهو الجزاء الحسن، كقوله تعالى مخبرا عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 ذي القرنين أنه قال: (أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا. وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) وقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) سورة يونس: 26. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (للذين استجابوا لربهم الحسنى) وهي الجنة. وانظر سورة آل عمران آية (91) . قوله تعالى (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) قال ابن كثير: يقول تعالى لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي (أنزل إليك) يا محمد (من ربك) هو الحق أي: الذي لا شك فيه، ولا مرية، ولا لبس فيه، ولا اختلاف فيه، بل هو كله حق يصدق بعضه بعضاً، لا يضاد شيء منه شيئاً آخر، فأخباره كلها حق، وأوامره ونواهيه عدل، كما قال تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) أي: صدقا في الإخبار، وعدلا في الطلب، فلا يستوي من تحقق صدق ما جئت به يا محمد ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له ولا صدقه ولا اتبعه كقوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وأقاموا الصلاة) يعني الصلوات الخمس (وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) ، يقول: الزكاة. قال ابن كثير: (ويدرءون بالحسنة السيئة) أي: يدفعون القبيح بالحسن، فإدا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا وصفحا وعفوا، كقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 قوله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) قال ابن كثير: وقوله (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين، لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى من غير تنقيص لذلك الأعلى على درجته بل امتنانا من الله وإحسانا، كما قال تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) الآية، سورة الطور: 21. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (ومن صلح من آبائهم) قال: من آمن في الدنيا. قوله تعالى (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا المقريء، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني معروف بن سُويد الجذامي، عن أبي عُشّانة المعافري، عن عبد الله بنَ عمرو، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "هل تدرون من أول من يدخل الجنة منَ خلْق الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين يُسدّ بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدُهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: ايتوهم فحيوهم، فيقول الملائكة: ربّنا نحنُ سكان سماواتك وخِيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء، فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسدّ بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم مِن كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنِعم عُقبى الدار) . (الإحسان 16/438-439- ك إخباره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مناقب الصحابة، ب وصف الجنة وأهلها. ح/7421 أخرجه أحمد من طريق أبي عشانه به (المسند 10/77 ح 6571) وصححه أحمد شاكر ومحققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي ح 6571) إسناده جيد وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني وقال: ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عثانة وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/259 وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/71-72 من طريق عمرو بن الحارث عن أبي عشانة به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 قوله تعالى (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة تحت الآية رقم (77) من سورة التوبة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير) سورة الحج: 31، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، لأن الله تعالى يقول: (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) ، يعني: سوء العاقبة. قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه هو الذي يوسع الرزق على من يشاء، ويقتره على من يشاء، لما له في ذلك من الحكمة والعدل، وفرح هؤلاء الكفار بما أوتوا من الحياة الدنيا استدراجاً لهم وإمهالا، كما قال تعالى: (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) ثم حقر الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار الآخرة، فقال: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) ، كما قال: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) وقال (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) سورة الأعلى: 16-17. وانظر سورة الشورى (27) والزخرف (32) والفجر (15-16) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إلا متاع) قال: قليلاً ذاهباً. قوله تعالى (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار اقترحوا عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإتيان بآية ينزلها عليه ربه وبين هذا المعنى في مواضع متعددة كقوله (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) إلى غير ذلك من الآيات وبين تعالى في موضع آخر أن في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 القرآن العظيم كفاية عن جميع الآيات في قوله: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) وبين في موضع آخر حكمة عدم إنزال آية كناقة صالح ونحوها بقوله (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة) الآية كما تقدمت الإشارة إليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ويهدي إليه من أناب) أي: من تاب وأقبل. قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به. قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (طوبى لهم) ، يقول: فرح وقرة عين. قوله تعالى (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) قال ابن كثير: يقول تعالى وكما أرسلناك يا محمد في هذه الأمة (لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك) أي تبلغهم رسالة الله إليهم، كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة بالله، وقد كذب الرسل من قبلك فلك فيهم أسوة، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك، فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم، فإن تكذيبهم لك أشد من تكذيب غيرك من المرسلين، قال الله تعالى: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) الآية، وقال تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين) سورة الأنعام: 34. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قريباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) قال الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) الآية جواب لو في هذه الآية محذوف قال بعض العلماء تقديره: لكان هذا القرآن. وقال بعضهم: تقديره لكفرتم بالرحمن ويدل لهذا الأخير قوله قبله (وهم يكفرون بالرحمن) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، قول كفار قريش لمحمد: سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر بها، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم! فقال الله تعالى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) . وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أفلم ييأس الذين آمنوا) يقول: يعلم. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (تصيبهم بما صنعوا قارعة) ، تصاب منهم سرية، أو تصاب فيهم مصيبة، أو تحل يا محمد قريباً من دارهم، وقوله: (حتى يأتي وعد الله) ، قال: فتح مكة. وأخرجه الطبري بسنده عن ابن عباس بنحوه وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/373) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولايزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) أي: بأعمالهم أعمال السوء، وقوله (أو تحل قريباً من دارهم) أنت يا محمد، (حتى يأتي وعد الله) ، ووعد الله، فتح مكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 قال ابن كثير: وقوله (إن الله لا يخلف الميعاد) أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة (فلا تحسبن الله غلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) . قوله تعالى (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) قال ابن كثير: يقول تعالى مسلياً لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تكذيب من كذبه من قومه: (ولقد استهزىء برسل من قبلك) أي فلك فيهم أسوة (فأمليت للذين كفروا) أي أنظرتهم وأجلتهم، (ثم أخذتهم) أخذة رابية، فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم؟ كما قال تعالى: (وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير) وفي الصحيحين (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) . قوله تعالى (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) ، ذلكم ربكم تبارك وتعالى، قام علي بني آدم بأرزاقهم وآجالهم، وحفظ عليهم والله أعمالهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلوا لله شركاء قل سموهم) ، والله خلقهم. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (بظاهر من القول) ، بظن من القول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 قوله تعالى (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) قال ابن كثير: أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار كقوله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم) الآية ... (ومن يضلل الله فما له من هاد) كما قال (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (بل زين للذين كفروا مكرهم) ، قال: قولهم. قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) قال ابن كثير: ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار، فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك (لهم عذاب في الحياة الدنيا) أي بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا، (ولعذاب الآخرة) أي المدخر مع هذا الخزي في الدنيا (أشق) أي من هذا بكثير، كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمتلاعنين: "إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" وهو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، فإن عذاب الدنيا له انقضاء، وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته، كما قال تعالى: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) . والحديث في صحيح مسلم في كتاب اللعان وانظر سورة طه آية (127) وتفسيرها. قوله تعالى (أكلها دائم وظلها) قال البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "خَسَفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصلى. قالوا: يا رسول الله رأيناك تناول شيئاً في مقامك، ثم رأيناكَ تكعكعتَ. قال: إني أُريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا". (صحيح البخاري 2/271- ك الأذان، ب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة ح/748) وأخرجه مسلم (2/626- ك الكسوف، ب ما عرض على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة الكسوف.. ح/907 بأطول منه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 قال مسلم: وحدثني الحسن بن علي الحلواني وحجاج بن الشاعر، كلاهما عن أبي عاصم قال حسن: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد، كما يلهمون النفس". قال: وفي حديث حجاج "طعامهم ذلك". (الصحيح 4/2181- بعد رقم 2835- ك الجنة وصفة نعيمها، ب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم) . قال ابن كثير: وكثيراً ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ليرغب في الجنه ويحذر من النار، ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر قال بعده: (تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) . كما قال تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ آتيناهم الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك) أولئك أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرحوا بكتاب الله وبرسوله وصدقوا به. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) ، قال: من أهل الكتاب. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (وإليه مآب) ، وإليه مصير كل عبد. قال ابن كثير: يقول تعالى: (والذين آتيناهم الكتاب) وهم قائمون بمقتضاه (يفرحون بما أنزل إليك) أي من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به، كما قال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) قال ابن كثير: وقوله: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) أي وكما أرسلنا قبلك المرسلين، وأنزلنا عليهم الكتب من السماء، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا، شرفناك به، وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) . وانظر سورة فصلت آية (3) . قوله تعالى (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) الآية بين في هذه الآية الكريمة أن الرسل قبله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جنس البشر يتزوجون ويلدون وليسوا ملائكة وذلك أن الكفار استغربوا بعث آدمي من البشر كما قال تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) فأخبر أنه يرسل البشر الذين يتزوجون ويأكلون كقوله (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) وقوله (وما جعلناهم جسدا لايأكلون الطعام) الآية. قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال: حدثنا حصين بن نافع المازني قال: حدثني الحسن عن سعد بن هشام أنه دخل على أم المؤمنين عائشة قال: قلت: إني أريد أن أسألك عن التبتل، فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) ؟ فلا تتبتل. (السنن 6/60- ك النكاح، في النهي عن التبتل) ، وأخرجه أيضا أحمد في مسنده (6/97) عن أبي سعيد مولى بني هاشم بإسناده، فذكره في جزء من حديث، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 (2/676-677) رقم (3015) : صحيح إن كان الحسن سمعه من سعد، موقوف. وأخرجه أحمد (6/125 و157) ، والترمذي في (العلل الكبير 1/424) ، والنسائي في (المجتبى 6/58-59) من طريق أشعث بن عبد الملك الحمراني، وأحمد (6/91 و113) من طريق المبارك بن فضالة كلاهما عن الحسن بهذا الإسناد، إلا أنه ليس عندهم ذكر آية الرعد ورواه قتادة عن الحسن فقال: عن سمرة بن جندب: أخرجه الترمذي (3/384- ح 1082) ، والنسائي (6/59) ، وابن ماجة (ح 1849) ، ولفظه: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التبتل"، زاد في روايه عند الترمذي وابن ماجة: وقرأ قتادة (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) وقال الترمذي حديث حسن غريب. وصححه الألباني لوجود شاهد له في الصحيح من رواية سعد بن أبي وقاص. (صحيح ابن ماجة 1/311 رقم 1499) وليس في رواية الصحيح ذكر الآية. وقد اختلف في المحفوظ عن الحسن: قال النسائي: قتادة أثبت وأحفظ من أشعث، وحديث أشعث أشبه بالصواب. وكأنه رجحه لمتابعة حصين بن نافع والمبارك لأشعث أما الترمذي فقال: ويقال كلا الحديثين صحيح (السنن 3/384) . قوله تعالى (لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله ابن عيسى، عن عبد الله بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء". (السنن 1/35 ح 90) المقدمة. وأخرجه أحمد (المسند 5/277، 280، 282) عن وكيع به. والطبراني (المعجم الكبير ح 1442) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/153 ح 872) ، والحاكم (المستدرك 1/493) من طرق عن سفيان به. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ونقل البوصيري في زوائده على ابن ماجة عن شيخه العراقي قوله: حديث حسن) . وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم 73. وانظر تفسير الآية (8) من السورة نفسها. قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يمحو الله ما يشاء) ، قال: من القرآن، يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله، (وعنده أم الكتاب) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كل ذلك في كتاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) هي مثل قوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وقوله: (وعنده أم الكتاب) أي جملة الكتاب وأصله. قوله تعالى (وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) انظر سورة يونس آية (46) ، وسورة البقرة آية (119) لبيان البلاغ. قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا والله يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ننقصها من أطرافها) ، يقول: نقصان أهلها وبركتها. وانظر سورة الأنبياء آية (44) . قوله تعالى (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) قال ابن كثير: يقول تعالى (قد مكر الذين من قبلهم) برسلهم، وأرادوا إخراجهم من بلادهم، فمكر الله بهم، وجعل العاقبة للمتقين، كقوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) وقوله تعالى: (ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) الآية. قال أحمد: حدثنا يحيى قال أملاه على سفيان إلى شعبة قال: سمعت عمرو بن مرة، حدثني عبد الله بن الحارث المعلم، حدثني طليق بن قيس الحنفي أخو أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو: "رب أعني ولا تعن علي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى إلي وانصرني على من بغى علي، رب اجعلنى لك شكارا لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، إليك مخبتا، لك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتى وثبت حجتى واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي". (المسند 3/309-310 ح 1997) ، وأخرجه أيضا أبو داوود (ك الصلاة، ب ما يقول الرجل إذا سلم، ح 1510 و1511) والترمذي (ك الدعوات، ب في دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح 3551) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ح 607) وابن ماجة (ك الدعاء، ب دعاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح 3830) وابن حبان في صحيحه (3/227-228 و228 رقم 947 و948) والحاكم في المستدرك (1/519-520) من طرق عن سفيان به، إلا أن عند ابن ماجة "قيس بن طلق" وهو خطأ. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، وصحح إسناده أيضا أحمد شاكر في تحقيق المسند والألباني في ظلال الجنة (السنة لابن أبي عاصم رقم 384) وصحح إسناد أحمد محقفوه بإشراف أ. د. عبد الله التركي (المسند ح 1997) . قوله تعالى (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علمُ الكتاب) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا) قال: قول مشركي قريش، (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) ، أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحق ويقرون به، ويعلمون أن محمدا رسول الله، كما يُحَدث أن منهم عبد الله بن سلام. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) الظاهر أن قوله ومن عنده علم الكتاب عطف على لفظ الجلالة وأن المراد به أهل العلم بالتوراة والإنجيل ويدل له قوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم) الآية وقوله (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) الآية وقوله (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 سورة إبراهيم قوله تعالى (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) انظر سورة البقرة آية (1-2) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) ، أي من الضلالة إلى الهدي. قوله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) انظر سورة البقرة آية (71) لبيان: الويل. قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) انظر سورة الأعراف آية (86) . قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) الآية بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لم يرسل رسولا إلا بلغة قومه لأنه لم يرسل رسولا إلا إلى قومه دون غيرهم ولكنه بين في مواضع أخر أن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل إلى جميع الخلائق دون اختصاص بقومه ولا بغيرهم كقوله (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) الآية إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم رسالته لأهل كل لسان فهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب عليه إبلاغ أهل كل لسان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) ، أي بلغة قومه ما كانت. قال الله عز وجل (ليبين لهم) الذي أرسل إليهم، ليتخذ بذلك الحجة. قال الله عز وجل (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) . قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) قال، بالبينات. أخرج مسلم بسنده عن أُبي بن كعب قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنه بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله. وأيام الله نعماؤه وبلاؤه. (الصحيح- ك الفضائل 4/1850 ح 172) . قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ ... ) انظر تفسير سورة البقرة آية (49) ، وفيها تفصيل لنجاة موسى من آل فرعون. قوله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ... ) انظر سورة سبأ آية (13) ، لبيان أن الشكر لا يقتصر على اللسان وإنما الشكر بالعمل أيضاً. قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) قال ابن كثير: أي هو غني عن شكر عباده، وهو الحميد المحمود وإن كفره من كفره كما قال: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) الآية. قال تعالى: (فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد) . وفِى صحيح مسلم عن أبي ذر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر". (انظر صحيح مسلم- ك البر، ب تحريم الظلم) . قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) قال الطبري: حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قول الله عز وجل: (فردوا أيديهم في أفواههم) ، قال: عضوا على أصابعهم. (وأخرجه الحاكم من طريق الثورى عن أبي إسحاق به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/350-351) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (فردوا أيديهم في أفواههم) قال: ردوا على الرسل ما جاءت به. قوله تعالى (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) قال ابن كثير: وقالت لهم رسلهم (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) أي في الدار الآخرة (ويؤخركم إلى أجل مسمى) أي في الدنيا كما قال تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) الآية. وانظر سورة الأنعام آية (14) . قوله تعالى (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار توعدوا الرسل بالإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم إن لم يتركوا ما جاءوا به من الوحي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وقد نص في آيات أخر أيضاً على بعض ذلك مفصلا كقوله من قوم شعيب (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم) الآية، وقوله عن قوم لوط (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) وقوله عن مشركي قريش (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) وقوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أوحى إلى رسله أن العاقبة والنصر لهم على أعدائهم وأنه يسكنهم الأرض بعد إهلاك أعدائهم وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) وقوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز) وقوله (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) قال: وعدهم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة. قال الحاكم: أخبرني الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن شاذان الجوهري ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، ثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما أنزل الله عز وجل على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) تلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أصحابه ذات ليلة أو قال يوم فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 فبشره بالجنة فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما سمعتم قول الله عز وجل (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) ". هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. (المستدرك 2/351- ك التفسير) . قال الذهبي: محمد ابن يزيد مكي، قال أبو حاتم: شيخ صالح في حديثه. قوله تعالى (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وُكلتُ بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين". (السنن 4/701 ح 2574- ك صفة جهنم، ب ما جاء في صفة النار) . قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه أحمد (المسند 2/336) عن عبد الصمد، عن عبد العزيز بن مسلم به. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2083) . وقال مرة: إسناده على شرط الشيخين (الصحيحة ح 512) . وصحح سنده الحسين عبد المجيد هاشم في تكملة تحقيق المسند (16/184 ح 8411) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (واستفتحوا) ، قال: الرسل كلها. يقول: استنصروا على قومهم (عنيد) قال: معاند للحق مجانبه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (من ماء صديد) ، قال: قيح ودم. قال ابن كثير: (ويسقى من ماء صديد) أي في النار ليس له شراب إلا من حميم أو غساق، فهذا في غاية الحرارة، وهذا غاية البرد والنتن، كما قال: (هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 قوله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) قال الطبري: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي قوله: (ويأتيه الموت من كل مكان) ، قال: من تحت كل شعرة في جسده. وسنده صحيح. قال ابن كثير: وقوله (ومن ورائه عذاب غليظ) أي وله من بعد هذا الحال عذاب آخر غليظ، أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله، وأدهى وأمر، وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم، وتارة في شرب حميم، وتارة يردون إلى جحيم، عياذا بالله من ذلك. قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) قال ابن كثير: أي مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى، لأنهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شيء فلم يجدو شيئاً، ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة (في يوم عاصف) أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية، فلم يقدروا على شيء من أعمالهم التي كسبوا في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم، كقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) ، وقوله تعالى: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) ، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) . قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) قالَ ابن كثير: وقوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) أي بعظيم ولا ممتنع بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره أن يذهبكم ويأت بآخرين على غير صفتكم كما قال: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) وقال: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) . وانظر سورة النساء آية (133) وتفسيرها، وسورة الأنعام آية (133) وتفسيرها. قوله تعالى (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) قال الشيخ الشنقيطي: هذه المحاجة التي ذكرها الله هنا عن الكفار بينها في مواضع أخر كقوله: (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد) كما تقدم إيضاحه. وانظر سورة البقرة آية (166-167) . قوله تعالى (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية أن الله وعدهم وعد الحق وأن الشيطان وعدهم فأخلفهم ما وعدهم وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله في وعد الله (وعد الله حقاً) وقوله: (إن الله لا يخلف الميعاد) وقوله في وعد الشيطان (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 قوله تعالى (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة قوله (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) ، ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثي، قوله: (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) ، يقول: عصيت الله قبلكم. قوله تعالى (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن تحية أهل الجنة في الجنة سلام وبين في مواضع أخر أن الملائكة تحييهم بذلك وأن بعضهم يحيى بعضاً بذلك فقال في تحية الملائكة لهم (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم) الآية، وقال: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم) الآية، وقال: (ويلقون فيها تحية وسلاما) وقال في تحية بعضهم بعضاً (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) الآية، كما تقدم إيضاحه. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) قال البخاري: حدثني عُبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عُبيد الله عن نافع عن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا، تؤتي أكلها كل حين. قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعُمَر لا يتكلمان، فكرِهت أن أتكلم. فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هي النخلة. فلما قمنا قلتُ لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 فقال: ما منعك أن تكلم؟ قال: لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً. قال عمر: لأن تكون قلتَها أحبّ إليّ من كذا وكذا". (صحيح البخاري 8/228- ك التفسير- سورة إبراهيم، ب (الآية) ح/4698) . قال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب قال كنا عند أنس -أي ابن مالك - رضي الله عنه -- فأتينا بطبق، أو قنع، عليه رطب، فقال: كل يا أبا العالية فإن هذا من الشجرة التي ذكرها الله جل وعز في كتابه (ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت) . أخرجه الترمذي من طريق أبي بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبيه به، وأخرجه من طريق حماد بن سلمة مرفوعاً وقال: وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة. (السنن- التفسير- سورة إبراهيم ح 3119) وقال الألباني: صحيح موقوفا (صحيح سنن الترمذي ح 2494) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كلمة طيبة) ، شهادة أن لا إله إلا الله، (كشجرة طيبة) ، وهو المؤمن، (أصلها ثابت) ، يقول: لا إله إلا الله، ثابت في قلب المؤمن، (وفرعها في السماء) ، يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (كشجرة طيبة) قال: كنخلة. أخرج الطبري من طرق يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس في قوله: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) ، قال: غدوة وعشية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) والحين ما بين السبعة والستة، وهي تؤكل شتاء وصيفا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (تؤتي أكلها كل حين) ، قال: هي تؤكل شتاء وصيفا. أخرج الطبري من طرق يقوي بعضها بعضاً عن أنس بن مالك، قال: (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة) ، تلكم الحنظل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ومثل كلمة خبيثة) ، وهي الشرك، (كشجرة خبيثة) ، يعني الكافر. قال: (اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) ، يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (اجتثت من فوق الأرض) قال: استؤصلت من فوق الأرض. قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال أخبرني علقمة بن مَرثد قال سمعت سعدَ بن عُبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ". (صحيح البخاري 8/229 ك التفسير- سورة إبراهيم، ب (الآية) ح/4699. م 4/2201 ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ... ) . قال أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا عباد -يعني ابن راشد- عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جنازة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول: صدقت، ثم يفتح له باب إلى النار، فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه، فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره. وإن كان كافراً أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 لو آمنت بربك فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين" فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هبل عند ذلك فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) . (المسند 3/3-4) ، وأخرجه الطبري (التفسير 16/591 ح 20762) عن الحسين بن سلمة ومحمد بن معمر البحراني، كلاهما عن أبي عامر به. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار وقال: ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 3/48) . وقال ابن كثير: إسناده لا بأس به (التفسير 4/417) وقال السيوطي: سنده صحيح (الدر المنثور 4/80) . وقال محمود شاكر في حاشية الطبري: حديث صحيح الإسناد. وقال الألباني: حديث صحيح (ظلال الجنة ح 865) . قال الطبري: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: حدثنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، قال: ذاك إذ قيل في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جاء بالبينات من عند الله فآمنت به وصدقت. فيقال له: صدقت، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث. (التفسير 16/596 ح 20769) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/380-382 ح 3113) والحاكم في المستدرك (1/379-380) وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وذكره الهيثمي في المجمع (3/51-52) مطولاً وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، قال محقق الطبري: خبر صحيح الإسناد. وقال محقق الإحسان. (إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا) ، أما (الحياة الدنيا) فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وقوله (وفي الآخرة) ، أي في القبر. قوله تعالى (ألم ترَ إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء سمع ابن عباس (ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا) قال: هم كفار أهل مكة". (صحيح البخاري 8/229- ك التفسير- سورة إبراهيم، ب (الآية) ح/4700) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 قال النسائي في التفسير: انا محمد بن بشار نا محمد نا شعبة عن قاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع عليا - رضي الله عنه - وسأله ابن الكواء عن هذه الآية (الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها) قال: هم كفار قريش يوم بدر. (التفسير ح 287، وأخرجه أيضا الطبري (13/220-221) وابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير 4/427) من طرق عن شعبة به وقال محقق النسائي: إسناد صحيح ... رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه الطبري (13/221) وابن أبي حاتم كما تقدم في تفسير ابن كثير 4/427) والحاكم في المستدرك (2/352) من طرق عن بسام الصيرفي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن علي به إلا أن فيه: (منافقوا قريش) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح عال ... ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء في المختارة (2/174-175 ح 554) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن أبي الطفيل عن علي بلفظ: (دعهم عنك فقد كفيتهم، ذاك يوم بدر) وقال محققه: إسناده حسن. قال ابن كثير: رواه مالك في تفسيره عن نافع عن ابن عمر. (التفسير 4/428) . وسنده صحيح. قوله تعالى (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، الأنداد: الشركاء. قال الشيخ الشنقيطي: هذا تهديد منه تعالى لهم بأن مصيرهم إلى النار وذلك المتاع القليل في الدنيا لا يجدي من مصيره إلى النار وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار) وقوله: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقوله: (متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وقوله (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم) الآية. قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلال) قال الشيخ الشنقيطي: أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالمبادرة إلى الطاعات كالصلوات والصدقات من قبل إتيان يوم القيامة الذي هو اليوم الذي لا بيع فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 ولا مخالة بين خليلين فينتفع أحدهما بخلة الآخر فلا يمكن أحدا أن تباع له نفسه فيفديها ولا خليل ينفع خليله يومئذ، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) وقوله: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً) الآية، ونحو ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) يعني الصلوات الخمس (وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) يقول: زكاة أموالهم. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ) انظر سورة البقرة آية (146) . قوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) قال ابن كثير: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) أي يسيران لا يفتران ليلا ولا نهارا (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتقارضان، فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار) . قوله تعالى (وآتاكم من كل ما سألتموه) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من كل ما سألتموه) كل ما رغبتم إليه فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل أجاب دعاء نبيه إبراهيم هذا؟ ولكنه بين في مواضع أخر أنه أجابه في بعض ذريته دون بعض كقوله (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) وقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) الآية. وانظر سورة البقرة آية (126) . قال ابن كثير: يذكر تعالى في هذا المقام محتجا على مشركي العرب بأن البلد الحرام بمكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه آهلة تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن فقال: (رب اجعل هذا البلد آمنا) وقد استجاب الله له فقال تعالى: (أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً) الآية، وقال تعالى: (إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) . قوله تعالى (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس .... ) انظر حديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (118) من سورة المائدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنهن أضللن كثيرا من الناس) يعني الأوثان. قوله تعالى (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) وإنه بيت طهره الله من السوء، وجعله قبلة، وجعله حرمه، اختاره نبي الله إبراهيم لولده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (غير ذي زرع) قال: مكة لم يكن بها زرع يومئذ. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات) الآية. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دعا لذريته الذين أسكنهم بمكة المكرمة أن يرزقهم الله من الثمرات وبين في سورة البقرة أن إبراهيم خص بهذا الدعاء المؤمنين منهم وأن الله أخبره أنه رازقهم جميعاً مؤمنهم وكافرهم ثم يوم القيامة يعذب الكافر وذلك بقوله (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً) الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) قال: لو كانت أفئدة الناس لازدحمت عليه الفرس والروم، ولكنه أفئدة من الناس. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (تهوي إليهم) تنزع إليهم. قال ابن كثير: وقوله: (وارزقهم من الثمرات) أي ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك، وكما أنه واد غير ذي زرع فاجعل له ثمارا يأكلونها، وقد استجاب الله ذلك كما قال: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا) . قوله تعالى (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) انظر سورة الأنعام آية (59) لبيان سعة علم الله تعالى وشموله. قوله تعالى (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ربنا اغفر لي ولوالدي) الآية بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبراهيم طلب المغفرة لوالديه وبين في آيات أخر أن طلبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 الغفران لأبيه إنما كان قبل أن يعلم أنه عدو الله فلما علمَ ذلك تبرأ منه كقوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) ونحو ذلك من الآيات. ا. هـ. وهذا الاستغفار دعا به نوح كما في آخر سورة نوح. قوله تعالى (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يؤخر عقاب الكفار إلى يوم تشخص فيه الأبصار من شدة الخوف وأوضح ذلك في قوله تعالى (واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) الآية. ومعنى شخوص الأبصار أنها تبقى منفتحة لا تغمض من الهول وشدة الخوف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليوم تشخص فيه الأبصار) خصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم. قوله تعالى (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مهطعين) يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي. قال ابن كثير: ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر، فقال: (مهطعين) أي مسرعين، كما قال تعالى: (مهطعين إلى الداع) الآية، وقال تعالى (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له) وقال تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعا) الآية. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (مقنعي رءوسهم) قال: رافعي رؤوسهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (وأفئدتهم هواء) قال: هواء ليس فيها شئ خرجت من صدورهم، فنشبت في حلوقهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 قوله تعالى (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب. قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب: (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) كقوله (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) الآية، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم) الآيتين. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مالكم من زوال) قال: لا تموتون لقريش. قوله تعالى (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) يقول: سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم (وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) قد والله بعث رسله، وأنزل كتبه، ضرب لكم الأمثال فلا يصم فيها إلا أصم ولا يخيب فيها إلا خائب، فاعقلوا عن الله أمره. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (الأمثال) قال: الأشباه. قوله تعالى (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) يقول: شركهم كقوله (تكاد السموات يتفطرن منه) . وتتمة الآية كما سيأتي في قول قتادة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) . قال: ذلك حين دعوا لله ولدا، وقال في آية أخرى: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) . قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات..) قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد قال: (سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقى". قال سهل -أو غيره-: ليس فيها مَعلم لأحد. (صحيح البخاري- ك الرقاق، ب يقبض الله الأرض يوم القيامة، ح 6521) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عليّ بنُ مسهر، عن داود عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. قالت: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قوله عز وجل: (يومُ تبدل الأرض غير الأرض والسموات) فأين يكون الناس يومئذ؟ يا رسول الله! فقال: "على الصراط". (صحيح مسلم 4/2150- ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة ح/2891) . قوله تعالى (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن المجرمين وهم الكفار يوم القيامة يقرنون في الأصفاد وبين تعالى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مقرنين في الأصفاد) يقول: في وثاق. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (مقرنين في الأصفاد) قال: مقرنين في القيود والأغلال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 قوله تعالى (سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار) انظر حديث مسلم الآتي عن أبي موسى الأشعري عند الآية رقم (5) من سورة الأحزاب. وهو حديث: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (من قطران) قال: هو النحاس المذاب. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتغشى وجوههم النار) بين في هذه الآية الكريمة أن النار يوم القيامة تغشى وجوه الكفار فتحرقها، وأوضح ذلك في مواضع أخر كقوله (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) وقوله (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) الآية. قوله تعالى (ليجزي الله كل نفس ما كسبت) سورة البقرة آية (134) . قوله تعالى (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن بلاغ لجميع الناس وأوضح هذا المعنى في قوله (وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ، وبين أن من بلغه ولم يؤمن به فهو في النار كائنا من كان في قوله (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلاتك في مرية منه) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 سورة الحجر قوله تعالى (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ) انظر سورة القصص آية (2) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقرآن مبين) قال: تبين والله هداه ورشده وخيره. قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنبأ علي بن الحسين ابن علي بن الجنيد، ثنا أبو الشعثاء، ثنا خالد بن نافع الأشعري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من أهل القبلة من شاء الله قالوا: ما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار. قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فسمع الله ما قالوا قال: فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا فيقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا قال وقرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) مثقلة. (المستدرك 2/242- ك التفسير) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضا ابن أبي عاصم في (السنة ح 843) من طريق أبي الشعثاء به، وقال الألباني: حديث صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير خالد بن نافع، وهو الأشعري من أولاد أبي موسى - رضي الله عنه -، وفيه ضعف ثم ذكر شواهد تقوية (ظلال الجنة عقب ح 843 و844) وله شاهد في تفسير الطبري بسند حسن عن ابن عباس، وله شاهد آخر كما يلي: قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن الحسين بن مُكرم، قال: حدثنا عبد الله ابن عمر بن أبان بن صالح، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي رَوق، قال: حدثنا صالح بن أبي طَريف، قال: قلتُ لأبي سعيد الخدري: أسمعتَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في هذه الآية (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) الحجر: 2 فقال: نعم، سمعته يقول: "يُخرج الله أُناسا من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 منهم، قال: لمّا أدخلهم الله النارَ مع المشركين، قال المشركون: أليس كنتم تزعمون في الدنيا أنكم أولياء، فما لكم معنا في النار؟ فإذا سمع الله ذلك منهم، أذن في الشفاعة، فيتشفع لهم الملائكة والنبيون حتى يُخرجوا بإذن الله، فلما أخرجوا، قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم، فتدركنا الشفاعة فنخرَجُ من النار، فذلك قول الله جلّ وعلا: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) . قال: فيُسمّون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: ربنا أذهب عنّا هذا الاسم، قال: فيأمرهم فيغتسلون في نهر في الجنة، فيذهب ذلك منهم". (الإحسان 16/457-458 ح 7432 قال محققه: حديث صحيح. وله شواهد عدة منها: حديث أبي موسى الأشعري، أخرجه الحاكم 2/242 وصححه ووافقه الذهبي. ومنها: حديث جابر أخرجه النسائي في التفسير (ح 291) وصحح إسناده السيوطي في الدر (4/92) وحسن إسناده محقق تفسير النسائي، عزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط وقال. ورجاله رجال الصحيح غير بسام الصيرفي، وهو ثقة (مجمع البحرين 4820) وصحح إسناده الألباني (ظلال الجنة ح 844) . وينظر تخريجه وذكر شواهده مفصلا في حاشية الإحسان في الموضع المذكور) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) ذكر في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا عرفوا حقيقة الأمر تمنوا أنهم كانوا في دار الدنيا مسلمين، وندموا على كفرهم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) وقوله: (حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها) الآية، وقوله: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) قال الشيخ الشنقيطي: هدد الله تعالى الكفار في هذه الآية الكريمة بأمره نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتركهم يأكلون ويتمتعون فسوف يعلمون حقيقة ما يئول إليه الأمر من شدة تعذيبهم وإهانتهم وهددهم هذا النوع من التهديد في مواضع أخر كقوله: (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) وقوله: (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: حدثني أبي، عن منذر، عن ربيع بن خثيم، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: خطّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به- وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخُطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن اخطأه هذا نهشه هذا". (الصحيح 11/239-241 ح 6417) ك الرقاق، ب في الأمل وطوله) . وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/237) بعض الرسوم ثم قال: فالإشارة بقوله: "هذا الإنسان" إلى النقطة الداخلة، وبقوله: "أجله محيط به" إلى المربع، وبقوله: "وهذا الذي هو خارج أمله" إلى المستطيل المنفرد. قوله تعالى (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى أنه ما أهلك قرية إلا بعد قيام الحجة عليها وانتهاء أجلها، وأنه لا يؤخر أمة حان هلاكها عن ميقاتهم ولا يتقدمون عن مدتهم، وهذا تنبيه لأهل مكة وإرشاد لهم إلى الإقلاع عما هم فيه من الشرك والعناد والإلحاد الذي يستحقون به الهلاك. اهـ ويشهد لهذا التفسير قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ... ) سورة الإسراء آية: 15-16. وانظر سورة يونس آية (49) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 قوله تعالى (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ) انظر سورة الأعراف آية (63) قول الشيخ الشنقيطي. قال ابن كثير: يخبر تعالى عن كفرهم وعتوهم وعنادهم في قولهم (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) أي الذي تدعي ذلك (إنك لمجنون) أي في دعائك إيانا إلى اتباعك وترك ما وجدنا عليه آباءنا (لو ما) أي هلا (تأتينا بالملائكة) أي يشهدون لك بصحة ما جئت به إن كنت من الصادقين، كما قال فرعون: (فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) ، (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيراً) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ما ننزل الملائكة إلا بالحق) قال: بالرسالة والعذاب. انظر سورة الإسراء آية (92) . قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي أنزل القرآن العظيم وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شئ أو يبدل، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد) وقوله: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) إلى قوله: (ثم إن علينا بيانه) وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية أن الضمير في قوله: (وإنا له لحافظون) راجع إلى الذكر الذي هو القرآن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وإنا له لحافظون) قال: عندنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) قال في آية أخرى: (لا يأتيه الباطل) والباطل: إبليس (من بين يديه ولا من خلفه) فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينتقص منه حقاً، حفظه الله من ذلك. قوله تعالى (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين) يقول أمم الأولين. قوله تعالى (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) لا يؤمنون به، قال: إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين) وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم. قوله تعالى (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون) كان الحسن يقول: لو فعل هذا ببني آدم فظلوا فيه يعرجون أي يختلفون (لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (سكرت أبصارنا) قال: سدت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله: (ولقد جعلنا في السماء بروجا) قال: كواكب. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وزيناها للناظرين) صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أنه زين السماء للناظرين وبين في مواضع أخر أنه زينها بالنجوم، وأنها السماء الدنيا كقوله: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) الآية، وقوله: (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) . قوله تعالى (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين) قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أنه حفظ السماء من كل شيطان رجيم وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (وحفظا من كل شيطان مارد) وقوله: (وجعلناها رجوما للشياطين) وقوله: (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) وقوله (إنهم عن السمع لمعزولون) وقوله (أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين) إلى غير ذلك من الآيات، والاستثناء في هذه الآية الكريمة في قوله: (إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) . قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن عَمْرو عن عكرمة عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضَرَبَت الملائكة بأجنحتها خُضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان، قال عليّ: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك. فإذا فزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحقّ وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع، هكذا واحد فوق آخر. ووصف سفيان بيده وفرّج بين أصابع يده اليمنى، نصبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 بعضها فوق بعض، فربما أدرك الشهابُ المستمع قبل أن يرمِي بها إلى صاحبه، فيُحرقه. وربما لم يُدركه حتي يرمى بها إلى الذي يليه، إلى الذي هو أسفل منه، حتى يُلقوها إلى الأرض -وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض- فتلقى على فم الساحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق، فيقولون: ألم يُخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقاً؟ للكلمة التي سُمعت من السماء". (صحيح البخاري 8/231- ك التفسير- سورة الحجر، ب (الآية) ح/4701) . قال البخاري: حدثنا محمد، حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا الليث، حدثنا ابن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الملائكة تنزل في العنان -وهو السحاب- فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون منها مائة كِذْبة من عند أنفسهم". (صحيح البخاري 6/350-351- ك بدء الخلق، ب ذكر الملائكة ح/3210) وأخرجه مسلم في صحيحه -السلام- باب تحريم الكهانة 4/1750 ح 2228) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إلا من استرق السمع) وهو نحو قوله: (إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) . قوله تعالى (والأرض مددنها وألقينا فيها رواسي وأنبتا فيها من كل شيء موزون) انظر سورة النحل آية (15) وفيها رواية الطبري عن قتادة عن الحسن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وأنبتنا فيها من كل شئ موزون) ، يقول: معلوم. قوله تعالى (وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ومن لستم له برازقين) الدواب والأنعام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 قوله تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأرسلنا الرياح لواقح) يقول: لواقح للسحاب، وإن من الريح عذاباً، وإن منها رحمة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) بين تعالى في هذه الآية الكريمة عظيم منته بإنزال الماء من السماء وجعله إياه عذبا صالحاً للسقيا وبين ذلك أيضاً في مواضع أخر كقوله: (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون) وقوله: (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات) وقوله: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيراً) إلى غير ذلك من الآيات. قال البخاري: حدثنا أحمد بن أبي بكر، قال: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن يزيد عن سلمة قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اشتدت الريح يقول: "اللهم لاقحا لاعقيما". (الأدب المفرد ح 718) . وأخرجه أيضاً أبو يعلى (كما في المطالب العالية المسندة ق 122أ) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 300) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/288 ح 1008) والطبراني في الكبير (7/37 رقم 6296) ، والحاكم في المستدرك (4/285-286) من طرق عن مغيرة ابن عبد الرحمن به، وقال الحاكم: إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي والمغيرة لم يروي له مسلم، كما ذكر الألباني في صحيحه (5/91) وليس عند البخاري سوى حديث قد توبع فيه (انظر هدى الساري ص 445) وقال الهيثمي في المجمع (10/135) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير مغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة. قلت: تقدم أن البخاري روى له متابعة، وقد اختلف فيه، وقال الحافظ: صدوق فقيه كان يهم (التقريب ص 543) ، قال الألباني: فحسب حديث مثله يكون حسنا أما الصحة فلا (الصحيحه 5/91 ح 2058) ومع ذلك فقد أورده في صحيح الأدب المفرد (553/718) وقال صحيح. وحكى محقق المطالب العالية (3/239) عن البوصيري أنه قال: رجاله ثقات) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما أنتم له بخازنين) فيه للعلماء وجهان من التفسير كلاهما يشهد له قرآن الأول: أن معنى (وما أنتم له بخازنين) أي ليست خزانته عندكم بل نحن الخازنون له ننزله متى شئنا وهذا الوجه تدل عليه آيات كقوله: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) وقوله: (ولله خزائن السموات والأرض) الآية، ونحو ذلك من الآيات. الوجه الثاني: أن معنى (وما أنتم له بخازنين) بعد أن أنزلناه عليكم أي لا تقدرون على حفظه في الآبار والعيون والغدران بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض) وقوله (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) وقوله (أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا) وقوله (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) الآية، إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ... بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه الوارث ولم يبين الشيء الذي يرثه وبين في مواضع أخر أنه يرث الأرض ومن عليها كقوله (إلا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) وقوله (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) ... قوله تعالى (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) قال المستقدمون آدم ومن بعده، حتى نزلت هذه الآية. والمستأخرون قال: كل من كان من ذريته. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: المستقدمين منكم، قال: القرون الأول، والمستأخرين: أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 قوله تعالى (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن ربك هو يحشرهم) قال: أي الأول والآخر. قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون) قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير. عن ابن عباس، قال: خلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب، وأما اللازب: فالجيد، وأما الحمأ: فالحماة. وأما الصلصال: فالتراب المرقق، وإنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي. (وسنده صحيح على شرط مسلم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال) قال: والصلصال: التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (من حمأ مسنون) قال: منتن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (من حمأ مسنون) ، يقول: من طين رطب. قوله تعالى (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) قال مسلم: حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد قال: عَبْد، أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خُلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وُصف لكم". (صحيح مسلم 4/2294- ك الزهد والرقائق، ب في أحاديث متفرقة ح/2996) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والجان خلقناه من قبل) وهو إبليس خلق قبل آدم وإنما خلق آدم آخر الخلق فحسده عدو الله إبليس على ما أعطاه الله من كرامة فقال: أنا نارى وهذا طينى فكانت السجدة لآدم والطاعة لله تعالى ذكره (قال فاخرج منها فإنك رجيم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) انظر سورة البقرة آية (30-34) وتفسيرها، وانظر آية (26) من السورة نفسها. قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن إبليس أبي أن يسجد لآدم وبين في مواضع أخر أنه تكبر عن امتثال أمر ربه كقوله في سورة البقرة: (إلا إبليس أبى واستكبر) الآية، وقوله في سورة ص: (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) وأشار إلى ذلك هنا بقوله: (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون) ، كما تقدمت الإشارة إليه. قوله تعالى (قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه سأل إبليس سؤال توبيخ وتقريع عن الموجب لامتناعه من السجود لآدم الذي أمره به ربه جل وعلا وبين أيضاً في الأعراف وص أنه وبخه أيضاً بهذا السؤال قال في الأعراف (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) الآية، وقال في ص: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) الآية، وناداه باسمه إبليس في الحجر وص ولم يناده به في الأعراف. قوله تعالى (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون) انظر الآية (26) من السورة نفسها. قال الشيخ الشنقيطي: هذا القول الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن إبليس لعنه الله أنه لم يكن ليسجد لبشر مخلوق من الطين مقصوده به أنه خير من آدم لأن آدم خلق من الطين وهو خلق من النار كما يوضحه قوله تعالى: (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 قوله تعالى (قال فاخرج منها فإنك رجيم) قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أمر إبليس بالخروج من الجنة مؤكدا أنه رجيم وبين في الأعراف أنه خروج هبوط وأنه يخرج متصفا بالصغار والذل والهوان بقوله: (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإنك رجيم) ، الرجيم: الملعون. قوله تعالى (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) انظر سورة الفاتحة آية (3) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) بين في هذه الآية الكريمة أن اللعنة على إبليس إلى يوم الدين وصرح في ص بأن لعنته جل وعلا على إبليس إلى يوم الدين بقوله: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) . ا. هـ. وانظر سورة الفاتحة لبيان يوم الدين: يوم الحساب. قوله تعالى (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) انظر سورة الأعراف وتفسيرها من الآية (14-17) وقول الشيخ الشنقيطي فيها. قوله تعالى (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبليس أخبر أنه سيبذل جهده في إضلال بنى آدم حتى يضل أكثرهم وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) وقوله: (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) الآية، وقوله: (قال أرأيتك هذا الذي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) وهذا قاله إبليس قبل أن يقع ظنا منه أنه يتمكن من إضلال أكثر بنى آدم وقد بين تعالى أنه صدق ظنه هذا بقوله: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) وكل آية ذكر فيها ذكر إضلال إبليس لبنى آدم بين فيها إبليس وجميع من تبعه جميعاً في النار كما قال هنا (وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب) الآية، وقال في الأعراف (قال أخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) وقال في سورة بنى إسرائيل (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً) وقال في ص (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) . قوله تعالى (إلا عبادك منهم المخلصين) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان لما أوعد بأنه سيضل أكثر بني آدم استثنى من ذلك عباد الله المخلصين معترفا بأنه لا قدرة له على إضلالهم ونظيره قوله في ص أيضاً (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وعباد الله المخلصون هم المرادون بالاستثناء في قوله في بني إسرائيل (لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) وقوله في سبأ (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) وهم الذين احترز منهم بقوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) وبين تعالى في مواضع أخر أن الشيطان لا سلطان له على أولئك المخلصين كقوله: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) الآية ... قوله تعالى (قال هذا صراط علي مستقيم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (هذا صراط علي مستقيم) قال: الحق يرجع إلى الله، وعليه طريقه، لا يعرج على شيء. قوله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) انظر سورة النحل تفسير آية (99) وسورة الإسراء آية (65) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 قوله تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن قال: قال قتادة: سمعت أبا نضرة يحدث عن سمرة؛ أنه سمع نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه. ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى عنقه". (الصحيح 4/2185 ك الجنة وصفة نعيمها ... ، ب في شدة حر نار جهنم .... ح 2845) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) وهي والله منازل بأعمالهم. قوله تعالى (إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين) قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين يوم القيامة في جنات وعيون، ويقال لهم يوم القيامة: ادخلوها بسلام آمنين وذكر في مواضع أخر صفات ثوابهم وربما بين بعض تقواهم التي نالوا بها هذا الثواب الجزيل كقوله في الذاريات (إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) وقوله في الدخان (إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) . قوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد: حدثنا يزيد بن زريع (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المتوكل الناجي أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقص لبعضهم من بعض مظالم كانت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا". (الصحيح 11/403 ح 6535- ك الرقاق، ب القصاص يوم القيامة..) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (على سرر متقابلين) بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين الذين هم أهل الجنة يوم القيامة يكونون على سرر وأنهم متقابلون ينظر بعضهم إلى وجه بعض ووصف سررهم بصفات جميلة في غير هذا الموضع منها أنها منسوجة بقضبان من الذهب وهي الموضونة قال في الواقعة (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين) وقيل الموضونة المصفوفة كقوله: (على سرر مصفوفة) الآية، ومنها أنها مرفوعة كقوله في الغاشية (فيها سرر مرفوعة) الآية، وقوله في الواقعة (وفرش مرفوعة) وقوله: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) . قوله تعالى (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لا يمسهم فيها نصب) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب وهو التعب والإعياء وقوله نصب نكرة في سياق النفي فتعم كل نصب فتدل الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أنواع التعب والمشقة وأكد هذا المعنى وقوله تعالى (الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) لأن اللغوب هو التعب والإعياء أيضاً وقد صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب". وقوله تعالى (وما هم منها بمخرجين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يخرجون منها وأكد نفي إخراجهم منها بالباء في قوله: (بمخرجين) فهم دائمون في نعيمها أبدا بلا انقطاع. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) وقوله: (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا) وقوله: (عطاء غير مجذوذ) وقوله: (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 قوله تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) انظر الحديث المتقدم عند قوله تعالى: (الرحمن الرحيم) في سورة الفاتحة. وانظر سورة البقرة آية (10) وفيها أليم: موجع. قوله تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم) قال الشيخ الشنقيطي: بين في مواضع أخر أن ضيف إبراهيم المذكورين في هذه الآية أنهم الملائكة كقوله في هود (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) كما تقدم وقوله: (قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) . قوله تعالى (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة لرد إبراهيم عليه السلام على الملائكة أولا لأنه لم يذكر هنا رده السلام عليهم وإنما قال عنه إنه قال لهم: إنا منكم وجلون وبين في هود (قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) وقوله في الذاريات (قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) وبين أن الوجل المذكور هنا هو الخوف لقوله في القصة بعينها في هود (وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف) وقوله في الذاريات (فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف) . قوله تعالى (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أولئك الضيف الكرام الذين هم ملائكة بشروا إبراهيم بغلام موصوف بالعلم ونظير ذلك قوله تعالى أيضاً في الذاريات (قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم) وهذا الغلام بين تعالى أنه هو إسحاق كما يوضح ذلك قوله في الذاريات (وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك أنه هو الحكيم العليم) لأن كونها أقبلت في صرة أي صيحة وضجة وصكت وجهها أي لطمته قائلة إنها عجوز عقيم يدل على أن الولد المذكور هي أمه كما لا يخفى ويزيده إيضاحا تصريحه تعالى بشارتها هي بأنها تلده مصرحا باسمه واسم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 ولده يعقوب وذلك في قوله تعالى في هود في القصة بعينها (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب) وأما الغلام الذي بشر به إبراهيم الموصوف بالحلم المذكور في الصافات في قوله تعالى: (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام إني أذبحك) الآية، فهو إسماعيل لا إسحاق على وجه قاطع للنزاع. قوله تعالى (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) قال: عجب من كبره، وكبر امرأته. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم قال إنه وقت البشرى بإسحاق مسه الكبر وبين في هود بأن امرأته أيضا قالت إنه شيخ كبير في قوله عنها (وهذا بعلي شيخا) كما صرح عنها هي أنها وقت البشرى عجوز كبيرة السن وذلك كقوله في هود (يا ويلتى أألد وأنا عجوز) الآية، وقوله في الذاريات (فصكت عن وجهها وقالت عجوز عقيم) وبين في موضع آخر عن نبيه إبراهيم أنه وقت هبة الله له ولده إسماعيل أنه كبير السن أيضاً وذلك قوله تعالى: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) . قوله تعالى (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط) الآية أشار في هذه الآية الكريمة إلى أن المراد بهؤلاء القوم المجرمين قوم لوط الذين أرسل إليهم فكذبوه ووجه إشارته تعالى لذلك استثناء لوط غير امرأته في قوله: (إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته) الآية وصرح بأنهم قوم لوط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 في هود في القصة بعينها (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) الآية وصرح في الذاريات بأنهم أرسلوا إلى هؤلاء القوم المجرمين ليرسلوا عليهم حجارة من طين في قوله: (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين) وصرح في العنكبوت أنهم قالوا إنهم مهلكوهم بسبب ظلمهم ومنزلون عليهم رجزا من السماء بسبب فسقهم وذلك في قوله تعالى: (ولا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها) الآية وقوله: (قالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) وقوله: (إلا آل لوطٍ إنا لمنجوهم أجمعين) بين في هذه الآية الكريمة أنه استثنى آل لوط من ذلك العذاب النازل بقومه وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كما تقدم في هود في قوله: (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) الآية وقوله في العنكبوت (وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك) الآية ... أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (إنها لمن الغابرين) قال: ممن غبر فهلك. قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن لوطا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاءه الملائكة المرسلون لإهلاك قومه قال لهم إنكم قوم منكرون. وصرح في مواضع أخر أنه حصلت له مساءة بمجيئهم وأنه ضاق ذرعا بذلك كقوله في هود: (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب) وقوله في العنكبوت (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الآية وذكر تعالى في الذاريات أن نبيه إبراهيم قال لهم أيضا قوم منكرون كما ذكر عن لوط هنا وذلك في قوله: (قال سلام قوم منكرون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (قال إنكم قوم منكرون) قال: أنكرهم لوط. وقوله (بما كانوا فيه يمترون) قال: بعذاب قوم لوط. قوله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تأمرون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (واتبع أدبارهم) قال: أمر أن يكون خلف أهله، يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا يلتفت منكم أحد) لا يلتفت وراءه أحد، ولا يعرج. قوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) انظر سورة هود آية (80-83) لبيان تفصيل تدميرهم مصبحين وكذا في هذه السورة في الآيات التالية. قوله تعالى (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجاء أهل المدينة يستبشرون) سبب استبشار قوم لوط أنهم ظنوا الملائكة شبابا من بني آدم فحدثتهم أنفسهم بأن يفعلوا بهم فاحشة اللواط كما يشير لذلك قوله تعالى (إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) وقوله تعالى (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم) الآية، وقوله (وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وجاء أهل المدينة يستبشرون) استبشروا بأضياف نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوط، حين نزلوا لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر. قوله تعالى (قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أو لم ننهك عن العالمين) قال: ألم ننهك أن تضيف أحدا؟. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 قوله تعالى (قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين) : أمرهم نبي الله لوط أن يتزوجوا النساء. قوله تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) ، وهي كلمة من كلمات العرب لفي سكرتهم: أي في ضلالهم يعمهون: أي يلعبون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لعمرك) يقول: لعيشك (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال: يتمادون. قوله تعالى (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن عكرمة (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) أي من طين. قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال: للمتفرسين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) ، يقول: للناظرين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (للمتوسمين) قال: للمعتبرين. قوله تعالى (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) قال الشيخ الشنقيطي، قوله تعالى (وإنها لبسبيل مقيم) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن ديار قوم لوط وآثار تدمير الله لها بسبيل مقيم أي بطريق ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد، يمر بها أهل الحجاز في ذهابهم إلى الشام، والمراد أن آثار تدمير الله لهم التي تشاهدون في أسفاركم فيها لكم عبرة ومزدجر يوجب عليكم الحذر من أن تفعلوا كفعلهم لئلا ينزل الله لكم مثل ما أنزل بهم وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (وإنكم لترون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) وقوله (أفلم يسيروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) وقوله فيها وفي ديار أصحاب الأيكة (وإنهما لبإمام مبين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنها لبسبيل مقيم) يقول: بطريق واضح. وانظر سورة هود من الآية (69) إلى الآية (83) في قصة قوم لوط. قوله تعالى (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقما منهم وإنهما لبإمام مبين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم) ذكر جل وعلا في هذه الآية أن أصحاب الأيكة كانوا ظالمين وأنه جل وعلا انتقم منهم بسبب ظلمهم وأوضح هذه القصة في مواضع أخر كقوله في الشعراء (كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولاتعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) فبين في هذه الآية أن ظلمهم هو تكذيبهم رسولهم وتطفيفهم في الكيل وبخسهم الناس أشياءهم وأن انتقامه منهم بعذاب يوم الظلة وبين أنه عذاب يوم عظيم والظلة سحابة أظلتهم فأضرمها الله عليهم نارا فأحرقتهم. وانظر سورة الشعراء آية (176) رواية الطبري عن ابن عباس وسورة الأعراف (85-94) وسورة هود (84-95) وسورة ص آية (93) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإنهما لبإمام مبين) يقول: على الطريق. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وإنهما لبإمام مبين) قال: طريق واضح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 قوله تعالى (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) قال ابن كثير: أصحاب الحجر هم ثمود الذين كذبوا صالحاً نبيهم عليهم السلام، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين، ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين، وذكر تعالى أنه أتاهم من الآيات ما يدلهم على صدق ما جاءهم به صالح كالناقة التي أخرجها الله لهم بدعاء صالح من صخرة صماء، وكانت تسرح في بلادهم لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، فلما عتوا وعقروها قال لهم: (تمنعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) . قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا معن، قال: حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحاب الحجر: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يُصيبكم مثلُ ما أصابهم". (صحيح البخاري 8/232- ك التفسير- سورة الحجر، ب (الآية) ح/4702) أخرجه مسلم- الزهد والرقائق 4/2285 ح 2980) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أصحاب الحجر) ، قال: أصحاب الوادي. قوله تعالى (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح كانوا آمنين في أوطانهم، وكانوا ينحتون الجبال بيوتا. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله تعالى: (أتتركون فيما ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) وقوله تعالى: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله..) الآية، وقوله: (وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي) أي قطعوا الصخر بنحته بيوتا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 قوله تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق أي ليدل بذلك على أنه المستحق لأن يعبد وحده، وإنه يكلف الخلق ويجازيهم على أعمالهم. فدلت الآية على أنه لم يخلق الخلق عبثا ولا لعبا ولا باطلا. وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) وقوله: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) وقوله: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ... ) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فاصفح الصفح الجميل) ثم نسخ ذلكم بعد، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، لا يقبل منهم غيره. قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) قال ابن كثير: وقوله (إن ربك هو الخلاق العليم) تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق ما يشاء، وهو العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض، كقوله: (أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن ربك هو الخلاق العليم) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه الخلاق العليم والخلاق والعليم: كلاهما صيغة مبالغة. والآية تشير إلى أنه لا يمكن أن يتصف الخلاق بكونه خلاقا إلا وهو عليم بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه أن يخلقه. وأوضح هذه المعنى في آيات كثيرة، كقوله تعالى (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 قوله تعالى (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن حُبيب ابن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى قال: "مَرَّ بي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أصلي فدعاني، فلم آتهِ حتى صليت، ثم أتيتُ فقال: ما منعك أن تأتي؟ فقلت: كنتُ أصلي. فقال: ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) ؟ ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبلَ أن أخرج من المسجد؟ فذهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخرج فذكرته فقال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". (صحيح البخاري 8/232- ك التفسير- سورة الحجر، ب (الآية) ح/4703) . قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُمّ القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم". (صحيح البخاري 8/232- ك التفسير- سورة الحجر ح/4704) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (والقرآن العظيم) قال: سائره: يعني سائر القرآن مع السبع من المثاني. قوله تعالى (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) : الأغنياء الأمثال الأشباه. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تحزن عليهم) الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة أن الله نهى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحزن على الكفار إذا امتنعوا من قبول الإسلام ويدل ذلك كثرة ورود هذا المعنى في القرآن العظيم كقوله (ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) وقوله (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وقوله (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) وقوله (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) وقوله (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 قوله تعالى (واخفض جناحك للمؤمنين) قوله تعالى (واخفض جناحك للمؤمنين) فقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لين الجانب مع أصحابه رحيم بهم ورؤوف كما أخبر الله تعالى بذلك إذ قال (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) سورة التوبة: 128. قوله تعالى (وقل إني أنا النذير المبين) انظر سورة البقرة آية (120) . قوله تعالى (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس (كما أنزلنا على المقتسمين) قال: آمنوا ببعض وكفروا ببعض، اليهود والنصارى. (التصحيح- التفسير- سورة الحجر، الآية ح 4706) . قال ابن كثير: وقوله (المقتسمين) أي المتحالفين، أي تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأداهم، كقوله تعالى إخبارا عن قوم صالح إنهم (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) الآية، أي نقتلهم ليلاً. قوله تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس (الذين جعلوا القرآن عضين) قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. (الصحيح- التفسير- سورة الحجر، الآية ح 4705) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (الذين جعلوا القرآن عضين) قال: فرقا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الذين جعلوا القرآن عضين) عضهوا كتاب الله، زعم بعضهم أنه سحر، وزعم بعضهم أنه شعر، وزعم بعضهم أنه كهان. وعضين: جمع عِضة، من عَضيت الشيء إذا فرقته وجعلته أعضاء (النهاية لابن الأثير 3/255) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجامد قوله (جعلوا القرآن عضين) قال: سحر أعضاء الكتاب كلها وقريش، فرقوا القرآن، قالوا: هو سحر. قوله تعالى (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ثم قال (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 إنس ولا جان) قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا، لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا. قوله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (فاصدع بما تؤمر) يقول: فامضه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فاصدع بما تؤمر) قال: اجهر بالقرآن في الصلاة. قوله تعالى (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إلها آخر فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) قال ابن كثير: وقوله (وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين) أي بلغ ما انزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله (ودوا لو تدهن فيدهنون) ولا تخفهم فإن الله كافيك إياهم وحافظك منهم، كقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم نفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) . قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنا كفيناك المستهزئين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه كفى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المستهزئين الذين كانوا يستهزءون به وهم قوم من قريش. وذكر في مواضع أخر أنه كفاه غيرهم؛ كقوله في أهل الكتاب: (فسيكفيكهم الله) الآية، وقوله: (أليس الله بكاف عبده..) الآية. قوله تعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم أن نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضيق صدره بما يقوله الكفار فيه: من الطعن والتكذيب، والطعن في القرآن وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر؛ كقوله: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون) وقوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك) . قوله تعالى (واعبد ربك حتى يآتيك اليقين) انظر حديث البخاري عن أم العلاء الآتي عند الآية (9) من سورة الأحقاف. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (اليقين) : الموت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 سورة النحل قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) قال الشيح الشنقيطي: قوله تعالى (أتى أمر الله) أى قرب إتيان القيامة وعبر بصغية الماضى تنزيلا لتحقق الوقوع منزلة. واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه جلا وعلا في مواضع أخر، كقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) وقوله جلا وعلا (اقتربت الساعة وانشق القمر) وقوله (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) وقوله (وما يدريك لعل الساعة قريب) وقوله جلا وعلا (أزفت الآزقة ليس لها من دون الله كاشفة) إلى غير ذلك من الآيات. وقوله تعالى (فلا تستعجلوه) نهى الله جلا وعلا في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة، والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة، والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة، كقوله جلا وعلا (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لايشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) وقوله (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها) وقوله (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه) الآية، وقوله (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) وقوله (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ينزل الملائكة بالروح) يقول: بالوحي. قوله تعالى (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ينزل الملائكة بالروح من أمره) يقول: ينزل بالرحمة والوحي من أمره (على من يشاء من عباده) فيصطفي منهم رسلاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) إنما بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده، ويطاع أمره، ويجتنب سخطه. قوله تعالى (خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) انظر سورة الحجر آية 85 وتفسيرها. قوله تعالى (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا حريز ابن عثمان، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش القرشي، قال: بزق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كفه، ثم وضع أصبعه السبابة وقال: "يقول الله عز وجل: أنّى تعجُزني، ابن آدم! وقد خلقتك من مثل هذه، فإذا بلغت نفسك هذه (وأشار إلى حلقه) قلت: أتصدق. وأنى أوان الصدقة؟ ". (السنن 2/903 ح 2707- ك الوصايا، ب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت) . قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات.. (مصباح الزجاجة 9/97) . وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/502) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح 8000، وانظر (السلسلة الصحيحة ح 1099) . قال الشنقيطي: قوله تعالى (خلق الإنسان من نطفة) . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الإنسان من نطفة، وهي مني الرجل ومني المرأة؛ بدليل قوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) أي، خلاط من ماء الرجل وماء المرأة ... إذا عرفت معنى ذلك، فاعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء الذي هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب. أي وهو ماء الرجل، ومنه ما هو خارج من الترائب وهو ماء المرأة، وذلك في قوله جل وعلا (فلينظر الإنسان مما خلق. خلق من ماء دافق. يخرج من بين الصلب والترائب) لأن المراد بالصلب صلب الرجل وهو ظهره، والمراد بالترائب ترائب المرأة وهي موضع القلادة منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 قوله تعالى (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (والأنعام خلقها لكم فيها دفء) يقول: الثياب. قال الشنقيطي: قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الأنعام لبني آدم ينتفعون بها تفضلا منه عليهم. وقد قدمنا في (آل عمران) أن القرآن بين أن الأنعام هي الأزواج الثمانية التي هي الذكر والأنثى من الأبل، والبقر، والضأن، والمعز. والمراد بالدفء على أظهر القولين: أنه اسم لما يدفأ به، كالملء اسم لما يملأ به، وهو الدفاء من اللباس المصنوع من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها .... ومنافع الأنعام التي بين الله جل وعلا امتنانه بها على خلقه في هذه الآية الكريمة، بينه لهم أيضاً في آيات كثيرة كقوله: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون. وعليها وعلى الفلك تحملون) وقوله: (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون. ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون. ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون) . قوله تعالى (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها، طوالا أسنمتها، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إلا بشق الأنفس) قال: مشقة عليكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لتركبوها وزينة) قال: جعلها لتركبوها وجعلها زينة. قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وعلى الله قصد السبيل) يقول: البيان. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وعلى الله قصد السبيل) قال: طريق الحق على الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنها جائر) : أي من السبل، سبل الشيطان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (ومنها جائر) يقول: الأهواء المختلفة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (فيه تسيمون) قال: ترعون. قوله تعالى (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) قال ابن كثير: أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها، ولهذا قال: (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى (أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) قال الشنقيطي: قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر لخلقه خمسة أشياء عظام، فيها من عظيم نعمته ما لا يعلمه إلا هو، وفيها الدلالات الواضحات لأهل العقول على أنه الواحد المستحق لأن يعبد وحده. والخمسة المذكورة هي: الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم، وكرر في القرآن ذكر إنعامه بتسخير هذه الأشياء، وأنها من أعظم أدلة وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده، كقوله تعالى: (إن ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) وإغشاؤه الليل والنهار: هو تسخيرهما، وقوله: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار..) الآية، وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) وقوله: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين..) الآية، وقوله (وبالنجم هم يهتدون) . قوله تعالى (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) قال الشنقيطي: قوله تعالى (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) . قوله: "وما" في محل نصب عطفا على قوله (وسخر لكم الليل والنهار) أي وسخر لكم ما ذرأ لكم في الأرض، أي ما خلق لكم فيها في حال كونه مختلفا ألوانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما ذرأ لكم في الأرض) يقول: وما خلق لكم مختلفا ألوانه من الدواب، ومن الشجر والثمار، نعم من الله متظاهرة فاشكروها لله. قوله تعالى (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) قال الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سخر البحر، أي الله لعباده حتى تمكنوا من ركوبه، والانتفاع بما فيه من الصيد والحلية، وبلوغ الأقطار التي تحول دونها البحار، للحصول على أرباح التجارات ونحو ذلك. فتسخير البحر للركوب من أعظم آيات الله، كما بينه في مواضع أخر، كقوله (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) وقوله (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتأكلوا منه لحما طريا) يعني: حيتان البحر. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وترى الفلك مواخر فيه) قال: تمخر السفينة الرياح، ولا تمخر الريح من السفن، إلا الفلك العظام. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، (وترى الفلك مواخر فيه) قال تجرى مقبلة ومدبرة بريح واحدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 قوله تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن، في قوله (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) قال: الجبال أن تميد بكم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قوله (سبلا) أي: طرقا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) والعلامات: النجوم، وأن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد رأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) قال ابن كثير: ثم أخبر أن الأصنام التَي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، كما قال الخليل (أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) وهي هذه الأوثان التى تعبد من دون الله أموات لا أرواح فيها، ولا تملك لأهلها ضرا لا نفعا. قوله تعالى (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه لا إله هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك (أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب) وقال تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) وقوله: (وهم مستكبرون) أي عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده كما قال: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) لهذا لحديث الذي مضى، وهم مستكبرون عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 قوله تعالى (لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) انظر آية (62) من السورة نفسها، وفيها معنى لا جرم أي: بلى. قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) قال ابن كثير: يقول تعالى: وإذا قيل لهؤلاء المكذبين (ماذا أنزل ربكم قالوا) معرضين عن الجواب (أساطير الأوّلين) أي لم ينزل شيئاً، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين، أي مأخوذ من كتب المتقدمين، كما قال تعالى: (وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أساطير الأولين) يقول: أحاديث الأولين. قوله تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد وأبى الضحى، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي، عن جرير بن عبد الله. قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم الصوف. فرأى سُوء حالهم قد أصابتهم حاجة. فحثّ الناسَ على الصدقة. فأبطأوا عنه. حتى رُؤي ذلك في وجهه. قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بِصُرةٍ من ورق. ثم جاء آخر. ثم تتابعوا حتى عُرف السرور في وجهه. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سن في الإسلام سُنة حسنة. فعُمل بها بعده، كُتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سُنة سيئة، فعُمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر مَن عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء". (الصحيح 4/2059-2060- ك العلم، ب من سن سنة حسنة أو سيئة ... ح/1017) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح 8/232- ك التفسير- سورة الحجر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار من أضلوا احتمالهم ذنوب أنفسهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئًا. وانظر سورة العنكبوت آية (13) وتفسيرها. قوله تعالى (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) قال ابن كثير: هذا من باب المثل لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره، كما قال نوح عليه السلام: (ومكروا مكراً كبارا) أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة، كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة (بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) الآية ... وقوله (فأتى الله بنيانهم من القواعد) أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم، كقوله تعالى (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بيانهم من القواعد) إي والله، لأتاها أمر الله من أصلها (فخر عليهم السقف من فوقهم) والسقف: أعالى البيوت، فائتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم (وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) . قوله تعالى (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) يقول: تخالفوني. قال ابن كثير: ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا (أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم ههنا؟ (هل ينصرونكم أو ينتصرون) فما له من قوة ولا ناصر) فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة، وحقت عليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار (قال الذين أوتوا العلم) وهم السادة في الدنيا والآخرة، والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذ: (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه. وانظر سورة الكهف آية (52) . قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمين أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة (فألقوا السلم) أي أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين (ما كنا نعمل من سوء) كما يقولون يوم المعاد (والله ربنا ما كنا مشركين) (يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم) . قوله تعالى (فادخلوا أبواب جهنم..) الآية. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا عدد أبوابها، ولكنه بين ذلك في سورة الحجر في قوله جل وعلا (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) . قوله تعالى (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) وهؤلاء مؤمنون، فيقال لهم (ماذا أنزل ربكم) فيقولون (خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه. قال ابن كثير: ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال: (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) الآية، كقوله تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) أي: من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من أحسن عمله في هذه الدار التي هي الدنيا كان له عند الله الجزاء الحسن في الآخرة وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولايرهق وجوههم قتر ولاذلة) . قوله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) قال ابن كثير: وقوله (جنات عدن) بدل من دار المتقين أي لهم في الآخرة جنات عدن، أي مقام يدخلونها (تجري من تحتها الأنهار) أي بين أشجارها وقصورها (لهم فيها ما يشاءون) كقوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) . قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (الذين تتوفاهم الملاكة طيبين) قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم. وانظر سورة البقرة آية رقم (2) وآية رقم (25) لبيان الجنة والمتقين. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم. وانظر سورة فصلت (30-32) وسورة إبراهيم آية (37) . قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) قال: بالموت، وقال في آية أخرى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) وهو ملك الموت، وله رسل، قال الله تعالى (أو يأتي أمر ربك) ذاكم يوم القيامة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 قوله تعالى (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) انظر تفسير سورة الأنعام الآية رقم (10) قول السدي وفيه (فحاق) وقع ... قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) انظر سورة الزخرف آية (20) . قوله تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) انظر سورة البقرة آية (256) . قوله تعالى (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) قال ابن كثير: ثم أخبر الله تعالى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم إذا كان الله قد أراد إضلالهم كقوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) وقال نوح لقومه: (ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) وقال في هذه الآية الكريمة: (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) كما قال الله تعالى: (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) وقال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) . قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ... ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن أبي شيبة، عن أبي أحمد، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبُني وما ينبغي له. أما شتمه فقوله: إن لي ولدا. وأما تكذيبه فقوله: ليس يُعيدني كما بدأني) . (الصحيح 6/313 ح 3193- ك بدء الخلق، ب ما جاء في قوله تعالى (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ... )) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) تكذيبا بأمر الله أو بأمرنا، فإن الناس صاروا في البعث فريقين: مكذب ومصدق. قوله تعالى (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ) قال ابن كثير: ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: (ليبين لهم) أي للناس (الذي يختلفون فيه) أي من كل شيء (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) قال: للناس عامة. قوله تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء، كقوله: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) وقال (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) . وانظر سورة البقرة آية (117) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لنبوئنهم) لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الله (ولأجر الآخرة أكبر) أي والله لما يثيبهم الله عليه من جنته أكبر (لو كانوا يعلمون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) انظر تفسير سورة الأنبياء آية (7) قول قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالبينات والزبر) قال: الآيات. والزبر: الكتب. انظر سورة النساء آية (174) . قوله تعالى (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها، مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب (من حيث لا يشعرون) أي من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم، كقوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أفأمن الذين مكروا السيئات) أي: الشرك. قوله تعالى (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (أو يأخذهم في تقلبهم) يقول: في اختلافهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أو يأخذهم في تقلبهم) في أسفارهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أو يأخذهم على تخوف) على تنقص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يتفيأ ظلاله) يقول: تتميل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يتفيأ ظلاله) قال: ظل كل شيء: سجوده. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وهم داخرون) أي صاغرون. قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) انظر سورة الأعراف آية (206) ، وسورة الرعد آية (15) . قوله تعالى (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) بيان لقوله تعالى (وهم لا يستكبرون) في الآية السابقة. قوله تعالى (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) قال الشنقيطي: نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلها آخر معه، وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد، ثم أمرهم أن يرهبوه أي يخافوه وحده؛ لأنه هو الذي بيده الضر والنفع، لا نافع ولا ضار سواه. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين. ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين ... وبين جل وعلا في مواضع أخر: إستحالة تعدد الآلهة عقلا، كقوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ، وقوله: (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون. عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ... ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 قوله تعالى (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (واصبا) قال: دائماً، ألا ترى أنه يقول (ولهم عذاب واصب) : أي دائم. قوله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) قال ابن كثير: (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) أي لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجأون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به، كقوله تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال (الضر) : السقم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فإليه تجأرون) قال: تضرعون دعاء. قوله تعالى (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) قال الشنقيطي: قوله تعالى: (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن بني آدم إذا مسهم الضر دعوا الله وحده مخلصين له الدين؛ فإذا كشف عنهم الضر، وأزال عنهم الشدة: إذا فريق منهم وهم الكفار يرجعون في أسرع وقت إلى ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي. وقد كرر جل وعلا هذا المعنى في القرآن، كقوله في (يونس) : (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين) -إلى قوله- (إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) ، وقوله (في الإسراء) : (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم (وجعلوا للأوثان نصيبا مما رزقهم الله فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) أي جعلوا لآلهتهم نصيباً مع الله وفضلوها على جانبه، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويجعلون لما لايعلمون نصيباً مما رزقناهم) وهم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم نصيباً مما رزقناهم، وجزءا من أموالهم يجعلونه لأوثانهم. قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا، وجعلوها بنات الله فعبدوها معه، فأخطأوا خطأ كبيراً في كل مقام من هذه المقامات الثلاث، فنسبوا إليه تعالى أن له ولدا ولا ولد له، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد وهو البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، كما قال: (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) . وقوله ههنا: (ويجعلون لله البنات سبحانه) أي عن قولهم وإفكهم (ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون) . قوله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن قهْزَاذ. حدثنا سلمة بن سليمان. أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن ابن شهاب. حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 عن عروة، عن عائشة. ح وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام وأبو بكر ابن إسحاق (واللفظ لهما) . قالا: أخبرنا أبو اليمان. أخبرنا شعيب عن الزهري. حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن عروة بن الزبير أخبره، أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها. فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة. فأعطيتها إياها. فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها. ولم تأكل منا شيئاً. ثم قامت فخرجت وابنتاها. فدخل عليّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحدثته حديثها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ابتُلِيَ من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار". (صحيح مسلم 4/2027- ك البر والصلة، ب فضل الإحسان إلى البنات ح/2629) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح- الزكاة، ب اتقوا النار ولو بشق تمرة ح 1418) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمرى ما يدري أنه خير، لرب جارية خير لأهلها من غلام. وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه، ويئد ابنته. قوله تعالى (لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) الإخلاص والتوحيد. قوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) انظر سورة الكهف (58) ، وسورة فاطر آية (45) . قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويجعلون لله ما يكرهون) أبهم جل وعلا في هذه الآية الكريمة هذا الذي يجعلونه لله ويكرهونه؛ لأنه عبر عنه ب (ما) الموصولة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وهي اسم مبهم، وصلة الموصول لن تبين من وصف هذا المبهم إلا أنهم يكرهونه. ولكنه بين في مواضع أخر: أنه البنات والشركاء وجعل المال الذي خلق لغيره، قال في البنات: (ويجعلون لله البنات) ثم بين كراهيتهم لها في آيات كثيرة، كقوله: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) الآية. وقال في الشركاء: (وجعلوا لله شركاء) الآية، ونحوها من الآيات. وبين كراهيتهم للشركاء في رزقهم بقوله: (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيهم سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) أي إذا كان الواحد منكم لا يرضى أن يكون عبده المملوك شريكا له مثل نفسه في جميع ما عنده؛ فكيف تجعلون الأوثان شركاء لله في عبادته التى هي حقه على عباده! وبين جعلهم بعض ما خلق الله من الرزق للأوثان في قوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً) إلى قوله (ساء ما يحكمون) ، وقوله (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) كما تقدم. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى) قال: قول قريش: لنا البنون، ولله البنات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا جرم) يقول: بلى. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنهم مفرطون) قال: منسيون في النار. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأنهم مفرطون) قال قد أفرطوا في النار أي معجلون. قوله تعالى (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) انظر سورة البقرة آية (212) وانظر سورة الأنعام آية (42-43) . قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) انظر سورة النحل آية (44 و89) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) انظر سورة البقرة آية (164) . قوله تعالى (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) انظر سورة المؤمنون آية (21) . قوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) قال: الرزق الحسن: ما أحل من ثمرتها، والسكر: ما حرم من ثمرتها. (أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ح 1496) ، والحاكم (المستدرك 2/355) كلاهما من طريق عمرو ابن سفيان عن ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/387) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (تتخذون منه سكرا) فحرم الله بعد ذلك، يعني بعد ما أنزل في سورة البقرة من ذكر الخمر، والميسر والأنصاب والأزلام، السكر مع تحريم الخمر لأنه منه، قال (ورزقا حسنا) فهو الحلال من الخل والنبيذ، وأشباه ذلك، فأقره الله، وجعله حلالا للمسلمين. قوله تعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) قال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن الغَسيل عن عاصم بن عُمر ابن قتادة قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن كان في شيء من أدويتِكم -أو يكون في شيء من أدويتكم- خير ففي شرطةِ محجم، أو شربة عسل، أو لَدْغة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي". (الصحيح 10/146- ك الطب، ب الدواء بالعسل ح/5683) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح - السلام، ب لكل داء دواء 4/1729 ح 2205) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 قال البخاري: حدثنا عباس بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقِه عسلا". ثم أتاه الثانية فقال: "اسقه عسلا". ثم أتاه الثالثة فقال: "اسقه عسلا". ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: "صدق الله وكذب بطنُ أخيك، اسقه عسلا"، فسقاه، فبرأ". (الصحيح 10/146- ك الطب، ب الدواء بالعسل ح/5684) ، وأخرجه مسلم 4/1736-1737 ح 2217- ك السلام، ب التداوي بسقي العسل) . أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (فاسلكى سبل ربك ذللا) قال: لا يتوعر عليها مكان سلكته. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قوله (فاسلكى سبل ربك ذللا) أي: مطيعة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) ففيه شفاء كما قال الله تعالى من الأدواء، وقد كان ينهى عن تفريق النحل، وعن قتلها. قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن تصرفه في عباده، وأنه هو الذي أنشأهم من العدم ثم بعد ذلك يتوفاهم، ومنهم من يتركه حتى يدركه الهرم وهو الضعف في الخلقة، كما قال الله تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة) الآية. قوله تعالى (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) انظر سورة الإسراء آية (30) وتفسيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ماملكت أيمانهم) قال: هذا الذي فضل في المال والولد، لا يشرك عبده في ماله وزوجته، يقول: قد رضيت بذلك لله، ولم ترض به لنفسك، فجعلت لله شريكا في ملكه وخلقه. قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) أي: والله خلق آدم، ثم خلق زوجته منه ثم جعل لكم بنين وحفدة. قال الطبري حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قالا جميعاً: ثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله، قال الحفدة: الأختان. وسنده حسن. وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وأبو أحمد هو الزبيري، وعبد الله هو ابن مسعود - رضي الله عنه -. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (بنين وحفدة) قال: أنصارا وأعوانا وخداما. قوله تعالى (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) قال ابن كثير: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهم الأنداد والأصنام (وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) أي يسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره. وفي الحديث الصحيح: "إن الله يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ ". وانظر (صحيح مسلم- ك الزهد والرقائق) . قوله تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون) قال: هذه الأوثان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضر ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا وقوله (فلا تضربوا لله الأمثال) فإنه أحد صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد (إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) يقول: والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه. قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه مالا فلم يقدم فيه خيرا، ولم يعمل فيه بطاعة الله، وأخذ بالشكر، ومعرفة حق الله، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة قال الله تعالى ذكره (هل يستويان مثلا) ، والله ما يستويان (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) . قوله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لا يقدر على شيء) قال: هو الوثن (هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل) قال: الله يأمر بالعدل. وانظر سورة الفاتحة تفسير (الصراط المستقيم) : الإسلام. قوله تعالى (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض واختصاصه بعلم الغيب، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء، وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، كما قال: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) أي فيكون ما يريد كطرف العين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلا كلمح البصر أو هو أقرب) والساعة: كلمح البصر، أو أقرب. ا. هـ. والمراد بالساعة أي: أمر قيام الساعة. قوله تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) انظر قوله تعالى (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) سورة الزمر آية (6) . قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) قال ابن كثير: ثم نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض، كيف جعله يطير بجناحين بين السماء والأرض في جو السماء، ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى التي جعل فيها قوى تفعل ذلك، وسخر الهواء يحملها ويسير الطير كذلك، كما قال تعالى في سورة الملك: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير) وقال ههنا: (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (مسخرات في جو السماء) أي في كبد السماء. قوله تعالى (والله جَعَلَ لَكمْ مّن بُيُوتكُمْ سَكَنا) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (من بيوتكم سكنا) قال: تسكنون فيها. قوله تعالى ( ... وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) انظر آية (5) من السورة نفسها. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (أثاثا) قال: متاعا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومتاعا إلى حين) قال: إلى الموت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) إي والله من الشجر ومن غيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وجعل لكم من الجبال أكنانا) يقول: غيرانا من الجبال يسكن فيها (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) يعني: ثياب القطن والكتان والصوف وقمصها. قوله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) انظر سورة البقرة آية (119) لبيان البلاغ أن عَليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون بشيراً ونذيراً. قوله تعالى (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُون) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال: هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب، تعرف هذا كفار قريش، ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لآبائنا، فورثناها منهم. قوله تعالى (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) وشاهدها نبيها، على أن قد بلغ رسالات ربه، قال الله تعالى (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء) . قوله تعالى (ثم لا يؤذن للذين كفروا ولاهم يستعتبون) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله (لا يؤذن) ولكنه بين في المرسلات أن متعلق الإذن الاعتذار؛ أي لا يؤذن لهم في الاعتذار، لأنهم ليس لهم عذر يصح قبوله، وذلك في قوله: (هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 قوله تعالى (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم يُنظرون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار إذا رأوا العذاب لا يخفف عنهم، ولا ينظرون أي لا يمهلون، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. وبين أنهم يرون النار، وأنها تراهم، وأنها تكاد تتقطع من شدة الغيظ عليهم؛ كقوله تعالى (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون) ، وقوله (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) . قوله تعالى (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المشركين يوم القيامة إذا رأوا معبوداتهم التي كانوا يشركونها بالله في عبادته قالوا لربهم ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك! وأن معبوداتهم تكذبهم في ذلك فيقولون لهم: كذبتم! ما كنتم إيانا تعبدون! وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة؛ كقوله: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقوله: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فألقوا إليهم القول) قال: حدثوهم. قوله تعالى (وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) يقول: ذلوا واستسلموا يومئذ (وضل عنهم ما كانوا يفترون) . وانظر سورة البقرة آية (208) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) قال ابن كثير: أي عذاباً على كفرهم وعذابا على صدهم الناس عن اتباع الحق كقوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أي ينهون الناس عن اتباعه ويبتعدون هم منه أيضاً (وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) . قال الحاكم: حدثني علي بن عيسى ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: قال عبد الله - رضي الله عنه - في قول الله عز وجل (زدناهم عذاباً فوق العذاب) قال: عقارب أنيابها كالنخل الطوال. (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/355-356- ك التفسير) ، ووافقه الذهبي، وأخرجه الطبراني (9104 و9105) من طريق سفيان ويحيى بن عيسى عن الأعمش به، وأخرجه أيضاً (9103) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود ... وقال الهيثمي في المجمع (10/910) رواه بالطبراني ورجاله رجال الصحيح وكذا في (7/48) قال نحوه، وأخرجه الطبري قال حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله (زدناهم عذابا فوق العذاب) قال. عقارب لها أنياب كالنخل. وسنده صحيح على شرط مسلم. قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يوم القيامة يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم يشهد عليهم بما أجابوا به رسولهم، وأنه يأتي بنبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاهدا علينا. وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ... ) الآية، وكقوله: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) وكقوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تبيانا لكل شيء) قال: ما أمر به، وما نهى عنه. قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون) قال الحاكم: أخبرنا الحسن بن حليم المروزي، أنبا أبو الموجه، أنبا عبدان، أنبا عبد الله، أنبا عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني عن أبيه عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم. صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/356- ك التفسير) وأقره الذهبي، وأخرجه أبو داود (ح 4902- ك الأدب، ب النهي عن البغي) ، والترمذي (ح 2511- ك صفة القيامة، ب 57) ، وابن ماجة (ح 4211- ك الزهد، ب البغي) ، وابن حبان (الإحسان ح 455 و456) ، والحاكم في (المستدرك 2/356) ، (ن 6/162 ل 636) من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن به، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا -يعني الترمذي والحاكم- فإن رجال إسناده ثقات كلهم. وصحح إسناده أيضا محقق الإحسان. انظر حديث الحاكم تحت الآية رقم (23) من سورة يونس. قال أحمد: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثنا عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفناء بيته بمكة جالس، إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا تجلس"؟ قال: بلى. قال: فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستقبله، فبينما هو يحدثه، إذ شخص رسول الله ببصره إلى السماء، فنظر ساعة إلى السماء، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال: يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة، قال: "وما رأيتني فعلت؟ " قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك. قال: "وفطنت لذاك؟ " قال عثمان: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس"، قال: رسول الله؟ قال: "نعم". قال: فما قال لك؟ قال: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً. (المسند ح 2922) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال ابن كثير: إسناد جيد متصل حسن قد بين فيه السماع المتصل (التفسير 4/516) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وشهر وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لايضر، وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/48) ، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد ابن بهرام به، وحسنه (السنن ح 3215) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وقوله (والإحسان) ، فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى، في الشدة والرخاء، والمكره والمنشط، وذلك هو أداء فرائضه، وقوله (إيتاء ذى القربى) يقول: الأرحام (وينهى عن الفحشاء) يقول: الزنا (والبغي) يقول: الكبر والظلم (يعظكم) يقول: يوصيكم (لعلكم تذكرون) . قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنه، ويندب إلى الإحسان، كقوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 صبرتم لهو خير للصابرين) وقوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وقال (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) ... وقوله: (وإيتاء ذي القربى) أي يأمر بصلة الأرحام، كما قال: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً) وقوله: (وينهى عن الفحشاء والمنكر) فالفواحش المحرمات، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها، ولهذا قال في الموضع الآخر (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى) الآية، إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه، إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها. قوله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حِلْف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة". (الصحيح 4/1961 ح 2530- ك فضائل الصحابة، ب مؤاخاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أصحابه ... ) . قال ابن كثير: ومعناه أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه. ا. هـ. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) . أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عباده أن يوفوا بعهد الله إذا عاهدوا. وظاهر الآية أنه شامل لجميع العهود فيما بين العبد وربه. وفيما بينه وبين الناس. وكرر هذا في مواضع أخر؛ كقوله (في الأنعام) : (وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به..) الآية، وقوله (في الإسراء) : (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) . وقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 قدمنا هذا (في الأنعام) . وبين في موضع آخر: أن من نقض العهد إنما يضر بذلك نفسه، وأن من أوفى به يؤتيه الله الأجر العظيم على ذلك؛ وذلك في قوله: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) . وبين في موضع آخر: أن نقض الميثاق يستوجب اللعن؛ وذلك في قوله: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم..) الآية. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى: (ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها) قال: تغليظها في الحلف. قوله تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه، وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أن تكون أمة هي أربى من أمة) يقول: أكثر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) يقول: خيانة وغدرا بينكم (أن تكون أمة هي أربى من أمة) أن يكون قوم أعز وأكثر من قوم. قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال ابن كثير: يقول الله تعالى (ولو شاء الله لجعلكم) أيها الناس (أمة واحدة) كقوله تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) أي: لوفق بينكم ولما جعل اختلافاً ولا تباغض ولا شحناء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 قوله تعالى (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا النضر أخبرنا شعبة حدثنا فرّاس قال: سمعت الشعبي عن عبد الله بن عَمْرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتلُ النفس، واليمين الغموس". (الصحيح 11/564- ك الأيمان والنذور، ب اليمين الغموس ح/6675) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (دخلا بينكم) قال: خيانة بينكم. قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) انظر سورة آل عمران آية (77) . قوله تعالى (ما عندكم ينفذ وما عن الله باق) قال الشيح الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ماعنده من نعيم الجنة باق لا يفنى. ووأضح هذا المعنى في مواضع أخر؛ كقوله (عطاء غير مجذوذ) وقوله: (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) . قوله تعالى (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) قال الشيخ الشنقيطي: أقسم جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سيجزي الذين صبروا أجرهم -أي جزاء عملهم- بأحسن ما كانوا يعملون. وبين في موضع آخر: أنه جزاء بلا حساب؛ كما في قوله: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) . قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب (واللفظ لزهير) . قالا: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 الدنيا ويُجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة. لم تكن له حسنة يُجزى بها". (الصحيح 4/2162 ح 2808- ك صفات المنافقين، ب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء، عن سعيد بن أبي أيوب. حدثني شرحبيل (وهو ابن شريك) عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه". (الصحيح 2/730 ح 1054 - ك الزكاة، ب في الكفاف والقناعة) . قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ يعقوب بن يوسف القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا عَمْرو بن أبي قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (فلنحيينه حياة طيبة) قال: القنوع، قال: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو يقول: "اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/356- ك التفسير) . وأقره الذهبي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فلنحيينه حياة طيبة) قال: السعادة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلحيينه حياة طيبة) فإن الله لايشاء عملا إلا في إخلاص، ويوجب من عمل ذلك في إيمان، قال الله تعالى (فلنحيينه حياة طيبة) وهي الجنة. قوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) انظر الاستعاذة في مطلع التفسير. قوله تعالى (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله، وأن سلطانه إنما هو على أتباعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 الذين يتولونه والذين هم به مشركون. وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) ، وقوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) ، وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) ، وقوله (وماكان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك..) الآية، وقوله (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) . أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما سلطانه) قال: حجته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما سلطانه على الذين يتولونه) يقول: الذين يطيعونه ويعبدونه. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (والذين هم بربهم مشركون) قال: يعدلون بالله عز وجل. قوله تعالى (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وإذا بدلنا آية مكان آية) قال: رفعناها فأنزلنا غيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإذا بدلنا آية مكان آية) هو كقوله (ما ننسخ من آية أو ننسها) . قوله تعالى (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل نزله روح القدس من ربك بالحق) الآية. أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يقول إن هذا القرآن الذي زعموا أنه افتراء بسبب تبديل الله آية مكان آية - أنه نزله عليه روح القدس من ربه جل وعلا؛ فليس مفتريا له. وروح القدس: جبريل، ومعناه الروح المقدس؛ أي الطاهر من كل ما لا يليق. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) الآية، وقوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) ، وقوله (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يلقى إليك وحيه) ، وقوله (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) قال: قول كفار قريش: إنما يعلم محمداً عبد لابن الحضرمى، وهو صاحب كتب بقول الله (لسان الذي يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين) . وأخرجه الطبري بسند حسن عن قتادة بنحوه. قوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فأخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله، وله عذاب عظيم، فأما من أكره وتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. قال البخاري: حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: أتي علي - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من بدل دينه فاقتلوه". (الصحيح 12/279- ك استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، ب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم ح 6922) . قال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا يحيى بن أبي بُكيْر، ثنا زائدة بن قدامة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زِرِّ بن حُبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو بكر، وعمّار، وأمه سُمية، وصُهيب، وبلال، والمِقداد. فأما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس. فما منهم مِن أحد إلا وقد واتَاهم على ما أرادوا إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحَد، أحَد. (سنن ابن ماجة 1/53- المقدمة، ب فضائل الصحابة رضي الله عنهم ح 150) ، وأخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وقال في (تاريخ الإسلام قسم السيرة ص 218) : حديث صحيح، وأخرجه ابن أبي عاصم مختصرا من طريق زائدة به، (المسند 1/404 المستدرك 3/284، الأوائل ص 87) ، قال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات رواه ابن حبان في صحيحه ... إلخ (مصباح الزجاجة 1/64) ، وقال الألباني. حسن (صحيح ابن ماجة 1/30) . وله شاهد من رواية مجامد مرسلاً عند ابن أبي شيبة في (المصنف (13/47-49) ، وقال الحافظ في الإصابة (4/327) : وهو مرسل صحيح السند. قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) انظر سورة البقرة آية (7) . قوله تعالى (لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) انظر آية (62) من السورة نفسها. قوله تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) انظر سورة البقرة آية (48) وتفسيرها. قوله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (قرية كانت آمنة مطمئنة) قال: مكة. قال ابن كثير: هذا مثل أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمنا لا يخاف، كما قال تعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا) ، وهكذا قال ههنا: (يأتيها رزقها رغدا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 أي هنيئا سهلا (من كل مكان فكفرت بأنعم الله) أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار) . وانظر سورة البقرة آية (58) . قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد جاءهم رسول منهم) إي والله، يعرفون نسبه وأمره، (فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون) ، فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل. قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) انظر سورة البقرة آية (168) . قوله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما حرم عليكم الميتة والدم) الآية، قال: وإن الإسلام دين يطهره الله من كل سوء، وجعل لك فيها يابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شيء من ذلك. قوله (فمن اضطر غير باغ ولاعاد) غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدى حلالا إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة. وانظر سورة البقرة آية (173) ، لبيان هذه المحرمات. قوله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) في البحيرة والسائبة. وانظر سورة المائدة (103) وتفسيرها، لبيان ما حرم المشركون من أنعام أحلها الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الذين يفترون عليه الكذب -أي يختلقونه عليه- كدعواهم أنه حرم هذا وهو لم يحرمه. ودعواهم له الشركاء والأولاد - لا يفلحون؛ لأنهم في الدنيا لا ينالون إلا متاعا قليلاً لا أهمية له، وفي الآخرة يعذبون العذاب العظيم، الشديد المؤلم. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في يونس: (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) ، وقوله: (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) ، وقوله: (قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) ، إلى غير ذلك من الآيات. وانظر سورة يونس آية (26) ، لبيان المتاع: الذاهب. قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) قال: ما قص الله تعالى في سورة الأنعام حيث يقول: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية. وانظر سورة الأنعام آية (146) وتفسيرها، لبيان ما حرم الله تعالى على اليهود. قال الشيخ الشنقيطي: وجملة المحرمات عليهم في هذه الآية الكريمة ظاهرة، وهو كل ذي ظفر: كالنعامة والبعير، والشحم الخالص من البقر والغنم (وهو الثروب) وشحم الكلى. أما الشحم الذي على الظهر، والذي في الحوايا وهي الأمعاء، والمختلط بعظم كلحم الذنب وغيره من الشحوم المختلطة بالعظام فهو حلال لهم؛ كما هو واضح من الآية الكريمة. قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) انظر سورة النساء آية (17) ، وسورة الأنعام آية (54) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 قوله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق قال: قرأت عند ابن مسعود (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله) فقال: إن معاذا كان أمة قانتا لله، قال: فأعاد عليه، قال: فأعاد عليهم، ثم قال: أتدرون ما الأمة؟ الذي يُعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله؟. (التفسير ح 1514) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/358) من طريق عبد الرزاق وأبي نعيم كلاهما عن الثوري به ن وأخرجه أيضا الطبري في تفسيره (14/191) ، والطبراني في (الكبير 10/70-73 ح 9943-9950) من طريق عن ابن مسعود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في (المجمع 7/49) . رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (إن إبراهيم كان أمة) على حدة (قانتا لله) قال: مطيعا. ينظر تفسير سورة البقرة آية (135) لفظ (حنيفا) ، وسورة الفاتحة (الصراط المستقيم) قوله تعالى (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وآتيناه في الدنيا حسنة) قال: لسان صدق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وآتيناه في الدنيا حسنة) فليس من أهل دين إلا يتولاه وبرضاه. قوله تعالى (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قال ابن كثير: وقوله (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً) أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك ياخاتم الرسل وسيد الأنبياء (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) كقوله في الأنعام: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 قوله تعالى (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) اتبعوه وتركوا الجمعة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) استحله بعضهم، وحرمه بعضهم. وانظر عن أهل السبت سورة البقرة آية (65) . أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة وحذيفة قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق. (صحيح مسلم- ك الجمعة، ب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة ح 856) قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (وجادلهم بالتي هي أحسن) أعرض عن أذاهم إياك. قال ابن كثير، وقوله (وجادلهم بالتي هي أحسن) أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كقوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) الآية، فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) . قوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) قال البخاري: حدثنا إسحاق، أخبرنا حبان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان أفلان، حتى سمى اليهودى فأومأت برأسها، فجيء باليهودي فاعترف، فأمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض رأسه بالحجارة. وقد قال همام: بحجرين. (الصحيح 12/222 ح 6884- ك الديات، ب إذا اقر بالقتل مرة قتل به) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1299 ح 1672 ك القسامة، ب ثبوت القصاص في القتل بالحجر ... ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 قال الحاكم: أخبرنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن الفضل بن موسى، ثنا عيسى بن عبيد عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: حدثني أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة فمثلوا بهم وفيهم حمزة فقالت الأنصار: لئن أصبناهم يوما مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله عز وجل (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) فقال رجل: لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفوا عن القوم غير أربعة. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/358-359- ك التفسير- سورة النحل) وأقره الذهبي، وأخرج الترمذي (ح 3129/ك التفسير، ب ومن سورة النحل) ، والنسائي في (التفسير ح 299) من طريق الفضل بن موسى به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث أُبي بن كعب. وقال الألباني: حسن صحيح الإسناد (صحيح الترمذي 3/67) ، وقال محقق تفسير النسائي: إسناده حسن. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/239 ح 487) من طريق: عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق به. قال محققه: إسناده حسن ... ، وأخرجه الضياء في (المختارة 3/350-352 ح 1143، 1144) من طريق: الحسين بن حريث، وهدية بن عبد الوهاب المروزي كلاهما عن الفضل بن موسى به. وحسن المحقق إسناديهما. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) لا تعتدوا. وانظر سورة البقرة آية (194) . قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) قال الشنقيطي: قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه مع عباده المتقين المحسنين. وقد تقدم إيضاح معنى التقوى والإحسان. وهذه المعية خاصة بعباده المؤمنين، وهي بالإعانة والنصر والتوفيق. وكرر هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله: (إنني معكما أسمع وأرى) وقوله: (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم) ، وقوله: (لا تحزن إن الله معنا) وقوله: (قال كلا إن معى ربي سيهدين) ، إلى غير ذلك من الآيات. وأما المعية لجميع الخلق فهي بالإحاطة التامة والعلم، ونفوذ القدرة، وكون الجميع في قبضته جل وعلا؛ فالكائنات في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 سورة الإسراء فضلها أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود قال: بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء هن من العِتاق الأوَل، وهن من تِلادي. (الصحيح- التفسير- سورة الأنبياء 4739) . وتسمى سورة الإسراء سورة بني إسرائيل وسورة سبحان، والعتاق جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل مابلغ الغاية في الجودة، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث، وقوله: (وهن من تلادي) أي مما حفظ قديما، والتلاد قديم الملك وهو بخلاف الطارف، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم. (انظر فتح الباري 8/388) . قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، عن مروان أبي لبابة قال سمعت عائشة تقول: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ كل ليلة ببني إسرائيل والزمر. (المسند 6/189) . أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم كلهم من طريق حماد بن زيد به، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وصححه الألباني وحسنه فاروق حمادة (سنن الترمذي- فضائل القرآن رقم 2920، وعمل اليوم والليلة رقم 712، والمستدرك 2/434، وصحيح الجامع الصغير 4/250، وصحيح سنن الترمذي رقم 2332) . قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وردت أحاديث في ذكر صفة الإسراء والمعراج أصحها ما أخرجه البخاري ومسلم بسنديهما عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان -وذكر يعني رجلا بين الرجلين- فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملىء حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق، فانطلقت مع جبريل، حتى أتينا السماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 الدنيا، قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، ولنعم المجى جاء، فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من ابن ونبي، فأتينا السماء الثانية، قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: من معك قال: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، ولنعم المجى جاء، فأتيت على عيسى ويحيى، فقالا: مرحباً بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الثالثة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل من معك؟. قال: محمد قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحباً به، ولنعم المجى جاء، فأتيت على يوسف فسلمت، فقال: مرحباً بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة، قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل من معك؟ قيل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل وقد أرسل إليه؟ قال نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة، قيل من هذا؟ قيل: جبريل، قيل ومن معك؟ قيل: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال نعم، قيل مرحباً به ولنعم المجى جاء، فأتينا على هارون، فسلمت عليه، فقال مرحباً بك من أخ ونبي، فأتينا على السماء السادسة، قيل من هذا؟ قيل جبريل، قيل من معك؟ قيل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل: وقد أرسل إليه؟ مرحباً به نعم المجىء جاء، فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل: ما أبكاك قال: يارب، هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي، فأتينا السماء السابعة، قيل من هذا: قيل: جبريل قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ مرحباً به ولنعم الجيء جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من ابن ونبي، فرفع في البيت المعمور، فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ماعليهم، ورفعت لي سدرة المنتهى، فاذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران، فسألت جبريل فقال: أما الباطنان ففي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات، ثم فرضت علي خمسون صلاة، فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت؟ قلت فرضت علي خمسون صلاة، قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لاتطيق، فارجع إلى ربك فسله، فرجعت فسألته، فجعلها أربعين، ثم مثله ثم ثلاثين، ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشرا، فاتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا: فأتيت موسى فقال: ماصنعت؟ قلت جعلها خمسا، فقال مثله قلت فسلمت، فنودى: إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا. (صحيح البخاري - بدء الخلق باب ذكر الملائكه رقم 3207) ، (وصحيح مسلم- الإيمان، ب الإسراء برسول الله رقم 462) . واللفظ للبخاري، وذكره الحافظ ابن حجر وقال: ليس في أحاديث المعراج أصح منه (انظر تفسير القاسمي 10/991) . وأخرج مسلم بسنده عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتيت البراق (وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه) قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس". قال: فربطه بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال: "ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن فقال جبريل: اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ... ". (الصحيح- الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رقم 261) . قال البيهقي: وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسرى به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى البيت المقدس، ذكره كثير ثم أيده فقال: وهذا الذي قاله هو الحق الذي لاشك فيه ولامرية. قال الإمام أحمد: ثنا عبد الصمد وحسن قالا: ثنا ثابت قال: حسن أبو زيد قال عبد الصمد: قال: ثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس قال: أسري بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم فقال ناس، قال حسن: نحن نصدق محمداً بما يقول: فارتدوا كفارا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل وقال أبو جهل: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا ثمرا وزبد تزقموا ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدجال فقال: أقمر هجانا قال: حسن قال: رأيته فيلما أقمر هجانا احدى عينيه قائمة كأنها كوكب درى كان شعر رأسه أغصان شجرة ورأيت عيسى شابا أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطن الخلق ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر قال: حسن الشعرة شديد الخلق ونظرت إلى إبراهيم فلا أنظر إلى إرب من آرابه إلا نظرت إليه مني كانه صاحبكم فقال جبريل عليه السلام: سلم على مالك فسلمت عليه. (المسند 1/473) ، وأخرجه النسائي في التفسير من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد عن هلال -وهو ابن خباب- به وهو إسناد صحيح كما قال ابن كثير. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن هلال بن خباب، قال يحيى القطان: إنه تغير قبل موته، وقال يحيى بن معين: لم يتغير ولم يختلط، ثقة. مأمون (مجمع الزوائد 1/66-67) ، وصححه أحمد شاكر (المسند رقم 3546) . أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبراق به مسرحا ملجما يركبه فاستصعب عليه، فقال له جبريل ما يحملك على هذا؟ فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه فارفض عرقا، فارفض: أي تصبب وسال عرقا وسكن. (السنن- التفسير، ب من سورة بني إسرائيل رقم 3131) ، وأخرجه الترمذي والطبري من طريق عبد الرزاق به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي 3/67 رقم 2503) . وقد تقدم فضل التسبيح في بداية سورة الفاتحة عند قوله تعالى: الحمد لله ... وفي سورة البقرة ونحن نسبح بحمدك. قوله تعالى (لنريه من آياتنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لنريه من آياتنا) ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 قوله تعالى (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل) جعله الله لهم هدى، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعله رحمة لهم. وأخرج الطبري وآدم بن أبي إياس بالإسناد الصحيح عن مجاهد: في قوله (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) شريكا. قوله تعالى (ذرية من حملنا مع نوح) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من حملهم مع نوح تنبيها على النعمة التي نجاهم بها من الغرق ليكون في ذلك تهييج لذرياتهم على طاعة الله، أي ياذرية من حملنا مع نوح فنجيناهم من الغرق، تشبهو بأبيكم فاشكروا نعمنا وأشار إلى هذا المعنى في قوله: (أولئك من الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح) الآية، وبين الله في موضع آخر الذين حملهم مع نوح من هم؟ وبين الشيء الذي حملهم فيه وبين من بقي له نسل وعقب منهم ومن انقطع لم يبق منه نسل ولاعقب فبين أن الذين حملهم مع نوح: هم أهله ومن آمن معه من قومه في قوله (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن) ، وبين أن الذين آمنوا من قومه قليل بقوله (وما آمن معه إلا قليل) وبين أن ممن سبق عليه القول من أهله بالشقاء امرأته وابنه قال في امرأته: (وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح) إلى قوله (وقيل ادخلا النار مع الداخلين) وقال في ابنه (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) . قال الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال مجاهد: بنوه ونساؤهم ونوح ولم تكن امرأته. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 قوله تعالى (إنه كان عبدا شكورا) الضمير يعود إلى نوح بدليل مارواه البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: وفيه أن الناس يأتون نوح فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبداً شكوراً. (صحيح البخاري- التفسير سورة بني إسرائيل رقم 4712) . وقد وردت بعض الروايات في السبب الذي سماه الله تعالى من أجله شكوراً، فأخرج الطبري والحاكم من طريق سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله فسمى عبداً شكوراً. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي (المستدرك 2/630) ، وأخرجه الطبري أيضا من طريق أيوب عن أبي عثمان النهدي به نحوه. وبنحوه أخرجه بأسانيده عن مجاهد وقتادة، وأخرجه أيضاً عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة. قوله تعالى (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا) أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وقضينا إلى بني إسرائيل) يقول أعلمناهم. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قضاء قضاه القوم كما تسمعون، وبسنده الصحيح عن مجاهد: أخبرنا بني إسرائيل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولتعلن علوا كبيراً) قال: ولتعلن الناس علوا كبيرا. قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (لتفسدن في الأرض مرتين) قال: أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حين بعث طالوت ومعه داود، فقتله داود، ثم ردت الكرة لبنى إسرائيل، ثم جاء وعد الآخرة من المرتين (ليسوؤا وجوهكم) قال: ليقبحوا وجوهكم، (وليتبروا ما علوا تتبيرا) قال: ليدمروا ماعلوا تدميرا، قال: هو بخت نصر، قال: وبعث عليهم في المرة الآخرة، ثم قال: (عسى ربكم أن يرحمكم وأن عدتم عدنا) ، فعادوا فبعث الله عليهم محمد، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس: (فجاسوا خلال الديار) قال: مشوا. وقد اختلف المفسرون في الذين عنى الله عليهم بقوله (أولى بأس شديد) في ماكان من فعلهم في المرة الأولى في بني إسرائيل حين بعثوا عليهم في المرة الآخرة: - القول الأول: إنه جالوت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حتى بعث طالوت ومعه داود، فقتله داود. (وبنحوه أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كما تقدم في الرواية السابقة عنه) . - القول الثاني: إنه سنحاريب. قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا ابن عليه عن أبي المعلى قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: في قوله (بعثنا عليهم عبادا لنا أولى بأس شديد) قال: بعث الله تبارك وتعالى عليهم في المرة الأولى سنحاريب من أهل أثور ونينوى فسألت سعيدا عنها، فزعم أنها الموصل. ا. هـ، وقوله فزعم أنها الموصل قول صحيح لأن نينوى جزء من المرصل تقع في شمالها. (ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى سعيد بن جبير، وأبو المعلى هو يحي بن ميمون الضبي العطار الكوفي معروف بالرواية عن سعيد بن جبير وبرواية إسماعيل ابن عليه عنه، كما في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي المعلى، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن كثير العبدي الدورقي معروف بالرواية عن ابن عليه كما هو في تهذيب التهذيب في ترجمته) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 - القول الثالث: إنه بختنصر المجوسي البابلى: ومن معه من أهل فارس. قال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلى على كبا -أي كناسه- فسألهم ما هذا الدم؟ قالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر، قال: فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم. فسكن. (وذكره ابن كثير في التفسير ثم قال: وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور. ا. هـ. وقد ثبت نحوه عن ابن عباس لقد أخرجه الطبري عن أبي السائب قال ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس. وأبو السائب: سلم بن جنادة، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق فالإسناد حسن، وقد صحح ابن كثير رواية المنهال عن سعيد بن جبير في غير هذا الموضع. ولا مانع من الجمع بين الأقوال الثلاثة. (انظر البداية والنهاية 1/78) . وهذه الرواية تقوي سابقتها لكن في بعضها غرابة وهو مقتل يحيى بن زكريا، انظر (البحر المحيط 6/10-11) . قوله تعالى (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) وأخرج الطبري بالإسناد الصحيح المتقدم عن قتادة (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) ثم رددت الكرة لبني إسرائيل. قوله تعالى (وجعلناكم أكثر نفيرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وجعلناكم أكثر نفيرا) أي عددا وذلك في زمن داود. قوله تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من أحسن -أي بالإيمان والطاعة- فإنه إنما يحسن إلى نفسه لأن نفع ذلك لنفسه خاصة، وأن من أساء -أي بالكفر والمعاصي- فإنه إنما يسيء على نفسه لأن ضرر ذلك عائد إلى نفسه خاصة، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) الآية، وقوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 ذرة شرا يره) وقوله (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) إلى غير ذلك من الآيات، واللام في قوله (وإن أسأتم فلها) بمعنى على أي فعليها، بدليل قوله (ومن أساء فعليها) ومن إتيان اللام بمعنى على قوله تعالى: (ويخرون للأذقان) الآية أي عليها. أخرج الطبري بالإسناد الصحيح المتقدم عن سعيد بن جبير قال بعث الله عليهم في المرة الأولى سنحاريب قال: فرد الله لهم الكرة عليهم كما قال: ثم عصوا ربهم وعادوا لما نهوا عنه، فبعث عليهم في المرة الآخرة بختنصر، فقتل المقاتلة، وسبي الذرية، وأخذ ماوجد من الأموال، ودخلوا بيت المقدس، كما قال الله عز وجل (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) دخلوه فتبروه وخربوه وألقوا فيه ما استطاعوا من العذرة والحيض والجيف والقذر، فقال الله (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا) فرحمهم فرد إليهم ملكهم وخلص من كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل، وقال لهم: إن عدتم عدنا. قال الشيخ الشنقيطي: جواب إذا في هذه الآية الكريمة محذوف، وهو تتعلق به اللام في قوله: ليسوءوا وتقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم بدليل قوله في الأولى (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا) الآية وخير ما يفسر به القرآن القرآن. ا. هـ. أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال: بعث الله ملك فارس ببابل جيشاً وأمر عليهم بختنصر، فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الآخره ووعدها. قوله تعالى (وإن عدتم عدنا) قال الشيخ الشنقيطي: لما بين جل وعلا أن بني إسرائيل قضى إليهم في الكتاب أنهم يفسدون في الأرض مرتين، وأنه إذا جاء وعد الأولى منهما: بعث عليهم عباداً له أولى بأس شديد فاحتلوا بلادهم وعذبوهم، وأنه إذا جاء وعد المرة الآخرة: بعث عليهم قوما ليسوءوا وجهوهم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، وبين أيضاً: أنهم إن عادوا للإفساد المرة الثالثة فإنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 جل وعلا يعود للانتقام منهم بتسليط أعدائهم عليهم، وذلك في قوله: وإن عدتم عدنا ولم يبين هنا: هل عادوا للإفساد المرة الثالثة أولا؟ ولكنه أشار في آيات أخر إلى أنهم عادوا للإفساد بتكذيب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتم صفاته ونقض عهودة، ومظاهرة عدوه عليه، إلى غير ذلك من أفعالهم القبيحة، فعاد الله جل وعلا للانتقام منهم تصديقا لقوله: وإن عدتم عدنا فسلط عليهم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، فجرى علي بني قريضة والنضير، وبني قينقاع وخيبر ماجرى من القتل والسبي والإجلاء، وضرب الجزية على من بقى منهم، وضرب الذلة والمسكنة. فمن الآيات الدالة على أنهم عادوا للإفساد، قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما شروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين) وقوله: (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) الآية، وقوله: (ولاتزال تطلع على خائنة منهم..) الآية، ونحو ذلك من الآيات. ومن الآيات الدالة على أنه تعالى عاد للانتقام منهم قوله تعالى: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار، ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) . وقوله تعالى (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها..) الآية، ونحو ذلك من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 قوله تعالى (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال (عسى ربكم أن يرحمكم) ، فعاد الله عليهم بعائدته ورحمته (وإن عدتم عدنا) قال: عاد القوم بشر ما يحضرهم، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته ثم كان ختام ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحى من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة، قال الله عز وجل في آية أخرى: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ... ) الآية، فبعث الله عليهم هذا الحى من العرب. قوله تعالى (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) أخرج الطبري بسنده الجيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (حصيرا) سجنا. وكذا أخرجه بسنده الحسن عن قتادة، وأخرجه بإسناده الصحيح المتقدم عن قتاده بلفظ: محبسا حصورا، وأخرجه آدم بن أبي إياس، والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال: يحصرون فيها. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة قال: محبسا حصروا فيها. أخرج عن معمر عن الحسن: حصيرا: فراشا مهادا. وهو إسناد صحيح أيضاً، وأخرجه الطبري ثم قال: وذلك أن العرب تسمى البساط الصغير حصيرا، فوجهَ الحسنُ معنى الكلام إلى أن الله تعالى جعل جهنم للكافرين به بساطا ومهادا كما قال (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) وهو وجه حسن وتأويل صحيح. وأما الآخرون فوجهوه إلى أنه فعيل من الحصر الذي هو الحبس، وقد بينت ذلك بشواهده في سورة البقرة. ا. هـ. قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الوجه يدل له قوله تعالى (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع مافي القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيرى الدنيا والآخرة ولكننا إن شاء الله تعالى سنذكر جملا وافرة في جهات مختلفة كثيرة من هدى القرآن للطريق التي هي أقوم بيانا لبعض ما أشارت إليه الآية الكريمة تنبيها ببعضه على كله من المسائل العظام والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار وطعنوا بسببها في دين الإسلام لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة فمن ذلك توحيد لله جل وعلا فقد هدى القرآن فيه للطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها وهي توحيده جل وعلا في ربوبيته وفي عبادته وفي أسمائه وصفاته وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: توحيده في ربوبيته وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله..) الآية، وقال: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحى ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون.) . الثاني: توحيده جلا وعلا في عبادته وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى (لا إله إلا الله) وهي متركبة من نفى وإثبات؛ فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع المعبودات كائنة ما كانت، ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد، قوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) الآية، وقوله: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) قوله: (ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه إنه لا إله إلا أنا فاعبدون) . وقوله: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) . وقوله: (قل إنما يوحي إلي إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون) . فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقول: إنما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد لشمول كلمة (لا إله إلا الله) لجميع ماجاء في الكتب، لأنها تقتضى طاعة الله بعبادته وحده، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة. النوع الثالث: توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد ينبي على أصلين: الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم، كما قال تعالى: (ليس كمثله شيء) . والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله على الوجه اللائق بكماله وجلاله؛ كما قال بعد قوله: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى: (يعلم مابين أيديهم وماخلفهم ولا يحيطون به علماً ... ) ، ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيده في عبادته ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده ووبخهم منكراً عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار) إلى قوله (فسيقولون الله) فلما أقروا بربوبيته وبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره بقوله (فقل أفلا تتقون) ... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم جعله الطلاق بيد الرجل كما قال تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) الآية، ونحوها من الآيات لأن النساء مزارع وحقول، تبذر فيها النطف كما يبذر الحب في الأرض كما قال تعالى (نساؤكم حرث لكم) ... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم تفضيله الذكر على الأنثى في الميراث كما قال تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم) ... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم: القصاص فإن الإنسان إذا غضب وهم بأن يقتل إنساناً آخر فتذكر أنه إن قتله قتل به، خاف العاقبة فترك القتل فحي ذلك الذي كان يريد قتله، وحي هو لأنه لم يقتل ويقتل قصاصا، فقتل يحيا به مالا يعلمه إلا الله كثرة كما ذكرنا قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) ولا شك أن هذا من أعدل الطرق وأقومها ولذلك يشاهد في أقطار الدنيا قديما وحديثا قلة وقوع القتل في البلاد التي تحكم بكتاب الله لأن القصاص رادع عن جريمة القتل كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفا ... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم: قطع يد السارق المنصوص عليه بقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعو أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) ، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو سرقت فاطمة لقطعت يدها" ... ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: رجم الزاني المحصن ذكرا كان أو أنثى وجلد الزاني البكر مائة جلدة ذكرا كان أو أنثى ... قوله تعالى (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) قال الشيخ الشنقيطي: أن معنى الآية (ويدع الإنسان بالشر) كأن يدعو على نفسه أو ولده بالهلاك عند الضجر من أمر يقول: اللهم أهلكني أو أهلك ولدي، فيدعوا بالشر دعاء لايحب أن يستجاب له وقوله (دعاءه بالخير) أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 يدعو بالشر كما يدعو بالخير فيقول عند الضجر: اللهم أهلك ولدي، كما يقول في غير وقت الضجر اللهم عافه، ونحو ذلك من الدعاء ولو استجاب الله دعاء بالشر لهلك، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم) أي لو عجل لهم الإجابة بالشر كما يعجل لهم الإجابة بالخير لقضى إليهم أجلهم، أي لهلكوا وماتوا فالاستعجال بمعنى التعجيل .... ا. هـ. وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدعاء على أنفسنا وأموالنا، فأخرج أبو داود عن هشام ابن عمار ويحيى بن الفضل وسليمان بن عبد الرحمن قالوا: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن مجاهد حَزْرَة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابر ابن عبد الله مرفوعاً: قال: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم". (سنن أبي داودح 1532- الصلاة، ب النهي أن يدعوا الإنسان على أهله وماله) ، وأخرجه مسلم من طريق حاتم به- الصحيح- الزهد، ب حديث جابر ح 3009) ، قال ابن كثير عند قوله تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم) سورة يونس: 11. وهذا كقوله تعالى (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) . وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) قال: يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك، أو على خادمه أو على ماله. قوله تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين) قال ابن كثير: يمن تعالى على خلقه بآياته العظام فمنها مخالفته بين اليل والنهار ليسكنوا في الليل وينتشروا في النار للمعايش والصنائع والأعمال والأسفار وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ويعرفوا مضى الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك ولهذا قال (لتبتغوا فضلا من ربكم) أي في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك (ولتعلموا عدد السنين والحساب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جعل الليل والنهار آيتين أي علامتين دالتين على أنه الرب المستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك معه غيره، وكرر تعالى هذا المعنى في مواضع كثيرة كقوله تعالى (ومن آياته الليل والنهار) الآية، وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون) . وقوله تعالى (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون) . وقوله: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب) . قوله تعالى (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) قال ابن كثير: أخرج أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة: أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر؟ فقال ويحك أما تقرأ القرآن؟ (فمحونا آية الليل) فهذه محوه. وأخرج بسنده الصحيح عن مجاهد قال: ليلاً ونهارا وكذلك جعلهم الله. وأخرج بسنده الحسن عن قتادة قال: أي منيرة وخلق الشمس نور من القمر وأعظم. قوله تعالى (لتبتغوا فضلا من ربكم) قال الشيخ الشنقيطي: وقوله (ولتبتغوا من فضله) أي في النهار. قوله: (وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتبتغوا فضلا من ربكم) قال: جعل لكم سبحا طويلا. قوله تعالى (ولتعلموا عدد السنين والحساب) قال الشيخ الشنقيطي: بين فيه نعمة أخرى على خلقه وهي معرفتهم عدد السنين والحساب لأنهم باختلاف الليل والنهار يعلمون عدد الأيام والشهور والأعوام، ويعرفون بذلك يوم الجمعة ليصلوا فيه صلاة الجمعة ويعرفون شهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 الصوم، وأشهر الحج، ويعلمون مضى أشهر العدة لمن تعتد بالأشهر المشار إليها في قوله: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) ، وقوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) ، ويعرفون مضى الآجال المضروبة للديون والإجارات، ونحو ذلك، وبين جل وعلا هذه الحكمة في مواضع أخر، كقوله: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) ، وقوله جل وعلا: (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) ، إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (وكل شيء فصلناه تفصيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: أي بيناه تبييانا. قال الشيخ الشنقيطي: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (وكل شيء فصلناه تفصيلا) تقدم إيضاحه، والآيات الدالة عليه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ... ) الآية. قوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) القول الأول: المراد بالطائر ماسبق في علم الله من شقاوة أو سعادة. قال الطبري: وإنما قوله (ألزمناه طائره) مثل لما كانت العرب تتفائل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها فأعلمهم جل ثناءه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر، وشقاء يورده سعيرا، أو كان سعدا يورده جنات عدن، وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل، ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن بشار قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنى أبي، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله أن نبي الله قال: "لا عدوى ولا طيرة، وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه". (ورجاله ثقات إلا معاذ بن هشام صدوق له أوهام وإسناده حسن، وقد أخرجه عبد بن حميد من طريق آخر عن أبي الزبير عن جابر بلفط: "طائر كل إنسان في عنقه". كما ذكره ابن كثير وحسنه السيوطي في الدر المنثور) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 أخرج أحمد عن علي بن إسحاق قائلا: ثنا عبد الله أخبرني ابن لهيعة قال: حدثني يزيد أن أبي الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يحدث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ليس من عمل يوم إلا هو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا ربنا عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب عز وجل: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت". (المسند 4/641) . قال ابن كثير إسناد جيد قوي ولم يخرجوه، وهو كما قال لأن عبد الله هو ابن المبارك معروف بالرواية عن ابن لهيعة، وبرواية علي بن إسحاق المروزي عنه، وعبد الله بن المبارك من العبادلة الأربعة الذين رووا عن ابن لهيعة في احتراق كتبه، وقد أمنا تدليس ابن لهيعة لأنه صرح بالتحديث. القول الثاني: المراد بالطائر العمل. أخرج الطبري وآدم بن أبي إياس بالإسناد الصحيح عن مجاهد: (طائره) عمله. وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة، وعن معمر عن الحسن بلفظ: عمله شقاوة أو سعادة. وجمع الشيخ الشنقيطي بين القولين فقال: والقولان متلازمان لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يئول إليه من الشقاوة والسعادة. قوله تعالى (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ذلك العمل الذي ألزم الإنسان إياه يخرجه له يوم القيامة مكتوبا في كتاب يلقاه منشورا أي مفتوحا يقرؤه هو وغيره، وبين أشياء من صفات هذا الكتاب الذي يلقاه منشورا في آيات أخر، فبين أن من صفاته: أن المجرمين مشفقون أي خائفون مما فيه، وأنه لايترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها، وأنهم يجدون فيه جميع ماعملوا حاضرا ليس منه شيء غائبا، وأن الله جل وعلا لايظلمهم في الجزاء عليه شيئاً وذلك في قوله جل وعلا: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجد ما عملوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 حاضرا ولا يظلم ربك أحد) ، وبين في موضع آخر: أن بعض الناس يؤتي هذا الكتاب بيمينه - جعلنا الله وأخواننا المسلمين منهم، وإن من أوتيه بيمينه يحاسب حسابا يسيرا، ويرجع إلى أهله مسروراً، وأنه في عيشة راضية، في جنة عالية، قطوفها دانية قال تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا) ، وقال تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه، فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية) ، وبين في موضع آخر: أن من أوتيه بشماله يتمنى أنه لم يؤته، وأنه يؤمر به فيصلى الجحيم، ويسلك في سلسلة من سلاسل النار ذرعها سبعون ذراعا وذلك في قوله: (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدرى ماحسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) -أعاذنا الله وأخواننا المسلمين من النار، ومما قرب إليها من قول وعمل- وبين في موضع آخر: أن من أوتي كتابه وراء ظهره يصلى السعير، ويدعو الثبور وذلك في قوله: (وأما من أوتى كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) أي: عمله. قوله تعالى (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) روى معمر عن الحسن في هذه الآية قال: قد عدل -والله- عليك من جعلك حسيب نفسك، ذكره ابن كثير ثم قال: هذا من حسن كلام الحسن رحمه الله. وانظر سورة فصلت آية (20) حديث مسلم عن أنس وانظر سورة النور آية (24) . وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 قوله تعالى (من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من اهتدى فعمل بما يرضى الله جل وعلا أن اهتداءه ذلك إنما هو لنفسه لأنه هو الذي ترجع إليه فائدة الاهتداء وثمرته في الدنيا والآخرة، وأن من ضل عن طريق الصواب فعمل بما يسخط ربه جل وعلا، أن ضلاله ذلك إنما هو على نفسه لأنه هو الذي يجنى ثمرة عواقبه السيئة الوخيمة، فيخلد به في النار، وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة كقوله: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ... ) الآية، وقوله: (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون) وقوله: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ) وقوله: (فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل) ، والآيات بمثل هذا كثيرة جداً. قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولاتزر وازرة وزر أخرى) والله ما يحمل الله على عبد ذنب غيره، ولا يؤاخذ إلا بعمله. قال ابن كثير: ولامنافاة بين هذا وبين قوله تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) ، وقوله: (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) فإن الدعاة عليهم إثم ضلالهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا من غير أن ينقص من أوزار أولئك، ولا يحملوا عنهم شيئا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده. قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قال ابن كثير: إخبار عن عدله تعالى، وأنه لايعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه، كما قال تعالى: (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) . ا. هـ. واستدل بهذه الآية أن ولدان المشركين الذين ماتوا هم في الجنة، وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة على أقوال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 القول الأول: أنهم يمتحنون يوم القيامة: والدليل ما رواه الإمام أحمد قال: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لايسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب، قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، أما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما. (المسند 4/24) بدون كلمة "يحتجون" وقد أكملناها من نسخة الحافظ ابن كثير من مسند أحمد ثم قال ابن كثير: وبالإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة، مثل هذا الحديث غير أنه قال في آخره: "من دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها". وكذا رواه إسحاق بن راهوية، عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد، من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المدينى به، وقال: هذا إسناد صحيح. ا. هـ، وذكره الهيثم ونسبه إلى أحمد والبزار وذكر أن رجاليهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/216) ، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة رقم 1434) ، وقال ابن حجر العسقلاني: وقد صحت مسألة الإمتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحه، وحكى البيهقي في كتاب الإعتقاد أنه المذهب الصحيح (فتح الباري 3/246 وانظر الاعتقاد ص 169) . القول الثاني: أنهم في الجنة واستدلوا بهذه الآية وبالأحاديث التالية: أولا: حديث سمرة بن جندب الطويل والشاهد فيه: وإذا بين ظهرى الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ... وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله: وأولاد المشركين. (الصحيح- التفسير، ب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح رقم 4047) . قال الحافظ ابن حجر في قوله (وأولاد المشركين) وظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض قوله: هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا. (فتح الباري 12/445) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 ثانياً: حديث عم حسناء بنت معاوية الصريمية قال: قلت: يا رسول الله من في الجنة قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموؤدة في الجنة". (رواه أحمد ومحمد بن سنجر من طريق عوف عن حسناء به، وحسنه ابن حجر (انظر مسند أحمد 5/58، انظر التذكرة في أحوال الموتى ص 515، وفتح الباري 3/246) ، قال ابن كثير: وهذا استدلال صحيح ولكن أحاديث الامتحان أخص منه فمن علم الله منه أن يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة، ومن علم أنه لا يجيب، فأمره إلى الله تعالى، ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث الإمتحان، ونقله الأشعرى عن أهل السنة. ا. هـ. ثالثا: حديث أنس الذي رواه أبو يعلى مرفوعاً: "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم". (قال الهيثمي: رواه أبو يعلى من طرق ورجاله أحدها رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/219) ، قال ابن حجر: إسناده حسن، وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال، قال النووي: وهو المذهب الصحيح الذي صار إليه المحققون، وهو رأي البخاري كما نقل ابن حجر (فتح الباري 3/246، 247) . القول الثالث: التوقف أنهم في مشيئة الله تعالى لحديث ابن عباس سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أولاد المشركين، فقال: "الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين". رواه البخاري ورواه من حديث أبي هريرة بنحوه (الصحيح- الجنائز، ب ما قيل في أولاد المشركين رقم 3831 و4831) وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في (الإعتقاد) عن الشافعي. القول الرابع: أنهم في النار مع آبائهم لحديث عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هم مع آبائهم، فقلت: يا رسول الله بلا عمل؟ قال: الله عز وجل أعلم بما كانوا عاملين. (رواه أحمد عن أبي المغيرة ثنا عتبة بن ضمرة بن حبيب قال ثني عبد الله بن أبي قيس عنها بهِ، ورواه أبو داود من طريق محمد بن حرب عن محمد بن زياد الالهاني عن عبد الله بن أبي قيس عنها نحوه (مسند أحمد 6/48) ، (سنن أبي داود- السنة، ب في ذراري المشركين رقم 2174، وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود ح 343) ، وقد أشار ابن حجر إلى هذا الحديث قال: فذاك ورد في حكم الحربي، وقال أيضاً أنه في حكم الدنيا كما تقدم (فتح الباري 3/642 و12/445) ، وأما أطفال المسلمين فهم في الجنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 قال ابن كثير: وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلي بن الفراء الحنبلي، عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة، وهذا هو المشهور بين الناس، وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل. قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) أخرج مسلم بسنده عن زينب بنت جحش أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استيقظ وهو يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه". وعقد سفيان بيده عشرة قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث". (الصحيح- الفتن وأشراط الساعة، ب اقتراب الفتن- رقم 2880) . قال الشيخ الشنقيطي: في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: أن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع المترفين وغيرهم في قوله (فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) يعني القرية ولم يستثن منها غير المترفين؟ والجواب من وجهين: الأول: أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم كما قال تعالى: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) وكقوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) الآية، وقوله: (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) الآية، وقوله تعالى: (وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 وقوله: (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار) ، إلى غير ذلك من الآيات. الوجه الثاني: أن بعضهم من عصى الله وبغى وطغى ولم ينههم الآخرون فإن الهلاك يعم الجميع كما قال تعالى: (واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ثم استشهد بحديث زينب المتقدم. وأخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أمرنا مترفيها) يقول: سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب، وهو قوله (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) . وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد: (أمرنا مترفيها) بعثنا. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة بلفظ: أكثرنا. وأخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود قال: "كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية: أمِرَ بنو فلان. (الصحيح ح 4711- التفسير، ب (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها)) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول) يقول: أكثرنا مترفيها: أي جبابرتها، ففسقوا فيها وعملوا بمعصية الله (فدمرناها تدميرا) وكان يقال: إذا أراد الله بقوم صلاحا، بعث عليهم مصلحا، وإذا أراد بهم فسادا بعث عليهم مفسدا، وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفيها. قوله تعالى (وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) قال الشيخ الشنقيطي: وما دلت عليه هذه الآية الكريمة أوضحته آيات أخر من عدة جهات: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الأولى: أن في الآية تهديدا لكفار مكة، وتخويفا لهم من أن ينزل بهم. ما نزل بغيرهم من الأمم التي كذبت رسلها أي أهلكنا قرونا كثيرة من بعد نوح بسبب تكذييهم الرسل، فلا تكذبوا رسولنا لئلا نفعل بكم مثل ما فعلنا بهم، والآيات التي أوضحت هذا المعنى كثيرة كقوله في قوم لوط (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) ، وكقوله فيهم أيضاً: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم) . الجهة الثانية: أن هذه القرون تعرضت لبيانها آيات أخر فبينت كيفية إهلاك قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وفرعون وقومه من قوم موسى، وذلك مذكور في مواقع متعددة معلومة من كتاب الله تعالى، وبين أن تلك القرون كثيرة في قوله: (وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا) . الجهة الثالثة: أن قوله (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) فيه أعظم زجر عن ارتكاب ما لا يرضى الله تعالى، والآيات موضحة لذلك كثيرة جداً كقوله: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون، إنه عليم بذات الصدور) وقوله: (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) الآية. قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته، عجل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطره إلى جهنم، قال (ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) مذموما في نعمة الله مدحورا في نقمة الله. وأخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مذموما) ، يقول: ملوما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 قوله تعالى (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) شكر الله لهم حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم. قوله تعالى (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سهل بن أبي الصلت السراج، قال: سمعت الحسن يقول: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) قال: كلا نعطى من الدنيا البر والفاجر. ا. هـ. وإسناده حسن. