الكتاب: رفقاً بالقوارير - نصائح للأزواج المؤلف: أمة الله بنت عبد المطلب - موقع مكتبة المسجد النبوي   www.mktaba.org عدد الأجزاء: 1   [الكتاب مرقم آليا، لم يطبع بعد، ولكل مسلم حق الطبع] ---------- رفقا بالقوارير - نصائح للأزواج أمة الله بنت عبد المطلب الكتاب: رفقاً بالقوارير - نصائح للأزواج المؤلف: أمة الله بنت عبد المطلب - موقع مكتبة المسجد النبوي   www.mktaba.org عدد الأجزاء: 1   [الكتاب مرقم آليا، لم يطبع بعد، ولكل مسلم حق الطبع] ـ[رفقاً بالقوارير - نصائح للأزواج]ـ المؤلف: أمة الله بنت عبد المطلب عدد الأجزاء: 1 [الكتاب لم يطبع بعد، ولكل مسلم حق الطبع]   المصدر: موقع مكتبة المسجد النبوي www.mktaba.org سلسلة السعادة الزوجية علي منهج أهل السنة والجماعة (1) رفقاً بالقوارير .... نصائح للأزواج جمع وإعداد وترتيب: أمة الله بنت عبد المطلب مشرفة المنتديات النسائية بموقع مكتبة المسجد النبوي الشريف حقوق الطبع مجاناً لكل مسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء:1، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب:70،71. أما بعد: الحياةُ الهانِئَة ضرورةٌ من ضَرورات الحياةِ؛ ليستقرَّ المجتمَع ويحصلَ النمَاء والبناء ويتفرّغَ الخلقُ للعبادةِ والعِمارةِ، والنفس البشريّة قد جُبِلت على أن تسكنَ وتطمئنَّ إلى نفسٍ أخرَى، لذا قال الله تعالى في معرض ذكرِ نِعمه الوفيرةِ وآياته الكثيرة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الرّوم:21. نَعَم، أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، ولم يقل: لتسكنوا معها، فهو دليلٌ على أنّ الزواجَ سكنٌ واستقرار وهَدأة وراحةُ بال. ومِن هنا جاءت أهمّيّة الزواج في الإسلام والعِنايةُ بالأسرة، فرغَّب الشرع في الزواجِ وحثَّ على تيسيرهِ وتسهيلِ طريقه، ونهى عن كلِّ ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 يقِف في سبيلِه أو يعوق تمامَه ويعكِّر صَفوَه، فأمَرَ الله به في قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} النساء:3، وقال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} النور:32، وفي الصحيحين أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشرَ الشباب، من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوَّج» (1) ، فالزّواجُ من سُنن المرسلين وهديِ الصّالحين. لقد عُنِي الإسلام بتكوين الأسرةِ المسلمة واستصلاحِها؛ لأنَّ الأُسَرَ أساس المجتمع الذي يقوَى ويشتدّ بقَدر التماسُك وترابُط أُسَره، ولذا شبَّه النبيّ صلى الله عليه وسلم المسلمين بالبُنيانِ المرصوص الذي   (1) البخاري 5065، مسلم 1400 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 يشدُّ بعضه بعضًا (1) ، فأمر بتزويجِ الأكفَاءِ، ونهى عن عَضلِ النساء (2) ، وبيَّن في الكتابِ والسنة الحقوقَ والواجباتِ بين الزوجين، ذلك أنَّ استقرار البيوت وصلاحَ الأسَر لا يكون إلاّ باستقرارِ الزوجين ونجاحِهما في حياتهما الزوجيّة. كما أنَّ فاقدَ الشيءِ لا يعطيه، فالأب والأمّ التعيسَين في حياتهما الزوجيّة لن يقدِّما لمجتمعِهما شيئًا، فضلاً أن ينشِئا أجيالاً صالحِين قادِرين على البناءِ والقيادَة. فالزواج الناجحُ نجاحٌ للمجتمَع، أمّا خراب البيوتِ فهو خرابُ الدّيار، لذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ إبليسَ يضَع عرشَه على الماء، فيبعَث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً. يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكَذا، فيقول:   (1) البخاري 459،226،5567 ولفظه «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» ، والنسائي 2513، والترمذي 1851 (2) لقوله تعالى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} البقرة: 232 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ما صنعتَ شيئًا، ثمّ يجيء أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، قال: فيدنيه منه ويقول: نِعمَ أنت» (1) . وإذا كان هذا شأنَ إبليس الرجيمِ فإنّ أتباعَه من المفسدين قد حَرصوا على هدمِ هذا الكيان وتفكيكِ أواصرِ المجتمَع وروابطِه عن طريقِ تفكِيكِ الأسَر، حتى انتشرَت معدَّلات الطلاق بشكلٍ مخيف، وارتفَعَت نسبة العُنوسة بشكل أسوَأ، ولا شكَّ أنّ في هذا خطرًا كبيرًا، ففيه تفرُّق المجتمَع وضياع الأولادِ وعنوسةُ النّساء وانتشار الفساد ونَبات الضغينة بين الأسر. إنَّ الواجبَ على المربِّين والمصلحين والإعلاميِّين العنايةُ بهذا الجانِب، فانتشارُ المشكِلات الزوجيّة وتشعُّبها وتنوّعها مؤذنٍ بالخَطَر، فما بين زَعزَعة البيوت وهدمِها تدور المعضِلات.   (1) مسلم 2813 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 إنّنا نعلَم جميعًا أنّ الكمَالَ عزيز، وأنّ الاختلافَ من طَبيعة البشَر، وأنّ الزوجين لا يمكِن أن يكونا نسخةً لبعضهما في الطبائع والأخلاقِ والرَّغَبات والتّفكير، فيكفي من المفارَقات أنهما ذَكرٌ وأنثى، كما أنهما لا يعيشان منعَزِلين، بل في داخِلِ مجتمَعٍ له متطلّباته وتأثيراته، لِذا فقد تهبّ عواصف الخِلاف على بعض الأسَر، وقد يختَلف الزوجان، ولم يسلَم بيتٌ حتى بيتُ النبوّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فهذه سنّة الحياة، إلاَّ أنّ البيتَ الصالح المؤسَّس على التقوى والذي عَرَف فيه كلا الزوجَين ما لهما وما عليهما فإنّه لا يتأثّر بأيِّ خِلاف، بل يزيده تماسكًا وثباتًا، ويُكسِبه وعيًا وإدراكًا، فيصلَح الخطَأ وتُسَدّ أبوابُ الشّرّ للمستقبل. وفي نظرةٍ سريعة مشفِقة إلى أَسبابِ المشكلاتِ الزوجية نجِدها نابعةً من معصيَة الله تعالى ومخالفةِ أمرِه في كثيرٍ من شؤون النكاح، حتى أصبَحَت بعضُ الزّيجات نَكَدًا ونِقمَة بدلاً من أن تكونَ سَكنًا ورَحمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 والله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشورى:30، ولا شكَّ أن مِن أعظمِ المصائب خرابَ البيوت، وقد قال بعضُ السّلف: (إني إذا عصيتُ الله رأيتُ أثَرَ ذلك في دابّتي وخُلُق زوجتي) ، قال أحدُ العلماء: (قلَّت ذنوبهم فعَرَفوها، وعرَفوا مِن أين أتوا) . نعم، فمن بارَزَ الله بالمعَاصِي فهل ينتَظِر توفيقًا منه؟! ومَن عَصا الله ولم يطِعه فكيفَ يطالِب زوجتَه بأن تطيعَه؟! وكذا بالنسبة للزوجةِ؛ فمن قصّرت في جَنب الله فلا تنتظر من زوجها تمامًا، إلاَّ أنَّ المعصيةَ من أحدِ الزوجين ليست مبرِّرًا للآخَر أن يقصِّر في حقّ شريكِه أو يقابِلَه بالإساءةِ والعقوق. ومِنَ المعاصِي ما هوَ عامٌّ كتَضييعِ الصّلوَاتِ واقترافِ المحرَّمات، ومنها ما هوَ خاصّ بالنكاح وهو التعدِّي أو التقصيرُ في الحقوقِ والواجبات الزّوجيّة، فبِقَدرِ ما يكون التفريطُ في هذه الحقوق تقَع الخلافات. إنَّ المعصيةَ الخاصّة وهي تضييع الحقوق لمن أشهَر المعاصي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 التي تهاوَنَ فيها الناس وتساهلوا مع عظيم أثرِها، وليعلَم مَن قصَّر في حقِّ زوجتِه أو قصّرت في حقِّ زوجها أنّه عَصَى اللهَ قبلَ كلِّ شيء، واسمَع قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا دَعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشِه فأبَت فباتَ غضبانَ عليها لعَنَتها الملائكة حتى تصبِح» (1) . ينبغي للزوجين أن يستحضرَا حالَ الوفاءِ بالحقوق أنهما يقدِّمان طاعةً لله بامتثال أمرِه، بل بالاحتسابِ يكون ذلك عبادةً، وقد أخبَرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ المسلمَ يؤجَر حتى في اللقمةِ يضعُها في فيّ امرأتِه مع أنّ النفقةَ واجبةٌ عليه أصلاً، وفي الصحيحِ أيضًا أخبرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ في جماعِ الرّجل زوجتَه أجرًا (2) مَعَ أنّ هذا تَدعو إليه الطّبيعَة.   (1) البخاري 3237، ومسلم 1736. (2) مسلم 1674، ونصه: «فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 إذًا أهَمّ الحلول وأوَّلها لمن أرادَ السعادةَ الزوجيّة القيامُ بحقِّ الله تعالى وطاعتُه وامتثال أمره والقيام بما أوجَب من حقوقٍ، فمن أراد الحياةَ الهنِيّة فليقرَأ قولَ الحقّ سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل:97 حُسنُ الاختيار بين الطرَفَين أساسُ الحياة ليكونَ الوِفاق والوِئام والتكامُل والانسجام، إلاَّ أنَّ التقصيرَ في هذا الجانِب ومَعصيةَ الله فيه يجعله سبَبًا للمعضِلات، فمِن ذلك إجبارُ المرأةِ على رجلٍ لا تريده بسبب أعرافٍ بالية لتزويجها على قريبِها الذي لا ترغَبه أو طمعًا من وليِّها في جاهِ الخاطب أو مالِه، وهذا حرام وظلم، فالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُنكَح الأيِّم حتى تُستأمَر، ولا تنكَح البكر حتى تستأذَن» (1)   (1) البخاري 5136، ومسلم 1419 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 إلاَّ أنّ الفتاةَ يجِب أن تتفهَّم مشورةَ وليِّها، وأن تكونَ المصلحة مناطَ الاختيار. ومن المخالفاتِ أيضًا الكذبُ والتدليس من قبَلِ أحدِ الجانبين أو مِنَ الوسيطِ، فهذا غشٌّ وظلمٌ للمسلمين، يتحمَّل الكاذب فيه تَبِعتَه في الدنيا قضاءً وفي الآخرةِ حِسابًا وجزاءً. ومِن سوءِ الاختيار عدمُ الاهتمام بأمورِ الدين، فيسأل غيرُ الموفَّق عن الوظيفةِ والمالِ والجاهِ وأمورِ الدنيا ناسيًا أنّ من خان اللهَ ورسولَه لا يمكِن أن يؤتَمَن على ابنتِه، وينسَى الخاطب أنّ من قصَّرت في جنبِ الله فلن تقومَ بحقِّ زوجِها، وربما يؤسَّس البيت على هذا، فيكون على شَفَا جُرُف هارٍ يوشك أن ينهار. والأولياءُ يتحمَّلون قِسطًا من المسؤولية في ذلكِ لتفريطِهم في السؤالِ عن حالِ الخاطب وتقصيرِهم في أداء الأمانةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 جِهةَ مَولِيَّاتهم، فكم منِ امرأةٍ صالحةٍ عفِيفة بُلِيت بزوجٍ لا يصلّي أو يشرَب المسكِرات ويقارِف المحرّمات، ولا ذنبَ لها إلاَّ تقصير وليّها وإهماله في السؤالِ عن ديانةِ الخاطب، وكم مِن رجلٍ اشترطَ كلَّ الشروط الدنيويّة في مخطوبَته ولكنَّ الدينَ كان آخرَ اهتماماته، ثم يكتشِف أنها لا تصلُح أن تكونَ زوجةً لنقصِ دينها وخُلُقها، وكلّ هذا ناتِج عن غِشٍّ وتدليسٍ أو تهاوُن وتفريط. والسؤال الكبير: على أيّ أساسٍ يكون الاختيار؟ فالجواب في حديثين شريفَين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم مَن تَرضَونَ دينه وخلقَه فزوِّجوه، إلاّ تفعَلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض» (1) ، والثاني هو قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تنكَح   (1) الترمذي 1004، وابن ماجه 1957، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1022 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المرأة لأربع: لمالها ولحسَبها ولجمالها ولدينها، فاظفَر بذاتِ الدين تَرِبَت يداك» (1) ومن افتَتَح حياتَه الزوجيّة بالمخالفاتِ الشرعية فهل ينتظِر التوفيقَ من الله؟! إنَّ معرفةَ أسبابِ المعضِلات الزوجيّة يؤدّي بالعاقِلِ إلى تجنُّبها ومناصَحةِ إخوانه المسلمين لئلاّ يقعوا فيها، فتدخُّل الأقارب في شؤون الزوجَين مخالفٌ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مِن حُسنِ إسلام المرءِ تركُه ما لا يعنيه» (2) ، وقَد نهى الله تعالى عن التَحَسُّس والتَجَسُّسِ. كما أنّه من الجهلِ والحُمق أن يشتكيَ أحدُ الزوجين لأقاربِه   (1) البخاري 5090، ومسلم 1466 (2) الترمذي 2239 وقال: غريب، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، وابن ماجه 3966، وحسنه النووي في الأربعين: ح12 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ما يلقَى من الآخر؛ لأنّ توسيعَ دائرة الشقاقِ وإدخالَ مجموعةٍ من المحارِبين في السّاحة يزيدُ الأمرَ سوءًا وتعقيدًا. إنّ الواجبَ أن نحتفِظَ بأسرارِنا ونحلَّ مشاكلنا بأنفسنا، فإذا تأزَّمتِ الأمور يُدْخَلُ من يصلِح لا مَن يفسِد، أمّا أن لا يكونَ مِن أمرٍ إلاَّ وهو دائرٌ في كلّ بيتٍ وتدور الغِيبة والنميمةُ على كلّ لسانٍ فهذا منكَرٌ يهدِم البيوت. ومِن بواعِثِ المشكِلات الأسَرِيّة ومسبِّباتها النظرةُ القاصِرَة للحياة الزوجيّة وعدمُ الإدراك الصحيح لمقاصِدِ النكاحِ الشرعيّة السامية التي من أهمِّها حصولُ الإعفافِ للزوجَين والسّكن الفطريُّ لبعضهما وإقامةُ البيت المسلِم والتعاوُن على البرِّ والتقوى وتربيةُ الذرّيّة الصالحة التي تعبُد الله وتطيعه، فإذا استحضَر الزوجان هذه المعانيَ فلم يلتفتا إلى القشورِ أو القصور ولو حصَل خطأ دنيويّ قدَّراه قدره وتذكّرا قولَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 عز وجل: {وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} البقرة:237، حتى ولو كان نَقصًا في أحدِ الزوجين فإنّ النبيَّ يقول: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (1) ، وكذلك النظرةُ القاصِرة لنِسَب الجمال، فليجعلِ المسلمُ المقاصدَ الشرعيّة هي الأساس، ومن طريفِ ما يُروَى عن الشعبيّ أنّ رجلاً سألَه فقال: "إني تزوَّجتُ بامرأة فرأيتُ في إحدَى قدَمَيها أثرَ عَرج أفأردُّها وأسترجِع مهري؟ قال الشعبيّ: (إن كنتَ تزوَّجتها لتسابِق عليها فرُدَّها) فأفحمه. وبعضُ الناسِ يزهَد في امرأتِه لأنّه يرَى غيرَها أطوَلَ منها أو أعلَمَ، وهذا يؤدّي بِنا إلى الحديثِ عن سَبَبٍ آخرَ مهمّ من بواعثِ الشّقاقِ ومدخَلٍ كبير للشيطان ألا وهو بابُ المقارناتِ بين الأزواج، فتبدأ الوساوسُ والخواطِر كلّما ذُكِرت امرأةٌ   (1) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وأنّ فيها أو في خُلُقها وتدبيرها تميُّزًا، فيبدأ المسكين يقارِنُ ويتحسَّر، وكذلك المرأةُ، وهذا بابٌ ليس له آخِر. كذا النظرةُ القاصِرة للجَمال، خصوصًا ما بلِيَ بهِ الزّمن مِن كثرةِ النّظر في الأفلام والقَنَوات الفضائيّة والمجلاّت من صُوَر النّساء الفاتنات أو صوَر أشباهِ الرجال القاصدين الفِتنَة، فلا تُرضِي رجلاً زوجتُه لأنّه يرَى في الصورةِ أجملَ منها، أفلا يعتقِد أنه يوجَد أجملُ ممّن في هذه الصورة؟! إذًا بابُ المقارنةِ لا ينتهي. ثمّ هل يجوز لمسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر يعلم أنه ملاقي الله ويطمَع في جنّتِه ويخشى نارَه، هل يجوز له أن يفضِّل على امرأتِه المؤمِنة العفيفةِ امرأةً رآها في التّلفاز أو المجلّة كافرةً أو فاسقة، ليس له منها إلاَّ حسرةُ النّظر؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ومن أسبابِ المشكلات الزوجيّة عدمُ قيام الزوج بواجب القوامَة الشرعيّ أو التعسُّف في استخدامِه أو منازعةُ الزوجةِ له حقَّ القوامة. إنّ القوامَةَ لا تعني التسلُّط والظلمَ، وإنّما هي الرعاية والحفظُ والقيام بالمصالح. لقد حَكَم الله تعالى بأبلَغِ بيانٍ بما على الزوجين فقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة:228. فانظر ـ رعاك الله ـ إلى هذه الكلماتِ القصيرة وتدبَّرها، لقد قال: بِالْمَعْرُوفِ أي: أنَّ المطالبةَ بالحقوق لا تكون بالأنانيّة ولا بالإلجاءِ والمحاسبة، فهي شراكَةُ حياة لا شركةُ تجارة. وقال سبحانه في آية أخرى: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} البقرة: 229، حتى الفرقة أيضًا بإحسانٍ، فهل تجِدون أجملَ من هذه التّوجيهاتِ لصلاح البيوت؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أليس من الأولى بأربابِ الأقلامِ ومدَّعي الإصلاحِ الاجتِماعيّ أن يسعَوا في حلّ مثلِ هذه القضايا والاستنارةِ بالهديِ النبويّ في إسعادِ البيوت المسلمة، بدلاً من شنّ الحملاتِ على الحِجاب وسَترِ المرأة وتصديع البيوت والتلبيس على النساءِ بأنّ ما هنّ فيه من صيانةٍ أنه مشكِلة يجب حلُّها وخطأ يجب تغييرُه؟! وغاية دعواتِهم التمرّدُ والفوضى. إنّ إلجامَ هؤلاءِ واجبٌ شرعيّ لحمايةِ المجتمَع بأسره. إنّ سعادةَ البيوتِ لا يحقِّقها إلاَّ دينٌ صَحيح وخُلُق سميح وتغاضٍ عن الهفَوَات وحرصٌ على أداءِ الحقوق والواجبات مع المروءةِ والأدَب واحتساب كلِّ أمر عند الله تعالى، عند ذلك تهبّ نسائمُ السعادةِ لتشملَ كلَّ الأسَرِ وتربِط المجتمع كلَّه بالعلاقاتِ الطيّبة والحبِّ والاحترام المتبادَل. ينبغي للمرأةِ أن تقصرَ عينَ زوجِها عليها بحُسن تبعُّلها له، وكذا يجِب على الرجلِ أن يحسِن إلى امرأتِه ويكفيَها. وليَعلم الجميعُ أنّ كَثرةَ المخالفة توغرُ الصدورَ، وأنّ طولَ المرافقة مِن كثرةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الموافقة وطولَ الصّحبة بالقناعة وجميلَ العِشرة بحُسنِ الطاعة، ومن كان أشدَّ احترامًا فإنّه لا يلقَى إلاّ محبّةً وإكرامًا، ومن دعَا الله لم يخيِّب رجاءَه. إنَّ العلاقةَ بين الزوجَين ليست دنيويّة مادّية ولا شهوانيّة بهيميّة، إنها علاقةٌ روحيّة كريمة، حينما تصلُح وتصدق فإنها تمتدّ إلى الحياة الآخرة، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الرعد:23، 24، وكم مِن أُسَر في سِترِ الله عاشت كريمةً وماتت كريمة. ولقد قمت بجمع هذه الموضوعات من المواقع الإسلامية التي علي منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة بعد مراجعتها وإعدادها لتصل إليكم في شكل يناسب الأسرة المسلمة التي تريد الاستقامة على منهج الله فتظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة، وقد تعمدت ذكر بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الأخلاق الكريمة التي يجب أن تتحلى بها الأسرة مثل الصبر وإصلاح عيوب النفس والتي هي من سبيل الفوز في الدارين. وتم تمييز الآيات القرآنية مع بيان رقم السورة والآية، وتم حذف الأحاديث الضعيفة ووضع الأحاديث الصحيحة عوضاً عنها مع تخرج كافة الأحاديث والآثار واستبدال الألفاظ غير المطابقة لما ورد في دواوين الإسلام بما هو وارد فيها، ولو كان الحديث في أحد الصحيحين فأكتفي بذكرهما، وإن كان في غيرهما فاقتصر على ذكر بعض الطرق الصحيحة وبخاصة من السنن الأربعة، ثم اذكر رقم الحديث حسبما ورد في كتب السنة، كما وردت في المقالات بعض العبارات بدون ذكر الدليل عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فتم إضافة الأدلة الصحيحة في الهوامش، فما كان من توفيق فمن الله وحده وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. (1) أمة الله بنت عبد المطلب مشرفة المنتديات النسائية بموقع مكتبة المسجد النبوي الشريف www.mktaba.org   (1) من خطبة للشيخ صالح آل طالب، بالمسجد الحرام في 27/6/1425هـ (المنبر) بتصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 مقومات اختيار الزوج لزوجته (1) تكمن أهمية الموضوع اليوم في حساسيته وكثرة التعرض له، وهو وإن تجاوزه البعض في خاصة نفسه إلا أن الكثير لم يتجاوزه في ذريته أو من حيث هو مستشار فيه ومؤتمن عليه. وتكمن أهميته أيضاً من حيث ما يترتب عليه في العاجل والآجل من صلاح المجتمع أو فساده، فعن طريقه يتكون المجتمع على أساس صحيح أو أساس باطل. ومن المعلوم لديكم - حفظكم الله - أن المجتمع يتكون من الأسر، والأسر تتكون من الأفراد، كالبناء الذي يتكون من الأساس واللبنات، وبقدر قوة الأساس وقوة اللبنات وانتظامها، يكون البناء صرحًا شامخًا، وحصنًا راسخًا، كذلك المجتمع الإنساني إنما يكون صالحًا بصلاح الأسر التي يتكون منها، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم   (1) ماجد بن عبد الرحمن الفريان بتصرف يسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 المجتمع المسلم بالبنيان الذي يشد بعضه بعضا، وبالجسد الواحد الذي يتألم كله بتألم عضو من أعضائه، ولهذا عني الإسلام عناية تامة بتكوين الأسرة المسلمة، واستصلاحها، وبنائها على أسس سليمة، ولما كان تكوين الأسرة يبدأ من اتصال الذكر بالأنثى عن طريق الزواج، أمر الشارع باختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة. إن الاختيار السليم من الزوج لزوجته، وأيضاً من قبل الزوجة لزوجها يترتب عليه أمور كثيرة جداً، لسنا بصدد الحديث عنها، لكن من أهمها سلامة المجتمع وكماله بسلامة الأسر وكمالها، فمن الأسر يتكون المجتمع، ولم تقتصر توجيهات الشرع في هذا الجانب على الوصية بالدين فقط، كلا، بل إن الشارع الحكيم نظر إلى كل شيء هو في صالح طرفي عقد النكاح دينياً ونفسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلا حجة لزاعم أنه حريص على ابنته وتأمين مستقبلها في تركه توجيهات الشرع الكثيرة في جانب الاختيار ذلك أن الشارع الحكيم أحرصُ من هذا الرجل على ابنته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 فهذه أسس نوصي بها الزوج في اختياره لزوجته، وأسس أخرى نوصي بها المرأة ووليها وكل من له علاقة في شأن المرأة، ولعلي أبادر إلى الدخول في الأسس والمعايير التي يوصى بها الزوج عند اختياره لزوجته، فمنها: أولاً: الدين، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} البقرة: 221، وقال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} النور: 26، ولقد عدد النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي تنكح المرأة لأجلها ثم أوصى بالظفر بذات الدين فقال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (1) .   (1) البخاري 4700، ومسلم 2661 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ومع كثرة ما في هذه الدنيا من متعة وأنس خص النبي صلى الله عليه وسلم من بين متاعها وأنسها شيئاً واحداً هو المرأة الصالحة فقال: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» (1) . إنه كلما عظم عقل الإنسان ازداد قناعة بأهمية المرأة الصالحة، لأنها والله شراكة عُمُر وتربية أولاد وصيانة ديانة وحفظ أمانة، لا يليق أن يكون فيها غير القوي الأمين صاحب الدين المتين والخلق القويم. ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً، أن تكون ودوداً، ولوداً ويعرف ذلك من أهل بيتها، وإذا تيقن أن المرأة لا تلد بزواج سابق ونحوه فإنه لا يتزوجها إلا من هو مثلها، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ فَقَالَ تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ» (2)   (1) مسلم 2668 (2) النسائي 3175 وغيره، وصححه الألباني في الإرواء 1784 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمَوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللَّهَ» (1) فالوصية المبذولة لكل شاب أن يتزوج المرأة الودود الولود؛ لأن في ذلك تحقيقاً لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم في مكاثرة الأمم بأمته. ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً، الجمال وحسن المظهر وهو أمر فطر الله النفوس على الرغبة فيه، وهي رغبة شريفة لا يلام عليها الإنسان وجاءت أصول الشرع مؤيدة لها، فالله جميل يحب الجمال، ولم تشرع رؤية الرجل لمخطوبته إلا والتأكد من الجمال من أهم مقاصدها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل تزوج امرأة من الأنصار: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا» (2) ، و «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ   (1) البيهقي في السنن الكبرى 13860، وأورده الألباني في الصحيحة 1849 (2) مسلم 2553 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ» (1) . لكن الأمر الذي ينبغي أن يعلم ويتنبه إليه جيداً هو أن الجمال أمر نسبي لا تترك النساء بسببه وتختلف فيه وجهات النظر كثيراً كثيراً، والحديث عن الجمال يدعونا إلى ثلاثة تنبيهات مهمة: أحدهما: بسبب تفاوت الناس في معيارية الجمال فإن ما لا يعجب الأهل قد يعجب الشاب، وما لا يعجب الشاب قد يعجب الأهل، وصاحب القرار هو المتزوج، وعليه فإنا نقول: الأولى أن يكون النظر خاصاً بصاحب الشأن ولا تتدخل النساء في الموضوع، فكم تُركت من فتاة جميلة صالحة بسبب نظرات تعسفية من بعض النساء ثم يتزوج الشاب صاحب الشأن امرأة مثل التي ترك أو أقل منها مستوى، فلماذا لا يترك الأمر لرؤيته أولاً ثم رؤية أهله تبعاً.   (1) النسائي 3179، وصححه الألباني في الصحيحة 1838 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الأمر الثاني: نقول ومن الجمال شيء معنوي لا علاقة له بظاهر المرأة وشكلها بل هو كامن في خلقها وطبعها وإليه الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمَوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللَّهَ» (1) ، فهذا جمال في الطبيعة، وهو أمر معتبر جداً عند الرجال؛ فالرجل لا يحب المرأة المترجلة ولو كانت جميلة، بل يريد المرأة الرقيقة الودود المواسية المواتية. وكذلك الرجل لا يحب امرأة تخالفه في كل شيء وتراغمه في أهم مزاياه وهو جانب القوامة عليها، فهي لا تطيعه إذا أمر، وإذا غاب عنها لم يأمنها على نفسها أو ماله أو ولده، فهذه لا يرغبها الرجل ولو كانت جميلة بل يرغب المرأة التي تكون أقل منها جمالاً في الشكل إذا كان يتوفر فيها الجمال المعنوي المذكور، وما ذكرته لكم في الجمال المعنوي أمر يخفى على كثير من الناس فيجب تنبيه الشباب عليه وتعليمهم به، وتوضيح الموازين التي يعرفها المجربون من الذين تزوجوا قديماً وعرفوا المرغوبات الحقيقة للرجال.   (1) البيهقي في السنن الكبرى 13860، وأورده الألباني في الصحيحة 1849 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثالث التنبيهات: نقول فيه: ولأن طلب الجمال أمر فطري فنقول لك يا أيها الشاب سل عن جمال المرأة قبل أن تسأل عن دينها. سيقول قائل: سبحان الله يسأل عن الجمال قبل الدين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (1) . نقول نعم: ينبغي أن يسأل عن جمال المرأة قبل سؤاله عن دينها- وذلك إن أراد الدين والجمال معا - ودليلنا في ذلك هو هذا الحديث الذي احتججت به، فكيف احتججنا به؟ نقول: إن المرء الراغب في الزواج إذا سأل عن ذات الدين فوجدها ثم سأل عن جمالها فلم يعجبه ثم تركها بسبب الجمال، وهي ذات دين يكون قد وقع في مخالفة المنهج النبوي وهو الظفر بذات الدين. ولكن نقول له: ابحث عن ذات الجمال والدين فإذا صلح لك جمالها فسل عن دينها جيدا فإذا كانت ذاتَ دين فتوكل على الله وخذها، وإن لم تكن ذات دين فتوكل على الله ودعها إذا كنت لم ترغب فيها،   (1) البخاري 4700، مسلم 2661 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ويكون المؤثر في هذه الحال هو الدين وتكون بذلك قد عَملت بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» وهذا هو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. أيها الشاب، ولا يستخفنك بعد وجود الجميلة غير الديّنة من يشجعك على الزواج منها فإنك تكون بذلك قد خالفت الوصية. ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً: البكارة في المرأة إذا كان الشاب بكراً وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ «تَزَوَّجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» (1) ، وفي رواية: «مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا» (2) ، فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم جابراً بنكاح البكر وكان شاباً لم يتزوج، أما الرجل المتزوج   (1) البخاري 1955 (2) البخاري 4690 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الذي يريد أن يعدد أو الشيخ الكبير الفاني فلم يوصهم النبي بنكاح الأبكار إلا في وصية عامة عندما قال: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» (1) . ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً: اليسر وقلة المؤونة قال: «خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ» (2) وقال: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا» (3) . ونهى النبي عن المغالاة في صدقات النساء لأن المسألة ليست تجارة وليست بيعاً، ولما سئل سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله عن   (1) ابن ماجه 1851، وحسنه الألباني في الصحيحة 623 (2) أبو داود 1808، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3) أحمد 23338 في مسند عائشة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قوله: (خير النساء أيسرهن مهورًا) (1) فقيل له: كيف تكون حسناء ورخيصة المهر؟ فقال: يا هذا، انظر كيف قلت؟ أهم يساومون في بهيمة لا تعقل؟؟ أم هي بضاعة طمعُ صاحبها يغلب على مطامع الناس ثم قرأ: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم:21، ثم قال رحمه الله: إنه إنسان مع إنسانة، وليس متاعًا يطلب مبتاعًا. ا. هـ. ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً: أن يختار المرأة التي نظر إليها حتى ولو بلغه من شأن المرأة ما بلغه، فإن هذا لا يغني عن النظر، وليس مقصود النظر هو المعرفة عن حالها فقط بل إنه كما قال النبي صلى   (1) روى ابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم «خيرهن أيسرهن صداقا» 9/342 ح 4034، وقال شعيب الأرناؤوط إسناده ضعيف وله شواهد تقويه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الله عليه وسلم: «أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (1) . وعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «خَطَبْتُ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (2) وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» (3) فالسنة أن ينظر الرجل إلى مخطوبته ليزيل بذلك قدراً كبيراً من الحواجز بين المرأة وزوجها، ويكون أدعى إلى الرغبة من الطرفين، وهذا هو المقصود بقوله: «يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» .   (1) الترمذي 1007 وقال حديث حسن، وابن ماجه 1855، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2) النسائي 3183، وابن ماجه 1856، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3) أبو داود 1783، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وإلى أي شيء ينظر منها؟ ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا ينظر منها إلا الوجه والكفين، وذهب الإمام أحمد والأوزاعي إلى أنه ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها مما يظهر منها غالباً، وهذا هو المعمول به عند الأكثر، وهو الأقوى دليلاً لقوله في الحديث المتقدم: «فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» ولا شك أن ما يدعوه إلى نكاحها أمر زائد على الوجه والكفين بل ما يظهر منها غالباً من الوجه والشعر والعنق وأعلى الصدر وأطراف اليدين والقدمين من الأمور التي تظهر منها غالباً. وهذا النظر الذي أبيح قبل العقد للحاجة والمصلحة الراجحة له ضوابط تضبطه كيلا يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها فمن هذه الضوابط: أمن الفتنة عليهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ومن الضوابط ثانياً: عدم الخلوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» (1) . ومن الضوابط ثالثاً: أن يكون الخاطب عازماً على الزواج، وقد سأل وتحرى عن كل شيء، فلم يبق له إلا النظر، أما أن يستغل ذلك بعض الشباب للاطلاع على مكنونات البيوت، وكسر قلوب العذارى، فلا تنظر أيها الشباب إلا بعد أن تكون عازماً على الزواج من هذه المرأة ولم يبق لك إلا التأكد من جمالها وتطبيق السنة في النظر إليها لأنه أحرى أن يؤدم بينكما. تلك أسس في اختيار الزوج لزوجته تنبغي مراعاتها من قبل الراغبين في الزواج وذويهم.   (1) أحمد 109 في مسند عمر بن الخطاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 مقومات اختيار الزوجة لزوجها (1) أسس ومعايير في اختيار الزوجة لزوجها تنبغي مراعاتها من قبل الراغبين في الزواج وذويهم، هذه أسس نوصي بها المرأة ووليها وكلَّ من له علاقة في شأن المرأة، أن تكون لهم معايير أيضاً في قبول المتقدم للزواج أو رده، وقبل الدخول فيها لا بد من التنبيه إلى أمر مهم، هو أن المرأة هي الطرف الأضعف في باب النكاح، وذلك لأمور أربعة: أحدها: أن المرأة تعتبر أسيرة عند الرجل بدليل قوله: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» (2)   (1) ماجد بن عبد الرحمن الفريان بتصرف يسير (2) الترمذي 1083، 3012 وقال حسن صحيح، وابن ماجه 1841، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة، ومعنى عوان عندكم أي: أسيرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ثانياً: ولأن القوامة بيد الرجل لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} النساء:34 ثالثاً: ولأن المرأة مرهفة المشاعر والأحاسيس فهي لا تحتمل رجلاً دنيئاً في الصفات والأخلاق، يؤذيها في نفسها ومشاعرها ويلوث فضاء بيتها بالبذيء من العبارات والساقط من القول. رابعاً: ولأن المرأة لا تستطيع أن تبين حجتها في الخصومة، فقد يظلمها ولا تستطيع أن تجابهه كما قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} الزخرف:18 أي لا يستطيع أن يظهر حجته في الخصومة. لهذه الأمور الأربعة التي تدل على ضعف المرأة ينبغي لها ووليها الاهتمام البالغ بأمر قبول الخاطب أو رده. فمن معايير اختيار الزوجة لزوجها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أولاً: الدين: فينبغي أن يكون صاحب ديانة، والمراد بذلك الزيادة على الواجبات، لا ما يدخله في الدين فقط، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} النور:32، وقَالَ رَسُولُ الهدى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ» (1) ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بتزويج من كان مَرْضِي الدين والخُلُقُ، وهذا يدل على أنه من كان فاسد الدين سيئ الخلق لا ينبغي تزويجه، ففيه حث على اختيار الأزواج، واعتبار المؤهلات الشرعية، وكثير من الأولياء لا يُعِير هذا الجانب اهتماما عند تزويج موليته، فلا يختار لها الرجل الذي أرشد إليه الرسول، وإنما يختار لها الرجل الذي يهواه هو، حتى ولو كان فاسدًا في   (1) الترمذي 1004، وابن ماجه 1957، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1022. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 دينه، سيئًا في خلقه، لا مصلحة للمرأة من الزواج به، فكم سمعنا من مشاكل النساء اللاتي وقعن في سوء الاختيار - هذه تقول: إنها بليت بزوج لا يصلي - وهذه تقول: إن زوجها يشرب المسكرات ويتعاطى المخدرات - وهذه تقول: أن زوجها أمرها بالسفور وإلقاء الحجاب - وهذه تقول: إن زوجها يستمتع بها في غير ما أحل الله، يجامعها في نهار رمضان، أو يجامعها وهي حائض، أو في غير المحل الذي أباح الله. - وهذه تقول: إن زوجها لا يبيت عندها لأنه يسهر مع الفسقة. والمسؤول عن ذلك هو وليها الذي أساء الاختيار لها، وخان أمانته عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ومن المعلوم أن اختيار الولي للزوج الصالح هو اختيارٌ لصلاح البنت وأولادها، واختياره للزوج الفاسد هو اختيار أيضاً لفساد البنت وأولادها؛ ذلك أن تأثير الزوج كبير، وهو مؤثر في تنشئة ذريته على الصلاح أو الفساد، وتنشئة الفاسد لذريته على الفساد أمر معهود كما قال تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} نوح:27 إذا علمت ذلك جيداً أيها الولي فاعلم أنك مسؤول أيضًا عن فساد موليتك وفساد ذريتها بسبب هذا الزوج الذي غششتها به وأنت تعلم أن الفاسد لا يلد إلا فاسداً في الأغلب، إلا أن يشاء الله رب العالمين. ومن معايير اختيار الزوج أيضاً الخلق الطيب كما قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} النور: 26، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بقبول من اجتمعت فيه صفتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 هما: الدينُ والخلقُ فقال: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ» ، ولما استشير النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة خُطاب فقال عن أحدهم بأنه «ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ» (1) «لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» (2) . وإذا تفاوت الرجال في الصفات فلا شك أن من أقربهم منزلة إلى قلوب الناس مرضي الدين والخلق كما أنه هو الأقرب منزلاً يوم القيامة من النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا» . (3)   (1) مسلم 2720 (2) أبو داود 1944 (3) الترمذي 1941 وقال حسن غريب، وصححه الألباني في الصحيحة 791 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وإن الخلق الطيب هو من أبرز معالم الدين، ولذا قرنه النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: «مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ» وحصر النبي صلى الله عليه وسلم البر في حسن الخلق فقال: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» (1) ، ويتبين بذلك أن الخلق الحسن من بدهيات الدين القويم وأساسياته، ولم نفرد الحديث عن الخلق الطيب مع دخوله في الدين دخولاً أولياً إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفرده فقال: «مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ» . وذلك احتياطاً منه للنساء من الأنذال من الرجال الذين جبلوا على سوء الخلق وسيء الطباع، فيؤذون المرأة في نفسها بالضرب في الوجه وتقبيح صورتها ونحو ذلك مما يؤذي المرأة جداً. وأمر آخر في إفراد الخلق عن الدين هو أن مفهوماً سيئاً منتشراً يقضي بأن صاحبَ الدين هو صاحبُ الخلق مباشرة دون سؤال عن خلقه، والحقيقة أنه لا تلازم بين الدين والخلق عند البعض من الناس في هذا الزمان، فكان لزاماً على كل ولي أن يسأل عن توفر الشرطين وهما   (1) مسلم 4632،والترمذي 2311 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الدين والخلق ولا يغني أحدهما عن الآخر خاصة في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل وامتلأ بالمتناقضات. ومن معايير اختيار الزوج أيضاً حسن الهيئة في الرجل كما طلب الرجل الجمال في المرأة، وهذا أمر أيضاً جبلت النساء عليه، وأمر الله الأزواج بمراعاته وإليه الإشارة في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 228. قال ابن عباس: (إنِّي أُحِبّ أَنْ أَتَزَيَّن لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن لِي ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَقُول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} البقرة:228) . (1)   (1) الطبري 1765، وابن أبي حاتم 2335، البيهقي 15125، وابن أبي شيبة 4 / 183 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ومما يدل على أن النساء أيضاً فطرن على الاهتمام بمظهر الرجال ما ورد في قصة حبيبة بنت سهل عندما اختلعت من زوجها ثابت بن قيس فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت «يَا رَسُول اللَّه لَا يَجْمَع رَأْسِي وَرَأْسه شَيْء أَبَدًا! إنِّي رَفَعْت جَانِب الْخِبَاء فَرَأَيْته أَقْبَلَ فِي عِدَّة، فَإِذَا هُوَ أَشَدّهمْ سَوَادًا وَأَقْصَرهمْ قَامَة وَأَقْبَحهمْ وَجْهًا» (1) . ولكن الأمر الذي يجدر التنبيه عليه هنا هو أن المعيار عند النساء يختلف عنه عند الرجال، فالمطلوب عندهم حسن المظهر من تفوقه عليها في الطول والجسم ونحو ذلك وليس المطلوب عندهم الجمال والوسامة ونحو ذلك. ومن معايير اختيار الزوج أيضاً: أن تأخذ المرأة الرجل الذي نظرت إليه   (1) الطبري 3798 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 لأن ذلك أقرب للنفوس وأحرى في التوافق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (1) وتكون الرؤية بنفس الضوابط المتقدمة في نظر الرجل إلى مخطوبته. ومن المعايير أيضاً: القدرة على تحقيق النفقة عليها وحوائجها فالقدرة المالية معتبرة شرعاً، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استشارته فاطمة بنت قيس في ثلاثة نفر تقدموا لها عاب أحدهم بأنه «صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» (2) ومع اعتبار القدرة المالية في النكاح إلا أنها أيضاً لا تكون مبرراً في ترك النكاح إلا عند العجز التام كما هي الحال في بعض أصحاب النبي   (1) النسائي 3183، وابن ماجه 1856، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2) مسلم 2709، والترمذي 1053،والنسائي3193، وأبو داود 1944 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 صلى الله عليه وسلم الذين كانوا لا يجدون شيئاً من متاع الدنيا فلم يجد أحدهم خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم على ما معه من القرآن (1) ومن معايير اختيار الزوج أيضاً: أن يكون قادراً على الإنجاب، فإذا علم أن الرجل لا يولد له، فلا تتزوجه المرأة التي تنجب لأن في هذا تفويت لوصية النبي في المكاثرة بأمته يوم القيامة، ولما فيه من الإضرار بالمرأة وفطرتها، فكل إنسان مجبول على حب الولد. عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا قَالَ لَا ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» (2)   (1) البخاري 4641، مسلم 2554 (2) أبو داود 1754، والنسائي 3175، وصححه الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وهذا في حق الرجال الذين بمقدورهم الزواج من ثانية وثالثة ورابعة إذا كانت زوجاتهم لا ينجبن فكيف بالمرأة التي لا تعدد، وليس لها خيارٌ آخر إلا طلب الطلاق، فالمرأة في هذا الشرط من باب أولى لأنه ليس لها طريق إلى الولد إلا بالطلاق. قد يفرط كثير من الأولياء في أمر الخاطب ثم ينتج عن ذلك تفرق أسر وتشتتها، فكم سمعنا وقرأنا عن أسر تم عقد الزواج والترابط بينها ثم لا تلبث إلا الأيام اليسيرة أو الأشهر القليلة حتى ينحل ذلك العقد وينقلب الترابط على تفرق؛ فترجع الفتاة على أهلها كسيرة حسيرة ثم تجلس في انتظار الطارق الآخر، وقد يطول الزمن بها، بل قد يعزف عنها الخطاب. وبكل حال فلو بحثنا سبب ذلك التفرق فلربما يتحمل الولي جزءاً كبيراً منه، ولذا لا بد من القول بصراحة تامة: إن ذمة الوالد أو الولي لا تبرأ من الإثم حتى يخلص النصح لابنته وينتهج المنهج الشرعي في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 التعامل مع الخاطبين، ولا بد من التنبيه في هذا المقام على أمور مهمة باختصار لعل الله أن ييسر الوقت الذي نبسط فيه الكلام عنها: الأمر الأول: يحصل من بعض الآباء إذا تقدم الخاطب إلى بيته أن يصم أذنيه ويغمض عينيه عن كل طارق إلا عن قريب له كائناً ما كان، صالحاً أو طالحاً، تقياً أو شقياً، لا يهمه ذلك كله إنما همه الأول والأخير أن يكون المتقدم لابنته قريباً في النسب وهذا والله من الظلم كيف يجعل ابنته وقفاً على ابن عم أو قريب لها بغض النظر عن صلاحه وحسن سيرته؟ الأمر الثاني: لا بد من استشارة الفتاة في خطيبها وعدم إجبارها، فعليك أيها الولي أن تستشير ابنتك في خطيبها، هذا إذا كان المتقدم مرضي السيرة، أما إذا كان سيء السمعة والسيرة فلا مرحباً به ولا كرامة، بل إن من تمام المسؤولية عدم استشارتها في أمره، ويجب عليك أن تصرف ذلك الخاطب عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الأمر الثالث: وقد يكون غريباً عند البعض ومستشنعاً عند آخرين قد يترك بيت من بيوت المسلمين لا يطرقه خاطب وقد يكون في ذلك البيت فتاة أو أكثر شاهد القول أن تلك الفتاة قد تمكث أزماناً ولم يتقدم إليها أحد أو يتقدم لها من لا يصلح فتتعذب المسكينة في داخلها لكن الحياء يمنعها من إظهار ذلك!!! أيا ترى وفي مثل هذه الحال هل يمكن للولي أن يقوم بشيء في مصلحة ابنته؟؟ وجواب ذلك نقول: نعم ويؤجر عليه أجراً عظيماً ويثاب عليه وله سلف في ذلك، يمكنه أن يقوم بالبحث عن زوج يرضاه لابنته فيذكر له ذلك أو يوسط من يذكر له أن عنده فتاة في سن الزواج فلو تقدمت إليها، فإن رغب الشاب وإلا بحث عن غيره. ولا يقال: إن هذا من العيب ونحو ذلك، دع عنك هذا الكلام واستمع إلى ما قاله الإمام البخاري رحمه الله في الصحيح: بَاب عَرْضِ الْإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ، ثم ساق خبراً فيه أن عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان فلم يرغب ثم عرضها على الصديق فلم يرغب فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فدخلت باب التشريف، وسميت بأم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين. (1) ولما رأى صاحب مدين ما في موسى من الصفات الحسنة عرض عليه الزواج من إحدى ابنتيه فقال: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} القصص: 27، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: ليس من العيب أن يبحث الرجل عن زوج صالح لابنته أو أخته. أ. هـ.   (1) البخاري 4728 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الأمر الرابع: من براءة الذمة أن يخبر الولي الخاطب بما يكون في تلك المخطوبة من الأمور التي قد تحل عقد الزوجية إذا علم بها الزوج وذلك مثل العيب الخلقي الواضح أو المرض الخطير ونحو ذلك. الأمر الخامس: السؤال والبحث عن حال الخاطب، وهذا من المسؤولية بمكان عظيم، فبعض الأولياء قد يتقدم إلى ابنته خاطب لم يكن عنده سابق علم به فيكتفي ببحث يسير أو معرفة عامة عن ذلك الخاطب، وهذا لا يكفي في هذا المقام، بل عليك أيها الولي أن تتحرى وتسأل حتى يتبين لك حاله أتم بيان فإما أن تقبله براحة أو ترده بقناعة. الأمر السادس: يتهاون كثير من الأولياء في شأن الخاطب الذي يتهاون بالصلاة بحجة أن غيره كانوا على شاكلته ثم منَّ الله عليهم بالهداية، ولا ريب أن هذا من تلبيس الشيطان عليهم، وإلا فبأي وازع يسمح الولي لنفسه أن يزوج ابنته من رجل يتهاون بالصلاة؟ فمن لم يراقب الله ويقوم بما أوجب الله عليه فمن باب أولى ألا يقوم بحقوق زوجته وأولاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 صفات الزوج الصالح (1) قال صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» . (2) أيها الأخوة بارك الله لكم وبارك فيكم، في بداية الوصية استوصوا بالنساء خيرا، وفي نهايتها استوصوا بالنساء خيرا. وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ   (1) أبو البراء التعمري، استفدت هذا الكلام من كتاب الشيخ: أبو إسلام صالح طه تبصرة الأنام بالحقوق في الإسلام. وكتاب الشيخ: محمد موسى نصر النبي صلى الله عليه وسلم في بيته (2) البخاري 3084، ومسلم 2671 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» . (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم وهو في فراش الموت «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ» . (2) أيها الأخوة في الله وللزوجة على زوجها حقوق كثيرة جدا منها: أولاً:أن يعاشرها بالمعروف استجابة لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} النساء: 19،ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (3)   (1) الترمذي 1083 وقال حسن صحيخ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2) ابن ماجة 1614، وصححه الألباني في الإرواء 7 / 238 (3) الترمذي 3830 وقال حسن غريب صحيح، وابن ماجه 1967، وصححه الألباني في الصحيحة 285 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 والخيرية للمرأة ليست بالأثاث الفاخر والمنزل الكبير والسيارة الفاخرة!! لا، إنما أن تؤدي لها حقها. فرسولنا صلى الله عليه وسلم من خير الناس لنسائه، ومع ذلك كانت عائشة رضي الله عنها تنام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ضيقة، فكان صلى الله عليه وسلم (1) إذا سجد بالليل وهو يصلي غمز عائشة حتى يتمكن من أن يسجد فإذا قام من سجوده مدت رجلها. لقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى في حسن معاملة زوجاته رضي الله عنهن فتعالوا بنا لندخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنرى ماذا كان يجري بين تلك الجدران المباركة. كان النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس نساءً، فقد أباح الله له أن يتزوج ما شاء من النساء (2) ، ولم يبح الله لأحد سوى نبيه صلى   (1) البخاري 639، ومسلم 796 (2) لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الأحزاب:50 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الله عليه وسلم أن يتجاوز الأربع من الحرائر، وقد كان يتعامل صلى الله عليه وسلم مع زوجاته بالعدل والإنصاف ويقسم بالسوية ولا يميل نحو هذه دون تلك، وقد ضرب أروع الأمثلة للأزواج في العدل بين نسائهم. الرجل اليوم إذا كان عنده امرأة واحدة قلما يعطيها حقها كاملا بسبب قلة الدين والغفلة والجهل وحب الهوى وحب الذات وقلة ذات اليد وكثرة المتطلبات المعيشية، فكيف إذا كان عند الرجل أربع نساء، لا شك أنه أبعد ما يكون من العدل، إلا من رحم الله. نبينا عليه الصلاة والسلام كان عنده تسع نساء، ويقسم بينهن بالسوية في النفقة والكسوة، وفي الطعام، وفي المبيت، ويقرع بينهن إذا أراد أن يسافر، فأيها خرج سهمها خرجت معه، وكلهن يرضين بهذه القرعة من غير اعتراض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وبلغ من معاشرته عليه الصلاة والسلام لنسائه، أنه كان يداعب عائشة، وكان يناديها يا عائش على سبيل الترخيم والمداعبة، وبلغ منه عليه السلام أنه يضع فمه في موضع فيها في الشرب من الإناء، بل أنه «كَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ (1) فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ فَأَعْتَرِقُ مِنْهُ ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَعْتَرِقُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنْ الْعَرْقِ وَيَدْعُو بِالشَّرَابِ فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَآخُذُهُ فَأَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنْ الْقَدَحِ» (2) . بل أنه عليه الصلاة والسلام بلغ من تواضعه ومداعبته أهله والتحبب إليها، أنه سابقها يوما في أول الزواج فسبقته، ثم إنه بعدُ تسابق   (1) وهو اللحم أو لحم الذراع (2) النسائي، وصحح الألباني إسناده في الإرواء 1972 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 معها بعدما حملت اللحم - يعني أصبحت سمينة - فسبقها عليه السلام، وقال لها «هَذِهِ بِتِلْكَ» (1) . وكان صلى الله عليه وسلم يحزنه ما يحزن نساءه، ويسره ما يسرهن، فلما رأى عائشة في حجة الوداع قد حاضت ورجع الناس بحجة، فحزنت لذلك، أمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم لتأتي بعمرة تطييبا لخاطرها (2) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته عاملا مشاركا معينا لأهله، لا يفعل كما يفعل كثير من الأزواج اليوم، بقول: هذه زوجتي وهي مأمورة بخدمتي ولا علي، وإنما يجلس في بيته يضع رجلا على رجل يصدر الأوامر هات كذا، اذهبي، تعالي، افعلي كذا، ليس عنده شغل في البيت إلا إصدار الأوامر، لا يتحمل شيئا من المسؤوليات ولا التبعات.   (1) أبو داود 2214 ونصه: «عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» (2) البخاري 1459، مسلم 2115 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ» (1) ، أو يقوم في مهنة أهله، يعني ربما قام بالعمل الممتهن، وقد ثبت أنه عليه السلام كان يعين أهله، ولا عيب على الرجل أن يعين أهله، إذا دخلت بيتك ووجدت أهلك مشغولة في عمل ما فتطلب الأمر منك مثلا - أن تعد رضاعة الحليب للبنت أو للطفل، ما الذي يضرك من ذلك؟ أو أن تحضر الطعام، فلا حرج في ذلك، ففي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة. ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأكمل والأمثل في عدله بين نسائه، ففي البيت كان يقسم الأيام بينهن، ويعطي كل ذي حق حقه. فصلوات ربي وسلامه عليه. ثانيا: ومن حق الزوجة على زوجها أن يُطعمها، ويكسوها من الحلال، ويؤدبها كما أمره الله إذا رأى منها نشوزاً.   (1) البخاري 635، 4944، 5579 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 قال صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم «أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» (2) . وأما نشوز المرأة - ويا للأسف أيها الأخوة ففي هذه الأيام إذا نشزت المرأة لم يحسن الزوج التعامل معها فتراه أما أن يضربها ضربا مبرحا أو أن يقوم بتطليقها وللأسف الشديد وذلك جهلا منه وعدم معرفة -. فتعالوا لنرى كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم نشوز المرأة: كان عليه السلام رفيقا، لم يثبت عنه عليه السلام أنه ضرب زوجة أو   (1) أبو داود 1830، وقال الألباني حسن صحيح - صحيح سنن أبي داود (2) الترمذي 1083 وقال حسن صحيح، وابن ماجة 1841، وحسنه الألباني في الإرواء 1997 و 2030 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 خادما أبدا، وقال عليه السلام يوما «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» (1) . وقد أباح الشرع للرجل ضرب زوجته أحيانا عند الحاجة والضرورة، وبشروط وحالات خاصة، وعلى مراحل، فلا يصار ولا يلجأ إلى الضرب، من أول مرة، وهناك صفة لهذا الضرب وهو: أن يكون ضربا غير مبرح لا يكسر ولا يورم ولا يجرح ولا يدمي، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} النساء: 34، فجعل الضرب في المرحلة الثالثة، وقبل الضرب أباح الشرع للرجل أن يعلق السوط أو العصا ليرهب أهله (2) ، ليريهم أن العصا حاضرة، وأنه ممكن أن يلجأ إليها في بعض   (1) أبو داود 1834، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2) «عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَب» .الطبراني في الكبير 10521 و 10522 و 10523، وفي الأوسط 4535،وعبد الرزاق 17963 و 20123، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، و «أمر بتعليق السوط في البيت» الأدب المفرد 1270 وصححه الألباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الأحوال حين يقتضي الأمر ذلك. وقدم الوعظ والإرشاد والزجر على الضرب. والهجر في المضجع يكون بأن يبيت معها في الفراش ويليها ظهره، وهذا أشد إيلاما من الضرب خصوصا للمرأة التي اعتادت زوجها وأحبته وتعلق قلبها به، فضرب النساء ليس بطولة. وقد حدثني أحدهم عن رجل ضرب زوجته فكان يلكمها وكأنه في حلبة للملاكمة فكانت إذا أغمي عليها جاء برأس من البصل فيضعه على أنفها لتستيقظ ومن ثم يعاود ضربها؛ فبئس الزوج هذا الذي يضرب زوجته ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثالثا: ومن حق الزوجة على زوجها أن يعطيها حقها في الفراش. قال الله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 228، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنِّي أُحِبّ أَنْ أَتَزَيَّن لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن لِي) (1) ، و «آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي   (1) الطبري 1765، وابن أبي حاتم 2335، البيهقي 15125، وابن أبي شيبة 4 / 183 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ سَلْمَانُ» (1) . رابعا: ومن حق الزوجة على زوجها أن يحفظ سرها عامة، وسر الفراش خاصة. وهذا أيها الأخوة والله ما عاد الرجل يرقب فيه إلّا ولا ذمة لا سيما أن الذمم قد ضعفت في هذه الأيام فترى الرجل ما أن يتزوج حتى   (1) البخاري 1832، 5673 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 يخبر أصدقاءه بما فعل في تلك الليلة، إلا من رحم ربي ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (1) خامسا: الصبر على أذى النساء. فقد كان عليه الصلاة والسلام يصبر على أذى النساء وربما كانت نساؤه يراجعنه في الأمر، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» . (2) المرأة هي المرأة خلقت هكذا، فيها اعوجاج، فيها خير وفيها شر، فعليك يا مسلم يا عبد الله أن تستمتع بها وأن ترفق بها، إذا ابتغيت امرأة   (1) مسلم 2597 (2) البخاري 3084، مسلم 2671 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كاملة الأوصاف فلن تجد وهيهات هيهات، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (1) ويحسن بنا أن نختم هذا الموضوع بما ذكره الإمام ابن حزم من بيان مجمل لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، قال رحمه الله (2) : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلقٍ عظيم، كما وصفه ربه تعالى. وكان صلوات الله عليه وسلامه أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمس قط يده امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرمٍ منه. وكان عليه الصلاة والسلام أسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، فإن فضل، ولم يجد من يعطيه ويجنه الليل، لم يأو منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله تعالى إلا قوت عامه فقط، من أيسر ما يجد من الشعير والتمر،   (1) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض (2) جوامع السيرة ص40 وما بعدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 ويضع سائر ذلك في سبيل الله تعالى. لا يسأل لله شيئاً إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى يحتاج قبل انقضاء العام. يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن. أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، يجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، ويكافئ عليها ويأكلها. ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، تستعتبه الأمة والمسكين، فيتبعها حيث دعواه، ولا يغضب لنفسه، ويغضب لربه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه، يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ومرة يأكل ما وجد، لا يرد ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضر، ولا يتورع عن مطعم حلال، إن وجد تمراً دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بر أكله، وإن وجد حلواء أو عسلاً أكله، وإن وجد لبناً دون خبز اكتفى به، وإن وجد بطيخاً أو رطباً أكله. لا يأكل متئكاً ولا على خوان، منديله باطن قدميه، لم يشبع من خبز بر ثلاثاً تباعاً حتى لقي الله تعالى، إيثاراً على نفسه، لا فقراً، ولا بخلاً. يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز. يمشي وحده بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 يدي أعدائه بلا حارس. أشد الناس تواضعاً، وأسكتهم في غير كبر، وأبلغهم في غير تطويل، وأحسنهم بشراً. لا يهوله شيء من أمور الدنيا. ويلبس ما وجد، فمرة شملة، ومرة برد حبرة يمانياً، ومرة جبة صوف، ما وجد من المباح، لبس خاتم فضة، فصه منه، يلبسه في خنصره الأيمن، وربما في الأيسر. يردف خلفه عبده أو غيره. يركب ما أمكنه، مرة فرساً، ومرة بعيراً، ومرة حماراً، ومرة بغلة شهباء، ومرة راجلاً حافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة. يعود كذلك المرضى في أقصى المدينة. يحب الطيب، ويكره الريح الرديئة. يجالس الفقراء، ويواكل المساكين، ويلزم أهل في أخلاقهم، ويستألف أهل الشرف بالبر لهم. يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر. يمزح ولا يقول إلا حقاً، يضحك في غير قهقة، ويرى اللعب المباح فلا ينكره. ويسابق أهله على الأقدام، ويرفع الأصوات عليه فيصبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 له لقاح (1) وغنم، يتقوت هو أهله من ألبانها. وله عبيد وإماء، لا يتفضل عليهم في مأكل ولا ملبس. ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى، أو فيما لابد له من صلاح نفسه. يخرج إلى بساتين أصحابه، ويقبل البر اليسير، ويشرب النبيذ الحلو. ولا يحقر مسكيناً لفقره وزمانته، ولا يهاب ملكاً لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله تعالى مستوياً. أُطعم السم، وسحر، فلم يقتل من سمه، ولا من سحره، إذ لم ير عليهما قتلاً، ولو وجب ذلك عليها لما تركهما. قد جمع الله له السيرة الفاضلة، والسياسة التامة. وهو صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، ونشأ في بلاد الجهل والصحارى، في بلد فقر، وذي رعية غنم. ورباه الله تعالى محفوفاً باللطف، يتيماً لا أب له، ولا أم، فعلمه الله جميع محاسن الأخلاق، والطرق الحميدة. وأوحى إليه جل وعلا أخبار الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة، والغبطة والخلاص في الدنيا، ولزوم الواجب، وترك الفضول من كل شيء. وفقنا الله تعالى   (1) لقاح: إبل، جمع لقحة ولقوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 لطاعته عليه الصلاة والسلام في أمره، والتأسي به في فعله، إلا فيما يخص به، آمين) ا. هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 رسالة إلى الأزواج .... فقط!! (1) إن من المُشَاهَد على الواقع؛ أن كل إنسان ينظر إلى حقوقه في الدنيا بنظرة المتعطش اللهفان على تحقيقها وتلبيتها، وهذا لن يتحقق له لأن هذه فطرة الله تعالى في خلقه في هذه الدنيا ـ همّ حزن غضب رضا صفاء كدر سعادة نكد ـ، بل ويطالب بها بكل ما أوتي من قوة، وإن من أبرز المطالِبين بحقوقهم نحو الفريق الآخر؛ هم الرجال. فالزوج يطالب زوجته بأن تكون زوجة مثالية، ودودة، عطوفة، مجيبة ومطيعة لأوامره، متجملة متزينة جذابة ... الخ. وفي المقابل بعض الأزواج يكيلون الإهانات لزوجاتهم، ويضيعون الحقوق الواجبة عليهم تجاههن. نعم للزوج حقوق واجبة على زوجته، ولكن أين حقوق الزوجة عند زوجها؟   (1) أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فالزوجة تتساءل؛ الكُتّاب يكتبون، والمطابع تنتج لنا الكتب العديدة المختلفة الأساليب في بيان حقوق الزوج على زوجته، بينما نرى القليل من هذا الكمّ الهائل من المؤلفات؛ يتكلم عن حقوق الزوجة على زوجها، أوليس لنا نصيب من الحقوق فتوجه النصائح نحو أزواجنا كي تعتدل الكفة بالنصائح والتوجيهات ولتستقيم الحياة الزوجية وتستقر، مع علمنا أن الشريعةلم تُهمل هذا الجانب؟! فنقول: بلى. إن للزوجة على زوجها حقوقاً كثيرة، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} النساء:19 قال السعدي (1) : (وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة   (1) تيسير الكريم الرحمن 1 / 172 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنِّي أُحِبّ أَنْ أَتَزَيَّن لِلْمَرْأَةِ , كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن لِي ; لِأَنَّ اللَّه يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة:228، وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن الله يقول {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} البقرة:228) . (1) ، وأعلى من قول ابن عباس؛ قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، أنه سئل «مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» (2) .   (1) الطبري 3765، وابن أبي حاتم 2335، البيهقي في السنن الكبرى 15125، وابن أبي شيبة 4/183 (2) أبو داود 1830، وقال الألباني حسن صحيح - صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وفي خِضَم مطالبة البعض بحقوق المرأة، وهم في الحقيقة يطالبون بخروج المرأة في الشارع ومزاحمة الرجال. ونحن نقول: لا، ليس هذا الذي نطالب به، ولكننا نقول: إن للمرأة - وأخصص هنا - (الزوجة) حقوقاً مشروعة نطالب بها الأزواج، فشتان بين تلك المطالب وبين ما نطالب به. وسأخاطب كل فئة من الأزواج بما فيهم من اعوجاج؛ لعلهم يقيمون ذلك الإعوجاج كي يسعدوا في حياتهم الزوجية، وسأخاطب البعض بالعقل، من باب قول علي رضي الله عنه: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ) (1) ، وسأتكلم بكلمات بسيطة ولن أتكلف في انتقاء العبارات، كي تصل إلى القلوب، وأن نصل إلى الغاية المنشودة، وهي التقليل والتخفيف من المشاكل الأسرية التي كثُرت في هذا الزمن بسبب الجهل أو التجاهل من الأزواج بالحقوق التي عليهم نحو زوجاتهم، ولا نقول أن المشاكل ستنقطع؛ بل هي الحياة الدنيا:   (1) البخاري 124 وهو من كلام علي رضي الله عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فأبدأ بذلك الرجل: التارك للصلاة فأقول له: ألا تستصغر نفسك إذا رأيت زوجتك وهي تصلي؟ ألا تحتقر نفسك إذا وجّهتك زوجتك وأيقظتك للصلاة؛ وأنت معاند لها؟ كيف تريد السعادة في بيتك وأنت تارك لركن من أركان الإسلام؟ كيف ترغب في الاطمئنان في حياتك الزوجية؛ وأنت لاهٍ عن ذكر الله؛ وإن الصلاة من ذكر الله تعالى؟ كيف تريد أن تسعد بالحلال مع زوجتك؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» (1) ،وقال: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ» (2) .   (1) الترمذي 2545 وقال حسن صحيح غريب، والنسائي 459، وابن ماجه 1069، وصححه الألباني في صحيح الترمذي وغيره (2) ابن ماجه 1070، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 565 و 567 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الرجل الثاني:صاحب السهر بالليل خارج الدار إلى منتصف الليل وقد يمتد إلى الفجر فأقول له: يا من تخرج من بيتك وتطيل السهر في لعب الورقة والشطرنج والطاولة.. وغيرها من اللهو المحرم كالذين يسهرون أما شاشات الفضائيات الإباحية، وأفلام الفيديو، والأغاني والموسيقى، والمسلسلات الخليعة، أو على المسكرات والمخدرات. أقول لهم اتقوا الله وراقبوه، أما تخشى أن يتسلط الشيطان على زوجتك؛ فيخرجها من البيت ... فتقع في ... ـ كما خرجت أنت ـ في ظل غيابك عن بيتك؟! ثم ماذا تريد الزوجة عندما خرجت من بيت والديها إلى عش الزوجية؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أكانت ترغب بأن تنتقل من بين جدران بيت أهلها إلى بين الجدران الأربعة لبيتك؟!! إنها ترغب في الدفء والحنان كما ترغب أنت في التمتع مع الزوجة الصالحة. فراجع نفسك قبل أن تندم ولات حين مندم؟ الرجل الثالث: ذو الأسْفار فما تَطِلُّ إجازة؛ إلا وحقائبه جاهزة، وجواز سفرة مؤشَّر، وتذكرة الطائرة في جيبه، يتنقل من دولة إلى دولة، إما إلى دول كافرة، وإما إلى دول فاسقة، ماذا يا تُرى سبب السفر؟ أهو للعبادة؟ أو للدعوة؟ أم للبحث عن البغـ ......... ؟ وشرب الـ ...... ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 كيف تجد نفسك وأنت عائد إلى زوجتك البريئة وقد حملت مرض الإيـ ... ؟ أما علمت أنك قصرت في حقها في التمتع والرسول صلى الله عليه وسلم لم يهمل هذا الجانب حتى وأنت معها على الفراش فقد رُوِيَ أنه قال: «إذا جامع أحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها كما يحب أن يقضي حاجته» (1) ، وإن كان الحديث ضعيف ولكن المعنى صحيح، فإن المرأة لها ما للرجل من متعة جنسية فلا يُغْفِل أحدُكم هذا الجانب، بسبب حيائها وعدم تصريحها بذلك. وقال العلامة السعدي رحمه الله في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة:228: (أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة   (1) ضعيف، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/295 رواه أبو يعلى 4090 وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص والعوائد. ... وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء -الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق) (1) . الرجل الرابع: ذاك التاجر الذي نهاره يركض في جمع المال، وبالليل ينام كالجيفة، لا يرعى حقوق زوجته في الفراش، ولا المؤانسة في الحديث. قال ابن كثير (2) رحمه الله: (وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم..، وكان   (1) تيسير الكريم الرحمن 1 / 101 (2) في تفسيره للآيات من سورة النساء 20،21،22 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك) . ا. هـ الرجل الخامس: الذي يخلط بين حقوق الوالدين وبين حقوق الزوجة فيجحف في حق الزوجة على حساب حقوقها الواجبة لها شرعاً أو بظلمها أحياناً مبرراً ذلك الظلم؛ أنه بِرّاً بوالديه. أقول ـ وليس هذا استعداء الزوجات على أزوجهن، ولكنه من باب النصح والتوضيح لمن يجهل هذا الأمر، أو يجعل ذلك التصرف من الشهامة والرجولة ـ: إن خدمة الزوجة لوالدي الزوج؛ ليست بواجبة شرعاً، ولكنها من باب حسن العشرة الزوجية، ومن مستلزمات المودة والمحبة التي تحملها لزوجها، فلينتبه الأزواج إلى هذه النقطة، وهي الأكثر إشعالاً للفتنة وإيغار الصدور بين الزوجين، حيث أنه يرى أن خدمتها لأبوية واجبة عليها ورغم أنفها، وما هي إلا خادمة له ولأبوية، وهي ترى أنها مضطهدة ومظلومة في ذلك، فينشب الخلاف وتدب نار الفتنة بين الزوجين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 والذي يزيد "الطين بِلَّة" هو: أن بعض الأزواج يطالب زوجته بخدمة والديه والوقوف بجانبهما في المحن، والتودد إليهما وتلبية طلباتهما من غير توقف ولا تمعر وجه، بينما هو يعامل أهلها بأسوء معاملة وأقساها، بل ولا يعطيها فرصة بأن تقف بجوار والديها في أيام محنتهما وحاجتهما لابنتهم، ولسان حاله يقول: خلاص؛ أنتِ خرجتي من بيت أهلك وأصبحت ملكي لا عاد تفكرين في أهلك، وممكن يكون هذا بلسان المقال من بعض الأزواج، وكأنه يريد أن يفصلها عن أهلها تماما. وهذه من أقبح المواقف للزوج، بل هي الأنانية؛ بل هي الظلم والاضطهاد. كيف تريد من زوجتك أن تخدم أبويك وتعاملهم معاملة حسنة كما ينبغي عليها؛ بنفسٍ مشتاقة وتائقة لكسب ودِّكَ وابتغاء مرضات ربها بذلك؛ وأنت تقابل والديها ـ اللذان كانا السبب في اقترانك بهذه الزوجة ـ بوجهٍ مكفهرٍ، وربما جرحتها في أبويها بكلمة أنت لا ترضاها في حق والديك؟؟!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أضف إلى ذلك؛ أنك بتعاملك المشين مع والدَيْ زوجتك ومطالبتك إياها بخدمة والديك وطاعتهما؛ تُضَيِّع على زوجتك الإحتساب ـ إحتساب أجر خدمتها والتودد لأبويك من الله تعالى ـ، حيث أنها لا تفكر في ذلك بقدر ما تفكر بأن تُسَكِّنْ غضبك، وتكتفي شرك. فالمطلوب من الأزواج: أن يترفقوا بنفسية زوجاتهم، وليعلموا أنهن بشر مثلهم، يتضايقون ممن يُسيء لأهلن، وممن يجرح كرامتهن، وكان صلى الله عليه وسلم أرفق الناس بالنساء ولنا فيه أسوة وقدوة حسنة، قال ذات يومٍ لحاد الإبل: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالْقَوَارِيرِ» (1) ، يعني بالقوارير؛   (1) البخاري 5741، وفي لفظ «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» 5683، «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ» 5695، وفي لفظ «يَا أَنْجَشُ رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» 5734، ومسلم 4287 «يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» ، وفي لفط «أَيْ أَنْجَشَةُ رُوَيْدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» 4289. وقال الحافظ في الفتح (كِتَاب الْأَدَبِ/ بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْه..ُ) : (فِي رِوَايَة هِشَام عَنْ قَتَادَةَ «رُوَيْدك سَوْقك وَلَا تَكْسِر الْقَوَارِير» وَزَادَ حَمَّاد فِي رِوَايَته عَنْ أَيُّوب قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: يَعْنِي النِّسَاء، فَفِي رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ «وَلَا تَكْسِر الْقَوَارِير» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَة النِّسَاء وَالْقَوَارِير جَمْع قَارُورَة وَهِيَ الزُّجَاجَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الشَّرَاب فِيهَا. وَقَالَ الرّامَهُرْمُزِيّ: كَنَّى عَنْ النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لِرِقَّتِهِنَّ وَضَعْفهنَّ عَنْ الْحَرَكَة، وَالنِّسَاء يُشَبَّهْنَ بِالْقَوَارِيرِ فِي الرِّقَّة وَاللَّطَافَة وَضَعْف الْبِنْيَة، وَقِيلَ: الْمَعْنَى سُقْهُنَّ كَسَوْقِك الْقَوَارِير لَوْ كَانَتْ مَحْمُولَة عَلَى الْإِبِل، وَقَالَ غَيْره: شَبَّهَهُنَّ بِالْقَوَارِيرِ لِسُرْعَةِ اِنْقِلَابهنَّ عَنْ الرِّضَا، وَقِلَّة دَوَامهنَّ عَلَى الْوَفَاء، كَالْقَوَارِيرِ يُسْرِع إِلَيْهَا الْكَسْر وَلَا تَقْبَل الْجَبْر، وَقَدْ اِسْتَعْمَلَتْ الشُّعَرَاء ذَلِكَ، قَالَ بَشَّار: اُرْفُقْ بِعَمْرٍو إِذَا حَرَّكْت نِسْبَته فَإِنَّهُ عَرَبِيّ مِنْ قَوَارِير قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ: «سَوْقك بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هَذَا قَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ لِأَهْلِ الْعِرَاق لِمَا كَانَ عِنْدَهمْ مِنْ التَّكَلُّف وَمُعَارَضَة الْحَقّ بِالْبَاطِلِ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّ شَرْط الِاسْتِعَارَة أَنْ يَكُون وَجْه الشَّبَه جَلِيًّا، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَارُورَة وَالْمَرْأَة وَجْه لِلتَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتهمَا ظَاهِر، لَكِنْ الْحَقّ أَنَّهُ كَلَام فِي غَايَة الْحُسْن وَالسَّلَامَة عَنْ الْعَيْب؛ وَلَا يَلْزَم فِي الِاسْتِعَارَة أَنْ يَكُون جَلَاء وَجْه الشَّبَه مِنْ حَيْثُ ذَاتهمَا، بَلْ يَكْفِي الْجَلَاء الْحَاصِل مِنْ الْقَرَائِن الْحَاصِلَة، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ. قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَصَدَ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَة مِنْ مِثْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَلَاغَة، وَلَوْ صَدَرَتْ مِنْ غَيْره مِمَّنْ لَا بَلَاغَة لَهُ لَعِبْتُمُوهَا. قَالَ وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِمَنْصِبِ أَبِي قِلَابَةَ. قُلْت: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ بَعِيدًا وَلَكِنَّ الْمُرَاد مَنْ كَانَ يَتَنَطَّع فِي الْعِبَارَة وَيَتَجَنَّب الْأَلْفَاظ الَّتِي تَشْتَمِل عَلَى شَيْء مِنْ الْهَزْل. وَقَرِيب مِنْ ذَلِكَ قَوْل شَدَّاد بْن أَوْس الصَّحَابِيّ لِغُلَامِهِ: اِئْتِنَا بِسُفْرَةٍ نَعْبَث بِهَا، فَأَنْكَرْت عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ أَنْجَشَة أَسْوَد وَكَانَ فِي سَوْقه عُنْف، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفُق بِالْمَطَايَا. وَقِيلَ: كَانَ حَسَن الصَّوْت بِالْحُدَاءِ فَكَرِهَ أَنْ تَسْمَع النِّسَاء الْحُدَاء فَإِنَّ حُسْن الصَّوْت يُحَرِّك مِنْ النُّفُوس، فَشَبَّهَ ضَعْف عَزَائِمهنَّ وَسُرْعَة تَأْثِير الصَّوْت فِيهِنَّ بِالْقَوَارِيرِ فِي سُرْعَة الْكَسْر إِلَيْهَا. وَجَزَمَ اِبْن بَطَّال بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: الْقَوَارِير كِنَايَة عَنْ النِّسَاء اللَّاتِي كُنَّ عَلَى الْإِبِل الَّتِي تُسَاق حِينَئِذٍ، فَأَمَرَ الْحَادِي بِالرِّفْقِ فِي الْحُدَاء لِأَنَّهُ يَحُثُّ الْإِبِل حَتَّى تُسْرِع فَإِذَا أَسْرَعَتْ لَمْ يُؤْمَن عَلَى النِّسَاء السُّقُوط، وَإِذَا مَشَتْ رُوَيْدًا أُمِنَ عَلَى النِّسَاء السُّقُوط، قَالَ: وَهَذَا مِنْ الِاسْتِعَارَة الْبَدِيعَة؛ لِأَنَّ الْقَوَارِير أَسْرَع شَيْء تَكْسِيرًا، فَأَفَادَتْ الْكِنَايَة مِنْ الْحَضّ عَلَى الرِّفْق بِالنِّسَاءِ فِي السَّيْر مَا لَمْ تُفِدْهُ الْحَقِيقَة لَوْ قَالَ اُرْفُقْ بِالنِّسَاءِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هِيَ اِسْتِعَارَة لِأَنَّ الْمُشَبَّه بِهِ غَيْر مَذْكُور، وَالْقَرِينَة حَالِيَّة لَا مَقَالِيَّة، وَلَفْظ الْكَسْر تَرْشِيح لَهَا. وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ بِالثَّانِي وَقَالَ: شَبَّهَ النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لِضَعْفِ عَزَائِمهنَّ، وَالْقَوَارِير يُسْرِع إِلَيْهَا الْكَسْر، فَخَشِيَ مِنْ سَمَاعهنَّ النَّشِيد الَّذِي يَحْدُو بِهِ أَنْ يَقَع بِقُلُوبِهِنَّ مِنْهُ، فَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ، فَشَبَّهَ عَزَائِمهنَّ بِسُرْعَةِ تَأْثِير الصَّوْت فِيهِنَّ بِالْقَوَارِيرِ فِي إِسْرَاع الْكَسْر إِلَيْهَا. وَرَجَّحَ عِيَاض هَذَا الثَّانِي فَقَالَ هَذَا أَشْبَه بِمَسَاقِ الْكَلَام، وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَام أَبِي قِلَابَةَ، وَإِلَّا فَلَوْ عَبَّرَ عَنْ السُّقُوط بِالْكَسْرِ لَمْ يَعِبْهُ أَحَد. وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ: شَبَّهَهُنَّ بِالْقَوَارِيرِ لِسُرْعَةِ تَأَثُّرهنَّ وَعَدَم تَجَلُّدهنَّ، فَخَافَ عَلَيْهِنَّ مِنْ حَثِّ السَّيْر بِسُرْعَةِ السُّقُوط أَوْ التَّأَلُّم مِنْ كَثْرَة الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب النَّاشِئ عَنْ السُّرْعَة، أَوْ خَافَ عَلَيْهِنَّ الْفِتْنَة مِنْ سَمَاع النَّشِيد. قُلْت: وَالرَّاجِح عِنْدَ الْبُخَارِيّ الثَّانِي، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيث فِي " بَاب الْمَعَارِيض "، وَلَوْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الْأَوَّل لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوَارِير تَعْرِيض.) ا. هـ فتح الباري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 النساء ـ شبههن بالقوارير لضعفهن ـ، فلْيُجرب الأزواج حسن التعامل مع أهل زوجاتهم، وليعطِهَا فرصة لقضاء حوائج والديها أو بعضها، وليُظهر اللّين والتودد لوالديها؛ فإن الزوجة تتفانى في خدمة زوجها ووالديه إن رأت ذلك من زوجها، ولا تنظروا إلى الشواذّ من النساء اللّاتي يقابلن الحسنة بالسيئة، ثم بعد هذا؛ لينظر الزوج الفرق، فسيجد الراحة النفسية قد عادت إليه، وامتلاء بيته بالسعادة. الرجل السادس: الداعية إلى الله الذي يجوب البلاد طولاً وعرضاً؛ في محاضرات ودروس، وقد يمتد ذلك إلى برامج ومواعيد مع القنوات الفضائية، وإذا جاءت الفرصة لدخوله المنزل؛ انشغل مع "الإنترنت"وكتابة البحوث، والتأليف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 هذه من فروض الكفايات، ويترك واجباته نحو زوجته، وينطبق عليه المثل الشعبي "كالشمعة تحرق نفسها وتنير لغيرها الطريق". (جاءت امرأة إلى عمر فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، قال: أفتأمريني أن أمنعه قيام الليل وصيام النهار؟ فانطلقت، ثم عاودته بعد ذلك، فقالت له مثل ذلك، ورد عليها مثل قوله الاول. فقال له كعب بن سور: يا أمير المؤمنين! إن لها حقا، قال: وما حقها؟ قال: أحل الله له أربعا، فاجعل لها واحدة من الاربع، لها في كل أربع ليال ليلة، وفي أربعة أيام يوما، قال: فدعا عمر زوجها، وأمره أن يبيت معها من كل أربع ليال ليلة، ويفطر من كل أربعة أيام يوما) (1) . الرجل السابع:شرس الأخلاق   (1) عبد الرزاق 12588 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 غضب الوجه مع زوجته. ومع الآخرين؛ أدب وسماحة، وانبساط في الوجه مع البشاشة، وهذه الصفة رأيتها في بعض العوام، والمثقفين، والمتنسّكين ـ المستقيمين ـ على حدٍ سواء. فالواجب أن تكون دماثة أخلاقهم مع زوجاتهم أعلى وأفضل من أن تكون مع الآخرين، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، وهو الذي يقول ـ مخاطباً عثمان بن مطعون ـ: «أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَحْفَظَكُمْ لِحُدُودِهِ لأَنَا» (1) ، وقد قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (2) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ   (1) الطبراني في الكبير 8240، وعبد الرزاق 10375 (2) الترمذي 3830 وقال حسن غريب صحيح، وابن ماجه 1967، وصححه الألباني في الصحيحة 285 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» (1) . ومن دماثة خُلقه وتودده لأزواجه صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام جميل العشرة دائم البشر يضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودد إليها بذلك. الرجل الثامن: ذاك الذي يُنَزِّل النصوص في غير مواضعها أو يستغل النصوص التي تنصره ويتشبث بها من غير أن يراعي مصالح الغير، أضرب أمثلة كي يتضح ما قَصَدتُ، يستغل بعض الأزواج قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ» (2) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إِذَا   (1) أبو داود 1834، وابن ماجه 1975، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2) الترمذي 1080 وقال حسن غريب، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة 1202 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» (1) . وهذه أحاديث لا شك في صحتها، وتذكيره لزوجته بها شي طيب بل ومطلوب، وعلى الزوجة مراعاة حق زوجها في ذلك؛ بل يجب عليها شرعاً، ولكن مراعاة المصلحة من جهة الزوج في مطالبته زوجته في ذلك؛ أمرٌ مطلوب، فالزوجة كما أسلفنا بشر. فأحياناً تكون في نفسية لا تساعدها لتلبية رغبتك في أي وقت، أو في الوقت الذي طلبتها فيه، فممكن تكون امرأة حامل، ففي فترة الحمل الزوجة تمر بظروف وأحوال لا يحس بها الزوج، فقد يحملها الوحمُ على كره زوجها والاقتراب منها بل ويصل الأمر إلى كراهة رائحته من على بعد، ففي هذه الحال يجب على الزوج مراعاة هذا، والصبر والاحتساب.   (1) البخاري 4794،2998، ومسلم 2594، 2596 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وممكن أن تكون الزوجة سمعت بمشكلة عند أهلها أو أتاها خبر مفزع من جهة أهلها؛ فهي قلقة من ذلك ولا تريد أن تشغلك به معها فانعكس ذلك على نفسيّتها وتصرفاتها. وممكن أن تكون متعبة من عمل البيت، أو مريضة وفي نفس الوقت لا تحب أن تشعرك بما فيها رغبة منها على محافظة شعورك، ومحبة فيك، أو تكون منشغلة بأطفالها إما لمرض أحدهم أو العناية بهم، فماذا تقدم رغبتك أم رعاية أطفالها الصغار الذين هم أمانة عندها وعندك أيضاً؟ !!! لا شك أنها ستكون في حرج وحالة نفسية سيئة؛ فتأتيك راغمة ومن غير استمتاع ولا راحة ـ وكأنها دمية بين يديك ـ إنْ لم تراع موقفها وتصبر. ولْنَكُنْ منصفين في حق نسائنا، ومعترفين؛ بأن النساء غالباً والأغلب، إن لم أقل كلُهنّ ـ إلا الشاذة منهنّ ـ؛ يتقربن إلى أزواجهن في مسألة الفراش، وهنّ في سبب ذلك التقرب على ثلاثة طوائف: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الطائفة الأولى: تتقرب لزوجها في الفراش؛ طاعةً لله تعالى ـ تعبداً ـ، محتسبة الأجر منه جل جلاله، بإرضاء زوجها بقضاء وطره، وغض بصره، ورجاء ولدٍ صالح. الطائفة الثانية: تتقرب لزوجها في الفراش؛ رغبة في الاستمتاع لا غير. الطائفة الثالثة: تتقرب لزوجها في الفراش؛ كي تحجبه من أن ينظر إلى غيرها، غَيْرَةً منها عليه فقط. ولاشك أن الأُولى جمعت فأوعت. والخلاصة: على الأزواج أن يراعوا المصالح، ومشاعر زوجاتهن في انتقاء الوقت لقضاء الوطر، وخاصة من لديه أولاد كبار، فإن الزوجة تخجل وتتحرج من أولادها ـ ذكوراً أو إناثا ـ لو رأَوْها وهي مبتلة الرأس. الرجل التاسع: ذاك الذي لا يُقيم لزوجته وزناً أمام أولادها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أو أمام أهله، أو أمام أهلها، فهو يحتقرها، ويزدريها، وإذا تكلمت أسكتها، وإذا أمرت أولادها أو أدبتهم؛ زجرها أمامهم، بل ويصل ببعض الرجال إلى أن يتجاهل زوجته في البيت؛ فليس لها رأي ولا تُلبى طلباتها سواء خاصة بها أو ما يتعلق بأولادهما، ويجعل اهتمامه بالأولاد مقدماً عليها، بل ويجعل أولادها يستمرؤون عصيانها وإهمالها، والضرب بأوامرها صفحاً، وهذا هو عين العقوق، فمن ذا الذي أعانهم على ذلك غيرك أيها الزوج الكريم؟ والبعض يزيد من سوء المعاملة أمام أهله، وكأنه يريد أن يقول لهم: أنا رجل والحرمة؛ مالها عندي رأي ولا كلمة. والبعض يهينها أمام أهلها، وكأنه يقول لها: أيش أهلك يسوون لي؛ أنا أتحداهم؟! وهذا مما يجعل العلاقة تسوء بين الزوجين، وتدب بينهما كراهية الاستمرار في العلاقة الزوجية وقد تسبب هذه الأمور إلى تفكيك الأسرة وتفرقها في النهاية. فعلى الأزواج أن يتقوا الله تعالى ويعرفوا لنساء قدرهنّ وأن يتحلّوا باحترام نسائهم وخاصة أمام الأولاد، بالنسبة أمام أهله، فليست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الرجولة والقوامة في أن تُرِي أهلك أنك صاحب الكلمة والسلطان في بيتك وعلى زوجتك؛ بسوء معاملتك لها وإهدار كرامتها وشخصيّتها واحتقارها، فانتبهوا أيها الرجال، ولتكن الحكمة ضالة المؤمن، وأما أمام أهلها، فأريهم منك حسن العشرة لابنتهم، فإنهم يفرحون بذلك منك، بل ويُعينونك بتوجيهها والتأكيد عليها بطاعتك وكسب رضاك، ولو لم تخرج من عندهم إلا بهذا؛ فأنت في مكسب كبير، وزد على ذلك أنك ستكسب زيادة محبة زوجتك لك وينعكس ذلك التصرف الحميد منك إلى أن تحترمك وتحترم كلمتك أمام أهلك، بل وتحترم أهلك لاحترامك مشاعر أهلها. الرجل العاشر: ذاك الذي يمنع زوجته من تعلم العلوم الشرعية في المعاهد الشرعية المتخصصة. وحجته: كل يوم تُحرِّمِين علينا شيء!! ولو طلبته أن تلتحق بمعهد الحاسب الآلي، أو اللغة الإنجليزية، أو التجميل وغيرها؛ لأخذها بيده في الحال.، وذلك لأنه لا يريدها أن تُعلمه الجائز والمحظور شرعاً، فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 يكون هو ممن يتعاطى شرب الدخان، أو الشيشة، أو ممن أباح لنفسه جلب الطبق الفضائي (الدُّش) للنظر إلى القنوات الفضائية الهابطة، وهي ـ أي الزوجة المستقيمة ـ في كل هذا تبين له الحكم الشرعي بعدم جواز ذلك، فيعتبر الزوج الفاضل؛ أن هذا تشدد ورجعية وتزمت، ويعتبره مضايقة لحريته في بيته، فيقول: الحل منعها، وكأنه يردد المثل القائل: "الباب اللي يجيك منه ريح؛ سُدّه واستريح"، وهذا المثل لا ينطبق على مثل هذا الوضع وهذه الحال، بل مثل هذه الزوجة يجب على الزوج؛ التمسك بها والعض عليها بالنواجذ، فإنها هي المرأة التي ندب إليها النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج منها حيث قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (1) الرجل الحادي عشر: ذاك المُقَتِّر الشحيح على أهل بيته في الإنفاق   (1) البخاري 4700، مسلم 2661 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الذي وسَّع الله عليه في الرزق وقصر الإنفاق على زوجته. نقول لقد ذمّ الله البخل والشح فقال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر:9، التغابن:16 عَنْ أَبِي الْهَيَّاج الْأَسَدِيّ، قَالَ: (كُنْت أَطُوف بِالْبَيْتِ، فَرَأَيْت رَجُلًا يَقُول: اللَّهُمَّ قِنِي شُحّ نَفْسِي، لَا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْت لَهُ، فَقَالَ إِنِّي إِذَا وُقِيَتْ شُحّ نَفْسِي لَمْ أَسْرِق، وَلَمْ أَزْنِ، وَلَمْ أَفْعَل شَيْئًا، وَإِذَا الرَّجُل عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف) (1) . يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (2) رحمه الله: (ومجيء الحس على القرض الحسن هنا بعد قضية الزوجية والأولاد وتوقي الشح يشعر بأن الإنفاق على الأولاد والزوجة إنما هو من باب القرض الحسن مع الله كما في قوله تعالى: {يَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالاٌّقْرَبِينَ} البقرة:215 وأقرب الأقربين بعد الوالدين هم   (1) الطبري 26248، وابن عساكر 35/294 (2) أضواء البيان في تفسير الآية 17 من سورة التغابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الأولاد والزوجة، وفي الحديث في الحث على الإنفاق «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ» (1)) ا. هـ وكان من صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة لنسائه يتلطف بهن ويوسعهن نفقته، وفي الحديث عند مسلم وغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (2) قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ. قلت: لأنه صلى الله عليه وسلم لا يختار لأمته إلا الأفضل. الرجل الثاني عشر: الذي يأتي أهله كالبهيمة   (1) البخاري 54 (2) مسلم 1660، وابن ماجه 2750 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 يتغَشَّاها من غير مقدمات للجماع، ويقول ابن القيم (1) : (وممَّا ينبغى تقديُمُه على الجِماع ملاعبةُ المرأة، وتقبيلُها، ومصُّ لِسانها، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُلاعبُ أهله، ويُقَبلُها) ، وروى أبو داود: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان يُقبِّلُ عائشةَ، ويمصُّ لِسَانَها» (2) . قلت: حديث "مصّ اللسان" ضعفه الألباني، ولكن لا يعني أن ذلك ممنوع شرعاً، بل هو من الاستمتاع المباح؛ ما لم يأتِ النهي عن ذلك. الرجل الثالث عشر: الذي يقْدُم من السفر على أهله ليلاً بغتةً من غير أن يشعرهم بقدومه، لأن ذلك الفعل لا تستحبه الزوجة، فهي تحب أن تستقبل زوجها في أحس حالٍ وأجمل منظر وفي أبها حلة مما   (1) زاد المعاد 4 / 253 (2) أبو داود 2038 وقال: قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هَذَا الْإِسْنَادُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وقال الحافظ في الفتح: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يبعث المحبة والشوق منه إليها، ولا تريد أن يرى منها زوجها ما تستعف نفسه منها، وقد راع ذلك الشارع الحكيم قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ» (1) . وهذه من الحقوق المهجورة تجاه الزوجة. قال الصنعاني (2) : (فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ التَّأَنِّي لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَشْعُرُوا بِقُدُومِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ بِزَمَانٍ يَتَّسِعُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَحْسِينِ هَيْئَاتِ مَنْ غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الِامْتِشَاطِ، وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِالْمُوسَى مَثَلًا مِنْ الْمَحَلَّاتِ الَّتِي يَحْسُنُ إزَالَتُهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَهْجُمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُمْ فِي هَيْئَةٍ غَيْرِ مُنَاسِبَةٍ فَيَنْفِرَ الزَّوْجُ عَنْهُنَّ، وَالْمُرَادُ إذَا سَافَرَ سَفَرًا يُطِيلُ فِيهِ الْغَيْبَةَ كَمَا دَلَّ لَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري   (1) البخاري 4845، ومسلم 3557 واللفظ له (2) سبل السلام شرح حديث 955 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 (1) : «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا» ) . ا. هـ، فعلى الزوج أن يخبر زوجته بقدومه بالوسائل المتاحة، كي تتأهب له وتتزين. الرجل الرابع عشر: ذلك الرجل الذي تتزيَّن له زوجته في خلوتهما بما ترى أنها تَقرُ عين زوجها به من زينة وحسن منظر ـ سواء ملابس نوم بجميع أنواعها وأشكالها، أو مكياج ـ، فتُفاجأ الزوجة برفض ذلك من زوجها؛ بل ويصفها بأنها كصويحبات اللهو الساقطات ـ اللاتي يشاهدها في الشاشات، أو قد يكون شاهدها من قبل إن كان اليوم هو من المستقيمين ـ.، فالواجب عليك أيها الزوج الكريم أن تستمتع بزوجتك الصالحة والتي تريد أن تملئ عينيك كي لا تحتاج إلى أن تنظر إلى الحرام بحسرة. وقد كن نساء السلف يفعلن ذلك، بل ونساء النبي صلى الله عليه وسلم فعلنه ـ أعني التزين ـ، فهذه عائشة أم المؤمنين الصّديقة بنت الصديق رضي الله عن أبيها وعنها؛ تقص قصتها مع الزينة فتقول:   (1) البخاري 4843 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْتُ صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْتُ لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ» (1) . أخي الكريم! إنْ كان هناك ما تكرهه على زوجتك أو تلاحظ عليها شيئاً؛ فوجهها بالحسنى ولا تُعنف، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. فخاتمة الحديث السابق فيه التوجيه من الرسول صلى الله عليه وسلم فتقول عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْتُ لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ» (2) . فرويدكم أيها الرجال بالقوارير، وتأدبوا بالأدب النبوي تفلحوا وتسعدوا.   (1) أبو داود 1338، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2) نفس الحديث السابق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الرجل الخامس عشر: الرجل الطيب النفس مع أهله بدرجة كبيرة حتى وصل الأمر به إلى أنه ارتكب وتلبس بصفة لا يُحمد عليها، وهي: أنه ضعيف الشخصية في بيته وعلى زوجته بالذات، فـ"تَرَكَ الحبلَ على الغارب"، فهي التي تروح وتغدو به، وتُسيِّره على كيفها، فهو كالآلة مسير وليس بمخير؛ فقدَ القوامة التي ملّكه الله إياها، وانفلت الزمام منه، وأسند الأمر غير أهله، فأصبحت الزوجة هي الآمرة والناهية في البيت على الأولاد وعلى الزوج، فلما حصل ذلك ماذا عسى أن يكون حال الأسرة؟!! لا شك ـ في الغالب ـ أنها ستتردى العلاقة؛ حيث أنه سيطالب باسترجاع ما فقده من القوامة والقيادة، وفي المقابل سيجد المقاومة والمعاندة من الزوجة المتسلطة التي فرحت بشخصية زوجها الضعيفة واستغلتها، فهي لن تتخلى عن حب السيطرة بتلك السهولة؛ فينشب الخلاف وتدُب المشاكل بين الزوجين، فتُفقَد السعادة والراحة النفسية والدفء في ذلك البيت، والسبب هو؛ ذلك الرجل الذي ترك الزمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 لزوجته والتي هي أضعف في التدبير والحكمة وتصريف الأمور من الرجل ـ وهذا الغالب على النساء وليس كلهن، لأنه يوجد فيهن من تعدل عشرات الرجال في الحكمة ورجاحة عقلها ـ. ولا تفهم أيها الزوج من هذه النقطة؛ أني أدعوك للغلظة والشدة وسوء الأخلاق والمعاملة مع زوجتك، فقد دعوتك في نقاطٍ قبل هذه؛ بالتحلي باللين وحسن العشرة، فكن أخي الكريم بين هذا وذاك، فـ"لا تكنْ ليناً فتُعصَر، ولا قاسياً فتُكسَر" وقد تكون أنت الفاعل فيكون المثل هكذا "..فتَعصِر، ... فتَكسِر". الرجل السادس عشر: ذاك الرجل الذي تنصّل من المسئولية، وأحالها على زوجته فهي التي تدير شئون المنزل، وهي التي تتابع الأولاد ذكوراً وإناثاً في المدارس، زهي التي تدبر نفسها في الذهاب إلى أي مكان احتاجت إليه ـ ولا أقول: المكان الذي ترغبه ـ وعنيت بهذا، أن ثمّة فرقٍ بين ما تحتاج إليه وبين ما ترغبه، فهو لا يوصلها للمستشفى مثلاً، أو لزيارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أهلها، ولوازم البيت ـ بمجاميعها ـ يترك لها التصرف في الذهاب بأي وسيلة ومع من!! بمعنى أنه رجل لا يحب أن يرتبط بمسئوليته تجاه البيت، وذلك رغبة منه في التفرغ لملذاته وشهواته؛ حتى لا يُسأل عما يفعل ـ ولسان حاله يقول: خليت لك الحبل؛ فلا تقلقيني جيب وجيب، ولا أين كنت؟ وأين رحت؟ وليش تأخرت؟ وأين ذِيك العازة؟ ـ. فطريقته في ترك زوجته تخرج ـ من دونه ـ لحاجتها أو لغير حاجتها؛ فتقابل الرجال في الأسواق والمحلات التجارية، والمستشفيات، والمدارس، وركوبها في سيارات الأجرة؛ قد يعرض المرأة للزلل والوقوع في حبائل الشيطان، وخاصة في استغلال وضعها الضعيف مِنْ قِبَل مَنْ لا خلاق لهم، فتصبح فريسة سهلة، ولقمة سائغة للرذيلة ـ والعياذ بالله ـ. والسبب ذاك الرجل الذي يسعى وراء ملذّاته؛ غير مبالي في أهل بيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وفي الوقت نفسه؛ تُقابَل هذه الزوجة مِنْ قِبَل النساء؛ بأنهنّ يهنئونها على هذا الزوج الذي أعطاها الحرية ولم يكبتها ـ زعموا ـ. ما دروا أن المسكينة متورطة مع شبح باسم الزوج، أذاقها الأمرّيْن. الرجل السابع عشر: ذاك الذي يهدد زوجته بالزواج أو الطلاق إن لم تفعلي كذا وكذا، إذلالاً لها. أقول أخي الكريم: الطلاق جعله الله بيد الرجل لأنه صاحب القوامة والأرجح عقلاً، والضابط لنفسه عند الغضب ووقت العاطفة؛ فلا تستعمله سلاحاً تُذل به زوجتك وأم عيالك؛ حتى وإن كنت تريد ذلك من باب التأديب لها؛ فلا ينبغي لك فعل ذلك، فالمرأة لها كرامة وعزة نفس، ولها مكانتها في الإسلام والمجتمع، واعلم أن الطلاق لا مزح فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَالرَّجْعَةُ» (1) ، ثم إنه لا خير في امرأةٍ لا تستقيم إلا بالتهديد بالضرّة، وإن أردت الزواج أخي الكريم؛ فلا داع أن تلعب بأعصاب زوجتك، أو تختلق الأعذار ـ بأنها كذا وكذا، وفيها من الخُلق السيئ كذا وكذا ـ. هذا يعتبر من ضعف شخصيتك، وصِغَرٍ في عقلك، فالله سبحانه وتعالى سهل لك الأمر بأن أباح لك مثنى وثلاث ورباع، فلِمَ المراوغة والتشبث بالأوهام والافتراءات على زوجتك وهي مما اتهمتها به بريئة، ولو كان ما ذكرته من تعليل؛ صحيح. فلا ينبغي أن تُظهر ذلك عنها، كما أنه ينبغي لها أن لا تُشَهِّر بك سوء خلقك. ومن صيغ التهديد في العصر الحديث؛ ما يسمونه بـ"زواج المسيار"، الذي أصبح لعبة ـ أعني زواج المسيار ـ بأيدي بعض الرجال، فقد وجدوا فيه التنفيس لإشباع شهواتهم من غير أن ينظروا في عاقبة الأمور الوخيمة، حيث أن معظم من يتزوج بهذه الطريقة؛ يكون سراً   (1) الترمذي 1104 وقال حسن غريب، وأبو داود 1875، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وفي الخفاء وقد يتزوج في الشهر ويطلق مراراً، وأنا أعرف بعض من فعل ذلك، لأنه لم يكلفه شيئاً، وهو في نفس الوقت عاجز من أن يفتح له بيت آخر لزوجة ثانية. فأقول: هل هذا هو العلاج الصحيح لحل المشكلة بينك وبين زوجتك؟! فاتقوا الله أيها الرجال وحافظوا على النسل، كما أوصي نفسي وإياكم بالمحافظة على الزوجة الصالحة، بل والصبر على التي قد يكون فيها سوء خلق، فقد تكره فيها خُلق وترضى منها خُلق آخر كما قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (1) . الرجل الثامن عشر: ذاك الرجل الذي يضايق زوجته بعد زواجه من الثانية   (1) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فلا أدري هل ذلك منه كي تطفش منه زوجته وأم عياله وتتنازل عن ليلتها؛ تعبا منه ومن هذرمته، أو هو تكريهها منه ومن عشْرته؛ كي تزيد المشاكل ويصل إلى الحل الذي يرده ـ وهو الطلاق ـ، فيتعذر أمام المجتمع المحيط به؛ أنها هي التي نغّصت عليّ الحياة، ففراقها ذلك الحين أولى، وقد لا يطلقها ولكن يبقى مُذِلّاً لها لأنها ـ المسكينة ـ، تتحمل كل ما يأتيها كي تبقى بجوار أطفالها. فنصيحتي لكل زوج فيه هذه الخصْلة؛ أن يتقي الله تعالى وليعلم أن الله تعالى حرّم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرماً، كما جاء في الحديث القدسّي المشهور. (1) وقد أحسن من قال: وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحُسام المهند   (1) َقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» رواه مسلم 4674 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الرجل التاسع عشر: ذاك الذي جعل الآخرين هم الذين يقودونه في الحياة، ويوجهونه وذلك بأن اتخذ من أصدقائه أو بعضهم صناديقاً لأسرار بيته، فما تكون من صغيرة ولا كبيرة إلا وينثرها لصديقه أو زميله؛ رجاء أن يجد حلاً أو توجيهاً منهم، حتى وصل الحال إلى أن أولاده يحتاجون لشفاعة زملائه لهم عنده ـ أعني به "والدهم" ـ، ومنهم من يجعل أخواته يتدخلن في حياته ومشاكل بيته؛ بأن يفشي لهن كل ما يحدث داخل أسرته من قضايا، وبهذا يهمش زوجته ويقدم عليها غيرها، وكأنها من سقط المتاع. فنقول لهذا الصنف من الرجال: احفظ شخصيتك وكرامة أهلك ـ أم أولادك ـ، ومكانة أولادك، وشاركهم في الحلول والرأي، وافتح لهم قلبك، وكن في نفس الوقت ذو حزمٍ وقوة في اتخاذ القرار ـ بحكمة ـ، ولا تخرج أسرار بيتك لأحد مهما كانت مكانته منك. وما أحسن من قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 إذا ضاق صدر المرء بسر نفسه فصدر الذي يستوعب السر أضيق. الرجل العشرون: ذاك الذي أطلق العنان لزوجته وبناته. فهن يخرجن من البيت متى شاءوا، وكيفما شاءوا، ومع من شاءوا من غير رقيب ولا متابع، فهن ـ أعني زوجته وبناته ـ إذا خرجن تجدهن متبرجات، متعطرات، وقد يمتد مكوثهن خارج البيت إلى بعد منتصف الليل بل إلى الفجر، مرة بحجة عند بنات خالي أو بنات عمي أو زميلاتي أو في حفلة مٍلْكة أو زواج ويشتد الخطب لو كانت في قصور أفراح أو استراحات. وبهذا الإهمال وهذا التساهل؛ فسدت بعض الأسر، لأنها لم تجد من يقول لها أين تذهبين، وليش هذا اللبس ـ القصير أو العريان ـ، وليش تأخرت، وأين كنت، ومع من ركبتي؟ قد يقول هذا الصنف من الرجال أو بعضهم: أنا أثق في زوجتي وبناتي، وهن يعرفن الخطأ من الصح، فلماذا أخونهن؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 نقول: أخطأت الطريق، نحن لم نقل خوِّن أهل بيتك ـ والعياذ بالله ـ، ولكن الرقابة والمتابعة والمحافظة على أهل بيتك أمر واجب وحتمي عليك، والغيرة أمر فطري وجاء الإسلام وأكدها. وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: «قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (1) وإن من الفواحش أن تترك نساءك يلبسن القصير، والشفاف، والمفتوح الجانبين أو من الأمام، أو مكشوفة الظهر أو البطن أو اليدين كاملة ـ بحجة الموضة ـ. فاتقوا الله عباد الله في الأمانة التي بين أيديكم وحافظوا عليها يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ   (1) البخاري 6866 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (1) . وأقول هنا عبارة قد لا تعجب البعض، ولكني قلت في المقدمة: أني سأخاطب بعض الناس في رسالتي هذه بما يفهمونه ـ قصدي إيصال الأمر إليهم عبر أسلوب المجالس العامة ـ، فأقول: لو ذهبت للجزار، ووجدت لحمتين معلقتين، واحدة مكشوفة وحولها الذباب، والأُخرى مغطاة ومحافظ عليها، أيهما تشتري وتقبلها لنفسك؟؟!! الجواب: متروك لمن ترك نساءه عرضة لأعين البار والفاجر. ليس أحد من الرجال معصوم غير الأنبياء على نبينا محمد وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، فكل واحد منا فيه خِصلة أو اثنتين أو أكثر أو أقل، ولكن الطامة؛ الذي جمعها أو جلّها، فعلينا جميعاً التناصح فيما   (1) البخاري 6605 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بيننا لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» (1) ، ولا شك أن الرجل منا لا يستطيع تقييم نفسه بنفسه، ولا أن يرى اعوجاج وخطأ نفسه، ولهذا لابد من أن ينكر عليك الغير حتى تعرف ما لك وما عليك ومصداق ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ» (2) ، فمن وجد فيه من هذه الخصال فليحمد الله على أنه وُفِّق لمعرفتها وليعزم على التخلص منها، ولنتمثل بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَىَّ عُيُوبِى) (3) . وأقول: عليكم أيها الرجال بوصية النبي صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتسعدوا في الدارين حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي   (1) مسلم 82، والنسائي 4126، وأبو داود 4293، والترمذي 1849 وقال حسن صحيح (2) أبو داود 4272، وحسنه الألباني في الصحيحة 926 (3) الدارمي 674 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (1)   (1) البخاري 4787، ومسلم 2671 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 استوصوا بالنساء خيرا ً (1) السؤال: امرأة تسأل وتقول: في الحديث «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ..» الرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح: «أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ» . الجواب: هذا الحديث صحيح رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (2) هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا وأن يحسنوا إليهن وأن لا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن، هذا واجب على الرجال من الآباء والإخوة والأزواج وغيرهم أن يتقوا الله في النساء ويعطوهن حقوقهن هذا هو الواجب ولهذا قال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» .   (1) للشيخ بن باز رحمه الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج 21 (2) البخاري 4787، ومسلم 2671 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وينبغي ألا يمنع من ذلك كونهن قد يسئن إلى أزواجهن وإلى أقاربهن بألسنتهن أو بغير ذلك من التصرفات التي لا تناسب لأنهن خلقن من ضلع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ» . ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع فإن الضلع يكون فيه اعوجاج، هذا هو المعروف، والمعنى أنه لا بد أن يكون في تصرفاتها شيء من العوج والنقص، ولهذا ثبت في الحديث الآخر في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» (1) . وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم نقص العقل بأن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل وذلك من نقص العقل والحفظ، وفسر نقص الدين بأنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي يعني من أجل الحيض وهكذا النفاس، وهذا النقص كتبه الله عليهن ولا إثم عليهن فيه، ولكنه   (1) البخاري 293، مسلم 114 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 نقص واقع لا يجوز إنكاره، كما لا يجوز إنكار كون الرجال في الجملة أكمل عقلاً وديناًَ، ولا ينافي ذلك وجود نساء طيبات خير من بعض الرجال؛ لأن التفضيل يتعلق بتفضيل جنس الرجال على جنس النساء، ولا يمنع أن يوجد في أفراد النساء من هو أفضل من أفراد الرجال علماً وديناً كما هو الواقع. فيجب على المرأة أن تعترف بذلك وأن تصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما قال، وأن تقف عند حدها، وأن تسأل الله التوفيق، وأن تجتهد في الخير، أما أن تحاول مخالفة الشريعة فيما بين الله ورسوله فهذا غلط قبيح، ومنكر عظيم، لا يجوز لها فعله، والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 إلى أين بأخلاقنا؟؟؟ (1) إن سلفنا الصالح قد عرفوا حسن الخلق بتعاريف كثيرة ولكنها تصب كلها في مصبٍّ واحد فقد ذكر الإمام ابن رجب رحمه الله أقوال بعض الأئمة في تعريفه فقال في كتابه جامع العلوم والحِكم (2) : عن الحسن قال: حُسنُ الخلق: الكرمُ والبذلة والاحتمالُ. وعن ابن المبارك قال: بسطُ الوجه، وبذلُ المعروف، وكفُّ الأذى. وقال الإمام أحمد: حُسنُ الخلق أنْ لا تَغضَبَ ولا تحْتدَّ، وأنْ تحتملَ ما يكونُ من الناس. قال ابن القيم رحمه الله (3) : وجِماعه - أي حسن الخلق - أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكف الأذى قولا وفعلاً، وهو إنما   (1) مجموع من عدة مشاركات (2) في شرح الحديث الثامن عشر (3) في حاشيته على سنن أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 يقوم على أركان خمسة: العلم والجود والصبر وطيب العود وصحة الإسلام. وقال رحمه الله (1) : (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو إلى محبته) . أحاديث في حسن الخلق قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها في وَصْفِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمْ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» (2) .   (1) الفوائد 75 (2) الترمذي 1939 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَمِنْ خُلُقِ النبيِّ العربيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم ما قالَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ يُعَلِّمُنا وَيُؤَدِّبُنا: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَه فِي أَيِّ الْحُورِ مَا شَاءَ» (1) . قال عليه الصلاة والسلام: «أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» (2) ، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» (3) . وعدَّ النبي   (1) أحمد 15066، 15084،والترمذي 1944، 2417 وقال حسن غريب، وأبو داود 4147، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2) الترمذي 1927 وقال صحيح غريب، وقال الألباني حسن الإسناد - صحيح الترمذي (3) الترمذي 1926 وقال حديث غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 صلى الله عليه وسلم حسن الخلق من كمال الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (1) . وعليك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا» (2) . وقال عليه الصلاة والسلام: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» (3) ، وقال «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» (4) .   (1) أحمد 7095، أبو داود 4062، والترمذي 1082 وقال حسن صحيح، وكذا الألباني في صحيح الترمذي (2) الطبراني في الكبير 665، وكذا في الأوسط 6204،وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ح 36، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3) البخاري 2767، مسلم 1677 (4) الترمذي 1879 وقال حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 من فوائد حسن الخلق: - حسن الخلق من أفضل ما يقرب العبد إلى الله تعالى. - ذا أحسن العبد خلقه مع الناس أحبه الله والناس. - حسن الخلق يألف الناس ويألفه الناس. - لا يكرم العبد نفسه بمثل حسن الخلق ولا يهينها بمثل سوئه. - حسن الخلق سبب في رفع الدرجات وعلو الهمم. - حسن الخلق سبب في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب منه يوم القيامة. - حسن الخلق يدل على سماحة النفس وكرم الطبع. - حسن الخلق يحول العدو إلى الصديق. - حسن الخلق سبب لعفو الله وجالب لغفرانه. - يمحو الله بحسن الخلق السيئات. - يدرك المرء بحسن خلقه درجة الصائم القائم. - حسن الخلق من أكثر ما يدخل الناس الجنة. - حسن الخلق يجعل صاحبه ممن ثقلت موازينه يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 - حسن الخلق يحرم جسد صاحبه على النار. - حسن الخلق يصلح ما بين الإنسان وبين الناس. - وبالخلق الحسن يكثر المصافون ويقل المعادون. مجالات حسن الخلُق حسن الخلق يكون مع الله كما يكون مع الناس، فأما حسن الخلق مع الله فيكون بالرضا بحكمه شرعا وقدرا، وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر، فإذا قدر الله على المسلم شيئا يكرهه رضي بذلك واستسلم كما قال تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} التغابن:11، قال علقمة: (هُوَ الرَّجُل تُصِيبهُ الْمُصِيبَة، فَيَعْلَم أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه، فَيُسَلِّم ذَلِكَ وَيَرْضَى) (1) كما أن من حسن الخُلق مع الله طاعة أوامره واجتناب نواهيه، واللهَج بحمده والثناء عليه وشكره على نعمه الظاهرة والباطنة.   (1) الطبري 26496 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وأما حسن الخُلق مع الخَلق فيكون بما تقدم من تعريف حسن الخلق، ولذلك فقد جمع الله عز وجل حسن الخلق في آية هي جماع الأخلاق في سورة الأعراف قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف:199. وسائل عملية لتحسين الأخلاق أخي الكريم بعدما تقدم نذكر بعض الوسائل العملية في تحسين الأخلاق ونعني بها الأمور التي إن فعلها الإنسان تحسنت أخلاقه، فمن كانت هذه الصفات فيه فليحمد الله وليحافظ عليها، ومن كان يفتقد شيئا منها فليحاول شيئا فشيئا كما مرّ بك - أخي الكريم - أن الصفات الحميدة يمكن اكتسابها بالممارسة التعوّد، ولا شك أن هذا الأمر ليس بالأمر السهل بل لا بد فيه من المجاهدة كما قال ابن القيم رحمه الله (1) : (إن أصعب ما على الطبيعة الإنسانية تغيير الأخلاق التي   (1) مدارج السالكين 2 / 311 - منزلة الخلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 طبعت النفوس عليها وأصحاب الرياضات الصعبة والمجاهدات الشاقة إنما عملوا عليها ولم يظفر أكثرهم بتبديلها لكن النفس اشتغلت بتلك الرياضات عن ظهور سلطانها فإذا جاء سلطان تلك الأخلاق وبرز، كسر جيوش الرياضة وشتتها واستولى على مملكة الطبع) . ويعني بقوله (سلطان الأخلاق) الدين والإسلام حيث قال في موضع آخر (1) : (وأما صحة الإسلام فهو جماع ذلك والمصحح لكل خلق حسن فإنه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمل ذلك له الاتصاف به) . 1 - ضبط اللسان فيبتعد المسلم عن السب والشتائم والسخرية واللمز بالناس. فَلا يَنطِقَن مِنكَ اللِسانُ بِسَوأَةٍ # فَكُلُّكَ سَوءاتٌ وَلِلناسِ أَلسُنُ   (1) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَعَيناكَ إِن أَبدَت إِلَيكَ مَعائِباً # فَدَعها وَقُل يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ (1) ولو حصل من الناس سب لك وأذيّة فاعتبر هذا امتحان لك لاختبار صبرك وتحملك، فكن من الصابرين الذين أثنى الله عليهم بقوله جل ذكره {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فصلت 34،35. مع أنه لا تثريب عليك أن ترد بقدر ما اعتدي عليك به لكن العفو والصبر هو أكمل وأجر فاعله على الله قال تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الشورى 40، وقال سبحانه {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشورى44   (1) الأبيات للشافعي - بحر الطويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 2 - عند الغضب، وهي أشد ما يقع فيه الناس، فحالة الغضب حالة هيجان فيحاول أن يُسكّن نفسه، فمن ذلك: أ - أن يذكر الله ويستعيذ به من الشيطان الرجيم فقد جاء في الصحيحين: «اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (1) ب - أن يغير الحالة التي هو عليها وقت الغضب فإن كان قائما جلس وإن كان جالسا اضطجع كما جاء التوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، أو يغير المكان الذي فيه وقت الغضب. ج - أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم والخسارة والهم والغم، فكم من بيوت هُدمت، وأُسر شتِّت وعلاقات قُطِّعت كل ذلك بسبب لحظة غضب!!   (1) البخاري 5650، 3040، ومسلم 4725،4726 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 د- أن يتذكر الغاضب قُبح صورته حال الغضب من انتفاخ الأوداج وبحلقة العينين واحمرار الوجه. هـ - أن يتذكر ثواب العفو والصفح فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ» (1) . 3 - ومن الوسائل العملية في تحسين الأخلاق محبة الخير للناس، ومعاملتهم كما تحب أن يعاملوك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» (2)   (1) أبو داود 4147، وابن ماجه 4176، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2) مسلم 3431 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 4 - طلاقة الوجه مع الناس فيقابلهم بوجه مبتسم غير عبوس، فإن هذا من المعروف قال صلى الله عليه وسلم «لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (1) ، كما أن هذه الابتسامة من الصدقة قال صلى الله عليه وسلم «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» (2) . وبعد - أخي القارئ الكريم - فهذا ما تيسر جمعه حول موضوع الأخلاق وقد عرفت أنه ضرورة شرعية اجتماعية؛ لكن يبقى كلمات عابرة وحبر على ورق ما لم يصادف همة العظماء وعزم الرجال ليستفاد منه في الواقع أسأل الله تعالى أن يُحسّن أخلاقنا كما حسّن خُلقنا وأن يعيينا على أنفسنا، وأن يتولانا برحمته.   (1) مسلم 4760، والترمذي 1893 وقال حسن صحيح (2) الترمذي 1879 وقال حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ذهبيات السعادة الزوجية (1) هل أغمضت عينيك يوما، ووضعت كفيك خلف رأسك، وسرحت في عالم الخيال، وقلت لنفسك هل هذا ممكن؟ هل قلتها وأنت تحلم بأقصى درجات السعادة الزوجية، ووجدت نفسك تستبعد تحقيق الحلم، فاكتفيت به وعشته بديلا عن واقع اعتبرته مفروضا عليك؟ إذا كنت غارقا في دنيا الخيال الزوجي السعيد فإن الخبير الأسري الاجتماعي، ورئيس تحرير مجلة النور الكويتية قدم ملحقا أسريا بعنوان: (مؤمنة) يرشدك إلى واقع أحلى، وأيسر، وأكثر أجرا، فيقول: السعادة الزوجية تتأتى من خلال أمور بسيطة، وهي ليست مقتصرة على الرجال، بل النساء أيضا مع اختلافات بسيطة بعضها   (1) ركن المرأة المسلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 تطبيقه سهل والبعض الآخر صعب، ويحتاج لجهد ومثابرة، واحتمال طويل، ولكي تصبح هذه النصائح طبعا وخلقا، بعضها أكثر أهمية وهذه الأهمية تختلف من شخص لآخر، وهذه النصائح إنما أتت من سيد المرسلين، فلماذا لا ندور حول النبي صلى الله عليه وسلم زوجا، كما يدور التربويون والعسكريون حول النبي صلى الله عليه وسلم قائدا، ومعلما؟ فهو الأول في كل شيء، يظهر ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته مارسها وطبقها، وكانت له خلقا، والآن في الأبحاث العالمية يصلون إلى ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ألف وأربعمائة عام، وهذه الذهبيات هي بمثابة نصائح للرجال. أسمعها كلمة طيبة، فالكلمة الطيبة تكفي دون باقي الذهبيات يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» (1) .   (1) البخاري 6078، ومسلم 1689 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 إحدى المؤسسات الأمريكية في نيويورك قامت بإجراء دراسة استفتائية واستطلاع للرأي لعدد 14000 زوج وزوجة لمن مضى عليهم خمس سنوات، وسنهم من 25 - 45 سن النضج فطرحت عليهم سؤالا:اذكر ثلاثة أسباب تراها ضرورية للسعادة الزوجية؟ فكانت غالبية الإجابات هي أهمية التعبير عن الحب والعاطفة والمشاركة الوجدانية بين الحين والآخر. والإسلام أباح الكذب في المشاعر والعواطف لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (1) فلم يرخص الكذب إلا في ثلاث منها: الرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها. ويضيف: لي تجربة شخصية استطلعت فيها رأي نساء متزوجات عن رأيهن في أزواجهن عندما يكون الزوج في يوم إجازته، ويطلب منها فنجان شاي أو قهوة وهي تقوم بكل شيء، ولا يفكر في أن يساعدها في   (1) عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قَالَتْ: «وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا» مسلم 4717 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أي شيء، فمنهن من وصفته بالأناني، ومنهن من قالت أنا لست امرأة فوق العادة "سوبر". -استمع لزوجتك ولشكواها، واهتم بها ولا تنصرف عنها، وخصص نصف ساعة لتحدثك فيها زوجتك، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» . (1) و «بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ بِنْتُ يَهُودِيٍّ فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ   (1) البخاري 4827، ومسلم 4469 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ ثُمَّ قَالَ اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ» (1) . فلا تستهن في الاستماع إلى زوجتك، وقلل من المقاطعة لزوجتك أثناء الاستماع إليها. -احترم خصوصيتها: فإذا وجدتها تريد وقتا لحالها فساعدها على ذلك، ولا تتابعها، فحالتها النفسية تختلف من يوم لآخر. - لا تتردد في الاعتذار إليها: ولا تقل هذا ينقص من مهابتي، فإذا أخطأت لا بأس من الاعتذار والمشكلة الإصرار على القسوة والكلمة الجارحة، فكلمة الاعتذار تغلق الباب أمام إبليس اللعين، والله سبحانه يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت:34   (1) الترمذي 3829 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وأحمد 11943 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 -كن مغلوبا لزوجتك، وتبسم لها، وأدخل شيئا من المرح في حوارك معها. -احرص على الحلال: فالحلال له شأن كبير، فإن العبد ليرى أثر الذنب في تعثر دابته وزوجته. -كن تاجرا: فكل ما تنفقه عليها، وعلى أولادك هو تجارة مع الله، وأعظم أجرا من النفقة على الأرملة والمسكين وفي سبيل الله، وفي بضع أحدكم صدقة فكم من أجر وثواب وحسنات تتأتى من وراء ذلك. انتبه! لقد اكتشفوا في الغرب أن 70 % من حالات الطلاق تتم أيام حيض الزوجة في الستة أيام الأولى، فتهيأ لأيام دورة زوجتك، واستعد لحالة غير طبيعية منها، واصبر عليها، فلقد عافاها الله من الصلاة أيام الدورة، فعافها أنت من طلباتك وجدالاتك، وتذكر نهيه صلى الله عليه وسلم عن الطلاق في أيام الحيض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 -قلل من اللوم: قال أنس بن مالك: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا» (1) ، فزوجتك أولى من الخادم في تقليل اللوم لها. - تغافل وتغاضى: (مَا اِسْتَقْصَى كَرِيم قَطّ) (2) ، فلا تحاول أن تعرف كل شيء، الحسن البصري يقول: (مازال التغافل من فعل الكرام) ، ولا تكره زوجتك: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} النساء:19 ونزلت الآية في الزوجات. -وأخيراً.. لا تنس أن تدعو لزوجتك لينشرح صدرها.   (1) مسلم 4269، والدارمي 63 (2) رواه ابن مردويه من كلام علي رضي الله عنه - كنز العمال 4677 بلفظ: (ما استقصى كريم قط، إن الله تعالى يقول: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} التحريم:3) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 أيها الزوج إن سعادتكما الزوجية تبدأ منك أنت (1) عزيزي الزوج.. ليست نصائحنا وإرشاداتنا نوجهها للزوجة فقط وكأنها هي المخطئة دائما، وهي من يجب أن يتعلم ويتدرب لكي تجلب لك السعادة، واعلم أيها الزوج أن سعادتكما الزوجية تبدأ منك أنت، فالمرأة إذا أحست بحنان وحب زوجها واحترامه لها وهبته كل ما تملك، ووفرت له كل سبل السعادة. واعلم أنها ليست أداة متعة فقط، وإنما هي إنسانة لها مشاعر وأحاسيس ورغبات وميول.. استمع لها وحاورها، وخذ برأيها لتشعرها بدورها كشريكة حياة، فأنتما نصفان يكمل أحدكما الآخر.   (1) الملتقي العلمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 إليك بعض النصائح في حسن معاشرة الزوجة: - كثير من الأزواج يردد عبارات الحب والحنان في الأيام الأولى من الزواج فقط، ثم تبدأ هذه العبارات بالتلاشي بين رتابة الأيام وروتين الحياة، تعامل معها وكأنك تراها لأول مرة، وجدد الحب بينك وبينها، وردد كلمة "أحبك"، فكلمة أحبك لها وقع السحر في أذن الزوجة، ويُفضل أن تقولها وأنت تعبر عن حبك بالابتسامة والنظرة الحنونة، فكلمات الغزل بسيطة لن تكلفك أي شيء، لكن تطرب لها زوجتك وتغنيها عن أجمل الهدايا وعن كنوز العالم أجمع. - تذكر أيها الزوج بأن زوجتك هي أقرب النساء إليك، ولن تكون هناك امرأة أخرى يتعلق قلبها بك مثل زوجتك، فحافظ عليها كما تحافظ على نفسك. - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ليست هناك زوجة خالية من العيوب، لكن الرجل الذكي هو الذي يتمتع بمزايا تجعله يحاول التعديل في هذه العيوب وبطريقة غير مباشرة لكي لا يجرح مشاعر زوجته. - لا تسفه آراء زوجتك ولا تحتقرها فهي إنسانة مثلك تحس وتشعر. امتدحها دائما وكن لطيفا معها، واشكرها على كل عمل تقدمه لك، وستجد أنها ستغمرك بحبها وعطفها وحنانها وتخدمك بكل قناعة ورضا. - عدِّل سلوكك من حين لآخر، فليس المطلوب فقط أن تقوم زوجتك بتعديل سلوكها، وتستمر أنت متشبثا بما أنت عليه، وتجنب ما يثير غيظ زوجتك ولو كان مزاحا. - لا تفرض على زوجتك اهتماماتك الشخصية المتعلقة بثقافتك أو تخصصك واحترم اختصاصها أيضا. - إن الزوجة تحب دائما أن تفتخر بزوجها فلا تخيب ظنها، وكن دائما محل إعجابها بجدك ونشاطك من أجل إسعادها وإسعاد أطفالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 - حاول أن لا تنسى أن تجلب لها الهدية المناسبة مشفوعة بكلمات رقيقة ودافئة. - لا تتردد أو تخجل من مساعدة زوجتك في الأعمال المنزلية، وليس ذلك انتقاصا لرجولتك، وإنما من باب الذوق والعطف على الزوجة. - حاول أن تنسى هموم العمل ومتاعبك عندما تدخل البيت لكي لا تجعل بيتك مكانا لنثر الهموم والمتاعب. - تأنق لزوجتك وتجمل لها، واهتم بنفسك، فالأناقة ليست للمرأة فقط، فمن حق الزوجة أن تراك نظيفا أنيقا. - الصدق والصراحة من الأسس المهمة لبناء السعادة الزوجية، فامنح زوجتك ثقتك وتعامل معها بصراحة تامة. - إياك أن تثير غيرة زوجتك، بأن تذكِّرها من حين لآخر أنك مقدم على الزواج من أخرى، أو تبدي إعجابك بإحدى النساء، فإن ذلك يجرح قلبها، ويثير في نفسها الوساوس والمخاوف والظنون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وكثيرا ما تظهر تلك المشاعر بأعراض جسدية مختلفة من صداع وآلام. - لا تجعلها تغار من عملك بانشغالك به أكثر من اللازم، ولا تجعله يستأثر بكل وقتك، وخاصة في إجازة الأسبوع، فلا تحرمها منك في وقت الإجازة سواء كان ذلك في البيت أم خارجه، حتى لا تشعر بالملل والسآمة. - اجلسا معا، وتذكرا أول لقاء لكما، واللحظات الحلوة التي جمعت بينكما. - ابتعد عن الأنانية والجفاف في معاملة زوجتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 المعاشرة الحسنة (1) سؤال: زوجي يفرق بين المعاملة بيني وبين أخوته وأمه، ودائماً أشعر أن حواجز بيني وبينه، فما حكم معاملته تلك؟ الجواب: أما الرجل فعليه أن يقدم أمه على زوجته يقدم رغبة أمه، وأن يبرها على زوجته هذا أولاً، والأمر الثاني: لا يعني ذلك أن يهمل الرجل زوجته وإن أثقل واجب في دين الله، أن يعطي الإنسان كل ذي حق حقه، أن يعطي زوجته حقها، وأمه حقها، وهكذا .... فالواجب على الرجل أن يحسن معاملة الزوجة والزوجة لا تقاد بالعقل ومخطىء من ناقش زوجته وأراد أن يقودها من خلال الحجة والبرهان قال الله تعالى {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} الزخرف 18، فالمرأة عاطفتها غالية وعقلها مغلوب بالنسبة إلى عاطفتها ولذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام عن النساء أنهن «نَاقِصَاتِ عَقْلٍ   (1) الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَدِين» (1) المراد: أن عواطفهن أغلب من عقولهن، ولا يمنع أن توجد امرأة عقلها أرجح من عقل الرجال، فقبل نحو مئة وخمسين سنة كان الناس في ليبيا يرجعون إلى امرأة فقيهة بزت الرجال، كانت تسمى "وقاية" وكانوا يقولون في معضلات المسائل: اذهبوا إلى وقاية فإن عصابتها خير من عمائمنا، والمرأة تقاد من خلال العاطفة والكلام الطيب فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} الزخرف:18 قال: (يقدر الرجل أن يجعل كل حجة تذكرها المرأة أن يجعلها عليها) ، لأنها في الخصام غير مبين فهي بحاجة إلى الكلام الطيب وأن تملأ مشاعرها ولذا جوز الشرع أن يكذب عليها فيما لا يضيع لها حقاً، وهذا هو سر التعامل مع النساء، أن تحسس المرأة أنك بحاجة إليها، وأنها سدت ما تريد من أمور منها، فحينئذ لا يوجد من هو أسعد منها، فهذه طبيعة المرأة. فخطأ من هذا الزوج أن يشعرها بهذا الشعور وأن يهمل مشاعرها لكن مع هذا   (1) البخاري 293، ومسلم 114 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 عليه أن يقدم أمه على زوجته وأن يعطي كل ذي حق حقه، دون أن يشعرها بهذا الشعور، فلا يشعرها أن لها نداً من أم له أو أخت له، لكن يشعرها أنه لا يستغني عنها، وأنها هي التي تملأ عواطفه وهي المقدمة عنده. وأمرنا ربنا أن نحسن معاشرة النساء {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النساء:19، وقال صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ» (1) أي أسيرات محبوسات، المرأة أسيرة محبوسة عندك فأحسن إليها، و «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» (2) . إن أزعجك شيء من المرأة غيبه عن لسانك وغيبه عن مشاعرك وعقلك، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ   (1) الترمذي 1038 وقال حسن صحيح، وابن ماجة 1083، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2) الترمذي 3830 وقال حسن غريب صحيح، وابن ماجه 1967، وصححه الألباني في الصحيحة 285 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (1) ، فلا يجعل الشيء الناقص فيها هو وديدنه وبين عينيه وعلى لسانه، فلن يسعد وتشتد معه الأمور ويبقى النكد يحيط به، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.   (1) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 هنيئا لك بهذه الزوجة (1) ارتوت من نهر الحب الصادق والحنان المتدفق، فأورقت حباً على حب وصفاءً على صفاء. لما أقبل العيد أرادت أن تكتسي حلة ملابس فوق حلة الإيمان فقالت لزوجها: لابد أن تذهب معي، فلن أذهب بدون محرم، لا أريد رجلاً غيرك يسمع صوتي! وأدنت على وجهها حجاباً سميكاً مستجيبة لأمر الله عز وجل، متبعة في ذلك أمهات المؤمنين، فحرمت على الرجل الأجنبي أن يرى منها ظفراً أو خصلة شعر، وقالت: هي حل لك، حرام عليهم. سارت بجواره خائفة وجلة أن تقع عليها أعين الرجال ونظراتهم! ولما خرجت من السوق فإذا العرق يتساقط من جبينها الوضاء، فقال وهو يتمنى أن يمسح تلك القطرات بيده: تلك يا زوجتي حبات الحياء خرجت! ولو انهملت مرة بعد أخرى   (1) قافلة سحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وتطاولت بها الأيام لجدبت وغارت فلا تنحدر! أما رأيت الحياء كيف يسقط مرة تلو الأخرى فلا يبقى منه إلا ما يواري السوء! وحين أقبل النهار بساعاته الطويلة لتستقبل الزوج العائد مختبئة خلف الباب، مرحبة بأجمل عبارات الشوق، وكأن الحبيب عائد من سفر سنوات وليس فراق ساعات! وأدنت له من المأكل والمشرب ما لذ وطاب. حدا بها الشوق لتبوح مكنون النفس بكلمات تقدمها ابتسامة صادقة لتلامس قلبه قبل أذنيه.. وعندما استقر به المقام جلست بين يديه تتلهف كلمة يقولها أو همسة من طرف لتجيب بنعم! تنتقل نظراتها إلى ما يجب.. ولما تعثر صغيرهما وهو يجري بخطوات صغيرة أزجت التربية دعاءً مسموعاً: هذا يا زوجي أعده لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ليكون علماً من أعلامها وداعية من دعاتها، أقر الله عينك به شهيداً في سبيل الله مقبلاً غير مدبر! سابق الفرح الأب سنوات قادمة، فإذا به يرى الدعاء حقيقة والأمنية راية يرفعها الصغير علماً وجهاداً.. لا تسل عن الفرحة وكأنها أهدته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 كنوز الدنيا بهذا الأمل المشرق. ولما أدركهما السكن في ليل هادئ كانت له حورية عذبة الكلمة طيبة الرائحة! إن نظر إليها أعاد وكرر فلا يمل، وإن تحدثت فنعم الحديث عذوبة ورقة، وتمنت على زوجها أن يختم يومه بقراءة جزء من القرآن، فناولته المصحف وقالت: لعلك تراجع حفظي فقد تفلت القرآن مني. فكان لها ذلك، وحين جن الليل وأظلم قامت قبل إشراقة الفجر إلى مصلاها فكبرت وأطالت القراءة وأتبعتها بركوع ثم سجود طويل، وكان يسمع الدعاء فخصته قبل نفسها ورفعت حاجته قبل حاجتها حتى سلمت يمنة ويسرة ثم التفتت إليه وقالت: أريد أن أطبق السُنة ولو مرة واحدة ونضحت ماء قليلاً مسحته على عجل بيدها حتى لا يقع على وجهه فيؤذيه ونادته للصلاة فنهض وهو يسمعها الدعاء: جعلك الله زوجتي في الجنة! هنيئاً لك أيها الزوج هذه المرأة الولود الودود، هنيئاً لك امرأة عفيفة ليس لغيرك فيها نصيب، وهنيئاً لامرأة أسلمت قلبها لله عز وجل وتعبدت ذلك طاعة وقربة! إنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 امرأة ليست ضرباً من الخيال بل هي في كثير من البيوت العامرة بالطاعة والإيمان.. لقد صفت القلوب ووقر الإيمان وقرت العين فكانت الحياة الطيبة. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل:97 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وصايا لإسعاد الزوجة (1) أثن على زوجتك عندما تقوم بعمل يستحق الثناء، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ» (2) . توقف عن توجيه التجريح والتوبيخ، ولا تقارنها بمن تعرف من قريباتك اللاتي تعجب بهن، وتريد أن تتخذهن مثلاً عليا تجري في أذيالهن، وتلهث في أعقابهن. أنصت إلى زوجتك باهتمام، فإن ذلك يخلّصها مما قد يأتي عليها من هموم.. ولكن هناك من النساء من لا تستطيع التوقف عن الكلام، أو تصب كلامها على ذكر أهلك وأقربائك، فعليك حينئذ أن تعالج الأمر بحكمة وموعظة حسنة.   (1) مسلمة علي منهج السلف الصالح (2) الترمذي 1787 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وازن - أخي الزوج - بين حبك لزوجتك وحبك لوالديك وأهلك، فلا يطغى جانب على جانب، ولا يسيطر حب على حساب آخر.. فأعط كل ذي حق حقه بالحسنى والقسطاس المستقيم. كن لزوجتك كما تحب أن تكون لك في كل ميادين الحياة، فإنها تحب منك ما تحبه أنت منها ... قال ابن عباس: (إنِّي أُحِبّ أَنْ أَتَزَيَّن لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن لِي ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَقُول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} البقرة:228) . (1) ساعد زوجتك في بعض أعمالها المنزلية، فلقد بلغ من حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه التبرع بمساعدتهن في واجباتهن المنزلية. و «سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   (1) الطبري 1765، وابن أبي حاتم 2335، البيهقي 15125، وابن أبي شيبة 4 / 183 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» (1) . غض الطرف عن بعض نقائص زوجتك، وتذكر ما لها من محاسن ومكارم فهذه تغطي النقص، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (2) ، وفي المثل يقولون: التغاضي تسعة أعشار المعيشة. كن مستقيماً في حياتك تكن هي كذلك، وحذار أن تمد عينيك إلى ما لا يحل لك سواء في طريق أو شاشة تلفاز، وما أسوأ ما أتت به الفضائيات من مشاكل زوجية. لا تذكرها بعيوب صدرت منها سابقاً في مواقف معينة، ولا تعيرها بتلك الأخطاء والمواقف، وخاصة أمام الآخرين.   (1) البخاري 635، 4944، 5579 (2) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 امنح زوجتك الثقة بنفسها، ولا تجعلها تابعة تدور في مجرتك، وخادمة تنفذ أوامرك. بل شجعها على أن يكون لها كيانها وتفكيرها.. استشرها في كل أمورك، وحاورها ولكن بالتي هي أحسن. خذ بقرارها عندما تعلم أنه الأصوب، وأخبرها بذلك. وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك بلطف ولباقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 نصائح للسعادة الزوجية (1) عزيزتي الزوجة: انتبهي لطبيعة زوجك.. وافهمي نفسيته جيداً حتى تستقر حياتكما وتنعما بالرضا والسعادة.. - لا تقارني نفسك به، فهو مختلف عنك. - لا تقتحمي عزلته، لأنه يفضل أن ينعزل عن الآخرين، إذا كانت لديه مشكلة يحاول حلها. - لا تستفزينه، فهو بطبيعته حاد الطباع، عصبي المزاج، ينفذ صبره بسرعة.   (1) منقول بتصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 - لا تتوقعي منه أن يقوم بما ترغبين في أن يقوم به، لأنه لا يفكر بأسلوبك نفسه. - لا تفرضي أسلوبك أو تفكيرك عليه، لأنه يغضب إذا شعر بنديتك له. - لا تثقلي عليه بالحديث، فهو لا يحب المرأة الثرثارة. - لا تنتظري أن يقول لك آسف، لأنه لا يحب الاعتذار، وإن أراد فإنه يتبع طرقاً أخري غير مباشرة في التعبير عن ذلك. - لا تشعريه بعدم حاجتك إليه، حتى لا تفقدي عطاءه ورعايته لك. لا تسمعيه كلاماً لا يرضي عنه، لأن هذا يؤذيه ويعكر صفو مزاجه. - لا تقللي من قيمة ما يقوم به من أجلك ومن أجل أولادكما حتى لا تفقديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 - لا تنتقديه أمام أهله وأصدقائه، لأنه يشعر بأنك تنتقمين من رجولته. - لا تلحي عليه في السؤال عند خروجه، فهو يرغب في أن يكون كالطائر الحر. - لا تنفريه منك أثناء المعاشرة الزوجية حتى لا يبحث عن المتعة في مكان آخر. - لا تنشري أسرار حياتكما، لأن الرجل بطبيعته كتوم. - لا تزيدي من طلباتك، فهو يحب الزوجة القنوع. - لا تشعريه بأنك أفضل منه حتى لا تفقدي حبه واحترامه. - لا تقللي من حبك وحنانك له فإن هذا يشعره بالرضا. - لا تنتظريه دائماً أن يكون المبادر، فإن كرم الزوج في ردود أفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 - لا تهتمي بأولادك علي حساب اهتمامك به، فهو يحب أن يكون مصدر الاهتمام والرعاية طوال وجوده بالبيت. عزيزي الزوج: زوجتك بحكم تكوينها تتصرف وتفكر بطريقة مختلفة عنك.. وحتى تفهم نفسيتها وتكسب ودها.. فهذه 19 لا.. ابتعد عنها بقدر الإمكان. 1- لا تفترض أنها تتصرف كما تتصرف أنت لأنها تختلف عنك. 2- لا تهملها وامنحها الحب والعطف والأمان، لأنها بطبيعتها تحتاج إليه. 3- لا تستهن بشكواها، فهي تبحث حتى عن مجرد التأييد العاطفي والمعنوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 4- لا تبخل عليها بالهدايا والخروج من حينٍ لآخر، فهي لا تحب الزوج البخيل. 5- لا تتذمر من زيارة أهلها، لأنك بذلك تفقد حبها، فالمرأة أكثر ارتباطاً بأهلها. 6- لا تغفل عن إبراز غيرتك عليها من حينٍ لآخر، فهذا يرضي أنوثتها. 7- لا تظهر عيوبها بشكلٍ صريح، فهي لا تحب النقد. 8- لا تنصرف عنها، لأن المرأة تحب من يستمع لها. 9- لا تخنها.. فإن أصعب شيءٍ علي المرأة الخيانة الزوجية. 10- لا تستهزئ بها أو بمشاعرها لأنها كائن رقيق لا يتحمل التجريح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 11- لا تنس ما تطلبه منك، فهذا يولد إحساساً لديها بأنها لا قيمة لها لديك. 12- لا تخذلها، فهي بحاجة دائمة إلي شخص تثق به وتعتمد عليه حتى تشعر بالراحة. 13- لا تهمل في واجباتك والتزاماتك الأسرية، فتحقيق هذا يشعرها بحبك لها. 14- لا تستخف باقتراحاتها لحل المشاكل التي تواجهكما، فهذا يشعرها بعدم أهميتها. 15- لا تتوقع منها أن تحل المشاكل بطريقة عقلانية ومنطقية، لأنها أكثر ميلاً إلي استخدام العاطفة. 16- لا تتدخل كثيراً في شؤون البيت، وامنحها الثقة، فإن هذا يشعرها بأنها ملكة متوجة داخل منزلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 17- لا تغفل عن امتداحها، وتغزل في ملبسها وزينتها وطبخها حتى في ترتيب المنزل، فهذا يرضي أنوثتها. 18- لا تنس أن المرأة تمر بظروف نفسية صعبة (الولادة - الحمل - الطمث) ، ولابد أن تراعي مشاعرها أثناء تلك الفترات. 19- لا تحد كثيراً من حريتها الشخصية، خاصة في علاقاتها الاجتماعية، فهي بطبيعتها اجتماعية تحب الصداقات الكثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وعاشروهن بالمعروف .... هام لجميع الأزواج (1) إن الله عز وجل خلق لنا من هذه الدنيا أزواجاً نسكن إليها، وجعل المودة والرحمة دوحة نستظل بها، ورغبة في تجديد ما تقادم من المعلومات، وتذكير من غفل من الإخوان والأخوات، فإن الحقوق الزوجية عظيمة ويترتب عليها أمور مهمة قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} النساء:19. وهذه المرأة - أخي المسلم - التي تحت يدك أمانه عندك، ومسؤول عنها يوم القيامة، هل أديت حقوقها أم فرطت وضيّعت؟! ومن أهم حقوقها ما يلي:   (1) دار البر بالرياض بتصرف يسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أولاً: الوصية بالنساء خيراً امتثالاً لقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (1) . وعنه أنه قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» (2) . ثانياً: إعطاؤها حقوقها وعدم بخسها، فعن معاوية القشيري قال: «مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» (3) . وبعض الناس يأخذه الكرم والسخاء مع الأصدقاء   (1) البخاري 4787، ومسلم 2671 (2) أحمد 9289،وابن ماجه 3668، وحسن الألباني إسناده في الصحيحة 1015 (3) أحمد 19171، وأبو داود 1830، وقال الألباني حسن صحيح في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وينسى حق الزوجة، مع أن المرء يؤجر على إنفاقه في بيته أعظم من غيره، كما روى ذلك أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» (1) ، وآخرون اتخذوا ضرب زوجاتهم مهنة لهم فلا يرفع يده عنها، وعائشة رضي الله عنها تقول: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (2) . والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمثل. وآخرون اتخذوا الهجر عذراً وطريقاً لأي سبب حتى وإن كان تافهاً، وربما هجر المسكينة شهوراً لا يكلمها ولا يؤانسها، وقد تكون غريبة عن أهلها أو شابة صغيرة يخشى على عقلها من الوحدة والوحشة.   (1) أحمد 9736، مسلم 1661 (2) أحمد 22906، مسلم 4296،والدارمي 2273 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ثالثاً: تعليمها العلم الشرعي وما تحتاج إليه من أمور العبادات وحثها وتشجيعها على ذلك، يقول الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} الأحزاب:34، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» (1) . وعلى الزوج أن يتابع تعليمها القرآن الكريم والسنة المطهرة ويشجعها ويعينها على الطاعة والعبادة، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} طه:132، قال: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» (2)   (1) مسلم 500، وأبو داود 270، وابن ماجه 634 (2) أبو داود 1113، والنسائي 1592، وابن ماجه 1326، وقال الألباني حسن صحيح في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 رابعاً: معاملتها المعاملة الحسنة والمحافظة على شعورها وتطييب خاطرها، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ومن أهم الأمور التي انتشرت في أوساط بعض الأسر المسلمة من المخالفات في تلك المعاملة الحسنة التي أُمرنا بها: بذاءة اللسان، وتقبيح المرأة خِلقةً أو خُلقاً، أو التأفف من أهلها وذكر نقائصهم، وكذلك سب المرأة وشتمها ومناداتها بالأسماء والألقاب القبيحة، ومن ذلك إظهار النفور والإشمئزاز منها. ومن ذلك أيضاً تجريحها بذكر محاسن نساء أخر، وأنهن أجمل وأفضل، فإن ذلك يكدر خاطرها في أمر ليس لها يد فيه. ومن المحافظة على شعورها وإكرامها، مناداتها بأحب الأسماء إليها، وإلقاء السلام عليها حين دخول المنزل، والتودد إليها بالهدية والكلمة الطيبة، ومن حسن الخلق وطيب العشرة عدم تصيد أخطائها ومتابعة زلاتها، بل العفو والصفح والتغاضي خاصة في أمور تجتهد فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وقد لا توفق. وتأمّل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا» (1) . خامساً: المحافظة عليها من الفساد ومن مواطن الشبه، وإظهار الغيرة عليها، وحثها على القرار في البيت، وإبعادها عن رفيقات السوء، والحرص على أن لا تذهب إلى الأسواق بكثرة وإن ذهبت فاذهب معها، وأن لا تدعها تسافر بدون محرم، واستشعر أن هذه أمانة عندك مسؤول عنها يوم القيامة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (2) سادساً: إعفافها وتلبية حاجاتها، فإن ذلك يحفظها ويغنيها عن التطلع إلى غيرك، واحرص على إشباع حاجاتها العاطفية بالكلمة الطيبة،   (1) الترمذي 1082 وقال حسن صحيح، وأحمد 7095، وحسنه الألباني في الصحيحة 284 (2) البخاري 6605 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 والثناء الحميد، واقتطع من وقتك لها، واجعل لبيتك نصيباً من بشاشتك، ودماثة خلقك، روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» (1) . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا» (2) . سابعاً: التأسي بخير الأزواج في مؤانسة الزوجة وحسن العشرة وإدخال السرور على قلبها، روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه   (1) البخاري 1839 (2) مسلم 1674 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وسلم قال: «لَيْسَ اللَّهْوُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةٍ تَأْدِيبِ الرَّجُلِ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتِهِ امْرَأَتَهُ وَرَمْيِهِ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ» (1) . ومن أحق منك بحسن الخلق وطيب المعشر، ممن تخدمك وتطبخ لك، وتنظف ثوبك، وتفرح بدخولك، وتربي أبناءك، وتقوم بشؤونك طوال حياتك؟! ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يسابق عائشة (2) ؛ إدخالاً للسرور على قلبها، ويناديها بيا عائشُ (3) ؛ تقرباً إلى قلبها، وكان عليه الصلاة والسلام يؤانسها بالحديث ويروي لها بعض القصص، ويشاور زوجاته في بعض الأمور مثلما شاور أم سلمة في صلح الحديبية (4)   (1) أحمد 16662، والنسائي 3522، وابن ماجه 2801، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني 315 (2) أبو داود 2214 (3) البخاري 3484، ومسلم 1619، والنسائي 3901، والدارمي 2694 (4) البخاري 2529، وأحمد 18152، 18166 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ثامناً: تحمّل أذاها والصبر عليها، فإن طول الحياة وكثرة أمور الدنيا لابد أن توجد على الشخص ما يبغض عليه من زوجه، كأي إنسان خلق الله فيه الضعف والقصور. فيجب تحمل الأذى إلا أن يكون في أمر الآخرة: من تأخر الصلاة، أو ترك الصيام، فهذا أمر لا يُحتمل، ولكن المراد ما يعترض طريق الزوج وخاصة الأيام التي تكون فيها الزوجة مضطربة، وتمر بظرف شهري معروف، وقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه، ويقع منهن تصرفات تستوجب الحلم والعفو. تاسعاً: المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها، فقد يكون لها مال من إرث أو عطية أو راتب شهري تأخذه من عملها، فاحذر التعرض له لا تصريحاً ولا تلميحاً ولا وعداً ولا وعيداً إلا برضاها، قال الله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} النساء:4، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميناً على مال زوجته خديجة فلم يأخذ إلا حقه ولم يساومها ولم يظهر الغضب والحنق حتى ترضيه بمالها! قال تعالى محذراً عن أخذ المهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الذي هو مظنة الطمع وهو من مال الزوج أصلاً: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} النساء:20،21. فما بالك بأموال زوجتك، فأخذ المال منها ينافي قيامك بأمر القوامة، ووجوب النفقة عليها حتى وإن كانت أغنى منك، وليحذر الذين يتعدون على أموال زوجاتهم ببناء مسكن أو استثمار ثم يضع مالها باسمه ويبدأ يستقطعه، فإنه مال حرام وأخذ مال بدون وجه حق، إلا بإذن صاحبه. عاشراً: من حقوق الزوجة التي عدّد زوجها، العدل بين الزوجات في البقاء والمكث مع كل زوجة والتسوية في المبيت والنفقة، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} النحل:90. وقد مال كثير من المعددين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ كَانَتْ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» (1) ،و «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» (2) ، وكان عليه الصلاة والسلام يراعي العدل وهو في مرض موته حتى أذن له زوجاته فكان في بيت عائشة (3)   (1) أبو داود 1821، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2) البخاري 2404، ومسلم 4974 (3) البخاري 4095،4816، وأحمد 22974 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 من وسائل علاج الاختلاف بين الزوجين (1) أخي المسلم، أختي المسلمة: حينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج. إن من أهم ما يطلب في المعالجة الصبر والتحمل ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول والتفاوت في الطباع مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور، ولا تكون المصلحة والخير دائماً فيما يحب ويشتهي بل قد يكون الخير فيما لا يحب ويشتهي: قال تعالى {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا   (1) أبو حميد الفلاسي، منقول من كتاب (رسالة إلى العروسين) وفتاوى الزواج ومعاشرة النساء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 كَثِيرًا} النساء:19، ولكن حينما يبدو الخلل ويظهر في الأواصر تحلل، ويبدو من المرأة نشوز وتعالٍ على طبيعتها وتوجه إلى الخروج عن وظيفتها حيث تظهر مبادئ النفرة، ويتكشف التقصير في حقوق الزوج والتنكر لفضائل البعل، فعلاج هذا في الإسلام صريح ليس فيه ذكر للطلاق لا بالتصريح ولا بالتلميح. يقول الله سبحانه في محكم التنزيل {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} النساء:34، يكون العلاج بالوعظ والتوجيه وبيان الخطأ والتذكير بالحقوق، والتخويف من غضب الله ومقته، مع سلوك مسلك الكياسة والأناة ترغيبا وترهيبا وقد يكون الهجر في المضجع والصدود مقابلا للتعالي والنشوز، ولاحظوا أنه هجر في المضجع البيت وليس أمام الأسرة أو الأبناء أو الغرباء، وليس التشهير أو الإذلال أو كشف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الأسرار والأستار، ولكنه مقابلة للنشوز والتعالي يهجر وصدود يقود إلى التضامن والتساوي. وقد تكون المعالجة بالقصد إلى شيء من القسوة والخشونة، فهناك أجناس من الناس لا تغني في تقويمهم العشرة الحسنه والمناصحة اللطيفة، إنهم أجناس قد يبطرهم التلطف والحلم فإذا لاحت القسوة سكن الجامح وهدأ المهتاج. نعم قد يكون اللجوء إلى شيء من العنف دواءً ناجعاً ولماذا لا يلجأ إليه وقد حصل التنكر للوظيفة والخروج عن الطبيعة؟ ومن المعلوم لدى كل عاقل أن القسوة إذا كانت تعيد للبيت نظامه وتماسكه، وترد للعائلة ألفتها ومودتها فهو خير من الطلاق والفراق بلا مراء، إنه علاج إيجابي تأدبيي معنوي ليس للتشفي ولا للانتقام وإنما يستنزل به ما نشر، ويقوم به ما اضرب. وإذا خافت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الزوجة الجفوة والإعراض من زوجها فإن القرآن الكريم يرشد إلى العلاج بقوله: {وإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء:128. العلاج بالصلح والمصالحة وليس بالطلاق ولا بالفسخ، وقد يكون بالتنازل عن بعض الحقوق المالية أو الشخصية محافظة على عقد النكاح: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} الصلح خير من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق. هذا عرض سريع وتذكير موجز بجانب من جوانب الفقه في دين الله والسير على أحكامه، فأين منه المسلمون؟ أين تحكيم الحكمين في الشقاق بين الزوجين؟ لماذا ينصرف المصلحون عن هذا العلاج، هل هو زهد في إصلاح ذات أو هو رغبة في تشتيت الأسرة وتفريق الأولاد؟ إنك لا ترى إلا سفهاً وجوراً، وبعداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 عن الخوف من الله ومراقبته، وهجراً لكثير من أحكامه وتلاعباً في حدوده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 افهمي زوجك ... وليفهمك هو أيضاً (1) قال رسول الله صلى الله عليه وعلي آله وسلم: «النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا» (2) ، وقال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فاطر:32، وقال سبحانه: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ} فاطر:19 - 22 لا يمكن للحياة أن تسير على وتيرة واحدة بين الرجل والمرأة مهما كان الحب وارف الظلال عليهم، لأن شؤون الحياة التي يواجهها كل   (1) ركن المرأة العربية بتصرف (2) البخاري 3131، ومسلم 4588 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 واحد تجعل مزاجه في بعض الأحيان متعكرا ً منكدا، فتراه لا يحتمل أي شيء ويثور غضبه لأتفه الأسباب. وهذه مسألة طبيعية، فالاختلاف بين الأمزجة والطبائع يترك دائما مسافة للإشكالات في الحياة.. من هنا فإن الناس الذين خلقوا من طينة واحدة لا يتمتعون بمزاج واحد ونفسية واحدة.. كما أن التربية التي يتلقاها كل واحد في بيته ومدرسته وحارته، بين أهله وجيرانه تجعل هناك مساحات جديدة من الاختلاف بين طبائع الناس، لذا ترى بعضهم هادئا ًمتسامحاً وقورا ً، والآخر عصبياً، والثالث نشيطا ًمتحمسا ً والآخر بليدا ًفاترا ً، هذا يتأمل بعمق وذاك يعمل بنشاط وحيوية.. وهذا يحب بدون حساب، وذاك يكره.. وهكذا تمتلئ الحياة بنماذج مختلفة.. وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالمعادن.. فكما في المعادن ذهب وفضة ورصاص ونحاس فإن في الناس من يشابه الذهب أو يساوى أو ما هو أقل منه.. وقد تكتشف المرأة أن زوجها الذي اقترنت به يتكون من خليط من المعادن، فهو أحيانا كالذهب لمعة وغلاء وقيمة، وقد يصبح من التنك باهتا ورخيصا.. فإذا كانت المرأة عارفة تفاصيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 تكوينه وقادرة على التعامل مع هذه التفاصيل كل واحدة حسب ظهورها فإنها ستجد نفسها في خضم مشاكل لا أول لها ولا آخر.. لذا فإن من أهم الخطوات التي يفترض في المرأة المسلمة أن تتخذها في هذا الاتجاه أن تعرف زوجها وتفهمه. تعرف مكونات معدنه، ومتى يظهر الذهب على حياته ومتى يظهر التنك، متى يكون ظالماً لنفسه ومتى يكون مقتصداً، ومتى يكون سابقاً بالخيرات حريصاً على الدين.. متى يتهاون ومتى يتشدد.. ماذا يحب وماذا يكره. ما الذي يغضبه وما الذي يرضيه ما حقه عليها وما حقها عليه.. متى يمكنها أن تخاطبه باللين ومتى يحتاج الأمر إلى الشدة.. فإذا عرفت المرأة مداخل نفسية زوجها ومخارجها والمؤثرات التي تؤثر فيها، استطاعت أن تسير حياتها معه بشكل يحفظ لحياتها الاستمرار ويجنبها الاصطدام والمشاكل التي لا تؤدي إلا إلى دمار حياتهما.. هذا من جانب. أما الجانب الآخر فإن الرجل، النصف الآخر، يجب أن يمتلك ذات المعرفة عن نصفه الأول.. ولأننا نطالب المرأة بكل هذه المعرفة فنحن نفترض أننا يجب أن نطالب الرجل بمعرفة مقابله. فيعرف هو أيضاً نفسيتها، وماضي تربيتها في بيتها ومدرستها، يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 رغباتها ومطالبها، يعرف ما الذي يؤذيها ويزعجها ويؤثر على أعصابها وما هو معدنها ومكوناته. يقول تعالى في محكم تنزيله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 228، فبمقدار ما يجب أن تفهم المرأة زوجها وتتعاون معه لتحقيق ما يريد من رغبات وميول وطموحات يجب عليه هو الآخر أن يفهم زوجته ويتعاون معها لتحقيق طموحاتها ورغباتها، وأن لا يسمح لنفسه أن يطغى عليها ويهضم حقوقها تحت أي ذريعة كانت. وعليك أختي المسلمة أن تدخلي إلى روح زوجك وعقله وتدخلي إلى وعيه أن التي تعيش معه إنسانة كاملة لها حقوق ومطالب ونزعات وطموحات، وأن الحياة لا تكون هانئة وسعيدة طالما أهمل أحد الطرفين مطالب الآخر ورغباته. عليك أن تفهمي زوجك فهماً عميقاً شاملاً، وأن تفهميه نفسك وشخصيتك فهماً عميقاً شاملاً، وتذكريه دائماً كلما نسي شيئاً أو تجاهله، والفهم والتفهم منهج أساسي وضروري لبناء حياة إنسانية يتعاون فيها الطرفان لتحقيق الطموحات المنشودة لكليهما في حياتهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 ليست كل البيوت تبنى على الحب، كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه، فأين الرعاية والتفاهم؟ أين حدود الله التي يقف عندها المسلمين والمسلمات ويتحاكمون إليها؟ يقول سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} النساء:65 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ادفعي زوجك نحو النجاح (1) يقولون: "وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة" هل فكرت يومًا أن تكوني تلك المرأة العظيمة التي تجعل من زوجها رجلاً عظيمًا؟ كثيرات يتمنين ذلك، لكن فئة قليلة منهن من سعين لتحقيق تلك الأمنية الغالية بشكل عملي، ونحن نأخذ بيدك على طريق النجاح لك ولزوجك عبر السطور القادمة ونقدم لك أسرار النجاح، وما هو دورك المنتظر لتيسير تلك الأسرار أمام زوجك: 1- ذكرى زوجك دائمًا باستحضار النية الصالحة في كل عمل، ولا تدفعيه لشيء فوق طاقته، فيلجأ لطريق حرام، أو فيه شبهة لتلبية طلبك،   (1) الشبكة الإسلامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ولتكن وصيتك دائمًا له كوصية تلك المرأة الصالحة التي قالت لزوجها: (اتق الله فينا، ولا تطعمنا إلا حلالاً، فإننا نصبر على الجوع في الدنيا، ولا نصبر على النار في الآخرة) . 2- اقتربي من الواقعية في وضع الأهداف، فإذا رأيت أن زوجك يضع أهدافًا خيالية فاجذبيه إلى الواقعية برفق وهدوء، واتبعي المرحلية في وضع الأهداف وتحقيقها، فالهدف الكبير يمكن أن ينقسم إلى عدة أهداف جزئية، كلما تحقق هدف منها كوني عونًا لزوجك على تحقيق الثاني وهكذا، ولا تتعجلي في تحقيق تلك الأهداف، ولا تترددي في التنازل عن بعض الأشياء التي تريدينها لنفسك في سبيل مصلحة الأسرة. 