الكتاب: تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع المؤلف: محمد عمرو بن عبد اللطيف بن محمد بن عبد القادر بن رضوان بن سليمان بن مفتاح بن شاهين الشنقيطي (المتوفى: 1429هـ) الناشر: مكتب التوعية الإسلامية   لإحياء التراث العربي - الجيزة، مصر الطبعة: الأولى 1410 هـ، 1989 م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع محمد عمرو بن عبد اللطيف الكتاب: تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع المؤلف: محمد عمرو بن عبد اللطيف بن محمد بن عبد القادر بن رضوان بن سليمان بن مفتاح بن شاهين الشنقيطي (المتوفى: 1429هـ) الناشر: مكتب التوعية الإسلامية   لإحياء التراث العربي - الجيزة، مصر الطبعة: الأولى 1410 هـ، 1989 م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع]ـ المؤلف: محمد عمرو بن عبد اللطيف الناشر: مكتب التوعية الإسلامية لإحياء التراث العربي - الجيزة، مصر الطبعة: الأولى 1410 هـ، 1989 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع كتبه محمد عمرو عبد اللطيف القسم الأول من 1: 25 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئا أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً. واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيباً) . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) . أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فإني أثناء البحث عن مادة جديدة للأقسام التالية من كتابي: ((تبييض الصحيفة)) ، والتقليب في ((حلية الأولياء)) للحافظ أبي نعيم رحمه الله، وفي كتب أخرى، كنت أجد روايات موقوفة لكثير من الأحاديث التي أعلم عدم صحتها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأسر بذلك، وأقيد مواضعها عندي، ولكن عند مراجعة أسانيد بعضها يتبين لي عدم ثبوت وقفها أيضاً، فتفسد عليّ وأغتم! ويشاء الرحمن الرحيم تعالى أن ينجيني من الغم، ويهديني إلى التفكير في عمل آخر يكون صنواً لـ: ((التبييض)) ، مع افتراقه عنه في التعريف بالأحاديث التي لا صحة لها،، لا عن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا عمن رويت عنه موقوفة عليه من الصحابة والتابعين فمن بعدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 فشرعت في هذا الأمر ـ مستعيناً بالله ـ حتى تجمع لي قدر من الأحاديث، فيها المشهور وغيره، يمكن انتخاب خمسين منها لإخراجه في القسم الأول من الكتاب. ثم تراجعت عن هذا القدر كله خوفاً وطمعاً وإشفاقاً، خوفاً من مغبة التسرع بتضعيف آثار تتبين صحتها بعد ذلك، وفي ذلك حرج لا يخفى، فإنه: ((من كثر كلامه كثر خطؤه)) كما في بعض الآثار! وذلك يوجب عليّ عمل استدراكات وتعقبات على ذلك. وطمعاً في سرعة الإنجاز، توطئة لطباعة هذا القسم قبل أن يتسرب إلى النفس شئ من الضجر والملل ـ مما لا ينفك عنه أحد ـ، وقد يؤدي أيضاً إلى التوقف عن الفكرة أو إرجائها. وإشفاقاً على أخي الحبيب، الصابر بالله ـ كما لقبه أحد أفاضل علمائنا المعاصرين ـ حفظه لنا الله ـ وهو القائم على نشر كتاباتي، فإنني لم أعرف في الناشرين الذين تعاملت معهم عن كثب أصدق منه ولا أحرص على إخراج العلم الصحيح النافع للمسلمين ولا يزال ـ ثبته الله ـ صابراً على تسويقي في إنجاز بعض مصالحه ومصالح المسلمين، فاللهم زده صبراً، وسخره لإخراج ما ينفع الكافة. آمين. ومقصودي بالإشفاق عليه، ألا يعظم حجم الكتاب، بما يترتب عليه زيادة في تكاليف القيام على نشره. لذلك كله، رأيت الاقتصار على خمسة وعشرين حديثاً فحسب ـ كنظام ((البدائل المستحسنة)) ـ بحيث يبلغ حجم القسم منه ما يقارب حجم خمسين حديثاً من صنوة المتقدم ذكره. مع الرغبة في إعداد فهارس للرجال الذين تعرضت لهم بالقدح أثناء تخريج كل حديث أورده، وكذلك ما ورد في ثنايا الكتاب من أحاديث صحيحة استدللت بها، إلى جانب الفهرس الموضوعي بإذن الله. وسميته ـ بعد تردد ـ: ((تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع)) . وكان أحب إلى نفسي أن يكون اسمه بعيداً عن الإطراء والتزكية ـ حتى لا أكون أقرب إلى السلامة ـ، فكنت اخترت له اسمين آخرين، أحدهما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ((إعلام الثقف بما لم يثبت بع رفع ولا وقف)) ، والثقف ـ بتسكين القاف وكسرها ـ: ((الحاذق الفطن النابه. والآخر: ((الشفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع)) . لكني وجدت ـ بعد استشارة أحد الأحباب ـ أن الأسمين يكتنفهما شئ من الغموض لا سيما الأول، فإن الشائع على ألسنة الناس في هذا العصر ألفاظ: ((المثقف)) و ((الثقافة)) و ((التثقيف)) مع غياب المعنى اللغوي الدقيق لها عن الكثيرين، والذي استفدناه من ((لسان العرب)) لابن منظور رحمه الله. ولفظة: ((الشفع)) أيضاً قد يخفى معناها على كثير من الناس، ومن فهمها قد لا يدرك مقصودي منها. ومن الملاحظ أنني قد تطرقت في هذا الكتاب ـ خاصة ـ إلى أمور ليس لها صلة مباشرة بالتخريج، كالحط على أدعياء التحقيق ـ ممن هم عنه بمنأى عدالة وضبطاً! ـ وإبداء الحرف والتخويف من الاغترار بالألقاب والتحصيل العلمي، ومن استمراء التردي في آفات القلوب كالعجب والرياء والسمعة والدعوى في العلم، وحب الرياسة والمشيخة نجانا الله بفضله ومنه وكرمه منها، وأعاننا على أنفسنا بالصد عنها، ولعل هذا الاتجاه مني ـ بما يتضمن التذكير لنفسي قبل الآخرين ـ، ناتج عما يراه المرء ويسمعه ويقرؤه ويبلغه لدى احتكاكه بساحة الواقع العلمي للمسلمين من مصر وغيرها، من باب القول المشهور المنسوب لأبي الدرداء رضي الله عنه: ((وجدت الناس: اخبر تقله)) . فهذا يقطع عنق أخيه ـ الناشئ في طلب العلم ـ بقوله عنه: ((ما رأيت مثله، وما رأى مثل نفسه)) كأنه ابن تيمية آخر! وآخر يجاهر، أو يفاخر، والله أعلم ـ وهو يطالبني برؤية إجازة شيخي رحمه الله إلى الإمام النووي رحمه الله ـ بأن ستة ـ فقط ـ من شيوخه بالإجازة مبتدعون، ويذكر كلاماً فيه أن الشيخ الفلاني قد أجازه رواية جمسع مصنفات ابن أبي الدنيا، يقولها ضاحكاً متعجباً. وثالث فتان، بدلاً من أن يقول للآباء الذين يلاحقون بناتهم، بل منهم من جرى وراءهن بالسكاكين كما حدثني الثقة المأمون! ـ: ((ارفعوا أيديكم عنهن، أعينوهن على الصون والعفاف)) ، يجلس لى الملأ قائلاً: ((خروجاً من الخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 في مسألة الحجاب والنقاب، نأذن للمرأة أن تستر جميع جسدها إلا الوجه والكفين)) ، كما أخبرني أخو الشدة والرخاء عفا الله عنه. ما هذا الفقه المتين، والقريحة الفاذة التي خرجت على الناس بهذا الهذيان؟ ! أفلا يعلم هذا الكائن أن معنى القاعدة الشرعية التي قررها الفقهاء: ((الخروج من الخلاف مستحب ما لم يوقع في خلاف آخر)) أن معنى ذلك الأخذ بأحوط الأقوال التي يتفق الجميع على مشروعيتها. أم هو يقصد أن الأنقياء والنقيات من أهل الصيانة والديانة سوف يرضخون لما قال، وبذلك يذوب الخلاف بين المسلمين في المسألة؟ ! احتمالان، أحلاهما مر، وقديماً قال أحدهم: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم ورابع يقول ـ عقب خطبته في الناس ـ: ((من كان عنده سؤال في كذا وكذا أو استفسار عن صحة حديث، فليذكره)) . مع أن هذا الخطيب نفسه ـ سامحه الله ـ قد حشا خطبته بأحاديث لا يحل ذكرها البتة. بل هو شاهد على نفسه أن أصاب في جميع العلوم خطأ، سوى ((علم الجرح والتعديل)) ، هكذا بالضم والله. فيا عباد الله، رحم الله امرأ عرف قدر نفسه (1) ، فلم يبخسها حقها، ولم يتعد حدوده أيضاً فيرفعها فوق قدرها. فهل آن لهؤلاء أن يكفوا عن الدعاوى العريضة، والمديح المردي، والألقاب الضارة. هل آن لنا أن نراقب القلوب، ونصلح من الألسن، ونتقي الله فنقول قولاً سديداً؟ هل آن لغير المختص في علم من العلوم أن يكف عن تلفيق قواعد وأصول لا سلف له فيها، ولم يحسن فهمها، حتى لا يأتي بالمضحكات المبكيات، قبل العرض على جبار الأرضين والسموات؟ وأن يتوب من دعوى استعداده الإجابة في كل ما يسأل عنه من تفسير أو حكم أو حديث بغير مسوغ؟ وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه ـ   (1) جعله الشيخ محمد الغزالي عفا الله عنه حديثاً نبوياً في جريدة ((الشعب)) ليوم الثلاثاء 30 جمادى الآخر 1409هـ، 7 فبراير 1989م، ولا أعلم له أصلاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو أثر عن عمر بن عبد العزيز لم أتحقق من صحته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 فيما راوه الدارمي وغيره بإسناد صحيح عنه ـ: ((إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتى لمجنون)) : هذا ـ عباد الله ـ فيمن هو أهل، فكيف بمن ليس بأهل؟ ! . إذ لا يستطيع مسلم أن يرد القول بأن: ((النية هي المطية)) ، كما يردد أحد الأحبة دائماً، ولا أن ينفي أن رأس مال كل مسلم من عالم وطالب علم وعابد هو إخلاص العمل لله عز وجل، ومعالجة النية وتصحيحيها على الدوام. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( ... ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحوط من وراءهم (1)) . وثبت أيضاً أن صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((بشر هذه الأمة بالسناء، والدين، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب (2)) . وقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يحترزون من أقوال وأفعال، نعدها نحن في هذه الأيام من التوافه والمحقرات. قيل لأحدهم: أدع الله لنا. قال: لا تحضرني لذلك نية. وكان شيخ الإسلام الأوزاعي رحمه الله ـ على إمامته وجلالته ـ يكره أن يرى معتماً يوم الجمعة وحده مخافة الشهرة، فكان يرسل إلى تلاميذه: الهقل وابن أبي العشرين وعقبة بن علقمة أن اعتموا اليوم فإني أكره أن أعتم. فيا سبحان الله، هلك الذين كانوا يحبون الخمول ويمقتون الشهرة، وكثرت عمائم العجب والخيلاء حتى ظن بعض من أرخى أربع أصابع أنه قد صار بذلك إمام المسلمين ـ وفيهم ـ يا أسفى ـ شباب في مقتبل العمر. وبعد كل ذلك، فلا يظنن ظان أنني أدعى لنفسي الإخلاص أو التجرد أو الرسوخ في العلم أو طهارة القلب من الآفات.   (1) قطعة من حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن زيد بن ثابت، وأحمد وابن ماجة والحاكم عن جبير بن مطعم، وأحمد بن أنس. وبقيت له طرق لا مجال لذكرها هنا. (2) حديث جيد الإسناد، رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم عن أبي، وصححه غير واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 حاشا وكلا، على أنني أسألها الله عز وجل على الدوام، عسى أو يرزقنيها يوماً من الأيام، ويهديني فيمن هدى، فلا يطردني عن بابه، ولا يحرمني من جنابه. (أما) بشأن هذا الكتاب، فينبغي التنبيه على أنني قد أسسته على تضعيف الألفاظ لا المعاني، فما هو كتاب تصحيح مفاهيم، ولا تثبيت معاني، ولا خوض في أصول أو فروع، ولا ذكر بدائل، ولا تقرير معنى صحيح لآية. بل هو لدفع صحة صدور الألفاظ الواردة فيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أحد من السلف. نعم، قد أطرق إلى بعض هذه الأمور إن اقتضى المقام ذلك في بعض الأحيان. فمثلاً، إذا أثبت وضع حديث: ((أفضل الحسنات تكرمة الجلساء)) ، ووهاءه موقوفاً، فلا يلزمني إيراد ما ثبت مرفوعاً في ((أفضل الحسنات)) أو ((الأعمال)) ، أو أحبها إلى الله عز وجل، ولا إيراد ما صح في فضل إكرام الكرء جليسه. وهذا باب لو فتح لم ينغلق أبداً. وإذا ثبت ضعف حديث ما في تعيين: ((اسم الله الأعظم)) ، فلا يلزمني إيراد ما صح في هذا الباب من الأحاديث والآثار، على ألا يفهم مما قررته إهدار أهمية الإلحاح على الله عز وجل بدعوة ذي النون علي السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين) ، بدليل أنني قد أوردت بعض ما صح في فضلها. وإذا حكيت تضعيف حديث: ((من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى، كتب له حسنة مضاعفة ... )) ، فليس مقصدي البتة أن الاستماع إلى القرآن العظيم لا ثواب له، ولا فضل فيه. كيف، وقد جعل الله تعالى جزاءه رحمته التي وسعت كل شئ، (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (1) ، وجعله تعالى مشهوداً تشهده ملائكة الرحمة المتعاقبة في العباد، (وقرآن الفجر. إن قرآن الفجر كان مشهوداً) (2) .   (1) على أن الآية نزلت في القراءة خلف الإمام كما حكى الإمام أحمد رحمه الله الإجماع على ذلك. والأدلة متوافرة على ذلك كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا ... ) الحديث. (2) وأحزنني أنني قد سمعت أحد الأحباب الطيبين يستدل بهذه الآية ـ حسب فهمه، على مشروعية التحلق بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن في جماعة. وهذا فهم غير صحيح، بل ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن التحلق المذكور من الأمور المحدثة. نعم، ثبت ذلك عن بعض تابعي أهل العراق، ولكن الحق أحق أن يتبع، ومجموع الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأبى ذلك في هذا الوقت خاصة، فانظر رسالة ((أخذ الجنة)) (ص52: 57) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 فالمقصد أن القضية قضية تصحيح وتضعيف ألفاظ لا معاني، و ((رحم الله امرءا قال خيراً، أو سكت فسلم)) . هذا، وقد حرصت في هذا الكتاب على الترضي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والترحم على تابعيهم بإحسان ـ في أغلب المواضع ـ، والدعاء لأئمة المسلمين، وتوقيرهم بما يستحقون من الألفاظ الدالة على إمامتهم ومنزلتهم العلمية، مع ترك الإغماض عما يقع في كلام بعضهم على الأحاديث من السهو والخطأ اللذين لا ينفك عنهما بشر، بما يتبين لي أنه الحق والصواب إن شاء الله تعالى، سائلاً إياه أن يصلح النية ويجعله نصحاً لوجهه، مجرداً من شهوة النفس وحظ الشيطان. إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة جدير. وكتبه: محمد عمرو بن عبد اللطيف بن محمد. ثم الفراغ منها صبيحة يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من رجب 1409هـ.، والسابع عشر من فبراير 1989م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الحديث الأول: ((إذا جعلت إصبعيك في أذنك، سمعت خرير الكوثر)) . موضوع. رواه الدارقطني كما في ((الجامع الصغير)) (553) عن عائشة، رضي الله عنها. وما هو في ((سننه)) المتبادرة لدى الإطلاق، فلعله في غيرها. وقال الحافظ المناوي رحم الله في ((الفيض)) (1/327) : ((رمز لضعفه ـ يعني السيوطي ـ، ومن حكى أنه رمز لصحته أو حسنه فقد وهم، وبين السخاوي وغيره أن فيه وقفاً وانقطاعاً، لكن يعضده ما رواه الدارقطني أيضاً عن عائشة (يعني مرفوعاً) : ((إن الله أعطاني نهراً في الجنة لا يدخل أحد إصبعيه في أذنيه إلا سمع خريره)) قالت: فكيف؟ قال: ((أدخلي إصبعيك وسدي إذنيك منهما خريره)) اهـ. قلت: وأورده الشيخ الألباني حفظه الله في ((ضعيف الجامع)) (1/170) وقال: ((موضوع)) وأحال على كتاب ((تذكرة الموضوعات)) للشيخ الفتني رحمه الله. (وروى) عن عائشة رضي الله عنها ـ مرفوعاً ـ بسند ضعيف ومنقطع كما تقدمت الإشارة إلأى ذلك عن الحافز السخاوي رحمه الله. ففي ((زهد هناد)) (141) و ((تفسير الطبري)) (30/207) عن وكيع عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عنها قالت: ((من أحب أن يسمع خرير الكوثر، فليجعل إصبعيه في أذنيه)) . ورواه الطبري عن ثقتين عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل عنها بنحوه. وروى البيهقي في ((البعث)) (130) من طريق يونس بن بكير عن عيسى عن عبد الله التميمي (هو جعفر الرازي) عن ابن أبي نجيح قال ـ في قوله (إنا أعطيناك الكوثر) قال: ((نهر في الجنة. وقالت عائشة: هو نهر في الجنة، ليس أحد يدخل ... )) الأثر. قلت: وإسناده ضعيف، مداره على أبي جعفر الرازي، قال الحافظ رحمه الله في ((التقريب)) (8019) : ((صدوق سئ الحفظ خصوصاً عن مغيرة)) . وأما الانقطاع، فقال الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الحافظ العلائي رحمه الله في ((جامع التحصيل)) (406) : ((عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، ذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحداً من الصحابة رضي الل عنهم ... )) قلت: فقول العلامة الألباني حفظه الله في ((الصحيحة)) (216) ـ في حديث آخر يرويه ابن أبي نجيح عن عائشة ـ: ((قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ولكنه منقطع بين ابن أبي نجيح ـ واسمه عبد الله ـ وعائشة، فإنه لم يسمع منها كما قال أبو حاتم، خلافاً لابن المديني، ووقع التصريح بسماعه منها في ((صحيح البخاري)) فالله أعلم)) اهـ. هو وهم منه عفا الله عنه، فإن الكلام الذي ذكره يتعلق بمجاهد بن جبر رحمه الله ـ أحد شيوخ ابن أبي نجيح ـ لا بد به هو، فانظر ((الجرح والتعديل)) (8/319) و ((جامع التحصيل)) (736) و ((التهذيب)) (10/42-43) يتبين لك صحة ما ذكرت، والله الذي لا إله إلا هو، ما أوردت هذا الحديث، ولا جعلته أول حديث في هذا الكتاب من أجل توهيم شيخنا الجليل، وما كان هذا على بالي قط حين اخترت هذا الحديث، ولكنني أثناء البحث عن قضية سماع ابن أبي نجيح من الصحابة تذكرت تعليقاً قديماً لي على نسختي من ((الصحيحة)) فرأيت من اللائق إيراده في هذا المقام تنبيهاً للشيخ ونصيحة للقراء. والمقصود أن رواية ابن أبي نجيح عن عائشة منقطعة ـ على ما في رواية وكيع ويونس بن بكير ـ، أما على رواية أبي النضر وشبابه ـ عند الطبري ـ ففي الإسناد رجل مجهول العين لم يسم. ولا مانع من أن يكون ابن أبي نجيح قد رواه تارة عن مجاهد عنه عن عائشة، وتارة كان يرسله عنها لولا أن أبا جعفر الرازي ضعيف في حديثه خلل واضطراب كثير، فلعله هو الذي كان يضطرب فيه. والعلم عند الله تعالى. وهذا الحديث ـ لنكارته ـ اضطر بعض العلماء إلى تأويله. قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((حادي الأوراح)) (ص148-149) : ((وقالت عائة: ... )) فذكره، قال: ((وهذا معناه ـ والله أعلم ـ أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي يسمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه)) . وقال المناوي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ((قال ابن الأثير (1) : معناه: من أحب أن يسمع خرير الكوثر أي نظيره أو ما يشبهه ـ لا أنه يسمعه بعينه ـ بل شبيه دويه بدوى ما يسمع إذا وضع إصبعيه في أذنيه)) اهـ. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم الكثير في صفة الكوثر، بدون هذه العبارة، فالله أعلى وأعلم.   (1) والذي وجدته في ((النهاية)) (2/21) لابن الأثير رحمه الله: ((وفي حديث ابن عباس: ((من أدخل أصبعيه في أنيه سمع خرير الكوثر)) خرير الماء: صوته، أراد مثل صوت خرير الكوثر)) اهـ. فالله أعلم أين قاله باللفظ الذي ساقه المناوى، ولم أجده أيضاً من حديث ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الحديث الثاني: ((إذا عسر على المرأة ولدها أخذ إناء نظيفاً (1) يكتب فيه: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) إلى آخر الآية، و: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) و: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) إلى آخر الآبة، ثم يغسل ويسقي المرأة منه، وينضح على بطنها وفرجها)) . ضعيف جداً أو موضوع. رواه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (619) من طريق عبد الله بن محمد بن المغيرة حدثنا سفيا الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً به. وابن المغيرة هذا واه، أتهم. قال العقيلي: ((وكان يخالف في بعض حديثه، ويحدث بما لا أصل له)) . وقال النسائي: ((روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها)) . وأورد له الحافظ الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (2/487-488) أحاديث، وقال: ((قلت: وهذه موضوعات)) . وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن الكوفي القاضي، قال الحافظ (6081) : ((صدوق سئ الحفظ جداً)) . والحديث أورده الهندي رحمه الله في ((كنز العمال)) (10/64) من رواية ابن السني بلفظ: ((إذا عسر على المرأة ولادتها خذ إناء نظيفاً فاكتب عليه ... )) وفيه: ((ثم يغسل وتسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفي وجهها)) . ولا يبعد أن يكون هذا هو لفظه الصحيح قبل أن تتناول الكتاب أيدي التحريف وقلة الدقة في التحقيق، ثم يدعى تخريج أحاديثه من لا ناقة له ـ في هذا الشأن ـ ولا جمل، ممعناً في إيهام القراء أنه ملتزم أو متمكن ـ والله أعلم ـ إذ يكتب على طرته: ((حققه فلان بن فلان)) ! ثم كأنه تدارك الأمر فقال في طبعة أهرى: ((خرج أحاديثه وعلق عليه)) وحذف لفظ: ((ابن)) ، فالله المستعان. ولا أقول هذا مقراً على نفسي بالتحقيق الذي يدخل فيه النظر في المخطوطات   (1) في النسخة المتدوالة من ((ابن السني)) : ((أخذ إناء لطيفاً)) . والظاهر أنه تحريف صوابه هذا، أو: ((أخذ إناء نظيف)) . فالله أعلم. الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 والبراعة في قراءتها وفك رموزها، بل أشهد على نفسي أيضاً لا باع لي في هذا الأمر، ولذلك لم يسند إلى تحقيق كتاب مخطوط حتى هذه اللحظة. فمن كتب على طرة كتاب: ((آداب حملة القرآن)) للإمام الآحري رحمه اله ـ محولاظً اسمه إلى: ((أخلاق أهل القرآن)) ـ: ((حققه وخرج أحاديثه الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف)) ـ وما حققته ولا رأيت مخطوطته بل نقلها غيري ـ أقول: من كتب ذلك، فقط غلط عليّ. وقد دعا ذلك البعض إلى اتهامي بالتصرف في اسم الكتاب باعتباري محققه ثم إن الناشر وصمني بمشيخة لست لها بأهل دون استشارتي في ذلك. وما أنا إلا عبد مذنب فقير إلى رحمة ربه الجليل، وطالب علم لم يزل في بداية الطريق. نعوذ بالله من انتحال المشيخة قبل الأوان، ومن الاغترار بما وهبنا الرحمن تبارك وتعالى من بعض فهم لقواعد علم ((مصطلح الحديث)) وأحوال طائفة من رجال الحديث ومراتبه. وما هذا ـ وحده ـ علم الحديث بفنونه وتقاسيمه، على قصور وقلة بلع، وجهل تاك أحياناً في بعض فروع العلم. ومن نظر بعين البصيرة علم أن الفضل لله تعالى وحده يسلبه متى شاء ـ ويؤتيه من يشاء (وفوق كل ذي علم عليم) . وبعد، فقد (روى) هذا الحديث أيضاً موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أخرى عن الثوري، وعن غيره عن ابن ليلى بنحوه، ففي ((مصنف ابن أبي شيبة)) (7/385) : ((حدثنا علي بن مسهر عن ابن أبي ليلى به ... )) فذكره. ولفظة: إذا عسر على المرأة ولدها فليكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة ثم تغسل فتسقى منه: بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم. سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم: 0 كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) ،: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار. بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) . وقال حمزة بن يوسف السهمي رحمه الله في ((تاريخ جرجان)) (ص229) : ((قرأت في كتاب (الطب) لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم البحري: أعطاني أبو عمران إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ابن هانئ كتاباً له (في الأصل ـ محرفاً ـ كتاب الله) عن شجاع بن صبيح عن مصعب بن ماهان عن الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ... )) فذكره لأخصر مما قبله، وفيه: ((قال سفيان: يكتب بعسل أو زعفران أو نحوهما ثم يغسله فتشربها المرأة)) . ومدار الطريقين على أن ابن أبي ليلى، وقد تقدم ذكره. وفي إسناد السهمي ـ سواه ـ: ((مصعب بن ماهان)) ، وهو مختلف فيه، وقال الحافظ (6694) : ((صدوق عابد كثير الخطأ)) . والراوي عنه لم يذكر فيه السهمي (367) جرحاً ولا تعديلاً. وكذلك أبو عمرن إبراهيم ابن هانئ (139) على جلالة ترجمته عنده. فقوله في هذا الإسناد: ((عن الحكم عن مقسم)) بدلاً من: ((عن سعيد بن جبير)) إن لم يكن من سوء حفظ ابن أبي ليلى واضطرابه، فهو من قبل أحد هؤلاء. فالله أعلم. ومع ضعف هذا الأشر، فقد عمل به الإمام أحمد رحمه الله. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)) (3/180) : ((كتاب لعسر الولادة. قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام (1) أبيض أو شئ نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنه ... )) فذكره. وقال ((قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروذي (2) أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين، فقال: قل له يجئ بجام واسع وزعفران. ورأيته يكتب لغير واحد ... )) . قلت: وفي هذا دليل على أن الإمام أحمد رحمه الله كان يأخذ بالأحاديث والآثار الضعيفة إذا لم يجد في الباب غيرها، ولم يكن هناك ما يدفعها، والله أعلم.   (1) قال ابن منظور في ((لسان العرب)) (1/731) : ((والجام إناء من فضة، عربي صحيح ... )) . (2) في الأصل: ((المروزي)) بالزاي. وهذا خطأ شائع في هذه النسخة، راج على محققي الكتاب أو لم يباليا به في الطبعة التي حققاها (4/357) . والروذي نسبة إلى ((مرو الروذ)) أو المروزي فنسبة إلى ((مرو)) ، وأبو بكر هذا يعد أجل أصحاب الإمام أحمد رحمهما الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فائدة: وقد روى ابن السني (620) - عقب حديث ابن عباس الذي تقدم الكلام عنه - حديثاً آخر مرفوعاً بإسناد أتلف منه بكثير، من طريق عبيد الله عن محمد بن خنيس (في الأصل: عبد الله ـ مكبراً - وهو تحريف) حدثني موسى ابن محمد بن عطاء حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم القرشي عن موسى بن أبي حبيب قال: ((سمعت علي بن الحسين يحدث عن أبيه عن أمه فاطمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لما دنا ولادها - أمر أم سليم وزينب بنت جحش أن تأتيا فاطمة فتقرءا عندها آية الكرسي و: (إن ربكم الله ... ) إلى آخر الآية، وتعوذاها بالمعوذتين)) . وهذا إسناد قد هلهل (1) بالمرة، وفيه الآتي: 1- عبيد الله بن محمد بن خنيس، وهو الدمياطي، وقيل: الدمشقي. ترجمة بن عساكر في ((تاريخه)) (10/732-733) برواية جماعة عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 2- وشيخه موسى بن محمد بن عطاء، وهو البلقاوي الدمياطي المقدسي، أحد التلفاء. قال العقيلي: ((يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات)) . وقال ابن حبان وغيره: ((كان يضع الحديث)) . وكذبه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان. فالظاهر أنه من وضعه. 3- وعيسى بن إبراهيم القرشي، وهاه ابن معين وقال أبو حاتم والنسائي: ((متورك)) . 4- وشيخه موسى بن أبي حبيب، وهو الحمصي. ضعفه أبو حاتم. وقال الذهبي في ((الميزان)) (4/202) : ((وخبرة ساقط)) . قلت: ومن قرائن تهافت هذا الحديث واختلافه، أن الزهراء رضي الله عنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بستة أشهر، والحسين رضي الله عنه لم يزل غلاماً صغيراً، فمتى حدثته فاطمة بذلك عن جده المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ ! .   $! هذه العبارة استخدمها الحافظ المناوى رحمه الله، في حديث آخر لا أذكره الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وهذا الحافظ الطبراني ((رحمه الله)) - على سعة روايته - لم يورد في ((معجمه الكبير)) (22/414-415) من رواية الحسين عنها إلا حديثين، في أحدهما الحكم عبد الله الأيلي، وهو وضاع. وفي الآخر جماعة لم يعرفهم الهيثمي، وفيه أيضاً: جندل بن والق، صدقه أبو حاتم ووثقه ابن حبان. أما مسلم فقال: متروك الحديث. ولينه البزار. والمتن الذي رواه ظاهر البطلان في فضل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (1) . أما عامة ما أورده الطبراني للزهراء رضي الله عنها فلا يكاد يسلم منها حديث، إما وهاه في الإسناد، أو كونه من مسند غيرها لا من مسندها هي. أو مما حدثت به عائشة رضي الله عنها قبيل أو عقيب وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من وراية مخصوصة بعينها -، وهذا ما تبين لي من مجموع هذه الروايات: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) .   $! وما شاع بين المسلمين في تخصيص علي بقولهم: ((كرم الله وجهه)) ، فيما لم أقف له على أصل، ولا ثبوت عن أحد السلف المتقدمين. وهؤلاء الرافضة أخزاهم الله، لا يعجبهم من أهل السنة أن يقولوا: ((رضي الله عنه)) ولا ((كرم الله وجهه)) ، بل يصرون على تخصيصه وغيره من آل البيت بلفظة: ((عليه السلام)) ، كلمة حق أريد بها باطل!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الحديث الثالث: ((إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفرها من العمل، ابتلاه الله عز وجل بالحزن ليكفرها عنه)) ضعيف. رواه الإمام أحمد (6/157) - واللفظ له - والبزار (3260) كشف الأستار) وأبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (2/189) وعنه ابن رشيد الفهري في ((ملئ العيبة) (3/3880389) والخطيب (6/88) من طريق حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة مرفوعاً. وكذلك الديلمي كما في ((الفردوس)) (1332) ، قال الحافظ في ((تسديد القوس)) - ونقله المحققان -: ((أحمد وأبو الشيخ من رواية مجاهد عن عائشة)) . وقال البزار: ((لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا وائدة، ولا عنه إلا حسين)) اهـ. قلت: وهو إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح سوى ليت ـ وهو ابن أبي سليم الكوفي ـ، فضعيف اختلط كما يأتي مفصلاً بإذن الله. وكلام الحافظ البزار رحمه الله، إليه المنتهى في الدقة، فقد روى الحديث عن ليث أيضاً بإسناد ومتن سوى هذا. وقال الحافظ المنذري رحمه الله في ((الترغيب)) (4/537) : ((رواه أحمد، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم)) . وذكره الحافظ الهيثمي رحمه الله في ((المجمع)) في موضعين، فقال في الأول (2/291) : ((رواه أحمد، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات)) . وقال في الثاني (10/192) : ((رواه أحمد والبزار، وإسناده حسن)) . كذا قال. وقال الحافظ العراقي رحمه الله - كما في ((تخريج الإحياء)) (3319) -: ((تقدم أيضاً في ((النكاح)) ، وهو عند أحمد من حديث عائشة: ((ابتلاه الله بالحزن)) النتهى. قلت (القائل: الزبيدي) : ذكر هناك أن فيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه، ولفظ أحمد في ((المسند)) ... ، حتى قال: ((ولكن حسن السيوطي الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وكأنه رجح جانب التوثيق فيه، والله أعلم)) . قلت: كلا، بل لعله ذهول أو غير ذلك، فإن ليثاً عند الحافظ السيوطي رحمه الله من المقطوع بضعفهم، بل حكم ببطلان بعض أحاديث له من جهة المتن كما يأتي في الحديث التاسع عشر بإذن الله. والحديث في ((الجامع الصغير)) (838) مرموزاً له بالحسن. قال المناوى (1/343) - بعد حكاية كلام المنذري والعراقي والهيثمي -: (( ... وقد رمز المصنف لحسنه)) . أما الإسناد الآخر الذي أشرنا إليه، فهو ما رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/3/134/ب) من طريق أحمد بن عمران الأخنسي قال: سمعت أبا بكر ابن عياش وعبد الرحمن المحاربي عن ليث عن الحكم بن عتيبة رفعه قال: ((إذا كثرت ذنوب العبد ... )) ، فذكره بنحو مما تقدم. والأخنسي هاذ واه، قال أبو زرعة: ((كتبت عنه ببغداد، وكان كوفياً، وتركوه)) . وقال البخاري والأزدي: ((منكر الحديث)) ، ومع ذلك وثقه ابن عدي وقال ابن حبان في ((ثقاته)) : ((مستقيم الحديث)) . وقد توبع على روايته عن أبي بكر بن عياش وحده - فيما أعلم - بلفظ يختلف عن هذا، فعند عبد الله ابن الإمام أحمد في ((زوائد الزهد)) (ص10) وعند الخطيب (7/111) عن بيان ابن الحكم حدثنا محمد بن حاتم أبو جعفر عن بشر بن الحارث (1) أبنأنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن الحكم مرفوعاً: ((إذا قصر العبد في العمل، ابتلاه الله بالهم)) . ورواه أيضاً الديلمي كما في ((الفردوس)) (1147) ، بلفظ: ((بالحزن)) . قال الحافظ في (تسديد القوس)) : ((الحكم بن عمير)) يعني أن الحكم الذي أرسل هذا الحديث هو ابن عمير المجهول الذي لم تثبت صحبته من وجه يعتمد عليه، وليس الحكم بن عتيبة الفقيه الكوفي المشهور، ولا أدري ما حجة الحافظ رحمه الله في هذا الجزم، وليث لم أجد له رواية لا عن هذا ولا عن ذاك -، مع أن الأشبه أن يكون بلديه الحكم بن عتيبة -، والحديث في الحالين غير متصل،   $! ثم وجدته في ((الحلية)) (8/344) عن بشر موقوفاً عليه بلفظ: ((إذا قل عمل العبد ابتلى بالهم)) . وشيخ أبي نعيم فيه: أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم وهو واه ليس بثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أما رواية الأخنسي المتقدمة،، والتي تنص على أنه: ((ابن عتيبة)) ، فلا يؤبه لها. وله علة أخرى. ففي الإسناد أيضاً: بيان بن الحكم، ترجمة الخطيب في ((تاريخ بغداد)) من رواية عبد الله عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال الذهبي في ((الميزان)) (1/356) : ((لا يعرف)) ، وذكر له هذا الحديث وقال: ((معضل)) . ونخلص من ذلك أن الإسناد إلى أبي بكر بن عياش والمحاربيعن ليث لم يثبت أصلاً، وأن الصحيح عن ليث - على ضعفه - روايته عن مجاهد عن عائشة موصولاً باللفظ الأول. ومن أجل ذلك تركت إعلاله بابن عياش إذ لا مدخل له فيه. والأصل فيه القبول والتوثيق ما لم تثبت مخالفته للأثبات، ولم تثبت. (ملحوظة) : ولا يغتر برواية الخطيب للحديث، بلفظ: ((إذا كان للعبد ذنوب وخطايا ولم يكن له عمل صالح، ابتلى بالغموم والأحزان ليكون كفارة لذنوبه)) . ففي إسنادها - سوى ليث -: عمربن مدرك الرازي وهو متروك كذب، فلعل هذه التزيدات منه، والراوي عنه لم يذكر فيه الخطيب جرحاً ولا تعديلاً. وشيخه لم أهتد به إليه. (أما) الراوية الموقوفة، فقد روى بعض الرافضة هذا الحديث عن الحكم ابن عتيبة، فألصقوه بجعفر الصادق رحمه اللله، ففي ((أمالي المفيد)) (ص24،23) من طريق الحسين بن سعيد، عن ابن أ [ي عمير، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن الحكم بن عتيبة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ((إذا العبد إذا كثرت ذنوبه)) اهـ. وفي إسناده جماعة من الشيعة الذين لا يوثق بهم، والذين لا يتبين ضدقهم من كذبهم، والذين قال فيهم الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (1/5-6) - لدى كلامه عن البدعة الصغرى والبدعة الكبرى -: (( ... ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه، وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال معثر ... )) قلت: والذي وقعت على كلام فيه الآن منهم: ((الحسين بن سعيد)) . قال الحافظ في ((اللسان)) (2/284) : ((ذكره الطوسي والكشي في الراوة عن علي بن موسى الرضا وغيره، له تصانيف. روى عن الحسين بن الحسن بن أبان وأحمد بن محمد بن عيسى القمي)) . قلت: وإسماعيل بن إبراهيم - رواية عن الحكم - لم أدر من يكون؟ وانظر ترجمة المفيد نفسه، واسمه: ((محمد بن محمد بن النعمان البغدادي)) في ((السير)) (17/344-345) و ((اللسان)) (5/368) . والله الهادي إلى سواء السبيل، لا رب سواه. أقول: ومن أمارات كونه ملصقاً بجعفر بن محمد رحمهما الله، أنني لم أجد للحكم رواية عنه في ترجمة كل منهما من ((تهذيب الكمال)) مع أنع لا يحسن إغفال مثل ذلك، فالله أعلى وأعلم. استدراك: وراوي الأثرعن الحسي بن سعيد: أحمد بن محمد بن عيسى القمي وجدته بعد في ((اللسان)) (1/260) وقال: (( ... شيخ الرافضة بقم. له تصانيف شهيرة..)) . وقد أسندوه أيضاً إلى علي رضي الله عنه بلفظ: ((من قصر بالعمل ابتلى بالهم..)) كما في ((النهج)) وعزاه صاحب ((مصادر نهج البلاغة وأسانيده)) (4/113) إلى كتاب ((غرر الحكم)) (ص295) ، وهو محذوف الأسانيد، لم أجد لمؤلفه ترجمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الحديث الرابع: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أري الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمال أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر)) . ضعيف. رواه الإمام مالك رحمه الله في ((الموطأ)) (1/99) - (تنوير الحوالك للسيوطي) من رواية يحيى بن يحيى عن زياد ب عبد الرحمن عنه أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: ... فذكره. وهذا إسناد ضعيف لعدم اتصاله، عن رجل أبهمه الإمام مالك رحمه الله - مع إخباره بوثوق به- على خلاف عند أهل العلم في قبول المبهم بصيغة التعديل. فعلى القول بقبول ذلك منه - رحمه الله - فالإسناد مرسل إن كان شيخه هذا تابعياً، وإلا فمعضل والعلم عند الله تعالى. قال الحافظ السيوطي رحمه الله في ((التنوير)) : ((قال ابن عبد البر: هذا لا يعرف في غير ((الموطأ)) لا مسنداً ولا مرسلاً , وهو أحد الأحاديث التى انفرد بها مالك. قلت: لكن له شواهد من حيث المعنى مرسلة، فأخرج ابن أبي حاتم ... )) فذكر ما سنورده ونجيب عنه بحول الله وقوته. وعن مالك رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) كما في ((الدر المنثور)) (6/371) . (وروى) معناه من حديث ابن عباس، ومرسل مجاهد، معضل علي بن عمرة الدمشقي 0 أحد الهلكي -، ومن مقطوع مجاهد - ببعضه - حكاية عن بني إسرائيل - دون أن يصرح برفعه -، مرسلاً بباقيه كما يأتي. (أما) حيث ابن عباس، فقال الإمام البغوي رحمه الله في (تفسيره)) (4/512) : ((قال عطاء عن ابن عباس: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألأف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لذلك، وتمنى ذلك لأمته فقال: الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 يارب جعلت أمتي الأمم أعماراً وأقلها أعمالاً، فأعطاه الله ليلة القدر، فقال: (ليلة القدر خير من ألف شهر) التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله، ولأمتك إلى يوم القيامة)) . هكذا علقه البغوي، ولم يسق سنده به إلى أعطاء. ففي القلب من ثبوته عند ارتياب كبير، بل أكاد أقطع بذلك. ولذلك لم يعرج عليه ابن عبد البر وابن كثير والسيوطي رحمهم الله - إن كانوا وقفوا عليه - مع توافر الدواعي والهمم على إيراده موصولاً عن ابن عباس، وإعطائه الأولوية على مرسل مجاهد وقوله. (وأما) مرسل مجاهد، فرواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) كما في ((تفسير الحافظ ابن كثير)) رحمه الله (4/530) ، والبيهقي في ((سننه)) (4/306) والواحدي في ((أسباب النزول)) (ص339-340) من طرق عن مسلم ابن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل ليس السلاح في سبيل ألف شهر. قال: فعجب المسلمون من ذلك. قال: فأنزل الله عز وجل (إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر) التي ليس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل ألف شهر)) . قال البيهقي: ((وهذ مرسل)) اهـ. ولا يثبت إسناده إلى مجاهد أيضاً، فإن الزنجي ضعيف عند البيهقي نفسه والجمهور، فقد قال البيهقي (2/495) - عقب حديث مرسل رواه -: ((وقد روي بإسناد موصول إلا أنه ضعيف)) ثم رواه من طريق الإمام أبي داود رحمه الله بسنده إلى مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، وقال: ((قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالقوي، مسلم بن خالد ضعيف)) . قلت: ودلني على رأي البيهقي فيه الإمام ابن التركماني رحمه الله، إذ قال تعليقاً على حديث آخر رواه البيهقي (8/123) - في القسامة (1) - واحتج به للشافعية ساكتاً عنه: ((قلت: في إسناده لين، كذا   $! قال ابن الأثير في ((النهاية)) (4/62) : ((القسامة بالفتح: اليمين، كالقسم. وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نقراً على استحقاقهم دم صاحبهم، إذ وجدوه قتيلاً بين قوم ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يميناً، ولا يكون فيم صبي، ولا امرأة، ولا مجنون، ولا عبد، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المدعون استحقوا الدية، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية، وقد أقسم يقسم قسماً وقسامة إذا حلف ... )) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 في ((التمهيد)) . وذلك أن الزنجي ضعيف. كذا قال البيهقي في باب من زعم أن التروايح بالجماعة أفضل. وقال ابن المديني: ليس بشئ. وقال أبو زرعة والبخاري: منكر الحديث..)) الخ. ومرسل مجاهد رواه أيضاً ابن المنذر في ((تفسيره)) كما في ((الدر المنثور)) . (وأما) معضل علي بن عروة - وهو أوهاها جميعاً إن لم يكن إسناد حديث البغوي إلى عطاء شر منه -، فقد رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب حدثني مسلمة بن علي عن علي بن عروة قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاماً لم يعصوه طرفة عين، فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون. قال: فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد: عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيراً من ذلك، فقرأ عليه: (إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر) هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك. قال: ((فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والناس معه)) . وفي هذا الإسناد مسلمة بن علي، وهو الخشني الدمشقي البلاطي، متروك كما في ((التقريب)) (6662) ، وقال الحاكم: ((روى عن الأوزاعي والزبيدي المناكير والموضوعات)) . وحكم أبو حاتم الرازي على أحاديث رواها بالبطلان. وشيخه على بن عروة هو القرشي الدمشقي أيضاً متروك مثله كما قال الحافظ (4771) ورماه صالح بن محمد جزرة وابن حبان بالوضع. ومع ذلك فالإسناد أيضاً معضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 (وأما) موقوف مجاهد، فرواه الطبري (30/167) عن شيخه محمد بن حميد الرازي عن حكام بن سلم عن المثنى بن الصباح عنه قال: ((كان بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية (ليلة القدر خير من ألف شهر) قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل)) . نعم، ذكر نزول الآية حكمة حكم المرفوع المرسل - ولا بد - أما الحكاية عن بني إسرائيل فلم يبين مجاهد عمن تلقاها، ولا تحمل هذه الرواية على سابقتها المرسلة عنه لعدم ثبوت في كل. ومع ذلك، فإسناد هذه أوهى بكثير، فلا يصلح شاهداً ولا مشهوداً له. ومحمد بن حميد الرازي - مع أنه معدود في الحفاظ - لكنه متهم بالكذب وغيره من القبائح، وقد وهاه جماعة وصرح أبو زرعة وأبو حاتم وابن وارة - الرازيون - وصالح جزرة وابن حراش بتكذيبه، وبين بعضهم أنه كان يقلب الأحاديث عمداً ويأخذ أحاديث الكوفيين فيرويها عن الرازيين. نعم، ولم يتبين أمره لابن معين فوثقه هو وغير واحد. والمثنى بن الصباح - راويه عن مجاهد - هو اليماني الأبناوي، نزيل مكة. وهو واه، اتفقوا على تضعيفه - بإستشناء رواية فيه نظر عن ابن معين -، ووهاه الإمام أحمد ويحيى القطان والنسائي والساجي وابن الجنيد وابن عدي والدارقطني. (هذا) والصحيح في تفسير الآية خلاف ذلك، فقد قال الإمام الطبري رحمه الله (30/167-168) - بعد أن ذكر رواية أخرى أنكر من هذه تفسر نزول السورة بسبب يتعلق بملك بني أمية! -: ((وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول من قال: عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وأما الأقوال الأخرى فدعاوى معانٍ باطلة لا دلالة عليها من خبر ولا عقل، ولا هي موجودة في التزيل)) . قلت: وهذا الذي رجحه الطبري مروي عن مجاهد وقتادة والإمام الشافعي وغيرهم. قالالحافظ بن كثير رحمه الله (4:531) : ((وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 هو اختيار بن جرير، وهو الصواب لا م عداه. وهو كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((رباط ليلة في سبيل الله، خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل)) .رواه أحمد. وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة ونية صالحة أنه يكتب له عمل سنة أجر صيامها وقيامها إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك)) اهـ. والله أعلم. قلت: يعني بالثني قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من غسل واعتسل يوم الجمعة ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا واستمع ولم بلغ، كان له بكل خطوة يخطوها، عمل سنة، صيامها وقيامها)) . وهو في ((صحيح الجامع)) (5/325) بنحوه. أما الأول، فلم أجده عند أحمد وكذا الترمذي والنسائي والحاكم إلا بلفظ: ((رباط يوم ... خير من ألف يوم)) . وإسناده حسن، وقال الترمذي: ((حسن صحيح غريب)) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وضعفه الشيخ الألباني في تخريج ((المشكاة)) (3831) مشيراً إلى جهالة أبي صالح مولى عثمان، وليس هو كذلك، فقد وثقه العجلي وابن حبان، وصحح له المذكورون وقال العجلي: ((روى عنه زهرة بن معبد والمصريون)) فهو صدوق - على أقل حالاته - والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الحديث الخامس: ((اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: دعوة يونس ابن متى)) ضعيف. رواه الطبري (17/65) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ... فذكره، وفيه: ((قال: فقلت: يا رسول الله، هي ليونس بن متى خاصة أو لجماعة المسلمين؟ قال: هي ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم نسمع قول الله تبارك وتعال: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم. وكذلك ننجي المؤمنين) فهو شرط الله لمن دعاه بها)) اهـ وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن جدعان، قال الحافظ (4734) : ((ضعيف، من الرابعة)) . وله طريق أخرى، لكنها واهية جداً، عند الحاكم (1/505-506) من طريق أحمد بن عمرو بن بر السكسكي (كذا) حدثني أبي عن محمد بن يزيد (كذا) عن سعيد بن المسيب عن سعد بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((هل أدلكم على اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؟ الدعوة التي دعا بها يونس حيث ناداه في الظلمات الثلاث (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فقال رجل: يا رسول الله، هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألا تسمع قول الله عز وجل: (فنجيناه من الغم. وكذلك ننجي المؤمنين) وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك اعطي أجر شهيد، وإن برأ براً وقد غفر له جميع ذنوبه)) . وسكت عنه الحاكم والذهبي. وهذا إسناد واه جداً، يشبه أن يكون موضوعاً. و: ((أحمد بن عمرو بن بكر)) كذا في الكتاب، وصوابه - إن شاء الله -: ((إبراهيم بن عمرو بن بكر)) ، فإنه هو المعروف بالرواية عن أبيه، وبرواية محمد الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ابن الحسن بن قتيبة العسقلاني عنه - وهو رواية عنه عند الحاكم -، ولم أقف لإبراهيم على أخٍ اسمه: ((أحمد)) بعد جهد. وإبراهيم، قال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/112) : ((يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة التي لا تعرف من حديث أبيه، وأبوه أيضاً لا شئ في الحديث، فلست أدري أهو الجاني على أبيه أو أبوه الذي كان يخصه بهذه الموضوعات ... )) الخ. وقال الدارقطني في ((الضعفاء)) (19) : ((رملي، متروك)) . وأبوه، قال الذهبي في ((الميزان)) (3/247) : ((وله. قال ابن عدي: له أحاديث مناكير عن الثقات ... )) حتى قال: ((أحاديثه شبه موضوعة)) . وقال الحافظ (4993) : ((متروك)) . وشيخه، صواب اسه: ((محمد بن زيد)) لا: ((ابن يزيد)) ، وهو ابن المهاجر بن قنفذ، فإنه هو الذي يروي عنه عمرو بن بكر كما في ((التهذيب)) (8/8) ، ويروي هو عن سعيد ابن المسيب. وهو ثقة. وهذه قرينة أخرى على وقوع التحريف في هذا الإسناد، ولاح لي الآن - أثناء تبييض الكتاب للمرة الثانية - أن ذاك الهالك أو أباه، أراد أحدهما أن يقول: ((عن علي بن زيد)) ، فلم يقو!! . وقد زاد على رواية علي بن زيد زيادة عليها لوائح الكذب، فالله أعلم. (وروى) الحديث عن الحسن البصري رحمه الله - مقطوعاً - بإسناد واه جداً أيضاً. قال ابن أبي حاتم رحمهما الله: ((حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي سريج حدثنا داود بن المحبر بن قحدم المقدسي)) . كذا في ((ابن كثير)) (3/193) (1) عن كثير بن معبد قال ((سألت الحسن فقلت: يا أبا سعيد: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؟ قال ابن أخي، أما تقرأ القرآن، قول الله تعالى (وذا النون إذ هب مغاضباً - إلى قوله - وكذلك ننجي المؤمنين) . ابن أخي: هذا اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)) . وداود بن المحبر كذاب، كذبه الإمام أحمد وغيره، واتهمه الدارقطني بأنه سرق كتاب ((العقل)) من ميسرة بن عبد ربه   $! جاء فيه: ((ابن أبي شريج)) و: ((ابن محذم)) ، وجء في طبعة دار الشعب (5/364) على الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الفارسي - الوضاع - وركب له أسانيد لنفسه. وقال الحافظ (1811) ، ((متروك، وأكثر كتاب ((العقل)) الذي صنفه موضوعات)) . قلت: ونسبته في هذا الإسناد: ((مقدسياً)) لا أدري ما وجهها، فإنه ثقفي بكراوي بصري، ثم بغدادي. وأما شيخه - كثير بن معبد -، فهو القيسي. قال الذهبي (3/410) : ((لا يكاد يعرف. ضعفه الأزدي)) . وأقره الحافظ في ((اللسان)) (4/484) وزاد: ((وقال: لا اعلم له حديثاً مسنداً)) . قلت: وأعضل أمره على محققي ((تفسير بن كثير)) ((ط. دار الشعب)) ، فقالوا: كذا ولم نجده (!!) . ولعله كثير بن سعيد، المترجم في ((الجرح)) لابن أبي حاتم: (3/2/152) (!!) . وكثير هذا، هو ابن سعد بن رومان، و: ((ابن سعيد)) تحريف كما نبه المعلق على ((ثقات ابن حبان)) (7/350) . وقد اتفق البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان على أنه يروى عن أبيه عن ابن عمر، وعنه محمد بن مطرف، ولم يزيدوا. (تنبيه) : وقد أورد الإمام السيوطي رحمه الله الحديثين والأثر في رسالته: ((الدر المنظم في الاسم الأعظم)) من كتابه ((الحاوي في الفتاوى) (1/397) - مع حديث عزاه للنسائي والحاكم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه مرفوعاً: ((دعوة ذي النون في بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ، لم يدع بها رجل مسلم قط إلا استجاب الله له)) - مستدلاً بها لمن ذهب إلى أن دعوة ذي النون هي اسم الله الأعظم. وقد علمت ما في الحديثين - أو قل: الطريقين - والأثر بن المطعن. أما ما عزاه لفضالة بن عبيد، فلمأجده عند النسائي في: ((عمل اليوم والليلة)) والحاكم - ولا عند غيرهما - إلا من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ثم وجدت الحافظ المنذري رحمه الله - بمحض القدر - يورد في ((الترغيب)) (2/830-831) حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاعد إذ جاء رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فاحمد الله بما هو أهله وصل عليّ ثم أدعه، قال: ثم صل رجل آخر بعد ذلك فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أيها المصلي، أدع تجب)) . ثم أورد عقبة (2/831) حديث سعد رضي الله عنه مرفوعاً: ((دعوة ذي النون إذ دعاه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له)) ، وعزاه للترمذي، قال: ((واللفظ له)) والنسائي والحاكم، وقال: ((صحيح الإسناد)) ، فسبق إلى قلبي أن هذا منشأ وهم السيوطي عفا الله عنه، إما انتقال بصر، أو وهم في العزو بسبب الاعتماد على الذاكرة، فالله أعلم. ثم إن دلالة حديث سعد - باللفظة الصحيحة لا المنكرة ت ليست قطيعة، إذ يفهم من الحديث أن الدعاء بهذه الدعوة مستجاب، ولا يلزم - بالضرورة - أن تكون متضمنة للأسم الأعظم، فقد يكون هناك سبب آخر سوى هذا النظر، نظير قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيما في (صحيح البخاري)) و ((السنن)) وغيرها عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فدعا استجيب له، فإن هو عزم، ثم قال: رب اغفر لي، غفر له. أو قال: فقام فتوضأ وصلى، قبلت صلاته)) لفظ البيهقي. وقول أبي نعيم في ((الحلية)) (5/159) : ((صحيح متفق عليه من حديث عمير بن هانئ والأوزاعي)) إن كان يقصد الاتفاق الاصطلاحي، فهو وهم، لأنه من أفراد البخاري. والله أعلم. فالمقصد - كما يقول كثيراً صاحب القلم السيال والسحر الحلال، الإمام ابن قيم الجوزية روّح الله روه - أن حديث سعد - من طريقيه الضعفين -: ((صريح غير صحيح)) ، وباللفظة الثابتة من مجموع الطرق: (صحيح غير صريح)) . والعلم عند الله تعالى. وكنت سأورد حديثاً صحيحاً يرويه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه استدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 أحد رواته به على أن الاسم الأعظم هو: ((الحي القيوم)) ، ولكن استوقفني كلام متين جداً للإمام الطحاوي رحمه الله في ((مشكل الآثار)) - بخصوص اختلاف الأحاديث في تعيين الاسم الأعظم. ولما كان ما أسطره الآن لا يتعلق بتقرير حكم ولا تصحيح معنى، فلا جناح علىّ في الاكتفاء بهذه الإشارة إن شاء الله تعالى، وهو سبحانه المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الحديث السادس: ((أفضل الحسنات، تكرمة الجلساء)) . ضعيف جداً، أو موضوع. رواه القضاعي في ((مشند الشهاب)) (1285) ، قال: ((أخبرنا أحمد بن منصور التستري، أنبأ القاضي أبو بكر محمد ابن يحيى بن إسماعيل الضبعي الأهوازي، ثنا الحسن بن زياد أبو عبد الله الكوفي، ثنا ابن أبي بشر حدثني وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود ... )) ، فذكره مرفوعاً. ولم أقف على من يدعي: ((أحمد بن منصور التستري)) ، فالظاهر أنه محرف من: ((محمد بن منصور ... )) ، أحد شيوخ القضاعي الكذابين كما قدمنا في ((تبييض الصحيفة)) (27،5) . والرجلان فوقه لم أقف لهما على ترجمة، وابن أبي بشر - الراوي عن وكيع - لم يتبين لي من هو؟ ولم أجهد نفسي في تعيينه إذ لا جدوى من وراء ذلك في وجود الكذاب المذكور. وقد عهدنا عليه الراوية عن المجهولين - كما في الحديثين المشار إليهما آنفاً -، فلعل هؤلاء أيضاً من مخيلته، عامله الله تعالى بما يستحق. وقد قال الشيخ حمدي السلفي حفظه الله في تحقيق ((مسند الشهاب)) - تعليقاً على هذا الحديث -: ((الحسن بن زياد اللؤلئى كذبه غير واحد، فالحديث موضوع)) اهـ. كذا قال - عفا الله عنها - ظناً منه أن الحسن بن زياد الكوفي الذي في هذا الإسناد، هو اللؤلئى صاحب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وليس به لأمرين: الأول: أن اللؤلئى كتبه أبو علي، كما قال الخطيب رحمه الله في ((تاريخ بغداد)) (7/314) . وهذا كنيته أبو عبد الله، كما في الإسناد. الثاني: أن اللؤلئى متقدم بطبقتين عن هذا، فإنه من أقران وكيع. وهذا يروى عن رجل عن وكيع. ومن غير الممكن للحافظ القضاعي رحمه الله، المتوفى (454هـ) أن يكون بينه وبين الحسن بن زياد اللؤلئى، المتوفى (204) رجلان فقط. وهذا بين جداً لا خفاء فيه. والحديث في ((الجامع الصغير)) (1249) مرموزاً لضعفه، وقد قال الحافظ المناوى عفا الله عنه في شرحه جداً في الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ((الفيض)) (2/32) ، ثم لم يتكلم على إسناده بشئ! أما الشيخ الألباني حفظه الله، فقطع بوضعه في ((ضعيف الجامع)) (1/314) ، وأحال على ((الضعيفة)) (2834) . (وروى) موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد واه عند أبي سعد السمعاني رحمه الله في ((أدب الإملاء والاستكلاء)) (ص126) من طريق الحافظ ابن حبان رحمه الله عن عمر بن محمد الهمداني عن محمد بن سهل بن عسكر وسعيد بن كثير بن عفير ثنا الفضل بن المختار (في الأصل: المفضل، وهو خطأ) عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن من أفضل الحسنات، تكرمة الجلساء)) . وهذا إسناد ضعيف جداً، الفضل بن المختار هو البصري، نزيل مصر. قال ابن أبي حاتم في ((الجرح)) (7/69) : ((سألت أبي عنه، فقال: هو مجهول، وأحاديثه منكرة، يحدث بالبواطيل)) . وقال العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (3/944) والأزدي: ((منكر الحديث)) زاد الآخر: ((جداً)) . وقال ابن عدي في ((الكامل)) (6/2042) : ((وعامته - يعني عامة حديثه - مما لا يتابع عليه إما إسناداً، وإما متناً)) . وساق له الذهبي في ((الميزان)) (3/358-359) أربعة أحاديث، قال عقبها: ((فهذه أباطيل وعجائب)) . وختم ترجتمه بخامس قال عقبة: ((وهذا يشبه أن يكون موضوعاً. والله أعلم)) اهـ. قلت: فلعل هذا أيضاً موضوع على ابن عباس. والله أعلى وأعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الحديث السابع: ((اللهم إني ضعيف، فوق في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي، اللهم إني ضعيف فقوني، وذليل فأعزني، وفقير فارزقني)) ضعيف جداً أو موضوع. رواه ابن أبي شيبة (10/268) وعنه الحاكم (1/527) - باختصار بعض من أوله - من طريق محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبي داود الأودي عن بريدة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ألا أعلمك كلمات من أراد الله به خيراً علمه إياهن ثم لم ينسه إياهن أبداً؟ قال: قل ... )) ، فذكره. وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) . فتعقبه الذهبي بقوله: ((قلت: أبو داود الأعمى متروك الحديث)) . ورواه أيضاً الطبراني في ((الأوسط)) قال الهيثمي (10/182) : ((وفيه أبو داود الأعمى، وهو ضعيف جداً)) . وأورد بعضه السيوطي في ((الجامع)) (6137) معزواً للحاكم عن بريدة. وقال في ((ضعيف الجامع)) (4/123) : ((موضوع)) . قلت: والعجب من قول الحاكم - عفا الله عنه - ((صحيح الإسناد)) مع أنه هو القائل في أبي داودهذا: ((روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة! كما قدمنا في ((التبييض)) (39) . وقد رواه أبو داود هذا على لون آخر، فعند الطبراني في ((الكبير)) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((لقيني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ألا أعلمك كلمات من أراد اله به خيراً علمه إياهن؟ ثلت: بلى يا رسول الله. قال: قل: اللهم إني ضعيف، فوق في رضاك ضعفي، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فأغنني)) . قال الهيثمي (10/179) : ((وفيه أبو داود الأعمى، وهو متروك)) اهـ. قلت: ولا أدري إن كان قد رواه عن ابن عمرو رأساً أو بواسطة، ولا إن كان في الطريق إليه ضعيف، أم السند ثابت الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 إليه، فإن أحاديث: ((ابن عمرو)) من ((المعجم الكبير)) وقعت في أحد الأجزاء المفقودة، والله المستعان. وأورد السيوطي الحديث بتمامه في ((الجامع)) (2882) معزواً للطبراني عن ابن عمرو، وأ [ي يعلى والحاكم عن بريدة. وفي ((ضعيف الجامع)) (2/247) - أيضاً -: ((موضوع)) . وفي ((تخريج الإحياء)) (995) : (( ... وقال العراقي: رواه الحاكم من حديث بريدة، قال: صحيح الإسناد)) اهـ. قلت (القائل: الزبيدي) : وكذلك رواه أبو يلى. ورواه الطبراني في ((الكبير)) من حديث عبد الله بن عمرو، وفي الإسناد أبو داود الأعمى، وهو متروك ... )) . قلت: ومما يؤخذ على الإمام العراقي روح الله روحه - وكذلك غيره - أنه يحكى تصحيح الحاكم للحديث الواهي الإسناد، ولا يتعقبه، ويكون الإمام الكبير الحافظ الذهبي رحمه الله قد تعقبه وبين شدة ضعفه. والمعتمد عند أهل التحقيق ألا يؤخذ تصحيح الحاكم للأحاديث أمراً مسلماً به، بل ينبغي أن يقابل قوله بما حكم عليه الذهبي - في ((تلخيص المستدرك)) -، فمن بعده من أهل الشأن من إقرار لهذا التصحيح أو تعقب. كذلك القول بتحسين ما سكت عنه - احتياطاً - متعقب، بل يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله كما حكاه العراقي نفسه - رحمه الله - عن ابن جماعة رحمه الله. انظر ((الباعث الحثيث)) للعلامة أحمد شاكر رحمه الله (ص26-27) . دار الكتب العلمية) . (هذا) والحديث مروى مقطوعاً على الحكم بن عتيبة الفقيه الكوفي رحمه الله، بإسناد واه أيضاً عند عبد الرزاق (19651) عن معمر في ((جامعه)) عن أبان - وهو ابن أبي عياش - عنه أنه كان يقول: ((ثلاث من يرد الله به الخير يحفظهن، ثم لا ينسيهن: اللهم إني ضعيف فوق في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي)) . وأبان متروك الحديث، وكان الإمام شعبة بن الحجاج رحمه الله يكذبه ويقول: ((لأن أزني أحب إلى من أن أروى، أحب إلى من أن أقول: حدثني أبان بن أبي عياش)) هذا، وكنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وقد وقفت بعد كتابة ما تقدم على حديث بريدة عند الإمام الطحاوي رحمه الله في ((مشكل الآثار)) (1/64-65) من طريقين عن مندل بن علي (وهو العنزي، أحد الضعفاء) عن العلاء بن المسيب به، وبوب عليه: (باب بيان مشكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اللهم قوّ في طاعتك (1) ضعفي) . ثم قال عقبة: ((فتأملنا هذهين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فوجدنا الضعف لا يكون قوة أبداً، ووجدنا القوة لا تكون ضعفاً أبداً، لأن كل واحد منهما ضد الآخر، ولا يكون الشئ ضداً لنفسه أبداً، وإنما يكون ضداً لغيره، وكان الضعيف والقوة لا يقومان بأنفسهما، إنما يكونان حالين عن أبدان الحيوان من بني آدم ومن سواهم، فيعود ما يحل فيه الضعف منهما الضعيف، وما يحل فيه القوة منهما قوياً (فعقلنا) بذلك أن دعاءه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عز وجل (كذا) أن يجعل ضعفه قوة، وإنما مراده فيه (كذا) - والله أعلم - أن يجعل ما فيه الضعف منه، وهو بدنة - قوياً، فهذا أحسن ما وجدنا في تأويل هذا الحديث، والله نسأله التوفيق)) اهـ. قلت: ثبت العرش - يا فقيه مصر ومفخرتها - ثم انقش، فإن حال أبي داود نفيع الأعمى لا يخفى على العميان! فضلاً عن إمام بصير بالأسانيد والرجال مثلك. وإذ لم يثبت الحديث، بل لم يكن ضعفه محتملاً - على مذهب الآخذين به في الفضائل -، فما كان من داع إلى إيراده في هذا الكتاب أصلاً، فضلاً عن تأويل مشكلة إلا من باب الجواب عنه على افتراض ثبوته - دفعاً لاستشكال من توهم صحته - وما أظن أحداً من أهل العلم قال بصحبته - من السابقين للإمام الطحاوي عفا الله عنها - وهنا نكتة، فإن الحاكم ولد في السنة التي توفي فيها الطحاوي (321) رحمة الله عليهما وعلى أئمة الهدى ومصابيح العلم. فلا تعلق بتصحيح الحاكم أصلاً. ثم إن الإمام محمد بن إدريس الشاعي القرشي رحمه الله، قد أنكر هذا الدعاء أصلاً - وهو من هو في بزة أئمة اللغة في زمانه حتى عدوا كلامه لغة في نفسه رحمه الله -، فقد روى البيهقي في ((مناقب   $! كذا، وفي الرةايتين اللتين أوردهما - على الجادة -: ((اللهم قوّ في رضاك ضعفي)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الشافعي)) (2/116-117) عن الربيع بن سليمان قال: دخلت على الشافعي يوماً، وهو عليل، فقلت: كيف أصحبت يا أبا عبد الله؟ قال: أصحبت والله ضعيفاً. قال: فقلت: قوى الله ضعفك، فقال: ويحك يا ربيع، إن قوى الضعف مني قتلني. فقلت: والله - جعلت فداك - ما أردت إلا الخير، فكيف أقول؟ قال: قل: قوى الله قوتك، وأضعف ضعفك ... )) (1) . فهذا اليذ ينبغي اعتماده والركون إليه، فالعجب ممن يواجه بسقوط هذا الدعاء من جهة إسناده ومتنه، فيصر عليه تعللاً يرأى أحد الدكاترة الأفاضل - ممن نظنهم من الصداعين بالحق ولا نزكي على الله أحد -، وهذا التعلل من الآفات المستشرية في الساحة، نسأل اله تعالى تخليصنا منها ومن غيرها ـ أن سميع قريب. هذا، وهناك عشرات من الأدعية الجامعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان رضوان الله عليهم جميعاً، تغنى عن التثبيت بمثل هذا، فنسأله تعالى أن ييسر للمسلمين من يذللها لهم. آمين. استدراك: ثم وجدت للحديث طريقين واهيين جداً، أحدهما ابن الأعرابي في ((معجمه)) (1061) عن ابن عمر. وفيه غسان بن مالك، تناوله أبو حاتم، عن عنبسة بن عبد الرحمن - متروك رمي بالكذب والوضع - عن محمد بن رستم الثقفي لم أجد له ترجمة ولا ذكر - عنه. وفي المكتن زيادة. والثانية: ذكرها محقق (المعجم)) من رواية ابن شاهين في ((الأفراد)) (5/21/ب) من حديث عائشة، وقال ابن شاهين: ((هذا حديث غريب فرد من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه (يعني عن القاسم عنها) ، لا اعلم حدث به إلا القدامى)) اهـ. قلت: هم عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي أحد الهلكى، كان يعمد إلى أحاديث الضعفاء عن الزهري فيجعلها عن مالك. وقال الحاكم والنقاش: (روى عن مالك أحاديث موضوعة)) . قلت: وروايته هذا المتن بإسناد صحيح كالشمس من أكبر دلالة على اتهامه.   $! وهو في ((آداب الشافعي ومناقبه)) (ص274) لابن أبي حاتم مفرقاً على طريقين بنحوه. ورواه أبو نعيم في ((الحلية)) (9/120) من طريقين عن الربيع بمعناه. وانظر حاشية كتاب أبي حاتم، فقد ذهب ابن الجوزي إلى أن الإمام الشافعي أخذ بظاهر اللفظ وأن الربيع تجوز والشافعي قصد الحقيقة، وأراد مباسطة الربيع، وإن كان دعاؤه صحيحاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الحديث الثامن: ((اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تكلك ولا أملك)) ضعيف، معل بالإرسال. رواه الأمام أحمد (6/144) وأبو داود (1/492) والترمذي (2/304) والنسائي (7/63/64) والدارمي (2/404) وابن ماجة (1971) وابن أبي شيبة (4/386/387) وابن حبان (1305-موارد) والحاكم (2/187) والبيهقي (7/298) والخطيب في ((الموضح)) (2/107) من طرق كثيرة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد - رضيع عائشة - عنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: ... )) الحديث. قال أبو داود: ((يعني القلب)) . وهذه رواية عفان عنه الإمام أحمد، وبشر بن السري عند الترمذي كلاهما عن حماد. ورواية يزيد بن هارون عند أحمد والنسائي وابن ماجة وابن أبي شيبة وابن حبان: ((اللهم هذا فعلي)) - وهي مرجوحة بلا شك -، ولفظ غير هؤلاء: ((اللهم هذا قسمي)) . وهذا إسناده رجاله كلهم ثقات لكنه معل، ومع ذلك جرى على ظاهره ابن حبان والحاكم فصححاه. وغفل محققاً (1) ((زاد المعاد)) (1/151) فقالا: (( ... وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا)) إذ كان يلزمهما عرض هذا الحديث على كتب ((العلل)) للتوثيق من وجود الشرطين الرابع والخامس من شروط صحة الحديث، ألا وهما: ((السلامة من الشذوذ في السند والمتن، والسلامة من العلة القادحة في السند والمتن)) . وهما يستفيدان كثيراً من جهد الشيخ ناصر حفظه الله - في ((الزاد)) وغيره -، دون أن ينسباه إليه، فيشاء العلي القدير أن يتخليا عن ذلك في هذا الحديث المعلول خاصة.   $! لم أكن قد تعرضت لهما - قبل التبييض النهائي -، ولكنني استخرت الله عز وجل على حذف أو زيادة ما يوقفني جل وعلا لحذفه أو زيادته، وهو حسبي ونعم الوكيل. الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فيقعان فيما وقعا فيه. والحديث قد أعله جمع من الأئمة الحذاق كالترمذي والنسائي - فلم يحكيا كلامهما أو ينشطا للتحقق من هذا الإعلال - وأبو زرعة وابن أبي حاتم، وغيرهم كثيرون (1) . وخلاصة الأمر أن ثلاثة من الحفاظ الأثبات قد رووه عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسلاً - بإسقاط عبد الله بن يزيد وعائشة خلافاً لحماد بن سلمة -، وهم: حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب الثقفي كما بينت بالتفصيل في ((تخريج الحقوق)) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله (20) ، وذكرت هناك ما يغني، والله المستعان. وقد أورد في هذا الحديث ههنا - بهذا الاختصار في تخريجه - لأنه (روى) معناه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي ((تفسير الطبري)) (5/202) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ((ذكر لنا أن عمر ابن الخطاب كان يقول: اللهم أما قلبي فلا أملك، وأما سوى ذلك، فأرجو أن أعدل)) , وهذا إسناد ضعيف لا نقطاعه بين قتادة وعمر، بل هو في الغالب معضل، فإن الغالب فيما يرويه قتادة بإسناده إلى عمر أن يكون بينهما فيه رجلان - أو أكثر - لا سيما والرجل إليه المنتهى في الحفظ والإتقان،، فلو كان بينهما واحد - كأنس رضي الله عنه أو غيره - لصرح به قتادة إن شاء الله تعالى. والأثر لم أقف له على طريق سوى هذه، فالله أعلم.   $! وقال الحافظ بن رجب الحنبلي رحمه الله في ((شرح علل الترمذي)) (ص311) ((وقد قال أحمد في حديث أسنده حماد بن سلمة: أي شئ ينفع وغيره يرسله)) كما نقله عنه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله في مقدمة ((الإلزامات والتتبع)) للدار قطني (ص13) . وانظر بحثه حول: ((زيادة الثقة)) فيها، فإنه نفيس جداً. وهذا النص عن الإمام أحمد لم أجده في ((علله)) من رواية عبد الله ولا المروذي، فلا أدري أيقصد هذا الحديث أم غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الحديث التاسع: ((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)) (دعاء عند سماع الرعد والصواعق) . ضعيف. رواه الإمام أحمد (2/100-101) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (721) - بلفظ: ((اللهم لا تقتلنا بصعقك ... )) - وابن أبي شيبة (10/216) والترمذي (5/166) والنسائي في ((اليوم والليلة)) (934) والدولابي في (الكنى والأسماء) (2/117) وابن السني (304) والطبراني في ((الكبير)) (12/318) و ((الدعاء)) (981) من طرق عن عبد الواحد بن زياد عن الحجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال: (( ... )) ذكره. ورواه النسائي (933) والحاكم (4/286) - من طريقين عن عبد الواحد به - بإسقاط الحجاج بينه وبين أبي مطر، والصحيح: عن عبد الواحد عن حجاج عنه كما في ((التهذيب)) (12/238) . ولفظ النسائي في الموضع المذكور أولاً: ((كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سمع الرعد والبرق قال: ((اللهم لا تقتلنا غضباً، ولا تقتلنا نقمة، وعافنا قبل ذلك)) ، كأنه - هكذا - من تصرف سيار بن حاتم العنزي - راويه عن عبد الواحد عنده - فإن في حفظه شيئاً، وهو صدوق له أوهام كما قال الحافظ رحمه الله (2714) . والحديث إسناده ضعيف، حجاج ابن أرطأة - وإن كان كثير التدليس - لكنه صرح بالتحديث في أكثر الطرق، لكنه مختلف فيه اختلافاً محيراً، ومال الحافظ إلى جانب تليينه، فقال (1119) : ((صدوق كثير الخطأ والتدليس)) . وشيخه - أبو مطر - مجهول العين. قال الذهبي في ((الميزان)) (4/574) : ((لا يدرى من هو)) وقال في ((المغنى)) (2/808) : ((نكرة)) . وقال في ((الكائف)) (3/378) - مشيراً إلى لين التوثيق الوارد فيه -: ((وثق)) ، فهو الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أحد المجاهيل الذي وثقهم ابن حبان (7/664) جرياً على قاعدته المخالفة للجمهور. وفي ((التقريب)) (8373) : ((أبو مطر، شيخ لحجاج بن أرطأة، مجهول، من السادسة)) . وق ضعف الترمذي الحديث، فقال: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)) . أما الحاكم فقال: ((صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي! مع ما تقدم عنه. وضعفه أيضاً الإمام النووي رحمه الله في ((الأذكار)) (ص154) ، فقال محشية - عفا الله عنه -: ((ولكن للحديث طرق قواه بها بعضهم)) اهـ قلت: كذا قال، ولم يبين الطرق ولا البعض، ويأتي أن الحديث طريق واحد معضلة. وقال الحافظ رحمه الله، فيما حكاه عنه ابن علان رحمه الله في ((الفتوحات الربانية)) (4/284) - ونقله محقق ((دعاء الطبراني)) جزاه الله خيراً -: ((والعجيب من الشيخ - يعني النووي -، كيف يطلق الضعف على هذا الحديث وهو متماسك، ويسكت عن حديث ابن مسعود فيما يقول: إذا انقض الكوكب، وقد تفرد به من أتهم بالكذب وهو عبد الأعلى؟)) . - يعنى أن ابن أبي المساور الكوفي كما في حاشية ((الأذكار)) (ص135) . وقال محقق ((الدعاء)) - فأجاد -، حفظه الله: ((قلت: وقول ابن حجر: حديث متماسك لا يعني به صحة الإسناد، ولعله إشارة إلى أنه لا يخلو من علة، ولكن ليس لدرجة التهالك) اهـ. هذا، وقد (روى) الدعاء موقوفاً على حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بسند معضل عند عبد الرزاق (2006) عن معمر في ((جامعه)) عن جعفر الجزري (وهو ابن برقان) أنه بلغه عن حذيفة رضي الله عنه أنه كان إذا سمع الرعد قال: ((اللهم لا تسلط علينا سخطك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)) . وهذا إسناد ضعيف لإعضاله، فبين جعفر وحذيفة واسطتان على الأقثل. والله اعلم. وهو فوق ذلك معلول، فقد رواه كثير بن هشام - عند الطبري (13/83) واللفظ له - ووكيع - عن ابن أبي شيبة (10/214) ، وأبو نعيم الفضل بن دكين - عنده أيضاً (10/216) ثلاثيهم عن جعفر قال: بلغنا أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا سمع الرعد الشديد قال: (( ... )) فذكره. فالراجح عن جعفر روايته مرفوعاً معضلاً لاتفاق هؤلاء الثلاثة الأثبات على مخالفة معمر بن راشد وحده رحمه الله لا سيما وهو قد يهم في غير اليمنيين والحجازيين، وعبد الرزاق قد يغلط عليه أيضاً. ومخالفة كثير بن هشام - وحده - لمعمر، كفيلة بإعلال وقفه على حذيفة فإنه أعلم الناس بجعفر بن برقان كما بينا في ((التبييض)) (50) فكيف، وقد انضم إليه حافظا الكوفة: وكيع وأبو نعيم؟ ثم إن هذه الرواية المعضلة لا تصلح لتقوية موصول ابن عمر الضعيف - كما يعرف الطلبة المبتدؤون - لجواز التقاء الطريقين في نفس العلة. والله أعلى وأعلم. (أما) الثابت في الباب، فكله آثار موقوفة ومقطوعة. 1- فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان إذا سمع الرعد قال: ((سبحان الذي سبحت له)) . 2- وعن ابن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: ((سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائطة من خيفته)) . ثم يقول: ((إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض)) . 3- وعن طاوس رحمه الله أنه كان إذا سمع الرعد قال: ((سبحان من سبحت له)) . 4- وعن أبي صخرة - جامع بن شداد - عن الأسود بن يزيد النخعي رحمه الله أنه كان إذا سمع الرعد، قال: ((سبحان من سبحت له)) أو: ((سبحان الذي يبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته)) . وكل هذه الآثار صحاح، وسوف أخرجها إن شاء الله في قسم تالٍ من ((تبييض الصحيفة)) ، فإن أحدهما قد جاء مرفوعاً عند الطبراني بسند لا يصح. والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الحديث العاشر: ((إنما سماهم الله الأبرار، لأنهم بروا الآباء والأبناء)) ضعيف جداً مرفوعاً وموقوفاً. رواه ابن عساكر (17/400) - ودلني على ذلك الحافظ بن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (4/482) - من طريق موسى بن محمد السامري عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب عن ابن عمر مرفوعاً - واللفظ له - وابن عدي (4/1630) من طريق أخرى عن هشام فقال: ((ثنا سعيد بن يحيى)) بدلاً من: ((عيسى ابن يونس)) ، وزاد: ((كما أن لوالديك عليك حقاً، كذلك لولدك عليك حق)) . وأورد الذهبي في ((الميزان)) (3/17) - في جملة مناكير الوصافي -، فقال: ((هشان بن عمار، حدثنا سعدان بن يحيى)) . وهو هو سعيد بن يحيى، وهو اللخمي، صدوق حسن الحديث. ورواية ابن عساكر عن هشام أثبت من رواية ابن عدي - إن لم يكن الاختلاف من هشام فإن فيه مقالاً معروفاً - ولكن لم أقف على إسناد الطبراني بحيث يتعذر الترجيح، فإنه في ((معجمه الكبير)) بلفظ: ((سماهم الله الأبرار، لأنهم بروا الآباء والأمهات والأبناء، كماى أن لوالديك عليك حقاً، كذلك لولدك)) . كما في ((المجمع)) (8/146) . وقال الهيثمي رحمه الله: ((وفيه عبيد الله ابن الوليد الوصافي، وهو ضعيف)) . قلت: وضعفه شديد كما بينت - بحول الله وقوته - في ((البدائل)) (22) . وإلى هذا القول انفصل العلامة الشيخ الألباني حفظه الله في (الضعيفة)) (1211) ، بعد أن كان يتابع الحافظ رحمه الله في الاقتصار على تضعيفه كما تجده في (الصحيحة)) (544) على أنه - عفا الله عنه - قد أورد الحديث في ((ضعيف الجامع)) (2/211) وقال: ((ضعيف)) ، محيلاً على ((الضعيفة)) (3221) ، فلا أدري أوقف له على طريق أخرى فيها ضعف يسير - وهذا مما لا أعلمه - أم أنسى ما قرره في (1211) ؟ . والحديث عدة الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ابن عدي في جملة مناكير الوصافي، وتبعه الذهبي كما تقدم. (ومن) طريقه أيضاً روى موقوفاً علاى ابن عمر، ففي ((الأدب المفرد)) (94) للإمام البخاري رحمه الله، و ((الحلية)) (10/32) من طريقين عن عيسى ابن يونس عن الوصافي به موقوفاً، ولفظ البخاري: ((إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء. كما أن لوالدك عليك حقاً، كذلك لولدك عليك حق)) . ولفظ ((الحلية)) : ((ما سموا الأبرار حتى بر الأبناء الآباء، والآباء الأبناء)) . (وروى) أيضاً من قول سفيان الثوري، وفي ثبوته عنه نظر، ففي ((الحلية)) أيضاً (7/81) من طريق إبراهيم بن محمد بن علي الدهان الكوفي ثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت يحيى بن يمان يقول: خرجت إلى مكة فقال لي سعيد بن سفيان: أقرئ أبي السلام وقل له يقدم، فلقيت سفيان بمكة فقال: ما فعل سعيد؟ فقلت: صالح يقرئك السلام ويقول لك أقدم، فتجهز بالخروج وقال: ((إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء)) اهـ. وإسناده لا يثبت، الدهان لم أقف له على ترجمة، وأبو هشام الرفاعي - واسمه: محمد بن يزيد الكوفي - ويحيى بن يمان مختلف فيهما، وكلاهما إلى الضعف أقرب. ولكن ما أظن يحيى ابن يمان يخطئ في مثل هذه الحكاية - إن صحت - وهذا لو ثبت، لا أدري صفيان أخذه إلا من الأثر المتقدم، فإن الوصافي متقدم الطلقة عليه. والله أعلى وأعلم. هذا، وقد وهم الحافظ المناوى رحمه الله في ((فيض القدير)) (2/574) وهماً عجيباً ما كان ينبغي لمثله، فإنه قال - متعقباً الحافظ السيوطي رحمه الله مغلطاً عليه لعزوه الحديث للطبراني وحده -: ((وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو قصور، فقد رواه سلطان المحدثين باللفظ المذكور في ((الأدب المفرد)) ، وترجم عليه (باب: بر الأب لولده) ، فالضرب عنه صحفاً، والعدول عنه للطبراني، من سوء التصرف)) اهـ. قلت: هذا التعقب إنما يسلم إن كان الحديث عند البخاري مرفوعاً، وليس الأمر كذلك كما رأيت. والسيوطي رحمه الله - وإن كان أحياناً يبين الرواية الموقوفة للحديث ويعزوها لمخرجها - لكنه في الغالب لا يلتزم ذلك، وما هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 بلازمه في كتابه الذي خصصه لحديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسماه: ((الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير)) يأتي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد تعرضنا لوهم يشابه هذا، تتابع عليه غير واحد من الكبار - رحمهم الله - في ((التبييض)) (20) ، فسبحان الموصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال، وحده لا ريك له. استدراك: والحديث وجدته في ((تفسير ابن كثير)) (1/442) من رواية ابن مردوية من طريق هشام بن عمار أنبأنا سعيد بن يحيى عبيد الله الوصافي به، فقال: ((عن عبد الله بن عمرو بن العاص)) . وشيخ ابن مردوية: أحمد بن نصر، إن لم يكن الذي ترجمه أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (1/161) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فلم أعرف من يكون. والحديث - على وهائه - معروف بابن عمر لا ابن عمرو. وروى الموقوف أيضاً: ابن أبي حاتم (2050: آل عمران) عن أبيه عن أحمد بن جناب عن عيسى به موقوفاً على ابن عمر، وفي ((ابن كثير)) : ((ابن عمرو)) ، فكأنه وهم. وروى موقوفاً على محارب ابن دثار، رواه أبو قتيبة في ((عيون الأخبار)) (3/85) عن الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: قال محارب بن دثار ... فذكره، ولا يصح أيضاً، الزيادي هو إبراهيم بن سفيان بن سليمان أبو إسحاق، نحوي لغوي من تلاميذ الأصمعي وغيره. ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقد رواه جماعة من الثقات عن عيسى به إلى ابن عمر. وأيضاً رواية عيسى عن محارب منقطعة، فإن كان بينهما الوصافي أيضاً، فمدار جميع الطرق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الحديث الحادي عشر: ((الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة)) . ضعيف جداً. رواه الدارقطني في ((سننه)) (3/80) والقضاعي (307) - واللفظ له - البيهقي في ((المدخل)) (441) والخطيب في ((الفقيه)) (1/32) من طريق الهيثم بن موسى الرازي - وعند الخطيب: المروزي - ثنا عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعاً به. وزاد البيهقي: ((وأنتم في ممر الليل والنهار على آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتيكم بغتة، فمن يزرع خيراً يحصد رغبة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة)) . ورواه أيضاً في ((شعب الإيمان)) (3/3/61/أ) وقال: ((وقد روينا هذا عن عبد الله بن مسعود من قوله غير مرفوع، وهو المحفوظ)) . قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً لوهاء عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان. قال مسلم: ((ذاهب الحديث)) . وقال أبو داود: ((متروك الحديث)) . وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه: ((روى عنه معن وغيره بلاء في البلاء)) . قال: ((وضعفه جداً)) . وقال النسائي في ((التمييز)) : ((ليس بثقة، ولا يكتب حديثه)) . وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم: ((ليس بالقوي عندهم)) . وقال ابن عدي: ((والضعيف على رواياته بين)) . قال الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (4/29) : ((وأعجب من كل ما تقدم أن الحاكم أخرج له في ((المستدرك)) ، وقال إنه ثقة)) !! . أما الراوي عنه - الهيثم بن موسى ـ فلم أهتد إليه بعد جهد، ثم وجدت ابن عساكر (10/352) يذكر في الراوة عن ابن الترجمان: ((الهيثم بن اليمان المروزي)) وهو صالح صدوق كما قال أبو حاتم، ولعله هو، أخطأ بعض الرواة في اسم أبيه، ويشكل على ذلك أن الخطيب ذكر في ترجمة إسحاق بن البهول (راويه عن الهيثم) من ((تاريخه)) (6/386-387) أن حمل الفقه عن الهيثم بن موسى صاحب أبي يوسف القاضي، لكني لم أقف له على ترجمة مستقلة، فتراجع كتب السادة الحنفية لعله مترجم عندهم. والله أعلم. الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 أما الحارث – وهو ابن عبد الله الهمداني الكوفي صاحب على – فهو ضعيف، ضعفه الجمهور. وقال الذهبي في ((الكاشف)) (1/195) : ((شيعي لين)) . وقال الحافظ في ((التقريب) (1029) : ((صاحب علي، كذبه الشعبي في رأيه ورمى بالرفض، وفي حديثه ضعف)) . قلت: وبرأسه – وحده – عصب الجناية الشيخ الألباني حفظه الله، إذ أورد الحديث في ((الضعيفة)) (42) وقال: ((موضوع. أخرجه الدارقطني ... )) حتى قال: ((وهذا سند ضعيف جداً)) الحارث هو ابن عبد الله الهمداني الأعور، وقد ضعفه الجمهور وقال ابن المديني: ((كذاب)) . وقال شعبة: ((لم يسمع أبو إسحاق منه إلا أربعة أحاديث)) . وفي الكشف (1/205) : ((قال القاري: هو موضوع كما في الخلاصة)) . وأورده السيوطي في ((الجامع)) من رواية القضاعي، وبيض له المناوى! ولوائح الوضع عليه ظاهرة)) اهـ. قلت: الحارث ضعيف – حسب – ليس بواه ولا كذاب. وقد وثقه يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري – وتبعه ابن شاهين – وقواه النسائي – في موضع. وقال في ((التهذيب)) (2/147) : ((وقال ابن عبد البر في كتاب العلم له، لما حكى عن إبراهيم أنه كذّب الحارث: أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث: كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي ... وقال ابن شاهين في ((الثقات)) : قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي. وأثنى عليه. قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب. قال: لم يكن يكذب في الحديث، إنما كان كذبه في رأيه. وقرأت بخط الذهبي في ((الميزان)) : والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به، والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب. وهذا الشعبي يكذبه ثم يروى عنه. والظاهر أنه كان يكذب في حكاياته لا في الحديث ... )) . قلت: لفظ ((الميزان)) (1/437) : ((والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته. وأما في الحديث النبوي فلا. وكان من أوعية العلم)) اهـ. قلت: وسكوت الشيخ - عفا الله عنه - عن عبد العزيز بن الحصين المذكور لا يحسن من مثله. فإن الحارث - على ما فيه من الضعف - لا أراه يحتمل هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الطامة. فيشبه أن يكون - حفظه الله - لما وجد في سند الدارقطني: ((عن ابن الترجمان عن إسرائيل)) ، لم يتفطن له، مع أنه ورد عند القضاعي باسمه كاملاً: ((عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان)) . فسبحان من لا تخفى عليه خافية هذا، وبعد ما سطرت ما تقدم، وجدت الحديث في ((أمالي الطوسي)) الرافضي (ص485) من طريق أخرى عن إسرائيل لا تساوى فلساً، فقد رواه من طريق أبي المفضل الشيباني قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور أبو العباس الدقاق قال: حدثنا أيوب بن محمد الرقى الوزان قال: حدثنا سلام بن رزين الحراني قال: حدثني إسرائيل ... )) فذكره. وأبو الفضل هذا متهم بالوضع. قال الحافظ حمزة السهمي رحمه الله في ((السؤالات)) (401) : ((ذكر للشيخ أبي الحسن الدارقطني: أن أبا المفضل محمد بن عبد الله الشيباني حدث عن العمري عن أبي كريب بحديث شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: (لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج) قال الدارقطني: حدث عدو الله بهذا، معاذ الله، ما حدث العمري بهذا البتة، هو ذا يركب أيضاً)) . وقال الخطيب (5/466-467) : (( ... وكان يروي غرائب الحديث، وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته. وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة ويملي في مسجد الشرقية)) . وقال أيضاً: ((سألت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق عن أبي المفضل فقال: كان يضع الحديث، وقد كتبت عنه، وكان له سمت ووقار)) . وذكر في ترجمته غير ذلك مما يدور حول كونه دجالاً كذاباً يسرق الحديث ويدعي السماع عمن لم يلق. وفي الإسناد أيضاً سلام بن رزين الحراني، الظاهر أنه قاضي أنطاكية، الذي قال فيه الذهبي: ((لا يعرف وحديثه باطل)) . وقال الإمام أحمد في حديثه: ((هذا موضوع، هذا حديث للكذابين)) كما في ((الميزان)) (2/175) و ((اللسان)) (3/75) . (وروى) الحديث بلفظ آخر عن كل من أنس وعلي أيضاً وأبي ذر رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الله عنهم. أما حديث أنس، فأورده الشيخ العجلوني رحمه الله في ((مشف الخفاء)) (1746) بلفظ: ((العلماء قادة، والمتقون سادة، ومجالستهم زيادة)) وقال: ((رواه ابن النجار عن أنس بسند رجاله ثقات)) اهـ. قلت: وقد قلبت ((ذيل تاريخ بغداد)) لابن النجار، فلم أهتد إليه فيه، ولعله في الأجزاء المفقودة منه. وعلى كلٍ، فقد قال العلامة الألباني حفظه الله في ((ضعيف الجامع)) (4/73) : ((موضوع)) وأحال على ((الضعيفة)) (42) ، ولم يذكره فيها إلا باللفظ الذي قدمناه. لكنه قال في الحاشية: ((كذلك قال الصغاني، وأقره غير واحد منهم الشوكاني في ((القواعد)) (ص284 رقم 30) . وأما قول المناوى: ((ورواه الطبراني في حديث طويل. قال الهيثمي: رجاله موثقون)) فوهم منهم)) لأنه عند الهيثمي (1/25) موقوف على ابن مسعود!!)) اهـ. وأما حديث علي، فرواه الطوسي (ص229) من طريق أبي عبد الله محمد ابن محمد بم طاهر الموسوي عن ابن عقدة بسند المسلسل بآل البيت إلأى علي مرفوعاً بلفظ: ((المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس إليهم عبادة)) . والموسوي لم أجد له ترجمة، وكذلك شيخ ابن عقدة وجماعة فوقه. أما ابن عقدة، واسمه: أحمد بن محمد بن سعيد أبو العباس رمى بالرفض، وفيه كلام كثير لم يترجح لدىّ شئ الآن. وترجمته في ((تاريخ بغداد)) (5/14: 23) و ((اللسان)) (1/263: 266) ، وغيرهما. وذكره الرافعي في ((التدوين)) من رواية الحافظ الخليلي بسنده إلى وكيع القاضي بسند آخر مسلسل بآل البيت أيضاً إلى علي به، بلفظ: (( ... والجلوس إليهم زيادة، وعالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد)) . وإسناده مظلم، فيه أيضاً من لم أهتد إليهم، والزيادة الأخيرة منكرة جداً أيضاً. وانظر ما قررناه بشأن أحاديث الشيعة ومروياتهم في الحديث الثالث. وأما حديث أبي ذر، فهو حديث باطل طويل جداً، رواه الطوسي الرافضي أيضاً في ((أماليه)) (ص536: 553) ، جاء فيه: ((يا أبا ذر: المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة)) . وفيه - قبله -: ((يا أبا ذر، إنكم في ممر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الليل والنهار ... )) حتى قوله: ((فإن الله وقله)) . وسنتعرض لإسناد هذا الحديث في موضع آخر بإذن الله. (أما) الروايات الموقوفة للحديث فوقفت عليه من كل من ابن مسعود وعبد الله بن بسر المازني رضي الله عنهما. فأثر ابن مسعود، رواه الطبراني (9/110) وأبو نعيم (1/133-134) والشجري في (أماليه) (1/47) والبيهقي في ((المدخل) (439) والخطيب في ((الفقيه)) من طريقين عن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني عبد الله بن الوليد قال: سمعت عبد الله بن حجيرة يحدث عن أبيه (وعند غير الشجري: عبد الرحمن بن حجيرة) قال: كان عبد الله بن مسعود إذا قعد يقول: ((إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة. ولكل زارع ما زرع، لا يسبق بطئ حظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، فمن أعطي خيراً الله أعطاه، ومن أعطي شراً فالله وقاه. والمتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة)) . قال البيهقي: ((وهذا موقوف. وروى عن الحارث عن علي رضي الله عنه مرفوعاً، مختصراً. وإسناده ضعيف)) . قلت: وهذا أيضاً ضعيف - إن لم يكن واهياً - وله علتان. الأولى: ضعف عبد الله بن الوليد، فإنه - وإن ذكره ابن حبان في ((الثقات)) 0 فقد قال الحافظ في ((التهذيب)) (6/70) ((قلت: وضعفه الدارقطني فقال: لا يعتبر بحديثه)) اهـ. وهذا ظاهره أنه مطرح عند الإمام الدارقطني رحمه الله. وقال في ((التقريب)) (3691) : ((لين الحديث)) . الثانية: مظنة الانقطاع بين عبد الرحمن بن حجيرة - والد عبد الله - وابن مسعود، فإنه من الطبقة الثالثة، توفي سنة (80) أو (83) - على خلاف في ذلك - ولم يذكر البخاري ولا أبو حاتم الرازي ولا ابن حبان روايته عن ابن مسعود أصلاً، وإنما استدركها ابن أبي حاتم (5/227) على أبيه. وقد أورد الحافظ المزي رحمه الله في ((تحفة الأشراف)) (11961) له حديثاً من طريق بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ابن عمروعن الحارث بن يزيد عنه عن أبي ذر رضي الله عنه - عند مسلم - وزاد قوله: ((رواه ابن ليهعة، عن الحارث بن يزيد، عن ابن حجيرة قال: أخبرني من سمع أبا ذر ... فذكره)) . قلت: فلو كانت هذه الرواية من طريق أحد قدماء أصحاب ابن ليهعة، فهي تعل رواية بكر بن عمرو - المتقدمة - وتبين أن بين ابن حجيرة وأبي ذر المتوفى (32) واسطة. وفي هذه السنة أو في التي بعدها توفي ابن مسعود أيضاً رضي الله عنه. مما يقوى احتمال الانقطاع المتقدم ذكره)) ، فالله أعلم (1) . هذا، ولم يقف محقق ((المدخل)) حفظه الله على رواية الشجري - على الصواب - فقال: ((كذا (يعني: عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبيه) جاء في السند عند جميع من أخرج هذا الأثر، ففي السند انقطاع، لأن جميع اصحاب التراجم يذكرون أن عبد الله بن الوليد يروى عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبيه)) . قلت: يأبى ذلك تصريح ابن الوليد بالسماع - في رواية بشر بن موسى عن المقرئ عند جميعهم إلا البيهقي والخطيب - فالأشبه أن الاسم انقلب على بعض الرواة، فقد كان ينقلب على خالد بن يزيد المصري - أحد الثقات - فقد قال ابن حبان في ((ثقاته)) (5/96) - في ترجمة عبد الرحمن حجيرة الأكبر - ((روى عند دراج وابنه عبد الله بن عبد الرحمن، قلب اسميهما خالد بن يزيد فقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن حجيرة)) اهـ. فلا أبعد أن يكون هذا من قبل عبد الله بن الوليد نفسه، ولا يبرأ من ذلك رجل يقول فيه الدارقطني: ((لا يعتبر بحديثه)) ، وقد وقع ما يشابه ذلك لجبل من جبال الحفظ طيلة أيام دهره) ألا وهو الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني رحمه الله. انظر ((اللسان)) (3/73-74) . أما ما تقدم عن البيهقي رحمه الله من قوله في هذا الأثر: ((وهو المحفوظ)) ، فهو نظير قولهم: ((وهو الأشبه)) أو: ((الأولى)) ، ونحو ذلك. والعم عند الله تعالى. فإن حال إسناده   $! وابعد من ذلك أن يحيى بن سعيد الأنصاري، قد روى الحديث عن الحارث بن يزيد أن أبا ذر ... مرسلاً عند ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم، ولكنا لا نتهجم على القطع بإعلال حديث في ((الصحيح)) دون تتبع روايته عند صاحب ((الصحيح)) وكلام العلماء فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 لا يساعد على القول بصحته ولا يحسنه مما يتبادر من الوصف المتقدم. (وأما) أثر عبد الله بن بسر رضي الله عنهما، فرواه البيهقي في ((الزهد الكبير)) (455) وعنه ابن عساكر (9/8) من محمد بن رزيق (1) بن جامع ثنا الحسين بن الفضل بن أبي حديدة (وعند ابن عساكر: الحسن) ثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف اليمامي (كذا في ((الزهد)) والصواب: الشامي) قال: سمعت عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((المتقون سادة، والعلماء قادة، ومجالستهم عبادة، بل ذلك زيادة. وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، فأعدوا الزاد، فكأنكم بالميعاد)) . وهذا إسناد واه فيه الآتي: 1- محمد بن رزيق بن جامع، ترجمة الدارقطني في ((المؤتلف)) (ص1018) والخطيب في ((تلخيص المتسابه)) (ص288) ، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبين محقق الأول أنه مذكور أيضاً في ((الإكمال)) و ((المشتبه)) و ((التبصير)) و ((التوضيح)) وفي ((المؤتلف)) للحافظ عبد الغني الأزدي رحمه الله، فجزاه الله خيراً،. ولم يذكر أصحاب هذه الكتب أيضاً ما يبين حاله. ومع كل ذلك، فقد قال محقق ((الدعاء)) للطبراني (1/587) : ((لم أقف على ترجمته)) ! وكذلك قال محقق (المعجم الصغير)) (2/164) : ((لم أجده)) . والآخر منهما له شبه عذر، فإن اسمه وقع في ((الصغير)) هكذا: ((محمد بن رزين بن جامع)) ، مشكولاً بفتح المهملة هكذا: ((رَزين)) ! وإن كان ذلك لا يعفى محققاً رضي لنفسه أن يسلك هذه الطريق أن يتبع احتمالات التحرف والخطأ. 2- الحسين (أو الحسن) بن الفضل بن أبي حديدة، لم أكن وقفت له على ترجمة ولا ذكر، ثم وجدت في ((الجرح)) (3/63) : ((الحسين بن الفضل ابن أبي حديرة الواسطي)) ، قاب ابن أبي حاتم: (سمع منه أبي بمصر)) .   (1) وقع في الكتابين: ((محمد بن زريق)) بتقديم المعجمة - والصواب ما أثبتناه. وهذا من الأسماء التي يكثر فيها وقع مثل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ولم يذكر فيه شيئاً. 3- المؤمل بن سعيد بن يوسف، وهو الرحبي الشامي، وهو أهتك هؤلاء الثلاثة حالاً. قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/49) : ((منكر الحديث)) . وقال ابن أبي حاتم (8/375) : ((سألت أبي عنه فقال: هو منكر الحديث، وسليمان بن سلمة (أحد الرواة عنه) منكر الحديث) اهـ. وسليمان هذا الذي سوى أبو حاتم بين وبين المؤمل هذا في عبارة الجرح، قال ابنه (4/122) : ((وسمع منه أبي ولم يحدث عنه، وسألته عنه فقال: صدق، كان يكذب، ولا أحدث عنه بعد هذا)) . ومؤمل، قال أيضاً ابن حبان في ((المجروحين)) (3/32-33) : ((منكر الحديث جداً، فلسن أدري وقع المناكير في روايته منه أو من سليمان ابن لمة، ولأن سليمان كان يروى الموضوعات عن الأثبات، فإن كان منه أو من مؤمل أو منهما معاً، بطل الاحتجاج برواية يرويانها. وقد روى سلمة بن سليمان - وهو ثقة - عن مؤمل بن سعيد ... )) فأتى بحديث يدلل به على أن البلية وقعت لمؤمل من غير رواية سليمان بن سلمة عنه. وفي كون الراوي عنه غير سليمان هذا نظر، محلة في ((الضعيفة)) (1821) . وفي نفسي من سماع المؤمل من هذا الصحابي ارتياب كبير. فإنه أصغر من أن يدركه وأبوه هو الذي يروى عن ابن بسر، فالله أعلى وأعلم. استدراك: وأثر بن مسعود رواه أيضاً الإمام أحمد في ((الزهد)) (ص161) عن عبد الله بن يزيد به، كرواية الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الحديث الثاني عشر: ((تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع)) . في قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) . موضوع. رواه الديلمي كما في ((فردوس الأخبار)) (8446) ، وأورده الإمام ابن عرّاق رحمه الله في ((تنزيه الشريعة)) (1/319) من رواية الدارقطني عن ابن عمر، قال: ((وقال موضوع، والحمل فيه على أبي النصر أحمد بن عبد الله الأنصاري ... )) الخ. وقال الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (1/202) : ((قال الدارقطني: حدثني أبو الحسن محمد بن عبد الله المزني الهروي ثنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الأنصاري ثنا الفضل بن عبد الله بن مسعود اليشكري ثنا مالك بن سليمان ثنا ملك عن نا فع عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه في قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. فأما الذين ابيضت وجوههم) أهل السنة والجماعة. (وأما الذين أسودت وجوههم) أهل البدع والأهواء)) . قال: ((هذا موضوع، والحمل فيه على أبي نصر الأنصاري، والفضل ضعيف)) . وأخرجه الخطيب في ((الرواة عن مالك)) من طريق أبي زرعة حدثنا أحمد بن الحسين الحافظ ثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله القيسي بهراة ثنا الفضل به. وقال: ((منكر من حديث مالك. ولا أعلمه يروى إلا من هذا الوجه)) . قلت: ولعل أبا نصر هو الأول، نسب أولاً إلى جده ـ ويحتمل أن يكون آخر)) اهـ. قلت: ومالك ابن سليمان أيضاً ضعيف، ضعفه العقيلي والدارقطني وغيرهما وأورده ابن حبان في ((الثقات)) وقال كلاماً يتضمن إقراره بضعفه وأنه ممن يستخير الله عز وجل فيه. والحديث أخرجه أيضاً أبو نصر السجزي في ((الإبانة)) عن أبي سعيد مرفوعاً، كما في ((الدر المنثور)) (2/63) ، وما إخاله يسلم أيضاً من وضاع أو هالك، فالله أعلم. الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 (وروى) موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما بسند واه جداً، بل موضوع أيضاً عند ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (آل عمران:1139) من طريق حفص بن عمر المقرئ ثنا علي بن قدامة، عن مجاشع بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عنه في قوله تعالى (يوم تبيض وجوه) ، قال: ((تبيض وجوه أهل السنة والجماعة)) . ثم روى (1140) بنفس السند: (وتسود وجوه) . قال: (وتسود وجوه أهل البدع والضلالة)) . ورواه أيضاً الخطيب (7/379) من طريق أبي عمر الدوري - وهو حفص ابن عمر المقرئ المذكور - واللالكائى في ((شرح السنة)) (1/72) من طريق أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، والسهمي في ((تاريخ جرجان)) (ص132-133) من طريق إسماعيل بن صالح الحلواني ثلاثتهم قالوا: ((حدثنا علي ابن قدامة عن مجاشع بن عمرو عن ميسرة بن عبد ربه عن عبد الكريم به. وألفاظهم متقاربة. ورواه أيضاً أبو نصر في ((الإبانة)) كما في ((الدر)) . وهذا إسناد تالف، بل موضوع فيه الآتي: 1- على بن قدامة، وهو الوكيل. قال ابن محرز في ((معرفة الرجال)) (1/100 وكذلك - 232 - باختصار) وعنه الخطيب (12/50) : ((وسألت يحيى بن علي بن قدامة، فقال: وكيل (زاد الخطيب: ابن) هرثمة؟ فقلت: نعم. فقال: لم يكن البائس ممن يكذب، قيل له: حدث عن مجاشع. قال: قد رأيت مجاشع (عند الخطيب: مجاشعاً) هذا كان يكذب، وكان يحدث (زاد الخطيب: عن ابن ليهعة) . وقال الذهبي في ((الميزان)) (3/151) : أشار ابن معين إلى لين فيه بقوله: لم يكن البائس ممن يكذب. قال أبو حاتم الرازي. ليس بقوي)) . وأقره الحافظ في ((اللسان)) (4/251) ولم يذكر قول أبي حاتم، ولا وجدت لعلي بن قدامة ترجمة في ((الجرح)) فلعله قال ذلك من رواية غير ابنه عنه. والله أعلم. 2- شيخه مجاشع بن عمرو، تقدم تكذيبه عن ابن معين. وقال العقيلي: حديثه منكر غير محفوظ. ثم روى عن ابن معين: مجاشع بن عمرو قد رأيته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أحد الكذابين. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف، ليس بشئ. وأرود له الذهبي (3/436-437) أحاديث، قال في آخرها: ((وهذا موضوع، ومجاشع هو راوي كتاب ((الأهوال والقيامة)) ، وهو جزآن (وفي النسخة هـ: خبران) كله خبر واحد موضوع، رواه عن ميسرة بن عبد ربه، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وعنه علي بن قدامة المؤذن شيخ لإسحاق بن سنين، وهو من الطبرز ديات)) . وأقره الحافظ في ((اللسان)) (5/15-16) وزاد: ((وقال أبو أحمد الحاكم: منكر الحديث. ومن موضوعاته: ... )) فذكر له حديثاً في تعزية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاذاً في ابنه، وقال: ((أورده الحاكم في ((المستدرك)) وقال: غريب، لأن مجاشع بن عمرو ليس من شرط هذا الكتاب. وذكره ابن عدي في ((الضعفاء)) وأرورد له مناكير)) اهـ. قلت: ويلاحظ أن سند الكتاب الذي ذكره له الذهبي، هو عين هذا الإسناد، فيحتمل أن يكون هذ التفسير قطعة من الخبر الموضوع الذي يتضمنه هذا الكتاب، فإنه مناسب لاسمه: ((الأهوال والقيامة)) . والعلم عند الله تعالى. 3- شيخه ميسرة بن عبد ربه - وهو أوهى الثلاثة - قال البخاري في ((الضعفاء الصغير)) (355) : يرمى بالكذب، ورواه عنه (1) العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/263-264) ، وقال قبلها: ((أحاديثه بواطيل غير محفوظة)) . وروى عن ابن مهدي قال: ((قلت لميسرة بن عبد ربه في هذا الحديث الذي حدث به في فضائل القرآن أيش هو؟ قال: هذا وضعته أرغب الناس في القرآن)) !! وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث. وقال: أبو حاتم: كان يرمى بالكذب، وكان يفتعل الحديث، روى في فضل قزوين والثغور بالكذب (كذا في ((الجرح)) (8/254)) . وقال أبو زرعة: كان من أهل الأهواز، وكان يضع الحديث وضعاً، قد وضع في فضائل قزوين نحو أربعين حديثاً كان يقول: إني أحتسب في ذلك. وقال النسائي في ((التمييز)) ومسلمة:   $! والطريف أنه اتبع ترجمته مجاشع، كأنه تعمد ذلك للعلاقة التي بينهما!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ((كذاب)) زاد الآخر: روى أحاديث منكرة، وكان ينتحل الزهد والعبادة، فإذا جاء الحديث جاء شئ آخر. وقال الحاكم: يروى عن قوم من المجهولين الموضوعات، وهو ساقط. وقال أبو نعيم: يروى الأباطيل. وانظر سائر كلامهم فيه في ((الميزان)) (6/138: 140) . فإن تعجب فعجب قول إمام المفسرين الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (1/390) : (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة، قال ابن عباس رضي الله عنهما)) . هكذا جزم - عفا الله عنه - وكثيرون غيره، بنسبة هذا التفسير إلى ترجمان القرآن رضي الله عنه وهو كذب عليه كما رأيت، فإن قيل إن عذره في ذلك أن ميسرة الوضاع قد سقط من سند ابن أبي حاتم، فالجواب: فكيف بمجاشع بن عمرو الكذاب الذي وهاه أبو حاتم؟ على أن الراجح رواية الجماعة الذين أثبتوا ميسرة في الإسناد. نعم، وأورد - رحمه الله - حديثاً للترمذي عن أبي غالب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه فسر الآية بالخوارج، ومع أنه شاهد قاصر لحديث الترجمة فإنه أيضاً مختلف في رفعه ووقفه، وإيراد الآية وحذفها، وإيراد قوله تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب) الآية، تارة مع الأولى، وتارة بدونها على أضرب كثيرة جداً - ليس هذا محل بيانها. على أن قول أيي أمامة فيه: ((لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً - حتى عد سبعاً - ما حدثتكموه)) ، مما لا يطمئن إليه القلب، فإنه من المستبعد عادة أن يحدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحديث واحد سبع مرات - بل أقل من ذلك - ثم لا يحفظه عنه إلا صحابي واحد، فكأن الحديث أتى من رواية عن أبي أمامة، وهو أبو غالب واسمه: حزور،فإن فيه اختلافاً كثيراً بين النقاد وأكثرهم مال إلى القدح فيه. على أن الحديث قد رواه سيار الأموي، وهو مستور وثقه ابن حبان، وصدقه الحافظ (2720) ، وصفوان بن سليم - وهو ثقة إمام - كلاهما عن أبي أمامة رضي الله عنه، فلم يذكرا الآيات أصلاً، وإنما جاء عند الإمام أحمد (5/269) وابنه عبد الله في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ((السنة)) (1546) من رواية صفوان هذا، قول أبي أمامة: ((هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعاً)) . لذلك، فإن أحسن أحوال التفسير المتقدم أن يكون من قول أبي أمامة نفسه، وبذلك جزم الإمام البغوي رحمه الله في ((تفسيره)) (1/340) والله تعالى أعلم بالصواب. والذي يعيننا في هذا المقام تحذير إخواننا الكرام بارك الله فيهم مما شاع بينهم من الجزم بنسبة هذا الأثر إلى أن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو منه برئ لا سيما في معرض كلامهم وكتاباتهم عن البدع والمبتدعين، ففيما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم مقنع لمن أراد أن يسلم غداً في القيامة إن شاء الله تعالى. استدراك: والحديث قال العلامة الشوكاني في ((الفوائد المجموعة)) (ص317) : ((قال في (الذيل) : هو موضوع)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الحديث الثالث عشر: ((تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وأئمة، تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم. يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة. التفكر فيه بعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وب يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الإشقياء)) . موضوع. رواه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/54-55) من طريق عبيد الله بن محمد بن خنيس الكلاعي (في الأصل - خطأ -: عبيد ابن محمد) . حدثنا موسى بن محمد بن عطاء القرشي قال: حدثنا عبد الرحيم ابن زيد العمى عن أبيه عن الحسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً به (وصوبنا بعض ألفاظه من المنذري) وقال - عقبة -: ((هكذا حدثنيه أبو عبد الله بن عبيد بن محمد رحمه الله مرفوعاً بالإسناد المذكور، وهو حديث حسن جداً ولكن ليس له إسناد قوي. ورويناه من طرق شتى موقوفاً، منها ... )) الخ. فتعقبه الحافظ المنذري رحمه الله في ((الترغيب)) (1/96) بقوله ((كذا قال رحمه الله. ورفعه غريب جداً. والله أعلم)) . وقال شارحه - روّح الله روحه - تعليقاً على قول ابن عبد البر: ((ولكن الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ليس له إسناد قوي)) : ((ولا ضعيف، ولا يعقل أن يكون هذا من كلام النبوة أصلاً)) اهـ. قلت: بل هو كذب موضوع لا ريب فيه، وفي هذا الإسناد: 1- عبيد الله بن محمد بن خنيس، تقدم ذكره في الحديث الثاني. 2- وشيخه موسى بن محمد بن عطاء وضاع. تقدم أيضاً في نفس الحديث. 3- وشيخه عبد الرحيم بن زيد العمى كذاب معروف. قال البخاري: تركوه. وقال أبو حاتم: يترك حديثه، منكر الحديث، كان يفسد أباه يحدث عنه بالطامات. وقال ابن معين: كذاب خبيث. وفي رواية: ليس بشئ. 4- وأبوه زيد العمى هو ابن الحواري البصري أبو الحواري، ضعيف كما في ((التقريب)) (2131) . 5- والحسن البصري ثقة حافظ وإمام جليل، لكن روايته عن معاذ منقطعة كما يأتي. ولا شك أنه رحمه الله برئ من هذا الإفك. وللحديث طرق أخرى مرفوعة عن أبي هريرة وأنس وعلي. أما حديث أبي هريرة، فقد قال الخطيب في ((الفقيه)) (1/15) : ((أنا أبو القاسم على بن محمد ابن عبد الله بن الهيثم الأصبهاني نا سليمان أحمد بن أيوب الطبراني نا يحيى بن عثمان بن صالح المصري نا نعيم بن حماد نا عبد العزيز الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه. وهذا الإسناد لا يثبت، وفيه: 1- أبو القاسم علي بن محمد الأصبهاني - شيخ الخطيب - لم أقف له على ترجمة ولا ذكر، وما هو في ((تاريخ بغداد)) ولا ((أخبار أصبهان)) . 2- يحيى بن عثملن بن صالح - وهو السهمي - صدوق له ما ينكر. قاله الذهبي. 3- نعيم بن حماد، وهو ضعيف صاحب مناكير كما قدمت في ((تبييض الصحيفة)) (10) . وأزيد هنا قول محمد بن علي المروزي: ((سألت يحيى بن معين عنه - يعني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 حديثاً لنعيم في ذم القياس بالرأي - فقال ك ليس له أصل. قلت: فنعيم؟ قال (1) : ثقة قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شبه له)) كما في ((التهذيب)) (10/460) . فلعل هذا أيضاً مما شبه له، فإن هذا المتن بهذا الإسناد طامة لا تحتمل، والبلاء منحصر في نعيم وشيخ الخطيب، والعلم عند الله تعالى. وأما حديث أنس، فوقفت على طريقين: الأولى: عند المرهبي في ((العلم)) من رواية يزيد الرقاشي عنه، كما في ((تخريج الإحياء)) (68) نقلاً عن التخريج الكبير للحافظ العراقي رحمه الله. ويزيد ضعيف، ضعفه الجمهور وقال النسائي وأبو أحمد الحاكم: متروك الحديث، (انظر: ((أخذ الجنة)) ص53) لكنه - على ضعفه - لا يحتمل هذا المتن، بل لا ذنب له فيه، فقد قال الشيخ بن عرّاق رحمه الله في ((تنزيه الشريعة المرفوعة)) (1/282) : ((فيه محمد بن تميم السعدي وهو آفته)) . قلت: وهو وضاع مشهور، فالبلاء منه الثانية: عند الطوسي (501) من طريق أبي المفضل الشيباني قال: وحدثنا محمد بن علي بن شاذان بالكوفة قال: حدثني أبو أنس كثير بن محمد الحزامي قال: حدثنا حسن بن حسين العرني قال: حدثني يحيى بن يعلى عن أسباط بن نصر عن شيخ من أهل البصرة عن أنس به. وهذا إسناد قد هلهل بالمرة، لم يسلم منه سوى أنس، وفيه الآتي: 1- أبو المفضل الشيباني، تقدم أنه متهم بسرقة الحديث والوضع للرافضة. 