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) : أي منقوصا وإن الله عز وجل قسم الدنيا بين البر والفاجر والآخرة خصوصا عند ربك للمتقين. قوله تعالى (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) أي: في الدنيا (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) وإن للمؤمنين في الجنة منازل، وإن لهم فضائل بأعمالهم. قوله تعالى (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي من طريق بشير بن سلمان، عن سيار أبي حمزة، عن طارق، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أصابته فاقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بالموت عاجل أو غنى عاجل". (واللفظ لأبي داود، قال الترمذي: حسن صحيح غريب، ا. هـ، وصححه الألباني (مسند أحمد 1/407) ، وأبو داود (السنن- ك الزكاة رقم 1645، ب في الإستعفاف) ، والترمذي (السنن رقم 2326- أبواب الزهد، ب ما جاء في هم الدنيا وحبها) ، (صحيح سنن أبي داود رقم 1448) . وقد استدل ابن كثير بهذا الحديث بعد أن قال: لأن الرب تعالى لاينصرك، بل يكلك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرا ولا نفعا، لأن مالك الضر هو الله وحده، لا شريك له) . قوله تعالى (وقَضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وأخرج الطبري بسنده الجيد طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) ، يقول: أمر. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا أياه) : أي أمر ربك في ألا تعبدوا إلا إياه، فهذا قضاء الله العاجل، وكان يقال في بعض الحكمة: من أرضى والديه: أرضى خالقه، ومن أسخط والديه، فقد أسخط ربه. قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحي بن عيسى، قال: ثنا نصير بن الأشعث، قال: ثنى ابن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبيه. قال: أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال: هذا على قراءة أُبي بن كعب قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت المصحف عند نصر فيه (ووصى ربك) يعني: وقضى ربك. ورجاله ثقات إلا يحيى بن عيسى صدوق، وابن حبيب هو عبد الله، وسنده حسن. قال الشيخ الشنقيطي: وقوله جل وعلا في الآيات المذكورة: (وبالوالدين إحسانا) بينه بقوله تعالى (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) لأن هذا من الإحسان إليهما المذكور في الآيات ا. هـ. وقد وردت عدة أحاديث ثابتة في بر الوالدين والإحسان إليهما: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 أخرج البخاري بسنده أن ابن مسعود سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: "الصلاة على وقتها" قال: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". (الصحيح- الأدب- باب البر والصلة رقم 5970) وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك". (الصحيح- كتاب البر والصلة والآداب، ب بر الوالدين رقم 2548) . وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والدك"؟ قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد". المصدر السابق رقم 2549. أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رَغمَ أنفُ ثم رَغِمَ أنفُ ثم رَغِمَ أنفُ" قيل من؟ يا رسول الله! قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة". (الصحيح الكتاب السابق رقم 2551) . والإحسان إلى الوالدين مطلوب حتى ولو كانا مشركين، وقد عقد البخاري بابا بعنوان: باب صلة الوالد المسلم وساق حديثا بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أتتني أمي راغبة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آصلها قال: نعم. (الصحيح- الأدب- رقم 5978) . قوله تعالى (وقل لهما قولا كريما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقل لهما قولا كريما) : أي قولا لينا سهلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 قوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) أخرج آدم بن أبي إياس، عن حماد وسليمان بن حبان، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قال: يطيعهما فيما أمره ولا يمتنع من شيء أراداه. وأخرجه الطبري من طريق سفيان عن هشام به بلفظ: لا تمتنع في شيء يحبانه. قوله تعالى (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) ثم أنزل الله عز وجل بعد هذا (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) . ا. هـ. والمراد من قوله: ثم أنزل الله، أي النسخ. كما ذكر السيوطي في الدر المنثور حيث نقله عن البخاري في الأدب المفرد وأبي داود وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس. قوله تعالى (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا) قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير (ربكم أعلم بما في نفوسكم) قال: البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير، فقال (ربكم أعلم بما في نفوسكم) . ا. هـ. ورجاله ثقات إلا عم عبد الله بن إدريس وهو داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ضعيف ولا يضر لأنه مقرون بوالد عبد الله بن إدريس وهو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ثقة، والإسناد صحيح. وقد فسر القرطبي البادره بالزلة. قال الطبري حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت قال: ثنا أبو كدينه وحدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا أبو كدينه، عن عطاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (فإنه كان للأوابين غفورا) قال: المسبحين. (وإسناده حسن وعطاء هو ابن السائب صدوق اختلط، ورواية أبي كدينه وهو يحيى بن المهلب كوفي وروايته عن عطاء قبل الإختلاط) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فإنه كان للأوابين غفورا) ، يقول: للمطيعين المحسنين. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة بلفظ: للمطيعين المصلين. وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظ: هو الذي يتذكر ذنوبه فيتوب ويراجع. قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الأواب هو التائب من الذنب، الراجع من معصيه الله إلى طاعته، ومما يكرهه إلى ما يرضاه، ا. هـ. وأيده ابن كثير فقال: وهذا الذي قاله هو الصواب لأن الأواب مشتق من الأوب، وهو الرجوع، آب فلان إذا رجع، قال الله تعالى (إن إلينا إيابهم) سورة الغاشية: 25، وفي سورة الإسراء: 25-26، الحديث الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رجع من سفر قال: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون". قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك مرفوعاً: "من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه". (صحيح البخاري- البيوع، ب من أحب البسط في الرزق رقم 2067) ، (وصحيح مسلم- البر والصلة، ب صلة الرحم رقم 2557) . وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهر عليهم، ما دمت على ذلك". المصدر السابق رقم 2558. قال الإمام أحمد: ثنا هاشم بن القاسم، ثنا ليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أنس بن مالك أنه قال: أتى رجل من بنى تميم إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذوا أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تخرج الزكاة من مالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال: يا رسول الله اقلل لي قال: "فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً" فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها وإثمها على من بدّلها". (المسند 3/136) . وسنده حسن وليث هو ابن سعد المصري معروف بالرواية عن خالد بن يزيد المصري، أخرجه الحاكم من طريق الليث به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/360) . قال الطبري: حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا حبيب المعلم، قال: سأل رجل الحسن، قال: أعطي قرابتي زكاة مالي فقال: إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الآية (وآت ذا القربى حقه) . ا. هـ. وسنده حسن. انظر سورة البقرة آية (177) لبيان المسكين وابن السبيل. قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين، قال: سئل عبد الله عن البذر، فقال: الإنفاق في غير حق. ا. هـ. وسنده صحيح ورجاله ثقات. وابن بشار هو محمد، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وسفيان هو الثوري، وسلمة ابن كهيل، وأبو العبيدين معاوية بن سبره، وعبد الله هو ابن مسعود، وأخرجه الحاكم في (المستدرك - كتاب التفسير) من طريق يحي بن الجزار عن أبي العبيدين به وأطول وصححه ووافقه الذهبي. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا تبذر تبذيراً) قال التبذير: النفقة في معصية الله، وفي غير الحق وفي الفساد. قوله تعالى (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهما قولا ميسورا) قال الطبري: حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عمارة عن عكرمة في قوله (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) قال: انتظار رزق من الله يأتيك. ا. هـ. وسنده حسن وعمارة هو ابن أبي حفصة، وعبد الوارث هو ابن سعيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (ابتغاء رحمة من ربك) ، قال: انتظار رزق الله. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (فقل لهما قولا ميسورا) قال: عدهم خيرا. قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) قال الطبري حدثنا محمد بن بشار، قال ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن في قوله (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) قال: لا تجعلها مغلولة عن النفقة (ولا تبسطها) : تذر بسرف. وسنده حسن، وهوذة: ابن خليفة، وعوف هو الأعرابي. وأخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) ، يعني بذلك البخل. وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من البخل، والترغيب في النفقة، والصدقة منها: أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سَبَغَت -أو وَفَرَت- على جلده حتى تخفى بنانه وتعفر أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسقها ولا تتسع". واللفظ للبخاري، (الصحيح- الزكاة، ب مثل المتصدق والبخيل رقم 1443) ، ومسلم في (الصحيح - الزكاة، ب مثل المنفق والبخيل رقم 1021) ، والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطى الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مش بمرور الذيل عليه ... والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه (انظر فتح الباري 3/306) . وأخرج مسلم والبخاري بسنديهما عن أسماء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنفقي ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى الله عليك". واللفظ للبخاري. (الصحيح- كتاب الهبة، ب هبة المرأة لغير زوجها رقم 2591) ، ومسلم في (الصحيح- الزكاة، ب الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء رقم 1029) ، والمعنى: لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك (فتح الباري 5/218) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أُعط ممسكا تلفا". واللفظ للبخاري. (صحيح البخاري- كتاب الزكاة، ب قول الله تعالى (فأما من أعطى واتقى) رقم 1442) ، ومسلم (الصحيح- الزكاة، ب في المنفق والممسك رقم 1010) ، قال ابن حجر: وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها (فتح الباري 3/305) . أخرج مسلم بسنده الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم! أنفق أنفق عليك". (الصحيح 993- الزكاة، ب الحث على النفقة) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) قال: في النفقة، يقول: لا تمسك عن النفقة (لا تبسطها كل البسط) يقول: لا تبذر تبذيراً (فتقعد ملوما) في عباد الله (محسورا) يقول: نادما على ما فرط منك. وانظر سورة الفرقان آية (67) . قوله تعالى (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) قال ابن كثير: وقوله (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) : إخبار أنه تعالى هو الرازق، القابض الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغنى من يشاء ويفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة، ولهذا قال: (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) ، أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الذنب أعظم عند الله؟ قالا: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك"، قلت إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: "وإن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك ... ". (الصحيح رقم 4477- التفسير، ب قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) . أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (خشية إملاق) يقول: الفقر. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) : أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله، فقال: (نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خِطأ كبيرا) . وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة قال: أخبرنا في قوله (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) قال: كانوا يقتلون البنات خشية الفاقة. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (خِطأ) ، أي: خطيئة. قوله تعالى (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون، ثنا جرير، ثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه فقال: إدنه، فدنا منه قريباً، فقال: اجلس فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، افتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر له ذنبه، وطهر قلبه وحصن فرجه" قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (المسند 5/256، 257) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وقد وقع تصحيف باسم حريز فورد بلفظ جرير، وحريز هو ابن عثمان الرحبي معروف بالرواية عن سليم بن عامر الكلاعي وبرواية يزيد بن هارون عنه كما في ترجمته في تهذيب التهذيب وأخرجه الطبراني من طريق حريز به (المعجم الكبير 8/190 ح 7679) ، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (المجمع 1/129) ، وقال العراقي: رواه أحمد بإسناد جيد ورجاله رجال الصحيح (تخريج إحياء علوم الدين 3/1362 ح 2052) ، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة ح 370) . قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) أخرج البخاري ومسلم مرفوعاً: "لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه، والمفارق للجماعة". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وإنا والله ما نعلم بحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث، إلا رجلاً قتل متعمدا، فعليه القود أو زاني بعد إحصانه فعليه الرجم أو كفر بعد إسلامه فعليه القتل. وبه قوله (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وهو القود الذي جعله الله تعالى. قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن طلق بن حبيب، في قوله (فلا يسرف في القتل) قال: لا تقتل غير قاتله، ولا تمثل به. ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وابن بشار هو محمد، وعبد الرحمن: بن مهدي، وسفيان الثوري، ومنصور: ابن المعتمر. وقد صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه نهى عن المثلة (انظر صحيح سنن أبي داود ح 2322) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (فلا يسرف في القتل) يقول: لا تقتل غير قاتلك، ولا تمثل به (إنه كان منصورا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (إنه كان منصورا) قال: هو دفع الإمام إليه، يعني إلى الولي، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا. وانظر حديث ابن ماجة عن البراء: "لزوال الدينا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ... "، في سورة النساء آية (93) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 قوله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلع أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا) قال ابن كثير: يقول تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) أي لا تتصرفوا له إلا بالغبطة (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) . أخرج مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي ذر: "يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم". وقد تحرج الصحابة رضي الله عنهم عندما نزلت هذه الآية فعزلوا طعامهم وشرابهم من طعام وشراب اليتامى وذكروا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزل قوله تعالى (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم) سورة البقرة من آية: 220، وتقدم تفسيرها هناك. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) قال: كانوا لا يخالطونهم في المال ولا مأكل ولا مركب، حتى نزلت (وإن تخالطوهم فإخوانكم) . ومن صفات المؤمنين الوفاء بالعهد حيث قال تعالى (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) سورة المؤمنون: 8، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد وبعهده فقال (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) آل عمران: 76، (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) سورة النحل: 91، وحث ورغب في ذلك فقال (ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما) سورة الفتح: 10، وحذر من مغبة نقض عهده فقال (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) الرعد: 25، ووبخ وعاب على المخالفين من بني إسرائيل فقال (أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) سورة البقرة: 100. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 قوله تعالى (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قال (القسطاس) هو: الميزان العدل بالرومية. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ذلك خير وأحسن تأويلا) ، قال: عاقبة وثوابا. قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) قال الشيخ الشنقيطي: نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ماليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت ولم ير، وسمعت ولم يسمع، وعلمت ولم يعلم، ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر كقوله: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وإن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقوله: (إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقوله (يا أيها الذين آمنوا إن بعض الظن إثم) الآية، وقوله: (قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) ، وقوله: (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً) وقوله: (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن) وقال أيضاً: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) ، فيه وجهان من التفسير: الأول- إن معنى الآية: إن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه فيقال له لم سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى، كقوله (ولتسألن عما كنتم تعملون) وقوله (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) ، ونحو ذلك من الآيات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 والوجه الثاني- أن الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها، فتشهد عليه جوارحه بما فعل، قال القرطبي في تفسيره: وهذا المعنى أبلغ في الحجة فإنه يقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي كما قال: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) وقوله (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) قال مقيده عفا الله عنه: والقول الأول أظهر عندي وهو قول الجمهور. ا. هـ. أخرج الطبري بسنده الحسن عن طريق علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) يقول: لا تقل. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تقف) ولا ترمِ. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) قال: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم. قال ابن كثير: ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) سورة الحجرات آية: 12. وفي الحديث: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث". أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري- النكاح، ب لايخطب على خطبة أخيه رقم 5143) ، (وصحيح مسلم- البر، ب تحريم الظن والتجسس رقم 2563) . وفي الحديث الآخر: "من أفرى الفرى أن يُرِيَ عينه ما لم تر". أخرجه البخاري من حديث ابن عمر (الصحيح- التفسير، ب من كذب في حلمه رقم 7042) . وفي الصحيح: "من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين، وليس بعاقد". أخرجه البخاري من حديث ابن عباس (المصدر السابق رقم 7043) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 قوله تعالى (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) قال الشيخ الشنقيطي: وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله عن لقمان مقررا له (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك) الآية، وقوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) الآية. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولا تمش في الأرض مرحا) قال: لا تمش كبرا ولا فخرا فإن ذلك لا يبلغ بك أن تبلغ الجبال طولا ولا أن تخرق الأرض تكبرا وفخرا. قال ابن كثير: وقوله (ولن تبلغ الجبال طولا) أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده كما ثبت في الصحيح: "بينا رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". (صحيح البخاري- ك اللباس، ب من جر ثوبه من الخيلاء 10/258 ح 5789) ، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح- اللباس، ب تحريم التبختر في المشي رقم 2088 وما بعده) . وقال ابن كثير: وكذلك أخبر الله عن قارون أنه خرج على قومه في زينته وإن الله تعالى خسف به وبداره الأرض. ا. هـ. قوله تعالى (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولاتجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) في بداية هذه الآية إشارة إلى ما تقدم من التنزيل الذي ورد فيه بعض الأحكام والأخلاق الحميدة والمراد بالحكمة ها هنا: القرآن بدليل آيات كثيرة منها قوله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) سورة يوسف: 3، وقوله (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) سورة فاطر: 31، وقوله (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا) سورة الشورى: 7، وقوله (وأوحي إلي هذا القرآن) سورة الأنعام: 19. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ملوما مدحورا) يقول: مطرودا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ملوما مدحورا) : ملوماً في عبادة الله مدحورا في النار. قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الإنكار متوجه على الكفار في قولهم الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ففد جعلوا له الأولاد ومع ذلك جعلوا له أضعفها وأردأها هو الإناث وهم لا يرضونها لأنفسهم وقد بين الله في هذا المعنى آيات كثيرة كقوله (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) وقوله (أم له البنات ولكم البنون) وقوله (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) . ا. هـ. وقال أيضاً: وقوله في هذه الآية الكريمة (إنكم لتقولون قولا عظيما) . بين فيه أن ادعاء الأولاد لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيراً، أمر عظيم جداً، وقد بين شدة عظمته بقوله تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) . قوله تعالى (ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا) لقد زاد الله تعالى هذه الآية بيانا في قوله تعالى (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) آية: 98 من هذه السورة. وانظر سورة الروم آية (58) لمزيد من البيان. قوله تعالى (قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً) قال الشيخ الشنقيطي: وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير كلاهما حق ويشهد له قرآن: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 الأول: أن معنى الآية الكريمة: لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا -أي الآلهة المزعومة- أي لطلبوا إلى ذي العرش -أي إلى الله سبيلا- أي إلى مغالبته وإزالة ملكه لأنهم إذا يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) وقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) وهذا المعنى في الآية مروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأبي علي الفارسي والنقاش وأبي المنصور وغيره من المتكلمين. الوجه الثاني: في معنى الآية الكريمة: أن معنى لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا أي طريقا ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله ويدل لهذا المعنى قوله تعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) الآية، ويروى هذا القول عن قتادة، واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره، ولاشك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول، لأن في الآية فرض والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه بل تنازعه لو كانت موجودة ولكنها معدومة مستحيلة الوجود. ا. هـ. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) قال: لا بتغوا التقرب إليه مع أنه ليس كما يقولون. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) يقول: لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم، فابتغوا ما يقربهم إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 قوله تعالى (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان وقال تعالى (عما يقولون علوا) ولم يقل: تعاليا كما قال (وتبتل إليه تبتيلا) قوله تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) قال ابن كثير: وقوله (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم، وهذا عام في النبات والجماد والحيوانات وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. (صحيح البخاري- المناقب، ب علامات النبوة ح 3579) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) قال كل شيء فيه الروح يسبح من شجرة أو شيء فيه الروح. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أنه كان حليما) عن خلقه فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض (غفورا) لهم إذا تابوا. قال الإمام أحمد: ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت الصقعب بن زهير يحدث عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعرابي عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج -أو مزررة بديباج- فقال: إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل رأس ابن رأس فقام إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه فقال: لا أرى عليك ثياب من لا يعقل ثم رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجلس فقال: إن نوحاً عليه السلام لما حضرته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 الوفاة دعا ابنيه فقال إني قاص عليكما الوصية آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين أنهاكما عن الشرك بالله والكبر وآمركما بلا إله إلا الله فإن السموات والأرض وما بينهما لوضعت كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح ولو أن السموات والأرض كانتا حلقة فوضت لا إله إلا الله عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء. (المسند 2/225) ، ورجاله ثقات إلا والد وهب وهو جرير بن حازم الأزدي ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ولكنه توبع حيث رواه الإمام أحمد من طريق حماد بن زيد عن الصقعب به وأطول (المسند 2/169، 170) ، فسنده صحيح وصححه ابن كثير (البداية 1/119) وقال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 4/219-220) وصححه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (11/150 ح 6583) . وأخرجه الحاكم من طريق الصقعب به، وصححه، ووافقه الذهبي (المستدرك 1/48-49) . قوله تعالى (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) قال الحافظ ابن حجر: روى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب، فقال أبو بكر للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو تنحيت، قال إنه سيحال بيني وبينها، فأقبلت فقالت: يا أبا بكر هجاني صاحبك، قال: لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يفوه به، قالت: إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك، قال: ما زال ملك يسترني حتى ولت. وأخرجه الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه (فتح الباري 8/738) . وهذا حديث أسماء: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو موسى الهروى إسحاق بن إبراهيم، حدثنا سفيان، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) . جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة والولولة: البلبلة والدعاء بالويل، وفي يدها فهر وهي تقول: مذمما أتينا -أو: أبينا، قال أبو موسى: الشك مني- ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله جالس، وأبو بكر إلى جنبه -أو قال: معه- قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا خائف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآنا اعتصم به منها: "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لايؤمنون بالآخرة حجابا مستوراً". قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجانى، فقال أبو بكر: لاورب هذا البيت ماهجاك، قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش إني بنت سيدها. ا. هـ. ذكره ابن كثير، وأخرجه الحاكم من طريق بشر بن موسى الحميدي عن سفيان به، وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/362) . قال الشيخ الشنقيطي: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير: الأول: أن المعنى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا أي حائلا وستارا من تفهم القرآن وإدراكه لئلا يفقهوه فينتفعوا به وعلى هذا القول -فالحجاب المستور هو ما حجب الله به قلوبهم عن الانتفاع بكتابه والآيات الشاهدة لهذا المعنى كثيرة كقوله (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) وقوله (ختم الله على قلوبهم) الآية وقوله (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) الآية إلى غير ذلك من الآيات وممن قال بهذا القول في معنى الآية: قتادة والزجاج وغيرهما الوجه الثاني في الآية- أن المراد بالحجاب المستور أن الله يستره عن أعين الكفار فلا يرونه، ا. هـ. ثم استدل بحديث أسماء المتقدم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ححابا مستورا) قال: هي الأكنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 قوله تعالى (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جعل على قلوب الكفار أكنة، -جمع كنان- وهو ما يستر الشيء ويغطيه ويكنه، لئلا يفقهوا القرآن، أو كراهة أن يفقهوه لحيلولة تلك الأكنة بين قلوبهم وبين فقه القرآن أي فهم معانيه فهماً ينتفع به صاحبه، وأنه جعل في آذانهم وقرا أي صمماً وثقلا لئلا يسمعوه سماع قبول وانتفاع وبين في مواضع أخر سبب الحيولة بين القلوب وبين الانتفاع به، وأنه هو كفرهم، فجازاهم الله على كفرهم بطمس البصائر، وإزاغة القلوب والطبع والختم والأكنة المانعة من وصول الخير إليها، كقوله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) .. الآية، وقوله (بل طبع الله عليها بكفرهم ... ) . قوله تعالى (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا) وإن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، فصافها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها. قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذكر ربه وحده في القرآن بأن قال: "لا إله إلا الله" ولى الكافرون على أدبارهم نفورا بغضا منهم لكلمة التوحيد ومحبة للإشراك به جل وعلا، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر مبينا أن نفورهم من ذكره وحده جل وعلا سبب خلودهم في النار كقوله (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) ، وقوله (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير) وقوله (إنهم كانوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون آئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون) ، وقوله (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) الآية، وقوله (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا) وقوله (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) . قوله تعالى (نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتعبون إلا رجلاً مسحورا) أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد: (إذ يستمعون إليك) قال: هي مثل قيل الوليد بن المغيرة، ومن معه في دار الندوة. وقد بين قتادة قيل الوليد بن المضرة فأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون) الآية ونجواهم أن زعموا أنه مجنون وأنه ساحر وقالوا (أساطير الأولين) . قوله تعالى (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (فلا يستطيعون سبيلا) قال: مخرجا الوليد بن المضرة وأصحابه أيضاً. قوله تعالى (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقاً جديدا) قال ابن كثير: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أئنا لمبعوثون) أي يوم القيامة (خلقاً جديدا) أي بعدما بلينا وصرنا عدما لا يذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر (يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذن كرة خاسرة) النازعات: 10-12. قال تعالى (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل شيء عليم) سورة يس: 78-79. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا) ، يقول: غبارا. أخرج آدم بن أبي إياس والطبري عن مجاهد يقول الله (رفاتا) قال: ترابا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 قوله تعالى (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (كونوا حجارة أو حديدا أو خلقاً مما يكبر في صدوركم) قال: ما شئتم، فسيعيدكم الله كما كنتم. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقاً مما يكبر في صدوركم) قال: من خلق الله، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقاً جديدا. قال الطبري: حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن أبي عمر (أو خلقاً مما يكبر في صدوركم) قال: الموت، قال: لو كنتم موتى لأحييتكم. ورجاله ثقات إلا زكريا وعطية صدوقان، وعطية هو ابن سعد العوفي يخطىء كثيرا معروف بالرواية عن ابن عمر وبرواية إدريس الأودي عنه ولكن روايته ليست من مظان خطئه، حيث أخرجه الطبري بأسانيده يقوى بعضها بعضا من قول ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبي صالح وقول ابن عباس أخرجه الحاكم في (المستدرك- كتاب التفسير، من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه به. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو خلقاً مما يكبر في صدوركم) قال: السماء والأرض والجبال. وبه عن قتادة (قل الذي فطركم أول مرة) أي خلقكم (فسينغضون إليك رءوسهم) يقول: فإنك إذا قلت لهم ذلك فسيهزون إليك رءوسهم برفع وخفض، وفي رواية أخرى عنه بلفظ: يحركون به رءوسهم. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فسينغضون إليك رءوسهم) يقول يهزءون. قال ابن كثير: وقوله (ويقولون متى هو) إخبار عنهم بالاستبعاد، منهم لوقوع ذلك، كما قال تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) سورة الملك: 25، وقال تعالى: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) سورة الشورى: 18. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 قوله تعالى (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده) يقول: بأمره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده) أي: بمعرفته وطاعته. قال ابن كثير وقوله (يوم يدعوكم) أي: الرب تعالى (إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) سورة الروم: 25، أي: إذا أمركم بالخروج منها فإنه لا يخالف ولا يمانع، بل كما قال: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) سورة القمر: 50، (إنما قولنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) سورة النحل: 40، وقال (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) سورة النازعات: 13-14، أي: إنما أمر واحد بانتهار فإذا الناس قد خرجوا من باطن الأرض إلى ظاهرها كما قال: (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده) أي: تقومون كلكم إجابة لأمره وطاعة لإرادته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً) : أي في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقلت، حين عاينوا يوم القيامة. قوله تعالى (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) قال الطبري: حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا المبارك عن الحسن في هذه الآية (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) قال: التي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله، يقول له يرحمك الله يغفر الله لك. ا. هـ. وسنده حسن، والنضر بن شميل، والمبارك هو ابن فضالة، والحسن هو البصري. وصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الكلمة الطيبة صدقة". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وأخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً: "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يديه فيقع في حفرة من النار". (صحيح البخاري- الفتن، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حمل السلاح فليس منا" رقم 2707) ، (وصحيح مسلم- البر، ب النهي عن الإشارة بالسلاح رقم 2617) . وانظر سورة الأعراف آية (200) . قوله تعالى (وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وءاتينا داوود زبورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) اتخذ الله إبراهيم خليلا، وكلم موسى تكليما، وجعل الله عيسى كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، وهو عبد الله ورسوله من كلمة الله وروحه، وآتى سليمان ملكا لا ينبغى لأحد من بعده، وآتى داوود زبورا كنا نحدث دعاء علمه داود، تحميد وتمجيد، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنب وما تأخر. قوله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وءاتينا داود زبورا) بينه الله تعالى بقوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) . قال ابن كثير: وهذا لا ينافي ما في الصحيحين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا تفضلوا بين الأنبياء"، فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية لا بمقتضي الدليل فإذا دل الدليل على شيء وجه اتباعه ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء وأن أولي العزم منهم أفضلهم وهم الخمسة المذكورون نصا في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) . أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خفف على داود عليه السلام القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه". (الصحيح- الأنبياء، ب قوله تعالى (وآتينا داود زبورا) رقم 3417) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 قوله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) قال الشيخ الشنقيطي: وهذا المعنى الذي بينه جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أن كل معبود من دون الله لا ينفع عباده وأن كل معبود من دونه مفتقر إليه ومحتاج له جل وعلا - بينه أيضاً في مواضع أخر كقوله في سورة سبأ (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، وقوله في الزمر: (أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) . قوله تعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود (إلى ربهم الوسيلة) قال: كان ناس من الأنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم. (الصحيح- التفسير- سورة الإسراء رقم 4714) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (الوسيلة) قال: القربة والزلفة. وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قوله (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) يقول عيسى وعزير والملائكة يقول: إن هؤلاء يبتغون إلى ربهم الوسيلة. قوله تعالى (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) قال ابن كثير: هذا إخبار من الله بأنه قد حتم وقضى بما قد كتبه عنده في اللوح المحفوظ: أنه ما من قرية إلا سيهلكها، بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم (عذاباً شديدا) ، إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 ذنوبهم وخطاياهم، كما قال عن الأمم الماضين: (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم) سورة هود: 101، وقال تعالى: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذاباً نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا) سورة الطلاق: 7-8. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إلا نحن مهلكوها) : مبيدوها (أو معذبوها) يعني بالقتل وبالبلاء ما كان يقول: فكل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا قبل يوم القيامة. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها) قضاء من الله كما تسمعون ليس منه بد إما أن يهلكها بموت وأما أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره وكذبوا رسله. قوله تعالى (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وءاتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) قال الإمام أحمد: ثنا عثمان بن محمد، ثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر ابن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحى الجبال عنهم فيزدرعوا، فقيل له إن شئت: تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم قال: لا بل استأن بهم وأنزل الله: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة) . (المسند 1/258) وأخرجه النسائي والحاكم والبيهقي من طريق إسحاق بن راهويه عن جرير به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأحمد شاكر في تعليقه على المسند، انظر (تفسير النسائي رقم 310) و (المستدرك 2/362) و (دلائل النبوة 2/271) و (مسند أحمد رقم 2333) وصححه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (ح 2333) . قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه آتى ثمود الناقة في حال كونها آية مبصرة أي بينة تجعلهم يبصرون الحق واضحا لا لبس فيه، فظلموا بها، ولم يبين ظلمهم بها ها هنا ولكنه أوضحه في مواضع أخر كقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 (فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم) الآية، وقوله (فكذبوه فعقروها) الآية، وقوله (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) . وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله عز ذكره (الناقة مبصرة) ، قال: آية. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) وإن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون أو يذكرون أو يرجعون، ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال: يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه. وذكر ابن كثير قول قتادة ثم قال: وهكذا روي أن المدينة زلزلت على عهد عمر ابن الخطاب مرات، فقال عمر: أحدثتم والله لأن عادت لأفعلن ولأفعلن وكذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المتفق عليه. ا. هـ. ثم ذكر الحديث وهذا لفظ البخاري عن عائشة مرفوعا: "أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ثم قال: يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. أخرجه الشيخان (صحيح البخاري- الكسوف، ب الصدقة في الكسوف رقم 1044) ، (وصحيح مسلم- الكسوف، ب صلاة الكسوف رقم 901) . قوله تعالى (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أخبر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أحاط بالناس أي فهم في قبضته يفعل فيهم كيف يشاء فيسلط نبيه عليهم ويحفظه منهم، قال بعض أهل العلم: ومن الآيات التي فصلت بعض التفصيل في هذه الإحاطة، قوله تعالى (سيهزم الجمع ويولون الدبر) وقوله (قل للذين كفروا ستغلبون) الآية، وقوله (والله يعصمك من الناس) ، وفي هذا أن هذه الآية مكية، وبعض الآيات المذكورة مدني، أما آية القمر وهي قوله: (سيهزم الجمع) الآية، فلا إشكال في البيان بها لأنها مكية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 قال الطبري: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن يقول: أحاط بالناس، عصمك من الناس. ا. هـ. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، وأبو رجاء محمد بن سيف الأزدي. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) ، قال: منعك من الناس. وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (أحاط بالناس) قال: فهم في قبضته. أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة أسري به، والشجرة الملعونة في القرآن قال: شجرة الزقوم. (الصحيح- التفسير، ب (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) رقم 4716) . وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى والشجرة الملعونة في القرآن، قال: الزقوم. قال: وذلك أن المشركين قالوا: يخبرنا محمد أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر ولا تدع منه شيئاً، فذلك فتنة لهم. ا. هـ. قال ابن حجر بعد أن ذكر قول قتادة: وقال السهيلي الزقوم فعول من الزقم وهو اللقم الشديد وفي لغة تميمة: كل طعام يتقيأ منه يقال له زقوم، وقيل: هو كل طعام ثقيل. (فتح الباري 8/399) . قال الشيخ الشنقيطي: التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة: أن جل وعلا جعل ما أراه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الغرائب والعجائب ليلة الإسراء والمعراج فتنة للناس لأن عقول بعضهم ضاقت على قبول بعض ذلك معتقدة أنه لا يمكن أن يكون حقاً قالوا: كيف يصلي ببيت المقدس ويخترق السبع الطباق ويرى ما رأى في ليلة واحدة ويصبح في محله بمكة هذا محال فكان هذا الأمر فتنة لهم لعدم تصديقهم به واعتقادهم أنه لا يمكن وأنه جل وعلا جعل الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم فتنة للناس لأنهم لما سمعوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) قالوا: ظهر كذبه لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار فصار ذلك فتنة وبين أن هذا هو المراد من كون الشجرة المذكورة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 فتنة لهم في قوله (أذلك خيرا نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) الآية ... أشار في موضع آخر إلى الرؤيا التي جعلها فتنة لهم وهو قوله (أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى) . وانظر سورة آل عمران آية (102) حديث الترمذي عن ابن عباس وفيه: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم ... ". قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى في هذه الآية عن إبليس (أأسجد لمن خلقت طينا) يدل فيه إنكار إبليس للسجود بهمزة الإنكار على إبائه واستكباره عن السجود لمخلوق من طين وصرح بهذا الإباء والاستكبار في مواضع أخر فصرح بهما معا في سورة البقرة في قوله (إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين) وصرح بإبائه في سورة الحجر بقوله (إلا إبليس أبي أن يكون من الساجدين) وباستكباره في سورة ص، بقوله (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) وبين سبب استكباره بقوله (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) كما تقدم إيضاحه في سورة البقرة. قوله تعالى (قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) يقول لأستولين. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) يعني: لأحتوين. قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الذي ذكر جل وعلا عن إبليس في هذه الآية من قوله (لأحتنكن ذريته) الآية، بينه أيضاً في مواضع أخر من كتابه كقوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) وقوله (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه في سورة النساء وغيرها، وقوله في هذه الآية (إلا قليلاً) بين المراد بهذه القليل في مواضع أخر كقوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجميعن إلا عبادك منهم المخلصين) كما تقدم إيضاحه. قوله تعالى (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) عذاب جهنم جزاؤهم ونقمة من الله من أعدائه فلا يعدل عنهم من عذابها شيء. أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد: (موفورا) قال وافرا. قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الوعيد الذي أوعد به إبليس ومن تبعه في هذه الآية الكريمة بينه أيضاً في مواضع أخر كقوله (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) وقوله: (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون) . قوله تعالى (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) قال صوته كل داع دعا إلى معصية الله. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) قال: بدعائك (واجلب عليهم بخيلك ورجلك) قال: إن له خيلا ورجلاً من الجن والإنس هم الذين يطيعونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) قال: خيله كل راكب في معصية الله ورجله كل راجل في معصية الله. وبه عن ابن عباس (وشاركهم في الأموال والأولاد) قال كل مال في معصية الله. وبه عن ابن عباس (وشاركهم في الأموال والأولاد) قال ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فيهم الحرام. أخرج آدم بن إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد قال: أما شركته في الأموال فأكلها بغير طاعة الله وأما في الأولاد فالزنا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى (وشاركهم في الأموال والأولاد) قال: قد فعل: أما في الأموال فأمرهم أن يجعلوها بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا، وأما في الأولاد فإنهم هودوهم ونصّروهم ومجسوهم. أخرج مسلم بسنده عن عياض بن حمار أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم". (الصحيح ح 2865- الجنة، ب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار) . أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس مرفوعاً: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فرزقا ولدا لم يضره الشيطان". واللفظ للبخاري. (الصحيح- بدء الخلق ب صفة إبليس وجنوده رقم 3271) ، (وصحيح مسلم- النكاح، ب ما يستحب أن يقوله عند الجماع رقم 1434) . قال الشيخ الشنقيطي: أما مشاركته لهم في الأموال فعلى أصناف منها ما حرموا على أنفسهم من أموالهم طاعة له كالبحائر والسوائب ونحو ذلك وما يأمرهم به من إنفاق الأموال في معصية الله تعالى، وما يأمرهم به من اكتساب الأموال بالطرق المحرمة شرعا كالربا والغصب وأنواع الخيانات لأنهم إنما فعلوا ذلك طاعة له، وأما مشاركته لهم في الأولاد فعلى أصناف أيضاً: منها: قتلهم بعض أولادهم طاعة له، ومنها: أنهم يمجسون أولادهم ويهودونهم وينصرونهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 طاعة له وموالاة، ومنها: تسمية أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى ونحو ذلك، لأنهم بذلك سموا أولادهم عبيدا لغير الله طاعة له ومن ذلك أولاد الزنى لأنهم إنما تسببوا وجودهم بارتكاب الفاحشة طاعة له إلى غير ذلك فإذا عرفت هذا فاعلم أن الله قد بين آيات من كتابه بعض ما تضمنته هذه الآية من مشاركة الشيطان لهم في الأموال والأولاد كقوله (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) فقتلهم أولادهم المذكور في هذه الآية طاعة للشيطان مشاركة منه لهم في أولادهم حيث قتلوهم في طاعته، وكذلك تحريم بعض ما رزقهم الله المذكورة في الآية طاعة له مشاركة منه لهم في أموالهم أيضاً وكقوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) الآية، وكقوله (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لايطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لايذكرون اسم الله عليها إفتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون) . قال ابن كثير وقوله: (وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان في عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) الآية، سورة إبراهيم: 22. قال الشيخ الشنقيطي: وقوله (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) بين فيه أن مواعيد الشيطان كلها غرور وباطل كوعده لهم بأن الأصنام تشفع لهم وتقربهم عند الله زلفى، وأن الله لما جعل لهم المال والولد في الدنيا سيجعل لهم مثل ذلك في الآخرة إلى غير ذلك من المواعيد الكاذبة، وقد بين تعالى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وقوله (ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 قوله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) وعباده المؤمنون وقال الله في آية أخرى: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) . أخرج سفيان بن عيينه في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: كل سلطان في القرآن فهو حجة. قال الحافظ ابن حجر: وهذا على شرط الصحيح (فتح الباري 8/391) . أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم -إذا هو نام- ثلاث عقد يضرب كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإذا صلى انحلت عقدة كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. (صحيح البخاري- بدء الخلق ب صفة إبليس وجنوده رقم 3269-3291) . وأخرج أيضاً بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "إذا مر بين أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه فإن أبي فليمنعه فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان..". وأخرج أيضاً بسنده عن جابر مرفوعاً قال: "إذا استجنح الليل -أو كان جُنحُ الليل- فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله واطفىء مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاؤك واذكر اسم الله وحمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئاً". وأخرج أيضاً بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا نودى بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا، فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتى السهو". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 وأخرج بسنده عن أبي هريُرْة مرفوعا قال: "التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردد ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان". وأخرج بسنده عن عائشة رضي الله عنها: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التفات الرجل في الصلاة فقال: "هو اختلاس يختلس الشيطان من صلاة أحدكم". قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن عباده الصالحين لاسلطان للشيطان عليهم فالظاهر أن في هذه الآية الكريمة حذف الصفة كما قدرنا ويدل على الصفة المحذوفة إضافته العباد إليه إضافة تشريف وتدل لهذه الصفة المقدرة أيضاً آيات أخر كقوله (إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) . قوله تعالى (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر) يقول: يجري الفلك. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر) قال: يسيرها في البحر. قوله تعالى (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لاتجدوا لكم وكيلا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن الكفار إذا مسهم الضر في البحر أي اشتدت عليهم الريح فغشيتهم أمواج البحر كأنها الجبال، وظنوا أنهم لاخلاص لهم من ذلك - ضل عنهم أي غاب عن أذهانهم وخواطرهم في ذلك الوقت كل ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعلا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 فلا يدعون في ذلك الوقت إلا الله جل وعلا وحده لعلمهم أنه لاينقذ من ذلك من الكرب وغيره من الكروب إلا هو وحده جل وعلا فأخلصوا العبادة والدعاء له وحده في ذلك الحين الذي أحاط بهم فيه هول البحر، فإذا نجاهم الله وفرج عنهم ووصلوا البر رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر كما قال تعالى (فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) وهذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة أوضحه الله جل وعلا في آيات كثيرة كقوله (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذا لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبتغون في الأرض بغير الحق) وقوله (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) وقوله (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) وقوله (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) وقوله (واذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا حوله نعمة منه نسى ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا) يقول: حجارة من السماء (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) أي: منعة ولا ناصرا. قوله تعالى (أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) يقول: عاصفا. وبه عن ابن عباس قوله (ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعا) يقول: نصيرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (تبيعا) يعني: ثائرا نصيرا. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) يقول: لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك. قوله تعالى (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) أي: يمشي قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشى على أربع ويأكل بفمه وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدينية الدنيوية. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وحملناهم في البر والبحر) الآية، أي في البر على الأنعام وفي البحر على السفن، والآيات الموضحة على ذلك كثيرة جدا كقوله (وعليها وعلى الفلك تحملون) وقوله (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك ما تركبون) وقد قدمنا هذا مستوفي بإيضاح في سورة النحل. قوله تعالى (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بإمامهم) ، قال: نبيهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة بلفظ: أنبيائهم. قال الشيخ الشنقيطي: ويدل لهذا القول قوله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) وقوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وقوله (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء) الآية، وقوله (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) بكتابهم. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن الحسن بلفظ: بكتابهم الذي فيه أعمالهم. قال الشيخ الشنقيطي: ويدل هذا قوله تعالى (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) وقوله (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون) وقوله (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه) الآية، وقوله (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) . ا. هـ. قال ابن كثير: وهذا القول هو الأرجح لقوله تعالى (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) سورة يس آية: 12، وقال تعالى (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) سورة الكهف: 49، وقال تعالى (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) سورة الجاثية آية: 28-29، وهذا لاينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته فإنه لابد أن يكون شاهدا عليها بأعمالها كما قال (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيبن والشهداء) سورة الزمر آية: 69، وقال (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) سورة النساء آية: 41، ولكن المراد ها هنا بالإمام هو كتاب الأعمال ولهذا قال تعالى (يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم) أي من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرؤه ويجب قراءته كما قال تعالى (فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقروا كتابيه إني ظنت أني ملاق حسابيه) إلى أن قال (وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه ولم أدري ما حسابيه) سورة الحاقة الآيات 19-20. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 قال الشيخ الشنقيطي: وذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين يؤتون كتابهم بأيمانهم يقرءونه ولا يظلمون فتيلا، وقد أوضح هذا في مواضع أخر كقوله (فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) إلى قوله (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه) . وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ولا يظلمون فتيلا) قال الذي في خلق النواة. قوله تعالى (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) قال الشيخ الشنقيطي: المراد بالعمى في هذه الآية الكريمة عمى القلب لا عمى العين ويدل لهذا قوله تعالى (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) لأن عمى العين مع أبصار القلب لا يضر بخلاف العكس فإن أعمى العين يتذكر فتنفعه الذكرى ببصيرة قلبه قال تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) . أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ومن كان في هذه أعمى) يقول من عمي من قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (في هذه أعمى) قال: الدنيا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) قال: في الدنيا أعمى عما أراه الله من آياته من خلق السموات والأرض والجبال والنجوم (فهو في الآخرة) الغائبة التي لم يرها (أعمى وأضل سبيلا) . أخرج عبد الرزاق والطبري من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى (فهو في الآخرة أعمى) قال: أعمى عن حجته في الآخرة. وإسناده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 قوله تعالى (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا) قال الشيخ الشنقيطي: ومعنى الآية الكريمة: أن الكفار كادوا يفتنونه أي قاربوا ذلك ومعنى يفتنوك: يزلونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره مما لم نوحه إليك ... وبين في موضع آخر: أنهم طلبوا منه الإتيان بغير ما أوحى إليه، وأنه امتنع أشد الامتناع وقال لهم: إنه لا يمكنه أن يأتي بشيء من تلقاء نفسه بل يتبع ما أوحي إليه ربه، وذلك في قوله: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) . قوله تعالى (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله (ضعف الحياة) قال: عذابها (وضعف الممات) قال: عذاب الآخرة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وأخرجه أيضاً عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن أبي الشعثاء بنحوه، وسنده صحيح. قال الشيخ الشنقيطي: وهذا الذي ذكره هنا من شدة الجزاء لنبيه لو خالف نبيه في غير هذا الموضع كقوله (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) الآية. قوله تعالى (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ليستفزونك من الأرض) قال: قد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله يوم بدر فلم يلبثوا بعده إلا قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر كذلك كانت سنة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. ا. هـ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وهذا القول مرسل لكن يتقوى بمرسل آخر أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد (وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) قال: لو أخرجت قريش محمداً لعذبوا بذلك. قال الطبري بعد أن ذكر هذا القول وقولا آخر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول قتادة ومجاهد وذلك أن قوله (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض) في سياق خبر الله عز وجل عن قريش وذكره إياهم. قوله تعالى (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) أي سنة الأمم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذبوا رسلهم وأخرجوهم لم يناظروا أن الله أنزل عليهم عذابه. قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس وابن مسعود (دلوك الشمس) غروبها. وأخرجه الحاكم في المستدرك- كتاب التفسير- من قول ابن مسعود وصححه ووافقه الذهبي. وأخرج الطبري أيضاً بأسانيد صحيحه عن ابن عباس وابن مسعود (دلوك الشمس) زوالها وميلها وأخرجه مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ: زوالها. وسنده صحيح (موطأ مالك رواية الشيباني رقم 1006) . قال الطبري وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله (أقم الصلاة لدلوك الشمس) صلاة الظهر وذلك أن الدلوك في كلام العرب الميل يقال منه دلك فلان إلى كذا: إذا مال إليه. ا. هـ. ويؤيد هذا أنه ثبت عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يصلى الظهر عند دلوك الشمس ... أخرجه أبو يعلى في (المسند 7/76 ح 4004) ، والضياء في (المختارة 4/405) ، وحسنه الهيثمي (المجمع 1/304) ، وصححه الألباني في (الإرواء 1/281) . قال الشيخ الشنقيطي: قد بينا في سورة النساء أن هذه الآية الكريمة من الآيات التي أشارت لأوقات الصلاة لأن قوله (لدلوك الشمس) أي لزوالها على التحقيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 فيتناول وقت الظهر والعصر بدليل الغاية إلى قوله (إلى غسق الليل) أي ظلامه وذلك يشمل وقت المغرب والعشاء وقوله (وقرآن الفجر) أي صلاة الصبح ... أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً قال: فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) . (الصحيح- التفسير، ب إن قرآن الفجر كان مشهودا رقم 4717) . وأخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة باليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إلى الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟. فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون". واللفظ للبخاري، (الصحيح- مواقيت الصلاة، ب فضل صلاة العصر رقم 555) ، (وصحيح مسلم- الصلاة، ب فضل صلاتي الصبح والعصر رقم 6323) . قوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". (الصحيح- الصيام، ب فضل صوم المحرم رقم 1163) . أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن الحسن البصري وعلقمة والأسود الكوفيين التهجد بعد نومه، وهو لفظ الكوفيَين. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (نافلة لك) تطوعا وفضيلة. وأخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. (وجثا جمع جثوة، وجاث: وهو الذي يجلس على ركبتيه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 أخرج البخاري بسنده عن أنس مرفوعا قال: يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيئ، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول لست هناكم -ويذكر ذنبه فيستحي- ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم -ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول- ائتوا خليل الرحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم -ويذكر قتل النفس بغير نفس- فيستحي من ربه فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله، ثم يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة. ثم أعود إليه، فإذا رأيت ربي -مثله- ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة. ثم أعود للثالثة، ثم أعود الرابعة فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود. (الصحيح- التفسير سورة البقرة، ب وعلم آدم الأسماء كلها رقم 4476) . وأخرج أيضاً بسنده عن جابر بن عبد الله مرفوعاً قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة". (الصحيح- التفسير، ب (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) رقم 4718 و4719) . قال الطبري حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع الناس في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قياما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي: يا محمد، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدى من هديت، عبدك وابن عبدك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب هذا البيت، فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى. ا. هـ. وأخرجه النسائي من حديث حذيفة وصححه ابن حجر (فتح الباري 8/399، 400) ، وأخرجه عبد الرزاق والحاكم من طريق أبي إسحاق به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/363) . وأخرج مسلم بسنده الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع". (الصحيح- الفضائل، ب تفضيل نبينا رقم 2278) . وتقدم حديث أنس بن مالك في تفسير آية الكرسي وفيه الشفاعة والإذن بها. قوله تعالى (وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قوله (وقل رب أدخلني مدخل صدق) يقول: فيما أرسلتني به من أمرك (وأخرجني مخرج صدق) فيما أرسلتني به من أمرك أيضاً (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) يعني حجة بينه. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن الحسن في قوله تعالى (مخرج صدق) من مكة إلى المدينة ومدخل صدق قال: الجنة. قوله تعالى (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) . (جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد) . (الصحيح- التفسير، ب جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا رقم 4720) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقا، أي مضمحلا غير ثابت في كل وقت، وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع، وذكر أن الحق يزيل الباطل ويذهبه كقوله: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد) وقوله (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (وقل جاء الحق) قال القرآن (وزهق الباطل) قال: هلك الباطل وهو الشيطان. وأخرج أيضاً بسنده الجيد عن ابن عباس (إن الباطل كان زهوقا) يقول: ذاهبا. قوله تعالى (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) قال الشيخ الشنقيطي: قد قدمنا في أول سورة البقرة الآيات المبينة لهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة كقوله: (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) وقوله: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين) إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه (ولا يزيد الظالمين) به (إلا خسارا) أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين. قوله تعالى (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه، وإذا مسه الشر كان يئوسا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه إذا أنعم على الإنسان بالصحة والعافية والرزق أعرض عن ذكر الله وطاعته، ونأى بجانبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 أي تباعد عن طاعة ربه فلم يمتثل أمره، ولم يجتنب نهيه ... وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتابه، كقوله في سورة هود: (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى انه لفرح فخور) وقوله في آخر فصلت (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) وقوله في سورة الروم (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون) ، وقوله فيها أيضاً (وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) ... وقد استثنى الله من هذه الصفات عباده المؤمنين في قوله في سورة هود: (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير) . ا. هـ. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ونأى بجانبه) قال: تباعد منا. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذا مسه الشر كان يئوسا) يقول قنوطا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا مسه الشر كان يئوسا) يقول: إذا مسه الشر أيس وقنط. قوله تعالى (قل كل يعمل على شاكلته فربكم هو أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (كل يعمل على شاكلته) يقول: على ناحيته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قل كل يعمل على شاكلته) قال: على طبيعته على حدته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل كل يعمل على شاكلته) يقول: على ناحيته وعلى ما ينوي. قوله تعالى (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرث -وهو متكي على عسيب- إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح فقال: "مارابكم إليه" -وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيء تكرهونه- فقالوا سلوه فسألوه عن الروح فأمسك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يرد عليهم شيئاً فعلمت أنه يوحي إليه فقمت مقامي فلما نزل الوحي" قال (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . واللفظ للبخاري، (صحيح البخاري- التفسير، ب ويسألونك عن الروح رقم 4721) ، (وصحيح مسلم- صفة القيامة والجنة والنار، ب سؤال اليهود النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الروح رقم 2796) . قال ابن حجر بعد أن ذكر الحديث: وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: "قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فأنزل الله تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) . ورجاله رجال مسلم. ا. هـ، وأخرجه أحمد من الطريق المذكور وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني. (انظر فتح الباري 8/401، ومسند أحمد 1/255، ومن الترمذي التفسير رقم 3140، وصحيح سنن الترمذي رقم 2510) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (ويسئلونك عن الروح) قال: هو جبرئيل. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويسئلونك عن الروح) قال الروح: ملك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) يعني: اليهود. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أعطى خلقه من العلم إلا قليلا بالنسبة إلى علمه جل وعلا، لأن ما أعطيه الخلق من العلم بالنسبة إلى علم الخالق قليل جداً، ومن الآيات التي فيها الإشارة إلى ذلك قوله تعالى (قل لو كان البحر مداد لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) وقوله (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) . قوله تعالى (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لاتجد لك به علينا وكيلا) قال الطبري حدثنا أبو كريب قال: ثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن معقل قال: قلت لعبد الله وذكر أنه يُسرى على القرآن، كيف وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا؟ قال: يسرى عليه ليلا فلا يبقى منه في مصحف ولا في صدر رجل، ثم قرأ عبد الله (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) . في الأصل عن بندار عن وهو تصحيف والصواب كما هو مثبت أعلاه لأن بندار ليس من هذه الطبقة وكذلك شداد بن معقل معروف بالرواية عن ابن مسعود وبرواية عبد العزيز بن رفيع عنه كما في تهذيب التهذيب 4/318، 6/337، وكما سيأتي في التخريج. ورجاله ثقات إلا أبا بكر بن عياش حفظه وكتابه صحيح وقد توبع كما سيأتي، وشداد صدوق وقد روي من طريق عبد الله بن وهب كما في تفسير الطبري، وأبو كريب هو محمد بن العلاء، وسنده حسن. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة، (مجمع الزوائد 7/46) . وأخرجه ابن أبي شيبه عن أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بلفظ. قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم، قال: قلت كيف ينزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسرى عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء، ثم قرأ: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) . وقال القرطبي: وهذا إسناد صحيح، (الجامع لأحكام القرآن 10/326) ، وله شاهد أخرجه ابن ماجة والحاكم من حديث حذيفة مرفوعا وفيه: "وليسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية"، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه البوصيري، والألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم 3273) ، وسنن ابن ماجة- الفتن، ب ذهاب القرآن والعلم رقم 4049) ، وأخرجه الدارمي من طريق زر عن مسعود بنحوه وإسناده حسن (السنن- فضائل القرآن، ب في تعاهد القرآن رقم 3343، طبعة الريان) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 قوله تعالى (إن فضله كان عليك كبيرا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن فضله كان عليك كبيراً) بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن فضله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبير، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) وقوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا) وقوله (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك) . قوله تعالى (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محمود بن سيحان، وعمر بن أضا، وبحرى بن عمرو، وعزيز بن أبي عزيز، وسلام بن مشكم، فقالوا: أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئتنا به حق من عند الله عز وجل، فإنا لانراه متناسقا كما تناسق التوراة، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به". فقال عند ذلك وهم جميعاً فنحاص، وعبد الله بن صوريا، وكنانة بن أبي الحقيق، وأشيع، وكعب ابن أسد، وسموءل بن زيد، وجبل بن عمرو: يا محمد ما يعلمك هذا إنس ولا جان؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل"، فقالوا: يا محمد إن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله عز وجل فيهم وفيما قالوا (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 قوله تعالى (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) انظر تفسير سورة الكهف آية (54) وفيها قول الطبري وروايته عن عبد الرحمن بن زيد. وانظر سورة الروم آية (58) . قوله تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) ، قال: عيونا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ينبوعا) قال: عيونا. قوله تعالى (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا) قال الشيخ الشنقيطي: بين أنهم لو فعل الله ما اقترحوا ما آمنوا لأن من سبق عليه الشقاء لا يؤمن كقوله تعالى: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) وقوله (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) وقوله: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) وقوله: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) وقوله (إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) والآيات بمثل هذا كثيرة، وقوله في هذه الآية (كتابا نقرؤه) أي كتابا من الله إلى كل رجل منا، ويوضح هذا قوله تعالى في المدثر: (بل يريد كل امرىء منهم أن يوتى صحفا منشرة) كما يشير إليه قوله تعالى: (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله) الآية، وقوله في هذه الآية الكريمة (قل سبحان هل كنت إلا بشرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 رسولا) أي تنزيها لربي جل وعلا عن كل ما لا يليق به ويدخل فيه تنزيهه عن العجز عن فعل ما اقترحتم فهو قادر على كل شيء لا يعجزه شيء وأنا بشر أتبع ما يوحيه إلي ربي، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلها واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقوله (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلها واحد فاستقيموا إليه واستغفروه) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كسفا) يقول: قطعا. وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قوله (كسفا) قال: السماء جميعاً. وبه قوله (والملائكة قبيلا) يعني: كل قبيلة على حده. وبه قوله (من زخرف) قال: من ذهب. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى (أو تأتى بالله والملائكة قبيلا) ، قال: عيانا. ويؤيد تفسير قتادة قوله تعالى (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أُنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ... ) الفرقان: 21. وبه قوله تعالى (أو يكون له بيت من زخرف) قال بيت من ذهب. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) أي: كتابا خاصا نؤمر فيه باتباعك. قوله تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) قال ابن كثير: يقول تعالى (وما منع الناس) أي أكثرهم أن يؤمنوا ويتابعوا الرسل إلا استعجابهم من بعثة البشر رسلا كما قال تعالى: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا) وقال تعالى (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 والله غني حميد) وقال فرعون وملؤه (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) وكذلك قالت الأمم لرسلهم (إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين) . قوله تعالى (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية: أن الرسول يلزم أن يكون من جنس المرسل إليهم، فلو كان مرسلاً رسولا إلى الملائكة لنزل عليهم ملكا مثلهم أي وإذا أرسل إلى البشر أرسل لهم بشرا مثلهم، وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون) ، وقوله: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم) ، وقوله: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) . قوله تعالى (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) قال ابن كثير: يقول الله مخبراً عن تصرفه في خلقه، ونفوذ حكمه، وأنه لا معقب له، بأنه من يهده فلا مضل له (ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه) أي يهدونهم كما قال (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) سورة الكهف آية: 17. انظر سورة الأعراف آية (178) . أخرج الشيخان بسنديهما عن قتادة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا نبي الله يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة، قال قتادة: بلى وعزة ربنا. واللفظ للبخاري، (صحيح البخاري- التفسير- سورة الفرقان، ب الذين يحشرون على وجههم في جهنم رقم 4760) ، (وصحيح مسلم- صفة القيامة والجنة والنار، ب يحشر الكافر على وجهه رقم 2806) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) ثم قال (ورأى المجرمون النار فظنوا) وقال (سمعوا لها تغيظا وزفيرا) وقال (دعوا هنالك ثبورا) أما قوله (عميا) فلا يرون شيئاً يسرهم، وقوله (بكما) لا ينطقون بحجة، وقوله (صما) لا يسمعون شيئاً يسرهم وقوله (مأواهم جهنم) يقول جل ثناؤه: ومصيرهم إلى جهنم وفيها مساكنهم وهم وقودها. وبه عن ابن عباس في قوله (كلما خبت) قال: سكنت. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (كلما خبت زدناهم سعيرا) يقول: كلما أطفئت أوقدت. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وبكما) قال: الخرس (وصما) وهو جمع أصم، وبه عن قتادة قوله (كلما خبت زدناهم سعيرا) يقول: كلما احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. قوله تعالى (ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أءِذا كنا عظاما ورفاتا أءِنا لمبعوثون خلقاً جديدا) قال ابن كثير: يقول تعالى هذا الذي جازيناهم به من البعث على العمى والبكم والصمم جزاؤهم الذي يستحقونه، لأنهم كذبوا بآياتنا أي بأدلتنا وحججنا واستبعدوا وقوع البعث (وقالوا إءذا كنا عظاما ورفاتا) بالية نخره (أئِنا لمبعوثون خلقاً جديدا) أي بعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك والتفرق والذهاب في الأرض نعاد مرة ثانية، فاحتج تعالى عليهم ونبههم على قدرته على ذلك بأنه خلق السموات والأرض، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك كما قال (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس) سورة غافر: 57. وانظر آية (49) من السورة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 قوله تعالى (أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفوراً) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من خلق السموات والأرض مع عظمهما قادر على بعث الإنسان بلا شك لأن من خلق الأعظم الأكبر فهو على خلق الأصغر قادر بلا شك، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس) الآية، أي من قدر على خلق الأكبر فهو قادر على خلق أصغر، وقوله (أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) ، وقوله (أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهم بقادر على أن يحيي الموتى) ، وقوله (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم) . قوله تعالى (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (خشية الإنفاق) قال: الفاقة. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وكان الإنسان قتورا) يقول: بخيلا. قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية أن بني آدم لو كانوا يملكون خزائن رحمته -أي خزائن الأرزاق والنعم- لبخلوا بالرزق على غيرهم ولأمسكوا عن الإعطاء خوفا من الإنفاق لشدة بخلهم، وبين إن الإنسان قتور أي بخيل مضيق من قولهم قتر على عياله أي ضيق عليهم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يأتون الناس نقيرا) وقوله (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الخير منوعا وإذا مسه الشر جزوعا إلا المصلين) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 قوله تعالى (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن الحسن (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات) قال: هذه آية واحدة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ويد موسى وعصى موسى إذا ألقاها فإذا هي ثعبان مبين واذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يؤفكون. قال الطبري: حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم عن مغيرة عن الشعبي في قوله (تسع آيات بينات) قال: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين ونقص من الثمرات وعصاه ويده. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. قال ابن كثير وهذا القول ظاهر جلي حسن قوى، وجعل الحسن البصري (السنين ونقص الثمرات) واحدة وعنده أن التاسعة هي: تلقف العصى ما يأفكون. قال الشيخ الشنقيطي: وقد بين جل وعلا هذه الآيات في مواضع أخر كقوله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) وقوله (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات) الآية وقوله (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) وقوله (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) إلى غير ذلك من الآيات المبينة لما ذكرنا وجعل بعضهم الجبل بدل (السنين) وعليه فقد بين قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) ونحوها من الآيات. قوله تعالى (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن فرعون عالم بأن الآيات المذكورة ما أنزلها إلا رب السموات والأرض: بصائر أي حججا واضحة ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى مبينا سبب جحوده لما علمه في سورة النمل بقوله (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه أنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) الآية. وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (مثبورا) قال مهلكا. وأخرجه عبد الرزاق بالسند الصحيح عن قتادة. قوله تعالى (فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) قال ابن كثير: وقوله (فأراد أن يستفزهم من الأرض) أي يخليهم منها ويزيلهم عنها (فأغرقناه ومن معه جميعاً وقلنا لمن بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض) وفي هذا بشارة لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفتح مكة مع أن هذه السورة نزلت قبل الهجرة وكذلك وقع فان أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى: (وإن كانوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) ولهذا أورث الله رسوله مكة .... كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم كما قال: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) . أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد (جئنا بكم لفيفا) يعني: جميعاً، وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة. وقال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن منصور عن ابن أبي رزين (جئنا بكم لفيفا) قال: من كل قوم. ورجاله ثقات، وسنده صحيح، وابن أبي رزين: عاصم بن لقيط، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 قوله تعالى (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أنزل هذا القرآن بالحق أي متلبسا به متضمنا له فكل ما فيه حق فأخباره صدق وأحكامه عدل كما قال تعالى (وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا) وكيف لا وقد أنزله جل وعلا بعلمه كما قال تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) الآية، وقوله (وبالحق نزل) يدل على أنه لم يقع فيه تغيير ولا تبديل في طريق إنزاله لأن الرسول المؤتمن على إنزاله قوي لا يغلب عليه حتى يغير فيه أمين لا يغير ولا يبدل كما أشار إلى هذا بقوله (نزل به الروح الأمين على قلبك) الآية، وقوله (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) الآية، وقوله في هذه الآية (لقول رسول) أي لتبليغه عن ربه بدلالة لفظ الرسول لأنه يدل على أنه مرسل به. قوله تعالى (وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) قال الطبري: حدثنا ابن المثنى قال: ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن من السماء جمله واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة قال: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. وابن المثنى هو محمد، وداود هو ابن أبي هند حيث صرح الحاكم فأخرجه من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند به، وصححه الحاكم والذهبي (المستدرك 2/368) ، وصححه أيضاً الحافظ ابن حجر (فتح الباري 9/4) . أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وقرآن فرقناه) يقول: فصلناه. وقال الطبري: حدثنا ابن المثنى قال: بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد، يعني ابن راشد، عن داود عن الحسن أنه قرأ (وقرآنا فرقناه) خففها: فرق الله بين الحق والباطل. وسنده حسن، وابن المثنى هو محمد، وداود ابن أبي هند. وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد قوله (على مكث) قال: في ترتيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن الثوري عن عبيد المكتسب عن مجاهد بلفظ: على تؤده، ولهذا لما سأل عبيد المكتب مجاهدا عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، وآخر قرأ البقرة وركوعها وسجودها واحد، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، وقرأ (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) . أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري به. قال الشيخ الشنقيطي: قرأ هذا الحرف عامة القراء (فرقناه) بالتخفيف، أي بيناه وأوضحناه وفصلناه وفرقنا فيه بين الحق والباطل وقرأ بعض الصحابة (فرقّناه) بالتشديد، أي أنزلناه مفرقا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، ومن إطلاق فرق بمعنى بين وفصل، قوله تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم) الآية، وقد بين جل وعلا أنه بين هذا القرآن لنبيه ليقرأه على الناس على مكث أي: مهل وتؤدة وتثبت، وذلك يدل على أن القرآن لا ينبغي أن يقرأ إلا كذلك، وقد أمر تعالى بما يدل على ذلك في قوله (ورتل القرآن ترتيلا) ويدل لذلك أيضاً قوله (وقالوا لولا نزل هذا القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) . قوله تعالى (قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) . (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يخرون للأذقان سجدا) يقول: للوجوه. قال ابن كثير: وقوله (ويخرون للأذقان يبكون) أي: خضوعا لله عز وجل وإيمانا وتصديقا بكتبه ورسوله ويزيدهم الله خشوعا، أي: إيمانا وتسليما كما قال (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) . قوله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) انظر سور الأعراف آية (180) وفيها حديث البخاري عن أبي هريرة. قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا عباده في هذه الآية الكريمة أن يدعوه بما شاءوا من أسمائه إن شاءوا قالوا: يا الله، وإن شاءوا قالوا: يا رحمن. إلى غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 ذلك من أسمائه جل وعلا وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) وقوله (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع أنهم تجاهلوا اسم الرحمن في قوله (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) الآية وبين لهم بعض أفعال الرحمن جل وعلا في قوله (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) ولذا قال بعض العلماء: إن قوله (الرحمن علم القرآن) جواب لقولهم (قالوا وما الرحمن) الآية، وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح في سورة الفرقان. وانظر سورة الفرقان آية (60) . أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: نزلت ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (ولا تخافت بها) عن أصحابك فلا تسمعهم (وابتغ بين ذلك سبيلا) . واللفظ للبخاري، (الصحيح- التفسير، ب ولاتجهر بصلاتك ولا تخافت بها رقم 4722) ، (وصحيح مسلم- الصلاة، ب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار رقم 446) . أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت هذه الآية (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) في الدعاء. (الصحيح- التوحيد، ب قول الله تعالى (وأسروا قولكم أو اجهروا به) رقم 7526) . قال ابن حجر بعد أن ذكر هذا الحديث هكذا أطلقت عائشة وهو أعلم من أن يكون ذلك داخل الصلاة أو خارجها.. وذكر أنه يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة، (فتح الباري 8/504، 406) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أياما تدعوا) يقول بشيء من أسماء الله يقول: بأي أسمائه تدعوا فله الأسماء الحسنى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 قوله تعالى (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن أمر القدوة أمر لأتباعه -كما قدمنا- أن يقولوا: الحمد لله أي كل ثناء جميل لائق لكماله وجلاله، ثابت له مبينا أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا، فبين تنزهه عن الولد والصاحبة في مواضع كثيرة كقوله (قل هو الله أحد) إلى آخر السورة، وقوله (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) وقوله (بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) وقوله (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا) الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة، وبين في مواضع أخر: أنه لا شريك له في ملكه، أي ولا في عبادته كقوله (وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) وقوله (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) وقوله (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) وقوله (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة ومعنى قوله تعالى في هذه الآية (ولم يكن له ولي من الذل) يعني أنه لا يذل فيحتاج إلى ولي يعزبه لأنه هو العزيز القهار الذي كل شيء تحت قهره وقدرته كما بينه في مواضع كثيرة كقوله (والله غالب على أمره) الآية، وقوله (إن الله عزيز حكيم) . وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولم يكن له ولي من الذل) يقول: لم يحالف أحدا، ولم يبتغ نصر أحد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 سورة الكهف فضلها: عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال، ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة". انظر (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن القسم الصحيح 1/347) . قوله تعالى (الحمد لله) انظر بداية تفسير سورة الفاتحة. قوله تعالى (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا) أنزل الكتاب عدلا قيما ولم يجعل له ملتبسا. قوله تعالى (قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من لدنه) أي: من عنده. قوله تعالى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فلعلك باخع نفسك) يقول: قاتل نفسك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) قال: غضبا. قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ما على الأرض زينة لها) قال: ما عليها من شيء. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (صعيدا جرزا) قال: بلقعا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا) والصعيد: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) ، يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) ، يقول: الكتاب. أخرج البستي القاضي عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: أخبرنا أبو معاذ عن عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: أما الكهف فهو غار الوادي. والرقيم اسم الوادي. ورجاله ثقات إلا عبيد وهو ابن سليمان الباهلي لا بأس به وسنده حسن وأبو معاذ هو: الفضل بن خالد المروزي. قوله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفة أصحاب الكهف أنهم فتية، وأنهم أووا إلى الكهف وأنهم دعوا ربهم هذا الدعاء العظيم الشامل لكل خير وهو قوله عنهم (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا) . وبين في غير هذا الموضع أشياء أخر من صفاتهم وأقوالهم، كقوله (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى -إلى قوله- ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقا) . وانظر سورة البقرة آية (186) لبيان: رشدا. قوله تعالى (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ضرب على آذان أصحاب الكهف سنين عددا. ولم يبين قدر هذا العدد هنا، ولكنه بينه في موضع آخر وهو قوله (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 قوله تعالى (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) أخرج آدم بن أبي إياس عن مجاهد (أي الحزبين) من قوم الفتية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لما لبثوا أمدا) ، يقول: بعيدا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أمدا) ، قال: عددا. قوله تعالى (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وربطنا على قلوبهم) يقول بالإيمان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لقد قلنا إذا شططا) يقول كذبا. قوله تعالى (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن) ، يقول: بعذر بيّن، وعنَى بقوله عز ذكره (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) ومن أشد اعتداء وإشراكا بالله، ممن اختلق، فتخرص على الله كذبا، وأشرك مع الله في سلطانه شريكا يعبده دونه، ويتخذه إلهاً. قوله تعالى (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) وهي في مصحف عبد الله (وما يعبدون من دون الله) هذا تفسيرها. قوله تعالى (تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (تزاور عن كهفهم ذات اليمين) ، يقول: تميل عنهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (تزاور عن كهفهم ذات اليمين) ، قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) ، يقول: تذرهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (تقرضهم ذات الشمال) قال: تدعهم ذات الشمال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهم في فجوة منه) ، يقول: في فضاء من الكهف، قال الله: (ذلك من آيات الله) . قوله تعالى (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) وهذا التقليب في رقدتهم الأولى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بالوصيد) بالفناء. قوله تعالى (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه بعث أصحاب الكهف من نومتهم الطويلة ليتساءلوا بينهم: أي ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة لبثهم في الكهف في تلك النومة، وأن بعضهم قال: أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم، وبعضهم رد علم ذلك إلى الله جل وعلا. ولم يبين هنا قدر المدة التي تساءلوا عنها في نفس الأمر، ولكنه بين في موضع آخر أنها ثلاثمائة سنة بحساب السنة الشمسية، وثلاثمائة سنة وتسع سنين بحساب السنة القمرية، وذلك في قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) كما تقدم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (أزكى طعاما) قال: خير طعاما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وكذلك أعثرنا عليهم) يقول: أطلعنا عليهم ليعلم من كذب بهذا الحديث، أن وعد الله حق، وأن الساعة لا ريب فيها. قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن هلال -هو الوزّان- عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في مرضه الذي مات فيه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا". قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يُتخذ مسجداً. (الصحيح 3/238 ح 1330) ك الصلاة، ب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور. وأخرجه مسلم (الصحيح- ك المساجد، ب النهي عن بناء المساجد على القبور ... ح 531) . قوله تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ، قال: قذفا بالظن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما يعلمهم إلا قليل) ، يقول: قليل من الناس. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا) أي حسبك ما قصصنا عليك من شأنهم. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) من يهود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) يقول: من أهل الكتاب، كنا نحدث أنهم كانوا بني الركنا، والركنا: ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتفردوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على أصمختهم، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم وجاءت أمة مسلمة بعدهم، وكان ملكهم مسلما. قوله تعالى (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال سليمان بن داود: لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم يقُل، ولم تحمل شيئاً إلا واحدا ساقطاً أحد شقيه. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو قالها لجاهدوا في سبيل الله". قال شعيب وابن أبي الزناد: "تسعين" وهو أصح. (صحيح البخاري 6/458 ح 3424- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (ووهبنا لداود سليمان ... )) وأخرجه مسلم (الصحيح- 3/1275 ح 1654) . قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق: أنبأ الحسن بن علي، عن ابن زياد، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا حلف الرجل على يمين فله أن يستثني ولو إلى سنة، وإنما نزلت هذه الآية في هذا (واذكر ربك إذا نسيت) قال: إذا ذكر استثنى. قال علي بن مسهر: وكان الأعمش يأخذ بها. (المستدرك 4/303- ك الإيمان والنذور) . قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي من طريق سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش به (السنن الكبرى 10/48) وسنده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا) هذا قول أهل الكتاب، فرده الله عليهم فقال: (قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادو تسعا) ، قال: عدد ما لبثوا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولبثوا في كهفهم) ، قال: بين جبلين. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ما لهم من دونه من ولي) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الكهف ليس لهم ولي من دونه جل وعلا، بل هو وليهم جل وعلا. وهذا المعنى مذكور في آيات أخر كقوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) ، وقوله تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فبين أنه ولي المؤمنين، وأن المؤمنين أولياؤه والولي: هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به، فالإيمان سبب يوالي به المؤمنين ربهم بالطاعة، ويواليهم به الثواب والنصر والإعانة. وبين في مواضع أخر: أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، كقوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الآية، وقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) الآية. وبين في مواضع أخر: أن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) . وبين في موضع آخر أنه تعالى مولى المؤمنين دون الكافرين، وهو قوله تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 قوله تعالى (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولن تجد من دونه ملتحدا) أصل الملتحد: مكان الالتحاد وهو الافتعال: من اللحد بمعنى الميل، ومنه اللحد في القبر، لأنه ميل في الحفر، ومنه قوله تعالى (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا) وقوله (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الآية فمعنى اللحد والإلحاد في ذلك: الميل عن الحق. والملحد المائل عن دين الحق. وقد تقرر في فن الصرف أن الفعل إن زاد ماضيه على ثلاثة أحرف فمصدره الميمي واسم مكانه واسم زمانه كلها بصيغة اسم المفعول كما هنا. فالملتحد بصيغة اسم المفعول، والمراد به مكان الالتحاد، أي المكان الذي يميل فيه إلى ملجأ أو منجى ينجيه مما يريد الله أن يفعله به. وهذا الذي ذكره هنا من أن نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجد من دونه ملتحدا، أي مكانا يميل إليه ويلجأ إليه إن لم يبلغ رسالة ربه ويطعه - جاء مبينا في مواضع أخر؛ كقوله (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً إلا بلاغا من الله ورسالاته) ، وقوله (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين) الآية. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ملتحداً) قال: ملجأ. قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) أخرج البستي القاضي في تفسيره عن محمد بن علي بن الحسن عن أبي معاذ عن عبيد قال: سمعت الضحاك يقول: قوله (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) يعني: يعبدون وهو مثل قول الله (لا جرم أنما تدعونني) يعني تعبدون. وقال: (أولئك الذين يدعون) يعني: يعبدون (بالغداة والعشي) يعني الصلاة المفروضة. وسنده حسن تقدم في بداية تفسير هذه السورة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 قوله تعالى (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) نهى الله جل وعلا نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة عن طاعة من أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا. وقد كرر في القرآن نهى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اتباع مثل هذا الغافل عن ذكر الله المتبع هواه، كقوله تعالى (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفوراً) ، وقوله (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم) الآية، وقوله تعالى (ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) إلى غير ذلك من الآيات. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وكان أمره فرطا) ضياعا. قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي -التخيير بين الكفر والإيمان- ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير، وإنما المراد بها التخويف والتهديد. والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية. والدليل من القرآن العظيم على أن المراد من الآية التهديد والتخويف - أنه أتبع ذلك بقوله (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد. قال الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله (كالمهل) قال: كعكر الزيت، فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه. (السنن 4/704 ح 2581- ك صفة جهنم، ب ما جاء في صفة شراب أهل النار. وأخرجه الطبري (التفسير 25/132) عن أبي كريب، عن رشدين به. ورشدين قد تكلم فيه -كما قال الترمذي عقب هذا الحديث-. لكن تابعه عبد الله بن وهب، أخرجه الحاكم (المستدرك 2/501) من طريق هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث به، وزاد فيه: (ولو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا) . قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وله طريق أخرى عن دراج، أخرجه الإمام أحمد (المسند 3/70-71) عن حسن عن ابن لهيعة، عن دراج بمثل لفظ الترمذي. والحديث بهذا الإسناد حسن إن شاء الله، حيث قال الحافظ ابن حجر من دراج: صدوق في حديثه عن أبي الهيثم. (التقريب 1/235) . ويشاهد له ما يلي: أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (كالمهل) ، قال: يقول: أسود كهيئة الزيت. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (مرتفقا) : أي مجتمعا. قوله تعالى (ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا) قال مسلم: حدثنا سعيد بن عَمْرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث ابن قيس قال: حدثنا سفيان بن عيينة. سمعته يذكره عن أبي فروة؛ أنه سمع عبد الله بن عُكَيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن، فاستسقى حذيفة، فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة، فرماه به. وقال: إني أخبركم إني قد أمرته أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 لا يسقيني فيه. فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تشربوا في إناء الذهب والفضة، ولا تلبسوا الديباج والحرير، فإنه لهم في الدنيا، وهو لكم في الآخرة، يوم القيامة". (صحيح مسلم 3/1637- ك اللباس والزينة، ب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء ح 2067) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (على الأرائك) قال: هي الحجال. وانظر الآية (29) من السورة نفسها لبيان مرتفقا: مجتمعا. قوله تعالى (كلتما الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولم تظلم منه شيئاً) : أي لم تنقص منه شيئاً. قوله تعالى (وكان له ثمر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وكان له ثمر) ، يقول: مال. قوله تعالى (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة) كفور لنعم ربه، مكذب بلقائه، متمن على الله. قوله تعالى (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ويرسل عليها حسبانا من السماء) ، عذابا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فتصبح صعيدا زلقا) : أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 قوله تعالى (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأصبح يقلب كفيه) : أي يصفق كفيه (على ما أنفق فيها) متلهفا على ما فاته، وهو (يقول يا ليتني لم أشرك لربي أحدا) ويقول: يا ليتني، يقول: يتمنى هذا الكافر بعد ما أصيب بجنته أنه لم يكن كان أشرك بربه أحدا، يعني بذلك: هذا الكافر إذا هلك وزالت عنه دنياه وانفرد بعمله، ود أنه لم يكن كفر بالله ولا أشرك به شيئاً. قوله تعالى (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله) أي: جند ينصرونه، وقوله (ينصرونه من دون الله) يقول: يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذبه. قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملاً) قال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا حيوة أنبأنا أبو عقيل أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا بماء في إناء، أظنه سيكون فيه مُدّ، فتوضأ ثم قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: "ومن توضأ وضوئي ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله أن يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتؤضأ وصلى الصبح غُفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يُذهبن السيئات، قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات يا عثمان؟ قال: هن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". (المسند 1/382 ح 513) قال محققه: "إسناده صحيح، وأخرجه ابن جرير (التفسير 15/511-512 ح 18662) . وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) 1/297) وقال: رجاله رجال الصحيح غير الحارث مولى عثمان، وهو ثقة. وصحح السيوطي إسناده في (الدر 4/353) ، وقال الشيخ محمود شاكر في حاشية الطبري: صحيح الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والباقيات الصالحات) ، قال: هي ذكر قول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واستغفر الله، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة، وجميع أعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السموات والأرض. قوله تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وترى الأرض بارزة) ، ليس عليها بناء ولا شجر. قوله تعالى (وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) ، هذا الكلام مقول قول محذوف. وحذف القول مطرد في اللغة العربية، كثير جداً في القرآن العظيم. والمعنى: يقال لهم يوم القيامة لقد جئتمونا، أي والله لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة، أي حفاة عراة غرلا، أي غير مختونين، كل واحد منكم فرد لا مال معه ولا ولد، ولا خدم ولا حشم. وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) وقوله (لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا) وقوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا) الآية، وقوله: (كما بدأكم تعودون) تقدم. وانظر سورة الأنبياء آية (104) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 قوله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) انظر حديث عائشة الآتي عند سورة القمر آية (53) وفيه: "يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب". قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكتاب يوضع يوم القيامة. والمراد بالكتاب: جنس الكتاب؛ فيشمل جميع الكتب التي كتبت فيها أعمال المكلفين في دار الدنيا. وأن المجرمين يشفقون مما فيه؛ أي يخافون منه، وأنهم يقولون (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر) . أي لا يترك (صغيرة ولا كبيرة) من المعاصي التي عملنا (إلا أحصاها) أي ضبطها وحصرها. وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية الكريمة جاء موضحا في مواضع أخر؛ كقوله: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) . وبين أن بعضهم يؤتي كتابه بيمينه، وبعضهم يؤتاه بشماله، وبعضهم يؤتاه وراء ظهره. قال: (فأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتي لم أوتى كتابيه) الآية، وقال تعالى: (فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتك أحد ظلما، فإياكم والمحقرات من الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه. قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) . قدمنا في سورة البقرة أن قوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 تعالى: (اسجدوا لآدم) محتمل لأن يكون أمرهم بذلك قبل وجود آدم أمرا معلقا على وجوده. ومحتمل لأنه أمرهم بذلك تنجيزا بعد وجود آدم. وأنه جل وعلا بين في سورة الحجر وسورة ص أن أصل الأمر بالسجود متقدم على خلق آدم معلق عليه. قال في الحجر (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وقال في ص: (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ولا ينافي هذا أنه بعد وجود آدم جدد لهم الأمر بالسجود تنجيزا. وقوله في هذه الآية الكريمة: (فسجدوا) محتمل لأن يكونوا سجدوا بعضهم أو كلهم ولكنه بين في مواضع أخر أنهم سجدوا كلهم، كقوله: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) ونحوها من الآيات. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (إلا إبليس كان من الجن) ، قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى: (ففسق عن أمر ربه) ، قال: في السجود لآدم. انظر سورة البقرة آية (30) . قوله تعالى (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) الآية، وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم، وهم لكم عدو. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بئس للظالمين بدلا) بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس. قوله تعالى (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وما كنت متخذ المضلين عضدا) : أي أعوانا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 قوله تعالى (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا) قال الشيخ الشنقيطي: أي واذكر يوم يقول الله جل وعلا للمشركين الذين كانوا يشركون معه الآلهة والأنداد من الأصنام وغيرها من المعبودات من دون الله توبيخا لهم وتقريعا: نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم شركاء معي فالمفعولان محذوفان: أي زعمتموهم شركاء لي كذبا وافتراء. أي ادعوهم واستغيثوا بهم لينصروكم ويمنعوكم من عذابي، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم، أي فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من عدم استجابتهم لهم إذا دعوهم يوم القيامة جاء موضحا في مواضع أخر، كقوله تعالى في سورة القصص (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وقوله تعالى (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) وقوله (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلنا بينهم موبقا) ، قال: مهلكا. قوله تعالى (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المجرمين يرون النار يوم القيامة، ويظنون أنهم مواقعوها، أي مخالطوها وواقعون فيها. والظن في هذه الآية بمعنى اليقين، لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع وقد بين تعالى في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 غير هذا الموضع أنهم موقنون بالواقع، كقوله عنهم (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون) وكقوله (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) وقوله تعالى (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) الآية. قال ابن حبان: أخبرنا ابن سَلم، قال: حدثنا حرملة، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا السمح حدثه، عن ابن حُجيرة، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "يُنصب للكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة، وإن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة". (الإحسان 16/349 ح 7352. قال محققه: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي السمح.. فقد روى له أصحاب السنن وهو صدوق. وله شاهد من حديث أبي سعيد، وأخرجه أحمد (المسند 3/75) وأبو يعلى (المسند 2/524 ح 1385) ، والحاكم في المستدرك (4/597) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الهيثمي. إسناده حسن ... (مجمع الزوائد 10/336) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فظنوا أنهم مواقعوها) قال: علموا. قوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) قال الطبري: ولقد مثلنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، ووعظناهم فيه من كل موعظة واحتججنا عليم فيه بكل حجة. وانظر سورة الروم آية (58) . قوله تعالى (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث عن عقيل، عن الزهري، عن علي ابن حسين، أن الحسين بن علي حدثه عن علي بن أبي طالب؛ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَقهُ وفاطمةَ. فقال: "ألا تصلون؟ " فقلت: يا رسول الله! إنما أنفسنا بيد الله. فإذا شاء أن يبعثا بعثنا. فانصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قلت له ذلك. سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً". (صحيح مسلم 1/537-538- ك صلاة المسافرين وقصرها، ب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح ح 775) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن عبد الرحمن بن زيد في قوله (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) قال: الجدل. الخصومة، خصومة القوم لأنبيائهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 قوله تعالى (أو يأتيهم العذاب قبلا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أو يأتيهم العذاب قبلا) ، قال: فجأة. قوله تعالى (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا) انظر سورة الحج آية (3) لبيان جدال الكفار بالباطل. قوله تعالى (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لا أحد أظلم: أي أكثر ظلما لنفسه ممن ذكر، أي وعظ بآيات ربه، وهي هذا القرآن العظيم (فأعرض عنها) أي تولى وصد عنها. وإنما قلنا: إن المراد بالآيات هذا القرآن العظيم لقرينة تذكير الضمير العائد إلى الآيات في قوله (أن يفقهوه) أي القرآن المعبر عنه بالآيات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ونسي ما قدمت يداه) أي نسي ما سلف من الذنوب. قوله تعالى (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه جعل على قلوب الظالمين المعرضين عن آيات الله إذا ذكروا بها أكنة أي أغطية تغطي قلوبهم فتمنعها من إدراك ما ينفعهم بما ذكروا به. وواحد الأكنة كنان وهو الغطاء، وأنه جعل في آذانهم وقرا، أي ثقلا يمنعها من سماع ما ينفعهم من الآيات التي ذكروا بها وهذا المعنى أوضحه الله تعالى في آيات أخر كقوله (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) وقوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) الآية، وقوله تعالى (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) وقوله (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وقوله (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً. قوله تعالى (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا) قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن الذين جعل الله على قلوبهم أكنة تمنعهم أن يفقهوا ما ينفعهم من آيات القرآن التي ذكروا بها لا يهتدون أبدا، فلا ينفع فيهم دعاؤك إياهم إلى الهدى. وهذا المعنى الذي أشار له هنا من أن من أشقاهم الله لا ينفع فيهم التذكير جاء مبينا في مواضع أخر كقوله (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) وقوله تعالى (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لايؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم) وقوله تعالى (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) وقوله تعالى (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) وقوله تعالى (إن تحرص على هداهم فإن الله لايهدي من يضل وما لهم من ناصرين) . قوله تعالى (وربك الغفور ذو الرحمة) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غفور، أي كثير المغفرة، وأنه يرحم عباده المؤمنين يوم القيامة، ويرحم الخلائق في الدنيا. وبين في مواضع أخر أن هذه المغفرة شاملة لجميع الذنوب بمشيئته جل وعلا إلا الشرك كقوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) . وبين في موضع آخر أن رحمته واسعة، وأنه سيكتبها للمتقين، وهو قوله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ... ) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 قوله تعالى (لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا) بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وإن لم يعجل لهم العذاب في الحال فليس غافلا عنهم ولا تاركا عذابهم بل هو تعالى جاعل لهم موعدا يعذبهم فيه لا يتأخر العذاب عنه ولا يتقدم. وبين هذا في مواضع أخر كقوله في النحل: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أحلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقوله في آخر سورة فاطر: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) وكقوله (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لن يجدوا من دونه موئلا) ، يقول: ملجأ. قوله تعالى (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (لمهلكهم موعدا) قال: أجلا. قوله تعالى (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً) إلى قوله (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عَمرو بن دينار، قال: أخبرنا سعيد بن جبير، قال: قلتُ لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذَب عدُوّ الله، حدثني أُبي بن كعب أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسُئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يَرُدّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حُوتا فتجعله في مكتل، فحيثما فقدتَ الحوت فهو ثَمّ. فأخذ حوتا فجعله في مِكمل ثم انطلق، وانطلق معه بفتاه يُوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في اِلمكتل فخرج منه فسقط في البحر (فاتخذ سبيله في البحر سربا) وأمسك الله عن الحوت جِرْية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسيَ صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: (آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) قال: ولم يجد موسى النَصب حتى جاوزا المكان الذي أمر الله به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا) قال: فكان للحوت سَرَبا، ولموسى ولفتاه عجبا. فقال موسى: (ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قَصَصَا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجّى ثوبا، فسلّم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام. قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما عُلمت رشدا. (قال إنك لن تستطيع معي صبرا) يا موسى إني على علم من علم الله علمَنِيه لا تعلمه أنت، وأنتَ على علم من علم الله علّمك الله لا أعلمه. فقال موسى: (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا) فقال له الخضر: (فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا) ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضِرَ فحملوه بغير نَوْل. فلما ركبا في السفينة لم يَفَجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم. فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا. قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معيَ صبرا؟ قال: (لا تؤاخذني بما نسيت، ولا تُرهقني من أمري عُسرا) ". قال: وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 "وكانتِ الأولى من موسى نِسياناً". قال: وجاء عُصفور فوقع على حرفِ السفينة فنقر في البحر نَقرة، فقال له الخَضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثلُ ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. ثم خرجا من السفينة، فبينا هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله. فقال له موسى: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) قال: وهذه أشد من الأولى. (قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تُصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ) قال: مائل، فقام الخضر فأقامه بيده. فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا، (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) . (قال: هذا فراق بيني وبينك) إلى قوله (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) . قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وَدِدْنا أن موسى كان صر حتى يقصّ الله علينا من خبرهما". قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة -صالحة- غصبا) وكان يقرأ (وأما الغلام فكان -كافراً وكان- أبواه مؤمنين) . (الصحيح- التفسير- سورة الكهف ح 4725) وأخرجه مسلم في (صحيحه -ك الفضائل، ب فضائل الخضر 4/1847 ح 2380) . قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مَسْلمة بن قَعْنب، حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن رقبة بن مسقلة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبِع كافراً. ولو عاش لأرهق أبويهُ طغيانا وكفرا". (صحيح مسلم 4/2050- ك القدر، ب معنى كل مولود يولد على الفطرة.. ح 2661) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 قال البخاري: حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما سُمّي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء". (الصحيح 6/499 ح 3402- ك أحاديث الأنبياء، ب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام) قوله تعالى (أو أمضي حقبا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو أمضى حقبا) ، قال: دهرا. قوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلم بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما) . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن موسى وفتاه نسيا حوتهما لما بلغا مجمع البحرين ولكنه تعالى أوضح أن النسيان واقع من فتى موسى لأنه هو الذي كان تحت يده الحوت وهو الذي نسيه وإنما أسند النسيان إليهما لأن إطلاق المجموع مرادا بعضه -أسلوب عربي كثير في القرآن وفي كلام العرب وقد أوضحنا أن من أظهر أدلته قراءة حمزة والكسائي (فإن قتلوكم فاقتلوهم) من القتل في الفعلين لا من القتال أي فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر والدليل على أن النسيان وقع من فتى موسى دون موسى قوله تعالى عنهما (فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) الآية، لأن قول موسى (آتنا غداءنا) يعني به الحوت- فهو يظن أن فتاه لم ينسه كما قاله غير واحد وقد صرح فتاه بأنه نسيه في قوله: (فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان) الآية. وقوله في هذه الآية الكريمة: (وما أنسانيه إلا الشيطان) دليل على أن النسيان من الشيطان كما دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) وقوله تعالى (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (مجمع بينهما) قال: بين البحرين. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (نسيا حوتهما) قال: أضلا حوتهما. قوله تعالى (في البحر عجبا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (في البحر عجبا) ، قال: موسى يعجب من أثر الحوت في التفسير ودوراته التي غاب فيها، فوجدا عندها خضرا. قوله (ذلك ما كنا نبغ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ذلك ما كنا نبغ) قال موسى: فذلك حين أخبرت أني واجد خضرا حيث يفوتني الحوت. قوله تعالى (فارتدا على آثارهما قصصا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: رجعا عودهما على بدئهما (فارتدا على آثارهما قصصا) . وانظر حديث البخاري عن ابن عباس في قصة موسى والخضر عليهما السلام المتقدم عند الآية (60-82) من السورة نفسها، وفيه: "رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة. قوله تعالى (لقد جئت شيئا إمرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لقد جئت شيئاً إمرا) : أي عجبا، إن قوما لججوا سفينتهم فخرقتها، كأحوج ما نكون إليها، ولكن علم من ذلك ما لم يعلم نبي الله موسى ذلك من علم الله الذي آتاه، وقد قال لنبي الله موسى عليه السلام (فإن اتبعني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (لقد جئت شيئاً إمرا) ، قال: منكرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 قوله تعالى (قال أقتلت نفسا زكية) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال أقتلت نفسا زكية) قال: الزكية: التائبة. قوله تعالى (لقد جئت شيئاً نكرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لقد جئت شيئاً نكرا) والنكر أشد من الإمر. قوله تعالى ( ... إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني..) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا يحيى بن معين، ثنا يحيى بن آدم، ثنا حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس، عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رحمة الله علينا وعلى موسى -فبدأ بنفسه- لو كان صبر لقص علينا من خبره ولكن قال (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) . (المستدرك 2/574 ك التاريخ) قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ونحوه في الصحيحين كما في الحديث الطويل السابق عن أبي بن كعب - رضي الله عنه -. قوله تعالى (فأردت أن أعيبها) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (فأردت أن أعيبها) ، قال: أخرقها. قوله تعالى (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) ظاهر هذه الآية الكريمة أن ذلك الملك يأخذ كل سفينة صحيحة كانت أو معيبة ولكنه يفهم من آية أخرى أنه لا يأخذ المعيبة وهي قوله (فأردت أن أعيبها) أي لئلا يأخذها وذلك هو الحكمة في خرقه لها المذكور في قوله (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) ثم بين أن قصده بخرقها سلامتها لأهلها من أخذ ذلك الملك الغاصب لأن عيبها يزهده فيها ولأجل ما ذكرنا كانت هذه الآية الكريمة مثالا عند علماء العربية لحذف النعت أي وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غير معيبة بدليل ما ذكرنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 قوله تعالى (وأقرب رحما) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأقرب رحما) : أبر بوالديه. قوله تعالى (وكان تحته كنز لهما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكان تحته كنز لهما) قال: مال لهما. قوله تعالى (وما فعلته عن أمري) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما فعلته عن أمري) كان عبداً مأمورا، فمضى لأمر الله. قوله تعالى (ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا) قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد بن أحمد الثقفي -بقراءتي عليه بأصبهان- قلت له: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك ابن الحسين الخلال -قراءة عليه وأنت تسمع- أنا الإمام أبو الفضل عبد الرحمن ابن أحمد بن الحسن بن بندار الرازي المقري، أنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم ابن أحمد بن علي بن فراس، ثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديلي، ثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ثنا سفيان ابن عيينة عن ابن أبي حسين، عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن الكواء يسأل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن ذي القرنين فقال علي: لم يكن نبياً ولا ملك، كان عبداً صالحاً، أحبّ الله فأحبه، وناصح الله فناصحه الله، بُعث إلى قومه فضربوه على قرنه فمات فبعثه الله، فسمى ذي القرنين. (المختارة 2/175 ح 555) وصححه الحافظ ابن حجر بعد عزوه للمختارة للحافظ الضياء (الفتح 6/383) . وأخرجه الطبري من طريق أبي الطفيل قال: سمعت عليا وسألوه .... فذكره (التفسير 16/9) وسنده صحيح. قال الضياء المقدسي: أخبرنا عبد المعز بن محمد الهروي -قراءةً عليه بها- قلت له: أخبركم محمد بن إسماعيل بن الفضيل -قراءة عليه وأنت تسمع- أنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 محلم بن إسماعيل الضبي، أنا الخليل بن أحمد السِجْزي، أنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا أبو عوانة، عن سماك، عن حبيب بن حماز، قال: كنت عند علي بن أبي طالب، وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب؟ قال: سبحان الله، سُخر له السحاب، ومُدّت له الأسباب، وبسط له النور. فقال: أزيدك؟ قال: فسكت الرجل وسكت علي. (المختارة 2/32 ح 409) وصححه المحقق ونقل توثيق العجلي لحبيب بن حماز (تعجيل المنفعة/84) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وآتيناه من كل شيء سببا) ، يقول: علما. قوله تعالى (فأتبع سببا) أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة (فأتبع سببا) : اتبع منازل الأرض ومعالمها. قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تغرب في عين حمئة) والحمئة: الحمأة السوداء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وجدها تغرب في عين حمئة) ، يقول في عين حارة. قوله تعالى (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة في قوله: (أما من ظلم فسوف نعذبه) ، قال: هو القتل. وقوله (ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا) ، يقول: ثم يرجع إلى الله تعالى بعد قتله، فيعذبه عذاباً عظيما وهو النكر، وذلك عذاب جهنم. قوله تعالى (ثم أتبع سببا) تقدم تفسيرها في الآية (85) من السورة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (من أمرنا يسرا) قال: معروفا. قوله تعالى (كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (خبرا) قال: علما. قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (بين السدين) ، قال: هما جبلان. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (فهل نجعل لك خرجا) ، قال: أجرا. قوله تعالى (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (زبر الحديد) ، يقول: قطع الحديد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (بين الصدفين) ، يقول: بين الجبلين. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: القطر النحاس. قوله تعالى (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب ابنة جحش رضي الله عنهن أنها قالت: استيقظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من النوم محمرا وجهه وهو يقول: "لا إله إلا الله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وعقد سُفيان تسعين أو مائة- قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث". (صحيح البخاري 13/13-14- ك الفتن، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الحديث) ح 7059) ، (صحيح مسلم 4/2207- ك الفتن وأشراط الساعة، ب اقتراب الفتن ... ) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار وغير واحد واللفظ لابن بشار قالوا: حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي رافع من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السدّ قال: "يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغ مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس. قال للذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله واستثنى. قال: فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فيستقون المياه، ويفرّ الناس منهم، فيرمون بسهامهم في السماء فترجع مخضّبة بالدماء، فيقولون: قهرنا مَن في الأرض وعلونا مَن في السماء قسرا وعلوا، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون؛ فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض تسمن وتبطر وتشكَر شَكَرا من لحومهم". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا. (السنن 5/313-314- ك التفسير، ب سورة الكهف ح 3153 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/242-243 ح 6829) من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي قتادة به. وقال محققه: إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أحمد بن المقدام فمن رجال البخاري) وأخرجه الحاكم من طريق هشام ابن عبد الملك وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/488) . نغفا: بالتحريك، دود يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نَغَفَة (النهاية لابن الأثير 5/87) . تشكر: أي تسمن وتمتلئ شحما. يقال شكرت الشاة بالكسر تشكَر شكَراَ بالتحريك إذا سمنت وامتلأ ضرعها لبنا، (النهاية 2/494) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فما اسطاعوا أن يظهروه) قال: ما استطاعوا أن ينزعوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 قوله تعالى (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفح في الصور فجمعناهم جمعا) انظر حديث أبي داود عن عبد الله بن عمرو المتقدم عند الآية (73) من سورة الأنعام. وانظر حديث الترمذي عن أبي سعيد الخدري الآتي عند الآية (68) من سورة الزمر. قوله تعالى (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (لا يستطيعون سمعا) قال: لا يعقلون ولا يستطيعون أن يسمعوا خبراً. قوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) أخرج البخاري بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: سألت أبي (هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) هم الحرورية؟ قال: لا. هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما النصارى كفروا بالجنة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب ... (الصحيح- ك التفسير- الآية، ح 4728) . وقد بين الله تعالى صفة الأخسرين أعمالا في الآية التالية بقوله تعالى: (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) ثم بين مصيرهم وجزاءهم كما في الآية التالية. قوله تعالى (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا المغيرة قال: حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة. وقال: اقرءوا: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) . (صحيح البخاري 8/279- ك التفسير- سورة الكهف، ب (الآية) ح 4729) ، (صحيح مسلم 4/2147- ك صفات المنافقين وأحكامهم..) . قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام، حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجُر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس". (السنن 4/675 ح 2531) ك صفة الجنة، ب ما جاء في صفة درجات الجنة. وأخرجه الحاكم في (المستدرك 1/80) من طريق عفان بن مسلم وأبي الوليد الطيالسي، كلاهما عن همام به، قال الحاكم: إسناده صحيح. وسكت الذهبي. وقال الألباني: صحيح. (صحيح الترمذي ح 2056) وأخرجه الحاكم في الموضع السابق نفسه من حديث أبي هريرة وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) وله شاهد في الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا (صحيح البخاري - كتاب الجهاد- باب درجات المجاهدين ح 2790) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: الفردوس: ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها. قوله تعالى (خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) أي خالدين في جنات الفردوس لا يبغون عنها حولا أي تحولا إلى منزل آخر لأنها لا يوجد منزل أحسن منها يرغب في التحول إليه عنها بل هم خالدون فيها دائماً من غير تحول ولا انتقال وهذا المعنى المذكور هنا جاء موضحا في مواضع أخر كقوله (الذي أحلنا دار المقامة) أي الإقامة أبدا، وقوله (وبشر المؤمنين الذين يعملون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا) وقوله (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) وقوله (عطاء غير مجذوذ) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على دوامهم فيها، ودوام نعيمها لهم والحول اسم مصدر بمعنى التحول. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لا يبغون عنها حولا) قال: متحولا. قوله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) أمر جل وعلا نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة أن يقول: (لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) أي لو كان ماء البحر مدادا للأقلام التي تكتبها كلمات الله (لنفد البحر) أي فرغ وانتهى قبل أن تنفد كلمات ربي (ولو جئنا بمثله مددا) أي ببحر آخر مثله مددا أي زيادة عليه. وقوله (مددا) منصوب على التمييز ويصح إعرابه حالا وقد زاد هذا المعنى إيضاحا في سورة لقمان في قوله تعالى (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) الآية وقد دلت هذه الآيات على أن كلماته تعالى لا نفاد لها سبحانه وتعالى علوا كبيرا. قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل، فقال: سلوه عن الروح، قال: فسألوه عن الروح، فأنزل الله (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) قالوا: أوتينا علما كثيراً التوراة، ومن أوتى التوراة فقد أوتي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 خيرا كثيرا، فأنزلت: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر) إلى آخر الآية. (السنن 5/304 ح 3140- ك التفسير، ب ومن سورة بنى إسرائيل) . وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه النسائي (التفسير 2/28 ح 334) ، وأحمد (المسند ح 2309) كلاهما عن قتيبة به، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/301 ح 99) من طريق: مسروق بن المرزبان، والحاكم (المستدرك 2/531) من طريق: يحيى بن يحيى. كلاهما عن ابن أبي زائدة به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر: رجاله رجال مسلم (فتح الباري 8/401) وصححه كل من محقق المسند والنسائي، وقال الألباني: صحيح الإسناد (صحيح الترمذي ح 2510) . وقد تقدم مثله من حديث ابن مسعود عند البخاري تحت الآية (85) من سورة الإسراء، لكن بدود ذكر نزول آية الكهف. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (البحر مدادا لكلمات ربي) ، للقلم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) ، يقول: إذا لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات الله وحكمه. قوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا روح ابن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه". (الصحيح 4/2289 ح 2985- ك الزهد والرقائق، ب من أشرك في عمله غير الله) . قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثي سلمة بن كهيل ح. وحدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن سلمة قال سمعت جندبا يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ولم أسمع أحدا يقول: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيره، فدنوت منه فسمعته يقول: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ --: "من سمع سمع الله به، ومن يُرائي يرائي الله به". (الصحيح 11/343 ح 6499- ك الرقائق، ب الرياء والسمعة) . وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الزهد، ب من أشرك في عمله غير الله ح 2987) . قال الحاكم: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني: ثنا جدي، ثنا نعيم بن حماد، ثنا ابن المبارك، أنبأ معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله إني أقف الموقف أريد وجه الله وأريد أن يرى موطني؟ فلم يرد عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً حتى نزلت (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) . (المستدرك 2/111- ك الجهاد، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 سورة مريم قوله تعالى (كهيعص) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (كهيعص) قال: فإنه قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (كهيعص) قال: اسم من أسماء القرآن. قوله تعالى (ذكر رحمت ربك عبده زكريا) انظر لبيان قصة زكريا تفسير الآيات (1-11) من السورة نفسها، وسورة آل عمران من الآية (38-41) وسورة الأنبياء الآية (89-90) . قال مسلم: حدثنا هداب بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان زكريا نجارا". (الصحيح 4/1847 ح 2379- ك الفضائل، ب من فضائل زكريا عيه السلام) . قوله تعالى (إذ نادى ربه نداء خفيا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إذ نادى ربه نداء خفيا) أي سرا، وإن الله يعلم القلب النقي، ويسمع الصوت الخفي. قوله تعالى (قال رب إني وهن العظم مني) قال ابن أبي حاتم: حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي قال: رغب زكريا في الولد، فقام فصلى، ثم دعا ربه سرا فقال: (رب إني وهن العظم مني ... ) إلى (واجعله رب رضيا) وقوله (قال رب إني وهن العظم مني) يقول تعالى ذكره فكان نداؤه الخفي الذي نادى به ربه أن قال: (رب إني وهن العظم مني) يعنى بقوله (وهن) ضعف ورق من الكبر. وسنده حسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 قوله تعالى (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (خفت الموالي من ورائي) ، قال: العصبة. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فهب لي من لدنك وليا) يعني بهذا الولي الولد خاصة دون غيره من الأولياء، بدليل قوله تعالى في القصة نفسها (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) الآية، وأشار إلى أنه الولد أيضاً بقوله (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) فقوله (لا تذرني فردا) أي واحدا بلا ولد. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة عن زكريا (وإني خفت الموالى من ورائي) أي من بعدي إذا مت أن يغيروا في الدين وقد قدمنا أن الموالي الأقارب والعصبات، ومن ذلك قوله تعالى (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) الآية. قوله تعالى (يرثني ويرث من آل يعقوب) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة والعباس عليهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدَك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال". قال أبو بكر. والله لا أدع أمرا رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنعه فيه ألا صنعته، قال: فهجرتْه فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت. (صحيح البخاري 12/7- ك الفرائض، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نورث ... " الحديث ح 6725، 6726) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (يرثني ويرث من آل يعقوب) قال: وكان وراثته غلاما، وكان زكريا من ذرية يعقوب. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة عن الحسن في قوله (يرثني ويرث من آل يعقوب) ، قال: نبوته وعلمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 قوله تعالى (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) في هذه الآية الكريمة حذف دل المقام عليه وتقديره فأجاب الله دعاءه فنودي (يا زكريا) الآية وقد أوضح جل وعلا في موضع آخر هذا الذي أجمله هنا فبين أن الذي ناداه بعض الملائكة وأن النداء المذكور وقع وهو قائم يصلي في المحراب وذلك قوله تعالى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) عبد أحياه الله للإيمان. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (لم نجعل له من قبل سميا) ، قال: لم يسم أحد قبله يحيى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ليحيى (لم نجعل له من قبل سميا) ، يقول: لم تلد العواقر مثله ولدا قط. قوله تعالى (قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عتيا) قال: نحول العظم. قوله تعالى (قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) قال الشنقيطي: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) أي ومن خلقك ولم تك شيئ فهو قادر على أن يرزقك الولد المذكور كما لا يخفى وهذا الذي قاله هنا لزكريا من أنه خلقه ولم يك شيئاً أشار إليه بالنسبة إلى الإنسان في مواضع أخر كقوله (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً) الآية، وقوله تعالى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 قوله تعالى (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ثلات ليال سويا) ، يقول: من غير خرس. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ثلاث ليال سويا) قال: صحيحا لا يمنعك من الكلام مرض. قوله تعالى (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فأوحى) فأشار زكريا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) ، قال: أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا. قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (خذ الكتاب بقوة) ، قال: يجد في طاعة الله عز وجل. قوله تعالى (وحنانا من لدنا وزكاة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وحنانا من لدنا) ، يقول: ورحمة من عندنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وزكاة) ، قال: الزكاة العمل الصالح. انظر قصة مريم سورة آل عمران آية (42-48) . قوله تعالى (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) أي: انفردت من أهلها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (مكانا شرقيا) ، قال: من قبل المشرق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 قوله تعالى (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاتخذت من دونهم حجابا) من الجدران. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأرسلنا إليها روحنا) ، قال: أرسل إليها فيما ذكر لنا جبريل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فتمثل لها بشرا سويا) فلما رأته فزعت منه وقالت: (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) فقالت: إني أعوذ أيها الرجل بالرحمن منك تقول: استجير بالرحمن منك أن تنال مني ما حرمه عليك إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه وتجتنب معاصيه لأن من كان لله تقيا فإنه يجتنب ذلك ولو وجه ذلك إلى أنها عنت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تتقي الله في استجارتي واستعاذتي به منك كان وجها. قوله تعالى (قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك كلاما زكيا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن ذلك الروح الذي هو جبريل قال لها: إنه رسول ربها ليهب لها أي ليعطيها غلاما أي ولدا زكيا أي طاهر من الذنوب والمعاصي كثير البركات وبين في غير هذا الموضع كثيراً من صفات هذا الغلام الموهوب لها وهو عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كقوله (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين) وقوله (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني جئتكم بآية من ربكم إني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 قوله تعالى (قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولم أك بغيا) ، يقول: زانية (قال كذلك قال ربك هو علي هين) يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو علي هين أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك على هين لا يتعذر علي خلقه وهبته لك ... قال الشيخ الشنقيطي: قول جبريل لمريم في هذه الآية (كذلك قال ربك هو علي هين) أي: وستلدين ذلك الغلام المبشر به من غير أن يمسك بشر وقد أشار تعالى إلى معنى هذه الآية في سورة آل عمران في قوله (قالت أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) . قوله تعالى (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) انظر حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (36) من سورة آل عمران، وهو حديث: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه ... إلا مريم وابنها". أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: طرحت عليها جلبابها لما قال جبريل ذلك لها فأخذ جبريل بكميها، فنفخ في جيب درعها .... أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مكانا قصيا) قال: قاصيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) ، قال: اضطرها إلى جذع النخلة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكنت نسيا منسيا) : أي شيئاً لا يعرف ولا يذكر. قوله تعالى (فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فناداها من تحتها) : أي من تحت النخلة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فناداها من تحتها) قال: الملك. قال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب في قوله تعالى (قد جعل ربك تحتك سريا) ، قال: هو الجدول، النهر الصغير. (التفسير 2/8 ح 1758) وسنده صحيح. وأخرجه الحاكم من طريق الثوري وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/373) وأخرجه الطبري من طريق الثوري وفيه تصريح أبي إسحاق السبيعي عن البراء (التفسير 16/69) وأخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم، ووصله الحافظ ابن حجر (انظر الفتح 6/479) . قوله تعالى (فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إني نذرت للرحمن صوما) أما قوله (صوما) فإنها صامت من الطعام والشراب والكلام. قوله تعالى (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (فريا) قال: شيئا عظيما. قوله تعالى (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نصر وأبو سعيد الأشج ومحمد بن المثنى العَنَزي (واللفظ لابن نمير) قالوا: حدثنا ابن إدريس عن أبيه، عن سِماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة. قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 لما قدمتُ نجران سألوني. فقالوا: إنكم تقرؤُن: يا أخت هارون. وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سألته عن ذلك. فقال: "إنهم كانوا يُسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم". (الصحيح مسلم 3/1685- ك الآداب، ب النهي عن التكني بأبي القاسم.. ح 2135) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (يا أخت هارون) قال: كان رجلاً في بني إسرائيل صالحاً يسمى هارون، فشبهوها به، فقالوا يا شبيهة هارون في الصلاح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: لما قالوا لها (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) قالت لهم: ما أمرها الله به، فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه، إلى عيسى. قوله تعالى (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كان في المهد صبيا) المهد. الحجر. قوله تعالى (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه الوحي ولا يرسل. قوله تعالى (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) امترت فيه اليهود والنصارى، فأما اليهود فزعموا أنه ساحر كذاب وأما النصارى فزعموا أنه ابن الله، وثالث ثلاثة، وإله، وكذبوا كلهم، ولكنه عبد الله ورسوله وكلمته وروحه. وانظر تفسير سورة النساء آية (171) حديث البخاري عن ابن عباس. قوله تعالى (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) انظر سورة البقرة آية (117) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 قوله تعالى (وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم: هو الإسلام. قوله تعالى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فاختلف الأحزاب من بينهم) ، قال: أهل الكتاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أسمع بهم وأبصر) ذاك والله يوم القيامة، سمعوا حين لا ينفعهم السمع، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر. قوله تعالى (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) قال البخاري: حدثنا عُمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فيُنادى منادٍ: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلهم قد رآه. ثم يُنادى: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلهم قد رآه. فيُذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت. ويا أهل النار، خلود فلا موت. ثم قرأ (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة -وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا- وهم لا يؤمنون) . (صحيح البخاري 8/282 ح 4730 ك التفسير- سورة مريم، ب (الآية)) . (صحيح مسلم 4/2188- ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وأنذرهم يوم الحسرة) من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. وقوله (إذ قضي الأمر) يقول: إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها بذبح الموت. وقوله (وهم في غفلة) يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين من قبورهم، من تخليده إياهم في جهنم، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم (وهم لا يؤمنون) يقول تعالى ذكره وهم لا يصدقون بالقيامة والبعث، ومجازاة الله إياهم على سيء أعمالهم بما أخبر أنه مجازيهم به. قوله تعالى (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) قال الشيخ الشنقيطي: معنى قوله جل وعلا في هذه الآية أنه يرث الأرض ومن عليها أنه يميت جميع الخلائق الساكنين بالأرض، ويبقى هو جل وعلا لأنه هو الحي الذي لا يموت، ثم يرجعون إليه يوم القيامة، وقد أشار إلى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقوله تعالى (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك) ، قال: بالشتيمة والقول. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مليا) قال: حينا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (واهجرني مليا) قال: طويلا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (واهجرني مليا) يقول: اجتنبني سويا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 قوله تعالى (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) بين هذا أنه بسبب الموعد على ذلك ولكن لما أصر أبوه على الكفر تبرأ إبراهيم من أبيه كما ورد في قوله تعالى (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) سورة التوبة: 114. وانظر عن قصة إبراهيم مع أبيه سورة الشعراء آية (69-70) وسورة الصافات آية (83-99) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنه كان بي حفيا) يقول: لطيفا. قوله تعالى (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) يقول: الثناء الحسن. قوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) انظر عن موسى وقصته مع أخيه هارون سورة الأعراف (142-150) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (من جانب الطور الأيمن) قال: جانب الجبل الأيمن. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وقربناه نجيا) قال: نجا بصدقه. انظر عن إسماعيل سورة الصافات الآيات (101-107) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 قوله تعالى (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعاه مكانا عليا) قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا شيبان عن قتادة في قوله: (ورفعناه مكان عليا) ، قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة". (السنن 5/316 ح 3157- ك التفسير، ب ومن سورة مريم وأخرجه الطبري (التفسير 16/97) بسنده إلى قتادة. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2524) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ورفعناه مكانا عليا) قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله حدث أنه لما عرج به إلى السماء قال: أتيت على إدريس في السماء الرابعة. وانظر حديث أنس عن أبي ذر في الصحيحين تقدم في بداية سورة الإسراء. قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) بين فيه أن هؤلاء الأنبياء المذكورين إذا تتلى عليهم آيات ربهم بكوا وسجدوا، وأشار إلى هذا المعنى في مواضع أخر بالنسبة للمؤمنين لاخصوص الأنبياء كقوله تعالى (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وقوله (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) . قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) قال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، ثنا حيوة، أخبرني بشير بن أبي عمرو الخولاني: أن الوليد بن قيس حدثه: أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول سمعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر". قال بشير: فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال المنافق: كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يؤمن به. (المسند 3/38) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/32 ح 755) من طريق عبدة بن عبد الرحمن، والحاكم (المستدرك 2/374) من طريق زكريا بن أبي ميسرة، كلاهما عن أبي عبد الرحمن المقرئ به. قال الحاكم: حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح. وذكره ابن كثير وعزاه إلى الإمام أحمد ثم قال: إسناده جيد قوي على شرط السنن (البداية 6/259) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ، قال: عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فسوف يلقون غيا) ، يقول: خسرانا. قوله تعالى (إلا من تاب وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وعد عباده المؤمنين المطيعين جنات عدن ثم بين أن وعده مأتي بمعنى أنهم يأتونه وينالون ما وعدوا به لأنه جل وعلا لا يخلف الميعاد وأشار لهذا المعنى في مواضع أخر كقوله (وعد الله لايخلف الله وعده) الآية وقوله (إن الله لايخلف الميعاد) . قوله تعالى (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري، عن محمود بن لبيد الأنصاري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً". (الإحسان 10/515 ح 4658، قال محققه: إسناده قوي) وأخرجه أحمد (المسند 1/266) عن يعقوب به، والحاكم (المستدرك 2/74) من طريق: يزيد بن هارون عن ابن إسحاق به، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: إسناد جيد (التفسير 2/142) ونسبه الهيثمي لأحمد والطبراني، ثم قال: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 5/298) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) ، قال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب له، فأخبرهم الله أن لهم الجنة بكرة وعشيا، قدر ذلك الغداء والعشاء. قوله تعالى (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) الإشارة في قوله (تلك) إلى ما تقدم من قوله (فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب) الآية وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يورث المتقين من عباده جنته وقد بين هذا المعنى أيضاً في مواضع أخر كقوله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى قوله (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وقوله (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) الآيات، وقوله تعالى (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) الآية وقوله (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) . قوله تعالى (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجبريل: "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا ... ) ". (الصحيح- ك التفسير، (الآية) ح 4731) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) ، قال: هذا قول جبرائيل، احتبس جبرائيل في بعض الوحي، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرائيل: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) ". وأخرجه الطبري بسند صحيح عن مجاهد بمعناه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (له ما بين أيدينا) من أمر الآخرة (وما خلفنا) من أمر الدنيا (وما بين ذلك) ما بين الدنيا والآخرة. قوله تعالى ( ... وما كان ربك نسيّا) قال الحاكم: أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا أبو نعيم، ثنا عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - رفع الحديث قال: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فأقبلوا من الله العافية فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية (وما كان ربك نسيا) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/375) - ك التفسير. وصححه الذهبي. وعزاه الحافظ ابن حجر إلى البزار ونقل عنه أن سنده صالح (الفتح 13/226) وعزاه الهيثمي إلى البزار والطبراني في الكبير وقال: إسناده حسن ورجاله موثقون (مجمع الزوائد 1/171) . قوله تعالى (رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (هل تعلم له سميا) ، يقول: هل تعلم للرب مثلا أو شبيها. قوله تعالى (ويقول الإنسان أءذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً) انظر سورة يس آية (77-79) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 قوله تعالى (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) انظر الآية (72) من السورة نفسها لبيان جثيا: على ركبهم. قوله تعالى (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا) أخرج الطبري الصحيح عن مجاهد قوله (من كل شيعة) قال: أمة. وقوله (عتيا) ، قال: كفرا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أيهم أشد على الرحمن عتيا) ، يقول: عصيا. قوله تعالى (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. فذكر حديث رؤية الرب في الآخرة، وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا يا رسول الله: وما الجسر؟ قال: "مدحضة مزلة عليع خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيقاء تكون بنجد يقال لها السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحباً فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا، قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة ... ". (الصحيح 13/431 ح 7439- ك التوحيد، ب قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة)) . قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله، حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرتني أم مبشر، أنها سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول عند حفصة: "لا يدخل النار، إن شاء الله، مِن أصحاب الشجرة، أحد. الذين بايعوا تحتها. قالت: بلى يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! فانتهرها. فقالت حفصة: (وإن منكم إلا واردها) فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد قال الله عز وجل: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) . (صحيح مسلم 4/1942 ح 2496- ك فضائل الصحابة، ب من فضائل أصحاب الشجرة) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عُبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي. قال: سألت مُرّة الهَمْداني عن قول الله عز وجل (وإن منكم إلا واردها) فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يرد الناس النار ثم يصدُرون منها بأعمالهم فأولهم كلَمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رِحله، ثم كشد الرّحل، ثم كمشيه". قال: هذا حديث حسن ورواه شعبة عن السدي، فلم يرفعه. (السنن 5/317- ك التفسير، في سورة مريم ح 3159 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/375 ك التفسير مطولا وصححه الذهبي، وجعله البغوي في المصابيح من قسم الحسن (انظر المشكاة 3/1560 ح 5606) . قال الحاكم: حدثني علي بن حمشاذ العدل، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي والحسين بن الفضل البجلي قالا: ثنا سليمان بن حرب، ثنا أبو صالح غالب بن سليمان بن حرب، عن كثير بن زياد أبي سهل، عن منية الأزدية، عن عبد الرحمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 ابن شيبة قال: اختلفنا هاهنا في الورود فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون: يدخلونها جميعاً ثم ينجي الله الذين اتقوا فقلت له: إنا اختلفنا فيها بالبصرة، فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون: يدخلونها جميعاً ثم ينجي الله الذين اتقوا؟ فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه فقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الورود: الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار -أو قال لجهنم- ضجيجا من نزفها" ثم قال: (ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا) . (المستدرك 4/587 ك الأهوال وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي) . وأخرجه أحمد (المسند 3/328-329) والبيهقي (شعب الإيمان 2/259 ح 364) عن سليمان بن حرب به) وقال البيهقي: هذا إسناد حسن. وقال المنذري: رجاله ثقات (الترغيب 2/306) وقال الهيثمي رواه أحمد ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/55) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن منكم إلا واردها) ، يعني: جهنم مر الناس عليها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (حتما) ، قال: قضاء. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ونذر الظالمين فيها جثيا) على ركبهم. قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وأحسن نديا) ، يقول: مجلسا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أحسن أثاثا ورئيا) ، يقول: منظرا. وانظر سورة الإسراء آية (17) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 قوله تعالى (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا) أن صيغة الطلب في قوله (فليمدد) يراد بها الإخبار عن سنة الله في الضالين وعليه فالمعنى أن الله أجرى العادة بأن يمهل الضال ويملي له فيستدرجه بذلك حتى يرى ما يوعده وهو في غفلة وكفر وضلال. وتشهد لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما) الآية، وقوله (فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة) الآية، كما قدمنا قريباً بعض الآيات الدالة عليه. قوله تعالى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) دليل على رجحان القول الثاني في الآية المتقدمة وأن المعنى أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة ومن اهتدى زاده الله هدى والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة كقوله في الضلال (فلما زاغو أزاغ الله قلوبهم) وقوله (بل طبع الله عليها بكفرهم) وقوله (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم) وقوله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) الآية. كما قدمنا كثيرا من الآيات الدالة على هذا المعنى. وقال في الهدى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) وقال: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وقال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 وانظر حديث أحمد عن عثمان المتقدم عند الآية (46) من سورة الكهف، وفيه تفسير الباقيات الصالحات. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (والباقيات الصالحات) ، قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله هن الباقيات الصالحات. قوله تعالى (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: سمعت خبّاباً قال: جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: لا. حتى تموت ثم تبعث. قال: وإني لميِّت ثم مبعوث؟ قلت: نعم. قال: إنّ لي هناك مالا وولدا فأقضيك، فنزلت هذه الآية (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا) . رواه الثوري وشعبة وحفص وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش. (صحيح البخاري 8/283- ك التفسير، سورة مريم، ب (الآية) ح 4732) ، (صحيح مسلم 4/2153- ك صفات المنافقين، وأحكامهم، ب سؤال اليهود النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الروح .... ح 2795) . قوله تعالى (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا) قال الشيخ الشنقيطي: أظهر الأقوال عندي في معنى العهد في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) أن المعنى: أم أعطاه الله عهدا أنه سيفعل له ذلك بدليل قوله تعالى في نظيره في سورة البقرة: (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده) وخير ما يفسر به القرآن القرآن وقيل العهد المذكور: العمل الصالح. وقيل شهادة أن لا إله إلا الله. قوله تعالى (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن الضحاك يقول: (ويكونون عليهم ضدا) قال: أعداء. قوله تعالى (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (تؤزهم أزاً) قال: تزعجهم إزعاجاً في معاصي الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 قوله تعالى (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله (فلا تعجل عليهم) أي: لا تستعجل وقوع العذاب بهم فإن الله حدد له أجلا معينا معدودا فإذا انتهى ذلك الأجل جاءهم العذاب فقوله (إنما نعد لهم عدا) أي: نعد الأعوام والشهور والأيام التي دون وقت هلاكهم فإذا جاء الوقت المحدد لذلك أهلكناهم. والعرب تقول: عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن هلاك الكفار حدد له أجل محدود ذكره في مواضع كثيرة من كتابه كقوله تعالى (ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) وقوله تعالى (يستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) الآية، وقوله تعالى (وما نؤخره إلا لأجل معدود) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إنما نعد لهم عدا) ، يقول: أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا، فهي معدودة كسنهم وآجالهم. قوله تعالى (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) ، يقول: ركبانا. قال البخاري: حدثنا معلي بن أسد، حدثنا وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا: وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا". (الصحيح 11/377 ح 6522- ك الرقاق، ب الحشر) وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2195 ح 2861 - ك الجنة، ب فناء الدنيا وبيان الحشر..) وعنده: (راغبين راهبين) بدون واو بينهما. قوله تعالى (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ونسوق المجرين إلى جهنم وردا) ، يقول: عطاشا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 قوله تعالى (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) انظر حديث ابن خريمة عن أنس المتقدم عند الآية (31) من سورة النساء وهو حديث: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) ، قال: العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجوا إلا الله. قوله تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ... ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية وأبو أسامة، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي موسى. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أحد أصبر على أذىً يسمعه من الله عز وجل، إنه يُشرك به، ويُجعل له الولد، ثم هو يعافيهم ويرزقهم". (الصحيح 4/2160 ح 2804- ك صفات المنافقين، ب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل) قوله تعالى (لقد جئتم شيئاً إدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (شيئاً إدا) يقول: قولا عظيما. قوله تعالى (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) ، قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول منه لعظمة الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتخر الجبال هدا) يقول: هدما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) قال البخاري: حدثني إسحاق، حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمن -هو ابن عبد الله بن دينار- عن أبيه عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله قد أحبّ فلانا فأحبه فيُحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض". (صحيح البخاري 13/468 ح 7485- ك التوحيد، ب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2030 ح 2637- ك البر والصلة، ب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وزاد فيه: "وإذا أبغض عبدا دعا جبريل" وأخرجه الترمذي (السنن 5/317 ح 3161 وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (5/263) وفيهما زيادة في آخره: فذلك قول الله (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) وقال الترمذي. حديث حسن صحيح. وأشار الحافظ إلى ثبوت هذه الزيادة عند الترمذي وابن أبي حاتم (الفتح 10/462) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (سيجعل لهم الرحمن ودا) قال: حبا. قوله تعالى (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لدا) قال: لايستقيمون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو تسمع لهم ركزا) قال: صوتا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 سورة طه قوله تعالى (طه) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة والحسن في قوله (طه) ، قالا: يا رجل. قوله تعالى (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) لا والله ما جعله الله شقيا ولكن جعله رحمة ونورا ودليلا إلى الجنة. قوله تعالى (إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى) قال الشيخ الشنقيطي: أظهر الأقوال فيه: أنه مفعول لأجله أي ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة أي إلا لأجل التذكرة لمن يخشى الله ويخاف عذابه والتذكرة الموعظة التي تلين لها القلوب فتمتثل أمر الله وتجتنب نهيه وخص بالتذكرة من يخشى دون غيرهم لأنهم هم المنتفعون بها كقوله تعالى (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) وقوله (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب) وقوله (إنما أنت منذر من يخشاها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إلا تذكرة) وإن الله أنزل كتبه وبعت رسله رحمة رحم الله بها العباد، ليتذكر ذاكر وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله، وهو ذكر له أنزل الله فيه حلاله وحرامه فقال: (تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات) . قوله تعالى (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يعلم السر وأخفى) قال: السر: ما أسر ابن آدم في نفسه. وأخفى: قال: ما أخفى ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 قوله تعالى (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه المعبود وحده وأن له الأسماء الحسنى وبين أنه المعبود وحده في آيات لا يمكن حصرها لكثرتها كقوله (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقوله (فاعلم أنه لا إله إلا الله) الآية. قوله تعالى (وهل آتاك حديث موسى) إلى قوله (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) وفيها قصة تكليم الله عز وجل لموسى عليه الصلاة والسلام، وبعض الآيات وإرساله إلى فرعون مع هارون وقد ورد تفصيلها في سورة الأعراف (143-144) ، وسورة الشعراء (10-15) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو أجد على النار هدى) ، يقول: من يدل على الطريق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنك بالواد المقدس) ، يقول: المبارك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (طوى) : اسم للوادي. قوله تعالى (وأقم الصلاة لذكري) قال مسلم: وحدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثني أبي، حدثنا المثنى عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول: أقم الصلاة لذكري". (صحيح مسلم 1/477 ح 316- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب قضاء الصلاة الفائتة. وأخرجه أيضا بنحوه من حديث أبي هريرة 1/471 ح 680. صحيح البخاري 2/84- ك مواقيت الصلاة، ب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ح 57) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أقم الصلاة لذكرى) قال: إذا صلى ذكر ربه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أكاد أخفيها) ، يقول: لا أظهر عليها أحدا غيري. أخرج البستي بسنده الصحيح عن عكرمة في قوله (وأهش بها على غنمي) قال: العصا أضرب بها الورق فيتساقط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولي فيها مآرب أخرى) ، يقول: حاجة أخرى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (سيرتها الأولى) ، يقول: حالتها الأولى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إلى جناحك) ، قال: كفه تحت عضده. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (من غير سوء) ، قال: من غير برص. قوله تعالى (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) هذه الآيات في قصة موسى عليه السلام فترة أول حياته، انظر سورة القصص الآيات (7-13) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فاقذفيه في اليم) وهو البحر وهو النيل. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولتصنع على عيني) قال: هو غذاؤه ولتغذى على عيني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 قال الشيخ الشنقيطي: هذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كون أخته مشت إليهم وقالت لهم: (هل أدلكم على من يكفله) أوضحه جل وعلا في سورة القصص فبين أن أخته المذكورة مرسلة من أمها لتتعرف خبره بعد ذهابه في البحر وأنها أبصرته من بعد وهم لا يشعرون بذلك وأن الله حرم عليه المراضع غير أمه تحريما قدريا كونيا فقالت لهم أخته: (هل أدلكم على من يكفله) أي على مرضع يقبل هو ثديها وتكفله لكم بنصح وأمانة وذلك في قوله تعالى (وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) فقوله تعالى في آية القصص هذه (وقالت لأخته) أي قالت أم موسى لأخته وهي ابنتها (قصيه) أي: اتبعي أثره وتطلبي خبره حتى تطلعي على حقيقة أمره. قوله تعالى (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى) قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عُمر بن أبان وواصل بن عبد الأعلى وأحمد بن عمر الوكيعي -واللفظ لابن أبان- قالوا: حدثنا ابن فضيل عن أبيه. قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي، عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الفتنة تجيء من هاهنا" وأومأ بيده نحو المشرق مِن حيث يطلع قرنا الشيطان" وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض. وإنما قتل موسى الذي قتل، مِن آل فرعون، خطأ فقال الله عز وجل له (وقتلت نفسا فنجّيناك من الغم وفتنّاك فتونا) . قال أحمد بن عمر في روايته عن سالم: لم يقل: سمعت. (صحيح مسلم 3/2229-2230- ك الفتن وأشراط الساعة، ب الفتنة في المشرق من حيث طلع قرنا الشيطان) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا) لم يبين هنا جل وعلا في هذه الآية الكريمة سبب قتله لهذه النفس ولا ممن هي ولم يبين السبب الذي نجاه به من ذلك الغم ولا الفتون الذي فتنه ولكنه بين في سورة القصص خبر القتيل المذكور في قوله تعالى (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال: هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. قال: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) وأشار إلى القتيل المذكور في قوله (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) وهو المراد بالذنب في قوله تعالى عن موسى (فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون) وهو مراد فرعون بقوله لموسى فيما ذكره الله عنه (وفعلت فعلتك التي فعلت) الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فنجيناك من الغم) قال: من غم قتل النفس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وفتناك فتونا) ، يقول: اختبرناك اختبارا. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى) السنين التي لبثها في مدين هي المذكورة في قوله تعالى (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (على قدر يا موسى) قال: على موعد. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (على قدر يا موسى) قال: على قدر الرسالة والنبوة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 قوله تعالى (واصطنعتك لنفسي) قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد ابن سرين عن أبي هريرة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت الذي أشقيت الناسَ وأخرجتهم من الجنة؟ قال له آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم. قال: فوجدتها كُتب عليّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم. فحجّ آدم موسى". (صحيح البخاري 8/288- ك التفسير- سورة طه ح 4736) . قوله تعالى (اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا تنيا) قال: لا تضعفا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولا تنيا) ، يقول: لا تبطئا. قوله تعالى (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) أمر الله جل وعلا نبيه موسى وهرون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يقولا لفرعون حال تبليغ رسالة الله إليه (قولا لينا) أي كلاما لطيفا سهلا رقيقا ليس فيه ما يغضب وينفر وقد بين جل وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله (اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى) وهذا والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أن يفرط علينا) قال: عقوبة منه. قوله تعالى (إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أن العذاب على من كذب وتولى) كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 قوله تعالى (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) سؤال فرعون عن رب موسى وجواب موسى له جاء موضحا في سورة الشعراء بأبسط مما هنا وذلك في قوله (قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) ، يقول: خلق لكل شيء زوجة، ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة والحسن في قوله (أعطى كل شيء خلقه) ، قال: أعطى كل شيء ما يصلحه، ثم هداه لذلك. قوله تعالى (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) ، يقول: لا يخطيء ربي ولا ينسى. قوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وسلك لكم فيها سبلا) أي طرقا. قال الشيخ الشنقيطي: قوله في هذه الآية (أزواجا من نبات شتى) أي أصنافا مختلفة من أنواع النبات فالأزواج جمع زوج، وهو هنا الصنف من النبات كما قال تعالى في سورة الحج (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) أي من كل صنف حسن من أصناف النبات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (من نبات شتى) ، يقول: مختلف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 قوله تعالى (كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى) انظر آية (128) من السورة نفسها لبيان النهى: التقى. قوله تعالى (ومنها نخرجكم تارة أخرى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنها نخرجكم تارة أخرى) يقول: مرة أخرى. قوله تعالى (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى) انظر بيان الآيات سورة الإسراء آية (101) وفيها بيان الآيات المعجزات التسع، وسورة الشعراء آية (32-33) . قوله تعالى (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) انظر سورة الشعراء آية (34-37) وفي هذه الآيات بيان أن فرعون هو الذي أخبر لقومه أن موسى يريد أن يخرجهم من أرضهم بواسطة سحره، وأن جمع السحرة جاء بعد مشاورة بين فرعون وقومه، وانظر آية (63) من هذه السورة. قوله تعالى (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (مكانا سوى) قال: منصفا بينهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (قال موعدكم يوم الزينة) يوم عيد كان لهم. وقوله (وأن يحشر الناس ضحى) يجتمعون لذلك الميعاد الذي وعدوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فيسحتكم بعذاب) يقول: فيهلككم. انظر عن كيد فرعون في جمع السحرة وإبطال سحرهم على يد موسى عليه السلام في سورة الأعراف آية (113-119) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 قوله تعالى (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى) من دون موسى وهارون، قالوا في نجواهم (إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ويذهبا بطريقتكم المثلى) ، يقول: أمثلكم وهم بنو إسرائيل. قوله تعالى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) فأوحى الله إليه (لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا) فأكلت كل حية لهم، فلما رأوا ذلك سجدوا و (قالوا آمنا برب العالمين رب هارون وموسى) . وانظر تفصيل سبب سجودهم في سورة الأعراف الآية (107-120) . قوله تعالى (قال آمنتم له قبل أن أذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصبنكم في جذوع النخل) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولأصلبنكم في جذوع النخل) لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا، وآمنوا عند ذلك، قال عدو الله (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) .. الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 قوله تعالى (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) انظر سورة الشعراء آية (50-51) . قوله تعالى (إنه من يأت ربه مجرما فإن له نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) قال مسلم: وحدثي نصر بن علي الجهضمي، حدثنا بِشر -يعني ابن المفضل-، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال بخطاياهم- فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر. فبُثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" فقال رجل من القوم: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كان بالبادية. (الصحيح 1/172-173 ح 185- ك الإيمان، في إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار) . وانظر تتمة قول السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام، وتحديهم لفرعون، في سورة الأعراف آية (125-126) . قوله تعالى (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أوحى إلى نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يسري بعباده، وهم بنو إسرائيل فيخرجهم من قبضة فرعون ليلاً، وأن يضرب لهم طريق في البحر يبسا، أي يابسا لا ماء فيه ولا بلل، وأنه لا يخاف من فرعون وراءه أن يناله بسوء. ولا يخشى البحر أمامه أن يغرق قومه. وقد أوضح هذه القصة في غير هذا الموضع كقوله في سورة الشعراء (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 لجميع حاذرون فأخرجنهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) . قال البخاري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا شعبة، حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا؟ هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه". (صحيح البخاري 8/288- ك التفسير- سورة طه، ب (الآية) ح 4737) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يبسا) ، قال: يابسا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (لا تخاف دركا ولا تخشى) يقول: (لا تخاف) من آل فرعون (دركا ولا تخشى) من البحر غرقا. قوله تعالى (وأضل فرعون قومه وما هدى) قال الشيخ الشنقيطي: يعني أن فرعون أضل قومه عن طريق الحق وما هداهم إليها. وهذه الآية الكريمة بين الله فيها كذب فرعون في قوله (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيمة فأوردهم النار بئس الورد المورود) . قوله تعالى (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى) انظر سورة البقرة آية (57) وفيها بيان المن والسلوى، وانظر آية (51) لبيان المواعدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 قوله تعالى (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولا تطغوا فيه) ، يقول: ولا تظلموا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (فيحل عليكم غضبي) يقول: فينزل عليكم غضبي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فقد هوى) ، يقول: فقد شقى. قوله تعالى (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإني لغفار لمن تاب) من الشرك (وآمن) ، يقول: وحد الله (وعمل صالحاً) ، يقول: أدى فرائضي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ثم اهتدى) ، يقول: لم يشكك. قوله تعالى (قال فإنا قد فتننا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي) قال الحاكم: أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا عفان، ثنا أبو عوانة -وأخبرنا- أبو الحسين، ثنا جعفر، ثنا سعد بن عبد الحميد، ثنا هشام عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ورحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح". (وصححه الحاكم في (المستدرك 2/380- ك التفسير- سورة طه. ووافقه الذهبي) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) : أي حزينا على ما صنع قومه من بعده. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (موعدي) قال: عهدي، وذلك العهد والموعد هو ما بيناه قبل. قوله تعالى (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما أخلفنا موعدك بملكنا) ، يقول: بأمرنا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أوزارا) ، قال: أثقالا. وقوله (من زينة القوم) ، قال: هي الحلي التي استعاروها من آل فرعون فهي الأثقال أو الأنفال. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فقذفناها) قال: فألقيناها (فكذلك ألقى السامري) : كذلك صنع. قوله تعالى (فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فنسي) يقول: قال السامري: موسى نسى ربه عندكم. وهو اختيار الطبري. وانظر في الآيات التالية (95-97) من السورة نفسها لبيان صنيع السامري وبين في سورة الأعراف آية (148) أن العجل من حليم أي من الذهب. قوله تعالى (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ألا يرجع إليهم قولا) ، العجل. قوله تعالى (ولقد قال لهم هارون من قبل إنما فتنتم به) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال لهم هارون من قبل إنما فتنتم به) ، يقول: إنما ابتليتم به، يقول: بالعجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 قوله تعالى (قال فما خطبك يا سامري) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال فما خطبك يا سامري) قال: مالك يا سامري. قوله تعالى (قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها) ، قال: من تحت حافر فرس جبرئيل نبذه السامري على حلية بني إسرائيل، فانسبك عجلا جسدا له خوار، حفيف الريح فيه فهو خواره، والعجل: ولد البقرة. قوله تعالى (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مِساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) ، قال: عقوبة له. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن لك موعدا لن تخلفه) يقول: لن تغيب عنه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ظلت عليه عاكفا) الذي أقمت عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ثم لننسفنه في اليم نسفا) ، يقول: لنذرينه في البحر. قوله تعالى (يوم القيامة وزرا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يوم القيامة وزرا) قال: إثما. قوله تعالى (وساء لهم يوم القيامة حملا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وساء لهم يوم القيامة حملا) ، يقول: بئسما حملوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 قوله تعالى (يتخافتون بينهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يتخافتون بينهم) ، يقول: يتسارون بينهم. قوله تعالى (فيذرها قاعا صفصفا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قاعا صفصفا) ، يقول: مستويا لانبات فيه. قوله تعالى (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) ، يقول: واديا، ولا أمتا: يقول: رابية. قوله تعالى (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وخشعت الأصوات للرحمن) ، يقول: سكنت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فلا تسمع إلا همسا) ، يقول: الصوت الخفي. قوله تعالى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يعلم ما بين أيديهم) من أمر الساعة (وما خلفهم) من أمر الدنيا. قوله تعالى (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وعنت الوجوه للحي القيوم) ، يقول: ذلت. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وقد خاب من حمل ظلما) ، قال: من حمل شوكا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 قوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن بربه فلا يخاف ظلما ولا هضما. وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) وقوله (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) وإنما يقبل الله من العمل ما كان في إيمان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فلا يخاف ظلما ولا هضما) ، قال: لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد عليه في سيئاته ولا يظلم فيهضم في حسناته. قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ما حذروا به من أمر الله وعقابه، ووقائعه بالأمم قبلهم (أو يحدث لهم) القرآن (ذكرا) أي جداً وورعا. وانظر سورة فصلت آية (3) . قوله تعالى (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) قال: لا تتله على أحد حتى نبينه لك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا جاءه جبريل بالوحي كلما قال جبريل آية قالها معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شدة حرصه على حفظ القرآن؛ فأرشده الله في هذه الآية إلى ما ينبغي. فنهاه عن العجلة بقراءة القرآن مع جبريل بل أمره أن ينصت لقراءة جبريل حتى ينتهي ثم يقرؤه هو بعد ذلك فإن الله ييسر له حفظه. وهذا المعنى المشار إليه في هذه الآية أوضحه الله في غير هذا الموضع كقوله في القيامة (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرانه ثم إن علينا بيانه) . قوله تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) قال الشيخ الشنقيطي: قوله (ولقد عهدنا إلى آدم) أي أوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة. وهذا العهد إلى آدم الذي أجمله هنا بينه في غير هذا الموضع كقوله في البقرة (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فقوله (ولا تقربا هذه الشجرة) هو عهده إلى آدم المذكور هنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي) ، يقول: فترك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولم نجد له عزما) أي: صبرا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ولم نجد له عزما) ، يقول: لم نجعل له عزما. قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) انظر سورة البقرة آية (34) وتفسيرها. قوله تعالى (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) انظر سورة البقرة آية (35) وتفسيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حاجّ موسى آدم فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال: قال آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر كتبه الله على قبل أن يخلقني، أو قدّره عليّ قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فحجّ آدم موسى". (صحيح البخاري 8/288 ح 4738- ك التفسير، سورة طه) ، (صحيح مسلم 4/2043 ح 15- ك القدر) . قوله تعالى (وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) يقول: لا يصيبك فيها عطش ولا حر. قوله تعالى (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله (أو تكونا من الخالدين) فلا تموتان أبدا. قال الشيخ الشنقيطي: الفاء في قوله (فأكلا) تدل على أن سبب أكلهما هو وسوسة الشيطان المذكورة قبله في قوله (فوسوس إليه الشيطان) أي: فأكلا منها بسبب تلك الوسوسة. وكذلك الفاء في قوله (فبدت لهما سوءاتهما) تدل على أن سبب ذلك هو أكلهما من الشجرة المذكورة، فكانت وسوسة الشيطان سببا للأكل من تلك الشجرة، وكان الأكل منها سببا لبدو سوءاتهما. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) يقول: يوصلان عليهما من ورق الجنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 قوله تعالى (وعصى آدم ربه فغوى) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة عند آية (117) سورة طه. قوله تعالى (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) انظر تفسيرها في سورة البقرة آية (37) قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) . قوله تعالى ( ... فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) أخرج ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس: ضمن الله لمن تبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) . (المصنف 13/371 ح 1663) وأخرجه أبو الفضل عبد الرحمن الرازي في فضائل القرآن ح 84، من طريق ابن أبي شيبة وحسنه المحقق) وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بنحوه، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/381) . قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) قال ابن حبان: أخبرنا أبو خليفة، قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا حماد ابن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله جل وعلا: (فإن له معيشة ضنكا) ، قال: عذاب القبر. (الإحسان 7/388-389 ح 3119) . وأخرجه الحاكم (المستدرك 1/381) من طريق أبي داود السجستاني عن أبي الوليد به. وسكت عنه هو والذهبي. وحسن الشيخ الأرنؤوط إسناده في حاشية الإحسان. وأخرج له الحاكم شاهدا من حديث أبي سعيد (المستدرك 2/381) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حماد بن سلمة به، نقله ابن كثير وقال: إسناد جيد (التفسير 5/317) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (معيشة ضنكا) قال: الضنك الضيق، يقال: ضنكا في النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فإن له معيشة ضنكا) ، يقول: الشقاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 قوله تعالى (ونحشره يوم القيامة أعمى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ونحشره يوم القيامة أعمى) ، قال: عن الحجة. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قال الله تعالى ذكره، وهو أنه يحشر أعمى عن الحجة ورؤية الشيء كما أخبر جل ثناؤه فعم ولم يخصص. قوله تعالى (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقد كنت بصيرا) في الدنيا بصيرا بحجتي. قوله تعالى (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) ، قال: نسي من الخير ولم ينس من الشر. قوله تعالى (وكذلك نجزي من أسرف) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وكذلك نجزي من أسرف) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يجازي المسرفين ذلك الجزاء المذكور وقد دل مسلك الإيماء والتنبيه على أن ذلك الجزاء لعلة إسرافهم على أنفسهم في الطغيان والمعاصي، وبين في غير هذا الموضع أن جزاء الإسراف النار وذلك في قوله تعالى (وأن المسرفين هم أصحاب النار) وبين في موضع آخر أن محل ذلك إذا لم ينيبوا إلى الله ويتوبوا إليه وذلك في قوله (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) إلى قوله (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب) الآية. قوله تعالى (ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن عذاب الآخرة أشد وأبقى أي أشد ألما وأدوم من عذاب الدنيا، ومن المعيشة الضنك التي هي عذاب القبر. وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى (ولعذاب الآخرة أشق ومالهم من الله من واق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 قوله تعالى (أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم) لأن قريشا كانت تتجر إلى الشام، فتمر بمساكن عاد وثمود ومن أشبههم، فترى آثار وقائع الله تعالى بهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لأولي النهي) ، بقول: التقى. قوله تعالى (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) الأجل المسمى: الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لكان لزاما) ، يقول: موتا. قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) قال البخاري: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن إسماعيل، حدثنا قيس قال لي جرير بن عبد الله: كنا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون -أو لا تضاهون- في رُؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قال (فسبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) . (صحيح البخاري 2/63- ك مواقيت الصلاة- ب فضل صلاة الفجر ح 573) . قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم، جميعاً عن وكيع. قال أبو كريب: حدثنا وكيع، عن ابن أبي خالد ومسعر والبختري بن المختار. سمعوه من أبي بكر بن عمارة بن رُؤيبة عن أبيه. قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 غروبها" يعني الفجر والعصر. فقال له رجل من أهل البصرة: أنت سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم. قال الرجل: وأنا أشهد إني سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سمعته أذناي ووعاه قلبي. (الصحيح 1/440 ح 634 ك المساجد، ب فضل صلاة الصبح والعصر ... ) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس) ، قال: هي صلاة الفجر (وقبل غروبها) ، قال: صلاة العصر (ومن آناء الليل) ، قال: صلاة المغرب والعشاء (وأطراف النهار) قال: صلاة الظهر. قوله تعالى (زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم ليه ورزق ربك خير وأبقى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (زهرة الحياة الدنيا) : أي زينة الحياة الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لنفتنهم فيه) ، قال: لنبتليهم فيه (ورزق ربك خير وأبقى) مما متعنا به هؤلاء من هذه الدنيا. قوله تعالى (نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن عُمر بن سليمان قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه؛ قال: خرج زيد بن ثابت من عند مَرْوان، بنصف النهار. قلتُ: ما بعث إليه، هذه الساعة، إلا لشيء سأل عنه. فسألته، فقال: سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من كانت الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومَن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غِناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة". (السنن 2/1375 - ك الزهد، ب الهم بالدنيا ح 4105) قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة بنحوه ورواه الطبراني بإسناد لا بأس به ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه ورواه أبو يعلى الموصلي من طريق أبان بن عثمان عن زيد بن ثابت وله شاهد عن حديث أبي هريرة رواه الترمذي في الجامع وابن ماجة. (مصباح الزجاجة 2/321) . وقال الألباني: صحيح. (صحيح ابن ماجة 2/393) . ذكره ابن كثير (5/322) . وقال الحافظ العراقي. إسناد جيد (تخريج الأحياء 6/2387 وعزاه الهيثمي إلى الطبراني في (الأوسط) ثم قال: ورجاله وثقوا (مجمع الزوائد 10/247) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 قوله تعالى (أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) ، قال: التوراة والأنجيل. وقد بين الله تعالى إن الصحف الأولى هي صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام كما في نهاية سورة الأعلى، وقد فصل الله عز وجل بعض ما في صحف إبراهيم وموسى قال تعالى (أم لن ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفي ... ) الآيات: 36-54. قوله تعالى (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) انظر حديث أحمد عن الأسود بن سريع المتقدم عند الآية (15) من سورة الإسراء وفيه: "وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول". قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) هذه الآية تشير إلى معناها آية القصص التي هي قوله تعالى (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) وأن تلك الحجة التي يحتجون بها لو لم يأتهم نذير هي المذكورة في قوله تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) . قوله تعالى (قل كل متربص فتربصوا) قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة: أن يقول للكفار الدين يقترحون عليه الآيات عنادا وتعنتا: كل منا ومنكم متربص أي منتظر ما يحل بالآخر من الدوائر كالموت والغلبة. وقد أوضح في غير هذا الموضع أن ما ينتظره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه والمسلمون كله خير؛ لعكس ما ينتظر ويتربص الكفار؛ كقوله تعالى (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون) ، وقوله (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء) الآية، إلى غير ذلك من الآيات. والتربص: الانتظار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 سورة الأنبياء قوله تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) قال النسائي: أنا أحمد بن نصر، أنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (في غفلة معرضون) قال: في الدنيا. (التفسير 2/71 ح 352- تفسير سورة الأنبياء، آية 1) . وأخرجه الطبري (التفسير 17/1) من حديث أبي صالح عن أبي هريرة بمثله. وإسناده صحيح، ويشهد له ما أخرجه البخاري من حديث أبي صالح عن أبي سعيد -أيضا- في تفسير قوله تعالى (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة) قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا". وتقدم الحديث عند الآية (107-108) من سورة هود. وانظر حديث البخاري ومسلم عن عائشة الآتي عند الآية رقم (8) من سورة الانشقاق وفيه: "بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى". قوله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) الآية، يقول: ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلا استمعوه وهم يلعبون. قوله تعالى (لاهية قلوبهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لاهية قلوبهم) يقول: غافلة قلوبهم. قوله تعالى (وأسروا النجوى) انظر سورة النساء آية (114) وتفسير الشيخ الشنقيطي. قوله تعالى (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (أضغاث أحلام) قال: مشتبهة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أضغاث أحلام) أي فعل حالم، إنما هي رؤية رآها (بل افتراه بل هو شاعر) كل هذا قد كان منهم. وقوله (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) يقول كما جاء عيسى بالبينات وموسى بالبينات، والرسل. قوله تعالى (ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أهلكناها أفهم يؤمنون) يصدقون بذلك. قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) يقول: فاسألوا أهل التوراة والإنجيل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) قال: أهل القرآن. قوله تعالى (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام) يقول: ما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما كانوا خالدين) أي لا بد لهم من الموت أن يموتوا. قوله تعالى (وأهلكنا المسرفين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأهلكنا المسرفين) والمسرفون: هم المشركون. قوله تعالى (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فيه ذكركم) قال: حديثكم. قوله تعالى (وكم قصمنا من قرية) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وكم قصمنا) قال: أهلكنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 قوله تعالى (لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا تركضوا) لا تفروا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) يقول: ارجعوا إلى دنياكم التي أترفتم فيها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لعلكم تسئلون) قال: تفقهون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لعلكم تسئلون) استهزاء بهم. قوله تعالى (قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين لما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فما زالت تلك دعواهم) ... الآية، فلما رأوا العذاب وعاينوه لم يكن لهم هجيرى إلا قولهم (يا ويلنا إنا كنا ظالمين) حتى دمر الله عليهم وأهلكهم. قوله تعالى (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) يقول: ما خلقناهما عبثا ولا باطلا. قوله تعالى (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لاتخذناه من لدنا) من عندنا، وما خلقنا جنة ولا ناراً، ولا موتا ولا بعثاً أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (إن كنا فاعلين) يقول: ما كنا فاعلين. قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) والحق كتاب الله، والباطل إبليس، فيدمغه فإذا هو زاهق أي ذاهب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا هو زاهق) قال ذاهب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولكم الويل مما تصفون) أي تكذبون. قوله تعالى (وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ولا يستحسرون) لا يرجعون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) يقول: الملائكة الذين هم عند الرحمن لا يستكبرون عن عبادته، ولا يسأمون فيها. قوله تعالى (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم يُنشِرون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يُنشِرون) يقول: يحيون. قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) يسبح نفسه إذا قيل عليه البهتان. قوله تعالى (لا يسئل عما يفعل وهم يُسئلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لا يسئل عما يفعل وهم يُسئلون) يقول: لا يشل عما يفعل بعباده، وهم يسئلون عن أعمالهم. قوله تعالى (قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل هاتوا برهانكم) يقول: هاتوا بينتكم على ما تقولون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هذا ذكر من معي) يقول: هذا القرآن فيه ذكر الحلال والحرام (وذكر من قبلي) يقول: ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم وإلى ما صاروا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) عن كتاب الله. قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) قال: أرسلت الرسل بالإخلاص والتوحيد، ولا يقبل منهم عمل حتى يقولوه ويقروا به. قوله تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) انظر سورة مريم آية (88-89) وفيها حديث مسلم عن أبي موسى. قوله تعالى (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الله (لايسبقونه بالقول) يثنى عليهم (وهم بأمره يعملون) . قوله تعالى ( ... ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) قال الحاكم: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن أحمد بن موسى المزكي ثنا محمد بن إبراهيم العبدي ثنا يعقوب بن كعب الحلبي، ثنا الوليد بن مسلم عن زهير ابن محمد العنبري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلا قول الله عز وجل (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) فقال: "إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/382- ك التفسير) وصححه الذهبي. ويشهد له حديث أنس برواية ابن خزيمة في تفسير سورة النساء آية (31) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) يقول: الذين ارتضى لهم شهادة أن لا إله إلا الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وقوله (وهم من خشيته مشفقون) يقول: وهم من خوف الله وحذار عقابه أن يحل بهم مشفقون: يقول: حذرون أن يعصوه ويخالفوا أمره ونهيه. قوله تعالى (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) وإن كانت هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس لما قال ما قال، لعنه الله وجعله رجيما، فقال (فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) . قوله تعالى (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حيّ أفلا يؤمنون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا) يقول: ملتصقين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) قال: كان الحسن وقتادة يقولان: كانتا جميعاً، ففصل الله بينهما بهذا الهواء. قال ابن حبان: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو عامر العقدي، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، أنبئني عن كل شيء، قال: "كل شيء خلق من الماء". فقلت: أخبرني بشيء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 إذا عملت به، دخلت الجنة. قال: "أطعم الطعام، وأفش السلام، وصِلِ الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، تدخل الجنة بسلام". (الإحسان 6/299 ح 2559. قال محققه: رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي ميمونة. وأخرجه الإمام أحمد (المسند 2/295) عن يزيد عن همام به. والحاكم (المستدرك 4/160) من طريق: الحارث بن أبي أسامة عن يزيد عن همام به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا أبا ميمونة وهو ثقة (مجمع الزوائد 5/16) . وصححه محقق المسند أيضا. وقال ابن كثير: هذا إسناد على شرط الشيخين إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن اسمه (سليم) والترمذي يصحح له (التفسير 5/333) وصحح إسناده الألباني (إرواء الغليل 3/238) . قوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وجعلنا في الأرض رواسى) أي جبالا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وجعلنا فيها فجاجا) أي أعلاما وقوله (سبلا) أي طرقا. وهي جمع السبيل. قوله تعالى (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون) قال الشيخ الشنقيطي: تضمنت هذه الآية الكريمة ثلاث مسائل: الأولى: أن الله جل وعلا جعل السماء سقفا، أي لأنها للأرض كالسقف للبيت. الثانية: أنه جعل ذلك السقف محفوظا. الثالثة- أن الكفار معرضون عما فيها (أي السماء) من الآيات، لا يتعظون به ولا يتذكرون. وقد أوضح هذه المسائل الثلاث في غير هذا الموضع. أما كونه جعلها سقفا فقد ذكره في سورة الطور أنه مرفوع وذلك في قوله (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) الآية وأما كون ذلك السقف محفوظا فقد بينه في مواضع من كتابه، فبين أنه محفوظ من السقوط في قوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وأما كون الكفار معرضين عما فيها من الآيات فقد بينه في مواضع من كتابه كقوله تعالى (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) وقوله (وإن يروا آية يعرضوا) الآية، وقوله إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لايؤمنون ولو جاءتهم كل آية) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (سقفا محفوظا) قال: مرفوعا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وهم عن آياتنا معرضون) قال: الشمس والقمر والنجوم آيات السماء. قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كل في فلك يسبحون) قال: فلك كهيئة حديدة الرحى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كل في فلك يسبحون) : أي فلك في السماء أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كل في فلك يسبحون) قال: يجرون. قوله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا ترجعون) المعنى ونختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا وبما يجب فيه الشكر من النعم وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسن ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر وقوله (فتنة) مصدر مؤكد لـ (نبلوكم) من غير لفظه وما ذكره جل وعلا من أنه يبتلي خلقه أي يختبرهم بالشر والخير قد بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) وقوله تعالى (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ونبلوكم بالشر والخير) يقول: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة، وقوله (وإلينا ترجعون) يقول: وإلينا يردون فيجازون بأعمالهم، حسنها وسيئها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 قوله تعالى (خلق الإنسان من عجل) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (خلق الإنسان من عجل) قال: خلق عجولا. قوله تعالى (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار..) انظر حديث عدي بن حاتم المتقدم تحت الآية (131) من سورة آل عمران وفيه: "ثم ينظر فلا يرى شيئاً قدامه، ثم ينظر بين يديه فتقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة". قوله تعالى (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) قل من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن. قوله تعالى (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم) يعني الآلهة (ولا هم منا يصحبون) يقول: لا يصحبون من الله بخير. قوله تعالى (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ننقصها من أطرافها) . قال الحسن: هو ظهور المسلمين على المشركين. وقال عكرمة: هو الموت. انظر سورة الرعد آية (41) . قوله تعالى (قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون) يقول: إن الكافر قد صم عن كتاب الله لا يسمعه، ولا ينتفع به ولا يعقله، كما يسمعه المؤمن وأهل الإيمان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 قوله تعالى (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك) ... الآية يقول: لئن أصابتهم عقوبة. قوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) قال: إنما هو مثل، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحق. وانظر حديث ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو المتقدم عند الآية (8) من سورة الأعراف (وهو حديث البطاقة) . أخرج البستي بسنده الصحيح عن مجاهد: (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) قال: جازينا بها. قوله تعالى (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان) الفرقان: التوراة حلالها وحرامها، وما فرق الله به بين الحق والباطل. قوله تعالى (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) وفي هذه الآية بيان لبعض صفات المتقين. قوله تعالى (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وهذا ذكر مبارك) ... إلى قوله (أفأنتم له منكرون) : أي هذا القرآن. قوله تعالى (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) قال: هديناه صغيرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 قوله تعالى (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن الأخضر الحافظ -بغداد- أن محمد بن عبد الله بن نصر بن الزاغوني أخبرهم، أنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي، أنا محمد بن عمر بن علي بن خلف، ثنا محمد بن السري التمار، ثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، ثنا وكيع، عن فضيل بن مرزوق، عن ميسرة النهدي قال: مرّ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) . (المختارة 2/361 ح 744) وصححه محققه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ماهذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) قال: الأصنام. قوله تعالى (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) انظر سورة الشعراء آية (69-82) . قوله تعالى (وتالله لأكيدن أصنامكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (وتالله لأكيدن أصنامكم) قال: قول إبراهيم حين استتبعه قومه إلى عيدهم فأبى وقال: إني سقيم، فسمع منه وعيد أصنامهم رجل منهم استأخر، وهو الذي يقول (سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) . قوله تعالى (فجعلهم جذاذا إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (فجعلهم جذاذا) يقول: حطاما. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: جعل إبراهيم الفأس التي أهلك بها أصنامهم مسندة إلى صدرهم الذي ترك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لعلهم إليه يرجعون) قال: كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون. قوله (قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون) قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة. قوله تعالى (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون) قال البخاري: حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله عز وجل: قوله (إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) . وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هُنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها فقال: مَن هذه؟ قال: أختي. فأتى سارة قال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبّيني. فأرسل إليها، فلمّا دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ: فقال: ادعي الله لي ولا أضرّك، فدعت الله فأُطلق. ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادْعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأُطلق. فدعا بعض حجبته فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلى، فأومأ بيده: مَهيم؟ قالت: ردّ الله كيد الكافر -أو الفاجر- في نحره، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء. (صحيح البخاري 6/447- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا) ح 3358. (صحيح مسلم 3/1840-1841 ح 2371- ك الفضائل، ب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (بل فعله كبيرهم هذا) ... الآية، وهي هذه الخصلة التي كادهم بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 قوله تعالى (ثم نكسوا على رءوسهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله (ثم نكسوا على رءوسهم) أدركت الناس حيرة سوء. قوله تعالى (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى -أو ابن سلام عنه- أخبرنا ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك رضي الله عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتل الوزغ. وقال: "كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام". (الصحيح 6/448 ح 3359- ك الأنبياء، ب قوله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) . وفي رواية لأحمد: "لم تكن دابة إلا تطفئ النار عنه غير الوزغ فإنه كان ينفخ عليه) . المسند (6/109) . قوله تعالى (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) كانا بأرض العراق، فأنجيا إلى أرض الشام. قوله تعالى (ووهبا له إسحاق ويعقوب نافلة) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إسحاق ويعقوب نافلة) قال: عطاء. قوله تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) جعلهم الله أئمة يقتدى بهم في أمر الله وقوله (يهدون بأمرنا) يقول: يهدون الناس بأمر الله إياهم لذلك، ويدعونهم إلى الله وإلى عبادته. قوله تعالى (ولوط آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التى كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين) انظر عن قصة نجاة لوط وتدمير قومه في سورة الأعراف آية (80-88) وسورة هود آية (77-83) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 قوله تعالى (وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) انظر قصة نوح ودعاءه وإغراق قومه في سورة هود آية (25-41) . قوله تعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم القوم وكنا لحكمهم شاهدين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إذ نفشت فيه غنم القوم) قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعليهم رعايتها على أهل الحرث، ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أكل، ثم يدفعونه إلى أهله، ويأخذون غنمهم. قوله تعالى (ففهمناها سليمان..) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشُقّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى". قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية. (الصحيح 12/56 ح 6769- ك الفرائض، ب إذا ادعت المراة ابنا) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الأقضية، ب بيان اختلاف المجتهدين ح 1720) . قوله تعالى (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر الجبال أي ذللها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وسخر الطير تسبح مع داود وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من تسخيره الطير والجبال تسبح مع نبيه داود بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير) الآية وقوله (أوبي معه) أي رجعي معه التسبيح وكقوله تعالى (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير) : أي يصلين مع داود إذا صلى. قوله تعالى (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) الضمير في قوله (علمناه) راجع إلى داود والمراد بصنعة اللبوس صنعة الدروع ونسجها، والدليل على أن المراد باللبوس في الآية الدروع أنه أتبعه بقوله (لتحصنكم من بأسكم) أي لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف والرمي بالرمح والسهم كما هو معروف وقد أوضح هذا المعنى بقوله (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد) فقوله (أن اعمل سابغات) أي أن اصنع دروعا سابغات من الحديد الذي ألناه لك. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قوله (وعلمناه صنعة لبوس لكم) الآية، قال: كانت قبل داود صفائح، قال: وكان أول من صنع هذا الحلق والسرد داود. قوله (ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولسليمان الريح عاصفة) إلى قوله (وكنا لهم حافظين) قال: ورث الله سليمان داود، فورثه نبوته وملكه وزاده على ذلك أن سخر له الريح والشياطين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر لسليمان من يغوصون له من الشياطين أي يغوصون له في البحار فيستخرجون له منها الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والمرجان والغوص النزول تحت الماء والغواص الذي يغوص البحر ليستخرج منه اللولؤ ونحوه. وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أيضاً أن الشياطين المسخرين له يعملون له عملاً دون ذلك أي سوى ذلك الغوص المذكور أي كبناء المدائن والقصور وعمل المحاريب والتماثيل والجفان والقدور الراسيات وغير ذلك من الصنائع العجيبة وقوله في هذه الآية الكريمة (وكنا لهم حافظين) أي من أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يغيروا أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه وهذه المسائل الثلاث التي تضمنتها هذه الآية الكريمة جاءت مبينة في غير هذا الموضع كقوله في الغوص والعمل سواء (والشياطين كل بناء وغواص) الآية وقوله في العمل غير الغوص (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) وقوله (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) وكقوله في حفظهم من أن يزيغوا عن أمره (ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) وقوله (وآخرين مقرنين في الأصفاد) . قوله تعالى (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بينما أيوب يغتسل عُريانا خرّ عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثى في ثوبه، فنادى ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك". (الصحيح 6/484 ح 3391) - ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (وأيوب إذ نادى ربه)) . قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة". (السنن 4/601-602- ك الزهد، ب ما جاء في الصبر على البلاء ح 2398) وقال: حديث حسن صحيح) . وأخرجه الدارمي في سننه (2/320- ك الرقاق، ب أشد الناس بلاء) ، والحاكم في المستدرك (1/41) كلاهما من طريق: سفيان، عن عاصم به نحوه. وأخرجه ابن حبان (الإحسان 4/253 ح 2910) من طريق هدبة بن خالد، عن حماد به. وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 3/252-255 ح 1056-1059) من طرق عن عاصم به. قال محققه في جميع هذه الروايات: إسناده صحيح، وعزاه العراقي للطبراني وصحح إسناده (تخريج الأحياء 5/2100 ح 3310) . قوله تعالى (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) قال الحسن وقتادة: أحيا الله أهله بأعيانهم، وزاده إليهم مثلهم. انظر سورة ص آية (41-44) للمزيد عن أيوب عليه الصلاة والسلام. قوله تعالى (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل) انظر سورة مريم آية (56-57) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وذا الكفل) قال رجل صالح غير نبي تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه، ويقيمه لهم، ويقضى بينهم بالعدل، ففعل ذلك فسمي ذا الكفل. وقد رجح ابن كثير أن ذا الكفل نبي وتوقف الطبري في ذلك. قوله تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) قال الترمذى: حدثنا محمد بن يحيى. حدثنا محمد بن يوسف. حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه عن سعد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له". (السنن 5/528- ك الدعوات ح 3505) وأخرجه أحمد (المسند 1/170) والحاكم في (المستدرك 2/382-383- ك التفسير) من طريق محمد بن علي الرقي عن محمد بن يوسف به، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة (3/233-236 ح 1040-1042) من طرق عن يونس بن أبي إسحاق به مطولاً، وصحح محققه أسانيدها. وصححه أحمد شاكر في حاشيته على المسند (ح 1462) ، وصحح إسناده الألباني (صحيح سنن الترمذي ح 2785) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فظن أن لن نقدر عليه) يقول: ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قوله (فنادى في الظلمات) ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت. قوله تعالى (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) انظر تفاصيل قصة يونس في سورة الصافات آية (139-148) . قوله تعالى (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) انظر لبيان قصة زكريا عليه السلام سورة آل عمران الآيات (37-41) وسورة مريم الآيات (2-11) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأصلحنا له زوجه) كانت عاقرا، فجعلها ولودا، ووهب له منها يحيى. أخرج البستي بسنده الحسن عن الحسن في قوله في قصة زكريا (ويدعوننا رغبا ورهبا) قال: ذلك لأمر الله - جل اسمه. قوله تعالى (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) انظر سورة مريم الآيات (16-34) ، وسورة التحريم آية (12) . قوله تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أمتكم أمة واحدة) يقول: دينكم دين واحد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 قوله تعالى (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) قال البخاري: حدثنا أحمد: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم، عن الحجاج بن حجاج، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عتبة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليحجّن البيتُ وليعتمرنَّ بعد خروج يأجوج ومأجوج" تابعه أبان وعمران عن قتادة. وقال عبد الرحمن عن شعبة قال: "لا تقوم الساعة حتى لا يُحجّ البيتُ". والأول أكثر. سمع قتادة عبدَ الله وعبدُ الله أبا سعيد. (الصحيح 3/531 ح 1593) - ك الحج- ب قول الله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ... )) . قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب. ثنا يونس بن بكر، عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تفْتح يأجوج ومأجوج. فيخرجون كما قال الله تعالى (وهم من كل حدب ينسلون) . فيعمّون الأرض. وينحاز منهم المسلمون. حتى تصير بقية المسلمين في مدائنهم وحصونهم، ويضمّون إليهم مواشيهم، حتى إنهم ليمرون بالنهر فيشربونه، حتى ما يذرون فيه شيئا. فيمر آخرهم على أثرهم. فيقول قائلهم: لقد كان بهذا المكان، مرة، ماء. ويظهرون على الأرض. فيقول قائلهم: هؤلاء أهل الأرض، قد فرغنا منهم. ولننازلنّ أهل السماء. حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء، فترجع مخضّبة بالدم. فيقولون: قد قتلنا أهل السماء، فبينما هم كذلك. إذ بعث الله دواب كنغف الجراد. فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد. يركب بعضهم بعضاً. فيُصبح المسلمون لا يسمعون لهم حِسا. فيقولون: مَن رجل يشري نفسه، وينظر ما فعلوا؟ فينزل منهم رجل قد وطّن نفسه على أن يقتلوه. فيجدهم موتى. فيناديهم: ألا أبشروا. فقد هلك عدوكم فيخرج الناس ويخلون سبيل مواشيهم. فما يكون لهم رعي إلا لحومهم. فتشكَر عليها، كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 (السنن- الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج- 2/1363 ح 4079) ، وأخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق به، نحوه (المسند 3/77) . وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد أيضا، ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ثنا عقبة ثنا يونس فذكره بتمامه، ثم رواه من طريق محمود بن لبيد بن الأشهل. عن أبي سعيد مرفوعا فذكره. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/244-245 ح 6830) من طريق يعقوب بن إبراهيم ابن سَعْد عن أبيه عن ابن إسحاق به. ورواه الحاكم في المستدرك عن محمد بن يعقوب عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير به، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. (مصباح الزجاجة 2/311) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح ابن ماجة 2/388) . ذكره ابن كثير (5/367) . قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار. ثنا يزيد بن هارون. ثنا العوام بن حوشب. حدثني جبلة بن سحيم عن مؤثر بن عفازة، عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان ليلة أسري برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقي إبراهيم وموسى وعيسى. فتذاكروا الساعة. فبدأوا بإبراهيم. فسألوه عنها. فلم يكن عنده منها علم. ثم سألوا موسى. فلم يكن عنده منها علم. فرد الحديث إلى عيسى بن مريم. فقال: قد عهد إلي فيما دون وجبتها. فأما وجبتها. فلا يعلمها إلا الله. فذكر خروج الدجال. قال: فأنزل فأقتله. فيرجع الناس إلى بلادهم. فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. فلا يمرون بماء إلا شربوه. ولا بشيء إلا أفسدوه. فيجأرون إلى الله. فأدعو الله أن يميتهم. فتنتن الأرض من ريحهم. فيجأرون إلى الله. فأدعو الله. فيرسل السماء بالماء. فيحملهم فيلقيهم في البحر. ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم. فعهد إلي: متى كان ذلك، كانت الساعة من الناس. كالحامل التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها. قال العوَّام: وَوجد تصديق ذلك في كتاب الله (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) . (السنن 2/1365 ح 4081- ك الفتن، ب فتنة الدجال ... ) وأخرجه أحمد (المسند ح 3556) عن هشيم. والطبري (التفسير 16/27-28) من طريق أحمد بن إبراهيم عن هشيم. والحاكم (المستدرك 4/488-489) من طريق يزيد بن هارون، كلاهما عن العوام بن حوشب عن جبلة به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات، ومؤثر بن عفازة ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات (انظر سنن ابن ماجة) وقال محقق المسند: إسناده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (من كل حدب ينسلون) قال: جمع الناس من كل مكان جاءوا منه يوم القيامة، فهو حدب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (من كل حدب ينسلون) يقول: من كل شرف يقبلون. قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لايسمعون إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس قاسم بن القاسم السياري ثنا محمد بن موسى ابن حاتم ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا الحسين بن واقد عن يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) فقال المشركون الملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله فقال: لو كان هؤلاء الذين يعبدون آلهة ما وردوها قال: فنزلت (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) عيسى وعزير والملائكة. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/384-385- ك التفسير) وصححه الذهبي، وفي سنده محمد بن موسى بن حاتم تكلم فيه ولكنه توبع فقد أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 12/153 ح 12739) ، والطحاوي (شرح مشكل الآثار 3/15-16 ح 986) ، والواحدي (أسباب النزول ص 353) كلهم من طريق علي بن المديني عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس، وأخرجه الطبري (التفسير 17/97) ، وابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير 3/198) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (حصب جهنم) قال: حطبها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (أولئك عنها مبعدون) قال: عيسى، وعزير، والملائكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 قوله تعالى ( ... لا يحزنهم الفزع الأكبر) الفزع الأكبر هو عند النفخ في الصور كما في قوله تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) سورة النمل آية (87) وانظر تفسيرها هناك قوله تعالى (وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن عباده المؤمنين الذين سبقت لهم منه الحسنى (تتلقاهم الملائكة) أي تستقبلهم بالبشارة وتقول لهم (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) أي توعدون فيه أنواع الكرامة والنعيم قيل: تستقبلهم على أبواب الجنة بذلك وقيل عند الخروج من القبور كما تقدم. وما ذكره جل وعلا من استقبال الملائكة لهم بذلك بينة في غير هذا الموضع كقوله في فصلت (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم) . قوله (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) أخرج الطبري وعبد الرزاق بسنديهما الحسن عن ابن عباس، قوله (كطي السجل للكتب يقول: كطي الصحيفة على الكتاب. قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان -شيخ من النخَع- عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) ثم إن أول من يُكسى يوم القيامة إبراهيم، ثم يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: لا تدرى ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) إلى قوله (شهيد) فيقال: إن هؤلاء الذين لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 (صحيح البخاري 8/292- ك التفسير، سور الأنبياء، ب (الآية) ح 4740) ، (وصحيح مسلم 4/2194 ح 58- ك الجنة وصفة نعيمها وأهللها، ب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ح 4740) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أول خلق نعيده) قال: حفاة عراة غلفا. قوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الزبور) قال: الكتاب (من بعد الذكر) قال: أم الكتاب عند الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أن الأرض) قال: الجنة (يرثها عبادي الصالحون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن عبد الرحمن بن زيد، في قوله (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) قال: الجنة. قوله تعالى (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) يقول: عاملين. قوله تعالى (فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء) قال الشيخ الشنقيطي: قوله (فإن تولوا) أي أعرضوا وصدوا عما تدعوهم إليه (فقل آذنتكم على سواء) أي أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي برئ منكم كما أنتم برآء مني وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية أشارت إليه آيات أخر كقوله (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) أي ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء وقوله تعالى (فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) وقوله (آذنتكم) الأذان الإعلام ومنه الأذان للصلاة وقوله تعالى (وأذان من الله) الآية، أي إعلام منه، وقوله (فأذنوا بحرب من الله) الآية، أي أعلموا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 سورة الحج قوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) قال الشيخ الشنقيطي: وما بينه هنا من شدة أهوال الساعة، وعظم زلزلتها بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئُذ تحدث أخبارها) وقوله تعالى (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) وقوله تعالى (إذا رجت الأرض رجاً وبست الجبال بساً) ... قال ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة عن أنس بن مالك، قال نزلت (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مسير له، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه، ثم قال: أتدرون أي يوم هذا؟ يوم يقول الله جل وعلا لآدم يا آدم، قم فابعث بعث النار مِن كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين. فكبُر ذلك على المسلمين، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سدّدوا وقاربوا وأبشروا، فوالذي نفسي بيده، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جَنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومَن هلك من كفرة الجن والإنس". (الإحسان 16/352 ح 7354) وقال محققه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الحاكم في (المستدرك 4/566 - ك الأهوال من طريق إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق به) . وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وعزاه الهيثمي لأبي يعلى وقال: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن مهدي وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/394) . قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي: ثنا سعيد ابن مسعود، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 قال: أول سورة نزلت فيها السجدة الحج، قرأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجد وسجد الناس إلا رجل أخذ التراب فسجد عليه، فرأيته قتل كافراً. (المستدرك 1/220-221 - ك الصلاة) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انظر حديث ابن عباس المتقدم عند الآية (117-118) من سورة المائدة قوله تعالى (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول لبيك ربنا وسعديك. فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف -أراه قال- تسعمائة وتسعة وتسعين. فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. فشقّ ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد. ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا رُبع أهل الجنة، فكبّرنا. ثم قال: ثلث أهل الجنة، فكبرنا. ثم قال: شطر أهل الجنة، فكبرنا". قال أبو أسامة عن الأعمش: (ترى الناس سكارى وما هم بسكارى) قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. وقال جرير وعيسى ابن يونس وأبو معاوية (سكرى وما هم بسكرى) . (صحيح البخاري 8/295 ح 4741 -ك التفسير- سورة الحج، ب (وترى الناس سكارى)) قوله تعالى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد يهب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) . ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن بعض الجهال كالكفار يجادل في الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 بغير علم: أي يخاصم فيه بغير مستند من علم بينه في غير هذا الموضع كقوله في هذه السورة الكريمة (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله) الآية وقوله تعالى في لقمان (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) فقوله في آية لقمان هذه: أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير، كقوله في الحج (كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) . ومن الآيات الدالة على مجادلة الكفار في الله بغير علم قوله تعالى (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم) وقوله في أول النحل (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) ... أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كتب عليه أنه من تولاه) قال: الشيطان اتبعه. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (ويهديه إلى عذاب السعير) يدل على أن الهدى كما أنه يستعمل في الإرشاد والدلالة على الخير، يستعمل أيضاً في الدلالة على الشر، لأنه قال (ويهديه إلي عذاب السعير) ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) وقوله تعالى (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) الآية، لأن الإمام هو من يُقتدى به في هديه وإرشاده. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة والآيات التي بعدها، تدل على أن جدال الكفار المذكور في قوله (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) يدخل فيه جدالهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 في إنكار البعث، زاعمين أنه جل وعلا لا يقدر أن يحيى العظام الرميم، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ... انظر حديث ابن مسعود في سورة الرعد آية (8) . وانظر سورة المؤمنون آية (12-14) لبيان خلق أطوار الإنسان. وانظر حديث البخاري عن ابن عمر المتقدم عند الآية (8) من سورة الرعد. وهو حديث: "مفاتيح الغيب خمسة ... ". قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكاً فقال: يا رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة، مجتها الأرحام دماً وإن قال: مخلقة، قال: يا رب فما صفة هذه النطفة أذكر أم أنثى ما رزقها ما أجلها، أشقي أو سعيد؟ قال: فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة. قال: فينطلق الملك فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها. (التفسير 17/117، وأخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (3/207) من طريق داود به، ورجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أن أبا معاوية قد يهم في غير حديث الأعمش. والحديث له حكم الرفع لأنه لا مدخل للرأي فيه، وسيأتي بعضه في حديث الصحيحين من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود مرفوعاً عند الآية (12-14) من سورة المؤمنين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قول الله (مخلقة وغير مخلقة) قال: تامة وغير تامة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى) قال: التمام. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (اهتزت وربت) قال: حسنت، وعرف الغيث في ربوها. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأنبتت من كل زوج بهيج) قال: حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) انظر الآية رقم (3) من السورة نفسها لبيان الجدال بغير علم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (ثاني عطفه) يقول: مستكبرا في نفسه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ثاني عطفه) قال: رقبته. قوله تعالى (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه) قال البخاري: حدثني إبراهيم بن الحارث حدثنا يحيى بن أبي بُكير حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تُنتج خيله قال: هذا دين سوء. (صحيح البخاري 8/296 -ك التفسير- سورة الحج - ب (الآية) ح 4742) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (على حرف) قال: على شك (فإن أصابه خير) رخاء وعافية (اطمأن به) : استقر (وإن أصابته فتنة) عذاب ومصيبة (انقلب) ارتد (على وجهه) كافراً. قوله تعالى (ولبئس العشير) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (ولبئس العشير) قال: الوثن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 قوله تعالى (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) قال الطبري: حدثنا أبو كريب، ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: قلت لابن عباس: أرأيت قوله (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) قال: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً، فليربط حبلاً في سقف، ثم ليختنق به حتى يموت. (التفسير 17/126-127) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/386) من طريق سفيان، عن أبي إسحاق به مختصراً، ولفظه: (من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً) وصححه ووافقه الذهبي، وعلقه البخاري في صحيحه مختصراً بصيغة جزم، فقال: وقال ابن عباس (بسبب) : بحبل إلى سقف البيت) . قال ابن حجر: وصله عبد بن حميد من طريق أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس ... ) فذكره بقريب من لفظ الطبري. (البخاري مع الفتح 8/438-441 -ك التفسير- سورة الحج) . أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والأخرة) قال: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فليمدد بسبب) يقول: بحبل إلى سماء البيت (ثم ليقطع) يقول: ثم ليختنق فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (أن لن ينصره الله) قال: يرزقه الله (فليمدد بسبب) قال: بحبل (إلى السماء) سماء ما فوقك (ثم ليقطع) ليختنق، هل يذهبن كيده ذلك خنقه أن لا يرزق. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) قال: الصابئون: قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرؤن الزبور، والمجوس: يعبدون الشمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 والقمر والنيران. والذين أشركوا: يعبدون الأوثان. والأديان ستة: خمسة للشيطان، وواحد للرحمن. وانظر سورة البقرة آية (62) قول قتادة ومجاهد وزياد بن أبيه. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) انظر حديث مسلم المتقدم عند الآية (206) من سورة الأعراف. وهو حديث: "إذا قرأ ابن آدم السجدة ... ". وانظر سورة الرعد آية (15) قول قتادة. قوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا هُشيم أخبرنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر - رضي الله عنه -: (أنه كان يقسم فيها قَسَما: إن هذه الآية (هذان خصمان اختصموا في ربهم) نزلت في حمزة وصاحبيه وعُتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر) . رواه سفيان عن أبي هاشم. وقال عثمان عن جرير عن منصور عن أبي هاشم عن أبي مجلز ... قوله. (صحيح البخاري 8/297-298 - ك التفسير، سورة الحج، ب (الآية) ح 4743) . (صحيح مسلم 4/2323 بنحوه -ك التفسير- ب في قوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم)) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال مثل المؤمن والكافر اختصامهما في البعث. قال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أبي قال حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عُباد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: (أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة) قال قيس: وفيهم نزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال هم الذين بارزوا يوم بدر عليٌّ وحمزة وعُبيدة وشيبة بن ربيعة وعُتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. (صحيح البخاري 8/297-298- ك التفسير، سورة الحج، ب (الآية) ح 4744) . (صحيح مسلم 4/2323 بنحوه -ك التفسير- باب في قوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 قوله تعالى (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد) ما ذكره جل علا في هذه الآية الكريمة، من أنواع عذاب أهل النار جاء مبيناً في آيات أخر من كتاب الله، فقوله هنا (قطعت لهم ثياب من نار) أي قطع الله لهم من النار ثياباً، وألبسهم إياها تتقد عليهم كقوله فيهم (سرابيلهم من قطران) والسرابيل: هي الثياب التي هي القمص، كما قدمنا إيضاحه، وكقوله (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) والغواشي: جمع غاشية: وهي غطاء كاللحاف، وذلك هو معنى قوله هنا (قطعت لهم ثياب من نار) وقوله تعالى هنا (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) ذكره أيضاً في غير هذا الموضع كقوله (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم) والحميم: الماء البالغ شدة الحرارة، وكقوله تعالى (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) الآية. وقوله هنا (يصهر به ما في بطونهم) أي يذاب بذلك الحميم إذا سقوه فوصل إلى بطونهم كل ما في بطونهم من الشحم والأمعاء وغير ذلك، كقوله تعالى (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ... ) . قال الترمذي: حدثنا سويد أخبرنا عبد الله أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان) . (السنن 4/705 ح 2582 - ك صفة جهنم) البستي في تفسيره ما جاء في صفة شراب أهل النار. قال الترمذي: حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد (المسند 2/374) من طريق إبراهيم. والحاكم في (المستدرك 2/387) من طريق عبدان، كلاهما عن عبد الله بن المبارك به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسنه الشيخ أحمد شاكر (حاشية المسند ح 8851) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: الكفار قطعت لهم ثياب من نار، والمؤمن يدخل جنات تجري من تحتها الأنهار وقوله (يصب من فوق رءوسهم الحميم) يقول: يصب على رءوسهم ماء مغلي. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يصهر به) قال: يذاب به إذابة. قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) انظر سورة البقرة آية (25) . قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال، سمعت أنس بن مالك، قال شعبة، فقلتُ أعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال شديداً عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مَن لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة". (الصحيح 10/296 ح 5832 - ك اللباس - ب لبس الحرير للرجال ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1641، بعد حديث 2069 - ك اللباس والزينة، ب تحريم استعمال إناء الذهب.. والحرير على الرجل، من حديث عبد الله بن الزبير به) . وانظر سورة الكهف آية (31) وفي سورة الإنسان أساور من فضة أيضاً. قوله تعالى (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وهدوا إلى الطيب من القول) قال: ألهموا. وقوله (وهدوا إلى صراط الحميد) يقول جل ثناؤه: وهداهم ربهم في الدنيا إلى طريق الرب الحميد. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (سواء العاكف فيه والباد) يقول: ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (سواء العاكف فيه) قال: الساكن، والباد الجانب سواء حق الله عليهما فيه. قوله تعالى (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شُعيب عن عبد الله بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: مُلحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه". (صحيح البخاري 12/219 - ك الديات، ب من طلب دم امرىء بغير حق ح 6882) . قال الحاكم: حدثناه أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه من أصل كتابه، ثنا إبراهيم بن أبي طالب، ثنا أبو هاشم زياد بن أيوب، أنبأ بزيد بن هارون، أنبأ شعبة عن السدي، عن مرة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في قول الله عز وجل (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) قال: لو أن رجلا هم فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/388 - ك التفسير) وصححه الذهبي) . وقال ابن كثير: حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري (التفسير 5/407) ، وأخرجه أحمد من طريق يزيد بن هارون به (المسند 1/428) وعزاه الهيثمي إلى أحمد وأبي يعلى والبزار وقال رجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/70) ، صححه أحمد شاكر في (حاشية المسند ح 4071) وحسنه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي (المسند 7/155 ح 4071) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) يقول: بشرك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) قال: يعمل فيه عملاً سيئاً. قوله تعالى (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا حميد بن عياش الرملي، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 عن علي - رضي الله عنه - قال: لما أمر إبراهيم عليه السلام ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه فقال يا إبراهيم، ابن علي ظلي -أو على قدري- ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر وذلك حيث يقول الله عز وجل: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) . (المستدرك 2/551 - ك التاريخ) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . انظر سورة آل عمران آية (96-97) حديث البخاري عن أبي ذر. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (طهرا بيتي) قال: من أهل الشرك وعبادة الأوثان. وانظر سورة البقرة آية (125) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، و (القائمين) قال: القائمون: المصلون. قوله تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) قال الطبري: ثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: (أذن في الناس بالحج) قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال أذِّن وعليّ البلاغ. فنادى إبراهيم: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجوا. قال فسمعه ما بين السماء والأرض،، فلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون. (التفسير (17/144) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/388) من طريق جرير به، وقال: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . وقال الأرناؤوط: حديث موقوف حسن (حاشية العواصم والقواصم 7/16) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 قال البخاري: حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حتى تستوي به قائمة. (صحيح البخاري 3/443 ح 1514 - ك الحج، ب قول الله تعالى (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر)) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يأتوك رجالا) قال: على أرجلهم. أخرج البستي بسنده الحسن عن سعيد بن جبير: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) قال: فوقرت في كل قلب، كل ذكر وأنثى. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فج عميق) قال: مكان بعيد. قوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليشهدوا منافع لهم) قال: التجارة، وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة. قوله تعالى (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) قال البخاري: حدثنا محمد بن عَرعَرة قال حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء". (صحيح البخاري 2/530 -ك العيدين- ب فضل العمل في أيام التشريق ح 969) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (في أيام معلومات) قال: أيام العشر، والمعدودات أيام التشريق. قوله تعالى ( ... فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم. جميعاً عن حاتم قال أبو بكر: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 دخلنا على جابر بن عبد الله ... فساق الحديث الطويل في صفة حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه قوله: ثم انصرف إلى المنحر. فنحر ثلاثا وستين بيده. ثم أعطى عليا. فنحر ما غبر. وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة. فجعلت في قدر. فطبخت. فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأفاض إلى البيت. فصلى بمكة الظهر. فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم. فقال: "انزعوا بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم" فناولوه دلواً فشرب منه. (الصحيح 2/892 ح 1218 -ك الحج- ب حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان قال أخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي - رضي الله عنه - قال: بعثني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقمت على البدن، فأمرني فقسمت لحومها، ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها. (الصحيح 3/649 - ك الحج، ب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/954 ح 1317 - ك الحج، ب في الصدقة بلحوم الهدي ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (البائس الفقير) الذي يمد إليك يديه. قوله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم ليقضوا تفثهم) قال: حلق الرأس، وحلق العانة، وقص الأظفار، وقص الشارب، ورمي الجمار، وقص اللحية. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ثم ليقضوا تفثهم) قال: يعني بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرأس ولبس الثياب، وقص الأظفار ونحو ذلك. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وليوفوا نذورهم) نذر الحج والهدى، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 قال ابن خزيمة: ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ثنا سفيان، عن هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس قال: الحِجْر من البيت، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف بالبيت من ورائه، وقال الله (وليطوفوا بالبيت العتيق) . (الصحيح 4/222 - ك الحج، ب الطواف من وراء الحِجر ح 2740) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/460) ، وأخرجه البيهقي في (سننه 5/90) كلاهما من طريق سفيان به، قال محقق ابن خزيمة: إسناده صحيح. وله شواهد صحيحة (انظر إرواء الغليل 4/305-307 ح 1106) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (البيت العتيق) قال: أعتقه الله من الجبابرة يعني الكعبة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وليطوفوا بالبيت العتيق) يعني: زيارة البيت. قوله تعالى (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ذلك ومن يعظم حرمات الله) : قال: الحرمة: مكة والحج والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها. قوله تعالى (وأُحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم) لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية الأنعام، ولكنه بينه بقوله في سورة الأنعام (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) وهذا الذي ذكرنا هو الصواب ... أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إلا ما يتلى عليكم) قال: إلا الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 قوله تعالى (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بِشر بن المفضل حدثنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين". (صحيح البخاري 11/69 - ك الاستئذان، ب من اتكأ بين يدي أصحابه ح 6273) . قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا بشر مثله وكان متكئاً فجلس، فقال: "ألا وقول الزور، فما زال يُكرّرها حتى قلنا ليته سكت". (صحيح البخاري 11/69 - ك الاستئذان، ب من اتكأ بين يدي أصحابه ح 6274) . قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه". قال أحمد: أفهمني رجل إسناده. (صحيح البخاري 10/488 ح 6057 - ك الأدب- ب قول الله تعالى (واجتنبوا قول الزور)) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قول الزور) ، قال: الكذب. قوله تعالى (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) انظر سورة البينة آية (5) وسورة البقرة آية (135) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فكأنما خر من السماء) قال: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه (فتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (في مكان سحيق) قال: بعيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 قوله تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار. ثنا يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، وعبد الرحمن وأبو داود، وابن أبي عدي، وأبو الوليد، قالوا: ثنا شعبة، سمعت سليمان بن عبد الرحمن، قال: سمعت عُبيد بن فيروز، قال: قلت للبراء بن عازب: حدثني بما كره أو نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأضاحي. فقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هكذا بيده. ويدي أقصر من يده: "أربع لا تجزئُ في الأضاحي: العوراء البين عورها. والمريضة البيّن مرضها. والعرجاء البيّن ظلعها. والكسيرة التي لا تنقى". (السنن- الأضاحي، ب ما يكره أن يضحي به ح 3144) ، أخرجه أحمد (المسند 4/284) ، والنسائي (السنن 7/214) ، وأبو داود (السنن 3/235 ح 2802) ، والترمذي (السنن 4/85 ح 1493) ، والحاكم (المستدرك 1/467-468) من طرق عن عبيد بن فيروز به نحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الإمام أحمد: ما أحسنه من حديث (انظر خلاصة البدر المنير 2/379) وقال الألباني: إسناده صحيح (انظر الإرواء 4/361) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ومن يعظم شعائر الله) قال: استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها. قوله تعالى (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى) قال: في البدن لحومها وألبانها وأشعارها وأوبارها وأصوافها قبل أن تسمى هدياً. قال مسلم: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا محمد بن بكر. أخبرنا ابن جريج. أخبرني عطاء. قال: كان ابن عباس يقول: لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حَل. قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق) قال: قلت: فإن ذلك بعد المعرَّف. فقال: كان ابن عباس يقول: هو بعد المعَرف وقبله. وكان يأخذ ذلك من أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أمرهم أن يَحِلوا في حجة الوداع. (صحيح مسلم 2/913 -ك الحج- ب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام ح 1245) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم محلها إلى البيت العتيق) يعني محل البدن حين تسمى إلى البيت العتيق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 قوله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) قال البخاري: حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا شعبة: حدثنا قتادة، عن أنس قال: ضحى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر، فذبحهما بيده. (الصحيح 10/20 ح 5558 - ك الأضاحي، ب من ذبح الأضاحي بيده) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولكل أمة جعلنا منسكا) قال: إهراق الدماء (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وبشر المخبتين) قال: المطمئنين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (وبشر المخبتين) قال: المتواضعين. وانظر الآية التالية لمعرفة صفات المخبتين. قوله تعالى (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) في هذه الآية بيان صفات المخبتين، وانظر سورة الأنفال الآية (2-4) . قوله تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قياما مقيدة سنة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 3/646 ح 1713 - ك الحج- ب من نحر الإبل مقيدة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الحج، ب نحر البدن قياماً مقيدة ح 1320) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 قال ابن ماجة: حدثنا ابن بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا عبد الله ابن عياش، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كان له سعة، ولم يضحِّ، فلا يقربن مصلانا". (السنن 2/1044 ح 3123 - ك الأضاحي- في الأضاحي واجبة هي أم لا؟) . وأخرجه أحمد (المسند 2/321) عن أبي عبد الرحمن، والحاكم (المستدرك 2/389) من طريق زيد بن الحباب، كلاهما عن عبد الله بن عياش به. قال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه. وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجه ح 2532) . وقد ذكر بعض النقاد أنه موقوف (انظر نصب الراية 4/207) وقد روي موقوفا، وقال الطحاوي الموقوف أشبه بالصواب (نظر فتح الباري 10/3) . أخرج البستي بسنده الصحيح عن مجاهد: ليست البدن إلا من الإبل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (لكم فيها خير) قال: أجر ومنافع في البدن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (صواف) قال: قائمة، قال: يقول: الله أكبر، ولا إله إلا الله اللهم منك ولك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (صواف) قال: قيام صواف على ثلاث قوائم. أخرج الطبري عن الحسن أنه قال: (صوافي) : خالصة لله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: من قرأها (صوافن) قال: معقولة. قال ومن قرأها (صواف) قال: تصف بين يديها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا وجبت جنوبها) سقطت على الأرض. أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (القانع والمعتر) يقول: القانع المتعفف، والمعتر: يقول: السائل. أخرج البستي بسنده الحسن عن مجاهد في قوله -جل ذكره- (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) قال: إن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل هي بمنزلة: (وإذا حللتم فاصطادوا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 قوله تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها..) انظر حديث جابر المتقدم من رواية مسلم عند الآية (2) من سورة المائدة. قوله تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) قال الشيح الشنقيطي: قوله تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يدفع السوء عن عباده الذين آمنوا به إيماناً حقاً، ويكفيهم شر أهل السوء، وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الآية. وقوله (أليس الله بكاف عبده) وقوله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) وقوله تعالى (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا) الآية. وقوله (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) . قوله تعالى (أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع. حدثنا أبي وإسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم، ليهلكن فأنزل الله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) الآية، فقال أبو بكر لقد علمت أنه سيكون قتال. قال: هذا حديث حسن. وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي، وغيره عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير مرسلاً ليس فيه عن ابن عباس. حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير مرسلاً ليس فيه عن ابن عباس. (السنن 5/325 - ك التفسير، ب سورة الحج ح 3171) . وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه النسائي (السنن 6/2 ك الجهاد، ب وجوب الجهاد) من طريق محمد بن سلام، وأحمد من طريق الأعمش به وصححه أحمد شاكر ح 1865. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/8 ح 4710) من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي، والحاكم (المستدرك 2/66 - ك الجهاد) ، من طريق محمد بن سنان القزاز، كلهم عن إسحاق الأزرق به. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 قوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) يقول: دفع بعضهم بعضاً في الشهادة، وفي الحق، وفيما يكون من قبل هذا، يقول: لولاهم لأهلكت هذه الصوامع وما ذكر معها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لهدمت صوامع) قال: صوامع الرهبان. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قال (وبيع) قال: وكنائس. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لهدمت صوامع) قال: هي للصابئين (وبيع) للنصارى (وصلوات) قال: كنائس اليهود (ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) قال: المساجد: مساجد المسلمين يذكر فيها اسم الله كثيراً. قوله تعالى (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) بين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أقسم لينصرن من ينصره، ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه وبامتثال أوامره، واجتناب نواهيه ونصرة رسله واتباعهم، ونصرة دينه وجهاد أعدائه وقهرهم حتى تكون كلمته جل وعلا هي العليا، وكلمة أعدائه السفلى ثم إن الله جل وعلا بين صفات الذين وعدهم بنصره ليميزهم من غيرهم فقال مبينا من أقسم أنه ينصره، لأنه ينصر الله جل وعلا (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الآية وما دلت عليه هذه الآية الكريمة: من أن من نصر الله نصره الله جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم) وقوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 قوله تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، في قوله (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) قال: كان أمرهم بالمعروف أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده، ولا شريك له، ونهيهم عن المنكر، أنهم نهوا عن عبادة الأوثان، وعبادة الشيطان، قال: فمن دعا إلى الله من الناس كلهم فقد أمر بالمعروف، ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان فقد نهى عن المنكر. قوله تعالى (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (خاوية) قال: خربة ليس فيها أحد. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وبئر معطلة) قال: أعطلها أهلها، تركوها. أخرج الطبري بالإسناد الثابت عن السدي ومجاهد (مشيد) مجصص. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وقصر مشيد) قال: كان أهله شيدوه وحصنوه، فهلكوا وتركوه. قوله تعالى (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يطلبون من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجيل العذاب الذي يعدهم به طغياناً وعناداً. والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة في القرآن كقوله تعالى (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) وقوله (يستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) الآية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 قوله تعالى (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا محمد بن بشر عن محمد ابن عَمْرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم. خمسمائة عام". (سنن ابن ماجة 2/1380 - ك الزهد، ب منزلة الفقراء ح 4122) . ورواه الترمذي والنسائي من طريق الثوري عن محمد بن عمرو به، وقال الترمذي: حسن صحيح، (السنن- أبواب الزهد، ب ما جاء في فضل الفقر، وانظر تفسير ابن كثير 5/437) . وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح ابن ماجة 2/396) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن يوماً عند ربك كألف سنة) قال: من أيام الآخرة. قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) انظر سورة الأعراف آية (4) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (في آياتنا معاجزين) قال: كذبوا بآيات الله، فظنوا أنهم يعجزون الله، ولن يعجزوه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (معجزين) قال: مبطئين يبطئون الناس عن اتباع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه. أي يسمع الكفار ما ألقى الشيطان ولا يسمعه المؤمنون لأنه ليس للشيطان على المؤمنين من سلطان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) فيبطل الله ما ألقى الشيطان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 قوله تعالى (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) انظر سورة البقرة آية (10 و137) . قوله تعالى (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم) انظر آخر آية (34) من السورة نفسها. انظر سورة الفاتحة لبيان أن الصراط المستقيم: هو الإسلام. قوله تعالى (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (عذاب يوم عقيم) قال: هذا يوم بدر. ذكره عن أبي بن كعب. قوله تعالى (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) انظر حديث الحاكم المتقدم تحت الآية رقم (23) من سورة يونس. وانظر سورة النحل الآية (126) وفيها حديث البخاري والحاكم. وانظر سورة البقرة آية (194) . قوله تعالى (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير) انظر سورة آل عمران آية (27) . قوله تعالى (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم) انظر سورة فاطر آية (41) ، وسورة البقرة آية الكرسي آية (255) (وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما) . قوله تعالى (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور) انظر سورة البقرة آية (28) وسورة غافر آية (11) وسورة الروم آية (40) وسورة الجاثية آية (26) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 قوله تعالى (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) يقول: عيداً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (هم ناسكوه) قال: إهراق دماء الهدي. قوله تعالى (يكادون يسطون) أخرج الطبري بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يكادون يسطون) يقول: يبطشون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يكادون يسطون) قال: يبطشون كفار قريش. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) قال البخاري: حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: سعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعرة". (الصحيح 13/537 ح 7559 - ك التوحيد، ب قول الله تعالى (والله خلقكم وما تعملون)) . وأخرجه مسلم (الصحيح - ك اللباس والزينة، ب تحريم تصوير صورة الحيوان - ح 2111) . قوله تعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، الحرج: الضيق كما أوضحناه في أول سورة الأعراف. وقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن الحنيفة السمحة التي جاء بها سيدنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها مبنية على التخفيف والتيسير، لا على الضيق والحرج، وقد رفع الله فيها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا. وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة ذكره جل وعلا في غير هذا الموضع كقوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) . قال النسائي: أنا هشام بن عمار، نا محمد بن شعيب، أنبأني معاوية بن سلام، أن أخاه زيد بن سلام أخبره، عن أبي سلام، أنه أخبره قال: أخبرني الحارث الأشعري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم. قال رجل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: نعم، وإن صام وصلى، فادعوا بدعوى الله التي سمَّاكم الله بها: المسلمين المؤمنين، عباد الله". (التفسير 2/94 ح 369) وهذا الإسناد حسن. وهذا الحديث جزء من حديث طويل أخرجه الطيالسي في مسنده (رقم 1161، 1162) ومن طريقه الترمذي (5/148 ح 2863) ، وابن خزيمة في صحيحه (3/195 ح 1895) ، والحاكم في المستدرك (1/421) ، وأخرجه أحمد في المسند (4/130) وأبو يعلى في مسنده (3/140 ح 1571) ، والطبراني في الكبير -مختصراً- (3/327 ح 3431) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 8/43 ح 6200) ، كلهم من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام به، وأول الحديث: "إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ... " فذكره مطولاً، وفي آخره قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله ... " الحديث، وفيه "ومن دعا بدعوى الجاهلية ... " الخ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن كثير -وقد ساقه من رواية الإمام أحمد-: هذا حديث حسن (التفسير 1/58 - عند الآية (22) من سورة البقرة) . وصححه الشيخ الألباني (صحيح الترمذي رقم 2298) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (هو سماكم المسلمين) يقول: الله سماكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هو سماكم المسلمين) قال: الله سماكم المسلمين من قبل. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم) أنه قد بلغكم أنتم (وتكونوا) أنتم (شهداء على الناس) أن الرسل قد بلّغتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 سورة المؤمنون قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) قال الحاكم: أخبرنا أحمد بن سهل الفقيه ببخاري، ثنا قيس بن أنيف، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران عن يزيد بن بابنوس قال: قلنا لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟. قالت: كان خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن، ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين اقرأ قد أفلح المؤمنون حتى بلغ العشر فقالت هكذا كان خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/392 -ك التفسير- سورة المؤمنون) . وأقره الذهبي وأخرجه البخاري في (الأدب المفرد 1/407 ح 308) ، وصححه الألباني في (صحيح الأدب المفرد ح 234) . وما بعد هذه الآية بيان لها لمعرفة صفات المؤمنين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) يقول: خائفون ساكنون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) يقول: الباطل. قوله تعالى (والذين هم على صلواتهم يحافظون) انظر حديث البخاري عن ابن مسعود عند الآية رقم (36) من سورة النساء، وهو حديث: "أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها ... ". قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق (والذين هم على صلواتهم يحافظون) على وقتها. ورجاله ثقات وسنده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 قوله تعالى (أولئك هم الوارثون) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن سنان، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار. فإذا مات، فدخل النار، ورث أهل الجنة منزله. فذلك قوله تعالى (أولئك هم الوارثون) . (سنن ابن ماجة 2/1453 - ك الزهد، ب صفة الجنة ح 4341) . قال البوصيرى: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين (مصباح الزجاجة 3/327) . وأخرجه الطبري من طريق أبي معاوية به، (التفسير 18/6،5) ، وصحح إسناده ابن حجر (الفتح 11/442) ، وصحح إسناده الألباني (السلسلة الصحيحة 5/348 ح 2279) . قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، في قوله (أولئك هم الوارثون) قال: يرثون مساكنهم، ومساكن إخوانهم، التي أعدت لهم لو أطاعوا الله. رجاله ثقات وسنده صحيح وأبي صالح هو ذكوان السمان. قوله تعالى (الدين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا حسين بن محمد أبو أحمد، حدثنا شيبان، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك: أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى. (الصحيح 6/25-26 ح 2809 الفتح - ك الجهاد، ب من أتاه سهم غرب فقتله) . قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) انظر حديث ابن مسعود المتقدم عند الآية رقم (8) من سورة الرعد، وهو حديث: "إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ... ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وانظر حديث أبي موسى الأشعري في سورة البقرة آية (30) وفيه: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ... ". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (من سلالة) من مني آدم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (من طين) قال: استل آدم من طين. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ثم أنشأناه خلقاً آخر) قال: نفخ فيه الروح. قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) انظر مطلع سورة الإسراء، وحديث العروج إلى السموات السبع ففيها بيان سبع طرائق. قوله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أنزل من السماء ماء معظماً نفسه جل وعلا بصيغة الجمع المراد بها التعظيم، وأن ذلك الماء أنزله من السماء، أسكنه في الأرض لينتفع به الناس في الآبار، والعيون، ونحو ذلك. وأنه جل وعلا قادر على إذهابه لو شاء أن يذهبه فيهلك جميع الخلق بسبب ذهاب الماء من أصله جوعاً وعطشاً وبين أنه أنزله بقدر أي بمقدار معين عنده يحصل به نفع الخلق ولا يكثره عليهم، حتى يكون كطوفان نوح لئلا يهلكهم، فهو ينزله بالقدر الذي فيه المصلحة، دون المفسدة سبحانه جل علا ما أعظمه وما أعظم لطفه بخلقه. وهذه المسائل الثلاث التي ذكرها في هذه الآية الكريمة، جاءت مبينة في غير هذا الموضع. الأولى: التي هي كونه: أنزله بقدر أشار إليها في قوله (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 والثانية: التي هي إسكانه الماء المنزل من السماء في الأرض بينها في قوله جل وعلا (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) والينبوع: الماء الكثير وقوله (فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) على ما قدمنا في الحجر. والثالثة: التي هي قدرته على إذهابه أشار لها في قوله تعالى (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) . قوله تعالى (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) قوله: وشجرة: معطوف على: جنات من عطف الخاص على العام. وقد قدمنا مسوغه مراراً: أي فأنشأنا لكم به جنات، وأنشأنا لكم به شجرة تخرج من طور سيناء وهي شجرة الزيتون، كما أشار له تعالى بقوله (يوقد من شجرة مباركة زيتونة) الآية، والدهن الذي تنبت به: هو زيتها المذكور في قوله (يكاد زيتها يضيء) .. انظر حديث الحاكم عن أبي أسيد الآتي عند الآية (35) من سورة النور، وهو: "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (طور سيناء) قال: المبارك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (تنبت بالدهن) يقول: هو الزيت يؤكل ويدهن به. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (تنبت بالدهن) قال: الزيتون. قوله تعالى (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون) انظر سورة النحل آية (66) إذ ذكر فيها اللبن وفي آية (5) من سورة النحل بينّ بعض منافعها وآية (80) ، وسورة الزمر آية (6) وفيها بيان أنواع الأنعام، وسورة غافر آيه (79) فيها بيان بعض المنافع وكذا في سورة الزخرف آية (12) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ... ) إلى قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) هذه الآيات في قصة نوح وقومه والفلك وقد تقدم طرف منها في تفسير سورة هود (25-48) . قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (وفار التنور) قال: كانت آية لهم إذا رأوا التنور قد فار منها الماء أن يسلك فيها من كل زوجين اثنين. وانظر سورة هود آية (40) لبيان فاسلك أي: احمل. قوله تعالى (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) انظر سورة هود آية (45، 46) قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) وقد استجاب الله تعالى لنوح كما في سورة هود آية (48) : (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) . قولَه تعالى (ثم أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) قوله تعالى (ثم أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) : هم قوم هود عليه السلام كما قرر الحافظ ابن كثير في (قصص الأنبياء 1/89، 91) واستشهد بهذه الآية. قوله تعالى (فأرسلنا فيهم رسولاً) أي: هود كما تقدم في الآية السابقة. قوله تعالى (وقال الملأ من قومه) أي: قوم عاد الذين أرسل الله تعالى إليهم رسولاً وهو هود عليه الصلاة والسلام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 قوله تعالى (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون) إلى قوله (فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فُبعداً للقوم الظالمين) هذه الآيات كلها في قوم عاد مع رسولهم هود عليه الصلاة والسلام. وانظر سورة الأعراف الآيات (65-72) وسورة هود الآيات (50-60) وسورة الشعراء الآيات (123-140) وسورة الأحقاف (21-26) . وفي هذه الآيات تفصيل يكمل بعضه بعضها لبيان قصة هود مع قومه. قوله تعالى (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون) انظر سورة الرعد آية (5) وتفسيرها، وسورة الإسراء آية (49-50) وتفسيرها. قوله تعالى (هيهات هيهات لما توعدون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (هيهات هيهات) يقول: بعيد بعيد. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة ففي قوله (هيهات هيهات لما توعدون) قال: يعني البعث. قوله تعالى (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) انظر سورة الإسراء آية (49-50) وتفسيرهما. قوله تعالى (فجعلناهم غثاء) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (غثاء) كالرميم الهامد الذي يحتمل السيل. يعني به ثمود. قوله تعالى (ثم أرسلنا رسلنا تترى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ثم أرسلنا رسلنا تترى) يقول: يتبع بعضها بعضاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 قوله تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) انظر قصة موسى وهارون مع فرعون سورة يونس آية (75-92) . قوله تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وجعلنا ابن مريم وأمه) قال: ولدته من غير أب هو له. ولذلك وحدت الآية، وتد ذكر مريم وابنها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ربوة) مستوية. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح قتادة في قوله (إلى ربوة ذات قرار ومعين) قال: ذات ثمار وماء، وهي بيت المقدس. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (معين) قال: ماء جاري. قوله تعالى (فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (بينهم زبراً) قال: كتب الله فرقوها قطعاً. قوله تعالى (فذرهم في غمرتهم حتى حين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فذرهم في غمرتهم حتى حين) قال: في ضلالتهم. قوله تعالى (أيحسبون أنما نمدهم به) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أنما نمدهم) قال: نعطيهم، نسارع لهم، قال: نزيدهم في الخير، نملى لهم. قال: هذا لقريش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 قوله تعالى (والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة ... ) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر. ثنا وكيع عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن ابن سعيد الهمداني، عن عائشة، قالت: قلتُ: يا رسول الله! (والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة) أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: "لا. يا بنت أبي بكر (أو يا بنت الصديق) ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي، وهو يخاف أن لا يتقبل منه". (سنن ابن ماجة 2/1404 -ك الزهد- ب التوقي على العمل ح 4198) . أخرجه الترمذي من طريق سفيان عن مالك بن مغول به وقال: روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة (الجامع الصحيح -التفسير- سورة المؤمنون ح 3175) وهو شاهد موصول ثابت لأن عبد الرحمن بن سعيد لم يدرك عائشة) . وأخرجه أحمد (المسند 6/159) عن يحيى بن آدم. والحاكم (المستدرك 2/393-394) من طريق محمد بن سابق، كلهم عن مالك بن مغول به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجه 2/409) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلة) يقول يعملون خائفين. قوله تعالى (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) وقد بين الله تعالي صفات الذين يسارعون في الخيرات (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وهم لها سابقون) يقول سبقت لهم السعادة. قوله تعالى (ولا نكلف نفساً إلا وسعها) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) . ما تضمنته هذه الآية من التخفيف في هذه الحنيفية السمحة، التي جاء بها نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ذكرنا طرفا من الآيات الدالة عليه في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . اهـ. وانظر آخر تفسير سورة البقرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 قوله تعالى (ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: (ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون) الحق أن المراد بهذا الكتب: كتاب الأعمال الذي يحصيها الله فيه، كما يدل عليه قوله تعالى (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا المعنى في الكهف، في الكلام على قوله (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه) الآية، وفي سورة الإسراء في الكلام على قوله (ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً) . قوله تعالى (بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (في غمرة من هذا) قال: في عمى من هذا القرآن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولهم أعمال من دون ذلك) قال: الحق. قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون) قال: نزلت في يوم بدر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إذا هم يجأرون) يقول: يستغيثون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (فكنتم على أعقابكم تنكصون) يقول: تدبرون. قوله تعالى (مستكبرين به سامرا تهجرون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (مستكبرين به) قال: بمكة بالبلد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سامراً) قال: مجلساً بالليل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (تهجرون) قال: بالقول السيء في هذا القرآن. قوله تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (بل آتيناهم بذكرهم) يقول: بينا لهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (بل آتيناهم بذكرهم) قال: القرآن. قوله تعالى (أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير وهو خير الرازقين) قال الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن الحسن: (أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير) قال: الأجر. وسنده صحيح. قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم: الإسلام. قوله تعالى (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) يقول: عن الحق عادلون. قوله تعالى (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) انظر سورة البقرة آية (15) لبيان (في طغيانهم يعمهون) قوله تعالى (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 قال: حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء أبو سفيان ابن حرب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العِلْهِز -يعني الوبر والدم- فأنزل الله (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) . (الإحسان 3/247 ح 967) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/394 - ك التفسير) من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن واقد به وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) . وحسن ابن حجر إسناده (الفتح 6/510) . قوله تعالى (حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد) قد مضى كان يوم بدر. قوله تعالى (وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: (وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون) . ذرأكم معناه: خلقكم، ومنه قوله تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس) الآية وقوله في الأرض: أي خلقكم وبثكم في الأرض، عن طريق التناسل، كما قال تعالى (وبث منهما رجالا كثيراً ونساءاً) الآية وقال (فإذا أنتم بشر تنتشرون) وقوله (وإليه تحشرون) أي إليه وحده، تجمعون يوم القيامة أحياء بعد البعث للجزاء والحساب. وما تضمنته هذه الآية من أنه خلقهم وبثهم في الأرض وأنه سيحشرهم إليه يوم القيامة جاء معناه في آيات كثيرة كقوله في أول هذه السورة (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) إلى قوله (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) وذكر جل وعلا أيضاً هاتين الآيتين في سورة الملك في قوله تعالى (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون، ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 قوله تعالى (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ) أي: قوم هود كما سبق في الآيات السابقة رقم (35 و36 و37) . قوله تعالى (قالوا أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمبعثون) انظر سورة الرعد آية (5) وتفسيرها. قوله تعالى (قل من بيده ملكوت كل شيء) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ملكوت كل شيء) قال: خزائن كل شيء. قوله تعالى (فأنى تسحرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (فأنى تسحرون) يقول تكذبون. قوله تعالى (قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) قال ابن كثير: يقول تعالى أمراً (نبيه محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم: (رب إما تريني ما يوعدون) أي: إن عاقبتهم -وإني شاهد ذلك- فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه: (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون) . قوله تعالى (وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ) لقد منّ الله تعالى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يريه بعض ما يعد الكفار في غزوة كما في سورة الأنفال وفي فتح مكة المكرمة كما سورة الفتح. قوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون) قال ابن كثير: ثم قال مرشداً له إلى الترياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة، فقال: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) . وهذا كما قال في الآية الأخرى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ، أي: ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة أو الصفة (إلا الذين صبروا) ، أي: على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل مع إسدانهم إليهم القبيح، (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ، أي: في الدنيا والآخرة. قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) انظر الاستعاذة في بداية التفسير، وسورة الأعراف آية (200) . قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت، من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته، ولهذا قال: (رب، ارجعون. لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا) كما قال الله تعالى: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: رب، لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) وقال تعالى: (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا: ربنا، أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال) . أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن الضحاك يقول (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) يعني: أهل الشرك. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (برزخ إلى يوم يبعثون) قال: الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) قال: البرزخ بقية الدنيا. أخرج البستي بسنده الصحيح عن الضحاك يقول: البرزخ: ما بين الدنيا والآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 قوله تعالى (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور وقام الناس من القبور (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) أي لا تنفع الأنساب يومئذ ولا يرثى والد لولده ولا يلوي عليه قال تعالى (ولا يسأل حميم حميماً. يبصرونهم) أي لا يسأل القريب عن قريبه وهو يبصره ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره وهو كان أعز الناس عليه في الدنيا ما التفت إليه ولا حمل عنه وزن جناح بعوضة قال الله تعالى (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) الآية. قال أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا عبد الله بن جعفر، حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور أنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال له: قل له فليلقني في العتمة. قال: فلقيه، فحمد المسور الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من سببكم وصهركم، ولكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (فاطمة مضغة مني يقبضني ما قبضها ويبسطني ما بسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسبي وصهري) . وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك. قال: فانطلق عاذراً له. (المسند 4/323 ومن طريق أحمد أخرجه الحاكم في المستدرك (3/158) ك معرفة الصحابة. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . وانظر حديث عبد الله بن عمرو عند أصحاب السنن المتقدم تحت الآية رقم (73) من سورة الأنعام وفيه: "الصور قرن ينفخ فيه". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) ، فذلك حين ينفخ في الصور، فلا حي يبقى إلا الله (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) فذلك إذا بعثوا في النفخة الثانية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 قوله تعالى (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) انظر آخر سورة القارعة (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهية نار حامية) . قوله تعالى (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار تلفح وجوههم النار: أي تحرقها إحراقاً شديداً، جاء موضحاً في غير هذا الموضع، كقوله تعالى (يوم تقلب وجوههم في النار) الآية. وقوله تعالى: (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة ابن عباس في قوله (وهم فيها كالحون) يقول: عابسون. قوله تعالى (ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون. قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضآلين) قال ابن كثير: هذا تقريع من الله وتوبيخ لأهل النار على ما ارتكبوه من الكفر والمآثم والمحارم والعظائم التي أوبقتهم في ذلك فقال تعالى (ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون) أي قد أرسلت إليكم الرسل وأنزلت عليكم الكتب وأزلت شبهكم ولم يبق لكم حجة كما قال تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وقال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وقال تعالى (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير -إلى قوله- فسحقاً لأصحاب السعير) ولهذا قالوا (ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين) أي قد قامت علينا الحجة ولكن كنا أشقى من أن ننقاد ونتبعها فضللنا عنها ولم نرزقها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (غلبت علينا شقوتنا) التي كتبت علينا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 قوله تعالى (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن أهل النار يدعون ربهم فيها فيقولون: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا إلى ما لا يرضيك بعد إخراجنا منها فإنا ظالمون وأن الله يجيبهم بقوله (اخسئوا فيها ولا تكلمون) أي امكثوا فيها خاسئين: أي أذلاء صاغرين حقيرين، لأن لفظة اخسأ إنما تقال للحقير الذليل، كالكلب ونحوه. فقوله (اخسئوا) أي ذلوا فيها ماكثين في الصغار والهوان. وهذا الخروج من النار الذي طلبوه قد بين تعالى أنهم لا ينالوه كقوله تعالى (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) وقوله تعالى (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) وقوله تعالى (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها) الآية. وانظر الآية رقم (99، 100) من هذه السورة. قوله تعالى (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون) . قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه، أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل كقولك: عاقبة إنه مسيء: أي لأجل إساءته. وقوله في هذه الآية (إنه كان فريق من عبادي) الآيتين. يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة، على أن من الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 وسخريتهم من هذا الفريق المؤمن الذي يقول (ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله، والإيمان به فيدخلون بذلك النار. وما ذكره تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أشار له في غير هذا الموضع، كقوله تعالى (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون) . قوله تعالى (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فاسأل العادين) قال: الملائكة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فاسأل العادين) قال: فاسأل الحُسّاب. قوله تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) قال ابن كثير: وقوله (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) أي: أفظننتم أنك مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا (وأنكم إلينا لا ترجعون) أي: لا تعودون في الدار الآخرة، كما قال تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) ، يعني هملا. قوله تعالى (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا برهان له به) قال: لا بينة له به. قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) انظر بداية التفسير (الرحمن الرحيم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 سورة النور قوله تعالى (سورة أنزلناها وفرضناها ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (وفرضناها) يقول: بيناها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وفرضناها) قال: الأمر بالحلال والنهي عن الحرام. قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر -وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذنْ لي أن أتكلم. قال: تكلم، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -قال مالك: والعسيف الأجير- زنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائتي شاة وجارية لي. ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلدُ مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: أما غنمك وجاريتك فرد عليك، وجلد ابنه مائة وغربه عاماً، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجَمَها، فاعترفت فرجمها". (صحيح البخاري 11/532 - ك الأيمان والنذور، ب كيف كانت يمين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح 6633، 6634) . وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1324-1325 ح 1697، 1698) . قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 أو كان الحمل أو الاعتراف. -قال سفيان: كذا حفظت- ألا وقد رجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده. (الصحيح 12/140 ح 6829 - ك الحدود، ب الاعتراف بالزنا) . وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الحدود، ب رجم الثيب في الزنا - ح 1691) . قال مسلم: حدثني أبو غسان مالك بن عد الواحد المسمعي، حدثنا معاذ (يعني ابن هشام) ، حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو قلابة؛ أن أبا المهلب حدثه عن عمران بن حصين، أن امرأة من جهينة أتت نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي حبلى من الزنى. فقالت: يا نبي الله! أصبت حدا فأقمه عليّ. فدعا نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليها. فقال: "أحسِن إليها، فإذا وضعت فائتني بها" ففعل. فأمر بها نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فشُكّت عليها ثيابها. ثم أمر بها فرُجمت ثم صلى عليها. فقال له عمر: تصلي عليها؟ يا نبي الله! وقد زنت. فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ ". (الصحيح 3/1324 ح 1696 ك الحدود، ب من اعترف على نفسه بالزنى) . قال البخاري: حدثني زهير بن حرب، حدثنا يعقوب: حدثنا أبي، عن صالح قال: حدث ابن شهاب أن عبيد الله أخبره أن زيد بن خالد وأبا هريرة رضي الله عنهما أخبراه أنهما سمعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل عن الأمة تزني ولم تحصن؟ قال: "اجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها بعد الثالثة أو الرابعة". (الصحيح 4/491 ح 2232، 2233، ك البيوع، ب بيع المدبر) . قوله تعالى (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) قال: أن تقيم الحد. قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: أكتبنيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 قال شعبة: فكأنه كره ذلك فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم. (المسد 5/183) وأخرجه الدارمي (السنن 2/179 - ك الحدود، ب في حد المحصنين بالزنا) من طريق: العقدي، عن شعبة به. والحاكم (المستدرك 4/360 - ك الحدود) ، من طريق: محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، كلاهما عن محمد بن جعفر به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ولفظ الدارمي مختصر ليس فيه قول عمر. وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 9/65) . انظر حديث مسلم عن عبادة بن الصامت المتقدم عند الآية رقم (15) من سورة النساء، وهو حديث: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". وقد صح عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه لما أتى بشراحة وكانت قد زنت وهي محصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ثم قال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح - ك الحدود ح 6812) ، وقد ذكر الجمهور حديث عبادة الذي نص على الجمع بين الرجم والجلد للمحصن الزاني أنه منسوج بما ثبت في قصة ماعز وهي متراخية عن حديث عبادة، وكذا قصة الغامدية والجهنية واليهوديين. انظر (فتح الباري 12/119، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 370) . قوله تعالى (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) قال: الطائفة: رجل واحد فما فوقه. قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة عن عُبيد الله بن الأخنس، أخبرني عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغيٌّ بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عَنَاق فأبصرتْ سواد ظلي بجنب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 الحائط فلما انتهتْ إلي عرفته فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحباً وأهلاً هلُمّ فبت عندنا الليلة، قال: قلتُ: يا عناق حرّم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فطل بولهم على رأسي وأعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلاً حتى انتهيت إلى الإذخر ففككت عنه كبْله فجعلت أحمله ويُعينني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله أنكحُ عناقا؟ فأمسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يرد عليّ شيئاً حتى نزلت (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحُرّم ذلك على المؤمنين) فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، فلا تنكحها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (السنن 5/328-329 -ك التفسير- ب سورة النور - ح 3177) . وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح 3538. وأخرجه الحاكم من طريق عبيد الله بن الأخنس به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/166) . والخندمة جبل بمكة المكرمة. قال أبو داود: حدثنا مسدد وأبو معمر، قالا: ثنا عبد الوارث، عن حبيب، حدثني عمرو بن شعيب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله". وقال أبو معمر: حدثني حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب. (السنن 2/221 ح 2052 - ك النكاح، ب قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية) . وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة النور 3 ح 59) عن أبيه عن عبد الوارث به. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/193- ك النكاح) من طريق يزيد بن زريع عن حبيب المعلم بنحوه، وفيه قصة. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح 1807) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) قال: الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 بزانية مثله أو مشركة. قال: والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزاني مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة. ثم قال (وحرم ذلك على المؤمنين) . قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) قال: ليس هذا بالنكاح إنما هو جماع الزاني بها إلا زان أو مشرك. وصحح إسناده ابن كثير. قوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) روى البخاري معلقاً بصيغة الجزم فقال: وشاور علياً وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين. ا.هـ. قال الحافظ ابن حجر: وأما قوله: فجلد الرامين. فلم يقع في شيء من طرق حديث الإفك في الصحيحين ولا في أحدهما، وهو عند أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة، قالت: لما نزلت براءتي قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر فدعا بهم وحدّهم. وفي لفظ: فأمر برجلين وامرأة فضربوا حدّهم. وسموا في رواية أبي داود: مسطح بن أثاثه وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش. قال الترمذي: حسن لا تعرفه إلا من حديث ابن إسحاق من هذا الوجه. قلت: ووقع التصريح بتحديثه في بعض طرقه. ا.هـ. (فتح الباري - ك الاعتصام، ب قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) ، (وشاورهم في الأمر) 13/353 ط الريان) . وهو كما قال: فقد وجدت الرواية في (مسند أحمد 6/30، 35) وفي (سنن الترمذي - الحدود، ب في حد القذف 4/162) و (سنن أبي داود - الحدود، ب حد القذف 4/162) وفي (السنن الكبرى للبيهقي صرح ابن إسحاق بالحديث 8/250) ، وحسنه الشيخ الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة 2/84) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً) ثم قال: فمن تاب وأصلح، فشهادته في كتاب الله تقبل. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً) ، قال: كان الحسن يقول: لا تقبل شهادة القاذف أبداً وتوبته فيما بينه وبين الله. قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم..) إلى قوله تعالى (إن كان من الصادقين) قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثني إسحاق بن عيسى، حدثني مالك عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله! إن وجدت مع امرأتي رجلاً، أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: "نعم". (الصحيح 2/1135 بعد رقم 1498 - ك اللعان) . قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري عن سهل بن سعد (أن عُويمراً أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان، فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ سلْ لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. فأتى عاصم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله. فكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسائل، فسأله عويمر، فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كره المسائل وعابها قال عويمر: والله لا أنتهى حتى أسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فجاء عويمر فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك" فأمرهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه فلاعنها ثم قال: يا رسول الله، إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها، فكانت سنة لمن كان بعدهما في المتلاعنين. ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انظروا، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلّج الساقين فلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 أحسب عويمراً إلا قد صدق عليها، وإن جاءت أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمراً إلا قد كذب عليها". فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه. (الصحيح 8/303 - ك التفسير، سورة النور ح 4745) . قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (واللفظ لزهير) قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا جرير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. قال: إنا، ليلة الجمعة، في المسجد. إذ جاء رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ. والله! لأسألن عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلما كان من الغد أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله. فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ. فقال: "اللهم! افتح" وجعل يدعو. فنزلت آية اللعان: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) . هذه الآيات. فابتلي به ذلك الرجل من بين الناس. فجاء هو وامرأته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتلاعنا. فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. فذهبت لِتلعن. فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَهْ" فأبت فلعنت. فلما أدبرا قال: "لعلها أن تجيء به أسود جعداً"، فجاءت به أسود جعداً. (صحيح مسلم 2/1133 ح 1495 - ك اللعان) . قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا ابن بكر ابن أبي شيبة (واللفظ له) ، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبد الملك ابن أبي سليمان عن سعيد بن جبير. قال: سئلت عن المتلاعنين في امرأة مصعب. أيُفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة. فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنه قائل. فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 نعم. قال: ادخل. فوالله! ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة. متوسد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرحمن! المتلاعنان، أيُفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله! أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يجبه. فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور: (والذين يرمون أزواجهم) (24/النور/6-9) فتلاهن عليه ووعظه وذكره. وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا، والذي بعثك بالحق! ما كذبت عليها. ثم دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا، والذي بعثك بالحق! إنه لكاذب. فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم فرق بينهما. (صحيح مسلم 2/1130 ح 1493 - كتاب اللعان) . قوله تعالى (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) قال البخاري: حدثني سليمان بن داود أبو الربيع، حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سَعْد (أن رجلا أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فأنزل الله فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد قضى: فيك وفي امرأتك". قال فتلاعنا -وأنا شاهد عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- ففارقها، فكانت سنة أن يفرّق بين المتلاعنين. وكانت حاملاً فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها. ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها) . (صحيح البخاري 8/303 ح 4746 - ك التفسير، سورة النور الآية) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 قوله تعالى (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات ... ) قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام بن حسان، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشريك بن سحماء، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البينة أو حدّ في ظهرك" فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "البينة وإلا حدّ في ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يُبرىء ظهري من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه (والذين يرمون أزواجهم) فقرأ حتى بلغ (إن كان من الصادقين) ، فانصرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إليها فجاء هلال فشهد، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب"؟ ثم قامت فشهدت؟ فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها مَوجبة. قال ابن عباس: فتلكّأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء"، فجاءت به كذلك، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". (صحيح البخاري 8/303-304 ح 4747 - ك التفسير، سورة النور الآية نفسها، ومعنى: سابغ: عظيم، ومعنى خدلج: ممتلئ) . قوله تعالى (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) قال البخاري: حدثنا مقدم بن محمد بن يحيى، حدثنا عمي القاسم بن يحيى، عن عبيد الله وقد سمع منه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمر بهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتلاعنا كما قال الله، ثم قضى بالولد للمرأة وفرق بين المتلاعنين. (صحيح البخاري 8/305 ح 4748 - ك التفسير، سورة النور الآية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والذين يرمون أزواجهم لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) .. الآية والخامسة أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 يقال له: إن عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإن أقرت المرأة بقوله رُجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها: غضب الله عليكِ إن كان من الصادقين، فيدرأ عنها العذاب ويفرق بينهما، فلا يجتمعان أبداً، ويُلحق الولد بأمه. قوله تعالى (إن الذين جاءو بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هم خيراً لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (والذي تولى كبره) قالت: عبد الله بن سلول. (الصحيح 8/306 ح 4749 - ك التفسير، سورة النور) . وعبد الله هذا هو ابن أبي بن سلول. قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا -وكل حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدّق بعضاً، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض- الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجتُ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عِقْدّ لي من جَزْع أظفار قد انقطع، فالتمستِ عقدي وحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنتُ ركبتُ وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العُلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خِفة الهودج حين رفعوه، وكنتُ جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزل غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطيء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مُوغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى، إنما يدخل عليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيُسلّم ثم يقول: "كيف تِيكم"، ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشرّ، حتى خرجت بعد ما نقهت، فخرجت معي أمّ مِسطحِ قبل المناصع، وهو متبرّزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريباً من بيوتنا. وأمرُنا أمر العرب الأول في التبرز قبلَ الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف، وأمها بنتُ صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة- فأقبلت أنا وأم مسطح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلتِ، أتسبين رجلاً شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قالت قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعني سلم ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ قالت: وحينئذ أريدُ أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجئت أبويّ، فقلتُ لأمي: يا أُمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكى. فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبثَ الوحي يستأمرهما في فراق أهله. قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار عليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال: يا رسول الله، أهلك، وما نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدُقك. قالت: فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بريرة، فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين، من يعذِرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي"، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله وأنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربتُ عنقه، وإن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية- فقال لسعد: كذبتَ لعمر الله، لا تقتله ولا نقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: فمكثتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يَظنّان أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يُوحى إليه في شأني قالت: فتشهّد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين جلس ثم قال: أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤكِ الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. قالت: فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالته قَلصَ دَمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن-: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلتُ لكم إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تُصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقني. والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) قالت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مُبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يُتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم رؤيا يبرِّؤني الله بها. قالت: فوالله ما رامَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت: فلما سرى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: "يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برّأك". فقالت أمي: قومي إليه قالت فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه ... ) العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وكان ينفق على مِسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أُنفق على مسطح شيئاً أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) قال أبو بكر: بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال: يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً. قالت - وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. (الصحيح 8/306-309 ح 4750 -ك التفسير- سورة النور، ب الآية) ، (صحيح مسلم 4/2129 ح 2770 - ك التوبة، ب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 قوله تعالى (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) قال البخاري: حدثني يحيى، حدثنا وكيع، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: كانت تقرأ (إذ تَلِقُونه بألسنتكم) وتقول: الوَلْقُ: الكذب. قال ابن أبي مليكة: وكانت أعلم من غيرها بذلك؛ لأنه نزل فيها. (الصحيح 7/436) ح 4144 - ك المغازي، ب حديث الإفك) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إذ تَلَقّونه) قال: ترونه بعضكم عن بعض. قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أن تشيع الفاحشة) قال: تظهر، يتحدث عن شأن عائشة [رضي الله عنها] . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) انظر سورة البقرة آية (168-169) لبيان معنى خطوات الشيطان وبيان ما يأمر به. قوله تعالى (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله (لولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً) يقول: ما اهتدى منكم من الخلائق لشيء من الخير ينفع به نفسه، ولم يتق شيئاً من الشر يدفعه عن نفسه. قوله تعالى (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) انظر حديث البخاري عند الآية رقم (12) من نفس السورة، وهو حديث عائشة الطويل في قصة الإفك وفي آخره قول أبي بكر - رضي الله عنه -: والله لا أنفق على مسطح شيئاً بعد الذي قال.. فأنزل الله (ولا يأتل أولوا الفضل..) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة) يقول: لا تقسموا أن لا تنفعوا أحداً. وانظر سورة البقرة آية (224) حديث البخاري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعاً: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 قوله تعالى (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". (الصحيح 12/188 ح 6857 - ك الحدود، ب رمي المحصنات) ، (صحيح مسلم 1/92 - ك الإيمان، ب بيان الكبائر وأكبرها) . قوله تعالى (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً ... فذكر حديث رؤية الرب يوم القيامة، وفي آخره: قال: (ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليّ؟ فيُختم على فيه. ويُقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليُعذر من نفسه. وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه) . (الصحيح 4/2279-2280 ح 2968 - ك الزهد والرقائق) . قال الدارمي: أخبرنا إسحاق بن عيسى، عن عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن عَمْرو، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ "من صمت نجا". (السنن 2/299 - ك الرقاق، ب في الصمت) . وأخرجه ابن المبارك في الزهد (ص 130) أنبأنا ابن لهيعة به. وعبد الله بن المبارك روى عن ابن لهيعة قبل الاختلاط. وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله ابن وهب عن ابن لهيعة (المعجم الأوسط 2/556 ح 1954) ، وأخرجه ابن شاهين (فضائل الأعمال ص 327 ح 387) من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري به، وكذا الطبراني في (المعجم الكبير 13 ح 114) وفيهما متابعة لابن لهيعة. قال المنذري: رواة الطبراني ثقات (الترغيب 3/536) وقال العراقي: وهو عند الطبراني بسند جيد (تخريج الإحياء 4/1623 ح 2526) وقال ابن حجر بعد عزوه للترمذي رواته ثقات (الفتح 11/309) . انظر حديث مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - في سورة فصلت آية (20) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 قوله تعالى (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) . المراد بالدين هنا الجزاء، ويدل على ذلك قوله: يوفيهم، لأن التوفية تدل على الجزاء كقوله تعالى: (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) وقوله تعالى (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) يقول: حسابهم. قوله تعالى (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس، وأخرجه بسند صحيح عن الضحاك وقتادة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أولئك مبرءون مما يقولون) فمن كان طيباً فهو مبرأ من كل قول خبيث يقول يغفره الله ومن كان خبيثاً فهو مبرأ من كل قول صالح فإنه يرده الله إليه لا يقبله منه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (لهم مغفرة ورزق كريم) مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم في الجنة. والرزق الكريم هو الجنة وقد تقدم في سورة الأنفال آية (4) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك، حدثنا شعبة عن محمد ابن المنكدر قال: سمعت جابراً - رضي الله عنه - يقول: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دَين كان على أبي، فدققتُ الباب، فقال: مَنْ ذا؟ فقلتُ: أنا. فقال: أنا أنا. كأنه كرهها. (الصحيح 1/37 ح 6250 - ك الاستئذان، ب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا) ، (صحيح مسلم 3/1697 - ك الأدب، ب كراهة قول المستئذن أنا إذا قيل من هذا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رُمح. قالا: أخبرنا الليث (واللفظ ليحيى) . ح وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث عن ابن شهاب؛ أن سهل بن سعد الساعدي أخبره، أن رجلاً اطّلع في جحْر في باب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِدْرى يحُك به رأسه. فلما رآه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك". وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما جُعل الإذن من أجل البصر". (صحيح مسلم 3/1698 - ك الآداب، ب تحريم النظر في بيت غيره ح 2156) ، وأخرجه البخاري (الصحيح - الديات، ب من اطلع في بيت قوم.. ح 6901) . قال مسلم: حدثنا حسين بن حريث، أبو عمار، حدثنا الفضل بن موسى. أخبرنا طلحة بن يحيى عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال: السلام عليكم. هذا عبد الله بن قيس. فلم يأذن له. فقال: السلام عليكم. هذا أبو موسى. السلام عليكم. هذا الأشعري. ثم انصرف. فقال: رُدّوا عليّ. رُدّوا عليّ. فجاء فقال: يا أبا موسى! ما ردّك؟ كنا في شغل. قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الاستئذان ثلاث. فإن أذن لك، وإلا فارجع". قال: لتأتيني على هذا ببينة. وإلا فعلت وفعلت. فذهب أبو موسى. قال عمر: إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية. وإن لم يجد بينة فلم تجدوه. فلما أن جاء بالعشي وجدوه. قال. يا أبا موسى! ما تقول؟ أقد وجدتَ؟ قال: نعم. أُبي بن كعب. قال: عدل. قال: يا أبا الطفيل! ما تقول هذا؟ قال: سعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ذلك يا ابن الخطاب فلا تكوننّ عذاباً على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سبحان الله! إنما سمعت شيئاً. فأحببت أن أتثبت. (صحيح مسلم 3/1696 ح 2154 - ك الآداب، ب الاستئذان) ، وأخرجه البخاري من حديث أبي سعيد نحوه (الصحيح ح 6245 - الاستئذان، التسليم والاستئذان ثلاثاً) . قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا هشيم، حدثنا سيار، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: قفلنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوةٍ، فتعجّلتُ على بعير لي قطوف، فلحقني راكب من خلفي، فنخس بعيري بعنزة كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فإذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما يُعجلك؟ قلت: كنت حديث عهد بعُرس. قال: أبكراً أم ثيباً؟ قلتُ: ثيباً. قال: فهلا جارية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 تلاعبها وتلاعبك. قال: فلما ذهبنا لندخل قال: أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً -أي عشاء- لكي تمتشط الشعثة، وتستحدّ المغيبة. (الصحيح 9/24 ح 5079 - ك النكاح، ب نكاح الأبكار، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1527 ح 715 - ك الأمارة، ب كراهة الطروق ... ) . قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن ربعي قال: ثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخادمه: "أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم، أأدخل"؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخل. (السنن 4/345 ح 5177 - ك الأدب، ب كيف الاستئذان) . وأخرجه أحمد (المسند 5/368-369) من طريق شعبة عن منصور به. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ح 4312) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (حتى تستأنسوا) قال: حتى تستأذنوا وتسلموا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإن لم تجدوا فيها أحداً) قال: إن لم يكن لكم فيها متاع فلا تدخلوها إلا إذن (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا) . قوله (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (بيوتاً غير مسكونة) قال: هي البيوت التي ينزلها السفر، لا يسكنها أحد. قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) قال مسلم: حدثني قتيبة بن سعيد، حدثنا يزيد بن زريع، ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن عُليّة. كلاهما عن يونس، ح وحدثني زهير بن حرب، حدثنا هُشيم، أخبرنا يونس عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة، عن جرير بن عبد الله. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نظر الفُجاءة. فأمرني أن أصرف بصري. (صحيح مسلم 3/1699 ح 2159 - ك الآداب، ب نظر الفجأة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب عن الضحاك ابن عثمان، قال: أخبرني زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل. ولا المرأة إلى عورة المرأة. ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد. ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد". (صحيح مسلم 1/266 ح 338 - ك الحيض، ب تحريم النظر إلى العورات) . قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والجلوس على الطرقات". فقالوا: ما لنا بدّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: "فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها" قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر". (الصحيح 5/134 ح 2465 - ك المظالم، ب أفنية الدور والجلوس فيها..) ، وأخرجه مسلم (الصحيح ح 2121 - ك اللباس، ب النهي عن الجلوس في الطرقات) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا بهز ابن حكيم، حدثني أبي، عن جدي قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمينك"، فقال: الرجل يكون مع الرجل؟ قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل" قلت: والرجل يكون خالياً؟، قال: "فالله أحق أن يستحيا منه". (السنن 5/97 ح 2769 ك الأدب، ب ما جاء في حفظ العورة) قال الترمذي: هذا حديث حسن. وحسنه الألباني (صحيح الترمذي ح 2222) ، وأخرجه ابن ماجة (السنن 1/618 ح 1920 - ك النكاح، ب التستر عند الجماع) من طريق: يزيد بن هارون وأبي أسامة عن بهز به. والحاكم (المستدرك 4/179) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ورواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ووصله ابن حجر من رواية ابن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز ... ثم قال ابن حجر: فالإسناد إلى بهز صحيح ولهذا جزم به البخاري (الفتح 1/385، 386) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 انظر حديث البخاري عن أبي هريرة الآتي عند الآية (32) من سورة النجم: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) قال: يغضوا أبصارهم عما يكره الله. قوله تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) قال الترمذي: حدثنا سويد، حدثنا عبد الله، أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن نبهان مولى أم سلمة، أنه حدثه أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وميمونة قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احتجبا منه"، فقلت: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟. (السنن 5/102 ح 2778- ك الأدب، ب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال) ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح) ، وأخرجه أبو داود (السنن 4/63 ح 4112) ك اللباس، ب في قوله عز وجل (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) من حديث محمد بن العلاء، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 12/387 ح 5575) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن ابن المبارك به. وقال الحافظ ابن حجر: إسناده قوي. (فتح الباري 9/337) وكذا في (تحفة الأحوذي 8/63) . قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أخرج الطبري بأسانيد صحيحة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: هي الثياب. وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/397) وأخرجه الطبراني (برقم 9116) ، قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد مطولاً ومختصراً ورجال أحدها رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/82) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها. ا.هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 هكذا تمام كلام ابن عباس رضي الله عنهما ولكن كثيراً من العلماء ينقلون عنه الشق الأول فما نسب إلى ابن عباس بأن المراد من قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) الوجه والكفان، ليس مطلقاً وإنما هو مقيد في بيتها لمن دخل من الناس عليها. ومما يؤكد هذا تفسيره لقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً) الأحزاب آية: 59. فقد أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. ا.هـ. وانظر سورة الأحزاب آية (58) فقد صح مثله عن عبيدة السلماني. وانظر الرواية التالية لابن عباس وفيها أن الزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسواراها، والخلخال والنحر والشعر فلا تبديه إلا لزوجها. ومع الأسف الشديد أن مسألة جواز كشف الوجه واليدين ينسبه العلماء لابن عباس على إطلاقه، فليحرر. قوله تعالى (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لما نزلت هذه الآية (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أخذن أزرهن فشققنها من قِبل الحواشي فاختمرن بها. (الصحيح 8/347 ح 4759 -ك التفسير- سورة النور، ب الآية) . قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان يدخل على أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخنّث. فكانوا يعدّونه مِن غير أولي الإربة. قال فدخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً وهو عند بعض نسائه. وهو ينعت امرأة. قال: إذا أقبلتْ أقبلتْ بأربع. وإذا أدبرت أدبرت بثمان. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا أرى هذا يعرف ما ههنا. لا يدخلَنَّ عليكن"، قالت: فحجبوه. (صحيح مسلم 4/1716 ح 2981 - ك السلام، ب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) فهذا الرجل يتبع القوم وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهيهن، فالزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسواراها، وأما خلخالاها ومعضداها ونحرها وشعرها فإنها لا تبديه إلا لزوجها. قوله تعالى (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يضربن بأرجلهن) فهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال ويكون في رجليها خلاخل، فتحركهن عند الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان. قوله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم، عن ابن معقل، قال: دخلت مع أبي على عبد الله، فسمعته يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الندم توبة" فقال له أبي: أنت سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الندم توبة"؟ قال: نعم. (السنن 2/1420 ح 4252 - ك الزهد، ب ذكر التوبة) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح 3429) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/433) من طريق وكيع وعبد الرحمن، والحاكم (المستدرك 4/243- ك التوبة) من طريق الحميدي كلهم عن سفيان به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ... ووافقه الذهبي. وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 6/298 ح 9315) ، وله شاهد من رواية أنس - رضي الله عنه - أخرجه ابن حبان (الإحسان 2/6 ح 612) ، وحسنه ابن حجر في الفتح، وصححه السيوطي والعامري في شرح الشهاب (انظر فتح القدير 6/298) . انظر حديث مسلم المتقدم عند الآية رقم (3) من سورة هود، وهو حديث: "يا أيها الناس توبوا إلى الله ... ". قوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم ... ) قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة حدثهم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". (الصحيح 9/98 ح 5136 ك النكاح، ب، لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/1036 ح 1419 - ك النكاح، ب استئذان الثيب بالنكاح بالنطق..) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال عبد الله: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء". (الصحيح 9/14 ح 5066 - ك النكاح، ب من لم يستطع الباءة فليصم) ، وأخرجه مسلم (الصحيح ك النكاح، ب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، بعد رقم 1400) . قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف". (السنن 4/184 ح 1655 - ك فضائل الجهاد، ب ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب وعون الله إياهم) ، قال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه النسائي (السنن 6/15-16 - ك الجهاد، ب فضل الروحة في سبيل الله) من طريق عبد الله بن المبارك، وابن ماجة (السنن 2/841 ح 2518 - ك العتق، ب المكاتب) من طريق: أبي خالد الأحمر، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/339 ح 4030) من طريق يحيى بن سعيد، والحاكم (المستدرك 2/160 - ك النكاح من طريق يحيى أيضاً، كلهم عن ابن عجلان به، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال البغوي: حديث حسن (شرح السنة 9/7) . وحسنه الألباني (صحيح الترمذي ح 1352) . وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 3/317 ح 3497 وصحح إسناده أحمد شاكر في حاشية المسند 13/49) . قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن حفص ابن أخي أنس بن مالك، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً، ويقول: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر الأنبياء يوم القيامة". (الإحسان 9/338 ح 4028) وأخرجه أحمد في (المسند 3/158-245) عن خلف به. وحسنه الهيثمي (مجمع الزوائد 4/258) وأخرجه الضياء في (المختارة 5/260-262 ح 1888-1890) من طرق، عن خلف بن خليفة به. وقال محققه: إسناده حسن. وقال محقق الإحسان: صحيح لغيره.. وله شاهد من حديث معقل بن يسار ... وآخر من حديث عبد الله بن عَمرو، وحديث معقل أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/162) وقال العراقي: إسناده صحيح (تخريج الإحياء 2/970) وصححه الألباني بشواهد (الإرواء 6/195 ح 1784) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) قال: أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغبهم فيه وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى، فقال (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) . قوله تعالى (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ... ) قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله جئتُ أهب لك نفسي. قال. فنظر إليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصعَّد النظر فيها وصوّبه، ثم طأطأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلستْ. فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها. فقال: وهل عندك من شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله، فقال: "إذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً"، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئاً، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انظر ولو خاتماً من حديد". فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري -قال سهل ماله رداءٌ فلها نصفه- فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما تصنع بإزارك، إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء". فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موليا فأمر به فدُعي، فلما جاء قال: "ماذا معك من القرآن"؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا -عدّدها- فقال: تقرؤهنّ عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: "اذهب فقد مَلّكتكها بما معك من القرآن". (صحيح البخاري 9/34 - ك النكاح، ب تزويج المعسر. ح 5087) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - النكاح، ب الصداق ح 1425) . قوله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنهم الله من فضله) انظر حديث البخاري عن عبد الله بن مسعود في الآية السابقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 قوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً ... ) قال البخاري: وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب قال عروة: قالت عائشة رضي الله عنها: إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواقي نجّمت عليها في خمس سنين، فقالت لها عائشة -ونفِستْ فيها- أرأيت إن عددْت لهم عَدّة واحدة أيبيعك أهلك فأعتقك فيكون ولاؤك لي؟ فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم، فقالوا. لا، إلا أن يكون لنا الولاء. قالت عائشة: فدخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرتُ ذلك له، فقال لها رسول الله: "اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق". ثم قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ مَن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، شرط الله أحق وأوثق". (صحيح البخاري 5/219 ح 2560 - ك المكاتب، ب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) يقول: إن علمتم لهم حيلة، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إن علمتم فيهم خيراً) قال لهم: مالا فكاتبوهم. قوله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ... ) قال الحاكم. أخبرنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ ابن جريج، حدثني عطاء بن السائب أن عبد الله بن حبيب أخبره عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال: يترك للمكاتب الربع". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وعبد الله بن حبيب هو أبو عبد الرحمن السلمي وقد أوقفه أبو عبد الرحمن عن علي في رواية أخرى. (المستدرك 2/397 ك التفسير - سورة النور) (وأقره الذهبي على تصحيحه، وقال الذهبي: وروى موقوفاً. وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 2/194-195 ح 576) من طريق: سليمان بن أحمد، عن إسحاق بن إبراهيم به. ومن طريق علي بن بحر، عن عبد الرزاق به مرفوعاً ح 577. ونقل محققه عن البيهقي: أن الصحيح وقفه. وهو عند الضياء أيضاً برقم 575 من طريق: أسباط، عن عطاء به موقوفا على عليّ. قال محققه: رجاله ثقات، وهذا الموقوف له حكم الرفع) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم. قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة عن محمد بن جُحادة عن أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كسب الإماء". (صحيح البخاري 4/538 - ك الإجارة، ب كسب البغي والإماء ح 2283) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود الأنصاري، "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن". (صحيح مسلم 3/1198 - المساقاة، ب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور ح 1567) ، وأخرجه البخاري (الصحيح- البيوع، ب ثمن الكلب ح 2237) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، جميعاً عن أبي معاوية (واللفظ لأبي كريب) ، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر، قال: كان عبد الله بن أُبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً. فأنزل الله عز وجل (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يُكرههن فإن الله من بعد إكراههن) لهن (غفور رحيم) . (صحيح مسلم 4/2320 - ك التفسير، ب في قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء)) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً) يقول: ولا تكرهوا إماءكم على الزنا، فإن فعلتم فإن الله سبحانه لهن غفور رحيم، وإثمهن على من أكرههن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 قوله تعالى (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (الله نور السموات والأرض) يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض. وهو اختيار الطبري، ويشهد له قوله تعالى (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) آية: 40 من السورة نفسها، وكذلك قوله تعالى في سورة الزمر آية: 22 (فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) .ا. هـ. وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التفسير وأقره فقال: ثم قول من قال من السلف (هادي أهل السموات والأرض) لا يمنع أن يكون في نفسه نوراً، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسر من الأسماء أو بعض أنواعه، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمى بل قد يكونان متلازمين، ولا دخول لبقية الأنواع فيه ... (تفسير سورة النور ص 220-221 تحقيق د. عبد العلي عبد الحميد حمد. وانظر مجموع الفتاوى 6/374) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قول الله (مثل نوره) قال: ذكر نور المؤمن فقال: مثل نوره، يقول: مثل نور المؤمن. قال: وكان أبي يقرؤها: كذلك مثل المؤمن، هو المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) قال: مثل المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره كمشكاة، قال: المشكاة: صدره (فيها مصباح) قال: مثل القرآن والإيمان الذي جعل في صدره (المصباح في زجاجة) قال: والزجاجة: قلبه (الزجاجة كأنها كوكب دري توقد) قال: فمثله مما استنار فيه القرآن والإيمان كأنه كوكب دري، يقول: مضيء (توقد من شجرة مباركة) والشجرة المباركة أصله المباركة الإخلاص لله وحده وعبادته، لا شريك له (لا شرقية ولا غربية) قال: فمثله مثل شجرة التف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 بها الشجر، فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الغير، وقد ابتلى بها فثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال، إن أعطى شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات، قال (نور على نور) فهو يتقلب في خمسة من النور، فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة في الجنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مثل نوره كمشكاة) قال: مثل هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى، ونورا على نور كما قال إبراهيم صلوات الله عليه قبل أن تجيئه المعرفة (قال هذا ربي) حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له رباً، فلما أخبره الله أنه ربه ازداد هدى على هدى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (كمشكاة) قال: القنديل، ثم العمود الذي فيه القنديل. قوله تعالى (شجرة مباركة زيتونة..) قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا أبو نُعيم، ثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن أبي أسيد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلوا الزيت وادهنوا بها فإنه من شجرة مباركة". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/397-398 - ك التفسير - سورة النور، وأقره الذهبي) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/285 ح 1851) ، والضياء (المختارة 1/174 ح 82 و83) كلاهما من حديث عمر - رضي الله عنه - مرفوعاً بنحوه وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة ح 379) . انظر حديث عمر المتقدم عند الآية رقم (20) من سورة المؤمنون لبيان مكان خروجها وهو طور سيناء ولبيان صفاتها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 قوله تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع) قال مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا: حدثنا ابن وهب. أخبرني عَمْرو، أن بُكيرا حدثه، أن عاصم بن عُمر بن قتادة حدثه، أنه سمع عُبيد الله الخولاني يذكر، أنه سمع عثمان بن عفان، عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنكم قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَن بنى مسجداً لله تعالى (قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله) بنى الله له بيتاً في الجنة". وقال ابن عيسى في روايته (مثله في الجنة) . (صحيح مسلم 1/378 ح 533 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل بناء المساجد) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه 1/544 ح 450) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد (يعني ابن الحارث) حدثنا شعبة قال: سألت قتادة عن التَّفْل في المسجد؟ فقال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "التفل في المسجد خطيئة. وكفارتها دفنها". (صحيح مسلم 1/390 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب النهي عن البصاق في المسجد، في الصلاة وغيرها) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه 1/511 ح 415) . قال أحمد: ثنا يحيى بن غيلان قال: حدثنا رشدين، حدثني عمرو عن أبي السمح، عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن". (المسند 6/297) وأخرجه ابن خزيمة (الصحيح 3/92 ح 1683 - ك الصلاة، ب اختيار صلاة المرأة في بيتها..) والحاكم (المستدرك 1/209) كلاهما من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث به، وسكت الحاكم والذهبي. وصححه الألباني (صحيح الجامع 3327) وقال مرة: حسن (حاشية ابن خزيمة) ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعاً: "لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن"، أخرجه أبو داود (السنن - ك الصلاة ح 567) ، وابن خزيمة (ح 1684) ، قال الألباني في التعليق على ابن خزيمة: صحيح بشواهده. قلت: ويشهد له حديث أم حميد الآتي. وحسنه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير 3/491 ح 4087) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (في بيوت أذن الله أن ترفع) وهي المساجد تكرم، ونهى عن اللغو فيها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: مساجد تبنى. قوله تعالى (ويذكر فيها اسمه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ثم قال: (ويذكر فيها اسمه) يقول: يتلى فيها كتابه. قوله تعالى (يسبح له فيها بالغدو والأصال) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ثم قال: (يسبح له فيها بالغدو والأصال) يقول: يصلى له فيها بالغداة والعشي، يعني بالغدو: صلاة الغداة، ويعني الأصال: صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما ويذكر بهما عبادته. قال أحمد: ثنا هارون، ثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثني داود بن قيس، عن عبد الله بن سويد الأنصاري، عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي، أنها جاءت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي". قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل. (المسند 6/371) ، وأخرجه ابن خزيمة (الصحيح 3/95 ح 1689 - ك الصلاة، ب اختيار صلاة المرأة في حجرتها ... ) من طريق: عيسى بن إبراهيم الغافقي. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 5/595-596 ح 2217) من طريق: هارون بن معروف، كلاهما عن عبد الله بن وهب به. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سويد الأنصاري، وثقه ابن حبان (مجمع الزوائد 2/33-34) ، وقال ابن حجر وإسناد أحمد حسن وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود (الفتح 2/350) . وقال الألباني: حديث حسن (التعليق على ابن خزيمة) وقال محقق الإحسان: حديث قوي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 قوله تعالى (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) يقول: عن الصلاة المكتوبة. قوله تعالى (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) قال ابن كثير: وقوله (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) أي: يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار، أي: من شدة الفزع وعظمة الأهوال، كما قال تعالى: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) وقال تعالى: (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) . قوله تعالى (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) قال ابن كثير: وقوله (ويزيدهم من فضله) ، أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم، كما قال تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً) وقال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وقال: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة) وقال: (والله يضاعف لمن يشاء) كما قال ها هنا: (والله يرزق من يشاء بغير حساب) . قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة". (السنن 1/283 ح 1079 - ك الصلاة، ب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة) ، وأخرجه الترمذي (السنن - ك الصلاة، ب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة والشعر في المسجد ح 322) ، والنسائي (السنن 2/47-48 - ك المساجد، ب النهي عن البيع والشراء في السجد) وأحمد (المسند 2/179) من طرق عن ابن عجلان به. قال الترمذي: حديث حسن، وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 265) وقال أحمد شاكر في حاشية سنن الترمذي. بل هو صحيح وصححه ابن خزيمة والقاضي أبو بكر بن العربي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 قوله تعالى (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: ثم ضرب مثلا آخر، فقال: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) قال: وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة، وهو يحسب أن له عند الله خيرا فلا يجد، فيدخله النار. ويؤكد هذا ما رواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: وفيه ... فيدعى اليهود فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا، فيُشارُ: ألا ترون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار ... (صحيح البخاري -ك التفسير- سورة النساء، ب إن الله لا يظلم مثقال ذرة ح 4581) ، ومسلم (الصحيح - ك الإيمان، ب معرفة طريق الرؤية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (أعمالهم كسراب بقيعة) يقول: الأرض المستوية. قال تعالى (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله: (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج) ... الآية، قال: ضرب مثلا آخر للكافر فقال: (أو كظلمات في بحر لجي) ... الآية، قال: فهو يتقلب في خمس من الظلم، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بحر لجي) عميق. قوله تعالى (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) قال ابن كثير: وقوله (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) أي من لم يهده الله فهو هالك حائر بائر كافر، كما قال تعالى: (ومن يضلل الله فلا هادي له) ا. هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 قال تعالى (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافّات كل قد علم صلاته وتسبيحه) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) قال: والصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق. وبيانه قوله تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) سورة الإسراء آية: 44. قوله تعالى (والطير صافّات) انظر سورة الملك آية (19) لبيان صف أجنحة الطير. قوله تعالى (فترى الودق) أي المطر كما سيأتي في سورة الروم آية (48) . قوله تعالى (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (يكاد سنا برقه) يقول: لمعان البرق يذهب بالأبصار. وانظر سورة البقرة آية (20) قوله تعالى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) . قوله تعالى (لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم: الإسلام. قوله تعالى (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) انظر سورة البقرة آية (8-14) لبيان بعض أحوال المنافقين وصفاتهم. قال ابن كثير: وقوله (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) أي: إذا طلبوا إلى اتباع الهدى، فيما أنزل الله على رسوله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه. وهذه كقوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) . قوله تعالى (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) انظر سورة البقرة آية (10) . قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة) قال ابن كثير: وقوله (طاعة معروفة) ، قيل معناه طاعتكم طاعة معروفة، أي قد عُلمت طاعتكم، إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال تعالى: (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) ، وقال تعالى: (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) . قوله تعالى (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم) قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم ويمنعون حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس. وقال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم". (الصحيح 3/1474 ح 1846، وأخرجه بعده، وفيه: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فذكره مثله) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال أبو داود: حدثنا سوار بن عبد الله، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن سعيد ابن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك -أو ملكه- من يشاء" قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك عليك: أبا بكر سنتين، وعمرا عشراً، وعثمان اثنتي عشرة، وعلى كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن علياً عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبتْ أستاه بني الزرقاء، يعني بني مروان. (السنن 4/211 ح 4646 - ك السنة، ب في الخلفاء) ، وأخرجه الترمذي (السنن - ك الفتن، ب ما جاء في الخلافة ح 2226) ، وأحمد (المسند 5/220) ، وابن حبان (الإحسان 15/24-35 ح 6657) ، والحاكم (المستدرك 3/145) من طرق عن سعيد بن جمهان به، وصححه في (المستدرك 3/71) . قال الترمذي: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 1813) . وقال محقق الإحسان: إسناده حسن. ونقل الألباني عن ابن أبي عاصم قوله: حديث ثابت من جهة النقل، ونقل عن ابن تيمية تصحيحه له وموافقة الحافظ ابن حجر على تصحيح من صححه (السلسلة الصحيحة ح 460) وصححه السيوطي في (الجامع الصغير 3/509 ح 4147) . وانظر حديث ثوبان المتقدم عند الآية (33) من سورة التوبة، وهو حديث: "إن الله زوى لي الأرض..". قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان، حدثني أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) إلى (ومن كفر بعد ذلك) يعني بالنعمة) (فأولئك هم الفاسقون) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/401 - ك التفسير، وصححه الذهبي) ، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 3/353-354 ح 1145، 1146) من طريق: أحمد بن سعيد الدارمي، ومحمد بن عبده المروزي، كلاهما عن علي بن الحسين بن واقد به. قال محققه فيهما: إسناده حسن. وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 8/83) . وطريق أبي العالية عن أبي بن كعب تقدم ثبوته في المقدمة. وانظر حديث أبي بن كعب الآتي عند الآية (20) من سورة الشورى: "بشر هذه الأمة بالسناء ... ". قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) هذا الدين الذي ارتضاه لهم هو دين الإسلام بدليل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وقوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) . قوله تعالى (لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير) انظر سورة آل عمران آية (196، 197) وتفسيرهما السابق. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) قال البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو وابن جريج، عن عطاء قال: سألت ابن عباس فقلت: أستأذن على أختي؟ فقال: نعم. فأعدت فقلت: أختان في حجري، وأنا أمونهما وأنفق عليهما، أستأذن عليهما؟ قال: نعم، أتحب أن تراهما عريانتين؟ ثم قرأ (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) إلى قوله (ثلاث عورات لكم) فلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 يؤمر هؤلاء بالإذن إلا في هذه العورات الثلاث، قال: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) الآية. قال ابن عباس: فالإذن واجب. زاد ابن جريج: على الناس كلهم. (الأدب المفرد 2/502 ح 1063، ب يستأذن على أخته) وأخرجه البيهقي في (سننه 7/97) من طريق: سعيد بن منصور، عن سفيان، عن عمرو بن دينار وحده، عن عطاء به. وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في جملة من الآثار (فتح الباري 11/25) . وقال الألباني: صحيح الإسناد (صحيح الأدب المفرد رقم 811/1063) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) يقول: إذا خلا الرجل بأهله بعد صلاة العشاء فلا يدخل عليه خادم ولا صبي إلا بإذن حتى يصلي الغداة فإذا خلا بأهله عند صلاة الظهر فمثل ذلك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ثم رخص لهم في الدخول فيما بين ذلك بغير إذن يعني فيما بين صلاة الغداة إلى الظهر وبعد الظهر إلي صلاة العشاء، أنه رخص لخادم الرجل والصبي أن يدخل عليه منزله بغير إذن قال وهو قوله (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) فأما من بلغ الحلم فإنه لا يدخل على الرجل وأهله إلا بإذن على كل حال. قوله تعالى (ومن بعد صلاة العشاء ... ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها، في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل". (الصحيح 1/445 ح 644 وما بعده - ك المساجد ومواضع الصلاة، في وقت العشاء وتأخيرها. وقد جاء عند الطبري إيضاح المقصود بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فإنها في كتاب الله: العشاء"، حيث قال: قال الله (ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) التفسير 18/163) . قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة: أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد، قول الله عز وجل (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم) قرأ القعبني إلى (عليم حكيم) - قال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين، يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حِجَال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعد. (السنن 5/377 ح 5192) ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند تفسير الآية (ح رقم 787) ، والبيهقي في سننه (7/97) كلاهما من طريق: سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو به. وعندهما قول ابن عباس، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به. قال ابن كثير عقبه: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس (التفسير 3/303) ، وقال القرطبي: هذا متن حسن (التفسير 12/303) ، وحسنه الألباني (صحيح سنن أبي داود رقم 4324) ، وقال محقق ابن أبي حاتم: إسناده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن مقاتل بن حيان قوله (ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) وهذا من المفروض يحق على الرجل أن يأمر بذلك من كان حراً أو عبداً أن لا يدخلوا تلك الساعات الثلاث إلا بإذن. قوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أما من بلغ الحلم فإنه لا يدخل على الرجل وأهله يعني من الصبيان الأحرار إلا بإذن على كل حال وهو قوله (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) . قوله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً) وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 بدرع وخمار وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرج لما يكره الله وهو قوله (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) ثم قال (وأن يستعففن خير لهن) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) قال: جلابيبهن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأن يستعففن خير لهن) قال: أن يلبسن جلابيبهن خير لهن. قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، ثنا بكر بن خلف، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيدفعون مفاتيحهم إلى ضمنائهم، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه، وكانوا يقولون: إنه لا يحل لنا أن نأكل، إنهم أذنوا عن غير طيب أنفسهم، وإنما نحن أمناء فأنزل الله عز وجل (ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) إلى قوله (أو ما ملكتم مفاتحه ... ) . (التفسير - سورة النور/61 - ح 894) وأخرجه الطبري (التفسير 18/129) بمثله، وعزاه الهيثمي للبزار، وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/83-84) وحسن إسناده محقق ابن أبي حاتم. وصححه الحافظ ابن حجر وقال: وسماع سليمان من عطاء قديم (مختصر زوائد البزار 2/118) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم) إلي قوله (أو أشتاتا) وذلك لما أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فقال المسلمون: إن الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله بعد ذلك (ليس على الأعمى حرج) إلى قوله (أو ما ملكتم مفاتحه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (أو ما ملكتم مفاتحه) وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته فرخص الله له أن يأكل من ذلك الطعام والتمر ويشرب اللبن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانوا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتا) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن الزهري وقتادة في قوله (فسلموا على أنفسكم) قالا: بيتك إذا دخلته فقل: سلام عليكم. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (فسلموا على أنفسكم) أي ليسلم بعضكم على بعض كقوله (ولا تقتلوا أنفسكم) . وسنده صحيح. قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا: ثنا بشر -يعنيان ابن المفضل- عن ابن عجلان، عن المقري، قال مسدد: سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة". (السنن 4/353 ح 5208 - ك الأدب، ب في السلام إذا قام من المجلس) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/62 ح 2706 - ك الاستئذان، ب ما جاء في التسليم عند القيام وعند القعود) من طريق: الليث وأحمد (المسند 2/230) عن بشر، كلاهما عن ابن عجلان به. قال الترمذي: حديث حسن. وقال النووي وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الجيدة ... فذكره (الأذكار ص 220) وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع شرح فيض القدير 1/305 ح 497) . وقال الألباني: إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات ... (السلسلة الصحيحة ح 183) . أخرج البستي بسنده الصحيح عن الضحاك يقول قوله - جل جلاله: (فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) يقول: سلموا على أنفسكم إذا دخلتم بيوتكم وعلى غير أهلكم فسلموا إذا دخلتم بيوتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 أخرج البستي بسنده الصحيح عن ابن عمر، قال: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين. قوله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) قال الطبري: حدثني الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري في قوله (وإذا كانوا معه على أمر جامع) قال: هو الجمعة إذا كانوا معه لم يذهبوا حتى يستأذنوه. وسنده صحيح. قوله تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لِوَاذا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم..) قال: أمرهم الله أن يفخموه ويشرفوه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كدعاء بعضكم بعضاً) قال: أمرهم أن يقولوا: يا رسول الله في لين وتواضع ولا يقولوا: يا محمد في تجهم. وانظر سورة الحجرات آية (2) . أخرج بن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (لِوَاذاً) عن نبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن كتابه. قوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) قال مسلم: حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه. قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها". قال: "فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار هلمّ عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها". (الصحيح 4/1789 بعد رقم 2284 - ك الفضائل، ب شفقته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أمته ... ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ". (الصحيح 5/355 ح 2697 - ك الصلح، ب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود) . وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الأقضية، ب نقض الأحكام الباطلة ... ح 1718) . قوله تعالى (ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم) قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض، وأنه عالم (الغيب والشهادة) ، وهو عالم بما العباد عاملون في سرهم وجهرهم، فقال: (قد يعلم ما أنتم عليه) (وقد) للتحقيق، كما قال قبلها: (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا) ، وقال تعالى: (قد يعلم الله المعوقين منكم، والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) . وقال تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير) وقال: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) . وقال: (قد نرى تقلب وجهك في السماء) فكل هذه الآيات فيها تحقيق الفعل بقد، كما يقول المؤذن تحقيقاً وثبوتاً: (قد قامت الصلاة. قد قامت الصلاة) . فقوله تعالى: (قد يعلم ما أنتم عليه) ، أي: هو عالم به، مشاهد له، لا يعزب عنه مثقال ذرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 سورة الفرقان قوله تعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها. وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأنيها. فكدت أن أعجل عليه. ثم أمهلته حتى انصرف. ثم لببته بردائه. فجئتُ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أرسله". اقرأ "فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هكذا أنزلت". ثم قال لي: "اقرأ". فقرأتُ فقال: "هكذا أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. فاقرأوا ما تيسر منه". (صحيح مسلم 1/560 - ك صلاة المسافرين وقصرها، ب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه ح 818) . قال ابن كثير: يقول تعالى حامداً نفسه الكريمة علي ما نَزّله على رسوله الكريم من القرآن العظيم، كما قال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات) . وانظر حديث البخاري عن جابر المتقدم عند الآية (151) من سورة آل عمران وهو حديث: "أعطيت خمساً ... ". أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) يقول: الفرقان فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق بين الحق والباطل. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ليكون للعالمين نذيرا) بعث الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نذيراً من النار. وينذر بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 قوله تعالى (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) من خلقه وصلاحه وجعل ذاك بقدر معلوم. قوله تعالى (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (واتخذوا من دونه آلهة) وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله عز وجل. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون) وهو الله الخالق والرازق وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تُخلَق ولا تَخلِق شيئاً. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ولا يملكون موتا ولا حياة) وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة. وفي قوله (ولا نشورا) أي ولا بعثا. قوله تعالى (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه) والإفك هو الكذب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأعانه عليه قوم آخرون) قال: اليهود تقوله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فقد جاءوا ظلما وزورا) قال: كذباً. قوله تعالى (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وقالوا أساطير الأولين) أي: كذب الأولين وباطلهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي العالية في قوله (بكرة) قال: صلاة الفجر. وقوله (وأصيلا) قال: صلاة العصر. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يعلم السر) قال: السر ما أسره ابن آدم في نفسه. قوله تعالى (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أُنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) عجب الكفار من ذلك أن يكون الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لولا أُنزل إليه ملك) أي: فنراهم عياناً. قوله تعالى (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) انظر سورة الإسراء آية (90-94) فيها تفصيل وزيادة كما قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا) ثم رد عليهم بقوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء قوله (الظالمون) قال: اليهود. وسنده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فلا يستطيعون سبيلا) قال: مخرجا. قوله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً) انظر قول ابن كثير بداية السورة لبيان معنى (تبارك) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويجعل لك قصورا) قال: بيوتا مبنية مشيدة، كان ذلك في الدنيا، قال: كانت قريش ترى البيت من الحجارة قصرا كائنا ما كان. قوله تعالى (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن النار يوم القيامة إذا رأت الكافر من مكان بعيد أي في عرصات المحشر اشتد غيظها على من كفر بربها، وعلا زفيرها فسمع الكفار صوتها من شدة غيظها وسمعوا زفيرها. وما ذكره جلا وعلا في هذه الآية الكريمة بين بعضه في سورة الملك، فأوضح فيها شدة غيظها على من كفر بربها، وأنهم يسمعون لها أيضاً شهيقاً مع الزفير الذي ذكره في آية الفرقان هذه وذلك في قوله تعالى (إذا ألقوا فيها سعوا لها شهيقاً وهي تفور تكاد تميز من الغيظ) أي: يكاد بعضها ينفصل عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله تعالى. قوله تعالى (وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً) انظر سورة إبراهيم آية (49) وفيها بيان ما يقرنون به: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين بالأصفاد سرابيلهم من قطران..) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن الضحاك قال: قوله (لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً) قال: الهلاك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وادعوا ثبورا كثيرا) يقول: ويلا. قوله تعالى (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيراً لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعداً مسئولاً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كانت لهم جزاء) أي جزاء من الله بأعمالهم (ومصيراً) أي منزلاً. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس (خالدين) يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له. قوله تعالى (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء) قال: عيسى وعزير وملائكته. قوله تعالى (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بوراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (من أولياء) قال: أما الولي فالذي يتولاه الله، ويقر له بالربوبية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وكانوا قوما بورا) يقول: هلكى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 قوله تعالى (فقد كذبوكم بما تقولون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فقد كذبوكم بما تقولون) يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزير وملائكته، يكذبون المشركين. قوله تعالى (فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً) قال: المشركون لا يستطيعونه. قوله تعالى (ومن يظلم منكم) قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (ومن يظلم منكم) قال: هو الشرك. وسنده صحيح. قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) قال ابن كثير: ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى) سورة يوسف آية: 109. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) أي أن الرسل قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليهم كانوا بهذه المنزلة يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. قوله تعالى (وعتوا عتواً كبيراً) قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحجاج بن حمزة، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، أنبأ الحسين بن الواقد، ثنا يزيد النحوي، عن عكرمة قال: العتو في كتاب الله التجبر. وسنده حسن. قوله تعالى (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار الذين طلبوا إنزال الملائكة عليهم، أنهم يوم يرون الملائكة لا بشرى لهم: أي لا تسرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 رؤيتهم ولا تكون لهم في ذلك الوقت بشارة بخير، ورؤيتهم للملائكة تكون عند احتضارهم، وتكون يوم القيامة ولا بشرى لهم في رؤيتهم في كلا الوقتين. أما رؤيتهم الملائكة عند حضور الموت فقد دلت آيات من كتاب الله أنهم لا بشارة لهم فيها لما يلاقون من العذاب من الملائكة عند الموت، كقوله تعالى: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) الآية وقوله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يوم يرون الملائكة) قال: يوم القيامة (ويقولون حجراً محجوراً) قال: عوذاً معاذاً. الملائكة تقوله. أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن مجاهد قال: قالت قريش: (لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً) إلى قوله: (للمجرمين..) تقول لهم الملائكة: لا بشرى لكم اليوم.. حجراً محجوراً.. أن تكون البشرى يومئذ إلا للمؤمنين. قوله تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجلناه هباءً منثوراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وقدمنا) قال: عمدنا. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (هباءً منثوراً) قال: ما رأيت شيئاً يدخل من البيت من الشمس تدخله من الكوة، فهو الهباء. وسنده صحيح. قوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً) انظر حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة المتقدم تحت الآية (25) من سورة البقرة. وهو حديث: "إن أول زمرة تلج الجنة على صورة القمر". أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلاً) أي مأواً ومنزلاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 قوله تعالى (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً) انظر سورة البقرة آية (210) وانظر سورة الانفطار آية (1) وسورة الانشقاق آية (1) . قوله تعالى (الملك يومئذ الحق للرحمن ... ) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة الآتي تحت الآية (67) من سورة الزمر وهو حديث: " ... أنا الملك، أين ملوك الأرض". قوله تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) أي بطاعة الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فلاناً خليلا) قال: الشيطان. قوله تعالى (وكان الشيطان للإنسان خذولا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وكان الشيطان للإنسان خذولا) خذله يوم القيامة وتبرأ منه. قوله تعالى (اتخذوا هذا القرآن مهجورا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (اتخذوا هذا القرآن مهجورا) قال: يهجرون فيه بالقول، يقولون: هو سحر. قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً) قال ابن كثير: وقوله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين) ، أي: كما حصل لك -يا محمد- في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين؛ لأن الله جعل لكل نبي عدواً من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 قوله تعالى (وقال الذين كفروا لولا نُزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً) قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، ثنا أبو طاهر الزبيري، ثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسن بن حفص، ثنا سفيان عن الأعمش عن حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويرتله ترتيلا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، (المستدرك 2/223 - ك التفسير، ووافقه الذهبي) وصحح نحوه الحافظ ابن حجر كما تقدم في سورة الإسراء آية (106) . وانظر تفسير بداية سورة القدر. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (ورتلناه ترتيلا) قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات جواباً لهم إذا سألوا عن شيء أنزله الله جواباً لهم، وردأ عن النبي فيما يتكلمون به، وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة. وسنده صحيح. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (ورتلناه ترتيلا) أي: بيناه تبييناً. قوله تعالى (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً) انظر سورة الكهف آية (54) قوله تعالى (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) . قوله تعالى (الذين يُحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكاناً وأضل سبيلا) انظر حديث مسلم عن أنس المتقدم عند الآية (97) من سورة الإسراء. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار يحشرون على وجوههم إلى جهنم يوم القيامة، وأنهم شر مكانا، وأضل سبيلا. وبين في مواضع أخر تكب وجوههم في النار ويسحبون على وجوههم فيها، كقوله تعالى (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) الآية، وقوله تعالى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) وبين جل وعلا في سورة بني إسرائيل أنهم يحشرون على وجوههم، وزاد مع ذلك أنهم يحشرون عمياً وبكماً وصماً، وذكر في سورة طه أن الكافر يحشر أعمى. قال في سورة بنى إسرائيل: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً) . قوله تعالى (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (الكتاب) قال: التوراة، وفي قوله (وزيرا) أي: عوناً وعضداً. قوله تعالى (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بآياتنا) بالبينات. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فدمرناهم تدميرا) يقول: أهلكناهم بالعذاب. قوله تعالى (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية واعتدنا للظالمين عذاباً أليماً) انظر سورة هود آية (40-44) لبيان إغراق قوم نوح. قوله تعالى (وعاداً وثمودا وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد: (وأصحاب الرس) قال: الرس بئر. انظر حديث الحاكم عن أبي أمامة المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة وهو حديث: "نبي كان آدم؟ قال: نعم، نبي مكلم". قال ابن كثير: والقرن: هو الأمة من الناس، كقوله: (ثم أنشأنا من بعدهم قَرْناً آخرين) . والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد؛ فإذا ذهبوا وخلفهم جيل آخر فهم قرن ثان، كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 قوله تعالى (وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيراً) قال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة في قوله (وكلا ضربنا له الأمثال) قال: كل قد أعذر الله إليه، ثم انتقم منه. وسنده صحيح. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (وكلا تبرنا تتبيرا) قال: تبر الله كلا بعذاب تتبيرا. وسنده صحيح. وقوله تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا) قال الشيخ الشنقيطي: أقسم عز وجل في هذه الآية، أن الكفار الذين كذبوا نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء وهو أن الله أمطر عليها حجارة من سجيل، وهي سذوم قرية قوم لوط، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة وهما أن الله أمطر هذه القرية مطر سوء الذي هو حجارة السجيل، وأن الكفار أتوا عليها، ومروا بها جاء موضحا في آيات أخرى أما كون الله أمطر عليها الحجارة المذكورة، فقد ذكره جل وعلا في آيات كثيرة كقوله تعالى: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) ، وبين في سورة الذاريات أن السجيل المذكور نوع من طين، وذلك في قوله تعالى: (إنا أُرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين) ، ولا شك هذا الطين وقعه أليم. شديد مهلك وكقوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) وقوله تعالى (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليم حجارة من سجيل) الآية. وأما كونهم قد أتوا على تلك القرية المذكورة فقد جاء موضحا أيضاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (لا يرجون نشورا) أي: بعثا ولا حساباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 قوله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: ذلك الكافر اتخذ إلهه بغي هدى من الله ولا برهان وأضله الله على علم يقول: أضله في سابق علمه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وكيلاً) قال: ناصراً. قوله تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه. قوله تعالى (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) يقول: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو شاء لجعله ساكنا) يقول: دائماً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) يقول: طلوع الشمس. قوله تعالى (ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيراً) قال: حوى الشمس الظل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) يقول: سريعاً. قوله تعالى (وهو الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وهو الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتاً وجعل النهار نشورا) لمعايشهم ولحوائجهم ولتصرفهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 قوله تعالى (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (أرسل الرياح) قال: إن الله عز وجل يرسل الرياح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرفا السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء ليسيل الماء على السحاب ثم تمطر السحاب بعد ذلك. قال ابن كثير: قوله تعالى (لنحيي به بلدة ميتا) أي أرضاً قد طال انتظارها للغيث فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء فلما جاءها الحياء عاشت واكتسبت رباها أنواع الأزاهير والألوان كما قال تعالى (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) الحج: 5، (ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيرا) أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم كما قال تعالى (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) الشورى: 28، وقال تعالى (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير) الروم: 50. قوله تعالى (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ... ) قال الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت الحسن بن مسلم يحدث طاوساً، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطراً من عام، ولكن الله يصرفه بين خلقه، قال: ثم قرأ (ولقد صرفناه بينهم) . (التفسير (19/22) ، وأخرجه بعده من طريق ابن علية، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية (رقم 1301) من طربق: معتمر، والحاكم في المستدرك (2/403) ، والبيهقي في سننه (3/363) كلاهما من طريق: يزيد بن هارون، ثلاثتهم عن سليمان التيمي به مثله. وهذا الأثر إسناده صحيح ورجاله ثقات، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وله شاهد من رواية ابن مسعود - رضي الله عنه -، فقد أخرج أبو نعيم في الحلية (7/208) من طريق: علي بن حميد، والبيهقي في سننه (3/363) من طريق: سهل بن حماد كلاهما: عن شعبة، عن ابن إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه قال البيهقي عقبه. والصحيح موقوف، ثم ساقه بإسناده إلى الركين، عن أبيه، عن ابن مسعود موقوفاً. وكذا رجح العقيلي وقفه على ابن مسعود (الضعفاء 3/228) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 قوله تعالى (فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) قال ابن كثير: قوله تعالى (فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) قال عكرمة: يعني الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لأصحابه يوماً على إثر سماء أصابتهم من الليل: "أتدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب". (انظر صحيح مسلم - ك الإيمان، ب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء 1/83 ح 125) . قوله تعالى (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (في كل قرية نذيراً) قال: لها رسل. قال ابن كثير: يقول تعالى (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً) يدعوهم إلى الله عز وجل، ولكنا خصصناك -يا محمد- بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغ الناس هذا القرآن، (لأنذركم به ومن بلغ) الأنعام: 19، (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) هود: 17، (لتنذر أم القرى ومن حولها) الأنعام: 93. قوله تعالى (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً) انظر سورة الكهف آية (28) . قوله تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مرج البحرين) قال: أفاض أحدهما في الآخر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وهذا ملح أجاج) أي: مر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجعل بينهما برزخا) قال: محبسا، قوله (وحجرا محجورا) قال: لا يختلط البحر بالعذب. قوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً) قال أحمد: حدثنا عبد الله حدثني أبي، ثنا أبو عاصم أنا أبو عمر ومبارك الخياط جد ولد عباد بن كثير قال: سألت ثمامة بن عبد الله بن أنس عن العزل فقال: سمعت أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسأل عن العزل فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله عز وجل منها أو لخرج منها ولد -الشك منه- وليخلقن الله نفساً هو خالقها". (المسند 3/140) . وأخرجه البزار (ح 2163) من طريق أبي عاصم به. وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - الفرقان/54 ح 1330) من طريق مبارك بن فضالة، عن ثمامة به. وحسن إسناده الهيثمي (مجمع الزوائد 4/296) . ونسب الحافظ ابن حجر تصحيحه لابن حبان، وقال: وله شاهدان في (الكبير للطبراني عن ابن عباس، وفي الأوسط له عن ابن مسعود. (فتح الباري 9/218) ، وصححه السيوطي في (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/305 ح 7400) ، وحسن إسناده الألباني وذكر له شواهد تؤكد حسنه (السلسلة الصحيحة ح 1333) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) ذكر الله الصهر مع النسب وحرم أربعة عشرة امرأة سبعا من النسب وسبعا من الصهر واستوى تحريم الله في النسب والصهر. قوله تعالى (وكان الكافر على ربه ظهيراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على ربه ظهيراً) قال: معيناً. قوله تعالى (وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً) انظر سورة البقرة آية (119) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 قوله تعالى (قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) أي: بطاعة الله. قوله تعالى (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً) انظر سورة البقرة آية (255) وانظر سورة الإسراء آية (17) . قوله تعالى (الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) انظر سورة البقرة آية (29) وسورة فصلت آية (10) لبيان خلق السموات والأرض في ستة أيام. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي العالية في قوله (ثم استوى) يقول: ارتفع. قوله تعالى (فاسأل به خبيراً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (خبيراً) خبير بخلقه. قوله تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً) قال ابن كثير: ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) أي: لا نعرف الرحمن. وكانوا ينكرون أن يُسمى الله باسمه الرحمن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم. ولهذا أنزل الله (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) الإسراء: 110، أي: هو الله وهو الرحمن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 قوله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وانظر بداية السورة لبيان معنى (تبارك) ، وانظر تفسير البسملة في بداية هذا التفسير. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله (بروجا) قال: البروج: النجوم. وسنده صحيح. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) قال: السراج: الشمس. وسنده صحيح. قوله تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) يقول: من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه في النهار، أو من النهار أدركه في الليل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أو أراد شكوراً) قال: بشكر نعمة ربه عليه. وانظر سورة الإسراء آية (12) قوله تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين) . قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن عباس قوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) قال. هم المؤمنون يمشون على الأرض هونا بالطاعة والعفاف والتواضع. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هوناً) قال: بالوقار والسكينة. أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن مجاهد (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) قال: سدادا من القول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 قوله تعالى (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) قال ابن كثير: وقوله (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) أي: في عبادته وطاعته، كما قال تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) الذاريات: 17-18. وقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) السجدة: 16. قوله تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) قال: هم المؤمنون لا يسرفون فينفقون في معصية الله ولا يقترون فيمنعون من حقوق الله. قال ابن كثير: وقوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدْلا خياراً، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، (وكان بين ذلك قواما) كما قال (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) الإسراء: 29. وانظر تفسير سورة الإسراء آية (29) المذكورة آنفاً. قوله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) إلى قوله (إلا من تاب وآمن ... ) قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان، قال: حدثني منصور وسليمان عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سألت -أو سئل- رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك". قلت ثم أيّ؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت: ثم أيّ؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك". قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) . (صحيح البخاري 8/350-351 ح 4761 -ك التفسير- سورة الفرقان، ب الآية) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني القاسم بن أبي بزّة أنه سأل سعيد بن جبير: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ فقرأت عليه (ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق) فقال سعيد: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليَّ فقال: هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء. (صحيح البخاري 8/350-351 ح 4761 -ك التفسير- سورة الفرقان، ب الآية) . قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا منصور عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى (فجزاؤه جهنم) قال: لا توبة له. وعن قوله جلّ ذكره (لا يدعون مع الله إلها آخر) قال: كانت هذه في الجاهلية. (صحيح البخاري 8/350-351 ح 4764 -ك التفسير- سورة الفرقان، ب الآية) . قال مسلم: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، وإبراهيم بن دينار (واللفظ لإبراهيم) . قالا: حدثنا حجاج (وهو ابن محمد) عن ابن جريج، قال: أخبرني يعلي بن مسلم، أنه سمع سعيد بن جبير يُحدث عن ابن عباس، أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا. وزنوا فأكثروا. ثم أتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالوا: إن الذي تقول وتدعو لحسن. ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة! فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً) ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) . (صحيح مسلم 1/113 ح 193 - ك الإيمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله..) . قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله، حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم الليثى، حدثنا ابن معاوية (يعني شيبان) عن منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية بمكة (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إلى قوله (مُهانا) . فقال المشركون: وما يغني عنّا الإسلام وقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 عدلنا بالله وقد قتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش؟ فأنزل الله عز وجل: (إلا مَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) إلى آخر الآية. قال: فأما مَن دخل في الإسلام وعَقَلَه. ثم قتل، فلا توبة له. (صحيح مسلم 4/2318 - ك التفسير) . قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرنا أبي، عن شعبة، عن منصور، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين (ومن يقتل مؤمنا متعمداً) فسألته فقال: لم ينسخها شيء. وعن (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) قال: نزلت في أهل الشرك. (صحيح البخاري 8/354 ح 4766 -ك التفسير- سورة الفرقان، ب (إلا من تاب وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ... )) . قال النسائي: أخبرني محمد بن بشار عن عبد الوهاب قال: حدثنا محمد ابن عمرو عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن زيد في قوله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) قال: نزلت هذه الآية بعد التي في تبارك الفرقان بثمانية أشهر (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) . (السنن 7/87 ح 695 - ك تحريم الدم، ب تعظيم الدم) ، والطبري (التفسير 5/220) ، والطبراني (المعجم الكبير 5/136) من طرق عن محمد بن عمرو به، وعند جميعهم: (بستة أشهر) ، بدل (الثمانية) . وقد أخرج النسائي رواية (الستة أشهر) أيضا، لكن وقع في سندها: محمد بن عمرو عن أبي الزناد، بإسقاط (موسى بن عقبة) . قال الألباني في الروايتين: حسن صحيح ... ولفظ (بستة أشهر) أصح. (صحيح سنن النسائي ح 3742) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يلق أثاما) قال: واديا في جهنم. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وسنده صحيح، وأخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن عكرمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 قوله تعالى (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) قال البخاري: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان عن منصور عن سعيد ابن جبير قال: قال ابن أبزى سُئل ابن عباس عن قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) وقوله (ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق -حتى بلغ- إلا من تاب وآمن) فسألته فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وآتينا الفواحش. فأنزل الله (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا -إلى قوله- غفوراً رحيماً) . (صحيح البخاري 8/353 ح 4765 -ك التفسير- سورة الفرقان، الآية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) قال: هم المؤمنون كانو قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى حسنات، وأبدلهم مكان السيئات حسنات. قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة. وآخر أهل النار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة. فيُقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه. فيُقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا. فيقول: نعم. لا يستطع أن يُنكر. وهو مُشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيُقال له: فإنّ لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: رب! قد عملت أشياء لا أراها ههنا، فلقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحك حتى بدت نواجذه. (الصحيح 1/177 ح 190 - ك الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها) . قوله تعالى (ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً) قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبراً عن عموم رحمته بعباده، وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان، جميل أو حقير، كبير أو صغير، فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 (ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا) أي: فإن الله يقبل توبته، كما قال تعالى (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) النساء: 110، وقال: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) التوبة: 104، وقال: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر: 53، أي: لمن تاب إليه. قوله تعالى (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير سمع وهب بن جرير وعبد الملك ابن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن عُبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس - رضي الله عنه - قال: سُئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكبائر قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور". تابعه غندر وأبو عامر وبهز وعبد الصمد عن شعبة. (صحيح البخاري 5/309 ح 2653 - ك الشهادات، ب ما قيل في شهادة الزور ... ) . أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لا يشهدون الزور) قال: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالؤنهم فيه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإذا مررا باللغو مروا كراماً) قال: صفحوا. قوله تعالى (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً) يقول: لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه، هم والله قوم عقلوا عن الله وانتفعوا بما سمعوا من كتاب الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لم يخروا عليها صماً وعمياناً) فلا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يفقهون حقاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 قوله تعالى (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) قال ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حِبان بن موسى، أخبرنا عبد الله، عن صفوان بن عَمْرو، قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمرّ به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والله لوددنا أنّا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت، فاستغضب، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيرا، ثم أقبل إليه، فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضرا غيّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه، والله لقد حضر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقوام أكبّهم الله على مناخرهم في جهنم لم يُجيبوه ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم تعرفون ربكم، مصدقين لِما جاء به نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد كفيتم البلاء بغيركم؟ والله لق بُعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أشد حال بُعث عليها نبي من الأنبياء وفترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرّق بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إذ كان الرجل ليرى ولَدَه أو والده أو أخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه، وهو يعلم أن حبيبه في النار، وأنها التي قال الله: (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) الآية. (الإحسان 14/489-490 - ك التاريخ، ب تبليغه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرسالة وما لقي من قومه) ، وأخرجه أحمد في (مسنده 6/2-3) . وقال ابن كثير عن رواية أحمد. هذا إسناد صحيح ولم يخرجوه. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/169 ح 87) من طريق عبد الله بن المبارك به، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ح 64) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) يعنون: من يعمل لك بالطاعة، فتقر بهم أعيننا في الدنيا والآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله (واجعلنا للمتقين إماما) يقول: أئمة الهدى ليهتدى بنا ولا تجعلنا ضلالة لأنه قال لأهل السعادة (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) ولأهل الشقاوة (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) . قوله تعالى (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً) انظر سورة العنكبوت آية (58) وفيها رواية الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري لبيان صفة الغرفة في الجنة، وانظر سورة يونس آية (10) لبيان التحية. قوله تعالى (خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاما) انظر آية (24) من سورة الفرقان نفسها. قوله تعالى (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قل ما يعبأ بكم ربي) قال: يعبأ: يفعل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) يقول: لولا إيمانكم، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له حاجة بهم لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لولا دعاؤكم) قال: لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وتطيعوه. قوله تعالى (فسوف يكون لزاماً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فسوف يكون لزاماً) قال: يوم بدر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فسوف يكون لزاما) قال: موتاً. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (فسوف يكون لزاماً) قال: كان الحسن يقول ذلك يوم القيامة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 سورة الشعراء قوله تعالى (طسم) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (طسم) قال: اسم من أسماء القرآن. قوله تعالى (تلك آيات الكتاب المبين) انظر سورة القصص آية (2) . قوله تعالى (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) قال: لعلك من الحرص على إيمانهم مخرج نفسك من جسدك قال: ذلك البخع. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (لعلك باخع نفسك) قال: قاتل نفسك. وانظر سورة الكهف آية (6) . قوله تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (خاضعين) قال: لو شاء الله لنزل عليه آية يذلون بها، فلا يلوي أحد عنقه إلى معصية الله. قوله تعالى (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث) يقول: ما يأتيهم من شيء من كتاب الله (إلا كانوا عنه معرضين) يقول: إلا أعرضوا عنه وفي قوله (فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء) ، يعني: يوم القيامة (ما كانوا به يستهزؤن) يقول: أنباء ما استهزؤا به من كتاب الله عز وجل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أخرج أدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أنبتنا فيها من كل زوجٍ كريم) قال: من نبات الأرض، مما يأكل الناس والأنعام. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (من كل زوج كريم) قال: حسن. قوله تعالى (إن في ذلك لآية ... ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (آية) : علامة. قوله تعالى ( ... وإن ربك لهو العزيز الرحيم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي العالية (العزيز) قال: عزيز في نقمته إذا انتقم. قوله تعالى (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) انظر سورة طه الآيات (24-36) وفيها بيان استجابة الله تعالى لطلب موسى من المؤازرة بأخيه هارون. قوله تعالى (ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى عن نبيه موسى (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون) لم يبين هنا هذا الذنب الذي لهم عليه الذي يخاف منهم أن يقتلوه بسببه وقد بين في غير هذا الموضع أن الذنب المذكور هو قتله لصاحبهم القبطي، فقد صرح تعالى بالقتل المذكور في قوله تعالى (قال ربي إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) ، فقوله (قتلت منهم نفسا) مفسر لقوله (ولهم علي ذنب) ، ولذا رتب بالفاء على كل واحد منهما. قوله (فأخاف أن يقتلون) وقد أوضح تعالى قصة قتل موسى له لقوله في القصص (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه) ، وقوله (فقضى عليه) أي قتله وذلك هو الذنب المذكور في آية الشعراء هذه. وقد بين تعالى أنه غفر لنبيه موسى ذلك الذنب المذكور، وذلك في قوله تعالى (قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له) الآية. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون) قال: قتل النفس التي قتل منهم. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (فأخاف أن يقتلون) قال: شكى موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل. قوله تعالى (قال ألم نربك فينا وليداً) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ألم نربك فينا وليدًا) قال: التقطه آل فرعون فربوه حتى كان رجلاً. قوله تعالى (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى في كلام فرعون لموسى (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) أبهم جل وعلا هذه الفعلة التي فعلها لتعبيره عنها بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله تعالى التي فعلت، وقد أوضحها في آيات أخر، وبين أن الفعلة المذكورة هي قتله نفسا منهم كقوله تعالى (فوكزه موسى فقضى عليه) . وقوله تعالى (قال ربي إني قتلت منهم نفسا) الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) قال: قتل نفس. قوله تعالى (قال فعلتها إذا وأنا من الضالين) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنا من الضالين) ، قال: من الجاهلين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 قوله تعالى (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى عن نبيه موسى (ففررت منكم لما خفتكم) خوفه منهم هذا الذي ذكر هنا أنه سبب لفراره منهم، قد أوضحه تعالى وبين سببه في قوله (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) وبين خوفه المذكور بقوله تعالى (فأصبح في المدينة خائفا يترقب) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فوهب لي ربي حكما) والحكم: النبوة. قوله تعالى (وتلك نعمة تمنها عليَّ أن عبَّدت بني إسرائيل) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (تمنها عليَّ أن عبَّدتَّ بني إسرائيل) قال: قهرتهم واستعملتهم. قوله تعالى (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) الآية الأولى بيانها في الآية التي تليها، وفي آية (28) التالية قوله تعالى (قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) . وانظر سورة طه آية (49-50) وفيها (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) . قوله تعالى (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس في قوله (ونزع يده) ، قال: فأخرج يده من جيبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 قوله تعالى (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) بيانها في سورة طه آية (59) وفيها (قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) . قوله تعالى (قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن جاهد قوله (يأفكون) يكذبون ... قوله تعالى (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس قال: فلما عرف السحرة ذلك قالوا: لو كان هذا سحرا لم يبلغ سحرنا كل هذا ولكن هذا أمر من الله آمنا بالله وبما جاء به موسى ونتوب إلى الله مما كنا عليه. وانظر قصة موسى مع السحرة في سورة الأعراف (109-132) ، وسورة طه (57-72) . قوله تعالى (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) هذه قصة إيمان السحرة بما حاء به موسى عليه السلام وقد تقدمت في سورة الأعراف (112-122) ، وسورة طه (58-70) ، وفيها أنه صلبهم في جذوع شجر النخل، وفيها تفصيل الحوار بين فرعون والسحرة الذين تابوا وآمنوا بالله تعالى. قوله تعالى (وَأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَن أَسْرِ بِعِبَادِي إِنكم مّتّبِعُون) بيانه في قوله تعالى (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) سورة طه: 77-78. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 قوله تعالى (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) يعني: بني إسرائيل. قوله تعالى (وإنا لجميع حاذرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وإنا لجميع حاذرون) يقول: حذرنا، قال: جمعنا أمرنا. أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي يقول: (وإنا لجميع حذرون) قال: مقوون مؤدون. قوله تعالى (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز) أي: في الدنيا فأخرجهم الله من جناتهم. قوله تعالى (فلما ترآءا الجمعان قال أصحاب موسى إلا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فلما تراءا الجمعان) ، فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد رمقهم قالوا (إنا لمدركون) . (قالوا) يا موسى (أوذنينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا، إنا لمدركون، البحر بين أيدينا، وفرعون من خلفنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال كلا إن معي ربي سيهدين) يقول: سيكفيني وقال: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) ، وقوله (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) ذكر أن الله كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتى يضربه موسى بعصاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) يقول: كالجبل العظيم، فدخلت بنو إسرائيل، وكان في البحر اثنا عشر طريقاً، في كل طريق سبط، وكان الطريق كما إذا انفلقت الجدران، فقال: كل سبط قد قتل أصحابنا، فلما رأى ذلك موسى دعا الله فجعلها قناطر كهيئة الطيقان، فنظر آخرهم إلى أولهم حتى خرجوا جميعًا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فكان كل فرق كالطود العظيم) يقول: كالجبل. قوله تعالى (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأزلفنا ثم الآخرين) قال: هم قوم فرعون قربهم الله حتى أغرقهم في البحر. قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) انظر قصة إبراهيم مع أبيه وقومه في سورة مريم الآيات (41-48) ، وسورة الأنبياء آية (52-70) ، وسورة الصافات (83-99) . وانظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم تحت الآية (62-63) من سورة الأنبياء، وهو حديث: "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ... ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) قال: قوله (إني سقيم) وقوله (فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة: إنها أختي حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها. قال البخاري: حدثنا إسماعيل حدثنا أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون. فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين". (صحيح البخاري 8/357 - ك التفسير - سورة الشعراء، ب (الآية) ح4769) . قوله تعالى (إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سلِيمٍ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (بقلب سليم) قال: سليم من الشرك. انظر سورة الصافات آية (84) لبيان القلب السليم: أي سليم من الشرك. قوله تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ) انظر سورة ق آية (31) لبيان أزلفت: أدنيت. قوله تعالى (وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ) انظر الآية (94) التالية لبيان الغاوين: الشياطين. قوله تعالى (فكبكبوا فيها هم والغاوون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكبكبوا فيها) بقول: فجمعوا فيها. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: قوله (فكبكبوا فيها هم والغاوون) قال: الغاوون: الشياطين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 قوله تعالى (قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم لرب العالمين) قال الشيخ الشنقيطي: ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن أهل النار يختصمون فيها جاء موضحًا في موضع آخر من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى (هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم) إلى قوله تعالى (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) . قوله تعالى (فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين) انظر سورة البقرة آية (166) (إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) . قوله تعالى (كذبت قوم نوح المرسلين) انظر حديث مسلم عن أنس المتقدم عند الآية (59) من سورة الأعراف، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "ولكن ائتوا نوحاً أول رسول بعثه الله ... ". قوله تعالى (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) انظر سورة هود آية (27) وفيها تفسير الشيخ الشنقيطي. قوله تعالى (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) انظر سورة هود آية (29، 30) . قوله تعالى (قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقا بعد الباقين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى هنا عن نوح (قال رب إن قوم كذبون) أوضحه في غير هذا الموضع كقوله (قال نوح رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعاءي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في أذنهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) ، وقوله هنا (فافتح بيني وبينهم فتحا) أي احكم بيني وبينهم حكما، وهذا الحكم الذي سأل ربه إياه هو إهلاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 الكفر، وإنجاؤه هو ومن آمن معه، كما أوضحه تعالى في آيات أخر كقوله تعالى (فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر) وقوله تعالى (قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) إلى غير ذلك هن الآيات وقوله هنا عن نوح (ونجني ومن معي من المؤمنين) قد بين في آيات كثرة أنه أجاب دعاءه هذا كقوله هنا (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) وقوله تعالى (فأنجيناه وأصحاب السفينة) الآية، وقوله تعالى (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قول الله (فافتح بيني وبينهم فتحا) قال: فاقض بيني وبينهم قضاء. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قول الله (الفلك المشحون) قال: هو المحمل. قال الشيخ الشنقيطي: وقوله هنا (ثم أغرقنا بعد الباقين) جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) ... والمراد بالفلك هنا السفينة، وكما صرح تعالى بذلك في قوله (فأنجيناه وأصحاب السفينة) الآية. قوله تعالى (كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) وفيها قصة هود مع قوم عاد. انظر سورة الأعراف (65-72) ، وسورة هود (50-60) ، وسورة المؤمنون (31-41) ، وسورة الأحقاف (21-26) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) يقول: بكل شرف. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (بكل ريع آية) قال: بكل طريق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بكل ريع آية) قال: آية: بنيان. أخرج البستي بسنده الحسن عن الضحاك يقول (تعبثون) تلعبون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وتتخذون مصانع) قال: قصور مشيدة، وبنيان مخلد. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وتتخذون مصانع) قال: مآخذ للماء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (مصانع) يقول: حصون وقصور. أخرج البستي بسنده الحسن عن مجاهد قال (إذا بطشتم بطشتم جبارين) قال: بالسيف والسوط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن هذا إلا خلق الأولين) يقول: دين الأولين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إلا خلق الأولين) قال: كذبهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (إن هذا إلا خلق الأولين) قال: يقول: هكذا خلقت الأولون، وهكذا كانوا يحيون ويموتون. قوله تعالى (فكذبوه فأهلكناهم) انظر حديث البخاري عن ابن عباس الآتي عند الآية (9) من سورة الأحزاب، وهو حديث: "نصرت بالصبا ... ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) وفيهن قصة ثمود مع رسولهم صالح، وقد وردت في سورة هود آية (61-68) ، وسورة الأعراف آية (73-79) ، وسورة النمل (45-53) . أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ونخل طلعها هضيم) قال: يتهشم تهشماً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فارهين) يقول: حاذقين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (بيوتا فارهين) قال: شرهين. أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما أنت من المسحرين) قال: من المسحورين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (المسحرين) قال: الساحرين. قوله تعالى (ما أنت إلا بشر مثلنا فائت بآية إن كنت من الصادقين) أخرج البستي بسنده الصحيح عن أبي الطفيلي -هو عامر بن واثلة- قال: قالت ثمود لصالح: ائتنا (بآية إن كنت من الصادقين) قال: اخرجوا، فخرجوا إلى هضبة من الأرض، فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل، ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها فقال لهم صالح: (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ... ) الآية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 انظر حديث الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله المتقدم عند الآية (73) من سورة الأعراف، وهو حديث: "لما مر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحجر قال: لا تسألوا الآيات ... قوله تعالى (هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) انظر حديث الإمام أحمد عن جابر المتقدم عند الآية (73) من سورة الأعراف. قوله تعالى (فعقروها فأصبحوا نادمين) انظر حديث البخاري عن عبد الله بن زمعة الآتي عند الآية (12) من سورة الشمس، وفيه: انبعث لها رجل عزيز عارم ... قوله تعالى (فأخذهم العذاب) انظر حديث الإمام أحمد عن جابر المتقدم عند الآية (73) من سورة الأعراف. قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)) وفيها قصة لوط مع قومه، وقد وردت في سورة الأعراف (80-84) ، وسورة هود (77-83) ، وسورة الحجر (57-77) ، وسورة الأنبياء (71-75) ، وسورة النمل (54-58) ، وسورة العنكبوت (26-35) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) قال: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 قوله تعالى (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِين (190)) وفيها قصة شعيب وأصحاب الأيكة. انظر سورة الأعراف (85-94) ، وسورة هود (84-95) ، وانظر سورة الحجر الآية (78-79) ، وسورة العنكبوت آية (36-37) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كذب أصحاب الأيكة المرسلين) يقول: أصحاب الغيضة. قوله تعالى (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) قال الشيخ الشنقيطى: الجبلة الخلق ومنه قوله تعالى (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) يقول: خلق الأولين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كسفا) يقول: قطعا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يوم الظلة) قال: إظلال العذاب إياهم. أخرج البستي بسنده الصحيح عن الضحاك يقول: (فأخذهم عذاب يوم الظلة) قوم شعيب، حبس الله عنهم الظل والريح فأصابهم حر شديد ثم بعث الله لهم سحابة فيها العذاب فلما رأوا سحابة انطلقوا يرمونها، زعموا يستظلون بها، فاضطرمت عليهم فأهلكتهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 قوله تعالى (وإنه لتنزيل رب العالمين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (لتنزيل رب العالمين) قال: هذا القرآن. قوله تعالى (نزل به الروح الأمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (نزل به الروح الأمين) قال: جبريل. قوله تعالى (وإنه لفي زبر الأولين) قال ابن كثير: يقول تعالى: وإن ذِكرَ هذا القرآن والتنويه به لموجودٌ في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم، الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه، كما أخذ الله عيهم الميثاق بذلك، حتى قام آخرهم خطيبا في مَلَئِه بالبشارة بأحمد (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) والزبر ها هنا هي: الكتب وهى جمع زبور، وكذلك الزبور، وهو كتاب داود. وقال تعالى: (وكل شيء فعلوه في الزبر) أي: مكتوب عليهم في صحف الملائكة. قوله تعالى (أو لم يكن لهم ءاية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) أخرج ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (علماء بني إسرائيل) قال: عبد الله بن سلام وغيره من علمائهم من أسلم منهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) قال: أولم يكن لهم النبي آية، علامة أن علماء بني إسرائيل كانوا يعلمون أنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم. قوله تعالى (وَلَوْ نَزّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) قال: لو أنزله الله أعجميا لكانوا أخسر الناس به لأنهم لا يعرفون العجمية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 قوله تعالى (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) قال ابن كثير: يقول تعالى: كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد، أي أدخلناه في قلوب المجرمين، (لا يؤمنون به) أي بالحق (حتى يروا العذاب الأليم) أي: حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. (فيأتيهم العذاب بغتة) أي: عذاب الله بغتة، (وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون) أي: يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلا ليعملوا بطاعة الله، كما قال تعالى (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) . قوله تعالى (فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون) انظر حديث مسلم عن أنس بن مالك المتقدم عند الآية (201) من سورة البقرة، وهو: حديث الرجل الذي دعا الله أن يعجل له العقوبة في الدنيا. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أفبعذابنا يستعجلون) قد قدمنا الآيات الموضحة في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) الآية. قوله تعالى (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) قال ابن كثير: قوله تعالى (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) أي: لو أخرناهم وأنظرناهم، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينا من الدهر وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أيّ شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم، (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقال تعالى (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 العذاب أن يعمر) وقال تعالى: (وما يغني عنه ماله إذا تردى) ولهذا قال: (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) . قوله تعالى (وما أهلكنا من قرية إلا ولها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين) انظر سورة الإسراء (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) آية: 15. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ذكرى وما كنا ظالمين) قد قدمنا الآيات الدالة عليه كقوله تعالى (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) وقوله تعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) . قوله تعالى (وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون) قال الشيخ الشنقيطي: قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها) الآية. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (وما تنزلت به الشياطين) قال: هذا القرآن. وفي قوله (إنهم عن السمع لمعزولون) قال: عن سمع السماء. قوله تعالى (فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين) قال الشيخ الشنقيطي: قد أوضحنا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد ملوما مخذولا) ، بالدليل القرآني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطب بمثل هذا الخطاب والمراد التشريع لأمته مع بعض الشواهد العربية، وقوله هنا (فلا تدع مع الله إلها آخر) الآية. جاء معناه في آيات كثيرة كقوله (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد ملوما مخذولا) وقوله تعالى (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) وقوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) إلى غير ذلك من الآيات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) قال الشيخ الشنقيطي: هذا الأمر في هذه الآية الكريمة بإنذاره خصوص عشيرته الأقربين، لا ينافي الأمر بالإنذار العام، كما دلت على ذلك الآيات القرآنية كقوله تعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقوله تعالى (وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) وقوله تعالى (وتنذر به قوما لدا) . قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني عَمرو بن مرّة عن سيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصفا فجعل ينادي: يا بني فِهر، يا بني عديّ -لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجلُ إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب) . (صحيح البخاري 8/360 -ك التفسير- سورة الشعراء، ب (الآية) ح4770) ، (صحيح مسلم الإيمان، ب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) رقم 207) . قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أنزل الله (وأنذر عشيرتك الأقربين) قال: يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أُغنى عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف، لا أُغني عنكم من الله شيئا. يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا. ويا صفية عمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا أغنى عنكِ من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا. تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب. (صحيح البخاري 8/360 -ك التفسير- سورة الشعراء ح 4771) ، (صحيح مسلم - الإيمان، ب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) رقم 207) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 قوله تعالى (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم) انظر سورة التوبة آية (128-129) ، وسورة الحجر آية (88) . قوله تعالى (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هل ترون قِبلتي هاهنا؟ فوالله ما يخفى علىّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري". (الصحيح 1/612 ح418 -ك الصلاة، ب عظة الإمام الناس لي إتمام الصلاة ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/319 ح424) . قال عبد الرزاق أخبرنا معمر قال عكرمة في قوله (وتقلبك في الساجدين) قال: قائما وساجدا وراكعا وجالسا. وسنده صحيح. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (وتقلبك في الساجدين) قال: في المصلين. قوله تعالى (إنه هو السميع العليم) قال ابن كثير: قوله (إنه هو السميع العليم) أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم، كما قال تعالى: (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن. ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) . قوله تعالى (هل أنبكم على من تنزل الشياطين نزل على كل أفاك أثيم يُلقون السمع وأكثرهم كاذبون) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر عن الزهري، عن يحيى بن عروة بن الزبير، عن عروة، عن عائشة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 -رضي الله عنها- قالت: سأل ناس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكهان؟ فقال (ليس بشيء) . قالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وَليّه، فيخلطون معها مائة كذبة". (الصحيح 10/216 ح5762 -ك الطب، ب الكهانة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1750 ح2228/122-123، بنحوه. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كل أفاك أثيم) قال: كل كذاب من لناس. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (كل أفاك أثيم) قال: هم الكهنة تسترق الجن السمع ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإنس. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يلقون السمع) قال: الشياطين ما سمعته ألقته على كل أفاك كذاب. قوله تعالى (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال: هم الكفار يتبعهم ضلال الجن والإنس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) يقول: في كل لغو يخوضون. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (في كل واد يهيمون) قال: يمدحون قوما بباطل، ويشتمون قوما بباطل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) يقول: أكثر قولهم يكذبون، وعنى بذلك شعراء المشركين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن، أن مَروان بن الحكم أخبره، أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن من الشعر حِكمة". (صحيح البخاري 10/553-554- ك الأدب، ب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه ح6145) . قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحسان؟ "اهجهم -أو هاجهم- وجبريل معك". (الصحيح 6/351 ح3213 -ك بدء الخلق، ب ذكر الملائكة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك فضائل الصحابة، ب فضائل حسان بن ثابت ح2486) قال أحمد: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله عز وجل قد أنزل في الشعر ما أنزل". فقال: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل". (المسند 6/387) ، وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير ح153) من طريق محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/5 -6 ح4707) من طريق يونس، والبيهقي (السنن 10/239) من طريق شعيب، كلهم عن الزهري به. قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 8/123) . وصححه الأرناؤوط على شرط الشيخين (حاشية الإحسان) ، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة 4/172-173 ح1631) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ثم استثنى المؤمنين منهم، يعني الشعراء فقال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثير وانتصروا من بعد ما ظلموا) قال: هم الأنصار الذين هاجروا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) في كلامهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وانتصروا من بعد ما ظلموا) قال: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون المؤمنين. قوله تعالى (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) قال الشيخ الشنقيطي: والمعنى: وسيعلم الذين ظلموا أي مرجع يرجعون. وأي مصير يصيرون، وما دلت عليه هذه الآيات الكريمة، من أن الظالمين سيعلمون يوم القيامة المرجع الذي يرجعون: أي يعلمون العاقبة السيئة التي هي مآلهم، ومصيرهم ومرجعهم، جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى (كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 سورة النمل قوله تعالى (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (طس) قال: اسم من أسماء القرآن. انظر تفسير سورة القصص آية (2) وفيه قول قتادة. قوله تعالى (هدى وبشرى للمؤمنين) قال ابن كثير: (هدى وبشرى للمؤمنين) ، أي إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به واتبعه وصدقه، وعمل بما فيه، وأقام الصلاة المكتوبة، وآتى الزكاة المفروضة، وآمن بالدار الآخرة والبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال، خيرها، وشرها، والجنة والنار، كما قال تعالى: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) . وانظر سورة الإسراء آية (8) قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً) . قوله تعالى (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) قال ابن كثير: (زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) أي: حسنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم فهم يتيهون في ضلالهم. وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الآخرة، كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) . انظر سورة البقرة آية (15) لبيان يعمهون أي: يترددون ويتمادون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 قوله تعالى (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)) وفيها تكليم الله لموسى والآيات التسع وقد ورد هذا التكليم والآيات التسع بالتفصيل في سورة الأعراف (143-144) ، وسورة طه (9-24) ، وسورة الشعراء (10-15) . أما الآيات التسع فقد فصلت في سورة الأعراف آية (133) ، وسورة البقرة آية (60) . قوله تعالى (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) انظر سورة طه آية (10-12) وفيها: (إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) . قوله تعالى (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ... ) انظر حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم المتقدم عند الآية (255) من سورة البقرة. إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ... حجابه النور (وفي رواية أبي بكر النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وأخرجه الإمام أحمد بسنده إلى أبي موسى، وفي آخره: ثم قرأ أبو عبيدة -هو ابن عبد الله بن مسعود- (نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) . (المسند 4/401) من طريق: المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى به. وتابع المسعودي شعبة، أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة النمل /8 ح40) فذكر نحوه، وهو إسناد صحيح - كما قال محقق ابن أبي حاتم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (نودي أن بورك من في النار) يقول: قدس. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (نودي أن بورك من في النار) قال: نور الله بورك. قوله تعالى (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ولم يعقب) قال: لم يرجع. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (ولم يعقب) قال: لم يلتفت. قوله تعالى (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ) ثم تاب من بعد إساءته (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) . قوله تعالى (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) انظر سورة الإسراء آية (101) لبيان تفصيل الآيات المعجزات التسع. قوله تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين) قال الشيخ الشنقيطي: قد قدمنا أنها وراثة علم ودين لا وراثة مال في سورة مريم في الكلام على قوله (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) الآية، وبينا هناك الأدلة على أن الأنبياء لا يورث عنهم المال. وفيها الثناء على الله تعالى من سليمان وداود بسبب تفضل الله لهم على كثير من المؤمنين، وقد ورد بيان هذا الفضل في الآية التي تليها (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبين) ثم ذكر من هذه الأشياء في الآيات التالية من آية (17-44) . من السورة نفسها، وبين أشياء أخر في سور أخرى كما في سورة سبأ آية (12) فيها تسخير الريح، وإسالة النحاس له، وفي سورة الأنبياء آية (82) تسخير الجن له. أخرج البستي بسنده الحسن عن السدي في قول الله جل وعز: (وورث سليمان داودَ) قال: نبوته. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (منطق الطير) قال: النملة من الطير. قوله تعالى (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)) فيها بعض الأشياء التي تفضل الله تعالى بها على سليمان عليه الصلاة والسلام. أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن الحسن (يوزعون) أي: يتقدمونه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (قال ربي أوزعني أن أشكر نعمتك) يقول: اجعلني. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لأعذبنه عذاباً شديداً) قال: أنتف ريشه كله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (أو ليأتيني بسلطان مبين) قال: بعذر مبين. أخرج البستي بسنده الحسن عن ابن عباس قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يخرج الخبء) قال: الغيث. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (يخرج الخبء) قال: هو السر. قوله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) انظر بداية التفسير بسم الله الرحمن الرحيم. قوله تعالى (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أيكم يأتيني بعرشها) قال: سرير في أريكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قبل أن يأتوني مسلمين) قال: طائعين. قوله تعالى (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (قبل أن تقوم من مقامك) قال: يعني مجلسه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (وإني عليه لقوي أمين) يقول: قوي على حمله، أمين على فرج هذه. قوله تعالى (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ … ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قبل أن يرتد إليك طرفك) قال: إذا مد البصر حتى يرد الطرف خاسئاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 قوله تعالى (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه موضحا في آيات متعددة، كقوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه) ، وقوله (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) ، وقوله تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَ) قال: غيروه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ننظر أتهتدي) قال: أتعرفه؟. قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كأنه هو) قال: شبهته به وكانت قد تركته خلفها. قوله تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً … ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حسبته لجة) قال: كان من قوارير، وكان الماء من خلفه فحسبته لجة أي الماء. قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)) وفي هذه قصة صالح مع قومه وقد وردت في سورة هود (61-68) ، وسورة الأعراف (73-79) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 قال الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أرسل نبيه صالحا إلى ثمود، فإذا هم فريقان يختصمون، ولم يبين هنا خصومة الفريقين، ولكنه بين ذلك في سورة الأعراف في قوله تعالى (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) فهذه خصومتهم، وأعظم أنواع الخصومة، الخصومة في الكفر والإيمان. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (فريقان يختصمون) قال: مؤمن وكافر، وقولهم صالح مرسل، وقولهم صالح ليس بمرسل. ويعني (يختصمون) : يختلفون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة) قال: السيئة: العذاب، قبل الحسنة: قبل الرحمة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (طائركم عند الله) ، قال: علم عملكم عند الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قال طائركم عند الله) يقول: مصائبكم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (تسعة رهط) قال: من قوم صالح. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (تقاسموا بالله) قال: تحالفوا على إهلاكه، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون) قد دلت هذه الآية الكريمة على أن نبي الله صالحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام نفعه الله بنصرة وليه: أي أوليائه لأنه مضاف إلى معرفة، ووجه نصرتهم له أن التسعة المذكورين في قوله تعالى (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا) أي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 تحالفوا بالله، لنبيتنه: أي لنباغتنه بياتا: أي ليلا فنقتله ونقتل أهله معه (ثم لنقولن لوليه) أي أوليائه وعصبته (ما شهدنا مهلك أهله) أي: ولا مهلكه هو، وهذا يدل على أنهم لا يقدرون أن يقتلوه علنا، لنصرة أوليائه له، وإنكارهم شهود مهلك أهله دليل على خوفهم من أوليائه. قوله تعالى (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)) وفيها قصة لوط وقد تقدمت في سورة الأعراف (80-84) ، وسورة هود (77-83) وسورة الحجر (57-77) ، وسورة الأنبياء (71-75) . قال ابن كثير: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ، أي: لا تعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا، كما قال في الآية الأخرى: (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إنهم أناس يتطهرون) قال: من أدبار الرجل وأدبار النساء استهزاء بهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة أنه تلا (إنهم أناس يتطهرون) فقال: عابوهم والله بغير عيب أي إنهم يتطهرون من أعمال السوء. وانظر سورة الأعراف آية (83) لبيان قوله تعالى (فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين) أي من الباقين في عذاب الله تعالى. قوله تعالى (وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ... ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حدائق ذات بهجة) قال: النخل الحسان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 قوله تعالى (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) قال ابن كثير: (وجعل بين البحرين حاجزا) ، أي: جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزا، أي: مانعاً يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس. والمقصود منها أن تكون عذبة زلالا تسقي الحيوان والنبات والثمار منها. والبحار المالحة المحيطة بالأرجاء والأقطار والأرجاء، من كل جانب، والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحا أجاجا لئلا يفسد الهواء بريحها، كما قال تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) . وانظر سورة لقمان آية (10) لبيان رواسي أي: جبال. قوله تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) قال ابن كثير: وقوله تعالى (ويجعلكم خلفاء الأرض) ، أي: يخلف قرناً لقرن قبلهم خلفا لسلف، كما قال تعالى (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) ، وقال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) . قوله تعالى (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون) قال ابن كثير: يقول (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) أي: بما خلق من الدلائل السماوية والأرضية، كما قال: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ... ) الآية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 قوله تعالى (أمّن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) انظر سورة الأنبياء آية (104) . قال ابن كثير: أي: هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده، كما قال في الآية الأخرى: (إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد) وقال: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه) ... (قل هاتوا برهانكم) على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة أخرى (إن كنتم صادقين) في ذلك، وقد علم أن لا حجة لهم ولا برهان، كما قال: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) سورة المؤمنون: 117. قوله تعالى (قل لا يعلم من في السموات الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون) انظر سورة الأنعام آية (59) . قوله تعالى (بل ادارك علمهم في الآخرة ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بل ادارك علمهم في الآخرة) يقول: غاب علمهم. قوله تعالى (وقال الذين كفروا أءِذا كنا ترابا وعظاما وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين) انظر سورة الرعد آية (5) ، وسورة الصافات آية (16) . قوله تعالى (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قل عسى أن يكون ردف لكم) يقول: اقترب لكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 قوله تعالى (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ) انظر سورة الأنعام آية (59) . قوله تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) ومن ذلك اختلافهم في عيسى، فقد قدمنا في سورة مريم ادعاءهم على أمه الفاحشة، مع أن طائفة منهم آمنت به، كما يشر إليه قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة) والطائفة التي آمنت قالت الحق في عيسى، والتي كفرت افترت عليه وعلى أمه. كما تقدم إيضاحه في سورة مريم. قوله تعالى (وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين) انظر سورة الإسراء آية (9) . قوله تعالى (إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم) انظر حديث ابن مسعود عند البخاري المتقدم عند الآية (93) ، من سورة النساء، وهو حديث: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء". قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) ، اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن، أن معنى قوله هنا: إنك لا تسمع الموتى لا يصح فيه من أقوال العلماء إلا تفسيران: الأول أن المعنى: إنك لا تسمع الموتى: أي لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماع هدى وانتفاع لأن الله كتب عليهم الشقاء، فختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على قلوبهم الأكنة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وفي آذانهم الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع: ومن القرائن القرآنية الدالة على ما ذكرنا أنه جل وعلا قال بعده: (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) ... التفسير الثاني: هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله (إنك لا تسمع الموتى) خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وإن هذا مثل ضرب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتباع كما قال تعالى (ومثل الذين كفروا بربهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) ، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفي عنهم جميع أنواع السماع كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأما سماع أخر فلا، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمه الله. وانظر سورة البقرة آية (17) . قوله تعالى (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة، حذيفة بن أسيد. قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة. قال: إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس. (الصحيح 4/2226 بعد رقم 2901 -ك الفتن وأشراط الساعة، ب في الآيات التي تكون قبل الساعة) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإذا وقع القول عليهم) قال: حق عليهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) قال: تحدثهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 قوله تعالى (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر الآية الكريمة خصوص الحشر بهذه الأفواج المكذبة بآيات الله، ولكنه قد دلت آيات كثيرة على عموم الحشر لجميع الخلائق، كقوله تعالى بعد هذا بقليل (وكل أتوه داخرين) ، وقوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) ، وقوله تعالى (ويوم يحشرهم جميعا) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من كل أمة فوجا) قال: زمرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) قال: يقول: فهم يدفعون. قوله تعالى (حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أمّاذا كنتم تعملون) قال ابن كثير: (حتى إذا جاءوا) ، أي: أوقفوا بين يدي الله عز وجل في مقام المساءلة (قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أمّاذا كنتم تعملون) ؟ أي: ويسألون عن اعتقادهم، وأعمالهم فلما لم يكونوا من أهل السعادة وكانوا كما قال الله تعالى عنهم: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) ، فحينئذ قامت عليم الحجة، ولم يكن لهم عذر يعتذرون به كما قال تعالى: (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين) . قوله تعالى (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون) قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن القول الذي وقع عليم هو كلمة العذاب، كما يوضحه قوله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) ونحو ذلك من الآيات، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فهم لا ينطقون) ، ظاهره أن الكفار لا ينطقون يوم القيامة، كما يفهم من قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) ، وقوله تعالى (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) الآية، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 مع أنه بينت آيات أخر من كتاب الله أنهم ينطقون يوم القيامة، ويعتذرون، كقوله تعالى عنهم (والله ربنا ما كنا مشركين) … قوله تعالى (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) انظر سورة الإسراء آية (12) . قوله تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) انظر حديث مسلم الطويل عن عبد الله بن عمرو الآتي عند الآية (24) من سورة الصافات، وفيه ذكر النفخ في الصور. وانظر حديث أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما المتقدم تحت الآية (73) من سورة الأنعام وهو حديث: "الصور قرن ينفخ فيه". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ويوم ينفخ في الصور) قال: كهيئة البرق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم ينفخ في الصور) ، أي في الخلق (ففزع من في السماوات ومن في الأرض) ، يقول: ففزع من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الجن والإنس والشياطين، من هول ما يعاينون ذلك اليوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وكل أتوه داخرين) يقول: صاغرين. قوله تعالى ( ... وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة) يقول: قائمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (صنع الله الذي أتقن كل شيء) يقول: أحكم كل شيء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الذي أتقن كل شيء) قال: أوثق كل شي وسوى. قال ابن كثير: وقوله (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهى تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) وقال: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) ، وقال تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) سورة الكهف: 47. قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ... ) قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار". (الصحيح 1/94 ح93 -ك الإيمان، من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة) . قال الطبري: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني الفضل بن دكين قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هريرة -قال يحيى: أحسبه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون) قال: وهى لا إله إلا الله (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) قال: وهي الشرك". (التفسير 20/22) وإسناده حسن، وأخرج ابن أبي حاتم في (تفسيره رقم 578 من سورة النمل) من طريق يحيى بن أيوب به، لكن موقوفاً على أبي هريرة، وأشار إلى شطره الأول عن أبي هريرة موقوفاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 أيضاً (عقب رقم 573 من سورة النمل) ويشهد له ما أخرجه الطبري في (تفسيره رقم 14272-14274) وابن أبي حاتم في (تفسيره رقم 573 من سورة النمل) ، والحاكم في (المستدرك 2/406) وفي إسناده سقط، والبيهقي في (الأسماء والصفات ص133) من طرق عن الحسن بن عبيد الله عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال عن عبد الله بن مسعود قال: (من جاء بالحسنة) قال: من جاء بلا إله إلا الله، قال: (من جاء بالسيئة) قال: الشرك. وأخرجوه أيضاً -سوى ابن أبي حاتم- من طريق الأعمش عن جامع به، وفي بعض الروايات الاقتصار على شطره الأول، وصححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبي. وورد نحوه أيضاً من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موقوفاً عند الطبري (رقم 14290 و20/22) وابن أبي حاتم (رقم 1223 من سورة الأنعام، ورقم 579 من سورة النمل) والبيهقي في (الأسماء والصفات ص345-135) . وإسناده جيد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) يقول: من جاء بلا الله إلا الله (ومن جاء بالسيئة) وهو الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فله خير منها) يقول: له منها حظ. قوله تعالى (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور عن مجاهد، عن طاوُس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة: "إن هذا البلد، حرّمه الله، لا يُعْضَد شوكه، ولا يُنفّر صيده، ولا يلتقط لُقطته إلا مَن عرفها". (صحيح البخاري 3/525 -ك الحج، ب فضل الحرم ح1587) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) يعني: مكة. قوله تعالى (ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين) قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه في آيات كثيرة كقوله تعالى (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) . وقوله تعالى (إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) وقوله تعالى (فتول عنهم فما أنت بملوم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 قوله تعالى (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه في غير هذا الموضع كقوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) . قوله تعالى (وما ربك بغافل عما تعملون) قال الشيخ الشنقيطى: جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) . أخرج آدم ابن أبي إياس بشده الصحيح عن مجاهد، قوله (سيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم، وفي السماء والأرض والرزق. وانظر سورة فصلت آية (53) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 سورة القصص قوله تعالى (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)) انظر بداية سورة الشعراء (طسم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)) يعني مبين والله بركته ورشده وهداه. قوله تعالى (نتلو عليك من نبإِ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) يقول في هذا القرآن نبأهم، وقوله (لقوم يؤمنون) يقول: لقوم يصدقون بهذا الكتاب. قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الحسن عن قتادة (إن فرعون علا في الأرض) أي: بغى في الأرض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعل أهلها شيعا) أي فرقا يذبح طائفة منهم، ويستحيي طائفة ويعذب طائفة، ويستعبد طائفة قال الله عز وجل (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من الفاسدين) . وانظر سورة البقرة آية (49) . قوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) قال: بنو إسرائيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونجعلهم أئمة) أي: ولاة الأمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ونجعلهم الوارثين) قال: يرثون الأرض من بعد آل فرعون. قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا السبب الذي جعلهم أئمة جمع إمام أي قادة في الخير، دعاة إليه على أظهر القولين. ولم يبين هنا أيضاً الشيء الذي جعلهم وارثيه، ولكنه تعالى بين جميع ذلك في غير هذا الموضع، فبين السبب الذي جعلهم به أئمة في قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) فالصبر واليقين، هما السبب في ذلك، وبين الشيء الذي جعلهم له وارثين بقوله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) الآية وقوله تعالى (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين) ، وقوله تعالى (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل) . قال ابن كثير: قال تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثون ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) وقال (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) . قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)) وفيهن قصة موسى أول حياته، انظر سورة طه (37-41) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأوحينا إلى أم موسى) وحيا جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة أن أرضعي موسى (فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني) ... الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فألقيه في اليم) قال: هو البحر النيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) عدواً لهم في دينهم، وحزنا لما يأتيهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قالت امرأة فرعون: (قرة عين لي ولك) تعني بذلك موسى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهم لا يشعرون) قال: وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه، وفي زمانه. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) قال: فارغا من كل شيء غير ذكر موسى. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) قال: فارغا ليس بها همّ غيره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قال: لما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابني، فعصمه الله، فذلك قول الله (إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قال الله (لولا أن ربطنا على قلبها) أي: بالإيمان (لتكون من المؤمنين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لأخته قصيه) قال: اتبعي أثره كيف يصنع به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عن جنب) قال: بعد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) أنها أخته، قال: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وحرمنا عليه المراضع من قبل) قال: لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحرمنا عليه المراضع من قبل) قال: جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها، قال (فقالت) أخته (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فرددناه إلى أمه) فقرأ حتى بلغ (لا يعلمون) ووعدها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين، ففعل الله ذلك بها. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ولتعلم أن وعد الله حق) فوعدها أنه راده إليها و (جاعله) من المرسلين، ففعل الله بها ذلك. قوله تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)) في هذه الآيات قصة قتله للقبطي والبحث عن موسى لقتله، وقد ورد ذكر هذه القصة في سورة طه (40) والشعراء (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولما بلغ أشده واستوى) قال: استوى: بلغ أربعين سنة. أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (آتيناه حكما وعلما) قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال: دخلها بعد ما بلغ أشده عند القائلة نصف النهار. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) -إسرائيلي- (وهذا من عدوه) -قبطي-. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: عرف المخرج، فقال (ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له) . أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الحسن عن قتادة (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) يقول: فلن أعين بعدها ظالما على فجره، وقال: قلما قالها رجل إلا ابتلى، قال: فابتلى كما تسمعون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فأصبح في المدينة خائف يترقب) قال: خائفا أن يؤخذ. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) قال: الاستنصار والاستصراخ واحد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال) : خافه الذي من شيعته حين قال له موسى (إنك لغوي مبين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال موسى للإسرائيلي (إنك لغوي مبين) ثم أقبل لينصره، فلما نظر إلى موسى قد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الإسرائيلي، (قال) الإسرائيلي، وفرِق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام: (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين) فتركه موسى. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قال (وجاء رجل) من شيعة موسى (من أقصى المدينة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فخرج منها خائفا يترقب) خائفا من قتله النفس يترقب الطلب (قال رب نجني من القوم الظالمين) . قوله تعالى (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)) وفيها قصة موسى في منطقة مدين وزواجه هناك. أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ولما توجه تلقاء مدين) ومدين ماء كان عليه قوم شعيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عباد بن راشد، عن الحسن (عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) قال: الطريق المستقيم. وسنده حسن. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (سواء السبيل) قال: قصد السبيل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أمة من الناس) قال: أناسا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تذودان) يقول: تحبسان. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حتى يصدر الرعاء) قال: فتشرب فضالتهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان) قال: أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شائهما. قوله تعالى (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربي إني لما أنزلت إليّ من خير فقير) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: تصدق عليهم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسقى لهما، فلم يلبث أن أروى غنمهما. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من خير فقير) قال: شيء من طعام. قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال ثنا عبد الرحمن، قال ثنا سفيان، عن أبي إسحاق عن نوف (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) قال: قد سترت وجهها بيديها. وسنده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله لموسى (إن خير من استأجرت القوي الأمين) يقول: أمين فيما ولي، أمين على ما استودع. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (إن خير من استأجرت القوي الأمين) قال: بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنمهما. قال: بلغنا أنه ملأ الحوض بدلو واحدة. قال: وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت) إما ثمانيا وإما عشرا. أخرج البستي بسنده الحسن عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أخيرهما وأوفاهما. قوله تعالى (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)) وفيها قصة تكليم الله موسى وتمكينه بمعجزة العصا واليد، وقد تقدم ذكرها في سورة الأعراف (143-144) وسورة طه (9-24) والشعراء (10-15) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 قوله تعالى (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فلما قضى موسى الأجل) قال: عشر سنين، ثم مكث بعد ذلك عشراً أخرى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) أي: أحسست ناراً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو جذوة من النار) يقول: شهاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو جذوة) والجذوة أصل شجرة فيها نار. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أو جذوة من النار) قال: شعلة. قوله تعالى (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة) قال: نودي من عند الشجرة (أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) . قوله تعالى (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولى مدبرا) فسارا منها (ولم يعقب) يقول: ولم يرجع على عقبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (اسلك يدك في جيبك) أي: في جيب قميصك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واضمم إليك جناحك من الرهب) أي: من الرعب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فذانك برهانان من ربك) العصا واليد آيتان. قوله تعالى (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فأرسله معي ردءا يصدقني) قال: عونا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ردءا يصدقني) يقول: كي يصدقني. قوله تعالى (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعوى الألهية لنفسه القبيحة - لعنه الله - كما قال تعالى (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم، ولهذا قال (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) قال تعالى إخبارا عنه (فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) . وانظر سورة الزخرف آية (54) وسورة النازعات (23-26) وسورة غافر (36-37) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 قوله تعالى (وأتبعناهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) قال لعنوا في الدنيا والآخرة، قال هو كقوله (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) . قوله تعالى (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما كنت) يا محمد (بجانب الغربي) يقول: بجانب غربي الجبل (إذ قضينا إلى موسى الأمر) . قوله تعالى (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من ندير من قبلك لعلهم يتذكرون) قال النسائي: أنا علي بن حجر، أنا عيسى - وهو: ابن يونس - عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) قال: نودي أن يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني وأجبتكم قبل أنا تدعوني. (التفسير 2/143 ح402) وأخرجه الطبري (التفسير 20/81-82) من طريق سليمان وحجاج. وابن أبي حاتم (التفسير - سورة القصص - آية 46، ح335) والحاكم (المستدرك 2/408) كلاهما من طريق أبي قطن عمرو بن الهيثم، كلهم عن حمزة الزيات به، وعند الطبري عمرو بن الهيثم، كلهم عن حمزة الزيات به، وعند الطبري زيادة، وهي قوله: قال: وهو قوله حين قال موسى (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة … ) . قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه. وصحح إسناده كل من محقق تفسيري النسائي وابن أبي حاتم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولكن رحمة من ربك) ما قصصنا عليك (لتنذر قوما) ... الآية. قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (سحران تظاهرا) قال: يهود لموسى وهارون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (سحران تظاهرا) يقول: التوراة والقرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قالوا سحران تظاهرا) قالت ذلك أعداء الله اليهود للإنجيل والفرقان، فمن قال (ساحران) فيقول: محمد، وعيسى بن مريم. أخرج ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إنا بكل كافرون) قالوا: نكفر أيضاً بما أوتي محمد. قوله تعالى (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن رفاعة القرظي، قال: نزلت (ولقد وصلنا لهم القول) في عشرة، أنا أحدهم. (التفسير - سورة القصص/51 ح370) . وأخرجه الطبري (التفسير 20/56) من طريق عثمان بن مسلم عن حماد بن سلمة به. وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 5/47) بإسنادين إلى رفاعة، قال الهيثمي عن أحدهما: متصل ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/88) وصحح إسناده محقق ابن أبي حاتم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد وصلنا لهم القول) قال: وصل الله لهم القول في هذا القرآن يخبرهم كيف صنع بمن مضى، وكيف هو صانع (لعلهم يتذكرون) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولقد وصلنا لهم القول) قال: قريش. قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به) ... إلى قوله (لا نبتغي الجاهلين) في مسلمة أهل الكتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا قبله مسلمين) قال الله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون فقال (ويدرءون بالحسنة السيئة) . قوله تعالى (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن صالح بن صالح الهَمْداني، عن الشعبي، قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: يا أبا عَمرو! إن مَنْ قِبلنا مِن أهل خراسان يقولون، في الرجل، إذا أعتق أمته ثم تزوجها: فهو كالراكب بدنته. فقال الشعبي: حدثني أبو برده بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثة يُؤتون أجرهم مرتين: رجل مِن أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآمن به واتّبعه وصدّقه، فله أجران. وعبدٌ مملوك أدّى حق الله تعالى وحق سيده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها. ثم أدّبها فأحسن أدبها. ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران". ثم قال الشعبي للخراساني: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة. (صحيح مسلم 1/134-135- ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح154) . قال أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، ثنا ابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: إني لتحت راحلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح، فقال قولا حسناً جميلاً، وكان فبما قال: "من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين وله ما لنا وعليه ما علينا، ومن أسلم من المشركين فله أجره وله ما لنا وعليه وما علينا". (المسند 5/259) . وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير 8/224 ح7786) من طريق: عبد الله بن صالح عن الليث عن سليمان بن عبد الرحمن به، فهذه متابعة من الليث بن سعد لابن لهيعة يتقوى بها حديثه. فيكون حسناً إن شاء الله) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم، أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك. وقده الحِلم: إذا سكنه، والوقد في الأصل: الضرب المثخن والكسر (النهاية لابن الأثير 5/212) . قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءهُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال: أي عمّ، قل لا إله إلا الله كلمةً أحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرضها عليه ويُعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا الله إلا الله. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك. فأنزل الله (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء) . (صحيح البخاري 8/365 - ك التفسير - سورة القصص ح4772) ، (صحيح مسلم 1/54- ك الإيمان، ب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ح24) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وهو أعلم بالمهتدين) قال: بمن قدر له الهدى والضلالة. قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يهدي من أحب هدايته، ولكنه جل وعلا هو الذي يهدي من يشاء هداه، وهو أعلم بالمهتدين. وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية موضحا في آيات كثيرة كقوله (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) الآية، وقوله (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 قوله تعالى (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) قال الله (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء) يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون، يجبى إليه ثمرات كل شيء. قوله تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)) انظر سورة الإسراء آية (15-17) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى يبعث في أمها رسولا) وأم القرى مكة، وبعث الله إليهم رسولا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وما أوتيتم من شيء فقاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى ألا تعقلون) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) وقال (وما عند الله خير للأبرار) وقال (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) وقال (بل يؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وقال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله ما الدنيا في الآخرة، إلا كما يغمس أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر ماذا يرجع إليه". قوله تعالى (أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفمن وعدناه وعدا حسناً فهو لاقيه) قال: هو المؤمن سمع كتاب الله فصدق به وآمن مما وعد الله فيه (كمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 متعناه متاع الحياة الدنيا) هو هذا الكافر ليس والله كالمؤمن (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) : أي في عذاب الله. قوله تعالى (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة، حيث يناديهم فيقول (أين شركائي الذين كنتم تزعمون) يعني: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا، من الأصنام والأنداد، هل ينصرونكم أو ينتصرون؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد كما قال (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) . وانظر سورة الكهف آية (52) . قوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ) انظر سورة البقرة آية (166) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) قال: هم الشياطين. قوله تعالى (وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) قال ابن كثير: وقوله (لو أنهم كانوا يهتدون) أي: فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في الدار الدنيا وهذا كقوله تعالى (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) . وانظر سورة الكهف آية (52-53) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 قوله تعالى (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فَعِمَيَت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون) قال ابن كثير: وقوله (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) النداء الأول عن سؤال التوحيد، وهذا فيه إثبات النبوات: ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم؟ وكيف كان حالكم معهم؟ وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله وأما الكافر فيقول: هاه.. هاه. لا أدري. ولهذا لا جواب له يوم القيامة غير السكوت، لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، ولهذا قال تعالى: (فَعَميَت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فَعَمِيَت عليهم الأنباء) قال: الحجج، يعني الحجة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فهم لا يتساءلون) قال: لا يتساءلون بالأنساب ولا يتماتون بالقربات، إنهم كانوا في الدنيا إذا التقوا تساءلوا وتماتوا. قوله تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) قال ابن كثير: وقوله (ما كان لهم الخيرة) نفي على أصح القولين، كقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . قوله تعالى (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) قال ابن كثير: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) أي: يعلم ما تكن الضمائر، وما تنطوي عليه السرائر، كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 قوله تعالى (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) يقول: دائما. قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) انظر سورة الإسراء آية (12) . قوله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) انظر سورة الكهف آية (52) فيها تفصيل عن الشيخ الشنقيطي، وانظر الآية (62) من هذه السورة. قوله تعالى (وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ونزعنا من كل أمة شهيدا) وشهيدها: نبيها، يشهد عليها أنه قد بلغ رسالة ربه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فقلنا هاتوا برهانكم) قال: حجتكم لما كنتم تعبدون وتقولون. قوله تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: إنما بغى عليهم بكثرة ماله. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (مفاتحه لتنوء بالعصبة) قال: كانت من جلود الإبل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لتنوء بالعصبة) يقول: تثقل. وأما العصبة فإنها الجماعة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الله لا يحب الفرحين) يقول: المرحين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) يقول: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تنس نصيبك من الدنيا) قال الحسن: ما أحل الله لك منها، فإن لك فيها غنى وكفاية. قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن جواب قارون لقومه، حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير (قال إنما أوتيته على علم عندي) أي: أنا لا أفتقر إلى ما تقولون، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه، ولمحبته لي فتقديره: إنما أعطيته لعلم الله فيّ أني أهل له، وهذا كقوله تعالى (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم) أي: على علم من الله بي. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) كقوله (يعرف المجرمون بسيماهم) زرقا سود الوجوه والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) قال: يدخلون النار بغير حساب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 قوله تعالى (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) انظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (37) من سورة الإسراء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما كان له من فئة ينصرونه) أي: جند ينصرونه، وما عنده منعة، يمتنع بها من الله. قوله تعالى (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) قال ابن كثير: وقوله تعالى (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) أي: الذين رأوه في زينته (قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم) فلما خسف به أصبحوا يقولون (ويكأن الله يبسط هذا الرزق لم يشاء من عباده ويقدر) أي: ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع ويضيق ويوسع ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة والحجة البالغة، وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويكأنه) : أولا ترى أنه. قوله تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) قال: العلو: التكبر في الحق، والفساد: الأخذ بغير الحق. ورجاله ثقات وسنده صحيح. ومنصور هو ابن المعتمر، وسفيان هو الثوري، وعبد الرحمن هو ابن مهدي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاقبة للمتقين) أي: الجنة للمتقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (من جاء بالحسنة فله خير منها) أي له منها حظ خير، والحسنة: الإخلاص، والسيئة: الشوك. قوله تعالى (خير منها) انظر سورة الأنعام آية (160) . قوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول لله (إن الذي فرض عليك القرآن) قال: الذي أعطاكه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لرادك إلى معاد) قال: يجيء بك يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لرادك إلى معاد) قال: الموت. قوله تعالى (ولا تدع مع الله إله آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) انظر سورة الرحمن آية (26-27) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 سورة العنكبوت قال تعالى (الم) انظر بداية سورة البقرة. قال تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) قال ابن كثير: وقوله (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) استفهام إنكار ومعناه أن الله -سبحانه وتعالى- لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء" وهذه الآية كقوله (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) . قال الشيخ الشنقيطي: والمعنى: أن الناس لا يتركون دون فتنة: أي ابتلاء واختبار، لأجل قولهم: آمنا، بل إذا قالوا آمنا فتنوا: أي امتحنوا واختبروا بأنواع الابتلاء، حتى يتبين بذلك الابتلاء الصادق في قوله آمنا من غير الصادق. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبينا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (آمنا وهم لا يفتنون) قال: لا يبتلون في أنفسهم وأموالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 قوله تعالى (ولقد فتنا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولقد فتنا) قال: ابتلينا. قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) أي الشرك أن يسبقونا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أن يسبقونا) أن يعجزونا. قوله تعالى (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم) انظر سورة الكهف آية (110) . قوله تعالى (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) قال ابن كثير: وقوله (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) كقوله (من عمل صالحا فلنفسه) . قوله تعالى والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) قال ابن كثير: ثم أخبر أنه مع غناه عن الخلائق جميعهم من إحسانه وبره بهم يجازى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء، وهو أن يكفر عنهم أسوء الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، فيقبل القليل من الحسنات، ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ويجزي على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح، كما قال تعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) . قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال: الوليد بن عيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: أخبرنا صاحب هذه الدار -وأومأ بيده إلى دار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 عبد الله - قال: سألتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: "الصلاة على وقتها، قال: ثم أيُّ؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أيُّ؟. قال: الجهاد في سبيل الله -قال حدثني بهن، ولو استزدته لزادني". (صحيح البخاري 10/414 - ك الأدب، ب البر والصلة ح5970) . وانظر حديث مسلم عند الآية رقم (90) من سورة المائدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً) ... إلى قوله (فأنبئكم بما كنتم تعملون) قال: نزلت في سعد بن أبي وقاص لما هاجر قالت أمه: والله لا يظلني بيت حتى يرجع، فأنزل الله أن يحسن إليهما، ولا يطيعهما في الشرك. وحديث مسلم السابق في سورة المائدة آية (90) يشهد لهذا الأثر. وانظر سورة الإسراء آية (23) . قوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئِن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) انظر حديث الطبري عن ابن عباس المتقدم عند الآية 97 من سورة النساء. قال الشيخ الشنقيطي: يعني أن من الناس من يقول: آمنا بالله بلسانه، فإذا أوذي في الله: أي أذاه الكفار إيذاءهم للمسلمين جعل فتنة الناس، صارفة له عن الدين إلى الردة، والعياذ بالله، كعذاب الله فإنه صارف رادع عن الكفر والمعاصي. ومعنى فتنة الناس: الأذى الذي يصيبه من الكفار؟ وإيذاء الكفار للمؤمنين من أنواع الابتلاء الذي هو الفتنة، وهذا قال به غير واحد. وعليه فمعنى الآية الكريمة كقوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 قال ابن كثير: ثم قال (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم) ، أي: ولئن جاء نصر قريب من ربك - يا محمد - وفتح ومغانم، ليقولن هؤلاء لكم (إنا كنا معكم) أي: إخوانكم في الدين كما قال تعالى (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين) . قوله تعالى (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) قال ابن كثير: وقوله (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) أي: وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، ومن يطيع الله في الضراء والسراء، ومن إنما يطيعه في حظ نفسه، كما قال تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) وقال تعالى بعد وقعة أحد، التي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) الآية. قوله تعالى (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) قال: قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم، يقول: قالوا: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتبعونا إن كان عليكم شيء فهو علينا. قوله تعالى (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم) قال ابن ماجة: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحثّ عليه. فقال رجل: عندي كذا وكذا، قال: فما بقي في المجلس رجل إلا تصدق عليه بما قل أو كثر. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استنّ خيراً فاستُنَّ به، كان له أجره كاملاً، ومِن أجور من استن به، ولا ينقص من أجورهم شيئاً. ومن استنّ سنة سيئة، فاستن به فعليه وزره كاملاً، ومِن أوزار الذي استن به، ولا ينقص من أوزارهم شيئا". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 (السنن 1/74 ح204 المقدمة - من سن سنة حسنة أو سيئة) ، وأخرجه الإمام أحمد (المسند 2/520-521) عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به. قال البوصيري: إسناده صحيح. وأخرج الإمام أحمد شاهداً له من حديث حذيفة - رضي الله عنه - بنحوه (المسند 5/387) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح إلا أبا عبيدة بن حذيفة، وقد وثقه ابن حبان (مجمع الزوائد 1/167) . وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح169) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليحملن أثقالهم) ، أي أوزارهم (وأثقالاً مع أثقالهم) يقول أوزار من أضلوا. قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)) أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيحين عن قتادة قوله: (فأخذهم الطوفان) قال هو الماء الذي أرسل عليهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنجيناه وأصحاب السفينة) ... الآية قال: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي. قال ابن كثير: وقوله (وجعلناها آية للعالمين) أي: وجعلنا تلك السفينة باقية إما عينها كما قال قتادة: إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودي، أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق، كيف نجاهم من الطوفان: كما قال تعالى (وآية لهم ألا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا ينقذون. إلا رحمة منا ومتاع إلى حين) . قوله تعالى (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنما تعبدون من دون الله أوثانا) أصناماً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وتخلقون إفكا) يقول وتصنعون كذبا. قوله تعالى (أولم يروا كيف يبدئ الخلق ثم يعيده..) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده) : بالبعث بعد الموت. قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) خلق السماوات والأرض (ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) : أي البعث بعد الموت. قال ابن كثير: ثم قال تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) أي: يوم القيامة (إن الله على كل شيء قدير) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) . وانظر سورة الأنبياء آية (104) . قوله تعالى (فَمَا كَان جَوَابَ قَوْمهِ إِلاّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النّارِ إِنّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُون) انظر سورة الأنبياء آية (69) وفي بيان أن النار تحولت إلى برد وسلام. قوله تعالى (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) قال صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 قال ابن كثير: (ويلعن بعضكم بعضاً) أي: يلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع (كلما دخلت أمة لعنت أختها) وقال تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) . قوله تعالى (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)) وفيها قصة لوط مع قومه وقد فصلت في سورة الأعراف (80-84) ، وسورة هود (77-83) ، وسورة الحجر (57-77) ، وسورة الأنبياء (71-75) ، وسورة الشعراء (161-175) ، وسورة النمل (54-58) . أخرج البستي بسنده الحسن عن الضحاك يقول: قوله جل ذكره (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي) إبراهيم القائل: إني مهاجر إلى ربي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وآتيناه أجره في الدنيا) يقول: الذكر الحسن. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى (وآتيناه أجره في الدنيا) قال: هي كقوله (وآتيناه في الدنيا حسنة) قال: وقال: ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وتأتون في ناديكم المنكر) قال: المجالس، والمنكر: إتيانهم الرجال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة تلا: (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها) قال: لا تجد المؤمن إلا يحوط هذا المؤمن حيث كان. وانظر سورة الأعراف آية (83) لبيان قوله تعالى (لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) أي: الباقين في عذاب الله تعالى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) قال: بالضيافة مخافة عليهم مما يعلم من شر قومه. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (سيء بهم) قال: ساء ظنه بقومه وضاق بضيفه ذرعا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا) أي: عذابا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولقد تركنا منها آية بينة) قال: هي الحجارة التي أبقاها الله. قوله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيباً) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيبا) قال: بلغنا أن شعيبا أرسل مرتين إلى أمتين: مدين وأصحاب الأيكة. قوله تعالى (فأصبحوا في دارهم جاثمين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أصبحوا في دارهم جاثمين) أي: ميتين. وانظر سورة هود آية (85-94) . قوله تعالى (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن قوله: وعادا: مفعول به لأهلكنا مقدرة، ويدل على ذلك قوله قبله (فأخذتهم الرجفة) أي أهلكنا مدين بالرجفة، وأهلكنا عادا، ويدل للإهلاك المذكور قوله بعده (وقد تبين لكم من مساكنهم) أي هي خالية منهم لإهلاكهم. وقوله: بعده أيضاً (فكلا أخذنا بذنبه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وكانوا مستبصرين) في ضلالتهم معجبين بها. قوله تعالى (وَقَارُون وَفِرْعَوْن وَهَامَان وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مّوسَىَ بِالْبَيّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأرض وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ) انظر سورة القصص آية (76-82) وفي هذه الآيات تفصيل أكثر عن قارون. قوله تعالى (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) وهم قوم لوط، (ومنهم من أخذته الصيحة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنهم من أخذته الصيحة) قوم شعيب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنهم من أغرقنا) قوم فرعون. قوله تعالى (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) قال: هذا مثل ضربه الله للمشرك، مثل إلهه الذي يدعو من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه. قوله تعالى (وأقم إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) قال أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد إلاُ بعداً. (الزهد 2/107) ، وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير 9/107 ح1543) ، قال العراقي: إسناده صحيح (تخريج الإحياء 1/201) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 2/258) . وصححه ابن كثير في (التفسير 6/290 ط الشعب) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) يقول: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة والحسن، قالا: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولذكر الله) لعباده إذا ذكروه (أكبر) من ذكركم إياه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولذكر الله أكبر) قال: لا شيء أكبر من ذكر الله، قال: أكبر الأشياء كلها، وقرأ (أقم الصلاة لذكري) قال: لذكر الله: وإنه لم يصفه عند القتال إلا أنه أكبر. قوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ... ) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (136) من سورة البقرة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) قال: إن قالوا شرا، فقولوا خيرا (إلا الذين ظلموا منهم) فانتصروا منهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) ثم نسخ بعد ذلك، فأمر بقتالهم في سورة براءة، ولا مجادلة أشد من السيف أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يقروا بالخراج. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إلا الذين ظلموا منهم) قال: قالوا مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير أو آذوا محمداً، (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) لمن لم يقل هذا من أهل الكتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 قوله تعالى ( ... وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) ، قال: إنما يكون الجحود بعد المعرفة. قوله تعالى (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) قال: كان نبي الله لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه قال: كان أميا، والأمي: الذي لا يكتب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذاً لارتاب المبطلون) إذن لقالوا: إنما هذا شيء تعلمه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكتبه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله: (إذاً لارتاب المبطلون) قال: قريشاً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) من أهل الكتاب صدقوا بمحمد ونعته ونبوته ... قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا الليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله أُومن -أو آمن- عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو إني أكثرهم تابعاً يوم القيامة". (الصحيح 13/261 ح7274 - ك الاعتصام، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بعثت بجوامع الكلم"، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ح152) . قوله تعالى ( ... والذين آمنوا بالباطل ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين آمنوا بالباطل) : الشرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 قوله تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم، وبأس الله أن يحل عليهم، كما قال تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقال ها هنا (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) أي: لولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب قريبا سريعا كما استعجلوه ... (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) كقوله تعالى (لهم من جهنم مهاد ومن فوقها غواش) وقال (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) وقال (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار لا عن ظهورهم) فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم، وهذا أبلغ في العذاب الحسي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) : أي في النار. قوله تعالى (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إن أرضي واسعة) ، فهاجروا وجاهدوا. قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... ) قال أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن معانق -أو أبي معانق- عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلّى والناس نيام". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 (المسند 5/343) ، وأخرجه من هذا الطريق -طريق أحمد- الطبراني (المعجم الكبير 3/301 ح3466) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/262 ح509) قال محقق الإحسان: إسناده قوي. قال الهيثمي -بعد أن عزاه للطبراني-: رجاله ثقات. وللحديث شواهد منها: ما أخرجه أحمد (المسند 2/173) ، والحاكم (المستدرك 1/321) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا بنحوه. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) قال الترمذي: حدثنا علي بن سعيد الكِندي، حدثنا ابن المبارك، عن حيوة ابن شريح، عن بكر بن عمرو، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكّله، لرُزقتم كما يُرزق الطير، تغدو خِماصاً وتروح بِطانا". (السنن 4/573 ح2344 - ك الزهد، ب في التوكل على الله) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/30) ، والحاكم (المستدرك 4/318) من طريق عبد الصمد بن الفضل كلاهما عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 2/404، والسلسلة الصحيحة ح310) . قال ابن كثير: ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار، ولهذا قال تعالى (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) أي: لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تؤخر شيئا لغد (الله يرزقها وإياكم) أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء، قال الله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) . قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن كثيرا من الدواب التي لا تحمل رزقها لضعفها، أنه هو جل وعلا يرزقها، وأوضح هذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 المعنى في قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) : الطير والبهائم لا تحمل الرزق. قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) انظر سورة الشورى (27) ، والزخرف (32) والفجر (15-16) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأنى يؤفكون) أي: يعدلون. قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) انظر سورة الإسراء آية (30) ، وسورة الرعد آية (26) . قوله تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) حياة لا موت فيها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لو كانوا يعلمون) يقول: لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ذلك كذلك، لقصروا عن تكذيبهم بالله، وإشراكهم غيره في عبادته، ولكنهم لا يعلمون ذلك. قوله تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) فالخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك. وانظر سورة الإسراء آية (66-67) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) قال: كان في ذلك آية أن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي: بالشرك (وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) أي: يجحدون. قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية: أن الذين جاهدوا فيه أنه يهديهم إلى سبيل الخير والرشاد، وأقسم على ذلك بدليل اللام في قوله لنهدينهم وهذا المعنى جاء مبينا في آيات أخر كقوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى) وقوله تعالى (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) الآية ... قوله تعالى (وإن الله لمع المحسنين) انظر سورة النحل قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 سورة الروم قوله تعالى (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)) غلبتهم فارس، ثم غلَبت الروم (في أدنى الأرض) في طرف الشام. قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا منصور والأعمش، عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يُحدّث في كندة فقال: يجيء دُخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا. فأتيتُ ابن مسعود وكان متكئا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) . وإن قريشا أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللهم أعنّى عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنَة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجلُ ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد، جئتَ تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله. فقرأ (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) إلى قوله (عائدون) أفيُكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء، ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى (يوم نبطش البطشة الكبرى) يوم بدر. و (لِزاما) يوم بدر (الم (1) غلبت الروم) إلى (سيغلبون) والروم قد مضى. (صحيح البخاري 8/370 - ك التفسير - سورة الروم ح4774) قال الترمذي: حدثنا الحسين بن حريث، حدثنا معاوية بن عَمْرو عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عَمْرة عن سعيد بن جبير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 عن ابن عباس في قول الله تعالى (الم (1) غلبْت الروم في أدنى الأرض) قال: غَلَبَت وغُلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبى بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله قال: أما إنهم سيَغلبون، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعلْ بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ألا جعلته إلى دون، قال: أُراه العَشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت الروم بعد. قال: فذلك قوله تعالى (الم غلبت الروم) إلى قوله (يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وإنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب ابن أبي عَمرة. (السنن 5/343-345 - ك التفسير، ب سورة الروم ح3193) ، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح2551) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/276) ، والنسائي (التفسير 2/149 ح409) ، والطبري (التفسير 21/16) ، والطبراني (المعجم الكبير 12/29 ح12377) ، والحاكم في (المستدرك 2/410) كلهم من طريق أبي إسحاق الفزاري له، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في حاشية (المسند ح2495) . قوله تعالى (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)) قال الشيخ الشنقيطي: وقوله تعالى (وعد الله) مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله قبله (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) إلى قوله (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) هو نفس الوعد كما لا يخفى، أي: وعد الله ذلك وعداً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ظاهرا من الحياة الدنيا) يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) من حرفتها وتصرفها وبغيتها (وهم عن الآخرة هم غافلون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 قوله تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) انظر سورة يوسف آية (109) وسورة كافر (82) . قوله تعالى (كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ ... ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَثَارُوا الْأَرْضَ) قال: حرثوا الأرض. قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى) يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب. قوله تعالى (اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) انظر سورة الأنبياء آية (104) . قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يبلس) قال: يكتئب. قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) قال: فرقة والله لا اجتماع بعدها (فأما الذين آمنوا) بالله ورسوله (وعملوا الصالحات) يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه (فهم في روضة يحبرون) يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون، ويلذذون بالسماع وطيب العيش الهني. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فهم في روضة يحبرون) قال يكرمون. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (يحبرون) ينعمون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 قوله تعالى (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) قاد الشيخ الشنقيطى: قد قدمنا في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أن قوله هنا (فسبحان الله حين تمسون) الآيتين من الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة الخمس. أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس وغيره قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون) قال: المغرب والعشاء (وحين تصبحون) الفجر (وعشيا) العصر (وحين تظهرون) الظهر. لقوله تعالى (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن قوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. قال ابن كثير: وقوله (ويحي الأرض بعد موتها) ، كقوله: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون) . وانظر سورة آل عمران آية (27) . قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) انظر حديث أبي موسى عند الآية (30) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن خلقكم من تراب) خلق آدم عليه السلام من تراب (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) يعني: ذريته. قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) قال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا حسين الجعفى، عن زائدة، عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً". (صحيح البخاري 9/160-161 - ك النكاح، ب الوصاة بالنساء ح5185-5186) . قال ابن كثير: وقوله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) ، أي: خلق لكم من جنسكم إناثا يكن لكم أزواجا، (لتسكنوا إليها) ، كما قال تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) يعني بذلك حواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) خلقها لكم من ضلع من أضلاعه. قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا) قال: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم. قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) قامتا بغير عبد (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) قال: دعاهم فخرجوا من الأرض. قال ابن كثير: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله: (أن الله يمسك السماء والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ اجتهد في اليمين يقول: "لا، والذي تقوم السماء من الأرض بأمره". أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 والسماوات، وخرجت الأموات من القبور أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم، ولهذا قال (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) كما قال تعالى (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) وقال تعالى (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) وقال (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون) . قوله تعالى ( ... كل له قانتون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كل له قانتون) أي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه. قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يُعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتّخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أُولد، ولم يكن لي كفواً أحد". (الصحيح 8/611 ح4974 - ك التفسير - سورة قل هو الله أحد) . وانظر آية (11) من السورة نفسها، وسورة الأنبياء آية (104) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وهو أهون عليه) قال: يقول: أيسر عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو أهون عليه) يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكل على الله هين. وفي بعض القراءة وكل على الله هين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وله المثل الأعلى في السماوات) يقول: ليس كمثله شيء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 قوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء) قال: مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته، فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه. قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تُنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) . (صحيح البخاري 8/372 ح4775 - ك التفسير - سورة الروم، ب (لا بديل لحلق الله)) ، (صحيح مسلم، 4/2047 - ك القدر، ب معنى كل مولود يولد على الفطرة ... ) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/341 ح132) ، والحاكم في (المستدرك 2/123) ، والضياء المقدسي في (المختارة 4/247-249 ح1444-1446) من حديث الأسود بن سريع - رضي الله عنه -، وفيه النهي عن قتل الذرية في الحرب، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَليس خياركم أولاد المشركين ... " وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وانظر حديث عياض بن حمار المتقدم عند الآية (168) من سورة البقرة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فطرة الله) قال: الدين الإسلام. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لا تبديل لخلق الله) ، قال: لدينه. قال ابن كثير: وقوله تعالى (ذلك الدين القيم) أي: التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 فلهذا لا يعرفه أكثر الناس، فهم عنه ناكبون، كما قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الآية. وقوله تعالى (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) وهم اليهود والنصارى. قوله تعالى (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) يقول: أم أنزلنا عليهم كتابا فهو ينطق بشركهم. قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) . قوله تعالى (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) خرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (فآت ذا القربى حقه) قال: إذا كان لك ذو قرابة مسلم تصله بمالك ولم تمش إليه برجلك فقد قطعته. وانظر سورة الإسراء آية (26) . وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان ذي القربى والمسكين وابن السبيل. قوله تعالى (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس) قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) قال: هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالا، وأكثر من ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم ثم يميتكم ثم يحييكم) للبعث بعد الموت. وانظر سورة البقرة آية (28) وغافر آية (11) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء) لا والله (سبحانه وتعالى عما يشركون) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان. قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) قال: هذا قبل أن يبعث الله نبيه محمداً امتلأت ضلالة وظلما فلما بعث الله نبيه رجع راجعون من الناس. قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) انظر سورة آل عمران آية (137) . قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأقم وجهك للذين القيم) الإسلام (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصّدعون) فريق في الجنة وفريق في السعير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 قوله تعالى (يومئذ يصّدعون) قال الشيخ الشنقيطي: أي يتفرقون فريقين: أحدهما في الجنة، والثاني: في النار. وقد دلت على هذا آيات من كتاب الله كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)) وقوله تعالى (وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يومئذ يصدعون) يقول: يتفرقون. قوله تعالى (فلأنفسهم يمهدون) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فلأنفسهم يمهدون) قال: يسوون المضاجع. قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ... ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (الرياح مبشرات) ، قال: بالمطر. قوله تعالى (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) انظر سورة البقرة آية (164) وسورة المؤمنون آية (22) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وليذيقكم من رحمته) قال: المطر قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيبسطه في السماء كيف يشاء) ويجمعه، قوله (ويجعله كسفا) يقول: ويجعل السحاب قطعا متفرقة، وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) يعني: المطر (يخرج من خلاله) يعني: من بين السحاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 قوله تعالى (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) ، أي: قانطين. قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انظر سورة الأعراف آية (57) . قوله تعالى (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) قال البخاري: حدثنا عثمان، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ " ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقول". فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنتُ أقول لهم هو الحق". ثم قرأت: (إنك لا تسمع الموتى) حتى قرأت الآية". (الصحيح/351 ح3980، 3981 - ك المغازي، ب قتل أبي جهل) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فإنك لا تسمع الموتى) هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) يقول: لو أن أصم ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) قال الشيخ الشنقيطي: قد بين تعالى الضعف الأول الذي خلقهم منه في آيات من كتابه، وبين الضعف الأخير في آيات أخر قال في الأول (ألم نخلقكم من ماء مهين) وقال (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) وقال تعالى (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) الآية. وقال (فلينظر الإنسان مم خلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 خلق من ماء دافق) وقال (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) إلى غير ذلك من الآيات. وقال في الضعف الثاني (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) وقال: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الذي خلقكم من ضعف) أي من نطفة (ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) الهرم (وشيبة) الشمط. ومعنى الشمط: الذي خالط شعره السواد والبياض. قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون) أي يكذبون في الدنيا، وإنما يعني بقوله (يؤفكون) عن الصدق، ويصدون عنه إلى الكذب. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا بعثوا يوم القيامة، وأقسموا أنهم ما لبثوا غير ساعة يقول لهم الذين أوتوا العلم والإيمان، ويدخل فيهم الملائكة، والرسل، والأنبياء، والصالحون: والله لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحا في سورة يس على أصح التفسيرين، وذلك في قوله تعالى (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) قال: هذا من مقاديم الكلام. وتأويلها: وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) أي: قد بينا لهم الحق، ووضحناه لهم، وضربنا لهم فيه الأمثال ليتبينوا الحق ويتبعوه (ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) ، أي: لو رأوا أي آية كانت سواء كانت، باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) . قوله تعالى (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) انظر سورة البقرة آية (7) لبيان الطبع على قلوبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 سورة لقمان قوله تعالى (الم (1)) انظر سورة البقرة آية (1) . قوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) انظر سورة آل عمران آية (58) . قوله تعالى (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) انظر سورة الإسراء آية (9) ، وانظر سورة النمل آية (2) . قوله تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) انظر سورة البقرة الآيات (3-5) . قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم) والله لعله أن لا ينفق فيه ماله، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع. أخرج الطبري بأسانيد بقوي بعضها بعضاً، عن جابر وغيره، في قوله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: هو الغناء والاستماع له. وذكره ابن كثير عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير، أو استماع إليهم، وإلى مثله من الباطل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ويتخذها هزوا) ، قال: سبيل الله. ا. هـ. أي ذكر سبيل الله كما ذكر الطبري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكافر إذا تُتلى عليه آيات الله، وهي هذا القرآن العظيم، ولى مستكبرا: أي متكبرا عن قبولها، كأنه لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا أي صمما وثقلا مانعا له من سماعها، ثم أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبشره بالعذاب الأليم. وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)) وقد قال تعالى هنا (كأن في أذنيه وقرا) على سبيل التشبيه وصرح في غير هذا الموضع أنه جعل في أذنيه الوقر بالفعل في قوله (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (في أذنيه وقرا) ، يقول: ثقلا. قوله تعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (خلق السماوات بغير عمد ترونها) قال: قال الحسن وقتادة: إنها بغير عمد ترونها، ليس لها عمد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وألقى في الأرض رواسي) : أي جبالا (تميد بكم) أثبتها بالجبال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كل زوج كريم) أي حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 قوله تعالى (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هذا خلق الله) ما ذكر من خلق السماوات والأرض، وما بث من الدواب، وما أنبت من كل زوج كريم، فأروني ماذا خلق الذين من دونه الأصنام الذين تدعون من دونه. قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولقد آتينا لقمان الحكمة) قال: الفقه والعقل والإصابة في القول من غير نبوة. قوله تعالى (أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) قال تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) سورة إبراهيم: 7. قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه (إن الشرك لظلم عظيم) ". (صحيح البخاري 8/372 - ك التفسير - سورة لقمان، ب (لا تشرك بالله ... ) ح4776) . قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ... ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (حملته أمه وهنا على وهن) أي: جهداً على جهد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". (السنن 4/255 ح4811 - ك الأدب، ب في شكر المعروف) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/339 ح1954) - ك البر والصلة، ب ما جاء في الشكر) من طريق عبد الله بن المبارك، وأحمد (المسند 2/295) من طلق يزيد، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 8/198-199 ح3407) من طريق عبد الرحمن بن بكر كلهم عن الربيع بن مسلم به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح وحسنه الهيثمي (مجمع الزوائد 8/181) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح1592 - السلسلة الصحيحة ح417) . وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم.، له شاهد من حدث أبي سعيد، أخرجه الترمذي في (الباب السابق ح1955) وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي ح1593) . قوله تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) انظر حديث سعيد بن أبي وقاص عند مسلم المتقدم في سورة المائدة آية (90) وفيه قصة امتناع أمه عن الطعام والشراب حتى يكفر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتبع سبيل من أناب إلي) أي: من أقبل إليّ. قوله تعالى (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل) من خير أو شر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فتكن في صخرة) أي في جبل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله لطيف خبير) أي: لطيف باستخراجها خبير بمستقرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 قوله تعالى (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) انظر سورة آل عمران آية (110) . قوله تعالى (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) قال مسلم: حدثنا مِنجاب بن الحارث التميمي وسُويد بن سعيد، كلاهما عن علي بن مسهر، قال منجاب: أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء". (صحيح مسلم 1/93 - ك الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه) . وانظر حديث ابن عمر المتقدم في الآية (32) من سورة الأعراف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولا تصعر خدك للناس) يقول: ولا تتكبر فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. قال الحاكم: أخبرني أحمد بن محمد العنزي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الأسود بن شيبان السدوسي، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله قال: كان يبلغني عن أبي ذر حديث فكنت أشتهي لقاءه فلقيته فقلت يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك قال: لله أبوك فقد لقيتني، قال: قلت حدثني بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثك قال: "إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة". قال فلا إخالني أكذب على خليلي قال: قلت من هؤلاء الذين يحبهم الله قال: رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً مجاهد فلقي العدو فقاتل حتى قتل وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ثم قرأ هذه الآية (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) قلت: ومن؟ قال: رجل له جار سوء يؤذيه فيصبر على إيذائه حتى يكفيه الله إياه إما بحياة أو موت، قلت: ومن؟ قال: رجل يسافر مع قوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 فأدلجوا حتى إذا كانوا من أخر الليل وقع عليهم الكرى والنعاس فضربوا رؤوسهم ثم قام فتطهر رهبة لله ورغبة لما عنده قلت: فمن الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال: المختال الفخور وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل (إن الله لا يحب كل مختال فخور) قلت: ومن؟ قال: البخيل المنان، قلت: ومن؟ قال: التاجر الحلاف أو البائع الحلاف. (المستدرك 2/88-89- ك الجهاد) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والحديث السابق شاهد لبعضه ولبعضه أيضاً شواهد في الصحيحين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) قال: نهاه عن التكبر قوله (إن الله لا يحب كل مختال فخور) متكبر ذي فخر. قوله تعالى (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واقصد في مشيك) قال: نهاه عن الخيلاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واغضض من صوتك) يقول: واخفض من صوتك فاجعله قصدا إذا تكلمت. أخرج البستي بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) قال: أنكر: أقبح. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) انظر سورة إبراهيم آية (32 و33) لبيان بعض المسخرات. أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعض بعضاً عن مجاهد (وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة) قال: لا إله إلا الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) انظر سورة الحج آية (3) . وقول الشيخ الشنقيطي لبيان الجدل بغير علم. قوله تعالى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) انظر سورة البقرة آية (112) لبيان ومن يسلم وجهه إلى الله، أي: يخلص لله تعالى. وانظر سورة البقرة آية (256) لبيان العروة الوثقى: الإسلام والإيمان. قوله تعالى (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) قال ابن كثير: ثم قال: (نمتعهم قليلا) أي: في الدنيا (ثم نضطرهم) أي: نلجئهم (إلى عذاب غليظ) أي: فظيع صعب مشق على النفوس، كما قال تعالى: (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) . قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) قال ابن كثير: وإنما ذكرت السبعة على وجهة المبالغة، ولم يرد الحصر ولا (أن) ثم سبعة أبحر موجودة تحيط بالعالم، كما يقوله من تلقاه من كلام الإسرائيليين التي لا تصدق ولا تكذب، بل كما قال تعالى في الآية الأخرى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) ، فليس المراد بقوله: (بمثله) أخر فقط، بل بمثله ثم بمثله ثم بمثله، ثم هلم جرا، لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته. وانظر سورة الكهف آية (109) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 قوله تعالى (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كنفس واحدة) يقول: كن فيكون للقليل والكثير. قال ابن كثير: وقوله تعالى (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) أي: ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة، الجميع هين عليه و (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ، (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) أي: لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة، فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكراره وتوكده: (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) . قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار) نقصان الليل في زيادة النهار (ويولج النهار في الليل) نقصان النهار في زيادة الليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى) يقول: لذلك كله وقت، وحدّ معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه. قوله تعالى (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) قال ابن كثير: (وإذا غشيهم موج كالظلل) أي: كالجبال والغمام (دعوا الله مخلصين له الدين) ، كما قال تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) ، وقال (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فمنهم مقتصد) قال: المقتصد في القول وهو كافر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كل ختار) قال: غدار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) انظر سورة البقرة آية (48) . قوله تعالى ( ... فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) قال ابن كثير: (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) ، أي: لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة (ولا يغرنكم بالله الغرور) يعني: الشيطان: قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك وقتادة. فإنه يغر ابن آدم ويعده ويمنه، وليس من ذلك شيء بل كما قال تعالى (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) . وانظر سورة النساء آية (120) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا يغرنكم بالله الغرور) ذاكم الشيطان. قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) قال الشيخ الشنقيطى: قد قدمنا في سورة الأنعام أن هذه الخمسة المذكورة في خاتمة سورة لقمان: أنها هي مفاتح الغيب الذكورة في قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) . قال البخاري: حدثني إسحاق، عن جرير، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوماً بارزاً للناس، إذ أتاه رجل يمشي فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، ورُسله، ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر. قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 لم تكن تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العُراة رُءوس الناس فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله (إن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغَيث ويعلم ما في الأرحام) . ثم انصرف الرجلُ، فقال: رُدوا عَلَيّ. فأخذوا ليُردوا فلم يروا شيئا، فقال: هذا جبريل جاء ليعلمَ الناس دينهم. (صحيح البخاري 8/373- ك التفسير - سورة لقمان، ب (الآية) ح4777) ، (صحيح مسلم 1/39-40 ح9، 10 - ك الإيمان، ب بيان الإيمان والإسلام والإحسان) . قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني عبد الله ابن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفسٌ بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله". (صحيح البخاري 13/374 - ك التوحيد، ب قول الله تعالى (عالم الغيب ... ) ح7379) . قوله تعالى (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) قال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري وعمر بن شبّة بن عبيدة قالا: ثنا عمر بن علي، أخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا كان أجل أحدكم بأرض، أوْثَبَتْهُ إليها الحاجة، فإذا بلغ أقصى أثره، قبضه الله سبحانه. فتقول الأرض، يوم القيامة: ربّ! هذا ما استودعتني". (السنن 2/1424 - الزهد، ب ذكر الموت والاستعداد له ح4263) ، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الحاكم في (المستدرك 1/41-42) من طريق عمر بن علي المقدمي ومحمد ابن خالد الوهبي وهشيم عن إسماعيل بن أبي خالد به. وقال: أسند هذا الحديث ثلاثة من الثقات. (مصباح الزجاجة 2/549) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/420) . ذكره ابن كثير (6/359) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله عنده علم الساعة) الآية، أشياء من الغيب استأثر الله بهن، فلم يطلع عليهن ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا (إن الله عنده علم الساعة) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر، أو ليل أو نهار (وينزل الغيث) فلا يعدم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أو نهاراً ينزل؟ (ويعلم ما في الأرحام) فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أم أنثى، أحمر أم أسود، أو ما هو؟ (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) خير أم شر ولا تدرى يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غداً، لعلك المصاب غداً؟ (وما تدري نفس بأي أرض تموت) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 سورة السجدة قوله تعالى (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه. قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) انظر سورة يونس آية (38) . قوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) قال: كانوا أمة أمية، لم يأتهم نذير قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) انظر سورة فصلت من آية (9-12) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم) من أيامكم (كان مقداره ألف سنة مما تعدون) يقول: مقدار مسيرة ألف سنة ما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمس مئة سنة نزوله، وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة. قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة) قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 قوله تعالى (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) انظر سورة الرعد آية (8) وتفسيرها. قوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) أخرج آدم ابن إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أحسن كل شيء خلقه) قال: أتقن كل شيء خلقه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي أحسن كل شي خلقه) حسن على نحو ما خلق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وبدأ خلق الإنسان من طين) وهو خلق آدم ثم جعل نسله: أي ذريته من سلالة من ماء مهين والسلالة هي الماء المهين الضعيف. قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) انظر سورة المؤمنون آية (13-14) . قوله تعالى (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أإذا ضللنا في الأرض) هلكنا في الأرض. قوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين، وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد كقوله تعالى (إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) الآية، وقوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) قال: ملك الموت يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمر بن سمرة عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: نظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ملك الموت، ارفق بصاحبي فإنه مؤمن". فقال ملك الموت: يا محمد، طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر، في بر ولا بحر، إلا وأنا أتصفحه في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. قال جعفر: بلغني أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك، ودفع عنه الشيطان، ولقنه الملك "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" في تلك الحال العظيمة. قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) لقد بيّن الله عز وجل أنهم لو أرجعهم الله تعالى إلى ما طلبوا لكذبوا كما في قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) سورة الأنعام: 27-28. قوله تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) قال: لو شاء الله لهدى الناس جميعا، لو شاء الله لأنزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين (ولكن حق القول مني) حق القول عليهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 قوله تعالى (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إنا نسيناكم) يقول تركناكم. وانظر سورة الجاثية آية (34) وتفسيرها. قوله تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) انظر سورة الفرقان آية (73) . قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أن هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) نزلت في انتظار هذه الصلاة التي تُدعى العَتمة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (السنن 5/346 ح3196 - ك التفسير، ب سورة السجدة) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن قتادة قال أنس في قوله (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قال: كانوا يتنفلون فيما بين المغرب والعشاء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) يقومون يصلون من الليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) قال: خوفا من عذاب الله، وطمعا في رحمة الله، ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله، وفي سبيله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 قوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تبارك وتعالى: أعدَدتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعيُن) . وحدثنا علي حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال الله.. -مثله- قيل لسفيان رواية؟ قال: فأي شيء؟ وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قرأ أبو هريرة: "قرّات أعين". (صحيح البخاري 8/375 - ك التفسير - سورة السجدة، ب (الآية) ح4779) ، (وصحيح مسلم 4/2178 ح2824 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها) . قال مسلم: حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي، حدثنا سفيان بن عيينة عن مطرف وابن أبجر، عن الشعبي، قال: سمعت المغيرة بن شعبة، رواية إن شاء الله. ح وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان. حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد. سمعا الشعبي يُخبر عن المغيرة بن شعبة؛ قال: سمعته على المنبر، يرفعه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وحدثي بشر بن الحكم. واللفظ له. حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا مطر وابن أبجر. سمعا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يُخبر به الناس على المنبر. قال سفيان: رفعه أحدهما (أُراه ابن أبجر) قال: "سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلةً؟ قال: هو رجلٌ يجيءُ بعد ما أُدخل أهل الجنة الجنة، فيُقال له: ادْخل الجنة. يقول: أي رب! كيف؟ وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيُقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ، ربِّ! فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله. فقال في الخامسة: رضيتُ، ربِّ! فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله. ولك ما اشتهتْ نفسك ولذّتْ عينُك. فيقول: رضيتُ، ربِّ! قال: ربِّ! فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أردتُ غرستُ كرامتهم بيدي. وختمتُ عليها. فلم تر عين ولم تسمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 أذن ولم يخطر على قلب بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل (فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين) الآية. (صحيح مسلم 1/176 - ك الإيمان، ب أدنى أهل الجنة ح189) . قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من يدخل الجنة ينعم لا ييأس. لا تبلى ثيابه ولا يفني شبابه". (صحيح مسلم 4/2181 - ك الجنة وصفة نعيمها ... ، ب في دوام نعيم أهل الجنة ... ح2836) . قوله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) قال: لا والله ما استووا في الدنيا، ولا عند الموت ولا في الآخرة. قوله تعالى (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) انظر سورة النجم آية (14-15) لبيان أن جنة المأوى عند سدرة المنتهى وهي التي ورد وصفها في بداية سورة الإسراء. قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما الذين فسقوا) أشركوا (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) والقوم مكذبون كما ترون. قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) يقول: مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها مما يبتلي الله به العباد حتى يتوبوا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (دون العذاب الأكبر) يوم القيامة في الآخرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لعلهم يرجعون) أي: يتوبون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) انظر سورة الكهف آية (57) . قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أبي العالية، حدثنا ابن عم نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام رجل آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، وأري مالك خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) قال: كان قتادة يفسرها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لقي موسى عليه السلام. (الصحيح 1/151-152- ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ح165) ، (وأخرجه البخاري 6/314- ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين ح3239) وليس في روايته قال: كان قتادة يفسرها..الخ، وأخرجه الطبري أيضاً في تفسيره 21/112) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل. قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) قال: رؤساء في الخير. قوله تعالى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أولم يهد لهم) يقول: أولم يبين لهم. قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) انظر سورة البقرة آية (113) ، وسورة الجاثية آية (17) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) عاد وثمود وأنهم إليهم لا يرجعون. قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إلى الأرض الجرز) قال: الجرز: التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول. قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة هو الحكم والقضاء، وقد جاءت آيات تدل على أن الفتح الحكم، كقوله تعالى عن نبيه شعيب (على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) أي احكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (يوم الفتح) قال: الفتح: القضاء. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (يوم الفتح) يوم القيامة. قوله تعالى (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وانتظر إنهم منتظرون) جاء معناه موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) ومعلوم أن التربص هو الانتظار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) يعني: يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 سورة الأحزاب قال أبو داود الطيالسي: حدثنا ابن فضالة عن عاصم عن زر قال: قال لي أبي ابن كعب: يا زر كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ قال: قلت كذا وكذا آية. قال: إن كنا لنضاهي سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله ورسوله) فرفع فيما رفع. (المسند (35 ح540) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/273 ح4428 من طريق حماد بن سلمة) ، والحاكم (المستدرك 4/359 من طريق حماد بن زيد) ، والضياء المقدسي (المختارة 3/370-372 ح1164-1166 من طريق حماد بن زيد ومسعر) ، كلهم عن عاصم نحوه. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصحح إسناده محقق المختارة. وحسن إسناده ابن كثير (التفسير 6/376) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) انظر سورة الكهف آية (28) وسورة الأنعام آية (116) . قوله تعالى (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتبع ما يوحى إليك من ربك) أي: هذا القرآن. قوله تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) انظر سورة آل عمران آية (173) . قوله تعالى ( ... وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ) قال الشيخ الشنقيطى: وقد بين الله جل وعلا في قوله هنا (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) ، أن من قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي: لا تكون أماً له بذلك،: ولم يزد هنا على ذلك، ولكنه أوضح هذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 في سورة المجادلة، فبين أن أزواجهم اللائي ظاهروا لم منهن لسن أمهاتهم وأن أمهاتهم هن النساء اللائي ولدنهم خاصة دون غيرهن، وأن قولهم: أنت علي كظهر أمي منكر من القول وزور. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) : أي ما جعلها أمك، فإذا ظاهر الرجل من امرأته، فإن الله لم يجعلها أمه، ولكن جعل فيها الكفارة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أدعياءكم أبناءكم) قال: نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبناه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) وما جعل دعيك ابنك، يقول: إذا دعى رجل رجلا وليس بابنه (ذلكم قولكم بأفواهكم) . قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن أبا حذيفة -وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنّى سالماً وأنكحه بنت أخيه هنداً بنت الوليد بن عتبة - وهو مولى لامرأة من الأنصار - كما تبنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيداً، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى (ادعوهم لآبائهم) فجاءت سهلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - … فذكر الحديث. (صحيح البخاري 7/365 ح4000 - ك المغازي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 قال مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ترغبوا عن آبائكم. فمن رغب عن أبيه فهو كفر". (صحيح مسلم 1/80 ك الإيمان، ب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم ح62) . وأخرجه البخاري من عمر (الصحيح - الفرائض، ب من ادعى لغير أبيه ح6768) . قال البخاري: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا موسى بن عقبة، قال حدثني سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن زيد ابن حارثة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كنّا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) . (صحيح البخاري 8/377 ك التفسير - سورة الأحزاب، ب (الآية) ح4782) ، (صحيح مسلم 4/884 ح2425 ك فضائل الصحابة، ب فضائل زيد بن حارثة) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا أبان بن زيد، ح وحدثني إسحاق بن منصور (واللفظ له) أخبرنا حبان بن هلال، حدثنا أبان، حدثنا يحيى؛ أن زيداً حدثه؛ أن أبا سلام حدثه؛ أن أبا مالك الأشعري حدثه؛ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب". (الصحيح 2/644 ح934 - ك الجنائز، ب التشديد في النياحة) . قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد العزيز بن عبد الله، ثنا سليمان ابن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كفر بامرئ ادّعاء نسب لا يعرفه، أو جحده، وإن دقّ". (السنن 2/916 ح2744 - ك الفرائض، ب من أنكر ولده) وأخرجه أحمد (المسند 2/215) من طريق، المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب به. قال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده صحيح. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجة ح2216) . وحسنه السيوطي (الجامع الصغير بشرح فيض القدير 5/7 ح6262) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) : أي أعدل عند الله (فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) فإن لم تعلوا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) يقول: إذا دعوت الرجل لغير أبيه، وأنت ترى أنه كذلك (ولكن ما تعمدت قلوبكم) يقول الله: لا تدعه لغير أبيه متعمدا. أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به (ولكن يؤاخذكم بما تعمدت قلوبكم) . وانظر سورة البقرة آية (233) لبيان جناح أي: حرج. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (تعمدت قلوبكم) قل: فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره. وانظر سورة المائدة آية (89) . قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) قال البخاري: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فُليح، حدثنا أبي عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِن مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرءوا إن شئتم (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته مَن كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه". (صحيح البخاري 8/377 ك التفسير - سورة الأحزاب - ح4781) . قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا أبو صفوان الأموي عن يونس الأيلي، ح وحدثني حرملة بن يحيى (واللفظ له) . قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُؤتى بالرجل الميت، عليه الدين. فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ " فإن حُدِّث أنه ترك وفاءً صلى عليه. وإلا قال: "صلوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 على صاحبكم" فلما فتح الله علية الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن توفِّي وعليه دين فعليّ قضاؤه. ومن ترك مالا فهو لورثته". (صحيح مسلم 3/1237 ك الفرائض، ب من ترك مالا فهو لورثته) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) قال: هو أب لهم. قوله تعالى ( ... وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) يعظم بذلك حقهن. وانظر سورة الأنفال آية (75) لبيان أولوية الأرحام. قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) قال: إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) قال: حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المهاجرين والأنصار، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم. قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) قال: أخذ الله ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضاً. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) قال: في ظهر آدم. قوله تعالى (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليسأل الصادقين عن صدقهم) قال: المبلغين المؤدين من الرسل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ... ) قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، جميعاً عن جرير، قال زهير: حدثنا جرير عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن، أبيه، قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاتلت معه وأبليت. فقال حذيفة: أنت كنتَ تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقرٌّ ... (الصحيح 3/1414-1415 ح1788، ك الجهاد - ب غزوة الأحزاب) . قال البخاري: حدثنا مسلم قال: حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدبور". (صحيح البخاري 2/604 ح1035 - ك الاستسقاء، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُصرت بالصبا) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إذ جاءتكم جنود) قال: الأحزاب: عيينة بن بدر، وأبو سفيان بن حرب، وقريظة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها) قال: هي الملائكة. قوله تعالى (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) قال البخاري: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) . قالت: كان ذاك يوم الخندق. (الصحيح 7/461 - ك المغازي، ب غزوة الخندق ... ) وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2316 ح3020- ك التفسير) . قال أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا الزبير بن عبد الله، حدثني ربيح بن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قلنا يوم الخندق: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 يا رسول الله، هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: "نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا". قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح. (المسند 3/3) وأخرجه الطبري (التفسير 21/127) عن ابن المثنى، عن أبي عامر به. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار، وقال: وإسناد البزار متصل ورجاله ثقات، وكذلك رجال أحمد، إلا أن في المسند: عن ربيح بن أبي سعيد عن أبيه، وهو في البزار: عن أبيه عن جده (مجمع الزوائد 10/136) . وهو في الطبري على الصواب كما في البزار، وأصلحنا إسناد أحمد حتى يوافقهما. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إذ جاءوكم من فوقكم) قال عيينة بن بدر في أهل نجد: (ومن أسفل منكم) ، قال أبو سفيان: قال: وواجهتهم قريظة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا زاغت الأبصار) : شخصت. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر) قال: شخصت من مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن (وتظنون بالله الظنونا) قال: ظنونا مختلفة: ظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، إنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون. قوله تعالى (هنالك ابتلي المؤمنون) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (هنالك ابتلي المؤمنون) قال: محصوا. قوله تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) أخرج آدم بن أبي إياس بمسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال: تكلمهم بالنفاق يومئذ وتكلم المؤمنون بالحق والإيمان (ما وعدنا الله ورسوله) . وانظر سورة البقرة آية (10) لبيان في قلوبهم مرض أي: شك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً) قال ناس من المنافقين: يعدنا محمد أنا نفتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله، ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً. قوله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد". (الصحيح 4/87 ح1871 - ك فضائل المدينة، ب فضل المدينة وأنها تنفي الناس) . وأخرجه مسلم (الصحيح 2/1006 ح1382، ك الحج، ب المدينة تنفي شرارها) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن بيوتنا عورة) قال: نخشى عليها من السرق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) وإنها مما يلي العدو، وإنا نخاف عليها السراق، فبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يجد بها عدوا، قال الله (إن يريدون إلا فرارا) يقول: إنما كان قولهم ذلك (إن بيوتنا عورة) إنما كان يريدون بذلك الفرار. قوله تعالى (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو دخلت عليهم من أقطارها) أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة (ثم سئلوا الفتنة) أي الشرك (لأتوها) يقول: لأعطوها، (وما تلبثوا بها إلا يسيرا) يقول: إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتسبونه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 قوله تعالى (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) وإنما الدنيا كلها قليل. قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (هلم إلينا) قال: قال المنافقون: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، وهو هالك ومن معه، هلم إلينا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أشحة عليكم) في الغنيمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) أما عبد الغنيمة، فأشح قوم وأسوأ مقاسمة، أعطونا فإن قد شهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي عن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (سلقوكم بألسنة حداد) قال: استقبلوكم. قوله تعالى (يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) قال: يحسبونهم قريبا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يسألون عن أنبائكم) قال: أخباركم. قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما دخل ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره لا الدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 فقال: إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت، فلو أقمتَ. فقال: قد خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فإن حِيل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ثم قال: أشهدكم أني قد أوجبت مع عُمرتي حجًّا. قال: ثم قدم فطاف لهما طوافا واحداً. (الصحيح 3/577 ح1639 - ك الحج، ب طواف القارن) ، وأخرجه مسلم (2/903 ح1639، 1640، 1708، 1729) . قوله تعالى (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة فقال (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله (متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) هذا والله البلاء والنقص الشديد، وإن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رأوا ما أصابهم من الشدة والبلاء (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) وتصديقا بما وعدهم الله، وتسليما لقضاء الله. قوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) قال مسلم: وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا بهز حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: قال أنس: عمِّى الذي سُميت به لم يشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً. قال: فشق عليه. قال: أول مشهد شهده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُيّبت عنه. وإن أراني الله مشهداً، فيما بعد، مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد. قال: فاستقبل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمر! أين؟ فقال: واهاً لريح الجنة. أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتى قُتل. قال: فوُجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. قال فقالت أخته: عمتي الرُّبيّع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه. ونزلت هذه الآية: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل) قال: فكانوا يُرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه. (صحيح مسلم 3/1512 - ك الإمارة، ب ثبوت الجنة للشهيد) ، (صحيح الطبري 8/377 ح4783 - ك التفسير - سورة الأحزاب - الآية) . قال الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير، عن طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما طلحة: أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلىّ ثياب خضر، فلما رآني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أين السائل عمن قضى نحبه"؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: "هذا ممن قضى نحبه". (السنن 5/350 ح3203 - ك التفسير، ب ومن سورة الأحزاب) ، وأخرجه أبو يعلى مسنده (2/26 ح663) ، والطبري في تفسيره (21/147) كلاهما بإسناد الترمذي ولفظه. قال الإمام الترمذي عقبه: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكر. وقال الشيخ الألباني: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، غير أن طلحة بن يحيى تكلم فيه بعضهم من أجل حفظه، وهو مع ذلك لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، ولم ينفرد بالحديث ... وذكر له متابعات وشواهد (السلسلة الصحيحة 1/ رقم 125) . قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد، ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجي، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الأعلى ابن عبد الله بن أبي فروة، عن قطن بن وهيب، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذره - رضي الله عنه - قال: لما فرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحد مرّ على مصعب الأنصاري مقتولاً على طريقة فقرأ (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية. (المستدرك 3/200 - ك معرفة الصحابة. وقال، صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمنهم من قضى نحبه) قال: عهده فقتل أو عاش (ومنهم من ينتظر) يوم فيه جهاد، فيقضى نحبه عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما بدلوا تبديلا) يقول: ما شكوا وما ترددوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره. قوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم) يقول: إن شاء أخرجهم من النفاق إلى الإيمان. قوله تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وأنه كفى المؤمنين القتال وهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه. ولم يبين هنا السبب الذي رد به الذين كفروا وكفى به المؤمنين القتال ولكنه جل وعلا بين ذلك في قوله (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) أي وبسبب تلك الريح، وتلك الجنود ردهم بغيظهم وكفاكم القتال كما هو ظاهر. قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت سليمان بن صرد يقول: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول حين أجلى الأحزاب عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم". (الصحيح 7/467، ح4110 - ك المغازي، ب غزوة الخندق وهي الأحزاب) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) الأحزاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً) وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيراً (وكفى الله المؤمنين القتال) بالجنود من عنده، والريح التي بعث إليهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 قال ابن خزيمة: نا بندار، ثنا يحيى، ثنا ابن أبي ذئب، ثنا سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هويا، وذلك قبل أن ينزل في القتال، فلما كفينا القتال، وذلك قول الله عز وجل: (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) . فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالاً، فأقام -يعني الظهر- فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها. (الصحيح 2/99 ك الصلاة، ب ذكر فوات الصلوات والسنة في قضائها) وقال الألباني: إسناده صحيح. وأخرجه أحمد في (مسنده 3/25) ، والدارمي في (سننه 1/358) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/147 ح2890) وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه النسائي (السنن 2/17) ، والشافعي في مسنده (ص32 ح118) كلهم من طريق ابن أبي ذئب به، ونقل ابن الملقن عن البيهقي قوله: ورواة هذا الحديث كلهم ثقات. وقال ابن الملقن: صحيح (البدر المنير ص767 ح290) تحقيق إقبال أحمد رسالة ماجستير. وقال ابن حجر: صححه ابن السكن (التلخيص الحبير 1/195) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكان الله قوياً عزيزاً) ، قوياً في أمره، عزيزاً في نقمته. قوله تعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني، كلاهما عن ابن نمير. قال ابن العلاء: حدثنا ابن نمير، حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة. قالت: أُصيب سعد يوم الخندق. رماه رجل من قرش -يقال له: ابن العرقة- رماه في الأكحل. فضرب عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيمة في المسجد يعوده من قريب. فلما رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الخندق وضع السلاح. فاغتسل. فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار. فقال: وضعتَ السلاح؟ والله! ما وضعناه. اخرُج إليهم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فأين"؟ فأشار إلى بني قريظة. فقاتلهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 فنزلوا على حكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فردّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحكم فيهم إلى سعد. قال: فإني أحكم فيهم أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى الذرية والنساء، وتُقسم أموالهم. (صحيح مسلم 3/1389 ك الجهاد والسير، ب جواز قتال من نقض العهد ... ح1769) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) قال: قريظة، يقول: أنزلهم من صياصيهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) وهم بنو قريظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين في الله. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من صياصيهم) يقول: أنزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة قوله (من صياصيهم) أي من حصونهم وآطامهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فريقا تقتلون) الذين ضربت أعناقهم (وتأسرون فريقا) الذين سبوا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأرضا لم تطئوها) قال: قال الحسن: هي الروم وفارس، وما فتح الله عليهم. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاءها حين أمر الله أن يخيّر أزواجه، فبدأ بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت ثم قال: إن الله قال: (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. (صحيح البخاري 8/379 ح4785 - ك التفسير - سورة الأحزاب، ب (قل لأزواجك إن كن تردن الحياة الدنيا ... ) ، (صحيح مسلم 2/1103 ح1475 ك الطلاق، ب بيان أن تخير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية. بزيادة "قالت: ثم فعل أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما فعلت") . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) .. إلى قوله (أجرا عظيما) قال: قال الحسن وقتادة: خيرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار في كل شيء كن أردنه في الدنيا. قوله تعالى (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. قوله تعالى (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي من يطع منكن الله ورسوله (وأعتدنا لها رزقا كريما) وهى الجنة. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ومن يقنت منكن لله ورسوله) قال: كل قنوت في القرآن طاعة. قوله تعالى (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) يعني نساء هذه الأمة. قوله تعالى (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) قال: نفاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) قال: قال عكرمة: شهوة الزنا. قوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام عن قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان". (السنن 3/467 ك الرضاع) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/93 ك الصلاة، ب اختيار صلاة المرأة في بيتها ح1686) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 12/412 ح5598) كلاهما من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة به، وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال: رجاله موثقون (مجمع الزوائد 2/35) . وأخرجه ابن خزيمة في الباب السابق برقم (1685) عن: همام، عن قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص به. قال الألباني معلقا: إسناده صحيح. وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 6/266 ح9193) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) أي: إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج يعني بذلك الجاهلية الأولى فنهاهن الله عن ذلك. قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ لأبي بكر) قال: حدثنا محمد بن بشر عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة. قالت: قالت عائشة: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة وعليه مِرْط مرحل، من شعر أسود. فجاء الحسن بن علي فأدخله. ثم جاء الحسين فدخل معه. ثم جاءت فاطمة فأدخلها. ثم جاء علي فأدخله. ثم قال (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) . (صحيح مسلم 4/1883 ك فضائل الصحابة، ب فضائل أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ح2424) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 قال الحاكم: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، ثنا الحسين بن الفضل البجلي، ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، أخبرني حميد وعلي بن زيد، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: "الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". (المستدرك 3/158 - ك معرفة الصحابة، قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فهل أهل بيت طهرهم الله من السوء، وخصهم لرحمة منه. قوله تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) : أي السنة، قال: يمتن عليهم بذلك. قوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) قال النسائي: أنا محمد بن معمر، نا المغيرة بن سلمة أبو هشام المخزومي، نا عبد الواحد بن زياد، نا عثمان بن حكيم، لا عبد الرحمن بن شيبة، قال: سمعت أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: قلتُ للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال، قالت: فلم يَرُعْنِي ذات يوم ظُهرا إلا نداؤُه على المنبر، وأنا أُسرّح رأسي، فلففت شعري، ثم خرجت إلى حجرة بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول على المنبر: يا أيها الناس، إن الله يقول في كتابه (إن المسلمين والمسلمات) إلى آخر الآية (أعد الله لهم مغفرة وأجر عظيماً) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 (التفسير 2/173 ح425) ، وأخرجه أحمد (المسند 6/301، 305) عن يونس وعفان عن عبد الواحد في زياد به. والطبري (التفسير 22/9) بإسناد النسائي، وله طريق آخر عن أم سلمة، فأخرجه النسائي (التفسير ح424) ، والطبري (التفسير 22/8) ، والطبراني في الكبير (23/263 ح554) وغيرهم من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أم سلمة به. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/416) من طريق: ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة به. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. أخرجه الترمذي وحسنه وصححه الألباني (السنن 5/354 - ك التفسير، ب سورة الأحزاب ح3211) . وحسنه الحافظ ابن حجر بعد أن خرجه بطرقه وشواهد (موافقة الخبر الخبر 2/21-25) وقال النووي: إسناده صحيح (انظر تخريج أحاديث الكشاف 3/109) وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 1/277 ح434) . قوله تعالى (والمتصدقين والمتصدقات) انظر حديث البخاري تحت الآية رقم (33) من سورة يوسف. قوله تعالى (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) قال مسلم: حدثنا أمية بن بسطام العيشي، حدثنا يزيد (يعني ابن زريع) حدثنا روح بن القاسم عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في طريق مكة. فمرّ على جبل يُقال له جُمدان قال: "سيروا. هذا جُمدان. سبق المفردون" قالوا: وما المفرّدون؟ يا رسول الله! قال: "الذاكرون الله كثيرا، والذاكرات". (صحيح مسلم 4/2062 - ك الذكر والدعاء، ب الحث على ذكر الله تعالى ح2676) . قال ابن ماجة: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبان أبو معاوية، عن الأعمش، عن علي بن الأقمر، عن الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات". (السنن - 1/423 إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل ح1335) . أخرجه أبو داود (السنن 2/70 - الصلاة، ب الحث على قيام الليل) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/223) ، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/1316) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 قوله تعالى (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) قال: زينب بنت جحش وكراهتها نكاح زيد بن حارثة حين أمرها به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود بهذا الإسناد نحو حديث ابن علية. وزاد: قالت: ولو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - كاتماً شيئاً مما أُنزل عليه لكتم هذه الآية: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) . (الصحيح 1/160 ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى ... ) بعد رقم 177. وحديث ابن علية الذي أحال عليه مسلم هو قول عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن قد أعظم على الله الفرية) . قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا معلى بن منصور عن حماد ابن زيد، حدثنا ثابت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن هذه الآية (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة. (صحيح البخاري 8/383 ك التفسير - سورة الأحزاب، ب (الآية) ح4787) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه أعتقه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه) قال: وكان يخفي في نفسه ودّ أنه طلقها، قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها قوله (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) ولو كان نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) قال: خشي نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالة الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) يقول: إذا طلقوهن، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنى زيد بن حارثة. قال مسلم: حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا بهز، ح وحدثتي محمد ابن رافع، حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم. قالا جميعا: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس. وهذا حديث بهز قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزيد: "فاذكرها عليّ"، قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهى تُخمّر عجينها. قال: فلما رأيتها عظمت في صدري. حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرها. فولّيتها ظهري ونكصتُ على عقبي. فقلت: يا زينب! أرسلَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكركِ. قالتْ: ما أنا بصانعة شيئا حتى أُوامر ربي. فقامت إلى مسجدها. ونزل القرآن. وجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخل عليها بغير إذن قال فقال: ولقد رأيتُنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعمنا الخبز واللحم حين امتدّ النهار. فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام. فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واتبعته. فجعل يتتبع حُجر نسائه يُسلم عليهن. ويقلن: يا رسول الله! كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتى دخل البيت. فذهبتُ أدخلُ معه فألقَى الستر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووُعظ القوم بما وُعظوا به. زاد ابنُ رافع في حديثه (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) إلى قوله (والله لا يستحيي من الحق) . (صحيح مسلم 2/1048-1049 ح1428 - ك النكاح، ب زواج زينب بنت جحش) . قوله تعالى (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه) أي: أحل الله له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 قوله تعالى ( ... وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا … ) انظر الآية رقم (8) من هذه السورة. قوله تعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب، ثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد قال؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحقر أحدكم نفسه" قالوا: يا رسول الله! كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: "يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه. فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس. فيقول: فإياي كنتَ أحق أن تخشى". (السنن 2/1328 ح4008 ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . قال البوصيري في زوائد ابن ماجة: إسناده صحيح رجاله ثقات. وأخرجه أحمد (المسند 3/30) عن ابن نمير عن الأعمش به. وأخرجه أحمد (المسند 3/84، 92) ، وأخرجه الترمذي (4/483 ح191 وقال: حسن صحيح) وابن حبان (الإحسان 1/511-512 ح278) ، والبيهقي (السنن 10/90) من طرق: عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: "لا يمنعن أحدكم مخافة أن يتكلم بحق إذا رآه أو عرفه". وصحح إسناده الألباني (صحيح سنن ابن ماجة ح3237 وصححه الأرناؤوط في حاشية الإحسان) . قوله تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله ابن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". (صحيح البخاري 6/645 ح3535 - ك المناقب، ب خاتم النبيين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . صحيح مسلم 4/1791 ح2287 - ك الفضائل، ب ذكر كونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبيين نحوه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة قوله (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) قال: نزلت في زيد، إنه لم يكن بابنه، ولعمري ولقد ولد له ذكور، إنه لأبو القاسم وإبراهيم والطيب والمطهر (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) أي: آخرهم (وكان الله بكل شيء عليما) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (اذكروا الله ذكرا كثيرا) يقول: لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، قال (اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) بالليل والنهار في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال وقال (وسبحوه بكرة وأصيلا) فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله عز وجل (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) . أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وسبحوه بكرة وأصيلا) صلاة الغداة، وصلاة العصر. قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ... ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يُحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمْه. لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة". (صحيح البخاري 2/167 ح659 - ك الأذان، ب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة..) . وأخرجه مسلم بنحوه (1/459) ك المساجد، ب فضل صلاة الجمعة ... ح273، 274) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 قوله تعالى (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (تحيتهم يوم يلقونه سلام) قال: تحية أهل الجنة السلام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأعد لهم أجرا كريما) أي: الجنة. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فُليح، حدثنا هلال، عن عطاء ابن يسار قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلتُ: أخبرني عن صفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التوراة، قال: أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وحِرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: "لا إله إلا الله ويُفتح بها أعين عميٌ وآذان صم وقلوب غلف". تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال عن عطاء عن ابن سلام. غُلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف إذا لم يكن مختوناً. (الصحيح 4/402 ح2125 - ك البيوع، ب كراهية السخب في الأسواق) . قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا أبو سهل بشر بن سهل اللباد، ثنا عبد الله بن صالح المصري، حدثني معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال عن عرباض بن سارية - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وأبي منجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي آمنة التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأت حين وضعته له الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/418، ك التفسير وصححه الذهبي) . وفي إسناده سعد بن سويد تكلم فيه ولكن له تابعات وشواهد ذكرها الزميل د. عبد الله محمد شفيع (في رسالة الماجستير بعنوان: دراسة مرويات الصحابة سهل بن سعد والعرباض بن سارية وثوبان في مسند أحمد ص 495-500) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) على أمتك بالبلاغ، ومبشرا بالجنة، (ونذيراً) بالنار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وداعيا إلى الله) إلى شهادة أن لا الله إلا الله. قوله تعالى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) لم يبين هنا المراد بالفضل الكبير في هذه الآية الكريمة ولكنه بينه في سورة الشورى في قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) . قوله تعالى (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ودع أذاهم) قال: أعرض عنهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ودع أذاهم) قال: اصبر على أذاهم. انظر سورة الكهف آية (28) وسورة الأنعام آية (116) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب، ثنا هشيم، أنبأنا عامر الأحول، ح وحدثنا أبو كريب، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن الحارث، جميعا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا طلاق فيما لا يملك". (السنن 1/660 ح2047 - الطلاق، ب لا طلاق قبل النكاح) . أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود من طريق عمرو بن شعيب به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب (السنن 2/189، 190) (السنن - أبواب الطلاق، ب ما جاء لا طلاق قبل النكاح) (السنن - الطلاق، ب في الطلاق قبل النكاح) . وقال الألباني: وإسناده حسن للخلاف المعروف في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (الإرواء 6/173) . وأخرجه الحاكم من حديث جابر وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/204) وقال الخطابي: حسن. وصححه ابن الملقن (خلاص البدر المنبر 2/221) وله شواهد ذكرها الحافظ ابن حجر (التلخيص الحبير 3/210-212) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) فهذا الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه، ولا عدة عليها أن تتزوج من شاءت، ثم يقرأ (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلاً) يقول: إن كان سمى لها صداقا، فليس لها إلا النصف، إن لم يكن سمى لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره وهو السراح الجميل. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان سمعت أبا حازم يقول: سمعت سهل بن سعد الساعدي، يقول: إني لفي القوم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 إذ قات امرأة فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فرَ فيها رأيك. فلم يُجبها شيئاً. ثم قامت فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فرَ فيها رأيك. فلم يجبها شيئا. ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك، فر فيها رأيك. فقام رجل فقال؟ يا رسول الله، أنكحنيها. قال: "هل عندك من شيء"؟ قال: لا، قال: "اذهبْ فاطلب ولو خاتماً من حديد". فذهب وطلب، ثم جاء فقال: ما وجدتُ شيئاً، ولا خاتما من حديد. قال: "هل معك من القرآن شيء"؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا. قال: "اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن". (صحيح البخاري 9/112 ح5149 - ك النكاح، ب الترويج على القرآن وبغير صداق) وأخرجه مسلم في (صحيحه ح1425 - ك النكاح، ب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن) . قال الطبري: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، عن زياد، قال لأبي بن كعب: هل كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو مات أزواجه أن يتزوج؟ قال: ما كان يحرم عليه ذلك، فقرأت عليه هذه الآية (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) قال: فقال: أحل له ضربا من النساء، وحرّم عليه ما سواهن، أجل له كل امرأة آتى أجرها، وما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته، وكل امرأة وهبت نفسها له إن أراد أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين. (التفسير 22/29) وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 3/376 ح1171) ، من طريق: إسماعيل عن داود بن أبي هند به، قال محققه: إسناده حسن) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أزواجك اللائي آتيت أجورهن) قال: صدقاتهن. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) بغير صداق، فلم يفعل ذلك، وأحل له خاصة من دون المؤمنين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (خالصة لك من دون المؤمنين) ، يقول: ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر إلا للنبي، كانت له خالصة من دون الناس، ويزعمون أنها نزلت في ميمونة بنت الحارث أنها التي وهبت نفسها للنبي. قال الطبري: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن خولة بنت حكيم بن الأوقص من بنى سليم، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال ابن حجر: علقه البخاري ووصله أبو نعيم من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن هشام أبيه عن عائشة وأخرجه الطبراني من طريق يعقوب عن محمد بن هشام به. (الإصابة 4/291) وسنده ثابت. أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة، قوله (قد علمنا ما فرضا عليهم في أزواجهم) قال: كان مما فرض الله عليهم أن لا تزوج امرأة إلا بولي وصداق عند شاهدي عدل ولا يحل لهم من النساء إلا أربع، وما ملكت أيمانهم. قوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا) قال البخاري: حدثنا حِبّان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم الأحول عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أُنزلت هذه الآية (ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) فقلتُ لها: ما كنتِ تقولين؟ قالت كنت أقول له: إن كان ذاك إليّ فإني لا أريد يا رسول الله أن أُوثر عليك أحداً. تابعه عباد بن عباد سمعَ عاصما، (صحيح البخاري 8/385 - ك التفسير - سورة الأحزاب ح4789) صحيح مسلم (2/1103 ح1476 - ك الطلاق، ب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية) . قال مسلم: حدثنا أبو كريب محمد بن العَلاء، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. قالت: كنتُ أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقول: وتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله عز وجل: (ترجى من تشاء منهن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت) قالت: قلت: والله! ما أرى ربك إلا يُسارع لك في هواك. (صحيح مسلم 2/1085 - ك الرضاع، ب جواز هبتها نوبتها لضرتها. ح1464) . وأخرجه البخاري (الصحيح - ك النكاح، ب هل للمرأة تهب نفسها 9/164 ح5113) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ترجي من تشاء منهن) يقول: تؤخر. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ترجي من تشاء منهن) قال: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء (وتؤوي إليك من تشاء) قال: تردها إليك من شئت ممن ترجى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قال: جميعاً هذه في نسائه، إن شاء أتى من شاء منهن، ولا جناح عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) إذا علمن أن هذا جاء من الله لرخصة، كان أطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن. قوله تعالى (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا أبو هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي قال: حدثنا وُهيب قال: حدثنا ابن جريح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة قالت: ما تُوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء. (السنن 6/56 - ك النكاح، ب ما افترض الله عز وجل على رسوله وحرمه على خلقه) ، أخرجه الترمذي (5/356 - التفسير، وحسنه وصححه الألباني في صحيح السنن. وأخرجه الدارمي في (سننه 2/154 - ك النكاح، ب قول الله في تعالى (لا يحل لك النساء من بعد..) من طريق المعلى) ، والحاكم في (المستدرك 2/437، ك التفسير من طريق موسى بن إسماعيل كلاهما عن وهب بن خالد به) . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يحل لك النساء من بعد) إلى قوله (إلا ما ملكت يمينك) قال: لما خيرهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة قصره عليهن، فقال: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) وهن التسع التي اخترن الله ورسوله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن عكرمة (لا يحل لك النساء من بعد) هؤلاء التي سمى الله إلا (بنات عمك) ... الآية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا يحل لك النساء من بعد) لا يهودية، ولا نصرانية، ولا كافرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا أن تبدل بهن من أزواج) ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من النصارى واليهود والمشركين (ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكان الله على كل شيء رقيبا) أي: حفيظاً. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) قال البخاري: حدثنا مسدد عن يحيى عن حُميد عن أنس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: قلتُ يا رسول الله يَدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب. قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشى، حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أبو مجلز عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال، لما تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 زينب ابنة جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو يتأهب للقيام، فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدخُل فإذا القوم جُلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئتُ فأخبرتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية. (صحيح البخاري 8/387-388 ح4790، 4791 - ك التفسير، سورة الأحزاب) . قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت". (الصحيح 9/242 ح5232 - ك النكاح، ب لا يخلون رجل بامرأة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1711 ح2172 - ك السلام، ب تحريم الخلوة بالأجنبية ... ) . قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن الجعد بن عثمان عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل بعثت إليك بها أمي وهى تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منَّا قليلٌ يا رسول الله، قال: فذهبتُ بها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ إن أُمي تُقرئك السلام وتقول: إن هذا منا لك قليل فقال ضعه، ثم قال: اذهب لها فادع لي فلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت فسمّى رجالا، قال: فدعوتُ من سمّى ومن لقيت، قال: قلت لأنس عددكم كم كانوا؟ قال زهاء ثلاثمائة قال: وقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أنس هات التور"، قال: فدخلوا حتى امتلأت الصُفة والحجرة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليتحلّق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه، قال: فأكلوا حتى شبعوا قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، قال: فقال لي: "يا أنس ارفع" قال: فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت، قال: وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس وزوجته مُولّية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 فسلّم على نسائه ثم رجع، فلما رأوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه، قال: فابتدروا الباب فخرجوا كلهم وجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أرخى الستر ودخل وأنا جالس في الحجرة فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج عليّ وأُنزلت هذه الآيات، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأهن على الناس (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) إلى آخر الآية. قال الجعد: قال أنس: أنا أحدث الناس عهداً بهذه الآيات، وحُجبن نساء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/357-358 ك التفسير، ب - سورة الأحزاب، ح3218 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. والحاكم في (المستدرك 2/417-418 وصححه الذهبي) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إلى طعام غير ناظرين إناه) قال: متحينين نضجه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا مستأنسين لحديث) بعد أن تأكلوا. انظر حديث البخاري ومسلم عن عمر المتقدم عند الآية (125) من سورة البقرة وهو حديث: "وافقت ربي في ثلاث ... " وفيه نزول آية الحجاب. قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) انظر سورة البقرة آية (284) . قوله تعالى (لا جناح عليهن في آبائهن) انظر سورة البقرة آية (233) لبيان لا جناح أي: حرج. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (لا جناح عليهن في آبائهن) ومن ذكر معه أن يروهن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لا جناح عليهن) إلى (شهيدا) : فرخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) قال البخاري: حدثني سعيد بن يحيى، حدثنا أبي حدثنا مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة - رضي الله عنه -، قيل يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". (الصحيح 8/392 ح4797 - ك التفسير - سورة الأحزاب، ب الآية) ، ومسلم في (الصحيح 1/305 ح406 - الصلاة، ب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، قالوا: حدثنا إسماعيل -وهو ابن جعفر- عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه عشراً". (صحيح مسلم 1/306 ح408 - ك الصلاة، ب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد التشهد) . قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قرأت على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". (السنن 2/218 ح2042 ك المناسك، ب زيارة القبور) . وأخرجه أحمد (المسند 2/367) عن سريح عن عبد الله بن نافع به. ونقل ابن كثير تصحيح النووي للحديث (التفسير 6/465) . ويشهد له الحديث التالي الذي رواه النسائي من حديث ابن مسعود. قال النسائي: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن سفيان بن سعيد. ح وأخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع وعبد الرزاق، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 (السنن 3/43 - ك الصلاة، ب السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وأخرجه أحمد في مسنده (1/441) ، والدارمي في سننه (2/225 ح2777) ، والطبراني في (الكبير 10/270-271 ح10528- 10530) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/134 ح910) ، والحاكم في (المستدرك 2/421) من طرق عن عبد الله بن السائب به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن القيم: هذا إسناد صحيح (جلاء الأفهام ص22 ح26) . وعزاه الهيثمي للبزار بزيادة فيه، ثم قال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 9/24) . وجعله البغوي في (المصابيح) من قسم الحسن (انظر المشكاة 1/291 ح924) ، وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 2/479 ح2355) والألباني (صحيح الجامع رقم2174) ، والأرناؤوط (حاشية سير النبلاء 17/106) . قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى وزياد بن أيوب قالا: حدثنا أبو عامر العقدي، عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه، عن حسين بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البخيل الذي من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليَّ". (السنن 5/551 ح3546 - ك الدعوات، ب قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رغم أنف رجل") وأخرجه النسائي (عمل اليوم والليلة ح55، 56) ، وأحمد (المسند 1/201) ، والحاكم (المستدرك 1/549) من طرق سليمان بن بلال به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر: لا يقصر عن درجة الحسن (فتح الباري 11/168) . قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا حيوة، أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ، أن أبا علي عمرو بن مالك حدثه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يدعو في صلاته لم يُمجِّد الله تعالى ولم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عجّل هذا". ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يدعو بعد بما شاء". (السنن 2/77 ح1481 - ك الصلاة، ب الدعاء) . وأخرجه الترمذي (5/517 ح3477- ك الدعوات، ب 65) من طريق، محمود بن غيلان. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 5/290 ح1960) من طريق: يوسف بن موسى القطان، والحاكم (المستدرك 1/230) من طريق السري بن خزيمة، كلهم عن عبد الله بن يزيد المقرى عن حيوة به. والحديث في مسند أحمد (6/18) عن عبد الله ابن يزيد به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح2767) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) يقول: يباركون على النبي. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلّب الليل والنهار". (الصحيح 8/437 ح4826 - ك التفسير، ب سورة الجاثية) . وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1762 بعد رقم 2246 - ك الألفاظ، ب النهي عن سب الدهر) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) انظر حديث مسلم عن أبي هريرة الآتي عند الآية (12) من سورة الحجرات "أتدرون ما الغيبة"؟. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والذين يؤذون) قال: يقفون. وعلق الطبري فقال: فمعنى الكلام على ما قال مجاهد: والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات، ويعيبونهم طلبا لشينهم (بغرر ما اكتسبوا) يقول: بغير ما عملوا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) فإياكم وأذى المؤمنين، فإن الله يحوطه، ويغضب له. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أخرج عبد الرزاق: عن معمر، عن ابن خثيم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: لما نزلت هذه الآية (يدنين عليهن من جلابيبهن) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 (التفسير 2/101 ح2377) ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما ساق ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/518) ، وأخرجه أبو داود في سننه (4/356 ح4101 - ك اللباس، ب في قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) . من طريق ابن ثور، عن معمر بإسناده مختصراً بنحوه. وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود رقم 3456) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلاليب، ويبدين عينا واحدة. قال الطبري حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال سألت عَبيدة، عن قوله (قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه. وسنده صحيح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يدنين عليهن من جلابيبهن) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة. قوله تعالى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين في قلوبهم مرض) قال: شهوة الزنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لنغرينك بهم) يقول: لنسلطنك عليهم. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لنغرينك بهم) يقول: لنحرشنك بهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 قوله تعالى (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ملعونين) على كل حال (أينما ثقفوا) أخذوا (وقتلوا تقتيلا) إذا هم أظهروا النفاق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (سنة الله في الذين قد خلوا من قبل) ... الآية يقول: هكذا سنة الله فيهم إذا أظهروا النفاق. قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الساعة التي هي القيامة لعلها تكون قريبا وذكر نحوه في قوله في الشورى (وما يدريك لعل الساعة قريب) وقد أوضح جل وعلا اقترابها في آيات أخر كقوله (اقتربت الساعة) الآية، وقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) وقوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) الآية. قوله تعالى (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) قال ابن كثير: ثم قال (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) أي: يسحبون في النار على وجوههم، وتلوى وجوههم على جهنم، يقولون وهم كذلك، يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول، كما أخبر عنهم في حال العرصات بقوله (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) وقال تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) . وانظر سورة الفرقان الآيات (27-29) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) أي رءوسنا في الشر والشرك. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا رَوح بن عبادة، حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن موسى كان رجلا حييا ستّيرا لا يُرى من جلده شيءٌ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدْرة، وإما آفة. وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل. فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفِق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) . (صحيح البخاري 6/502 ح3404 - ك أحاديث الأنبياء) . قال أحمد بن منيع: حدثنا عباد بن العوام، ثنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله عز وجل: (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) . قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون، فقالت بنوا إسرائيل: أنت قتلته، وكان أشد حباً لنا منك وألين لنا منك، فآذوه بذلك، فأمر الله تعالى الملائكة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 فحملوه حتى مروا على بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة -عليهم السلام- بموته، حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات، فانطلقوا به فدفنوه، فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله إلا الرّخم، فجعله عز وجل أصم أبكم. (المطالب العالية، ق126/ب - ك أحاديث الأنبياء، ب أخبار موسى وهارون عليهما السلام - النسخة المسندة) . وأخرجه الطبري في تفسيره (22/52) ، وابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير (3/520) والحاكم في (المستدرك 2/579) من طرق، عن عباد بن العوام به، قال الحاكم عقبه: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في (المطالب العالية) عقب إيراده الحديث عن ابن منيع: هذا إسناد صحيح. وقال مرة: إسناد قوي. (فتح الباري 8/534) ثم قال رحمه الله: موفقاً بين هذا الأثر وبين الحديث المرفوع في الصحيح والذي فيه أنهم آذوه بقولهم: إنه آدر - قال: وما في الصحيح أصح من هذا، لكن لا مانع أن يكون للشيء سببان فأكثر تقدم تقريره غير مرة) . وقال ابن كثير -رحمه الله- قريباً من ذلك. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) انظر تفسير الآية (102) من سورة آل عمران، وانظر سورة الإسراء آية (53) (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وقولوا قولا سديدا) يقول: سدادا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) أي: عدلا، قال قتادة: يعني به في منطقه وفي عمله كله، والسديد: الصدق. قوله تعالى (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) في هذه الآية بيان ثمرة الاستجابة للآية السابقة وعاقبة القول السديد والتقوى في الدنيا والآخرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان، حدثنا الأعمش عن زيد ابن وهب، حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتُقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل، كحمر دحرجته على رِجلك فنفط فتراه صبرا منتبرا وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يُؤدي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيا رده عليّ ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا. (صحيح البخاري 13/42 - ك الفتن، ب إذا بقي في حثالة من الناس) ، (صحيح مسلم 1/126-127 ح7086 - ك الإيمان، رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب..) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم، فقبلها بما فيها، وهو قوله (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) غرا بأمر الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) يعني به: الدين والفرائض والحدود (فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) قيل لهن: احملنها تودين حقها، فقلن لا نطيق ذلك (وحملها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) قيل له: أتحملها؟ قال: نعم، قيل: أتودي حقها؟ قال: نعم، قال الله: إنه كان ظلوما جهولا عن حقها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إنه كان ظلوما جهولا) غر بأمر الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنه كان ظلوما جهولا) قال: ظلوما لها، يعني للأمانة، جهولا عن حقها. قوله تعالى (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) هذان اللذان خاناها، (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) ، هذان اللذان أدياها (وكان الله غفورا رحيما) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 سورة سبأ قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) انظر بداية سورة الفاتحة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهو الحكيم الخبير) حكيم في أمره، خبير بخلقه. قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يعلم ما يلج في الأرض أي ما يدخل فيها من الماء النازل من السماء الذي يلج في الأرض كما أوضحه في قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) الآية. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس في قوله (لا يعزب عنه) يقول: لا يغيب عنه. انظر سورة الزلزلة آية (7) لبيان مثقال ذرة. قوله تعالى (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولئك لهم مغفرة) لذنوبهم (ورزق كريم) الجنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 قوله تعالى (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين سعوا في آياتنا معاجزين) أي: لا يعجزون (أولئك لهم عذاب من رجز أليم) قال: الرجز: سوء العذاب، الأليم: المرجع. قوله تعالى (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) قال: أصحاب محمد. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) قال ذلك مشركو قريش والمشركون من الناس (ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) إذا أكلتكم الأرض، وصرتم رفاتاً وعظاماً، وقطعتكم السباع والطير (إنكم لفي خلق جديد) ستحيون وتبعثون. قوله تعالى (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قالوا تكذيبا (أفترى على الله كذبا) قال: قالوا: إما أن يكون يكذب على الله، أم به جِنة، وإما أن يكون مجنونا (بل الذين لا يؤمنون) ... الآية. قوله تعالى (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم) قال: ينظرون عن أيمانهم، وعن شمائلهم، كيف السماء قد أحاطت بهم (إن نشأ نخسف بهم الأرض) كما خسفنا بمن كان قبلهم (أو نسقط عليهم كسفا من السماء) أي قطعاً من السماء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) والمنيب: المقبل التائب. قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أتى داود منه فضلا تفضل به عليه وبين هذا الفضل الذي تفضل به على داود في آيات أخر كقوله تعالى (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء) وقوله تعالى (وشددنا ملكه وآتينه الحكمة وفصل الخطاب) وقوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) وقوله تعالى: (فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) وقوله تعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يا جبال أوبي معه) قال: سبحي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وألنا له الحديد) سخر الله له الحديد بغير نار. قوله تعالى (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أن اعمل سابغات) دروع، وكان أول من صنعها داود، إنما كان قبل ذلك صفائح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقدر في السرد) كان يجعلها بغير نار، ولا يقرعها بحديد، ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحلق. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وقدر في السرد) قدر المسامير والحلق، لا تدق المسامير فتسلس، ولا تجلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 قوله تعالى (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) قال الشيخ الشنقيطي: قد بينا الآيات التي فيها إيضاح له في سورة الأنبياء في الكلام على قوله: (ولسليمان الريح عاصفة تحري بأمره إلى الأرض) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) تغدوا مسيرة شهر، وتروح مسيرة شهر، قال: مسيرة شهرين في يوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وأرسلنا له عين القطر) يقول: النحاس. قوله تعالى (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) انظر سورة الأحقاف آية (29) حديث أبي ثعلبة الخشني. وانظر قوله تعالى في سورة الأنبياء (ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ومن يزغ منهم عن أمرنا) أي: يعدل منهم عن أمرنا عما أمره به سليمان (نذقه من عذاب السعير) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ما يشاء من محاريب) بنيان دون القصور. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يعملون له ما يشاء من محاريب) وقصور ومساجد. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وتماثيل) قال: من نحاس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وجفان كالجواب) ، يقول: كالجوبة من الأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجفان كالجواب) قال: جفان كجوبة الأرض من العظم، والجوبة من الأرض: يستنقع فيها الماء. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وقدور راسيات) قال: عظام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وقليل من عبادي الشكور) يقول: قليل من عبادي الموحدون توحيدهم. قوله تعالى (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) أخرج إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان نبي الله سليمان إذا قام في مصلاه رأى شجرة نابتة بين يديه. فقال لها ما اسمك؟ قالت: الخرنوب. قال: لأي شيء أنت؟ فقالت: لخراب هذا البيت. فقال اللهم عم عليهم موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب. قال فنحتها عصا يتوكأ عليها. فأكلتها الأرضة فسقطت فخر. فحزروا أكلها الأرضة. فوجدوه حولا. فتبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين -وكان ابن عباس يقرؤها هكذا- فشكرت الجن الأرضة. فكانت تأتيها بالماء حيث كانت. رواه الذهبي بسنده إلى إبراهيم بن طهمان به ثم قال: إسناده حسن (سير أعلام النبلاء 4/338- 339) . والخرنوب: ويقال: الخروب: وهو نوعان بري وشامي؛ فالأول: ذو أفنان وحمل. وله شوك يرتفع قدر الذراع. وفيه حب صلب زلال بشع. لا يؤكل إلا في الجهد. والثاني: حلو يؤكل. عريض وأكبر من سابقه. التاج (خرب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله: (إلا دابة الأرض تأكل منسأته) يقول: الأرضة تأكل عصاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) قال الترمذي: حدثنا أبو كريب وعبد بن حميد وغير واحد قالوا: أخبرنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي، حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمرني، فلما خرجت من عنده سأل عني ما فعل الغطيفي؟ فأخبر أني قد سرت، قال: فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو في نفر من أصحابه، فقال: ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك قال: وأنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد والأشعريون وحمير ومذحج وأنمار وكندة. فقال رجل: يا رسول وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة. (السنن 5/361 ح3222 - ك التفسير، ب ومن سورة سبأ) ، وأخرجه أبو داود (السنن 4/34 ح3988 - ك الحروف والقراءات) من طريق: عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عبد الله، كلاهما عن أبي أسامة به مختصراً، فيه ذكر الشاهد فقط. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الترمذي ح2574) ، وأخرجه الإمام أحمد (المسند 1/316) من عبد الله بن يزيد المقرئ، عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة النسائي، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس بمثله مقتصراً على موضع الشاهد كما عند أبي داود، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/423) من طريق محمد بن أحمد بن أنس القرشي عن المقرئ به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الإمام أحمد من حديث فروة بن مسيك مرفوعاً. وقال ابن كثير: إسناد جيد (التفسير 6/492 ط الشعب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بلدة طيبة ورب غفور) وربكم غفور لذنوبكم، قوم أعطاهم الله نعمة، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 قوله تعالى (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (سيل العرم) قال: شديد. وقيل: إن العرم: اسم واد كان لهؤلاء القوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (سيل العرم) يقول: شديد، وكان السبب الذي سبب الله لإرسال ذلك السيل عليهم فيما ذكر لي جرذا ابتعثه الله على سدهم، فثقب فيه ثقباً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أبدلهم الله مكان جنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط، والخمط: الأراك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وأثل) قال الأثل: الطرفاء. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وهل نجازي) : نعاقب. قوله تعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (القرى التي باركنا فيها) قال: قرى الشأم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قرى ظاهرة) أي: متواصلة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) لا يخافون ظلماً ولا جوعاً، وإنما يغدون فيقيلون، ويروحون فيبيتون في قرية أهل جنة ونهر. قوله تعالى (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) بطر القوم نعمة الله، وغمطوا كرامة الله، قال الله (وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) قال قتادة: قال عامر الشعبي: أما غسان فقد لحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان. قوله تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) انظر قوله تعالى في سورة الحجر (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) الآية. قوله تعالى (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) انظر قوله تعالى في سورة الحجر (إلا عبادك منهم المخلصين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما كان له عليهم من سلطان) قال: قال الحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا سيف ولا سوط، إلا أماني وغرورا دعاهم إليها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) قال: وإنما كان بلاء ليعلم الله الكافر من المؤمن. قوله تعالى (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل ادعو الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما فيهما من شرك) يقول: ما لله من شريك في السماء ولا في الأرض (وماله منهم) من الذين يدعون من دود الله (من ظهير) من عون بشيء. انظر قوله تعالى في سورة الإسراء (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) . وانظر سورة الزلزلة آية (6) . قوله تعالى (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) انظر قوله تعالى في سورة البقرة (ولا يقبل منها شفاعة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 قوله تعالى (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ..) قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال: سمعت عِكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلةً على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها -مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بكفّه فحرفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيُلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لساد الساحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذْبة، فيقال: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا كذا وكذا، فيصدق تلك الكلمة التي سمع من السماء. (الصحيح البخاري 8/398 ح4800 - ك التفسير، ب (الآية) سورة سبأ) . انظر حديث البخاري عن الحارث بن هشام في صفة إتيان الوحي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والآتي عند الآية (3) من سورة الشورى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (حتى إذا فزع عن قلوبهم) يعني: جلى. قوله تعالى (قل لا تُسئلون عما أجرمنا ولا نُسئل عما تعملون) قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة أن يقول للكفار: إنهم وإياهم ليس أحد منهم مسئولا عما يعمله الآخر، بل كل منهم مؤاخذ بعمله، والآخر بريء منه. وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) ، وقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلى قوله: (لكم دينكم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 قوله (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل يجمع بينا ربنا) يوم القيامة (ثم يفتح بيننا) : أي يقضي بيننا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وهو الفتاح العليم) يقول: القاضي. قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) قال الحاكم: حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي، ثنا محمد بن جرير الفقيه، ثنا أبو كريب سمعت أبا أسامة وسئل عن قول الله عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) فقال حدثنا الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: طلبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة فوجدته قائما يصلي فأطال الصلاة ثم قال: أوتيت الليلة خمسا لم يؤتها نبي قبلي أرسلت إلى الأحمر والأسود -قال مجاهد: الإنس والجن- ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو على مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي. وقيل لي سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي فهي نائلة من لم يشرك بالله شيئا. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. بهذه السياقة إنما أخرجا ألفاظاً من الحديث متفرقة. (المستدرك 2/424 - ك التفسير، وصححه الذهبي) . انظر حديث جابر مرفوعاً عند البخاري المتقدم في سورة آل عمران آية (151) وفيه: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة". وانظر حديث مسلم المتقدم عند الآية (1) من سورة الفرقان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) قال: أرسل الله محمداً إلى العرب والعجم، فأكرمهم على الله أطوعهم له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 قوله تعالى (قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ) انظر قوله تعالى في سورة يونس (لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) . قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) قال: قال المشركون: بن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه من الكتب والأنبياء. قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) انظر قوله تعالى في سورة البقرة (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) . قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن حمير (بل مكر الليل والنهار) قال: سر الليل والنهار. وسنده حسن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ونجعل له أندادا) شركاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأسروا الندامة) بينهم (لما رأوا العذاب) . قوله تعالى (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال الشيخ الشنقيطى: جاء موضحاً في مواضع أخر كقوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) وقوله (أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم) وقوله (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) قال: هم رؤوسهم وقادتهم في الشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) انظر سورة الإسراء آية (30) وسورة الرعد آية (26) . قوله تعالى (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ) انظر سورة العنكبوت آية (58) وفيها حديث أبي مالك الأشعري لبيان صفة الغرفات. قال مسلم: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". (الصحيح 4/1987 ح بعد 2564 - ك البر والصلة والآداب، ب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عندنا زلفى) قال: قربى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) لا يعتبر الناس بكثرة المال والولد، وإن الكافر قد يعطي المال وربما حبس عن المؤمن. قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن النهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) قال: ما كان في غير إسراف ولا تقتير. وسنده حسن. قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال، حدثني أخي، عن سليمان، عن معاوية بن أبي مزرد، عن أبي الحباب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من يوم يصبح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". (الصحيح ح1442 - ك الزكاة، ب قوله تعالى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ... ) وأخرجه مسلم أيضاً: 2/700 ح1010 - ك الزكاة، ب في المنفق والممسك) . وانظر حديث مسلم عن أبي هريرة التقدم عند الآية (149) من سورة النساء. وانظر حديث البخاري ومسلم المتقدم تحت الآية رقم (64) من سورة المائدة. قوله تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) انظر سورة الأنعام (100-138) وسورة الأعراف (38-179) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) استفهام، كقوله لعيسى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) ؟. قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى … ) انظر سورة الأنفال (31) وسورة لقمان (7) وسورة القلم (15) . قوله تعالى (وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما أتيناهم من كتب يدرسونها) أي: يقرءونها (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) يقول: وما أرسلنا إلى هؤلاء المشركين من قومك يا محمد فيما يقولون قبلك من نبي ينذرهم بأسنا عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أرسلنا إليه قبلك من نذير) ، ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبياً قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ) من القوة في الدنيا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 قوله تعالى (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إنما أعظكم بواحدة) قال: بطاعة الله. قوله تعالى (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) قال: واحد أو اثنين. قوله تعالى (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل ما سألتكم من أجر) أي: جُعل (فهو لكم) يقول: لم أسألكم على الإسلام جُعلا. قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل إن ربي يقذف بالحق) أي بالوحي (علام الغيوب قل جاء الحق) أي القرآن (وما يبدئ الباطل وما يعيد) ، والباطل: إبليس: أي ما يخلق إبليس أحدا، ولا يبعثه. انظر الحديث المتقدم عن ابن مسعود تحت الآية رقم (81) من سورة الإسراء. قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) يقول: فلا نجاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن قوله (ولو ترى إذ فزعوا) قال: فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم. قوله تعالى (وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وقالوا آمنا به) قالوا: آمنا بالله. أخرج الطبري بشده الحسن عن قتادة (وقالوا آمنا به) عند ذلك، يعني: حين عاينوا عذاب الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنى لهم التناوش) قال: الرد آل الدنيا. قال الطبري: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد (وأنى لهم التناوش) قال: التناول (من مكان بعيد) . وسنده حسن. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من مكان بعيد) من الآخرة إلى الدنيا. قوله تعالى (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقد كفروا به من قبل) : أي بالإيمان في الدنيا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) قال: قولهم محمد ساحر، بل هو كاهن، بل هو شاعر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) أي يرجمون بالظن يقولون لا بعث، ولا جنة ولا نار. قوله تعالى (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن الحسن، في قوله (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال: حيل بينهم وبين الإيمان بالله. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال من مال وولد وزهرة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن ابن أبي نجيح (كما فعل بأشياعهم من قبل) قال الكفار من قبلهم كما فعل بأمثالهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كما فعل بأشياعهم من قبل) ، أي: في الدنيا كانوا إذا عاينوا العذاب لم يقبل منهم إيمان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 سورة فاطر قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انظر أول سورة الفاتحة، ومعنى فاطر: أي خالق كما تقدم في سورة الأنعام آية (14) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) قال: بعضهم له جناحان وبعضهم ثلاثة وبعضهم أربعة. قوله تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما يفتح الله للناس من رحمة) أي من خير (فلا ممسك لها) فلا يستطيع أحد حبسها. وانظر حديث ابن عباس المتقدم في سورة البقرة آية (45) في وصية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن عباس: "يا بني احفظ الله يحفظك، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بما قدر الله لك ... ". قوله تعالى (أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) انظر آخر سورة الملك. قوله تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ … ) ( … وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) أخرج الطبري بشده الحسن عن قتادة (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) يعزي نبيه كما تسمعون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يغرنكم بالله الغرور) يقول: الشيطان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 قوله تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فإنه لحق على كل مسلم عداوته، وعداوته أن يعاديه بطاعة الله (إنما يدعو حزبه) وحزبه أولياؤه (ليكونوا من أصحاب السعير) أي ليسوقوهم إلى النار، فهذه عداوته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لهم مغفرة وأجر كبير) وهي الجنة. انظر قوله تعالى في سورة الحج (كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) . قوله تعالى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) قال الترمذي: حدثنا الحسن بني عرفة، حدثنا إسماعيل في عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جفّ القلم على علم الله". (السنن 5/26 ح2642، ك الإيمان، ب ما جاء في افتراق هذه الأمة) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/176) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/43 ح6169) ، والحاكم (المستدرك 1/30) من طرق عن الأوزاعي عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي به، وهو مطول عند الحاكم قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم. حديث صحيح قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين والبزار والطبراني ورجال أحد إسنادي أحمد ثقات (مجمع الزوائد 1/193-194) ونقل المناوي عن ابن حجر قوله: إسناده لا بأس به. وصححه السيوطي (فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/230-231 ح1733) . وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح2130 - والسلسلة الصحيحة ح1076. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) قال قتادة: الحسن: الشيطان زين لهم ذلك (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) أي لا يحزنك ذلك عليهم، فإن الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء. قوله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً) قال يرسل الرياح فتسوق السحب فأحيا الله به هذه الأرض الميتة بهذا الماء فكذلك يبعثه يوم القيامة. قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (من كان يريد العزة) يقول: من كان يريد العزة بعبادته الآلهة (فإن العزة لله جميعاً) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً) يقول: فليتعزز بطاعة الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال قال الحسن وقتادة: لا يقبل الله قولا إلا بعمل، من قال وأحسن العمل قبل الله منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد) قال: هؤلاء أهل الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومكر أولئك هو يبور) أي يفسد. قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) انظر قوله تعالى في سورة الحج (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) الآية، وانظر سورة النحل آية (4) . انظر حديث مسلم المتقدم عند الآية رقم (60) من سورة المائدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله خلقكم من تراب) يعني آدم (ثم من نطفة) يعني ذريته (ثم جعلكم أزواجا) فزوج بعضكم بعضاً. قوله تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) انظر قوله تعالى في سورة الفرقان (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهذا ملح أجاج) والأجاج المر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن كل تأكلون لحما طريا) أي: منهما جميعاً (وتستخرجون حلية تلبسونها) هذا اللؤلؤ (وترى الفلك فيه مواخر) فيه السفن مقبلة مقبلة ومدبرة بريح واحدة. قوله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) زيادة هذا في نقصان هذا، ونقصان هذا في زيادة هذا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) أجل معلوم، وحدّ لا يقصر دونه ولا يتعداه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلكم الله ربكم له الملك) أي هو الذي يفعل هذا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس (من قطمير) يقول: الجلد الذي يكون على ظهر النواة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما يملكون من قطمير) والقطمير: القشرة التي على رأس النواة. قوله تعالى (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) أي ما قبلوا ذلك عنكم، ولا نفعوكم فيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) إياهم، ولا يرضون، ولا يقرون به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا ينبئك مثل خبير) والله هو الخبير أنه سيكون هذا منهم يوم القيامة. قوله تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) أي: ويأت بغيركم. قوله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..) قال مسلم: حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد، قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة ... فذكر حديثاً طويلاً وفيه تحديث عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة. فقالت: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 يرحم الله عمر. لا والله! ما حدّث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الله يعذّب المؤمن ببكاء أحدٍ ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه". قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال: وقال ابن عباس عند ذلك: والله أضحكَ وأبكى. (الصحيح 2/641-642 ح928-929- ك الجنائز، ب الميت يعذب ببكاء أهله عليه) . قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عبيد الله -يعني ابن إياد- حدثنا إياد، عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إن رسول الله قال لأبي: "ابنك هذا"؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: "حقاً"؟ قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضاحكاً من ثبت شبهي من أبي، ومن حلف أبي عليّ، ثم قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" وقرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . (السنن 4/635 ح4495 - ك الديات، ب لا يؤاخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه) ، وأخرجه أحمد في مسنده (2/226) ، والدارمي في (سننه 2/119 ح2394، ك الديات، ب لا يؤاخذ أحد بجناية غيره) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/594 ح5963) ثلاثتهم من طرق عن عبيد الله بن إياد عن أبيه به، قال الألباني: صحيح، وإياد بن لقيط ثقة دون خلاف، فالإسناد صحيح. (إرواء الغليل 7/333) . وصححه أيضاً: الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (ح رقم7109) ، وصححه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي 11/860) . انظر قوله تعالى في سورة الإسراء (ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) . قوله تعالى (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) انظر قوله تعالى في سورة النحل (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم ألا ساء ما يزرون) . أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء) كنحو (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن تدع مثقلة إلى حملها) إلى ذنوبها (لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) أي قريب القرابة منها، لا يحمل من ذنوبها شيئا ولا تحمل على غرها من ذنوبها شيئا (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب) أي يخشون النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) أي: من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه. قوله تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يستوي الأعمى) الآية. خلقا، فضل بعضه على بعض، فأما المؤمن فعبد حي الأثر، حي البصر، حي النية، حي العمل، وأما الكافر فعبد ميت، ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل. قوله تعالى (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) انظر قوله تعالى في سورة النمل (إنك لا تسمع الموتى) الآية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع. قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) انظر سورة البقرة آية (119) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) كل أمة كان لها رسول. وانظر سورة الإسراء قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسول) . قوله تعالى (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بالبينات وبالزبر) أي الكتب وقوله (وبالكتاب المنير) يقول: وجاءهم من الله الكتاب المنير لمن تأمله وتدبره أنه الحق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ي قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها) أحمر وأخضر وأصفر (ومن الجبال جدد بيض) أي: طرائق بيض (وحمر مختلفا ألوانها) أي: جبال حمر وبيض (وغرابيب سود) هو الأسود، يعني لونه كما اختلف ألوان الناس والدواب والأنعام كذلك. قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا". (صحيح البخاري 11/327 ح6486 - ك الرقاق، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لو تعلمون ما أعلم..") ، وأخرجه مسلم في (صحيحه ح2359 - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) انظر سورة البقرة آية (121) . ومعنى بن تبور أي: بن تفسد، انظر آية (10) من السورة نفسها. قوله تعالى (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) : إنه غفور لذنوبهم، شكور لحسناتهم. قوله تعالى (والدي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) للكتب التي خلت من قبله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا) قال أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن ثابت أو عن أبي ثابت أن رجلا دخل مسجد دمشق فقال: اللهم آنس وحشتي وارحم غربتي وارزقني جليساً صالحاً فسمعه أبو الدرداء فقال: لئن كنت صادقاً لأنا أسعد بما قلت منك سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (فمنهم ظالم لنفسه) يعني الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك فذلك الهم والحزن (ومنهم مقتصد) قال: يحاسب حساباً يسيراً (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) قال: الذين يدخلون الجنة بغير حساب. (المسند 5/194) وأخرجه الطبري (التفسير 22/137) من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان به، وإسناده صحيح (انظر مرويات أحمد في التفسير 3/460) . وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/95) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (ثم أورثنا الكتاب) إلى قوله (الفضل الكبير) هم أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغر حساب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا) شهادة لا إله إلا الله (فمنهم ظالم لنفسه) هذا المنافق في قول قتادة والحسن (ومنهم مقتصد) قال: هذا صاحب اليمين (ومنهم سابق بالخيرات) قال: هذا المقرب، قال قتادة: كان الناس ثلاث منازل في الدنيا، وثلاث منازل عند الموت، وثلاث منازل في الآخرة. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه) قال هم أصحاب المشأمة (ومنهم مقتصد) قال: أصحاب الميمنة (ومنهم سابق بالخيرات) قال: فهم السابقون من الأمم كلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 قوله تعالى (ولباسهم فيها حرير) انظر سورة الكهف آية (31) وسورة الحج آية (23) . وانظر حديث أنس بن مالك المتقدم عند الآية (23) من سورة الحج. قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت أنه دخل المسجد، فجلس إلى جنب أبي الدرداء، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، ويسر لي جليساً صالحاً، فقال أبو الدرداء: لئن كنت صادقاً لأنا أسعد به منك، سأحدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم أحدث به منذ سمعته ذكر هذه الآية (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) فأما السابق بالخيرات، فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً، وأما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن، فذلك قوله (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) . (التفسير 22/137. وإسناده صحيح، وتقدم عند الآية 32 من السورة نفسها بأخصر من هذا، وليس في ذكر الآية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) قال: كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في خوف، أو يحزنون. قوله تعالى (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (إن ربنا لغفور شكور) لحسناتهم. وانظر الآية (30) من السورة نفسها وفيها (غفور لذنوبهم) . قوله تعالى (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) أقاموا فلا يتحولون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 قوله تعالى (لا يمسنا فيها نصب) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لا يمسنا فيها نصب) أي: وجع. قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) انظر حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (39) من سورة البقرة، وهو حديث: "أما أهل النار الذين هم أهلها ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لهم نار جهنم لا يقضى عليهم) بالموت يموتوا، لأنهم لو ماتوا لاستراحوا (ولا يخفف عنهم من عذابها) يقول: ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنم بإماتتهم، فيخفف ذلك عنهم. قوله تعالى (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) ومعنى مصطرخون أي: يستغيثون. انظر سورة إبراهيم آية (22) . قال البخاري: حدثنا عبد السلام بن مطهر، حدثنا عمر بن علي عن معْن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة". تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري. (الصحيح 11/243 -6419- ك الرقاق، ب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر) . قال ابن ماجة: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين. وأقلهم من يجوز ذلك". (السنن- الزهد، ب الأمل والأجل - ح4236) . أخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفة به، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ثم رواه من وجه آخر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، ثم قال: هذا حديث حسن غريب من حيث أبي صالح عن أبي هريرة وقد روى من غير وجه عنه. قال ابن كثير: وهذا عجب منه. (السنن - أبواب الدعوات، أبواب الزهد، ب ما جاء في أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، (تفسير ابن كثير 6/541) . وللحديث طريق آخر عند أبي يعلى إسناده ضعيف وشاهد عن حذيفة عند البزار. ذكرهما ابن كثير (التفسير 6/541، 542) . وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح ابن ماجة 2/415) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 روى عبد الرزاق: عن معمر والثوري، عن ابن خثيم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) قال: ستون سنة. (التفسير (2/111 ح4455) . وأخرجه ابن جرير في تفسيره (22/141) والحاكم في المستدرك (2/427) من طرق عن سفيان، عن ابن خثيم به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) انظر سورة الأنعام آية (59) . قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن. قال ابن كثير: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أي: يخلف قوم الآخرين قبلهم، وجيل لجيل قبلهم، كما قال: (ويجعلكم خلفاء الأرض فمن كفر فعليه كفره) . قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ منه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض) لا شيء والله خلقوا منها (أم لهم شرك في السماوات) لا والله ما لهم فيها من شرك (أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه) يقول: أم آتيناهم كتاباً فهو يأمرهم أن يشركوا. قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) انظر قوله تعالى في سورة الحج (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) من مكانهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلما جاءهم نذير) وهو: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وانظر سورة المدثر الآيتان (50-51) . قوله تعالى (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومكر السيئ) وهو: الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فهل ينظرون إلا سنة الأولين) أي: عقوبة الأولين (فلن تجد لسنة الله تبديلا) يقول: فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييراً. قوله تعالى (أَوَلَم ْ يَسِ يرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) انظر سورة يوسف آية (109) وسورة غافر آية (82) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكانوا أشد منهم قوة) يخبركم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم. كقوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) انظر قوله تعالى في سورة النحل (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) الآية رقم (61) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) إلا ما حمل نوح في السفينة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 سورة يس قوله تعالى (يس) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يس) قال: فإنه قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله. قوله تعالى (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين) قسم كما تسمعون (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) . قوله تعالى (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) : أي على الإسلام. وتقدم مثله مرفوعاً في سورة الفاتحة. قوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) قال: بعضهم: لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم. قوله تعالى (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن القول في قوله (لقد حق القول على أكثرهم) وفي قوله تعالى (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول) الآية. وفِى قوله تعالى: (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) الآية. وفي قوله تعالى (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) والكلمة في قوله تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) وفي قوله تعالى (قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) أن المراد بالقول والكلمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 أو الكلمات على قراءة، حقت عليهم كلمات ربك بصيغة الجمع، هو قوله تعالى (لأملأن جنهم من الجنة والناس أجمعين) كما دلت على ذلك آيات من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى في أخر سورة هود: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وقوله تعالى في السجدة (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) . وقوله تعالى: في أخريات ص: (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) . قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) انظر سورة سبأ آية (33) لبيان الأغلال. وكذا في سورة غافر آية (71) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فهم مقمحون) قال: رافعو رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم. قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) عن الحق فهم يترددون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) قال: ضلالات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) هدى، ولا ينتفعون به. قوله تعالى (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) انظر سورة البقرة آية (6-7) . قوله تعالى (إنما تنذر من اتبع الذكر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما تنذر من اتبع الذكر) وإتباع الذكر: إتباع القرآن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) قال البخاري: وقال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني حُميد، عن أنس: أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريباً من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال فكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعروا المدينة فقال: ألا تحتسبون آثاركم. (صحيح البخاري 2/163-164 ح656- ك الأذان، ب احتساب الآثار) . وأخرجه مسلم بسنده عن جابر مرفوعاً وفيه: "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب أثاركم". (الصحيح 1/462 ح665) ، وأخرجه الطبري عن جابر بنحوه (التفسير 22/154) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ما قدموا) قال: من أعمالهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وآثارهم) قال: خطاهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وآثارهم) قال: قال الحسن: وآثارهم قال: خطاهم. وقال قتادة: لو كان مغفلاً شيئاً من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفى الرياح من هذه الآثار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) كل شيء محصى عند الله في كتاب. قوله تعالى (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فعززنا بثالث) قال: شددنا. قال ابن كثير: (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) ، أي: فكيف أوحى إليكم وأنتم بشر ونحن بشر، فلم لا أوحي إلينا مثلكم؟. ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة. وهذه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 شُبه كثير من الأمم المكذبة، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا) ، فاستعجبوا من ذلك وأنكروه، وقوله: (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فائتونا بسلطان مبين) . وقوله حكاية عنهم في قوله: (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون) ، (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً) . ولهذا قال هؤلاء: (ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) أي: أجابتهم رُسُلهم الثلاثة قائلين: الله يعلن أنا رسله إليكم، ولو كنا كذبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار، كقوله تعالى: (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم ما في السماوات وما في الأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) . قوله تعالى (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قالوا إنا تطيرنا بكم) قالوا: إن أصابنا شر، فإنما هو من أجلكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) بالحجارة (وليمسنكم منا عذاب أليم) يقول: ولينالكم منا عذاب موجع. قوله تعالى (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قالوا طائركم معكم) : أي أعمالكم معكم. وانظر سورة الأعراف آية (131) وسورة النساء آية (78) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أئن ذكرتم) : أي إن ذكرناكم الله تطيرتم بنا؟ (بل أنتم قوم مسرفون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 قوله تعالى (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: لما انتهى إليهم، يعني إلى الرسل، قال: هل تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا، فقال عند ذلك: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ووَهُمْ مُهْتَدُونَ) . قوله تعالى (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) هذا رجل دعا قومه إلى الله، وأبدى لهم النصيحة فقتلوه على ذلك. قوله تعالى (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) قال الشيخ الشنقيطي: الاستفهام في قوله تعالى (أأتخذ) للإنكار، وهو متضمن معنى النفي: أي لا أعبد من دون الله معبودات، وإن أرادني الله بضر لا تقدر على دفعه عني، ولا تقدر أن تنقذني من كرب. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من عدم فائدة المعبودات من دون الله جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى: كقوله تعالى (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل من كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) وقوله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) . قوله تعالى (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: قيل: قد وجبت له الجنة، قال: ذاك حين رأى الثواب. قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من جند من السماء) قال: رسالة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) قال فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) . قوله تعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة يا حسرة على العباد أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله، وفرطت في جنب الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يا حسرة على العباد) قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا حسرة على العباد) يقول: يا ويلا للعباد. قال الشيخ الشنقيطي: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة (ما يأتيهم من رسول) نص صريح وتكذيب الأمم السابقة لجميع الرسل لما تقرر في الأصول، من أن النكرة في سياق المنفى إذا أزيدت قبلها من، فهي نص صريح في عموم النفي، كما هو معروف في محله. وهذا العموم الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً وآيات أخر، وجاء في بعض الآيات إخراج واحدة عن حكم هذا العموم بمخصص متصل وهو الاستثناء ... وأما هذه الأمة التي أخرجت من هذا العموم فهي أمة يونس، والآية التي بينت ذلك هي قوله تعالى (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) ، وقوله تعالى (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين) . قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) قال: عاد وثمود، وقرون ببن ذلك كثير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) أي: هم يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 قوله تعالى (وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) انظر سورة الأنعام آية (99) ، وسورة الحج أخر الآية (5) وسورة ق آية (7) إلى (11) وسورة الحجر آية (19) . قوله تعالى (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) قال: يولج الليل في النهار، ويوج النهار في الليل. قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: كنتُ مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ، أتدري أين تغرُب الشمس؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم: قال: فإنها تذهب حتى تسجُد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) . (صحيح البخاري 8/402 ح4802 - ك التفسير، سورة يس، ب الآية) ، (صحيح مسلم 1/139 - ك الإيمان، ب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، نحوه) . قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب، إسحاق بن إبراهيم. جميعا عن ابن علية. قال ابن أيوب: حدثنا ابن علية. حدثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي (سمعه فيما أعلم) عن أبيه، عن أبي ذر، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوماً: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس"؟. قالوا؟ الله ورسوله أعلم. قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش. فتخرّ ساجدة. فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي. ارجعي من حيث جئت. فترجع. فتُصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش. فتخرّ ساجدة. لا تزال كذلك حتى يُقال لها: ارتفعي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 ارجعي من حيث جئت. فترجع. فتُصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك، تحت العرش. فيُقال لها: ارتفعي. أصبحي طالعة من مغربك. فتصبح طالعة من مغربها". قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً". (صحيح مسلم 1/138 ح159 - ك الإيمان، ب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان) . قوله تعالى (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (حتى عاد كالعرجون القديم) يقول: أصل العذق العتيق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى عاد كالعرجون القديم) قال: قدره الله منازل فجعل ينقص حتى كان مثل عذق النخلة، شبهه بعذق النخلة. قوله تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا الشمس ينبغي لها إن تدرك القمر) قال: لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي ذلك لهما. وفي قوله (ولا الليل سابق النهار) قال: يتطالبان حثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) ولكلِّ حدٍّ وعلم لا يعدوه، ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: مجرى كل واحد منهما، يعني الليل والنهار في ذلك يسبحون: يجرون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكل في فلك يسبحون) : أي يا فلك السماء يسبحون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وكل في فلك يسبحون) دورانا، يقول: دورانا يسبحون: يقول: يجرون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 قوله تعالى (وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) يقول الممتليء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) قال: هي السفن التي ينتفع بها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) قال: من الأنعام. قوله تعالى (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم) أي: لا مغيث. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومتاعا إلى حين) : أي إلى الموت. قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم) : وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما بين أيديكم) قال: ما مضى من ذنوبهم. قوله تعالى (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا يستطيعون توصية) : أي فيما في أيديهم (ولا إلى أهلهم يرجعون) قال: أعجلوا عن ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة النفخة الأخيرة، والصور قرن من نور ينفخ به الملك نفخة البعث، وهي النفخة الأخيرة، وإذا نفخها قام جميع أهل القبور من قبورهم، وأحياء إلى الحساب والجزاء. وقوله (فإذا هم من الأجداث) جمع جدث بالفتحتين وهو القبر، وقوله: ينسلون: أي يسرعون في المشي من القبور إلى المحشر كما قال تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون) وقال تعالى (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) الآية. وكقوله تعالى (يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع) الآية. وقوله (مهطعين إلى الداع) أي مسرعين مادي أعناقهم على أشهر تفسيرين، ومن إطلاق نسل بمعنى أسرع. قوله تعالى (من الأجداث إلى ربهم ينسلون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (من الأجداث إلى ربهم ينسلون) يقول: من القبور. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ينسلون) يقول: يخرجون. قوله تعالى (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) هذا قول أهل الضلالة. والرقدة: ما بين النفختين. قوله تعالى (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) قال: في نعمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (في شغل فاكهون) يقول: فرحون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (هم وأزواجهم في ظلال) قال: حلائلهم في ظلل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (على الأرائك متكئون) قال: هي الحجال فيها السرر. قوله تعالى (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) انظر سورة الأحزاب آية (44) وسورة الحجر آية (46) . قوله تعالى (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) قال: عزلوا عن كل خير. قوله تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) انظر سورة الأعراف آية (172) وحديث الحاكم عن أُبي بن كعب. انظر سورة الفاتحة وفيها أن الصراط المستقيم: الإسلام. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولقد أضل منكم جبلا) قال: خلقاً. قوله تعالى (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) قال ابن كثير: يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة، وقد برزت الجحيم لهم تقريعاً وتوبيخاً: (هذه جهنم التي كنتم توعدون) أي: هذه التي حذرتكم الرسل فكذبتموهم (اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) كما قال تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 قوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) انظر حديث مسلم عند سورة فصلت آية (21، 22) عن أنس بن مالك. وسورة النور آية (24) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (اليوم نختم على أفواههم) الآية، قال: قد كانت خصومات وكلام، فكان هذا آخره، وختم على أفواههم. قال الشيخ الشنقيطي: ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من شهادة بعض جوارح الكفار عليم يوم القيامة، جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة النور (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) وقوله تعالى في فصلت (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) الآية. قوله تعالى (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) يقول: أضللتهم وأعميتهم عن الهدى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) يقول: لو شئنا لتركناهم عميا يترددون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فاستبقوا الصراط) قال: الطريق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فأنى يبصرون) وقد طمسنا على أعينهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فأنى يبصرون) يقول: فكيف يهتدون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 قوله تعالى (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) أي: لأقعدناهم على أرجلهم (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) فلم يستطيعوا أن يتقدموا ولا يتأخروا. قوله تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) يقول: من نمد له في العمر ننكسه في الخلق، (لكيلا يعلم بعد علم شيئا) ، يعني: الهرم. قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ننكسه في الخلق) أي نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقنا من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال، ويرتقي من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ماله وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق، فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شيبة كحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم، وأصل معنى التنكيس: جعل أعلى الشيء أسفله. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) الآية، وقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين) الآية على أحد التفسيرين، وقوله تعالى في الحج (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) . قوله تعالى (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ) انظر سورة الحاقة آية (41) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 قوله تعالى (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لينذر من كان حيا) : حي القلب، حي البصر. وانظر قوله تعالى في سورة النمل آية (80) (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء) الآية، وفي سورة فاطر آية (22) في الكلام على قوله تعالى (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) . وانظر ما تقدم في هذه السورة آية (7) عند قوله (لقد حق القول على أكثرهم ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويحق القول على الكافرين) بأعمالهم. قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فهم لها مالكون) : أي ضابطون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وذللناها لهم فمنها ركوبهم) : يركبونها يسافرون عليها (ومنها يأكلون) لحومها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولهم فيها منافع) يلبسون أصوافها (ومشارب) يشربون ألبانها. قوله تعالى (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وهم لهم جند محضرون) قال: عند الحساب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يستطيعون نصرهم) الآلهة (وهم لهم جند محضرون) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا وهى لا تسوق إليهم خيراً، ولا تدفع عنهم سوءا، إنما هي أصنام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) قال الحاكم: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، ثنا جدي ثنا عمرو بن عون ثنا هشيم أنبأ أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعظم حائل ففته فقال يا محمد أيبعث الله هذا بعد ما أرم؟ قال: "نعم. يبعث الله هذا يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم" قال: فنزلت الآيات: (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) إلى أخر السورة. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/429 - ك التفسير. وصححه الذهبي) وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من طريق عثمان بن سعيد الزيات عن هشيم به، انظر تفسير ابن كثير 3/925) . وانظر حديث بسر بن جحاش المتقدم عند الآية رقم (4) من سورة النحل وتفسيرها عن الشيخ الشنقيطي. قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) انظر سورة الإسراء الآيات (48، 49، 98، 99) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه. قوله تعالى (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) قال: هذا مثل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، قال: ليس من كلام العرب شيء هو أخف من ذلك ولا أهون، فأمر الله كذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال: (بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) أي: يأمر بالشيء أمراً واحداً، لا يحتاج إلى تكرار. انظر سورة البقرة آية (117) وسورة آل عمران (59) . قوله تعالى (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) قال ابن كثير: ومعنى قوله (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) كقوله عز وجل (قل من بيده ملكوت كل شيء) وكقوله تعالى (تبارك الذي بيده الملك) فالملك والملكوت واحد في المعنى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 سورة الصافات قوله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال: قسم أقسم الله بخلق ثم خلق ثم خلق والصافات: الملائكة صفوفاً في السماء. قوله تعالى (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: الملائكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: ما زجر الله عنه في القرآن. قوله تعالى (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) قال: الملائكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) قال: ما يتلى عليكم في القرآن من أخبار الناس والأمم قبلكم. قال الشيخ الشنقيطى: أكثر أهل العلم على أن المراد بالصافات هنا، والزاجرات، والتاليات: جماعات الملائكة وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون، وذلك في قوله تعالى عنهم (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) . قوله تعالى (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن إلهكم لواحد) وقع القسم على هذا (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) قال مشارق الشمس في الشتاء والصيف. عن السدي (ورب المشارق) قال: المشارق ستون وثلاث مئة مشرق والمغارب مثلها عدد أيام السنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 قوله تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) انظر سورة فصلت آية (12) وسورة الحجر آية (16) وسورة الملك آية (5) . قوله تعالى (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) انظر قوله تعالى (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع) سورة الحجر آية (17-18) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحفظا) يقول: جعلتها حفظا من كل شيطان مارد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) قال: منعوها ويعني بقوله (إلى الملأ) إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويقذفون من كل جانب دحوراً) قذفا بالشهب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويقذفون) يرمون (من كل جانب) قال: من كل مكان وقوله (دحورا) قال: مطرودين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولهم عذاب واصب) قال: دائم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأتبعه شهاب ثاقب) من نار وثقوبه: ضوءه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 قوله تعالى (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أهم أشد خلقا أمن خلقنا) قال: السماوات والأرض والجبال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاستفتهم أهم أشد خلقا) قال: يعني المشركين سلهم أهم أشد خلقا (آمن خلقنا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (من طين لازب) يقول: ملتصق. قوله تعالى (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل عجبت ويسخرون) قال: عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطه وسخر منه أهل الضلالة. قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) أي: لا ينتفعون ولا يبصرون. قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإذا رأوا آية يستسخرون) قال: يستهزئون يسخرون. قوله تعالى (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) تكذيباً بالبعث. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأنتم داخرون) أي: صاغرون. قوله تعالى (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ) انظر سورة النازعات آية (13) وفيها معنى زجرة واحدة: صيحة واحدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 قوله تعالى (هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا يوم الدين) قال: يدين الله فيه العباد بأعمالهم. عن السدي (هذا يوم الدين) قال: يوم الحساب. قوله تعالى (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) يعني: يوم القيامة. قوله تعالى (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) قال الشيخ الشنقيطي: المراد بالذين ظلموا الكفار كما يدل عليه قوله بعده (وما كانوا يعبدون من دون الله) . وقد قدمنا إطلاق الظلم على الشرك في آيات متعددة، كقوله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) . وقوله تعالى (والكافرون هم الظالمون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) يقول: نظراءهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي: وأشياعهم الكفار مع الكفار. أخرج الطبري بسنده الحس عن قتادة (وما كانوا يبدون من دون الله) الأصنام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) يقول: وجهوهم، وقيل إن الجحيم الباب الرابع من أبواب النار. قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم، قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 يقول: سمعت عبد الله بن عمرو، وجاءه رجل فقال، ما هذا الحديث الذي تُحدّث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله! أوْ لا إله إلا الله. أو كلمة نحوهما. لقد هممت أن لا أحدّث أحداً شيئا أبداً. إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمراً عظيماً. يُحرّقُ البيتُ، ويكون، ويكون. ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوماً، أو أربعين شهراً، أو أربعين عاماً) . فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود. فيطلبه فيُهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين. ليس بين اثنين عداوة. ثم يرسل الله ريحا باردة من قِبل الشام. فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير أو إيمان إلا قبضته. حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: "فيبقى شرار الناس في خفّة الطير وأحلام السباع. لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. فيتثمل الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دارٌ رزقهم، حسن عيشهم. ثم ينفخ في الصور. فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفي ليتا. قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله. قال: فيصعق، ويصعق الناس. ثم يرسل الله -أو قال يُنزل الله- مطراً كأنه الطل أو الظل (نعمان الشاك) فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثم يُقال؟ يا أيها الناس! هلم إلى ربكم. وقفوهم إنهم مسئولون. قال ثم يقال: أخرجوا بعث النار. فيقال: مِن كم؟ فيُقال: من كل ألف، تسعمائة وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيباً. وذلك يوم يُكشف عن ساق". (صحيح مسلم 4/2258-2259 ح2940 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ... ) . انظر قوله تعالى في سورة الأعراف آية (6) (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) وتفسيرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 قوله تعالى (مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (مالكم لا تناصرون) لا والله لا يتناصرون ولا يدفع بعضهم عن بعض (بل هم اليوم مستسلمون) في عذاب الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) الإنس على الجن. قوله تعالى (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) قال: قالت الإنس للجن: إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قال: من قبل الخير، فتنهوننا عنه، وتبطئوننا عنه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) قال: تأتوننا من قبل الحق تزينون لنا الباطل، وتصدوننا عن الحق. قوله تعالى (قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قالت لهم الجن: (بل لم تكونوا مؤمنين) حتى بلغ (قوماً طاغين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وما كان لنا عليكم من سلطان) قال: الحجة وفي قوله (بل كنتم قوماً طاغين) قال: كفار ضلال. قوله تعالى (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فحق علينا قول ربنا) الآية، قال: هذا قول الجن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 قوله تعالى (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) انظر سورة القصص آية (61-64) وتفسيرها. قوله تعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي بحمص، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبي، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمَن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله. وأنزل الله في كتابه، فذكر قوماً استكبروا، فقال: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) وقال: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) وهي لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله" استكبر عنها المشركون يوم الحديبية. (الإحسان 1/451-452 وقال محققه: إسناده صحيح) وأخرجه الطبري (التفسير 26/66) وابن أبي حاتم من طريق الزهري به، كما في تفسير ابن كثير وأضاف أن الزيادة مدرجة من كلام الزهري (التفسير 7/327) والزيادة هي من قوله وانزل الله في كتابه ... الخ وذكرناه هنا من أجل تفسير الزهري لكلمة القوى) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إذا قيل لهم لا الله إلا الله يستكبرون) قال: يعني المشركين خاصة. قوله تعالى (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) يعنون محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل جاء بالحق) بالقرآن (وصدق المرسلين) أي: صدق من كان قبله من المرسلين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 قوله تعالى (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: هذه ثنية الله. قوله تعالى (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) في الجنة. قوله تعالى (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) قال: كأس من خمر جارية، والمعين: هي الجارية. قوله تعالى (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا فيها غول) يقول: ليس فيها صداع. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا فيها غول) قال: وجع البطن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا فيها غول) يقول: ليس فيها وجع بطن، ولا صداع رأس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولهم عنها ينزفون) يقول: لا تذهب عقولهم. قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُون) قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة ثلاث صفات من صفات نساء أهل الجنة: الأولى: أنهن قاصرات الطرف، وهو العين أي عيونهن قاصرات على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم لشدة اقتناعهن واكتفائهن بهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 الثانية: أنهن عين، والعين جمع عيناء، وهى واسعة دار العين، وهي النجلاء. الثالثة: أن ألوانهن بيض بياضاً مشرباً بصفرة، لأن ذلك هو لون بيض النعام الذي شبههن به ... وهذه الصفات الثلاثة المذكورة هنا، جاءت موضحة في غير هذا الموضع مع غيرها من صفاتهن الجميلة، فبين كونهن قاصرات الطرف على أزواجهن يقوله تعالى في ص: (وعندهم قاصرات الطرف أتراب) وكون المرأة قاصرة الطرف من صفاتها الجميلة ... وذكر كونهن عين في قوله تعالى فيهن و (حور عين) ، وذكر صفاء ألوانهن وبياضها في قوله تعالى (كأمثال اللؤلؤ المكنون) وقوله تعالى (كأنهن الياقوت والمرجان) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وعندهم قاصرات الطرف عين) يقول: عن غير أزواجهن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وعندهم قاصرات الطرف) قال: قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (عين) قال: عظام الأعين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (كأنهن بيض مكنون) يقول: اللؤلؤ المكنون. قوله تعالى (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) أهل الجنة. قوله تعالى (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إني كان لي قرين) قال: شيطان. قوله تعالى (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) انظر سورة الرعد آية (5) ، وسورة الإسراء آية (49) وتفسيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) أئنا لمحاسبون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 قوله تعالى (فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (في سواء الجحيم) يعني: في وسط الجحيم. قوله تعالى (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) قال: لتهلكني. قوله تعالى (وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي: في عذاب الله. قوله تعالى (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفما نحن بميتين) إلى قوله (الفوز العظيم) قال: هذا قول أهل الجنة. قوله تعالى (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) انظر آية (64-66) من السورة نفسها. قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) انظر قوله تعالى في سورة الإسراء (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إنا جعلناها فتنة للظالمين) قال: قول أبي جهل: إنما الزقوم والثمر والزبد أتزقمه. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة وبسنده الحسن عن السدي. قوله تعالى (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) قال: شبهه بذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 قوله تعالى (فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) قال الشيخ الشنقيطي: ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار في النار يأكلون من شجر من زقوم، فيملئون منها بطونهم، ويجمعون معها شوبا من حميم. أي خلطا من الماء البالغ غاية الحرارة، جاء موضحاً في غير هذا الوضع، كقوله تعالى في الواقعة (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) يقول: لمزجاً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) قال: مزاجاً من حميم. قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) فهم في عناء وعذاب من نار جهنم، وتلا هذه الآية (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) . قوله تعالى (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ) أي: وجدوا آباءهم ضالين. قوله تعالى (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) قال: كهيئة الهرولة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) أي: يسرعون إسراعاً في ذلك. قوله تعالى (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: الذين استخلصهم الله. قوله تعالى (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ) انظر سورة الأنبياء آية (76-77) وسورة المؤمنين آية (23-30) وسورة الشعراء آية (117-120) لبيان قصة نوح وقومه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) قال: أجابه الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) قال: من الغرق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وجعلنا ذريته هم الباقين) يقول: لم يبق إلا ذرية نوح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وتركنا عليه في الآخرين) يقول: يذكر بخير. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وتركنا عليه في الآخرين) يقول: جعلنا لسان صدق للأنبياء كلهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم أغرقنا الآخرين) قال: أنجاه الله ومن معه في السفينة، وأغرق بقية قومه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) وفيها قصة إبراهيم مع أبيه وقومه وانظر لبيان ذلك سورة مريم آية (41-49) وسورة الشعراء آية (69-70) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإن من شيعته لإبراهيم) يقول: من أهل دينه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإن من شيعته لإبراهيم) قال: على منهاجه وسنته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إذ جاء ربه بقلب سليم) قال: سليم من الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما ظنكم برب العالمين) يقول: إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره. قوله تعالى (فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (63) من سورة الأنبياء، وفيه: لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أنه رأى نجما طلع فقال (إِنِّي سَقِيمٌ) قال: كايد نبي الله عن دينه، فقال: إِنِّي سَقِيمٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فتولوا) فنكصوا عنه (مدبرين) منطلقين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ) : فمال إلى آلهتهم، قال: ذهب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) يستنطقهم (مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ) ؟. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فراغ عليهم ضرب باليمين) فأقبل عليهم يكسره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) : فأقبلوا إليه يجرون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) قال: يمشون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) الأصنام. قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا مروان بن معاوية، ثنا أبو مالك عن ربعي ابن حراش عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله يصنع كل صانع وصفته". وتلا بعضهم عند ذلك (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . خلق أفعال العباد. (خلق أفعال العباد 39 ح117 وسنده صحيح) ، وأخرجه ابن أبي عاصم (السنة 1/158 ح357) والحاكم (المستدرك 1/31) كلاهما من طريق ابن أبي مالك به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني في تحقيقه لكتاب السنة وعزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن عبد الله الكردي وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/197) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين) فما ناظرهم بعد ذلك حتى أهلكهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 قوله تعالى (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) وفي هذه الآيات قصة إبراهيم وابنه إسماعيل في رؤية ذبح إسماعيل وفدائه. ولم تذكر هذه القصة إلا في سورة الصافات فقط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ذاهب بعمله وقلبه ونيته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) قال: ولداً صالحاً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) بشر بإسحاق قال: لم يثن بالحلم على أحد غير إسحاق وإبراهيم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) يقول: العمل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) قال: لما شب حتى أدرك سعيه سعي إبراهيم في العمل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) : أي لما مشى مع أبيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) قال: رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا في المنام شيئا فعلوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما أسلما) قال: أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتله للجبين) : أي وكبه لفيه وأخذ الشفرة (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) حتى بلغ (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) قال: بكبش. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: التفت، يعني إبراهيم فإذا بكبش، فأخذوه وخلى عن ابنه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ) قال: أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين. قوله تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) قال: بشر به بعد ذلك نبياً، بعد ما كان هذا من أمره لما جاد لله بنفسه. قوله تعالى (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) قال: المحسن: المطيع، والظالم لنفسه: العاصي لله. قوله تعالى (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) قال: الغرق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي من آل فرعون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) : التوراة، ويعني بالمستبين: المتبين هدى ما فيه وتفصيله وأحكامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 قوله تعالى (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الإسلام. قوله تعالى (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: كان يقال: إلياس هو إدريس. قوله تعالى (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أخرج البخاري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) ؟ قال: ربا. قوله تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في عذاب الله (إلا عباد الله المخلصين) يقول: فإنهم يحضرون في عذاب الله، إلا عباد الله الذين أخلصهم من العذاب (وتركنا عليه في الآخرين) يقول: وأبقينا عليه الثناء الحسن في الآخرين من الأمم بعده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (سلام على إل ياس) قال: إلياس. قوله تعالى (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إلا عجوزا في الغابرين) قال: الهالكين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) قال: نعم والله صباحا ومساء يطئونها وطئا، من أخذ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) قال: في أسفاركم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 قوله تعالى (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) كنا نحدث أنه الموقر من الفلك. قوله تعالى (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فساهم) يقول: أقرع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فساهم فكان من المدحضين) قال: فاحتبست السفينة، فعلم القوم أنما احتبست من حديث أحدثوه، فتساهموا، فقرع يونس، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) يقول: من المقروعين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قال: من المسهومين. قوله تعالى (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: مذنب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) أي في صنعه. قوله تعالى (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) قال ابن كثير: وقيل المراد (فلولا أنه كان من المسبحين) ، هو قوله: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلولا أن كان من المسبحين) كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجاه الله بذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لصار له بطن الحوت قبراً إلى يوم القيامة. قال الشيخ الشنقيطي: تسبيح يونس هذا، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام المذكور في الصافات جاء موضحاً في الأنبياء في قوله تعالى (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) . قوله تعالى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فنبذناه بالعراء) يقول: ألقيناه بالساحل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فنبذنا بالعراء) بأرض ليس فيها شيء ولا نبات. قوله تعالى (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) قال: القرع. قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل، قال: قال الحسن: بعثه الله قبل أن يصيبه ما أصابه (فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) قال: قوم يونس الذين أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت. قال الشيخ الشنقيطي: ما ذكره في هذه الآية الكريمة من إيمان قوم يونس وأن الله متعهم إلى حين، ذكره أيضاً في سورة يونس في قوله تعالى (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) الموت. وانظر سورة يونس آية (98) وتفسيرها. قوله تعالى (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) يعني مشركي قريش. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاستفتهم) يقول: يا محمد سلهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألربك البنات ولهم البنون) ؟ لأنهم قالوا: يعني مشركي قريت: لله البنات، ولهم البنون. قوله تعالى (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ) قال ابن كثير: وقوله (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ) ، أي: كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم؟ كقوله: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ) . قوله تعالى (أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ) يقول: من كذبهم. قوله تعالى (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ) إلى قوله تعالى (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) قال ابن كثير: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ) ، أي: أي شيء يحمله عن أن يختار البنات دون البنين؟ كقوله: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) يقول: كيف يجعل لكم البنين ولنفسه البنات، ما لكم كيف تحكون؟. قوله تعالى (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ) أي: عذر مبين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 قوله تعالى (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ) أي: بعذركم (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . قوله تعالى (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) قال: الجِنة: الملائكة قالوا: هن بنات الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أنها ستحضر الحساب. قوله تعالى (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ) يقول: لا تضلون أنتم، ولا أضل منكم إلا من قد قضيت أنه صال الجحيم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) حتى بلغ (صال الجحيم) يقول: ما أنتم بمضلين أحد من عبادي بباطلكم هذا، إلا من تولاكم بعمل النار. قوله تعالى (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) قال: الملائكة. روى عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: إن من السماوات لسماء ما منها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه قائماً أو ساجداً قال: ثم قرأ عبد الله (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 (التفسير ح2565) ، وأخرجه الطبري (23/112) ، ومحمد بن نصر في (تعظيم قدر الصلاة ح524) ص طريق الأعمش به، قال الألباني. وهو في حكم المرفوع، وإسناده صحيح (السلسلة الصحيحة 3/49) وله شاهد من حديث عائشة مرفوعاً عند الطبري في (تفسيره 23/112) وحسن الألباني إسناده بالشواهد (الصحيحة رقم1059) . وله شاهدان آخران من رواية حكم بن حزام وأبي ذر مرفوعاً، لكن ليس فيهما الآيات، ذكرهما الألباني في (الصحيحة رقم 1060 و1722) . أخرج مسلم بسنده عن جابر بن سمرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها"؟ فقلنا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأُول ويتراصون في الصف". (الصحيح 1/371 ح522 - المساجد ومواضع الصلاة) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإنا لنحن الصافون) قال: الملائكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإنا لنحن الصافون) قال: صفوف في السماء (وإنا لنحن المسبحون) أي المصلون، هذا قول الملائكة يثنون بمكانهم من العبادة. قوله تعالى (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: قد قالت هذه الأمة ذاك قبل أن يبعث محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو كان عندنا ذكرا من الأولين. لكنا عباد الله المخلصين؛ فلما جاءهم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفروا به، فسوف يعلمون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (ذكرا من الأولين) قال: هؤلاء ناس من مشركي العرب قالوا: لو أن عندنا كتابا من كتب، أو جاءنا علم من علم الأولين؟ قال: قد جاءكم محمد بذلك. قوله تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأتباعهم منصورون دائماً على الأعداء بالحجة والبيان، ومن أمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 منهم بالجهاد من ص ور أيضا بالسيف والسنان، والآيات الدالة على هذا كثيرة كقوله تعالى (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) وقوله تعالى (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) ، وقوله تعالى (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) حتى بلغ (لهم الغالبون) قال: سبق هذا من الله لهم أن ينصرهم. قوله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فتول عنهم حتى حين) أي: إلى الموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأبصرهم فسوف يبصرون) حين لا ينفعهم البصر. قوله تعالى (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ) انظر قوله تعالى في سورة الرعد آية (6) (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) وتفسيرها. قوله تعالى (فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) أخرج الشيخان بسنديهما عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس .... فلما دخل القرية قال: "الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". قالها ثلاثا. واللفظ للبخاري مختصراً (صحيح البخاري ح371 - الصلاة، ما يذكر في الفخذ) . (وصحيح مسلم 3/1426 ح1365 - الجهاد، غزوة خيبر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فإذا نزل بساحتهم) قال: بدارهم (فساء صباح المنذرين) قال: بئس ما يصبحون. قوله تعالى (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي: عما يكذبون يسبح نفسه إذا قيل عليه البهتان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 سورة ص قوله تعالى (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان وعبد بن حميد المعنى واحد، قالا: حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان عن الأعمش عن يحيى قال: عبد هو ابن عبّاد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مرِض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعند أبي طالب مَجلس رجل فقام أبو جهل كَيْ يمنعه، وشكوه إلى أبي طالب فقال: يا ابن أخي ما تُريد من قومك؟ قال: إني أُريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب، وتُؤدي إليهم العجم الجزية، قال: كلمة واحدة؟ قال؟ كلمة واحدة، قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلا الله، فقالوا: (إلها واحداً ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) قال: فنزل فيهم القرآن: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) إلى قوله: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ) . (السنن 5/365-366 3232 - ك التفسير، ب ومن سورة ص) . قال أبو عيسى: حديث حسن. وأخرجه ابن حبان (الإحسان 15/79-80 ح6686) من طريق يحيى، عن سفيان به، قال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين ... وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/432) من طريق عبد الله الأسدي عن سفيان به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الحسن (ص) قال: حادث القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ص) قال: قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ص) قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (والقرآن ذي الذكر) قال: ذي الشرف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذي الذكر) أي: ما ذكر فيه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) قال: ها هنا وقع القسم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في عزة وشقاق) : أي في حمية وفراق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولات حين مناص) يقول: ليس حين مغاث. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ولات حين مناص) قال: ليس بحين فرار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وعجبوا أن جاء منذر منهم) يعني محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فقال الكافرون هذا ساحر كذاب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) : أي إن هذا لشيء عجيب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) يقول: النصرانية. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (في الملة الآخرة) قال: ملة قريش. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) أي: في ديننا هذا ولا في زمننا قط. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن هذا إلا اختلاق) يقول: تخريص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن هذا إلا اختلاق) قال: كذب. قوله تعالى (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) قال ابن كثير: وقولهم (أأنزل عليه الذكر من بيننا) ، يعني: أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم، كما قالوا في الآية الأخرى (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) ؟ قال الله تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) . وانظر سورة الزخرف آية (31- 32) . قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) قال ابن كثير: وهذه الآية شبيهة بقوله (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) . وقوله: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فليرتقوا في الأسباب) قال: طرق السماء وأبوابها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فليرتقوا في الأسباب) يقول: في السماء. قوله تعالى (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ) قال: قريش من الأحزاب، قال: القرون الماضية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 قال ابن كثير: أي: هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويُكبتون، كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين. وهذه كقوله: (أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر) ، وكان ذلك يوم بدر، (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) . قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وفرعون ذو الأوتاد) قال: كان له أوتاد وأرسان، وملاعب يلعب له عليها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأصحاب الأيكة) قال: كانوا أصحاب شجر، قال: وكان عامة شجرهم الدوم. وانظر سورة الحجر آية (78) وسورة الشعراء آية (176) . قوله تعالى (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) قال: هؤلاء كلهم قد كذبوا الرسل، فحق عليهم العذاب. قوله تعالى (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً) يعني: أمة محمد (ما لها من فواق) . وأمة محمد هنا أي: قوم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قريش. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ما لها من فواق) يقول: من ترداد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ما لها من فواق) يقول: ليس لهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا. قوله تعالى (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) يقول: العذاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) أي: نصيبنا حظنا من العذاب قبل يوم القيامة، قال: قد قال ذلك أبو جهل اللهم إن كان ما يقول محمد حقا (فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية. قوله تعالى (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ذا الأيد) قال: ذا القوة في طاعة الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه أواب) قال: رجاع عن الذنوب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنه أواب) : أي كان مطيعا لله كثير الصلاة. قوله تعالى (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) يسبحن مع داود إذا سبح بالعشي والإشراق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والطير محشورة) : مسخرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (والطير محشورة كل له أواب) يقول: مسبح لله. قوله تعالى (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (وآتيناه الحكمة) قال: النبوة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وفصل الخطاب) قال: علم القضاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وفصل الخطاب) البينة على الطالب، واليمين على المطلوب، هذا فصل الخطاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 تقوله تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تشطط) أي: لا تمل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا تشطط) يقول: لا تحف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واهدنا إلى سواء الصراط) إلى عدله وخيره. وقوله تعالى (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وعزني في الخطاب) أي: ظلمني وقهرني. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظن داود) : علم داود. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وظن داود أنما فتناه) قال: ظن أنما ابتلي بذاك. قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب وأبو النعمان قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ص ليس من عزائم السجود، وقد رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد فيها. (صحيح البخاري 2/643 ح1069 - ك سجود القرآن، ب سجدة ص) . قال البخاري: حدثني محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عُبيد الطنافسي عن العوام قال: سألت مجاهداً عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ (ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) فكان داود ممن أمِر نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقتدي به، فسجدها داود فسجدها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح البخاري 8/405 ح4807 - ك التفسير، سورة ص) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 قوله تعالى (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فغفرنا له ذلك) الذنب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحسن مآب) أي: حسن مصير. قوله تعالى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إنا جعلناك خليفة) ملكه والأرض (فاحكم بين الناس بالحق) يعني: بالعدل الإنصاف (ولا تتبع الهوى) يقول: ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل يه، فتجر عن الحق (فيضلك عن سبيل الله) يقول: فيميل بك اتباعك هواك في قضائك على العدل والعمل بالحق عن طريق الله الذي جعله لأهل الإيمان فيه، فتكون من الهالكين بضلالك عن سبيل الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (بما نسوا يوم الحساب) ، قال: نسوا: تركوا. قوله تعالى (أُولُو الْأَلْبَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أولوا الألباب) قال: أولوا العقول من الناس. قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً أنه وهب لداود سليمان، أي نبياً، كما قال: (وورث سليمان داود) ، أي: في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (نعم العبد إنه أواب) قال: كان مطيعا لله كثير الصلاة. قوله تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الصافنات الجياد) ، قال: صفوان الفرس: رفع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الجياد) قال: السراع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 لقوله تعالى (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقال إني أحببت حب الخير) أي: المال والخيل، أو الخير من المال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عن ذكر ربي) عن صلاة العصر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى توارت بالحجاب) حتى دلكت براح. قال قتادة: فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (حتى توارت بالحجاب) حتى غابت. قوله تعالى (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها: حبالها. قوله تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وألقينا على كرسيه جسداً) قال: هو صخر الجني على كرسيه جسدا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم أناب) وأقبل، يعني سليمان. قوله تعالى (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن عفريتاً من الجن تفلّت البارحة ليقطع عليّ صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخدته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلُّكم، فذكرت دعوة أخي سُليمان (رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) فرددته خاسئًا". عفريت: متمرد إنس أو جان، مثل زبنية جماعتها الزبانية. (الصحيح 6/527 ح3423 - ك أحاديث الأنبياء، ب قوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان ... ) ، و (صحيح مسلم 1/384 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب جواز لعن الشيطان ... ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) يقول: ملكاً لا أسلبه كما سلبته. قوله تعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تجرى بأمره رخاء) قال: طيبة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (رخاء) يقول: مطيعة له. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (حيث أصاب) يقول: حيث أراد. قوله تعالى (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والشياطين كل بناء وغواص) قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، وغواص يستخرجون الحلي من البحر (وآخرين مقرنين في الأصفاد) قال: مردة الشياطين في الأغلال. قوله تعالى (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: قال الحسن: الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت وامنع ما شئت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فامنن) قال: أعط أو أمسك بغير حساب. قوله تعالى (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) أي: مصير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 قوله تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واذكر عبدنا أيوب) حتى بلغ (بنصب وعذاب) : ذهاب المال والأهل، والضر الذي أصابه في جسده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (اركض برجلك ... ) الآية، قال: ضرب برجله الأرض: أرضا يقال لها الجابية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: ضرب برجله الأرض، فإذا عينان تنبعان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى. قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) قال: قال الحسن وقتادة: فأحياهم الله بأعيانهم، وزادهم مثلهم. قوله تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وخذ بيدك ضغثا) يقول: حزمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخذ بيدك ضغثا) ... الآية، قال: كانت امرأته قد عرضت له بأمر، وأرادها إبليس على شيء، فقال: لو تكلمت بكذا وكذا، وإنما حملها عليها الجزع، فحلف نبي الله: لئن الله شفاه ليجلدنها مئة جلدة، قال: فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبا، والأصل تكملة المئة، فضربها ضربة واحدة، فأبر نبي الله، وخفف الله عن أمته، والله رحيم. وهذه الرواية لها أصل صحيح مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 قوله تعالى (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أولي الأيدي) يقول: أولي القوة والعبادة والأبصار يقول: الفقه في الدين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) قال: بهذه أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله. قوله تعالى (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (هذا ذكر) قال: القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (وإن للمتقين لحسن مآب) قال: لحسن منقلب. قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وعندهم قاصرات الطرف) قال: قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قاصرات الطرف أتراب) قال: أمثال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (هذا ما توعدون ليوم الحساب) قال: هو في الدنيا ليوم القيامة. قوله تعالى (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) قال: رزق الجنة، كلما أخذ منه شيء عاد مثله مكانه، ورزق الدنيا له نفاد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ماله من نفاد) أي: ماله انقطاع. قال ابن كثير: ثم أخبر عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا انقطاع ولا زوال ولا انتهاء، قال: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) ، كقوله تعالى: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإن للطاغين لشر مآب) قال: لشر منقلب. قوله تعالى (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال: كنا نحدث أن الغساق: ما يسيل من بين جلده ولحمه. قوله تعالى (وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود (وآخر من شكله أزواج) قال: الزمهرير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وآخر من شكله أزواج) يقول: من نحوه. قوله تعالى (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هذا فوج مقتحم معكم) في النار (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم) . حتى بلغ: (فبئس القرار) قال: هؤلاء الأتباع يقولون للرءوس. قوله تعالى (وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أتخذناهم سخريا) قال: أخطأناهم (أم زاغت عنهم الأبصار) ولا تراهم؟. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) قال: فقدوا أهل الجنة (أتخذناهم سخريا) في الدنيا (أم زاغت عنهم الأبصار) وهم معنا في النار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 قال ابن كثير: وهذا مثل ضرب، وإلا فكل الكفار هذا حالهم: يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار، فلما دخل الكفار (النار) افتقدوهم فلم يجدوهم، فقالوا (ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا) ، أي: في الدنيا (أم زاغت عنهم الأبصار) ، يُسَلُّون أنفسهم بالمحال، يقولون: أو لعلهم معنا في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم. فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات، وهو قوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) إلى قوله: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) . وانظر سورة الأعراف آية (44-49) . قوله تعالى (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون) قال: القرآن. وقوله (أنتم عنه معرضون) يقول: أنتم عنه منصرفون لا تعلمون به ولا تصدقون بما فيه من حجج الله وآياته. قوله تعالى (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) قال الترمذي: حدثنا سلمة بن شبيب وعبد بن حميد قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، قال أحسبه في المنام فقال يا محمد: هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت: لا، قال فوضع يده بين كتفي حتى وجدتُ بردها بين ثدييّ أو قال في نحري، فعلمتُ ما في السماوات وما في الأرض، قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلتُ نعم، قال: في الكفارات، والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات إنشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام. قال أبو عيسى: وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلا، وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس. (السنن 5/366-367 - ك التفسير) . وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه بنحوه من حديث معاذ بن جبل وصححه ونقل تصحيح البخاري له (السنن 5/368 ح3235) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما كان لي علم بالملأ الأعلى) قال: هم الملائكة، كانت خصومتهم في شأن آدم حين قال ربك للملائكة: (إني خالق بشراً من طين) ... حتى بلغ (ساجدين) حين قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) ... حتى بلغ (ويسفك الدماء) ، ففي هذا اختصم الملأ الأعلى. قوله تعالى (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) انظر سورة البقرة آية (30) حديث أبي موسى الأشعري. قوله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) انظر سورة البقرِة آية (30-34) ، وانظر سورة الإسراء آية (61-62) . قوله تعالى (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) قال: والرجيم: اللعين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 قوله تعالى (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) ، قال: علم عدو الله أنه ليست له عزة. قال ابن كثير: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) كما قال: (أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) ، وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى، وهي قوله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) . وانظر سورة الإسراء آية (62-65) . قوله تعالى (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (الحق والحق أقول) قال: قسم أقسم الله به. قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الِجنة والناس أجمعين) وكقوله تعالى: (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً) . وانظر سورة الإسراء آية (63) وسورة السجدة آية (13) . قوله تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى (لأنذركم به ومن بلغ) ، (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) . قوله (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) : أي بعد الموت، قال الحسن: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 سورة الزمر قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن العظيم- من عنده تبارك وتعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) . وانظر سورة فصلت آية (42) وتفسيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق) يعني: القرآن. قوله تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألا لله الدين الخالص) شهادة أن لا إله إلا الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قبلهم يقوله للملائكة ولعيسى ابن مريم ولعزير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا، إلا ليشفعوا لنا عند الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 قوله تعالى (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) قال ابن كثير: ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى، فقال: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء) أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون. وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه، بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه، كما قال: (لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) ، (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) - كل هذا من باب الشرط، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم. قوله تعالى (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) يقول: يحمل الليل على النهار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قال: يغشى هذا هذا، ويغشى هذا هذا. قوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (خلقكم من نفس واحدة) يعني آدم، ثم خلق منها زوجها حواء، خلقها من ضلع من أضلاعه. وانظر سورة النساء آية (1) وتفسيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، من كل واحد زوج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا بعد خلق) نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم لحما، ثم أنبت الشعر، أطوار الخلق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (في ظلمات ثلاث) قال: البطن والرحم والمشيمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنى تصرفون) قال: كقوله (تؤفكون) . قوله تعالى (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فيقولوا: لا إله إلا الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا يرضى لعباده الكفر) قال: لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإن تشكروا يرضه لكم) قال: إن تطيعوا يرضه لكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال: لا يؤخذ أحد بذنب أحد. وانظر سورة الإسراء آية (15) وتفسيرها. قوله تعالى (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإذا مس الإنسان ضر) قال: الوجع والبلاء والشدة (دعا ربه منيبا إليه) قال: مستغيثا به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ثم إذا خوله نعمة منه) قال: إذا أصابته عافية أو خير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نسي) يقول: ترك، هذا في الكفر خاصة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وجعل لله أندادا) قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم في معاصي الله. وانظر سورة البقرة آية (24) لبيان أصحاب النار. قوله تعالى (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا) أخرج الطبري سنده الحمن عن السدي في قوله (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا) قال: القانت: المطيع. وقوله (آناء الليل) يعني: ساعات الليل. قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) قال: العافية والصحة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وأرض الله واسعة) فهاجروا واعتزلوا الأوثان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) لا والله ما هناكم مكيال وميزان. قوله تعالى (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) قال: هم الكفار الذين خلقهم الله للنار، وخلق النار لهم، فزالت عنهم الدنيا، وحرمت عليهم الجنة، قال الله (خسر الدنيا والآخرة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 قوله تعالى (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) قال ابن كثير: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) كما قال: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين) وقال: (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) . وانظر سورة الأعراف آية (41) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (والذين اجتنبوا الطاغوت) قال: الشيطان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنابوا إلى الله) : وأقبلوا إلى الله. قال ابن كثير: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي: يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تعالى لموسى حين أتاه التوراة (فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتبعون أحسنه) وأحسنه طاعة الله. قوله تعالى (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) بكفره. قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ … ) انظر سورة العنكبوت آية (58) وفيها حديث أبي مالك الأشعري وفيه صفة الغرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) انظر سورة الكهف آية (45) . قوله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) يعني: كتاب الله هو المؤمن، به يأخذ، وإليه ينتهي. قال ابن كثير: وقوله: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) أي: هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق؟ كقوله تعالى: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ولهذا قال: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) أي: فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم، (أولئك في ضلال مبين) . انظر سورة البقرة آية (79) لبيان لفظ (ويل) . قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) انظر حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم عند الآية (1-3) من سورة يوسف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) ... الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كتابا متشابهاً مثاني) قال: في القرآن كله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مثاني) قال: ثنى الله فيه الفرائض، والقضاء، والحدود. وانظر سورة الأنفال آية (2) وتفسيرها لبيان أثر تلاوة وسماع القرآن في المؤمنين. قوله تعالى (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب) قال: يخر على وجهه في النار، يقول: هو مثل (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) . قال ابن كثير: يقول تعالى (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) ويقرع فيقال له ولأمثاله من الظالمين (ذوقوا ما كنتم تكسبون) كمن يأتي آمنا يوم القيامة؟. كما قال تعالى: (أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى أمن يمشى سوياً على صراط مستقيم) وقال: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) وقال: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) . قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) بينا للناس فيه بضرب الأمثال، (لعلهم يتذكرون) ، فإن المثل يُقرب المعنى إلى الأذهان، كما قال تعالى: (ضرب الله مثلاً من أنفسكم) ، أي تعلمونه من أنفسكم، وقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) . قوله تعالى (قرآناً عربياً غير ذي عوج) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قرآناً عربياً غير ذي عوج) : غير ذي لبس. وأخرج الآجري بسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل (قرآناً عربياً غير ذي عوج) قال: غير مخلوق. وإسناده حسن تقدم في المقدمة وقد أخرجه الآجري بإسناد ابن أبي حاتم والطبري نفسه (الشريعة ص 77) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل) قال: هذا مثل إله الباطل وإله الحق. ا. هـ. أي: المشرك والمؤمن المخلص. قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: لما نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال الزبير: يا رسول الله أتكرَّر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال: نعم، فقال: إن الأمر إذاً لشديد. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/370 ح3236 - ك التفسير، ب سورة الزمر) . وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر (المسند رقم 1434) . وصححه الحاكم في (المستدرك 2/435 ك التفسير) ، والضياء المقدسي في (المختارة 3/49-53 ح852-856) من طرق، عن محمد بن عمرو بن علقمة به، وحسن المحقق أسانيدها. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/100) . وقال البوصيري: رواه الحميدي ورواته ثقات (الإتحاف - التفسير ص363) . قال النسائي: أخبرنا محمد بن عامر، قال: حدثنا منصور بن سلمة، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد (بن جبير) ، عن ابن عمر، قال: نزلت هذه الآية، وما نعلم في أي شيء نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قلنا: من نخاصم؟! ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة، حتى وقعت الفتنة. قال ابن عمر: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه. (التفسير ح467) وأخرجه الطبري (24/2) وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (4/54) من طرق يعقوب به، وحسن إسناده محقق النسائي. وأخرجه الحاكم في (المستدرك 4/572-573) من طريق القاسم بن عوف الشيباني عن ابن عمر مطولاً، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، والقاسم فيه ضعيف (انظر تهذيب التهذيب 8/326-327) . وأخرجه الطبراني كما في المجمع (7/100) بنحو لفظ الحاكم، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرجه نعيم بن حماد في (الفتن ح400) لكن من رواية عبد الله بن عمرو، وفي إسناده مبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال: أهل الإسلام وأهل الكفر. قوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكذب بالصدق إذ جاءه) أي: بالقرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والذي جاء بالصدق) يقول: جاء بلا إله إلا الله (وصدق به) يعني: رسوله. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أولئك هم المتقون) يقول: اتقوا الشرك. قوله تعالى (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) قال ابن كنير: يعني: في الجنة، مهما طلبوا وجدوا، (ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) كما قال في الآية الأخرى (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) . قوله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أليس الله بكاف عبده) يقول: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ويخوفونك بالذين من دونه) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون. قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) انظر سورة آل عمران آية (173) وسورة الأنعام آية (17) وتفسيريهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 قوله تعالى (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (على مكانتكم) قال: على ناحيتكم (إني عامل) كذلك على تؤدة على عمل من سلف من أنبياء الله قبلي (فسوف تعلمون) إذا جاءكم بأس الله، من المحق منا من المبطل والرشيد من الغوى. قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) انظر سورة الإسراء آية (15) وتفسيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أنت عليهم بوكيل) أي: بحفيظ. قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) قال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن عبد الملك، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا آوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا. وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور". (الصحيح 11/117 ح6312 - ك الدعوات، ب ما يقول إذا نام) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) قال: تقبض الأرواح عند نيام النائم، فتقبض روحه في منامه، فتلقى الأرواح بعضها بعضاً أرواح الموتى وأرواح النيام، فتلقى فتسائل، قال: فيخلي عن أرواح الأحياء، فترجع إلى أجسادها، وتريد الأخرى أن ترجع، فيحبس التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، قال: إلى بقية آجالها. قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان. والوفاة الصغرى عند المنام كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . فذكر الوفاتين: الصغرى ثم الكبرى. وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى. قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) الآلهة (قل أولو كانوا لا يملكون شيئا) الشفاعة. قوله تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ) : أي نفرت قلوبهم واستكبرت (وإذا ذكر الذين من دونه) الآلهة (إذا هم يستبشرون) . قوله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ … ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فاطر السماوات والأرض) فاطر، قال: خالق، وفي قوله (عالم الغيب) قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه (والشهادة) : ما عرف العباد وشهدوا، فهو يعلمه. قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) انظر سورة آل عمران آية (91) وسورة الرعد آية (18) . قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) انظر سورة النحل آية (34) وانظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 قوله تعالى (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم إذا خولناه نعمة منا) حتى بلغ (على علم) : أي على خير عندي. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إذا خولناه نعمة منا) قال: أعطيناه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هي فتنة) : أي بلاء. قوله تعالى (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) قال ابن كثير: (قد قالها الذين من قبلهم) ، أي: قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى، كثير ممن سلف من الأمم، (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) أي: فما صح قولهم ولا منعهم جمعهم وما كانوا يكسبون، (فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء) ، أي: من المخاطبين (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) أي: كما أصاب أولئك (وما هم بمعجزين) كما قال تعالى مخبراً عن قارون أنه قال له قومه: (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) . وقال تعالى: (وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين) . قوله تعالى (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جُريج أخبرهم قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، لو تُخبرنا أن لما عملنا كفّارة. فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون) ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) . (الصحيح 8/411 ح4810 - ك التفسير، سورة الزمر) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (1/113 ح122 - ك الإيمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله) . قال الحاكم: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القارئ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا الحسن ين الربيع، ثنا عبد الله بن إدريس، حدثني محمد بن إسحاق قال: وأخبرني نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر قال: كنا نقول ما لمفتن توبة وما الله بقابلٍ منه شيئاً، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أنزل فيهم (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) والآيات التي بعدها قال عمر: فكتبتها فجلست على بعيري، ثم طفت المدينة، ثم أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة ينتظر أن يأذن الله له في الهجرة وأصحابه من المهاجرين، وقد أقام أبو بكر - رضي الله عنه - ينتظر أن يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخرج معه. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/435 - ك التفسير، وصححه الذهبي) وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 1/317-319 ح212-214) من طريق عن ابن إسحاق به، وحكم محققه بحسن أسانيدها. وقد عزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله ثقات. (مجمع الزوائد 6/61) وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن السكن في كتابه الصحابة بسند صحيح (الإصابة 3/572) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الذين أسرفوا على أنفسهم) قال: قتل النفس في الجاهلية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنيبوا إلى ربكم) : أي أقبلوا إلى ربكم. قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (واتبعوا الحسن ما أنزل إليكم من ربكم) يقول: ما أمرتم به في الكتاب (من قبل أن يأتيكم العذاب) . قال الحاكم: حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي، ثنا محمد بن عمرو الجرشي، ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فتكون عليه حسرة، وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني فيكون له شكر. ثم تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/435 - ك التفسير) ، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير 4514) وانظر سورة الأعراف آية (43) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (يا حسرتا) قال: الندامة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (على ما فرطت في جنب الله) قال: في أمر الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) الآية، قال: هذا قول صنف منهم (أو تقول لو أن الله هداني) الآية، قال: هذا قول صنف آخر: (أو تقول حين ترى العذاب) .. الآية، يعني بقوله (لو أن لي كرة) رجعة إلى الدنيا، قال: هذا صنف آخر. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) قال: أخبر الله ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في الله أو تقول لو أن الله هداني) ... إلى قوله (فأكون من المحسنين) يقول: من المهتدين، فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى، وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وقال: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة يقول الله ردا لقولهم، وتكذيباً لهم، يعني لقول القائلين: (لو أن الله هداني) ، والصنف الآخر: (بلى قد جاءتك آياتي) … الآية. قوله تعالى (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) انظر سورة البقرة آية (167) وسورة الأعراف آية (36) وسورة الشعراء آية (102) . قوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) انظر سورة آل عمران آية (106) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 قوله تعالى (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ) قال: بفضائلهم. قوله تعالى (له مقاليد السماوات والأرض) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مقاليد السماوات والأرض) مفاتيحها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (له مقاليد السماوات والأرض) قال: خزائن السماوات والأرض. قوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عُبيدة عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثَرَى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) . (الصحيح 8/412 ح4811 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) . (صحيح مسلم 4/2147 - ك صفة القيامة والجنة والنار نحوه) . وقال البخاري: حدثنا سعيد بن عُفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض". (الصحيح 8/413 ح4812 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) ، (وأخرجه مسلم في الصحيح رقم2781) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أنها قالت يا رسول الله: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: "على الصراط يا عائشة". هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/372 ح3242 - ك التفسير، ب سورة الزمر) . وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي الترمذي) ، وصححه الحاكم في (المستدرك 2/436 - ك التفسير في حديث طويل) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما قدروا الله حق قدره) قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره. قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ … ) قال البخاري: حدثني الحسن، حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا عبد الرحيم عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش، فلا أدري، أكذلك كان، أم بعد النفخة". (الصحيح 8/413 ح4813 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) وفي رواية بلفظ "فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق أو كان ممن استثنى الله". (الصحيح ح3408 - ك أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى) . قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح قال: لسمعت أبا هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوماً؟ قال: أبيت. قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت، قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، وببلى كل شيء من الإنسان، إلا عجْب ذنبه، فيه يُركب الخَلق". (الصحيح 8/413 ح4814 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2270 - ك الفتن، ب ما بين النفختين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 قال الترمذى: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن مُطرف عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف أنعم وقد التقم صاحب القَرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ! قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال، قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل توكلنا على الله ربنا، وربما قال سفيان: على الله توكلنا". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد رواه الأعمش أيضاً عن عطية عن أبي سعيد (السنن 5/372-373 - ك التفسير، ب سورة الزمر) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح3243) . وأخرجه ابن حبان (الإحسان 3/105) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/559) . وانظر حديث عبد الله بن عمرو المتقدم عند الآية (73) من سورة الأنعام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في والأرض) قال: مات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) قال: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. قوله تعالى (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ثم نفخ فيه أخرى) قال: في الصور، وهي نفخة البعث. (أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فإذا هم قيام ينظرون) قال: حين يبعثون. قوله تعالى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وقوله (وأشرقت الأرض بنور ربها) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووضع الكتاب) قال: كتاب أعمالهم. أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وجيء بالنبيين والشهداء) فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وبتكذيب الأمم إياهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وجيء بالنبيين والشهداء) : الذين استشهدوا في طاعة الله. قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) انظر رواية الطبري بسنده عن علي بن أبي طالب في سورة الأعراف آية (43) . قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار؟ وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد. كما قال تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) ، أي: يدفعون إليها دفعا. هذا وهم عطاش ظماء، كما قال في الآية الأخرى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) . وهم في تلك الحال صم وبكم وعمي، منهم من يمشى على وجهه، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (زمرا) قال: جماعات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) بأعمالهم. قوله تعالى (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) انظر سورة الحجر آية (44) لبيان عدد أبواب جهنم أنها سبعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) أخرج البخاري بسنده عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون". (الصحيح ح3257 - كتاب بدء الخلق، ب صفة أبواب الجنة) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (طبتم) قال: كنتم طيبين في طاعة الله. قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال ابن كثير: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) ، أي: يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر، والعطاء العظيم، والنعيم المقيم، والملك الكبير، يقولون عند ذلك: (الحمد لله الذي صدقنا وعده) ، أي: الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام، كما دعوا في الدنيا: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأورثنا الأرض) قال: أرض الجنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) ننزل منها حيث نشاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى الملائكة حافين من حول العرش) محدقين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يسبحون بحمد ربهم) ... الآية، كلها قال: فتح أول الخلق بالحمد لله، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وختم بالحمد فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) . وانظر تفسير بداية سورة الفاتحة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 سورة غافر قوله تعالى (حم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (حم) قسم أقسمه الله، وهو اسم من أسماء الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حم) قال: اسم من أسماء القرآن. قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) قال ابن كثير: وهو كقوله تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) ، يقرن هذين الوصفين كثيراً في مواضع متعددة من القرآن، ليبقي العبد بين الرجاء والخوف. وانظر سورة الحجر آية (49-50) . قوله تعالى (ذي الطول) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذي الطول) يقول: ذي السعة والغنى. قوله تعالى (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) انظر سورة الحج آية (3) قول الشيخ الشنقيطي لبيان جدل الكفار بغير علم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) أسفارهم فيها، ومجيئهم وذهابهم. قال ابن كثير: يقول تعالى: ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان (إلا الذين كفروا) أي: الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) أي: في أموالهم ونعيمها وزهرتها، كما قال: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) وقال تعالى: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) . وانظر سورة آل عمران آية (196-197) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 لقوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم) قال: الكفر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) أي: ليقتلوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأخذتهم فكيف كان عقاب) قال: شديد والله. قوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) انظر سورة الحاقة آية (17) لبيان عدد حملة العرش وهم ثمانية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ويستغفرون للذين آمنوا) لأهل لا إله إلا الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاغفر للذين تابوا) من الشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتبعوا سبيلك) أي: طاعتك. لقوله تعالى (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) قال ابن كثير: أي: اجمع بينهم وبينهم، لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة، كما قال: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) ، أي: ساوينا بين الكل في المنزلة، لتقر أعينهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقهم السيئات) أي: العذاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 قوله تعالى (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ) قال: مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم، إذ يدعون إلى الإيمان، فيكفرون أكبر. قوله تعالى (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان. وانظر سورة البقرة آية (28) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فهل إلى خروج من سبيل) : فهل إلى كرة في الدنيا. قوله تعالى (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) انظر سورة الإسراء آية (46) وفيها (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا) . قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) انظر سورة الروم آية (20-25) لبيان بعض آياته سبحانه وتعالى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إلا من ينيب) قال: من يقبل إلى طاعة الله. قوله تعالى (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها، كما قال تعالى: (من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) وسيأتي بيان ما بين العرش إلى الأرض السابعة، في قول جماعة من السلف والخلف، وهو الأرجح إن شاء الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 وقوله: (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) كقوله تعالى (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) وكقوله (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يلقى الروح من أمره) قال: الوحي من أمره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يوم التلاق) من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يوم التلاق) : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، والخالق والخلق. قوله تعالى (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) انظر سورة الكهف آية (47) وسورة إبراهيم آية (21-48) . قوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمعه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القصاص ولم أسمعه، فابتعت بعيرا فشددت رحلي عليه ثم سرت شهرا حتى قدمت مصر، فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فأتاه فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى خرج إليّ فاعتنقني واعتنقته فقلت له: حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم أسمعه في القصاص فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال عبد الله سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 يقول: يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا بهما قال: قلنا: ما بهما، قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى اقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات قال: وتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) . صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/437-438 - ك التفسير، وصححه الذهبي) ، وأخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم مختصراً وحسن إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح 1/173-174) ، ووافقه الألباني في (السلسلة الصحيحة 1/302) . وانظر سورة الزلزلة آية (6-8) . قال ابن كثير: وقوله (إن الله سريع الحساب) ، أي: يحاسب الخلائق كلهم، كما يحاسب نفساً واحدة، كما قال: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) وقال: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر) . قوله تعالى (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) انظر سورة النجم آية (57) لبيان يوم الآزفة أي: يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) قال: شخصت أفئدتهم عن أمكنتهم، فنشبت في حلوقهم، فلم تخرج من أجوافهم فيموتوا ولم ترجع إلى أمكنتها فتستقر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ما للظالمين من حميم ولا شفيع) قال: من يعنيه أمرهم، ولا شفيع لهم. قوله تعالى (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ) قال: نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 قوله تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) انظر سورة يوسف آية (109) وسورة غافر آية (82) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما كان لهم من الله من واق) يقيهم، ولا ينفعهم. قوله تعالى (وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) : أي عذر مبين. قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) قال: هذا غير القتل الأول الذي كان. قوله تعالى (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إني أخاف أن يبدل دينكم) : أي أمركم الذي أنتم عليه (أو أن يظهر في الأرض الفساد) والفساد عنده أن يعمل بطاعة الله. قوله تعالى (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وقال رجل مؤمن من آل فرعون) قال: هو ابن عم فرعون، ويقال: هو الذي نجا مع موسى. أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفع عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) . (الصحيح ح8415 - التفسير، سورة المؤمن) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) : مشرك أسرف على نفسه بالشرك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) قال: المسرف: هو صاحب الدم ويقال: هم المشركون. قوله تعالى (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ) يقول: مثل حال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين من بعدهم) قال: هم الأحزاب. قوله تعالى (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) يوم ينادي أهل الجنة أهل النار (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) وينادي أهل النار أهل الجنة (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) . قال ابن كثير: وقيل سمى بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار: (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) . ومناداة أهل النار أهل الجنة: (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار، كما هو مذكور في سورة الأعراف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 قوله تعالى (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم تولون مدبرين) أي: منطَلَقا بكم إلى النار. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يوم تولون مدبرين) قال: فارين غير معجزين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما لكم من الله من عاصم) أي من ناصر. قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ) قال: قبل موسى. قوله تعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا) وكان أول من بنى بهذا الآجر وطبخه (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) أي: أبواب السماوات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) قال: طرق السماوات. وانظر سورة القصص آية (38) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وصد عن السبيل) قال: فعل ذلك به، زين له سوء عمله، وصد عن السبيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كيد فرعون إلا في تباب) يقول: في خسران. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 قوله تعالى (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) انظر سورة الرعد آية (26) لبيان متاع أي: قليل ذاهب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن الآخرة هي دار القرار) استقرت الجنة بأهلها، واستقرت النار بأهلها. قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) أي شركاً، (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا) أي خيراً (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: لا والله ما هناكم مكيال ولا ميزان. قوله تعالى (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ) قال: الإيمان بالله. قوله تعالى (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) وهى الآية مفسرة للآية التي قبلها. قوله تعالى (لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) انظر سورة النحل آية (62) لبيان لا جرم أي: بلى. قال ابن كثير: وهذا كقوله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) ، (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) أي: لا ينفع ولا يضر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأن المسرفين) قال: السفاكون الدماء بغير حقها، هم أصحاب النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأن المسرفين هم أصحاب النار) أي: المشركون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأفوض أمري إلى الله) قال: أجعل أمري إلى الله. قوله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيئات ما مكروا) قال: وكان قبطيا من قوم فرعون فنجا مع موسى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قول الله (وحاق بآل فرعون سوء العذاب) قال: قوم فرعون. وانظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع. قوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة". (الصحيح 3/286 ح1379 - ك الجنائز، ب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) ، وأخرجه (مسلم 8/160 - ك الجنة وصفة نعيمها، ب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) قال: يعرضون عليها صباحا مساء، ويقال لها: يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغارا لهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 قوله تعالى (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) انظر سورة البقرة آية (166-167) . قوله تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قول الله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قد كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون، وذلك أن تلك الأمة التي تفعل بالأنبياء والمؤمنين لا تذهب حتى يبعث الله قوماً فينتصر بهم لأولئك الذين قتلوا منهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم يقوم الأشهاد) من ملائكة الله وأنبيائه، والمؤمنين به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ويوم يقوم الأشهاد) يوم القيامة. قوله تعالى (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) انظر المرسلات آية (36) . قوله تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) انظر سورة آل عمران آية (41) . قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) لم يأتهم بذاك سلطان. انظر سورة الحج آية (3) لبيان جدل الكفار بغير حجه ولا علم. قوله تعالى (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) قال: عظمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 قوله تعالى (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة، وأن ذلك سهل عليه، يسير لديه - بأنه خلق السماوات والأرض، وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة، فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى: (أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شيء قدير) . قوله تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ) انظر سورة الأنعام آية (50) . قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) قال مسلم: وحدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا الربيع (يعني ابن مسلم) عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: "إن في الجمعة لساعة. لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيراً، إلا أعطاه إياه" قال: وهي ساعة خفيفة. (الصحيح 2/584 - ك الجمعة، ب في الساعة التي في يوم الجمعة) . قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر وعلي بن خشرم. قالا: أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بُكير. ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرنا مخرمة عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. قال: قال لي عبد الله بن عمر: أسمعتَ أباك يُحدّث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن ساعة الجمعة؟ قال قلت: نعم. سمعته يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة". (الصحيح مسلم 2/584 ك الجمعة - ب في الساعة التي في يوم الجمعة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن زرِّبن عبد الله الهمداني عن سبيع الكندي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) . (السنن - الدعاء، ب فضل الدعاء - 3828) ، (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم من طريق الأعمش به، نحوه وقال: الترمذي حسن صحيح (المسند 4/271) ، (السنن لأبي داوود - الصلاة، ب الدعاء) (السنن للترمذي - الدعوات، ب ما جاء في فضل الدعاء 5/456) وانظر (تفسير ابن كثير 7/143) . وقال الألباني صحيح (صحيح ابن ماجة 2/324) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/172) ح890 قال محققه: إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.. والحاكم في المستدرك 1/491 وصححه ووافقه الذهبي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ادعوني أستجب لكم) يقول: وحدوني أغفر لكم. وانظر سورة البقرة آية (186) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) قال: عن دعائي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (داخرين) قال: صاغرين. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) انظر سورة الإسراء آية (12) . قوله تعالى (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) انظر سورة الأعراف آية (117) لبيان تؤفكون: تكذبون. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ … ) انظر سورة البقرة آية (22) . قال ابن كثير: (وصوركم فأحسن صوركم) أي: فخلقكم في أحسن الأشكال، ومنحكم أكمل الصور في الحسن تقويم (ورزقكم من الطيبات) أي: من المآكل والمشارب في الدنيا. فذكر أنه خلق الدار، والسكان، والأرزاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 فهو الخالق الرازق، كما قال في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . قوله تعالى (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) انظر سورة البقرة آية (255) لبيان (الحي لا إله إلا هو) وبداية سورة الفاتحة لبيان (الحمد لله رب العالمين) . قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) انظر سورة آل عمران آية (95) لبيان أن آدم خلق من تراب، وانظر سورة الحج آية (5) لبيان أطوار خلق الإنسان، وسورة النحل آية (4) . قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) انظر سورة البقرة آية (117) لبيان (كن فيكون) . قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) انظر سورة الحج آية (3) لبيان جدال الكفار بغير علم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أنى يصرفون) : أنى يكذبون ويعدلون. قوله تعالى (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) انظر سورة الحاقة آية (32) حديث الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. قال ابن كثير: وقوله (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) أي: متصلة بالأغلال، بأيدي الزبانية يسحبونهم على وجوههم، تارة إلى الحميم وتارة إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 الجحيم. ولهذا قال: (يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) كما قال تعالى (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) وقال بعد ذكره أكلهم الزقوم وشربهم الحميم (ثم إن مرجعهم إلى الجحيم) وقال (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (يسجرون) قال: يوقد بهم النار. قوله تعالى (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) قال ابن كثير: وقوله (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله) أي: قيل لهم: أين الأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ (قالوا ضلوا عنا) ، أي: ذهبوا فلم ينفعونا، (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) أي: جحدوا عبادتهم، كقوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) ولهذا قال: (كذلك يضل الله الكافرين) . قوله تعالى (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) قال: تبطرون وتأشرون. قوله تعالى (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) انظر سورة الزمر آية (71) ، وسورة الحجر آية (44) لبيان عدد أبواب جهنم أنها سبعة. قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ... ) انظر سورة النساء آية (164) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) انظر سورة النحل الآيات (5، 66، 80) وسورة الزمر آية (6) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) يعني: الإبل تحمل أثقالكم إلى بلد. قوله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) انظر سورة يوسف آية (109) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وآثاراً في الأرض) المشي بأرجلهم (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) يقول: فلما جاءهم بأسنا وسطوتنا، لم يغن عنهم ما كانوا يعملون من البيوت في الجبال، ولم يدفع عنهم ذلك شيئا، ولكنهم بادوا جميعا فهلكوا. قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (فرحوا بما عندهم من العلم) قال: قولهم: نحن أعلم منهم، بن نعذب، ولن نبعث. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فرحوا بما عندهم من العلم) بجهالتهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) ما جاءتهم به رسلهم من الحق. وانظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع. قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) انظر سورة يونس آية (90-92) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 قوله تعالى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فلما رأوا بأسنا) قال: النقمات التي نزلت بهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلم يك ينفع إيمانهم لما رأوا بأسنا) : لما رأوا عذاب الله في الدنيا لم ينفعهم الإيمان عند ذلك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سنة الله التي قد خلت في عباده) يقول: كذلك كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 سورة فصلت قوله تعالى (حم) انظر بداية سورة غافر. قوله تعالى (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) انظر بداية سورة الزمر وبداية سورة الفاتحة. قوله تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (فصلت آياته) قال: بينت آياته. قال ابن كثير: وقوله (كتاب فصلت آياته) أي: بينت معانيه وأحكمت أحكامه، (قرآناً عربياً) أي: في حال كونه لفظاً عربياً، بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه غير مشكلة، كقوله (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) ، أي: هو معجز من حيث لفظه ومعناه. وانظر سورة هود آية (1) . قوله تعالى (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) انظر سورة البقرة آية (119) . قوله تعالى (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (قلوبنا في أكنة) قال: عليها أغطية كالجعبة للنبل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (وقالوا قلوبنا في أكنة) قال: عليها أغطية (وفي آذاننا وقر) قال: صمم. وانظر سورة الأنعام آية (25) وسورة الإسراء آية (46) لبيان الأكنة والوقر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 قوله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) قال: هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) قال: لا يقرون بها ولا يؤمنون بها، وكان يقال: إن الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أجر غير ممنون) يقول: غير منقوص. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لهم أجر غير ممنون) قال: محسوب. قوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) انظر سورة البقرة آية (22) لبيان معنى أنداداً أي: شركاء. وانظر سورة الفاتحة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لبيان معنى رب العالمين. قوله تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) انظر سورة لقمان آية (10) لبيان (رواسي) أي: جبال. انظر سورة البقرة آية (29) قول مجاهد وأبي العالية وابن عباس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وقدر فيها أقواتها) يقول: أقواتها لأهلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقدر فيها أقواتها) : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها وساكنها من الدواب كلها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وقدر فيها أقواتها) قال: من المطر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سواء للسائلين) قال: من سأل عن ذلك وجده، كما قال الله. قوله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) انظر سورة الأنعام آية (97) وتفسيرها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وأوحى في كل سماء أمرها) قال: ما أمر الله به وأراده. قال ابن كثير: وهذا القول يشبه ما ذكره في قوله تعالى (وآتاكم من كل ما سألتموه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأوحى في كل سماء أمرها) : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (زينا السماء الدنيا بمصابيح) قال: ثم زين السماء بالكواكب، فجعلها زينة (وحفظا) من الشياطين. قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) قال: يقول: أنذرتكم وقيعة مثل وقيعة عاد وثمود، قال: عذاب مثل عذاب عاد وثمود. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 قوله تعالى (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ريحا صرصرا) قال: شديدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في أيام نحسات) أيام والله كانت مشئومات على القوم. قوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وأما ثمود فهديناهم) : أي بينا لهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما ثمود فهديناهم) بينا لهم سبيل الخير والشر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاستحبوا العمى على الهدى) قال: اختاروا الضلالة والعمى على الهدى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاستحبوا العمى) يقول: بينا لهم، فاستحبوا العمى على الهدى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (عذاب الهون) قال: الهوان. قوله تعالى (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) انظر حديث الحاكم عن معاوية في الآية (22) من السورة نفسها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فهم يوزعون) قال: يحبس أولهم على آخرهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 قوله تعالى (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ) أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضحك، فقال: "هل تدرون مم أضحك"؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟. قال: يقول: بلى. قال: فيقول فإني لا أُجيز على نفسي إلا شاهداً مني. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال: فيختم على فيه. فيقال لأركانه: انطقي. قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام. قال: فيقول: بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكنّ كنت أناضل. (الصحيح - الزهد ح9692 ص2280) . قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا يزيد بن زريع عن رَوح ابن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم) الآية. كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف -أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش- في بيت، فقال بعضهم لبعض: أترون أن الله يسمع حديثنا؟ قال: بعضهم: يسمع بعضه، وقال بعضهم: لإن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله، فأنزلت: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم) الآية. (الصحيح 8/424 ح4816 - ك التفسير - سورة فصلت، ب الآية) ، (وصحيح مسلم ح2775 - ك صفات المنافقين) . وانظر حديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (80) من سورة التوبة. وقد أخرجه البخاري كذلك (13/504 ح7521 - ك التوحيد) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 قال الحاكم: (حدثناه) أبو بكر محمد بن أحمد بني بالويه، ثنا بشر بن موسى ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ أبو قزعة الباهلي، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تحشرون هاهنا وأومى بيده إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، وإن أول من يعرب عن أحدكم فخذه وتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) . (المستدرك 2/439 -440 - ك التفسير، (وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) ، وأخرجه الترمذي بنحوه وقال: حسن صحيح (السنن ح2424) ، وصححه الألباني في (فضائل الشام ح13) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وما كنتم تستترون) : أي تستخفون منها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وما كنتم تستترون) قال: تتقون. قوله تعالى (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: الظن ظنان، فظن مُنْجٍ، وظن مُردٍ (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) قال (إني ظننت أني ملاق حسابيه) ، وهذا الظن المنجي ظنا يقيناً، وقال ها هنا (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) هذا ظن مُرْدٍ. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (أرداكم) قال: أهلككم. قوله تعالى (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وقيضنا لهم قرناء) قال: شياطين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (فزينوا لهم ما بين أيديهم) من أمر الدنيا (وما خلفهم) من أمر الآخرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين، وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته، وهو الحكيم في أفعاله، بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس والجن (فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي: حسنوا لهم أعمالهم في الماضي، وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إلا محسنين، كما قال تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) . قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والغوا فيه) قال: بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ القرآن، قريش تفعله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) : أي اجحدوا به وأنكروه وعادوه، قال: هذا قول مشركي العرب. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هو الشيطان، وابن آدم الذي قتل أخاه. انظر سورة المائدة آية (27-29) حديث البخاري عن عبد الله بن مسعود. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب. قالا: حدثنا ابن نمير ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم، جميعا عن جرير. ح وحدثنا أبو كريب. حدثنا أبو أسامة، كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً بعدك (وفي حديث أبي أسامة: غيرك) قال: "قل آمنت بالله فاستقم". (الصحيح 1/65 ح38 - ك الإيمان، ب جامع أوصاف الإسلام) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) يقول: على أداء فرائضه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) قال: عند الموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ألا تخافوا ولا تحزنوا) قال: لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما بعدكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة) فذلك في الآخرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) في الدنيا. قوله تعالى (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا، ونحن أولياؤكم في الآخرة. قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) .. الآية، قال: هذا عبد صدق قوله عمله، ومولجه مخرجه، وسره علانيته، وشاهده مغيبه، وإن المنافق عبد خالف قوله عمله، ومولجه مخرجه، وسره علانيته وشاهده مغيبه. قوله تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ادفع بالتي هي الحسن) قال: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنه ولي حميم) : أي كأنه ولي قريب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 قوله تعالى (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يلقاها إلا الذين صبروا) الآية. والحظ العظيم: الجنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) يقول: الذين أعد الله لهم الجنة. قوله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) انظر تفسير الاستعاذة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) قال: وسوسة، وحديث النفس (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) . وانظر سورة المؤمنون آية (97-98) . قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد. قال: حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بالناس فأطال القراءة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القراءة وهى دون قراءته الأولى، ثم ركع فأطال الركوع دون ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم قام فقال: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يُريهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة". (الصحيح 2/633-634 ح1058 - ك الكسوف، ب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته) ، وحديث عائشة أخرجه مسلم في (صحيحه 2/620 ح901 - ك الكسوف، ب صلاة الكسوف) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) قال: يابسة متهشمة (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) يقول تعالى ذكره: فإذا أنزلنا من السماء غيثا على هذه الأرض الخاشعة اهتزت بالنبات، يقول: تحركت به. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (اهتزت) قال: بالنبات (وربت) يقول: انتفخت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قال: كما يحيي الأرض بالمطر كذلك يحيي الموتى بالماء يوم القيامة بين النفختين، يعني بذلك تأويل قوله (إن الذي أحياها لمحيي الموتى) . قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إن الذين يلحدون في آياتنا) قال: المكاء وما ذكر معه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الذين يلحدون في آياتنا) قال: يكذبون في آياتنا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (اعملوا ما شئتم) قال: هذا وعيد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم) وكفروا بالقرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإنه لكتاب عزيز) يقول: أعزه الله لأنه كلامه، وحفظه من الباطل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 قوله تعالى (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) الباطل: إبليس لا يستطع أن ينقص منه حقا، ولا يزيد فيه باطلا. قوله تعالى (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) يعزي نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تسمعون، يقول: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) قال: ما يقولون إلا ما قد قال المشركون للرسل من قبلك. قوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) انظر آية (3-5) من السورة نفسها وما نقل فيها عن ابن كثير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته) يقول: بينت آياته، أأعجمي وعربي، نحن قوم عرب ما لنا وللعجمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) قال: جعله الله نورا وبركة وشفاء للمؤمنين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) قال: القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليم عمى) عموا وصموا عن القرآن، فلا ينتفعون به، ولا يرغبون فيه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أولئك ينادون من مكان بعيد) قال: بعيد من قلوبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 لقوله تعالى (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) قال: أخروا إلى يوم القيامة. قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) انظر سورة الإسراء آية (7) . قوله تعالى (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ … ) قال ابن كثير: (إليه يرد علم الساعة) أي: لا يعلم ذلك أحد سواه، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو سيد البشر لجبريل -وهو من سادات الملائكة- حين سأله عن الساعة، فقال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل". وكما قال تعالى: (إلى ربك منتهاها) . وقال: (لا يجليها لوقتها إلا هو) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (من أكمامها) قال: حين تطلع. انظر سورة الأنعام آية (59) وتفسيرها لبيان قوله تعالى (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها) وسورة الرعد آية (8) وتفسيرها لبيان قوله تعالى (وما تحمل من أنثي ولا تضع إلا بعلمه) . قوله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) انظر سورة الكهف آية (52) وسورة القصص آية (62) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (آنذاك) يقول: أعلمناك. قوله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) قال ابن كثير: (وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي: وظن المشركون يوم القيامة، وهذا بمعنى اليقين (ما لهم من محيص) أي: لا محيد لهم عن عذاب الله، كقوله تعالى: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وظنوا ما لهم من محيص) : استيقنوا أنه ليس لهم ملجأ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 قوله تعالى (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ) يقول: الكافر (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) قانط من الخير. قوله تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) انظر سورة البقرة آية (177) لبيان (ضراء) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليقولن هذا لي) أي: بعملي، وأنا محقوق بهذا (وما أظن الساعة قائمة) يقول: وما أحسب القيامة قائمة يوم تقوم (ولئن رُجعت إلى ربي) يقول: وإن قامت أيضاً القيامة، ورددت إلى الله حيا بعد مماتي (إن لي عنده للحسنى) يقول: إن لي عنده غنى ومالا. قوله تعالى (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (أعرض ونأى بجانبه) يقول: أعرض: صد بوجهه، ونأى بجانبه: يقول: تباعد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فذو دعاء عريض) يقول: كثير، وذلك قول الناس: أطال فلان الدعاء: إذا أكثر، وكذلك أعرض دعاءه. قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) قال ابن كثير: (حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) ؟ أي: كفى بالله شهيداً على أفعال عباده وأقوالهم، وهو يشهد أن محمداً صادق فيما أخبر به عنه، كما قال: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) . قوله تعالى (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ) يقول: في شك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 سورة الشورى قوله تعالى (حم (1) عسق) انظر بداية سورة غافر. قوله تعالى (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن هشام ابن عروة، عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحيانا يأتيني مثل صَلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيُفصم عنّي وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول". قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً. (الصحيح 1/25-26 ح2 - ك بدء الوحي) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/1816 ح2333 - ك الفضائل، ب عرق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قوله تعالى (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن) أي: من عظمة الله وجلاله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (تكاد السماوات يتفطرن) قال: يتشققن، في قوله (منفطر به) قال: منشق به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (ويستغفرون لمن في الأرض) قال: للمؤمنين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) قال الترمذى: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واقفاً على الحزورة فقال: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. (السنن 5/722 ح3925 - ك المناقب، ب في فضل مكة) ، وأخرجه ابن ماجة في (سننه 2/1037 ح3108 - ك المناسك، ب فضل مكة) ، من طريق عيسى بن حماد، والدارمي في (السنن 2/239 - ك السير، ب إخراج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة) ، من طرش عبد الله بن صالح، كلاهما عن الليث به. وأخرجه الإمام أحمد في (مسنده 4/305، من طريق شعيب عن الزهري به. وصححه الألباني (صحيح الترمذي 3/250 ح3082) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (لتنذر أم القرى) قال: مكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وتنذر يوم الجمع) قال: يوم القيامة. قال ابن كثير: وقوله (فريق في الجنة وفريق في السعير) كقوله: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) أي: يغبن أهل الجنة أهل النار. وكقوله تعالى: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) . قوله تعالى (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (فاطر السماوات والأرض) قال: خالق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد يا قوله (يذرؤكم فيه) قال: نسل بعد نسل من الناس والأنعام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (يذرؤكم) قال: يخلقكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يذرؤكم فيه) قال: عيش من الله يعيشكم فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 قوله تعالى (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (له مقاليد السماوات والأرض) قال: مفاتيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (له مقاليد السماوات والأرض) قال: خزائن السماوات والأرض. قوله تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) انظر سورة الأحزاب آية (7) وتفسيرها لبيان الوصية هي الميثاق الذي أخذه الله على هؤلاء الأنبياء صلوات الله عليهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ما وصى به نوحا) قال: ما أوصاك به وأنبياءه، كلهم دين واحد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) بعث نوح حين بعث بالشريعة لتحليل الحلال، وتحريم الحرام (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (أن أقيموا الدين) قال: اعملوا به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تتفرقوا فيه) تعلموا أن الفرقة هلكة وأن الجماعة ثقة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) قال: أنكرها المشركون، وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، فصادمها إبليس وجنوده، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) يقول: ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحق من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه. قوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم) فقال: إياكم والفرقة فإنها هلكة (بغيا بينهم) يقول: بغيا من بعضكم على بعض وحسدا وعداوة على طلب الدنيا (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى) يقول جل ثناؤه: ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب، ولكنه أخر ذلك إلى أجل مسمى وذلك الأجل المسمى فيما ذكر: يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) قال: اليهود والنصارى. قوله تعالى (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأمرت لأعدل بينكم) قال: أمر نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه، والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه. قال ابن كثير: وقوله (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) أي: نحن برآء منكم، كما قال تعالى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لا حجة بيننا وبينكم) قال: لا خصومة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له) قال: طمع رجال بأن تعود الجاهلية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم) قل: هم اليهود والنصارى، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أنزل الكتاب بالحق والميزان) قال: العدل. قال ابن كثير: ثم قال (الله الذي أنزل الكتاب بالحق) يعني: الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه (والميزان) هو: العدل والإنصاف، قاله مجاهد، وقتادة. وهذه كقوله تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) وقوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) . قوله تعالى (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا) قال ابن كثير: وقوله (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) أي: يقولون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) ؟ وإنما يقولون ذلك تكذيباً واستبعاداً، وكفراً وعناداً. وانظر سورة القمر آية (1) . قوله تعالى (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم، لا ينسى أحداً منهم، سواء في رزقه البرّ والفاجر، كقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . ولها نظائر كثيرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) قال الحاكم: حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي، ثنا أحمد بن عبيد الله النرسي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا عمران بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد الوالي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الله عز وجل: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/443 - ك التفسير، وصححه الذهبي) وأخرجه الترمذي في (السنن برقم 2466) وقال: حسن غريب. وابن حبان في (صحيحه 2/119 ح393) وأخرجه الحاكم من رواية معقل بن يسار بنحوه، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/326) ووافقهما الألباني في (السلسلة الصحيحة رقم950) . قال أحمد: ثنا عبد الرزاق أنا سفيان، عن أبي سلمة، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض". وهو يشك في السادسة، قال: "فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب". (المسند 5/134) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/132 ح405) ، من طرق عبد العزيز بن مسلم. والحاكم في (المستدرك 4/311) من طريق المغيرة الخرساني. والضياء المقدسي (المختارة 3/358-359) من طرق، كلهم عن الربيع بن أنس به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسّن إسناده الأرناؤوط في حاشية الإحسان، وكذا محقق المختارة وصححه الألباني (صحيح الترغيب 1/87-88 ح21) . قال ابن كثير: (من كان يريد حرث الآخرة) ، أي: عمل الآخرة، (نزد له في حرثه) ، أي: نقويه ونعينه على ما هو بصدده، ونكثر نماءه، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أن يشاء الله. (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) ، أي: ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا، وليس له إلى الآخرة همة البتة بالكلية، حرمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 الله الآخرة، والدنيا إن شاء أعطاه منها، وإن شاء لم يحصل له لا هذه ولا هذه، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة. والدليل على هذا أن هذه الآية هاهنا مقيدة بالآية التي في (سبحان) وهي قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) . وانظر سورة هود آية (15) وفيها تفصيل تقييد المطلق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا) ... الآية، يقول: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيب في الآخرة إلا النار، ولم نزده بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا قد فرغ منه وقسم له. قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال ابن كثير: وقوله (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) أي: هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، من تحريم ما حرموا عليهم، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل الميتة والدم والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة. التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم، من التحليل والتحريم، والعبادات الباطلة، والأقوال الفاسدة. وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رأيت عمرو بن لُحَي بن قمعة يجر قصبه في النار". لأنه أول من سيب السوائب. وانظر سورة المائدة آية (103) فقد تقدم تخريج الحديث فيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 قوله تعالى (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوسا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئل عن قوله (إلا المودة في القربى) فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال ابن عباس: عجلتَ، إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. (الصحيح 8/426 ح4818 - ك التفسير - سورة الشورى، ب الآية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى) قال: كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال: يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني احفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الحسن في قوله: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قل لا أسألكم على ما جئتكم به، وعلى هذا الكتاب أجرا، إلا المودة في القربى، إلا أن توددوا إلى الله بما يقربكم إليه، وعمل بطاعته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قول الله عز وجل (ومن يقترف حسنة) قال: يعمل حسنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله غفور) للذنوب، (شكور) للحسنات يضاعفها. قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) فينسيك القرآن. وانظر سورة الحاقة آية (44) وتفسيرها في بيان الرد على المكذبين لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ … ) قال مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم -واللفظ لعثمان- قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا جرير عن الأعمش، عن عُمارة بن عُمير، عن الحارث بن سُويد، قال: دخلتُ على عبد الله أعوده وهو مريض. فحدثا بحديثين: حديثا عن نفسه وحديثاً عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لَلَّهِ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوّية مَهلكة. معه راحلته. عليها طعامه وشرابه. فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتى أدركه العطش. ثم قال: ارجع إلى مكاني الذي كنتُ فيه. فأنام حتى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت. فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده". (الصحيح 4/2013 ح2744 - ك التوبة، ب في الحض على التوبة والفرح بها) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه ح6308 - الدعوات، ب التوبة) . وانظر سورة النساء آية (110) وتفسيرها لبيان قبول الله التوبة من عباده التائبين مهما بلغت الذنوب. قوله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ … ) قال الحاكم: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى المقري ببغداد، ثنا أبو قلابة الرقاشي، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا هشام بن أبي عبد الله، ثنا قتادة وتلا قول الله عز رجل (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) فقال: ثنا خليد بن عبد الله العصري عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان إنهما ليسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وما غربت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهم عجل لمنفق خلفا وعجل لممسك تلفا". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/444-445) ووافقه الذهبي. وصححه جماعة من النقاد كما في تخريج حديث أبي الدرداء في سورة يونس آية 52) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) الآية ... قال: كان يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك. قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (من بعد ما قنطوا) قال: يئسوا. قال ابن كثير: وقوله (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) . قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وما بث فيهما من دابة) قال: الناس والملائكة (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) يقول: وهو على جمع ما بث فيهما من دابة إذا شاء جمعه، ذو قدرة لا يتعذر عليه، كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه. قوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) قال الترمذي: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر - واسمه: أحمد بن عبد الله الهمداني الكريمة - قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي جحيفة، عن عليّ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أصاب حداً فعجل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حداً فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكمل من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه". (السنن 5/16 ح2626 - ك الإيمان، ب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن) ، وأخرجه ابن ماجة (2/868 ح2604 - ك الحدود، ب الحد كفارة) من طريق محمد بن عبيد المديني. والحاكم (المستدرك 2/445 - ك التفسير) من طريق محمد بن الفرج، كلاهما عن حجاج بن محمد به. قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد من طريق يونس به، وصححه أحمد شاكر (المسند 2/118، 119 رقم775) وقال الزيلعي: رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد متصل ثابت (تخريج أحاديث الكشاف 3/242) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 قال ابن كثير: (ويعفو عن كثير) أي: عن السيئات، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) . قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الجوار في البحر) قال: السفن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كالأعلام) قال: كالجبال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الرياح فيظللن رواكد على ظهره) سفن هذا البحر تجري بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فيظللن رواكد على ظهره) يقول: وقوفاً. قوله تعالى (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أو يوبقهن) يقول: يهلكهن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو يوبقهن بما كسبوا) أي: بذنوب أهلها. قوله تعالى (ما لهم من محيص) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (ما لهم من محيص) : ما لهم من ملجأ. قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) انظر أحاديث البخاري الثلاثة الواردة تحت الآية رقم (134) من سورة آل عمران لبيان فضل كظم الغيظ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 قوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) قال ابن كثير: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ، أي: لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها، كما قال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) ولهذا كان عليه السلام يشاورهم في الحروب ونحوها، ليطيب بذلك قلوبهم. وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة حين طُعن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر، وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم أجمعين، فاجتمع رأي الصحابة على تقديم عثمان عليهم، رضي الله عنهم. قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا. قوله تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) قال ابن كثير: قوله تعالى (وجزاء سيئةٍ سيئةً مثلها) كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدىَ عليكم) وكقوله: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله: (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وجزاء سيئةٍ سيئةً مثلها) قال: إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي. قوله تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) قال: هذا فيما يكون بين الناس من القصاص، فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 قوله تعالى (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة: إنه ما شاء كان ولا راد له، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له، وأنه من هداه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، كما قال: (ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) . ثم قال مخبراً عن الظالمين، وهم المشركون بالله (لما رأوا العذاب) أي: يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا (يقولون هل إلى مَرَدّ من سبيل) كما قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (هل إلى مَردٍّ من سبيل) يقول: إلى الدنيا. قوله تعالى (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (خاشعين) قال: خاضعين من الذل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله عز وجل (من طرف خفي) قال: ذليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ينظرون من طرف خفي) قال: يسارقون النظر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 قوله تعالى (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) قال ابن كثير: وقوله (ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) أي: ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا مكان يستركم وتتنكرون لربكم فيه، فتغيبون عن بصره -تبارك وتعالى- بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليه، (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما لكم من ملجأ) قال: من محرز. وقوله (من نكير) قال: ناصر ينصركم. قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ) قال ابن كثير: وقوله (فإن أعرضوا) ، يعني: المشركين. (فما أرسلنا عليهم حفيظاً) ، أي: لست عليهم بمصيطر. وقال تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) . وقال تعالى: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) . وقال ها هنا: (إن عليك إلا البلاغ) ، أي: إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم. قوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتدة، قوله (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) قادر والله ربنا على ذلك أن يهب للرجل ذكورا ليست معهم أنثى، وأن يهب للرجل ذكرانا وإناثا، فيجمعهم له جميعا (ويجعل من يشاء عقيما) لا يولد له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) قال: يخلط بينهم يقول: التزويج أن تلد المرأة غلاما، ثم تلد جارية، ثم تلد غلاما ثم تلد جارية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ويجعل من يشاء عقيما) يقول: لا يلقح. قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله عز وجل (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً) يوحي إليه (أو من وراء حجاب) موسى كلمه الله من وراء حجاب (أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء) قال: جبرائيل يأتي بالوحي. قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن في قوله (روحا من أمرنا) قال: رحمة من أمرنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) قال: وحياً من أمرنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم - (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) يعني: بالقرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال تبارك وتعالى (ولكل قوم هاد) داع يدعوهم إلى الله عز وجل. وانظر سورة الفاتحة في بيان الصراط المستقيم هو: الإسلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 سورة الزخرف قوله تعالى (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) انظر بداية تفسير سورة غافر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) مبين والله بركته، وهداه ورشده. قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) قال ابن كثير: (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) أي: بلغة العرب فصياً واضحاً.. كما قال تعالى (بلسان عربي مبين) الشعراء آية (95) . قوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام يعني الدستوائي، حدثني القاسم ابن أبي بزة، حدثني عروة بن عامر، سمعت ابن عباس يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق، فالكتاب عنده، ثم قرأ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) . (السنة 2/410 ح898) ، وأخرجه الطبري (التفسير 25/48) من طريق بن علية عن الدستوائي به. وإسناده صحيح. (انظر: مرويات أحمد في التفسير 4/81 ح149) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنه في أم الكتاب لدينا) قال: أي: جملة الكتاب أي أصل الكتاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لدينا لعلي حكيم) يخبر عن منزلته وفضله وشرفه. قوله تعالى (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) قال: تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) قال: أفنضرب عنكم العذاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) : أي مشركين، والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، فدعا إليه عشرين سنة، أو ما شاء الله من ذلك. قوله تعالى (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) قال ابن كثير: وقوله (فأهلكنا أشد منهم بطشاً) أي: فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشاً، من هؤلاء المكذبين لك يا محمد؟ كقوله (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومضى مثل الأولين) قال: عقوبة الأولين. قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (الذي جعل لكم الأرض مهادا) قال: بساطا (وجعل لكم فيها سبلا) قال: الطرق (لعلكم تهتدون) يقول: لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البلدان والقرى والأمصار، لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم، ولكنها نعمة أنعم بها عليكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا. قوله تعالى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذي نزل من السماء ماء بقدر الآية، كما أحيا الله هذه الأرض الميتة بهذا الماء كذلك تبعثون يوم القيامة. قوله تعالى (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) انظر سورة النحل الآيات (5-66-80) والزمر (6) وغافر آية (79) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 قوله تعالى (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله. حدثنا حجاج بن محمد. قال: قال ابن جرير: أخبرني أبو الزبير، أن علي الأزدي أخبره، أن ابن عمر علمهم، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى السفر، كبر ثلاثاً ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ... (الصحيح - ك الحج، ب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره حديث رقم/1342) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون: (بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) ، وإذا ركبتم الإبل قلتم: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون: اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما كنا له مقرنين) يقول: مطيقين. قوله تعالى (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وجعلوا له من عباده جزءا) قال: ولدا وبنات من الملائكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلوا له من عباده جزءا) : أي عدلا. قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ) انظر سورة الإسراء آية (40) . قوله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (بما ضرب للرحمن مثلا) قال: ولداً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهو كظيم) أي: حزين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 قوله تعالى (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) قال الجواري جعلتموهن للرحمن ولدا، كيف تحكمون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) قال: النساء. قوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) انظر سورة الإسراء آية (40) . قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لو شاء الرحمن ما عبدناهم) للأوثان يقول الله عز وجل (ما لهم بذلك من علم) يقول: ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم، وإنما يقولونه تخرصاً وتكذباً، لأنهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا برهان. وإنما يقولونه ظنا وحسبانا (إن هم إلا يخرصون) يقول: ما هم إلا متخرصون هذا القول الذي قالوه، وذلك قولهم (لو شاء الرحمن ما عبدناهم) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن هم إلا يخرصون) ما يعلمون قدرة الله على ذلك. قوله تعالى (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (على أمة) : ملة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قالوا وجدنا آباءنا على أمة) قال: على دين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنا على آثارهم مهتدون) يقول: وإنا متبعوهم على ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 قوله تعالى (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها) قاداتهم ورءوسهم في الشرك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإنا على آثارهم مقتدون) قال: بفعلهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنا على آثارهم مقتدون) فاتبعوهم على ذلك. قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه) .. الآية، قال: كايدهم، كانوا يقولون: إن الله ربنا (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) ، فلم يبرأ من ربه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إلا الذي فطرني) قال: خلقني. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلها كلمة باقية) قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (في عقبه) قال: ولده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لعلهم يرجعون) أي: يتوبون، أو يذكرون. قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون) قال: هؤلاء قريش قالوا للقرآن الذي جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا سحر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على رجل من القريتين عظيم) قال عتبة بن ربيعة: من أهل مكة، وابن عبد ياليل الثقفي: من الطائف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (رجل من القريتين عظيم) قال: الرجل: الوليد بن المغيرة، قال: لو كان ما يقول محمد حقا أنزل على هذا، أو على ابن مسعود الثقفي، والقريتان: الطائف ومكة، وابن مسعود الثقفي من الطائف اسمه عروة بن مسعود. قوله تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الله تبارك وتعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسما بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فتلقاه ضيف الحيلة، عيي اللسان، وهو مبسوط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة، سليط اللسان، وهو مقتور عليه، قال الله حل ثناؤه: (نحن قسمنا ليسهم معيشتهم في الحياة الدنيا) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) قال: يستخدم بعضهم بعضاً في السخرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) ملكة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورحمة ربك خير مما يجمعون) يعني: الجنة. قوله تعالى (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) يقول الله سبحانه: لولا أن جعل الناس كلهم كفارا، لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لبيوتهم سقفا من فضة) السقف: أعلى البيوت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ومعارج) قال: معارج من فضة وهي درج. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومعارج عليها يظهرون) أي: درجاً عليها يصعدون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وسررا) قال: سرر فضة. قوله تعالى (وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وزخرفا) هو الذهب. انظر سورة الرعد آية (26) لبيان متاع الحياة الدنيا: أي قليل ذاهب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والآخرة عند ربك للمتقين) خصوصا. قوله تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا) يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا (فهو له قرين) . قوله تعالى (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) انظر سورة الكهف آية (103-104) . قوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) انظر سورة ق آية (27) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: حتى إذا جاءانا هو وقرينه جميعا. ا. هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 قوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) انظر سورة البقرة آية (17) وسورة النمل آية (80) لي سورة الروم آية (52) . قوله تعالى (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق، ثنا الحسن بن علي بن زياد، ثنا محمد بن عبيد بن حساب، ثنا عبد بن ثور عن معمر عن قتادة، في قوله تعالى (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) فقال: قال أنس: ذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبقيت النقمة ولم ير الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/447 - ك التفسير، وصححه الذهبي) ، وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان 4/118-119 ح1410) . وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 6/107-109 ح2017-2100) من طرق عن حميد الطويل، عن أنس به. (وصححه محقق الشعب: رجاله ثقات) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) فذهب الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه، وأبقى الله النقمة بعده، وليس من نبي إلا وقد رأى في أمته العقوبة، أو قال ما لا يشتهي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) كما انتقمنا من الأمم الماضية (أو نرينك الذي وعدناهم) فقد أراه الله ذلك وأظهره عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) : أي الإسلام. قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وإنه لذكر لك ولقومك) يقول: إن القرآن شرف لك. قال ابن كثير: وقيل معناه (وإنه لذكر لك ولقومك) أي: لتذكير لك ولقومك، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم. كقوله تعالى: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) وكقوله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 قوله تعالى (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) يقول: سل أهل التوراة والإنجيل: هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده؟. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أجعلنا من دون الرحمن ألهة يعبدون) ؟. أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الآلهة من دون الله؟. قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ) قال ابن كثير: وهذا كقوله تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) . سورة الأعراف آية: 133-135 وانظر تفسيرهما. قوله تعالى (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ومن هذه الآيات المعجزات التسع انظر سورة الإسراء آية (101) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون) أي: يتوبون، أو يذكرون. قوله تعالى (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون) قال: قالوا يا موسى: ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (بما عهد عندك) قال: لئن آمنا ليكشفن عنا العذاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذا هم ينكثون) : أي يغدرون. قوله تعالى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) قال ابن كثير: وهذا كقوله تعالى (فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) سورة النازعات آية: 23-25. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهذه الأنهار تجري من تحتي) قال: كانت لهم جنات وأنهار ماء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) قال: بل أنا خير من هذا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) قال: ضعيف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا يكاد يبين) : أي عيي اللسان. قوله تعالى (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو جاء معه الملائكة مقترنين) أي: متتابعين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (الملائكة مقترنين) قال: يمشون معا. قوله تعالى (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا) يقول: أسخطونا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فَلَمَّا آَسَفُونَا) قال: أغضبوا ربهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) قال: قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فجعلناهم سلفا) قال: في النار. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومثلا للآخرين) قال: عبرة لمن بعدهم. قوله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا شيبان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري قال ابن عباس: لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط، فما أدري أعلمها الناس، فلم يسألوا عنها، أم لم يفطنوا لها، فيسألوا عنها؟! ثم طفق يحدثنا، فلما قام، تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها، فقلت: أنا لها إذا راح غداً، فلما راح الغد، قلت: يا ابن عباس، ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط، فلا تدري أعلمها الناس، فلم يسألوا عنها، أم لم يفطنوا لها؟ فقلت: أخبرني عنها، وعن اللاتي قرأت قبلها. قال: نعم، إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لقريش: "يا معشر قريش، إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير" وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم، وما تقول في محمد، فقالوا: يا محمد، ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً من عباد الله صالحاً؟ فلئن كنت صادقاً، فإن آلهتهم لكما تقولون. قال: فأنزل الله عز وجل: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) الزخرف: 57. قال: قلت: ما يصدون؟ قال: يضجون، (وإنه لعلم للساعة) الزخرف: 61، قال: هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 (المسند 4/328-329 ح2921) وصححه المحقق أحمد شاكر، وأخرجه ابن جان (ح6817) مختصراً والطبراني من طريق شيبان به (المعجم الكبير 12/153 ح12740) وقال الهيثمي: فيه عاصم ابن بهدله وثقه أحمد وغيره وهو سيئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/104) وقد توبع عاصم في رواية الحاكم فأخرجه من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/448) ، وصححه السيوطي (لباب النقول ص189) ، وحسنه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي 5/85 ح2918) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إذا قومك منه يصدون) قال: يضجون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) قال: خاصموه، فقالوا: يزعم أن كل من عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة هؤلاء قد عبدوا من دون الله، قال: فأنزل الله براءة عيسى. قال ابن ماجة: حدثنا علي بن المنذر، ثنا عبد بن فضيل. ح وحدثنا حوثرة ابن محمد، ثنا محمد بن بشر، قالا: ثنا حجاج بن دينار، عن أبي طالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل" ثم تلا هذه الآية: (بل هم قوم خصمون) . (السنن 1/19 ح48 - المقدمة، ب اجتناب أهل البدع والجدل) ، أخرجه الترمذي من طريق عبد ابن حميد عن محمد بن بشر عن حجاج بن دينار به وقال: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديثه (الجامع الصحيح - التفسير - سورة الزخرف) وقال الألباني. حسن (صحيح ابن ماجة 1/15) . وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/447، 448) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) يعني بذلك عيسى ابن مريم، ما عدا ذلك عيسى ابن مريم، إن كان إلا عبداً أنعم الله عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) أي: آية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) يقول: يخلف بعضهم بعضاً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) قال: يعمرون الأرض بدلا منكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإنه لعلم للساعة) قال: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (وإنه لعلم للساعة) هذا القرآن. لقوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولما جاء عيسى بالبينات) أي بالإنجيل. وقوله (قال قد جئتكم بالحكمة) قيل: عني بالحكمة في هذا الموضع: النبوة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) قال: من تبديل التوراة. وانظر سورة الفاتحة لبيان (الصراط المستقيم) هو الإسلام. لقوله تعالى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فاختلف الأحزاب من بينهم) قال: اليهود والنصارى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (من عذاب يوم أليم) قال: من عذاب يوم القيامة. قوله تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأتِيَهُمْ بَغْتَة وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) انظر سورة الأنعام آية (31) . قوله تعالى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 قوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) أي: تنعمون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (يطاف عليهم بصحاف من ذهب) قال: القصاع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأكواب) قال: الأكواب التي ليست لها أذان. قوله تعالى (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) انظر حديث أبي هريرة عند سورة المؤمنون آية (10) . قوله تعالى (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهم فيه مبلسون) : أي مستسلمون. قوله تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) قال: مالك خازن النار، قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدون، قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، (لقد جئناكم بالحق) ، قال: الذي جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولكن أكثركم للحق كارهون) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثركم لما جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحق كارهون. قوله تعالى (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) قال: مجمعون: إن كادوا شرا كدنا مثله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) قال: أم أجمعوا أمرا فإنا مجمعون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (بلى ورسنا لديهم يكتبون) قال: الحفظة. قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن جاهد (قل إن كان للرحمن ولد) كما تقولون (فأنا أول العابدين) المؤمنين بالله، فقولوا ما شئتم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب (إن كان للرحمن ولد) : أي إن ذلك لم يكن، ولا ينبغي. قال ابن كثير: يقول تعالى (قل) يا محمد (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) أي: لو فرض هذا لعبدته على ذلك، لأني عبد من عبيده، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض كان هذا، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضاً، كما قال تعالى: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الواحد القهار) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (رب العرش عما يصفون) أي: يكذبون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) قال: يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) : أي يعبد في السماء وفي الأرض. قال ابن كثير: وقوله (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) أي: هو إله من في السماء، وإله من في الأرض، يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له، أذلاء بين يديه، (وهو الحكيم العليم) . وهذه الآية كقوله تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) أي: هو المدعو الله في السماوات والأرض. قوله تعالى (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) قال: عيسى وعزير، والملائكة. قوله تعالى (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) قال: فأبر الله عز وجل قول محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) قال: هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكوا قومه إلى ربه. ويؤكد هذا التفسير قوله تعالى (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) سورة الفرقان آية: 30. قوله تعالى (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ) قال: اصفح عنهم، ثم أمره بقتالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 سورة الدخان قوله تعالى (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) انظر سورة القصص آية (2) وسورة غافر آية (1) . قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، كما قال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) . قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن محمد بن زياد القباني، ثنا أبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثني أبي ثنا عثمان بن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يعني: ليلة القدر ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل. صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/448-449 - ك التفسير) وصححه الذهبي وأخرجه البيهقي عن الحاكم به (شعب الإيمان 7/261-262 ح3388) وقال المحقق: إسناده رجاله ثقات. قوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله جلوساً، وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن قاصا عند أبواب كندة يقُص ويزعم، أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار. ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام. فقال عبد الله، وجلس وهو غضبان: يا أيها الناس! اتقوا الله. مَن علم منكم شيئا، فليقل بما يعلم. ومن لم يعلم. فليقل: الله أعلم. فإنه أعلم لأحدكم أن يقول، لما لا يعلم: الله أعلم. فإن الله عز وجل قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) - إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رأى من الناس إدباراً. فقال: "اللهم! سبع كسبع يوسف". قال فأخذتهم سنة حصتّ كل شيء. حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع. وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان. فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد! إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم. وإن قومك قد هلكوا. فادع الله لهم. قال الله عز وجل: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) إلى قوله: (إنكم عائدون) قال: أفيُكشف عذاب الآخرة؟ (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) فالبطشة يوم بدر. وقد مضت آية الدخان: البطشة، واللزام، وآية الروم. (الصحيح 4/2155-2156 ح2798 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب الدخان) . وأخرجه البخاري (الصحيح - الاستسقاء ح1007، والتفسير ح4809) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فارتقب) أي: فانتظر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. فأنزل الله عز وجل (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) قال: فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: مضر؟ إنك لجريء، فاستسقى، فسُقوا، فنزلت (إنكم عائدون) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) قال: يعني يوم بدر. (الصحيح 8/434-435 ح4821 - ك التفسير - سورة الدخان، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2156-2157) . قوله تعالى (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: دخلتُ على عبد الله فقال: إن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم. إن الله قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) . إن قريشاً لما غلبوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستعصوا عليه قال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنةٌ أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع (قالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربه، فكشف عنهم فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فدلك قوله تعالى (يوم تأتى السماء بدخان مبين -إلى قوله جل ذِكْره- إنا منتقمون) . (الصحيح 8/435 ح4822 - ك التفسير - سورة الدخان، ب الآية) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 قال ابن كثير: وقوله (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) أي: يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم، كقوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) . وكذا قوله (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) وهكذا قال ها هنا: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) . يقول: كيف لهم بالتذكر، وقد أرسلنا إليهم رسولاً بين الرسالة والنذارة، ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه، بل كذبوه وقالوا: معلم مجنون. وهذا كقوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (أنى لهم الذكرى) يقول: كيف لهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أنى لهم الذكرى) بعد وقوع البلاء. قوله. تعالى (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) قال: تولوا عن محمد عليه الصلاة والسلام، وقالوا: معلم مجنون. قوله تعالى (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا كاشفوا العذاب قليلا) يعني الدخان (إنكم عائدون) إلى عذاب الله. قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس، قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة. وسنده صحيح. وذكره ابن كثير وصحح سنده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 قوله تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) يعني: موسى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أن أدوا إلى عباد الله) قال: أرسلوا معي بني إسرائيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن لا تعلوا على الله) أي: لا تبغوا على الله (إني آتيكم بسلطان مبين) : أي بعذر مبين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) أي: أن ترجمون بالحجارة. قوله تعالى (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون) حتى بلغ (إنهم جند مغرقون) قال: لما أخرج آخر بني إسرائيل أراد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضرب البحر بعصاه، حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم، فقيل له (واترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (واترك البحر رهوا) يقول: سمتا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واترك البحر رهوا) كما هو طريقاً يابسا. قوله تعالى (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ومقام كريم) أي: حسن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونعمة كانوا فيها فاكهين) ناعمين، قال: إي والله، أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورطه في البحر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذلك وأورثناها قوماً آخرين) يعني: بني إسرائيل. قوله تعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فما بكت عليهم السماء والأرض) قال: بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات، وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله. قوله تعالى (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين) بقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم. قال ابن كثير: وقوله (من فرعون إنه كان عاليا) أي: مستكبراً جباراً عنيداً، كقوله: (إن فرعون علا في الأرض) القصص آية: 4. قوله تعالى (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) أي: اختيروا على أهل زمانهم ذلك، ولكل زمان عالم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) أنجاهم الله من عدوهم، ثم أقطعهم البحر، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن هؤلاء ليقولن إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) قال: قد قال مشركو العرب (وما نحن بمنشرين) أي: بمبعوثين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 قوله تعالى (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (أهم خير أم قوم تبع) قال: الحِميريّ. قوله تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل، كقوله: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) . وقال (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) . قوله تعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم. قوله تعالى (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ) تفسيرها في الآيات الثلاث التي تليها. قوله تعالى (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) انظر حديث الترمذي عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (29) من سورة الكهف، وفيه تفسير (المهل) بأنه: كعكر الزيت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (كالمهل يغلي في البطون) يقول: أسود كمهل الزيت. قوله تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم) قال: خذوه فادفعوه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلى سواء الجحيم) : إلى وسط النار. انظر سورة الحج آية (19-20) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 قوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بكار بن قتيبة القاضي، ثنا صفوان بن عيسى، أنبأ ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن لله ثلاثة أثواب اتزر العزة وتسربل الرحمة وارتدأ الكبرياء فمن تعزز بغير ما أعزه الله فذلك الذي يقال له ذق إنك أنت العزيز الكريم، ومن رحم الناس برحمة الله فذلك الذي تسربل بسرباله الذي ينبغي له ومن نازع الله رداءه الذي ينبغي له فإن الله يقول لا ينبغي لمن نازعني أن أدخله الجنة. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/451 - ك التفسير، وصححه الذهبي) . قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن المتقين في مقام أمين) إي والله، أمين من الشيطان والأنصاب والأحزان. قوله تعالى (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن عكرمة، في قوله (من سندس وإستبرق) قال: الإستبرق: الديباج الغليظ. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله: (وزوجناهم بحور عين) قال: أنكحناهم حورا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) آمنوا من الموت والأوصاب والشيطان. قوله تعالى (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) قال ابن كثير: وقوله (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) ، هذا الاستثناء يؤكد النفي، فإنه منقطع، ومعناه: أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً. كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت". وقد تقدم الحديث في سورة مريم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 قوله تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإنما يسرناه بلسانك) أي: هذا القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فارتقب إنهم مرتقبون) أي: فانتظر إنهم منتظرون. قال ابن كثير: (فارتقب) أي: انتظر (إنهم مرتقبون) أي: فسيعلمون لمن يكون النصر والظفر وعُلو الكلمة في الدنيا والآخرة، فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين، كما قال تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 سورة الجاثية قوله تعالى (حم) انظر بداية سورة غافر. قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) انظر بداية سورة الروم. قوله تعالى (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) قال ابن كثير: وقال أولاً (لآيات للمؤمنين) ثم (يوقنون) ثم (يعقلون) ، وهو ترق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى. وهذه الآيات شبيهة بآية (البقرة) وهي قوله: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (وتصريف الرياح) قال: تصريفها إن شاء جعلها رحمة، وإن شاء جعلها عذابا. قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) انظر سورة البقرة آية (79) . قوله تعالى (يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) انظر سورة لقمان آية (7) وتفسيرها. قوله تعالى (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) انظر سورة البقرة آية (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 قوله تعالى (مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) انظر سورة الدخان آية (41) وسورة الحجر آية (84) . قوله تعالى (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) انظر سورة الإسراء آية (9) وانظر سورة البقرة آية (10) لبيان أليم أي: موجع. قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) انظر سورة إبراهيم آية (32) وسورة النحل آية (14) وسورة لقمان آية (20) . قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (للذين لا يرجون أيام الله) قال: لا يبالون نعم الله، أو نقم الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) قال: نسختها (اقتلوا المشركين) . قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) انظر سورة الإسراء آية (7) . قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) انظر سورة البقرة آية (211) وسورة الأنعام آية (89) ، وانظر سورة البقرة آية (47) لبيان وفضلناهم على العالمين: أي على العالمين في زمانهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، وله (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها) والشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهى فاتبعها (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) . قوله تعالى (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) انظر سورة البقرة آية (257) . قوله تعالى (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) انظر سورة الأنعام آية (104) لبيان بصائر أي: بينة، وانظر سورة الإسراء آية (9) . قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) قال الحاكم: حدثنا أبو حاتم محمد بن حبان القاضي املاء ثنا أبو خليفة القاضي ثنا محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت أبا عامر العقدي يقول سمعت سفيان الثوري وتلا قول الله عز وجل (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) . ثم قال: سمعت الأعمش يحدث عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". (أخبرناه) أبو عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن الأعمش فذكره. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/452 - ك التفسير) . وصححه الذهبي، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع الواسطي صدوق. وأخرجه مسلم بدون ذكر الآية (الصحيح 4/2206 ح2878) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) ... الآية، لعمري قد تفرق القوم في الدنيا، وتفرقوا عند الموت، فتباينوا في المصير. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (سواء محياهم ومماتهم) قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر. قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وأضله الله على علم) يقول: أضله الله في سابق علمه. قوله تعالى (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار". (الصحيح 8/437 ح4826 - ك التفسير - سورة الجاثية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح، 4/1762 ح2446) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا) أي: لعمري هذا قول مشركي العرب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما يهلكنا إلا الدهر) قال: الزمان. قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) انظر سورة البقرة آية (28) وسورة غافر آية (11) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 قوله تعالى (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وترى كل أمة جاثية) قال على الركب مستوفزين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كل أمة تدعى إلى كتابها) يعلمون أن تدعى أمة قبل أمة، وقوم قبل قوم، ورجل قبل رجل. قوله تعالى (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال ابن كثير: تم قال: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) أي: يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص، كقوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) . قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة، فقال: (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي: آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحات، وهي الخالصة الموافقة للشرع (فيدخلهم ربهم في رحمته) وهي الجنة. كما ثبت في الصحيح أن الله قال للجنة: "أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء". قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) انظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع. قوله تعالى (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وقيل اليوم ننساكم) نترككم. وقوله (ومأواكم النار) يقول: ومأواكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 التي تأوون إليها نار جهنم، (وما لكم من ناصرين) يقول: وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذبكم، فيستنقذ لكم منه. قوله تعالى (ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) انظر سورة الحديد آية (14) . قوله تعالى (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) انظر بداية سورة الفاتحة. قوله تعالى (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال ابن كثير: ثم قال (وله الكبرياء في السماوات والأرض) قال مجاهد: يعني السلطان. أي: هو العظيم الممجد، الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه. وقد ورد في الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما أسكنته ناري". (وانظر صحيح مسلم - كتاب البر، باب تحريم الكبر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 سورة الأحقاف قوله تعالى (حم) انظر بداية سورة غافر. قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) انظر بداية سورة الروم. تقوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أي خاصة من علم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أحد يأثر علما. قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن سفيان، ثنا صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس. قال سفيان: لا أعلمه إلا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: الخط. (المسند 3/308 ح1992) تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده. وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح (المجمع 1/192، 7/105) ، أخرجه الحاكم من طريق سفيان به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/454) ، وصححه الحافظ ابن حجر في (الفتح 8/576) ، وصححه محققوا مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (المسند 3/449 ح1992) وذكره ابن كثير في التفسير وسكت عنه، وذكر غيره من الأقوال. ثم قال: وكل هذه الأقوال متقاربة 7/259 طبعة الشعب) . قوله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) انظر سورة القصص آية (50) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 قوله تعالى (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) قال ابن كثير: وقوله (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) كقوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً) أي: سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم، وقال الخليل: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) . قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قال ابن كثير: (أم يقولون افتراه) يعنون محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الله (قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) أي: لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني -وليس كذلك- لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه، كقوله: (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته) وقال تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (تفيضون فيه) قال: تقولون. قوله تعالى (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) قال البخاري: حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث عن -عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء - امرأة من الأنصار بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلتُ: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 أكرمك الله. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وما يدريك أن الله قد أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: أما هو فقد جاءه اليقين. والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي. قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً. (الصحيح 3/137 ح1243 - ك الجنائز، ب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما كنت بدعا من الرسول) يقول: ما كنت أول الرسل أرسل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (بدعا من الرسل) قال: قد كانت قبله رسل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم) فأنزل الله بعد هذا (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) ثم درى وعلم من الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك ما يفعل به، يقول: إنا فتحنا لك فتحا مبينا. قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: سمعت مالكاً يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: ما سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لأحد يمشي على الأرض: "إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله ابن سلام". قال: وفيه نزلت هذه الآية (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) الآية. قال: لا أدري. قال: مالك الآية أو في الحديث. (الصحيح 7/160 ح3812 - ك مناقب الأنصار، ب مناقب عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -) ، ومسلم في صحيحه (4/1930 ح2483 - فضائل الصحابة، ب فضل عبد الله بن سلام) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو نشيط محمد بن هارون النخعي قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: انطلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، وكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلا يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يُحبِط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه" قال: فأمسكوا وما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يُجبه أحد، ثم ثلّث فلم يجبه أحد، فقال: (أبيتم فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا المقفِّي، آمنتم أو كذبتم) ، ثم انصرف وأنا معه حتى دنا أن يخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنتَ يا محمد، قال: فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا مِن أبيك من قبلك ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبتَ، تم ردّوا عليه وقالوا له شراً، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كذبتم، لن يُقبل قولكم، أما آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن كذبتموه، وقلتم ما قلتم فلن يقبل قولكم". قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا وعبد الله بن سلام فأنزل الله فيه (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به) . (الإحسان 16/118-120 ح7162) قال محققه: إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 3/415-416) من طريق عبد بن عوف بن سفيان عن أبي المغيرة به. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد في (المسند 6/25) والطبراني في (المعجم الكبير 18/46-47 ح83) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (المجمع 7/106) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله) قال: عبد الله بن سلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل أرأيتم إن كان من عند الله) الآية، كنا نتحدث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله ورسوله وبالإسلام، وكان من أحبار اليهود. قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه) قال: قد قال ذلك آخرون من الناس، كانوا أعز منهم في الجاهلية، قالوا: والله لو كان هذا خير ما سبقنا إليه بنو فلان وبنو فلان، يختص الله برحمته من يشاء، ويكرم الله برحمته من يشاء، تبارك وتعالى. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) انظر سورة فصلت آية (30-32) . قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ ... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً … ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، وله (حملته أمه كرها) قال: مشقة عليها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: أشده: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه أربعون سنة والعذر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وبلغ أربعين سنة) وقد مضى من سيء عمله. وانظر سورة الإسراء آية (23-24) وسورة لقمان آية (14) . قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) انظر سورة المائدة آية (9) وسورة التوبة آية (72) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 قوله تعالى (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) انظر سورة الأنعام آية (132) . قوله تعالى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات". (الصحيح 4/2174 ح2822 - ك الجنة وصفة نعيمها..) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عذاب الهون) قال: الهون (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق) يقول: بما كنتم تتكبرون في الدنيا على ظهر الأرض على ربكم، فتأبون أن تخلصوا له العبادة، وأن تذعنوا لأمره ونهيه بغير الحق، أي بغير ما أباح لكم ربكم، وأذن لكم به (وبما كنتم تفسقون) يقول: بما كنتم به تخالفون طاعته فتعصونه. قوله تعالى (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وفيها قصة عاد مع رسولهم هود عليه السلام وقد فصلت في سورة الأعراف آية (65-72) وسورة هود آية (50-60) وسورة المؤمنون آية (31- 41) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف) ذكر لنا أن عاداً كانوا باليمن أهل رمل مشرقين على البحر بأرض يقال لها الشحر. قال ابن كثير: وقوله (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) يعني: وقد أرسل الله إلى من حول بلادهم من القرى مرسلين ومنذرين، كقوله: (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها) وكقوله: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 قوله تعالى (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) انظر سورة هود آية (53-57) . قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) قال البخاري: حدثنا أحمد حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضاحكاً حتى أرى منه لهوته إنما كان يبتسم قالت: وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، قالت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟ فقال: "يا عائشة ماُ يؤمنِّي أن يكون فيه عذاب؟ عُذّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا (هذا عارض ممطرنا) . (الصحيح 8/441 ح4829 - ك التفسير - سورة الأحقاف، ب الآية) . قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان (يعني ابن بلال) عن جعفر (وهو ابن محمد) عن عطاء بن أبي رباح، أنه سمع عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يوم الريح والغيم، عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سُرَّ به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته. فقال: إني خشيت أن يكون عذاباً سُلّط على أمتي) ويقول، إذا رأى المطر (رحمة) . (صحيح مسلم 2/616 ح899 - ك صلاة الاستسقاء، ب التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر) . وانظر حديث البخاري الوارد تحت الآية رقم (9) من سورة الأحزاب. لقوله تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن، بي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) قال: لم نمكنكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) : أنبأكم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم. قوله تعالى (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) انظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع. قوله تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) قال الترمذي: حدثنا علي بن حجر. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة قال: قلتُ لابن مسعود - رضي الله عنه -: هل صحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد ولكن قد افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة، فقلنا اغتيل أو استُطير ما فُعل به؟ فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم، حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح، إذا نحن به يجيء من قبل حراء، قال: فذكروا له الذي كانوا فيه، فقال: "أتاني داعي الجن، فأتيتهم فقرأت عليهم" فانطلق فأرانا أثرهم وأثر نيرانهم. قال الشعبي: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة، فقال: "كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم"، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم الجن". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/382-383 ح3258 - ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) وأخرجه مسلم من طريق علي بن حجر به نحوه، وأخرجه من طريق عبد الأعلى عن داود به نحوه (الصحيح 2/24 - ك الصلاة، ب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن. طبعة بيروت) . قال الحاكم: أخبرني أحمد بن محمد العنبري ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن صالح ثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الجن ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/456 - ك التفسير، وصححه الذهبي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) قال: لقيهم بنخلة ليلتئذ. قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم، عن زر (فلما حضروه قالوا أنصتوا) قالوا: صه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فلما حضروه قالوا أنصتوا) قد علم القوم أنهم لن يعقلوا حتى ينصتوا. قال ابن كثير: وقوله (فلما قضي) أي: فرغ. كقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ، (فقضاهن سبع سماوات في يومين) ، (فإذا قضيتم مناسككم) . (ولوا إلى قومهم منذرين) أي: رجعوا إلى قومهم فأنذرهم ما سمعوه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كقوله: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . قوله تعالى (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة أنه قرأ (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) فقال: ما أسرع ما عقل القوم. قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انظر سورة ق آية (38) . قوله تعالى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) انظر سورة الأنعام آية (27) وسورة الزمر آية (70) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 قوله تعالى (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) قال ابن كثير: (ولا تستعجل لهم) أي: لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تعالى (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا) وكقوله (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) . (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) كقوله: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) ، وكقوله: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم، قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) تعلموا ما يهلك على الله إلا هالك ولى الإسلام ظهره أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 سورة محمد قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) قال ابن كثير: يقول تعالى (الذين كفروا) أي: بآيات الله (وصدوا) غيرهم (عن سبيل الله أضل أعمالهم) أي: أبطلها وأذهبها ولم يجعل لها جزاء ولا ثوابا، كقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأصلح بالهم) قال: شأنهم. قوله تعالى (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإذا لقيتم الذين كفروا) إلى قوله (وإما فداء) كان المسلمون إذا لقوا الكفار قاتلوهم، فإذا أسروا منهم أسيرا، فليس لهم إلا أن يفادوه، أو يمنوا عليه، ثم يرسلوه، فنسخ ذلك بعد قوله (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) أي عظ بهم من سواهم من الناس لعلهم يذكرون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن، قال: لا تقتل الأسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدو. قوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) انظر سورة الأنفال آية (67) رواية ابن عباس. قوله تعالى (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) حتى لا يكون شرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 قوله تعالى (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو يشاء الله لانتصر منهم) أي والله بجنده الكثيرة كل خلقه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا. قوله تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) قال: الذين قتلوا يوم أحد. قوله تعالى (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (الجنة عرفها لهم) قال: أي منزلهم فيها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) قال: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومسكنهم، وحيث قسم الله لهم لا يخطئون، كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحداً. قوله تعالى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) لأنه حق على الله أن يعطي من سأله، وينصر من نصره. قوله تعالى (فَتَعْسًا لَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فَتَعْسًا لَهُمْ) قال: هي عامة على الكفار. قوله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) انظر سورة يوسف آية (109) وسورة غافر آية (82) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) قال: مثل ما دمرت به القرون الأولى وعيد من الله لهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا) قال: وليهم. قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ … ) قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الصمد، حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلتُ رجلاً يأكل معه، فأكل كثيراً. فقال: يا نافع، لا تدخل هذا عليّ، سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المؤمن يأكل في مِعىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء". (الصحيح 9/446 ح5393 - ك الأطعمة، ب المؤمن يأكل في معىً واحد..) ، (صحيح مسلم 3/1631 ح2061 - ك الأشربة، ب المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل سبعة أمعاء) . قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ) قال: هي مكة. قوله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) قال ابن كثير: قول (أفمن كان على بينة من ربه) أي: على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم، وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة (كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) أي: ليس هذا كهذا. كقوله: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) ، وكقوله (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر، ثم تُشقّق الأنهار بعد". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 4/699 - ح2571 - ك صفة الجنة، ب ما جاء في صفة أنهار الجنة) ، وأخرجه أحمد في (المسند 5/5) ، والدارمي في (السنن 2/337 - ك الرقائق، ب في أنهار الجنة) كلاهما عن يزيد بن هارون به، وصححه الألباني (صحيح الترمذي 2/319 ح2078، وصحيح الجامع رقم2122) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/424 ح7409) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عن الجريري به. قال محققه: رجاله ثقات رجال مسلم غير حكيم ... وهو صدوق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (فيها أنهار من ماء غير آسن) يقول: غير متغير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فيها أنهار من ماء غير آسن) قال: من ماء غير منتن. انظر حديث ابن عمر المتقدم في تفسر الآية (219) من سورة البقرة. قال ابن كثير: وقوله (ولهم فيها من كل الثمرات) كقوله: (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) وقوله: (فيهما من كل فاكهة زوجان) . قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك) هؤلاء المنافقون، دخل رجلان: رجل ممن عقل الله وانتفع ورجل لم يعقل عن الله، فلم ينتفع بما سمع، كان يقال: الناس ثلاثة: فسامع عمل، وسامع غافل، وسامع ترك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) انظر سورة البقرة آية (7) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) انظر سورة النساء آية (173) وسورة مريم آية (76) . قوله تعالى (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) قال ابن كثير: وقوله (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) أي: وهم غافلون عنها (فقد جاء أشراطها) أي: أمارات اقترابها، كقوله: (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) وكقوله (اقتربت الساعة وانشق القمر) . قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان حدثنا أبو حازم، عن سهل قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بُعثتُ أنا والساعة كهاتين". ويشير بإصبعيه فيمدهما. (الصحيح 11/355 ح6503 - ك الرقاق، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث) و (صحيح مسلم ح2950 - ك الفتن، ب قرب الساعة) . أخرج الشيخان بسنديهما عن أنس مرفوعاً: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين القيم الواحد". (الصحيح ح5577، 6808 - النكاح - ب يقل الرجال ويكثر النساء) ، (وصحيح مسلم 4/2056 ح2671 - العلم، ب رفع العلم) . وأخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن سلام مرفوعاً ... " أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ... ". (الصحيح - ح3938) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) قد دنت الساعة ودنا الله فراغ العباد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) يقول: إذا جاءتهم الساعة أنى لهم يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا؟ قوله تعالى ( … وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) قال مسلم: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد -يعني ابن زيد- ح وحدثني سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، كلاهما عن عاصم الأحول. ح وحدثني حامد بن عمر البكراوي -واللفظ له- حدثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد- حدثنا عاصم، عن عبد الله بن سرجس قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأكلت معه خبزاً ولحماً -أو قال: ثريداً- قال: فقلت له: أستغْفَرَ لك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم، ولك. تم تلا هذه الآية: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. عند ناغض كتفه اليسرى، جمعاً عليه خيلان كأمثال الثآليل. (الصحيح 4/1824 ح2346 - ك الفضائل، ب إثبات خاتم النبوة وصفته، ومحله من جسده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". قال. هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/383 ح3259 - ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وصححه الحاكم في (المستدرك من حديث حذيفة 2/457 ك التفسير، وأقره الذهبي بلفظ (مائة) من حديث حذيفة. قوله تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) قال ابن كثير: وقوله (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) أي: يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم، كقوله: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 قوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال) قال: كل سورة ذكر فيها الجهاد محكمة، وهي أشد القرآن على النافقين. قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد، فلما فرضه الله -عز وجل- وأمر به نكل عنه كثير من الناس، كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَأَوْلَى لَهُمْ) قال: وعيد كما تسمعون. قوله تعالى (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (طاعة وقول معروف) قال: أمر الله بذلك المنافقين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا عزم الأمر) قال: إن جد الأمر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا عزم الأمر) يقول: طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير لهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 قوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان قال، حدثني معاوية بن أبي مُزرد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مَهْ، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك"، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) . (الصحيح 8/443 ح4830 - ك التفسير - سورة محمد، ب (وتقطعوا أرحامكم)) . (صحيح مسلم 4/1980 ح2554 نحوه - ك البر والصلة والآداب، ب صلة الرحم وتحريم قطيعتها) . قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة قال: اشتكى أبو الرداد الليثي فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال: خيرهم وأوصلهم ما علمت أبا محمد، فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته". (السنن 4/315 ح1907 - ك البر والصلة، ب ما جاء في قطيعة الرحم) وقال: حديث صحيح. وأخرجه أبو داود (2/133 ح1694 - ك الزكاة، ب في صلة الرحم) من طريق مسدد وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/186 ح443) من طريق عبد الله. والحاكم في (المستدرك 4/157 - ك البر والصلة) من طريق عبد الرزاق كلاهما عن معمر عن الزهري به. قال الحاكم بعد أن ذكر جملة من الأحاديث: وهذه الأحاديث كلها صحيحة. وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 3/91-97 ح894-898) من طرق عن الزهري به. وفي سنده أبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا، وله شاهد رواه الإمام أحمد من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً (المسند 2/498، قال الألباني، وهذا إسناد جيد.. (السلسلة الصحيحة ح520) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فهل عسيتم إن توليتم) الآية. يقول: فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله، ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله، لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) هم أعداء الله أهل الكتاب، يعرفون بعث محمد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عندهم، ثم يكفرون به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سول لهم) يقول: زين لهم. قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) فهؤلاء المنافقون (والله يعلم إسرارهم) يقول تعالى ذكره: والله يعلم أسرارهم هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق، على خلف أمر الله وأمر رسوله، إذ يتسارون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلها. قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) قال ابن كثير: أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب، كما قال (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) الآية، وقال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ) أي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 بالضرب (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) ولهذا قال هاهنا: (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) . قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) انظر سورة البقرة آية (10) لبيان في قلوبهم مرض أي: شك. قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) وقوله (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ونحو هذا قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال: (وبشر الصابرين) ، ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) ، فالبأساء: الفقر، الضراء: السقم، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ... والآية، من استطاع منكم إن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيئ فليفعل، ولا قوة إلا بالله، فإن الخير ينسخ الشر، والشر ينسخ الخير، وإن ملك الأعمال خواتيمها. قوله تعالى (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) انظر سورة البقرة آية (208) لبيان السلم، وانظر سورة آل عمران آية (139) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فلا تهنوا) قال: لا تضعفوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 قوله تعالى (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ) انظر تفسير سورة الأعراف آية (200) . قوله تعالى (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) انظر سورة آل عمران آية (180) وسورة النساء آية (37) . قوله تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يستبدل قوماً غيركم) من شاء. وانظر سورة التوبة آية (39) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 سورة الفتح قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مَسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم سأله فلم يُجبه ثم سأله فلم يجبه: فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزَرْتَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مراتٍ كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحرّكت بعري ثم تقدت أمام الناس وخشيتُ أن ينزل فيَّ القرآن فما نشبتُ أن سمعت صارخاً يصرخ بي. فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلّمت عليه، فقال: "لقد أنزلت علىّ الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) . (صحيح البخاري 8/446- ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4833) . قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس - رضي الله عنه -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال: الحديبية. (صحيح البخاري 8/447 - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4834) ، وأخرجه بنحوه بسنده عن البراء (صحيح البخاري - المغازي - غزوة الحديبية ح4150) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله بن نمير. ح وحدثنا ابن نمير (وتقاربا في اللفظ) . حدثنا أبي. حدثنا عبد العزيز بن سياه. حدثنا بن أبي ثابت عن أبي وائل. قال: قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: يا أيها الناس! اتّهموا أنفسكم. لقد كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين المشركين. فجاء عمر بن الخطاب. فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: "بلى" قال: أليس قتلانا في الجنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى" قال: ففيم نُعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال "يا ابن الخطاب! إني رسول الله. ولن يضيّعني الله أبداً". قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا. فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتالاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب! إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً. قال: فنزل القرآن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمفتح. فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول الله! أوفتح هو؟ قال: "نعم" فطابت نفسه ورجع. (صحيح مسلم 3/1411-1412 - ك الجهاد والسير، ب صلح الحديبية في الحديبية ح1785) ، (صحيح البخاري 8/451 ح4844 - التفسير - سورة الفتح، الآية) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) والفتح: القضاء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: نحره بالحديبية وحلقه. قال البخاري: حدثنا أحمد بن سريج، أخبرنا شبابة، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة المزني، عن عبد الله المُغَفل المزني قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح -أو من سورة الفتح- قال فرجّعَ فيها. قال: ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مُغَفل. وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعّت كما رجع ابن مُغَفل يحكي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه؟ قال: أأأ ثلاث مرات. (الصحيح - ك التوحيد، ب ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروايته عن ربه ح7540) ، قال ابن حجر: فرجّع فيها صوته أي ردد صوته بالقراءة (الفتح 8/584) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 قوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم: الإسلام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) قال: السكينة: الرحمة (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) قال: إن الله جل ثناؤه بعث نبيه محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا بها زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا لها زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، ثم أكمل دينهم، فقال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى) قال ابن عباس: فأوثق إيمان أهل الأرض وأهل السماوات وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله. قال مسلم: وحدثا نصر بن علي الجهضمي. حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله) . إلى قوله: (فوزاً عظيماً) مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة. وقد غير الهدى بالحديبية. ففال "لقد أُنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا". (صحيح مسلم 13/1413 - ك الجهاد والسير، ب صلح الحديبية في الحديبية ح1786) . قال البخاري: حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس أبن مالك - رضي الله عنه - (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئا مريئا، فما لنا؟ فأنزل الله (ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار) . قال شعبة فقدمت الكوفة فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له، فقال لي: أما (إنا فتحنا لك) فعن أنس، وأما "هنيئا مريئا" فعن عكرمة. (صحيح البخاري - المغازي، ب غزوة الحديبية ح4172) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، حدثنا زياد أنه سمع المغيرة يقول: قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: "أفلا أكون عبدا شكوراً". (صحيح البخاري 8/448 - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4836) ، (صحيح مسلم 4/1712 ح2819 و2820 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) ... إلى قوله (ويكفر عنهم سيئاتهم) فأعلم الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام. قال ابن كثير: (وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) كقوله (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) . قوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أي: يتهمون الله تعالى في حكمه ويظنون بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية، ولهذا قال تعالى (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم) أي: أبعدهم من رحمته (وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً) . قوله تعالى (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) انظر سورة المدثر آية (31) . قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) يقول: شاهدا على أمته أن قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيرا من النار. انظر حديث البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص في سورة البقرة آية (119) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 قوله تعالى (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتعزروه) : ينصروه (وتوقروه) أمر الله بتسويده وتفخيمه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتسبحوه بكرة وأصيلا) في بعض القراءة (ويسبحون الله بكرة وأصيلا) . وهذه القراءة تفسيرية لبيان عود الضمير إلى الله عز وجل. قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) قال مسلم: حدئنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث بن سعد، ح وحدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة. وقال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت. (الصحيح 3/1483 ح1856 - ك الإمارة، ب استحباب مبايعة الإمام الجيش) ، وأخرج البخاري بسنده عن سلمة بن الأكوع أنهم بايعوا على الموت. (الصحيح - الجهاد، البيعة في الحرب ح2960) . والجمع بين الحديثين أن البعض بايع على الموت كما حصل لسلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الذين يبايعونك) قال: الحديبية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) وهم الذين بايعوا يوم الحديبية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فسيؤتيه أجرا عظيما) وهى الجنة. قال ابن كثير: ثم قال تعالى لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريفا له وتعظيماً وتكريماً (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) كقوله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (يد الله فوق أيديهم) أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) . قوله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا) قال أعراب المدينة: جهينة ومزينة استتبعهم لخروجه إلى مكة، قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه، فقتلوا أصحابه فنقاتلهم، فاعتلوا بالشغل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب) ... إلى قوله (وكنتم قوم بورا) قال: ظنوا بنبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، وأنهم سيهلكون، فذلك الذي خلفهم عن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وكنتم قوم بورا) قال: فاسدين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وكنتم قوماً بورا) قال: هالكين. قوله تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: رجع يعني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مكة، فوعده الله مغانم كثيرة، فعجلت له خيبر، لقال المخلفون (ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله) وهي المغانم ليأخذوها، التي قال الله جل ثناؤه (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) وعرض عليهم قتال قوم أولى بأس شديد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذلكم قال الله من قبل) أي: إنما جعلت الغنيمة لأهل الجهاد، وإنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب. قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أولى بأس شديد) قال: هم فارس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال: قال الحسن: دعوا إلى فارس الروم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد. قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) أخرج الطبري بسنده الحس عن قتادة، قال: ثم عذر الله أهل العذر من الناس، فقال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) . قوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) قال مسلم: حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وسويد بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عبدة (واللفظ لسعيد) (قال سعيد وإسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا سفيان) عن عمرو، عن جابر. قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة. فقال لنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتم اليوم خير أهل الأرض". وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة. (صحيح مسلم - الإمارة، ب استحباب مبايعة الإمام الجيش 3/1484 ح71) ، وأخرجه البخاري مختصراً (صحيح البخاري 8/451 - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4840) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) أي: الصبر والوقار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأثابهم فتحا قريبا) وهى: خيبر. قوله تعالى (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) قال: المغانم الكثيرة التي وعدوا: ما يأخذونه إلى اليوم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فعجل لكم هذه) قال: عجل لكم خيبر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكفّ أيدي الناس عنكم) عن بيوتهم، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر، وكانت خيبر في ذلك الوجه. قوله تعالى (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال حدث عن الحسن، قال: هي فارس والروم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وأخرى لم تقدروا عليها) ما فتحوا حتى اليوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) كنا نحدث أنها مكة. قال أبو داود الطاليسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم. (انظر تفسير ابن كثير 4/191-192) وسنده رجاله ثقات إلا سماك الحنفي لا بأس به، فالإسناد حسن) ، وأخرجه البيهقي من طريق شعبة به بلفظ: هو ما أصبتم بعده (دلائل النبوة 4/163) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 قوله تعالى (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ) يعني: كفار قريش، قال الله (ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) ينصرهم من الله. قوله تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) انظر سورة الأحزاب آية (62) ، وسورة فاطر آية (43) . قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) قال مسلم: حدثني عمرو بن محمد الناقد. حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بن مالك، أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جبل التنعيم. متسلّحين يريدون غرّة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فأخذهم سِلماً. فاستحياهم. فأنزل الله عز وجل: (وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) . (صحيح مسلم 3/1442 - ك الجهاد والسير، ب قول الله تعالى (الآية) ح1808) . قال النسائي: أنا محمد بن عقيل، أنا علي بن الحسين، حدثني أبي عن ثابت، قال: حدثني عبد الله بن مغفل المزني، قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله، وكأني بغصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرفعته عن ظهره، وعلي بن أبي طالب وسهل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فأخذ سهيل يده فقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: "اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة"، فأمسك بيده فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولاً، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: "أكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله، قال: فكتب، فبينما نحن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 كذلك. إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحداً أماناً"، فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله عز وجل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) إلى قوله (بصيراً) . (التفسير 2/312-314 ح531) ، وأخرجه أحمد (المسند 4/86-87) ، والحاكم (المستدرك 2/460-461) من طريق الحسين بن واقد من ثابت به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/145) ، وقال ابن حجر: أخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح (الفتح 5/315) ، والحديث أخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس (الصحيح 3/1411 ح1784) بنحوه مختصراً. قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال، أخبرني الزهري قال، أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه - قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق ... فذكر الحديث بطوله، وفيه: أن قريشاً أرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما أرسلت رجلاً من كنانة، فلما أُشرف على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له، فبعثت له واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إليهم قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. (الصحيح 5/388-392 ح7231، 7232 - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد) . وأخرجه الإمام أحمد (المسند 4/323-326) بطوله، وفيه تسمية الرجل الكناني: الحلس بن علقمة، وأنه قال لما رجع إلى قريش: "يا معشر قريش قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائد قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا) أي: محبوساً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) ... حتى بلغ (بغير علم) هذا حين أراد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أن يدخلوا مكة، فكان بها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات، فكره الله أن يؤذوا أو يوطئوا بغير علم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم، والمعرة أي: الإثم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لو تزيلوا) ... الآية، إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار. قوله تعالى (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد سهما حديث صاحبه- قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق ... فذكر الحديث بطوله وفي آخره: فأرسل قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناشده الله والرحمن لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فأنزل الله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) حتى بلغ (الحمية حمية الجاهلية) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت. (الصحيح 5/327-233 ح2731-2732 - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد) . انظر حديث البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - المتقدم عند الآية (40) من سورة التوبة، وهو حديث: "تلك السكينة تنزلت بالقرآن". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 قال أحمد: حدثنا عبد الوهاب الخفاف، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن مسلم ابن يسار، عن حمران بن أبان أن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار، فقال له عمر بن الخطاب: أنا أحدثك ما هي. هي كلمة الإخلاص التي أعز الله تبارك وتعالى بها محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمه أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله. (المسند 1/353 ح447) بتحقيق أحمد شاكر، وورد هكذا في المطبوع بلفظ: "اعز الله". والوجود في أطراف المسند (5/52) : "التي ألزمها الله محمداً وأصحابه ... ". وكذا هو في (مجمع الزوائد 1/15) ، و (الدر المنثور 6/80) ، وأخرج هذا الحديث أيضاً ابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/434 رقم204) ، والحاكم في المستدرك (1/72) وغيرهما من عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بإسناده مختصراً، وليس عندهم: "هي كلمه الإخلاص ... " إلى قوله "عند الموت" وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي. ومسلم بن يسار البصري -وإن كان ثقة- ليس له رواية في الصحيحين، وعبد الوهاب ليس له رواية عند البخاري. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (1/227) : وهذا إسناد جيد. وقال الهيثمي في (المجمع 1/15) : لعمر حديث رواه ابن ماجة بغير هذا السياق، ورجاله ثقاة، رواه أحمد. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال محققو مسند أحمد: إسناده قوي (1/99، ح447) ومعنى ألاص عليها: أي أداره وحثه عليها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وألزمهم كلمة التقوى) يقول: شهادة أن لا إله إلا الله، فهي كلمة التقوى، يقول: فهي رأس التقوى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وألزمهم كلمة التقوى) قال: الإخلاص. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكانوا أحق بها وأهلها) وكان المسلمون أحق بها، وكانوا أهلها: أي التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق) قال: رأى رسول الله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يطوف بالبيت وأصحابه، فصدق الله رؤياه، فقال (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) ... حتى بلغ (لا تخافون) . قوله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم ارحم المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: "اللهم ارحم المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: "والمقصرين". وقال الليث: حدثني نافع "رحم الله المحلقين" -مرة أو مرتين-. قال: وقال عبيد الله: حدثني نافع "وقال في الرابعة: والمقصرين". (صحيح البخاري 3/656 ح1727 - ك الحج، ب الحلق والتقصير عند الإحلال) ، (صحيح مسلم 2/945 - ك الحج، ب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير) . قال البخاري: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن ابن عباس، عن معاوية - رضي الله عنه - قال: "قصرت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمشقص". (الصحيح 3/656 ح1730 - ك الحج، ب الحلق والتقصير عند الإحلال) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/913 ح1246) وفيه زيادة: عند المروة. فيه قول ابن عباس: فقلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك. والمشقص هو: سهم فيه نصل عريض. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من دون ذلك فتحا قريبا) قال: النحر بالحديبية، ورجعوا ففتحوا خيبر، ثم اعتمر بعد ذلك، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) قال البخاري: حدثنا خلاّد بن يحيى قال، حدثنا سفيان عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة عن جده عن أبي موسى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً" وشبك أصابعه. (صحيح البخاري 1/674 - ك الصلاة، ب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ح481) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - البر والصلة، ب تراحم المؤمنين 4/1999 ح2585) . قال ابن كثير: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) كما قال تعالى (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديداً عنيفا على الكافر، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رحماء بينهم) ألقى الله في قلوبهم الرحمة بعضهم لبعض (تراهم ركعا سجدا) يقول تراهم ركعا أحيانا لله في صلاتهم سجدا أحيانا (يبتغون فضلا من الله) يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً فضلاً من الله، وذلك رحمتهم إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيدخلهم جنته (ورضوانا) يقول: وأن يرضى عنهم ربهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 قال ابن كثير: وقوله (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلاً الله ورضوانا) وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله -عز وجل- والاحتساب عند الله جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله، وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول، كما قال تعالى (ورضوان من الله أكبر) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (سيماهم في وجوههم) قال: السمت الحسن. أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن مجاهد (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) قال: الخشوع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (محمد رسول الله والذين معه) أصحابه مثلهم يعني مكتوبا في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق السماوات والأرض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) قال: هذا مثل أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإنجيل، قيل لهم: إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كزرع أخرج شطأه) قال: ما يخرج يجنب الحقلة فيتم وينمي. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فآزره) قال: فشده وأعانه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 سورة الحجرات قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قال البخاري: حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا حجّاج عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أنّ عبد الله بن الزبير أخبرهم: أنه قدِم ركبٌ من بني تميم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال أبو بكر: أمِّرِ القعقاع بن مَعبد، وقال عُمر بل أمّر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر: ما أردت إلى -أو إلا- خلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله) حتى انقضت الآية. (صحيح البخاري 8/457 - ك التفسير - سورة الحجرات، ب (الآية) ح4847) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) قال. لا تفتاتوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشيء حتى يقضيه الله على لسانه. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ... ) قال البخاري: حدثنا يَسَرَة بن صفوان بن جميل اللخمي، حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخَيِّران أن يَهلِكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل أخر -قال نافع: لا أحفظ اسمه- فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خِلافي، قال ما أردتُ خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 أصواتكم) الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه. يعني أبا بكر. (الصحيح 8/454 - ك التفسير - سورة الحجرات، ب (الآية) ح4845) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا الحسن بن موسى. حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أنه قال: لمَّا نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) إلى آخر الآية. جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعد بن معاذ فقال: "يا أبا عمرو! ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ ". قال سعد: إنه لَجَاري. وما علمتُ له بشكوى. قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بل هو من أهل الجنة". (صحيح مسلم 1/110 - ك الإيمان، ب مخافة المؤمن أن يحبط عمله ح119) . قوله تعالى (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك. وانظر سورة النور آية (63) . قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) قال الحاكم: حدثنا علي بن عبد الله الحكمي ببغداد ثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري، ثنا سعيد بن عامر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل. هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/462) . وأخرجه أيضاً البيهقي في (المدخل رقم653) عن الحاكم، وقد أقر الذهبي الحاكم على تصحيحه على شرط مسلم، ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة لم يحتج به مسلم وإنما روى له في المتابعات كما في (تهذيب الكمال 26/218) وهو حسن الحدث كما قال الذهبي في (الميزان 3/673) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (امتحن الله قلوبهم) قال: أخلص. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) في هذه الآية إرشاد إلى الأسلوب اللائق بمقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تقدم في الآية السابقة. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن جاءكم فسق بنبأ) قال: الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بني المصطلق، ليصدقهم، فتلقوه بالهدية فرجع إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إن بني المصطلق جمعت لتقاتلك". وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه. قال أحمد: حدثنا محمد بن سابق، ثنا عيسى بن دينار، ثنا أبي، أنه سمع الحارث بن أبي ضرار الخزاعي، قال: قدمت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 لي جمعت زكاته، فيرسل إليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً إبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الأبان الذي أراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله عز وجل ورسوله، فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان وقّت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت فانطلقوا فنأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطرق فرق فرجع فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي فضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البعث إلى الحارث. فأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث. فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله. قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منعت الزكاة وأردت قتل رسولي". قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال: فنزلت الحجرات (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) إلى هذا المكان: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم) . (المسند 4/279) ، وأخرجه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان عن محمد بن سابق به (تفسير ابن كثير 4/209) ، والطبراني في الكبير (3/274 ح3395) من طريق محمد بن سابق. قال ابن كثير: وقد روي من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد ... فساق هذا الحديث (التفسير 4/321) . وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 7/109) ، وقال السيوطي في الدر: ... بسند جيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا عثمان بن عمر، عن المستمر بن الريان، عن أبي نضرة قال: قرأ أبو سعيد الخدري: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) قال: هذا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوحى إليه، وخيارُ أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا فكيف بكم اليوم؟. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. (السنن 5/388-389 - ك التفسير، ب سورة الحجرات ح3269) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واعلموا أن فيكم رسول الله) ... حتى بلغ (لعنتم) هؤلاء أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لو أطاعهم نبي الله في كثير من الأمر لعنتم. قال ابن كثير: وقوله (واعلموا أن فيكم رسول الله) أي: اعلموا أن بين أظهركم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعظموه ووقروه، وتأدبوا معه، وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، كما قال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) . ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) أي: لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، كما قال تعالى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) . وانظر سورة البقرة آية (186) لبيان معنى لفظ: الراشدون. قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الأعلى القيسي. حدثنا المعتمر عن أبيه، عن أنس بن مالك. قال: قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو أتيتَ عبد الله بن أُبيّ؟ قال: فانطلق إليه. وركب حماراً. وانطلق المسلمون. وهي أرضٌ سَبَخةٌ. فلمّا أتاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 قال: إليك عنّي. فوالله! لقد آذاني نتن حمارك. قال: فقال رجل من الأنصار: والله! لحمار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطيب ريحاً منك. قال: فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه. قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه. قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنعال. قال: فبلغنا أنها نزلت فيهم: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) . (صحيح مسلم 3/1424 - ك الجهاد والسير، ب في دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصبره على أذى المنافقين ح1799) ، (وصحيح البخاري ح2691 - ك الصلح، ب ما جاء في الإصلاح) . أرض سبخة: هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. (النهاية لابن الأثير 2/333) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فإن الله سبحانه أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله، حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبي منهم أن يجيب فهو باغ، فحق على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويقروا بحكم الله. قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... ) انظر سورة الفتح آية (29) وفيها حديث البخاري عن أبي موسى مرفوعاً: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبّك أصابعه". قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ … ) قال ابن كثير: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمص الناس -ويروي: "وغمط الناس" والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 المحتقِر له، ولهذا قال (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء. وقوله (ولا تلمزوا أنفسكم) أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال (ويل لكل همزة لمزة) فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال (هماز مشاء بنميم) أي يحتقر الناس ويهمزهم طعنا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال. قوله تعالى (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ … ) قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، عن داود، عن عامر قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في بني سلمة (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) قال: قدم علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يا فلان" فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فأنزلت هذه الآية (ولا تنابزوا بالألقاب) . (السنن 4/290، 291 ح4962 - ك الأدب، ب في الألقاب) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/388 ح3268) ، وابن ماجة (السنن 2/1231 ح3741) ، وأحمد (المسند 4/260) ، والطبري (التفسير - سورة الحجرات 26/132) ، والحاكم (المستدرك 2/463) من طرق عن داود بن أبي هند به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح4151، وصحيح الترمذي ح2606) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا يسخر قوم من قوم) قال: لا يهزأ قوم بقوم أن يسأل رجل فقير غنياً أو فقيراً، وان تفضل عليه رجل بشيء فلا يستهزئ به. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ولا تلمزوا أنفسكم) قال: لا تطعنوا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تلمزوا أنفسكم) يقول: ولا يطعن بعضكم على بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تنابزوا بالألقاب) يقول للرجل: لا تقل لأخيك المسلم: ذاك فاسق، ذاك منافق، نهى الله المسلمين عن ذلك وقدم فيه. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا". (صحيح البخاري 10/499 - ك الأدب، ب (الآية) ح6066) ، (وصحيح مسلم 4/1985 - ك البر والصلة والآداب، ب تحريم الظن ... ) . قال أبو داود: حدثنا عيسى بن محمد الرملي، وابن عوف -وهذا لفظه- قالا: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم -أو كدت تفسدهم". فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفعه الله بها. (السنن 4/272 ح4888 - ك الأدب، ب في النهي عن التجسس) ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده (13/382 ح7379) ، والطبراني في الكبير (19/379 ح890) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/505-506 ح5730) من طرق عن محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان به، قال الحافظ العراقي: رواه أبو داود بإسناد صحيح من حديث معاوية (تخريج أحاديث الإحياء - استخراج الحداد 3/1173 ح1734) . وصححه الشيخ الألباني (صحيح الجامع رقم 2295-1036) ، وأخرجه البخاري في (الأدب المفرد 1/347 ح248 - باب الانبساط إلى الناس) من طريق يحيى بن جابر، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلاما نفعني الله به، سمعت يقول: إنك إذا اتبعت الريبة في الناس أفسدتهم. فإني لا أتبع الريبة فيهم فأفسدهم. وهذه متابعة لراشد بن سعد في روايته عن معاوية. وقد صحح الشيخ الألباني رواية البخاري هذه (صحيح الأدب المفرد ص110 ح186-248) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) يقول: نهى الله المؤمن أن يظن بالمومن شرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 قوله تعالى (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا تجسسوا) يقول: نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن. قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه". (الصحيح 4/2001 ح2589- ك البر والصلة، ب تحريم الغيبة) . قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة سمعت ابن المنكدر سمعت عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: "استأذن رجل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. قلتُ يا رسول الله قلتَ الذي قلتَ ثم ألنتَ له الكلام. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أي عائشة، إن شرّ الناس من تركه الناس -أو ودعه- اتقاء فحشه". (الصحيح 10/486 ح6054 - ك الأدب، ب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2002- 2003 - ك الأدب، ب مداراة من يتقي فحشه ح2591) . قال أبو داود: حدثنا ابن المصفى: ثنا بقية وأبو المغيرة، قالا: ثنا صفوان، قال: حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لمّا عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم". (السنن 4/269-270- ك الأدب، ب في الغيبة ح4878) ، وأخرجه أحمد في مسنده (3/224) ، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 6/265-266 ح2285، 2286) من طريق شعيب بن شعيب النسائي، عن أبي المغيرة به. قال محققه: إسناده صحيح. وذكره الألباني في (السلسلة الصحيحة ح533) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا يغتب بعضكم بعضاً. أيحب أحد أن يأكل لحم أخيه ميتا) قال: حرم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء، كما حرم الميتة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) يقول: كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) قال الترمذي: حدثنا علي بن حُجْر. أخبرنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الله ابن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ الناسَ يوم فتح مكة، فقال: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان. برٌّ تقي كريم على الله، وفاجرٌ شقي هيِّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) . (السنن 5/389-390 - ك التفسير ح3270) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (شعوبا) قال: النسب البعيد. (وقبائل) دود ذلك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلناكم شعوبا وقبائل) قال: الشعوب النسب البعيد، والقبائل هي كقوله: فلان من بني فلان، وفلان من بني فلان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 ق وله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى رهطاً -وسعد جالس- فترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً هو أعجبهم إليّ. فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً. فقال: "أو مسلماً" فسكت قليلاً. ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً فقال: "أو مسلماً". ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: "يا سعد، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار". ورواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزهري عن الزهري. (الصحيح 1/99 ح27 - ك الإيمان، ب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام) ، (وأخرجه مسلم الصحيح - الأيمان، ب تالف القلوب من يخاف على إيمانه 1/132 ح150) . انظر حديث البخاري الوارد تحت الآية رقم (60) من سورة التوبة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا) ولعمري ما عمت هذه الآية الأعراب، إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكن إنما أنزلت في حي من أحياء الأعراب امتنوا بإسلامهم على نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أسلمنا، ولم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله: لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا حتى بلغ في قلوبكم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا يلتكم من أعمالكم) لا ينقصكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يلتكم من أعمالكم شيئا) يقول: لن يظلمكم من أعمالكم شيئا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 سورة ق قوله تعالى (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ق) و (ن) وأشباه هذا، فإنه قسم أقسمه الله، وهو اسم من أسماء الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ق) قال: اسم من أسماء القرآن. أخرج الطبري بسنده القوي عن سعيد بن جبير (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) قال: الكريم. قوله تعالى (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) انظر سورة الإسراء آية (94) . قوله تعالى (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) انظر سورة الرعد آية (5) وسورة الصافات آية (16) . قوله تعالى (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما تنقص الأرض منهم) قال: من عظامهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) يقول: ما تأكل الأرض منهم. قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) أي: كذبوا بالقرآن (فهم في أمر مريج) يقول: فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس، لا يعرفون حقه من باطله، يقال: قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (في أمر مريج) يقول: مختلف. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أمر مريج) قال: ملتبس. قوله تعالى (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (من فروج) قال: شق. قوله تعالى (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) انظر سورة لقمان آية (10) لبيان رواسي أي: جبال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بهيج) يقول: حسن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (تبصرة) نعمة من الله بصرها العباد (وذكرى لكل عبد منيب) : أي مقبل بقلبه إلى الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تبصرة) قال: بصيرة. قوله تعالى (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحب الحصيد) هذا البر والشعير. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وحب الحصيد) قال: الحنطة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (باسقات) طوال. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (نضيد) قال: المنضد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لها طلع نضيد) ينضد بعضه على بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 قوله تعالى (رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) قال ابن كثير: (رزقا للعباد) أي: للخلق (وأحيينا به بلدة ميتا) وهى الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك، مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يحيى الله الموتى ... وقال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أصحاب الرس) قال: بئر. قوله تعالى (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) انظر سورة الدخان آية (37) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فحق وعيد) قال: ما أهلكوا به تخويفا لهؤلاء. قوله تعالى (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أفعيينا بالخلق الأول) يقول: لم يعينا الخلق الأول. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أفعيينا بالخلق الأول) يقول: أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا، فتمتروا بالبعث. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بل هم في لبس من خلق جديد) يقول: في شك من البعث. قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه، وعلمه محيط بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل". وانظر (صحيح البخاري - ك الأيمان، ب إذا حنث ناسيا في الأيمان) ، (وصحيح مسلم - الأيمان، ب تجاوز الله عن حديث النفس) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) يقول عرق العنق. قوله تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قعيد) قال: رصد. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عن اليمين وعن الشمال قعيد) قال: عن اليمنِ الذي يكتب الحسنات، وعن الشمال الذي يكتب السيئات. قوله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر: ثنا محمد بن عَمْرو. حدثني أبي عن أبيه علقمة بن وقاص، قال: مرّ به رجل له شرف. فقال له علقمة: إن لك رحما. وإن لك حقا. وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء. وتتكلم عندهم بما شاء الله أن تتكلم به. وإني سمعت بلال بن الحارث المزني، صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سُخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيَكتب الله عز وجل عليه بها سُخطه إلى يوم يلقاه". قال علقمة: فانظر، ويحك! ماذا تقول، وماذا تكلم به. فرُبّ كلامٍ، قد منعني أن أتكلم به، ما سمعتُ من بلال بن الحارث. (السنن - ك الفتن، ب كف اللسان عن الفتنة ح3969) ، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم من طريق محمد بن عَمرو به نحوه وقال الترمذي: حسن صحيح. قال ابن كثير: وله شاهد في الصحيح. (المسند 3/469 - السنن - الزهد، ب ما جاء في قلة الكلام) ، وانظر تفسير ابن كثير (7/377) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والمستدرك (1/44-45) ، وذكره الألباني في (السلسلة الصحيحة ح888) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ: ثنا محمد بن نعيم: ثنا قتيبة: ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن موسى بن سرجس قال سمعت القاسم بن محمد يحدث وتلا قول الله عز وجل (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ثم قال حدثتني عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت لقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/465 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي، وله شاهد صحيح، انظر (فتح الباري 8/140 و11/362) . قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) انظر سورة الأنعام آية 73 وفيها حديث الصور. قوله تعالى (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سائق وشهيد) سائق يسوقها إلى أمر الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت. قوله تعالى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) وذلك الكافر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فكشفنا عند غطاءك) قال: للكافر يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) قال: عاين الآخرة. قال ابن كثير: والمراد بقوله (لقد كنت في غفلة من هذا) يعني من هذا اليوم (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) أي: قوي، لأن كل واحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 يوم القيامة يكون مستبصرا، حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك. قال الله تعالى (اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) وقال تعالى (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) . قوله تعالى (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) قال مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان حدثنا) جرير عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود. قال. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكل به قرينه من الجن". قالوا: وإياك؟ يا رسول الله! قال: "وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير". (الصحيح 4/2167-2168 ح2814 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس ... ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال قرينه هذا ما لديَّ عتيد) الملك. قوله تعالى (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (مريب) : أي شاك. قوله تعالى (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) قال ابن كثير: (ربنا ما أطغيته) أي: يقول عن الإنسان قد وافى القيامة كافرا، يتبرأ منه شيطانه فيقول (ربنا ما أطغيته) أي: ما أضللته (ولكن كان في ضلال بعيد) أي: بل كان هو نفسه ضالا قابلا للباطل معاندا للحق. كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 قوله تعالى (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (لا تختصموا لدي) قال: إنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، ورد عليهم قولهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما يبدل القول لدي) قد قضيت ما أنا قاض. قال البخاري: حدثنا عبد الله أبي الأسود: حدثنا حَرَمي بن عمارة: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يلْقَى في النار وتقول هل من مزيد، حتى يضع قدمه فتقول: قَط قَطْ ... ". (صحيح البخاري 8/460 - ك التفسير - سورة ق ح4848) ، (وصحيح مسلم 4/2187 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وتقول هل من مزيد) قال: وعدها الله ليملأنها، فقال: هلا وفيتك؟ قالت: وهل من مسلك. قوله تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأزلفت الجنة للمتقين) يقول: وأدنيت (غير بعيد) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حفيظ) قال: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته. قوله تعالى (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ادخلوها بسلام) قال: سلموا من عذاب الله، وسلم عليهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلك يوم الخلود) خلدوا والله، فلا يموتون، وأقاموا فلا يظعنون، ونعموا فلا ييأسون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 قوله تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) ... حتى بلغ (هل من محيص) قد حاص الفجرة فوجدوا أمر الله متبعا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فنقبوا في البلاد) : أثروا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فنقبوا في البلاد) قال: يقول: عملوا في البلاد ذاك النقب. قوله تعالى إن (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) أي: من هذه الأمة، يعني بذلك القلب: القلب الحي. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أو ألقى السمع) قال: وهو لا يحدث نفسه، شاهد القلب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو ألقى السمع وهو شهيد) يعني بذلك أهل الكتاب، وهو شهيد على ما يقرأ في كتاب الله من بعث محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) انظر سورة فصلت آية (9-12) لبيان الأيام الستة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وما مسنا من لغوب) يقول: من إزحاف. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وما مسنا من لغوب) قال: نصب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 قوله تعالى (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (130) من سورة طه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس) لصلاة الفجر، وقبل غروبها: العصر. قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) قال البخاري: حدثنا آدم: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال ابن عباس: أمره أن يسبح في أدبار الصوات كلها، يعني قوله: (وأدبار السجود) . (صحيح البخاري 8/462-463 - ك التفسير - سورة ق، ب (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ... ) ح4852) . قال ابن ماجة: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي: ثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن عاصم، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وربما قال سفيان قلت: يا رسول الله، ذهب أهل الأموال والدُّثور بالأجر. يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق. قال لي: "ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفُتّم من بعدكم. تحمدون الله في دبر كل صلاة، وتسبحونه وتكبرونه ثلاثا وثلاثين، وثلاثا وثلاثين، وأربعا وثلاثين". قال سفيان: لا أدري أيتهن أربع. (السنن 1/299 - ك إقامة الصلاة والسنة فيها - ب ما يقال بعد التسليم ح927) . هذا الحديث تفرد به ابن ماجة عن أصحاب الكتب والسنة ولم يذكره البوصيري في الزوائد، وقد أخرجه أحمد وابن خزيمة والضياء، وقال الألباني: إسناده صحيح (المسند 5/ 158، السلسلة الصحيحة 1125) . أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: (أدبار السجود) : الركعتان بعد المغرب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وأدبار السجود) قال: كان مجاهد يقول: ركعتان بعد المغرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في: (فسبحه وأدبار السجود) قال: هو التسبيح بعد الصلاة. قوله تعالى (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) انظر سورة الأنعام آية (73) وفيها حديث الصور أنه قرن. قوله تعالى (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّار) قال ابن كثير: وتنشق الأرض عنهم فيقومون إلى موقف الحساب سراعا مبادرين إلى أمر الله عز وجل (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) وقال الله تعالى (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) وفي صحيح مسلم عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا أول من تنشق عنه الأرض". وقوله (ذلك حشر علينا يسير) أي: تلك عادة سهلة علينا يسيرة لدينا كما قال تعالى (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) وقال تعالى (وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير) وقوله (نحن أعلم بما يقولون) أي: نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهيدنك كقوله (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما أنا عليهم بجبار) قال: لا تتجبر عليهم. قوله تعالى (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) قال ابن كثير: أي: بلغ أنت رسالة ربك فإنما يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده، كقوله (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) وقوله (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 سورة الذاريات قوله تعالى (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) قال الضياء المقدسي: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن معمر بن عبد الواحد ابن الفاخر القرشي، وأبو عبد الله محمود بن أحمد بن عبد الرحمن، وأبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد الثقفيان -بأصبهان- أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو أحمد عبد الواحد بن أحمد بن عبد البقّال، أنا أبو أحمد عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق، أنا جدي أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم ابن محمد بن جميل، أنا أبو جعفر أحمد ابن منيع بن عبد الرحمن، ثنا الحجاج بن محمد، ثنا ابن جرجي، ثنا أبو حرب بن أبي الأسود الديلي، عن أبي الأسود، وعن ابن جريج، ورجل، عن زاذان كذا قالا: بينا الناس ذات يوم عند علي، إذ وقفوا منه نفساً طيبة فقام عبد الله بن الكواء الأعور من بني بكر بن وائل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما (الذاريات ذروا) ؟ قال: الرياح. قال: فما (الحاملات وقرا) ؟ قال: السحاب. قال: فما (الجاريات يُسرا) ؟ قال: السفن. قال: فما (المقسمات أمرا) ؟ قال: الملائكة. ولا تَعُدْ لمثل هذا، ولا تسألني عن مثل هذا. قال: فما (السماء ذات الحبك) ؟ قال: دار الخلق الحسن. قال: فما السواد الذي في حرْف القمر؟ قال: أعمى يسأل عن عمياء، ما العلم أردت بهذا؟ ويحك سَلْ تفقُّهاً ولا تسأل تعنُّتا -أو قال- تعتُّها، سل عما يعنيك، ودع ما لا يعنيك. قال: فوالله إن ها ليعنيني. قال: إن الله يقول: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل) السواد الذي في حرف القمر. قال: فما المجرّة؟ قال: شرج السماء، ومنها فُتحت أبواب السماء بماء منهمر زمن الغرق على قوم نوح. قال: فما قوس قُزح؟ قال: لا تقل قوس قُزح، فإن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 قُزح الشيطان ولكنه القوس، وهى أمانة من الغرق. قال: فكم بين السماء إلى الأرض؟ قال: قدر دعوة عبد دعا الله، لا أقول غير ذلك. قال: فكم ما بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، من حدثّك غير ذلك فقد كذب. قال: فمن الذين قال الله تعالى: (وأحلّوا قومهم دار البوار) ؟ قال: دعهم، فقد كُفيتهم. قال: فما ذو القرنين؟ قال: رجل بعثه الله إلى قوم كفرة أهل الكتاب، كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم، وابتدعوا في دينهم فأحدثوا على أنفسهم، فهم اليوم يجتهدون في الباطل، يحسبون أنهم على حق، ويجتهدون في الضلال ويحسبون أنهم على هدى، فَضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. قال: رفع صوته، وقال: وما أهل النهروان غداً منهم ببعيد. قال: فقال ابن الكواء: والله لا أسأل سواك ولا أتبع غيرك. قال: فقال: إن كان الأمر إليك فافعل. (المختارة 2/122-126 ح494) ، وأخرجه الحاكم من طريق أبي الطفيل قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قام على المنبر فقال: سلوني قبل أن لا تسألوني ولا تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكواء ... فذكر مختصرا ... وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/466-467) ، وأخرجه المقدسي من طريق أبي الطفيل به (المختارة 2/176 ح556) ، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (رقم 2970 ط قلعجي) عن معمر عن وهب بن عبد الله بن أبي الطفيل قال شهدت عليا فذكره بدون تفسير والسماء ذات الحبك. وقال ابن كثير: وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية ... فذكره) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (والذاريات) قال: الرياح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فالحاملات وقرا) قال: السحاب تحمل المطر، (فالجاريات يسرا) قال: السفن (فالمقسمات أمراً) قال: الملائكة ينزلها بأمره على من يشاء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إنما توعدون لصادق) والمعنى: لصدق، فوضع الاسم مكان المصدر (وإن الدين لواقع) يقول: وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب، والله مجاز عباده بأعمالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما توعدون لصادق، وإن الدين لواقع) وذلك يوم القيامة، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والسماء ذات الحبك) أي: ذات الخلق الحسن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والسماء ذات الحبك) قال: المتقن البنيان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والسماء ذات الحبك) قال: ذات الخلق الحسن، ويقال: ذات الزينة. قوله تعالى (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن (يؤُفك عنه من أفك) قال: يصرف عنه من صرف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يؤفك عنه من أفك) فالمأفوك عنه اليوم، يعني كتاب الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قتل الخراصون) يقول: لعن المرتابون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قتل الخراصون) قال: الذين يتخرصون الكذب. قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (الذين هم في غمرة ساهون) يقول: في ضلالتهم يتمادون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يسألون أيان يوم الدين) قال: يقولون: متى يوم الدين، أو يكون يوم الدين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (يوم هم على النار يفتنون) يقول: يعذبون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 قوله تعالى (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فتنتكم) قال: حريقكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذوقوا فتنتكم) : ذوقوا عذابكم (هذا الذي كنتم به تستعجلون) . كقوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال مطرف بن عبد الله في قوله: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قل ليلة تأتى عليهم لا يصلون فيها لله، إما من أولها، وإما من وسطها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، قال: كانوا يصيبون فيها حظا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قال: قليل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) يقول: ينامون. قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أن قوله عز وجل (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء. (السنن - الصلاة، ب وقت قيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 2/79 ح1322) ، وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبه (السنن الكبرى 3/19) به، وأخرجه عبد الرزاق في (التفسير رقم2979) عن معمر عن قتادة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/467) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 1/245 ح1174) . قوله تعالى (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أخرج عبد الرزاق عن الثوري عن جبلة بن سُحيم عن ابن عمر في قوله تعالى (وبالأسحار هم يستغفرون) قال: يصلون. وسنده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (186) عن سورة البقرة لبيان وقت السحر وقبول الاستغفار وهو حديث: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأستغفر له؟ ". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وبالأسحار هم يستغفرون) قال: يصلون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) هذان فقيرا أهل الإسلام، سائل يسأل في كفه، وفقير متعفف، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم. قوله تعالى (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وفي الأرض آيات للموقنين) قال: يقول: معتبر لمن اعتبر. قوله تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) انظر سورة فصلت آية (53) وفيها: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) . قوله تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وفي السماء رزقكم وما توعدون) يقول: الجنة في السماء، وما توعدون من خير أو شر. قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 وفيهن قصة إبراهيم وبشرى الملائكة له بالغلام، وعذابهم لقوم لوط ولمزيد من البيان انظر سورة هود آية (69-83) ، وسورة الحجر آية (51-74) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (بغلام عليم) قال: إسماعيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فصكت وجهها) يقول: لطمت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) قال: لو كان فيه أكثر من ذلك لأنجاهم الله، ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله. قوله تعالى (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إلى فرعون بسلطان مبين) يقول: بعذر مبين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فتولى بركنه) يقول لقومه، أو بقومه، أنا أشك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فتولى بركنه) قال: بعضده وأصحابه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وهو مليم) : أي مليم في نعمة الله. قوله تعالى (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر: حدثنا سفيان بن عيينة، عن سلاّم، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي واثل عن رجل من ربيعة قال: قدمت المدينة فدخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرتُ عنده وافد عادٍ، فقلتُ: أعوذ بالله أن أكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 مثل وافد عاد، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما وافد عادٍ؟ قال: فقلتُ: على الخبير سَقَطتَ، إن عاداً لمّا أقحطت بعثت قَيْلا. فنزل على بكر بن معاوية فسقاه الخمر وغنته الجرَادتان ثم خرج يريد جبال مهرة فقال: اللهم إني لم آتك لمريض فأُداويه ولا لأسير فأُفاديه، فاسق عبدك ما كنتَ مسقيه واسق معه بكر بن معاوية، يَشكر له الخمر التي سقاه فرُفع له سحابات، فقيل له: اختر إحداهن، فاختار السوداء منهن، فقيل له: خُذها رماداً رمدداً، لا تذر من عاد أحداً، وذُكر أنه لم يُرسل عليهم من الريح إلا قدرُ هذه الحَلَقة يعنى حَلَقة الخاتم، ثم قرأ: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) . (السنن 5/391-392 - ك التفسير، ب سورة الذاريات) ، وحسنه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . أخرج الطبري بسنده الصحيح، عن مجاهد هذا الريح العقيم، قال: ليس فيها رحمة ولا نبات، ولا تلقح نباتا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) إن الريح عقيما وعذاباً حين ترسل لا تلقح شيئا، ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بهذا السحاب، وينزل الغيث. وذكر لنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كالرميم) قال: كالشيء الهالك. قوله تعالى (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فعتوا) قال: علوا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون) وهم ينتظرون، وذلك أن ثمود وعدت العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجعل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة، فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الأيام، فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل، ينتظرون حلوله بهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فما استطاعوا من قيام) يقول: ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى. قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) انظر سورة البقرة آية (22) وتفسيرها. (أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والسماء بيناها بأيد) يقول: بقوة. قوله تعالى (أتواصوا به ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أتواصوا به) أي: كان الأول قد أوصى الآخر بالتكذيب. قوله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) قال: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) . إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكرها. قوله تعالى (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) قال: يطعمون أنفسهم. قوله تعالى ( ... ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) يقول: الشديد. قوله تعالى (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا) يقول: دلوا. قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) انظر سورة البقرة آية 79 لبيان معنى الويل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 سورة الطور قوله تعالى (وَالطُّورِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى (والطور) قال الجبل بالسريانية. قوله تعالى (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) قال: صحف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) والمسطور: المكتوب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في رق) قال الرق: الصحيفة. قوله تعالى (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قال: بيت في السماء يقال له الضراح. قال مسلم: حدثنا شيبان بن فرّوخ: حدثنا حمّاد بن سلمة: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُتيتُ بالبُراق (وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل. يضع حافره عند منتهى طرفه) قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال: فربطته بالحَلَقة التي يربط به الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن. فاخترت اللبن. فقال جبريل: اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء. ثم ساق حديث المعراج بطوله وفيه: فإذا أنا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ... ". (صحيح مسلم 1/145-147 - ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 قوله تعالى (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والسقف المرفوع) والسماء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والبحر المسجور) قال: الموقد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والبحر المسجور) الممتلئ. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والبحر المسجور) يقول: المحبوس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن عذاب ربك لواقع) وقع القسم ها هنا (إن عذاب ربك لواقع) وذلك يوم القيامة. قوله تعالى (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم تمور السماء مورا) قال: يقول: تحريكا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يوم تمور السماء مورا) قال: تدور دورا. انظر سورة طه آية (105) وسورة النبأ آية (7) وتفسيرها لبيان ذهاب الجبال ومحوها. انظر سورة البقرة آية (79) لبيان معنى الويل. قوله تعالى (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يقول: يدفعون. قوله تعالى (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) انظر سورة يس آية (54) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال ابن كثير: مصفوفة، أي: وجوه بعضهم إلى بعض، كقوله (على سرر متقابلين) سورة الصافات آية: 44. وانظر سورة يس آية (55-58) وسورة النبأ آية (31-35) لبيان هذه النعم في الجنة. قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في هذه الآية (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) فقال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقر الله بهم عينه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما ألتناهم من عملهم من شيء) قال: وما نقصناهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما ألتناهم من عملهم من شيء) يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء. قال ابن كثير: وقوله (كل امرئ بما كسب رهين) لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك، أخبر عن مقام العدل، وهو أنه لا يؤاخذ أحداً بذنب أحد بل (كل امرئ بما كسب رهين) أي: مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس، سواء كان أبا أو ابنا كما قال (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 قوله تعالى (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا لغو فيها) يقول: لا باطل فيها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا لغو فيها) قال: لا يستبون (ولا تأثيم) يقول: ولا يؤثمون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا لغو فيها ولا تأثيم) أي: لا لغو فيها ولا باطل، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان. قوله تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة، كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم، كما قال تعالى: (ويطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين) . قوله تعالى (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) قال: إذا بعث في النفخة الثانية. قوله تعالى ( ... إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إنه هو البر) يقول: اللطيف. قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ريب المنون) قال: حوادث الدهر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ريب المنون) يقول: الموت. انظر سورة السجدة آية (30) وسورة طه آية (135) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 قوله تعالى ( ... أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: بل هم قوم طاغون. قوله تعالى ( ... أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أم هم المسيطرون) يقول: المسلطون. قوله تعالى (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا) أي: عليهم يعذبون به، لما صدقوا ولما أيقنوا، بل يقولون هذا (سحاب مركوم) أي: متراكم. وهذه كقوله تعالى (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (كسفا) يقول: قطعا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن يروا كسفا) يقول: وإن يروا قطعا (من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) يقول جل ثناؤه: يقولوا لذلك الكسف من السماء الساقط، هذا سحاب مركوم، يعني بقوله مركوم: بعضه على بعض. قوله تعالى (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) قال ابن كثير: ثم قال (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) أي: قبل ذلك في الدار الدنيا، كقوله (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقوله: (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) قال: الجوع. قوله تعالى ( ... وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) قال الحاكم: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا يحيى بن بكر ثنا الليث عن ابن الهاد عن يحيى بن سعيد بن زرارة بن أوفى عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم ربي وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك". فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت، قال: "لا يقولهن من أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس". هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 1/496-497) . ووافقه الذهبي، وعزاه الحافظ للعسال في كتاب الأبواب من طريق أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة بنحوه. قال الحافظ: وإسناده حسن (النكت على ابن الصلاح 2/734) . وللحديث شواهد كثيرة بعضها صحيح الإسناد، وبعضها دون ذلك مع صلاحيتها للاحتجاج أو الاستشهاد، وقد أطال الكلام عليها الحافظ في النكت على ابن الصلاح (2/716) ، وفي آخر الفتح (13/545-546) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، في قوله (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: من كل منامة، يقول حين يريد أن يقوم: سبحانك وبحمدك. وسنده صحيح. قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا الوليد، عن الأوزاعي قال حدثني عُمير بن هانئ قال: حدثني جُنادة بن أبي أمية حدثني عُبادة بن الصامت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من تعَارّ من الليل فقال: لا الله إلا الله وحده لا شريك له، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي -أو دعا- استُجيب. فإن توضأ قبلت صلاته". (صحيح البخاري 3/47-48 - ك التهجد، ب فضل من تعارّ من الليل فصلَّى ح1154) . قوله: من تعارّ: أي إذا استيقظ، ولا يكون إلا يقظة مع كلام، وقيل: تمطّى وأن. قال مسلم: حدثنا محمد بن عبيد الغبري، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". (الصحيح 1/501 ح725 - ك صلاة المسافرين، ب استحباب ركعتي سنة الفجر) ، وقد أخرجه الطبري (27/39 عند تفسير هذه الآية من طريق قتادة به) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإدبار النجوم) قال: ركعتان قبل صلاة الصبح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 سورة النجم قوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والنجم إذا هوى) قال: إذا سقطت الثريا مع الفجر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما ينطق عن الهوى) أي: ما ينطق عن هواه (إن هو إلا وحي يوحى) قال: يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل، ويوحي جبريل إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) يعني: جبريل. قوله تعالى (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذو مرة) قال: ذو منظر حسن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) قال: ذو قوة جبريل. قوله تعالى (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى) والأفق: الذي يأتي آخر النهار. قوله تعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) قال: جبريل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 قوله تعالى ( ... قَابَ قَوْسَيْنِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قَابَ قَوْسَيْنِ) قال: حيث الوتر من القوس. قوله تعالى (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) أخرج مسلم بسنده عن أن مرفوعاً وفيه ذكر سدرة المنتهى. قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ... الحديث كما تقدم في سورة الإسراء. (الصحيح - الإيمان - ب الإسراء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 1/145، ح162) . قوله تعالى ( ... وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى) قال البخاري: حدثنا يحيى: حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق قال: قلتُ لعائشة رضي الله عنها: يا أمَّتاه، هل رأى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلتَ، أينَ أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) . ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. ولكن رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين. (صحيح البخاري 8/472 - ك التفسير - سورة النجم ح4855) ، (وصحيح مسلم 1/159 - ك الإيمان، ب معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى ... ) مطولاً) . وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن إسماعيل، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن عون: أنبأنا القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: مَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه ساداً ما بين الأفق. (صحيح البخاري 6/361 - ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ح3234) . وقال البخاري: حدثنا أبو النعمان: حدثنا عبد الواحد، حدثنا الشيباني قال سمعت زِرّا عن عبد الله (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) قال حدثنا ابن مسعود: أنه رأى جبريل له ستمائة جناح. (صحيح البخاري 8/476 - ك التفسير - سورة النجم (فكان قاب قوسين أو أدنى) ح4856) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان - ب في ذكر سدرة المنتهى 1/158 ح174) . وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا أبو أسامة: حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن ابن الأشوع، عن الشعبي، عن مسروق قال: قلتُ لعائشة: فأين قوله (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) ؟ قالت: ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل، وإنما أتى هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد الأفق. (صحيح البخاري 6/361 - ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم "آمين" والملائكة في السماء وافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ح3235) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان - في معنى قوله عز وجل (ولقد رآه نزلة أخرى 1/160 ح177) . وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذر، قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل رأيتَ ربك؟ قال: "نور أنى أراه". (صحيح مسلم 1/161 - ك الإيمان، ب في قوله عليه السلام: "نور أى أراه". وفي قوله: "رأيت نورا" ح78) . قوله تعالى (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) قال النسائي: أخبرنا يحيى بن حكيم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: "رأيت جبريل -عليه السلام- عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح يتناثر منها تهاويل الدر". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 (التفسير 2/350 ح562) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/460) عن حسن بن موسى، وان خزيمة في (التوحيد 1/500 ح291) من طريق حجاج بن محمد، والطبري (التفسير 27/49) من طريق عمرو بن عاصم، كلهم عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة به. ولفظ أحمد: عن ابن مسعود في هذه الآية (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت جبريل وله ستمائة جناح ... " قال ابن كثير عن إسناد أحمد: إسناد جيد قوي. وساق له روايات أخرى عند أحمد وحسنها كلها وجودها (التفسير 4/389-390) . ويشهد له ما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: رأى جبريل (الصحيح - الإيمان، ب معنى قوله عز وجل (ولقد رآه نزلة أخرى) 1/158 ح175) . قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة: حدثنا مالك بن مِغول: ح وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب. جميعا عن عبد الله بن نمير. وألفاظهم متقاربة. قال ابن نمير: حدثنا أبي: حدثنا مالك بن مغول، عن الزبير ابن عدي، عن طلحة، عن مرة، عن عبد الله، قال: لمّا أسريَ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتهى به إلى سدرة المنتهى. وهي في السماء السادسة. إليها ينتهي ما يعرُج به من الأرض. فيُقبض منها. وإليها ينتهي ما يُهبط به من فوقها. فيُقبض منها. قال: (إذ يغشي السدرة ما يغشى) . قال: فراش من ذهب. قال: فأعطي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا: أُعطى الصلوات الخمس. وأُعطي خواتيم سورة البقرة. وغفر، لمن لم يُشرك بالله من أمته شيئا، المُقحمات. (صحيح مسلم 1/157 - ك الأيمان، ب في ذكر سدرة المنتهى ح173) . وانظر حديث أنس المتقدم في مطلع سورة الإسراء. وفيه وصف سدرة المنتهى: وإذا أوراقها كآذان الفيلة: وإذا ثمرها كالقلال ... والقلال جمع قلة: وهي الجرة. قوله تعالى (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) قال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال: رأى رفْرفاً أخضر قد سدّ الأفق. (صحيح البخاري 8/477 - ك التفسير - سورة النجم، ب (الآية) ح4858) . قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن قتادة. وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد، عن قتادة عن أبي العالية: حدثنا ابن عم نبيكم -يعني ابن عباس رضي الله عنهما- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 "رأيت ليلة أُسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعاً، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن النار، والدجال في آيات أراهن الله إياه، فلا تكن في مرية من لقائه. قال أنس وأبو بكرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَحرس الملائكة المدينة من الدجال". (الصحيح 6/314 ح3239- ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب الإسراء 1/151 ح165) . وانظر حديث مسلم الوارد في مطلع سورة الإسراء. وفيه ذكر السدرة والآيات الكبرى. قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو الأشهب: حدثنا أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) . "كان اللات رجلاً يَلُت سويق الحاج". (صحيح البخاري 8/478 - ك التفسير - سورة النجم، ب (الآية) ح4859) . قال النسائي: أخبرنا علي بن المنذر قال، حدثنا ابن الفضيل قال، حدثنا الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد، وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال: "ارجع فإنك لم تصنع شيئاً"، فرجع خالد، فلما أبصرت به السدنة، وهم حجبتها، أمعنو في الرحيل وهم يقولون: يا عزى، فأتاها خالد فإذا هي امرأة ناشرة شعرها تحتفن التراب على رأسها، فعممها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال: "تلك العزى". (التفسير: 2/357-359 ح567) ، وأخرجه أيضاً أبو يعلى في مسنده (2/196 ح902) عن أبي كريب عن محمد بن فضيل به. وقال محقق النسائي: إسناده حسن، وقال محقق أبو يعلى: إسناده صحيح والأول أصح لما في الوليد من كلام ينزل حديثه إلى رتبة الحسن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفرأيتم اللات والعزى) أما اللات فكان بالطائف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 قوله تعالى (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) قال البخاري: حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا الزهري: سمعتُ عُروة قلت لعائشة رضي الله عنها، فقالت: إنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية التي بالمشَلّل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: (إن الصفا والمروةَ من شعائر الله) فطاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون. قال سفيان: مناة بالمشلّل من قُديد، وقال عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب: قال عروة قالت عائشة: "نزلت في الأنصار، كانوا هم وغسّان -قبل أن يُسلموا- يهلّون لمناة" مثله، وقال معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: كان رجالٌ من الأنصار ممّن كان يهل لمناة -ومَناةُ صنمٌ بين مكة والمدينة- قالوا: يا نبي الله، كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة. نحوه. (صحيح البخاري 8/479 - ك التفسير - سورة النجم، الآية ح4861) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (انظر شرح النووي على صحيح مسلم 9/22) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومناة الثالثة الأخرى) قال: أما مناة فكانت بقديد، آلهة كانوا يعبدونها، يعنى اللات والعزى ومناة. قوله تعالى (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تلك إذا قسمة ضيزى) قال: عوجاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تلك إذا قسمة ضيزى) يقول: قسمة جائرة. قوله تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) قال ابن كثير: وقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) كقوله: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) ، (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) فإذا كان هذا في حق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 الملائكة المقربين، فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله، وهو لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها، بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله وأنزل بالنهى عن ذلك جميع كتبه. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على المشركين في تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى، وجعلهم لها أنها بنات الله كما قال تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) ولهذا قال: (وما لهم به من علم) أي: ليس لهم علم صحيح يصدق ما قالوه بل هو كذب وزر وافتراء وكفر شنيع (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) أي: لا يجدي شيئا، ولا يقوم أبداً مقام الحق. وقد ثبت في الصحيح أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تسمية الأنثى) قال: الإناث. قوله تعالى (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) انظر سورة الأنعام (106) وتفسيرها. قوله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) انظر سورة العنكبوت آية (7) وفصلت آية (27) لبيان جزاء المحسنين وجزاء الذي أساءوا. قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) قال البخاري: حدثني محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيتُ أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله كتب على ابن آدم حظّه من الزنا أدرك ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذّبه. وقال شبابة: حدثنا ورقاء، عن ابن طاووس، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح البخاري 11/511 ح6612 - ك القدر، ب (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون..) ، (وصحيح مسلم 4/2046 - ك القدر، ب قدر ابن آدم حظه من الزنى وغيره بنحوه) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) يقول إلا ما قد سلف. قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) قال ابن كثير: وقوله (إن ربك واسع المغفرة) أي: رحمته وسعت كل شيء، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها، كقوله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) . قوله تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) قال البخاري: حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن خالد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلاً ذكر عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأثنى عليه رجل خيراً، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ويحك، قطعتَ عُنق صاحبك -يقوله مراراً- إن كان أحدُكم مادحاً لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يَرَى أنه كذلك، والله حسيبه، ولا يُزكي على الله أحداً. قال وُهيب عن خالد ويلك". (صحيح البخاري 10/491 - ك الأدب، ب ما يكره من التمادح ح6061) ، (وصحيح مسلم 4/2296 - ك الزهد والرقائق، ب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط ... ونحوه) . قال مسلم: حدثنا عمرو الناقد: حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء. قال: سمّيتُ ابنتي برّة. فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن هذا الإسم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 وسُميتُ برّة. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم". فقالوا: بِم نسمّيها؟ قال: "سموها زينب". (صحيح مسلم 3/1687-1688 ح2142 - ك الآداب، ب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن وتغيير اسم برّه إلى زينب وجويرية ونحوهما) . قال ابن كثير: وقوله (فلا تزكوا أنفسكم) أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم (هو أعلم بمن اتقى) كما قال: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) . قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) قال ابن كثير: يقول الله تعالى ذامَّا لمن تولى عن طاعة الله: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) . ا. هـ. سورة القيامة آية: 31-32. قوله تعالى (وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وأكدى) قال الوليد بن المغيرة: أعطى قليلا ثم أكدى: انقطع عطاؤه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأكدى) أي بخل وانقطع عطاؤه. قوله تعالى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) قال الحاكم: أخبرنا عبد بن الحسن الكارزي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا معلى بن راشد، ثنا وهيب عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سهام الإسلام ثلاثون سهما لم يتمها أحد قبل إبراهيم عليه السلام، قال الله عز وجل (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/470) ، وأقر الذهبي الحاكم على تصحيحه. ورجاله ليس فيهم ما يقتضي الطعن، سوى المعلى بني راشد، قال فيه أبو حاتم: شيخ يعرف بحديث ... في لعق الصحفة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الترمذي في حديثه المذكور آنفا: حسن غريب. وقال فيه الذهبي صدوق (انظر التهذيب 10/237، وتهذيب الكمال 28/825 و287، والكاشف 2/281 تحقيق عوامة) وأما داود فهو ابن أبي هند معروف برواية وهيب بن خالد البصري عنه (تهذيب الكمال 31/164) وشطره الأول له شواهد صححها الألباني في (السلسلة الصحيحة برقم1387) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 قوله تعالى (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) في هذه الآيات الكريمة قضايا من العقيدة اشتملت عليها صحف إبراهيم وموسى ومن خلال القرآن الكريم نتعرف على بعض الصحف القديمة وبعض ما احتوته. قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة يعني ابن سعيد وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل هو ابن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له". (الصحيح 3/1255 ح1631 - ك الوصية، ب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) قال: فأنزل الله بعد هذا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة. قال ابن كثير: (وأن سعيه سوف يرى) أي: يوم القيامة، كما قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) . قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) قال ابن كثير: (وأنه هو أمات وأحيا) كقوله: (الذي خلق الموت والحياة) ، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) كقوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أغنى وأقنى) قال: أعطى وأرضى وأخدم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وأنه هو أغنى وأقنى) يقول: أعطاه وأرضاه. قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) قال الطبري: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وأنه هو رب الشعرى) كان حي من العرب يعبدون الشعرى هذا النجم الذي رأيتم، قال بشر، قال: يريد النجم الذي يتبع الجوزاء. وسنده صحيح. قوله تعالى (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى) قال ابن كثير: وهم قوم هود. ويقال لهم: عاد بن إرم بن سام بن نوح، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى رسوله، فأهلكهم الله (بريح صرر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) . قوله تعالى (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) لم يكن قبيل من الناس هم أظلم وأطغى من قوم نوح، دعاهم نبي الله ألف سنة إلا خمسين عاما، كلما هلك قرن ونشأ قرن دعاهم نبي الله. قوله تعالى (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (والمؤتفكة أهوى) قال: أهواها جبريل، قال: رفعها إلى السماء ثم أهواها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والمؤتفكة أهوى) قال: قرية لوط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 قوله تعالى (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فغشاها ما غشى) غشاها صخرا منضودا. قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) يقول: فبأي نعم الله تتمارى يا ابن آدم. قوله تعالى (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا نذير من النذر الأولى) إنما بعث الله محمداً بما بعث به الرسل من قبله. قوله تعالى (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ) من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. قوله تعالى (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (سامدون) يقول: لاهون. قوله تعالى (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". (صحيح البخاري 8/480 - ك التفسير - سورة النجم، ب (الآية) ح4862) . وقال البخاري: حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد -يعني الزبيري- حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: أولُ سورةٍ أنزلت فيها سجدة والنجم، قال فسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسجد من خلفه، إلا رجلا رأيته أخذَ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قُتل كافراً وهو أمية بن خلف. (صحيح البخاري 8/480 ك التفسير - سورة النجم- ب (الآية) - ح4863 صحيح مسلم 1/405 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وابن حُجر (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر) عن يزيد بن خُصيفة، عن ابن قُسيط، عن عطاء بن يسار، أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام؟ فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء. وزعم أنه قرأ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: والنجم إذا هوى. فلم يسجد. (صحيح مسلم 1/406 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة ح577) ، وأخرجه البخاري بهذا اللفظ وبلفظ أخرجه بدون ذكر وزعم (الصحيح - سجود القرآن، ب من قرأ السجدة ولم يسجد ح1072 و1073) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 سورة القمر قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) قال مسلم: وحدثني عبد بن المثنى: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه. حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: بُعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرُنُ بين إصبعيه السبابة والوسطى. (صحيح مسلم 2/592 - ك الجمعة، ب تخفيف الصلاة والخطبة ح867) . قوله تعالى (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى، عن شعبة، وسفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمَر، عن ابن مسعود قال: انشق القمرُ على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرقتين: فِرقة فوق الجبل، وفرقةٌ دُونه. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اشهدوا. (صحيح البخاري 8/483-484 - ك التفسير - سورة القمر، ب (الآية) ح4864) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح - صفات المنافقين، ب انشقاق القمر ح2800) . وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا يونس بن محمد: حدثنا شيبان، عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: "سأل أهل مكة أن يُريهم آية فأراهم انشقاق القمر". (صحيح البخاري 8/483- 484 - ك التفسير - سورة القمر، (الآية) ح4867) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه ح2802) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (سحر مستمر) قال: ذاهب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) قال: رأى أهل الضلالة شيئا من آيات الله قالوا: إنما هذا عمل السحر، يوشك هذا أن يستمر ويذهب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 قوله تعالى ( ... وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) أي: بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر. قوله تعالى ( … مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مزدجر) قال: منتهى ... قوله تعالى (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) قال ابن كثير: وقوله: (حكمة بالغة) أي: في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله من أضله (فما تغني النذر) يعني: أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة، وختم على قلبه؟ فمن الذي يهديه من بعد الله؟ وهذه الآية كقوله تعالى: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) . وكذا قوله تعالى: (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) . قوله تعالى (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) انظر سورة المعارج آية (43- 44) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (خشعا أبصارهم) أي: ذليلة أبصارهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (مهطعين) يقول: ناظرين. قوله تعالى ( ... وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وازدجر) قال: استطير جنوناً. قوله تعالى (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) حدثنا أن دسر: مساميرها التي شدت بها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ودسر) يقول: المسامير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ودسر) قال: أضلاع السفينة. قوله تعالى ( ... جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) قال: كفر بالله. قوله تعالى (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: أبقاها الله بباقَردى من أرض الجزيرة، عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظراً، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا. قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يسرنا القرآن للذكر) قال: هوناه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من طالب خير يعان عليه. وانظر سورة مريم آية (97) . قوله تعالى (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر) هذه الآيات بيان مصير قوم عاد وقد تقدم ذكر مصيرهم في سورة الأعراف آية (65-72) وسورة هود آية (50-58) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) والصرصر: الباردة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: النحس: الشؤم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في يوم نحس مستمر) يستمر بهم إلى نار جهنم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) انظر تفسير الآية (17) من السورة نفسها. قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) في هذه الآيات مصير قوم ثمود وعقرهم الناقة، وقد تقدم في سورة الأعراف آية (73-79) وسور هود آية (59-68) وسورة الشمس آية (11-15) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا إذا لفي ضلال وسعر) في عناء وعذاب. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كل شرب محتضر) قال: يحضرون بهم الماء إذا غابت، وإذا جاءت حضروا اللبن. قال ابن كثير: ثم قال تعالى (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) قال المفسرون: هو عاقر الناقة، واسمه قدار بن سالف، وكان أشقى قومه كقوله: (إذ انبعث أشقاها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فكانوا كهشيم المحتظر) يقول: كهشيم محترق. قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) انظر آية (17) من السورة نفسها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) في هذه الآيات قصة مصير قوم لوط وقد تقدمت في سورة الأعراف آية (80- 84) وسورة هود آية (74-83) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فتماروا بالنذر) لم يصدقوه. قوله تعالى (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) يقول: صبحهم عذاب مستقر، استقربهم إلى نار جهنم. قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) انظر آية (17) من السورة نفسها. قل له تعالى (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم. قوله تعالى (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) أي: مضى. قوله تعالى (أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) انظر سورة النحل آية (44) وفيها الزبر الكتب. قوله تعالى (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حرشب، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد، عن عكرعة، عن ابن عباس ح. وحدثني محمد حدثنا عفّان بن مسلم عن وهيب، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال وهو في قبّة يوم بدر: "اللهم إني أنشدُك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، ألْححْتَ على ربك -وهو يَثب في الدرع. فخرج وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) . (صحيح البخاري 8/485-486 - ك التفسير - سورة القمر (الآية) ح4875) . قوله تعالى (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى: حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يوسف بن ماهَك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين قالت: لقد أُنزل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وإني لجارية ألعَبُ: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) . (صحيح البخاري 8/486 - ك التفسير - سورة القمر (الآية) ح4876) . قوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (في ضلال وسعر) قال: في عناء. قوله تعالى (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن أبي هريرة. قال: جاء مشركوا قريش يخاصمون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القدر. فنزلت: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) . (صحيح مسلم 4/2046 - ك القدر، ب كل شيء بقدر ح2656) . وانظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (8) من سورة المؤمنون. قال مسلم: حدثني عبد الأعلى بن حمّاد قال: قرأتُ على مالك بن أنس. ح وحدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك فيما قرئ عليه، عن زياد بن سعيد، عن عمرو بن مسلم، عن طاووس أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: كل شيء بقدر. قال وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز". (الصحيح 4/2045 ح2654 - ك القدر، ب كل شيء بقدر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال مسلم: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح، حدثنا ابن وهب، أخبرني أبو هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء". (الصحيح 4/2044 ح2653 - ك القدر، ب حجاج آدم وموسى عليهما السلام) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال: خلق الله الخلق كلهم بقدر وخلق لهم الخير والشر بقدر، فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاء، بئس الشر الشقاء. قوله تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) انظر سورة يس آية (81) وتفسيرها. قوله تعالى (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا خالد بن مخلد: حدثني سعيد ابن مسلم بن بانك، قال: سمعتُ عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عائشة، إياك ومحقرَات الأعمال. فإن لها من الله طالبا". (السنن - الزهد، ب ذكر الذنوب ح4243) ، أخرجه أحمد والنسائي من طريق سعيد بن مسلم به، المسند (6/70، 151) قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه أبو بكر بن أبي شيبة ... وأبو يعلى ... والنسائي في الرقاق ... والدارمي ... ورواه ابن حبان في صحيحه (مصباح الزجاجة 2/346) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/416) ، وله شاهد من رواية سهل بن سعد في مسند أحمد (5/331) ، وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح 11/283) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مستطر) قال: محفوظ مكتوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 سورة الرحمن قوله تعالى (الرحمن) انظر سورة الفاتحة تفسير (الرحمن) . قوله تعالى (عَلَّمَ القُرْآنَ) انظر سورة القيامة آية (17-19) وتفسيرهما لتفسير العلم هنا بالقراءة ثم البيان. قوله تعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) قال: الإنسان: آدم. قوله تعالى (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) : علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه، ليحتج بذلك على خلقه. قوله تعالى (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي: بحساب وأجل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (بحسبان) قال: كحسبان الرحا. قال ابن كثير: وقوله (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي: يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وقال تعالى (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) . قوله تعالى (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والنجم) قال: ما يبسط على الأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (والنجم) قال: في السماء. وانظر سورة الحج آية (18) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والشجر يسجدان) قال: الشجر: كل شيء قام على ساق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) فثنى وهو خير عن جمعين. قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) انظر سورة الأنبياء آية 32 لبيان رفع السماء. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) قال: العدل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس. قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) قال ابن كثير: أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال (وزنوا بالقسطاس المستقيم) الشعراء: 128. قوله تعالى (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (للأنام) يقول: للخلق. قوله تعالى (وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) : الليف الذي يكون عليها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 قوله تعالى (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) يقول: التين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) قال: العصف: الورق من كل شيء. قال: يقال للزرع إذا قطع: عصافة، وكل ورق فهو عصافة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والريحان) قال: الرزق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والريحان) يقول: خضرة الزرع. قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول: بأي نعمة الله تكذبان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول للجن والإنس: بأي نعم الله تكذبان. قوله تعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) يقول: الطين اليابس. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) والصلصال: التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة فهو كالفخار، كما قال الله عز وجل. قوله تعالى ( … مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) قال: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) انظر آية (13) من السورة نفسها. قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه. قال ابن كثير: وقوله (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) تقدم تفسيره. (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) يعني مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء وقال في الآية الأخرى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب. قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) انظر آية 13 من السورة نفسها. قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ..) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) يقول: أرسل. قوله تعالى (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) يقول: حاجز. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) والبرزخ: هذه الجزيرة، هذا اليبس. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا يبغيان) قال: لا يختلطان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يبغيان) على اليبس، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى. وانظر سورة الفرقان آية (53) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) انظر آية (13) من السورة نفسها. قوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) قال ابن كثير: وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن المهدي حدثنا سفيان، عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء، فتحت الأصداف في البحر أفواهها، فما وقع فيها يعني من قطر فهو اللؤلؤ. إسناده صحيح. قوله تعالى ( … الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ) قال: ما رفع قِلْعه من السفن فهي منشئات وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشاة. القِلع: بالكسر: شراع السفينة. قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) انظر آية 13 من السورة نفسها. قوله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) قال ابن كثير: هذه الآية كقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه (ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أي: هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف. قوله تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار: ثنا الوزير بن صبيح: ثنا يونس بن حَلْبَسٍ، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال: "من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويخفض آخرين". (السنن - المقدمة - ب فيما أنكرت الجهمية - 202) قال البوصيري. هذا إسناد حسن لتقاصر الوزير عن درجة الحفظ والإتقان (مصباح الزجاجة 1/88) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 1/40) ، ورواه البخاري عن أبي الدرداء موقوفا تعليقا بصيغة الجزم، قال الدارقطني: وقد روي موقوفاً وهو الصواب (العلل 6/229 وانظر العلل المتناهية 1/28-29) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا. قوله تعالى (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) قال: وعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ. قوله تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) قال ابن كثير: أي: لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون من التخلص من حكمه، ولا النفوذ عن حكمه فيكم، أينما ذهبتم أحيط بكم. وهذا في مقام المحشر الملائكة محدقة بالخلائق، سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب (إلا بسلطان) أي: إلا بأمر الله (يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا تنفذون إلا بسلطان) يقول: لا تخرجون من سلطاني. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (بسلطان) قال: بحجة. قوله تعالى ( ... شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) يقول: لهب النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ونحاس) دخان النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونحاس) قال: توعدهما بالصفر كما تسمعون أن يعذبهما به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 قوله تعالى (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) هي اليوم خضراء كما ترون، ولونها يوم القيامة لون آخر. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: كالدهن. قوله تعالى ( ... لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) قال: حفظ الله عز وجل عليهم أعمالهم. قوله تعالى (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يعرف المجرمون بسيماهم) قال: كان مجاهد يقول: لا يسأل الملائكة عن المجرم يعرفون بسيماهم. قوله تعالى ( ... وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وبين حميم أن) يقول: انتهى حره. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وبين حميم آن) قال: قد بلغ إناه. وانظر سورة الغاشية آية (5) . قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن". (الصحيح 8/491 - ك التفسير، ب (ومن دونهما جنتان) ح4878) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ح180) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 قال النسائي: أخبرنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء، أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقص على المنبر يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثانية: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت: الثانية: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الثالثة: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت الثالثة: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟ قال: "وإن رغم أنف أبي الدرداء". (التفسير 2/374-375 ح580) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/357) ، والطبري (التفسير 27/146) من طرق عن محمد بن أبي حرملة به. وأخرجه ابن خزيمة (التوحيد 2/810-811 ح533) من طريق محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبي الدرداء به. وفي آخره قول أبي الدرداء. فلا أزال أقرؤها كذلك حتى ألقاه. وهو عند النسائي من الطريق نفسه (التفسير ح581) . وقد عزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/118) . وصححه محقق تفسير النسائي وأخرجه ابن أبي عاصم من طريق عمرو بن الأسود عن أبي الدرداء مختصرا وصححه الألباني (السنة ح975) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: وعد الله جل ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدوا فرائضه الجنة. أخرج الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعضاً عن مجاهد، قوله (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: هو الرجل يهم بمعصية الله تعالى، ثم يتركها مخافة الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانو له، وتعبدوا بالليل والنهار. قوله تعالى (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) يعني: فضلهما وسعتهما على سواهما. قوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) انظر سورة الكهف آية (31) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وجنى الجنتين دان) ثمارهم دانية، لا يرد أيديهم عنه بعد ولا شوك. أخرج أبي بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وجنى الجنتين دان) يقول: ثمارها دانية. قوله تعالى (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيهن قاصرات الطرف) الآية، يقول: قصر طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) يقول: لم يدمهن إنس ولا جان. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) قال: لم يمسهن. قوله تعالى (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) في صفاء الياقوت وبياض المرجان. قوله تعالى (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (مدهامتان) يقول: خضراوان. قوله تعالى (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) يقول: نضاختان بالماء. قوله تعالى (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) يقول: في هذه الجنان خيرات الأخلاق، حسان الوجوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 قوله تعالى (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد: حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهلٌ ما يَرَون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون". (صحيح البخاري 8/491 - ك التفسير - سورة الرحمن، الآية ح4879) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه - الجنة وصفة نعيمها 4/2182 ح2838) . وأخرج مسدد قال: ثنا يحيى ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن أبي الأحوص عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "حور مقصورات في الخيام". قال: الدر المجوف ... (إتحاف الخيرة للبوصيري التفسير - سورة الرحمن ح311) ، وقال البوصيري: وراوته ثقات. ا. هـ. وحديث البخاري السابق شاهد له) . أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن مجاهد، قوله (مقصورات) قال: مقصورات على أزواجهن فلا يردن غيرهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (مقصورات في الخيام) قال: لا يبرحن الخيام. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في الخيام) الخيام اللؤلؤ والفضة، كما يقال والله أعلم. قوله تعالى (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) تقدم تفسيرها في الآية (56) من السورة نفسها. قوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (متكئين على رفرف خضر) يقول: المحابس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) قال: الزرابي. قوله تعالى ( ... ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي من أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) يقول: ذو العظمة والكبرياء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 سورة الواقعة قوله تعالى (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. قال ابن كثير: الواقعة من أسماء يوم القيامة سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال (فيومئذ وقعت الواقعة) الحاقة: 15. قوله تعالى (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ) أي ليس لها مثنوية، ولا رجعة، ولا ارتداد. قوله تعالى (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) يقول: تخللت كل سهل وجبل، حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة الله، وخفضت أقواما في عذاب الله. قوله تعالى (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) يقول: زلزلها. قوله تعالى (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) يقول: فتتت فتا. قوله تعالى (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) يقول: شعاع الشمس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر. قوله تعالى (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) قال: منازل الناس يوم القيامة. قوله تعالى (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) أي ماذا لهم وماذا أعد لهم (والسابقون السابقون) أي من كل أمة. قوله تعالى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم ثلة، أي جماعة من الأولين، وقليل من الآخرين. وقد اختلفوا في المراد بقوله (الأولين) و (الآخرين) فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية، وبالآخرين هذه الأمة. هذا رواية عن مجاهد، والحسن البصري رواها عنهما ابن أبي حاتم. وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نحن السابقون الآخرون يوم القيامة". ولم يحك غيره، ولا عزاه إلى أحد. قوله تعالى (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (موضونة) قال: مرمولة بالذهب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) يقول: مصفوفة. قوله تعالى ( ... مُخَلَّدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مُخَلَّدُونَ) قال: لا يموتون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 قوله تعالى (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بأكواب وأباريق) والأكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم، وهي أصغر من الأباريق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكأس من معين) قال الخمر. قوله تعالى (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يصدعون عنها) ليس لها وجع رأس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ولا ينزفون) قال: لا يغلب أحد على عقله. قوله تعالى (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) قال الإمام أحمد: ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن طير الجنة كأمثال البُخت ترعى في شجر الجنة". فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه الطير ناعمة فقال: "أكلتها أنعم منها -قالها ثلاثا- وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر". (المسند 3/221) ، وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 5/13 ح1614) من طريق الإمام أحمد، قال محققه: إسناده حسن. وقال الترمذي: رواه أحمد بإسناد جيد (الترغيب 4/432 رقم5506) ، وقال العراقي: إسناده صحيح (تخريج إحياء علوم الدين 6/2770) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة (مجمع الزوائد 4/414) ، وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم عن أبيه عن أنس وقال: حسن غريب. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي 2/314 ح2063) . البُخت: جمال طوال الأعناق. قوله تعالى (وَحُورٌ عِينٌ) قال الطبري: حدثنا هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن عيينة، عن عمرو عن الحسن (وحور عين) قال: شديدة السواد: سواد العين، شديدة البياض: بياض العين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 قوله تعالى (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) قال ابن كثير: وقوله (كأمثال اللؤلؤ المكنون) أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه، كما تقدم في سورة الصافات (كأنهن بيض مكنون) وقد تقدم في سورة الرحمن وصفهن أيضاً. قوله تعالى (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) قال ابن كثير: ثم قال (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) أي لا يسمعون في الجنة كلاما لاغيا، أي: غثا خاليا عن المعنى، أو مشتملا على معنى حقير أو ضعيف كما قال (لا تسمع فيها لاغية) أي: كلمة لاغية (ولا تأثيما) أي: ولا كلاما فيه قبح (إلا قيلا سلاما سلاما) أي: إلا التسليم منهم بعضهم على بعض، كما قال (تحيتهم فيها سلام) وكلامهم أيضاً سالماً من اللغو والإثم. قوله تعالى (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم، ثم ابتدأ الخبر عماذا أعد لهم في الجنة، وكيف يكون حالهم إذا هم دخلوها؟ فقال: هم (في سدر مخضود) يعني: في ثمر سدر موقر حملا قد ذهب شوكه. وإسناده حسن. قوله تعالى (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا الربيع بن سليمان: ثنا بشر بن بكر ثنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال: يا رسول الله، لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة توذي صاحبها فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما هي؟. قال: السدر، فإن لها شوكا. فقال رسول الله: "في سدر مخضود يخضد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 الله شوكه فيجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمرا تفتق الثمرة معها عن اثنين وسبعين لونا ما منها لون يشبه الآخر". صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/476 - ك التفسير) وصححه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب: إسناده حسن (4/434 رقم5511) ، وله شاهد أخرجه أبو بكر بن أبي داود (البعث والنشور ح69) ، والطبراني في (المعجم الكبير 17/130) كلاهما من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعاً بنحوه. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/414) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (سدر مخضود) قال: خضده وقره من الحمل، ويقال: خضد حتى ذهب شوكه فلا شوك فيه. قوله تعالى (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال: الموز. قوله تعالى (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عامٍ لا يقطعها. واقرءوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ". (صحيح البخاري 8/495 - ك التفسير - سورة الواقعة، الآية ح4881، (وصحيح مسلم 4/2175 - ك الجنة وصفة نعيهما وأهلها، ب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها ... ) . قوله تعالى (وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ) انظر سورة محمد آية (15) وفيها قوله تعالى: (فيها أنهار من ماء غير آسن) . قوله تعالى (عُرُبًا أَتْرَابًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عربا) يقول: عواشق. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (عربا أترابا) قال: متحببات إلى أزواجهن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أترابا) قال: أمثالا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أترابا) يعني: سنا واحدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 قوله تعالى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ) انظر تفسرهما في هذه السورة آية (13-14) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) قال: أمة. قوله تعالى (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) أي: ماذا لهم، وماذا أعد لهم. قوله تعالى (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) يقول: من دخان حميم. قوله تعالى (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) قال: لا بارد المنزل ولا كريم المنظر. قوله تعالى (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يصرون) يدمنون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على الحنث العظيم) قال: على الذنب. قوله تعالى (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) انظر سورة الإسراء آية (49-52) . قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) وفي هذه الآيات طعام وشراب الكفار ولمزيد بيان ذلك انظر سورة الصافات آية (62-69) وسورة الدخان آية (43-49) وسورة الرعد آية (5) والصافات آية (16) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 قوله تعالى (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عَمْرو: كان هاهنا رجل اسمه نوّاس، وكانت عنده إبل هيم، فذهب ابنُ عمر رضي الله عنهما فاشترى تلك الإبل من شريك له، فجاء إليه شريكه فقال: بِعنا تلك الإبل. فقال: مِمّن بِعتها؟ فقال: مِن شيخ كذا وكذا. فقال: ويحك، ذاك والله ابن عمر. فجاءه فقال: إن شريكي باعك إبلاً هِيما ولم يعرفك. قال: فاستقها. قال فلمّا ذهب يستاقها فقال: دعها، رضينا بقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا عدوى. سمع سفيان عَمراً. (صحيح البخاري 4/376 - ك البيوع، ب شراء الإبل الهيم أو الأجرب ... ح2099) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (شرب الهيم) يقول: شرب الإبل العطاش. قوله تعالى (نَحْنُ قدرنا بينكم الموت) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (قدرنا بينكم الموت) قال: المستأخر والمستعجل. قوله تعالى (وَنُنْشِئَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَنُنْشِئَكُمْ) في أي خلق شئنا. قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (النشأة الأولى) قال: إذ لم تكونوا شيئا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى) يعني: خلق آدم لست سائلا أحداً من الخلق إلا أنبأك أن الله خلق آدم من طين. قال ابن كثير: أي قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة -وهي البداءة- قادر على النشأة الأخرى، وهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 الإعادة بطريق الأولى والأحرى، كما قال (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) وقال (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) وقال (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) . قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) انظر سورة البقرة آية (205) لبيان: ما تحرثون. وسورة النمل الآية (60) وسورة النحل الآية (11) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فظلتم تفكهون) قال: تعجبون. قوله تعالى (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي معذبون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) قال: ملقون للشر. قوله تعالى (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قال: حورفنا فحرمنا. قوله تعالى ( ... مِنَ الْمُزْنِ ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (من المزن) قال: السحاب. قوله تعالى (نحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (تذكرة) قال: تذكرة النار الكبرى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (لِلْمُقْوِينَ) قال: للمسافرين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومتاعا للمقوين) للمستمتعين الناس أجمعين. قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة وموسى بن إسماعيل، المعنى قالا: ثنا ابن المبارك، عن موسى، قال أبو سلمة، موسى بن أيوب، عن عمه، عن عقبة بن عامر، قال: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت (فسبح باسم ربك الأعلى) قال: "اجعلوها في سجودكم". (السنن 1/230 ح869 - ك الصلاة، ب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده) ، وأخرجه الدارمي (1/299 - ك الصلاة، ب ما يقال في الركوع) ، وأحمد في مسنده (4/155) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 5/225 ح1898) ، والحاكم (المستدرك 2/477) وغيرهم من طرق عن موسى بن أيوب به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم أيضاً من طريقين عن موسى بن أيوب به ثم قال: هذا حديث حجازي صحيح الإسناد وقد اتفقا على الاحتجاج برواية غير إياس بن عامر وهو عم موسى بن أيوب القاضي ومستقيم الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: إياس ليس بالمعروف (المستدرك 1/225) ولكن ترجم الحافظ ابن الحجر في التقريب لإياس بن عامر وقال: صدوق وقال العجلي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وصحيح له ابن خزيمة فقد أخرجه من الطريق نفسه (الصحيح 1/303 و334 ح600 و601 و706) . وعليه فالإسناد حسن. وانظر سورة البقرة آية (30) لبيان التسبيح. قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال مسلم: وحدثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، حدثني النظر بن محمد حدثنا عكرمة -وهو ابن عمار- حدثنا أبو زميل قال حدثنا ابن عباس قال: مطر الناس على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، قال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 فنزلت هذه الآية (فلا أقسم بمواقع النجوم ... ) حتى بلغ (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) . (الصحيح 1/84 ح73 - ك الإيمان، ب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بمواقع النجوم) قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فلا أقسم بمواقع النجوم) قال: قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة. قوله تعالى (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) قال: القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار. قوله تعالى (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) قال الدارمي: أخبرنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده قال الحكم: قال لي يحيى بن حمزة: أفصل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر ولا طلاق قبل إملاك ولا عتاق حتى يبتاع" قيل لأبى محمد قال: أحسب كأنها من كتاب عمر بن عبد العزيز. (السنن 2/161 - ك الطلاق، ب لا طلاق قبل نكاح) وفي إسناده ضعف لضعف سليمان بن داود - وهو سليمان بن أرقم- ولكن يشهد له ويقويه ما أخرجه الطبراني في (الكبير 9/33 ح8336) من حديث المغيرة بن شعبة عن عثمان بن أبي العاص في قصة وفادتهم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولا تمس القرآن إلا وأنت طاهر". وإسناده حسن. وكذا حديث ابن عمر عبد الدارقطني (1/121) ، والطبراني في الكبير (رقم13217) وغيرهما، قال الهيثمي -وقد عزاه للطبراني في الصغير -: رجاله موثقون، وقال ابن حجر: إسناده لا باس به (التلخيص الحبير 1/131) . وصححه الألباني بمجموع طرقه ونقل تصحيح الإمام أحمد وابن راهويه له (ارواء الغليل 1/158 ح122) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لا يمسه إلا المطهرون) قال: الملائكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 قوله تعالى (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) انظر سورة الشعراء آية (192) والسجدة آية (2) وتفسيرهما. قوله تعالى (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) قال: تريدون أن تمالئوهم فيه، وتركنوا إليهم. قوله تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال البخاري: حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبلَ عَلَى الناسِ فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال بنوءِ كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب. (صحيح البخاري 2/606-607 - ك الاستسقاء، ب قول الله تعالى (الآية) ح1038) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب كفر من قال مطرنا بالنوء 1/83-84 ح71) . قال الطبري: حدثنا بشار قال: ثنا جعفر قال: ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافر، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقرأ ابن عباس: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) . ذكره ابن كثير وقال: إسناده صحيح (التفسير 4/299) . وانظر سورة الواقعة آية (75) حديث مسلم عن ابن عباس المتقدم في الصفحة السابقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال: قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، يقول: قولوا هو من عند الله وهو رزقه. قوله تعالى (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى (فلولا إذا بلغت) ، أي: الروح (الحلقوم) أي: الحلق وذلك حين الاحتضار، كما قال: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) ولهذا قال هاهنا: (وأنتم حينئذ تنظرون) أي: إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت، (ونحن أقرب إليه منكم) أي: بملائكتنا (ولكن لا تبصرون) أي: ولكن لا ترونهم كما قال في الآية الأخرى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فلولا إن كنتم غير مدينين) يقول: غير محاسبين. قوله تعالى (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) قال مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدّث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه". (الموطأ 1/240 ح49 - ك الجنائز، ب جامع الجنائز) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/455) ، والنسائي (السنن 4/108 - ك الجنائز، ب أرواح المؤمنين، وابن ماجة (السنن رقم4271 - ك الزهد، ب ذكر القبر والبلى) كلهم عن مالك به. قال ابن كثير: هذا إسناد عظيم ومتن قويم (التفسير 8/27) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/423) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 وانظر سورة الأعراف آية (40) حديث أبي هريرة في سنن ابن ماجة وفيه: أن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان.. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فروح وريحان) يقول: راحة ومستراح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فروح وريحان) قال: راحة. وقوله وريحان قال: الرزق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فروح وريحان) قال الروح: الرحمة والريحان: يتلقى به عند الموت. قوله تعالى (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) حتى ختم، إن الله ليس تاركا أحداً من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك يوم القيامة، وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه. وانظر حديث أبي هريرة في سنن ابن ماجة في سورة الأعراف آية (40) ، وفيه: " ... وإذا كان الرجل السوء قال: أخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فلا يفتح". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن هذا لهو حق اليقين) قال: الخبر اليقين. قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) وانظر سورة البقرة آية (30) قول مجاهد لبيان التسبيح، وانظر حديث أبي داود عن عقبة بن عامر المتقدم في الآية (74) من السورة نفسها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 سورة الحديد قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات والأرض، أي: من الحيوانات والنباتات، كما قال في الآية الأخرى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) . وانظر سورة الإسراء آية (44) وتفسيرها. قوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) قال مسلم: حدثني زهير بن حرب: حدثنا جرير، عن سُهيل. قال: كان أبو صالح يأمرنا، إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن. ثم يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقْضِ عنا الدين وأغننا من الفقر". وكان يروى ذلك عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح مسلم 4/2084 - ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ح2713) . قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) انظر سورة الأعراف آية (54) وسورة فصلت آية (9-12) لبيان تفصيل الأيام لخلق السماوات والأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) انظر سورة الأنعام آية (59) وتفسيرها النبوي. قال ابن كثير: وقوله (وما يعرج فيها) ، أي: من الملائكة والأعمال، كما جاء في الصحيح: "يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل". قال ابن كثير: قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) أي: رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث أنتم، وأين كنتم، من بر أو بحر ليل أو نهار، في البيوت أو القفار، الجميع في علمه على السواء، وتحت بصره وسعه، فيسع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم، كما قال: (أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وقال: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) . قوله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) انظر سورة آل عمران آية (27) وتفسيرها. قوله تعالى (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) انظر سورة البقرة آية (274) وسورة الأنفال آية (60) لبيان ثواب الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله. قوله تعالى (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) قال: في ظهر آدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (من الظلمات إلى النور) قال: من الضلالة إلى الهدى. قوله تعالى (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) قال ابن كثير: ولما أمرهم أولا بالأيمان والإنفاق، ثم حثهم على الإيمان، وبين لهم أنه قد أنزل عنهم موانعه حثهم أيضاً على الإنفاق فقال: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض) أي: أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا، فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض، وبيده مقاليدهما، وعنده خزائنهما، وهو مالك العرش بما حوى، وهو القائل: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) وقال (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) . قوله تعالى (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وقاتل) قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير. قالا: حدثنا عبد الله ابن إدريس، عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احْرصْ على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو إني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدرُ الله، وما شاء فَعَلَ، فإن لو تفتح عَمَلَ الشيطان". (صحيح مسلم 4/2052 - ك القدر، ب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 قوله تعالى (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) قال ابن كثير: وقوله (وكلا وعد الله الحسنى) يعني: المنفقين قبل الفتح وبعده، كلهم لهم ثواب على ما علموا، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) ... ثم ذكر الحديث السابق عن أبي هريرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) قال: آمن فأنفق، يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يستوي منكم من أنفق من قل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) قال: كان قتالان، أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح (فتح مكة) أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) قال: الجنة. قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) انظر سورة البقرة آية (245) لبيان فضل الإنفاق في سبيل الله. قوله تعالى (يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ... ) قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ إسماعيل بن قتيبة: ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة: ثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن المنهال بن عَمْرو عن قيس بن السكن عن عبد الله - رضي الله عنه - في قوله عز وجل (يسعى نورهم بين أيديهم) قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم منهم من نوره مثل الجمل وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه يطفئ مرة ويقد أخرى. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك 2/478 ك التفسير ووافقه الذهبي وسنده حسن) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 قوله تعالى (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (بِسُورٍ لَهُ بَابٌ) قال: كالحجاب في الأعراف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فضرب بينهم بسور له باب) السور: حائط بين الجنة والنار. قوله تعالى (وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) أي: النار. قوله تعالى (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فتنتم أنفسكم) قال: النفاق، وكان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم، ويغشونهم، ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا، ويعطون النور جميعا يوم القيامة، فيطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويماز بينهم حينئذ. قو له تعالى (وَارْتَبْتُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَارْتَبْتُمْ) كانوا في شك عن الله. قوله تعالى (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله) كانوا على خدعة من الشيطان، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار. قوله تعالى (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني المنافقين، ولا من الذين كفروا. قوله تعالى (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) قال ابن ماجة: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم: ثنا محمد بن أبي فُديك عن موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبي حازم، أن عامر بن عبد الله بن الزبير أخبره أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يُعاتبهم الله بها، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 إلا أربع سنين (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) . (السنن 2/1402 - الزهد، ب الحزن والبكاء ح4192) ، قال البوصيرى: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 3/291) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/408) ، ويشهد له ما رواه مسلم بسنده عن ابن مسعود بنحوه (الصحيح - التفسير، ب في قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) 4/2319 ح3027) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (الأمد) قال: الدهر. قال ابن كثير: (وكثير منهم فاسقون) ، أي في الأعمال، فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة. كما قال: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) ، أي: فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، وتركوا الأعمال التي أمروا بها وارتكبوا ما نهوا عنه، ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية. قوله تعالى (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) انظر سورة البقرة آية (261) لبيان مضاعفة الأجر للذين ينفقون في سبيل الله. قوله تعالى (أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (الصديقون والشهداء عند ربهم) قال: بالإيمان على أنفسهم بالله. قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) ... الآية، يقول: صار الناس إلى هذين الحرفين في الآخرة. ا. هـ. وهذا المثل ورد شبهه في سورة يونس آية (24) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 قال ابن كثير: يقول تعالى: موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) أي: إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب) ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال: (كمثل غيث) ، وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، كما قال: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) وقوله: (أعجب الكفار نباته) أي: يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث، وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها (ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) أي: يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعدما كان خضرا نضرا، ثم يكون بعد ذلك كله (حطاما) أي: يصير يبسا متحطما، هكذا الحياة الدنيا أولا تكون شابة ثم تكتهل، ثم تكون عجوزا شوهاء، والإنسان كذلك يكون في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا بين الأعطاف، بهي المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وينفد بعض قواه، ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى قليل الحركة، يعجزه الشيء اليسير، كما قال تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) . تقوله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) انظر سورة آل عمران آية (133) وتفسيرها لبيان فضل الاستغفار والحث عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ما أصاب من مصيبة في الأرض) أما مصيبة الأرض: فالسنون. وأما في أنفسكم: فهذه الأمراض والأوصاب (من قبل أن نبرأها) : من قبل أن نخلقها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) يقول: في الدين والدنيا إلا في كتاب من قبل أن نخلقها. قوله تعالى (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) من الدنيا (ولا تفرحوا بما آتاكم) منها. قوله تعالى (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) انظر سورة لقمان آية (18) . قوله تعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) انظر سورة النساء آية (37) وتفسيرها، في ذم البخل وخطره. قوله تعالى ( ... الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الكتاب والميزان) قال الميزان: العدل. قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) وجنة وسلاح، وأنزله ليعلم الله من ينصره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 قوله تعالى (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) فهاتان من الله والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها. قوله تعالى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ... ) قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أن سهل بن أبي أمامة حدثه، أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، (في زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم قال أبي: يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته، قال: إنها المكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه) فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "لا تُشدّدوا على أنفسكم فيُشدّد عليكم، فإن قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) ... (السنن 4/276-277 - ك الأدب، ب في الحسد ح4904) ، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 6/173-174 ح2178) من طريق أحمد بن عيسى، عن عبد الله بن وهب به، قال محققه: إسناده حسن. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال ابن كثير: قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس: أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في القصص. ا. هـ. والآية التي في القصص هي آية 54 وانظر سورة القصص آية (52-54) وفيها حديث مسلم عن أبي موسى الأشعري: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ... ". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله: (يؤتكم كفلين من رحمته) قال: ضعفين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تمشون به) قال: هدى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 قال تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي ليعلم أو لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي أتاكم وخصكم به كما ذكره الطبري وقال: لأن العرب تجعل (لا) صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح فالسابق كقوله (ما منعك ألا تسجد) ... وقوله (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) . انظر (تفسر الطبري 27/245-246) ، وانظر (تفسير ابن كثير 8/59) فإنه نقل عن الطبري أيضاً ولكن فيها زيادات على النسخة التي بين أيدينا. وهذه فائدة لمعرفة القيمة العلمية للمصادر للمصادر التي رجع إليها الحافظ ابن كثير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 سورة المجادلة قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ... ) قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن أبي عبيدة، ثنا أبي، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسِع سمعه كل شيء. إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة. ويخفى عليّ بعضه، وهى تشتكي زوجها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي تقول: يا رسول الله، أكَلَ شبابي، ونثرت له بطني. حتى إذا كبرتْ سنّي، وانقطع ولدي، ظاهر مني. اللهم! إني أشكو إليك فما برحتْ حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله) . (السنن - الطلاق، ب الظهار ح2063) ، تفرد به ابن ماجة وله شاهد صحيح بالطريق نفسه. تقدم شاهده في الحديث السابق وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الأعمش به (انظر تفسير ابن كثير 8/60) وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/352) وأخرجه البخاري نحوه معلقا ووصله الحافظ ابن حجر بسنده وصححه (تغليق التعليق 5/338-339) وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/481) . قوله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الإمام أحمد: ثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا: ثنا أبي قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني معمر بن عبد الله بن حنظلة، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خويلة بنت ثعلبة، قالت: والله فيّ وفي أوس بن صامت أنزل الله سورة المجادلة. قالت: كنت عنده. وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 قالت: فدخل عليّ يوما فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: فقلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص أبي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه قالت: فواثبني وامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له ما لقيت منه فجعلت أشكو إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه. قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيّ القرآن فتغشى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان يتغشاه ثم سرى عنه. فقال لي: يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ثم قرأ عليّ: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ... ) إلى قوله (وللكافرين عذاب أليم) فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مريه فليعتق رقبة. قالت: فقلت والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق. قال: فليصم شهرين متتابعين. قالت: فقلت والله يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام. قال: فليطعم ستين مسكين وسقا من تمر. فالت: قلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنا سنعينه بعرق من تمر. قالت: فقلت وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً. قالت: ففعلت. (المسند 6/410-411) ، وأخرجه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق به مختصراً (السنن - الطلاق، ب في الظهار رجل ح2214) وذكره ابن كثير وسنده حسن ثم قال: هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة (8/62 طبعة الشعب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (منكرا من القول وزورا) قال الزور: الكذب (وإن الله لعفو غفور) يقول جل ثناؤه: إن الله لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا، غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم يعودون لما قالوا) قال: يريد أن يغشى بعد قوله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) فهو الرجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فإذا قال ذلك، فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) وليس: النكاح (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) وإن هو قال لها: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث، فإن حنث فلا يقربها حتى يكفر، ولا يقع في الظهار طلاق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجل صام من كفارة الظهار، أو كفارة القتل، ومرض فأفطر، أو أفطر من عذر، قال: عليه أن يقضي يوما مكان يوم، ولا يستقبل صومه. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الذين يحادون الله ورسوله) يقول: يعادون الله ورسوله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كبتوا كما كبت الذين من قبلهم) خزوا كما خزي الذين من قبلهم. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبرا عن إحاطة علمه بخلقه وإطلاعه عليهم، وسماعه كلامهم، ورؤيته مكانهم حيث ما كانوا وأين كانوا، فقال (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة) أي: من سر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 ثلاثة (إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) أي: يطلع عليهم ويسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضاً مع ذلك تكتب ما يتناجون به، مع علم الله به وسمعه لهم، كما قال: (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) . وقال: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) . قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى) قال: اليهود. قوله تعالى (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: "أن اليهود دخلوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: السام عليك، ولعنتُهُم. فقال: مالك؟ قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال فلم تسمعي ما قلتُ: وعليكم". (صحيح البخاري 6/124-125 - ك الجهاد والسير، ب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ح2935) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد: حدثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك: أن يهوديا أتى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فقال: السامُ عليكم، فردّ عليه القوم، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل تدرون ما قال هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، سَلّمَ يا نبي الله. قال: لا، ولكنه قال كذا وكذا، رُدُّوه عليَّ، فردُّوه قال: قلتَ السامُ عليكم؟ قال: نعم. قال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ذلك: إذا سلّم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: عليك قال: عليك ما قلتَ. قال: (وإذا جاءوك حيَّوك بما لم يُحيِّك به الله) . قال أو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/407 - ك التفسير) ، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي ح3301) وهو كما قالا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك ح. وحدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث". (الصحيح 11/84- ك الاستئذان، ب لا يتناجى اثنان دون الثالث ح6288) ، ومسلم (الصحيح 4/1718 ح2184 - ك السلام، ب تحريم مناجاة اثنين دون الثالث) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) كان المنافقون يتناجون بينهم، وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويكبر عليهم، فأنزل الله في ذلك القرآن (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا) .... الآية. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) قال البخاري: حدثنا محمد قال: أخبرنا مخلد بن يزيد قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت نافعا يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه" قلت لنافع: الجُمعة؟ قال: الجمعة وغيرها. (صحيح البخاري 2/456 - ك الجمعة، ب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه ح911) . أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر مرفوعاً: أنه نهى أن يقم الرجل من مجلسه ويجلس فيه الآخر ولكن تفسحوا أو وسعوا ... (الصحيح - الاستئذان، ب لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ح2670) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تفسحوا في المجلس) قال: مجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقال ذاك خاصة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس) ... الآية، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض. قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فانشزوا) قالا: إلى كل خير، قتال عدو، أو أمر بالمعروف، أو حق ما كان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبو. قوله تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي عن ابن شهاب، عن عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث لقي عمَرَ بعُسفان. وكان عمر يستعمله على مكة. فقال: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولىً من موالينا. قال فاستخلفت عليهم مولىً؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل. وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". (صحيح مسلم 1/559 - ك صلاه المسافرين وقصرها، ب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ح817) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) إن بالعلم لأهله فضلا، وإن له على أهله حقا، ولعمري للحق عليك أيها العالم فضل والله معطي كل ذي فضل فضله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أأشفقتم) قال: شق عليكم تقديم الصدقة، فقد وضعت عنكم، وأمروا بمناجاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغير صدقة حين شق عليهم ذلك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أأشففتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) إلى آخر الآية، قال: هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم. قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن، وفي نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين، كما قال تعالى: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) . قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) انظر سورة المنافقون آية (2) . قوله تعالى (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الحسن بن علي بن عفان، ثنا عمرو بن عبد العنقزي، ثنا إسرائيل ثنا سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ظل حجرة وقد كاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 الظل أن يتقلص فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان فإذا جاءكم لا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور. فقال حين رآه دعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "على ما تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال: ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم فحلفوا ما قالوا وما فعلوا حتى يُخَون، فأنزل الله عز وجل: (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون) . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/482 - ك التفسير) ، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، وأخرجه أحمد في (مسنده 1/240-267) ، والطبراني (12/7 ح12307) من طرق عن سماك بنحوه. قال ابن كثير: إسناده جيد ولم يخرجاه (التفسير 4/512) وقال الهثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/122) ، وقال الزيلعي: هذا سند جيد (تخريج الكشاف 4/432) ، وحسن إسناده محقق المسند (4/48 طبعة الأرنؤوط) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (يوم يبعثهم الله جميعا) .. الآية، والله حالف المنافقون ربهم يوم القيامة، كما حالفوا أولياؤه في الدنيا. قوله تعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) قال الحاكم: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن أحمد بن النضر، ثنا معاوية بن عَمْرو، ثنا زائدة، أنبأ السائب بن حبيش الكلاعي، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ فقلت: في قرية دون حمص فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/482-483 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي، أخرجه أبو داود (1/371 ح547) ، والنسائي (2/106) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/267 ح2098) من طرق عن زائدة به. قال النووي: إسناده صحيح (نصب الراية 2/24) ، وقال ابن الملقن: هذا الحديث صحيح (البدر المنير ج3 ق32/ب) ، وحسنه الألباني (صحيح الترغيب 1/172 ح425) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يحادون الله ورسوله) قال: يعادون، يشاقون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) الآية، قال: كتب الله كتابا وأمضاه. قال ابن كثبر: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) أي: قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع. ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة للمتقين، كما قال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار) . قوله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لا تجد يا محمد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوادون من حاد الله ورسوله، أي: من عادى الله ورسوله. قال ابن كثير: ثم قال تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي: لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين، كما قال تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه) ... الآية. وقال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 سورة الحشر قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى ظنوا أنها لم تُبق أحداً منهم إلا ذُكر فيها. قال قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر. قال: قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير. (الصحيح 8/497 - ك التفسير - سورة الحشر ح4882) . قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) قال الحاكم: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة، ثنا علي بن المبارك الصنعاني، ثنا زيد بن المبارك الصنعاني، ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير - وهم طائفة اليهود -على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة -يعني السلاح- فأنزل الله فيهم (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) إلى قوله (لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا) فقاتلهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله (لأول الحشر) فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/483 - ك التفسير) وصححه الذهبي. وانظر سورة الحديد آية (1) ، وسورة الإسراء آية (44) في بيان تسبيح المخلوقات كلها لله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 قال ابن كثير: وقوله (ما ظننتم أن يخرجوا) أي: في مدة حصاركم لهم وقصرها، وكانت ستة أيام، مع شدة حصونهم ومنعتها. ولهذا قال (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) أي: جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال، كما قال في الآية الأخرى (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) . قوله تعالى (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) انظر سورة آل عمران آية (151) ، وسورة الأحزاب آية (26) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) جعلوا يخربونها من أجوافها، وجعل المؤمنون يخربون من ظاهرها. قوله تعالى (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) قال مسلم: وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور (قال ابن رافع: حدثنا. وقال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق) . أخبرنا ابن جريح عن موسى ابن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأجلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بني النضير، وأقرّ قريظة ومَنَّ عليهم. حتى حاربت قريظة بعد ذلك. فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين. إلا أن بعضهم لحقوا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآمنهم وأسلموا. وأجلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهود المدينة كلهم: بني قينقاع (وهم قوم عبد الله بن سلام) . ويهود بني حارثة. وكل يهودي كان بالمدينة. (الصحيح 3/1387-1388 - ك الجهاد السير، ب إجلاء اليهود من الحجاز - ح1766) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) : خروج الناس من البلد إلى البلد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 قوله تعالى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت (ما قطعتم من لِينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) . (الصحيح 7/383- ك المغازي، ب حديث بنى النضير .... ح4031. م3/1365 ح1746 - ك الجهاد والسير، ب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها) . والبويرة موضع منازل بني النضير بالمدينة وذكر البلادي أنها لم تعد معروفة (معجم المعالم الجغرافية في الحجاز ص51) . قال الطبري: حدثنا بشار، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة: (ما قطعتم من لينة) قال: النخلة. وسنده صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ما قطعتم من لينة) واللينة: ما خلا من العجوة من النخل. قوله تعالى (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان -غير مرة- عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحَدَثان عن عمر - رضي الله عنه - قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما لم يوجِفِ المسلمون عليه بخَيل ولا رِكاب، فكانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، يُنفق على أهله منها نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكُراع عدّة في سبيل الله. (الصحيح 8/498 - ك التفسير - سورة الحشر، ب (الآية) - ح4885. م3/1376- 1377- ح1757 - ك الجهاد والسير، ب حكم الفيء) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب حديثا طويلا ومنه: إن الله قد خص رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الفيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ (وما أفاء الله على رسوله منهم) إلى قوله (قدير) فكانت هذه خالصة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووالله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم. (الصحيح - فرض الخمس، ب فرض الخمس ح3093) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ما أفاء الله على رسوله) من قريظة جعلها لمهاجرة قريش. وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان (ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) . لقوله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وانظر حديث أبي هريرة المتقدم عند الآية (101) من سورة المائدة وهو حديث: "دعوني ما تركتكم..". قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا حرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت: صنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمراً فترخّص فيه. فبلغ ذلك ناسا من أصحابه. فكأنهم كرهوه وتنزّهوا عنه. فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: "ما بال رجال بلغهم عنّي أمر ترخّصتُ فيه. فكرهوه وتنزّهوا عنه. فوالله! لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية". (الصحيح 4/1829 ح2356 - ك الفضائل، ب علمه بالله وشدة خشيته) . انظر ما تقدم من حديث ابن مسعود عند البخاري تحت الآية (119) من سورة النساء. قوله تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) ... إلى قوله (أولئك هم الصادقون) قال: هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر، خرجوا حبا لله ورسوله، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم) قال: الأنصار نعت. قال الترمذى: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي بمكة، حدثنا ابن أبي عدي، حدثنا حُميد عن أنس قال: لمّا قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوماً أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى خِفنا إن يذهبوا بالأجر كله. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". (السنن 4/653 - ك صفة القيامة، ب 44 قال الترمذي: حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة (5/290-293) ح1930-1934، من طرق عن حميد به. قال محققه: إسناده صحيح) ، وأخرجه الحاكم من طريق ثاب عن أنس وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 36/2 وصحح إسناده الألباني (المشكاة 119/2) . قوله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدثنا أبو أسامة، حدثنا فُضيل بن غزوان، حدثنا أبو حازم الأشجعي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رجلٌ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله، أصابني الجهد. فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا رجلٌ يُضيفه الليلة يرحمه الله؟ "فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تدَّخريه شيئا. فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصِّبْية. قال: فإذا أراد الصِّبْية العَشاء فنوِّميهم، وتعاَلْى فأطفئي السِّراج ونطوي بطوننا الليلة. ففعلت. ثم غدا الرجلُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لقد عجب الله عز وجل -أو ضحك- من فلان وفلانة". فأنزل الله عز وجل (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) . (الصحيح 8/500 - ك التفسير - سورة الحشر، ب (الآية) ح4889) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 3/1624 ح173 - ك الأشربة، ب إكرام الضيف وفضل إيثاره) نحوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 قوله تعالى ( ... وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلوا محارمهم". (الصحيح - ك البر، ب تحريم الظلم 8/18. ط المكتب التجاري) . قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ولقد استجاب الله تعالى لهم كما في قوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) سورة الحجر آية (47) ، وانظر سورة الأعراف آية (43) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والذين جاءوا من بعدهم) قال: الذين أسلموا نعتوا أيضاً. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) قال الله تعالى: (والله يشهد إنهم لكاذبون) أي لكاذبون فيما وعدوهم به إما لأنهم قالوا لهم قولاً، ومن نيتهم أن لا يفوا لهم به، وإما لأنهم لا يقع منهم الذي قالوه، ولهذا قال تعالى: (ولئن قوتلوا لا ينصرونهم) أي لا يقاتلون معهم (ولئن نصروهم) أي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 قاتلوا معهم (ليولن الأدبار ثم لا ينصرون) وهذه بشارة مستقلة بنفسها، كقوله تعالى: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله كقوله (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) ولهذا قال تعالى (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) . وانظر سورة النساء آية (77) . قوله تعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) قال: تجد أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق. قوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ) قال: كفار قريش. قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر) عامة الناس. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ... ) انظر الآية رقم (1) من سورة النساء، وهو حديث مسلم عن جرير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد، وغد يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 قوله تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) انظر سورة الأعراف آية (51) ، وسورة التوبة آية (67) . قوله تعالى (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) قال ابن كثير: أي: لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله يوم القيامة كما قال (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) وقال (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء) الآية، وقال (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) . قوله تعالى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) قال ابن كثير: إذا كانت الجبال الصم تسمع كلام الله وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته، كيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى (ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) الآية. وقد تقدم معنى ذلك: أي لكان هذا القرآن. وقال تعالى (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتلك الأمثال نضربها للناس) يقول تعالى ذكره: وهذه الأشياء نشبهها للناس، وذلك تعريفه جل ثناؤه إياهم أن الجبال أشد تعظيما لحقه منهم مع قساوتها وصلابتها. تقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تقدم تفسره في أول سورة الفاتحة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (القدوس) : أي المبارك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (المؤمن) أمن بقوله أنه حق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (المهيمن) قال: الشهيد، قال مرة أخرى: الأمين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (العزيز) أي في نقمته إذا انتقم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (المتكبر) قال: تكبر عن كل شر. قوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) انظر سورة الأعراف آية (180) ، وسورة الإسراء آية (110) وتفسيرهما. قال ابن كثير: وقوله (يسبح له ما في السماوات والأرض) كقوله (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 سورة الممتحنة قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيل) قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار قال: حدثني الحسن بن محمد بن عليّ أنه سمعَ عُبيد الله بن أبي رافعٍ كاتب عليّ يقول: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا والزبير والمِقداد قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخٍ، فإن بها ظعينة معها كتابٌ فخذوه منها. فذهبنا تعادى بنا خيلُنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحنُ بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتابَ. فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتُخرجنّ الكتاب أو لتُلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يُخبرهم ببعض أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما هذا يا حاطب؟ " قال: لا تعجل علىّ يا رسول الله، إني كنتُ امرءاً من قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان مَن معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يداً يحمون قرابتي، وما فعلتُ ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه قد صدقكم. فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال: "إنه شهد بدراً، وما يُدريك لعلّ الله عز وجل اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غَفَرتُ لكم". قال عمرو: ونزلت فيه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) قال: لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 حدثنا عليّ قال: قيل لسفيان في هذا فنزلت: (لا تتخذوا عدوي وعدوّكم أولياء) الآية؟ قال سفيان: هذا في حديث الناس حفظته من عمرو، ما تركتُ منه حَرفاً، وما أرَى أحداً حفظه غيري. (صحيح البخاري 8/502 - ك التفسير - سورة الممتحنة، ب (الآية) ح4890) ، وسلم (الصحيح 4/1941-1942 ح2494 - ك فضائل الصحابة، ب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة) . قال ابن كثير: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) يعني: المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء، كما قال (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) ... وقوله (يخرجون الرسول وإياكم) هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولهذا قال (أن تؤمنوا بالله ربكم) أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين، كقوله (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) وكقوله (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) . قوله تعالى (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هذه الأرحام والأولاد المراد بهم من الكفار كما يؤكد هذا الآية التالية في براءة إبراهيم من قومه المشركين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 قوله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال: حدثنا أبو روح الحرمي ابن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدّث عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله". (الصحيح 1/94-95 ح25- ك الإيمان، ب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ، ومسلم (الصحيح 1/53 ح22 ك الإيمان - ب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا قول إبراهيم لأبيه) قال: نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه، فيستغفروا للمشركين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) الآية، ائتسوا به في كل شيء، ما خلا قوله لأبيه (لأستغفرن لك) فلا تأتسوا بذلك منه، فإنها كانت عن موعدة وعدها إياه. قوله تعالى (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال: يقول: لا تظهرهم علينا فيفتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) قال ابن كثير في هذه الآية: وهذا تأكيد لما تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضاً لأن هذه الأسوة المثبتة هاهنا هي الأولى بعينها. ا. هـ. أي المتقدمة في الآية رقم (4) من السورة نفسها. قوله تعالى (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير) على ذلك (والله غفور رحيم) يغفر الذنوب الكثيرة، رحيم بعباده. قال ابن كثير: يقول تعالى لعباده بعد أن أمرهم بعدواة الكافرين (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) أي محبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة (والله قدير) أي: على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) الآية. قوله تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أُمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلتُ: إن أمي قدمتْ وهى راغبة، أفأصل أمي؟ قال: "نعم، صِلي أمّك". (صحيح البخاري 5/275 - ك الهبة ب الهدية للمشركين وقول الله تعالى (الآية) ح2620) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 2/696 ح1003 - ك الزكاة، ب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا ينهاكم الله عن الذي لم يقاتلوكم في الدين) أن تستغفروا لهم و (تبروهم وتقسطوا إليهم) قال: وهم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لا ينهاكم الله) ... الآية، قال: نسختها (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) . قوله تعالى (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) قال: كفار أهل مكة. قال ابن كثير: أي. إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم. ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) كقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) أخرج البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه- قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق ... فذكر الحديث بطوله، وفيه قوله: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا" قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. ثم جاء نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) حتى بلغ (بعصم الكوافر) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة ... (الصحيح 5/923-333 ح2372 - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فامتحنوهن) قال: سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن، غضب على أزواجهن، أو سخطة، أو غيره، ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فامتحنوهن) كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز، وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله، وحرص عليه، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن. أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد (وآتوهم ما أنفقوا) وآتوا أزواجهن صدقاتهن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وكان الزهري يقول: إنما أمر الله برد صداقهن إليهم إذا حبسن عنهم إن هم ردوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم. انظر سورة البقرة آية (233) لبيان لا جناح أي: لا حرج. قوله تعالى (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) أخرج الطبري بسنده الصحَيح عن مجاهد (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) قال: أصحاب محمد أمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكة، قعدن مع الكفار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) مشركات العرب اللاتي يأبين الإسلام أمر أن يخلي سبيلهن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (واسألوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا) قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الكفار، فليعطهم الكفار صدقاتهن، وليمسكوهن، وما ذهب من أزواج الكفار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمثل ذلك في صلح بين محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين قريش. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 قوله تعالى (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار) الذين ليس بينكم وبينهم عهد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) كنّ إذا فررن من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الكفار ليس بينهم وبين نبي الله عهد، فأصاب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنيمة، أعطى زوجها ما ساق إليها من جميع الغنيمة، ثم يقتسمون غنيمتهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فعاقبتم) يقول: أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) صدقاتهن عوضا. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال البخاري: حدثني إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك -إلى قوله- غفور رحيم) قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد بايعتك، كلاماً"، ولا والله ما مسّت يده يدَ امرأة قطّ في المبايعة، ما يبايعهنّ إلا بقوله: "قد بايعتك على ذلك". (الصحيح 8/504 ك التفسير - سورة الممتحنة، الآية ح4891) ، ومسلم (الصحيح 13/1489 ح1866 - ك الإمارة، ب كيفية بيعة النساء) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن حفصة بنت سيرين، عن أمّ عطية رضي الله عنها قالت: "بايعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئا) ، ونهانا عن النّياحة، فقبضتِ امرأةٌ يدَها فقالت: أسعدتْني فلانة فأريد إن أجزيها، فما قال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً، فانطلقتْ ورجعت، فبايعها. (صحيح البخاري 8/506 - ك التفسير - سورة الممتحنة، ب (الآية) ح4892) . وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: الزهري، حدثناه قال: حدثني أبو إدريس سمع عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا؟ وقرأ آية النساء - وأكثرُ لفظ سفيان: قرأ الآية -فمن وَفى منكم فأجرُه على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله: إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له". تابعه عبد الرزاق عن معمر "في الآية". (صحيح البخاري 8/506 - ك التفسير - سور الممتحنة، ب (الآية) ح4894) . وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبد الله بن وهب قال: وأخبرني ابن جريج أنَّ الحسن بن مسلم، أخبره عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم يُصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكأني أنظر إليه حين يُجلِّس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) حتى فرغ من الآية كلها. ثم قال حين فرغ: "أنتُنّ على ذلك؟ " وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله. لا يدري الحسن من هي. قال: "فتصدقن" وبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفَتْخَ والخواتيم في ثوب بلال. (صحيح البخاري 8/506 - ك التفسير - سورة الممتحنة، ب (الآية) ح4895) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 روى مالك: عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: آتيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نسوة يبايعنه على الإسلام. فقلن: يا رسول الله! نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فيما استطعتم وأطقتن" قالت فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. هلمّ نبايعك يا رسول الله! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة". (الموطأ 2/982 ح2 - ك البيعة، ب ما جاء في البيعة) ، وأخرجه الترمذي (4/151 - ك السير، ب ما جاء في بيعة النساء) ، والنسائي (7/149 - ك البيعة، ب بيعة النساء) ، وابن ماجة (2/959 ح2874 - ك الجهاد، ب بيعة النساء) كلهم من طريق مالك به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال ابن كثير: إسناده صحيح (التفسير 8/122) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/145) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) يقول: لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم. قوله تعالى (وَلَا يَسْرِقْنَ) قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن هنداً قالت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أبا سفيان رجل شحيح، فأحتاجُ أن آخذ من ماله، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". (الصحيح 13/183 - ك الأحكام، ب القضاء على الغائب ح7180) ، (وصحيح مسلم 3/1338 ح1714 - ك الأقضية، ب قضية هند) . قوله تعالى (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ... ) قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم. جميعاً عن أبي معاوية. قال زهير: حدثنا محمد بن حازم. حدثنا عاصم عن حفصة، عن أم عطية. قالت: لما نزلت هذه الآية (يبابعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ... ولا يعصينك في معروف) قالت: كان منه النياحة. قالت فقلت: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلابد من أن أسعدهم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إلا آل فلان". (الصحيح 2/646 ح بعد رقم936 - ك الجنائز، ب التشدد في النياحة) ، وأخرج الترمذي نحوه من حديث أم سلمة الأنصارية، وفيه: " ... فأبى عليّ، فأتته مراراً فأذن لي في قضائهن ... " (السنن 5/411-412، ح3307) وحسنه وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح3307) ، وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى (ولا يعصينك في معروف) قال: إنما هو شرط شرطه الله للنساء. (الصحيح - تفسير سورة الممتحنة - ب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ح4893) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا يعصينك في معروف) يقول: لا ينحن. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة) ... الآية، الكافر لا يرجو لقاء ميته ولا أجره. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) قال: من ثواب الآخرة حين تبين لهم عملهم، وعاينوا النار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 سورة الصف قوله تعالى (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعى، عن يحيى بن أبي كثر، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى (سبّح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) . قال عبد الله بن سلام: فقرأها علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال أبو سلمة: فقرأها علينا ابن سلام. قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة. قال ابن كثير: فقرأها الأوزاعي. قال عبد الله: فقرأها علينا ابن كثير. (السنن 5/412-413 ح 3309- ك تفسير القرآن، ب ومن سورة الصف) ، وأخرجه الدارمي (السنن 2/200- ك الجهاد، ب الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/4 ح، 4594) ، والحاكم (المستدرك 2/69) من طرق عن الأوزاعي به. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأشار إليه الحافظ ابن حجر فقال:.. إسناده صحيح قلّ أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه (فتح الباري 8/509) . وانظر سورة الحديد آية (1) وسورة الإسراء آية (44) لبيان تسبيح المخلوقات كلها لله تعالى. انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (77) من سورة التوبة، وهو حديث: "آية المنافق ثلاث ... ". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (يا آيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لاشك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد، كره ذلك أناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال الله (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) . قوله تعالى (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) انظر سورة البقرة آية (44) وتفسيرها. قوله تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) ألم ترَ إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به. قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) قال ابن كثير: وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يوصلوا إليه أذى، كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) وقوله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) . وانظر سورة الأحزاب آية (69) وتفسيرها. قوله تعالى (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة) انظر سورة آل عمران آية (50) وتفسيرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 قوله تعالى (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) انظر سورة البقرة آية (129) حديث خالد بن معدان عن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرفوعاً: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى". قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قَدَمي، وأنا العاقب". (صحيح البخاري 8/509- ك التفسير- سورة الصف، الآية ح 4896) . قوله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) انظر سورة الأنعام آية 21 قوله تعالى (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) انظر سورة التوبة آية 32 وتفسيرها. قوله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله) انظر الآية رقم (33) من سورة التوبة وفيها حديث مسلم عن عائشة وغيره من الروايات المفسرة للآية. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم) ... الآية، فلولا أن الله بينها، ودل عليها المؤمنين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها، حتى يضنوا بها، وقد دلكم الله عليها، وأعلمكم إياها فقال: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسرائيل وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (من أنصاري إلى الله) قال: من يتبعني إلى الله؟. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم) قال: قوينا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فأصبحوا ظاهرين) من آمن مع عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 سورة الجمعة قوله تعالى (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم) قال ابن كثير: يخبر تعالى انه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض، أي: من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها، كما قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) . قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة، حدثنا الأسود بن قيس، حدثنا سعيد ابن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا". يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين. (الصحيح 4/151- ك الصوم، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نكتب ولا نحسب" ح 1913) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) قال: كان هذا الحي من العرب أمة أمية، ليس فيها كتاب يقرءونه، فبعث الله نبيه محمدا رحمة وهدى يهديهم به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويعلمهم الكتاب والحكمة) أي: السنة. قوله تعالى (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " كنا جلوسا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأُنزلت عليه سورة الجمعة (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم) قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يُراجعْه حتى سأل ثلاثا- وفينا سلمان الفارسي، وَضَعَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده على سلمان- ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال- أو رجل من هؤلاء". (الصحيح 8/510- ك التفسير- سورة الجمعة، (الآية) ح 4897) ، (وصحيح مسلم 4/1972-1973- ك فضائل الصحابة، ب فضل فارس بنحوه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم. قال ابن أبي عاصم: ثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا أبو محمد عيسى بن موسى، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال رجالا ونساءً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ثم قرأ: "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم". وصحح إسناده الألباني (السنة 1/134 ح 309) ، وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد (مجمع الزوائد 10/408) . قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يحمل أسفارا) قال: يحمل كتبا لا يدرى ما فيها، ولا يعقلها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (كمثل الحمار يحمل أسفارا) يقول: كتبا. والأسفار: جمع سفر، وهي الكتب العظام. قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)) قال ابن كثير: أي: إن كنتم تزعمون أنكم على هدى وأن محمدا وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين (إن كنتم صادقين) فيما تزعمونه. قال الله تعالى (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) أي: بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور (والله عليم بالظالمين) . وقد قدمنا في سورة البقرة الكلام على هذه المباهلة لليهود، حيث قال تعالى (قل إن كانت لكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين. ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) . قال ابن كثير: وقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) . كقوله تعالى في سورة النساء (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) قال البخاري: حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: "كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فلما كان عثمان - رضي الله عنه - وكثر الناس - زاد النداءَ الثالث على الزوراء". (الصحيح 2/457- ك الجمعة، ب الأذان يوم الجمعة ح 912) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن سُمّى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". (الصحيح 2/425-426- ك الجمعة، ب فضل الجمعة ح 881) . وانظر حديث أبي هريرة المتقدم في تفسير سورة البقرة آية (213) وهو حديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ... ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 قال البخاري: حدثنا مسدد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم: أخبرنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو القاسم: "في يوم الجمعة ساعة لا يُوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه. وقال بيده، قلنا: يُقللها، يُزهّدها". (الصحيح 11/202- ك الدعوات، ب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة ح 6400) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الجمعة، ب في الساعة التي في يوم الجمعة ح 825) . قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أنا ابن جريج: أخبرني العلاء ابن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبي عبد الله إسحاق أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول فكرجل قدم بدنة وكرجل قدم بقرة وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طائرا وكرجل قدم بيضة فإذا قعد الإمام طويت الصحف". (المسند 2/272) ، وأخرجه ابن خزيمة (الصحيح 3/114 ح 1727- ك الجمعة، ب ذكر فضل يوم الجمعة … ) وقال محققه: إسناده صحيح. قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا الحسين بن علي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة. فيه خلق آدم. وفيه النفخة. وفيه الصعقة. فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ". فقال رجل: يا رسول الله! كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يعني بليت؟ فقال: "إن الله قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". (السنن - إقامة الصلاة والسنة فيها، ب في فضل الجمعة ح 1085- الجنائز، ب ذكر وفاته ودفنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 1636) وفيه عن أوس بن أوس وهو الصواب كما سبق. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من طريق الحسين بن علي به على الصواب (المسند 4/8) ، (السنن - الوتر، ب ما جاء في الاستغفار) ، (السنن - الجمعة، ب إكثار الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة 3/91، 92) ، قال ابن كثير: وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والنووي في الأذكار (التفسير 6/464) ، وقال الألبانى: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/179) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) والسعي يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضي إليها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) قال: النداء عند الذكر عزيمة. قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) قال البخاري: حدثني حفص بن عمر، حدثنا خالد بن عبد الله: حدثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد، وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال أقبلتْ عيرّ يوم الجمعة - ونحن مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فثار الناسُ إلا اثنا عشر رجلا، فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) . (الصحيح 8/511 - ك التفسير- سورة الجمعة ح 4899) ، ومسلم (الصحيح 5902 ح 863- ك الجمعة، ب في قوله تعالى (الآية) نحوه) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) قال: رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة. قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن". (الصحيح 2/920- ك الجمعة، ب الخطبة قائماً ح 920) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: اللهو: الطبل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 سورة المنافقون قوله تعالى (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم قال: "خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذلّ. فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل. قالوا: كَذَب زيدْ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّة، حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في: (إذا جاءك المنافقون) ، فدعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليستغفر لهم فلوَّوا رءوسهم. وقوله: (خشب مسنّدة) قال: كانوا رجالا أجمل شيء". (صحيح البخاري 8/515 ك التفسير - سورة المنافقون، ب قوله (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم..) ح 4903) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2140 ك صفات المنافقين وأحكامهم ح 2772) . قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (اتخذوا أيمانهم جنة) أي: حلفهم الجنة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (اتخذوا أيمانهم جنة) قال: يجتنون بها، قال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (جنة) ليعصموا بها دماءهم وأموالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 قوله تعالى (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) أقروا بلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقلوبهم منكرة تأبى ذلك. وانظر سورة البقرة آية (7) لبيان (فطبع على قلوبهم) . قوله تعالى (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفكون) قال ابن كثير: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) أي: كانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة، إذا سمعهم السامع يصغي لقولهم لبلاغتهم وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن، ولهذا قال: (يحسبون كل صيحة عليهم) ، أي: كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف، يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم، كما قال تعالى: (أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا) . وانظر الآية الأولى من السورة نفسها وفيها رواية البخاري في تفسير (خشُب مسندة) . قوله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن المنافقين - عليهم لعائن الله - أنهم (إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم) أي: صدوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 وأعرضوا عما قيل لهم استكباراً عن ذلك واحتقاراً لما قيل لهم، ولهذا قال: (ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون) ثم جازاهم على ذلك فقال (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) كما قال في سورة براءة. ا.هـ. والآية في سورة براءة هي (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) سورة التوبة: 113. قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) قرأها إلى آخر الآية، وهذا قول عبد الله بن أُبي لأصحابه المنافقين لا تنفقوا على محمد وأصحابه حتى يدعوه، فإنكم لولا أنكم تنفقون عليهم لتركره واْجلوا عنه. انظر رواية البخاري في بداية هذه السورة، وفيها بيان لهاتين الآيتين. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) انظر سورة التغابن آية (15) . قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عُمارة ابن القعقاع، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغِنى ولا تُمهل حتى إذا بلغتِ الحلقوم قلتَ: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان". (صحيح البخاري 3/334 ك- الزكاة، ب فضل صدقة الشحيح الصحيح- ح 1419) . قال ابن كثير: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) فكل مفرط يندم عند الإحتضار، ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا، يستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات! كان ما كان، وأتى ما هو آت، وكل بحسب تفريطه أما الكفار فكما قال تعالى: (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) وقال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 سورة التغابن قوله تعالى (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) انظر سورة الحديد آية (1) وتفسيرها وسورة الإسراء آية (44) لبيان تسبيح المخلوقات كلها لله سبحانه وتعالى. قوله تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن..) قال الحاكم: حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن الفضل البجلي قال: سمعت محمد بن كناسة يقول: سمعت سفيان الثوري وسئل عن قول الله عز وجل (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) فقال: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يبعث كل عبد على ما مات عليه. قد أخرج مسلم حديث الأعمش ولم يخرجه بهذه السياقة. (المستدرك 2/490 ك التفسير وصححه الذهبي) . قوله تعالى (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير) قال ابن كثير: ثم قال: (خلق السماوات والأرض بالحق) أي: بالعدل والحكمة (وصوركم فأحسن صوركم) أي: أحسن أشكالكم، كقوله (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي سورة ما شاء ركبك) وكقوله: (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات) الآية، وقوله (وإليه المصير) أي: المرجع والمآب. قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) انظر سورة الرعد آية (8-10) . قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) انظر سورة الطلاق آية (9) لبيان (وبال) أي: عاقبة، وانظر سورة البقرة آية (10) لبيان (أليم) أي: موجع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) انظر سورة الإسراء آية (94) . قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) قال ابن كثير: وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده، فالأولى في سورة يونس: (ويستنبئونك أحق هو قل إي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين) والثانية في سورة سبأ: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم) ... الآية، والثالثة هي هذه. قوله تعالى (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (ذلك يوم التغابن) قال: هو غبن أهل الجنة أهل النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذلك يوم التغابن) من أسماء يوم القيامة، عظمه وحذره عباده. قال ابن كثير: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) ، وهو يوم القيامة، سمى بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، كما قال تعالى (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) وقال تعالى (قل إن الأولين والآخرين لمجموعين إلى ميقات يوم معلوم) . قوله تعالى (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) يعني: يهد قلبه لليقين، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا آبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش عن أبي ظبيان، عن علقمة، في قوله (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) قال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم ويرضى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 قوله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين) انظر سورة آل عمران آية (32) وتفسيرها. قوله تعالى (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبرا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ، فالأول خبر عن التوحيد، معناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه، كما قال تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) . قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) قال: إنهما يحملانه على قطيعة رحمه، وعلى معصية ربه، فلا يستطيع مع حبه إلا أن يقطعه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) ... الآية، قال: منهم من لا يأمر بطاعة الله، ولا ينهى عن معصيته، وكانوا يبطئون عن الهجرة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الجهاد. قوله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة ... ) قال الترمذي: حدثنا الحسين بن حُريث: حدثنا علي بن حسين بن واقد: حدثني أبي: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي: بريدة يقول: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد. (السنن 5/658 ح 3774- ك المناقب، ب مناقب الحسن والحسين) ، وأخرجه أبو داود (1/290 ح 1109) والنسائي (3/108، 192) وابن ماجة رقم (3600) وابن خزيمة في صحيحه (3/151-152 ح 1801) وابن حبان (الإحسان 13/402 ح 6038) والحاكم المستدرك (1/287) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم 2900) . وحسن محققا ابن خزيمة وابن حبان إسناده) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) يقول: بلاء. قوله تعالى (والله عنده أجر عظيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله عنده أجر عظيم) وهي الجنة. قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده، وكان الله جل ثناؤه أنزل قبل ذلك (اتقوا الله حق تقاته) وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم خفف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنزل الرخصة بعد ذلك فقال: "فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا" فيما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعة فيما استطعتم. قوله تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ومن يوق شح نفسه) يقول: هوى نفسه حيث يتبع هواه ولم يقبل الإيمان. وانظر سورة الحشر آية (9) وفيها حديث مسلم عن جابر بن عبد الله. قوله تعالى (إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ... ) انظر سورة البقرة قوله تعالى (من ذا الذي يفرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه) آية (245) لبيان فضل الإنفاق في سبيل الله والحث عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 سورة الطلاق قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأتُ على مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض. في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مُره فليراجعها. ثم ليتركها حتى تطهر. ثم تحيض. ثم تطهر. ثم، إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء". (صحيح مسلم 2/1093 ك الطلاق، ب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وانه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها ح 1471) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) يقول: إذا طلقتم قال: في الطهر في غير جماع. وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 9/346) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) والعدة: أن يطلقها طاهرا من غير جماع تطليقة واحدة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فطلقوهن لعدتهن) يقول: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا، فعدتها أن تضع حملها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) قال البخاري: حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: قال عروة بن الزبير لعائشة: ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت؟ فقالت: بئسَ ما صنعت. قال: ألم تسمعي قول فاطمة؟ قالت: أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث. وزاد ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه: عابت عائشة أشد العيب وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وَحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". (صحيح البخاري 9/387- ك الطلاق، ب قصة فاطمة بنت قيس وقوله (واتقوا الله ربكم ... ) ح 5325-5326) . أخرج الطبري) بسنده الحسن عن قتادة (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) وذلك إذا طلقها طلقة واحدة أو اثنتين لها ما لم يطلقها ثلاثا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن، في قوله (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: الزنى، قال: فتخرج ليقام عليها الحد. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: إلا أن يزنين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) قال: هذا في مراجعة الرجل امرأته. قوله تعالى (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها، أشهد رجلين كما قال الله (وأشهدوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 ذوى عدل منكم) عند الطلاق وعند المراجعة، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة، وهى أملك بنفسها، ثم تتزوج من شاءت، هو أو غيره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وأقيموا الشهادة لله) قال: اشهدوا على الحق. قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) يقول: نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة (ويرزقه من حيث لا يحتسب) . أخرج الطبري: حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق (قد جعل الله لكل شيء قدرا) قال: أجلا. وسنده صحيح. قوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن ارتبتم) إن لم تعلموا التي قعدت عن الحيضة، والتي لم تحض، فعدتهن ثلاثة أشهر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) وهن اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن، واللائي لم يحضن هن الأبكار التي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر. قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ... ) قال البخاري: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده فقال: أفتني في امرأة وَلَدت بعد زوجها بأربعين ليلة، قال ابن عباس: آخر الأجلين، قلتُ أنا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي، يعني أبا سلمة، فأرسل ابنُ عباس غلامه ومسافة كريباً إلى أم سلمة يسألها، فقالت: قتل زوجُ سُبيعة الأسلمية وهى حبلى، فوضعتْ بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان أبو السنابل فيمن خطبها". (صحيح البخاري 8/521-522- ك التفسير-سورة الطلاق- (الآية) ح 4909) . وقال البخاري: وقال سليمان بن حرب وأبو النعمان، حدثنا حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: كنتُ في حَلْقة فيها عبد الرحمن بنُ أبي ليلى وكان أصحابه يُعظّمونه، فذكر آخر الأجلين، فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عُتبة قال: فضمز لي بعض أصحابه، قال محمد ففطنت له فقلت: إني إذا لجريء، إن كذبت على عبد الله بن عتبه وهو في ناحية الكوفة. فاستحيا وقال: لكنّ عمه لم يقل ذاك، فلقيت أبا عطية مالك بن عامر فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة، فقلتُ هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال: كنا عند عبد الله، فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) . (صحيح البخاري 8/654- ك التفسير- سورة الطلاق (الآية) ح 4910) . وانظر حديث مسلم المتقدم عن أم عطية تحت الآية (234) من سورة البقرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال: للمرأة الحبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل فعدتها أن تضع حملها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها، ليس المحيض من أمرها في شيء إن كانت حاملا. قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) انظر الآية السابقة رقم (2) قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 قوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... ) قال مسلم: وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة، حدثنا أبو أحمد، حدثنا عمّار بن رزيق، عن أبي إسحاق قال: كنتُ مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم. ومعنا الشعبي. فحدّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به، فقال: ويلك! تحدث بمثل هذا قال عمرة لا نترك كتاب الله وسنة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقول امرأة. لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة. قال الله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) . (الصحيح 2/1118-1119، بعد ح 148- ك الطلاق، ب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (من وجدكم) قال: من سعتكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (من وجدكم) قال: من ملككم، من مقدرتكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) قال: المرأة يطلقها، فعليه أن يسكنها، وينفق عليها. قوله تعالى (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تضاروهنّ لتضيقوا عليهن) قال: في المسكن. قوله تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فهذه المرأة يطلقها زوجها، فيبت طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها، وليس بها حبل، فلها السكنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 حتى تنقضي عدتها ولا نفقة، وكذلك المرأة يموت عنها زوجها، فان كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله عز وجل (وعلى الوارث مثل ذلك) فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من مالها. قوله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) هي أحق بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعا به غيرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) قال: ما تراضوا عليه على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وأتمروا بينكم بمعروف) قال: اصنعوا المعروف فيما بينكم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) قال: إن أبت الأيام أن ترضع ولدها إذا طلقها أبوه التمس له مرضعة أخرى، الأم أحق إذا رضيت من أجر الرضاع بما يرضى به غيرها، فلا ينبغي له أن ينتزع منها. قوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لينفق ذو سعة من سعته) قال: على المطلقة إذا أرضعت له. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها) قال: يقول: لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني. وانظر أخر سورة البقرة تفسير قوله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 قوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) انظر سورة الشرح آية (5-6) (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) . قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) قال: غيرت وعصت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فحاسبناها حسابا شديداً) يقول: لم نرحم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فذاقت وبال أمرها) يقول: عاقبة أمرها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فذاقت وبال أمرها) قال: جزاء أمرها. قوله تعالى (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (فاتقوا الله يا أولي الألباب) قال: يا أولي العقول. أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا) قال الذكر: القرآن، والرسول محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ابن كثير: (رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات) أي: في حال كونها بينة واضحة جلية (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) ، كقوله: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) وقال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) سورة البقرة آية: 257. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن) خلق سبع سموات وسبع أرضين في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه، خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. قال ابن كثير: وقوله (ومن الأرض مثلهن) أي: سبعاً أيضاً، كما ثبت في الصحيحين: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين": وفي صحيح البخاري: "خسف به إلى سبع أرضين". (وانظر صحيح البخاري كتاب المظالم، ب اثم من ظلم شيئا من الأرض) ، (وصحيح مسلم- ك البيوع، ب تحريم الظلم وغصب الأرض) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يتنزل الأمر بينهن) قال: بين الأرض السابعة إلى السماء السابعة. قوله تعالى (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) انظر سورة النساء آية (126) وسورة البقرة آية (255) قوله تعالى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وتفسيرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 سورة التحريم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم، عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الحرام يُكفّر. وقال ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) . (الصحيح 8/524- ك التفسير- سورة التحريم - (الآية) ح4911) . قال الحافظ ابن حجر: قوله: في الحرام يكفر. أي: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام لا تطلق وعليه كفارة يمين ... والغرض من حديث ابن عباس قوله فيه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فإن فيه إشارة إلى سبب نزول أول هذه السورة والى قوله فيه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) . أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتوصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: لا بأس، شربت عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود له فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ... ) إلى قوله (إن تتوبا إلى الله) لعائشة وحفصة (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) لقوله: بل شربت عسلا. (صحيح البخاري - الطلاق، ب (لم تحرم ما أحل الله لك) ح 5267) . وقال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي هو لقبه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له أمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرّمها على نفسه فأنزل الله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) إلى أخر الآية. (السنن 7/71- ك عشرة النساء، ب الغيرة) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/493-ك التفسير) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 5/69-70 ح 1694-1695) من طريق ابن السني عن النسائي به، وصحح المحقق إسناده، وأخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق (انظر الفتح 8/657) لكنه مرسل يتقوى بما سبق. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين المتقدمين في سنن النسائي وقبله في صحيح البخاري (الصحيح 8/525- 526- ك التفسير - سورة التحريم ح 4913) . قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار بن عبد الباقي الحُرضي الهَروي - قراءة عليه ونحن نسمع ببغداد - قيل له: أخبركم أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامى، قراءة عليه وأنت تسمع- أنا أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي، أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الخزاعي، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحفصة: "لا تحدَثي أحداً، وإن أم إبراهيم علىّ حرام" فقالت: أتُحرّم ما أحل الله لك؟ قال: "فو الله لا أقربها". قال: فلم يقربها نفسها حتى أخبرت عائشة، فانزل الله عز وجل: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) . (المختارة 1/299-300 ح 189) وصححه أبو كثير في التفسير (4/386) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) أمر الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين إذا حرموا شيئا مما أحل الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وليس يدخل في ذلك طلاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يُحدث أنه قال: "مكثت سنة أريدُ أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجعتُ وكنا ببعض الطريق، عدَل إلى الأراك لحاجة له، قال فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، قال فقلت: والله إن كنتُ لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال فلا تفعلْ، ما ظننتَ أن عندي من علم فاسئلني، فإن كان لي علم خبّرتك به. قال ثم قال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما نعُدّ للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمَّره إذ قالت امرأتي: لو صنَعْت كذا وكذا، قال فقلت لها: مالك ولما هاهنا، فيما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجباً لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يظلّ يومه غضبان. فقام عمر فاخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بُنية إنكِ لتراجعين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه. فقلتُ: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يا بُنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها - يريدُ عائشة - قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها، فقالت أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب دخلتَ في كل شيء حتى تبتغي أن تدْخل بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأزواجه فأخذتني والله أخذاً كسرتْني عن بعض ما كنتُ أجِد فخرجتُ من عندها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 وكان لي صاحب من الأنصار إذا غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنتُ أنا أتيه بالخبر، ونحن نتخوّف مَلِكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأتْ صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاريُّ يدُق البابَ، فقال: افتح افتح فقلت: جاء الغساني؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله أزواجه. فقلت: رَغَمَ أنفُ حفصة وعائشة. فأخذتُ ثوبي فأخرُجُ حتى جئتُ، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مشرُبة له يرقى عليها بعَجلة، وغلام لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسود على رأس الدرجة، فقلت له: قل هذا عمر بن الخطاب. فأذن لي. قال عمر: فقصصت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسَّم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنه لَعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وِسادة من أدم حشوها ليف، وإنّ عند رجليه قَرَظاً مصبورا، وعند رأسه أهبّ معلقة، فرأيتُ أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يُبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"؟. (الصحيح 8/525- ك التفسير- سورة التحريم، ب قوله (تبتغي مرضاة أزواجك … ) ح 4913) . قال البخاري: حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا يحيى بن سعيد قال: سمعت عبيد بن حنين. قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "أردتُ أن أسأل عمر - رضي الله عنه - فقلتُ: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فما أتممتُ كلامي حتى قال: عائشة وحفصة". (الصحيح 8/526- ك التفسير- سورة التحربم- (الآية) ح 4914) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقد صغت قلوبكما) أي: مالت فلوبكما. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وصالح المؤمنين) قال: هم الأنبياء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 قوله تعالى (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا هشيم، عن حميد، عن أنس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: اجتمع نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغَيرة عليه، فقلتُ لهنّ: عسى ربه إن طلقكن أن يبدّله أزواجا خيرا منكن. فنزلت هذه الآية. (صحيح البخاري 8/528- ك التفسير- سورة التحريم (الآية) ح 4916) . وانظر حديث مسلم الوارد تحت الآية رقم (83) من سورة النساء. وانظر أنس في صحيح البخاري سورة النساء آية (34)) حديث. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (قانتات) قال: مطيعات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (سائحات) قال: صائمات. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن عبد الله قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلكم راع وكلكم مسئول: فالإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول". (الصحيح 9/163- ك النكاح، في (الآية) ح 5188) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) يقول: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال: اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) قال: قال: يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه، فاذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها. وانظر سورة البقرة الآية رقم (24) وتفسيرها لبيان نوع وقود جهنم. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) انظر سورة الروم آية (57) وسورة القيامة آية (15) . قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) قال الطبري: حدثني أبو السائب قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله (توبة نصوحاً) قال: يتوب ثم لا يعود. وصحح سنده الحافظ ابن حجر (الفتح 11/104) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (توبة نصوحا) قال: يستغفرون ثم لا يعودون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) قال: هي الصادقة الناصحة. قوله تعالى (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انظر سورة الحديد الآية (27) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ربنا أتمم لنا نورنا) قال: قول المؤمنين حين يطفأ نور المنافقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) قال: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف ويغلظ على المنافقين بالحدود (واغلظ عليهم) يقول: واشدد عليهم في ذات الله (ومأواهم جهنم) يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم (وبئس المصير) قال: وبئس الموضع الذي يصيرون إليه جهنم. قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط) الآية هاتان زوجتا نبيي الله لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من الله شيئا. قال البخاري: حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا وكيع، عن شعبة عن عمرو بن مرة الهمداني، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". (الصحيح 6/514- ك أحاديث الأنبياء، ب (الآية) ح 3411 (مسلم 4/1886-1887- ك فضائل الصحابة، ب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) وكان أعتى أهل الأرض على الله وأبعده من الله فو الله ماضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكم عدل لا يؤاخذه عبده إلا بذنبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 قوله تعالى (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فنفخنا فيه من روحنا) فنفخنا في جيبها من روحنا (وصدقت بكلمات ربها) يقول: آمنت بعيسى وهو كلمة الله (وكتبه) يعني: التوراة والإنجيل (وكانت من القانتين) يقول: وكانت من القوم المطيعين. وانظر سورة الأنبياء آية (91) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 سورة الملك فضلها: قال إسحاق بن راهويه: قلت لأبى أسامة حدثكم شعبة، عن قتادة، عن عباس الجشمي، عن أبي هريرة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له (تبارك الذي بيده الملك) فأقر به أبو أسامة وقال: نعم. (انظر موسوعة فضائل سور وآيات القرآن القسم الصحيح ص 19) . قوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انظر سورة الفرقان آية (1) وسورة الزخرف آية (85) . قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (الذي خلق الموت والحياة) قال: أذل الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبغاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) : ما ترى فيهم اختلاف. قال ابن كثير: ثم قال (الذي خلق سبع سموات طباقا) أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره. ا.هـ. وتقدم ذلك في بداية سورة الإسراء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (هل ترى من فطور) يقول: هل ترى من خلل يا ابن آدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (خاسئاً وهو حسير) يقول: ذليلا. قوله تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) إن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن يتأول منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. قوله تعالى (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) قال ابن كثير: أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى كما قال في أول الصافات (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) . وانظر سورة الصافات آية (6-10) . قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) انظر سورة الزمر آية (71) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تكاد تميز من الغيظ) يقول: تتفرق. قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر، قالا: ثنا شعبة - وهذا لفظه - عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: أخبرني من سمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:- وقال سليمان: حدثني رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لن يهلك الناس حتى يَعْذِروا - أو يُعْذِروا - من أنفسهم". (السنن 4/125 ك الملاحم، ب الأمر والنهي ح 4347) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/293) من طريق حسين بن محمد، عن شعبة به وحسنه البغوي في المصابيح (انظر المشكاة 3/1424 ح 5146) وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/304 ح 7397) وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود 3/820) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فسحقا لأصحاب السعير) يقول: بعدا. قوله تعالى (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) انظر حديث البخاري الوارد تحت الآية رقم (23) من سورة يوسف. قوله تعالى (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) انظر سورة الرعد آية (8-10) وتفسيرها هذه الآيات. قوله تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) انظر سورة البقرة آية (22) وتفسيرها لبيان تذليل الأرض لبني آدم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (في مناكبها) يقول: جبالها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فامشوا في مناكبها) قال: طرقها وفجاها. قوله تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) قال ابن كثير: وهذا أيضاً من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يعلم ويصفح، ويؤجل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 ولا يعجل كما قال (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) . وانظر سورة الإسراء آية (67) . قوله تعالى (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) انظر سورة الإسراء آية (68) . قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (صافات) قال: الطير بصف جناحه كما رأيت، ثم يقبضه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (صافات ويقبضن) بسطهن أجنحتهن وقبضهن. وانظر سورة النحل آية (79) وتفسيرها. قوله تعالى (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (بل لجوا في عتو ونفور) قال: كفور. قال ابن كثير: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي منكبا على وجهه، أي يمشى منحنيا لا مستويا على وجهه لا يدري أين ولا كيف يذهب بل هو تائه حائر ضال أهذا أهدى (أمن يمشي سويا) أي: منتصب القامة ... هذا مثلهم في الدنيا وكذلك يكونون في الآخرة فالمؤمن يحشر يمشي سوياً ... وأما الكافر فإنه يحشر يمشى على وجهه إلى نار جهنم. اهـ وانظر تفسير سورة الإسراء آية رقم (97) حديث أنس بن مالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مكباً على وجهه) قال: في الضلالة (أم من يمشى سوياً على صراط مستقيم) قال: حق مستقيم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى) هو الكافر، أكب على معاصي الله في الدنيا، حشره الله يوم القيامة على وجهه، فقيل: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يمشي سوياً على صراط مستقيم) قال: المؤمن عمل بطاعة الله، فيحشره الله على طاعته. انظر سورة يس آية (48-53) . تقوله تعالى (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) انظر سورة المؤمنون آية (79) . قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فلما رأوه زلفة) قال: قد اقترب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفرو) عاينت من عذاب الله. قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) أي: ذاهباً (فمن يأتيكم بماء معين) قال الماء المعين: الجاري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 سورة القلم قوله تعالى (ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون) انظر بداية سورة البقرة في الحروف المقطعة. قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا عبد الواحد بن سليم. قال: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له: يا أبا محمد إن أناسا عندنا يقولون في القدر، فقال عطاء: لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت قال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد. وفي الحديث قصة.. قال: هذا حديث حسن غريب. وفيه عن ابن عباس. (السنن 5/424- ك تفسير القرآن ح 3319) ، وأخرجه الطبري (التفسير 29/16) من طريق عباد بن العوام، عن عبد الواحد بن سليم به، وأحمد (المسند 5/317) من طريق أيوب بن زياد، عن عبادة في الوليد بن عبادة، عن أبيه به، وأبو داود (السنن 4/225 ح 4700) من طريق أبي حفصة عن عبادة، وعند هؤلاء الثلاثة زيادة ليست عند الترمذي، قال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2645) . وصحح كذلك طريق أبي داود (صحيح أبي داود ح 3933) ، وصححه الحافظ ابن حجر (انظر كشف الخفاء 1/263) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ن والقلم وما يسطرون) يقسم الله بما يشاء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وما يسطرون) يقول: يكتبون. قوله تعالى (وإن لك لأجرا غير ممنون) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (غير ممنون) قال: غير محسوب. انظر سورة هود آية (108) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل سمع سلام بن مسكين قال: سمعت ثابتاً يقول: حدثنا أنس - رضي الله عنه - قال: خدمت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟. (الصحيح 10/471 ح 6038- ك الأدب، ب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1804 ح 2309- ك الفضائل، ب كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحسن الناس خلقا) . قال أحمد: ثنا سعيد بن منصور قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق". (المسند 2/381) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/613- ك التاريخ) من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد العزيز بن محمد به، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد البر: حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره. وقال الألباني: صحيح (السلسلة الصحيحة ح 45) . وانظر حديث مسلم عن عائشة عندما سئلت عن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: فإن خلق نبي الله .... كان القرآن. ا.هـ. وهو جزء من حديث طويل يأتي عند بداية سورة المزمل. قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ معمر، عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد ابن هشام بن عامر في قول الله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم) قال سألت عائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم. فقالت: إن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/499- ك التفسير وصححه الذهبي) ويشهد له ما قبله حديث مسلم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) يقول: دين عظيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 قوله تعالى (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون) قال ابن كثير: أي: فستعلم يا محمد وسيعلم مخلفوك ومكذبوك من المفتون الضال منك ومنهم، وهذه كقوله تعالى (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) وكقوله (وإنا أو أياكم لعلى هدى أوفي ضلال مبين) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بأيكم المفتون) قال: الشيطان. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون) يقول: بأيكم أولى بالشيطان. قوله تعالى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لو تدهن فيدهنون) يقول: لو ترخص لهم فيرخصون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ودوا لو تدهن فيدهنون) قال: لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق فيمالئونك. قوله تعالى (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (حلاف مهين) قال: ضعيف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تطع كل حلاف مهين) وهو المكثار في الشر. قوله تعالى (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام قال: كنا مع حذيفة فقيل له: إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان. فقال حذيفة: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يدخلُ الجنة قتات". (الصحيح 10/487- ك الأدب، ب ما يكره من النميمة ح 6056) . وانظر حديث ابن عباس عند قوله تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا) الحجرات الآية (12) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هماز) يأكل لحوم المسلمين (مشاء بنميم) ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (معتد) في عمله (أثيم) بربه. قال البخاري: حدثنا محمود، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما (عتل بعد ذلك زنيم) قال: "رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة". الزنمة: شيء يقطع من أذان الشاة ويترك معلقا بها، النهاية لابن الأثير 2/316. (الصحيح 8/530- ك التفسير- سورة القلم- (الآية) ح 4917) . وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن معبد بن خالد قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر". (الصحيح 8/530- ك التفسير- سورة القلم- (الآية) ح 4918) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (عتل) قال: هو الفاحش اللئيم الضريبة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عتل) قال: شديد الأشر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (زنيم) قال: ظلوم. قوله تعالى (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم) قال ابن كثير: يقول تعالى: هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين، كفر بآيات الله وأعرض عنها وزعم أنها كذب مأخوذ من أساطير الأولين، كقوله (ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا أنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر) قال الله تعالى (سأصليه سقر) وقال تعالى ها هنا (سنسمه على الخرطوم) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سنسمه على الخرطوم) شين لا يفارقه آخر ما عليه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (سنسمه على الخرطوم) قال: سنسم على أنفه. قوله تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ليصرمنها مصبحين) قال: كانت الجنة لشيخ، وكان يتصدق، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة، وكان يمسك قوت سنته، وينفق ويتصدق بالفضل فلما مات أبوهم غدوا عليها فقالوا: (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون) يقول: يسرون (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) وانظر سورة البقرة آية (205) لبيان (الحرث) . قوله تعالى (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وغدوا على حرد قادرين) قال: ذوي قدرة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (على حرد) قال: على أمر مجمع. وعزاه الحافظ ابن حجر إلى سعيد بن منصور بسند صحيح عن عكرمة (الفتح 8/661) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما رأوها قالوا إنا لضالون) أي أضللنا الطريق (بل نحن محرومون) بل جوزينا فحرمنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 قوله تعالى (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قال أوسطهم) يقول: أعدلهم. قوله تعالى (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله: (كذلك العذاب) أي: عقوبة الدنيا (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) . قوله تعالى (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (سلهم أيهم بذلك زعيم) يقول: أيهم بذلك كفيل. قوله تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: يكشف الله ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحداً". (الصحيح 8/531- ك التفسير- سورة القلم- (الآية) (ح 4919) . وانظر حديث مسلم الطويل في خروج الدجال المتقدم في سورة الصافات آية (24) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يكشف عن ساق) هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة. وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 13/428) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال: هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعون وهم خائفون، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين أهل طاعته في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإنه قال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) وأما في الآخرة فإنه قال: (فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم) . وانظر سورة الشورى آية (45) . قوله تعالى (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) انظر سورة الأعراف آية (182) . قال ابن كثير: ثم قال تعالى (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) يعني القرآن وهذا تهديد شديد، أي: دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمده في غيه وانظر، ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر. ولهذا قال: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) . قوله تعالى (وأملي لهم إن كيدي متين) انظر سورة الأعراف آية (183) وانظر سورة هود الآية (102) وفيها حديث أبي موسى في صحيح مسلم. قوله تعالى (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون) انظر سورة الطور آية (40-41) . قوله تعالى "فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) قال ابن كثير: يقول تعالى (فاصبر) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم، فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة (ولا تكن كصاحب الحوت) يعني: ذا النون، وهو يونس بن متى عليه السلام، حين ذهب مغاضبا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت في البحر وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلمات (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 قال الله (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وقال تعالى: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إذ نادى وهو مكظوم) يقول: مغموم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم) يقول: لا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وهو مذموم) يقول: وهو مليم. قوله تعالى (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى" ونسبه إلى أبيه. (الصحيح 6/519 ح 3413- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (وإن يونس لمن المرسلين ... )) . وانظر سورة الصافات آية (139-147) . قوله تعالى (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وحجاج بن الشاعر وأحمد ابن خراش (قال عبد الله: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) مسلم بن إبراهيم. قال: حدثنا وُهيب عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا". (الصحيح 4/1719 ك اللام، ب الطب والمرض والرقي ح 2188) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ليزلقونك بأبصارهم) يقول: لينفذونك بأبصارهم. قوله تعالى (وما هو إلا ذكر للعالمين) انظر سورة ص آية (87) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 سورة الحاقة قوله تعالى (الْحَاقّة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (الحاقة) قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) أي: بالساعة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (فأهلكوا بالطاغية) قال: الذنوب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) بعث الله عليهم الصيحة فأهمدتهم. قوله تعالى (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (9) من سورة الأحزاب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) والصرر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن، أفئدتهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وثمانية أيام حسوما) يقول: تباعا. وعزاه الحافظ ابن حجر إلى الطبراني بسند حسن عن ابن سعود بلفظ متتابعة (الفتح 8/664) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنهم أعجاز نخل خاوية) وهي أصول النخل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 قوله تعالى (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات) قرية لوط. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالخاطئة) قال: الخطايا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أخذة رابية) قال: شديدة. قوله تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم بالجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) قال ابن كثير: ولهذا قال تعالى ممتنا على الناس (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) وهي السفينة الجارية على وجه الماء (لنجعلها لكم تذكرة) عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه، أي: وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحر، كما قال (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) وقال تعالى: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) إنما يقول: لما كثر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لنجعلها لكم تذكرة) فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتعيها أذن واعية) يقول: حافظة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وتعيها أذن واعية) أذن عقلت عن الله، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 قوله تعالى (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) انظر سورة الأنعام آية (73) حديث الصور. قوله تعالى (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) انظر سورة الكهف آية (47) وطه آية (105) والمزمل (14) . قوله تعالى (فيومئذ وقعت الواقعة) انظر بداية سورة الواقعة. قوله تعالى (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) انظر سورة الفرقان آية (25) والرحمن (37) . قوله تعالى (والملك على أرجائها) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والملك على أرجائها) قال: أطرافها. قوله تعالى (إني ظننت أني ملاق حسابيه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إني ظننت إني ملاق حسابيه) يقول: أيقنت. قوله تعالى (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) انظر سورة الغاشة آية (7) . تقوله تعالى (قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئاً بما اسلفتم في الأيام الخالية) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قطوفها دانية) : دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال الله: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية) إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية، تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الأيام، وقدموا فيها خيراً إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 قوله تعالى (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا ليتها كانت القاضية) تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (هلك عني سلطانيه) قال: حجتي. قال الترمذي: حدثنا سويد، أخبرنا عبد الله: أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أن رُضاضة مثل هذه - وأشار إلى مثل الجمجمة - أرسلتُ من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لصارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها". (السنن 4/709 ح 2588- ك صفة جهنم، ب رقم 6) ، وقال: هذا حديث إسناده حسن صحيح. وأخرجه الإمام أحمد (المسند 2/197 ح 6856) ، قال محققه: إسناده صحيح، وذلك من طريق: علي بن إسحاق من عبد الله به. وعنده: "رصاصة" بالصاد المهملة فيهما، والرضاضة كما في رواية الترمذي: واحدة الرضاض، ورضاض كل شيء فتاته (مختار الصحاح ص 245 مادة: رض) . وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن يزيد به وصححه وافقه الذهبي (المستدرك 2/432-439) ، وحسنه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (11/444 ح 6856) . وذكره ابن كثير تحت تفسير الآية المذكورة في بيان "السلسلة" وفي تحفة الأحوذي نقل عن التوربشتي قوله: بين مدى قعر جهنم ببلغ ما يمكن من البيان فإن الرصاص من الجواهر الرزينة، والجواهر كلما كان أتم رزانه كان أسرع هبوطاً إلى مستقره لا سيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه ... (7/313) . وانظر سورة غافر آية (71) وسورة الإنسان آية (4) . قوله تعالى (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) انظر سورة الأنعام آية (70) لبيان الحميم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا طعام إلا من غسلين) صديد أهل النار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 قوله تعالى (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين) انظر سورة يس آية (69) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون) طهره الله من ذلك وعصمه (ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون) طهره الله من الكهانة، وعصمه منها. قوله تعالى (ثم لقطعنا منه الوتين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تم لقطعنا منه الوتين) يقول: عرق القلب. قوله تعالى (وإنه لتذكرة للمتقين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنه لتذكرة للمتقين) قال: القرآن. قوله تعالى (وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنه لحسرة على الكافرين) ذاكم يوم القيامة (وإنه لحق اليقين) يقول: وإنه للحق اليقين الذي لاشك فيه أنه من عند الله، لم يتقوله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فسبح باسم ربك العظيم) بذكر ربك وتسميته العظيم، الذي كل شيء في عظمته صغير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 سورة المعارج قوله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (سأل سائل) قال: دعا داع (بعذاب واقع) قال: يقع في الآخرة، قال: وهو قولهم (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) . وانظر سورة الأنفال آية (32) المذكورة آنفاً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذي المعارج) يقول: العلو والفواضل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (من الله ذي المعارج) قال: معارج السماء. قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فهذا يوم القيامة، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. قوله تعالى (يوم تكون السماء كالمهل) انظر حديث أبي سعيد المتقدم تحت الآية رقم (29) من سورة الكهف. قوله تعالى (وتكون الجبال كالعهن) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (كالعهن) قال: كالصوف. وانظر سورة القارعة آية (5) . تقوله تعالى (وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: وقوله (ولا يسأل حميم حميما) يشغل كل إنسان بنفسه عن الناس. وانظر سورة المؤمنون آية (101) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يبصرونهم) المؤمنون يبصرون الكافرين. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وفصيلته التي تؤويه) قال: قبيلته. قوله تعالى (ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه) انظر سورة آل عمران آية (91) . لقوله تعالى (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى) انظر سورة الليل آية (14-16) (فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (نزاعة للشوى) قال: لجلود الرأس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (تدعو من أدبر وتولى) قال: عن طاعة الله وتولى، قال: عن كتاب الله، وعن حقه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وجمع فأوعى) قال: جمع المال. قوله تعالى (إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (خلق هلوعا) قال: جزوعا. قوله تعالى (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ) هذه الآيات مفسرة للآية السابقة لبيان: هلوعاً. قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) في هذه الآية وما بعدها إلى الآية (35) بيان لصفات المصلين وثوابهم. قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه؟ قالت: فلانة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 -تذكر من صلاتها- قال: "مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا". وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه. (الصحيح 1/124 ح 43- ك الإيمان، ب أحب الدين إلى الله أدومه) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الصلاة، في فضيلة العمل الدائم) ، وهو عند الإمام أحمد (المسند 6/165) عنها بلفظ: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل") . قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة: حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: لم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". وأحب الصلاة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما دُووم عليه وإن قَلتْ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها. (الصحيح 4/251- ك الصوم، ب صوم شعبان ح1970) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/811 ح 782- ك الصيام، ب صيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غير رمضان) . قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ومؤمل، قالا: ثنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم (الذين هم على صلاتهم دائمون) قال: المكتوبة. قوله تعالى (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) قال: الحق المعلوم: الزكاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) يقول: هو سوى الصدقة يصل بها رحمه، أو يقري بها ضيفا، أو يحمل بها كلا، أو يعين بها محروما. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: المحروم: هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، فلا يسأل الناس. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (للسائل والمحروم) وهو سائل يسألك في كفه، وفقير متعفف لا يسأل الناس، ولكليهما عليك حق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) انظر سورة المؤمنون آية (5-7) . قوله تعالى (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) انظر سورة المؤمنون آية (8) ، وانظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (77) من سورة التوبة. وهو حديث: "آية المنافق ثلاث ... وإذا ائتمن خان". قوله تعالى (والذين هم بشهاداتهم قائمون) انظر حديث مسلم عن زيد بن خالد المتقدم عند الآية (282) من سورة البقرة. وهو حديث: "ألا أخبركم بني الشهداء ... ". قال ابن كثير: وقوله (والذين بشهاداتهم قائمون) أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قوله تعالى (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن الفضل الصائغ بعسقلان، ثنا آدم بن أبي اياس، ثنا جرير بن عثمان، ثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش القرشي قال: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآية (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) ثم بزق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على كفه فقال يقول الله يا ابن آدم أني تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردتين وللأرض منك وئيد يعني شكوى فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/502- ك التفسير) وصححه الذهبي، وأخرجه ابن ماجة (2/903 ح 2707) ، وابن سعد في (الطبقات 7/472) من طرق عن حريز به، قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وقال الألباني: إسناده حسن ... (الصحيحة رقم 9901) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين) يقول: عامدين. قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا علي الكفار الذين كانوا في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى وأيده الله به من المعجزات الباهرة، ثم هم مع هذا كله فارون منه متفرقون عنه شاردون يمينا وشمالا فرقا فرقا، وشيعا شيعا، كما قال تعالى (فمالهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة) . قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: "مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة". قال ثم خرج علينا فرآنا حِلقا. فقال: "مالي أراكم عزين؟ " قال ثم خرج علينا فقال: "ألا تصُفون كما تصُف الملائكة عند ربها؟ " فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصف الأول. ويتراصون في الصف". (الصحيح 1/322 ح430- ك الصلاة، ب الأمر بالسكون في الصلاة ... ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (عن اليمين وعن الشمال عزين) قال: مجالس مجنبين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عزين) قال العزين: الحلق المجالس. قوله تعالى (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) قال ابن كثير: ثم قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده، مستدلا عليه بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها فقال (إنا خلقناهم مما يعلمون) أي: من المني الضعيف، كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 قال (ألم نخلقكم من ماء مهين) وقال (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر) . قوله تعالى (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين) قال ابن كثير: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم) أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه، فإن قدرته صالحة لذلك (وما نحن بمسبوقين) أي: بعاجزين. كما قال تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقال تعالى (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون) قوله تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم يخرجون من الأجداث سراعا) أي: من القبور سراعا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يوفضون) قال: يستبقون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنهم إلى نصب يوفضون) قال: إلى عَلَم يسعون. لقوله تعالى (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) انظر سورة القلم آية (43) وسورة القمر آية (7-8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 سورة نوح قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) انظر سورة الأعراف آية (59-60) . قوله تعالى (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) قال: أرسل الله المرسلين بأن يعبد الله وحده، وأن تتقى محارمه، وأن يطاع أمره، أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إلى أجل مسمى) قال: ما قد خط من الأجل فإذا جاء أجل الله لا يؤخر. قوله تعالى (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أعلنت لهم) قال: صحت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وأسررت لهم إسرارا) قال: فيما بيني وبينهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ثم إني دعوتهم جهارا) ... إلى قوله (ويجعل لكم أنهارا) قال: رأى نوح قوماً تجزعت أعناقهم حرصاً على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن فيها درك الدنيا والآخرة. قوله تعالى (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ما لكم لا ترجون لله وقارا) يقول: عظمة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقد خلقكم أطوارا) طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت به الشعر، فتبارك الله أحسن الخالقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 قوله تعالى (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً) انظر سورة تبارك آية 3 وبداية سورة الإسراء في حديث العروج. قوله تعالى (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجاً) قال ابن كثير: أي فاوت بينهم في الاستنارة فجعل كل منهما أنموذجا على حده ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدر القمر منازل وبروجا، وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر، ليدل على مضى الشهور والأعوام كما قال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) . قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) انظر سورة طه آية (55) وسورة الروم آية (20) . قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً) انظر سورة البقرة آية (22) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتسلكوا منها سبلا فجاجاً) قال: طرقا وأعلاما. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لتسلكوا منها سبلا فجاجاً) يقول: طرقاً مختلفة. قوله تعالى (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كبارا) قال: عظيماً. قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام، عن ابن جريج، وقال عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي كانت في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدَوْمة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمرادٍ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لِحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت. (صحيح البخارى 8/535 ك التفسير - سورة نوح، ب (الآية) - ح 4920) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس، قوله: (ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال: هذه أصنام كانت تعبد في زمان نوح. قال ابن كثير: وقوله (وقد أضلوا كثيرا) يعني: الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرا، فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) . وقوله (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم، كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه، وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به. قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصار) قال ابن كثير: يقول تعالى (مما خطاياهم) وقرىء (خطيئاتهم) (أغرقوا) أي: من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم (أغرقوا فأدخلوا ناراً) أي: نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) أي: لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله، كقوله (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) . قوله تعالى (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفاراً رب اغفر لي ولولدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تَبَارَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) ثم دعاه دعوة عامة فقال (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) ... إلى قوله (تبارا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، لما قوله (إلا تبارا) قال: خسارا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 سورة الجن قوله تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "انطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عُكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشُهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشُهب. قال: ما حالَ بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تِهامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا، إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحداً. وأنزل الله عز وجل على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) وإنما أوحي إليه قول الجن". (صحيح البخاري 8/537-538 ك التفسير- سورة الجن ح 4921. صحيح مسلم 4/331- 332 ك الأذان، ب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن ح 449 نحوه) وانظر سورة الأحقاف آية (29) وسورة الجن آية (19) . أخرج البخاري بسنده عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقا: من آذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك - يعني عبد الله - أنه آذنت بهم شجرة. (الصحيح البخاري- ك مناقب الأنصار، ب ذكر الجن وقول الله تعالي (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن) ح 3859. وعبد الله هو ابن مسعود ومعنى آذن أي أعلم (الفتح 7/210) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 قوله تعالى (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أحداً (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً) قال ابن كثير: أي: إلى السداد والنجاح (فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن) وانظر سورة الأحقاف آية (29-30) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وأنه تعالى جد ربنا) يقول: فعله وأمره وقدرته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأنه تعالى جد ربنا) : أي تعالى جلاله وعظمته وأمره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) وهو إبليس. قوله تعالى (وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن زادوهم رهقاً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يعوذون برجال من الجن) قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظماء هذا الوادي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الله (فزادوهم رهقا) : أي إثما، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فزادوهم رهقا) قال: زاد الكفار طغياناً. وانظر سورة الإسراء آية (57) وفيها حديث البخاري كان ناس من الأنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. قوله تعالى (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أحداً) أخرج الطبري حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن الكلبى (وأنهم ظنوا كما ظننتم) ظن كفار الجن كما ظن كفرة الإنس أن لن يبعث الله رسولا. وسنده صحيح إلى الكلبي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 قوله تعالى (وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديد وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصداً) قال الترمذي: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يسمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زاد فيكون باطلا، فلما بُعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائما يصلي بين جبلين أراه قال بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث في الأرض. (السنن 5/427- 428- ك التفسير، ب ومن سورة الجن) ، وأخرجه النسائي (التفسير 2/469 ح 646) من طريق عبيد الله بن موسى، والطبري (التفسير 23/36) من طريق وكيع، وأحمد (المسند 1/274) عن أبي أحمد، كلهم عن إسرائيل به وعند أحمد: فيزيدون فيها عشراً، قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2646) . وصححه محقق تفسير النسائي، وصححه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي ح 2482. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأنا لمسنا السماء) .. إلى قوله (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) كانت الجن تسمع سمع السماء، فلما بعث الله نبيه، حرست السماء، ومنعوا ذلك، فتفقدت الجن ذلك من أنفسها. قوله تعالى (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كنا طرائق قددا) كان القوم على أهواء شتى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كنا طرائق قددا) قال: مسلمين وكافرين. قوله تعالى (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً) انظر سورة الرحمن آية (33) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 قوله تعالى (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) يقول: لا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته. قوله تعالى (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (القاسطون) قال: الظالمون. قوله تعالى (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعداً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لأسقيناهم ماء غدقا) قال: لأعطيناهم مالا كثيرا، قوله (لنفتنهم فيه) قال: لنبتليهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) قال: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا قال الله (لنفتنهم فيه) يقول: لنبتليهم بها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (عذاباً صعدا) قال: مشقة من العذاب. قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده. قوله تعالى (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ... ) قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثني أبو الوليد، حدثنا أبو عوانه، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجنّ ولا رآهم، انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 إلى سوق عكاظ وقد حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشُهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماوات وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا أمر حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجّهوا إلى نحو تهامة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبن خبر السماء. قال: فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: (يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) فأنزل الله على نبيه (قل أوحي إلي أنه استمع) وإنما أوحى إليه قول الجن قال: وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال قولُ الجنّ لقومهم (لمّا قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبداً) قال: لمّا رأوه يصلي وأصحابه يصلّون بصلاته فيسجدون بسجوده، قال: فعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم (لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/426- 427 ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه أحمد في مسنده من طريق أبي عوانه، وصححه أحمد شاكر ح 2431، وأخرجه مسلم في (صحيحه- ك الصلاة، ب الجهر بقراءة الصبح 2/36 طبعة المكتب التجاري بيروت) من طريق أبي عوانه به، سبب نزول قوله تعالى (وأنه استمع نفر من الجن) . ونقل ابن كثير عن البيهقي قال: وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلمت حاله وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم ودعاهم إلى الله عز وجل كما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - (انظر تفسير ابن كثير 7/274) أما حديث ابن مسعود فقد تقدم في سورة الأحقاف آية (29) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) قال: تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (كادوا يكونو عليه لبدا) يقول: أعوانا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كادوا يكونون عليه لبدا) قال: جميعاً. قوله تعالى (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ولن أجد من دونه ملتحدا) : أي ملجئا ونصيرا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إلا بلاغا من الله ورسالاته) فذلك الذي أملك بلاغا من الله ورسالاته. قوله تعالى (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) قال ابن كثير: وقوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) هذه كقوله تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وهكذا قال ها هنا: إنه يعلم الغيب والثسهادة، وإنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه ولهذا قال (فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) وهذا يعم الرسول الملكي والبشري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحى إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) قال: الملائكة. قوله تعالى (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 سورة المزمل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السلاح والكراع. ويجاهد الروم حتى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك. وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنهاهم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال: "أليس لكم فيّ أسوة؟ " فلما حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلقها. وأشهد على رجعتها. فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال ابن عباس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: من؟ قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثم ائتني فأخبرني بردّها عليك. فانطلقتُ إليها. فأتيتُ على حكيم بن أفلح. فاستلحقته إليها. فقال: ما أنا بقاربها. لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مُضيا. قال فأقسمتُ عليه. فجاء. فانطلقنا إلى عائشة. فاستأذنا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر. فترحّمتْ عليه. وقالت خيراً. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلتُ: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خُلُق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإن خُلق نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان القرآن. قال: فهممتُ أن أقوم، ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت. ثم بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: ألستَ تقرأ: (يا أيها المزمل) ؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله في أخر هذه السورة التخفيف. فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: كنا نعُدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل. فيتسوّك ويتوضأ ويُصلي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلا في الثامنة. (الصحيح 1/512-513- ك صلاة المسافرين، ب جامع صلاة الليل ... ح 746) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها المزمل) أي: المتزمل بثيابه. قوله تعالى (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا، فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض) ... إلى قوله (فاقرءوا ما تيسر منه) فوسع الله وله الحمد، ولم يضيق. انظر سورة الإسراء آية (79) . قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) . قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" وزاد غيره: "يجهر به". (الصحيح 13/510- ك التوحيد، ب قوله تعالى (وأسروا قولكم أو اجهروا به ... ) ح 7527) . قال البخاري: حدثنا محمد بن خلف أبو بكر، حدثنا أبو يحيى الحماني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا أبا موسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود". (الصحيح 8/710 - ك فضائل القرآن، ب حسن الصوت بالقراءة للقرآن ح 5048) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/546- ك صلاة المسافرين، ب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ح 793) بنحوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 قال البخاري: حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن قتادة قال: "سُئل أنس: كيف كانت قراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: كانت مدّاً. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم". (الصحيح 8/709 ح 5046- ك فضائل القرآن، ب مد القراءة) . قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين) يقطع قراءته آية آية. (قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: القراءة القديمة (مالك يوم الدين) . (السنن 4/37 ح 4001- ك الحروف والقراءات) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/185 ح 2927) من طريق علي بن حجر عن يحيى بن سعيد الأموي بنحوه، وقال: هذا حديث غريب. قال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي 3/13، الإرواء ح 343) ، وأخرجه الدارقطني وقال: إسناده صحيح (السنن 1321/313) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/231- 232) ، وذكره ابن الجزري وقال: وهو حديث حسن وسنده صحيح (النشر 1/226) . قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند أخر آية تقرؤها". (السنن 2/73- ك الصلاة، في استحباب الترتيل في القراءة ح 1464) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/177 ح 2914- ك فضائل القرآن، ب 18) من طريق أبي داود الحضري، وأبي نعيم، وأحمد (المسند 2/193) من طريق عبد الرحمن، وابن حبان في صحيحه) الإحسان 3/43 ح 766) من طريق ابن مهدي. والحاكم (المستدرك 1/552-553) من طريق وكيع، كلهم عن سفيان به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/162) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي 3/10 ح 2329) . قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد، ومحمد ابن جعفر. قالا: ثنا شعبة، قال: سمعت طلحة اليامي، قال: سمعت عبد الرحمن بن عوسجة، قال: سمعت البراء بن عازب يُحدِّث قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زينوا القرآن بأصواتكم". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 (السنن- ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب في حسن الصوت بالقرآن ح 1342) ، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء (المسند 4/283، 285، 296، 304) ، (السنن- الوتر، ب استحباب الترتيل في القراءة) ، (السنن- الافتتاح، ب تزيين القرآن بالصوت 2/179) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/224، وانظر الصحيحة 772) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/571) ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن خزيمة في صحيحه وذكر له شواهد (انظر الفتح 13/518) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن في قوله (ورتل القرآن ترتيلا) قال: اقرأه قراءة بينة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورتل القرآن ترتيلا) قال: بينه بيانا. قوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا) قال الحاكم: أخبرنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، ثنا يحيى ابن أبي طالب، ثنا زيد بن الحباب، حدثني سليمان بن المغيرة البصري، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح الانصاري، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أوحى إليه لم يستطع أحد منا يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 2/222- ك التفسير) ووافقه الذهبي، وله شاهد صحيح عند مسلم (انظر صحيح الجامع ح 4562) . قال أحمد: ثنا سليمان بن داود قال: أنا عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إن كان ليوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على راحلته فتضرب بجرانها. (المسند 6/118) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/505) ، والبيهقي (دلائل النبوة 2/53) من طريق محمد بن ثور، عن معمر، عن هشام به، وفيه زيادة وهي: وتلت قول الله عز وجل (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) . قال الهيثمي - وقد عزاه لأحمد -: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/257) ، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قوله: فتضرب بجرانها الجران: باطن العنق. (النهايه لإبن الاثير 1/263) . انظر حديث البخاري عن عاثشة المتقدم عند الآية (3) من سورة الشورى. انظر حديث البخاري عن زيد بن ثابت المتقدم عند الآية رقم (95) من سورة النساء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) ثقيل والله فرائضه وحدوده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 قوله تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيلا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إن ناشئة الليل) قال: أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن ناشئة الليل) قال: ناشئة الليل: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هي أشد وطئا) أي: أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أشد وطئا) قال: مواطأة للقول، وفراغا للقلب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (سبحا طويلا) قال: فراغا طويلا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وتبتل إليه تبتيلا) قال: أخلص إليه المسألة والدعاء. قوله تعالى (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلاً) قال ابن كثير: أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل (فاتخذه وكيلا) كما قال في الآية الأخرى (فاعبده وتوكل عليه) وكقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلاً) براءة نسخت ماهاهنا، أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يقبل منهم غيرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 قوله تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن لدينا أنكالا وجحيما) يقول تعالى ذكره: إن عندنا لهؤلاء المكذبين بآياتنا أنكالا، يعني قيودا، واحدها: نكل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وطعاما ذا غصة) قال: شجرة الزقوم. قوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) يقول، الرمل السائل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كثيبا مهيلا) قال: ينهال. قال ابن كثير: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي: تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب، حتى تصير الأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا أي: واديا، ولا أمتا أي: رابية. ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع. ا.هـ. وهذا التفسير مأخوذ من سورة طه آية (105-107) . قوله تعالى (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أخذا وبيلا) قال: شديداً. قوله تعالى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم تحت الآية رقم (2) من سورة الحج. وحديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (24) من سورة الصافات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) يقول: كيف تتقون يوماً وأنتم قد كفرتم به ولا تصدقون به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (منفطر به) قال: مثقلة به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن هذه تذكرة) يعني: القرآن (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) بطاعة الله. قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى. قالت: هو قيامه. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/505- ك التفسير) ، ووافقه الذهبي، وأخرجه محمد بن نصر المروزي من طريق ابن وهب به، (مختصر قيام الليل ص 8) . وأبو الزاهرية هو: حدير بن كريب الحضرمي الحمصي معروف بالرواية عن جبير بن نفير وبرواية معاوية بن صالح عنه (تهذيب الكمال 5/491) . قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر". (السنن 2/61 ح 1416- ك الصلاة، ب استحباب الوتر) ، وأخرجه الترمذي (السنن 2/316 ح 453- ك الصلاة، ب ما جاء أن الوتر ليس بختم) ، والنسائي (السنن 3/228- ك الصلاة، ب الأمر بالوتر) ، وابن ماجة (السنن 1/370 ح 1169- ك إقامة الصلاة، ب ما جاء في الوتر) ، والحاكم (المستدرك 1/300- ك الوتر) أربعهم من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق به. قال الترمذي: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/193) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علم أن لن تحصوه) قيام الليل كتب عليكم (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: ثم أنبأ بخصال المؤمنين، فقال: (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه) قال: افترض الله القيام في أول هذه السورة. قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكدتُ أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: كذبت أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني سمعت هذا يقراُ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال: أرسله، اقرأ يا هشام؟ فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك أنزلت، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقرأ يا عمر؟ فقرأت فقال: كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه. (الصحيح 13/530- ك التوحيد، ب (الآية) ح 7550) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الصلاة، ب بيان أن القرآن على سبعة أحرف 1/560 ح 818) . قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس في ناحية المسجد- فصلّى ثم جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصل. فرجع فصلّى، ثم جاء فسلّم، فقال: وعليك السلام، فارجع فصلّ فإنك لم تصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 فقال في الثانية - أو في التي بعدها - علّمني يا رسول الله. فقال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر، ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". وقال أبو أسامة في الأخير: "حتى تستوي قائما". (الصحيح 11/38-39 ح 6251- ك الإستئذان، ب من رد فقال: عيك السلام ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/298- ك الصلاة، ب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وأقيمو الصلاة وآتوا الزكاة) فهما فريضتان واجبتان، لا رخصة لأحد فيهما، فأدوهما إلى الله تعالى ذكره. قال ابن كثير: وقوله تعالى (وأقرضوا الله قرضا حسناً) يعني من الصدقات فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره، كما قال (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً فيضاعفه له أضعافا كثيرة) . وانظر سورة البقرة آية (245) . قال البخاري: حدثني عمر بن حفص، حدثني أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله"؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر". (الصحيح 11/264-265 ح 6442- ك الرقاق، ب ما قدّم من مال فهو له) . قوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) انظر سورة البقرة آية (83) وفيها حديث مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه -: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 سورة المدثر قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال البخاري: حدثني يحيى، حدثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: (يا أيها المدثر) قلتُ: يقولون: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فقال أبو سلمة، سألتُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك وقلتُ له مثل الذي قلتَ، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدّثنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: جاورتُ بحِراء، فلما قضيتُ جِواري هبطتُ، فنوديت، فنظرتُ عن يميني فلم أرَ شيئا، ونظرتُ عن شمالي فلم أرَ شيئاً، ونظرت أمامي فلم أرَ شيئاً، ونظرت خلفي فلم أرَ شيئاً، فرفعتُ رأسي فرأيتُ شيئا، فأتيتُ خديجة فقلتُ: (دثّروني وصُبّوا علىّ ماءً بارداً، قال فدثروني وصبُّوا عليّ ماءً بارداً، قال فنزلت: (يا أيها المدثّر قم فأنذِرْ وربَّك فكبِّر) . (الصحيح 8/545- ك التفسير- سورة المدثر، الآية ح 4922) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح - الإيمان، بدء الوحي 1/144 ح 161) . قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن عقيل قال ابن شهاب: سمعت أبا سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحدّث عن فترة الوحي: فبينا أنا أمشى إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعتُ بصري قِبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحِراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئثتُ منه حتى هويتُ إلى الأرض، فجئتُ أهلي فقلت: زمّلوني زملوني. فزمَّلوني. فأنزل الله تعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر - إلى قوله - فاهجر) ". قال أبو سلمة، والرجز الأوثان. ثم حميَ الوحي وتتابع. (الصحيح 8/547- ك التفسير- سورة المدثر، الآية ح 4926) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها المدثر) يقول: المتدثر في ثيابه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قم فأنذر) أي: أنذر عذاب الله ووقائعه في الأمم، وشدة نقمته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وثيابك فطهر) يقول: طهرها من المعاصى، فكانت العرب تسمى الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهر الثياب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والرجز فاهجر) يقول: السخط وهو الأصنام. قوله تعالى (ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر فإذا نقر في الناقور) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تمنن تستكثر) يقول: لا تعط شيئا، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها. أخرج الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعض: عن الحسن، في قوله (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ولربك فاصبر) قال: على ما أوتيت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فإذا نقر في الناقور) قال: في الصور، قال هو شىء كهيئة البوق. قوله تعالى (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فذلك يومئذ يوم عسير) شديد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله تعالى (فذلك يومئذ يوم عسير) فبين لله على من يقع (على الكافرين غير يسير) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذرني ومن خلقت وحيدا) قال: خلقته وحده ليس معه مال ولا ولد. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ومهدت له تمهيدا) قال: من المال والولد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إنه كان لآياتنا عنيدا) قال: جحودا. قوله تعالى (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سأرهقه صعودا) قال: مشقة من العذاب. قال ابن كثير: وقوله (إنه فكر وقدر) أي: إنما أرهقناه صعودا، أي: قربناه من العذاب الشاق، لبعده عن الإيمان لأنه فكر وقدر، أي: تروى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن، ففكر ماذا يختلق من مقال (وقدر) أي: تروى (فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر) دعاء عليه (ثم نظر) أي: أعاد النظر والتروي (ثم عبس) أي: قبض بين عينيه وقطب (وبسر) أي: كلح وكره. قوله تعالى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا تبقى ولا تذر) قال: لا تميت ولا تحيى. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لواحة للبشر) قال: الجلد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لواحة للبشر) أي: حراقة للجلد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 قوله تعالى (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) : إلا بلاء. ا.هـ. والضمير في عدتهم يعود إلى الملائكة المذكور عددهم تسعة عشر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليقول الذين في قلوبهم مرض) أي: نفاق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يعلم جنود ربك إلا هو) أي: من كثرتهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما هي إلا ذكرى للبشر) قال: النار. قوله تعالى (كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والليل إذ أدبر) إذ ولى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والصبح إذا أسفر) إذا أضاء وأقبل (إنها لإحدى الكبر) يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر، يعني الأمور العظام. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الحسن: والله ما أنذر الناس بشيء أدهى منها أو بداية هي أدهى منها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) قال: لا يحاسبون. وانظر سورة الطور آية (21) قال تعالى (كل امرئ بما كسب رهين) . قوله تعالى (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) انظر سورة القمر آية (48) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 قوله تعالى (وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الذين حتى أتانا اليقين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكنا نخوض مع الخائضين) قال: كلما غوى غاو غوى معه. قال ابن كثير: (وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا القين) يعني: الموت. كقوله (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) . قوله تعالى (فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) قال: تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما لهم عن التذكرة معرضين) أي: عن هذا القرآن. قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قسورة) قال: عصبة قناص من الرماة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فرت من قسورة) يقول: الأسد. قوله تعالى (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) قال: إلى فلان من رب العالمين. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (كلا بل لا يخافون الآخرة) إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ولا يخافونها هو الذي أفسدهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلا إنه تذكرة) أي: القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) ربنا محقوق أن تتقي محارمه وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 سورة القيامة قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: أقسم بهما جميعا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالنفس اللوامة) قال: تندم على ما فات وتلوم عليه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا أقسم بالنفس اللوامة) أي: الفاجرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) يقول: المذمومة. قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه) انظر سورة البقرة آية (259) ، وسورة الإسراء آية (49) . قوله تعالى (بلى قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بلى قادرين على أن نسوى بنانه) قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة أو كخف البعير ولو شاء لجعله كذلك فإنما ينقي طعامه بفيه. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليفجر أمامه) قال: يمضي أمامه راكبا رأسه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) قال: قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدما قدما إلا من قد عصم الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) يقول: الكافر يكذب بالحساب. قوله تعالى (فإذ برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (برق البصر) قال: عند الموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخسف القمر) ذهب ضوؤه فلا ضوء له. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجمع الشمس والقمر) قال: كورا يوم القيامة. قوله تعالى (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لاوزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (كلا لا وزر) يقول: لا حرز. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا وزر) لا ملجأ ولا جبل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلى ربك يومئذ المستقر) أي: المنتهي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) يقول: ما عمل قبل موته وما سن فعمل به بعد موته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم) من طاعة الله (وأخر) مما ضيع من حق الله. قوله تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل الإنسان على نفسه بصيرة) يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل الإنسان على نفسه بصيرة) إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم غافلا عن ذنوبه قال: وكان يقال إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر الجذع المعترض في عينيك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) ولو جادل عنها فهو بصيرة عليها. ورجحه الحافظ ابن كثير ثم قال كقوله: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) سورة الأنعام: 23. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو ألقى معاذيره) قال: ولو اعتذر. قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به إنّا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرّك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما - فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) قال فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قرأه. (الصحيح 1/39- ك بدء الوحي ح 5 و8/549 و550- ك التفسير) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/330- ك الصلاة، ب الاستماع للقراءة) . وانظر سورة طه آية (144) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا تحرك به لسانك) قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان فقال له: كفيناكه يا محمد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا تحرك به لسانك لتعجل به) كان نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرك به لسانه مخافة النسيان فأنزل الله ما تسمع. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن علينا جمعه وقرآنه) يقول: حفظه وتأليفه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) يقول: اتبع حلاله واجتنب حرامه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) يقول: اعمل به. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم إن علينا بيانه) بيان حلاله واجتناب حرامه ومعصيته وطاعته. قوله تعالى (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلا بل تحبون الحاجلة وتذرون الآخرة) اختار أكثر الناس العاجلة إلا من رحم الله وعصم. وانظر سورة الإسراء آية (18-19) . قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك … (الصحيح 2/341-342- ك الآذان، ب فضل السجود ح 806) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه 1/136- 164 ح 182) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجوه يومئذ ناضرة) قال: مسرورة (إلى ربها ناظرة) . قوله تعالى (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (باسرة) قال: كاشرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووجوه يومئذ باسرة) أي: كالحة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (تظن أن يفعل بها فاقرة) قال: داهية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تظن أن يفعل بها فاقرة) أي: شر. قال ابن كثير: وهذا المقام كقوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) وكقوله (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) وكقوله (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية) إلى قوله (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية) . قوله تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من أهوال - ثبتنا الله هناك بالقول الثابت - فقال تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) إن جعلنا (كلا) رادعة فمعناها: لست يا ابن آدم تكذب هناك بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا وإن جعلناها بمعنى: حقا فظاهر أي: حقا إذا بلغت التراقي أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع ترقوة، وهى العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 قوله تعالى (وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقيل من راق) أي: التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظن أنه الفراق) أي: استيقن أنه الفراق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والتفت الساق بالساق) يقول: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والتفت الساق بالساق) قال: التف أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والتفت الساق بالساق) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شئ فقد كان عليهما جوالا. قوله تعالى (إلى ربك يومئذ المساق) انظر سورة الأنعام آية (61-62) ، وفيها (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) . قوله تعالى (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا صدق ولا صلى) لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله (ولكن كذب وتولى) كذب بكتاب لله وتولى عن طاعة الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي: يتبختر. وانظر قوله تعالى: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) سورة المطففين آية (31) . وتقوله تعالى (إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور) سورة الإنشقاق (13-14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) قال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يعقوب، نا أبو النعمان، نا أبو عوانة. وأنا أبو داود، نا محمد بن سليمان، نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: (أولى لك فأولى) قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزله الله عز وجل؟ قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزله الله. (التفسير 2/483 ح 658) ، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 11/458 ح 12298) ، والحاكم (المستدرك 2/510) من طريق أبي عوانه به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي - وقد عزاه للطبراني -: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/132) ، وقال محقق النسائي: إسناده صحيح ورجال إسناديه ثقات. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) وعيد على وعيد كما تسمعون. قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) يقول هملا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) قال: لا يؤمر ولا ينهى. لقوله تعالى (ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) انظر سورة النحل آية (4) وسورة الحج آية (5) وسورة المؤمنون آية (13-14) . قوله تعالى (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى) قال ابن كثير: ثم قال (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى) أي: أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه؟ وتناول القدرة للإعادة إما بطريق الأولى بالنسبة إلى البداءة، وإما مساوية على قولين في قوله (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) والأول أشهر كما تقدم في سورة الروم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 سورة الإنسان قوله تعالى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (هل أتى على الإنسان) آدم أتى عليه (حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) إنما خلق الإنسان هاهنا حديثا ما يعلم من خليقة الله كانت بعد الإنسان. قوله تعالى (إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) أطوار الخلق، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة، وطورا عظاما ثم كسى العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت له الشعر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (أمشاج نبتليه) يقول: مختلفة الألوان. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: أي الماءين سبق عليه أعمامه وأخواله. قال ابن كثير: وقوله (نبتليه) أي: نختبره، كقوله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) سورة الملك آية: 3. قوله تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إنا هديناه السبيل) قال: الشقوة والسعادة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا) للنعم (وإما كفورا) لها. وانظر سورة البلد آية (10) قوله تعالى (وهديناه النجدين) طريق الخير وطريق الشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 قوله تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً) قال ابن كثير: يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير، وهو اللهيب والحريق في نار جهنم، كما قال (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) . ا. هـ. انظر سورة غافر آية (71-72) لبيان: الأغلال. قوله تعالى (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مزاجها كافورا) قال: تمزج. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) قال: قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يفجرونها تفجيرا) قال: يعدلونها حيث شاءوا. قوله تعالى (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا) قال البخاري: حدثنا أبو عاصم، عن مالك، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليُطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه". (الصحيح 11/594 ك الإيمان والنذور، ب النذر فيما لا يملك وفي معصية ح 6700) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يوفون بالنذر) قال: إذا نذروا في حق الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوفون بالنذر) قال: بطاعة الله، وبالصلاة، وبالحج، وبالعمرة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويخافون يرما كان شره مستطيرا) استطاروا الله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 قوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً) قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فكوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع وعودوا المريض". (الصحيح 6/193 ح 3046- ك الجهاد والسير، ب فكاك الأسير) . انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (10) من سورة المنافقون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال: لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سالم، عن مجاهد (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب. وسنده حسن، وأخرجه بنحوه عن سعيد بن جبير. قوله تعالى (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا نخاف من ربنا يوم عبوسا قمطريرا) عبست فيه الوجوه، وقبضت ما بين أعينها كراهية ذلك اليوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (عبوسا) يقول: ضيقا. وقوله (قمطريرا) يقول: طويلا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولقاهم نضرة وسرورا) نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) يقول: وجزاهم بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته ومحارمه، جنة وحريراً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 قوله تعالى (متكئين فيها على الآرائك لا يرون فها شمسا ولا زمهريرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (متكئين فيها على الأرائك) كنا نحدث أنها الحجال فيها الأسرة. الحجال جمع حجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار (النهاية لابن الأثير 1/346) . وانظر سورة الكهف آية (31) ، وسورة يس آية (56) . قال مسلم: حدثني عمرو بن سواد، وحرملة بن يحيى (واللفظ لحرملة) أخبرنا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اشتكت النار إلى ربها. فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف. فهو أشد ما تجدون من الحرّ. وأشد ما تجدون من الزمهرير". (الصحيح 1/431-432- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب الإيراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه ح 617) ، وأخرجه البخاري في صحيحه (بدء الخلق، ب صفة النار ح 3260) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال الله (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) يعلم أن شدة الحرارة تؤذى، وشدة القر تؤذى، فوقاهم الله أذاهما. قوله تعالى (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا) انظر سورة الرحمن آية (54) وسورة الحاقة (23) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وذللت قطوفها تذليلا) قال: إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت حتى ينالها، فذلك تذليلها. قوله تعالى (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قوارير من فضة) قال: صفاء القوارير وهى من فضة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قدروها تقديرا) قدرت على ري القوم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (مزاجها زنجبيلا) قال، تمزج بالزنجبيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 قوله تعالى (عينا فيها تسمى سلسبيلا) قال مسلم: حدثني الحسن بن علي الحلواني: حدثنا أبو توبة (وهو الربيع بن نافع) : حدثنا معاوية (يعني ابن سلام) ، عن زيد (يعني أخاه) ؛ أنه سمع أبا سلاّم قال: حدثني أبو أسماء الرحبي، أن ثوبان مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثه قال: كنتُ قائما عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فجاء حَبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد! فدفعته دفعة كاد يصرُع منها. فقال: لِمَ تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سمّاه به أهله. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن اسمي محمد الذي سمّاني به أهلي" فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أينفعك شيء إن حدثتك؟ " قال: أسمع بأُذنيَّ. فنكت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعُود معه. فقال "سَلْ" فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم في الظلمة دون الجسر" قال: فمن أوّل الناس إجازة؟ قال: "فقراء المهاجرين" قال اليهودي فما تحْفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: "زيادة كبد النون قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: "يُنحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها: قال: فما شرابهم عليه؟ قال: "مِن عين فيها تسمّى سلسبيلا". (الصحيح 1/252-253- ك الحيض، ب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما- ح 315) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا. عينا فيها تسمى سلسبيلا) رقيقة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عينا فيها تسمى سلسبيلا) : عينا سلسة مستقيدا ماؤها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 قوله تعالى (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) أي: لا يموتون. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لؤلؤا منثورا) قال: من كثرتهم وحسنهم. قوله تعالى (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) قال ابن كثير: وقوله (وإذا رأيت) أي: وإذا رأيت يا محمد (ثم) أي: هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور (رأيت نعيما وملكا كبيرا) أي: مملكة لله هناك عظيمة وسلطانا باهرا. وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها وأخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها. قوله تعالى (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا) قال ابن كثير: وقوله (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق) أي: لباس أهل الجنة فيها الحرير، ومنه سندس، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والاستبرق منه ما فيه بريق ولمعان، وهو مما يلي الظاهر، كما هو المعهود في اللباس (وحلوا أساور من فضة) وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قال الإستبرق: الديباج الغليظ. وانظر سورة الكهف آية (31) وفيها أساور من ذهب أيضا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (شرابا طهورا) قال: ما ذكر الله من الأشربة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 قوله تعالى (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) غفر لهم الذنب، وشكر لهم الحسن. وانظر سورة الإسراء آية (19) . قوله تعالى (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) انظر سورة الإسراء آية (106) وسورة القدر آية (1) . قوله تعالى (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) انظر سورة الأحزاب آية (42) وسورة آل عمران آية (41) . قوله تعالى (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) انظر سورة الإسراء آية 79 وسورة المزمل آية (1-4) . قوله تعالى (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) انظر سورة الإسراء آية (18) . قوله تعالى (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وشددنا أسرهم) قال: خلقهم. قال ابن كثير: وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله (إن يشأ يذهبكم أبها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قدير) وكقوله (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) . وانظر سورة النساء آية (133) وسورة إبراهيم آية (19-20) . قوله تعالى (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) تقدم تفسيرها في سورة المزمل آية (19) . قوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) انظر سورة الكهف آية (24) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 سورة المرسلات قوله تعالى (والمرسلات عرفا ... ) قال البخاري: حدثنا عبدة بن عبد الله، أخبرنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: "كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غار، فنزلت (والمرسلات عرفا) وإنا لنتلقاها من فيه إذ خرجت حية من جحرها، فابتدرناها لنقتلها، فسبقتنا فدخلت جحرها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وقيت شركم كما وقيتم شرّها". وعن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، مثله. قال: "وإنا لنتلقاها من فيه رطبة". وتابعه أبو عوانة عن مغيرة. (الصحيح 6/409- ك بدء الخلق، في إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ح 3317) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/1755- ك السلام، ب قتل الحيات وغيرها ح 2234) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والمرسلات عرفا) قال: هي الرياح. قوله تعالى (فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فالعاصفات عصفا) قال: الرياح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والناشرات نشرا) قال: الرياح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالفارقات فرقا) يعنى القرآن ما فرق الله فيه بين الحق والباطل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالملقيات ذكرا) قال: هي الملائكة تلقى الذكر على الرسل وتبلغه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 قوله تعالى (عذرا أو نذراً إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عذراً أو نذراً) . قال: عذراً من الله ونذرا منه إلى خلقه. قال ابن كثير: أي: ذهب ضوؤها كقوله (وإذا النجوم انكدرت) وكقوله (وإذا الكواكب انتثرت) . قوله تعالى (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ) انظر سورة الرحمن آية (37) ، وسورة الحاقة آية (16) . قوله تعالى (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) قال ابن كثير: أي: ذهب بها، فلا يبقى لها عين ولا أثر كقوله (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (أقتت) قال: أجلت. وانظر سورة المائدة آية (109) قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل) . قوله تعالى (لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لأي يوم أجلت ليوم الفصل) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدراك ما يوم الفصل) تعظيما لذلك اليوم. قوله تعالى (ويل يومئذ للمكذبين) انظر سورة الطور (11) ، وسورة البقرة آية (79) . قوله تعالى (ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين) انظر سورة المؤمنون آية (13-14) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (في قرار مكين) قال: الرحم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 قوله تعالى (فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين) قال ابن كثير: يعني إلى مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر. ولهذا قال (فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين) . وانظر سورة البقرة آية (79) لبيان: الويل. قوله تعالى (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتاً وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ألم نجعل الأرض كفاتا) يقول: كِنا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) يسكن فيها حيهم، ويدفن فيها ميتهم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (رواسي شامخات) يقول: جبالا مشرفات. قوله تعالى (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ) قال البخَاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، أخبرنا سفيان، حدثني عبد الرحمن بن عابس سمعت ابن عباس رضي الله عنهما (ترمى بشرر كالقصر) كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر (كأنه جمالت صُفر) حِبال السفن، تُجمع حتى تكون كأوساط الرجال. (الصحيح 8/556- ك التفسير- سورة المرسلات، الآية ح 4933) . قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون) قال القاسمي: (هذا يوم لا ينطقون) أي: بحجة، أو في وقت من أوقاته لأنه يوم طويل ذو مواقف ... فلا ينافي آية (والله ربنا ما كنا مشركين) سورة الأنعام: 6، وآية (ولا يكتمون الله حديثا) سورة النساء: 42،.ا. هـ. (محاسن التأويل 10/23) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 وقوله في وقت من أوقاته - أي وقت من أوقات يوم الحساب - يؤيده قوله تعالى (قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) سورة المؤمنون آية: 108. فهم لا ينطقون بعد هذا الأمر والتوبيخ للكافرين. قوله تعالى (ويل يومئذ للمكذبين) تقدمت برقم (15) من السورة نفسها. قوله تعالى (فإن كان لكم كيد فكيدون) قال ابن كثير: تهديد شديد ووعيد أكيد، أي: إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي، وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنكم لا تقدرون على ذلك، كما قال تعالى (يا معشر الجن والإنس إن استطعم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) وقد قال تعالى (ولا تضرونه شيئا) وفِى الحديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني". وانظر سورة هود آية (57) . قوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) قال ابن كثير: خطاب للمكذبين بيوم الدين وأمرهم أمر تهديد ووعيد فقال تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا) أي: مدة قليلة قريبة قصيرة (إنكم مجرمون) أي: ثم تساقون إلى النار التي تقدم ذكرها (ويل يومئذ للمكذبين) كما قال تعالى (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) . قوله تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون) قال ابن كثير: أي: إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي كلام يؤمنون به؟! كقوله تعالى: (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 سورة النَّبَإِ قوله تعالى (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَن ِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (النباٍ العظيم) : القرآن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي هم فيه مختلفون) : مصدق به ومكذب، فأما الموت فإنهم أقروا به كلهم لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. قوله تعالى (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: لم يبين هنا هل علموا أم لا. ولكن ذكر آيات القدرة الآخرة على إحيائهم بعد الموت. بمثابة إعلامهم بما اختلفوا فيه، لأنه بمنزلة من يقول لهم: إن كنتم مختلفين في إثبات البعث ونفيه، فهذه هي آياته ودلائله فاعتبروا بها وقايسوه عليها، والقادر على إيجاد تلك، قادر على إيجاد نظيرها. ولكن العلم الحقيقي بالمعاينة لم يأت بعد لوجود السين وهي للمستقبل، وقد جاء في سورة التكاثر في قوله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) ، وهذا الذي سيعلمونه يوم الفصل المنصوص عليه في السياق، (إن يوم الفصل كان ميقاتاً) . قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مهادا) : بساطا. قوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والجبال أوتادا) : والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 قوله تعالى (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (النهار معاشا) : يبتغون فيه من فضل الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وهاجا) : مضيئا. قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (المعصرات) : السحاب، (ثجاجا) : منصبا. قوله تعالى (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ألفافا) : مجتمعة قوله تعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن يوم الفصل كان ميقاتا) : هو يوم عظمة الله، يفصل الله فيه بين الأولين والآخرين بأعمالهم. قوله تعالى (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) انظر سورة الأنعام آية (73) فيها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً (الصور) : قرن ينفخ فيه. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أفواجا) : زمرا زمرا. انظر حديث أبي هريرة عند البخاري المتقدم عند الآية (68) من سورة الزمر. قوله تعالى (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن جهنم كانت مرصادا) : يعلمنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يقطع النار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مآبا) : مرجعا ومنزلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 قوله تعالى (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الحسن عن أبي هريرة (أحقابا) : الحقب: ثمانون سنة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لابثين فيها أحقابا) : وهو ما لا انقطاع له كلما مضى حقب جاء حقب بعده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) يقول: الزمهرير. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وغساقا) : ما يسيل من بين جلده ولحمه. قوله تعالى (جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (جزاء وفاقا) : وافق أعمالهم. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) : لا يبالون الحساب ولا يخافونه. قوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: واللفظ عام في كل شيء، ويشهد له قوله تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وبقدر فيه معنى الإحصاء، وفي السنة: حديث القلم المشهور، وكقوله: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) وتقدم في سورة الجن قوله تعالى: (وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً) . قوله تعالى (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) : منتزها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إن للمتقين مفازا) : مفازا من النار إلى الجنة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) قال: فازوا بأن نجوا من النار. قو له تعالى (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أَبي طلحة عن ابن عباس (وكواعب) : ونواهد، وقوله (أترابا) : مستويات. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أترابا) : سنا واحدا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (دهاقا) : ممتلئا. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (دهاقا) : الملأى المتتابعة. قوله تعالى (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لغوا ولا كذابا) قال: لا باطلا ولا مأثما. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (عطاء حسابا) : عطاء كثيرا. قوله تعالى (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (خطابا) : كلا ما إلا من أذن له. قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يوم يقوم الروح) : هو ملك أعظم الملائكة خلقا. أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (الروح) : هم بنو آدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) : إلا من أذن له الرب بشهادة أن لا اله إلا الله، وهي منتهى الصواب. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (صوابا) : حقا في الدنيا وعمل به. قوله تعالى (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (مئابا) : سبيلا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) قال: اتخذوا إلى الله مآبا بطاعته، وما يقربهم إليه. قوله تعالى (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الحسن عن الحسن (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) قال: ذاك المؤمن الكيس الحذر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا) وهو الهالك المفرط العاجز، وما يمنعه أنه يقول ذلك وقد راج عليه عورات عمله، وقد استقبل الرحمن وهو عليه غضبان، فتمنى الموت يومئذ، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 سورة النازعات قوله تعالى (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مسروق (والنازعات) : الملائكة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والنازعات غرقاً) قال: الموت. قوله تعالى (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والناشطات) : الموت. قوله تعالى (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والسابحات سبحاً) قال: هي النجوم. قوله تعالى (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) أخرج الطبري بسندَه الصحيح عن مجاهد (فالسابقات سبقا) قال: الموت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالسابقات سبقا) قال: هي النجوم. قوله تعالى (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فالمدبرات) : الملائكة. لقوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) قال الترمذي: حدثنا هناد وحدثنا قبيصة عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكَم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ. قال: قلتُ الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قل النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلتُ فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: إذاً تكفى همك، ويُغفر لك ذنبك. (السنن 4/636-637- ك صفة القيامة، ب 23 ح 2457. قال الترمذي: حديث حسن صحيح وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/513- ك التفسير من طريق: معاذ بن نجدة القرشي، عن قبيصة به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وابن الملقن وأخرجه الضياء المقدمي في (المختارة 3/388-390 ح 1184-1185 من طريق: أحمد بن منبع، ومحمد بن معمر كلاهما عن قبيصة به قال محققه: إسناده حسن) وحسنه الألباني في (السلسلة الصحيحة 2/638 ح 954) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يوم ترجف الراجفة) : النفخة الأولى. وقوله (تَتْبَعُهَا الرّادِفَة) يقول: النفخة الثانية. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة) هما: الصيحتان، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله. قوله تعالى (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واجفة) خائفة. قوله تعالى (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (خاشعة) : ذليلة. قوله تعالى (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (الحافرة) : الأرض، يقولون: أنبعث خلقا جديداً؟. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الحافرة) الحياة. قوله تعالى (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (نخرة) : مرفوتة. قوله تعالى (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (زجرة واحدة) : صيحة واحدة. قوله تعالى (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (بالساهرة) : فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض، والساهرة: الأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 لقوله تعالى (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (طوى) : اسم الوادي. قوله تعالى (فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (الآية الكبرى) : عصاه ويده. قوله تعالى (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم أدبر يسعى) : يسعى بالفساد، كقوله (ويسعون في الأرض فسادا) . قوله تعالى (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (نكال الآخرة والأولى) : عقوبة الدنيا والآخرة. قوله تعالى (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: وقد جاء الجواب مصرحا بأن السماء أشد خلقا منهم في قوله تعالى: (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . وبين ضعف الإنسان في قوله في نفس المعنى (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب) . قوله تعالى (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا) أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (رفع سمكها فسواها) : رفع بنيانها بغير عمد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (رفع سمكها فسواها) قال: بنيانها. قوله تعالى (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وأغطش ليلها) : أظلم ليلها. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأخرج ضحاها) : أخرج نورها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 قوله تعالى (وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ذكر خلق الأرض قبل السماء ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (دحاها) أي: بسطها. قوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والجبال أرساها) أي: أثبتها لا تميد بأهلها. قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الطامة الكبرى) : من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فأما من طغى) يعني: من عصى. تقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) قال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال بإصبعيه هكذا بالوسطي والتي تلي الإبهام: "بعثت والساعة كهاتين". (صحيح البخاري 8/560 - ك التفسير - سورة النازعات الآية ح 4936) . قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: لم يزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل عن الساعة، حتى أنزل الله عز وجل (فيم أنت عن ذكراها إلى ربك منتهاها) . (التفسير 30/49) ، وأخرجه البزار في مسنده (كشف الأستار ح 2279) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/513) ، كلاهما من طريق ابن عيينة به قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/133) . وقد روى عن عروة مرسلا بدون ذكر عائشة، لكن الذين وصلوه جماعة كثيرون حفاظ وأثبات، ومع ذلك فله شاهد من حديث طارق بن شهاب بنحوه، أخرجه النسائي (التفسير 2/490 ح 665) بإسناد حسن، وقال عنه ابن كثير: إسناد جيد قوى (التفسير 2/432) وانظر حاشية التفسير للنسائي، ففيه مزيد تفصيل. وانظر سورة الأعراف آية (187) . قوله تعالى (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا) قال ابن كثير: ثم قال تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها) أي: ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق، بل مَرَدها ومَرجعها إلى الله عز وجل، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين؛ (ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حَفِيٌّ عنها قل إنما علمها عند الله) وقال ها هنا (إلى ربك منتهاها) . ولهذا لما سأل جبريل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن وقت الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل". أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فيم أنت من ذكراها) : من ذكر الساعة. قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 سورة عبس نزولها قال الترمذي: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزل (عبس وتولى) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعرض عنه ويُقبل على الآخر ويقول: أترى بما تقول بأسا، فيُقال لا، ففي هذا أنزل. (السنن 5/432- ك التفسير وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي وأخرجه ابن حبان (الإحسان 2/293-294 ح 535 من طريق: عبد الرحيم بن سليمان) ، والحاكم في (المستدرك 2/514 من طريق محمد بن زياد، عن سعيد بن يحيى كلاهما عن هشام بن عروة به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الأرناؤوط محقق الإحسان) . قوله تعالى (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أن جاءه الأعمى) قال: رجل من بني فهر يقال له ابن أمّ مكتوم. وأخرجه الطبري بنحوه بسنده الحسن عن قتادة. قوله تعالى (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أما من استغنى) قال: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، (وما عليك ألا يزكى) يقول: وأي شيء عليك أن لا يتطهّر من كفره فيسلم؟، (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى) يقول: وأما هذا الأعمى الذي جاءك سعيا، وهو يخشى الله ويتقيه (فأنت عنه تلهى) يقول: فأنت عنه تعرض، وتشاغل عنه بغيره وتغافل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 قوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فمن شاء ذكره في صحف مكرّمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة) قال: هم القراء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (بأيدي سفرة) يقول: كتبة. قوله تعالى (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) قال: على نحو (إنا هديناه السّبيل) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) قال: أخرجه من بطن أمه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الحسن في قوله (ثمّ السبيل يسّره) قال: سبيل الخير. قوله تعالى (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح قال: سمعت أبا هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لما بين النفختين أربعون قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوماً؟ قال: أبيت قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، ويبلى كل شي من الإنسان، إلا عَجْب ذنبه، فيه يُركب الخلق. (الصحيح 8/414 ح 4814- ك التفسير، ب (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/2270 ح 2955- ك الفتن، ب ما بين النفختين) . قال الطبري (ثم إذا شاء أنشره) يقول: ثم إذا شاء أنشره بعد مماته وأحياه، يقال. أنشر الله الميت،. بمعنى: أحياه. ا. هـ. ويدل عليه قوله تعالى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) سورة الزخرف آية: 11. وانظر سورة البقرة آية (259) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 قوله تعالى (كَلاّ لَمّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لَمّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) قال: لا يقضي أحد أبداً ما افترض عليه. قوله تعالى (فَلْيَنظرِ الإنسان إِلَى طَعَامِهِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فلينظر الإنسان إلى طعامه) قال: آية لهم. قوله تعالى (وَعِنَباً وَقَضباً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وقضبا) يقول: الفصفصة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقضبا) قال: والقضب: الفصافص. -قال الطبري: الفصفصة: الرّطبة-. قوله تعالى (وَحَدَائقَ غلْبًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وحدائق غلبا) يقول: طوالا. قوله تعالى (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وفاكهة) قال: ما أكل الناس. قال ابن خزيمة: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان عمر يدعوني مع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيقول لي: لا تكلم حتى يتكلموا قال: فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر، فقال: أرأيتم قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التمسوها في العشر الأواخر" أي ليلة ترونها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وأنا ساكت، قال: فقال: مالك لا تتكلم؟ قال: قلت: إن أذنت في يا أمير المؤمنين تكلمت قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال: فقلت: أحدثكم برأيي؟ قال: عن ذلك نسألك قال، فقلت: السبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 رأيت الله عز وجل ذكر سبع سموات، ومن الأرض سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع، قال، فقال: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم؟ ما هو قولك نبت الأرض سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: (ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا) إلى قوله (وفاكهة وأبا) والأب نبت الأرض ما يأكله الدواب ولا يأكله الناس قال، فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد إني والله ما أرىَ القول إلا كما قلت، وقال: قد كنت أمرتك أن لا تكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم. (الصحيح 3/322-323 ح2172) ، قال محققه: إسناده صحيح وأخرجه (المستدرك 1/437-438 من طريق عبد الله بن إدريس عن عاصم به) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وذكره ابن حجر مختصراً في تفسير أباً وصحح إسناده (الفتح 13/271) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وأبّا) : الثمار الرطبة. قوله تعالى (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) قال: متاعا لكم الفاكهة، ولأنعامكم العشب. قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإذا جاءت الصاخّة) قال: هذا من أسماء يوم القيامة عظّمه الله، وحذّره عباده. قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأمّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) قال أبو كثير: وفي الحديث الصحيح -في أمر الشفاعة-: أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق، يقول: نفسي نفسي، لا أسأله اليوم إلا نفسي، حتى أن عيسى ابن مريم يقول: لا أسأله اليوم إلا نفسي، لا أسأله مريم التي ولدتني، ولهذا قال تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 قوله تعالى (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تحشرون حفاة عراة غرلا"، فقالت امرأة: أيبصر أو أيرى بعضنا عورة بعض؟ قال "يا فلانة: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/432-433 - ك التفسير، ب- سورة عبس-) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/514-515 من طريق أنس) ، وصححه ووافقه الذهبي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) أفضى إلى كلّ إنسان ما يشغله عن الناس. قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (مسفرة) يقول: مشرقة. قوله تعالى (تَرْهَقهَا قرة أُولَئِكَ همُ الْكفَرَة الْفَجَرَةُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ترهقها قترة) يقول: تغشاها ذلة. قال ابن كثير: وقوله (أولئك هم الكفرة الفجرة) أي: الكفرة قلوبهم، الفجرة في أعمالهم، كما قال تعالى: (ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) . سورة نوح آية: 27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 سورة التكوير فضلها قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير الصنعاني القاص أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: (إذا الشمس كورت) و (إذا السماء انفطرت) و (إذا السماء انشقت) . (المسند 2/36 وأخرجه الترمذي ح3333 الحاكم من طريق عبد الرزاق به) ، وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/576 وذكره الهيثمي وقال ورواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات (مجمع الزوائد 7/134) ، وصححه الألباني (سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/70 ح1081) ، أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة (الصحيح - بدء الخلق، ب صفة الشمس والقمر ح3200) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 4/576 - ك الأهوال، ووافقه الذهبي) . قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إذا الشّمس كوّرت) يقول: أظلمت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا النّجوم انكدرت) قال: تساقطت وتهافتت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذا النّجوم انكدرت) يقول: تغيرت. قوله تعالى (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: أي ذهب بها من مكانها. وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، بيان حالة الجبال في نهاية الدنيا في عدة مواطن. من أهمها عند قوله تعالى في سورة طه (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) ، وعند قوله تعالى من سورة الكهف: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطلَتْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإذا العشار عطّلت) قال: عشار الإبل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا العشار عطّلت) قال: عشار الإبل سيبت. قوله تعالى (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أخرج الطبري بسنده الجيد عن أبي العالية، قال: حدثني أبىّ بن كعب (وإذا الوحوش حشرت) قال: اختلطت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا الوحوش حشرت) هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء. قوله تعالى (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا البحار سجّرت) قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة. أخرج الطبري بسنده الجيد عن أبي العالية، قال: حدثني أبي بن كعب، قال: ستّ آيات قبل يوم القيامة بينا الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحرّكت واضطربت واحترقت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجنّ، واختلطت الدوابّ والطير والوحش، وماجوا بعضهم في بعض (وإذا الوحوش حشرت) قال: اختلطت، (وإذا العشار عطّلت) قال: أهملها أهلها، (وإذا البحار سجّرت) قال: قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، قال: فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلي، وإلى السماء السابعة العليا، قال: فبينا هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم. وانظر سورة الانفطار آية (3) : (وإذا البحار فجرت) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 قوله تعالى (وَإِذَا النُّفُوسُ زوّجَتْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَإِذَا النُّفُوسُ زوّجَتْ) قال: الأمثال من الناس جمع بينهم. قال الحافظ ابن حجر: قوله -أي الإمام البخاري- (وقال عمر: النفوس زوجت، يزوج نظيره من أهل الجنة والنار، ثم قرأ (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) . وصله عبد بن حميد والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه من طريق الثوري وإسرائيل وحماد ابن سلمة وشريك كلهم عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير سمعت عمر يقول في قوله (وإذا النفوس زوجت) : هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة، والرجل يزوج نظيره من أهل النار، ثم قرأ (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) . وهذا إسناد متصل صحيح، ولفظ الحاكم: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة والنار: الفاجر مع الفاجر والصالح مع الصالح. (فتح الباري 8/694) . قوله تعالى (وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ بِأَيّ ذَنب قُتِلَتْ) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن سعيد ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا المقرئ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني أبو الأسود عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب، أخت عكاشة، قالت: حضرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أناس، وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً". ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذلك الوأد الخفي". زاد عبيد الله في حديثه عن المقري وهي: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) . (الصحيح مسلم 2/1067 - ك النكاح، ب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل ح1442) . قوله تعالى (وَإِذَا الصُّحفُ نُشِرَت) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا الصُّحف نشرت) : صحيفتك يا ابن آدم تملي ما فيها، ثم تطوى، ثم تنشر عليك يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 قوله تعالى (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كشطت) قال: جذبت. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا الجحيم سعرت) سعرها: غضب الله، وخطايا بني آدم. قوله تعالى (وَإِذَا الجَنّة أُزْلِفَتْ) انظر سورة ق آية (31) لبيان أزلفت أي: أُدنيت. قوله تعالى (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) انظر سورة الانفطار آية (5) قوله تعالى (علمت نفس ما قدمت وأخرت) . قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي بن أبي طالب (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قال: هي النجوم، تخنس بالنهار، وتكنس بالليل. وأخرجه سعيد بن منصور بسند حسن عن علي بن أبي طالب (انظر فتح الباري 8/694) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قال: هي النجوم تبدو بالليل: تخنس بالنهار. قوله تعالى (وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ) أخرج الطبريَ بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واللّيل إذا عسعس) يقول: إذا أدبر. قوله تعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) : إذا أضاء وأقبل. قوله تعالى (إِنّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنَّه لقول رسول كريم) يعني: جبريل. قوله تعالى (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ) مطاع عند الله (ثمّ أمين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 قوله تعالى (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بالأفق المبين) قال: كنا نحدّث أن الأفق حين تطلع الشمس. وانظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (13) من سورة النجم وهو: "أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى جبريل في صورته ساداً ما بين الأفق". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما هو على الغيب بضنين) قال: ما يضنّ عليكم بما يعلم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما هو على الغيب بضنين) قال: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلّمه ودعا إليه، والله ما ضنّ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ابن حجر: وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال: الظنين المتهم، والضنين البخيل. وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح: كان ابن عباس يقرأ (بضنين) قال: والضنين والظنين سواء، يقول ما هو بكاذب، والظنين المتَّهم والضنين البخيل. (فتح الباري 8/694 - وانظر تفسير عبد الرزاق 2/353) . قوله تعالى (فَأيْنَ تَذهَبُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأين تذهبون) يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي. قوله تعالى (لِمَن شَاءَ مِنكمْ أَن يَسْتَقِيمَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لمن شاء منكم أن يستقيم) قال: يتبع الحقّ. انظر سورة الكهف آية (24) ، وسورة الإنسان آية (30) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 سورة الانفطار فضلها انظر حديث الإمام أحمد المتقدم عند الآية رقم (1) من سورة التكوير. قوله تعالى (إِذَا السّمَاءُ انفَطَرَتْ) قال ابن كثير: يقول الله تعالى: (إذا السماء انفطرت) أي: انشقت كما قال: (السماء منفطر به) سورة المزمل آية: 18. قوله تعالى (وَإِذَا الْبِحَارُ فجّرَتْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذا البحار فجّرت) يقول: بعضها في بعض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا البحار فجرت) قال: فجر عذبها في مالحها، ومالحها في عذبها. وانظر سورة التكوير آية (6) (وإذا البحار سجرت) وفيها رواية الطبري عن أُبي بن كعب والشاهد فيه: فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج ... قوله تعالى (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذا القبور بعثرت) يقول: بحثت. قوله تعالى (عَلِمَتْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ وَأَخّرَتْ) قال الحاكم: أخبرنا الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله، أنبأ هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: قام سائل على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأل فسكت القوم، ثم إن رجلاً أعطاه فأعطاه القوم، لقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استنَّ خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن استنَّ شراً فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً" قال: وتلا حذيفة بن اليمان (علمت نفس ما قدمت وأخرت) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنما اتفقا على حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -: من سنَّ في الإسلام فقط. (المستدرك 2/516-517 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً رواه ابن ماجة وقال البوصيري: إسناده صحيح (السنن - المقدمة، ب من سن حسنة أو سيئة ح204) وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح195) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علمت نفس ما قدمت وأخرت) قال: ما قدمت من خير، وأخرت من حق الله عليها لم تعمل به. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما غرك بربك الكريم) شيء ما غرّ ابن آدم، هذا العدو الشيطان. وانظر عن خلق الإنسان سورة الحج آية (5) وسورة المؤمنون آية (13-14) وانظر عن قوله (فسواك فعدلك) سورة الحجر آية (29) سورة ص آية (72) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في أي صورة ما شاء ركبك) قال: في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم. قوله تعالى (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بل تكذبون بالدين) قال: بالحساب. انظر سورة الزخرف آية (80) ، وسورة يونس آية (21) ، وسورة ق آية (18) (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) . قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ) انظر عن نعيم الأبرار في سورة المطففين آية (18-28) قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 وانظر عن الفجار سورة المطففين آية (7-17) قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يوم الدين) قال: من أسماء يوم القيامة، عظّمه الله، وحذره عباده. قوله تعالى (وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائبينَ) قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: دليل من أدلة خلود الكفار في النار. لقوله: (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) كقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) . قوله تعالى (وَمَا أدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدراك ما يوم الدين) قال: تعظيما ليوم القيامة، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم. ا. هـ. وفي الآية التالية بيان لبعض صفات (يوم الذين) . قوله تعالى (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والأمر يومئذ لله) قال: ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئا، ولا يصنع شيئا إلا ربّ العالمين. وانظر سورة لقمان آية (33) قوله تعالى (واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 سورة المطففين قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) قال ابن ماجة: حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن عقيل ابن خويلد قالا: ثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، حدثني يزيد النحوي؛ أن عكرمة حدثه عن ابن عباس؛ قال: لما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله سبحانه (ويل للمطففين) فأحسنوا الكيل بعد ذلك. (السنن - التجارات، ب التوقي في الكيل والوزن - ح2223 قال البوصيري: هذا إسناد حسن، (مصباح الزجاجة 2/181) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/19) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/208 ح4898) ، والحاكم في (المستدرك 2/33) في طرق عن يزيد النحوي به، قال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/695-696) ، وكذا (الحافظ السيوطي، ب النقول ص228) . قال ابن حبان: أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، حدثنا عثمان بن أبي سليمان، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر ورجل من بني غفار يؤمهم في الصبح فقرأ في الأولى (كهيعص) وفي الثانية (ويل للمطففين) وكان عندنا رجل له مكيالان، مكيال كبير ومكيال صغير يعطي بهذا ويأخذ بهذا، فقلت: ويل لفلان. (الإحسان 16/109-110 ح7156 - ك إخباره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مناقب الصحابة قال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم وعزاه الهيثمي للبزار. ثم قال: رجاله رجال الصحيح بن إسماعيل بن مسعود الجحدري - شيخ البزار- وهو ثقة، (مجمع الزوائد 7/135) . وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالكيل والوزن وحذر من النقصان منهما كما قال تعالى: (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) سورة الأنعام: 152. وقال تعالى في قصة شعيب مع أهل مدين (ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير) ... (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم) سورة هود آية: 84-85. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 قوله تعالى (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن، قال: حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " (يوم يقوم الناس لرب العالمين) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه". (الصحيح 8/565 ح4938 - ك التفسير - سورة المطففين، ب (الآية) - و11/400 - ك الرقاق، ب قول الله تعالى (الآية) ح6531) ، (وأخرجه مسلم 4/2195 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب في صفة يوم القيامة - ح2862) . قال مسلم: حدثنا الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن جابر، حدثني سُليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل". قال سليم بن عامر: فوالله! ما أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض أم الميل الذي تُكتحل به العين. قال: "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كَعْبيَه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيه، ومنهم من يُلجمه العرق إلجاماً". قال وأشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى فيه. (الصحيح 4/2196 ح2864 - ك الجنة وصفة نعيمها، ب في صفة يوم القيامة) . قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في سجين) قال: عملهم في الأرض السابعة لا يصعد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في سجين) قال: في أسفل الأرض السابعة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كتاب مرقوم) قال: كتاب مكتوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم، قالا: ثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المؤمن إذا أذنب، كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صُقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الرّان الذي ذكره الله في كتابه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) . (السنن - الزهد، ب ذكر الذنوب ح4244 وأخرجه الترمذي من طريق قتيبة عن الليث عن محمد بن عجلان به) ، (الجامع الصحيح - التفسير - المطففين) ، وقال: حسن صحيح وقال الألباني: حسن. (صحيح ابن ماجة 2/417) وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/5) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بل ران على قلوبهم) قال: الخطايا حتى غمرته. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كلاّ بل ران على قلوبهم) قال: يطبع. تقوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عليّين) قال: السماء السابعة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن كتاب الأبرار لفي علّيّين) قال: الجنة. قوله تعالى (كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يشهده المقربون) قال: من ملائكة الله. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على الأرائك) قال: من اللؤلؤ والياقوت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يسقون من رحيق مختوم) قال: من الخمر. قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن عبد الله مختوم قال: ممزوج (ختامه مسك) قال: طعمه وريحه. ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: الخمر ختم بالمسك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ختامه مسك) قال: عاقبته مسك قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم بالمسك. قوله تعالى (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله: مختوم، قال: ممزوج (من تسنيم) قال: عين في الجنة يشربها المقربون، وتمزج لأصحاب اليمين. ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قال الحافظ ابن حجر: وصل عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: التسنيم يعلو شراب أهل الجنة، وهو صرف للمقربين، ويمزج لأصحاب اليمين. (فتح الباري 6/321-8/696) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ) قال: في الدنيا، يقولون: والله إن هؤلاء لكذبة وما هم على شيء استهزاء بهم. قوله تعالى (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (انقلبوا فكهين) قال: معجبين. وانظر سورة القيامة آية (33) قوله تعالى (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي: يتبختر. قوله تعالى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) هذا جزاء ضحك الكفار من الذين آمنوا كما تقدم في الآية رقم (29) . قوله تعالى (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) قال: جزى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 سورة الانشقاق قوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) انظر حديث الإمام أحمد المتقدم عند الآية رقم (1) من سورة التكوير لبيان فضلها. قوله تعالى (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأذنت لربها وحقت) قال: سمعت. قوله تعالى (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مدت) قال: يوم القيامة. قوله تعالى (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) قال: أخرجت ما فيها من الموتى. قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) قال البخاري: حدثنا حجاج، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه". قالت عائشة -أو بعض أزواجه- إنا لنكره الموت قال: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه. وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه". (الصحيح 11/364-365 ح6507 - ك الرقاق، في من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الذكر والدعاء، ب من أحب لقاء الله ح2683) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) قال: إن كدحك يا ابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله. قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قال البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى عن عثمان بن الأسود قال: سمعت ابن أبي مليكة سمعت عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ح حدثنا مسدد، عن يحيى، عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس أحد يحاسب إلا هلك". قالت: قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عز وجل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً) قال: "ذاك العَرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك". أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس أحد يحاسب إلا هلك"، قالت: قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عز وجل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً) ؟ قال: "ذاك العَرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك". (الصحيح 8/566-567 - ك التفسير - سورة الانشقاق، ب (الآية) - ح4939) ، (و11/407 ح6537- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب وفيه في آخره "وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب") ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2204 ح2876 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب إثبات الحساب) . قوله تعالى (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) قال: إلى أهل أعد الله لهم الجنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) قال: يجعل يده من وراء ظهره. قوله تعالى (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) انظر سورة الفرقان آية (13) وسورة الإسراء آية (102) . قوله تعالى (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: في الدنيا. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) بلى قال: أن لا يرجع إلينا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: يبعث. قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الشفق) قال: النهار كله. قوله تعالى (وَاللّيْلِ وَمَا وَسَقَ) (أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما وسق) قال: وما جمع. قوله تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والقمر إذا اتسق) قال: إذا استوى. قوله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) أخرج البخاري بسنده عن مجاهد قال: قال ابن عباس (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) : "حالاً بعد حال"، قال: هذا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 قال البخاري: حدثنا سعيد بن النضر، أخبرنا هُشيم، أخبرنا أبو بشر جعفر ابن إياس عن مجاهد قال: قال ابن عباس (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) : لحالاً بعد حال، قال: هذا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 8/567 - ك التفسير - سورة الانشقاق، ب (الآية) - ح4940) . قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو عمر الصنعاني من اليمن عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم". قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ ". (الصحيح 13/300 ح7320 - ك الأعتصام، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لتتبعن سنن ... ". وأخرجه مسلم (الصحيح 2669 - ك العلم، ب اتباع سنن اليهود والنصارى) . قوله تعالى (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ) قال البخاري: حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا معتمر عن أبيه عن بكر عن أبي رافع قال: صلّيت مع أبي هريرة العتمة فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد، فقلت له. قال: سجدتُ خلف أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. (الصحيح 2/292 - ك الأذان، ب الجهر في العشاء ح766) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/406 ح578 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة) . قوله تعالى (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يوعون) قال: يكتمون. قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لهم أجر غير ممنون) يقول: غير منقوص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 سورة البروج قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوج) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذات البروج) قال البروج: النجوم. قوله تعالى (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة وعبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه. (السنن 5/436 ح3339- ك التفسير، ب سورة البروج وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي) وله شاهد أخرجه الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري (المعجم الكبير 3/338 ح3458) ، وحسنه الألباني بهذا الشاهد (السلسلة الصحيحة 4/4-6 ح1502) ، وصح عن ابن عباس ومجاهد فيما رواه الطبري عنهما. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وشاهد ومشهود) قال: الإنسان (ومشهود) قال: يوم القيامة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وشاهد ومشهود) قال: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وشاهد) يقول الله (ومشهود) يوم القيامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدودِ) قال مسلم: حدثنا هدّاب بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر. فلمّا كبر قال للملك: إني قد كبرت، فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر. فبعث إليه غلاماً يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك راهب. فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه. فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيتَ الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً فقال: اللهم! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضى الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بُنيّ! أنت اليوم أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستُبتلى. فإن ابتليت فلا تدلّ علىّ. وكان الغلام يُبرئ الأكمه والأبرص ويُداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربي قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يُعذبه حتى دلّ على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني! قد بلغ من سحرك ما تُبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفى الله، فأخذه فلم يزل يُعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خُذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله، رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله، رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله! نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أُمه! اصبري فإنك على الحق". (الصحيح 4/2299-2301 - ك الزهد والرقائق، ب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قتل أصحاب الأخدود) قال: كان شقوق في الأرض بنجران كانوا يعذّبون فيها الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 قوله تعالى (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ) قال: يعني بذلك المؤمنين. قوله تعالى (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) قال: يعني بذلك الكفار. قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الذين فتنوا) قالوا: عذبوا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) قال: حرّقوهم بالنار. قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) انظر سورة الأنبياء آية (104) . قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الغفور الودود) يقول: الحبيب. قوله تعالى (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ذو العرش المجيد) يقول: الكريم. قوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هو قرآن مجيد) يقول: قرآن كريم. قوله تعالى (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في لوح محفوظ) قال: عند الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 سورة الطارق قوله تعالى (وَالسّمَاءِ وَالطّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالسّمَاءِ وَالطّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ) قال: طارق يطرق بليل، ويخفى بالنهار. ثم بيّن الله تعالى (ما الطارق) ، بأنه (النجم الثاقب) . قوله تعالى (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (النجم الثاقب) يعني: المضيء. قوله تعالى (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن كل نفس لما عليها حافظ) : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك. ا. هـ. وانظر سورة الانفطار آية (10-12) قوله تعالى (وإنّ عَلَيْكمْ لَحَافِظينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) . قوله تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال ابن كثير: وقوله (خلق من ماء دافق) يعني: المني يخرج دفقاً من الرجل ومن المرأة، فيتولد منهما الولد بإذن الله عز وجل ولهذا قال: (يخرج من بين الصلب والترائب) يعني: صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الترائب) قال: أسفل من التراقي. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يخرج من بين الصلب والترائب) يقول: من بين ثدي المرأة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 قوله تعالى (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه على رجعه لقادر) قال: في الإحليل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنه على رجعه لقادر) قال: إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم تبلى السرائر) إن هذه السرائر مختبرة، فأسرّوا خيراً وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما له من قوة ولا ناصر) قال: ينصره من الله. قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذات الرجع) قال: السحاب يمطر، ثم يرجع بالمطر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والسماء ذات الرجع) قال: ترجع بأرزاق العباد كل عام، لولا ذلك هلكوا، وهلكت مواشيهم. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (والأرض ذات الصدع) قال: مثل المأزم مأزم منى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والأرض ذات الصدع) قال: تصدع عن الثمار وعن النبات كما رأيتم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إنه لقول فصل) قال: حق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما هو بالهزل) قال: بالباطل. قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا) انظر سورة الأعراف آية (183) وانظر سورة هود آية (102) وفيها حديث أبي موسى في صحيح مسلم. قوله تعالى (فَمَهّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أمهلهم رويدا) قال: قريباً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أمهلهم رويدا) قال الرويد: القليل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 سورة الأعلى قوله تعالى (سبح اسم ربك الأعلى) قال الحاكم: أخبرنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا أبو يعلى، ثنا زهير ابن حرب، ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال: سبحان ربي الأعلى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه أبو داود في (سننه ح883) وأحمد في (المسند 1/232 كلاهما من وكيع به وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح785) ، (المستدرك 1/263-264 - ك الصلاة) ، ووافقه الذهبي. انظر حديث عقبة بن عامر المتقدم عند الآية رقم (74) من سورة الواقعة. قوله تعالى (الّذِي خَلَقَ فَسَوّى) انظر سورة الانفطار آية (7) . قوله تعالى (وَالَّذِي قَدّرَ فَهَدَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قدر فهدى) قال: هدى الإنسان للشقوة والسعادة، وهدى الأنعام لمراتعها. قوله تعالى (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذي أخرج المرعى) قال: نبت كما رأيتم من أصفر وأحمر وأبيض. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (غثاء أحوى) قال: هشيماً متغيراً. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (غثاء أحوى) قال: يعود يبساً بعد خضرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 تقوله تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سنقرئك فلا تنسى) قال: كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سنقرئك فلا تنسى) قال: كان لا ينسى شيء (إلا ما شاء الله) . قوله تعالى (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىَ) انظر سورة البقرة آية (185) وفيها حديث: "يسروا ولا تعسروا"، حديث: "خير دينكم أيسره". وسورة مريم آية (97) وسورة الليل آية (7) ، قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) قال: فاتقوا الله، ما خشي الله عبد قط إلا ذكره (ويتجنبها الأشقى) قال: فلا والله لا يتنكب عبد هذا الذكر زهدا فيه وبغضا لأهله إلا شقي بين الشقاء. ا. هـ. وقد بين الله تعالى مصير الأشقى في الآية التالية (الذي يصلى النار الكبرى) . قوله تعالى (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) قال مسلم: وحدثني نصر بن علي الجهضمي، حدثنا بشر (يعني ابن المفضل) عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمّا أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة. حتى إذا كانوا فحما، أُذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبُثّوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل". فقال رجل من القوم: كأن رسول الله قد كان بالبادية. (الصحيح 1/172-173 ح185 - ك الإيمان، ب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّىَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قد أفلح من تزكى) قال: من تزكى من الشرك. قوله تعالى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وذكر اسم ربه فصلى) قال: وحد الله سبحانه وتعالى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فصلى) قال: صلى الصلوات الخمس. قوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) قال: فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) قال: تتابعت كتب الله كما تسمعون أن الآخرة خير وأبقي. وقد ذكر الله عز وجل أشياء من صحف موسى وصحف إبراهيم في ثماني عشرة آية من سورة النجم من الآية (36-54) من قوله تعالى (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى) ... إلى قوله تعالى (فعشاها ما غشى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 سورة الغاشية قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الغاشية) قال: اسم من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هل أتاك حديث الغاشية) قال: الغاشية: الساعة. قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) قال: ذليلة. قوله تعالى (عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عاملة ناصبة) تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار. قوله تعالى (تَصْلَى ناراً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) وانظر سورة الرحمن آية (44) وفيها حميم أي: حار جداً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: قد بلغت إناها، وحان شربها. قوله تعالى (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليس لهم طعام إلا من ضريع) قال: من شر الطعام، وأبشعه وأخبثه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ليس لهم طعام إلا من ضريع) يقول: شجر من نار. قوله تعالى (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً) انظر سورة النساء آية (96) وفيها حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "أن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجين كما بين السماء والأرض". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا تسمع فيها لاغية) : لا تسمع فيها باطلا، ولا شاتما. قال ابن كثير: وقوله (لا تسمع فيها لاغية) أي: لا يسمع في الجنة التي هم فيها كلمة لغو، كما قال (لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً) سورة مريم: 62. وقال (لا لغو فيها ولا تأثيم) سورة الطور: 23. ا. هـ. وانظر سورة الطور آية (23) لبيان (لا لغو) أي: لا باطل فيها. قوله تعالى (وَنَمَارِقُ مَصْفوفة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونمارق مصفوفة) قال: والنمارق: الوسائد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ونمارق مصفوفة) يقول: المرافق. قوله تعالى (وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وزرابي مبثوثة) : المبسوطة. قوله تعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) قال ابن كثير: يقول تعالى آمراً عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) فإنها خلق عجيب، وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل، وينتفع بوبرها، ويشرب لبنها. ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل، وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت؟ أي: كيف رفعها الله عز وجل عن الأرض هذا الرفع العظيم، كما قال تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنياها وزيناها وما لها من فروج) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 قوله تعالى (وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإلى الأرض كيف سطحت) أي: بسطت. قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) قال مسلم: وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع ح وحدثني محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن (يعني ابن مهدي) قالا جميعاً: حدثنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله". ثم قرأ: (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) . (الصحيح 1/52-53 - ك الإيمان، ب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ح بعد رقم21) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لست عليهم بمسيطر) يقول: لست عليهم بجبار. قوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ) قال أحمد: ثنا قتيبة، ثنا ليث، عن سعيد بن أبي هلال، عن علي بن خالد: أن أبا أمامة الباهلي مرّ على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله". (المسند 5/258) وعزاه الهيثمي لأحمد وقال: ورجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد الدؤلي، وهو ثقة (معجم الزوائد 10/403) ، وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه وصحه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/55) وأخرجه ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري بنحوه (الإحسان 1/196 ح17) وذكره الحافظ ابن حجر ونسبه إلى الطبراني من حدث أبي أمامه وقال: سنده جيد (الفتح 13/254) ، وصححه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير 5/37 ح6369) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4570 وذكر له شواهد في (السلسلة الصحيحة ح2043) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا من تولى وكفر) قال: حسابه على الله. قوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) ومعنى (إيابهم) أي: مرجعهم كما في سورة النبأ آية (22) قوله تعالى: (للطّاغِينَ مَآباً) ، وانظر سورة ص آية (55) قوله تعالى (هَذَا وَاٍنّ لِلطّاغِينَ لَشَر مَآبٍ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 سورة الفجر قوله تعالى (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يُخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وليال عشر) قال: عشر ذي الحجة. انظر حديث البخاري عن ابن عباس المتقدم عند الآية (28) من سورة الحج. قال أحمد: ثنا زيد بن الحباب، ثنا عياش بن عقبة، حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر". (المسند 3/327) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/220 - ك الأضاحي) من طريق علي بن عفان العامري، عن زيد بن الحباب به، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار، وقال: رجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/137) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والشفع والوتر) قال: كلّ خلق الله شفع، الماء والأرض والبر والبحر والجن والإنس والشمس والقمر، والله الوتر وحده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كان عكرمة يقول: الشفع: يوم الأضحى، والوتر: يوم عرفة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والشفع والوتر) قال: إن من الصلاة شفعا وإن منها وترا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 قال الطبري: والصواب من القول في ذلك إن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر، ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر أو عقل، وكل شفع ووتر فهو مما أقسم به مما قال أهل التأويل أنه داخل في قسمة هذا لعموم قسمه بذلك. قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والليل إذا يسر) يقول: إذا سار. قوله تعالى (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هل في ذلك قسم لذي حجر) قال: لذي عقل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لذي حجر) قال: لأولي النهى. قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إرم ذات العماد) قال: كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد، بيت مملكة عاد. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إرم) قال: القديمة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (العماد) قال: أهل عمود لا يقيمون. قوله تعالى (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) ذكر أنهم كانوا اثنى عشر ذراعا طولا في السماء. قوله تعالى (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) قال: جابوها ونحتوها بيوتا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) قال: فخرقوها. قوله تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) أخرج الطبري بسنده الصَحيح عن مجاهد (ذي الأوتاد) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد. قوله تعالى (الذين طَغَوْاْ في الْبِلاَدِ فَأكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ) انظر سورة البقرة آية (49) قوله تعالى: (وَإِذْ نَجّيْنَاكم مِنْ آل فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أبْنَاَءَهُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكمْ وَفي ذَلِكمْ بَلاءٌ مّن ربِّكُمْ عَظِيم) . قوله تعالى (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سوط عذاب) قال: ما عذبوا به. لقوله تعالى (إِن ربكَ لَبِالْمِرْصَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن ربك لبالمرصاد) قال: يرى ويسمع. قوله تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: بيَّن تعالى أنه يعطي ويمسك ابتلاء للعبد. وقوله تعالى: كلا، وهي كلمة زجر وردع، وبيان أن للمعنى لا كما قلتم فيه تعديل لمفاهيم الكفار، بأن العطاء والمنع لا عن إكرام ولا لإهانة، ولكنه ابتلاء كما في قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) قال: ما أسرع كفر ابن آدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثني عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثني أبي قال: سمعت عن سهل بن سعد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وقال: بإصبعيه السبابة والوسطى. (الصحيح 10/450 ح6005 - ك الأدب، ب فضل من يعول يتيماً) . قوله تعالى (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتأكلون التراث) قال: أي الميراث، وكذلك في قوله (أكلاً لّمّاً) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أكلاً لّمّاً) قال: اللم السف، لف كل شيء. قوله تعالى (وَتُحِبِّون الْمَالَ حبّا جَمّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وتحبون المال حبا جما) قال: شديداً. قوله تعالى (كَلاّ إذَا دُكّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إذا دكت الأرض دكا دكا) قال: تحريكها. قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجاء ربك والملك صفا صفا) قال: صفوف الملائكة. قوله تعالى (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) أخرج مسلم بسنده عن ابن مسعود مرفوعاً: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". (الصحيح - ك الجنة، ب شدة حر جهنم 8/149 - طبعة لبنان) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وأنى له الذكرى) قال: وكيف له. قوله تعالى (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يا ليتني قدمت لحياتي) قال: الآخرة. قوله تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يا أيتها النفس المطمئنة) قال: المصدقة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيتها النفس المطمئنة) قال: هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله. تقوله تعالى (فَادْخلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنّتِي) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فادخلي في عبادي) قال: أدخلي في عبادي الصالحين (وادخلي جنتي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 سورة البلد قوله تعالى لاَ (قْسِمُ بِهًا الْبَلَدِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا أقسم بهذا البلد) قال: مكة. قوله تعالى (وَأَنتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقتلوه". (الصحيح 4/70-71 ح1846 - ك جزاء الصيد، ب دخول الحرم ومكة بغير إحرام) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/989-990 ح450 - ك الحج، ب جواز دخول مكة بغير إحرام) . قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم افتتح مكة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا، فإنّ هذا بلد حرّم الله يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يَحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل في إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا يُنفّر صيده، ولا يلتقط لُقطته إلا مَن عرّفها، ولا يُختلى خلاها" قال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنه لِقَينهم ولبيوتهم. قال: قال: "إلا الإذخر". (الصحيح 4/56 - ك جزاء الصيد، ب لا يحل القتال بمكة ح1834) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/986 ح1353) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنت حل بهذا البلد) قال: لا تؤاخذ بما عملت فيه، وليس عليك فيه ما على الناس. قوله تعالى (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قال الطبري: حدثنا أبو كريب، ثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن عكرمة (ووالد وما ولد) قال: العاقر، والتي لا تلد. ورجاله ثقات إلا النضر بن عربي لا بأس به، فالإسناد حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) يقول: في نصب. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لقد خلقنا الإنسان في كبد) حين خلق في مشقة لا يلفى ابن آدم إلا مكابدا أمر الدنيا والآخرة. قوله تعالى (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مَالاً لُّبَدًا) قال: كثيراً. تقوله تعالى (أيحسب أن لم يره أحد) أخرج الطبري بسنده الحسن (أيحسب أن لم يره أحد) ابن آدم إنك مسئول عن هذا المال، من أين اكتسبته، وأين أنفقته. قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) قال: نعم من الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكره. قوله تعالى (وَهَدَينَاه النّجْدَينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وهديناه النجدين) قال: الهدى والضلالة. قال الحافظ ابن حجر: أخرج الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: (النجدين) سبيل الخير والشر. وصححه الحاكم، (فتح الباري 8/704) . قوله تعالى (فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا اقتحم العقبة) قال: للنار عقبة دون الجسر. قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدراك ما العقبة) ثم أخبر عن اقتحامها فقال (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عاصم بن محمد قال: حدثني واقد بن محمد قال: حدثني سعيد بن مرجانة صاحب علي بن الحسين قال: قال لي أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيما رجل أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار". قال سعيد بن مرجانة: فانطلقت به إلى على بن الحسين، فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله ابن جعفر عشرة آلاف درهم -أو ألف دينار- فأعتقه. (الصحيح 5/174 - ك العتق، ب في العتق وفضله ح2517) . قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي مُراوح عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تُعين ضائعا، أو تصنع لأخرق قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك". (الصحيح 5/176 ح2518 - ك العتق، ب أي الرقاب أفضل) ، أخرجه مسلم (الصحيح 1/89 ح84 - ك الإيمان، ب بيان كون الأيمان بالله تعالى أفضل الأعمال) . قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية: ثنا صفوان بن عمرو: حدثني سليم بن عامر، عن شرحبيل بن السمط، أنه قال لعمرو بن عبسة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار". (السنن 4/30 ح3966 - ك العتق، ب أي الرقاب أفضل؟) ، وأخرجه أحمد (4/386) من طريق كثير بن مرة عن عمرو بزيادة فيه. قال ابن كثير في أسانيد عمر بن عبسة: هذه أسانيد جيدة قوية ولله الحمد (التفسير 8/429) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع رقم (6050) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 قوله تعالى (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) قال الحاكم: حدثنا أبو عبد الله عبد بن يعقوب الحافظ، ثنا حامد بن أبي حامد المقري، ثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت طلحة بن عمرو وسئل عن قول الله عز وجل (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) ؟ فقال: ثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/524 - ك التفسير) وصححه الذهبي وابن الملقن. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في يوم ذي مسغبة) قال: الجوع. قوله تعالى (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) انظر سورة البقرة آية (83) لبيان (اليتيم) . قال ابن كثير: (ذا مقربة) أي: ذا قرابة منه، قاله ابن عباس وعكرمة والحسن والضحاك والسدي، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا يزبد، أخبرنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة". وقد رواه الترمذي والنسائي، وهذا إسناد صحيح. وهو كما قال الحديث (المسند 4/214) ، وفي سنن الترمذي (الزكاة، ب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة ح653) كما في (تحفة الأحوذي 3/334- 335) ، وسنن النسائي (الزكاة، ب الصدقة على الأقارب 5/92) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو مسكينا ذا متربة) قال: شديد الحاجة. قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) قال البخاري: حدثنا عبد بن سلام، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". (الصحيح 13/370 ح7376 - ك التوحيد، ب قول الله تبارك وتعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)) ، أخرجه مسلم (الصحيح 4/1809 ح2319) من طريق أبي معاوية وغيره عن الأعمش به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد، المعنى، قالا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله ابن عمرو، يبلغ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء". (السنن 4/285 ح4941 - ك الألباني، ب في الرحمة) ، وأخرجه الترمذي (4/323 ح1924 - ك البر والصلة، ب ما جاء في رحمة المسلمين) عن ابن أبي عمر، والحاكم (المستدرك 4/159 - ك البر والصلة) من طريق علي بن المديني، كلاهما عن سفيان به، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم- وقد ذكره ضمن أحاديث: وهذه الأحاديث كلها صحيحة. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح32) . قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن السرح قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن ابن عامر، عن عبد الله بن عمرو يرويه، قال ابن السرح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا". (السنن 4/286 ح4943 - ك الأدب، ب في الرحمة) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/222) عن علي بن عبد الله عن سفيان به، والترمذي (4/322 ح1920 - ك البر والصلة، ب ما جاء في رحمة الصبيان) من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، وعنده: "ويعرف شرف كبيرنا". وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح4134) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/178) . قوله تعالى (أولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) انظر سورة الواقعة آية (9) . قوله تعالى (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (عليهم نار مؤصدة) قال: مطبقة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عليهم نار مؤصدة) قال: أي مطبقة، أطبقها الله عليهم، فلا ضوء فيها ولا فرج، ولا خروج منها آخر الأبد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 سورة الشمس قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والشمس وضحاها) قال: ضوئها. قوله تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والقمر إذا تلاها) قال: تبعها. قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والسماء وما بناها) قال وبناؤها: خلقها. قوله تعالى (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) قال: دحاها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والأرض وما طحاها) قال: قسمها. قوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا عزرة بن ثابت، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الدئلي، قال: قال في عمران بن الحصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يُستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قُضي عليهم، ومضى عليهم قال فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً وقلتُ: كل شيء خَلْق الله ومِلك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال لي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 يرحمك الله! إني لم أُرِدْ بما سألتك إلا لأحزر عقلك إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالا: يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه، أشيء قُضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يُستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: "لا. بل شيء قُضي عليهم ومضى فيهم. وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ". (الصحيح 4/2041-2042 - ك القدر، ب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته ح2650) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فألهمها فجورها وتقواها) قال: بين الخير والشر. قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قد أفلح من زكّاها) من عمل خيرا زكاها بطاعة الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قد أفلح من زكاها) يقول: قد أفلح من زكّى الله نفسه. قوله تعالى (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقد خاب من دسّاها) قال: أثمها وأفجرها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وقد خاب من دسّاها) يقول: وقد خاب من دسى الله نفسه فأضله. قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) أخرج الطبري بسنده الصحيَح عن مجاهد (كذّبت ثمود بطغواها) قال: معصيتها. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كذّبت ثمود بطغواها) أي: بالطغيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 قوله تعالى (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهيب، حدثنا هشام عن أبيه أنه أخبره عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب وذكر الناقة والذي عقر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذ انبعث أشقاها) انبعث لها رجل عزيزٌ عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة". وذكر النساء فقال: "يعمد أحدُكم يجلد امرأته جلد العبد. فلعله يضاجعها من آخر يومه". ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال: "لِمَ يضحك أحدكم مما يفعل؟ ". وقال أبو معاوية: حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثل أبي زمعة عمّ الزبير بن العوام". (الصحيح 8/575 - ك التفسير - سورة الشمس ح4942) ، واخرج مسلم في (الصحيح 4/2191 ح2855 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذ انبعث أشقاها) يعني: أحيمر ثمود. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) قال: قسم الله الذي قسم لها من هذا الماء. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يخاف عقباها) قال: لا يخاف الله من أحد تبعه. وانظر عن ناقة قوم ثمود سورة الأعراف آية (73-77) ، وسورة هود آية (64-65) ، وسورة القمر آية (29) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 سورة الليل قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال: آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق. قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل، عن المغيرة عن إبراهيم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسّر في جليسا صالحا فأتيت قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلتُ من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء فقلتُ: إني دعوت الله أن ييسّر لي جليسا صالحا، فيَسّرك لي قال: مِمّن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أوَليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان، يعني على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أوليس فيكم صاحب سرّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لا يعلم أحدٌ غيره؟ ثم قال: كيف يَقرأ عبد الله (والليل إذا يغشى) فقرأت عليه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذكر والأنثى) قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله من فيِهِ إلى فيَّ. (الصحيح 7/113-114 - ك فضائل الصحابة، ب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما ح3742) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/566 ح824 - ك صلاة المسافرين وقصرها، ب ما يتعلق بالقراءات) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن سعيكم لشتّى) يقول: لمختلف. قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن علي - رضي الله عنه - قال: كنا لما جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقعد وقعدنا حوله، ومعه مِخصرة، فنكس فجعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 ينكث بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة، إلا كُتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقيةٍ أو سعيدة. قال رجلٌ: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة فيُيسّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسّرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى) الآية. (الصحيح 8/579 - ك التفسير - سورة اليل، ب (وكذب بالحسنى) ح4948 و13/531 -ك التوحيد، ب قول الله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر)) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2039 ح2647 - ك القدر، ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأما من أعطى) حقّ الله (واتقى) محارم الله التي نهى عنها. أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس (وصدق بالحسنى) قال: وصدق بالخلف من الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما من بخل واستغنى) وأما من بخل بحق الله عليه، واستغنى في نفسه عن ربه. أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس (وكذب بالحسنى) بالخلف من الله. ونسبه الحافظ ابن حجر إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس بسند صحيح (فتح الباري 8/706) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكذب بالحسنى) وكذب بموعود الله الذي وعد، قال الله (فسنيسره لليسرى) . قوله تعالى (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذا تردى) قال: إذا تردّى في النار. قوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) يقول: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 قوله تعالى (فَاَندَرْتكمْ ناراً تَلَظَّى) قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق قال: سمعت النعمان: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه". (الصحيح 11/424 ح6561 - ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/196 ح213- ك الإيمان، ب أهون أهل النار عذابًا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ناراً تلظى) قال: توهّج. وانظر سورة البقرة آية (24) لبيان وقود النار. قوله تعالى (لاَ يَصْلاَهَا إِلاّ الأشْقَى) بيّن الله تعالى صفة (الأشقى) في الآية التالية (الذي كذب وتولى) . قوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أي: وسيزَحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) أي: يصرف ماله في طاعة ربه، ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا. قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى". (الصحيح 3/363 ح7280 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الاقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قوله تعالى (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم إنما عطيته لله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 سورة الضحى نزولها قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا الأسود بن قيس قال: سمعت جُندب بن سفيان - رضي الله عنه - قال: اشتكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد ترككَ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله عز وجل: (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) . (الصحيح 8/580-581 - ك التفسير - سورة الضحى، الآية ح4950) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1421-1422 ح1797 - ك الجهاد والسير، ب ما لقي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أذى المشركين والمنافقين) . قوله تعالى (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والضحى) قال: ساعة من ساعات النهار. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والليل إذا سجى) قال: سكن بالخلق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ما ودعك ربك وما قلى) يقول: ما تركك ربك، وما أبغضك. قوله تعالى (وَلَلآَخِرَة خَيْزٌ لّكَ مِنَ الأُولَىَ) قال ابن ماجة: حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو داود، ثنا المسعودي أخبرني عمرو ابن مرة عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: اضطجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حصير فأثَر في جلده فقلت: بأبي وأمي، يا رسول الله! لو كنتَ آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئا يقيك منه! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أنا والدنيا! إنما أنا والدنيا كراكب استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها". (السنن - الزهد - ب مثل الدنيا ح4109) ، أخرجه أحمد والترمذي من طريق المسعودي به نحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح، (المسند 1/391) ، (السنن - الزهد 4/588، 589) . وللحديث شاهد عن ابن عباس عند ابن حبان والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وسكت الذهبي. ولذا صححه الألباني (انظر الصحيحة 439، 440) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) قال الطبري: حدثني موسى بن سهل الرملى، قال: ثنا عمرو بن هاشم. قال سمعت الأوزاعي يحدث عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزاً كنزاً، فسر بذلك، فأنزل الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فأعطاه في الجنة ألف قصر في كل قصر ما ينبغي من الأزواج والخدم. وقوله (كنزاً كنزاً) ، ورد بلفظ (كفراً كفراً) والتصويب مما نقله ابن كثير عن الطبري ثم قال: إسناد صحيح إلى ابن عباس ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف (التفسير 8/448 ط الشعب) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال: وذلك يوم القيامة. قوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) قال: أي لا تظلم. وانظر سورة البقرة آية (83) لبيان (اليتيم) . قوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنها قالت له: يا رسول الله صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لم تجدي له شيئا تعطينه إياه إلا ظلفا عرقا فادفعيه إليه في يده". (السنن 2/126 ح1667 - ك الزكاة، ب حق السائل) ، وأخرجه الترمذي (السنن 3/43 ح665 -ك الزكاة ب في حق السائل) ، والنسائي (السنن 5/86 - ك الزكاة، ب تفسير المسكين) كلهم عن قتيبة ابن سعيد عن الليث به، وأخرجه أحمد (المسند 6/383) من طرق ابن أبي ذئب عن المقبري به، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح1466) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) قال الترمذي: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي بمكة، حدثنا ابن أبي عدي، حدثنا حميد، عن إنس قال: لمّا قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوماً أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خِفنا أن يذهبوا بالأجر كله. فقال النبي: "لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". (السنن 4/653 ح2487 - ك صفة القيامة، ب 44) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/200-201) عن يزيد عن حميد به، وأخرجه أبو داود (السنن 4/255 - ك الأدب، ب في شكر المعروف ح4812) عن ثابت أنس مختصراً قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح2020) . قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". (السنن 4/355 ح4811 - ك الأدب، ب في شكر المعروف) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/339 ح1954 - ك البر والصلة، ب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك) من طريق عبد الله بن المبارك، وأحمد في (المسند 2/295) عن يزيد كلاهما عن الربيع بن مسلم. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (السلسلة الصحيحة ح417) وللحديث شاهد عن أبي سعيد بمثله أخرجه الترمذي (ح1955) ، وقال: حسن صحيح، وحسنه الهيثمي بعد أن عراه للطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد 8/181) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 سورة الشرح قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل (وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم. ثم لأمه. ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره. (الصحيح 1/147 ح بعد 162 - ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماوات) . قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشّار، حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد بين الثلاثة، فأُتيت بطست من ذهب فيها ماءُ زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا. قال قتادة: قلتُ، يعني قلتُ لأنس بن مالك: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، فاستُخرج قلبي، فغسل قلبي بماء زمزم ثم أُعيد مكانه، ثم حُشِيَ إيمانا وحكمة، وفي الحديث قصة طويلة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/442-443- ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وقصة شق الصدر في الصحيحين تقدمت في بداية سورة الإسراء. قوله تعالى (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ووضعنا عنك وزرك) قال: ذنبك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) قال: كانت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 قوله تعالى (وَرَفَعْنَا لَكَ ذكْرَكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورفعنا لك ذكرك) رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن مع العسر يسرى) قال: يتبع اليسر العسر. وقد أخبر الله تعالى أنه سيجعل بعد العسر يسرى كما قال: (سيجعل الله بعد عسر يسرا) سورة الطلاق آية: 7. قوله تعالى (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا فرغت فانصب) قال: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإذا فرغت فانصب) يقول: في الدعاء. قوله تعالى (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإلى ربك فارغب) قال: إذا قمت إلى الصلاة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 سورة التين قوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والتين والزيتون) قال: الفاكهة التي تأكل الناس. قوله تعالى (وَطُورِ سِينِينَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وطور) الجبل (سينين) قال: المبارك. وانظر عن الطور سورة البقرة آية (63) ، وسورة مريم آية (52) ، وسورة طه آية (80) وسورة المؤمنون آية (20) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وطور سينين) قال جبل بالشام، مبارك حسن. قوله تعالى (وهذا الْبَلَدِ الأمين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وهذا البلد الأمين) قال مكة. قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم) قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن المنذر عن ابن عباس بإسناد حسن قال: أعدل خلق. (فتح الباري 8/713) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في أحسن تقويم) قال: في أحسن خلق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: وقع القسم ها هنا (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم رددناه أسفل سافلين) قال: رددناه إلى الهرم. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم رددناه أسفل سافلين) قال: قال الحسن: جهنم مأواه. قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلهم أجر غير ممنون) يقول: غير منقوص. قوله تعالى (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما يكذبك بعد بالدين) قال: أي استيقن بعد ما جاءك من الله البيان (أليس الله بأحكم الحاكمين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 سورة العلق قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، وحدثني سعيد بن مروان: حدثنا عبد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة: أخبرنا أبو صالح سلمويه قال حدثني عبد الله عن يونس بن يزيد قال: أخبرني ابنُ شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: "كان أول ما بُدئ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبّب إليه الخلاء فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه. قال: والتحنث: التعبد الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود بمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال. اقرأ. قلت ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم) الآيات إلى قوله (علم الإنسان ما لم يعلم) . فرجع بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترجُف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع. قال لخديجة. أي خديجة، مالي لقد خشيت على نفسي؟ فأخبرها الخبر. قالت خديجة: كلا أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 أخي أبيها، وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: يا عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً -ذكر حرفاً- قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَ مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل بما جئت به إلا أوذيَ، وإن يدركني يومك حياً أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح 8/585-586- ك التفسير - سورة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ح4953) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/139-142 ح160 - ك الإيمان، ب بدء الوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قوله تعالى (الذي عَلّمَ بِالْقَلَمِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علم بالقلم) قال: القلم: نعمة من نعم الله عظيمة، لولا ذلك لم يقم، ولم يصح العيش. قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي قالا: حدثنا المعتمر عن أبيه: حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يُعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته. أو لأعَفرنَّ وجهه في التراب. قال فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي. زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه. قال فقيل له: مالك؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا". قال فأنزل الله عز وجل -لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يعني أبا جهل (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ) . زاد عبيد الله في حديثه قال: وأمره بما أمره به. وزاد عبد الأعلى: (فليدع ناديه) يعني: قومه. (الصحيح، 4/2154-2155 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب قوله تعالى الآيات) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) قال أبو جهل: ينهى محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى. وأخرجه بنحوه عن قتادة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى) قال محمد: كان على الهدى، وأمر بالتقوى. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أرأيت إن كذب وتولى) يعني: أبا جهل. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سندع الزبانية) قال: الملائكة. قال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصلى، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزبره فقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 أبو جهل: إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله (فليدع ناديه سندع الزباية) فقال ابن عباس: فوالله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله. قال: هذا حديث حسن غريب صحيح (السنن 5/444 - ك التفسير، ب سورة اقرأ باسم ربك) ، وصححه الألباني في (صحيح سنمن الترمذي) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/487-488) من طريق عبد الوهاب بن عطاء وعبد الرحمن المحاربي كلاهما عن داود بن أبي هند به، وصححه ووافقه الذهبي) ، وأخرجه أحمد من طريق وهيب عن داود به، وصححه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي (المسند 5/167 ح 3044) . قوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، قالا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة، قال: سجدنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في: (إذا السماء انشقت) و (اقرأ باسم ربك) . (الصحيح 1/406 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة ح578) . قال مسلم: حدثنا هارون بن معروف وعمرو بن سوّاد قالا: حدثنا عبد الله ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عمارة بن غَزية، عن سمي مولى أبي بكر، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء". (الصحيح 1/350 ح482 - ك الصلاة، ب ما يقال في الركوع والسجود) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 سورة القدر قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجالاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرى رُؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر". (الصحيح 4/301 - ك فضل ليلة القدر، ب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر ح2015) . قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة قال: سألت أبا سعيد -وكان لي صديقا- فقال: "اعتكفنا مع النبي (العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال: إني أُريتُ ليلة القدر ثم أنسيتها -أو نسيتُها- فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيتُ أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليرجع. فرجعنا، وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد في الماء والطين، حتى رأيتُ أثر الطين في جبهته". (الصحيح 4/301 - ك فضل ليلة القدر، ب التماس ليلة القدر في العشر الأواخر ح2016) . وقال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عبدة بن أبي لبابة وعاصم هو ابن بهدلة، سمعا زرّ بن حبيش، وزر حبيش يُكنى أبا مريم، يقول: قلتُ: لأُبيّ بن كعب: إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول يُصب ليلة القدر، فقال: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لقد علم أنها في العشرة الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكنه أراد أن لا يتكل الناس، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 ثم حلف لا يستثنى أنها ليلة سبع وعشرين قلتُ له: بأي شىء تقْول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/445-446 - ك التفسير، ب سورة القدر) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح3351) . قال الحاكم: أخبرنا أبو زكريا العنبرى: ثنا محمد بن عبد السلام، أنبأ إسحاق ابن إبراهيم، أنبأ جرير عن منصور عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا كان بموقع النجوم فكان الله ينزله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضه في إثر بعض قال عز وجل (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/530 -531- ك التفسير) وصححها الذهبي، وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن أبي شيبة والبيهقي في دلائل النبوة وقال: إسناده صحيح (الفتح 9/4) . أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس قال: نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه. قوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: حفظناه وأيما حفظ من الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه". تابعه سليمان بن كثير عن الزهري، (الصحيح 4/300 - ك فضل ليلة القدر - ب فضل ليلة القدر ح2014) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (خير من ألف شهر) قال: ليس فيها ليلة قدر. وانظر عن ليلة القدر سورة عبس حديث ابن خريمة عن ابن عباس. قوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كل أمر) قال: يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها، فعلى هذا القول منتهى التفسير، وموضع الوقف من كل أمر. وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كل أمر سلام هي) قال: أي هي خير كلها إلى مطلع الفجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 سورة البينة قوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة، عن إني بن مالك - رضي الله عنه -: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُبي: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال: وسماني؟ قال: نعم، فبكي". (الصحيح 8/597 - ك التفسير - سورة البينة ح4959) ، وأخرجه مسلم 4/1915 ح122 -ك فضل الصحابة، ب عن فضائل أُبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم) ، وأخرجه الضياء في (المختارة 3/368-369 ح1162-1163) عن حديث زر بن حبيش، عن أبي به، وفيه زيادة وهي: فقرأ فيها ولو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيته لسأل ثانيا وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير المشركة. وقال محققه: إسناده صحيح. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (منفكين) قال: لم يكونوا لينتهوا حتى يتبين لهم الحق. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (منفكين حتى تأتيهم البينة) قال: أي هذا القرآن. قوله تعالى (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) قال: يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء. قوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) كقوله: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 الأمم قبلنا، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافاً كثيراً، كما جاء في الحديث المروي من طرق: "إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي". وهو كما قال فقد أخرجه أبو داود في (سننه ح4596) ، (والترمذي ح2640) ، وقال: حسن صحيح (وابن حبان ح6247) ، (والحاكم في المستدرك 1/128) وصححه ووافقه الذهبي وأحمد في (مسنده ح8396) ، وحسنه محققوه بإشراف أ. د. عبد الله التركي. قوله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) قال: والحنيفية: الختان، وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والمناسك. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وذلك دين القيمة) هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وشرع لنفسه ورضي به. وانظر سورة الأنعام آية (161) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 سورة الزلزلة قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا) انظر سورة الحج آية (1) لبيان (الزلزلة) وسورة الواقعة آية (4) . قوله تعالى (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأخرجت الأرض أثقالها) قال: من في القبور. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها) قال: أمرها، فألقت ما فيها وتخلت. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يومئذ تحدث أخبارها) قال: تخبر الناس بما عملوا عليها. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بأن ربك أوحى لها) قال: أمرها. قال مسلم: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً". (الصحيح - ك الزكاة، ب الترغيب في الصدقة 3/84-85 ط. إحياء التراث) ، ومعنى أفلاذ: جمع فِلذة -بكسر الفاء- وهي: قطعة من الكبد مقطوعة طولاً. ومعنى الأسطوان. واحدة أسطوانة وهي السارية والعمود، وشبهه بالأسطوان لعظمه وكثرته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 659 قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) قال ابن كثير: وقوله تعالى (ليروا أعمالهم) أي: ليعلموا بما عملوه في الدنيا من خير وشر، ولهذا قال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) . قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الله بن معقل قال: سمعت عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". (الصحيح 3/332 - ك الزكاة، ب اتقوا النار ولو بشق تمرة ح1417) . وانظر حديث البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم تحت الآية (60) من سورة الأنفال: "الخيل ثلاثة ... ". أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجرٌ، ولرجل سِترٌ، وعلى رجل وِزر. فأما الذي له أجرٌ، فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مَرْج أو روضة، فما أصابت في طِيَلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات. ولو أنها قطعت طِبَلها فاستنت شرفاً أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرتْ بنهر فشربت منه -ولم يرد أن يسقي به- كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهُورها، فهي له ستر. ورجل ربطها فخراً ورثاء ونِواءٌ فهي على ذلك وزر". فسُئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحُمر؟ قال: ما أُنزِلَ عليّ فيها إلا هذه الآية الفاذة الجامعة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره) . (الصحيح- التفسير، ب قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة ... ) 8/726 ح4962) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 660 قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، حدثني سعيد ابن مسلم بن بانك، قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عائشة! إياك ومحقرات الأعمال فإن لها من الله طالبا". (السنن 2/1417 ح 4243- ك الزهد، ب ذكر الذنوب) قال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وأخرجه أحمد (المسند 6/70) ، والدارمي (السنن 1/395- ك الزكاة، ب كراهية رد السائل بغير شيء) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 12/379 ح 5568) من طرق عن سعيد بن مسلم به، وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله رجال الشيخين. وانظر سورة البقرة آية (83) وفيها حديث مسلم عن أبي ذر مرفوعاً: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) قال: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً ولا شراً في الدنيا، إلا أتاه الله إياه. فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته، فيغفر الله له سيئاته، وأما الكافر فيرد حسناته، ويعذبه بسيئاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 سورة العاديات قوله تعالى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والعاديات ضبحا) قال: هو في القتال. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاديات ضبحا) قال: هي الخيل، عدت حتى ضبحت. قوله تعالى (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالموريات قدحا) قال: هجن الحرب بينهم وبين عدوهم. قوله تعالى (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فالمغيرات صبحا) قال: هي الخيل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالمغيرات صبحا) قال: أغار القوم بعد ما أصبحوا على عدوهم. قوله تعالى (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأثرن به نقعا) قال: أثرن بحوافرها نقع التراب. قوله تعالى (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فوسطن به جمعا) قال: جمع هؤلاء وهؤلاء. قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الإنسان لربه لكنود) قال: لكفور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 662 قوله تعالى (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) انظر سورة الفجر آية (20) قوله تعالى (وتحبون المال حباً جما) . قوله تعالى (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بنَ أبي طلحة عن ابن عباس: (بعثر ما في القبور) قال: بحث. قوله تعالى (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وحصّل ما في الصدور) قال: أبرز. وانظر سورة آل عمران آية (30) قوله تعالى (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) وسورة التكوير آية (14) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 663 سورة القارعة قوله تعالى (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (القارعة) قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) قال: هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار. قوله تعالى (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) قال: الصوف المنفوش. قوله تعالى (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فهو في عيشة راضية) قال: في عيشة قد رضيها في الجنة. قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما من خفت موازينه فامه هاوية) قال: وهي النار وهي مأواهم. بين الله تعالى الهاوية في الآية التالية (نار حامية) . لقوله تعالى (نار حامية) قال البخاري: حدثنا أيوب بن سليمان قال: حدثنا أبو بكر، عن سليمان قال: صالح بن كيسان حدثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره، عن أبي هريرة ونافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنهما حدثاه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". (الصحيح 2/20 ح 533، 534- ك مواقيت الصلاة، ب الإبراد بالظهر في شدة الحر) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/430، 431 ح 615- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب الإبراد بالظهر) من طرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وانظر تفسير سورة البقرة آية (24) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 سورة التكاثر قوله تعالى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وقال البخاري: وقال لنا أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس عن أبيّ قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت (ألهاكم التكاثر) . (الصحيح 11/258 - ك الرقاق، ب ما يتقي من فتنة المال ح 6439-6440) . وقال مسلم: حدثنا هداب بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن مطرف، عن أبيه، قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقرأ: (ألهاكم التكاثر) . قال: "يقول ابن آدم: مالي. مالي (قال) وهل لك، يا ابن آدم! من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت". (الصحيح 4/2273- ك الزهد والرقائق ح 2958) . قال أحمد: حدثنا محمد بن بكر البرساني، حدثنا جعفر -يعني ابن برقان- قال: سمعت يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم العمد". (المسند 2/308) ، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه 8/16 ح 3222) من طريق خالد بن حبان، والحاكم في (المستدرك 2/534) من طريق البرساني، كلاهما عن جعف بن برقان به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - وقد عزاه لأحمد - (مجمع الزوائد 3/121) ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند بتحقيقه ح 8060) ، وحسن الأرنؤوط! إسناده (حاشية الإحسان) . انظر حديث أبي هريرة عند البخاري المتقدم عند الآية (37) من سورة فاطر، وهو حديث: "أعذر الله إلي امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 665 أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألهاكم التكاثر) قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعد من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم. قوله تعالى (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) انظر حديث مسلم عن أنس المتقدم عند الآية 101 من سورة المائدة، وهو حديث: "عرضت علىّ الجنة والنار ... ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ... ". قوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد - هو ابن أبي هند - عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ". (الصحيح 11/233 ك الرقاق، ب ما جاء في الرقاق، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة ح 6412) . وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خلف بن خليفة، عن يزيد ابن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة"؟ قالا: الجوع يا رسول الله! قال: "وأنا. والذي نفسي بيده! لأخرجني الذي أخرجكما قوموا"، فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبا! وأهلا! فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني قال فانطلق فجاءهم بعِذق فيه بُسْر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه وأخذ المدية فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إياك! والحلوب"، فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذق وشربوا فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر وعمر: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 666 "والذي نفسي بيده! لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم". (الصحيح 3/ 1609- ك الأشربة، في جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ح 2038) . وقال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عمرو ابن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير ابن العوام عن أبيه قال: لما نزلت (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال الزبير: يا رسول الله فأيُّ النعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء قال: أما إنه سيكون. (السنن 5/448- ك التفسير - سورة التكاثر) قال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه ابن ماجة (2/1392- ك الزهد، ب معيشة أصحاب النبي ح 4158) بإسناد الترمذي نفسه، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 3/54-55 ح 857-858) من طرق عن سفيان به، قال محققه فيهما: إسناده حسن. وحسنه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي 3/24 ح 1405) . قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة، عن عبد الله بن العلاء، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم الأشعري قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أول ما يسئل عنه يوم القيامة يعني العبد من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد". (السنن 5/448 ح 3358- ك التفسير، ب ومن سورة التكاثر) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/138) من طريق عبد الله بن روح المدائني عن شبابة به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح. (صحيح سنن الترمذي ح 674) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار، قال: يسأًل الله العباد فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم. وهو قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال: عن كل شيء من لذة الدنيا. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال: إن الله عز وجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 667 سورة العصر قوله تعالى (وَالْعَصْرِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والعصر) قال العصر: ساعة من ساعات النهار. قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الإنسان لفي خسر) قال: إلا من آمن (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال: إلا الذين صدقوا الله ووحدوه، وأقروا له بالوحدانية والطاعة، وعملوا، الصالحات، وأدوا ما لزمهم من فرائضه، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه، واستثنى الذين آمنوا من الإنسان، لأن الإنسان بمعنى الجمع، لا بمعنى الواحد. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتواصوا بالحق) قال: الحق: كتاب الله. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتواصوا بالصبر) قال: الصبر: طاعة الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 سورة الهُمَزة قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) انظر حديث البخاري عن حذيفة المتقدم تحت الآية رقم (11) من سورة القلم، وهو حديث حذيفة: "لا يدخل الجنة قتات". أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويل لكل همزة لمزة) قال: أحدهما الذي يأكل لحوم الناس، والآخر الطعان. قوله تعالى (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا الأسود بن عامر، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن سعيد بن عبد الله بن جريج، عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، عن جسمه فيم أبلاه". قال: هذا حديث حسن صحيح (السنن 4/612 ح 2417- ك صفة القيامة، ب في القيامة) ، وأخرجه الدارمي (السنن 1/135- المقدمة، ب من كره الشهرة والمعرفة) عن الأسود بن عامر به، وصححه الألباني (صحيح الترمذي ح 1970) ، وأورده المنذري من حديث ابن مسعود وغيره وقال عنه: هذا الحديث حسن في المتابعات إذا أضيف إلى ما قبله. (الترغيب 1/125) ، وعزاه الهيثمي للطبراني والبزار من حديث معاذ وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح ... (المجمع 10/346) . قوله تعالى (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) بينها الله تعالى في الآيات الثلاث التالية (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) قوله تعالى (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنها عليهم مؤصدة) قال: أي مطبقة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في عمد ممددة) كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 سورة الفيل قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) قال: أقبل أبرهة الأشرم من الحبشة يوما ومن معه من عداد أهل اليمن إلى بيت الله ليهدمه من أجل بيعه لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم حتى إذا كانوا بالصفّاح برك، فكانوا إذا وجّهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه على الأرض وإذا وجهوه إلى بلدهم انطلق وله هرولة، حتى إذا كانت بنخلة اليمانية بعث الله عليهم طيرا بيضاً أبابيل.: الأبابيل: الكثيرة، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله عز وجل كعصف مأكول، قال: فنجا أبو يكسوم وهو أبرهة، فجعل كلما قدم أرضا تساقط بعض لحمه، حتى أتى قومه. فأخبرهم الخبر ثم هلك. وله شاهد ذكره الحافظ ابن حجر عن ابن مردويه بسند حسن عن عكرمة عن ابن عباس نحوه مختصراً (انظر فتح الباري 12/207) والصفاح: بكسر الصاد وتخفيف الفاء موضع بين حنين وأنصاب الحرم يسرة الداخل إلي مكة، من جهة طريق اليمن (انظر معجم معالم الحجاز 5/144-146) . قوله تعالى (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) قال الطبري: حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عاصم ابن بهدلة، عن زرّ، عن عبد الله (طيرا أبابيل) قال: فرق. وإسناده حسن. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (طيرا أبابيل) قال: يتبع بعضها بعضا. قال الحافظ ابن حجر: وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع (فتح الباري 12/207) . قوله تعالى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حجارة من سجيل) قال: هي من الطين. قوله تعالى (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كعصف مأكول) قال: هو التبن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 سورة قريش قوله تعالى (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لإيلاف قريش) قال: عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف. قوله تعالى (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) قال: إيلافهم ذلك فلا يشقّ عليهم رحلة شتاء ولا صيف. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) قال: لزومهم. قوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الذي أطعمهم من جوع) قال: يعني: قريشا أهل مكة بدعوة إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال (وارزقهم من الثمرات) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وآمنهم من خوف) قال: حيث قال إبراهيم عليه السلام: (رب اجعل هذا البلد آمنا) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وآمنهم من خوف) قال: آمنهم من كل عدوّ في حرمهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 671 سورة الماعون قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) انظر سورة الفاتحة آية (4) لبيان (الدين) هو المعاد والحساب ثم بين الله تعالى بعض صفات المكذب بيوم الحساب في الآيتين التاليتين. وانظر سورة المدثر آية (42-46) قوله تعالى (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يدع اليتيم) قال: يدفع اليتيم فلا يطعمه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فذلك الذي يدع اليتيم) قال: أي يقهره ويظلمه. قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) قال الطبري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائى، قال: ثنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، قال: قلت لسعد (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: أهو ما يحدث به أحدنا نفسه في صلاته؟ قال: لا، ولكن السهو أن يؤخرها عن وقتها. وسنده حسن. قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: الترك لوقتها. وسنده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 672 أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فريل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: فهم المنافقون كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعونهم العارية بغضا لهم، وهو الماعون. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عن صلاتهم ساهون) قال: لاهون. قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شقيق، عن عبد الله قال: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله عارية: الدلو والقدر. (السنن ح 1657- ك الزكاة، ب في حقوق المال) ، وحسنه الألباني في (صحيح أبي داود ح 1459) ، وأخرجه أيضا البزار (كشف الأستار ح 2292) عن خالد بن يوسف من أبي عوانة بإسناده بلفظ: "كنا نعد الماعون علي عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدلو والفأس والقدر". قال الحافظ: إسناده حسن (مختصر زوائد البزار 2/121) وصحح الحافظ سند أبي داود (فتح الباري 8/731) ، وخالد ابن يوسف ضعيف كما في الميزان (1/648) ، وأخرجه الطبراني في الأوسط (مجمع البحرين 6/88 ح 3419) والكبير (9/235 ح 9014) من طريق منصور عن أبي وائل شقيق عن عبد الله بنحو لفظ البزار، وقال الهيثمي: ورجال الطبراني رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/143) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الماعون) قال: الزكاة. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويمنعون الماعون) قال: يمنعونهم العارية، وهو الماعون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 673 سورة الكوثر قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال مسلم: حدثنا علي بن حُجْر السعدي: حدثنا علي بن مسهر، أخبرنا المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (واللفظ له) ، حدثنا علي بن مسهر، عن المختار عن أنس، قال: بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة. ثم رفع رأسه متبسما. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله! قال: "أنزلت علىّ آنفا سورة". فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) ثم قال: "أتدرون ما الكوثر"؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيُختلج العبد منهم. فأقول: رب! إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثتْ بعدك". زاد ابن حُجر في حديثه: بين أظهرنا في المسجد. وقال: "ما أحدث بعدك". (الصحيح 1/3 00 - ك الصلاة، ب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة، سوى براءة) . قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شيبان، حدثنا قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما عرج بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قِباب اللؤلؤ مجوف، ففلتُ ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر". (الصحيح 8/603- ك التفسير- سورة الكوثر ح 4964) . وقال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن قوله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) قالت: هو نهر أعطيه نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم. رواه زكريا، وأبو الأحوص، ومطرف عن أبي إسحاق. (الصحيح 8/603- ك التفسير- سورة الكوثر ح 4965) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 وقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال قال عبد الله بن عَمْرو قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً". (الصحيح 11/472- ك الرقاق، ب في الحوض وقول الله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) ح 6579) . قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني ابن وهب، عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء. قال البخاري! حدثنا أبو الوليد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح وحدثنا هدْبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " بينما أنا أسير في الجنة، إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف"، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكَ ربك، فإذا طيبه - أو طينه - مسك أذفر. شك هُدبة. (الصحيح 11/472- ك الرقاق، ب في الحوض، وقول الله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) ح 6580، 6581) . قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فصل لربك وانحر) قال: نحر البدن والصلاة يوم النحر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فصل لربك وانحر) قال: اذبح يوم النحر. قوله تعالى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن شانئك هو الأبتر) قال: عدوّك. انظر حديث ابن عباس المتقدم عند الآية (51) من سورة النساء، وهو حديث: لما قدم كعب بن الأشرف مكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 سورة الكافرون فضلها قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) قال أبو داود: حدثنا النفيلي، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، عن فروة بن نوفل عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنوفل: "اقرأ (قل يا أيها الكافرون) ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك". (السنن 4/313 ح 5055- ك الأدب، ب ما يقال عند النوم) ، وأخرجه الدارمي (السنن 2/459 والحاكم (المستدرك 2/538) من طرق عن زهير بن معاوية به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار. قوله تعالى (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) قال ابن كثير: ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه. ولهذا قال: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي: لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم، كما قال: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) ، فتبرأ منهم في جمع ما هم فيه. قال البخاري: يقال (لكم دينكم) الكفر (ولي دين) الإسلام. ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء كما قال (يَهدين) و (يشفين) . وقال غيره (لا أعبد ما تعبدون) الآن؛ ولا أجيبكم فيما بقي من عمري (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وهمُ الذين قال (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) سورة المائدة: 46. (انظر فتح الباري 8/733) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 سورة النصر لقوله تعالى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا أبو داود، ثنا شعبة أخبرني عمرو بن مرة سمعت أبا البختري يحدث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه السورة (إذا جاء نصر الله والفتح) قرأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى ختمها ثم قال: "أنا وأصحابي خير والناس خير لا هجرة بعد الفتح". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/257- ك التفسير) ووافقه الذهبي وعزاه الهيثمي إلى أحمد والطبراني بأطول من هذا ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 5/250) . أخرج مسلم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة نزلت من القرآن، نزلت جميعاً؟ قلت: نعم (إذا جاء نصر الله والفتح) قال: صدقت. (الصحيح - التفسير 4/2318 ح 3024) . قال النسائي: أنا عمرو بن منصور، نا محمد بن محبوب، نا أبو عوانة، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى أخر السورة قال: نعيت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك: "جاء الفتح وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن" فقال رجل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: " قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان". (التفسير 2/566-567 ح 732) ، وأخرجه الدارمي (السنن 1/3 7- المقدمة) من طريق عباد ابن العوام، عن هلال به نحوه. وأخرجه الطبري (التفسير 30/332) من طريق الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس، دون ذكر نصفه الأول. وعزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط والكبير من طريق النسائي المتقدمة، ثم قال: وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 9/22) وللحديث شاهد عن أبي هريرة، أخرجه أحمد (المسند ح 7709) من طريق هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة به مختصراً، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وصححه محققا تفسير النسائي بشواهد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 677 قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك". قالت: قلتُ: يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: "جُعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها إذا جاء نصر الله والفتح" إلى أخر السورة. (الصحيح 1/351 ح بعد، 484- ك الصلاة، ب ما يقال في الركوع والسجود) . أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ... قال: ما تقولون في قول الله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلمه له، قال (إذا جاء نصر الله والفتح) - وذلك علامة أجلك - (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول. (الصحيح - ك التفسير، ب فسبح بحمد ربك واستغفره ح 4970) . أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إذا جاء نصر الله والفتح) قال: فتح مكة. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في دين الله أفواجاً) قال: زمراً زمراً. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (واستغفره إنه كان تواباً) قال: اعلم أنك ستموت عند ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 سورة المسد قوله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) قال البخاري: حدثنا يوسف بن موسى: حدثنا أبو أسامة: حدثنا الأعمش: حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه. فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب: تبا لك، ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام. فنزلت: (تبت يدا أبي لهب وتبّ) . وقد تبّ. هكذا قرأها الأعمش يومئذ". (الصحيح 8/609-610- ك التفسير- سورة المسد ح 4971) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/193-194 ح 308- ك الإيمان، ب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تبت يدا أبي لهب) قال: أي خسرت وتب. قوله تعالى (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما كسب) قال: ولده هم من كسبه. أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وامرأته حمالة الحطب) قال: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض. أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (حبل من مسد) قال: عود البكرة من حديد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 سورة الإخلاص فضلها قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قل هو الله أحد) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ذلك - وكاْن الرجل يتقالها - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن". (الصحيح- فضائل القرآن، ب فضل (قل هو الله أحد) ح 5013) . قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المفضل بن فَضالة، عن عقيل ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق ) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثَ مرات. (المصدر السابق ح 5017) قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أولُ الخلق بأهون على من إعادته وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحدُ الصمد، لم أَلِدْ ولم أُولد، ولم يكن لي كفواً أحد". (الصحيح 8/611- ك التفسير- سورة الإخلاص ح 4974) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 680 قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو سعد هو الصنعاني، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انسب لنا ربك، فأنزل الله (قل هو الله أحد الله الصمد) فالصمد الذي (لم يلد ولم يولد) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، ولا شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث. (ولم يكن له كفوا أحد) قال: لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء. (السنن 5/451-452 ح 3364- ك التفسير، ب ومن سورة الإخلاص) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/133-134) عن أبي سعد، وابن خزيمة (التوحيد 1/95 ح11-45) عن أحمد بن منيع ومحمود بن خراش كلاهما عن أبي سعد، والحاكم (المستدرك 2/540) من طريق محمد بن سابق، كلهم عن أبي جعفر الرازي به. وليس عند الإمام أحمد كلام أبي المدكور عقب الحديث. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 13/356) . وقال الألباني: حسن دون قوله "والصمد الذي" (صحيح سنن الترمذي ح 2680) وللحديث شواهد ذكرها الشيخ الطرهوني في (موسوعة الفضائل 2/365-370) . أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الصمد) قال: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفاته، لا تنبغى إلا له. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولم يكن له كفوا أحد) قال: ليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 سورة الفلق فضل المعوذتين قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات ويَنفث، فلما اشتد وجَعُه كنت أقرأ عليه وأَمسح بيَده رجاء بركَتها. (المصدر السابق ح 5016) . حال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت يحيى بن أيوب يحدث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران التجيبي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، اقرأ من سورة يوسف، وسورة هود قال: يا عقبة اقرأ بأعوذ برب الفلق، فإنك لن تقرأ بسورة أحب إلى الله وأبلغ عنده منها فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، (المستدرك 2/540 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي. وقد قام بتخريجه الشيخ محمد رزق طرهوني تخريجا وافياً وتوصل إلى تصحيحه (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن 2/509) . وانظر سورة الإخلاص في فضلها. قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قل أعوذ برب الفلق) قال: الصبح. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الفلق) قال: الخلق. قوله تعالى (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (غاسق) قال: الليل (إذا وقب) قال: إذا دخل. أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إذا وقب) قال: إذا أقبل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 682 قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) قال الترمذي: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الملك بن عمرو العقدي، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر إلى القمر، فقال: "يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا؟ فإن هذا: الغاسق إذا وقب". (السنن 5/452 ح 3366- ك التفسير، ب ومن سورة المعوذتين) ، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة ح 306) من طريق سفيان، وأحمد (المسند 6/206) عن وكيع، والحاكم (المستدرك 2/540-541) من طريق آدم بن أبي إياس، كلهم عن ابن أبي ذئب به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 2681) . قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كان الحسن يقول إذا جاز (ومن شر النفاثات في العقد) قال: إياكم وما خالط السحر. أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن (النفاثات) : السواحر. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري 10/225) . قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تحاسد إلا في أثنتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يتلوه أناء الليل وأناء النهار فهو يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه فيقول لو أوتيت مثل ما أوتى، عملت فيه مثل ما يعمل". (الصحيح 13/511- ك التوحيد، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل آتاه الله القرآن ح 7528) . وقال البخاري: حدثنا بشر بن محمد قال: أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا". (الصحيح 10/496- ك الأدب، ب ما ينهي عن التحاسد والتدابر ح 6064) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 683 سورة الناس فضلها تقدم في سورة الإخلاص وسورة الفلق. قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ) قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية، فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزين له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عَصَم الله. وقد ثبت في الصحيح أنه: "ما منكم من أحد إلا قد وُكل به قرينه" قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير". والحديث أخرجه مسلم في (الصحيح 4/2167 - ك صفة القيامة، ب تحريش الشيطان ح 2814) ، وانظر بداية التفسير في الإستعاذة. وانظر الاستعاذة في بداية التفسير وفيها حديث أحمد عن أبي تميمة: وفيه: "لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته. وإذا قلت: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب". قال ابن كثير: إسناده جيد قوي، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب. قوله تعالى (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الوسواس الخناس) قال: الشيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 684 ثم بين الله تعالى شمول وسوسة الشيطان في قلوب الجن والناس في قوله تعالى (الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) . قوله تعالى (الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) قال ابن كثير: وقوله تعالى (من الجنة والناس) هل هو تفصيل لقوله: (الذي يوسوس في صدور الناس) ثم بينهم فقال: (من الجنة والناس) وهذا يقوي القول الثاني. وقيل لقوله: (من الجنة والناس) تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً) . ثم ذكر حديث الإمام أحمد المتقدم في الإستعاذة عن أبي ذر وفيه: "يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن". آخر التفسير ولله الحمد والمنة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين. وكان الفراغ منه في صباح يوم الأربعاء الثالث من شوال من عيد الفطر المبارك سنة تسع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 685