3- طالما حدد الإنسان أهدافه، لابد من التخطيط السليم المنضبط لتحقيق تلك الأهداف، ويحتاج التخطيط السليم إلى المعرفة التامة بالعمل، فعليك إذًا توفير الجو الملائم للزوج لمساعدته على إنجاز مهمة التخطيط للعمل، وهو هادئ النفس، مرتاح البال، ساعديه في حصر كل ما يحتاج إليه لإنجاز العمل الذي يقوم به، وشاركيه في وضع خطة خمسية مثلا يتم فيها إنجاز شيء مهم للأسرة كل خمس سنوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 4- أمر الله سبحانه وتعالى بإحسان العمل وإتقانه فى كل الظروف والأحوال، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (1) ، فساعدي زوجك على الإتقان، وشجعيه على ذلك. 5- اكسبي زوجك الثقة بالنفس، فامتدحي فيه الصفات الحسنة، وذكريه بنجاحاته السابقة التي حققها في حياتك معه، أو قبل زواجكما، اكتشفي مواهبه، فكثير من الناس لا يدرك حقيقة مواهبه، ويدله عليها الآخرون، شاركيه في الوقوف على سلبياته ومحاولة مناقشتها وعلاجها؛ لأنك أقرب الناس إليه، ولا تنسى أن تبدى له النصيحة في ثوب جميل رقيق. 6- لا تغفلي أبدًا عن أن الوقت هو الحياة، وحسن استغلال الوقت مهمة أكيدة من مهماتك، ومما يعينك على ذلك تحديد الزيارات للأقارب   (1) حسنه الألباني في صحيح الجامع، البيهقي في شعب الإيمان 5083 بلفظ «الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 والأصحاب قبلها بوقت كافٍ، وعدم اتخاذها مجالاً لإضاعة الوقت، ومحاولة حل المشاكل الداخلية للأسرة مثل مشكلات الأولاد البسيطة دون إضاعة وقت الزوج في مثل هذه الأمور، يمكنك أن تقومي ببعض الأعباء التي يقوم بها الزوج إذا تعذَّر هو فيها مثل شراء احتياجات المنزل حتى توفري له الوقت لاستئناف عمله أو للراحة، واستبدلي الأوقات المهدرة في المكالمات الهاتفية، ومشاهدة التلفاز بمساعدة زوجك قد استطاعتك. 7- إن أي نجاح في الدنيا مبتور إذا لم يتصل بفعل الخيرات، ولا نعنى الفروض التي فرضها الله تعالى علينا، فأمرها مفروغ منه، بل نعنى ما يتقرب به الإنسان المسلم من النوافل والصدقات وأعمال البر، ويُقر علماء النفس حتى الغربيين ما لفعل الخيرات من أثر عظيم على النفس يدفعها للنجاح؛ حيث يترك فعل الخيرات في النفس راحة واطمئنانًا، وسعادة لا يعادلها أي أثر، لذا ادفعي زوجك دفعًا (( (حنونًا)) ) نحو كل الخيرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 8- كثير من الناس يسعى في مجالات عديدة، ويعمل أعمالاً كثيرة لكنها لا تكون ذات قيمة فيضيع وقته هباء لسبب بسيط هو أنه لم يمض في تلك الأعمال حتى النهاية، إن هناك أعمالاً كثيرة، إما أن تكون كاملة أو لا تكون، من أجل ذلك ساعدي زوجك على أن يكون من أصحاب النفس الطويل بعدم الإلحاح عليه بطلباتك التي تفوق قدرته، فيضطر لترك عمله للانتقال إلى آخر دون أن يحقق شيئًا فيه، فيفقد التفوق في كليهما. 9- لا تخلو الحياة أبدًا من العقبات والعراقيل، ولكن العقل الواعي السائر نحو النجاح يعتمد دائمًا على همة عالية تدفعه لتخطى العقبات، والصبر عند الملمات، وهذا سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يخاطبه ربه قائلاً: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} المدثر:1-5، إنها دعوة لنفض غبار النوم، وخوض معترك الحياة لإعمار الكون، ولكي يكون زوجك عالي الهمة يجب أن تكوني أنت كذلك أولاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 10- اعلمي أن الإنسان لا يحتاج في حياته شيئًا أكثر من الصبر، وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ» (1) ، فالصبر هو السبيل إلى الغاية المنشودة، ولا يقصد بالصبر احتمال الشدائد فحسب، بل هو الصبر الجميل الذي لا تصاحبه الشكوى إلا لله، ولا يخالطه الجزع والسخط، صبر يقترن دائمًا بالرضا بالقضاء والثقة فيما عند الله، وأنه خير وأبقى. 11- نجاح فاشل! أخيرًا، يجب أن توقني بالحقيقة التي تقول ليس كل الناجحين سعداء، بل هناك ناجحون نظنهم في قمة السعادة، وهم تعساء يتمنون زوال تلك النجاحات، فالنجاح الذي يأتي على صحة الإنسان الجسمية والنفسية   (1) ابن أبي عاصم في السنة 315، وصححه الألباني في ظلال الجنة، وكذا البيهقي في شعب الإيمان 9644، 9645، وانظر الحديث التاسع عشر في جامع العلوم والحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والأخلاقية هو في الحقيقة نجاح مدمر، والفشل خير منه، فاحذري من دفع زوجك للنجاح في أمر يعانى منه أكثر من معاناته في الفشل إن الحياة توازن بين أشياء عديدة، الإخلال بشيء منها يدفع الحياة نحو الكدر والفشل والخسارة، ذلك التوازن لن يوضحه أروع ولا أجمل من حديث رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» (1) .   (1) البخاري 1832، 5673 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الحقوق الزوجية (1) إن الإسلام قد وضع حقوقاً على الزوجين، وهذه الحقوق منها ما هو مشترك بين الزوجين، ومنها ما هو حق للزوج على زوجته، ومنها ما هو حق للزوجة على زوجها.، وإن الحياة الزوجية بحقوقها وواجباتها والتزاماتها لتمثل بناءً ضخماً جميلاً يعجب الناس منظره، وإن أي نقص في أي حق من الحقوق الزوجية سواء كان حقاً مشتركاً أو خاصاً يسبب شرخاً عظيماً في بناء الأسرة المسلمة، وليت هذا النقص - أيها الأخوة - يعود أثره على الزوجين فقط، بل إن أي تقصير أو نقص في واحد من هذه الحقوق وخاصة الحقوق الظاهرة التي يراها الأبناء والبنات سيكون أثره على الأبناء والبنات جميعاً على حد سواء، فإن الولد سواءً كان ابناً أو بنتاً، إذا كان يصبح ويمسي على شجار وخلاف بين أبويه، وترى البنت   (1) الأسرة والمجتمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أمها لا تقوم بحق والدها حق القيام ويرى الابن أباه لا يقوم بحق أمه حق القيام. لا شك أن هذا سيورث عندهما تصوراً خاطئاً وسيئاً ويجعل الأب والأم في قفص الاتهام دائماً من قبل الابن أو البنت، وإن الزوجين إذا التزما منهج الإسلام الكامل في الحقوق الزوجية عاشا في ظلال الزوجية الوارف سعداء آمنين. لا تعكرهما أحزان المشاكل؛ ولا تقلقهما حادثات الليالي. والحقوق الزوجية ثلاثة أنواع: 1 - حق الزوجة على زوجها. 2 - حق الزوج على زوجته. 3 - حقوق مشتركة بينهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 حقوق الزوج ة: 1 - الحق الأول: توفية مهرها كاملاً امتثالاً لقوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} النساء:4، فلا يجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أن يأخذ من مهرها شيئاً إلا برضاها {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} النساء:4 2 - الحق الثاني: الإنفاق عليها: وهذه النفقة تتناول نفقة الطعام والكسوة، والعلاج والسكن لقوله: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف. 3 - الحق الثالث: وقايتها من النار: امتثالاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التحريم:6، قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (عَلِّمُوهُمْ، وَأَدِّبُوهُمْ) (1) . أ. هـ.، وكذلك يخبر أهله   (1) الطبري 26693 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 بوقت الصلاة {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} طه:132، وإذا كان الزوج لا يستطيع تعليم امرأته فلييسر لها أسباب التعليم، أعني بالتعلم تعلم أحكام الدين، ومعرفة ما أوجب الله عليها ومعرفة ما نهاها الله عنه.، لكن المصيبة إذا كان الزوج نفسه واقع في الحرام؛ فهي الطامة الكبرى، لأن الرجل قدوة أهل بيته، والقدوة من أخطر وسائل التربية. عن فضيل بن عياض (1) ، قال: (رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته، فقال: ما أرحمني بعياله، فقيل له: يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته وترحم عياله، قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون) . ومن المصيبة أيضاً ومن النقص العظيم أن يُنزل الرجل نفسه في غير منزلتها اللائقة بها، فإن الله تعالى جعل للرجال القوامة على النساء، ومن شأنه أن يكون مُطاعاً لا مُطيعاً، مَتبوعاً لا تَابعاً.   (1) أورده أبو نعيم في حلية الأولياء قال حدثنا أبو محمد بن حيان، قال: حدثنا محمد بن جعفر الوراق ببغداد، قال: حدثنا أبو إسحاق الحشاش، قال: حدثنا أبو بلال الأشعري، قال: حدثنا فضيل بن عياض فذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وما المرء إلا حيث يجعل نفسه فإن شاء أعلاها وإن شاء سفّلا وقد استشرى داء تسلط المرأة وطغيانها في أوساطنا بسبب التقليد تارة، وبسبب ضعف شخصية الزوج أو التدليل الزائد تارة أخرى، وهو من أخطر الأمور وأكثرها إيذاءً، فالكلمة الأولى والأخيرة بيد المرأة، والزوج مجرد منفذ لهذه الأوامر، ومن أجل ذلك تجد في صفات بعض المسلمين اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة. 4 - الحق الرابع: أن يغار عليها في دينها وعرضها إن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم، وإن تمكنها منه يدل دلالة فعلية على رسوخه في مقام الرجولة الحقة والشريفة، وليست الغيرة تعني سوء الظن بالمرأة والتفتيش عنها وراء كل جريمة دون ريبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ» (1) وقد نظم الإسلام أمر الغيرة بمنهج قويم: - أن يأمرها بالحجاب حين الخروج من البيت. - أن تغض بصرها عن الرجال الأجانب. - ألا تبدي زينتها إلا للزوج أو المحارم. - ألا تخالط الرجال الأجانب ولو أذن بذلك زوجها. - أن لا يعرضها للفتنة كأن يطيل غيابه عنها، أو يشتري لها تسجيلات الخنا والفحش.   (1) ابن ماجه 1986 وغيره، وصححه الألباني - الإرواء 1999 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 5 - الحق الخامس: وهو من أعظم حقوقها: المعاشرة بالمعروف، والمعاشرة بالمعروف تكون بالتالي: - حسن الخلق معها فإن «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا» (1) - فمن حسن الخلق أن تحترم رأيها وأن لا تهينها سواء بحضرة أحد أم لا. - ومن حسن الخلق إذا صدر منك الخطأ أن تعتذر منها كما تحب أنت أن نعتذر منك إذا أخطأت عليك، وهذا لا يغض من شخصك أبداً، بل يزيدك مكانة ومحبة عندها.   (1) الترمذي 1082 وقال حسن صحيح، وأحمد 7095، وحسنه الألباني في الصحيحة 284 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 - ومن المعاشرة بالمعروف التوسيع بالنفقة عليها وعلى عيالها. - ومنها استشارتها في أمور البيت وخطبة البنات، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة أم سلمة يوم الحديبية (1) . - ومنها: أن يكرمها بما يرضيها، ومن ذلك أن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم بحقٍ أمامها ومبادلتهم الزيارات ودعوتهم في المناسبات. - ومنها أن يمازحها ويلاطفها، ويدع لها فرصاً لما يحلو لها من مرح ومزاح، وأن يكون وجهه طلقاً بشوشاً، وأن إذا رآها متزينة له لابسة لباساً جديداً أن يمدحها ويبين لها إعجابه فيها، فإن النساء يعجبهن المدح.   (1) البخاري 2529، وأحمد 18152، 18166 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 - ومنها التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها، وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء.، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم «مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا» (1) . - ومن المعاشرة بالمعروف: أن يتزين لها كما يحب أن تتزين له، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة:228 - ومنها أن يشاركها في خدمة بيتها إن وجد فراغاً.، و «سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» (2) .   (1) مسلم 4269، والدارمي 63 (2) البخاري 635، 4944، 5579 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 تلكم كانت أهم الحقوق التي يجب أن تقوم بها الزوج تجاه زوجته كما أمر الإسلام. حقوق الزوج: 1 - الحق الأول: طاعته بالمعروف: على المرأة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، وهذه الطاعة أمر طبيعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوج والزوجة، ولا شك أن طاعة المرأة لزوجها يحفظ كيان الأسرة من التصدع والانهيار.، وتبعث إلى محبة الزوج القلبية لزوجته، وتعمق رابطة التآلف والمودة بين أعضاء الأسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» (1) . ولتعلم المرأة المسلمة أن الإصرار على مخالفة الزوج يوغر صدره، ويجرح كرامته، ويسيء إلى قوامته، والمرأة المسلمة الصالحة إذا أغضبت زوجها يوماً من الأيام فإنها سرعان ما تبادر إلى إرضائه وتطييب خاطره، والاعتذار إليه مما صدر منها. ولا تنتظره حتى يبدأها بالاعتذار. 2 - الحق الثاني: المحافظة على عرضه وماله: قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} النساء:34، وحفظها للغيب أن تحفظه في ماله وعرضه.   (1) أحمد 1573، والطبراني في الأوسط 9050، وقال الألباني حسن لغيره - صحيح الترغيب والترهيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 3 - الحق الثالث: مراعاة كرامته وشعوره: فلا يرى منها في البيت إلا ما يحب، ولا يسمع منها إلا ما يرضى، ولا يستشعر منها إلا ما يُفرح. والزوج في الحقيقة إذا لم يجد في بيته الزوجة الأنيقة النظيفة اللطيفة ذات البسمة الصادقة، والحديث الصادق، والأخلاق العالية، واليد الحانية والرحيمة فأين يجد ذلك؟ وأشقى الناس من رأى الشقاء في بيته وهو بين أهله وأولاده، وأسعد الناس من رأى السعادة في بيته وهو بين أهله وأولاده. 4 - الحق الرابع: قيامها بحق الزوج وتدبير المنزل وتربية الأولاد. 5 - الحق الخامس: قيامها ببر أهل زوجها: وهذه من أعظم الحقوق على الزوجة، وهي أقرب الطرق لكسب قلب الزوج، فالزوج يحب من امرأته أن تقوم بحق والديه، وحق إخوانه وأخواته، ومعاملتهم المعاملة الحسنة، فإن ذلك يفرح الزوج ويؤنسه، ويقوي رابطة الزوجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 6 - الحق السادس: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، حتى ولو كان الذهاب إلى أهلها. 7 - الحق السابع: أن تشكر له ما يجلب لها من طعام وشراب وثياب وغير ذلك مما هو في قدرته. وتدعو له بالعوض والإخلاف ولا تكفر نعمته عليها. 8 - الحق الثامن: ومن حقه عليها ألا تطالبه مما وراء الحاجة وما هو فوق طاقته، فترهقه من أمره عسراً بل عليها أن تتحلى بالقناعة والرضى بما قسم الله لها من الخير. تلكم أهم الحقوق التي تجب على الزوجة مراعاتها والقيام بها. أما الحقوق المشتركة بين الزوجين فأجملها: 1 - التعاون على جلب السرور ودفع الشر والحزن ما أمكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 2 - التعاون على طاعة الله والتذكير بتقوى الله. 3 - استشعارهما بالمسؤولية المشتركة في بناء الأسرة وتربية الأولاد. 4 - إلا يفشي أحدهما سر صاحبه، وألا يذكر قرينه بسوء بين الناس سواءً كان الشخص قريباً أم بعيداً، حتى والديك أو والديها فإن المشاكل البيتية تحل بسهولة ويسرّ ما لم تخرج المشكلة خارج البيت حينها يصعب حلها وتتعقد أكثر وأكثر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (1) . تلكم أيها الأزواج أبرز معالم المنهج الذي رسمه الإسلام في حقوق الزوجين. وأؤكد لكم أنكم إذا التزمتموه في حياتكم الزوجية تطبيقاً وتنفيذاً، كانت المحبة رائدكم، والتعاون سبيلكم، وإرضاء الله سبحانه   (1) مسلم 2597، 2598، وأبو داود 4227 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وتعالى غايتكم.، وتربية أولادكم على الإسلام هدفاً أساسياً من إهدائكم، بل عاش الواحد منكم مع زوجه في الحياة كنفس واحدة في التصافي والتفاهم والمودة. على أني أُذكر الأخوة جميعاً أن الله تعالى أبى أن تكون هذه الدنيا كاملة في لذتها وفرحها ومتعتها وزينتها، فلابد أن يحصل شيء ما من الكدر والضيق، ولعل من حكمة الله تعالى في ذلك أن يتذكر المسلم بنقصان نعيم الدنيا وكمال نعيم الآخرة. والله أسأل أن يوفق الزوجين على القيام بحقوقهما. عسى أن يعيشا معاً في ظل الزوجية الوارف آمنين مطمئنين سعداء مكرمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 كيف تُعامِل زوجة لا تُحِبُها؟ (1) {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} النساء: 34، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} البقرة: 216، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (2) قال أنس: «قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم من خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حي وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها رسول الله صلي الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى بلغا سد الصهباء فبني بها ثم صنع حيسا في نطع ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" آذن من حولك " فكانت وليمة رسول الله   (1) البرق (2) الترمذي 3830 وقال حسن غريب صحيح، وابن ماجه 1967، وصححه الألباني في الصحيحة 285 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 صلي الله عليه وسلم علي صفية ثم خرجنا إلي المدينة فرأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفية رجلها علي ركبته حتى تركب» . «سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» (1) ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (2) إن اعتقاد كل من الزوجين بوجوب طلب السعادة الكاملة من الآخر هو سبب لأكثر المتاعب والمشكلات، والغريب أن كثيرا من الأزواج أناني يطلب السعادة لنفسه دون أن يفكر بمنحها لرفيقته ناسيا أن العطاء سعادة لا تقل عن الأخذ، فما أسعد الزوجة أو الزوج الذي يتحلي بالصبر والاحتمال. فإن في الحياة الزوجية عقبات وصخورا قد   (1) البخاري 635، 4944، 5579 (2) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 تعترض لكل من الزوجين في كثير من الأحيان، ففي الصبر التذليل لكل ذلك أما الطيش ففيه كل الخطر وسرعان ما يهدد الأسرة بالانحلال والتصدع. إن الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديث الأخير يوجه كلا من الزوجين إلي التساهل ما دام ممكنا فإذا ابغض كل من الآخر صفة جاءت صفة أو صفات أخرى تشفع لصاحبها. وبذلك يصير الوفاق ويتم الوئام وتسلم الأسرة. قال ابن الجوزي (1) : (شكا لي رجل من بغضه لزوجته، ثم قال: ما أقدر على فراقها، لأمور، منها: كثرة دينها علي، وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها. فقلت له: هذا لا ينفع، وإنما تؤتى البيوت من أبوابها! فينبغي أن تخلو بنفسك، فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك، فتبالغ في الاعتذار والتوبة. فأما التضجر والأذى لها، فما ينفع، كما قال الحسن بن الحجاج   (1) صيد الخاطر ص 404 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 (1) : عقوبة من الله لكم، فلا تقابلوا عقوبته بالسيف، وقابلوها بالاستغفار، واعلم أنك في مقام مبتلًى ولك أجر بالصبر، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} البقرة:216! فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى، واسأله الفرج، فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها، ولا تضيع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظانًّا منك أنك تدفع ما قدر، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} الانعام:17) ا. هـ إخوتي في الله.. «رفقا بالقوارير»   (1) أبو السري السلمي، الخراساني الواعظ البليغ الصالح. كان عديم النظير في الوعظ والتذكير، وفاته في حدود المائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 كان الحسن البصري رحمة الله عليه يقول: (زوج ابنتك صاحب الدين فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لا يظلمها) وعن أم كلثوم بنت عقبة قالت: «مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا أَعُدُّهُ كَاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْإِصْلَاحَ وَالرَّجُلُ يَقُولُ فِي الْحَرْبِ وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا» (1) وجواز الكذب هنا بين الزوجين يكون في تظاهر كل منهما للأخر بالحب في حال عدم ميل أحدهما للآخر، وذلك من أجل تسيير سفينة المنزل ولعل هذا الميل المتصنع ينقلب إلي حب حقيقي بعد ذلك وقد جاء بالحديث الصحيح: إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يبتغي الخير يلقه، ومن يتقي الشر يوقه ولا يجوز الكذب في غير هذه الحال لأن   (1) أبو داود 4275، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، الحديث عند أحمد 26015 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الله مطلع سبحانه وتعالي وما عدا ذلك فينبغي أن يسود الصدق بينهما وإلا زالت الثقة والتي يتعذر الحياة بدونها، لذلك أخاطبك أيها الزوج الذي لا تحب زوجتك أن تتنازل عن أنانيتك من أجل مستقبل أسرتك وخاصة إذا كانت زوجتك تحبك وتقوم لك بكل حقوقك وأخيرا.. {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النساء: 19 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (1) . وفي بعض روايات هذا الحديث «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ   (1) البخاري 4787، ومسلم 2671 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» (1) وقد يقول قائل: ولماذا خلق الله المرأة علي هذا الحال؟ سبحانه وتعالي له في خلقه شئون ولكن الله سبحانه وتعالي أوكل للمرأة وظائف ومهمات حساسة كالحمل والرضاعة والتربية، فأودع فيها صفات ومواهب تتناسب مع هذه الوظائف والمهمات التي تختلف مع كثير من صفات الرجال، فيراها غريبة عنه فهو إن كان واعيا قبل بالأمر الواقع وتمتع بزوجته في حدود فطرتها وإن كان غير واع حاول أن يصنع تمثالا مع ما يتناسب مع نفسيته وطبيعته من حيث التفكير والإدراك فيفشل ويحس بالخيبة وربما هدم بيته وهو في هذه الحالة قد جني علي نفسه أولا لأنه يطلب المستحيل الذي صوره الحديث النبوي ببراعة شديدة.   (1) مسلم 2670 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 تظل المرأة محافظة علي معالم الطفولة لا في جسمها فحسب بل في طبعها وحالتها النفسية وهي لو اختلفت وجوه شبهها عن الطفل كثيرا لما استطاعت أن تكون أما صالحة فهي تفهم متطلبات الطفل بسبب شعورها الطفولي، بينما يبتعد الرجل عن عقليه ومحيط الطفل بسب تطوره الذهني، أما هي فتبقي كالطفل تستوعب أكثر مما تكون خلافه، حنانها يزيد علي تفكيرها، وحدسها يقظ أكثر من حياتها الذهنية إذ هي مكونة لتتحمل وتقاسي أكثر مما تتصرف قابلة للخضوع أكثر من السيطرة، وفي هذه الطبيعة الخاصة بالمرأة متعة للرجل وجمال وراحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 هذا الرجل تكرههُ جميع النساء (1) الرجل الذي تكرهه جميع النساء هو أحد هؤلاء: 1- الذي لا يغض بصره عن النساء: يسترق النظر إلى حرمات الآخرين دونما احترام لزوجه.. فتجد عينيه تدور في محاجرهما بحثا عن النساء وهو يجالسها..أو يلاحقهن في الأسواق ويقيم العلاقات معهن تحت شعار (الرجل حامل لعيبه) وفي حماية مجتمع يبرر للرجل جرائمه المخلة بالشرف والآداب العامة. 2- الشكاك: الذي يقتفي أثر كل شيء لعله يصل إلى ما يصدق ظنه ويدور في عقله..   (1) ناصح..نقلته بتصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حتى يكاد يحسب الأنفاس على زوجه.. ويدمر البيت بسبب شكه.. 3- الغيور: الذي يغار غيرة نارية غير محمودة تحرقه وتحرق زوجه معه.. وتهدم البيت وتشرد لأطفال.. رغم أنه لا يوجد ما يدعو لذلك.. 4- المزواج: الذي يستبدل النساء استبداله ملابسه وسقط متاعه.. دون اعتبار لإنسانية زوجته ومشاعرها.. ضاربا عرض الحائط بأسرته.. والتزاماته.. 5- البخيل: الذي يحبس ماله ويعدده.. حارماً نفسه وأولاده من لذة الحياة ومتع الدنيا.. خوفاً من مستقبل لن يعشه ... فما ذكر الزمان بخيلاً استمتع بماله!! 6- المنان: الذي يعطي فيعود بالمن والأذى على من ينفق أو يعطي.. وبئس الرجل هو الذي يعير الناس بما أعطاهم وأنفقه عليهم.. 7- ضعيف الشخصية: الذي يسلم قياده للمرأة من أم إلى زوجة دون رقابة 8- فالرجل قوام وحينما يتنازل عن ذلك لا يستحق شرف الرجولة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 9- غير جدير بالمسؤلية: لا يعتمد عليه.. يعدك بالتنفيذ وهو عاجز عن تحمل مسؤوليات ما وعد به.. تاركا من هم في مسؤوليته للضياع وفتن الشارع.. 10- خائن العهد: الذي يعدك بالشيء ويعود عنه.. مرتدا بذلك عن سيرة الرجال المحترمين.. وكم أبكاني فقدي رجلا كان وعده سيفا قاطعا لا عودة عنه إلا بالموت.. 11- الخبيث المنافق: الذي يبطن ما لا يعلن.. ويصور نفسه في أحسن صورة وهو أسوء الرجال. 12- النمام.. المغتاب: الذي يمشي بين الناس بالنميمة ويغتاب صحبه.. بل ويجالس النساء مستمتعاً بنميمتهن غير البريئة.. مساهما في نشرها.. 13- الناعم المترف: الذي يتشبه بالنساء في رقتهن وميوعتهن.. فتجده مسخا لا يستحق الاحترام.. بل هو مخنث، لا يستحق حتى النظر إليه.. 14- المهمل: الذي يهمل في هيئته الشخصية.. فتجده قذرا وغير مرتب بحجة أن الاهتمام بذلك من شأن المرأة وحدها!!!! ولا يلتفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 لكلام رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» (1) . 15- الديوث: الذي يقبل بالدنس في بيته.. وانحراف زوجه تحت أي ظرف أو مسمى.. واأسفي على ذكور اكتفوا بهذه الصفة.. وابتعدوا عن فضائل الرجل العظيمة ...   (1) مسلم 131، أحمد 3600 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 من يكسب قلب زوجته (1) إن هناك أسباب وعوامل تعين الزوج للفوز بحب زوجته وكسبها دائماً.. وهذا بلا شك يساعد في تقليل العوامل السلبية المسببة في نشوء المشاكل والخلافات الزوجية. ونعد هنا أسباب للإيضاح وليس للحصر: 1 - ينبغي على الزوج التعرف على ما تحبه زوجته، والحرص على تحقيق ذلك وإظهاره. وبالمقابل الابتعاد عما تكرهه الزوجة من تصرفات وأخلاق. وقابلها دائماً بكل جميل. وأجمل شئ هو الاقتداء بهدي وخلق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم.   (1) المرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 2 - حاول دائماً تجنب أسباب الخلاف.. فكن رجل سياسة يحسن التعامل من أجل المصالح المشتركة. ودائماً اعمل بقول الإمام الليث بن سعد، حيث يقول: أحب أن أعامل الناس على قدري!! فانظر ما هو قدرك وتعامل به، فلا تظهر المهانة أو الترفع على شريكتك بل ارفعها دائماً واجعلها تحس أنها أهم إنسانة في الوجود بالنسبة لك. من هنا سوف تكسب ولن تخسر أبداً. 3 - ليحرص الزوج على قول الطيب من الكلام. فلا تضرب الوجه ولا تقبح. كما أوصى بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وحتى إن كنت في منتهى غضبك تجنب تقبيح زوجتك وشريكة دربك في الحياة. لأن هذا سوف يجرح نفسها ويؤذيها.. وأعظم من ذلك أنك تخالف أمر نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 4 - تعود الإستماع منها ومشاركتها أحزانها كما تشاركها أفراحها. خذ بمشورتها في بعض جوانب الحياة التي تخصكم كشركاء. وهنا أنصح كل واحد منا أن يقرأ حديث أم زرع الذي روته أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع طول الحديث، كان الحبيب محمد يستمع.. بل يستمع إليها بكل عناية وأدب صلى الله عليه وسلم. 5 - الزينة.. أخي الزوج تزين لزوجتك كما تحب أن تتزين هي لك. أكثر من الطيب، عود نفسك على السواك، وأحسن من تصفيف شعرك.. لا تعتقد أن هذا الفعل شئ جديد وبدعاً من القول. لا.. بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بعض صحابته رضي الله عنهم يتزينون لزوجاتهم. 6 - في كل يوم.. احرص على أن تظهر وتتصرف مع زوجتك وكأن هذا اليوم.. هو أول يوم في زواجكما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 من أسرار السعادة الزوجية لمن رامها وابتغاها (1) لا ينظر الإسلام للزواج باعتباره ارتباطاً بين جنسين فحسب، وإنما يعتبره علاقة متينة وشراكه وثيقة لا تنفصم عراها تجمع بين متعاقدين لبناء أسرة متماسكة تربطها روابط الرحم، ومن ثم فقد أكد أن قوامها الوداد والتراحم والتعايش. {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم:21 ومثلما أن هناك عوامل وأسباباً يمكن أن تساهم في تعكير صفو هذه العلاقة، وربما تؤدي إلى هدمها، فكذلك ثمة عوامل وأسباب يمكن أن تقوي هذه العلاقة وتزيد من متانتها وتساعد على غرس وتنمية   (1) البرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 السعادة الزوجية والمحافظة عليها بين الزوجين، ولعلنا نحاول أن نصل معاً إلى أهم تلك الأسباب متمثلة في النقاط التالية: 1 - التدين الراشد: الالتزام بأوامر الله عز وجل والإكثار من ذكره والبعد عن معاصيه، به تنشرح النفوس وتطمئن القلوب. {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب} الرعد:28 وحينما نقول: إن التدين ينبغي أن يكون راشداً فليس من أجل استتباب الحياة الزوجية فقط، بل الحياة كلها، بمعنى أن يكون التدين شاملاً عاما، يشمل كافة مناحي الحياة اليومية، فالعبادات والقربات من الدين، وحسن التعامل مع الآخرين من الدين، وصلة الرحم، والابتسامة، وأداء الواجبات والحقوق للناس، فكلها من أمور الدين، كما لابد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 يكون التدين متوازناً فليس من الفقه التوسع في النوافل مع إهمال حقوق الزوج أو رغباته أو العكس، ولذلك لا يشرع للمرأة صيام النفل إلا بإذن زوجها. والشيطان قرين الغافلين عن الله وشرعه، وهو من أهم العوامل المفضية لغرس الكراهية وبث البغضاء بين الزوجين وله في ذلك طرق ووسائل شتى وحيل وحبائل عديدة، بل إن أدنى أعوان إبليس إليه منزلة هو ذلك الذي يعمد إلى التفريق بين الأزواج ويفلح في إيقاع الطلاق بينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ» (1) . 2 - البعد عن الروتين وضرورة التجديد: فالإنسان بطبعه يحب التجديد في كل أمر من أمور دنياه، والروتين أحد أسباب الملل وجلب الكآبة، لذلك ينبغي على الزوج والزوجة أن يضفيا على حياتهما نوعاً من التغيير وألا يعكفا على نمط واحد، كأن تجتهد الزوجة في تغيير زينتها بما يناسبها، أو تتعلم نوعاً جديداً من الأطعمة والمشهيات فتضيفه إلى مائدتهما، وعليها كذلك من وقت لآخر أن تغير من صورة بيتها بنقل الأثاث وتحويره من مكان إلى آخر، والزوج مطالب كذلك بأن يكسر الروتين بوسائل كثيرة منها على سبيل المثال   (1) مسلم 5032 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الخروج مع أهله للترويح عن النفس من خلال الرحلات المشروعة من دون إفراط ولا تفريط. 3 - غض الطرف عن بعض الهفوات واجب الزوجين: فالكمال ليس من سمة البشر، بل الأصل في البشر الخطأ والزلل، ولذلك فمن الحق والعدل أن يغض الزوج والزوجة طرفهما عن الأخطاء الصغيرة والهفوات العابرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (1)   (1) مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 4 - الملاطفة من أسباب دوام المحبة: فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحرص كل واحد على ملاطفة الآخر وملاعبته والمزاح معه. فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه برغم جديته وشدته يقول: (ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي فإن كان في القوم كان رجلاً) . وروت عائشة رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» (1) 5 - احتواء المشاكل الطارئة وسرعة معالجتها:   (1) أبو داود 2214 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ومعالجتها أولاً بأول وعدم الهروب منها، فإن تراكمها وتطورها يقود إلى نتائج غير محمودة العواقب، ويجب ألا يسيطر اليأس على أحد الزوجين أو كليهما باستحالة الحل، فلكل مشكلة حل ولكل خلاف علاج، وليحرص الزوجان على المحافظة على أسرار حياتهما الزوجية وذلك من خلال الثنائية في طرق المشاكل والاتفاق على الحل وألا يوسعا دوائر الخلاف بإدخال أطراف أخرى لئلا تتسرب الأسرار وتتطور المشكلة، وإن كان لابد من مشاركة طرف آخر فليكن الوسطاء من أهل العقل والتجربة والحكمة والصلاح وممن يحفظون أسرار البيوت. 6 - تبادل الهدايا تغرس المحبة في النفوس: تبادل الهدايا بين الأزواج لاسيما هدايا الزوج للزوجة، إحدى أسباب غرس المحبة بينهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَهَادَوْا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 تَحَابُّوا» (1) . فالهدية هي تعبير عن المودة وهي كسر لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف. فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً. ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الغرض من الهدية هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول، وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية، ولكن عن كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المودة. 7 - الغيرة المحمودة تؤثر على العلاقة: مع عدم المبالغة في الغيرة بل تكون باعتدال وروية، وهي بذلك تكون مؤشراً على محبة كل من الطرفين للآخر وعدم تفريطه فيه أو   (1) البخاري في الأدب المفرد 612، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 1601 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 السماح بالنيل منه بشكل غير مشروع، فيجب على الزوج أن يعتدل في هذا الشأن، ولا يبلغ إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات النساء: «إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ» (1) لأن ذلك من سوء الظن الذي نهانا الله تعالى عنه، فإن بعض الظن إثم. ويحكى أن سليمان عليه السلام قال لابنه: (لا تكثر الغيرة على أهلك، ولم تر منها سوءاً؛ فترمي بالشر من أجلك، وإن كانت   (1) النسائي 2511، وأحمد 22630، وحسنه الألباني في الإرواء 1099 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 منه بريئة) (1) ، وأما الغيرة التي تكون في محلها فهي مطلوبة شرعاً ولابد منها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ..» (2) فالمطلوب إذاً هو الاعتدال بحيث يغار الزوج في المواطن التي تجب فيها الغيرة، ويُمسك فيما عدا ذلك من غير ضعف ولا تنطع. 8 - العقلانية في الطلبات:   (1) أبو نعيم في الحلية 3 / 71 حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه، وكذا البيهقي في شعب الإيمان 842، وابن عساكر في تاريخ دمشق 22/285 (2) مسلم 44959، والترمذي 1088 وقال حسن غريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 بحيث لا تكلف الزوجة زوجها بطلبات ترهق ميزانيته أو وقته أو صحته وتضيف عليه أعباء جديدة خاصة إن لم يكن قادراً على توفيرها، وكذلك الزوج مطالب هو أيضاً ألا يحمل زوجته ما لا تطيق من أعباء وتكاليف، سواء كان ذلك في التعامل أو المسؤوليات أو غيره. قال تعالى في محكم تنزيله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة:286 9 - الإحترام المتبادل يزيد في الود والمحبة: ينبغي على الزوجة أن تحترم زوجها، وأن تعترف له بالقوامة، وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن ينفرد بها. وإنزاله منزلته التي أنزله الله إياها، من كونه رب الأسرة وسيدها وحاميها والمسؤول الأول عنها، وإذا أرادت الزوجة أن تشاركه الرأي في بعض اختصاصاته فيجب أن يتم ذلك بتلطف ولباقة واختيار الوقت والزمان المناسبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 لمناقشة مثل هذه القضايا وطرح الأفكار، على ألا تصر الزوجة على رأيها أو موقفها إن وجدت منه تمنعاً، بل عليها أن تؤجل الأمر حتى تسنح الفرصة ويتهيأ بذلك المناخ لمناسب لمعاودة الطرح. 10 - التشاور وتبادل الرأي: ويتم ذلك من خلال عقد جلسات عائلية داخل المنزل من وقت لآخر يتشاور فيها الزوجان عما يجب عمله في الأمور المهمة في حياتهما المشتركة، ويتم من خلال ذلك تقويم تجاربهما الماضية والتخطيط للمستقبل. وذلك عبر رؤية مشتركة. فإن القرارات إذا أُخذت باتفاق لاشك أنها أفضل من نظيراتها الفردية. 11 - ضبط النفس وعدم التنابز: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 يجب ضبط النفس عند وقوع الخلافات بين الزوجين، والبعد عن استخدم العبارات الجارحة أو انتهاج السلوك المؤذي بين الزوجين. كأن يعير الزوج زوجته بنقص فيها، أو أن تخدش الزوجة زوجها بنقائصه، خاصة إن كانت تلك النقائص مما لا يؤثر في الدين والخلق أو يجرح الاستقامة والسلوك، وفي ذلك يجب أن يكون النقد أو التوجيه بأسلوب رقيق تلميحاً لا تصريحاً ثم المصارحة بأسلوب المشفق الودود، وليس هناك أي مبرر مثلاً لكي يعيب الزوج على الزوجة عدم إتقانها لفن الطبخ، بل عليه بدل ذلك أن يحضر لها الكتب المتخصصة في هذا الشأن. ومن الممكن أن يوجهها بعبارات لائقة كأن يقول لها لو فعلت ذلك لكان خيراً ولو امتنعت عن ذلك لكان أفضل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يصحح الأخطاء تلميحاً لا تصريحاً فكان يقول «مَا بَالُ أَقْوَامٍ» (1) ، وكذلك أيضاً ما عاب طعاماً قط، فالانتقاد الحاد   (1) انظر مثلاً: البخاري 436، 708، ومسلم 2487، والنسائي 938، والترمذي 2050، وأبو داود 779، وابن ماجه 2007 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 والهجوم الصارخ من الممكن أن يقود إلى التعنت ويؤدي إلى العزة بالإثم. 12 - القناعة بمبدأ الخصوصية بين الزوجين: عدم السماح للغير (خاصة الأقربين) بالتدخل في الحياة الزوجية وتناول الأمور الخاصة بالزوجين. فأغلب هذه التدخلات لا تأتي بخير، فأهل الزوجة غالباً ما يتدخلون لصالح ابنتهم وكذلك فأهل الزوج يتدخلون لمناصرة ابنهم، الأمر الذي يعمل على إيجاد المشاكل وتأزمها بين الزوجين. وكثيراً من الخلافات الزوجية إنما تنجم بسبب تدخلات الأقارب في الشئون الزوجية، فحياة الزوجين هي ملك لهما فقط لا ينبغي أن تُعكر صفوها التدخلات الخارجية مهما كانت درجة القرابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 13 - العدل: إذا كان الرجل متزوجاً أكثر من واحدة فيجب عليه الاجتهاد أن يعدل بين أزواجه، وألا يفضل إحداهما أو إحداهن دون غيرها، فالشعور بالظلم من قبل الزوجة سيولد مشاكل ولربما يكون سبباً في هدم العلاقة الزوجية. كما انه ليس من الحكمة في شيء أن يبوح الزوج بحبه وتقديره لإحدى زوجاته دون غيرها من نسائه في وجود الضرة، ولا أن يتكلم عن محاسن وإيجابيات إحداهما في وجود الأخرى حتى وإن كان صادقاً ومحقاً في ذلك. فالغيرة تُعد طبيعة فُطِرَت عليها النساء ولم يسلم منها حتى أمهات المؤمنين من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 كانت تغار من خديجة رضي الله عنهما برغم أنها لم تدركها، وكانت تنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه وثناءه عليها، فتقول: (قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا) (1) ، فإن كان هذا هو شأن عائشة مع خديجة رضي الله عنهما، فكيف يكون الحال بالنسبة لمن عداها من النساء؟!   (1) وهو من كلام السيدة عائشة رضي الله عنها، البخاري 3536، ومسلم 4467 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 همسات لكل زوج حتي يُرضي زوجته همسات ... في أذن زوجكِ ... أيها الزوج: - ماذا تكلفك يا عبد الله البسمة في وجه زوجك عند دخولك على زوجتك كي تنال الأجر من الله؟ - ماذا تكلفك طلاقة الوجه عند رؤيتك أهلك وأولادك؟ - هل يضيرك ويرهقك يا عبد الله أن تقبل على زوجتك تقبلها وتلاعبها وأنت داخل عليها؟ - وهل يشق عليك أن ترفع لقمة وتضعها في فيِّ امرأتك حتى تنال الثواب؟ - هل من العسير أن تدخل البيت فتلقي السلام تامَّا كاملاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى تنال ثلاثين حسنة؟ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ماذا عليك إذا تكلمت كلمة طيبة ترضي بها زوجتك ولو تكلفت فيها، وإن كان فيها شيء من الكذب المباح؟ «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا» (1) - لا أظن أنك ترهق وتتعب إذا قلت لزوجتك عند دخولك: يا حبيبتي منذ خروجي من عندك صباحاً إلى الآن وكأنه قد مرَّ عليَّ عام.. - سل عن زوجتك عند دخولك عليها وسل عن أحوالها. - هل سترهق يا عبد الله إذا دعوت وقلت: اللهم أصلح لي زوجي وبارك لي فيها؟   (1) مسلم 4717، والبخاري في الأدب المفرد 397 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 - الكلمة الطيبة صدقة. - طلاقة وجهٍ وتبسمٌ في وجهها صدقة. - إلقاء السلام فيه حسنات. - مصافحة يدها فيها وضع للخطايا. - جماعٌ فيه أجر. وأنت أيتها الزوجة: همسة في أذنكِ ... أيتها الزوجة: - هل يُضيرك أن تقابلي زوجك عند دخوله بوجه طلق مبتسم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 - هل يشق عليكِ أن تمسحي الغبار عن وجهه ورأسه وثوبه وتُقبليه؟ - أظنك لن ترهقي إذا انتظرتِ عند دخوله فلم تجلسي حتى يجلس!! - ما أخاله عسيراً عليك أن تقولي له: حمداً لله علي سلامتك.. نحن في شوقٍ إلى قدومك، مرحباً بك وأهلاً. - تجملي لزوجك - واحتسبي ذلك عند الله فإن الله جميل يحب الجمال - تطيبي - اكتحلي - البسي ثيابك لاستقبال زوجك، إياكِ ثم إياكِ من البؤس والتباؤس. - لا تصغي ولا تستمعي إلى مخبب مفسد يخببك ويفسدك على زوجك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 - لا تكوني دائماً مهمومة حزينة بل تعوذي بالله من الهم والحزن والعجز والكسل. - لا تخضعي لرجل بالقول فيطمع فيكِ الذي في قلبه مرض ويظن بك السوء. - كوني منشرحة الصدر هادئة البال ذاكرة لله على كل حال. - هَوِّني على زوجك ما يحل به من متاعب وآلام ومصائب وأحزان. - مُريه ببر أمه وأبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 - أحسني تربية أولادك واملئي البيت تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً وتكبيراً وتحميداً، وأكثري من تلاوة القرآن وخاصة سورة البقرة فإنها تطرد الشيطان (كما ورد في الحديث الصحيح) (1) . - انزعي من بيتك التصاوير وآلات اللهو والطرب والفساد. - أيقظي زوجك لصلاة الليل وحثيه على صيام التطوع وذكريه بفضل الإنفاق ولا تمنعيه من صلة الأرحام. - أكثري من الاستغفار لنفسك وله ولوالديك ولعموم المسلمين، وادْعي الله بصلاح الذرية وصلاح النية وخيري الدنيا والآخرة،   (1) ونصه «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه مسلم 1300، والترمذي 2802 وقال حسن صحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 واعلمي أن ربك سميع الدعاء يحب الملحِّين فيه، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر:60 وأخيراً..أسأل الله تعالي أن يدخلنا جنات تجري من تحتها الأنهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 تذكير الرجال بعدم إهمال نسائهم وذراريهم ممن جعلهم الله تحت أيديهم وعدم الإنشغال عنهم (1) أخي الكريم حفظك الله ورعاك وعلى الخير وسدد خطاك أخي الكريم اعلم علمك الله أن الاستقامة على كتاب الله وسنة رسوله ليست بالأمر الهين بل معناها: أن نستقيم في أقوالنا وأفعالنا كلها لله تعالى وليس معناها أن أتدين في ظاهري دون باطني بل أخي الظاهر عنوان الباطن وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (2) .   (1) الأسرة والمجتمع (2) البخاري 50، مسلم 2996 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 أخي الكريم: أنه مما ينبغي لنا مراعاته فيما بيننا أن نهتم كثيرا بأنفسنا التي بين جنبينا وذلك بأمرين: التعليم والتزكية وقد قال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} البقرة:129، فهما أمران بهما فلاح أنفسنا عند ربنا إن شاء الله. وكما أننا نهتم بتهذيب أنفسنا والقيام بحقوقها فبين أيدينا أهلونا وأولادنا وكما قيل أكبادنا تمشي على الأرض لابد أن نحسن عشرتهم وأن نتقي الله فيهم وكم وكم هم هولاء الذين يخلفون أولادا لهم وزوجات خلفهم وللأسف هم آخر اهتماماتهم لا يرفعون لهم رأسا أبدا ولا يهتمون بشؤونهم ولا يقيمون على مصالحهم وهم في آخر الركب عندهم وللأسف الكبير تجد رب الأسرة وللأسف قد اهتم بنفسه فقط وقام به إن فعل ذلك حقا فاهتم بتقصير ثيابه وإعفاء لحيته وتطيبه جزاه الله خيرا وقد يتعدى الأمر إلى أن يخرج خارج بيته ويهتم بدعوة الناس إلى الله تطبيقا لأمر الله في الدعوة ويبذل قصارى جهده في ذلك جزاه الله خيرا ولكن نقول ولمن أخي تركت أهل بيتك؟ زوجك الحبيبة وأم أولادك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 المحبة لك حقا وأولادك، من يهتم بهم بعدك ولمن تركتهم أخي الكريم؟ وهل كان نبينا صلى الله عليه وسلم كذلك؟ وهل أوصانا بذلك؟. لماذا الذين يتدينون اليوم بهذا المستوى من التفكير؟ أو قل التدبير؟ أين نحن من تعاليم القرآن والسنة حقا وصدقا؟ أمرنا والله مع أهلونا عجيب غريب وحالنا يرثى إلى لله أليست المسؤولية ملقاة على عواتقنا؟ ومن يهتم بهم إن لم نقم بهذه المسؤولية العظيمة؟ إن الانطلاقة الصحيحة تبدأ بالبيت حقيقة لا بالخارج كما هو واقع اليوم لا والله إنها بداية خاطئة، وقد لا يكتب لها الإستمرار لأن ما بني على باطل فهو باطل. إن ما وهبنا الله من الأزواج والأولاد إنما هو رزق منه تعالى ونعمة عظيمة ما أجلها والله وما أعظمها. كم من الناس قد حرموا ذلك الرزق وتلك النعمة قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} النحل:72، وسبحان الله مع ما قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 يحصل منهم من العداء لنا أحيانا إلا أن الله يأمرنا بالصفح والعفو عنهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} التغابن:14 فكم هي تلك النعمة الغالية أخي الكريم التي سبغها الله علينا ولنكن على حذر عظيم من عدم شكر نعم الله التي لا تعد علينا ولا تحصى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} النحل:18، أو لا نقوم بها كما أمرنا الله تعالى أولا نغير ما بأنفسنا من التعامل مع تلك النعم من السيء إلى التعامل الحسن الذي أمرنا الله به حذار حذار أخي في الله فإن الأمر حينئذ جد خطير والخطب جد جلل يقول ربنا تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال:53. كلنا والله مسؤول أمام ربنا تعالى، ووالله لنسأل عن عشرتنا مع أهلينا وأولادنا، فاتق الله يا عبد الله في أهل بيتك قبل أن تنتقل في دعوتك واهتماماتك لمن حولك إن الله تعالى يقول لنبيه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْأَقْرَبِينَ} الشعراء:214، وهو خطاب لنا جميعا فهل نحن فعلا قمنا بحق لك المسؤولية التي ألقاها الله على كواهلنا؟ قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . وقال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (2) . وإني والله أعجب أشد العجب من حالنا ننشط كثيرا جدا خارج بيوتنا في تعليم الناس وأولادهم وأهليهم ثم نعود بيوتنا ونقابل الولد   (1) البخاري 2371 (2) مسلم 203، والدارمي 2852 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فنصرخ في وجهه ونقابل البنت فنعبس في وجهها وهم ينادوننا أبي أبي وتنتظرنا زوجاتنا بفارغ الصبر حتى يعود الأب الكبير والمقدم عندهم وفي حياتهم وإذا بهم يصدمون فيه وتخيب ظنونهم بعد طول انتظار له لا يكلم ولا يتكلم ما به؟ فيه عبوس وفيه غضب ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو تعب يريد الراحة ولكن سرعان ما تتبدل هذه الأمور وبسرعة إذا علم أن طارقا من أصحابه طرق الباب وإذا به شخصا آخر غير ذلك الأول فسبحان الله! ألست يا أخي قبل قليل أنت متعب ألست قبل قليل كنت عابسا؟ ألم تكن قبل قليل مجهدا؟ لم تغيرت فجأة؟ ما الذي حصل أخي الكريم؟ وكأنك نشطت من عقال. إنها العلائق بينك وبين زوجك وأهل بيتك تركتها بل وأهملتها حتى بردت بل وتكاد تكون قد تجمدت ألا تخشى أخي أن تنظر بعد ذلك لزوجك فلا تجدها بجانبك؟ ألا تخشى أنها تنحرف عن الجادة فتتعلق بغيرك لا قدر الله وكله بسبب من؟ ألست أنت السبب الرئيسي في حرمانها من لذتها؟ أتذكر ما كان بينكما من ود ورحمة بداية زواجكما؟ أين هي الآن؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ومذ تعلقها بك وتلقك بها أيضا أين هذا كله أخي في الله؟ راجع نفسك يا عبد الله وانظر من أين بدأ الخلل وأصلح أصلحك الله قبل أن يكون يوم لا تجد فيه لك أي تقبل ولا حتى مكانة أدرك نفسك وحياتك فإنها ولاشك قد وصلت فعلا لمرحلة الخطر كم شكى من شخص عانى من مثل تلك الحالة مع أهله كان يسافر كثيرا ويترك أهله وكان أهله يمنعونه من كثرة السفريات بكل ما أوتوا من الوسائل كانت زوجه متعلقة به جدا ولكنه أكثر من سفرياته هنا وهناك ومر زمان لم تعد زوجه تبالي بسفره بل مر عليه وقت أصبحت تساعده على السفر فبدأ الزوج يشك بها واكتشف فيما بعد أن زوجه وقعت في الخيانة فعلا أتدري ما هو سببها؟ أنه زوجها وباعترافه عاش أياما شديدة عصفت به وبحياته كلها وآخرها تفككت الأسرة تفككا عجيبا وتغيرت الأمور وتبدلت وحصل الفراق بين الزوجين وحصل الشتات للأولاد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أتريد أخي في الله أن تكون حياتك مآلها إلى هذا الذي سمعت؟ ألا تتذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته مع زوجاته إن كنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 صادقا فعلا في تمسكك وإني أتساءل هل إخواني التمسك يكون في جوانب فقط من دين الله؟ والجوانب الأخرى مهملة؟ هل هذه حياة سعيدة؟ أُذَكِّرك يا عبد الله بنعم الله عليك ببعض الأحاديث في حسن العشرة لعلك تؤوب وتتفكر في حالك وتدرك نفسك قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون فيتعلق بك زوجك وأبناؤك يحاسبوك على ما مضى من حياتك معهم فارع سمعك لعل الله أن ينجيك مما أنت فيه قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» (1) . أرأيت النعمة الكبرى التي أنت فيها فغيرك لم يجد تلك النعمة وأنت والحمد لله تخوض فيها فهل تشكرها أو لا؟   (1) مسلم 2668 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ» (1) . فيه وصاية بالنساء وفيها حث على الصبر عليهن فلو كرهت شيئا منها فستحب جوانب كثيرة فيها فلا تقبحها دوما وتهزأ بها أو تعرض عنها وتهملها فتكون ظالما. والله تعالى حرَّم الظلم على نفسه وعلى عباده، فعَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ   (1) مسلم 4674 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» . وانظر عشرة الرجال للنساء وانظر حال نبيك مع زوجه عائشة رضي الله عنها، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (1) «جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتْ الْأُولَى زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ   (1) البخاري 4790، مسلم 4481 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 قَالَتْ الثَّانِيَةُ زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ قَالَتْ الثَّالِثَةُ زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ قَالَتْ الرَّابِعَةُ زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ قَالَتْ الْخَامِسَةُ زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ قَالَتْ السَّادِسَةُ زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ قَالَتْ السَّابِعَةُ زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ قَالَتْ الثَّامِنَةُ زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ قَالَتْ التَّاسِعَةُ زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِ قَالَتْ الْعَاشِرَةُ زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 أُذُنَيَّ وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا وَقَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 تلك نصيحتي لنفسي أولاً ثم لك يا عبد الله أن تتدارك أخطاءك في حياتك وبالذات مع شريكة حياتك وأم أولادك ثم أبناؤك فبهم فابدأ إن كنت صادقا في استقامتك وعاشرهم بالمعروف كما أمرك الله وإياك إياك والإهمال والانشغال عنهم دون أن تعطيهم حقوقهم فسيسألك الله عنهم فما عساك تقول؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 صفات الزوج المثالي (1) - يتميز الزوج المثالي بالصدق والصراحة منذ الوهلة الأولى، فلا يخفي على المرأة شيئا عند الخطبة. - هو تقي - نقي - ورع يخاف الله ويخشاه في السر والعلن، فلا يخاطب زوجه إلا سلاما ولا يعاملها إلا إكراما ولا يطعمها ويكسوها إلا حلالا. - هو الذي يجعل مقياس اختياره الدين والخلق فنراه يهتم بما في جوهر المرأة قبل مظهرها.   (1) قافلة المواقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 - هو الذي يكون منطقيا في متطلباته فلا يرهق زوجه بالعمل داخل البيت وخارجه، فإذا اتفق معها على العمل خارج البيت عليه أن يساعدها في أعمال المنزل. - هو الذي يمتلك الحكمة والمقدرة على فض المنازعات ولا يفتش بيديه عن المشكلات المدفونة. - يهتم بمظهره ونظافته الداخلية والخارجية ويعرف أن هذا واجب ديني عليه وليس هذا أمرا خاصا بالمرأة متعلقا بها. - يحب النظام فيقسم ساعات يومه بين عمله وزوجه وأولاده، ويسهم في تربية الأولاد والاستذكار لهم، فليست المرأة وحدها المسؤولة عن ذلك. - لا يكثر السفر من غير زوجه وأولاده بلا داع، فإن اضطره عمل إلى السفر لفترات طويلة أصر على أن يصحب عائلته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 - يساعد زوجه على الاستعداد ليوم الميعاد فيحثها على حضور مجالس الذكر، ويساعدها على ذلك ويذلل لها كل الصعاب. - يثق في زوجه وفي عفتها وأخلاقها فلا يسيء الظن بها لأتفه الأسباب، ولا يجعل الشك أساس المعاملة. - يحفظ أسرار الزوجية فلا يتحدث بشيء منها فتنتهبه الأسماع والأقوال. - يبتعد عن ضرب زوجه أو سبها أو شتمها. - ينفق على زوجه وأولاده من غير إسراف ولا تقتير. - يحسن الحديث مع زوجته بأسلوب رقيق مهذب فالكلمة الطيبة لها أثر في النفس، كما يحسن الاستماع إلى حديثها ويقدر رأيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 أنت يا من حديثه وديدنه التعدد! (1) ألا تتقي الله تعالى! وأنت ديدنك استفزاز الزوجة، وتهديدها في كل مناسبة، ومن دون مناسبة! سأتزوج عليك، سأفتح بيتًا آخر! فتعيش الضعيفة بين الغيرة، والقلق، والاضطراب النفسي، وبين المحافظة على تلك المملكة التي أسستها لك ولأولادك، وأنت لا هم لك إلا أن تشفي غليلك بالعبث بتلك الأعصاب والدموع والقلب الضعيف! ألا تتقي الله تعالى! وأنت تستغل طيبة تلك الأسر العفيفة التي تفضل من يظهر عليه سمات الصالحين، أو تستغل فقرها، أو حرصها على الستر والعفاف، فتتقدم وفي نيتك إشباع رغبة، ومتى ما انتهيت   (1) الأسرة والمجتمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 منها، تذكرت الأولى، وما سيحصل لو علمت بما فعلت! فتندم على مراهقتك باصطناع أتفه المشكلات لتفارق تلك المسكينة، فتصبح مطلقة! ولم يمضي على زواجك بها أيامًا، فتنهي بعبثك الطفولي مستقبلها، فلا يُعرف سبب طلاقها المستعجل! ويظن أن بها عيب، وما علموا أن العيب في جرأتك على أعراض المسلمين! ألا تتقي الله تعالى! وأنت قد أتخذت من تلك الرخص والفتاوى المشبوهة لدعاة - الوجبات السريعة - (افعل ولا حرج!) منهجًا لك، وأصبح التعدد عندك يؤصل بتأصيلاتٍ ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ولم يفتي بها أحد من أهل الثقة والإيمان، فأصبحت - للأسف - تمارس المتعة، بأسماء سنية شرعية! بل للأسف أصبح بعضهم يصطاف سنويًا في بلدان معروفة لينافس أهل الفساد والإفساد، وليتفاخر عند أقرانه بإنه عدد بأكثر من واحدة من تلك الدولة فترة إجازته الصيفية، وما علم المسكين كم هي جرأته على شرع الله تعالى!؟ ألا تتقي الله تعالى! وأنت تثير غيرة الأولى في كل مناسبة، أو تتفنن في إهانة كرامتها أمام الثانية، أو تعيير إحداهن لترضي الأخرى، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 تصطنع تلك المشاكل التافهة مع إحداهن لتحرمها من النفقة، والمبيت، وتهديه للأخرى، وبغطاء شرعي أسميته الهجر! ألا تتقي الله تعالى! وأنت تعبث بتلك التوكيلات الشرعية الممنحوة لك من إحداهن لإدارة أموالها وممتلكاتها، فتغتصب تلك الحقوق لتعطيه للأخرى، أو تجبر إحداهن أن تتقبل عيش الأخرى معها في ممتلكاتها، وإذا عارضت هددت بنقل الأموال والممتلكات لحسابك الخاص، فتخيرها بين فقدان الرزق والطلاق معًا، أو أن ترضى بغصبك للحقوق الأمر الواقع! ألا تتقي الله تعالى! وأنت تحرم الثانية حقها الشرعي في الأمومة، وأن هذا الحق يحرم عليها النقاش فيه، وإن ناقشتك بذلك، وذكرتك بالله - عز وجل - وبحقوقها هددتها بالطلاق! وكأن الزواج الشرعي عندك هو الفراش، وأما الذرية فقد أكتفيت بما عند الأولى، وعلى الثانية أن تترك فطرتها من أجل راحتك النفسية وهدوء بيتك! ألا تتقي الله تعالى! وأنت تستر زواجك بها! أو أن تظهر إرتباطها بك شرعًا! وتحرم على نفسك وعليها الحق في المبيت عندها! وكل ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 خوفًا من معرفة الأولى وأهلها، فمن كانت هذه شروطه! هل تعتقد - يا من زوجتها له - أنه سيسمح لها بالإنجاب؟ أو أن نيته صادقة بالإستمرار معها، وهو يخشى مواجهة الأولى! ألا تتقي الله تعالى! وأنت حينما تعدد تسقط حقوق الأولى، فلا نفقة، ولا مبيت، ولا نزهة، ولا سؤال، وهي وحدها من يتحمل مسؤولية بيتك المهمل، وتربية أولادك! وكل ما تريده بعد ذلك طعام الأولى وفراش الثانية. ألا تتقي الله تعالى! وأنت تقدم على التعدد، وتعرف بقناعة نفسك أنك ضعيف الشخصية أمام الأولى، فتهرب من نقصك بالزواج من الثانية، فإذا ما عرفت الأولى حقيقة أمرك هددتك بطلب الطلاق، وأخذ الأولاد، فتهرب مرة ثانية منها بتطليق الثاني لترضي الأولى، فماذا أستفدت؟ هل وازنت بين المفاسد والمصالح؟ ماذا سيكون مصير الثانية؟ وقد تخليت عنها لسفاهة فعلك وعقلك، فأصبحت بنظر المجتمع مطلقة بلا سبب! وماذا سيكون موقف الأولى، وقد هربت منها مرتين؟ وماذا ستكون نظرة أولادك لك، وهم يرون قوة شخصيتك؟ ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 كانت هذه شخصيته، فعلى ولي الثانية أن يطلب منه رضى الأولى - وهذا مستحيل -، أو أن يضع على ظهره مؤخر لا يرحمه، ولا يستطيع الفكاك منه، ليعلم خطورة الإقدام على أمر لا يُحسن التصرف فيه، أو ليس كفؤاً له! وأنت يا من تزكي من يريد التعدد: ألا تتقي الله تعالى! وأنت تزكي هذا وذاك، وتعلم أن هدفه من التعدد زيادة أرصدته بالمصارف من الأموال والأسهم، أو اتخاذه التعدد وسيلة لسداد ديونه المتراكمة، أو لتحسين وضعه الإقتصادي! ألا تتقي الله تعالى! وأنت تزكي هذا وذاك، وتعلم أنه ليس بكفىءٍ أن يعيش مع واحدة، فكيف بثانية، وذلك إما لعقوقه، أو ظلمه، أو عدم إنصافه، أبو بخله، أو ضعف شخصيته، أو سرقته واغتصابه أموال وممتلكات الأولى! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ألا تتقي الله تعالى! وأنت تزكي هذا وذاك، وتعلم أنه ممن اتخذ من التعدد، وسلية للعبث بأعراض المسلمين، فتجده يصطنع المشاكل التافهة ليتخلص من هذه وتلك، يتزوج اليوم ويطلق غدًا، وكأن المرأة عنده قطعة أثاث في بيته ومكتبه، أو مركبة في شارعه يبدلها متى ما استحسن مزايا غيرها! وأنتم يا من مجالسكم حديث التعدد: ألا تتقون الله تعالى! وأنتم تضيعون تلك الأوقات الثمينة بالتفاخر بكشف أستار البيوت والزوجات في ما بينكم، وبالتباهي بكيفية إيذاء الصابرات، وبالتفنن بتحريض وإفساد إخوانكم على نسائهن! فكم بيتًا آمنًا خربتم وأفسدتم؟ وكم زوجة سعيدة طلقت بسببكم؟ وكم ضاع من الأولاد لتحدياتكم الطفولية؟ وكأن الرجل - عندكم - لا يكتمل إلا بالتعدد! أمن أجل هذا كانت مجالس الرجال! وفي الختام نقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 ماذا لو كانت تلك الضعيفة المسكينة أختك، أو ابنتك، أو من محارمك ... هل سترضى لها ذلك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 تعدد الزوجات بين الظلم والعدل (1) قال تعالى في كتابه العزيز: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} النساء:3، عندما أباح الله عز وجل للرجل الزيادة على واحدة قيّد ذلك بالعدل ومن الناس من يحتاج إلى التعدد فيتزوج اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، والتعدد مشروع، وله حِكمَهُ المتنوعة، وفوائده المتعددة، لكن المصيبة أن يحيف الزوج في معاملته لزوجاته، فلا يلزم العدل ولا يقوم بما أوجب الله عليه، فالرجل راع في أسرته وهو مسؤول عن رعيته، وسياسة الراعي وعدله في رعيته هو الحد الفاصل بين فطنته وحماقته، فإذا ترك الرجل العدل بين زوجاته ثارت المشكلات وثارت الخلافات.   (1) الفرقان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أنواع ظلم الزوج لزوجته وأنواع الظلم الواقع على الزوجات عديدة وأشكالها متنوعة عند من ابتعد عن نور الهداية، ومنها هجر الرجل إحدى زوجاته لخلاف يسير دون أن يسبق هذا الهجر تحذير، وقد لا يقتصر في هجره على مجرد التأديب والتأنيب، بل يتجه في هجره إلى الإضرار بالزوجة، ثم لو قامت زوجة أخرى من زوجاته بمثل ما قامت به تلك التي هجرها لغض الطرف عنها، ولم يفعل معها ما فعل مع الأولى، فتراه يقسو مع الواحدة ويضعف أمام الأخرى. وكذلك نرى الظلم في ترك العدل في المبيت، فقد يبيت بعض الأزواج عند بعض الزوجات أكثر مما يبيت عند الأخرى، وقد يمكث الوقت الطويل عند إحداهن ولا يأتي عند الأخرى إلا لماماً، وقد يدعها شهوراً وربما أعواماً وربما علقها دون أن يطلقها، أو يعاشرها بالمعروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 يجب على الزوج أن يساوي بين زوجاته في المبيت، فإذا بات عند إحدى زوجاته ليلة بات عند غيرها مثلها، فكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين زوجاته، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) «كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي ثُمَّ قَالَتْ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي» وقال الحافظ   (1) البخاري 4095، ومسلم 4473 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ابن حجر في شرح الحديث (1) : (الْقَسْم لَهُنَّ يَسْقُط بِإِذْنِهِنَّ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُنَّ وَهَبْنَ أَيَّامهنَّ تِلْكَ لِلَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا) . وفي صورة أخرى لظلم الرجل غير العادل نراه يصطحب إحدى زوجاته في أسفاره دون أن يكون لغيرها نصيب، فإذا أراد السفر ورغب أن تصحبه إحدى زوجاته، فلابد أن يرضين كلهن، وإلا فالقرعة بينهن، ومثالنا على ذلك فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه» (2) . وأكثر ما يلاحظ في سلوك الزوج غير العادل هو المبالغة في الاهتمام بالزوجة الجديدة، وربما كان ذلك على مسمع من الأخرى بما يزيد في إغاظتها واشتداد غيرتها، دون أية مراعاة لمشاعرها، وذلك من الخطأ والجهل   (1) فتح الباري ح 4816 (2) البخاري 2404، ومسلم 4974 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وكذلك نرى أن الزوج غير العادل يميل في الهبة لإحدى زوجاته الكثير من أمواله، ويحنو كثيراً على أولاده منها، بينما يهمل الأخرى ويحرمها مما يعطيه لغيرها، وقد يقسو على أولاده منها، إذ لابد من العدل في النفقة والكسوة والعطية وغيرها، فيعدل بينهن من كل جهة وبكل ما استطاع وبكل ما يليق بكل منهن دون تفضيل إحداهن على الأخرى، فإذا وفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك. ولأجل ذلك كله، ولرفع الضيم عن الزوجة من ظلم الزوج غير العادل شَرط الدين الإسلامي في إباحة التعدد إمكان القدرة على النفقة، والقيام بأعباء الزوجية كاملة، وقيده بقيد، هو ضرورة العدل في المعيشة والمعاشرة، إذ قال تعالى في كتابه العزيز: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} النساء:3. وبهذا الشرط والقيد تصان الحياة الزوجية من الفوضى والاختلال، ومن الجور والظلم وتحفظ كرامة المرأة حتى لا تتعرض للمهانة بدون ضرورة ملحة واحتياط كامل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 العدل مشروط بالاستطاعة والعدل المشروط هنا هو العدل المادي في المعاشرة والمعاملة والنفقة وفي كل ما يمكن تحقيق العدل فيه، ويدخل تحت طاقة الإنسان وإرادته بحيث لا تبخس زوجة حقها ولا تؤثر واحدة دون الأخرى بشيء. أما فيما يتعلق بالمشاعر والقلوب وأحاسيس النفوس فذلك خارج عن إرادة الإنسان واستطاعته، ولا يطالبه بالعدل فيه أحد، وإلى هذا المعنى جاءت الإشارة في قول الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} النساء:129، ومع أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه كأرفع ما يكون وأنبل ما يكون، إلا أنه مع ذلك كان يحب السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر منهن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عدل بينهن في كل شيء، أما المحبة القلبية والميل النفسي فهذا من الله، ولا يملك فيهما شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 والعدل الذي نفيت استطاعته في هذه الآية هو العدل المعنوي المتمثل في المحبة والميل النفسي، لذلك يقول سبحانه تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} النساء:129، وبهذا قرن الشرع العدل في الآية الكريمة بقوله: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} أي أنكم إذا لم تستطيعوا تحقيق العدل بالمحبة والميل النفسي فلا تتركوا من تكون في درجة أقل من هذه المحبة كالمعلقة، بل اعدلوا بينهن في كل شيء، وحاولوا قدر الاستطاعة في المحبة أيضاَ. والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين أن الرجل إذا مال لإحدى زوجتيه أثم، وعوقب في الدار الآخرة، حيث قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» (1) ، والزوج الذي يعرف واجباته الدينية تجاه زوجاته، على وعي تام بأهمية العدل بينهن، وإذا كان العدل بين الزوجات قد فرض على الزوج كأمر واجب القيام به فما ذلك إلا لأن   (1) أبو داود 1821، وصححه الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 المسؤولية والتبعة يتحملها الرجل، الذي هو راع في بيته، والمسؤول عن رعيته، كما أنه قد افترض فيه أنه أبعد نظراً وأوسع أفقاً، والزوج العاقل هو الذي يقوم بالعدل بين زوجاته، ويحاول دائماً التوفيق، حتى يتهيأ لأفراد الأسرة أجواء الأمان والحماية والاستقرار والمودة، وليكونوا أعضاء أسوياء داخل المجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 حكم من أنكر جواز تعدد الزوجات (1) سؤال: بعض النساء يفضلن العادات الاجتماعية في أوروبا أو في الغرب عموماً، أو في البلاد غير الإسلامية، ويقلن في ذلك: إن تعدد الزوجة ممنوع، وهنا مثلاً في الحكم الشرعي يباح تعدد الزوجة، فما الحكم في إلصاق هذه التهمة في الإسلام؟ الجواب: من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد هو أفضل هو كافر ومرتد عن الإسلام، لأنه -نعوذ بالله- منكر لحكم الله وكاره لما شرع الله؛ والله يقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} محمد:9، من كره ما أنزل الله حبط عمله؛ فالذي يكره تعدد الزوجات ويرى أن الشريعة قد ظلمت؛ أو أن حكم الله في هذا   (1) من موقع الشيخ بن باز رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ناقص أو مو طيب، أو أن ما يفعلونه في بلاد النصارى من الوحدة أن هذا أولى وأفضل، هذا كله ردة على الإسلام -نعوذ بالله- كالذي يقول إن فرض الصلاة ما هو مناسب؛ لو ترك الناس بدون صلاة كان أحسن أو بدون صيام أحسن، أو بدون زكاة يكون أحسن؛ من قال هذا فهو كافر؛ من قال أن عدم الصلاة أولى أو عدم الصيام أولى أو عدم الزكاة أولى، أو عدم الحج أولى كان كافراً؛ وهكذا لو قال: لا بأس أن يحكم بغير الشريعة، يجوز، ولو قال حكم الشريعة أفضل، لكن إذا قال إن الحكم بغير ما أنزل الله جائز أو إنه حسن، كل هذا ردة عن الإسلام نعوذ بال؛ فالحاصل أن من كره ما أنزل الله وما شرعه الله فهو مرتد؛ وهكذا من أحب أو رضي بما حرم الله وقال إنه طيب وأنه مناسب كالزنا والسرقة يكون كافراً أيضاً، نسأل الله العافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 حث العقلاء على التحلي بمكارم الأخلاق (1) اعلموا - بارك الله فيكم - أن مكارم الأخلاق صفة الأنبياء والصديقين والصالحين، وأن الأخلاق السيئة هي الممحقات المهلكات التي تردي بصاحبها إلى أسفل الدرجات؛ لذلك بعث الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق وصالحها، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» (2) وقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إلى حسن الخلق، وأخبر أن الأخلاق الحسنة هي من تمام إيمان العبد وكماله، فقال عليه   (1) أم أمامة الأثرية، موقع الإمام الآجري (2) أحمد 8595، والبخاري في الأدب المفرد 280 وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الصلاة والسلام «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (1) ، فلن يكمل إيمان العبد حتى يحسن خلقه. فإن أراد العبد أن يصل إلى هذه الدرجة العالية وهي كمال الإيمان، فعليه أن يجتهد ويصرف همته في اكتساب كل خلق كريم، وأن يبعد عن كل خلق سيء مكروه؛ وعليه في ذلك أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان من أحسن الناس خلقاً، وأتقاهم لله وأعلمهم به. فقد منَّ الله على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بتوفيقه إلى مكارم الأخلاق فقال تعالى مثنيا عليه مظهراً نعمته لديه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم:4؛ وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه وهو سعد بن هشام قال: «يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَلَسْتَ   (1) أبو داود 4062،والترمذي 1082 وقال حسن صحيح، وكذا الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى قَالَتْ فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ» . (1) (وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، والآيات الحاثات على كل خلق جميل فكان له منها، أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا. فكان سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبا. وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسا، إلا أتم عشرة وأحسنها. فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي   (1) مسلم 1233 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إليه غاية الإحسان ويحتمله غاية الاحتمال) (1) . فعلينا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونلزم مكارم الأخلاق، قال-عز وجل-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} الأحزاب:21. فمن لزم مكارم الأخلاق ومحاسنها، فإنه حريٌّ به أن يفوز ببيت في أعلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (2) - «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ   (1) تفسير السعدي (تفسير سورة القلم) (2) أبو داود 4167، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْفَمُ وَالْفَرْجُ» (1) ، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقِهِ؛ فتقوى الله توجب له محبة الله تعالى وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته. وإذا كان حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة، فإنه أيضا يرفع منزلة العبد إلى درجة الصائم القائم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (2) فيا ترى ما هو السر في وصول من كانت أخلاقه حسنة إلى درجة من قائم الليل وصائم النهار؟ فالسر يكمن في أن صاحب الخلق الحسن أعطي هذا الفضل العظيم، لأن الصائم في النهار والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة شهواتهم؛ وأما من يحسن خلقه مع الناس مع اختلاف طبائعهم   (1) الترمذي 1927 وقال صحيح غريب وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، وابن ماجة 4236، وأحمد 8734 (2) أبو داود 4165، وصححه الألباني في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوساً كثيرة، فأدرك ما أدركه الصائم القائم، فاستويا في الدرجة. وحريٌّ به أيضا أن يكون من أحب عباد الله إلى الله،: «قَالُوا: فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ؟، قَالَ صلى الله عليه وسلم: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (1) -ويكون كذلك من أحب الناس وأقربهم مجلساً من النبي-صلى الله عليه وسلم-يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» (2) وحريٌّ به أيضا أن يثقل ميزانه يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» (3)   (1) الطبراني 473، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 432 (2) الترمذي 1941 وقال حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3) الترمذي 1925وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وأيضا مكارم الأخلاق تزيد في الأعمار وتعمِّر الديار، قال صلى الله عليه وسلم: «صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» (1) فإذا عرفنا هذا الفضل العظيم والأجر الكبير الذي يناله من كانت أخلاقه حسنة، كان لزاماً علينا تزكية نفوسنا وتهذيب أخلاقنا، مصداقاً لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} الشمس:9؛ وإهمال تهذيبها هو المراد من قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس: 10 وقبل أن نذكر كيفية ترويض النفس، وتهذيب أخلاقها، يحسن بنا أن نشير إلى سؤال مهم، وهو: هل الأخلاق جبلِّية في الإنسان (أي غريزة وطبع فيه) أم أنها مكتسبة (يكتسبها بالتخلق والإقتداء بغيره) ؟ - اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حقيقة الخلق، فذهب بعضهم إلى أنه غريزة، وذهب آخرون بأنه مكتسب.   (1) أحمد 24098، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة 519 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 - والقول الكاشف للغطاء عن ذلك-والله أعلم-: أن من الخلق ما يكون في بعض الناس غريزة وطبعا جبلياً، ومنه ما يكون مكتسب بالتخلق وترويض النفس على محاسن الأخلاق. - ودليل ذلك: قول النبي-صلى الله عليه وسلم- لذاك الصحابي وهو-الأشج بن قيس-: «إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا قَالَ بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ» (1) - ففي هذا دليل على أن الأخلاق منها ما هو جبلة في الانسان أي أن الله خلقه وفطره عليها. - قال الحافظ ابن حجر (2) : فَتَرْدِيده السُّؤَال وَتَقْرِيره عَلَيْهِ يُشْعِر بِأَنَّ فِي الْخُلُق مَا هُوَ جِبِلِيٌّ، وَمَا هُوَ مُكْتَسَب. اهـ   (1) أبو داود 4548، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2) فتح الباري 10/459 ح 5575 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 -ومنها ما يكون كسبي يحصل بمجاهدة النفس وتهذيبها على الأخلاق الحسنة. - ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ» (1) - ونقل النووي (2) عن القاضي عياض قوله: (وَالصَّحِيح أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ غَرِيزَة، وَمِنْهُ مَا يُكْتَسَبُ بِالتَّخَلُّقِ وَالِاقْتِدَاء بِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ) .اهـ وحاصل القول أن الأخلاق قابلة للتغيير، فلو كانت لا تقبل التغيير لبطلت المواعظ والوصايا والتأديبات؛ وكيف لا تقبل التغيير ونرى خلق البهيمة يمكن تغييره، فالوحوش تستأنس، والفرس تروّض وتنقاد، وكلب الصيد يعلَّم، وكل ذلك تغيير للأخلاق؛ إلا أن بعض   (1) الطبراتي في الكبير 1763،والخطيب في تاريخ بغداد 6 /442 - وحسن الألباني سنده في الصحيحة 342 (2) شرح صحيح مسلم 15/79 ح 4285 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 النفوس سريعة الانقياد للصلاح، وبعضها مستصعبة، لأن أصعب ما على الطبيعة الإنسانية تغيير الأخلاق التي طبعت النفوس عليها. بيان الطريقة العملية لإصلاح النفس وتهذيب أخلاقها: مثال النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرديئة عنها وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة إليها، مثال البدن في علاجه بمحو الأمراض عنه وكسب الصحة له وجلبها إليه، وقد ذكر بعض العلماء بعض الطرق العملية لتهذيب الأخلاق وإصلاح النفس، اخترت منها طريقة قد لا تستصعبها النفس البشرية ولا تحتاج إلى كبير مجاهدة وعناء، وتكون بتوفيق الله تعالى أيسر من التفتيش عن مساوئ الأخلاق في النفس وإزالتها، وهي طريقة ذكرها ابن قيم الجوزية (1) قال:   (1) مدارج السالكين 2/313 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 (سألت يوماَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة وقطع الآفات والاشتغال بتنقية الطريق وبتنظيفها فقال لي جملة كلامه: النفس مثل الباطوس وهو- جب القذر- كلما نبشته ظهر وخرج ولكن إن أمكنك أن تسقف عليه وتعبره وتجوزه فافعل، ولا تشتغل بنبشه فإنك لن تصل إلى قراره وكلما نبشت شيئا ظهر غيره، فقلت: سألت عن هذه المسألة بعض الشيوخ فقال لي: مثال آفات النفس مثال الحيات والعقارب التي في طريق المسافر فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها والاشتغال بقتلها انقطع ولم يمكنه السفر قط، ولكن لتكن همتك المسير والإعراض عنها وعدم الالتفات إليها فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله ثم امض على سيرك. فاستحسن شيخ الإسلام ذلك جدا وأثنى على قائله) اهـ وعليه فكل من أراد تهذيب نفسه واكتساب الأخلاق الحسنة، فلا يشتغل بالبحث عن الأخلاق المذمومة الموجودة فيه، لأنه كلما بحث عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 خلق ذميم، ظهر له آخر، وهذا المسلك صعب على النفس وربما لا يوصله إلى الثمرة المرجوة؛ والطريق الأسلم هو أنه كلما عرض عليه خلق ذميم في حياته اليومية يجاهد نفسه في التخلّص منه في حينه، و «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (1) كما قال عليه الصلاة والسلام -مثال ذلك: لو أن مسلم رأى أن الله-عز وجل- منَّ على أخيه المسلم بالبيت الواسع والمركب الهنيء، فعرض له في نفسه الحسد، فتمني زوالها عنه فذلك حرام وهو الحسد المذموم؛ فهنا مباشرة يجاهد نفسه بإزالته في حينه كما أشار ابن القيم عند سرده للجواب (فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله ثم امض على سيرك) ، فإن أزاله حمد الله على توفيقه لتزكية نفسه؛ وهكذا كلما عرض له خلق ذميم   (1) الطبراني في الكبير 15192، وابن حبان 4706 (ابن بلبان) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 تنبيه وأشير إلى أنه لا بد لتهذيب أخلاقنا وتحسينها، من الرجوع في ذلك إلى الشرع؛ " لأن تزكية النفوس مسلَّم إلى الرسل وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاهم إياها وجعلها على أيديهم دعوة وتعليماً وبياناً وإرشاداً، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الجمعة:2 -وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} البقرة: 151 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجئ بها الرسل، فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؛ فالرسل هم أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكية النفس وإصلاحها إلا من طريقهم وعلى أيديهم وبمحض الانقياد والتسليم لهم والله المستعان. (1) فمن التزم طريق الرسل عليهم السلام في تزكية نفسه وإصلاحها، فإن أخلاقه ستكون موزونة بميزان الشرع طريقة اكتساب الأخلاق المحمودة   (1) مدارج السالكين 2/315 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 اكتساب هذه الأخلاق المحمودة بالمجاهدة والرياضة وأعني به حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب. فمن أراد مثلاً أن يحصل لنفسه خلق الجود-الكرم- فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد الكريم وهو بذل المال، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفاً مجاهداً نفسه فيه حتى يصير ذلك طبعاً ويتيسر عليه فيصير به جواداً، وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع وقد غلب عليه الكبر فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقاً له وطبعاً فيتيسّر عليه. وجميع الأخلاق المحمودة شرعاً تحصل بهذا الطريق، وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذاً فالسخي هو الذي يستلذ بذل المال الذي يبذله دون الذي يبذله عن كراهة، والمتواضع هو الذي يستلذ التواضع، ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس، ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة وما لم تترك جميعا الأفعال السيئة، وما لم تواظب عليه مواظبة من يشتاق إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الأفعال الجميلة ويتنعم بها، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها، ولنتذكر بعد هذا كله رأس الأمر وملاكه، وهو دعاء الله-عز وجل- بتوفيقنا وهداية أنفسنا إلى أحسن الأخلاق وصرف عنها كل خلق سيء-إنه الموفق لذلك والقادر عليه، ولندعوه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ» (1) الأخلاق المذمومة آفات اللسان إن آفات اللسان أسرع الآفات بالإنسان للوقوع في الهلاك والخسران؛ لذلك قبل ذكرها لا بد من التذكير بأصل مهم وهو:   (1) مسلم 1290، والترمذي 3343 وقال حسن صحيح، وأبو داود 649 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وجوب حفظ اللسان فلقد أنعم الله عز وجل على الإنسان بنعمة السمع والأبصار والأفئدة، وشق للعبد الفم في أحسن موضع وأودعه اللسان الذي هو أحد آياته الدالة على عظمة الخالق جل وعلا ولطائف صنعه فاللسان من نعم الله عز وجل العظيمة، فهو المترجم عما حواه قلب العبد وعقله، وهو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، فلا يتبيّن إيمان العبد إلا بشهادة اللسان، ومن هنا ندرك حكمة الله البالغة من خلق اللسان وهي ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس إلى معرفة دينهم - فإذا استعملناه لغير ما خلق له كفرنا نعمة الله فينا، لأن اللسان أعظم آلة للشيطان في إضلال بني آدم، فمن أطلقه ساقه إلى شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم-والعياذ بالله، ولهذا لما سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ قال: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ} ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (1) -فظاهر حديث معاذ رضي الله عنه أن اللسان قد يكون سببا في دخول الإنسان النار؛ بل ورد ما يدل على أن أكثر ما يدخل الناس النار النطق بألسنتهم؛ فقد «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ   (1) الترمذي 2541 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي وابن ماجه 3963 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ» (1) وهذا يدل على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه، فإن أكثر المعاصي منه، لقوله-عليه الصلاة والسلام «أَكْثَرُ خَطَايَا ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ» (2) ، فمن وقي شر اللسان والفرج وقى أعظم الشر ولهذا كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يوصي الصحابة بالصمت ويحث عليه، فكان يقول: «مَنْ صَمَتَ نَجَا» (3) و «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ   (1) الترمذي 1937 وقال صحيح غريب، وابن ماجه 4246 - وحسنه الألباني في الصحيحة 977 (2) الطبراني في الكبير 10294، والبيهقي في شعب الإيمان 4729، وحسنه الألباني في الصحيحة 534 (3) الترمذي 2425 وقال غريب، والدارمي 2769،وأحمد 6193، وصححه الألباني في الصحيحة 536 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ قَالَ لَا إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمْ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ الْخَيْرِ» (1) وقال أيضا لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمَتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ» (2) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» (3)   (1) أحمد 17902، والبيهقي في شعب الإيمان 4166، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2) الطبراني في الكبير 16561، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3) الترمذي 2330 وقال حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (2) وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ (3) فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» (4)   (1) الترمذي 2334 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وابن ماجه 3962، والدارمي 2767 (2) البخاري 5559 (3) تُكَفِّرُ اللسان معناه: تتذلل له وتتواضع له. (4) الترمذي 2331، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته» (1) وهذا يدل على أن لسان المرء إذا استقام استقامت سائر الجوارح وصلحت جميع أعماله؛ وإذا اعوج لسانه اعوجت سائر جوارحه وفسد سائر عمله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» . (2) -وَقَالَ الْحَسَنُ (3) : (اللِّسَانُ أَمِيرُ الْبَدَنِ إذَا جَنَى عَلَى الْأَعْضَاءِ شَيْئًا جَنَتْ، وَإِذَا عَفَّ عَفَّتْ)   (1) البيهقي في الشعب 4741، وابن أبي الدنيا في الصمت 13، وأبو يعلى 5، وصحح إسناده الألباني في السلسة الصحيحة 535 (2) أحمد 12575، وابن أبي الدنيا في الصمت 9، وحسنه الألباني في الصحيحة 2841 (3) غِذَاءَ الْأَلْبَابِ لِشَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ (فِي ذِكْرِ طَرَفٍ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فدلت هذه الأحاديث المستفيضة على أن كفّ اللسان وحبسه هو المطلوب، فإن نطق به في الخير سلم وفاز في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» (1) وإن أطلقه في الشر خاب وخسر في الآخرة، قال: «سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ» (2) ، وعلى إثر هذه التوصيات النبوية الثمينة، كان السلف رضوان الله عليهم أشد الناس خوفا من شر اللسان، وهذه آثارهم تدل على حالهم   (1) البخاري 5993 (2) الترمذي 1937 وقال صحيح غريب، وابن ماجه 4246 - وحسنه الألباني في الصحيحة 977 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 فثبت (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ) (1) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ) (2) وعنه أيضا أنه (لبى على الصفا، ثم قال: يا لسان قل خيرا تغنم أو اصمت تسلم من قبل أن تندم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا شيء تقوله أو سمعته قال: لا، بل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنَّ أَكْثَرَ خَطَايا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ» (3)) ويُحكى أن رجلاً نظر إلى   (1) الموطأ 1567، وابن أبي الدنيا في الورع 92،والبيهقي في الشعب 4741، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2) الطبراني في الكبير 8657، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3) البيهقي في شعب الإيمان 4729، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 رجل مكثار فقال: (يا هذا ويحك إنما تملي كتابا إلى ربك يقرأ على رؤوس الأشهاد يوم الشدائد والأهوال وأنت عطشان عريان جوعان فانظر ماذا تملي) إذن فخطر اللسان عظيم عظم ما يجنيه على صاحبه من الويلات والمفاسد عاجلا وآجلا، لذلك ينبغي على المسلم الحريص أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم والا أمسك، فإن النجاة كل النجاة في حفظه وحبسه إلا من خير وَرُوِيَ عنِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّهُ أَنْشَدَ بِلِسَانِه فَلا تُكثِرَنَّ القَولَ في غَيرِ وَقتِهِ # وَأَدمِن عَلى الصَمتِ المُزيِّنِ لِلعَقلِ يَموتُ الفَتى مِن عَثرَةٍ بِلسانِهِ # وَلَيسَ يَموتُ المَرءُ مِن عَثرَةِ الرِّجلِ فَعثرَتُهُ مَن فيهِ تَرمي بِرَأسِهِ # وَعَثرَتهِ بِالرِّجلِ تَبَرا عَلى مَهلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وحاصل القول أنه لا ينجي من شر اللسان إلا أن يقيد بلجام الشرع، فلا يتكلم إلا فيما ينتفع به في الدنيا والآخرة، من ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، وأمر بمعروف أو نهي عن منكر، وغير ذلك مما فيه خير في عاجله وآجله قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء:114 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مواجهة فتنة النساء (1) السؤال: قرأت قول النبي صلى الله عليه وسلم (2) : «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» . سؤالي كيف لي أن أنجو بنفسي من هذه الفتنة، وأنا أراها في كل مكان: الشارع.. التلفاز.. الانترنت.. العمل.. الجواب: الحمد لله، فإن الله خلق الإنسان في دار ابتلاء وامتحان، وجعل الجنة مقراً لأوليائه وأحبابه - الذين يؤثرون رضاه على رضى أنفسهم، وطاعته على راحة أبدانهم - وجعل النار مستقراً لمن عصاه من عباده، وآثر هوى النفس على رضى الرب سبحانه وتعالى، قال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي   (1) قافلة المواقع (2) البخاري 5096، ومسلم 2740 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} مريم:63، وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} النازعات:40-41، وقال عن أهل النار {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم:59 وقال: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} الكهف:106، وقال: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} النازعات:37- 39. فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في عبادة الله، والابتعاد عما يغضب الله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت:69 وإن من الفتن التي ابتلينا بها فتنة النساء بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (1)   (1) البخاري 4706،ومسلم 2741،والترمذي 2781 وصححه، وابن ماجه 3998 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وهذه بعض الطرق التي تعين على تجنب هذه الفتنة نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين. 1- الإيمان بالله عز وجل: إن الإيمان بالله والخوف من الله صمام الأمان والعاصم للعبد من مواقعة الحرام والانسياق وراء شهوة عارضة. فالمؤمن إذا تربى على مراقبة الله ومطالعة أسرار أسمائه وصفاته كالعليم والسميع والبصير والرقيب والشهيد والحسيب والحفيظ والمحيط، أثمر ذلك خوفاً منه سبحانه في السر والعلن، وانتهاءً عن معصية الله، وصدوداً عن داعي الشهوة الذي يؤز كثيراً من العباد إلى الحرام أزاًّ. 2- غض البصر عن المحرمات: إن النظر يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة ثم تتطور تلك الخواطر إلى فكرة ثم إلى شهوة وهو بيت القصيد ثم إلى إرادة فعزيمة ففعل للحرام ولا بد.. وتأمل في هذه الآية التي ربطت بين أول خطوات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الحرام وآخرها يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} النور:30. يقول ابن كثير: (هذا أمر الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا) . 3- مدافعة الخواطر: إن الخاطرة السيئة في القلب خطر.. ومتى انساق العبد معها ولم يدافعها تطورت إلى فكرةٍ، فَهَمٍّ وإرادةٍ، فعزيمةٍ فإقدامٍ وفعلٍ للحرام.. فحذار من الاسترسال مع الخطرة بل الواجب مدافعتها ومزاحمتها بالخواطر الطيبة، فالعلاج إذاً هو مدافعة الخطرات، وإشغال النفس بالفكر فيما ينفعها. 4- النكاح: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (1) 5- الصيام لمن لم يستطع الزواج للحديث السابق وفيه: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» وقال القرطبي: كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي اهـ. 6- البعد عن رفقاء السوء: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (2)   (1) البخاري 5065 (2) أبو داود 4193،وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، والترمذي 2300 وقال حسن غريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 7- البعد عن أماكن الفتن فلا يخفى أننا نعيش اليوم في مجتمع قد ملئ بالفتن -إعلانات من جميع الأشكال - مجلات - معاكسات في الأسواق - فضائيات -إنترنت ... الخ، فعليك بالفرار منها جميعا ليسلم لك دينك. 8- لا تجعلوا بيوتكم قبورا: اجعل من بيتك مذكرا لك بالطاعة لا بالمعصية، فإن ارتباط الغرفة بالمعصية مثلا يجعل العبد يقع في المعصية مراراً، إذ إنه كلما دخلها تذكر المعصية فلعله يستثار فيقع المحظور فليجعل من غرفته ومن بيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 مذكرا للطاعة فإذا دخل رأى المصحف الذي يقرأ منه وتذكر قيامه بالليل لله وسننه الرواتب التي أداها في هذه الحجرة، إن تكثير الطاعات في بيتك يربطه في نفسك بالخير وبفعل الخير فتستزيد من ذلك ويقل ورود المعصية على ذهنك، ويخف نداء الشهوة. 9- الحرص على استغلال الوقت في طاعة الله عز وجل: إن الوقت نعمة عظيمة من نعم الله على العبد، لكن المغبون فيها ومنقوص الحظ منها كثير فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (1)   (1) البخاري 5933، والترمذي 2226، وابن ماجة 4160 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 10 - تذكر نعيم الآخرة: ومن أخصها في هذا المقام تذكر الحور العين وأوصافهن التي أعدها الله لمن صبر عن معاصيه بما يعين المسلم على الزهد في هذا الفاني المحرم الذي لا يورث إلا الندم والحسرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أخلاق للمسلم يتحلى بها في حياته الصبر الصبر من حيث الجملة واجب، ويدل لذلك: أ - أمر الله به في غير ما آية قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} البقرة:153 {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} آل عمران:200. ب - نهيه عن ضده كما في قوله {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} الأنفال:15 وقوله {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} محمد:33 {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} آل عمران:139 {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} الأحقاف:35. ج - أن الله رتب عليه خيري الدنيا والآخرة وما كان كذلك كان تحصيله واجباً، أما من حيث التفصيل فحكمه بحسب المصبور عنه أو عليه، فهو واجب على الواجبات وواجب عن المحرمات، وهو مستحب عن المكروهات، ومكروه عن المستحبات، ومستحب على المستحبات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ومكروه على المكروهات، ومما يدل على أن الصبر قد لا يكون لازماً قوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} النحل:126، فالصبر عن مقابلة السيئة بمثلها ليس واجباً بل مندوباً إليه. وقد أمر الله المؤمنين بالصبر والمصابرة والمرابطة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمران:200، وصيغة المصابرة تفيد المفاعلة من الجانبين، والمعنى هنا: مغالبة الأعداء في الصبر، فإذا كنا نصبر على حقنا، فإن المشركين يصبرون على باطلهم؛ فلا بد أن نغلبهم بمصابرتنا، ثم أمرنا بالمرابطة على تلك المصابرة والثبات عليها لنحقق موعود الله ونظفر بالفلاح، فانتقلت الآية بالأمر من الأدنى إلى الأعلى فالصبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوك والمرابطة: الثبات وإعداد العدة، وكما أن الرباط لزوم الثغر لئلا يهجم منه العدو فكذلك الرباط أيضاً لزوم ثغر القلب لئلا يهجم منه الشيطان فيملكه أو يخربه أو يناله بأذى. وعليه فقد يصبر العبد ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله بالتقوى. د - درجاته: الصبر نوعان، بدني ونفسي وكل منهما قسمان: اختياري واضطراري، فصارت أربعة: 1 - بدني اختياري، كتعاطي الأعمال الشاقة. 2 - بدني اضطراري كالصبر على ألم الضرب. 3 - نفسي اختياري كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعاً ولا عقلاً. 4- نفسي اضطراري كصبر النفس عن فقدان محبوبها الذي حيل بينها وبينه. والصبر الاختياري أكمل من الاضطراري، فإن الاضطراري يشترك فيه الناس ويتأتى ممن لا يتأتى منه الصبر الاختياري، ولذلك كان صبر يوسف على مطاوعة امرأة العزيز وصبره على ما ناله من السجن أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبويه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وباعوه بيع العبد، ومن الصبر الاختياري صبره على العز والتمكين الذي أورثه الله إياه فجعله مسخراً لطاعة الله ولم ينقله ذلك إلى الكبر والبطر، وكذلك كان صبر نوح والخليل وموسى الكليم والمسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم فإن صبرهم كان على الدعوة إلى الله ومجاهدة أعداء الله ولهذا سموا أولي العزم، وأمر الله رسوله أن يصبر كصبرهم {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} الأحقاف:35 ونهاه عن أن يتشبه بصاحب الحوت حيث لم يصبر فخرج مغاضباً قبل أن يؤذن له {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} القلم:48 ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على أولي العزم حتى ردوها إلى خيرهم وأفضلهم وأصبرهم. واعلم أن الصبر المتعلق بالتكليف وهو صبر إما على الطاعة أو عن المعصية أفضل من الصبر على مر القدر فإن هذا الأخير يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر فلابد لكل أحد من الصبر على القدر اختياراً أو اضطراراً، أما الصبر على الأوامر وعن النواهي فهو صبر أتباع الرسل، والصبر على الأوامر أفضل من الصبر عن النواهي لأن فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 المأمور أحب إلى الله من ترك المحظور والصبر على أحب الأمرين أفضل وأعلى 2 - فضائل الصبر في القرآن الكريم: حديث القرآن عن فضائل الصبر كثير جداً، وهذه العجالة لا تستوعب كل ما ورد في ذلك لكن نجتزىء منه بما يلي: 1- علق الله الفلاح به في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمران:200 2- الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} القصص:54 وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر:10. 3- تعليق الإمامة في الدين به وباليقين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة:24. 4- ظفرهم بمعية الله لهم: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} البقرة:153،الأنفال:46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 5- أنه جمع لهم ثلاثة أمور لم تجمع لغيرهم: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة:157. 6- أنه جعل الصبر عوناً وعدة، وأمر بالاستعانة به: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} البقرة:145. 7- أنه علق النصر بالصبر والتقوى فقال: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} آل عمران:125. 8- أنه تعالى جعل الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فما استجن العبد بأعظم منهما: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ} آل عمران:120. 9- أن الملائكة تسلم في الجنة على المؤمنين بصبرهم {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الرعد:23-24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 10- أنه سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح فقال: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هود:11. 11- أنه سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور: أي مما يعزم من الأمور التي إنما يعزم على أجلها وأشرفها: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشورى:43. 12- أنه سبحانه جعل محبته للصابرين: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} آل عمران-146. 13- أنه تعالى قال عن خصال الخير: إنه لا يلقاها إلا الصابرون: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فصلت:35. 14- أنه سبحانه أخبر أنما ينتفع بآياته ويتعظ بها الصبار الشكور: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إبراهيم:5، لقمان:31، سبأ:19، الشورى:33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 15- أنه سبحانه أثنى على عبده أيوب أجل الثناء وأجمله لصبره فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص:44، فمن لم يصبر فبئس العبد هو. 16- أنه حكم بالخسران التام على كل من لم يؤمن ويعمل الصالحات ولم يكن من أهل الحق والصبر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} العصر:1-3.، قال الإمام الشافعي: (لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم، وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه: قوة العلم، وقوة العمل، وهما: الإيمان والعمل الصالح وكما هو محتاج لتكميل نفسه فهو محتاج لتكميل غيره، وهو التواصي بالحق، وقاعدة ذلك وساقه إنما يقوم بالصبر) . 17- أنه سبحانه خص أهل الميمنة بأنهم أهل الصبر والمرحمة الذين قامت بهم هاتان الخصلتان ووصوا بهما غيرهم فقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} البلد:18-19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 18- أنه تبارك وتعالى قرن الصبر بمقامات الإيمان وأركان الإسلام وقيم الإسلام ومثله العليا، فقرنه بالصلاة {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} البقرة:45 وقرنه بالأعمال الصالحة عموماً {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا} هود:11، وجعله قرين التقوى {نَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} يوسف:90، وقرين الشكر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إبراهيم:5، لقمان:31، سبأ:19، الشورى:33، وقرين الحق {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} العصر:3، وقرين المرحمة {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} البلد:17، وقرين اليقين {لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة:24، وقرين التوكل {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} العنكبوت:58، {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} النحل:42، العنكبوت:59، وقرين التسبيح والاستغفار {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} غافر:55، وقرنه بالجهاد {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} محمد:31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 19 - إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل:96. وبعد، فهذا غيض من فيض في باب فضائل الصبر ولولا الإطالة لاسترسلنا في ذكر تلك الفضائل والمنازل، ولعل فيما ذكر عبرة ودافع على الصبر فالله المستعان. 3 - مجالات الصبر في القرآن الكريم: أ - الصبر على بلاء الدنيا: لقد أخبرنا الله تعالى بطبيعة الحياة الدنيا، وأنها خلقت ممزوجة بالبلاء والفتن فقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} البلد:4 أي مشقة وعناء، وأقسم على ذلك بقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة:155-157 وإذا أطلق الصبر فلا يكاد ينصرف إلى غيره عند كثير من الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ب - الصبر على مشتهيات النفس: وهو ما يسمى بالسراء فإن الصبر عليها أشد من الصبر على الضراء، قال بعضهم: البلاء يصبر عليه المؤمن والعافية لا يصبر عليها إلا صِدِّيق، وقال عبد الرحمن بن عوف: (ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر) . إن المؤمن مطالب بأن لا يطلق لنفسه العنان في الجري وراء شهواتها لئلا يخرجه ذلك إلى البطر والطغيان وإهمال حق الله تعالى فيما آتاه وبسط له، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} المنافقون:9. ويمكن أن نجمل حاجة الإنسان إلى الصبر في هذا النوع بأربعة أمور: 1- أن لا يركن إليها، ولا يغتر بها، ولا تحمله على البطر والأشر والفرح المذموم الذي لا يحب الله أهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 2- أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فإنها تنقلب إلى أضدادها، فمن بالغ في الأكل والشرب والجماع انقلب ذلك إلى ضده، وحرم الأكل والشرب والجماع. 3- أن يصبر على أداء حق الله تعالى فيها، ولا يضيعه فيسلبها. 4- أن يصبر عن صرفها في الحرام، فلا يمكن نفسه من كل ما تريده منها، فإنها توقعه في الحرام، فإن احترز كل الاحتراز أوقعته في المكروه، ولا يصبر على السراء إلا الصديقون وإنما كان الصبر على السراء شديداً لأنه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضوره. ومما يدخل في هذا النوع من الصبر، الصبر عن التطلع إلى مابيد الآخرين من الدنيا، والصبر عن الاغترار بما ينعمون به من مال وبنين قال تعالى: {يَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} المؤمنون:55-56 وقد نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} طه:131، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 فالمؤمن من يعتز بنعمة الهداية ويعلم أنما هم فيه من الدنيا ظل زائل وعارية مستردة ولا يبالي بمظاهر الفخامة التي يتبجح بها الطغاة، لقد قال الذين يريدون الحياة الدنيا لما رأوا قارون في زينته {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} القصص:79، أما أهل العلم والإيمان فقالوا: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} القصص:80. ج - الصبر على طاعة الله تعالى: إن الصبر على طاعة الله أعظم مجالات الصبر وهو لذلك أشدها على النفوس وقد جاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها فقال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} مريم:65، وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} طه:132، فاستخدم صيغة الافتعال وهو يدل على المبالغة في الفعل إذ زيادة المبنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 تدل على زيادة المعنى، وما ذاك إلا لمشقة مجاهدة النفوس على القيام بحق العبودية في كل الأحوال. واعلم أن الصبر على الطاعة له ثلاث أحوال: 1- قبل الطاعة، بتصحيح النية والصبر على شوائب الرياء، وعقد العزم على الوفاء ولعل هذا يظهر سر تقديم الصبر على العمل الصالح في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هود:11. 2- حال الطاعة بأن لا يغفل عن الله فيها، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابها وسننها، ولعله المراد بقوله: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} العنكبوت:58-59 صبروا إلى تمام العمل. 3- بعد الفراغ منها فيصبر على عدم إفشائها والمراءاة والإعجاب بها، وترك ما يبطلها قال تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} محمد:33، وقال: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} البقرة:264 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 د - الصبر على مشاق الدعوة إلى الله: غير خاف عليك ضرورة صبر الداعية على ما يلاقيه في دعوته، فإنه يأتي الناس بما لا يشتهونه ولا يألفونه، وبما يخالف ما وجدوا عليه آباءهم، فلذلك يقاومون الدعوة بكل ما أوتوا من قوة، ويوصلون الأذى بالداعية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. - إن اعراضهم عن الدعوة يحتاج إلى صبر كصبر نوح الذي بقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً (1) ، وحكى الله عنه قوله: {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} نوح:5-7. - وما يحيكه المغرضون من مؤامرات الكيد التي تؤذي الداعية في أهله ونفسه وماله تحتاج إلى صبر، وهذا ما أكده الله تعالى بقوله: {لَتُبْلَوُنَّ فِي   (1) {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} العنكبوت:14 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} آل عمران:186، وقد أمر الله رسوله بقوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} المزمل:10، وقد أجمع الأنبياء على رد أذى أقوامهم بالصبر {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} إبراهيم:12، {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} الأنعام:34، وسحرة فرعون لما وقر الإيمان في قلوبهم قابلوا تهديده بالقتل والصلب بقولهم {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} الأعراف:125-126. - إن طول الطريق، واستبطاء النصر يحتاج إلى صبر، وصبر حار شديد ولذا خوطب المؤمنون في القرآن بقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة:214، وقوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} يوسف:110. هـ الصبر حين البأس: أي الصبر في الحرب وعند لقاء العدو والتحام الصفوف، فالصبر ثَمّ شرط للنصر، والفرار كبيرة، وقد أثنى الله تعالى على الصابرين في ساعة القتال فقال في آية البر: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} أي الفقر {وَالضَّرَّاءِ} أي المرض، {وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} البقرة:177 ويوجبه على عباده بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال: 45-46. وعندما تضطرب أمور المعركة، وينفرط عقدها تكون الحاجة إلى الصبر أعظم وأشد كما حدث في أحد حين انكشف المسلمون وشاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل، انجفل فريق من المسلمين منهزمين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وصبر آخرون فنزل من القرآن إشادة بمن صبروا، وإنكار على أولئك: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} آل عمران:142، ثم لا يعذرهم في فرارهم وانهزامهم {مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران:144.. إلى أن قال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} آل عمران:146 وقد حدثنا عن الثلة المؤمنة مع طالوت عندما انتصرت لما اعتصمت بالصبر، وقد اختبر طالوت من معه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ..} البقرة:249 فصبر ثلة مؤمنة على ترك الشرب من النهر إلا غرفة باليد {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الْكَافِرِينَ} البقرة:249-250، لقد سألوا الله حين اللقاء صبراً، فقالوا {أَفْرِغْ} ، إذ هم بحاجة إلى صبر كثير، وكانت النتيجة {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} البقرة:251 و الصبر في مجال العلاقات الإنسانية: لا تستقيم الحياة مع الناس إلا بالصبر بدءاً بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاءً بأبعد الناس عنك، وقد قال الله تعالى مبيناً ما ينبغي أن يتحلى به الزوج من صبر في مواجهة مشاكل الزوجية: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} النساء:19، أي فاصبروا فعاقبة الصبر حميدة، ويوصي الله عباده بالصبر على ما يلاقونه من الناس من ضر، وأن لا يقابلوا السيئة بمثلها فيقول: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فصلت:34-35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ومما يُنظم في هذا العقد صبر التلميذ على التعلم والمعلم، وهذا ما حدثنا عنه في القرآن عندما ذهب موسى إلى الخضر ليعلمه مما علمه الله، قال له الخضر إما لأن الله أخبره بالحقيقة أو تهييجاً على الصبر -قال: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} الكهف:67-68، فتعهد موسى بالصبر - قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} الكهف:69 ... 4- الأسباب المعينة على الصبر: أ - المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا: إن من عرف طبيعة الدنيا وما جبلت عليه من الكدر والمشقة والعناء هان عليه ما يبتلى به فيها لأنه وقع في أمر يتوقعه، والشيء من معدنه لا يستغرب، وقد عرفنا الله بهذه الحقيقة فقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} البلد:4، أي في مشقة وعناء، وقال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} الإنشقاق:6، وبين جل جلاله أنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 لا تدوم على حال بل يوم لك ويوم عليك {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آل عمران:140. إن من لا يعرف هذه الحقيقة سيفاجأ بوقائع الأحداث تصب على رأسه صباً فيظن أنه الوحيد من بين بني الإنسان الذي يصاب بذلك لشؤمه وسوء حظه، ولذلك يبادر بعضهم بالإجهاز على نفسه بالانتحار، لأنه ما علم أن لكل فرحة ترحة وما كان ضحك إلا كان بعده بكاء، وما ملئ بيت حبرة إلا ملىء عبرة، وما عبت دار من السرور إلا عبت من الحزن، (وأنه لو فتَّش العالَم لم ير فيهم إلا مبتلىً، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأنَّ شرورَ الدنيا أحلامُ نوم أو كظلٍّ زائلٍ، إن أضحكتْ قليلاً، أبكتْ كثيراً، وإن سَرَّتْ يوماً، ساءتْ دهراً، وإن مَتَّعتْ قليلاً، منعت طويلاً ... ) (1) . ب - معرفتك بأنك وما بيدك ملك لله تعالى ومرجعك إليه:   (1) من كلام ابن القيم في زاد المعاد 4/190 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} النحل:53، وقد علمنا في كتاب ربنا أن نقول عند حلول المصائب: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} البقرة:156. يقول ابن القيم: (1) (هذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فأنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته. أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة، وقد جعله عند العبد عارية، فإذا أخذه منه، فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير، وأيضا فإنه محفوف بِعَدَمينِ: عدم قبله، وعدم بعده، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير، وأيضا فإنه ليس الذي أوجده من عدمه، حتى يكون ملكه حقيقةً، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده، ولا يبقى عليه وجوده، فليس له فيه تأثير، ولا ملك حقيقي، وأيضا فإنه متصرف فيه   (1) زاد المعاد 4 / 189 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 بالأمر تصرف العبد المأمور المنهي، لا تصرف الملاك، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكه الحقيقي. والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خُوِّله ونهايته، فكيف يفرح بموجود، أو يأسى على مفقود، ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء، ففكره في مبدئه ومعاده أعظم علاج هذا الداء) ولذلك يقال عند تعزية المصاب «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» (1) . وقد أدركت أم سليم هذا المعنى عندما توفي ابنها، فلما جاء أبوه أبو طلحة يسأل عنه قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح (تعني الموت، وقد ظن أنها تريد النوم لمجيء العافية) وكانت قد هيأت   (1) البخاري 1204، ومسلم 1531 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 نفسها لزوجها فتعرضت له فأصاب منها فلما أراد الخروج لصلاة الفجر، قالت له: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، إن العارية مؤداة إلى أهلها، فقالت: إن الله أعارنا فلاناً ثم أخذه منه فاسترجع ... إلى آخر القصة (1) . ج - اليقين بحسن الجزاء عند الله تعالى: أن مما يرغب الإنسان في العمل، ويزيده ثباتاً فيه علمه بحسن جزائه في الآخرة ولا نجد في القرآن شيئاً ضخم جزاؤه وعظم أجره مثل الصبر فيقول {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} العنكبوت:58-59، ويقول مبيناً أن الصابرين يجزون بأحسن ما عملوا: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل:96، ويصرح بأن أجرهم غير معدود ولا محدود فيقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ   (1) والقصة في البخاري 1218 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر:10، وقد ذُكِّر المؤمنون بهذه الحقيقة في الكلمة التي أمروا أن يقولوها عند حلول المصائب: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} البقرة:156، فيتذكرون أنهم سيرجعون إلى الله فيجزيهم على عملهم وصبرهم أحسن الجزاء وأوفاه. د - الثقة بحصول الفرج: إن يقين العبد بأن النصر مقرون بالصبر وأن الفرج آت بعد الكرب وأن مع العسر يسراً يقويه على الصبر على ما يلاقيه، وقد كثرت الآيات الدالة على هذا المعنى لما له من أثر في مزيد التحمل والثبات، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} الشرح:5-6، قال بعضهم: (لَنْ يَغْلِب عُسْر يُسْرَيْنِ) (1) يقصد بذلك أن العسر ورد معرفة في الموضعين والمعرفة إذا كررت في الجملة لا تفيد التعدد بخلاف النكرة وهي التي ورد به اليسر في الموضعين، فإذا قلت: جاء الرجل   (1) وهو من كلام عمر بن الخطاب كما في الموطأ 854، والطبري 6692 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وأكرمت الرجل، كان الرجل في المواطنين واحداً، وإذا قلت: جاء رجلٌ وأكرمت رجلاً، كان المقصود رجلين. وقد جعل العسر في الآيتين مع العسر لا بعده أو عقبه لينبه إلى قرب تحققه بعده حتى كأنه معه ولينبه أيضاً إلى أن كل عسر مقرون بيسر وأكثر فما من مصيبة يبتلى بها عبد إلا ولله فيه إلطاف بأن لم يجعلها على نحو أعظم أو أكبر أو أطول مما هي عليه. وقد تكرر في القرآن الأمر بالصبر مقروناً بالتذكير بأن وعد الله حق لا يتخلف أبداً قال تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} الزمر:20، وقال {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} الروم:60،إن اشتداد الأزمة في سنن الله تعني قرب انبلاج الفجر وظهور طلائع النصر كما قيل: اشتدي أزمةُ تنفرجي # قد آذن ليلك بالبلج (1)   (1) من قصيدة لأبي الفضل التوزري المعروف بابن النحوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ولهذا نجد يعقوب يكون أمله في العثور على يوسف أشد عندما أخذ ابنه الثاني فيقول: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} يوسف:83، وقال لأبنائه {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف:87. هـ - الاستعانة بالله: مما يعين المبتلى على الصبر أن يستعين بالله تعالى ويلجأ إلى حماه فيشعر بمعيته سبحانه وأنه في حمايته ورعايته، ومن كان في حمى ربه فلن يضام ولذا قال موسى لقومه بعد أن هددهم فرعون بما هددهم به {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} الأعراف:128. إذا لم يكن عون من الله للفتى فأكثر ما يجني عليه اجتهاده ولعل حاجة الصابرين إلى الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه هي بعض أسرار اقتران الصبر بالتوكل على الله في آيات كثيرة كقوله {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} العنكبوت:58- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 59، وقوله عن رسله: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} إبراهيم:12. و الاقتداء بأهل الصبر: إن التأمل في سير الصابرين يعطي الإنسان شحنة دافعة على الصبر، ومن هنا ندرك سر حرص القرآن المكي على ذكر صبر الأنبياء على ما لاقوه من أممهم وهذا ما صرح الله به في قوله: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} هود:120، وقال الله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} الأنعام:34، وجاء الأمر صريحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالصابرين قبله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} الأحقاف:35، وحين نزل البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم التذكير ببلاء من كان قبلهم: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت:2-3، وقال لهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة:214. ز - الإيمان بقدر الله: إن إيمان العبد بقدر الله النافذ واستسلامه له أكبر عون على تجشم مصاعب المصائب، وعلم العبد بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه برد من اليقين يصب على فؤاده، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ} الحديد:22-23، وركون المؤمن إلى قدر الله في مثل هذا المقام واحتجاجه به أمر لا غبار عليه لأنه إحالة على القدر فيما لا اختيار للعبد فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 واعلم أن الجزع والهلع والتبرم والضيق لايرد من قدر الله شيئاً فلابد من الصبر أول الأمر لئلا يحرم العبد من المثوبة ولئن لم يصبر أول الصدمة فسيصبر بعد ذاك رغم أنفه ولا أجر له، قال حكيم: (العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد السبعة أيام) . إن المبالغة في التشكي والتبرم لا يغير من الواقع شيئاً بل يزيد النفس هماً وكمداً ولهذا قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الأنعام:33-35، فأزال الوحشة عن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم في أول آية بأن تكذيبهم ليس للرسول وإنما هو لله تعالى، ثم عزاه في الثانية وسلاه بما حدث لرسل الله فصبروا، ثم قال له: إن شق عليك إعراضهم وذهبت نفسك عليهم حسرات وضاق صدرك فليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 لك إلا الصبر، وإلا فافعل ما بدا لك فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض تهرب منه أو سلماً في السماء، تصعد عليه فدونك فافعل. الآفات المعيقة عن الصبر: 1- الاستعجال: النفس موكولة بحب العاجل {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} الأنبياء:37، فإذا أبطأ على الإنسان ما يريد نفد صبره وضاق صدره واستعجل قطف الثمرة قبل أوانها فلا هو ظفر بثمرة طيبة ولا هو أتم المسير، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} الأحقاف:35، أي العذاب فإن له يوماً موعوداً. لقد باءت بعض الدعوات بالفشل ولم تؤت ثمرتها المرجوة بعلة الاستعجال، ولو أنهم صبروا لكان خيراً لهم، ثار بعضهم على الطغيان ولما يقم على ساقه ويشتد عوده وتكتمل آلته وتنضج دعوته وتمتد قاعدته فقضي على الدعوة ووئد الداعية وذهب الاثنان في خبر كان، والحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 عن الاستعجال أطول من هذا ولكن في الإشارة للبيب ما يغني عن العبارة. 2- الغضب: قد يرى الداعية من المدعوين ما لا يليق فيستفزه الغضب فيدفعه إلى ما لا يحسن به مما يسيء إلى الدعوة ويلصق بجبين حاملها وصمة عار تبقى الدهر كله، ولهذا حذر الله رسوله من مغبة الغضب بأن لا يقع فيما وقع فيه يونس فقال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} القلم:48 لقد فرغ صبره فضاق صدره فغادرهم غاضباً قبل أن يأذن الله له ظناً منه أن الله لن يضيق عليه فضيق الله عليه بأن جعله في بطن الحوت: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء:87، فتاب الله عليه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} الأنبياء:88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 3- اليأس: أعظم عوائق الصبر وهو الذي حذر يعقوب أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار البحث عن يوسف وأخيه {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف:87، وهو الذي حرص القرآن على دفعه عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آل عمران:139، وقال لهم: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} محمد:35، إن إضاءة شعلة الأمل دواء اليأس وهذا ما ذكرت به الآيات المؤمنين وهو ما ذكر به موسى قومه فقال: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} الأعراف:128، ولما شكا خباب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلاقيه من أذى قريش قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكره مصاب الصالحين في الأمم قبله: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضْرَمُوتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ» (1) . 4 - نماذج للصابرين: لقد ضُرب لنا في القرآن نماذج رائعة تجسدت فيهم حقيقة الصبر، واستحقوا أن يذكروا بصبرهم فيقتدى بهم الصابرون، وسنختار في هذه العجالة ثلاثة منها يتمثل في كل واحد منها لون من الصبر. أ - الصبر على طاعة الله: في قصة إبراهيم وإسماعيل التي حكاها الله لنا بقوله عن إبراهيم: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ   (1) أبو داود 2278، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وأحمد 25959، وأخرجه البخاري مختصرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} الصافات:99-111. من أيهما تعجب من الأب الذي رأى في المنام أنه يذبح ابنه أم من الابن الذي يستسلم لأمر الله طواعية واختياراً، لقد كان الابن وحيد إبراهيم ولم يأته إلا على كبر فما ظنك بتعلق الأب بابنه، إنه تعلق لا يوصف، ولكن تعلقه بالله أعظم وطاعته لله فوق كل ذلك، لقد حطم إبراهيم كل نداءات الأرض لما جاء الأمر من السماء، وضرب للناس أروع الأمثال في الطاعة، ولقد كان الوحي في هذه المرة رؤيا فلم يتأولها إبراهيم لصالحه بدافع من غريزة الأبوة، ولكنه امتثل وعرض على ابنه ما رأى عرضاً في غاية الإيجاز والسهولة ولكنه يتضمن أمراً في غاية الخطورة، ولم يكن الابن صغيراً بحيث لم ير الأب من جدواه ما يجعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 شديد التعلق به والاعتماد عليه، ولكنه بلغ مع أبيه السعي فاصبح فتى مفتول العضلات، قوي الساعد، وكانت إجابة الابن محيرة حقاً، لقد حسم الموقف بجملتين قالهما لأبيه خلدهما التاريخ له، وكانتا سبباً في تدوين اسمه في الصابرين: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} الأنبياء:95، قال إسماعيل: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات:102، أي لا تأخذ رأيي ولا تنتظر مشورتي بل نفذ ما أمرت به، ثم لا ينسى أن يستمد العون من الله على حاله بالصبر فهو لا يعتمد على قوته وشدة جلده بل يسأله من ربه، وصدقا وأسلم الوالد ولده، وتله أبوه للجبين، وتهيأ للذبح وجاءت البشرى عند ذاك بعد أن حقق الابتلاء ثمرته {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ..} الصافات:104. ب - الصبر عن معصية الله: وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحاً صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز، لقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتلي بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 اضطراراً واختياراً وكشف عن هذا حين عثر إخوته عليه فقال: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} يوسف:90، لقد رفض كل العروض والإغراءات وخرج من الفتنة بإيمانه وصبره، وكان صبره هذا أرقى من صبر أبيه يعقوب على الفراق وأرقى من صبر أيوب على ما بلي به لأن صبرهما كان اضطرارياً لا حيلة لهما في رفعه ولا دفعه بينما كان صبر يوسف اختياراً وحين تملك فلم يتكبر ولم يطغ صبراً اختيارياً، يقول ابن القيم نقلاً عن شيخه ابن تيمية رحمهما الله: (1) (كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا، ومحاربة للنفس، ولاسيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة:   (1) مدارج السالكين 2/156 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 1- فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية. 2- وعزباً ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته. 3- وغريباً، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي فيه بين أصحابه ومعارفه وأهله. 4- ومملوكاً، والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر. 5- والمرأة جميلة وذات منصب، وهي سيدته. 6- وقد غاب الرقيب. 7- وهي الداعية إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص. 8- وتوعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار. ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارياً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه) اهـ. لقد ضحى بدنياه من أجل دينه، وبحريته من أجل عقيدته، وقال قولته المشهورة: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} يوسف:33، ولما أفرج عنه من السجن الطويل واستدعي لمقابلة الملك، لم يستفزه هذا الخبر بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 طلب التحقيق في القضية حتى تظهر براءته على الملأ وحدث ذلك فعلاً وعند ذلك ازداد إعجاب الملك به فقال: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} يوسف:54، وكان في المرة الأولى قال {ائْتُونِي بِهِ} ، فقط {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} يوسف:54. ج - الصبر على أقدار الله المؤلمة: إن أشهر من يقرن اسمه بهذا اللون من الصبر نبي الله أيوب عليه السلام، لقد أصابه ضر عظيم في بدنه وأهله وماله فصبر، فخلد ذكره في القرآن فقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص:41-44، لقد ذكر له من ألوان التكريم وأوسمة الشرف ما هو جدير بمثله لعظيم صبره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 فأولهما تكريمه بتخليد ذكره ومباهاة الله به عند رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وثانيه: تكريمه بقوله {عَبْدَنَا} ، حيث أضافه إليه، والعبودية من أشرف أوصاف الإنسان التي يتحلى بها وثالثها: عندما استجاب نداءه وكشف ضره ووهب له أهله ومثلهم معهم ورابعها: حينما جعل له مخرجاً من يمين حلفه على امرأته فكرمت وكرم بما يخلصه من مأزق الحنث، وكانت خاتمة ذلك هذا الوسام من الشرف العريض {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ، فوصفه بالصبر حتى قرن الصبر بأيوب فلا يذكر إلا وهو معه، ثم قال: نعم العبد فكانت شهادة من الله بتمام عبوديته، ثم ختم ذلك بقوله إنه أواب، والأواب: المبالغ في شدة رجوعه إلى الله تعالى. وقد ذكر الله تعالى صبره في موطن آخر فقال: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} الأنبياء:83-85، لقد كان نداء أيوب في ضرائه غاية في اللطف والأدب ولذا كانت الإجابة آية في التمام والكمال، لقد نادى ربه ولم يسأله شيئاً بعينه من الأهل والعافية وذكر ربه بما هو أهله وبما اتصف به {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ، فاستجاب له دعاءه فكشف عنه الضر ورد عليه الأهل ومثلهم معهم وجعله ذكرى للعابدين وإماماً من الصابرين. جعلني الله وإياك منهم وحشرنا معهم وآجرنا بأجرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ثمرات الصبر (1) الصبر هو: الأساس الأكبر لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ، والتنزه من كلِّ خُلُق رذيل، وهو حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها طلبًا لرضى الله وثوابه، ويدخل فيه الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقدار الله المؤلمة. فلا تتم هذه الأمور الثلاثة التي تجمع الدين كلِّه إلا بالصبر. فالطاعات خصوصًا الطاعات الشاقة، كالجهاد في سبيل الله، والعبادات المستمرة كطلب العلم، والمداومة على الأقوال النافعة، والأفعال النافعة لا تتم إلا بالصبر عليها، وتمرين النفس على الاستمرار عليها وملازمتها ومرابطتها، وإذا ضعف الصبر ضعفت هذه الأفعال، وربما انقطعت.   (1) فتح الرحيم الملك العلّام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وكذلك كفّ النفس عن المعاصي وخصوصًا المعاصي التي في النفس داعٍ قويٌّ إليها، لا يتم الترك إلا بالصبر والمصابرة على مخالفة الهوى وتحمُّل مرارته. وكذلك المصائب حين تنزل بالعبد ويريد أن يقابلها بالرضى والشكر والحمدِ لله على ذلك لا يتم ذلك إلا بالصبر واحتساب الأجر، ومتى مرَّن العبد نفسه على الصبر ووطّنها على تحمُّل المشاق والمصاعب، وجدّ واجتهد في تكميل ذلك، صار عاقبته الفلاح والنجاح، وقلّ من جدّ في أمر تطلبه واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظفر. وقد أمر الله بالصبر وأثنى على الصابرين، وأخبر أنَّ لهم المنازل العالية والكرامات الغالية في آيات كثيرة من القرآن، وأخبر أنَّهم يوفَّون أجرهم بغير حساب. وحَسْبُك من خلقٍ يسهِّل على العبد مشقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الطاعات، ويهوِّن عليه ترك ما تهواه النفوس من المخالفات، ويسلِّيه عن المصيبات، ويُمِدُّ الأخلاق الجميلة كلَّها، ويكون لها كالأساس للبنيان. ومَتَى عَلِمَ العبد ما في الطاعات من الخيرات العاجلة والآجلة، وما في المعاصي من الأضرار العاجلة والآجلة، وما في الصبر على المصائب من الثواب الجزيل والأجر الجميل، سَهُل الصبر على النفس، وربما أتت به منقادة مستحلية لثمراته. وإذا كان أهل الدنيا يهون عليهم الصبر على المشقات العظيمة لتحصيل حطامها، فكيف لا يهون على المؤمن الموفَّق الصبر على ما يحبه الله لحصول ثمراته، ومتى صبر العبد لله مخلصًا في صبره كان الله معه، فإنَّ الله مع الصابرين بالعون والتوفيق والتأييد والتسديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 خلق العفو والصفح (1) سلامة صدرِ المرء من الغشَش وخُلوّ نفسِه من نزعةِ الانتصار للنَّفس والتشَفِّي لحظوظِها لهي سِمَة المؤمن الصالح الهيّن اللَّيِّن الذي لا غلَّ فيه ولا حسَد، يؤثر حقَّ الآخرين على حقِّه، ويعلم أنَّ الحياةَ دارُ ممرٍّ وليسَت دار مَقرٍّ؛ إذ ما حاجةُ الدنيا في مفهومه إن لم تكُن موصِلَةً إلى الآخرة؛ بل ما قيمةُ عيشِ المرء على هذه البسيطة وهو يَكنِزُ في قلبه حبَّ الذات والغِلظة والفَظاظَة ويُفرِزُ بين الحين والآخر ما يؤكِّد من خلالِه قَسوَةَ قلبِه وضيق عَطَنه؟!   (1) الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم - من خطبة في المسجد الحرام بتاريخ 20/3/1426 هـ بإختصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ما أكثَرَ الذين يبحَثون عن مصادرِ العزِّة وسبُلها والتنقيب عنها يمنةً ويَسرةً والتطلُّع إلى الاصطباغِ بها أو بشيءٍ منها مهما بلَغ الجَهدُ في تحصيلها، مع كثرَتِها وتنوُّع ضُروبها، غيرَ أنَّ ثمَّةَ مصدرًا عظيمًا من مصادرِ العزَّة يغفل عنه جلُّ النّاس مع سهولَتِه وقلَّة المؤونةِ في تحصيله دون إجلابٍ عليه بخيلٍ ولا رَجلٍ؛ إنما مفتاحُه شيءٌ من قوَّةِ الإرادة وزمِّ النفسِ عن استِتمامِ حظوظها واستيفاءِ كلِّ حقوقِها، يتمثَّل هذا المفتاحُ في تصفِيَة القلب من شواغلِ حظوظ الذّات وحبِّ الأخذ دون الإعطاءِ. هذه العزّةُ برمَّتها يمكِن تحصيلُها في ولوجِ المرء بابَ العفو والصَّفح والتسامح والمغفرة، فطِيبُ النفس وحسنُ الظنّ بالآخرين وقَبول الاعتذار وإقالةُ العثرة وكَظم الغيظ والعفوُ عن الناس كلُّ ذلك يعَدّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام في تعامُل المسلمين مع بعضِهم البعض. ومَن كانت هذه صفَته فهو خليقٌ بأن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقَصَت صدقةٌ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه» (1) ، فهذِه هي العِزَّة يا باغيَ العزة، وهذه هي الرِّفعة يا من تنشُدُها. إنها رِفعة وعِزّة في الدنيا والآخرة، كيف لا وقد وعد الله المتَّصفِين بها بقولِه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} آل عمران:133، 134. والكاظِمونَ الغيظَ ـ عباد الله ـ هم الذين لا يُعْمِلون غضَبَهم في الناس، بل يكفّون عنهم شرَّهم، ويحتسِبون ذلك عند الله عز وجل، أمّا العافون عن الناس فهم الذين يعفونَ عمَّن ظلمَهم في أنفسهم، فلا يبقَى في أنفِسهم موجِدَة على أحدٍ. ومن كانت هذه سجيَّته فليبشِر بمحبَّةِ الله   (1) مسلم 2588 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 له حيث بلَغَ مقامًا من مقاماتِ الإحسان، {وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} آل عمران:134. ألا إنَّ مَن أحسن فقد أحبَّه الله، ومن أحبَّه الله غفَر له ورحمه، {إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ} الأعراف:56. العفو شِعار الصالحين الأنقِيَاء ذوِي الحِلم والأناة والنّفس الرضيّة؛ لأنَّ التنازلَ عن الحقِّ نوعُ إيثارٍ للآجلِ على العاجل وبسطٍ لخُلُقٍ نقيٍّ تقيٍّ ينفُذ بقوّةٍ إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملِكون أمامه إلا إبداءَ نظرةِ إجلالٍ وإكبار لمن هذه صفتُه وهذا ديدَنُه. إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين استعصَوا على حظوظ النّفس ورغباتها وإن كانت حقًّا لهم يجوزُ لهم إمضاؤُه لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} الشورى:41، غيرَ أنَّ التنازل عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الحقّ وملكةَ النفس عن إنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات. ومِن هنا يأتي التميُّز والبراز عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ «الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» كما في الصحيحَين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، وقد أخرج الإمام أحمَد في مسنده قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ» . (2) إنَّ شريعتَنا الغرّاء يوم حضَّت المسلمِين على التخلُّق بخلقِ العفو والتجاوُز لم تقصِر هذا الحضّ في نطاقٍ ضيق أو دائرة مغلَقَة، بل جعلتِ الأمرَ فيه موسَّعًا ليشمَلَ جوانبَ كثيرةً من شؤونِ التّعامُل العَامّ   (1) البخاري 5649، ومسلم 4723. (2) أحمد 15084، وأبو داود 4147، والترمذي 2493 وقال حسن غريب، وابن ماجه 4176، وحسنه الألباني صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 والخاصّ، فلقد جاء الحضُّ من الشارع الحكيم للقيادة الكُبرى وأهلِ الولاية العظمى بذلك؛ لأنَّ تمثُّل القيادَةِ بسيما العفوِ والتسامُح أمارةٌ من أمارات القائدِ الناجحِ كما أمرَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في قولِه: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} الأعراف:199، والعفو هنا هو التجاوُز على أحدِ التفسيرَين، وكما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} آل عمران:195. ولقد تعدَّى الحضُّ أيضًا إلى أبوابِ الدِّماء والقِصاص كما في قولِه تعالى: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} المائدة:54، كما تعدى الحضّ أيضًا إلى الزَّوجين في مسألةِ الصداق في الطلاق قبلَ الدخول حيث قال سبحانه: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} البقرة:237، بل إنَّ الحضَّ على العفوِ قد تعدَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 إلى ما يخصّ تبايُع الناس وشراءَهم ومدايناتهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» (1) ، وقال: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» (2) . وثمّة تأكيدٌ على عموم الحضِّ على العفوِ في التعاملِ مع الآخرين بسؤالِ الرجل الذي جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ نَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ فَصَمَتَ ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ فَصَمَتَ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» (3)   (1) أبو داود 3001، وابن ماجه2190، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1334 (2) البخاري 1936 (3) أبو داود 4496، والترمذي 1872 وقال حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فإنّ العفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى، لا سيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة على الانتصار، فقد بوَّب البخاريّ رحمه الله في صحيحه بابًا عن الانتصارِ من الظالم لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} الشورى:39، وذكَرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله: (كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا) (1) ، قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: (لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه) (2) ، وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله: (لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة) (3) ، وقال   (1) البخاري تعليقاً: كتاب المظالم والغصب / باب الانتصار من الظالم (2) انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح 1/319 (3) انظر: أدب المجالسة لابن عبد البر ص116 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الفضيل بنُ عياض رحمه الله (1) : (إِذَا أَتَاكَ رَجُلٌ يَشْكُو إِلَيْكَ رَجُلًا، فَقُلْ: يَا أَخِي، اعْفُ عَنْهُ، فَإِنَّ الْعَفْوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، إِنْ كُنْتَ تُحْسِنُ أَنْ تَنْتَصِرَ وَإِلا فَارْجِعْ إِلَى بَابِ الْعَفْوِ، فَإِنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ، فَإِنَّهُ مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَصَاحِبُ الْعَفْوِ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ بِاللَّيْلِ، وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ يُقَلِّبُ الْأُمُورَ) . ثم إنَّ بعض الناس قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد أو يتجاوَز عنه، لا ترونَ في حياته إلاّ الانتقام والتشفِّي، ليس إلا. ترونَه وترونَ أمثالَه كمثَل سماءٍ إذا تغيَّم لم يُرجَ صَحوُه، وإذا قَدر لا يُنتَظَر عفوه، يغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يرضيه العذرُ الجليّ، حتى إنّه ليرَى الذنبَ وهو أضيقُ من ظلِّ الرمح، ويعمَى عن العذرِ وهو أبيَنُ من وضَح النهار. ترونَه ذا أُذنين يسمَع بإحداهما القولَ فيشتطّ ويضطرب،   (1) رواه ابن أبي حاتم عند تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} الشورى:42 وأورده ابن كثير في تفسيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 ويحجبُ عن الأخرَى العذرَ ولو كان له حجّةٌ وبرهان. ومَن هذه حالُه فهو عدوُّ عقلِه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى فصرفَه عن الحسنِ بالعفوِ إلى القبيح بالتَّشفِّي، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (1) . ألا إنَّ الانتصارَ للنفس من الظلمِ لحقّ، ولكنَّ العفوَ هو الكمالُ والتّقوى، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الشورى:40. إن تحضيضَ الشريعة على العفوِ والتجاوُز لم يكن مقتصِرًا على العفو في الظاهرِ دون الباطن، بل إنَّ التحضيضَ عمَّ الظاهر والباطنَ   (1) مسلم 4296، وأحمد 22906 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 معًا، فأطلق على الظاهر لفظَ العفو، وأطلق على الباطنِ لفظ الصَّفح، والعفوُ والصفح بينهما تقارُبٌ في الجملة، إلاَّ أنَّ الصفحَ أبلغ من العفو؛ لأنَّ الصفح تجاوزٌ عن الذنبِ بالكلية واعتباره كأن لم يكن، أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاطَ اللوم الظاهر دونَ الباطن، ولذا أمَر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم به في قولِه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} الحجر:85، وهو الذي لا عتاب معه. وقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قولِه تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} المائدة:13، وقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} البقرة:109، وقوله سبحانه: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التوبة:22، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًا لَّكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التغابن:14. العفو والصّفح هما خلُقُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأين المشمِّرون المقتَدون؟! أين من يغالِبهم حبُّ الانتصار والانتقام؟! أين هم من خلُق سيِّد المرسَلين؟! سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله في أهله فقالت: «كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا سَخَّابًا بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يُجْزِئُ بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» (1) والحديث أصله في الصحيحين. {وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا   (1) أحمد 24797، الترمذي 1939 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} الشورى:36، 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الرحمة والرحماء (1) هذه قصة من قصص النبي صلى الله عليه وسلم حفظها أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر وأرضاه، وجعل أعالي الفردوس مسكنه ومثواه، حافظ الصحابة، وعالم من علمائهم، حفظ هذه القصة العظيمة التي إذا تأملها المسلم وجد فيها عبرة جليلة كريمة حفظها وأرضاه من رسول الله، أخبر بها صلوات الله وسلامه عليه، والله شهيد مطلع عليها، وكفى بالله شهيدًا، وكفى بالله حسيبًا. حاصل هذه القصة الصحيحة التي ثبتت بأصح الأسانيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) أن امرأة كانت عاصية بعيدة عن   (1) خطبة للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في مسجد قباء (المنبر) باختصار (2) القصة في البخاري 3208، ومسلم 4163،وأحمد 10178، ولفظ البخاري: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الله سبحانه وتعالى خرجت ذات يوم فبينما هي تسير في الطريق إذ رأت ذلك الكلب الذي اكتوى بالظمأ والعطش، رأت كلبًا معذبًا قد أنهكه العطش والظمأ وقد وقف على بئر من الماء لا يدري كيف يشرب، يلهث الثرى من شدة الظمأ والعطش، فلما رأته تلك المرأة العاصية أشفقت عليه ورحمته، فنزلت إلى البئر وملأت خفها من الماء ثم سقت ذلك الكلب وأطفأت ظمأه وعطشه، فنظر الله إلى رحمتها بهذا المخلوق فشكر لها معروفها فغفر ذنوبها. بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها، إنها الرحمة التي أسكنها الله القلوب، فرج بها الغموم والهموم عن كل مهموم ومنكوب، إنها الرحمة التي يرحم الله بها الرحماء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ويفتح بها أبواب البركات والخيرات من السماء، بعث بها سيد الأولين والآخرين كما قال في كتاب المبين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107، هي شعار المسلمين ودثار الأخيار والصالحين وشأن الموفقين المسددين، كم فرج الله بها من هموم، كم أزال الله بها من غموم، إنها الرحمة التي إذا أسكنها الله في قلبك فتح بها أبواب الخير في وجهك، وسددك وألهمك وأرشدك وكنت من المحسنين. الرحمة عباد الله أحوج من يكون إليها أقرب الناس إليك، من هم أحوج الناس إلى رحمتك وشفقتك وإحسانك وبرك؟ أحق الناس برحمتك الوالدان: الأم والأب، ما أحوجهما إلى الرحمة، فارحمهما ولا تعذبهما، وسامحهما ولا تؤاخذهما ولا تُهنهما {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الإسراء: 24، يحتاجان إلى رحمتك خاصة عند المشيب والكبر، إذا خارت قواهما وصار البياض في شعورهما، والتهبت بالأحاسيس مشاعرهما فهما عند ذلك أحوج ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 يكونان إلى عطفك ورحمتك وحلمك، يحتاج الوالدان إلى رحمة الأولاد وهم بين القبور، ينتظران البعث بعد النشور، فما أحوجهما اليوم إلى دعوة صالحة منك، ترفعهما إلى الله جل جلاله أن يفسح لهما في قبريهما فقد صارا غرباء سفر لا يُنتظرون، ورهناء ذنوب لا يُفكون ولا يطلقون، فارفع الأكف الصادقة إلى الله أن يرحمهما. أحوج الناس إلى رحمتك أولادك أبناؤك وبناتك، وزوجتك، وإخوانك وأخواتك وسائر الأقربين، أحوج الناس إلى رحمتك الأبناء والبنات، عن أنس وأرضاه قال: «كان أرحم الناس بالعيال والصبيان» (1) ، قبَّل الحسن فقال له رجل: إني لي عشرة من الولد ما قبلت   (1) قال الألباني في السلسلة الصحيحة 2095رواه الرئيس عثمان بن محمد أبو عمرو في حديثه، وإسناده صحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 واحدًا منهم، قال صلى الله عليه وسلم: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» . (1) ولما دعي صلوات الله وسلامه عليه وقد حضر الموت لابنه إبراهيم فاضت عيناه بالدموع، فقيل: ما هذا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» . (2) ، الأولاد يحتاجون إلى العطف والإحسان، يحتاجون منك إلى البر والحنان، فارحمهم برحمة الله جلا وعلا. أحوج الناس إلى رحمتك من قلدك الله أمره من العمال والمستضعفين والمستخدمين، قال صلى الله عليه وسلم: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ   (1) البخاري 5539، وأحمد 23156، والبخاري في الأدب المفرد 90،91 (2) البخاري 1204، ومسلم 1531 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فَأَعِينُوهُمْ» (1) ، فأحسنوا إليهم، أحسنوا إلى أمثال هؤلاء من المستضعفين، واجبروا خواطرهم طلبًا لرحمة الله رب العالمين، أحوج الناس إلى رحمتك من قلدك الله أمره من الموظفين والمستخدمين فارحمهم ووسع عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» (2) ، فمن أراد أن تصيبه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرحومًا من الله جل وعلا فليوسع على من قلده الله أمره فمن رحمة هؤلاء أن يوسع الإنسان صدره لمن يُسيء منهم ولمن يعتدي عليه من هؤلاء، فالعفو والصفح عن الزلات وستر الخطيئات شأن أهل المكرمات والرحمات. أحوج الناس إلى رحمتك الضعفاء والفقراء، فمن شعائر الإسلام العظيمة إطعام الطعام والإحسان إلى الأرامل والأيتام والتوسيع عليهم   (1) البخاري 29، وأحمد 20461 (2) مسلم 3407 وأحمد 23201 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 طلبًا لرحمة الله الملك العلام قال صلى الله عليه وسلم: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ» (1) ، الذي يطعم الأرملة ويدخل السرور عليها ويرحم بُعد زوجها عنها حين يكون لها كزوجها إحسانًا وحنانًا كالصائم الذي لا يفطر من صيامه، والقائم الذي لا يفتر من قيامه، فهنيئًا ثم هنيئًا لأمثال هؤلاء الرحماء. أحوج الناس إلى رحمتك الفقراء، فلعل القليل من المال تكفكف به دموعهم وتجبر به كسر قلوبهم، يكفكف الله به نار جنهم عنك يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» (2) ، وفي الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت:   (1) البخاري 5547، ومسلم 5295 (2) البخاري 1328، ومسلم 1688 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 «جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ» (1) . الصدقات والإحسان إلى المؤمنين والمؤمنات من أعظم الأمور التي تُفرج بها الغموم والكربات والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. عباد الله: وتعظم حاجة المسلم إذا كان مظلومًا مخذولاً، فعند ذلك يجب عليك نصره، وتجب عليك معونته، ويجب عليك أن تُمدَّ له يد المساعدة لله جل جلاله.   (1) مسلم 4764، وأحمد 23470 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 عباد الله: وهؤلاء إخوانكم المسلمين وأخواتكم المسلمات يعانون ظلم الكافرين والكافرات، ها هم عباد الله تحت هدير المدافع والرصاص، لا يعلم كيف تمر عليهم الساعات واللحظات إلا الله جل جلاله وقع عليهم ذلك في ظلم واضطهاد لم يكن له من مثيل على مرأى ومسمع من الجليل والحقير. عباد الله، ها هم اليوم تسفك لهم الدماء وتقطع لهم الأشلاء والأعضاء ولا يعلم بحالهم إلا الله فاطر الأرض والسماء، وقفوا اليوم ـ عباد الله ـ ينتظرون منكم العون والمساعدة، ينتظرون منكم أن تغيثوهم بعد الله جل جلاله، فأنفقوا ينفق الله عليكم، وما يدريك فلعل هذا القليل من المال تداوي به جرح مسلم أو تفرج به كرب مسلم فيفرج الله عنك كربة من كرب يوم القيامة، وما يدريك فلعل هذا القليل من المال يكفكف الله به دمعة اليتيم ويجبر به الأرملة، فاحتسبوا عباد الله هُبُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 لنجدة إخوانكم ونصرتهم لله وفي الله، وها هي ـ عباد الله ـ قد يسرت الأسباب لمعونتهم ومساعدتهم فاحتسبوا البذل لوجه الله. عباد الله: ومن صفات الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم أنه أرحم الراحمين يرحم سبحانه وتعالى عباده رحمة عامة فيشملهم بها أجمعين ويرحم رحمة خاصة بعباده المؤمنين، يرحم سبحانه عباده فيرحم المعذبين فيزيل عنهم العذاب، والضالين فيهديهم إلى رشدٍ وصوابٍ، يرحم ربك المذنبين فيغفر ذنوبهم ويستر عيوبهم ويقيل عثرات النادمين ويجود بإحسانه على التائبين. ما أحوجنا ـ عباد الله ـ إلى رحمة الله جل جلاله بنا، فكم لله علينا من نعمة لا تعد ولا تحصى، ومنن لا تكافأ ولا تجزى، ولكننا إذا نظرنا إلى أعمالنا نشكو إلى الله عظيم تقصيرنا، ما أحوجنا إلى رحمة يغفر بها ذنوبنا ويستر بها عيوبنا، ويفرج عنها بها كروبنا، فأكثروا ـ عباد الله ـ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 سؤال الرحمة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي» (1) وكان يسأل الله الرحمة في أكثر من دعاء، وكان يستعيذ برحمة الله من عذابه، نسأل الله عز وجل من واسع رحمته وأن يشملكم بعظيم حلمه وعفوه.   (1) أحمد 334، والترمذي 262، وابن ماجه 888،وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 لا تتجسس..التجسس في الميزان الشرعي (1) إن التجسس عمل وضيع نهى الله -عز وجل- عنه لأسباب، منها أنه تتبع للعورات، وفضح لأسرار الناس، ومن تتبع عورة المسلم فضحه الله ولو في جوف بيته.. والتجسس: هو تتبع عورات الناس وهم في خلواتهم، إما بالنظر إليهم وهم لا يشعرون، وإما باستراق السمع وهم لا يعلمون. وإما بالاطلاع على مكتوباتهم ووثائقهم وأسرارهم وما يخفونه عن أعين الناس دون إذن منهم. وقد نهى الإسلام عن التجسس على المسلمين، ما داموا ظاهري الاستقامة غير مجاهرين بمعاصيهم، وكان ما يخفونه من أمورهم من السلوك الشخصي الذي يخصهم ولا يتعلق بكيد للمسلمين. والتجسس مما يولد في المجتمع الأحقاد، ويورث العداوات والبغضاء،   (1) الأسرة والمجتمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 إذ يشعر المتجسس عليه بأنه مشكوك بأمره غير موثوق. وهما يكشفان عورات الناس، ويتسببان بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا. وسوف نلقي الضوء على هذا الموضوع من خلال الآتي: أولاً: التجسس اصطلاحاً: قال ابن الأثير: (التجسس: التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر) . (1) وذُكِرَ في معنى التجسس: (هو أن تتبع عين أخيك فتطلع على سره) (2) وقيل: (هو أن يتتبع الإنسان أخاه ليطلع على عوراته سواء كان ذلك عن طريق مباشر بأن يذهب هو بنفسه يتجسس، أو كان عن طريق الآلات المستخدمة في حفظ الصوت أو غير ذلك فهو محرم) .   (1) النهاية 1/272 (2) الدر المنثور للسيوطي 7/567 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ثانياً: الفرق بين التجسس والتحسس: أكثر العلماء يقولون بوجود الفرق بينهما قال ابن كثير (1) : (التجسس غالباً يطلق في الشر ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، كما قال عز وجل إخباراً عن يعقوب أنه قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف:87. وقد يستعمل كل منهما في الشر، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (2) : «لَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ) . وقال القرطبي (3) : (وَالتَّحَسُّس (بِالْحَاءِ) طَلَب الْأَخْبَار وَالْبَحْث عَنْهَا.   (1) ابن كثير 4/213 (2) البخاري 5604، ومسلم 4646، وأحمد 7520 (3) القرطبي 16/218 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وَقِيلَ: إِنَّ التَّجَسُّس (بِالْجِيمِ) هُوَ الْبَحْث، وَمِنْهُ قِيلَ: رَجُل جَاسُوس إِذَا كَانَ يَبْحَث عَنْ الْأُمُور. وَبِالْحَاءِ: هُوَ مَا أَدْرَكَهُ الْإِنْسَان بِبَعْضِ حَوَاسّه. وَقَوْل ثَانٍ فِي الْفَرْق: أَنَّهُ بِالْحَاءِ تَطَلُّبه لِنَفْسِهِ، وَبِالْجِيمِ أَنْ يَكُون رَسُولًا لِغَيْرِهِ، قَالَهُ ثَعْلَب. وَالْأَوَّل أَعْرَف. جَسَسْت الْأَخْبَار وَتَجَسَّسْتهَا أَيْ تَفَحَّصْت عَنْهَا، وَمِنْهُ الْجَاسُوس) . ثالثاً:- النصوص الشرعية الواردة في ذم التجسس: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} الحجرات:12 قال ابن جرير: (قوله: {وَلَا تَجَسَّسُوا} يَقُول: وَلَا يَتَتَبَّع بَعْضكُمْ عَوْرَة بَعْض، وَلَا يَبْحَث عَنْ سَرَائِره، لَا عَلَى مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنْ سَرَائِره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ثم ذكر أثر ابن عباس: نَهَى اللَّه الْمُؤْمِن أَنْ يَتَتَبَّع عَوْرَات الْمُؤْمِن (1) . عَنْ قَتَادَة: هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّجَسُّس أَوْ التَّجْسِيس؟ هُوَ أَنْ تَتْبَع، أَوْ تَبْتَغِي عَيْب أَخِيك لِتَطَّلِع عَلَى سِرّه (2)) . ومن الأدلة: قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} دلت الآية على حرمة أذية المؤمنين والمؤمنات ومن الأذية تتبع عوراتهم والتجسس عليهم.. قال قتادة: إِيَّاكُمْ وَأَذَى الْمُؤْمِن، فَإِنَّ اللَّهَ يَحُوطهُ، وَيَغْضَب لَهُ (3) . وقال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} سورة   (1) الطبري 24576 (2) الطبري 24578 (3) الطبري 21860 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 التوبة:47. قال مجاهد في قوله تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} : وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس. (1) وقد وردت أحاديث شريفة تدل على حرمة التجسس، فمنها: أ - عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا» ب - عن أبي برزة الأسلمي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) : «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»   (1) تفسير البغوي 4 / 56 (2) البخاري 4747، ومسلم 4646 (3) أحمد 18940، وأبو داود 4236، وقال الألباني حسن صحيح في صحيح أبي داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 ج- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (1) : «إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُم» . رابعاً: من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذم التجسس: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (2) : «إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِه» . قال أبو حاتم البستي (3) : (التجسس من شُعب النفاق، كما أن حسن الظن من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظن بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه، كما أن الجاهل يسئ الظن بإخوانه، ولا يفكر في جناياته وأشجانه) .   (1) أبو داود 4244، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2) أبو داود 4246، وقال الألباني صحيح الإسناد في صحيح أبي داود (3) روضة العقلاء ص 212. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 خامساً: أضرار التجسس: 1- التجسس دليل على ضعف الإيمان وفساد الخلق. 2- وهو دليل دناءة النفس وخستها. 3- يوغر الصدور ويورث الفجور. 4- يؤدي إلى فساد الحياة وكشف العورات. 5- يستحق صاحبه غضب الله ودخول النار، والعياذ بالله تعالى. فائدة: قال الحافظ ابن حجر (1) (وَيُسْتَثْنَى مِنْ النَّهْي عَنْ التَّجَسُّس مَا لَوْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى إِنْقَاذ نَفْس مِنْ الْهَلَاك مَثَلًا كَأَنْ يُخْبِر ثِقَة بِأَنَّ فُلَانًا خَلَا بِشَخْصٍ لِيَقْتُلهُ ظُلْمًا، أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيُشْرَع فِي هَذِهِ الصُّورَة التَّجَسُّس وَالْبَحْث عَنْ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ فَوَات اِسْتِدْرَاكه، نَقَلَهُ النَّوَوِيّ عَنْ الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة لِلْمَاوَرْدِيِّ وَاسْتَجَادَهُ) .   (1) فتح الباري في شرح حديث رقم 5604 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الأسرة وقواعد السلوك العائلي الأسرة وقواعد السلوك العائلي (1) الأسرة تلك اللبنة التي تشكل أساس المجتمع، وتتكون من أفراد تقوم بينهم علاقات دائمة، تكاد تكون أكثر العلاقات الإنسانية أهمية. لذا كان لابد من قواعد السلوك تحكم هذه العلاقات وتنظمها، حتى تكون على خير ما يرام وتؤتي أكلها، ممثلاً في صبغ الحياة الأسرية بالانسجام والتعاون التامين، والعلاقات الأسرية بين الزوجين من جهة، والآباء والأبناء من جهة ثانية، والأبناء بعضهم ببعض من جهة ثالثة. سلوك الزوج: 1- ليس من العيب -بل إن من الأدب- أن يشارك الزوج في الاعتناء بشؤونه الخاصة كإصلاح الثوب أو نحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 2- من اللائق ألا يقتصر الرجل على خدمة نفسه، فالزوجة تقوم بأعباء المنزل الكثيرة، إذن فمن الأدب أن يمد الزوج يد المساعدة لزوجته في المنزل في حالات الحاجة، كالمرض والولادة وما شابه ذلك. 3- الزوج المثالي هو من يتعاون مع زوجته بحسن المعاشرة وحسن الخلق، بكل ما في اللفظين من معنى، بل أن أفضل الأزواج معاملة لزوجاتهم هم أفضل الناس في نظر الإسلام، وهذه المعاشرة بالمعروف يجب أن تتسم بها الحياة الزوجية حتى عند الطلاق. 4- ينبغي الحذر من اتصاف العلاقة بين الزوجين بالجدية القاتلة! فإن اتصاف الحياة العائلية بالصبغة العسكرية يعد سبباً من أسباب الفشل، ونذير سوء. 5- من لطف الزوج وحسن خلقه تلبية طلبات زوجته إذا لم تكن ممنوعة شرعاً، والإسراف أكلاً وشرباً ولبساً في مقدمة الممنوعات الشرعية. 6- يجدر بالزوج تخصيص وقت للهو المباح مع زوجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 7- العلاقة بين الزوجين يجب أن تكون ذات صبغة خاصة، ولا يمكن أن تكون كذلك، إلا إذا بادر الزوجان إلى تحطيم الحواجز، بينهما، فلا يتحرج الزوج أن يشرب من الكأس التي شربت منها زوجته مثلاً. 8- ليس هناك إنسان كامل، فقد يرى الزوج في زوجته خصالاً لا تنسجم مع مزاجه وطبيعته، فإن كانت هذه الخصال لا تتعارض مع أصول الشريعة أو طاعة الزوج وحقوقه، فعليه حينئذ ألا يحاول تغيير شخصيتها لتتفق مع مزاجه، وعليه أن يتذكر دائماً أن لكل من الزوجين شخصية تختلف عن شخصية الآخر، وأن يتذكر أيضاً أنه إن كان في زوجته صفات لا تعجبه، فإن فيها صفات أخرى لا بد أن تعجبه. 9- لا يكن رمضان عائقاً في طريق ملاطفة زوجتك كتقبيلها إذا كنت متمكناً من نفسك، إذ إن الممنوع في نهار رمضان هو الجماع فقط. 10- لا تتبع أخطاء زوجتك وتحصيها عليها، فإن كثرة اللوم والعتاب يفسد العلاقة بينكما ويهدد الحياة الزوجية، فتغافل عن يسير زلة زوجتك وأقل عثراتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 11- لا تتردد إذا كنت مقتدراً أن تحسن لزوجتك في الكسوة والطعام، وأن تكون كريماً في الإنفاق عليها بحدود إمكانيتك. 12- لا تتهاون في وضع حد لارتكاب أي مخالفة شرعية في المنزل أو خارجه ترتكبها الزوجة، وقد يكون هذا هو السبب المهم الموجب لغضبك، فلا تنفعل لأي سبب. 13- ما سبق لا يعني أن تتسيب الأمور نتيجة للمرونة، فكلما شعرت أن الأمر قد يتسيب، وازن ذلك بنوع من الجدية والحزم، دون أن تكون فيها غلطة أو قسوة. 14- المرأة هي سيدة المنزل المسؤولة عنه، فلا تحاول أن تتدخل في أمور لا تدخل في دائرة اختصاصك ومسؤولياتك كالطعام أو ترتيب المنزل. 15- احذر أن تعاقب زوجتك أو تعاتبها على خطأ ارتكبته بحضور الآخرين، ولو كانوا أبناءك، فإن ذلك أمر ينافي اللياقة، ويؤدي إلى إيغار الصدور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 16- إذا اضطررت لإنزال عقوبة بزوجتك، فليكن ذلك هو هجرك لها في الفراش، ولا تهجر إلا في البيت وجنب السباب والشتائم والضرب ووصفها بالقبح، فتلك الأمور لا تليق بالزوج الناجح. 17- غيرتك على زوجتك أمر محمود يدل على حبك لها، ولكن شريطة إلا تبالغ في هذه الغيرة، فتقلب عندها أمر مذموماً. 18- دخول المنزل: لا تفاجئ أهلك بغتة، وادخل عليهم على علم منهم ثم سلم عليهم، واسأل عنهم وعن أحوالهم، ولا تنس أن تذكر الله عز وجل عند دخولك المنزل. 19- احذر نشر الأسرار المتعلقة بالوقاع، فذلك أمر محظور وحرام. 20- حافظ على نظافة فمك وطيب رائحته باستمرار. 21- لا تعني القوامة أن تغتسل ما فضلك الله به عليها فتضرها أو تظلمها. 22- احترامك لأهل زوجتك وإكرامك لهم احترام وإكرام لها، حتى بعد وفاتها، شريطة ألا يصاحب ذلك محظور شرعي كاختلاط أو خلوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 23- كثرة المزاح تقود إلى قلة الهيبة وعدم الاحترام، فلا تكثر المزاح مع زوجتك. 24- تذكر أن الوفاء، بالشروط التي تعهدت بها لزوجتك في عقد زواجكما أمر في غاية الأهمية والضرورة، فلا تهمل ذلك بعد الزواج. 25- إذا خاطبت زوجتك أو عاتبتها أو تحدثت معها، فاختر اللطف والطيب من الألفاظ والعبارات، ولا تعاتبها أمام الآخرين أو أمام أولادك. 26- ليس لك أن تطلب من زوجتك العمل خارج المنزل أو الإنفاق عليك من مالها. 27- لا تكلف زوجتك ما لا تطيق من الأعمال، وخذ في عين الاعتبار بيئتها التي نشأت فيها، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية واستعدادها ليست كخدمة الضعيفة. 28- ليس في وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي مشاركة الرجل لها في ذلك، إذا وجد الفراغ، بل إن ذلك من حسن المعاشرة بين الزوجين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 الأسرة وقواعد السلوك العائلي (2) الأُسرة تلك اللبنة التي تُشكل أساس المجتمع، وتتكون من أفراد تقوم بينهم علاقاتٌ دائمة، تكاد تكون أكثر العلاقات الإنسانيَّة أهميِّة، لذا كان لا بد من قواعد للسُّلوك تَحكُمُ هذه العلاقات وتُنظِّمها، حتى تكون على خيرِ ما يُرام وتؤتي أُكلها، متمثلاً في صبغ الحياة الأسريّة بالانسجام والتَّعاون والتَّأمين، والعلاقات الأسريّة علاقات بين الزوجين من جهة، والآباء والأبناء من جهة ثانية، والأبناء بعضهم ببعض من جهة ثالثة. سلوك الزَّوجة: 1- من المستحيل أن يَتحقق نَجاحُ العلاقة الزَّوجيَّة إذا لم تلعب الزَّوجة دوراً إيجابياً فعَّالاً فيها مهما كان الزَّوج مثاليَّاً ورائعاً، فانتبهي -أيَّتها الزوجةُ الصالحةُ- لهذا الأمر وتَحمَّلي مسؤوليَّاتك، فعليك يعتمد نَجاح الأسرة أو فشلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 2- إذا أردت أن تصومي تطوعاً فلا تفعلي ذلك قبل أن تستأذني زوجك، فإن لم يأذن لك، فليس من حقك حينئذٍ الصَّوم. 3- إذا لم يرغب زوجك بدخول أحد أقاربه أو أقاربك أو الجيران أو غيرهم من النَّاس، فلا تأذني بدخول ذلك الشخص منزلك. 4- كلما اعتنيت بزوجك وقُمت على خدمته تقرَّبت من قلبه، فمعظم الأزواج يرون في خدمة زوجاتهم لهم مظهراً من مظاهر الحب، فلا تُهملي واجباتك نَحوه، وتنبهي لما يطلبه منك. 5- اعلمي أن لقدرة زوجك المادية حدوداً، فارضي منه باليسير ولا تُكلفيه ما لا يُطيق، فتطالبيه بما هو فوق طاقته، فتوقعيه وتوقعي الأسرة كلها في الدُّيون، حتى لو كان زوجك من كبار الأغنياء، فإنَّ الإسراف في اللِّباس والأثاث أمر مكروه بغيض لا يليق الإقدام عليه بسيِّدة عاقلة، والفئة الوحيدة من الناس التي تودُّ شراء كل ما تشتهيه هم الأطفال!! 6- استقبلي زوجك عند عودته من العمل بابتسامة، متزيِّنة له في شعرك ولباسك ومظهرك ومتعطِّرة، وإذا كان مُحمَّلاً بالأغراض فخذي عنه وساعديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 7- لا تَعرضي عليه مشاكلك ومشاكل الأولاد فوراً، أو تبدئي بالشكوى، فإنَّ هموم العمل والإثارات التي تعرَّض لها طيلة النهار تكفيه، فإن جئت لتكملي مسلسل متاعبه، فعليك وحدك تَحمُّل النتائج إذا ثار زوجك، لذا عليك أن توفِّري الجو الذي يَحتاجه رجلٌ يعمل وقتاً طويلاً في مجتمع مليء بالمشكلات والتَّناقضات والعجائب كمجتمعنا. 8- ناقشي مشكلاتك مع زوجك على انفراد دون حضور أحد من الأولاد أو الأهل والأصدقاء. 9- إحترامك وإكرامك لأهل زوجك إحترام لزوجك وإكرام له. 10- انتبهي باستمرار لنظافة أسنانك وطيب رائحة فمك، وحافظي عليهما باستمرار. 11- أنت سيِّدة المنزل وراعيته فتحمَّلي مسؤوليَّاتك بأمانة وحافظي على أثاث البيت ومحتوياته، واعتمدي الاعتدال والتوفير أساساً للمصروف. 12- إنَّ حقَّ القوامة حقٌّ منحه الله تعالى للرَّجل عليك، فلا تطالبي بالمساواة كمثل ما تطالب به المرأة الغربيَّة، ولكن طالبي بالعدل وان تؤدَّي إليك حقوقك التي أعطاك الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 13- لا تكثري الخروج من المنزل ولا تغادريه في حالة اعتراض زوجك على ذلك. 14- لا تتحدَّثي مع غريب أو أجنبي إلا أن يأذن لك زوجك وبالشروط الشرعيَّة المعروفة. 15- إذا خرجت مع زوجك للسُّوق أو للزِّيارة فلا تتقدمي عليه بالسَّير. 16- احذري نشر الأسرار المتعلقة بالجماع فإن في ذلك إثمٌ كبيرٌ. 17- لا تكثري الكلام والنِّقاش مع زوجك إذا لم تلمسي منه رغبة بالحوار أو الحديث، وتَجنَّبي عادة الرَّد عليه، فتلك عادة سيِّئة. 18- إذا تكلم زوجك فأحسني الاستماع إليه. 19- في حالة غياب زوجك عنك، كوني اكثر محافظةً على نفسك ورعايةً له وأولاده ومنزله. 20- حاولي ألا يراك زوجك إلا بِمظهر جميل وثوبك نظيف ومزيَّنة دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 21- لا تترددي في إظهار محبتَّك لزوجك، فهذا مما يُقرِّبه لك ويشدُّه للبيت والأسرة في وقت كثرت فيه الإغراءات خارج المنزل. 22- قابلي ما ينفق زوجك عليك وعلى المنزل بالشكر والعِرفان لا بالجحود والنُّكران. 23- إذا استفسر أحد أصدقاء زوجك عن زوجك، فلا تطيلي الكلام معه، واقتصري على إجابة الضَّروري من أسئلته. 24- ليس لك أن تُعيري أحداً شيئاً من المنزل إلا بموافقة زوجك. 25- إذا أقسم عليك زوجك أن تفعلي شيئاً، فليس من المشروع ألا تبرِّي قسمه. 26- إيَّاك أن تهجري فراش زوجك مهما كانت الأسباب التي تَجعلك تُقدمين على ذلك. هذه قواعدٌ عامةٌ مبنيَّةٌ على دلائل من الكتاب والسُّنَّة، إذا وعاها الرجلُ، وطبَّقتها المرأة، كان ذلك سبيلاً لبناء أُسرة صالحة، قوامُها المحبَّةُ، وأساسُها السَّعادةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 واجبات الزوجين لبناء الأسرة الإسلامية السعيدة في غالب الأحيان عندما أقرأ عن دور الزوجين، أجد إخوتنا المسلمين يحمّلون المرأة سبب نجاح أو فشل الأسرة، حتى أن بعض الإخوة يقصرون دور الرجل على النفقة ويرون أن على الزوجة الاهتمام بالباقي، الزوجة وحدها هي التي يجب أن تسعى لحسن تربية الأبناء وراحة الزوج والأبناء، ما قد يغيب عن ذهن البعض هو أن تعلق الولد بأمه يقابله تعلق البنت بوالدها، أيضا الأولاد الذكور في أغلب الأحيان هم في حاجة إلى رجل لردعهم عن الخطأ، وكما الرجل في حاجة إلى حنان زوجته وهو بين أهله فما بالك بالمرأة وهي بعيدة عن أهلها، وفي مقابل هذه المسؤولية التي يسعى الجميع إلى أن يحملها إياها نجد إخوتنا يقولون إن على المرأة أن تسلم أمرها لزوجها، وقد سمعت مؤخراً إحدى الأخوات من هذا الرأي تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 (1) ، فهل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟ وهل أن الحديث القائل بأن معظم سكان النار هم نساء، مع ما نفعله من تقرّب من الله، الذي يفوق تقرب الرجال في العديد من البلدان؟ علماً إن مهمة الرجل والمرأة في هذه الحياة واحدة ووظيفتهما مشتركة، وكل منهما يقوم بواجبه حسب تكوينه الجسمي والعقلي والعاطفي .... وما فطره الله -تعالى- عليه وما وهبه من خصائص، فمهمة المرأة داخلية أكثر منها في الخارج، ومهمة الرجل خارجية أكثر منها في الداخل، وبذلك يتم بناء الأسرة على أكمل وجه وأحسن حال. فالزوجة تتحمل المسؤولية الكبرى في رعاية البيت وتربية الأبناء وخاصة في المرحلة الأولى من أعمار الأبناء، وبقيامها بواجباتها الدينية والاجتماعية تجاه بيتها وأولادها وزوجها تنال رضا الله -تعالى- ورضا   (1) الترمذي 1079 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5294، وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ: فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ لَوْ صَلُحَ السُّجُودُ لِبَشَرٍ لَأَمَرْت بِهِ الزَّوْجَةَ لِزَوْجِهَا يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا اِنْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الناس ودخول الجنة، وعلى الزوج أن يوفر لزوجته ولأسرته ما تحتاج له مادياً ومعنوياً. وعليه أن يقوم بواجبه في تربية الأبناء وتعليمهم، وبقيامه بتلك الواجبات يستحق نفس الجزاء الذي تستحقه المرأة، ولذلك فإن كلا الزوجين مكمل لصاحبه، واختلافهما اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تضاد وتناقض، وما يوجد من الصراع والجدل حول وظيفة المرأة ووظيفة الرجل في الثقافات الأخرى مرفوض في ثقافة الإسلام، فالمسؤولية العامة تقع على عاتق كل منهما، والمسؤولية الخاصة تختلف باختلاف تكوين كل منهما الفطري. قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل:97، وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} البقرة:228. وبذلك تكون الإدارة العامة في الأسرة للزوج، وهو ما يفسر لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» (1) ، وهو حديث صحّحه كثير من أهل العلم، والحديث يفيد وجوب طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف واحترامها له إذا كان يقوم بواجباته، وبذلك تستقر الأسرة ويسعد أفرادها. واجبات الأسرة ووظائفها تضطلع الأسرة بمسؤوليات أساسية على جانب كبير من الأهمية. وإن أدنى تقصير في أداء هذه المسؤوليات ليؤدّي -ولا شك- إلى حدوث خلل اجتماعي وإنساني وإلى عواقب وخيمة تدفع ثمنه الأجيال المتعاقبة وإلى تفشيّ الجريمة والإدمان على المخدرات..ولا يحسبنّ أحدٌ أن مسألة الإنجاب أمر ذو أهمية ثانوية، فهو الوسيلة التي تحفظ النوع البشري من الانقراض وهو الذي يرفد المجتمع بالدماء الشابّة، وقد أدّى انخفاض الإنجاب في بعض البلدان الصناعية الكبرى إلى نشوء مخاوف   (1) الترمذي 1079 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5294 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 جدّيّة من أن تصبح بعض هذه البلدان -في بحر عقدين أو ثلاثة من الزمن- أمّة "هرمة" تفتقر إلى عدد كافٍ من الشباب، وهو الأمر الذي يهدّد عجلة الصناعة والاقتصاد والبحث العلمي والإدارة والإنتاج بالتوقف. ولابد للعائلة من الإشراف الكامل على تربية أطفالها: ف‍الأسرة مسؤولة عن عملية التنشئة الاجتماعية التي يتعلّم الطفل من خلالها خبرات الثقافة وقواعدها في صورة تؤهله فيما بعد لمزيد من الاكتساب، وتُمكّنه من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع"، و: "إن حرمان الطفل من أبيه -مؤقتاً أو بصورة دائمة- يثير فيه كآبةً وقلقاً مقرونين بشعور الإثم والضغينة، ومزاجاً عاتياً متمرِّداً، وخوراً في النفس وفقداناً لحسن العطف العائلي. وقد لُوحظ (في معاهد الأطفال) أنه إذا كانت صحة الطفل البدنية، ونموه العضلي، وضبط دوافعه الإرادية تتفتح وتزدهر بصورة متناسقة في تلك المعاهد، فإن انفصاله عنُ والدَيه قد يؤدّي من جهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 أخرى إلى ظهور بعض المعايب كصعوبة النطق، وتمكّن العادات السيئة منه، وصعوبة نموّ حسّه العاطفي. أما الواجبات الأخرى للأسرة فهي: 1- إعداد الأولاد للمشاركة في حياة المجتمع والتعرّف على قِيَمِهِ وعاداته. 2- إمدادهم بالوسائل التي تهيئ لهم ذواتهم داخل المجتمع. 3- توفير الاستقرار والأمن والحماية والحنو على الأطفال. ففي الدين يجد الشباب الأمان والاطمئنان والسلامة النفسية في الحاضر والمستقبل، وعلينا أن نعلم بأننا سوف نخسر أنفسنا عندما ننكر تراثنا وشخصيتنا الإسلامية أو نبتعد عنها بدلاً من أن نحاول إثباتها. فالدين إحدى الدعامات الرئيسية التي يرتكز عليها الكيان النفسي لأي إنسان، وهذه الدعامة تقيه من الهزّات التي قد تعتريه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 صراعه مع ظروف الحياة المتقلّبة، هذا فضلاً عن أنه يمنحه قناعة ورضا بما قسم الله -تعالى- له من رزق وصحة. وقد أرسى الإسلام الحنيف نظام الأسرة على أسسٍ راسخة تستجيب لمتطلبات الحياة وتتواءم مع حاجات الناس وسلوكهم، وقد شاء الله تعالى أن تقوم الزوجية -وهي أسّ الحياة العائلية ونواتها الأولى- على أساس من المودّة والرحمة، قال تعالى في محكم كتابه العزيز: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً} الروم: 21 قال الراغب (1) : (يُقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى من الحيوانات المتزاوجة: زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها: زوج، قال تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} القيامة:39،   (1) مفرادت غريب القرآن ص 215 وما بعدها باختصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وقال: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} البقرة:35،الأعراف:19، وزوجة لغة رديئة وجمعها زوجات، وجمع الزوج أزواج) . فقوله: {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} الروم:21 أي خلق لأجلكم -أو لينفعكم- من جنسكم فكل واحد منهما ناقص في نفسه مفتقر إلى الآخر، ولهذا النقص والافتقار يتحرك الواحد منهما إلى الآخر، حتى إذا اتصل به سكن إليه؛ لأن كل ناقص مشتاق إلى كماله وكل مفتقر مائل إلى ما يزيل فقره، وهذا هو الشبق المودَع في كلّ من هذين القرينين، وقوله: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الروم:21 المودّة كأنها الحب الظاهر أثره في مقام العمل فنسبة المودّة إلى الحب كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو تأثّر نفساني عن العظمة والكبرياء، والرحمة نوع تأثّرٍ نفساني عن مشاهدة حرمان المحروم عن الكمال وحاجته إلى رفع نقيصته يدعو الراحم إلى إنجائه من الحرمان ورفع نقصه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ومن أجَلّ موارد المودّة والرحمة المجتمع المنزلي، فإن الزوجَين يتلازمان بالمودّة والمحبة وهما معاً -وخاصة الزوجة- يرحمان الصغار من الأولاد في حفظهم وحراستهم وتغذيتهم وكسوتهم وإيوائهم وتربيتهم، ولولا هذه الرحمة لانقطع النسل ولم يعش النوع قط. ويحرص الإسلام كل الحرص على أن يجعل الأسرة المسلمة أنموذجاً رفيعاً ومثالاً يحتذى به بما يُمثِّله من عناصر الريادة والقيادة الصالحة في المجتمع الإنساني، قال -سبحانه وتعالى- في وصف عباده الصالحين: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان:74. ومرادهم بكون أزواجهم وذرياتهم قرّة أعين لهم، أن يسرّوهم بطاعة الله والتجنّب عن معصيته، فلا حاجة لهم في غير ذلك ولا إربة، وهم أهل حق لا يتبعون الهوى، وقوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي متسابقين إلى الخيرات سابقين إلى رحمتك فيتبعنا غيرنا من المتقين، وكأنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 المراد أن يكونوا صفاً واحداً متقدِّماً على غيرهم من المتّقين ولذا جيء بالإمام بلفظ الأفراد. وهكذا نجد أن نظام الأسرة الذي شرّعه مبني على أساس الحرص الشديد على تأمين السعادة للأسرة، وعلى تمتين أسس تماسكها وترابطها من الناحية النفسية والاجتماعية والجسدية كيما ينعم كل فرد من أفرادها بالحب والحنان والدعة والاستقرار والتفاهم والتكافل. والدولة الإسلامية مكلّفة أن تعنى أعظم العناية بإنشاء الأُسَر وحياطتها وتوفير ضمانات الاستقرار لها، وتعالج ما تلده الظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية من آثار تمسّها، نَعَم هي مسؤولة عن ذلك مسؤوليتها عن التموين والتعليم والدفاع وما أشبه هذه الأغراض التي لا يمكن تركها للأفراد، لأنها من صميم عمل الدولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الوسائل العلمية [المؤثرة] لتربية الأبناء (1) علينا أن نقف لنذكر كيف نحقق الجوانب السابقة، ولتطبيق ما ذكرنا فإن هناك عدة وسائل تعرف بوسائل التربية المؤثرة وهي: 1- التربية بالقدوة: فالطفل حين يجد من أبويه ومربيه القدوة الصالحة فإنه يتشرب مبادئ الخير والتربية بالقدوة تكون بقدوة الأبوين، وقدوة الرفقة الصالحة، وقدوة المعلم، وقدوة الأخ الأكبر. 2- التربية بالعادة: إذا توفر للطفل عامل التربية وعامل البيئة مع الفطرة السليمة المولود بها فإن ذلك له أثره الطيب ونشأته النشأة الصحيحة والتربية بالعادة تكون بالتقليد والتعويد.   (1) مركز الإمام الألباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 3- التربية بالملاحظة: ويقصد بها أن يلحظ الوالدين ابنائهما ويراقبا حركاتهم وسكناتهم، فإذا أخطأوا أرشدوهم، وإذا فعلوا معروفًا شكروا لهم صنيعهم. 4- التربية بالمثوبة: اللين والرحمة والرفق هي الأصل في معاملة الابناء، ولكن في حال الخطأ فلا بد من استعمال العقوبة الغير مهينة ليكون الولد متزنا نفسيًا وانفعاليًا، ولا بد أيضًا من التدرج في العقوبة.، وتأتي حكمة المربى في استعمال أساليب العقوبة واختيار الأصلح منها، فهذه الوسائل تتفاوت بتفاوت الابناء ذكاءً وثقافة وحساسية ومزاجًا، فمنهم من تكفيه الإشارة البعيدة ويرتجف لها قلبه، ومنهم من لا يردعه ذلك! ومنهم من يصلحه الهجر، ومنهم من ينفعه التأنيب، ومنهم من لا بد من تقريب العصا منه حتى يراها على مقربة فينزجر. ويجب على الوالدين تجنب الضرب لا سيما في حالة الغضب الشديد مخافة إلحاق الضرر والأذى، وإذا رأى الوالد انصلاح حال ولده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 بعد العقوبة فعليه أن ينبسط له ويتلطف معه ويبش في وجهه ويشعره أنه ما قصد من العقوبة إلا صلاحه. نصائح ذهبية..للسعادة الأسرية بمقدار دقة كلا الزوجين في حسن اختيار شريك الحياة يتحقق في النسل الآثار التربوية الصالحة للوراثة ويعصم من آثارها السيئة -بإذن الله تعالى- وتجنيب الأسرة الكثير مما يظهر لدى الأطفال من صفات وراثية سيئة. الرؤية المشتركة في تربية الأبناء تستلزم من الزوجين التعرف على طبيعة المرحلة العمرية الموجود فيها الابن ونوع هذا الابن لأن كل مرحلة عمرية لها خصائصها ومميزاتها التي تميزها عن غيرها، ولها -أيضاً- مطالبها التي تختلف عن غيرها من المراحل، فمثلاً مرحلة الطفولة لها خصائص ومطالب تختلف عن مرحلة المراهقة، وكذلك الولد يختلف عن البنت في الخصائص ومراحل النمو، ومن حسن رعاية الزوجين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 للأبناء التعرف على ما ذكرنا لتحقيق التربية المنشودة والصحة النفسية للأبناء والبنات، يجب على الآباء الانتباه الى ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال أمام الأبناء، بالسكينة والمودة والتراحم يشيع الاستقرار النفسي؛ فتكون الزوجة قرة عين لزوجها، كما يكون الزوج قرة عين لزوجته. أما المودة: فهي شعور متبادل بالحب يجعل العلاقة قائمة على الرضاء والسعادة.. أما الرحمة: هي أساس الأخلاق العظيمة في الرجال والنساء على حد سواء، فعندما تقوم البيوت على الود المتصل، والتراحم الحاني فإن الزواج يكون أشرف النعم، وأبركها أثرًا. استقرار البيوت واستمرارها راسخة لا تتأثر بريح عاتية ولا تتزعزع لظروف مفاجئة تهز البنيان وتعود الأركان مبناها على أمرين اثنين هما: التفاهم والحب؛ والحب هو سبيل التفاهم. إذًا: تفاهم وحب = بيت سعيد مستقر.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 فمن أحب زوجته وعاشرها بالمعروف يكون له ذرية صالحة تنشأ في دفء العلاقة الحميمة بين أبوين متحابين متراحمين، في إطار أسري قوي البنيان ومجتمعً متين الأركان. موقع الأسرة في الإسلام تُعتبر الأسرة بمثابة "نواةٍ" للمجتمع الذي نحيى فيه. إذ أنها أصغر "وحدة" اجتماعية تمارس دورها بين الوحدات الاجتماعية الأخرى. ولئن كانت الأسرة أصغر الوحدات الاجتماعية حجماً فما هي بأصغرها معنى ولا بأقّلها أهمية، فهي الأساس والقاعدة الصلبة التي تتولى النشأة الأولى للأولاد وتقوم بتربيتهم وتعليمهم، وإعدادهم كيما يضطلعوا بالمسؤوليات التي تقع على عاتقهم مستقبلاً. وليست الأسرة سوى "مؤسسة إنسانية" تقوم على أكتاف شخصين هما الرجل والمرأة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وهذه المؤسسة تشبع رغبات ملحّة في ذات كل منهما، وهي: رغبة الجنس، ورغبة الإدارة، ورغبة التربية، ورغبة الأمومة، ورغبة الأبّوة. وهي تدفع كل فرد من أفرادها إلى القيام بواجباته دون إرغام، بعد أن تشبع فيهم كافة الرغبات الإنسانية، فيقوم الأبوان فيها بتدريس أصول الحياة وكيفية العشرة، لأفراد المجتمع ورجال المستقبل، وهم الأولاد. وما من نظام يستطيع أن يلغي الأسرة بشكل نهائي لأن أيّ نظام عاجز عن مقاومة الرغبات التي تشبعها الأسرة، وهي رغبات متأصِّلة في أعماق كل إنسان. ولهذا فإن الأنظمة التي ألغت الأسرة عادت فأوجدتها على شكل أوسع. فالنظام الشيوعي مثلاً ألغى الأسرة التي تتألف من (رجل) و (امرأة) و (أولاد) ، ولكنه أقام المزارع الجماعية التي تتكون من (عدّة رجال) و (عدّة نساء) و (عدّة أولاد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 هذه المزارع عاجزة عن حلّ مشكلاتها (على عكس الخلية الحيّة التي تقوم بإنماء نفسها وحلّ مشكلاتها بلا تدخّل أجنبي) ، فكانت بحاجة إلى تدخّل الدولة لحلّ تلك المشكلات. والَمزَارع الجماعية ذات مفعول رجعي.. بينما نجد أن الأسرة ترتفع بالإنسان إلى مستواه كإنسان -ذي حياة منتظمة-. أما النُظم الغربية فإنها لم تُقْدِم على إلغاء الأسرة عن سابق تخطيط، وإنّ ما قدّمته هذه النُظُم كبديل للأسرة لم يكن إلاّ الانحلال، والميوعة التي أسفرت عنها حركات الهيبيز والبيتلز والبانك.. الخ. ويعرّف علمُ الاجتماع الأسرة بأنها رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب، على أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة.، ويرى أحد الباحثين (1) أن الزواج الذي لا تصحبه ذرية لا يكون أسرة.   (1) علي عبد الواحد وافي، في كتابه (الأسرة والمجتمع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الأسرة هي إحدى العوامل الأساسية في بيان الكيان التربوي وإيجاد عملية التطبيع الاجتماعي وتشكيل شخصية الطفل، وإكسابه العادات التي تبقى ملازمة له طول حياته، فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي وبناء الشخصية وفي تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة، والطمأنينة في نفس الطفل. فمنها يتعلّم اللغة ويكتسب القِيَم الحميدة، وإليها يعود الفضل في تعلّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 مكارم الأخلاق (1) عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي اللهُ عنه، قال: لقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَك» (2) هذا التوجيهُ النبويُّ الشريفُ مِن أعظمِ التوجيهات، وأجلِّها، وأرفعها؛ ذلكم أنّ فيه إرشاداً لمعالي الأخلاق، وأكمل السَّجايا والصفات، والتقابُلُ في المعنى والمبنى -بين الآية والحديث- ظاهرٌ؛ حتى في ثلاثِيّةِ التوجيه والأمر: فَصِلَةُ القاطعِ تُقابَل بالعفو ... وإعطاء المحروم تقابَلُ بالمعروف ... والعفو عن الظالم يُقابَل بالإعراض ...   (1) علي بن حسن الحلبي (2) أحمد 16810، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني 891 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وما أجملَ ما رواه الإمام البخاري (1) عن وهب بن كيسان، قال: (سمعتُ عبد الله بن الزبير يقولُ على المنبر: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف:199، قال: (واللهِ! ما أَمَرَ بها أن تُؤْخَذَ إلا مِن أخلاق الناس. واللهِ! لآخُذُها منهم ما صحبتُهم) . وقال الإمام ابنُ القيّم (2) : (ليس المرادُ إعراضَه عمّن لا علم عنده؛ فلا يُعلّمه، ولا يُرشده، وإنّما المراد إعراضه عن جهل مَن جهل عليه؛ فلا يُقابله، ولا يُعاتبه) . وقد ذكر الإمام ابنُ القيّم أيضاً (3) : (أنّ هذه الآية جمعت للنبي صلى الله عليه وسلم مكارمَ الأخلاق) . وقال الإمام أبو هلال العسكري (4) : (وأنت ترى أنّ في العفو صلَة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين، وفي الأمر   (1) البخاري 4367، والأدب المفرد 244 (2) مفتاح دار السعادة 1/344 (3) مدارج السالكين 2/305 (4) كتاب الصناعتين ص132 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 بالمعروف تقوى الله، وصِلَة الرحم، وصون اللسان من الكذب، وغضّ الطرف عن الحُرُمات، والتّبرُّؤ من كلّ قبيح، لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف؛ وهو يلابس شيئاً من المنكر) . (1) وحتى لا يكونَ الكلامُ في (الأخلاق) -وبخاصّة مكارِمَها العليّة- نظريّاً؛ أذكُرُ -وأُذكِّرُ- بما رواه البخاري (2) عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، قال: «قَدِمَ عُييْنة بنُ حِصْن بن حُذيفة، فنزَل على ابن أخيه الحُرِّ بن قَيْس -وكان من النّفر الذين يُدنيهم عُمَرُ- وكان القُرّاءُ أصحابَ مجالسِ عُمر، ومُشاورتَه -كُهُولاً كانوا أو شُبَّاناً-. فقال عُيَيْنة لابن أخيهِ: يا ابنَ أخي لك وَجهٌ عِنْدَ هذا الأمير، فاستأذِنْ لي عليه، قال: سأستأذِنُ لك عليه.، قال ابنُ عباس: فاستأذَنَ الحُرُّ لعُييْنةَ، فأذِنَ لهُ عمَر، فلمّا دَخلَ عليه، قال: هِيْ يا ابنَ الخطّابِ، فواللهِ ما تُعطينا الجزْلَ، ولا   (1) انظر فضل الله الصمد 1/334 (2) البخاري 4642 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 تحكُمُ بيننا بالعدْل! فَغَضِبَ عُمَرُ حتى همَّ به، فقال له الحُرّ: يا أميرَ المؤمنين! إنّ الله -تعالى- قال لنَبِيّه -صلى الله عليه وسلم-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف:199، وإنَّ هذا من الجاهلين. واللهِ ما جاوَزَها عُمَرُ حينَ تلاها عليه، وكان وقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله» . فهل مِن وقّاف؟! مُلئَ صدرُهُ بالإنصاف؟! وفارَقَ الظلمَ الاعتِساف؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 نصيحة من القلب إلي الأزواج (1) أيّها الأزواج، لا تتجاوَزوا ما شرَع الله لكم من الضّرب غيرِ المبرِّح حالَ النشوز إلى ما حرّم عليكم من الضّرب المفظع والاعتداءِ الموجِع والجَلد المروِّع، فإنّ عواقبَه وخيمة وأضراره جسيمة، وفي البخاريّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلمَ قال: «لا يجلِد أحدكم امرأتَه جلدَ العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم» (2) لقد تجاوَز رجالٌ على عهدِ رسول الله، فطاف النّساء بآلِ رسول الله يشتكين الضربَ من أزواجهنّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد طاف بآل محمّدٍ نساء كثير يشتكين مِن أزواجهن، ليس أولئك   (1) من خطبة للشيخ صلاح بن محمد البدير بالمسجد النبوي بتاريخ 11/5/ 1424 باختصار. (2) البخاري 5204، ومسلم 2855 بنحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 بخياركم» (1) ، وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولا تضربِ الوجهَ ولا تقبِّح» (2) ، فويل للظالم، ويل للظالم يوم اقتصاصِ المظالم. أيّها الأزواج، إنَّ السهرَ والسمَر خارجَ المنزل من مثيرات القلق والأرق، ينغِّص على الزّوجة حياتَها، ويزعزع ويزلزل استقرارَها، ويَضيع بسببه الأولاد فلذةُ الأكباد وثمرة الفؤاد، حتّى يصيروا فريسةً لوحوش الظلام وفتنِ هذا الزّمان، فاحذروا هذا السهرَ واجتنبوه ولا تقربوه. أيّها الأزواج، إنّ ظهورَ المعاصي والمخالفات وانتشارَ المنكرات في كثير من البيوتات من أعظم أسباب خرابِها ودمارها، ولقد دبَّ الشّقاء والشقاق وثارَت ثائرة الغيرة واشتعلت نيران الشكّ والحيرة بين كثير من   (1) أبو داود 2146، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، والنسائي في الكبرى 9167، وابن ماجه 1985، والدارمي 2219 (2) أحمد 4/447، وأبو داود، وابن ماجه 1850، والنسائي في الكبرى 9171، وصححه الألباني في الإرواء 2033 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الأزواج بسبب طبَق القنوات الخطرِ المحدِق والشرّ المطبق، فحين رأى غيرَها ورأت غيرَه رغِب عنها وزهدت فيه، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَاكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} آل عمران:117، نعوذ بالله من الخزيِ والعار ومن فعل يقرِّب إلى النار. فاتّقوا الله عبادَ الله، وطهِّروا بيوتكم ممّا يستوجب اللعنةَ والطرد والإبعاد، {قُل إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} الرعد:27. ألا فلتذهبِ المرأةُ مربيةَ أجيال برقِّة طَبع ولطافة حسّ وذكاءِ عاطفة، وليذهَبِ الرجل قوّامًا وقائدًا بقوّةِ بأس وجلالة فِكر وسلامة تقدير وتدبير، وليذهبِ الاثنان إلى حياةٍ كريمة في ظلِّ تمسّك بالدين وفعلٍ للواجبات واجتنابٍ للمحرمات وتعاونٍ على البر والتقوى، «ورحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى، ثمّ أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحِم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت، ثمّ أيقظت زوجها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» (1) .   (1) أحمد 2/250، وأبو داود 1113 وصححه الألباني في صحيح أبي داود، والنسائي 1592، وابن ماجه 1326 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 {وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} الطور:21. أيّها المعدِّدون! اتقوا الله واعدلوا بين أزواجكم، اعدِلوا بينهنّ في مسكنهنّ وملبسهنّ ومأكلهنّ ونفقةٍ عليهنّ والمبيتِ عندهنّ، واحذَروا الجورَ والحيف، فإنّه من أسباب العذاب وموجبات العقاب، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت عندَ الرجل امرأتان فلم يعدِل بينهما جاءَ يوم القيامة وشقُّه ساقط» (1) ، و «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائِه، فأيتهنّ خرج سهمُها خرج بها معه» (2) . وكان يقسِم بين نسائه ويعدِل بينهن. اعدِلوا بينهن، وراعوا ما يحصل بينهن من الغيرة التي لا يقدرن على دفعها، ولا سبيل لهن إلى رفعها ومنعها، غيرةٌ تغيّر القلبَ والطبع،   (1) أحمد 2/347، 471، وأبو داود 2133، والترمذي 1141 وصححه الألباني في صحيح الترمذي، والنسائي 3942، وابن ماجه 1969، وقال الحافظ في البلوغ 1085: إسناده صحيح (2) البخاري 2594، ومسلم 2770. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وتهيّج الغضب وتقلِب الوضع، فتعاملوا بالعقل والحِكمة، واحذَروا قالةَ السوء وصاحبَ السوء وعملَ السوء، {وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور:31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 نصيحة من القلب إلي الأزواج (2) (1) إن من أسباب سعادة الزوجين قيام كل منهما بما يجب عليه نحو صاحبه، فقيام الزوج بالواجب عليه، وقيام المرأة بالواجب عليها، يكفل للبيت السعادة والهناء بتوفيق من الله. والله جل وعلا في كتابه العزيز قد بين للزوجين الواجب على كل منهما فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بالْمَعْرُوفِ} البقرة:228، فأخبر تعالى أن للزوجة حقاً كما أن عليها واجباً، وللزوج حق كما أن عليه واجباً.   (1) من خطبة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في جامع الإمام تركي بن عبد الله بعنوان الحقوق الزوجية بتاريخ 18/11/1422 هـ بإختصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 فالحق الواجب على الزوج نحو امرأته الإنفاق عليها، كسوتها، التعامل معها بالمعروف، كفُّ الأذى، حسن العشرة، وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرأة الرجل عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طمعت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في الفراش» (1) . فهذه خمس خصال: أولاً: أمره أن يطعمها إذا طعم، فيوفر لها الطعام، وأمره أن يوفِّر لها الكسوة، ثم نهاه عن ضربها في الوجه، لأن الضرب في الوجه فيه إهانة وإذلال، ووجه الإنسان أشرف أعضائه الظاهرة، فلا يجوز تشويهه بضربه، ويمكن الأدب في غير ذلك، ونهاه أن يقبِّح أي: أن يقول كلمة قبيحة، نحو: قبَّحكِ الله أو غيره من الألفاظ   (1) أحمد 4/447، وأبو داود، وابن ماجه 1850، والنسائي في الكبرى 9171،وصححه الألباني في الإرواء 2033 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 البذيئة، فإن الألفاظ السيئة تجرح القلب أعظم من الضرب، ولذا يقول الله جل وعلا: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} الإسراء:53، ونهاه عن الهجران إلا في الفراش، بمعنى: إذا أراد هجْرها هجَرها بترك المبيت معها، وأما هجرٌ بترك الكلام والمحادثة فهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فبقاؤها معه من دون حديث صاحبهما للآخر يزيد في الجفاء، ويبعد كلاً منهما عن الآخر، فإن الأحاديث الودية مما يُكسب القلب محبة ومودة من كل منهما لصاحبه، وأما إذا دخل وخرج، لا يكلمها ولا يلتفت إليها، لا يسمع منها قولاً، ولا يُسمعها قولاً، فهذا أمر نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يحدث تصدُّعاً في الحياة الزوجية، وبعد كلٍ منهما عن الآخر، والله تعالى يقول أيضاً: {وَعَاشِرُوهُنَّ بالْمَعْرُوفِ} النساء:19، وقال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ وَمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 يَفْعَلْ ذالِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} البقرة:231، فانظر إلى أن ربنا جل وعلا أرشد الزوج إذا طلق المرأة، وأراد العود إليها، فليكن بقصد الإصلاح، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ، {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي: قاربن انقطاع العدة، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} بمعنى: استرجعوها لتكون الرجعة بالمعروف أي: ناوياً العشرة بالمعروف، لا جاعلاً الرجعة سبباً للعذاب والألم، {أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فدعها تنقضي عدتها، ولعل الله أن يعوضها خيراً ويعوضك خيراً، وأما إمساك لأجل الإضرار والظلم والعدوان، فهذا نهى الله عنه بقوله: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ} أي: لا تمسكوهن وتراجعوا المرأة ضراراً لأجل أن تعتدي عليها، أو أن تظلمها وتسيء إليها، فذاك محرم في شريعة الإسلام، والعدوان قد نهى الله عنه، ولا يحلّ للرجل أن يعتدي عليها بالإيذاء والإضرار، فذاك أمر لا يليق بالمسلم السامع والمطيع لله ورسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ونبينا صلى الله عليه وسلم قد أرشد الأزواج أيضاً، أرشد الزوج إلى المعاملة الحسنة مع المرأة، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن من كمال الإيمان حسن الخلق، فقال: «أكمل المؤمنين إيمان أحسنهم خلقاً، وخيركم خيركم لنسائه» (1) ، فإن حسن الخلق وحسن التعامل يدلّ على كمال الإيمان وقوته، وسوء العشرة وسوء المعاملة وعدم الوفاء يدل على نقص في الإيمان، ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً» ، ثم قال: «وخيركم خيركم لنسائه» ، وخير الناس من كان خيره لنسائه، التعامل الحسن، والقيام بالواجب، والبعد عن كل ما يكدّر صفو العشرة وينغصها. ويبين صلى الله عليه وسلم في موضع آخر أن الرجل يجب أن يكون المستحمل للأخطاء، ويجب أن يكون الصبر والتحمل من أخلاقه،   (1) أحمد 2/250، والترمذي 1162 وقال حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة 284 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 فهو أقوى من المرأة تحملاً، والمرأة ضعيفة، وقد يكون منها الخطأ، لكن تحمّلُ الرجل وصبره هو المطلوب منه، فإنه القيّم عليها، وما دام القيم فلا بد من صبر وتحمل، فيقول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (1) ، لا يبغضها ويكرهها فإن أخلاقها قد يكون فيها خلق غير مناسب، ولكنها تشتمل على خلق طيب أيضاً، وهكذا حال الإنسان، فالكمال في المخلوق غير ممكن، لا من الرجل ولا من المرأة، فإن كرهت منها خلقا من الأخلاق فلا بد أن ترتضي منها خلقا غيره، وأما إذا كنت تعاتب على كل نقص، وتريد الكمال في كل الأحوال، فذاك طلب المستحيل، ومن كثر عتابه قلّ أصحابه.   (1) مسلم 1469 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 ويبين صلى الله عليه وسلم أيضاً ذلك بوضوح جلي فيقول فيما ترويه عائشة رضي الله عنها: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (1) ، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله، صبراً وتحملا وإكراماً ومعاملة بالحسنى، آلى شهراً منهن لما حصل منهن ما حصل، ومع هذا كان يعاملهن بالحسنى صلى الله عليه وسلم، وتخبر عائشة لما سئلت: ماذا كان يفعل في بيته؟ قالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِه» (2) ، فهو من أحسن الناس خلقاً، وأحسنهم تعاملاً صلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين. وهو صلى الله عليه وسلم أرشد الأزواج إلى أمر عظيم، وهو أن المرأة من طبيعتها الضعف وقلة القيام بالواجب المطلوب، إن من   (1) الترمذي 3830 وقال حسن غريب صحيح، وابن ماجه 1967، وصححه الألباني في الصحيحة 285 (2) البخاري 676، 4944 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 طبيعتها الضعف فقال صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (1) ، فهذا توجيه للرجل أنه لُفِت نظره إلى تركيبة المرأة الضعيفة، وربما يكون منها سوءٌ في شيء من الأخلاق، أو قلة قيام بواجب، فلا تنظر إليها إلا نظر من يعرف وضعها وحالها، وأنك إذا أردت أن تقيم الاعوجاج فإن ذلك يستحيل عليك. وأخبر صلى الله عليه وسلم يبين أيضاً أن المرأة خلقت من ضلع (2) ، وأنها لا تستقيم لك على طريقة واحدة، إذا تعوِّد نفسك على الصبر والتحمل وعدم الضجر مما عسى أن تجده من بعض أخلاقها،   (1) البخاري 3331 واللفظ له، ومسلم 1468 (2) البخاري 3084، ومسلم 2671 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 لتنتظم الحياة الزوجية، ويتربى الأطفال في حضن الأبوين، في محبة ومودة وقيام بالواجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 نصيحة من القلب إلي الأزواج (3) (1) أيها الزوج! زوجتك هي حاملة أولادك، وراعية أموالك، وحافظة أسرارك. اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس وتمحو ضغائن الصدور، والثناء على الزوجات في الملبس والمأكل والزينة جاذب لأفئدتهن، وقد أباح الإسلام الكذب مع الزوجة لزيادة المودة لها. والهدية بين الزوجين مفتاح للقلوب، تنبئ عن محبة وسرور، والتبسط معها ونبذ الغموض والكبرياء من سيما الحياة السعيدة، يقول عمر بن   (1) من خطبة للشبخ عبد المحسن بن محمد القاسم بالمسجد النبوي بتاريخ 9/5/1423هـ بإختصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الخطاب رضي الله عنه: (ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ـ أي في الأنس والسهولة ـ فإن كان في القوم كان رجلاً) (1) . وكن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي بإذن الله أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية، ومشاهدة الفضائيات يقبّح جمال الزوجة عند زوجها، وينقص قدر زوجها عندها، فتتباعد القلوب، وتنقص المحبة، وتضمحل المودة، ويبدأ الشقاق، ولا أسلم من الخلاص منها. وكن لزوجتك كما تحب أن تكون هي لك في كل ميادين الحياة، فإنها تحب منك كما تحب منها، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنِّي أُحِبّ أَنْ أَتَزَيَّن لِلْمَرْأَةِ , كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن لِي) (2) ، واستمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب وبشاشة خلق، فقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن، ومن علو النفس أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً إلا برضاها، فمالها ملك   (1) البيهقي في الشعب 6/292 (2) الطبري 3765، وابن أبي حاتم 2335، البيهقي في السنن الكبرى 15125، وابن أبي شيبة 4/183 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 لها، وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف ولا تبخل عليها، وتذكر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شؤونها فأرعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، ولا تعُد إلى دارك كالح الوجه عابس المحيّا، فأولادك بحاجة إلى عطفك وقربك وحديثك، فألن لهم جانبك، وانشر بين يديهم أبوتك، ودعهم يفرحون بتوجيهك وحسن إنصاتك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا رأى ابنته فاطمة قال لها: مَرْحَبًا بِابْنَتِي، ثم يجلسها عن يمينه أو شماله» (1) . والحنوُّ على أهل البيت شموخ في الرجولة، يقول البراء رضي الله عنه: (دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه على أهله فإذا ابنته عائشة مضجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها أبا بكر يقبل خدها ويقول: كيف أنت يا بنية؟) (2) .   (1) أخرجه مسلم 2450، وهو أيضا عند البخاري 3426 (2) أخرجه البخاري 3704 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 والقيام بأعباء المنزل من شيم الأوفياء، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سُئِلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» (1) . والكرم بالنفقة على أهل بيتك أفضل البذل، ولا يطغى بقاؤك عند أصحابك على حقوق أولادك، فأهلك أحق بك، ولا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرت منها، ولا تلمزها بتلك الزلات والمعايب، واخف مشاكل الزوجين عن الأبناء، ففي إظهارها تأثير على التربية واحترام الوالدين، والغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة. وآثر السكوت على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (النساء عورة، فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت) . إن حق الزوجة على الزوج عظيم، أُسرت بالعقود وأوثِقت بالعهود. الزوجات يكرمهن الكريم، ويعلي شأنهن العظيم، تقول عائشة   (1) أحمد 24998 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ!!» (1) .   (1) البخاري 3607 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 17 فائدة لـ: غض البصر (1) 1- تخليص القلب من ألم الحسرة. 2- أنه يورث نوراً وإشراقاً في القلب يظهر في العين والوجه والجوارح وإطلاق البصر يورث ظلمة في الوجه والجوارح. 3- أنه يورث صحة الفراسة. 4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب. 5- أنه يورث القلب ثباتاً وشجاعة فيجعل له سلطان الحجة. 6- أنه يورث القلب سروراً وفرحاً وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر.   (1) لمزيد من التفصيل في هذه الفوائد يُراجع: روض المحبين ونزهة المشتاقين، الداء والدواء. كلاهما لابن قيم الجوزية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 7- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة. 8- أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم. 9- أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته. 10- يخلص القلب من سُكر الشهوة ورقدة الغفلة. 11- أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده. 12- أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه. 13- أنه يورث القلب أنساً بالله وجمعه عليه. 14- أنه يقوي القلب ويفرحه. 15- أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب. 16- أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها. 17- أن بين العين والقلب منفذاً وطريقاً يوجب انتقال أحدهما إلى الآخر وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 غض بصرك تجفيف المنابع جملة ينبغي أن نقف عندها قليلًا في رحلتنا مع علاج طغيان الشهوة أخي الشاب، فإذا جففنا منابع المعصية وقطعنا الطرق المؤدية إليها؛ سيكون من الصعب أو من المستحيل أن نقع فيها؛ لأن الوقاية خير من العلاج، وأهم منبعين للشهوة: هما إطلاق البصر، والاسترسال مع الخواطر. والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه؛ ولذا أراد الله أن يُحكم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه؛ لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب، والعين التي صبرت عن الحرام؛ يُكتب لها السعادة والفرح، ولا تعرف الدمع أبدًا يوم القيامة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ: عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ» (1)   (1) الطبراني في الكبير 16347، وصححه الألباني لغيره في الصحيحة 2673 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وأيضًا ـ أيها الشاب ـ إذا غضضت بصرك؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يضمن لك الجنة؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» (1)   (1) أحمد 21695 وغيره، وقال الألباني صحيح لغيره في الصحيحة 1470 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 كيف تعرف عيوب نفسك؟ (1) اعلم رحمك الله أن الله تعالى اذا أراد بعبد خيرا بصَّره بعيوب نفسه فمن كانت له بصيرة لم تخف عليه عيوبه واذا عرف العيوب أمكنه العلاج ولكن أكثر الناس جاهلون بعيوبهم يرى أحدهم القذي في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق..   (1) من كتاب مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (رياضة النفس وتهذيب الخلق ومعالجة أمراض القلوب / الفصل الثالث في علامات مرض القلب وعوده إلى الصحة) بتصرف واختصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الطريقة الأولى: أن تجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس يعرفه عيوب نفسه وطرق علاجها وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده فمن وقع به فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغى أن يفارقه. الطريقة الثانية: أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا وينصبه رقيبا على نفسه لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله، وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَىَّ عُيُوبِى) (1) ، وسأل سليمان رضي الله عنه لما قدم عليه عن عيوبه فقال سمعت أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالليل وحلة بالنهار فقال هل بلغك غير هذا قال لا قال أما هذا فقد كفيتها. وكان عمر رضي الله عنه يسأل حذيفة: هل أنا من المنافقين؟ (2)   (1) الدارمي 674 (2) البحر الزخار 2505 ونصه: عن حذيفة رضي الله عنه قال: دعي عمر، لجنازة، فخرج فيها أو يريدها فتعلقت به فقلت: اجلس يا أمير المؤمنين، فإنه من أولئك، فقال: «نشدتك الله أنا منهم» ، قال: «لا ولا أبرئ أحدا بعدك» ، ومصنف ابن أبي شيبة 38545 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وقد عز في هذا الزمان وجود صديق على هذه الصفة لأنه قل في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالغيب أو يترك الحسد فلا يزيد على قدر الواجب، وقد كان السلف يحبون من ينبههم على عيوبهم ونحن الآن في الغالب أبغض الناس إلينا من يعرفنا عيوبنا. وهذا دليل على ضعف الإيمان فان الأخلاق السيئة كالعقارب ولو أن منبها نبهنا على أن تحت ثوب أحدنا عقربا لتقلدنا له منه واشتغلنا بقتلها والأخلاق الرديئة أعظم ضررا من العقرب على ما لا يخفى. الطريقة الثالثة: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألْسِنة أعدائه فإن عين السخط تبدي المساوئ وانتفاع الإنسان بعدو مشاجر يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفي عنه عيوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 الطريق الرابعة: أن يخالط الناس فكل ما يراه مذموما فيما بينهم يجتنبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 فنون المعاتبة.. ومعالجة الأخطاء (1) العتاب والمعاتبة، من آكد ما يبقي المودة ويُشعر بالرحمة والقرب والألفة، ولذلك نجد في القرآن الكريم كيف أن الله جل وتعالى كان يعاتب أنبيائه ورسله وعباده الصالحين {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ..} ! التوبة:43، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ..} !! التحريم:1، {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} عبس:1-3!! وحين نتأمل نصوص السيرة النبوية نجد أيضاً كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الأمة على الأمة، فكان يعاتب   (1) السعادة الأسرية بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 ويعتب..اقرأ إن شئت قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا (1) ..واقرأ في قوله صلى الله عليه وسلم «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ» (2) وهكذا.. والذي يشد الانتباه ويلفت النظر، سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب..وتقرأ في طيّات نصوص السنة شدة الحرص والرحمة بالأمة من خلال همسات العتاب ومواقفه..وبمثل هذا يبقى العتاب أسمى ما يكون حين يؤلف القلوب، ويرتق الفتق في رحمة وإشفاق..   (1) {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم} التوبة:118، والقصة بتمامها في الصحيحين البخاري 4066، ومسلم 4973 (2) البيهقي في السنن الكبرى 4826 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 ومن هنا وجب على المتحابين بجلال الله أن يرقوا بمعاتباتهم، وأن تسموا بهم روح الإيمان فتتعانق الأرواح طهرا وحباً وهي تبلسم بعضها بعضا لتداوي جراحها بيد الإشفاق والعطف والرحمة.. تلكم هي الروح السامية بسمو الإيمان.. تلكم هي الروح التي تأسرك بشفافيتها.. الروح الطاهرة طهر المُزن في سمائها.. الروح التي تجذبك إليها بلطف.. وتدفع عنك الأذى بحرص.. تخرج منها الكلمة فتسمع روحك همسها قبل أذنك.. كأني بها وهي تناغي وتترنم: حديث الروح للأرواح يسري # فتدركه القلوب بلاعناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 هتفت به فطار بلا جناح # وشق أنينه صدر الفضاء ومعدنه ترابي ولكن # جرت في لفظه لغة السماء فحلّق في ربى الأفلاك حتى # أهاج العالم الأعلى بكائي (1) إنها ليست معاتبة.. بل هي همسات الروح للروح. فهل بلغنا مبلغ الأخوة التي يغبطنا عليها الأنبياء والشهداء والصالحون (2) ؟! أم أن نفوسنا لمّا تزل ترابيّة الأصل والطموح؟! وفي سبيل أن نخطو خطوة نحو السمو..وحتى نعيش إخلاء أوفياء أصفياء أنقياء..   (1) الأبيات لمحمد إقبال (2) «عن مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» الترمذي 2312 وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الأولى: كثرة اللوم في الغالب لا يأتي بخير.. لكن ليس كل اللوم!!، وإنما كثرة اللوم والعتاب، فإنها تنفر منك الصديق، وتبغّض عليك العدو.. وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ # وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ # يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّهرَ صَاحِبُ (1) ثق تماماً أن لحظة كدر في عتاب قد تفسد عليك أخوة دهر! وتسرع في عتاب.. يفرّق عليك رأس المال..   (1) الأبيات لكثير عزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 واسمع للخادم الصغير أنس وهو يقول: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ» (1) !! هذا وهو صغير مظنة وقوع الخطأ منه أعظم من مظنتها في كبير واع!! الثانية: لا تطلب من الآخرين عدم الخطأ.. وإنما اطلب منهم أن لا يستمروا في الخطأ إذا علموه. «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (2) . تلكم هي سنة الله..ولتتجلّى في خلقه معاني أسمائه وصفاته.. وهكذا ينبغي أن نقبل الآخرين.. على أنهم بشر يخطئون.. اقبل أخاك ببعضه # قد يُقبل المعروف نزرا!   (1) رواه الترمذي 1938، والحديث في البخاري 5578، وأبو داود 4144 (2) رواه أحمد 2 / 309، ومسلم 2749 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 واقبل أخاك فإنه # إن ساء عصراً سرّ عصراً فإنك إن لم تكن كذلك أوشكت أن تشق على الناس أو تهلك نفسك.. عتبت على عمروٍ فلمّا تركته # وجرّبت أقواماً بكيت على عمرو! (1) الثالثة: أزل الغشاوة عن عيني المخطئ.! حين ترى الخطأ.. لا تتشنج.. أو تنقلب حماليق عينك، أو يتعكر صفو مزاجك.. تمهل قد يكون المخطئ غطت على عينيه غشاوة الخطأ أو المعصية.. فلا تستعجل في ذم أو تقبيح.. بل ابذل جهدك في إزالة الغشاوة عن عين المخطئ..   (1) المستطرف في كل فن مستظرف (باب في الأمثال السائرة - فصل في الأمثال من الشعر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 «إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ» (1) بأبي وأمي أنت يا رسول الله.. ما أشد حلمك مع شدة حرصك وتسلّط السفهاء عليك.. الرابعة: اختر الكلمات اللطيفة في العتاب والمعاتبة.. لا تقبّح، أو تسب أو تشتم..   (1) أخرجه أحمد 21185 واللفظ له، والطبرانى في الكبير 7577، 7660، وقال الهيثمى (1/129) رجاله رجال الصحيح، وقال العراقي (المغني عن حمل الأسفار 2251) إسناد جيد رجاله رجال الصحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» (1) وفي الحديث الصحيح «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» (2) فكيف تراها تكون هذه الكلمة طيبة؟! بعبارات التلاوم والذم والشتم وجرح المشاعر؟!! أم ترى أن للكلمات أنوار إذا برقت بروقها أنارت فؤاد المستمع! الخامسة: اترك الجدال.. في عتابك لا تجادل.. لأنك بالجدال قد تخسر النتيجة وقد تكون أنت المحق.. ثم إن المجادل قد يربط الحق بكرامته، فيدافع عن كرامته لا عن الحق.. وهنا تكون القاضية! فلا الحق أُحقّ.. ولا المودة بقية..   (1) أحمد 3839، الترمذي 1900 وقال حسن غريب، وصححه الألباني (2) البخاري 2767، مسلم 1677 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وقد جاء في الحديث الصحيح «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (1) السادسة: ضع نفسك موضع المخطئ.. ثم فكر في الحل! لأنه لا يكفي منك أن تنتقد وتعاتب.. بل لابد مع العتاب بلسماً.. وانظر كيف أن منهج القرآن ليس هو الزجر دون بيان طريق النصر والظفر.. قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة:275 يأمر عباده المؤمنين بغض الأبصار عن الحرمات ثم يعقّب بالندب والحث على الزواج والنكاح من المؤمنات.. وهكذا..   (1) أبو داود 4167، وحسنه الألباني في الصحيحة 273 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 فبدل أن تعاتب، ولو سمت عبارتك.. أردفها بحل.. أو فكرة! «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (1) السابعة: ما كان الرفق في شيء إلا زانه.. «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ» (2) «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ» (3) الثامنة: دع الآخرين يتوصلون لفكرتك.. واجعل المخطئ يكتشف خطاه بنفسه، ثم هو يكتشف الحل بنفسه. يُذكر أن رجلاً في الهند كان يعادي إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب عداءً شديداً، ويحارب كتبه ومؤلفاته ويحذر منها..فاحتال احد   (1) البخارى4957، ومسلم 3767 (2) البخاري 6415، مسلم 4697 (3) أحمد 12579، قال الهيثمي: ورجاله موثقون إلا أن خلف بن مهران لم يدرك أنساً، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2246 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الفضلاء حيلة.. غيّر بها اسم الشيخ من: محمد بن عبد الوهاب، إلى: محمد بن سليمان التميمي.. وأهدى جملة كتب الشيخ لهذا العالم الهندي، فلمّا قرأها أعجب بها، ووجدت في قلبه قبولا وأثرا حسناً.. فأعلمه هذه الحكيم أن هذه الكتب من مؤلفات إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب.. فما كان من هذا العالم الهندي إلا أن جثى على ركبتيه من البكاء والحسرة والألم على ما كان منه من عداء للإمام.. فصار من أكثر الناس دعوة وتوزيعا ونشرا لكتب إمام الدعوة في محيطه. التاسعة: عندما تعاتب..اذكر جوانب الصواب.. اشعر المخطئ (المعاتب) بالإنصاف، فإن ذكرك محاسنه وجوانب الإشراق فيه يجعله أدعى لقبول النصح والحق، وأبقى للمودة بينكما.. اقرأ في هذا الأثر في عتابه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بقوله: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» (1)   (1) البخاري 1054، ومسلم 4528 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 يالله.. ما أعظمك يا رسول الله، وما أعظم أدبك وسكون نفسك ورفعتها.. العاشرة: لا تفتش عن الأخطاء الخفيّة.. وعامل الناس بحسن النية.. فإنك إن ذهبت تتبع عورات المسلمين أهلكتهم، وأوشكت - بله - أن تفضح نفسك.. «مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» (1) !! الحادية عشر: استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن والتثبت! إنك بهذا تشعره بالإحترام والتقدير.. كأن تقول: زعموا أنك فعلت!!   (1) أحمد 21368، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (8/87) : رجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان وهو ثقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 واسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب في الأنصار بقوله: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟!» (1) لا تعاتب.. قبل أن تستفسر عن الخطأ.. لعل له عذرا.. أو مخرجاً.. أو كرهاً!! الثانية عشر: امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب.. لاحظ النفس الطاهرة البريئة.. نفس الطفل التي لم تشبها شائبة الغل والحقد وحب الذات.. حين تمدحه على عمل صغير..تراه يبذل لأن ينجز لك الجليل!! وانظر لذلك الذي طوّع السبع المفترس في باحات العروض.. كيف روّضه وهو السبع الذي لا يعقل ولا يفهم.. كل ذلك بمدح القليل والتشجيع عليه.. بين إخوانك امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب..!   (1) البخاري 3992،3986، ومسلم 1753، 1756 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 الثالثة عشر: تذكر أن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر من الكلمة القاسية. {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} الإسراء:53 عند الصينين مثل يقول: نقطة عسل تصيد من الذباب ما لا يصيده برميل من العلقم!! الرابعة عشر: تذكر ... أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم!! فامزج خطابك بعاطفة الحنو والقرب والإشفاق والحرص.. «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (1) الخامسة عشر: اعط الخطأ حجمه..   (1) البخارى4957، ومسلم 3767 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 فلا تعظّم حقير..ولا تحقّر عظيم.. فإنك حين تعظّم الحقير توغر الصدر.. وحين تحقّر العظيم تفسد الأمر.. السادسة عشر: ابن الثقة في نفس المخطئ.. ليكون أقدر على مواجهة الخطأ وإصلاحه. السابعة عشر: لا تعيّر..!! المسلم يحب الله، ويحب طاعة الله، وهو كذلك يبغض معصية الله ومن يقارفها؛ فالمؤمن يمتلك قلباً مرهفا ونفساً جيّاشة لا تملك الحياء مع من يجترىء على محارم الله، فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، لكن من الناس من يشتط فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها، يعيّر المذنب ويتعالى عليه! جاء في الحديث عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَدَّثََ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» (1) مر أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنبا وكانوا يسبونه فقال: (أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه قالوا بلى قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم قالوا أفلا تبغضه قال إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي) . (2) فمتى تسمو نفوسنا لتبلغ ما بلغه أولئك الأطهار.. أخي.. هبني أسأت كما زعمت # فأين عاطفة الأخوة أو إن أسأتَ كما أسأتُ # فأين فضلك والمروّة؟! (3) بوركت وسددت ووفقت ...   (1) مسلم 4753 (2) تاريخ دمشق 47/177، وحلية الأولياء 1/225 (3) الأبيات للأبرش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 أدب الحوار والمناقشة والجدل (1) 1- عدم إلجاء المناقش والمحاور إلى الاعتراف الفوري بخطئه. 2- عليك أن تعطيه الفرصة للتراجع عن الرأي الخاطئ. 3- عليك أن تؤسس نقاشك على ما تتفقان عليه. ووافقه على بعض آرائه - جدلا- إن جاز لك ذلك. 4- عليك أن تختار ألفاظك التي توجهها إليه وكن مهذّب ومنضبط في ذلك. 5- أعطه فرصة للتفكير-إن كان غير مكابر-لأن جوَّا الجدل مشحونٌٌ بالتوتر ويصعب على كل منَّا أن يُخذَل أمام المجموع. 6- عليك بالهدوء المفتَعَل. وضبط الأعصاب أثناء الحِوار-ولو استثارك الآخر-عمد-لاختبار أعصابك، ولا تتعالى على من تناقشه ولو كان   (1) محمد عقيل الخطيب رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 الحق معك وكانت الحجة بجانبك فالتواضع له دوره في شدِّ وجذب الجمهور من الحاضرين إليك وأخذهم بآرائك. 7- تجنب الأحكام الجاهزة التي لا تقدر على التصرف بألفاظها ومعانيها وقت إجراء الحوار فأنت لست بحاكم جائر ولا قاضٍ تفرض أحكامك بالقوة والعنف-وقصص الأنبياء مليئة بالحوار الهادئ والجدل المثمر البنَّاء. 8- يمكنك أن تستبدل بالأمر الاقتراح كقولك -مثلا-:إذا لم تقتنع بكلامي فارجع إلى مصدر كذا وكذا، أو شاور من يعجبك رأيهم وتثق بعلمهم وخِبرتهم. -ولا تتعصَّب إلا للحق-. 9- الاستماع والإنصات للآخرين حتى يُكْملوا الإفصاح عن فكرتهم ثم الكَرُّ عليها بالنقد والتفنيد-وإن كان الآخَر مكابرا أو صاحب هوى- إذْ لا بدَّ من إجراء حوار مع كل ذي فكرة تحاول مجادلته وردَّه إلى الصواب حتى يزول الغبش وتنجلي الفكرة وتتضح الحجة ويبدو الموقف جليا واستمسك دائما بقول الله تعالى في محكم كتابه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة111:، النمل:64، {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} الأنعام:148 سواء كان هذا الدليل عقليا أم كان نقلي وسمعي. 10- إياك ثم إياك أن تجادل للغلَب والانتصار والفوز والظفر فإن ذلك محبط للعمل مدمر للأجر والثواب جالب للمقت وليكنْ علمك والدعوة إليه والجهاد في سبيل توضيحه لله ومن أجل الله ثم لإظهار الحق وردِّ الباطل ودمغه فإذا هو زاهق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وصفة إيمانية لتجاوز الكروب والنكبات (1) الدنيا طبعت على كدر فلا يكاد يمر بالمرء ساعات سعادة إلا وأعقبها ما يكدرها ويذهب صفوها، هذه هي طبيعة الدنيا، فالمرء يتعرض فيها للمشكلات وتنتابه الهموم والغموم ويجد الضيق والحرج لكن أمر المؤمن عجيب· فقد يسَّر الله له ما يزيل عنه همومه وغمومه ويشرح صدره ويبدله بعد الضيق سعادة وفرحاً، فإذا رجعنا لديننا الحنيف وجدنا فيه العلاج الناجع لهذه المضايقات·· منغصات ومكدرات (2)   (1) الدعوة، بتصرف يسير (2) الشيخ عبد الرحمن بن علي العسكر المستشار في وزارة الشؤون الإسلامية إمام وخطيب جامع عبد الله بن عمر بالرياض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 إن الحياة الدنيا مليئة بالمحن والمصائب والبلايا والشدائد لا تثبت على حال فهي دائمة التغيّر والتحول {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} الإسراء: 77 {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آل عمران: 140 فالحياة لا تدوم سعيدة ناعمة للشخص منذ ولادته إلى وفاته، بل تمر به منغصات ومكدرات، كما أنها لا تدوم ناغصة ومكدرة للشخص، بل يمر به من السعادة وتيسير الأمور ما ينسيه متاعبه وهمومه· وقل أن تجد فرداً في هذه الحياة سالماً من المشاكل أو المصائب أو المحن إلا ما شاء الله، فهذا مصاب بالعلل والأسقام البدنية وهذا مصاب بعقوق الأبناء، وهذا مصاب بسوء خلق زوجته، أو امرأة بسوء خلق زوجها، وذاك مصاب بجيران سوء نغصوا عليه عيشه وتاجر مصاب بكساد تجارته أو تعرضه للخسارة وآخر مهموم بسبب فقره وقلة ذات يده، وآخر يكد ويجتهد ولا يصل إلى مبتغاه، في سلسلة من الآلام والمشاكل التي لا تعد، التي قد تستولي على بعض الناس حتى تراه يمشي وهو يحدث نفسه، لا يأتيه نوم بليل ولا يلين له جنب· الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 إن بُعد الناس عن ربهم سبحانه وتعالى وضعف توحيدهم وتوكلهم عليه سبحانه؛ من أكبر ما يجعلهم في مثل تلك الأحزان والمواجع يقول الله سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه:124 إن القلب إذا فقد ما خلق له من معرفة الله ومحبته وتوحيده والسرور به والابتهاج بحبه والتوكل عليه والرضا به والحب فيه والبغض فيه والموالاة فيه والمعاداة فيه ودوام ذكره متى فقد أن تكون محبة الله ورسوله أحب إليه مما سواه وأرجى له من كل شيء، بل لا نعيم له ولا لذة ولا سرور إلا بذلك، وهذه الأمور للقلب بمنزلة الغذاء للجسد فإذا فقد الجسد غذاءه وصحته فالهموم والأحزان مسارعة إليه من كل صوب· ذنوب ومعاص تجثم على القلب إن الذنوب والمعاصي قد تجتمع على العبد حتى تجعل على قلبه مثل الران فيكون عرضة لأي عارض كما قال سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} المطففين:14، وإن من أكبر ما أوجد عند الناس الهم والحزن تعلقهم بالأسباب المادية الدنيوية ونسيان الأسباب المعنوية، فالرزق بيد الله لا بيد أحد، والعبد مأمور ببذل السبب، والضر والنفع بيد الخالق سبحانه، واعلم أن «مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ» (1) ، فمتى ما ربط الإنسان قضاء حاجته بالمخلوق حتى إذا لم تتحقق تضجر وتحسر هو في الحقيقة لم يعلم أن هذه الأسباب مقدرة بتقدير الله سبحانه قبل أن يخلق الخلق· إن من يتأمل في واقع الناس في هذا الوقت ويرى ما يتعرضون فيه من أمور قد تنغص عليهم حياتهم وما يقابلون ذلك من اللوم والتحسر كله من عدم معرفتهم للعلاج الذي جعله كاشفاً للغم ومزيلاً للهم، لو تمسك به الإنسان فلن يجد الهم والحزن إليه طريقاً·   (1) أبو داود 4077، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وابن ماجة 74، وأحمد 20607 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 التوكل على الله إن التوكل على الله سبحانه وتعالى وربط الأمور به عزَّ وجلَّ من أعظم مزيلات الهموم والغموم، فمن توكل على الله هدأ قلبه من كل ضائقة ولم يتحسر على شيء فاته، يقول سبحانه: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} التغابن:11، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق:3، ويقول صلى الله عليه وسلم: «واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً» (1) لزوم الاستغفار   (1) البيهقي في شعب الإيمان 1089، 9644، 9645، وكذا رواه أحمد 2666، السنة لابن أبي عاصم 315، وصححه الألباني في ظلال الجنة، والطبراني في الكبير 11080، والحاكم 6365، ومسند عبد بن حميد 638، وأبو نعيم في الحلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي والإكثار من العبادات ودوام الاستغفار مما يبعد الإنسان من منغصات الحياة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاة» (1) ، {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} البقرة:45، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} نوح: 12. إن من أعظم ما يزيل عن المهموم همه وعن المحزون حزنه الاعتبار بقصص الأنبياء والمرسلين فهم مع أنهم أنبياء الله ورسله لم تكن حياتهم خالية من النكبات والمصائب، فقد أصابهم من الأمور الجالبة للهموم الشيء الكثير، لكن لتمسكهم بربهم واتصالهم به وشدة توكلهم عليه لم تؤثِّر فيهم هذه المصائب شيئاً، فمنهم من عقَّه ابنه ومنهم من عصته زوجته ومنهم من آذاه أبوه وقومه ومنهم من ابتلي بالأمراض   (1) أبو داود 4334، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وأحمد 22072 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 ومنهم من طرد ولكنهم صبروا واحتسبوا ولم يتضجروا، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء} يوسف:110، فكيف بالإنسان وهو شخص عادي؟!! دعوات المكروب إن المؤمن الحق متى ما استشعر ما ينتظره من جزاء صبره على المحن والشدائد هانت عليه محنه وشدائده، ولقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن في هذه الدنيا بأسهل شيء وهي الشوكة يشاكها العبد بأن الله يكفِّر بها عنه من الخطايا· إن المؤمن إذا اشتدت به الهموم وضاق عليه أمره فعليه باللجوء إلى الله تعالى وسؤاله تفريج الكروب وكشف الهموم والغموم، فلقد «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 أَسْتَغِيثُ» (1) ، وعن أنس أنه قال: «كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (2) إن الكروب إذا تناهت فقد آذنت بالانفراج، وإن العسر إذا اشتد فقد قرب اليسر، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، وتأملوا قول الله سبحانه: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} التوبة:118   (1) الترمذي 3446 وقال غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2) البخاري 2679، 5005، 5886، والنسائي 5358 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 الأصدقاء إن كان هناك من علاج في تخفيف ما يصيب المرء من نكد الحياة وعسر الأمور وتقلب الدهر فإنه الإفضاء على صاحب صادق يحزن لحزنك ويفرح لفرحك، الصاحب الذي يحفظك إذا غبت ويقويك إذا ضعفت، وليس عيباً أن ينتقي الإنسان له صاحباً، فقد قال الله عن موسى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} طه:25-35، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يزور أبا بكر الصديق في مكة في اليوم أكثر من مرة يبث إليه همه ويشكو إليه غمه· الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 ولا بدَّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ # يواسيك أو يسليك أو يتوجّع (1)   (1) الأبيات لابن نباته المصري - الطويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 كيف تحصل السعادة (1) إننا كثيراً ما نسمع ممن حولنا سواء كان من أقاربنا أو أصدقائنا من يقول أحس بضيق في صدري، وأحس بالملل والهم فتجده يحاول أن يبحث عن حل لهذه المشكلة وكثيراً ما يخطئ الباحث عن الحل لماذا؟! لأن الحلول عادة تكون مرتبطة بدنياه التي يعيشها فيظن أنه إذا ملك المال والسيارة والمنزل الفخم؛ أصبح سعيداً!! مع أن السعادة لا تحصل بهذه الأمور؛ إنما تحصل بطاعة الله تعالى· القناعة ولست أرى السعادة جمع مال # ولكن التقي هو السعيد وتقوى الله خير الزّاد ذخراً # وعند الله للأتقى مزيدُ (2)   (1) قاسم بن صديق الطوهري عضو هيئة التحقيق والادعاء العام إمام مسجد محمد الراجحي بالرياض (2) الأبيات للحطيئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه:124، فإذا أردنا أن نعالج هذه الظاهرة فلا بد من أمور، أقتصر على بعض منها: 1- الإيمان بالله والعمل الصالح: قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة} النساء:124 2- الإكثار من ذكر الله تعالى قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد:28 3- تذكر الموت وقصر الأمل؛ لأن من كان همه الآخرة نسي الدنيا ولم يلتفت إليها· 4- القناعة، فمن رزق القناعة، رزق السعادة، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ» (1) ، وجاء في حديث آخر: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (2) .   (1) مسلم 5264، والترمذي 2437 وصححه، وابن ماجه 4132. (2) الترمذي 2268 وقال حسن غريب، وابن ماجه 4131، وحسنه الألباني - الصحيحة 2318 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 السعادة في ثلاث (1) الحياة السعيدة مطلب كل إنسان، لها يسعى ومن أجلها يكد ويقرع الأبواب ويسلك الأسباب ويستهين بالصعاب· ولا تزال السعادة للإنسان وإن طال عمره ودنا أجله أعز مطلوب وأغلى مرغوب، تستشرفه النفوس مهما شاخت، والإنسان حارث ساعٍ بطبعه في تحصيل منافعه، كثير الهم لما يطلبه أو مما يحاذره· وليس عيباً في الإنسان أن يطلب السعاة أو يحرص على أسبابها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ   (1) الدعوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (1) وإنما العيب أن يحرص الإنسان على ما يضره لجهله وسوء ظنه وتقديره، معتقدًا أن فيما يسعى إليه السعادة والحق أن ما سعى إليه وحرص عليه هو عين الشقاء وإن تضمن متعاً عاجلة، فيكون كمن يطلب الشفاء في مخدر يظن أن فيه دواءه، وأكثر الناس هذه حاله يطلب السعادة ولكن لا يعرف أي طريق يسلك ولا أي باب يقرع ويقف إما حائراً أو يخبط خبط عشواء حتى يأتي اليوم الذي يقول فيه: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} المؤمنون: 106 إن من الناس من يطلب السعادة في المال، ومنهم من يطلبها في الجاه والسلطان، ومنهم من يراها في شهوات البطن والفرج، ومنهم من   (1) مسلم 4816، وابن ماجه 79، 4158 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 يظنها في السياحة والأسفار، وإن كل ذلك إلاّ متاع الحياة الدنيا، قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران: 14 ولما تباين سعي الناس وراء السعادة لزم أن نسأل سؤالاً مهماً، وهو كيف يعرف العبد أنه حصل على السعادة، وما هي العلامات والأمارات التي تميز السعيد من الشقي؟ لأن كثيراً من الناس يجهد وينصب ويظن أنه في الطريق الصحيح ثم يخيب آخر الأمر ظنه، فبعد الجهد والتعب والنصب كثير ممن طلب السعادة في تلك المسالك بلسان الحال أو المقال الفشل في الوصول إلى السعادة وأيقنوا أن تلك المتع الوقتية وإن أسعدت حينا فكثيراً ما كانت عقباها إلى الندم، أو كانت كلفتها من جيوش الهم والنصب التي لا يقوم لها ما قدمته لهم، والسبب أنهم ما ضبطوها بما يكفل لهم السعادة الحقيقية· الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وإذا أردت أن تعلم علامات السير الصحيح في طريق السعداء فتأمل قول الإمام ابن القيم رحمه الله يقول (1) : (من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته وكلما، زيد في عمره نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم، وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه، وكلما زيد في عمره زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه، وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشفى بها أقوام) · فجماع ما ذكره الإمام أن السعيد هو الذي كلما زيد نعماً أحدثت تلكم النعم عملاً قلبياً تنبعث عنه الجوارح بعمل ظاهر·   (1) الفوائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وقال ابن القيم رحمه الله أيضا (1) : (إذا أنعم عليه شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر فإن هذه الأمور الثلاثة عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه ولا ينفك عبد عنها أبدا فإن العبد دائم التقلب بين هذه الأطباق الثلاث) وهذا الذي ذكره ابن القيم يشمل من زيد في النعم ومن انتقص منها فالسعيد الشاكر عند الزيادة، والصابر عند ذهابها، المستخدم لها فيما يرضي الله وذلك من الشكر، المقلع عن استخدام النعم في معصيته، الأواب التائب من سائر الذنوب التي لا يحبها الله تعالى ولا يرضاها وإن أحدثت متعة وقتية أو لذة فانية· وقال أيضاً (2) : (محبة العلم من علامات السعادة، وبغض العلم من علامات الشقاوة، وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي   (1) الوابل الصيب ص11 (2) مفتاح دار السعادة 1/261 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 جاؤوا به وورثوه للأمة لا في كل ما يسمى علماً، وأيضاً فإن محبة العلم تحمل على تعلمه واتباعه وذلك هو الدين، وبغضه ينهى عن تعلمه واتباعه) · فعلى الجميع بعد أن بُينت أمارات السعادة بياناً شافياً بما خط هذا العالم الجليل أن يقف وقفة صادقة مع النفس ويتأمل هل يسير في طريق صحيح يكفل له السعادة أم أن ما يرآه سراب يحسبه الظمآن ماء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 لا تحزن أيها المبتلى! (1) أخي أيها المبتلى! اسمح لي أن أذكرك عسى أن تطيب نفسك بهذه الذكرى، ولن أقول لك شيئاً أنت تجهله بل هو معلوم لديك، وليس بخافٍ عليك. أخي مهما تعاظم معك الداء فإن مآله إلى زوال، ومهما اشتد سواد الليل؛ {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ} ؟! هود:81 بلى؛ وربي إنه لقريب! أي أخي: ولرب نازلة يضيق بها الفتى # ذرعاً وعند الله منها المخرج كملت فلما استحكمت حلقاتها # فرجت وكان أظنها لا تفرج (2)   (1) المنبر الإسلامي (2) الأبيات لإبراهيم بن العباس الصولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وانظر ـ رحمك الله ـ فيمن حولك من الناس ستجد فيهم من هو أعظم بلاءً مما أنت فيه، وانظر وقلِّبْ نظرك فسترى، وسترى ما لا يقوم له بصرك من أدواء الناس، وبلاياهم. فإن لم تجد في نفسك من الإيمان الباعث على الصبر والاحتساب ـ وظني بك أنك نعم المؤمن الصابر المحتسب إن شاء الله ـ ما يهوِّن عليك مصيبتك؛ فاجعل أدواء الناس لك دواءً. أنزل أدواء الناس، وبلاياهم، ومصائبهم، وأمراضهم على بليتك، ومصيبتك، ومرضك؛ يخف ويهون وقد يتلاشى ويزول ـ إن شاء الله ـ فمن نظر إلى مصيبة غيره تَهَاوَنَ مصيبته، واقرأ في كتب الغابرين تجد مصائب الناس مسطورة، وفي التاريخ مزبورة. واقرأ القرآن، اقرأ خير كتاب في ذلك، سيحدثك عن أمراض عباد الله الصالحين، وعن محن المقربين، وشكاوى العابدين. فذا أيوب؛ كم عانى من المرض؟ ولله صبره ما أجمله! أي قلب عامر بالإيمان يحمل بين جنبيه! لا تقل لي: قلب نبي؛ فأقول لك: نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 نبي ولكنه بشر يَأْلَمُ كما تَأْلَم، ويحس كما تحس، ويحزن، ويغتم، ويصيبه ويعرض له من الأدواء، والأرزاء ما يعرض للآخَرين، بل هو في ذلك أشد بلاءً، وأعظم امتحاناً من غيره. وهذا يونس عليه السلام ويالها من شدة، وكربة، وجد نفسه فيها! لم يجد بشر نفسه فيها قبله، حيث حبسه الله في بطن الحوت، فأسقمه البلاء، قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيْمٌ} الصافات:145، نعم أسقمه السجن، وأمرضه، حتى عاد جسمه رخواً ليِّناً لا يقوى حتى على القيام، من الذي ما ساء قط، وما خص الرجال بالبلاء دون النساء؛ فللنساء من البلاء نصيب أيضاً. فهذه مريم العذراء البتول رميت عن قوس الإفك بسهام الريبة، وتهمة الزنا؛ وهي الصبية العذراء العفيفة، الضعيفة التي لا تملك حيلة، ولا تستطيع سبيلاً، حتى تمنت الموت على الحياة ولم يكن هذا الذي كان، وهي المؤمنة التي تعلم أنه اختيار الله، وقدره، ومشيئته، فقالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيَاً مَّنْسِيّاً} مريم:23 والنسي المنسي هو اللبن الذي ترك حتى تغير طعمه ومذاقه، تتمنى أن لو كانت لبناً ترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وأهمل على هذا البلاء الذي اصطفاها الله له، ومع هذه الحسرات، وما يظهر في كلامها وشكواها من ضعف وعجز، إلا أنها صبرت لهذا الأمر، وقامت به فماذا كان؟ وما قيل لها؟ وكيف كانت عاقبة أمرها؟ قال تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي} مريم:24، وكم كانت بحاجة إلى أن يقال لها: {لَا تَحْزَنِي} فقد كانت حقاً حزينة، ولا شك أن البلاء يُحْزن، فكم من مريض أحزنه المرض؛ بحاجة أن يقال له: (لَا تَحْزَنْ) ، ودواؤه أن له: (لَا تَحْزَنْ) ، وكم من حزين بسبب مصيبة أو كربة، أو شدة؛ ولذلك عندما اشتد الطلب من قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه عند الهجرة، حتى كاد أن يدركهم الطلب، فقام بعض كفار قريش على باب الغار، وأخذ أبو بكر ينظر أقدامهم وهم لا يرونه فحزن رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلسان الواثق بربه، ووعده، ونصره وتأييده: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} التوبة:40، فنزلت بعدُ السكينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 والحزن في أمر كهذا طبيعة بشرية! فالنفوس السوية تحزن، وكيف لا؟ وهذا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحزن لموت عمه أبي طالب، ويحزن لموت خديجة حتى سمي ذلك العام بعام الحزن. ويحزن أيضاً صلى الله عليه وعلى آله وسلم لموت ابنه إبراهيم فيقول «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (1) . فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تدمع عينه، ويحزن قلبه وهو من هو في منزلته؛ فكيف إذا كانت امرأة، وشابة عذراء، وليس هذا فقط بل وتنسب إلى بيت صلاح ودين وأرومة، بل وكانت عاكفة، عابدة اشتهرت بالصلاح، والخير والدين؛ ثم تأتي بولد ولا يعرف لها نكاح! أفلا يحزن قلبها؟ أفلا تدمع عيناها؟ بلى يحزن! بلى تدمع! أفلا تقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيَاً مَّنْسِيّاً} مريم:23 فهذا جِبِلَّةٌ،   (1) البخاري 1220، ومسلم 4279، وأبو داود 2719 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وفطرة، ولكن لا ينبغي الاستسلام للحزن، وإذكاء الهم بهم آخر بل الواجب هو القيام، فعلى المرء أن يستمدَّ من الله العون. قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} مريم:24، سرياً: أي: جدولاً جارياً. {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطَ عَلَيْكِ رُطَبَاً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُوِلِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِياً} مريم:25-26. فكم كانت مريم بحاجة إلى هذا المدد؛ وأن تسمع مثل هذه الكلمات لتشد وتربط على قلبها؛ وتعلم أن الله معها، وأنه ليس بتاركها، فتنزلت عليها السكينة، وغشيتها الرحمة، وكفاها الله ما أهمها. وذاك إبراهيم عليه السلام ولا يخفى عليك ما كان من أمره وهو الفتى الصغير الضعيف الذي لا حول له ولا قوة مع قومه، وكيف رمي في النار؟ وكيف أنجاه الله؟ ولو أَخَذْتُ أَقُصُّ عليك من القرآن في هذا الباب لصار اللبن الحليب كالقَار والقَطِرَان من هول البلاء، وعِظَمِ الداء، ولو قَلَّبْتَ صفحات القرآن فستجد في الذكر الحكيم ما يهون عليك مصيبتك، ويكون لك بلسماً وشفاءً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 نعم أخي؛ ودعني أقص عليك من واقع الناس الذي عايشته ما قد يكون لجراحك بَلْسَماً، ولحزنك مُذْهِباً: هذه امرأة طريحة الفراش ظلت خمس سنوات ـ ولا زالت ـ طريحة الفراش لا تتحرك.. لا شيء فيها يتحرك سوى الرأس والعينين فقد عطل المرض كل عضو فيها فلا حراك اليوم. جسد هَدَّهُ المرض، وأفناه الداء، تهاوى تحت شدته، وسقط تحت سطوته فجعله حطاماً لا يرجى صلاحه، أو ينتظر برؤه. لو أبصرتها أبصرت هشيم المُحْتَضَر، ولو رأيتها رأيت الحزن أمامك ماثلاً: (فَمَنْظَرُ الْحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَا) ، بقايا نفس كانت بشراً! لا تملك حتى أن تَئِنَّ، وبعض الأنين رحمة! حتى اللسان أبكمه المرض، وأخرسه البلاء، فلا تسمع إلا همهمة كهمهمة الخرس البكم الذين لا يتكلمون. يقول لي زوجها: أنا أقوم على خدمتها أغسلها، وأنظفها ولا أسمح لأحد أن يقوم بهذا عني، زوجتي منذ خمسة وعشرين عاماً، ليس لدينا أولاد، مرضت قبل خمس سنوات، والحمد لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 بالله عليك كيف ترى نفس هذه المرأة؟ أي نفس نفسها؟ لها عينان تبصران، وعقل يعي، ونفس تتمنى وترجو كيف تراها من الداخل وهي ترى الأصحاء، المعافين في أبدانهم، كيف يقومون؟ وكيف يتحركون؟ وهي طريحة الفراش، لا تقوى أن تحرك في بدنها ذرة. ألن يوسوس لها شيطانها بسوء حظها العاثر؟ ! ألن تندب نفسها؟ أليست هذه حياة؟ بلى حياة؛ ولكنها مريرة؟ فأي حياة هذه؟ ألن تذمها بقول الشاعر: يا موت زُرْ إن الحياة مريرة # يا نفس ويحك إن حظك عاثر (1)   (1) البيت لأبي العلاء المعري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 أم كيف هو الزوج الذي يحمل أعباء امرأة ليست بالطفل الصغير! وأنا أعجب والله منه في شيئين: في صبره على خدمة زوجه! وفي وفائه لها! وهذه طفلة صغيرة..، تشكو تضخم الرأس، عندما أبصرت رأسها هالني منظره، واستعظمت ضخامته، وحجمه، رأس ضخم لا كالرؤوس، لو وضع على أضخم جثة بشرية لاستضخمه الناس؛ فكيف وهو على جثة صغيرة لا يتجاوز عمرها السنوات، والبنت طريحة الفراش مذ ولدت ورأسها يزداد كل يوم ضخامة إلى اليوم الذي رأيتها فيه، ولا يجدون لها دواءً، عجز الطبيب بطبه، وماذا صنع الدواء؟ لا شيء لم يستطع حتى أن يوقف تضخم الرأس! والرأس كل يوم في زيادة. ظنوا دائها مساً! وليس بمس. ظنوه سحراً! وما هو بسحر ظنوه عيناً! وليس بعين. فماذا يكون إذن؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 هذا علمه إلى الله. والصغيرة طريحة الفراش، لا أحد يضمها، أو يشمها، ولا أحد يحملها أو يحركها، ـ ونفس صغيرة كهذه تحتاج شيئاً كهذا كحاجتها إلى الطعام والشراب ـ ومن ذا سيحملها؟! لا أحد يقوى، فرأسها سيكسر رقبتها ويدقها إن حُرِّكتْ، أو حملت. بالله عليك يا أخي؛ أيُّ نفس معذبة باكية بين جنبي هذا الصغيرة؟ وأي قلب حزين قلب أمها؟ تصور بالله عليك حاول وقولي:كيف ستدخل الراحة نفسها؟ أم كيف تسكن الطمأنينة قلبها، وطفلتها الصغيرة هذا حالها؟ وأنت تعرف قلب الأم الرؤوف الرحيم، الودود الحنون. فإن كنت يا أخي تملك عيناً تبكي بها على ما أصابك ففي دنيا الناس من لا عين له يبكي بها، فَكَفْكِفْ دُمُوعَكَ. أي أخي! إن بالناس من المصائب ما ليس بك، فأنزل مصائبهم على مصيبتك تهون! وأنزل على ما تشتكي ما يشتكون! كم في هذه الدنيا من النفوس المعذبة؟ كم وكم؟؟ فمن لها؟ من للعيون الباكية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 فاصبر أي أخي؛ صبر الكريم؛ فإن الله أرحم بك من نفسك التي بين جنبيك، واعلم أنك لن تزداد بالصبر عند الله إلا رفعة، وإيماناً، وديناً، ومنزلة. واعلم أيضاً أن الله يصلي على الصابرين المسترجعين من أهل البلاء ولهم رحماته، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة:156-157 أي أخي! قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت # ويبتلي اللهُ بعضَ القومِ بالنعم فلعل بلاءك نعمة وإن كان عظيماً # فحسبك الله في كل لك الله لما أدخل إبراهيم التيمي سجن الحجاج رأى قوما مقرنين في سلاسل، إذا قاموا قاموا معا، وإذا قعدوا قعدوا معا، فقال: يا أهل بلاء الله في نعمته، ويا أهل نعمة الله في بلائه، إن الله عز وجل قد رآكم أهلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 ليبتليكم، فأروه أهلا للصبر، فقالوا: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا ممن يتوقع من البلاء مثل ما أنتم عليه، فقال أهل السجن: ما نحب أنا خرجنا (1) وأنا أقول لك ـ يا أخي ـ يا ذا بلاء الله في نعمته، ويا ذا نعمة الله في بلائه، إن الله رآك أهلاً ليبتليك فَأَرِه أهلاً للصبر. قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} لقمان:17. واحتسب ـ أي أخي ـ عند الله مصيبتك، وقل: يا نفس صبراً لعل الجنة على هذا البلاء عقباك. (2)   (1) ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة 56 (2) من مقدمة مواساة العليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 للبلايا نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل فلابد للمبتلي من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء (1) للبلاء نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل، فلا بد للمبتلى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء، فإن تقلقل قبل الوقت، لم ينفع التقلقل، كما أن المادة إذا انحدرت إلى عضو، فإنها لن ترجع، فلا بد من الصبر إلى حين البطالة. فاستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع؛ فالواجب الصبر، وإن كان الدعاء مشروعًا، ولا ينفع إلا به، إلا أنه لا ينبغي للداعي أن يستعجل، بل يتعبد بالصبر والدعاء، والتسليم إلى الحكيم، ويقطع المواد التي كانت سببًا للبلاء، فإن غالب البلاء أن يكون عقوبة. فأما المستعجل، فمزاحم للمدبر، وليس هذا مقام العبودية؛ وإنما المقام الأعلى هو الرضا، والصبر هو اللازم، والتلاجي بكثرة الدعاء نعم المعتمدة،   (1) صيد الخاطر - لابن الجوزي ص 170 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 والاعتراض حرام، والاستعجال مزاحمة للتدبير، فافهم هذه الأشياء، فإنها تهون البلاء) .اهـ العافية والشكر (1) عن عمر بن السكن: كنت عند سفيان بن عيينة، فقام إليه رجل من أهل بغداد فقال: يا أبا محمد، أخبرني عن قول مطرف: لان أعافي فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر، أهو أحب إليك أم قول أخيه أبي العلاء: اللهم رضيت لنفسي ما رضيت لي؟ قال: فسكت عنه سكتة ثم قال: قول مطرف أحب إلي، فقال الرجل: كيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضيه الله له؟ فقال سفيان: إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان - عليه السلام - مع العافية التي كان فيها: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص:30، ووجدت صفة أيوب - عليه السلام - مع البلاء الذي كان فيه: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص:44، فاستوت الصفتان وهذا معافى   (1) تهذيب الكمال - ترجمة سفيان بن عيينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وهذا مبتلى، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر، فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر. أسباب تأخر الشفاء (1) قد تبتلى بالسحر؛ فتدعو اللَّه، فيصرفه عنك، وقد لا؛ فتعالجه بالقرآن؛ فيصرفه اللَّه عنك، وقد لا؛ فتسعى في استخراجه من بطنك، أو من بطن الأرض سيَّان، وتهدى إليه فتنفث عليه؛ وينتهي كيد صانعيه. وقد لا تهدى إليه، ولا ينتهي كيد صانعيه، وتبقى عمرك متورطاً فيه! وهذا لأسباب ثلاثة فيما أعلم:   (1) الجنة من الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 1 - أنه لكثرة ذنوب، وإسراف حُوْب؛ فهو عقوبة، فانتبه، واستيقظ، وأعلن التوبة. 2 - أو أنت عند اللَّه محبوب، فهو مثوبة! أقصد ما يؤول إليه أمرك عند اللَّه بعد صبرك؛ أنه الثواب، والجزاء الحسن، فإن اللَّه يريد أن يرفعك به الدرجات في الجنات. 3 - أنه عقوبة، تؤول إن شاء اللَّه إلى مثوبة؛ وذلك أنك على خير، وطاعة ولكن لك بقايا سيئات اللَّه يعلمها، فأراد أن يعاقبك بها في الدنيا ويطهرك، وينقيك منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. قال تعالى: {لَيسَ بِأَمِانِيِّكُم وَلآ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 الجزاء من جنس العمل (1) لا ينبغي للمؤمن أن ينزعج من مرض أو نزول موت، وإن كان الطبع لا يملك، إلا أنه ينبغي له التصبر مهما أمكن: ما لطلب الأجر بما يعاني، أو لبيان أثر الرضا بالقضاء، وما هي إلا لحظات ثم تنقضي. وليتفكر المعافى من المرض في الساعات التي كان يقلق فيها: أين هي في زمان العافية؟! ذهب البلاء، وحصل الثواب، كما تذهب حلاوة اللذات المحرمة، ويبقى الوزر، ويمضي زمان التسخط بالأقدار، ويبقى العتاب. وهل الموت إلا آلام تزيد، فتعجز النفس عن حملها، فتذهب؟! فليتصور المريض وجود الراحة بعد رحيل النفس، وقد هان ما يلقى، كما يتصور العافية بعد شرب الشربة المرة. ولا ينبغي أن يقع جزع بذكر البلى، فإن ذلك شأن المركب، أما الراكب، ففي الجنة أو النار، وإنما ينبغي أن يقع الاهتمام الكلي بما يزيد في   (1) صيد الخاطر لابن الجوزي ص 289 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 درجات الفضائل، قبل نزول المعوق عنها، فالسعيد من وفق لاغتنام العافية، ثم يختار تحصيل الأفضل فالأفضل في زمن الاغتنام. وليعلم أن زيادة المنازل في الجنة على قدر التزيد من الفضائل هاهنا، والعمر قصير، والفضائل كثيرة، فليبالغ في البدار، فيا طول راحة التعب! ويا فرحة المغموم! ويا سرور المحزون! ومتى تخايل دوام اللذة في الجنة من غير منغص ولا قاطع، هان عليه كل بلاء وشدة. ا. هـ اذهب فأنا معك (1) قيل: قال الصبر: يا رب خلقت من كل شيء زوجين اثنين وخلقتني وحيداً! ... قال الله له: اذهب فأنا معك.   (1) أبو عبيد العمروني: خاطرة إيمانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 فيا قليل الصبر، يا رضيع الجزع؛ أهانت معية الله للصابرين عليك؟! رضيت الجزع قريناً فبئس القرين، امتحنك الله بما لا تعجز عنه حملاً فلم يجد لك عزماً. يا فقير الصبر استغن بمعية الله للصابرين عن غنى الجزع للمفلسين فإن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} البقرة:153، والأنفال:46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 درة غالية: ابتعد عن كل ما يحزنك، واحرص على ما يسرك! (1) قال الشيخ العلامة ابن عثيمين (2) كل ما يُحْدِث الندم فإنّ الشرع يأمرنا بالابتعاد عنه، ولهذا أيضا أصول منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} المجادلة:10، والله تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنب هذا الشيء، ليس مجرد إخبار أن الشيطان يريد إحزاننا، لا؛ المراد: أن نبتعد عن كل ما يحزن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» (3) ؛ فكل ما يجلب الحزن للإنسان فهو منهي عنه، ثانيا:   (1) المنبر الإسلامي (2) شرح بلوغ المرام - كتاب البيوع. (3) الترمذي وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ 2751، وصححه الألباني في صحيح الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من رأى رؤيا يكرهها أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وينقلب إلى جنبه الثاني، ولا يخبر بها أحدا، ويتوضأ ويصلي، كل هذا من أجل أن يطرد الإنسان عنه هذه الهموم التي تأتي بها هذه الأمراض، ولهذا قال الصحابة: (لقد كنا نرى الرؤيا فنمرض منها، فلما حدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث؛ يعني: استراحوا، ولم يبق لهم هم) ، فكل شيء يجلب الهم والحزن والغم فإن الشارع يريد منا أن نتجنبه، ولهذا قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة:171، لأن الجدال يجعل الفرد يحتمي ويتغير فِكْرُهُ من أجل المجادلة، سيحصل له هم ويلهيه عن العبادة. المهم اجعل هذه نصب عينيك دائما؛ أي: أن الله عز وجل يريد منك أن تكون دائما مسرورا بعيدا عن الحزن، والإنسان في الحقيقة له ثلاث حالات: حالة ماضية، وحالة حاضرة، وحالة مستقبلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 الماضية: يتناساها الإنسان وما فيها من الهموم؛ لأنها انتهت بما هي عليه إن كانت مصيبة فقل: «اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا» (1) ، وتناسى، ولهذا نهى عن النياحة، لماذا؟ لأنها تجدد الأحزان وتذكر بها. المستقبلة: علمها عند الله عز وجل، اعتمد على الله، وإذا جاءتك الأمور فاضرب لها الحل، لكن الشيء الذي أمرك الشارع بالاستعداد له فاستعد له.   (1) روى مسلم في صحيحه 1525: «أنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} البقرة:156 اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 والحال الحاضرة هي: التي بإمكانك معالجتها، حاول أن تبتعد عن كل شيء يجلب الهم والحزن والغم، لتكون دائما مستريحا منشرح الصدر، مقبلا على الله وعلى عبادته وعلى شؤونك الدنيوية والأخروية، فإذا جربت هذا استرحت؛ أما إن أتعبت نفسك مما مضى، أو بالاهتمام بالمستقبل على وجه لم يأذن به الشرع، فاعلم أنك ستتعب ويفوتك خير كثير. وأخيراً أيها الزوج..ننصحك بقراءة كتاب النكاح من كتاب صحيح البخاري، فهو مفيد نافع إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506