2- شيخه محمد بن علي بن شاذان لم أهتد به. 3- أبو أنس كثير بن محمد الحزامي ترجمة الخطيب (12/484) من رواية   $! ووثقه غيره أيضاً، ورماه غير واحد بالوضع. وكرهما إفراط وتفريط. والصواب ما قرره الحافظ بن الكبير ابن رجب الحنبلي رحمه الله عند حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به من كتابة النافع: ((جامع العلوم والحكم)) حيث رجح ضعف نعيم، وأعل الحديث بعلتين أخريين في مبحث نفيس لا تجده عند غيره. وبه تعلم ما في تصحيح الإمام النووي رحمه الله للحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 جماعة عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 4- حسن بن حسين العرني رافضي واه. قال أبو حاتم: لم يكن بصدوق عندهم. وانظر في ((اللسان)) (2/199-200) . 5- يحيى بن يعلى - وهو الأسلمي القطواني أبو زكرياء - كوفي شيعي ضعيف، وهاه ابن معين. وهناك كوفيان بهذا الاسم، لكنهما ثقتان: أبو زكرياء المحارني، وأبو المحياة التيمي. 6- أسباط بن نصر وهو الهمداني - مختلف فيه، وقال الحافظ (321) : ((صدوق كثير الخطأ، يغرب)) . 7- شيخه البصري مبهم لم يسم. ولا يدرى من هو. وأما حديث علي، فرواه الطوسي (ص500) وكذلك (579-580) من طريق أبي المفضل بسنده المسلسل بآل البيت عنه مرفوعاً، وفي أوله: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم في مظانها (كذا) واقتبسوه من أهله، في تعلمه لله خشية (في الأصل: حسنة) ، وطلبه عبادة ... الحديث بطوله. وأبو المفضل تكرر الكلام عنه. والسند الذي ذكره فيه جماعة لم أهتد إليهم، وحسبه به! (وروى) الحديث مرفوعاً على كل من معاذ وعلى أيضاً. أما أثر معاذ، فرواه ابن عبد البر وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/238-239) من طريق هاشم بن مخلد (وفي ((الحلية)) - خطأ هشام) قال: سمعت أبا عصمة يحدث عن رجاء بن حيوة (وعند أبي نعيم سمعته من أبي عصمة عن رجل سماه عن رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل به. وقال أبو طالب المكي في الفصل الحادي والثلاثين من ((القوت)) : ((وروينا في فضل العلم بالله تعالىمن رواية رجاء بن حيوة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قل:..)) فذكره، كان في ((تخريج الإحياء)) ، وفيه: ((قال العراقي: قوله (يعني ابن عبد البر في الحديث المرفوع) : حسن، أراد به الحسن اللغوي لا الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث، فإن موسى بن محمد البلقاوي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 العقيلي وابن حبان إلى وضع الحديث، وعبد الرحمن (كذا) بن زيد متروك وأبوه مختلف فيه، والحسن لم يدرك معاذاً. وأبوه عصمة المذكور في الموقوف ضعيف أيضاً، كان يقال له: نوح الجامع. قال ابن حبان: جمع كل شئ إلا الصدق. ورجاء بن حيوة أيضاً لم يسمع من معاذ. وروى الموقوف: سليم الرازي في ((الترغيب والترهيب)) من طريق آخر، وفيه كتابة بن حبلة ضعيف جداً. قلت (القائل: الزبيدي) : ولكن صرح أبو طالب أن رجاء بن حيوة سمعه من عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. هذا أشبه (كذا) والله أعلم ... )) الخ. قلت: ومن طرق كنانة بن جبلة أيضاً رواه الطوسي عن أبي المفضل بسنده إليه عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. أما أبو عصمة - في الطريق الأول - فليس ضعيفاً فحسب، بل هو كذاب متهم بالوضع. قال البخاري: ((قال ابن المبارك لوكيع: عندنا شيخ يقال له: أبو عصمة، كان يضع، كما يضع المعلى بن هلال)) . وقال أبو حاتم ومسلم والدارقطني والدولابي والساجي: متروك الحديث. زاد الآخير: عنده أحاديث بواطيل. وذكر الحاكم أنه أقر بوضع حديث في فضائل القرآن من أوله إلى آخره. وكنانو بن جبلة كذبه ابن معين، فقال: ((كذاب خبيث)) . قال تليمذه عثمان ابن سعيد الدارمي: ((هو قريب مما قال يحيى، خبيث الحديث)) . وقال الجوزجاني السعدي: ((ضعيف جداً)) . أما أبو حاتم الرازي رحمه الله فكأنه لم يخبر أمره فقال: ((محله الصدق، يكتب حديثه، حسن الحديث)) . (وأما) أثر علي، فرواه أبو طالب الحسنى في ((أمالية)) كما في ((تيسير المطالب)) (ص141) قال: ((أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي العبدكي (في الأصل: العبدي، والصواب الأول كما تكرر كثيراً في الكتاب) ... فذكره بسنده المسلسل بآل البيت، وفيه: قال أمير المؤمنين لأصابه، وهو بحضرته: تعلموا العلم ... )) الخ. والعبدكي، واسمه: ((محمد بن علي بن عبدك - واسمه: عبد الكريم)) ، قال الإمام برهان الدين الحلبي في ((الكشف الحثيث)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 (712) : (( ... وكان إمام أهل التشيع في ومانه، ذكر له ابن الجوزي في ((موضوعاته حديثاً في فضل علي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن جبريل: يا محمد علي خير البشر، من أبى فقد كفر. قال ابن الجوزي: والمتهم به الجرجاني الشيعي)) وهو في ((الموضوعات)) (1/347-348) من طريقه عن علي بن موسى الفقيه القمى عن محمد بن شجاع الثلجي قال: حدثنا حفص بن عمر الكوفي عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل ابن مسعود به)) وقال (1/329) : ((وأما حديث ابن مسعود، ففيه حفص بن عمر، وليس بشئ، ومحمد بن شجاع الثلجي، وقد سبق في أول الكتاب أنه كذاب، والمتهم به الجرجاني الشيعي)) . وأورده السيوطي في ((اللآلئ)) (1/327-328) وأقره، فلم يتعقبه. وفي اتهام الجوزي له - بهذا الحديث خاصة - نظر، لوجود الثلجي وغيره في الإسناد، وإن كان اتهام بن عبدك به أليق لمكانه من الإمامة في الرفض. لكن اتهامه - عامة - في محله، فإن أبا طالب المذكور روى له بلايا في (أمالية)) وباله التوفيق. وهو أعلى وأعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الحديث الرابع عشر: ((تكفير كل لحاء ركعتين)) . ضعيف على الأقل. رواه تمام الرازي في ((الفوائد)) (141/1) من طريق يحيى بن أبي كثير، وابن الأعرابي في ((معجمه)) (178/2) من طريق أبي عاصم النبيل كلاهمما عن الأوزاعي حدثني عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة مرفوعاً به. وقال الحافظ رحمه الله في ترجمة: ((مخلد بن يزيد القرشي الحراني من ((التهذيب)) (10/77) : ((قلت: وقال الساجي: كان يهم. وقدم أحمد مسكين بن بكير عليه. فمن أوهامه: حديثه عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة رفع قال: يكفر كل لحاء ركعتان. قال أبو داود: مخلد شيخ، إنما رواه الناس مرسلاً ... )) . قلت: لم أقف عليه من طريق مخلد هذا إلا موقوفاً من رواية الإمام أحمد رحمه الله كما يأتي. فإن كان المراد بالإرسال - عند أبي داود - الوقف، فقد أوقفه مخلد ولا أدري من رفعه عنه وإن كان مراده الإرسال - على ظاهره - أي عن عبد الواحد بن قيس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بدون ذكر أبي هريرة - فهذا لم أقف عليه البتة ولا وجدت أحداً بينه. ومما يرجح الثاني، قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (4/84) : ((قال أبو حاتم: صدوق. وقد روى مخلد حديثاً في الصلاة مرسلاً فوصله. قال أبو داود: مخلد شيخ، إنما رواه الناس مرسلاً. قال أحمد بن حنبل: حدثنا مخلد بن يزيد..)) فذكره موقوفاً. أقول: وإسناد الحديث من طريق يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 - مرفوعاً - واه جداً (1) ، فيه أحمد بن محمد بن عمر بن يونس بن القاسم اليمامي، كذبه أبو حاتم وابن صاعد وغيرهما. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال - مرة -: متروك. وقال عبيد الكشوري (منسوب إلى قرية بصنعاء اليمن) : هو كالواقدي فيكم. نعم، تابعه - عند ابن الأعرابي - أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبي الشيباني، وهو ثقة حافظ، لكن مدار الطريقين على عبد الواحد بن قيس الدمشقي، وهو مختلف فيه اختلافاً كثيراُ. وقال الحافظ (4248) : ((صدوق له أوهام ومراسيل)) . أما رواية مخلد - المرفوعة - عن الأوزاعي، فقد بينت عدم وقوفي عليها. وقد أوقفها الإمام أحد. أما رواية عبد الواحد عن أبي هريرة، فمنقطعة قطعاً. قال ابن أبي حاتم في ((الجرح)) (6/23) عن أبيه: ((روى عن أبي هريرة مرسل)) . وفي ((التهذيب)) (6/439) : ((روى عن أبي أمامة ونافع و ... وأبى هريرة مرسل)) . وقال صالح بن محمد البغدادي: ((روى عن أبي هريرة ولم يسمع منه. وأظنه مدنياً سكن الشام. وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/123) : ((وهو الذي يروى عن أبي هريرة ولم يره، ولا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه)) . ثم عاد فذكره في ((المجروحين)) (2/153-154) . وقال الذهبي في ((الميزان)) (2/675) - عقب حديث أورده العقيلي بسنده إلى الأوزاعي، حدثني عبد الواحد بن قيس سمت أبا هريرة يقول: ... فذكره. قال: ((قلت: هذاذ كذب على الأوزاعي: فأساء العقيلي كونه ساق هذا في ترجمة عبد الواحد، وهو برئ منه، وهو لم يلق أبا هريرة إنما روايته عنه مرسلة، إنما أدرك عروة، ونافعاً ... )) قلت: وللمتن شاهد مرفوع من أبي أمامة - لكن إسناده واه جداً - عند الطبراني   $! ولم ينبه - أو لم يتفطن - الشيخ الألباني حفظه الله، فأورد الإسناد إلى يحيى بن أبي كثير، ولم يعله بهذا اليمامي، فاغتر بذلك أحد إخواننا الكرام فرجح الطريقين المرفوعتين على رواية المصمصي الموقوفة - وتأتي - إذ لم يكن قد وقف على رواية مخلد بن يزيد الموقوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 في ((الكبير)) (8/175) وابن عساكر (14/614) من طريق مسلمة ابن علي الخشني عن خالد بن دهقان عن كهيل بن حرملة عنه به. ومسلمة متهم، تقدم الكلام عنه في الحديث الرابع. وبه وحده أعل الحافظ الهيثمي الحديث في ((المجمع)) (2/251) والشيخ الألباني في ((الصحيحة)) (1789) . وكهيل بن حرملة أيضاً فيه جهالة. فقد ترجمه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/238) وابن أبي حاتم (7/173) وابن حبان في ((الثقات)) (5/341) بروايته عن أبي هريرة، ورواية خالد سيلان - وحده - عنه. وأورد له ابن حبان حديثاً من طريق خالد بن دهقان قال: ثنا خالد سيلان عن كهيل عن أبي هريرة. وهذا مفاده أن رواية ابن دهقان عنه أيضاً منقطعة، إلا أن يثبت أن بينهما خالد سيلان ت واسمه خالد بن عبد الله بن الفرج، ولقب: ((سيلان)) لضخامة لحيته. وهو ثقة، وثقة أبو سهر الغساني وابن حبان. فهذه علل ثلاث لهذه الطريق. والحديث - من طريق أبي هريرة - أورده الشيخ الألباني حفظه الله في ((الصحيحة)) جازماً بحسنه - اعتماداً على قول الحافظ رحمه الله في عبد الواحد ابن قيس: ((صدوق، له أوهام)) كما تقدم، ولم يتفطن للإنقطاع الظاهر الذي صرح به الأئمة المتقدم ذكرهم. أما تحقيق حال عبد الواحد بن قيس، فلم أنشط إليه الآن اتكالاً على ضعف الحديث بالانقطاع، والخلاف فيه شديد جداً بين موثق وتارك! ولذلك قلت - تحت حديث الترجمة -: ((ضعيف على الأقل)) . (أما) الموقوف، فرواه الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/1886) ، فقال: ((حدثنا مخلد بن يزيد الحراني قال: حدثنا الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة ... )) فذكره. قال ابنه عبد الله: ((قال أبي: تفسيره: الرجل يلاحي الرجل يخاصمه يصلي ركعتين تكفيره. يعني كفارته)) اهـ. ومخلد ثقة أو صدوق على أقل تقدير. وتابعه على إيقافه أيضاً: محمد بن كثير المصيصي، ومن طريقه ابن عساكر (10/574) عن الأوزاعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 عن عبد الواحد عن رجل عن أبي هريرة، فأدخل رجلاً مبهماً بين عبد الواحد وأبي هريرة. والمصيصي - وإن قال الحافظ (6251) : ((صدوق كثير الغلط)) - إلا أن خشي غلطه في هذه الرواية - خاصة - مدفوعة بالمتابعة المتقدم ذكرها. وإدخاله رجلاً مبهماً في الإسناد - وإن لم أره توبع عليه في جميع ما تقدم - لكنه صحيح حكماً، فإن هناك واسطة لا تعلمها بين عبد الواحد وأبي هريرة - ولا بد. والحاصل أن الحديث لا يثبت مرفوعاً ولا موقوفاً، ولا جدوى من محاولة الترجيح لضعفه على كل حال. وتغني عن معنهاه أحاديث أخرى ثابتة نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) وقوله: ((إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها، قيل: يا رسول الله، أمن الحسنات: لا إله إلا الله؟ قال: هي أفضل الحسنات)) . بل وجدت هذا المعنى في كتاب الله عز وجل في قوله: (ويدرؤون بالحسنة السيئة. أولئك لهم عقبى الدار) وقوله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل. إن الحسنات يذهبن السيئات. ذلك ذكرى للذاكرين) وهذه النصوص داخلة في جملة ما استخرت الله عز وجل عليه في التبييض النهائي للكتاب، ألهمتها الآن. فالحمد لله على توفيقه. وهو سبحانه أعلى وأعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الحديث الخامس عشر: ((جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشئ)) . ضعيف على الأقل رواه الحاكم في ((تاريخه)) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الشيخ الألباني في ((ضعيف الجامع)) (3/81) : ((ضعيف)) ، وأحال على ((الضعيفة)) (2592) . ورواه أيضاً الديلمي كما في ((فردوس الأخبار)) (2401) ، وذكر محققاه عن الحافظ في ((تسديد القوس)) قوله ((أسنده عن ابن عمر، وفيه قصة)) اهـ. قلت: وهي أن ابن عمر قال: ((سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً يتعوذ بالله من جهد البلاء، فذكره)) كما قال الحافظ المناوى رحمه الله في ((الفيض)) (3/352) - إذ عزاه السيوطي للحاكم - وقال عقبة: ((ورواه الديلمي أيضاً كما ذكر)) . وهذا الاقتصار منى على تضعيف الحديث إنما تبعت فيه صاحب ((ضعيف الجامع)) حفظه الله لتعذر نظري بنفسي في إسناده، وإلا فاحتمال ضعفه الشديد عندي قائم، فالله تعالى أعلم. وأسأله التيسير. وهذا الحديث ينبغي أن يكون محله في ((البدائل المستحسنة)) لشدة استهتاره بين المسلمين في هذا العصر، بل وكثرة إلحاح الصحف ووسائل الإعلام الحكومية به على الناس، لإقناعهم بالحد من نسلهم، وبترك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((تزوجوا الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)) في نصوص كثيرة يعلم من مجموعها بأن تكثير الذرية المسلمة من مقاصد الشريعة المقطوع بها!! لكنى لا أستحضر له الآن بديلاً صالحاً، فيمكن إيراد بدائل تنقصه وتبطله إن شاء الله! . نعم. لبعض السلف كلمات مشهورة في ذم صاحب العيال وأنه لا يفلح ... الخ، لها محمل مخصوص لا ينبغي أن تتعداه وليس هذا مجالها. (وقد) روى الحديث موقوفاً على ابن عمر أيضاً بسند مظلم فيه جهالة وانقطاع. قال السهمي في ((تاريخ جرجان)) (ص140) : ((حدثنا إبراهيم الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ابن عبد الله الشطي حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد الحمادي حدثنا محمد بن القاسم حدثنا أبي حدثنا أبو عكرمة الضبي حدثنا الحسين بن يزيد حدثنا سعد ابن عامر عن إبراهيم النخعي قال: ((سئل ابن عمر: ما جهد البلاء؟ قال: قلة المال، وكثرة العيال)) . وفي هذا الإسناد ما يأتي: 1- إبراهيم بن عبد الله الشطي - شيخ السهمي - ترجمه، فلم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً. 2- وشيخه الحمادي، لم أهتد إليه. 3- وأبو عكرمة الضبي احتمل المعلق على ((تاريخ جرجان)) أنه هو الذي ترجمه الدولابي في ((الكنى)) (2/36) بروايته عن الحسن الجعفري، ورواية الأصمعي عنه. وهذا احتمال وجيه، فإنه من هذه الطبقة. ولم أجد لأبي عكرمة ترجمة أخرى تفصح عن حالة في الحديث. ثم وجدت المعافى بن زكريا النهرواني روى في ((الجليس)) (1/265: 269) خبراً عن محمد بن القاسم (وهو أبوبكر الأنباري ومنه استفدنا تعيينه. وهو وأبوه صدقهما الخطيب) عن أبيه عن أبي عكرمة هذا، فسماه: ((عامر بن عمران بن زياد)) . ووجدت أيضاً الطوسي روى في ((أمالية)) (ص512-513) أثراً من طريق أبي بشر حيان بن بشر الأسدي قاضي المصيصة قال: حدثني خالي أبو عكرمة عامر بن عمران الضبي الكوفي قال: حدثنا محمد بن المفضل الضبي عن أبيه ... )) فذكره. ففتشت عن: ((عامر بن عمران بن زياد)) فيما طالته يداي من كتب رجال الحديث وغيرهم، فلم أظفر به أيضاً. والحاصل من مجموع ما وقفت عليه من روايات أنه مستور، والله أعلم. 4- والحسين بن يزيد، ليس هو الطحان الأنصاري الكوفي المترجم في ((التقريب)) (1361) وغيره، وهو لين الحديث، فإنه متأخر عن هذا. ولعل الصواب في اسمه: ((الحسن بن يزيد)) - وهو الجعفري - على ما في ((الكنى والأسماء)) . وقد يكون أيضاً ((الحسين بن يزيد)) المترجم في ((اللسان)) (2/317) وجهله ابن القطان. ويشبه أن يكون من رواة الشيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 5- وسعد بن عامر لم أهتد إليه. وهناك: ((سعيد بن عامر)) وهو الضبعي البصري وهو ثقة من التاسعة كما في ((التقريب)) (2338) . و ((سعيد بن عامر)) آخر تابعي يروىعن ابن عمر وعنه ليث بن أبي سليم، فكلاهما يخالف هذا في الطبقة. 6- وإبراهيم النخعي هو الثقة الحافظ الإمام المشهور، لكن روايته عن ابن عمر والصحابة - في جملتهم - منقطعة، ولم أقف على الأثر موصولا في مكان آخر استدراك: ووجدت الأثر عن ابن عمر عند ابن أبي الدنيا في ((إصلاح المال)) (463) من طريق إسماعيل بن عياش عن أبي الخصيب يسار بن عبد الله عن إياس بن معاوية عنه قال: جهد البلاء: كثرة العيال وقلة الشئ)) . وشيخ إسماعيل لم أهتد إليه، ويحتمل أن يكون: ((بشر بن عبد الله بن يسار)) وهو صدوق لكن لم أجد له رواية عن إياس ولا رأيت أحد كنّاه. وإياس ثقة مشهور بالعقل والحلم، لكن روايته عن ابن عمر منقطعة.   (1) إلا أن مراسيله عن ابن مسعود - خاصة - صحيحة جداً، لأنه لا يرسل عنه إلا ما سمعه من غير واحد عنه. انظر ((التبييض)) (رقم 31:1/92) . والأثر الصحيح الذي أرسله عن ابن مسعود في قصته مع حذيفة في الاعتكاف كاف في إعلال ونسف ما شاع هذه الأيام من الرواية المرفوعة لأثر حذيفة: ((لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ... )) والتفرقة بين قول إبراهيم: ((أن حذيفة قال لابن مسعود)) وبين: ((أن ابن مسعود قال له حذيفة)) ظاهرية لا يحسن الأخذ بها. وحسبي هذا في هذا المقام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الحديث السابع عشر: ((حسنات الأبرار سيئات المقربين)) . باطل لا أصل له. قاله الشيخ الألباني أمتعنا الله بعمره في ((الضعيفة)) (100) . قال: ((وقد أورده الغزالي في ((الإحياء)) (4/44) بلفظ: ((قال القائل الصادق: حسنات الأبرار ... )) قال السبكي (4/145-171) : ((ينظر إن كان حديثاً، فإن المصنف قال: قال القائل الصادق، فينظر من أراد)) . قلت: الظاهر أن الغزالي لم يذكره حديثاً، ولذلك لم يخرجه الحافظ العراقي في ((تخريج أحاديث الإحياء)) وإنما أسار الغزالي إلى أنه من قول أبي سعيد الخراز الصوفي، وقد أخرجه عنه ابن الجوزي في ((صفوة الصفوة)) (2/130/1) وكذا ابن عساكر في ترجمته كما في ((الكشف)) (1/357) قال: ((وعده بعضهم حديثاً وليس كذلك)) . قلت: وممن عده حديثاً، الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد الشافعي فإنه قال في كتابه ((الظل المورورد)) (ق12/1) : ((فقد أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ... )) فذكره. ولا يشفع له أنه صدّره بصيغة التمريض - إن كانت مقصودة منه - لأن ذلك إنما يفيد فيما كان له أًل ولو ضعيف، وأما فيما لا أصل له - كهذا - فلا. قلت: ثم إن معنى هذا القول غير صحيح عندي، لأن الحسن لا يمكن أن تصير سيئة أبداً مهما كانت منزلة من أتى بها، وإنما تختلف الأعمال باختلاف مرتبة الآتين بها إذا كانت من الأمور الجائزة التي لا توصف بحسن أو قبيح، مثل الكذبات الثلاث التي أتى بها إبراهيم عليه السلام، فإنها جائزة لأنها كانت في سبيل الإصلاح، ومع ذلك فقد اعتبرها إبراهيم عليه السلام يئة، واعتذر بسببها عن أن يكون أهلاً لأن يشفع في الناس صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وسائر أخوانهما أجمعين. وأما اعتبار الحسنة التي هي قربة إلى الله تعالى سيئة بالنظر إلى أن الذي صدرت منه من المقربين، فمما، لا يكاد يعقل)) اهـ. قلت: وهذا كلام نفيس جداً، ولكن ليت الشيخ حفظه الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الله تحقق من مدى نسبته إلى أبي سعيد الخراز - رحمه الله - واسمه: ((أحمد ابن عيسى البغدادي)) ، فسيأتي تحقيق أنه كذب عليه أيضاً. وما كان الشيخ ليعجزه أن يعلم أن أبا سعيد هذا بغدادي، وبالتالي يرجع إلى ترجمته في ((تاريخ بغداد)) وكذلك ((تاريخ دمشق)) كما دله عليه الشيخ العجلوني رحمه الله فيما تقدم من عزوه لان عساكر. أما أنا فلم أكن لأفعل (1) ذلك لولا أنه قد لفت نظري أثناء تقليب المجد الأول من ((كشف الخفاء)) قول العجلوني (1137) تحته: ((هو من كلام أبي سعيد الخراز كما رواه ابن عساكر في ترجمته، وهو من كبار الصوفية مات في سنة ما ئتين وثمانين. وعده بعضهم حديثاً وليس كذلك ... )) قلت: وتمام كلامه - الذي لم يسقه الشيخ -: ((وقال النجم: رواه ابن عساكر أيضاً عن أبي سعيد الخراز من قوله، وحكى عن ذي النون انتهى. وعواه الزركشي في لفظته للجنيد ... )) الخ. قلت: علقة بن الجوزي في ((صفة الصفوة)) (2/437) فقال: ((وعن علي بن حفص الرازي قال: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: ذنوب المقربين حسنات الأبرار)) . ووصله الخطيب (4/277) - وعنه ابن عساكر (2/65) -، فقال: ((أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي أخبرنا أحمد ابن نصر الذارع قال: سمعت أبا محمد الحسن بن ياسين يقول: سمعت علي بن حفص الرازي يقول: ... فذكره. وهذا إسناد هالك غاية! وفيه: 1- الحسن بن الحسين المعروف بابن دوما النعالي - شيخ الخطيب - مترجم في ((تاريخه)) (7/300-301) وفيه: ((كتبنا عنه وكان كثير السماع في أشياء لم تكن سماعه ... )) حتى قال: ((ذكرت لمحمد بن علي الصوري خبراً من حديث الشافعي كان حدثنا به ابن دوما. فقال الصوري: لما دخلت بغداد رأيت هذا الجزء وفيه سماع ابن دوما الأكبر، وليس فيه سماع أبي علي (يعني شيخ الخطيب هذا) ، ثم سمع فيه   $! بل ظللت حتى تلك اللحظة معتقداً حقاً أنه من كلام أبي سعيد الخراز الثابت عنه حتى دعاني الفضول إلى معرفة إٍناده إليه من ((تاريخ دمشق)) ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 أبو علي لنفسه، وألحق اسمه مع اسم أخيه ... )) وأقره الحافظ في ((اللسان)) (2/201) . 2- وشيخه أحم بن نصر الذارع، قال الخطيب (5/184) : ((نزل النهروان وحدّث بها عن الحارث بن أبي أسامه، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، و ... ، ... ، وجماعة غير هؤلاء ممن لا يعرف. وفي حديثه نكرة تدل على أنه ليس بثقة. حدثنا عنه ... و ... وأبو علي بن دوما النعالي ... )) . وقال الذهبي في ((الميزان)) (1/161-162) : ((بغدادي مشهور. روى عن الحارث ابن أبي أسامه وطبقته، فأتى بمناكير تدل على أنه ليس بثقة. قال الدارقطني: دجّال، يكنى أبا بكر، فمن أباطيله ... )) فذكر إسناداً مسلسلاً بآل البيت إلى علي قال: ((خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصاحت نخلة بأخرى: هذا النبي المصطفى، وعلىّ المرتضى ... )) وفيه: ((فقال: يا علي! إنما سمي نخل المدينة صوحانياً، لأنه صاح بفضلي وفضلك)) (!!!) ثم قال: ((أنبئت علي بن كليب ... )) فذكر إسناداً إلى ابن عباس، قال: ((لما قتل علي عمرو بن عبد ود، هبط جبرائيل بأترجة من الجنة، فقال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يقول لك: حيّ بهذه علياً فدفعها إليه فانفلقت في يده، فإذا فيها حريرة بيضاء مكتوب فيها بصفرة: تحية من الطالب الغالب إلى على بن أبي طالب)) قال: ((فهذا من إفك الذارع)) اهـ. وأقره الحافظ في ((اللسان)) (1/317-318) . قلت: فهل يصدق هذا الدجال الأفاك على أبي سعيد الخراز،وقد افترى الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى (ابن عباس) ، بل على رب العالمين ورسوله الأمين؟ !! 3- وشيخه الحسن بن ياسين لم أٌف له على أثر، فلعله من شيوخه المجاهيل الذين أشار إليهم الخطيب. 4- وشيخه علي بن حفص الرازي لم أقف له على ترجمة مستقلة، ولكن ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله في جملة الراوة عن أبي سعيد في ((سير أعلام النبلاء)) (13/420) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 أقول: ولعل تفرد بن دوما - غير الموثوق به - عن هذا الذارع الدجال بهذا الأثر، هو السر في عد إيراد أبي نعيم له في ((الحلية)) مع أنه جمع فيها كل غث وثمين، وكذلك لم يورده السلمي في ((طبقات الصوفية)) ولا القشيري في ((الرسالة)) , أما قول النجم الغزي: ((وحكى عن ذي النون)) ، وقول الزركشي إنه من كلام الجنيد، فقد كلفني بعض العنت من حيث لم أكن أحتسب، ففتشت في ترجمة مل منهما من ((الحلية)) و ((تاريخ بغداد)) و ((تاريخ دمشق)) - ولم أجد ترجمة للجنيد في نسخة الظاهرية - و ((الطبقات)) و ((الرسالة)) فلم أجد فيها كلها هذا الكلام ولا قريباً منه. فإذا كان هذا هو حال السند الذي يجزم العامة وقبلهم الخاصة بسبته إلى ابن أبي سعيد الخراز، - وهو منه برئ بل ما هكذا لفظه أيضاً! - فكيف بغيره؟ والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الحديث السابع عشر: ((الدنيا دار من لا دار له، [ومال من لا مال له] ، ولها يجمع من لا عقل له)) . منكر. رواه الإمام أحمد (6/71) - بدون الفقرة الوسطى -، وقال الشيخ الألباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (1933) : ((من طريق دويد عن أبي إسحاق عن عروة (وفي الأصل: زرعة) عن عائشة مرفوعاً. وقال ابن قدامة في ((المنتخب)) (10/1/2) : ((هذا حديث منكر)) (1) . قلت: وأبو إسحاق الظاهر أنه السبيعي، وهو مدلس مخالط. ودويد، وهو ابن نافع. قال الحافظ: ((مقبول)) . كذا قال، وفيه نظر، فقد روى عنه جمع، منهم الليث بع سعد، ووثقه الذهلي وغيره، وقال ابن حبان: ((مستقيم الحديث)) . وكذا قال الذهبي. وقد تابعه أبو سليمان النصيبي عند ابن أبي الدنيا في ((ذم الدنيا)) (ق29/2) ، فالعلة السبيعي. ولذلك فإنه لم يصب من جوّد إسناده كالمنذري في ((الترغيب)) 4/104) ، والعراقي في ((التخريج)) (3/202) ، وتبعهم المناوى والزرقاني، وقلدهم الغماري كعادته في ((كنزه)) (1799) ، وكأنهم لم يقفوا على شهادة إمام السنة بنكارته، كما تقدم. وقد أحسن صنعاً الحافظ السخاوي في ((المقاصد)) في اقتصاره على قوله (217/494) : ((ورجاله ثقات)) . وسبقه إلى ذلك الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/288) ، فلم يصححاه؛ خلافاً لفهم الزرقاني في ((مختصر المقاصد)) (108/464) : ((صحيح)) . ومثل هذا الفهملكلمة: ((رجاله ثقات)) خطأ شائع مع الأسف كما نبهنا عليه في غير ما موضع. هذا، والحديث رواه الإمام أحمد في ((الزهد)) (ص161) عن مالك بن مغول قال: قال عبد الله: فذكره موقوفاً على عبد الله، وهو ابن مسعود،   $! كذا في ((الضعيفة)) فلا أدرى أسقط منها قوله: ((قال الإمام أحمد)) أم هو قول ابن قدامة نفسه، فإن الشيخ سيذكؤ كلاماً الأولى حمله على الإمام أحمد رحمه الله نورده بعد هذا بأسطر. الحديث: 17 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ورجاله ثقات أيضاً، ولكنه منقطع، مالك هذا تابعي تابعي، ورى عن السبيعي وغيره. والحديث عزاه السيوطي لأحمد والبيهقي في ((الشعب)) عن عائشة. والبيهقي فيه عن ابن مسعود موقوفاً. فمن أخطاء المناوى قوله عقبة في ((التيسير)) : ((بأسايد صحيحة)) اهـ. قلت: وكلام الشيخ - أمتعنا الله بعلمه وعمره - يتضمت تعقباً جيداً لمن قووا هذا الحديث المنكر - على أمور متعددة لاح لي خلافها - لولاها لوددت أن أسلم بكل حرف أفدناه الشيخ جزاه الله خيراً. الأول: قوله: ((دويد)) ، وهو ابن نافع ... )) قلت: لم يتبين لي ذلك، فإنه ورد في ((المسند)) هكذا: ((عن دويد)) بالمعجمة. وابن نافع يروى عن عروة رأساً (على قول الشيخ إنه عروة لا زرعة) ويروى عنه الليث بن سعد وإسماعيل ابن رافع المدني ونظراؤهما من المتقدمين. أما هذا فيروى عنه حسين بن محمد المروذي – شيخ الإمام أحمد -، وهو متأخر عن ابن رافع، فإنه من التاسعة (ت213 أو بعدها) . وابن نافع من السادسة؛ ولم أجد أحداً نص على روايته عن أبي إسحاق السبيعي أيضاً. وبعد تقرير هذا، فاجئني قول الأمير ابن ماكولا رحمه الله في ((الإكمال)) (4/386) : (( ... ودويد بن سليمان حدث عن سلم ابن بشير بن حجل وعثمان بن عطاء، روى عنه حسين بن محمد المروذي. ودويد ابن نافع، مصري، مولى سعيد بن عبد الملك بن مروان، يكنى أبا عيسى، روى عنه جماعة من أهل مصر ... )) حتى قال (4/387) : (( ... ودويد لم ينسب، يروى عن أبي إسحاق عن زرعة عن عائشة: الدنيا دار من لا دار له، وله أحاديث في الزهد)) اهـ. دلني على كلامه محقق ((المؤتلف)) (ص1008) جزاه الله خيراً، فإن الدارقطني رحمه الله قال: ((ودويد بن نافع، يروى عن الزهري، وضبارة بن عبد الله بن أبي السليك، روى عنه بقية بن الوليد. ودويد لم ينسب، يروى عن أبي إسحاق، عن زرعة، عن عائشة: ((الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له)) . وله أحاديث نحو هذا في الزهد)) اهـ. فتحقق ما قد ملت إليه، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. الثاني: قوله: ((أبو إسحاق الظاهر أنه السبيعي ... )) . قلت: نعم، هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 المتبادر - غالباً - عندج الإطلاق، لولا أنني لم أجد له رواية عن عروة (على تصويب الشيخ، وستأتي الإجابة عنه) ولا رواية لأحد يدعي: ((دويداً)) عنه. نعم، وما ذكره ابن ماكولا والدارقطني ليس فيه تصريح بأن أبا إسحاق - شيخ دويد - هو السبيعي، بل الظاهر أن كلاً منهما جكى السند كما وقع له. نعم، عروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه صحابي يروى عنه أبو إسحاق، لكنى لم أجد له رواية عن عائشة. على أن في كون الراوي عنها اسمه: ((عروة)) نظر، يأتي قريباً. الثالث: قوله: ((وقد تابعه أبو سليمان الضبي عند ابن أبي الدنيا ... )) . قلت: قال ابن أبي الدنيا في ((ذم الدنيا)) (182ط. دار القرآن) : ((حدثني محمد بن العباس بن محمد نا أبو سليمان النصيبي عن أبي إسحاق عن زرعة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له)) . وعنه رواه البيهقي في ((الشعب)) 3/3/81ب -82أ) . ولم يبين لنا الشيخ حفظه الله من أبو سليمان النصيبي هذا، وكدت آيس منه حتى وجدت - قدراً - أثناء تقليب المجلد الثالث من ((الجرح والتعديل)) (3/427) : ((داود بن هلال النصيبي أبو سليمان روى عن المسعودي ومالك ابن مغول وبكر بن خنيس وأسد بن عمرو. روى عنه زهير بن عباد الرؤاسي)) . ولم يكذر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فوقع في قلبي أنه هو هو دويد المذكور - فيكون اسمه مصغراً رواه حسين المروذي مرة فكناه ونسبه، فحفظه عنه محمد ابن العباس - شيخ ابن أبي الدنيا - ورواه مرة أخرى فصغره ولم ينسبه أو يكنيه. أما دويد بن سليمان الذي أفرده ابن ماكولا، يحتمل أن يكون هو هو أيضاً - بقرينة أنه ذكر رواية المروذي وحده عنه - فيكون ابن ماكولا سمى أباه: ((سليمان)) خلافاً لابن أبي حات، أو الصواب: ((داود أبو سليمان)) . وهذا الأخير مجرد احتمال، والعلم عند الله تعالى. الرابع: قوله: ((عن عروة (وفي الأصل: زرعة) ... )) . قلت: لماذا لم يبقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الشيخ عفا الله عنه على ما في الأصل، لا سيما وهو كذلك عند ابن أبي الدنيا والبيهقي، بل وفي كلام ابن ماكولا والدارقطني؟ هذا، وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله الحديث في ((تفسيره)) أربع مرات - معزواً للإمام أحمد - وساق إسناده في موضعين منهما: الأول: في (3/33) ، وفيه: ((عن زرعة عن عائشة)) . والثاني: في (4/501) ، فقال: ((عن عروة عن عائشة)) . فلا أدري ما سبب هذا التردد، ولماذ صوب الشيخ زرعة إلى عرورة، ومن زرعة الذي يروي عن أم المؤمنين رضي الله عنه؟ الله أعلم. الخامس: قوله - في أثر بن مسعود -: ((ولكنه منقطع، مالك ها تابع تابعي روى عن السبيعي ونحوه ... )) . قلت: طالعت جمسع شيوخه الذين أوردهم له الحافظ المزي رحمه الله في ((تهذيب الكمال)) (ق1300) ، فلم أجد أحداً منهم يمكنهم إدراك ابن مسعود أصلاً، إلا أن يكون عبد الله بن بريدة، لو صح سماعه من ابن مسعود. ولذلك فالأشبه أن هذا الإسناد معضل. ثم وقفت له من قريب على طريق أخرى، فقد رواه أبو عبد الله اليزيدي في ((أمالية)) (ص91) فقال: ((حدثنا أبو حرب حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة قال: قال عبد الله بن مسعود ... فذكره. وهذا إسناد لا يثبت أيضاً، أبو حرب اسمه محمد بن خالد المهلبي، فكنت أظنه: ((محمد بن خالد بن خداش المهلبي)) ، وهو صدوق يغرب كما قال الحافظ (5843) لكن تبين لي أنه غيره، فإن كنية ابن خداش: ((أبو بكر)) ولم أجد له رواية عن شيوخ هذا من خلال ما أورده له اليزيدي من آثار في ((الأمالي)) ثم إني تعبت عليه جداً فلم أقف له على ترجمة. فإن كان حفظه بهذا الإسناد، فإنه أيضاً معضل - في الغالب - بين قتادة وابن مسعود، والأشهر طريق مالك ابن مغول عن عبد الله. ومن طريقه رواه ابن أبي الدنيا (16) : ((حدثني سريج ابن يونس نا عنبسة بن عبد الواحد عند به. وعنه البيهقي في ((الشعب)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ثم جدت الحديث بعد ذلك موقوفاً على كل من أبي الدرداءوعمر بن عبد العزيز، بإسنادين تالفين. (( (أما) أثر أبي الدرداء، فرواه ابن عساكر (13/771) من طريق عبد الملك ابن عمير عن رجاء بن حيوة عنه به. وإسناده تالف، فيه سهل بن علي الدوري، قال الخطيب (9/119) : (وزعم أبو مزاحم الخاقاني أنه كان يرمى بالكذب)) . وقال الذهبي في ((المغني)) (1/288) : ((متهم بالكذب)) . قلت: والثابت بهذا الإسناد من طرق على عبد الملك به إلى أبي الدرداء قوله: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ... )) . وهو منقطع أيضاً بين رجاء وبينه كما أومأت في مقدمة ((التبييض)) (1/4) ولعلي أتعرض له مرة ثانية إن شاء الله في ((التبييض)) أو (العلل)) أو كليهما، فالله المستعان. (وأما) أثر عمر بن عبد العزيز، فرواه ابن أبي الدنيا (112) من طريق زكريا ابن منظور عن عمه عنه أنه كتب إلى أخ له.. الأثر، وفيه ((فإن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له)) . وزكريا ضعيف أو واه، قزاه ابن معين في بعض الروايات عنه. وعمه لم أهتد إليه، وشيخ ابن أبي الدنيا: أبو سعيد المديني هو عبد الله بن شبيب الربعي وهو أخباري علامة لكنه واه كما قال الذهبي في ((الميزان)) (2/438) وجعء محرفاً في الكتاب: ((حدثني أبو سعيد المديني عبد الله بن المسيب)) !! وشيخه محمد بن عمر بن سعيد العطار لم أهتد إليه، فالسند مهلهل لم يسلم منه سوى الراشدين رحمه الله! (ملحوظة هامة) : ومما يؤخذ على الإمامين ابن كثير والسيوطي في ((الدر)) (6/341) عفا الله عنهما - وغيرهما كثير - أنهم عزوا الحديثبتمامه إلى الإمام أحمد مع أن الفقرة الوسطى - ((ومال من لا مال له)) - ليست عنده، بل عند ابن أبي الدنيا والبيهقي. والأدهى والمر أن الشيخ أبا أحمد الغزالي عفى الله عنه زاد في ((الإحياء)) (3/203) في متن الحديث: ((وعليها يعادى من لا علم له، وعليها يحسد من لا فه له، ولها يسعى من لا يقين له)) . وبين الحافظ العراقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 رحمه الله أن هذه الزيادة عند مخرجيه. وقال ابن السبكي رحمه الله في ((طبقات الشافعية)) (6/345) : ((لم أجد هذه الزيادة)) كما في ((تخريج الإحياء)) (2946) ، وأخطأ العارقي خطأ آخر. فلفق بين هذا الحديث وحديث آخر في ذم الدنيا أيضاً، فانظر جواب العراقي وابن السبكي عما صنع في ((التخريج)) (3552) . وممن زادها أيضاً ابن حجر الهيثمي الفقيه رحمه الله في ((أسنى المطالب)) كما في ((كشف الخفاء)) (1315) . أما صاحب: ((من وصايا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم)) - سامحه الله - فقد وقع في كل، فأورد الحديث بلفظ أحمد (ص641) وقال: ((رواه أحمد، وزاد: ((ومال من لا مال له)) ! ثم أورده (ص770) بالزيادة الباطلة، وقال: ((رواه أحمد من حديث عائشة)) !! ومثل هذا في ((وصاياه)) كثير مع أنه أحشاها بالمناكير والواهيات التي لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها. بل الوصايا نفسها تسع منها - فيالجزء الأول وحده - لا يصح، ما بين ضعيف ومنكر وواه. هدانا الله وإياه لتحري الحق والصواب، وتحاشي الوقوع في الكذب على سيد الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعامله الله تعالى بما يستحق، إذ رمى أهل السنة والجماعة الذين يصفون رب العالمين بما وصف به نفسه، ووصفه به نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقلة الأدب! ، إذ قال على الملأ عقب خطبة جمعة بالمعادي ما معناه: ((يقولون: إن الله في السماء، انظروا إلى قلة الأدب؟!)) . فالله بيننا وبينك ياطة، (يوم لا ينفع ما ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) . استدراك: ثم وجدت الحافظ رحمه الله يقول في ((نزهة الألباب)) (1077) : ((دويد: هو داود ابن سليمان النصيبي)) . فصح - ولله الحمد - ما احتملته، مع استبعاد أن يكون هو هو داودبن هلال النصيبي. ووجدت احديث مرفوعاً أيضاً في ((الأصول من الكافئ)) (2/129) لثقة الرافضة الكليني، وفيه قصة. وهو عن جعفر الصادق معضلاً. وفي إسناده جماعة من الرافضة لم أهتد إليهم، وفيه أيضاً أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وهو من غلاتهم، له كتاب ((التحريف)) - يعني في القرآن -، نعوذ بالله من الكفر والخذلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الحديث الثامن عشر: ((صاحب الشئ أحق أن يحمله إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه، فيعينه أخوه المسلم)) . ضعيف جداً، أو موضوع. رواه أبو يعلى والطبراني في ((الأوسط)) كما في ((المجمع)) (5/121-122) وابن الأعرابي في ((معجمه)) (235/1-2) وابن بشران في ((الأمالي)) (2/53-54) والحاظ محمد بن ناصر في ((التنبيه)) (16/1-2) من طريق يوسف بن زياد البصري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة قال: ((دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم السوق، فقعد إلى بزارين، فاشترى سراويل بأ {بعة دراهم، قال: وكان لأهل السوق رجل يزن بينهم الدارهم يقال له: فلا الوزان، قال: فدعي ليزن ثمن السراويل، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:أتزن وأرجح، فقال الوزان: إن هذا القول ما سمعته من أحد من الناس، فمن أنت؟ قال أبو هريرة: فقلت: حسبك من الرهق والجفاء في دينك ألا تعرف نبيك. فقال: أهذا نبي الله؟ فألقى الميزان ووثب على يد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فجذبها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال: ((مه إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها، وإني لست بملك، إنما أنا رجل منكم)) . ثم جلس فاتزن الدراهم وأرجح كما أمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأحملها عنه، فمنعني وقال: ... فذكره، قال: قلت: يا رسول الله أو أنك لتلبس السراويل؟ قال: نعم، بالليل والنهار، وفي السفر والحضر، قال يوسف: وشككت أنا في قوله: ومع أهلي، فإنني أمرت بالستر فلم أجد ثوباً أستر من السراويل)) . وفي إسناد هذا الحديث. 1- يوسف بن زياد. قال الدارقطني: ((مشهور بالأباطيل)) وسيأتي كلامه الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بتمامه قريباً. وقال النسائي: ((ليس بثقة)) . وقال البخاري وأبو حاتم والساجي: ((منكر الحديث)) . وبه وحده أعله الحافظ الهيثمي رحمه الله في ((المجمع)) . 2- وشيخه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم - وهو الإفريقي - ضعيف في حفظه، كما في ((التقريب)) (3862) ، وقد وثقه بعضهم ودفع قول مضعفيه بما لا طائل تحته. وللحديث طريق أخرى عند البيهقي في ((الشعب)) و ((الأدب)) (758) فيها حفص بن عبد الرحمن - راويه عن الإفريقي - حكى ابن الجوزي أن ابن حبان رماه برواية الموضوعات عن الثقات ولم أجده في ((المجروحين)) ، بل لم أهتد إليه. والحديث أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) وقال: لا يصح، قال الدارقطني في ((الأفراد)) : الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل، ولم يروه عن الإفريقي غيره)) . وأقره الشيخ الألباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (89) ، ومنها اختصرنا هذا التخريج، فجزاه الله عنا وعن الإسلام والسنة خيراً. وقد حكى فيها أيضاً عن الحافظ السخاوي رحمه الله - في ((فتاويه الحديثية)) (ق86/1) - قوله: ((سنده ضعيف جداً، واقتصر شيخنا في ((فتح الباري)) على ضعف رواته، ولشدة ضعفه جزم بعض العلماء بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلبس السراويل)) . قلت: ومع تهافت إسناد هذا الحديث، فإنه يتردد كثيراً بين الناس، فعسى أن ينفع الله عز وجل بإيراده ههنا أقواماً، فإن الكثيرين لا تطول أيديهم كتب الشيخ حفظه الله، ومنهم من لا يعرفه، ومنهم من يصدق ما يرميه به بعض الحمقى والموتورين من شتى التهم والنقائص. فلعل الله تعالى يجعلني ((وساطة خير)) بين هؤلاء وبينه. (أما) السراويلات (1) ، فقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الزاد))   $! جمع: ((سراويل)) فإنه مفردة. أما ما شاع بين الناس من أن: ((سراويل)) جمع مفردة: ((سروال)) ، فقد ذهب العلامة الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) إلى أن ذلك لغة ضعيفة، وكلام ابن القيم سأحكيه يؤيد ذلك. وفي مادة: ((سرل)) من ((لسان العرب)) كلام نافع في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 (1/35) : ((فصل: واشترى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - سراويل، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها، وقد روى في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه ... )) كذا قال رحمه الله، وسكت محققاً ((الزاد)) (1/139) عن تعقب قضية كونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس السراويل أم لا بما تقدم عن الإمام السخاوي، شأنهما في كثير مما لا ينبغي السكوت عنه في ذلك الكتاب. أما شراؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياها، فصحيح ثابت؛ فقد روى أبو داود (2/220) والترمذي (2/385) والنسائي (7/284) من طرق عن الثوري ثنا سماك بن حرب، حدثني سويد بن قيس رضي الله عنه قال: ((جلبت أنا ومخرمة العبدي بزاً من هجر، فإتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسوامنا سراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((زن وأرجح)) . قال الترمذي: ((حديث سويد حديث حسن صحيح. وأهل العلم يستحبون الرجحان في الوزن. وروى شعبة هذا الحديث عن سماك، فقال: عن أبي صفوان: وذكر الحديث)) اهـ. قلت: ورجح الإمام أبو داود رواية سفيان وأشار إلى متابعة قيس بن الربيع - وهو ضعيف - عل إسناده. أما إقراره صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحابة على لبس السراويل، فمما ثبت فيه حديث أبي أمامة رضي الله عنها قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم.. وفيه: ((فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تسرواوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب ... )) الحديث، وإسناده حسن كما قال الحافظ رحمه الله في ((الفتح)) (10/367) ، وبه (50) ختمت تخريج والتعليق على كتاب ((الحقوق)) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله وأمتعنا به. مع تعليق نافع بإذن الله تعالى عن مخالفة أهل الشرك وحرمة حلق اللحية عن جميع الأئمة، فانظره إن شئت. وحديث أبي أمامة دل على حصول المخالفة بلبس السراويل تارة، والإزار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أخرى. علماً بأن السراويل الشرعية تختلف كثيراً عن ((البنطلون الأوربي)) الذي يحدد العورة كاملة - في أحيان كثيرة - ويفصلها أثناء السجود بين يدي رب العالمين! فاللهم أهدنا والمسلمين أجمعين لتعظيم حرماتك والتأدب بين يديك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. آمين. (أما) الراوية الموقوفة لحديث الترجمة، فقريب منها ما روي في ((الأدب المفرد)) للبخاري رحمه الله (551) بسند فيه جهالة، من طريق علي بن هاشم ابن البريد قال: حدثنا صالح بياع الأكسية عن جدته قالت: رأيت علياً رضي الله عنه اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته. فقلت له (أو قال له رجل) : أحمل عنك يا أمير المؤمنين. قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل)) . وهذا إسناد ضعيف له علتان: الأولى: جهالة حال - بل عين - صالح بياع الأكسية هذا، فقد ترجمه الحافظ في ((التهذيب)) (4/407-408) براوية ابن البريد وحده عنه، ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً. وإلى جهالته أشار الذهبي في ((الميزان)) (2/304) فقال: ((وصالح بياع الأكسية عن جدته. ما روى عنه سوى على بن هاشم بن البريد)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) (2895) : ((مقبول)) أي لين الحديث حيث لم يتابع. الثانية: جده صالح هذا، فلم أهتد إلي اسمها، ولا وجدتها في ((الميزان)) ولا ((التهذيب)) ولا ((تقريبه)) ولا ذكرها الحافظ المزي ضمن الرواة عن علي في ((تهذيب الكمال)) ، ولعلي لم أنعم النظر. وقد سكت عنها أيضاً الشيخ فضل الله الجيلاني في ((فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد)) (2/9) ، فلم يترجم لها على خلاف عادته. فالله أعلم. والظاهر أن حالها كحال حفيدها أيضاً. (وفي عموم) الاستغناء عن الناس والاعتماد على النفس، ثبتت بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الأحاديث منه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((استغنوا عن الناس، ولو بشوص السواك)) وهو حديث رجاله ثقات لكنه معل بالإرسال عن ميمون بن أبي شبيب - وإن اغتر بظاهر إسناده جماعة في القديم والحديث - لكن رأيت له شواهد في ((زهد وكيع)) تقوية إن شاء الله تعالى. ووصيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا ذر رضي الله عنه إذ قال له: ((لا تٍأل الناس شيئاً. قال: قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن يسقط منك، حتى تنزل إليه فتأخذه)) . وصح عن ثوبان رضي الله عنه كان يفعل امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيضاً ألا يسأل الناس شيئاً، وغير ذلك مما لا مجال لتخريجه واستقصائه، فـ: ((لكل مقام مقال)) كما قال الصحابي الجليل أبو الطفيل عامر بن وائلة رضي الله عنه - وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق كما قال الإمام مسلم وغيره (ت110هـ) . ثم وجدت في ((الميزان)) (3/133) : ((علي بن صالح بياع الأكسية، عن جد له، عن علي. وعنه أحمد ابن منيع. لا يعرف)) اهـ. لا أشك أن هذا تصحيف صوابه: ((علي عن صالح بياه الأكسية، عن جدته، عن علي)) كما تقدم، فإن صالحاً تفرد عنه علي بن هاشم بن البريد، وأحمد بن منيع يروى عنه ابن البريد كما في ((تهذيب الكمال)) (1/495) وكذلك (ق:994) من ((المخطوط)) ، والله أعلى وأعلم (وما توفيقي إلا بالله) . استدراك: وروى أثر علي أيضاً: عبد الله بن الإمام أحمد في ((زوائد الزهد)) (ص133) و ((زوائد فضائل الصحابة)) (916) وابن أبي الدنيا في ((التواضع)) (102) عن سريج بن يونس عن علي بن هاشم عن صالح بيا الأكسية، فقال: ((عن أمه أو جدته)) ورواية عبد الله: ((فقالوا: تحمل عنك ... )) ورواية ابن أبي الدنيا: ((فقلت: أحمل عنك ... )) . وأم صالح أيضاً لم أهتد إليها. وهذه الزواية - على الشك - أصح إسناداً من رواية ((الأدب)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الحديث التاسع عشر: ((القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب اغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن سراجه فيه نوره. وأما القلب الأغلف، فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس، فقلب المنافق، عرف ثم أنكر. وأما القلب المصفح، فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القبح والدم، فأي المادتين غليت على الأخرى غليت عليه)) . ضعيف. رواه الإمام أحمد (3/17) والطبراني في ((الصغير)) (1075) وعنه أبو نعيم (4/385) من طريق أبي معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً به (1) . وقال الطبراني: ((لم يروه عن شيبان إلا أحمد بن خالد الوهبي، ولا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد)) اهـ. قلت هذا حسب مبلغ علمه رحمه الله، وإلا فقد تابع الوهبي أبو النضر هاشم بن القاسم عند الإمام أحمد. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (1/63) : ((رواه أحمد والطبراني في ((الصغير)) ، وفي إسناده ليث بن أبي سليم)) اهـ. قلت: وهو ضعيف كما يأتي، وللإسناد علة أخرى، وهي الإنقطاع بين أبي البختري، واسمه: سعيد بن فيروز الطائي الكوفي - ثقة ثبت - بين أبي سعيد الخدري. قال الحافظ العلائي رحمه الله في ((جامع التحصيل)) (242) : (( ... وقال أبو حاتم: لم يدرك (يعني أبا البختري) أبا ذر ولا زيد بن ثابت ولا رافع بن خديج ولا أبا سعيد الخدري   $! والحديث في ((فردوس الأخبار)) (4732) - بنحوه - معزواً لابن عباس ولم يسق محققاه إسناد الديلمي، فلا أدري أأسنده من حديث ابن عباس أم هو خطأ صوابه: ((أبو سعيد)) ؟ الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ولم يلق سلمان ... )) . وفي ((التهذيب)) (4/73) : ((وقال أبو داود: لم يسمع من أبي سعيد)) . ووما زاده الحافظ قوله: ((قلت: وقال ابن سعد: قتل بدجيل مع ابن الأشعث سنة (83) وكان كثير الحديث يرسل حديثه ويروى عن الصحابة ولم يسمع من كثير أحد، فما كان من حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان غيره فهو ضعيف)) . قلت: لفظه في ((الثقات)) (6/205) : ((وكان أبو البختري كثير الحديث يرسل حديثه، ويرى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يسمع من كبير أحد، فما كان من حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان عن، فهو ضعيف)) اهـ. وعلى ذلك، فرواية أبي البختري عن الصحابة بالعنعنة ضعيفة عند ابن سعد رحمه الله لكثرة إرساله. وهناك علة ثالثة أدق من هاتين، وهي الوقف على حذيفة كما يأتي قريباً. ومع كل ما تقدم، فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (1/56) - بعد أن أورد الحديث من رواية ((المسند)) : ((هذا إسناد جيد حسن)) ! كذا قال عفا الله عنه، وإني استعنت بالله جل وعلا في نقل بحث قيم للحافظ السيوطي روّح الله روحه بشأن ليث بن أبي سليم هذا، لم أجد له مثله في الدقة وطول النفس بشأن غيره من الرواة، إذ قال في رسالة: ((أعذب المناهل في حديث: من قال أنا عالم فهو جاهل)) من كتابه ((الحاوي)) (3/7-8) : (( ... وهذا الحديث حكم عليه الحفاظ بالوهم في رفعه، فإن ليث بن أبي سليم متفق على ضعفه. قال فيه أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث. وقال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا في أحد منه في ليث، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيه. وقال فيه ابن معين والنسائي: ضعيف. وقال ابن معين: ليث أضعف من عطاء بن السائب (1) . وقال عثمان بي أبي شيبة: سألت جريراً عن ليث وعن عطاء بن السائب وعن يزيد بن أبي زياد، فقال:   $! أي أضعف من عطاء بعد اختلاطه، وإلا فهو ثقة صحيح الحديث فيما رواه عنه متقدموا أصحابه. الذين سمعوا منه في القدمة الأولى للبصرة كأيوب وشعبة والسفيانين وحماد بن زيد، وأقرانه: كالأعمش. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 كان يزيد أحسنهم استقامة في الحديث، ثم عطاء، وكان ليث أكثرهم تخليطاً. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وسألت أبي عن هذا، فقال: أقول كما قال جرير. وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان لا يحدث عن ليث بن أبي سليم. وقال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدث عن ليث بن أبي سليم. وقال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم. وقال علي بن المديني: قلت لسفيان: إن ليثاًروى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ، فأنكر ذلك سفيان وعجب منه أن يكون جد طلحة لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقال علي بن محمد الطنافسي: سألت وكيعاً هن حديث من حديث ليث بن أبي سليم، فقال: ليث ليث، كان سفيان لا يسمي ليثاً، وقال قبيصة: قال شعبة لليث بن أبي سليم: اين اجتمع لك عطاء وطاوس ومجاهد؟ فقال: إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه. فما زال شعبة متقياً لليث مذ يومئذ. وقال أبو حاتم: أقول في ليث كما قال جرير بن عبد الحميد. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغ به، وهو مضطرب الحديث. وقال أبو زرعة أيضاً: ليث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. وقال مؤمل بن الفضل: قلنا لعيسى بن يونس: لم تسمع من ليث بن أبي سليم؟ قال: قد رأيته وكان قد اختلط، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره. هذا مجموع كلام أئمة الحديث في تخريجه (كذا، ولعل الصواب: تخريجه) . والحاصل أنه كان في صحة عقله كثير التخليط في حديثه بحيث جرح بسبب ذلك، ثم طرأ له بعد ذلك الاختلاط في عقله فازداد حاله سوءاً. وحكم المختلط الذي كان قبل اختلاطه من الثقات الحفاظ المحتج بهم أنا ما رواه بعد اختلاطه يرد، وكذا ما شك فيه: هل رواه قبل الاختلاط أو بعده، فإنه مردود. فإذا كان هذا حكم من اختلط من الثقات الحفاظ الذين يحتج بهم، فكيف بمن اختلط من الضعفاء المجروحين الذين لا يحتج بهم قبل طروء الاختلاط عليهم؟ . وقد جرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 عادة الحفاظ إذا ترجموا أحداً ممن تكلم فيه أن يسردوا في ترجمته كثيراً من الأحاديث التي أنكرت عليه، وإن كان له أحاديث سواها صالحة نبهوا على أن ما عدا ما سردوه من أحاديثه صالح مقبول، خصوصاً إذا كان الرجل ممن خرج له في أحد ((الصحيحين)) ، فإنهم يقولون: إن صاحب الصحيح لم يخرج من حديثه إلا ما صح عنده من طريق غيره، فلا يلزم من ذلك قبول كل ما رواه. هكذا نصوا عليه. وهذا الرجل روى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشيباني، فالحجة في رواية أبي إسحاق، والحديث الذي خرجه صحيح من طريق أبي إسحاق لا من طريق ليث ابن أبي سليم. ولما ترجمه ابن عدي في ((الكامل)) سرد أحاديثه التي أنكر ت عليه ثم قال: له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وكذا صنع الحافظ الذهبي في ((الميزان)) سرد له أكثر من عشرة أحاديث أنكرت عليه منها هذا الحديث الذي نحن فيه - أعني حديث: من قال أنا عالم فهو جاهل - وحديث: من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمد فقد جهل، وقد أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) وحديث: كان باليمن ماء يقال له: زعاق، من شرب منه مات. فلما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه إليه: أيها الماء أسلم، فقد أسلم الناس. فكان بعد ذلك من شرب منه حم ولا يموت، في أحاديث أخر، على أن هذا الحديث الذي نحن فيه لم يجزم ليث برفعه لقوله فيما تقدم: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه الصيغة تقال عند الشك ... )) . ثم مال رحمه الله إلى بطلان المتن لثبوت خلافه عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وأورد إشكالاً على حكمه بالبطلان مع عدم ثبوتها ليث بكذب، فأجاب عنه بأحسن بيان. وسوف نورد تمام كلامه هذا إن شاء الله في قسم آخر من هذا الكتاب، فقد جاء الحديث الذي أسس السيوطي الرسالة على بطلانه عن كل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويحيى بن أبي كثير رحمه الله، ولم يثبت عنهما. وأقول: هكذا فليكن التحقيق، وقد أطال الحافظ السيوطي رحمه الله النفس في بيان حال ليث بما لم أره لغيره، ويا ليته ثبت على هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 المنهد في عامة كتاباته - لا فيما يمس جناب العلماء فحسب - إذاً لسد الباب على الكثيرين ممن تعقبوه واستدركوا عليه ممن أتوا بعده، كالحافظ المناوى فمن بعده. ومع ذلك فلى مؤاخذة واحدة على التحقيق الساب، أعني حكايته اتفاق العلماء على ضعف ليث ففيها نظر، فقد قواه ابن معين في رواية. قال أبو داود: سألت يحيى عن ليث، فقال: لا بأس به. قال: وعامة شيوخه لا يعرفون. وقال البرقاني: سألت الدارقطني عنه، فقال: صاحب سنة، يخرج حديث. ثم قال: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (وفي قصر إنكارهم وعليه بهذا فقط، نظر بما تقدم) وقال ابن شاهين في ((الثقات)) : قال عثمان بن أبي شيبة: ليث صدوق ولكن ليس بحجة. وهذه النقول في ((التهذيب)) (8/467-468) ، ثم وجدت للسيوطي في ((اللآلئ)) (1/101-102) كلاماً يعارض ما ههنا، ورده الأباني في ((الضعيفة)) (1/436-437) ورجح إجماعهم على تضعيفه، وفيه نظر أيضاً، نعم / هذا لا يفيد في تقوية أمر ليث شيئاً، فإن العمل على تضعيفه وإطراح حديثه، ولكن كان ينبغي للحافظ السيوطي عفا الله عنه إيراد هذه الأقوال ودفعها بغيرها من الطعون. أقول: وقول الحافظ الهيثمي رحمه الله في موضاع من ((المجمع)) - أوردنا أحدها في الحديث الثالث - في حق ليث: ((وهو ثقة مدلس)) مما لا وجه له بشطريه. أما التوثيق فكلاً كما عملت. وأما الرمى بالتدليس فلم أر من سبق الهيثمي إليه: نعم، رماه ابن الجوزي رحمه الله بتدليس الشيوخ إذا كان يروى عن أبي ليقظان عثمان بن عمير - وهو واه - فيقول: ((عثمان بن أبي حميد)) كما أوردته في ((البدائل)) (16) نقلاً عن كتاب ابن الجوزي: ((العلل المتناهية)) ، ونازعني أحد الكرام في ذلك بأنه تخليط لا تدليس! فالله أعلم. على إن إطلاق التدليس - في هذه الحالة - عليه لا يحسن إذا روى عن شيوخه المعروفين وسماهم كمجاهد وعطاء وطاوس وعمرو بن مرة وطلحة بن مصرف ونافع وعكرمة ونحوهم. أما العلة الثالثة للحديث (فقد خالفه) الأعمش وأبان بن تغلب، فرواه كل منهما عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة موقوفاً. بل هو نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 كان يضطرب فيه، فقد روها - مرة - مروقوفاً على حذيفة كما يأتي لدى الكلام على رواية أبان بن تغلب. وأخرى موقوفاً على سلمان الفارسي رضي الله عنهما. أما رواية الأعمش، فعند ابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (54) و ((المصنف)) (11/36) وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (820) وأبي نعيم (1/276) وابن بطة في ((الإبانة)) (915) من طرق عنه عن عمرو بن مرة به. ولفظه: ((القلوب أربعة: قلب مصفح، فذلك قلب المنافق، وقلب أغلق (وعند غير ابن أبي شيبة: أغلف) فذاك قلب الكافر، وقلب أجرد كأنه فيه شراج يزهر، فذاك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان، فمثله مثل قرحة يمدها قبح ودم، ومثله مثل شجرة يسقيها ماء خبيث وطيب، فأيما غلب عليها)) . وهذا أيضاً إسناد ضعيف لانقطاعه، ففي ترجمة أبي البختري سعيد بن فيروز من ((التهذيب)) (4/72) : ((روى عن أبيه وابن عباس وابن عمر ... وأرسل عن عمر وعلي وحذيفة وسليمان وابن مسعود)) . وقال العلائي في ((الجامع)) : ((كثير الإرسال عن عمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وغيرهم رضي الله عنهم)) . ولم يتفطن العلامة الأباني حفظه الله للإنقطاع المذكور، فقال في ((تخريج الإيمان)) : ((حديث موقوف صحيح، وقد خالفه (يعمي الأعمش)) ليث بن أبي سليم، فقال: ((عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فذكره، وليث ضعيف، لا سيما إذا خالف الثقات)) اهـ. (وأما) رواية أبان بن تغلب - وهو ثقة - فعلقها الخطابي رحمه الله في ((غريب الحديث) (2/331) ووصلها الخطيب في ((تلخيص المتشابه)) (ص260) بسند صحيح إلى عبد الله بن إدريس، عن ليث (!) وأبان بن تغلب، عن عمرو بن مرة به، بنحو ما تقدم. وفيه: (( ... وقلب منكوس، قال: قلت: ما المنكوس؟ قال: قلب المنافق، عرف ثم أنكر ... )) . وهذا وهم - ولا بد - فقد نفى العلماء إدراك أبي البختري لحذيفة أصلاً، واستبعد أن يكون مدرجاً من قول بعض الرواة دون أبي البختري فإنه خلاف الظاهر. ولعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الخطيب رحمه الله أحال على لفظ ليث لا أبان، وليث ليث! وفيه زيادة: ((قال حذيفة: وكنا نحدث أن مثل ذاك الرجل يعمل زماناً بعمل أهل الجنة، ثم يختم الله له بعمل أهل النار، والرجل يعمل زماناً بعمل أهل النار، ثم يختم الله له بعمل أهل الجنة)) . ولها شواهد في ((الصحيحين)) وغيرهما. هذا، وقد وهم الشيخ السهروردي عف الله عنه، فعزاه في ((عوارف المعارف)) (ص218) إلي حذيفة مرفوعاً ولم يسنده. (وأما) موقوف سلمان، فقال ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (الفرقان: 1249) : ((وذكر أيضاً حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: ((القلوب أربعة: قلب أغلف، فذلك قلب الكافر. إلى آخره. وقد تقدم)) . قلت: لم استطع الاهتداء إليه في مظانه التي بين يديّ كالجزء الخاص بتفسير ((سورة البقرة)) وغيرها، ولكن قال محققه: ((ضعيف جداً، لأن في إسناده ليث بن أبي سليم، متروك)) . كذا قال: وكأنه فهم ذلك من قول الحافظ رحمه الله في ((التقريب)) (5685) : ((صدوق اختلط (1) جداً ولم يتميز حديثه فترك)) . وقد بينت ما في فهمه هذا من النظر في ((التبييض)) (18) . ولا أبعد أن يكون ليث قد رواه - ههنا - عن عمرو أيضاً عن أبي البختري عن سلمان، فيكون منقطعاً أيضاً. (والحاصل) أن الحديث لا يصح رفعه ولا وقفه، وقد اضطرب فيه ليث اضطراباً عجيباً، فمرة يرفعه عن أبي سعيد، ومرة يوقفه على حذيفة - وهو الأصح على ضعفه - ومرة يوقفه على سلمان. والإسناد منقطع في كل، وقد تقدم عن ابن سعد رحمه الله تضعيف ما لم يصرح فيه أبو البختري بالسماع من الصحابة، فكيف بمراسيله عنهم؟ فالله المستعان، وهو حسبي ونعم الوكيل.   $! انظر تعليق الشيخ محمد عوامة حفظه الله على هذه العبارة، وقد جاء في النسخة الأخرى من ((التقريب)) (2/138) : ((صدوق اختلط أخيراً،..)) الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الحديث العشرون: ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله)) . ضعيف. رواه الإمام أحمد (4/124) والترمذي (4/54) - وحسنه - وابن ماجه (4260) والطبراني في ((الكبير)) (7/384) والحاكم (1/57-4/251) وأبو نعيم (1/267) وغيرهم من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعاً به وزاد الإمام النووي رحمه الله في ((رياض الصالحين)) (67) والإمام السيوطي رحمه الله في ((الجامع)) (6468) لفظة: ((الأماني)) بعد قوله: ((وتمن على الله)) . وهي مشهورة أيضاً على الألسنة، ولم أقف عليها مع كثرة وقوفي على الحديث في كتب أخرى سوى المتقدم ذكرها. ثم وجدتها في ((أمالي الطوسي)) الرافضي (ص541) أثناء حديث طويل موضوع ذكرناه أثناء الحديث الحادي عشر، ووعدنا بالتعرض له، رواه من طريق أبي المفضل الشيباني قال: حدثنا رجاء بن يحيى ابن الحسين العبراني الكاتب سنة أربع عشرة وثلاثمائة وفيه مات قال: حدثنا محمد ابن الحسن بن شمون قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن الفضيل ابن يسار عن وهب بن عبد الله بن أبي دبي الهنائي (في الأصل: ابن أبي داود الهنائى) قال: حدثني أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه عن أبي الأسود عن أبي ذر به بطوله، وفيه: ((يا أبا ذر إن الكيس من داون نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله عز وجل الأماني)) . وفيه الآتي: 1- أبو المفضل الشيباني، تقدم غير مرة أنه متهم بالوضع. 2- شيخه رجاء بن يحيى العبرتائي، سماه الخطيب (8/413) : ((رجاء بن محمد بن يحيى العبرتائي الكاتب)) ، وذكر رواية المفضل وحده عنه، ولم يذكر فيخ جرحاً ولا تعديلاً. وذكره السمعاني في ((الأنساب)) الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 (4/139-140) فلم يزد على الخطيب شيئاً. 3- محمد بن الحسن بن شمون، قال االشيخ عبد الرحمن الزرعي في كتاب: ((رجال الشيعة في السمزان)) (ص120) : ((قال هاشم معروف (الموضوعات في الآثار والأخبار ص235) : ((هو من الغلاة المعروفين بالكذب ووضع الحديث)) . 4- عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، لم أقف عليه فيما لدى مصادر، وأتوقع أن يكون من غلاة الشيعة أيضاً، ولم تأتني بعد المراجع الكافية لإثبات ذلك. 5- الفضيل بن يسار، قال الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (4/454) : عن ابن نصر: (ثنا أحمد بن منصور ثنا موسى بن إسماعيل قال: كان فضيل ابن ياسر رجل سوء. وقال محمد بن نصر: كان رافضياً كذاباً ليس ممن يحتج به ولا يعتمد عليه)) (1) . وعودة إلى حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أقول: وقال الحاكم - في الموضع الأول -: ((هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه)) فتعقبه الذهبي في ((تلخيص المستدرك)) بقوله: ((قلت: لا والله أبو بكر واه)) . أما في الموضع الثاني، فقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) فقال الذهبي: ((صحيح)) . وصنيعه - رحمه الله -، في الموضع الأول هو الصواب الذي لا مرية فيه، فإن ابن أبي مريم هذا ضعيف الحديث، ضعفه الجمهور - ووثقه ابن معين في رواية شاذة عنه - ووهاه غير واحد. قال الإمام أحمد: ليس بشئ. وقال الدارقطني - في روياة -: متروك. وقال ابن حبان كان من خيار أهل الشام لكنه كان ردئ الحف، يحدث بالشئ فيهم، فكثر ذلك منه حتى استحق الترك، ولخص الحافظ رحمه الله مجموع كلامهم فيه، فقال في   $! وبعض الحديث في ((كنز العمال)) (3/698-699) معزواً للديلمي، وليس في ((فردوس الأخبار)) فالحمد لله الذي أظفرني بإسناده. وهو يذكرني بما عزاه الأفاكون للإمام أحمد عن خالد بن الوليد من حديث طويل ملفق من أحاديث كثيرة فيها الثابت والواهي، فهذا كذلك بل هو أعجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ((التقريب)) (7974) : ((ضعيف)) ، وكان سرق بيته فاختلط)) . نعم، للحديث - سوى الإفك المتقدم - متابع قاصر المتن، وإسناد كل منهما أيضاً تالف غاية،لا يسمن ولا يغني من جوع! (أما) المتبع، فقد قال أبو نعيم - عقب رواية م تقدم -: ((ورواه ثور بن يزيد وغالب عن مكحول عن ابن غنم عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مثله. حدثنا سليمان بن أحمد ثنا مكحول البيروتي ثنا إبراهيم بن بكر بن عمرو (كذا، والصواب: ابن عمرو بن بكر) قال: سمعت أبي يحدث عن ثور وغالب بإسناده)) اهـ. ورواه الطبراني ((شيخ أبي نعيم فيه)) في ((الصغير)) (863) و ((الكبير)) (7/281) . وهذا إسناد واه جداً، كأنه موضوع على ثور وغالب وإبراهيم وأبيه قد أوضحت حالهما بما يغني عن الإعادة أثناء الحديث الخامس. وأما الشاهد، فرواه البيهقي في ((الشعب)) (3/3/75/أ) من طريق محمد بن يونس الكديمي ثنا عون بن عمارة ثنا هشام ابن حسان عن ثابت عن أنس بن مالك قال: جاءت بي أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت: يا رسول الله خادمك أنس، فادع له، وهو كيس، وهو عاري يا رسول الله، فإن رأيت أن تكسوه) في المخطوطة بعدها كلمة غير واضحة، كأنها: إزاران أو: رداءان) يستتر بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الكيس من عمل لما بعد الموت، والعاري العاري من الدين، اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة)) . وقال البيهقي: ((عون بن عمارة ضعيف، وله شاهد من حديث شداد بن أوس في بعض ألفاظه)) . ثم رواه من طريق ابن المبارك رحمه الله عن ابن أبي مريم به. وعون بن عمارة - الذي أعل البيهقي هذا الإسناد به وحده - منكر الحديث، حكم ابن لجوزي والذهبي وابن القيم بوضع حديثه عن أبي قتادة مرفوعاً: ((الآيات بعد المائتين)) (1) عند ابن ماجه (4057) وغيره. وكذلك   $! عزاه الشيخ الأباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (1966) لابن ماجه والعقيلي في ((الضعفاء)) والقطيعي في ((جزء الألف دينار)) والحاكم، فقال: ((عن محمد: (هو ابن يونس بن موسى) قال: ثنا عون بن عمارة العنبري ... ) الخ..فأوهم - عفا الله عنه - أن محمداُ هذا (وهو الكديمي) في أسانيدهم جميعاً، وليس الأمر كذلك، فقد توبع عند جميعهم إلا القطيعي، فقد اطلع على إسناده، فلو كان عنده من طريق الكديمي، فمما يحسن مثل هذا من الشيخ حفظه الله، بل لعله لم يفطن لذلك. والطريف أنه أيضاً حفظه الله لم يعل الحديث بالكديمي، فهل سقط شئ من الطابع أو الناسخ؟ الله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 غمزه به البخاري رحمه الله. لكن الراوي عنه - محمد بن يونس الكديمي - أوهى منه، فقد أطرحه الجمهور، ورماه ابن عدي وابن حبان وغيرهما بوضع الحديث. نعم، وكان الإمام أحمد حسن الرأي فيه. ومال الخطيب أيضاً إلى تقويته، فلا أدري أينتحل البيهقي هذ المذهب - على بعده - أم لا؟ وممن سكت عنه أيضاً الحافظ المناوى، فقال في ((الفيض)) (5/68) : ((قال - أعني البيهقي -: وعون ضعيف اهـ. وممن ضعفه أيضاً أبو حاتم وغيره)) اهـ. ومع ذلم فالمتن لا يشهد إلا لبعض حديث شداد - كما قدمنا وكما يفهم من كلام البيهقي - وقد اكتفى الشيخ الألباني بقول البيهقي، ثم المناوى عن الإطلاع على إسناده في ((الشعب)) بنفسه، فقال في ((ضعيف الجامع)) (4/167) : ((ضعيف)) ، وأحال على ((فيض القدير)) . وما أبرئ نفسي - على حقارتها -، فقد كنت استشهدت بكلام المناوى والألباني في ((مختصر ضعيف رياض الصالحين)) (1) ، ولم يخطر على بالي طرفة عين أن يسكت هؤلاء الفحول عن الكديمي. ثم إن أصل هذا الحديث عن أنس ثابت في ((الصحيح)) بدون هذا السياق المنكر. والبديل الصحيح لحديث شداد، هو ما ثبت من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم ما بعده استعداداً. أولئك الأكياس)) . وقد وضعت في تصحيح هذا الحديث جزءاً صغيراً كان أول محاولاتي الكتابية، وسميته: ((القسطاس في تصحيح حديث الأكياس)) لما رأيت بعضهم يتهجم على القول بضعفه اكتفاء بضعف إسناد ابن ماجه مع أن للمتن طرقاً وشواهد كثيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 في مشاهير كتب الحديث، وله إسناد جيد عند البزار والطبراني في ((الأوسط)) والحاكم. وفي هذا المقام أهبتل الفرصة لأزيد ما توصلت إليه بشأن هذه الرسالة: 1- أن الحديث في ((السيرة)) لابن هشام (4/204-205) عن ابن إسحاق قال: ((وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت رجلاً من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ... )) الحديث بطوله. والظاهر أن شيخ ابن إسحاق هذا، هو: ((معاوية بن عبد الرحمن)) الذي ذكر أبو نعيم روايته عن عطاء معلقة. وذكرت ذلك في ((القسطاس)) (ص1،9،19) . ومعاوية قال أبو حاتم: ((ليس بمعروف)) . ووثقه ابن حبان، فهو صالح في الشواهد على أقل تقدير. 2- ورواه الدولابي في ((الكنى)) (2/134) – مختصراً – من طريق صدفة ابن عبد الله (وهو السمين الدمشقي) عن عمارة بن إبي يحيى عن عطاء به. وهذا إسناد ضعيف، صدقه ضعفه الجمهور، ووهاه الإمام أحمد وغيره. وشيخه تعبت عليه وقلبت اسمه على وجوه، فلم أتمكن من الاهتداء إليه. 3- ورواه الروباني في ((مسنده)) (ق240ب-241أ) – مطولاً بدون القطعة الأخيرة – والبيهقي في ((سننه)) (6/363) والخطيب في ((الجامع)) (894) – بالقطعة الأخيرة وحدها – ثلاثتهم من طريق ابن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عمر به. وإسناده واه، عثمان ضعيف جداً، وروايه أبيه عن ابن عمر منقطعة. 4- أما موقفي من عبيد الله بن زخر – تالذي راجعني فيه أخي أبو إسحاق الجويني حفظه الله – غير مرة – فمتردد بين تحسين حديثه وتضعيفه، وجزاه الله خيراً إذ بين لي أن المقارنة التي أجريتها بني أحكام الترمذي والبغوي على جملة من الأحاديث لا يتم الاستدلال بها، لجواز أن تكون بسبب اختلاف نسخ ((جامع الترمذي)) ، فيكون البغوي تبع الترمذي اعتماداً على نسخ أخرى سوى التي بأيدينا، وهذا كلام وجيه ودقيق. والذي أقطه به الآن أن عبيد الله بن زحر أصلح حالاً إذا روى عن أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 بلده مما رواه عن الأعمش والغرباء، فقد وقفت له على عدة روايات به عن الأعمش أخطأ فيها، ذكر ابن عدي أحدها. ويعجبني كثيراً قول الشيخ الجديع - حفظه الله - في كتاب ((أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان)) (ص76) ، ((وأما ابن زحر، فأردأ أحواله أن يكون ضعيفاً يكتب حديثه)) . فهو متفق معي على دفع القول بوهائه أو اتهامه. 5- ثم وجدت قريباً حديث الأكياس، قطعة من الحديث الطويل الباطل الذي رواه الطوسي، وكررنا ذكره غيرة مرة، وفيه: ((قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً)) . (أما) الرواية الموققوفة لهذا المتن، فقد روى بضعفه بإسناد يشبه الطريقين الأخيرين في الوهاء، عند ابن عساكر (11/269) من طريق أحمد بن مروان الدينوري نا محمد بن عبد العزيز نا هدبة بن خالد عن جزم عن الحسن أن عثمان ابن عفان خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس اتقوا الله، فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نوراً لظلمة القبور. وليخش عبد أن يحشره الله أعمى وقد كلن بصيراً. وقد يكفي الجكيم جوامع الكلام، والأصم ينادي من مكان بعيد. واعلموا أن من كان الله معه لم يخف شيئاً، ومن كان عليه فمن يرجو بعده؟)) . إسناده - مع حلاوة ألفاظه - واه جداً، بل يشبه أن يكون موضوعاً على ذي النورين رضي اله عنه ففيه: 1- أحمد بن مروان الدينوري، رماه الدارقطني بالوضع كما ذكرنا في ((التبييض)) (45) . 2- شيخه محمد بن عبد العزيز - وهو الدينوري أيضاً - ساقط. قال الذهبي في ((الميزان)) (3/629) : ((وهو منكر الحديث ضعيف، ذكره ابن عدي وذكر له مناكير عن موسى بن إسماعيل. ومعاذ بن أسد وطبيقتهما، وكان ليس بثقة يأتي ببلايا. ومما له عن المنهال بن بحر ... ، حتى قال: ((ومن موضوعاته عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (كذا فيه، وقد سقط رجلان أو أكثر بين هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الرجل وبين قتادة) (1) . كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صدق الله)) . ومما زاده الحافظ في ((اللسان)) (5/261) ، قول الحافظ الخليلي رحمه الله في ((تاريخ قزوين)) : ((لم يكن بذاك القوي، سمع من شيوخ العراق كأبي نعيم والقعنبي، وقدم قزوين سنة نيف وستين ومائتين)) . قال: ((وأورد له ابن عدي أحاديث قال في بعضها: باطل بهذا الإسناد. ثم قال: وله غير ما ذكرت من المناكير)) . 3- الحسن البصري رحمه الله، وإن جاء في روايات أخرى إدراكه لعثمان رضي الله عنه وسماعه خطبته، لكنه في هذه لم يبين السماع، فإنه مشهور بالتدليس. وعلى كلٍ، فيغلب على الظن أنه برئ من رواية هذا الأثر عن عثمان، ولعل تفرد الدينوري وشيخه به هو النكتة في إقفار مشاهير كتب الزهد والسير منه، فما وجدته في كتب الزهد المشهورة ولا ((الحلية)) ولا ((الطبقات) ولا ((تاريخ الإسلام)) للذهبي - ترجمة عثمان - ولا ((خطب أبي عبيد)) ، مع أن بعض هذه الكتب لا تتحاشى الأسانيد الواهية مع توفر دواعي وهمم هؤلاء الأئمة على إيراد مثل هذا المتن الحسن، فالله المستعان لا رب غيره.   (1) · وهما عمرو بن مرزوق وشعبة)) - فقد ذكر الحافظ الخليلي في ((الإرشاد)) (ص626) الحديث عنه عن عمرو به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الحديث الحادي والعشرون: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) . موضوع. قال العلامة الألباني حفظه الله في ((الضعيفة)) (110) : ((عزاه السيوطي في ((الجامع الصغير)) لرواية الحكيم عن أبي هريرة. قلت: وصرح الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على ((تفسير البيضاوي)) (202/2) بأن سنده ضعيف. وهو أشد من ذلك فقد قال الشيخ المناوى: ((رواه في النوادر)) عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً بعث بلحيته وهو في الصلاة، فذكره. قال الزبن العراقي في ((شرح الترمذي)) : وسليمان ابن عمرو هو أبو داود النخعي متفق على ضعفه، وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب. وقال في ((المغني)) : ((سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول ابن سعيد، رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) ، وفيه رجل لم يسم)) . وقال ولده: فيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه. وقال الزيلعي: قال ابن عدي: أجمعوا على أنه يضع الحديث)) . قلت: رواه موقوفاً على سعيد عبد الله بن المبارك في ((الزهد)) (213/1) : أنا معمر عم رجل عنه به. وهذا سند ضعيف لجهالة الرجل. قلت: فالحديث موضوع مرفوعاً، ضعيف موقوفاً بل مقطوعاً)) اهـ. قلت: بل واه عندي، فإن الرجل المبهم جاء تعيينه في رواية أخرى، إذ رواه معمر بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (151) عن ابن علية عن معمر عن رجل قال: ((رأى ابن المسيب رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلبه خشعت جوانحه)) . قال ابن إسحاق ظ (هو الإمام ابن راهويه رحمه الله شيخ ابن نصر) : قيل لابن علية: جوارحه؟ قال: لا. ورواه ابن أبي شيبة (2/289) عنن ابن علية به، بلفظ: ((جوارحه)) . ورواه عبد الرزاق (3308) عن معمر عن أبان قال: رأى المسيب رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 إني لأرى هذا خشع قلبه خشعت جوارحه. ثم رواه (3309) عن الثوري عن رجل قال: رآني ابن المسيب أعبث بالحصى في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه)) . فيشبه أن يكون معمر سماه ثارة - فحفظ ذلك عبد الرزاق وهو من أثبتهم فيه -، وأبهمه أخرى لعلمه بأنه مرغوب عنه. وكذلم فعل الثوري رحمه الله، فإن من المعروف عنه أنه كان إذ روى عن رجل ضعيف أبهمه أو كناه، كما تكرر عنه في غير وا رواية. وتارة كان يفعل ذلك بعض تلاميذه كوكيع رحمه الله. وأبان كان يكذب وهماً لا عمداً، فلا يبعد عن مثله أن يظن غير سعيد سعيداً من فرط غفلته! ولم يكذر المزي روايته عن ابن المسيب، فالله أعلم. (فإن) قيل: فكيف يقول أبان: ((رأى ابن المسيب رجلاً)) وإنما يعني نفسه؟ فالجواب - بحول الله وقوته - أن هذا أمر مشاهد قد تكرر وقوعه من غير واحد من السلف، وإن اختلفت دواعيهم عما ههنا كأنا أباناً كنى عن نفسه حياة أو نحوه. وأدلل على ذلك بمثالين اثنين، أحدهما عن صحابي جليل، والآخر عن تابعي جليل. 1- فروى الإمام أحمد في ((المسند)) (1/187) و ((فضائل الصحابة)) (225) وأبو داود (2/516) وغيرهما بسند صحيح عن رباح بن الحارث أن المغيرة بن شعبة كان في المسجد الأكبر وعنده أهل الكوفة عن يمنيه وعن يساره، فجاءه رجل يدعى سعيد بن زيد، فحياه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسب وسب: فقال: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال: يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال: يا مغير بن شعب (1) ، يا مغير بن شعب - ثلاثاً -، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما سمعت أذناي ووعاه قلبي من رسول الله   $! هذا يسميه اهل اللغة: ((الترخيم)) ، ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها - كما في ((الصحيحين)) -: ((يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام ... )) . الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإني لم أكن عنه كذباً يسألني عنه إذا لقيته أنه قال: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وسعد ابن مالك في الجنة، وتاسع المؤمنين في الجنة)) ، لو شئت أن أسميه لسميته، قال: فضج (1) أهل المسجد: يا صاحب رسول الله، من التاسع؟ قال: نا شدتموني بالله، والله العظيم أنا تاسع المؤمنين، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العاشر. ثم أتبع ذلك يمنياً، قال: والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضل من عمل أحدكم، ولو عمر نوح عليه السلام)) .ورواه ابن ماجه (133) من هذا الوجه - مختصراً - وفيه: ((فقيل له: من التاسع؟ قال: أنا)) . وله طرق وألفاظ في ((المسند)) و ((سنن أبي داود)) و ((فضائل الصحابة)) للنسائي وغيرها. فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخاف أن يزكي نفسه بحق، فكيف بالذين يملؤون الآفاق إطراءً وثناء على أنفسهم بحق وبغير حق؟! أما سمعوا الله عز وجل يقول: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب. ولهم عذاب أليم) ؟ . 2- وروى النسائي (3/54-55) وابن خزيمة في ((التوحيد)) (13) وعنه ابن حبان (الإحسان:1968) - واللفظ له - والحاكم (1/524-525) واللالكائي (845) وغيرهم (35) من طريق حماد (2) بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه قال: ((كنا جلوساً في المسجد، فدخل عمار بن ياسر فصلى صلاة خففها، فمر بنا، فقيل له: يا أبا اليقظان خففت الصلاة، قال: أو خفيفة رأيتموها؟ قلنا: نعم. قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم مضى، فاتبعه رجل من القوم. قال عطاء:   $! في ((المسند)) : ((فصبح)) ، ودلني على الصواب محقق)) جزاه الله خيراً. وهكذا جاءت هذه الرواية الصحيحة بدون ذكر أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. $! وقه إسناده في ((الإحسان)) : ((أخبرنا ابن خزيمة قال: حدثنا حميد بن عبده قال: حدثنا حماد بن زيد ... )) ، والصواب: ((حدثنا أحمد بن عبده)) كما في ((الموارد)) (509) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 اتبعه أبي، - ولكنه كره أن يقول: اتبعته - فسأله عن الدعاء ثم رجع فأخبرهم بالدعاء: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة العدل والحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظرإلي وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين)) . وهو صحيح الإسناد كما قال الحاكم ووافقه الذهبي وله طريق أخرى فيها شريك القاضي عند أحمد (4/264) وابن أبي شيبة (10/264-265) والنسائي (3/55) . وبقيت طرق وشواهد لا مجال لها ههنا. فهذا السائب بن مالك والد عطاء رحمهما الله - يقول: ((فاتبعه رجل)) ، كره أن يقول: ((فاتبعته)) حتى يخفى عمله، فلا يدل به، ولا يدلل عليه! وكذلك كانوا رحمة الله عليهم ورضوانه يحرصون على تحقيق الإخلاص - قولاً وعملاً - ويخافون على قلوبهم من الفساد وعلى اعمالهم من الحبوط من محبة الشهرة والعجب والرياء وسائر الآفات التي لا يستمرؤها إلا قلب فاسد مريض! أما الآن، فصرنا لا نسمع بهؤلاء إلا في بطن كتاب، أو تحت تراب (1) ! ورأينا رؤوس الجهالة أدعياء العلم والتحقيق أكثير شئ حرصاً عل الشهرة والشهوات الخفية، تماماً كحرص هؤلاء الأظهار الأبرار الأخيار على إخفاء الأعمال واتقاء الكبير المتعال ّ فنسأل العلي القدير تعالى الثبات في الأمر، ونعوذ بوجهه الكريم من الخذرن والمكر. كلا، ولا يسر كاتب هذه السطور - العبد الفقير - إن يظن أحد من القراء أنه يدعي لنفسه ما يزري على غيره ترك تحقيقه من إخلاص وتجرد وبراءة من الآفات، إذ هو بشر من البشر يعتريه ما يعتريهم،   $! هذه العبارة اقتبستها من الإمام الذهبي رحمه الله من كتابه الجليل ((سير أعلام النبلاء)) ، فمن أراد أن يعرف هدي السلف في التواضع والإخلاص والإخبات والطاعة لرب العالمين، فعليه به وبأشباهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بل هو يطمع في تحقيق ذلك ولا أدري أتطاوعه نفسه أم لا؟ ولا إن كان صادقاً معها أم يخيل لها الصدق؟ . ولذلك، فلا أجعل في حل من زكاتي – لا سيما على ملأ – بما لا يطلع عليه إلا الذي يلعم السر وأخفى، وأذكره بقول التقى ابن التقي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لرجل قال له: ((لا يزال المسلمون بخير ما دمت فيهم)) ، فأجابه عليه الرضوان: ((إنك لا تدري علام يغلق عليه ابن أمك بابه)) !! فكل الذي أرجوه ممن نفعه الله عز وجل بهذا التذكير والإلحاح الذي ضمنته ثنايا هذا الكتاب أن يدعو لي الله عز وجل أن يرزقني الصدق والإخلاص وأن يجعل عملي كله صالحاً ولوجهه خالصاً ولا يجعل لأحد فيه شيئاً، وأن يرزقني وإخواني وكافة أهل الإسلام حسن العاقبة والخوف من سوء الخاتمة، فإن من المشاهد المعروف أن آمن الناس من الشئ أوقعهم والعياذ بوجه الله تعالى. (وعوداً)) إلى ما نحن بصدده، فقد روى الحديث موقوفاً أيضاً على حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه عند ابن نصر أيضاً (150) من طريق الوليد بن مسلم الدمشقي عن ثور بن يزيد عنه، ولفظة: (لو خشع قلب هاذ سكنت جوارحه)) وإسناده ضعيف له علتان: الأولى: عنعنة الوليد بن مسلم: فإنه ثقة حافظ لكنه كثير التدليس والتسوية. الثانية: الإعضال بين ثور بن يزيد وحذيفة، فإن جميع شيوخ ثور الذين ذكرهم المزي في ((تهذيب الكمال)) (4/418/419) لا يدرك أحد منهم حذيفة أصلاً، إذ تقدمت وفاته رضي الله عنه (ت36) . وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ((الذل والانكسار للعزيز الجبار)) - المتشتهر باسم ((الخشوع في الصلاة)) - (ص12بتعليق على الحلبي) : ((ورأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. وروى ذلك عن حذيفة رضي الله عنه وسعيد بن المسيب. ويروى مرفوعاً لكن بإسناد لا يصح)) قال المعلق: ((وجزم شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى)) (18/273) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 بنسبته لعمر بن الخطاب)) اهـ. قلت: لعله رحمه الله قد وقف عليه عن الفاروق رضي الله عنه، فإنه قد اطلع على ما لم يطلع عليه كبير أحد. نعم، قد ينتقل وهم من لا يحسن هذا الشأن، بل من لا فهم عنده إلأى ما رواه أبو نعيم (10/230) عن أبي حفص (وهو الحداد عمرو بن سلمة النيسابوري) : ((حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) ، فيظن أن أبا حفص هذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا أمر يجل عنه آحاد اطلبة ناهيك عن شيخ الإسلام روّح الله روحه الذي لم تر أعين علماء عصره - بحق - مثله، ولا أرى مثل نفسه. وذلك حتى لا يأتي متنطع أو مبتدع في قلبه دغل على أهل السنة والجماعة، فيحاول رمى شيخ الإسلام ببلاده عو أولى بها. فالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. استدراك: ثم وجدت الحافظ رحمه الله في ترجمة أم العلاء الأنصرية من ((الإصابة)) (4/478) : (( ... وهذا ظاهر في أن أم العلاء هي والدة خارجة المذكور، فلا يلزم من كونه أبهمها في رواية الزهري أن تكون أخرى، فقد يبهم الإنسان نفسه فضلاً عن أمه)) . اهـ. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الحديث الثاني والعشرون: ((ما اجتمع الحلال والحرام، إلا غلب الحرام الحلال)) . لا أصل له مرفوعاً، قال في ((الضعيفة)) (387) : ((لا أصل له. قال الحافظ العراقي في ((تخريج الإحياء)) ، ونقله المناوى في ((فيض القدير)) وأقره ... )) . قلت: قد وقفت له على أصل لكنه موقوف واهي الإسناد. قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله في ((غريب الحديث)) (2/31) : في حديث عبد الله رضي الله عنه أنه قال: ((ما اجتمع حرام وحلال، إلا غلب الحرام على الحلال)) . يرويه وكيع عن سفيان عن جابر عن عامر عن عبد الله. قلت: هذا إسناده واه جداً، له علل ثلاث: الأولى: التعليق، فإن ابن قتيبة لم يذكر إسناده إلى وكيع، ومن المحتمل جداً أن يكون في الطريق إليه رجل ليس بثقة. الثانية: شدة ضعف جابر - وهو ابن يزيد الجعفي الكوفي - فإنه واه متهم بالكذب والزجعة (1) . قال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يا جابر، لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال إسماعيل: فما مضت الأيام والليالي حتى أتهم بالكذب. وسئل زائدة عن ترك الراوية عن ابن أبي ليلى وجابر والكلبي، فقال: أما جابر الجعفي، فكان والله كذاباً   $! هي اعتقاد طائفة من غلاة الرافضة رجوع على رضي الله عنه إلى الدنيا مرة أخرى. ومما استندوا إليه في ذلك حديث علي بن الحسين قال: كا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علياً عمامة يقاله لها: السحاب، فأقبل علي رضي الله عنه وهي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا عاي قد أقبل في السحاب. قال الراوي: ((فحرفها هؤلاء، فقالوا: على في السحاب)) . وهذا حديث لا يصح، رواه أبو الشيخ في ((الأخلاق)) (ص123-124) ، وفيه مسعده بن اليسع، وهو كذاب. ومع ذلك فقد ساقه ابن القيم عفا الله عنه في ((الزاد)) مساق الثابتات، وسكت عنه المحققان، فما أحسنوا جميعاً. الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 يؤمن بالرجعة. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي. ما أتيته بشئ من رأيي إلا جاءنب فيه بأثر، وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم يظهرها. وكذبه أيضاً سعيد بن جبير وأيوب وابن معين والجوزجاني وابن الجارود، ووهاه الجمهور. نعم، ووثقه الثوري وشعبة ووكيع وشريك، والظاهر أن ذلك كان قبل أن يظهر منه ما ظهر، بدليل قول الشعبي المتقدم، ولذلك حدّث عنه ابن مهدي قديماً ثم اركه بأخره، وكذلك تركه يحيى القطان بأخره. والله اعلم. وترجمته التفصيلية يمكن الرجوع إليها في ((تهذيب الكمال)) (4/465: 472) و ((الميزان)) (1/379: 384) . وانظر أيضاً: ((مقدمة صحيح مسلم)) (1/15-16) ، وفيها قول ابن عيينة رحمه الله: ((كان الناس يحملون عن جابر فبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس. فقيل له: وما أظهر؟ الإيمان بالرجعة)) . الثالثة: الانقطاع بين عامر (وهو ابن شراحيل الشعبي) وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال الحافظ العلائي رحمه الله في ((جامع التحصيل)) (322) : (( ... وأرسل عن عمر وطلحة بن عبيد الله وابن مسعود وعائشة وعبادة بن الصامت رضي الله عنه ... )) حتى قال: ((وقال ابن معين: ما روى الشعبي عن عائشة مرسل، وكذلك قال أبو حاتم. وقال أيضاً: لم يسمع الشعبي من عبد الله بن مسعود ولا من ابن عمر ... )) الخ. والله أعل وأعلم. استدراك: ووجدت البيهقي في ((السنن)) (7/169) قد علق أثر ابن مسعود أيضاً من نفس الوجه، فقال: ((وأما الذي روى عن بن مسعود أنه قال: ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام على الحلال، فإنما رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود. وجابر الجعفي ضعيف. والشعبي عن ابن مسعود منقطع، وإنما رواه غيره بمعناه عن الشعبي من قوله غير مرفوع إلى عبد الله بن مسعود)) . اهـ. قلت: ولم أقف عليه بعد عن الشعبي بلفظه ولا معناه، فالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الحديث الثالث والعشرون: ((من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كتب له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة)) . ضعيف. روي من حديث أبي هريرة، وابن عباس - بلفظ آخر، وأنس، ومن مرسل الحسن. وموقوفاً على ابن عباس، ورجل اسمه: ((الحسن)) شيخ لليث بن أبي سليم. أما حديث أبي هريرة فله عنه طريقان: الأولى: عند الإمام أحمد (2/341) من طريق عباد بن ميسرة، وأبي القاسم ابن منده في ((جزء الرد على من يقول الم حرف لينفي الألف واللام والميم عن كلام الله عز وجل)) (24) . من طريق إسماعيل بن عياش عن صالح بن مقسم عن الحسن عن أبي هريرة به. وإسناده عند أحمد ضعيف، قال الحافظ العراقي رحمه الله: ((وفيه ضعف وانقطاع)) . قال الزبيدي يرحمه الله: ((قلت: قال الهيثمي: فيه عباد بن ميسرة، ضعفه أحمد وغيره ... )) كما في ((تخريج الإحياء)) (844) . ودلني نقل الحافظ المناوى رحمه الله لكلام الهيثمي - في ((الفيض)) (6/59) - على أن الزبيدي عفا الله عنه اقتصر على بعضه ولم يسقه بتمامه، فقد قال في ((المجمع)) (7/162) : ((رواه أحمد، وفيه عباد بن ميسرة. ضعفه أحمد وغيره، وضعفه ابن معين في رواية (كذا، والصواب: ووثقه كما في الفيض) وضعفه في أخرى، ووثقه ابن حبان)) . بل المناوى اختصر أيضاً قوله: ((ووثقه ابن حبان)) . وقال الحافظ رحمه الله في ((التقريب)) (3149) : ((لين الحديث عابد، من السابعة)) . قلت: فكأن الذين أعلوه بعباد هذا لم يقفوا على متابعة صالح بن مقسم، وهو مجهول العين، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (4/414) بروايته عن الحسن، وروايته إسماعيل بن عياس وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ولم ينسبه. فإن لم يكن شامياً فإسماعيل أيضاً ضعيف في غير أهل بلده الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 كما يأتي. ورواية عن إسماعيل: هشام بن عمار، فيه مقال معروف، وقد خولف في الإسناد كما يأتي. وله علة أخرى، وخي الاختلاف في سماع الحسن من أبي هريرة، وقد نفاه الجمهور ومنهم جمع من أصحاب الحسن. ولو سلمنا بثبوت السناع في الجملة - وهذا المذهب كنت عليه ثم توقفت عنه الآن للريبة في ثبوت دليله -، فالعلة عنعنة الحسن فإنه - على جلالة قدره رحمه الله - مدلس. والحديث ضعفه الشيخ الألباني حفظه الله في ((ضعيف الجامع)) (5/163) ، ووهم مقهرس (المجمع)) - عفا الله عنه - فعزاه في ((الفهارس)) (2/323) إلى عائشة، وإنما هو من حديث أبي هريرة، عقب حديث آخر لعائشة، ولعل الخطأ من غيره، فالله أعلم. أما الثانية: ففي ((أماي الشجري)) (1/76) من طريق الهيثم بن خارجة، و ((شعب الإيمان)) (4/546ط. الهند) من طريق سعيد بن منصور كلاهما قال: ((حدثنا إسماعيل بن عياش عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة ... )) الحديث، بنحوه فهذا يل رواية هشام عن إسماعيل المتقدمة إن لم يكن التخليط من من إسماعيل نفسه لا سيما وشيخ ابن منده في الإسناد - واسمه: ((محمد بن عبد الرزاق الشيخي)) سبط الحافظ أبي الشيخ رحمه الله - قال المحقق الجديع حفظه الله (ص59) : ((ذكر ضمناً في تجبير السمعاني 2/11)) . ولم يذكر فيه ما يدل على حاله. وهذه الطريق إسنادها ضعيف أيضاً، إسماعيل بن عياش - وهو الشامي الحمصي - ثقة صحيح الحديث في الشاميين - وهو أهل بلده الذين حفظ حديثهم وأتقنه في حداثته - كثير المناكير والتخليط في غيرهم. وليث ليث! وقد تقدم غير مرة، وهو كوفي يشبه ابن عياش في تخليطه ووهمه. ومع ذلك، فلا يفرح أيضاً بهذه الطريق فإنها معلولة، (فقد) رواه الإمام ابن الشريس رحمه الله في ((فضائل القرآن)) (55) من طريق عبد الوارث - وهو ابن سعيد أحد الحفاظ الأثبات - عن ليث، فقال: ((عن رجل يقال له الحسن، أنه قال: من استمع ... )) الأثر بنوه. وهذا أيضاً على وقفه ضعيف لضعف ليث، وفي شيخه جهالة أيضاً. قال ابن أبي حاتم (3/45) : ((الحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الكوفي. روى عن ابن عباس روى عنه العلاء بن المسيب وليث بن أبي سليم. سمعت أبي يقول ذلك)) . وقال أيضاً (3/46) : ((الحسن العبدي. روى عن زيد بن وهب عن حذيفة. روى عن ليث - يعني ابن أبي سليم - سمعت أبي يقول ذلك)) . وهذا مترجم في ((التاريخ الكبير)) (2/309-310) . أما الحسن الكوفي، فاثنان عند البخاري رحمه الله (2/305) حيث قال: ((الحسن الكوفي عن عبد الله بن عباس - قال معتمر عن ليث)) . ثم قال: ((الحسن الكوفي عن حميد بن أب عطاء عن عبد الله بن عمر قوله - قال معتمر وجرير عن ليث)) . وهذا الأخير سماه ابن أبي حاتم (3/34) : ((الحسن بن كثير العجلي الكوفي)) - منا نبهنا العلامة المعلمي طيب الله ثراه - وذكر رواية ليث عنه. وقد ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/166) ، وكذلك العبدي (6/170) وذكر رواية ليث عنه أيضاً. أما الحسن الكوفي، فذكره في (4/126) ، وقال: ((شيخ يروي عن ابن عباس، روى عنه ليث بن أبي سليم، لا أدري من هو، ولا ابن من هو)) . قلت: سواء أكان هو الأخير أو غيره من المتقدم ذكرهم، فالجهالة لاصقة به، وتوثيق ابن حبان لمثله غير مقبول. (أما) رواية ابن عباس، ففي ((الكامل)) (2/795) من طرق حفص بن عمر بم حكيم الملقب بـ: ((الكبر)) أو ((الكفر)) عن عمرو بن قيس الملائي عن عطاء عنه مرفوعاً: ((من استع حرفاً من كتاب الله، أقرأه نظراً، كتب الله له حسنة، ومحيت عنه سيئة، ورفعت له درجة، ومن قرأ حرفاً من كتاب الله ظاهراً كتب له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع لع عشر درجات ... )) فأخذ في حديث طريل متهافت وهذا باطل، حفص هذا قال ابن عدي: ((حدّث عن عمرو بن قيس الملائي عن عطاء عن ابن عباس أحاديث بواطيل)) . وأورد له أحاديث ثلاثة، هذا أوسطها، وختم الترجمة بقوله: ((وهذه الأحاديث بهذا الإسناد مناكير لا يرويها إلا حفص بن عمر بن حكيم هذا، وهو مجهول، ولا أعلم أحداً روى عنه غير علي بن حرب ولا أعرف له أحاديث غير هذا)) اهـ. قلت: روى عنه أيضاً محمد بن غالب - تمتام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 كم في ((تاريخ بغداد)) (8/202) ، وبه تعقب الحافظ كلام ابن عدي في ((اللسان)) (2/326) . ووقع في هذه الصفحة سقطاً يظن به أن الحافظ رحمه الله قد خلط بين ((حفص بن عمر الحبطي الرملي)) و ((حفص بن عمر بن حكيم)) هذا، وليس الأمر كذلك، فليتنبه. وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/259-260) : ((يروى عن عمرو بن قيس الملائي المناكير الكثيرة التي كأنه (كذا) عمرو بن قيس آخر، ولعله كتب عن عمر بن قيس سندل عن عطاء أشياء أقلبها على عمرو بن قيس الملائي عن عطاء أو أقلبت له، لا يجوز الاحتجاج بخيره ... )) . (وأما) حديث أنس، ومرسل الحسن، فقد رواه عبد الرزاق رحمه الله في (مصنفه)) (6013) عن معمر عن أبان عن أنس أو عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له حسنة مضاعفة، ومن تعلم (1) آية من كتاب الله كانت له نوراً يوم القيامة)) . دلني عليه محقق (شعب الإيمان)) جزاه الله خيراً ولم أكن فطنت له. وإسناده واه، وأبان متروك كما تقدم مراراً. (وبقي) موقوف ابن عباس، وهو ما رواه عبد الرزاق أيضاً (6012) وعنه الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/298) والدارمي (2/444) والفريابي في ((فضائل القرآن)) (64) عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ((من استمع آية من كتاب الله كانت له نوراً يوم القيامة)) . وهذا المتن - مع كونه على القلب من الروايات المرفوعة - فإنه لا يثبت أيضاً، بل هو معلول قال عبد الله بن أحمد رحمهما الله - عقبه -: ((قال أبي: هذا الحديث منكر. كأنه أنكر إسناده)) . قلت: وعلته عنعنة ابن جريج رحمه الله، فإنه مدلس قبيح التدليس كما قال الدارقطني رحمه الله. وفي التسوية بين قوله: ((قال عطاء)) - الذي ثبت عنه أنه لا يقوله إلا فيما سمعه - وقله: ((عن عطاء)) ، نظر لا   $! لا أدري أهكذا وقعت الرواية أم أنها خطأ صوابه: ((ومن تلا)) ، كما في سائر الروايات؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 يخفى. فكأن الإمام أحمد رحمه الله أنكر إسناده - على قوله ابنه - من أجل هذه العلة. وفي ((التهذيب)) (6/404) : (( ... وقال الأثرم عن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت، جاء بناكير)) ، وإذا قال: أخبرني وسمعت، فحسبك به)) . وقال غير واحد من الأئمة أيضاً نحوه. وهو معل أيضاً - كما أومأنا آنفاً - بالانقطاع. قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في ((فضائل القرآن)) (27) : ((حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: من سمع آية من كتاب الله عز وجل تتلى، كانت له نوراً يوم القيامة)) . وحجاج هو ابن محمد المصيصي الأعور، أحد الأثبات الحفاظ. قال الإمام أحمد: ((ما كان أضبطه وأشد تعاهده للحروف)) . ورفع أمره جداً. وقال مرة: ((كام يقول: حدثنا ابن جريج، وإنما قرأ على ابن جريج ثم ترك ذلك، فكان يقول: قال ابن جريج، وكان صحيح الأخذ)) . وقال المعلى الرازي: ((قد رأيت أصحاب ابن جريج، ما رأيت فيهم أثبت من حجاج)) . وقال أبو إبراهيم إسحاق بن عبد الله السلمي: ((حجاج نائماً، أوثق من عبد الرزاق يقطان)) . كما في ((التهذيب)) (2/205) . فإذ هو أثبت من عبد الرزاق في ابن جريج، فلا شك في أن روايه هي الراجحة. ورواية عبد الرزاق الموصولة - بذكر عطاء - معلولة. فيكون الإسناد ضعيفاً لانقطاعه بين ابن جريج وابن عباس. والله أعلى وأعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الحديث الرابع والعشرون: ((لا يزال المسروق منه في تهمة من هو برئ، حتى يكون أعظم جرماً من السارق)) . منكر مرفوعاً وموقوفاً. رواه أبو يعقوب محمد بن إسحاق النيسابوري في ((المناهي وعقوبات المعاصي)) (ق156) من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم ثنا أبو سهل الخراساني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً به. وأورده الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي سهل الخرساني من ((الميزان)) (4/535) بنحوه، وقال: ((هذا حديث منكر. رواه عنه أبو النضر هاشم)) . وأقره الحافظ رحمه الله في ((اللسان)) (7/59) ولكنه أخذ عليه أمراً، فقال: ((وهذا الرجل اسمه عبد الرحمن، وذكره الأزدي في الأسماء من كتابه ((الضعفاء)) . وأورد له هذا الحديث، ومنه نقل الذهبي، وكان ينبغي له أن ينسبه إليه، وقد أغفله في الأسماء كما نبهت عليه هناك، ولم أر له في ((الكنى)) لأبي أحمد الحاكم ذكراً)) اهـ. وقال في (3/446) : ((عبد الرحمن الخراساني أبو سهل. يأتي في الكنى)) . والحديث رواه أيضاً البيهقي في ((شعب الإيمان)) كما في ((الجامع الصغير)) (9971) و ((كنز العمال)) (3/564) والديلمي كما في ((فردوس الأخبار)) (7727) . (أما) الموقوف، فقد قال الإمام البخاري رحمه الله في ((الأدب المفرد)) (1289) : ((حدثنا يوسف بن يعقوب قال: حدثنا يحيى بن سعيد أخو عبيد القرشي قال: حدثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: ((ما يزال المسروق منه يتظنى حتى يصير أعظم من السارق)) (كذا في ((الأدب المفرد)) وفي ((فضل الله الصمد)) ، ولعل الصواب: أعظم إثماً أو: جرماً) . وفي إسناده: يحيى بن سعيد الأموي الكوفي. قال الذهبي رحمه الله في الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ((الميزان)) (4/380) : ((صالح الحديث، وأنكر من روايته حديثه عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: لا يزال المسروق له يتظنى حتى يكون أعظم إثماً من السارق)) . وروى الخطيب رحمه الله في ((تاريخه)) (14/133) عن الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) ذكر يحيى بن سعيد الأموي، فقال لي: ما كنت أظن عنده هذه الكتب الكثيرة (وقال البرمكي - شيخ الخطيب في إحدى الروايتين -: هذا الحديث الكثير) ، فإذا هم يزعمون أن عنده عن الأعمش حديث كثير، ومن غيره، وقد كتبنا عنه، وكان له أخ كان له قدر، وعلم يقال له: عبد الله بن سعيد، - ولم يثبت أمر يحيى في الحديث، كانه يقول: كان يصدق وليس بصاحب حديث -، فقلت له: روى عن الأعمش عن أبي وائل عبد الله حديثاً منكراً - أعني قوله: ((لا يزال المسروق يتظنى حتى يكون أعظم إثماً من السارق)) ، فقال أبو عبد الله: نعم. وقال الحافظ رحمه الله في ((التهذيب)) (11/214) : ((قلت: أورده العقيلي في ((الضعفاء)) ، واستنكر له عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله ... )) فذكره. قلت: لم أجد في ((الضعفاء الكبير)) (4/403) سوى ما تقدم عن الأثرم عن الإمام أحمد رحمه الله حتى قوله: ((وليس بصاحب حديث)) حسب، فالله أعلم. والرجل، فلا يبلغ حد الضعف، بل هو ثقة إمام، له مناكير عن الأعمش خاصة. فقد ختم الذهبي ترجمته بقوله: ((وثقه ابن معين وغيره، وذكرته لأن العقيلي ذكره في الضعفاء. وذكر عن المروزي (1) قال: سمعت أبا عبد الله ... )) فذكره بنحوه مختصراً. وقال في ((الكاشف)) (3/256) : ((ثقة، يغرب عن الأعمش)) . وأورده في ((تذكره الحفاظ))   $! أخشى أن يكون وهماً من الذهبي رحمه الله، فالذي في ((العلل)) (224) - رواية المروذي وغيره - عن الإمام أحمد قال: ((لم تكن له حركة في الحديث)) . ومن طريق الحافظ أبي عوانة عن المروذي رواه الخطيب (14/133) ، وروى الأخرى عن الأثرم كما تقدم. ولعل السبب في ذلك قول العقيلي: ((حدثنا الخضر بن داود قال: حدثنا أحمد ابن محمد، قال: سمعت أبا عبد الله ... )) ، فإن الأثرم والمروذي كرهما اسمه: ((أحمد ابن محمد)) . ولكن الخضر يروى ((العلل)) عن الأثرم قال في المؤتلف (ص830-831) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 (1/325) ، وقال: ((المحدث الثقة)) حتى قال: ((قال أحمد: عنده عن الأعمش غرائب وليس به بأس. وقال يحيى بن معين: ثقة)) . وقال في ((السير)) (9/139) : ((للإمام المحدث، الثقة، النبيل، ... )) وقال الحافظ رحمه الله في ((التقريب)) (7554) : ((صدوق يغرب)) . وقال في ((هدي الساري)) (ص474) : ((يحيى بن سعيد الأموي صاحب المغازي وثقه ابن سعيد وأبو داود وابن معين وابن عمار وغيرهم. وقال أحمد: ليس به بأس وكان عنده عن الأعمش غرائب ولم يكن بصاحب حديث. وأورده العقيلي في ((الضعفاء)) واستنكر حديثه عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله: ((لا يزال المسروق يتظنى حتى يكون أعظم إثماً من السارق ... )) ثم بيّن رحمه الله المواضع التي أخرج له البخاري فيها، وأن متابع فيها كلها عنده سوى الأخير، فعند مسلم. وقال (ص488) - ملخصاً الذين ضعفوا بأمر مردود -: ((ذكره العقيلي بلا حجة)) . والله أعلى وأعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الحديث الخامس والعشرين: ((يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامر، وهي خراب من الهدي، فقهاؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم خرجت الفتنة، وفيهم تعود)) . ضعيف جداً مرفوعاً وموقوفاً. روى من حديث علي وابن عمر ومعاذ وأبي هريرة، وعن علي موقوفاً من طريقين: 1- حديث علي: رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/469-470) من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، وابن عدي في ((الكامل)) (4/1543) وعنه البيهقي من طريق محمد بن يحيى الأزدي، وابن أبي الدنيا في كتاب ((العقوبات)) - كما في ((الضعيفة)) (1936) - عن سعيد بن زنبور كلاهما عن يزيد بن هارون كلاهما (سعيد ويزيد) عن عبد الله بن دكين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعاً به. قال الشيخ الألباني حفظه الله: ((قلت: وهذا إسناده واه، عبد الله بن دكين مختلف فيه، وفي ترجمته ساق الحديث الذهبي مشيراً إلى نكارته. وهذا هو الوجه عندي (يعني مرفوعاً) إن كان قد أصبح رواية يزيد له عنه، فإن سعيد بن زنبور لم أجد له ترجمة)) . كذا قال، وسعيد هذا ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (8/267) ، وجاء في ((الفهارس)) : ((سعيد ابن زنبويه)) ! ولكن لا عذر للشيخ - إن شاء الله -، فإنه يقال في اسمه أيضاً: ((سعيد بن زنبور)) ، وأول ما يتبادر إلى الأذهان: تحرف (سعد) من (سعيد) أو العكس. وقد جهله الذهبي (2/120) تبعاً لأبي حاتم الرازي -، فتعقبه الحافظ في ((اللسان)) (3/15) بأن ابن حبان ذكره في ((الثقات)) . وسماه: ((سعيداً)) . الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وذكر ثناء الإمام أحمد على حفظه، وقول ابن معين: ((ذاك المسكين، وهو ثقة، وما أراه يكذب)) . وأن بن شاهين ذكره في ((الثقات)) . وهو أيضاً في ((تاريخ بغداد)) (9/127-128) . وقضية صنيع الخطيب والحافظ أنه هو والراوي عن الفضيل بن عياض - رحمه الله - واحد، فقد جعلهما ابن أبي حاتم (4/84) اثنين، حكى عن أبيه تجهيل أولهما، وسكت عن الراوي عن الفضيل. ومجموع كلامهم عن الرجل يفهم منه أنه صدوق صالح الحال في حديثه بعض الوهم ثم تذكرت - أثناء تبييض هذا الحديث أول مرة - أن الشيخ حفظه الله فقد ذكر له حديثاً في ((الصحيحة)) (342) (1) - باسم: ((سعد بن زنبور)) - وذكر ما رواه الخطيب من قول ابن معين فيه، فسبحان من لا يضل ولا ينسى. وقد تابعه على رفعه عن يزيد: محمد بن يحيى الأزدي - أحد الثقات - عند ابن عدي، لكن راويه عنه: عبد السلام بن إدريس بن سهل - شيخ ابن عدي - ترجمة الخطيب (11/55) من رواية ابن عدي وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. أما السند إلى سعيد بن سليمان، فصحيح عند ابيهقي. فالليلة من شيخهما: عبد الله بن دكين، فإنه واه. قال ابن معين: ليس بشئ وفي رواية: ليس به بأس. وقال أبو زرعة والمفضل الغلابي والأزدي: ضعيف. وقال أبو داود: بلغني عن أحمد أنه ثقة. وقال ابو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، روى عن جعفر بن محمد غير حديث منكر. وقال النسائي: ليس بثقة. قلت: وهذا من مناكيره التي أشار إليها أبو حاتم رحمه الله، وأنكر منه - عندي - ما رواه الخطيب (9/452) من طريق بشر أن الوليد الكندي عنه بهذا الإسناد عن علي قال: ((ستة لا يأمنهم مسلم: اليهودي، والنصراني، والمجوسي، وشارب الخمر، وصاحب الشطرنج، والمتلهي بأمه)) . وفيه: ((قال ابن دكين: فسألته عن المتلهي بأمه؟ قال: الذي   $! هوحديث: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ... )) وهو معل بالوقف على أبي الدرداء من رواية رجاء بن حيوة عنه - وهي منقطعة -، وصح بعضه عن ابن مسعود رضي الله عنه كما أضرت في مقدمة ((التبييض)) (ص4) ، وربما أورده قريباً إن شاء الله فيه أو في غيره. فالله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 يقول أمه زانية إن لم أفعل كذا وكذا)) . وعده الذهبي أيضاً (2/417) في جملة مناكيره. وبشر بن الوليد مختلف فيه، لكنه لا يحتمل هذه الطامة. وقد رواه الخرائطي في ((مساوئ الأخلاق)) عن علي، بلفظ: ((ستة لا يسلم عليهم: اليهود، والنصارى، والمجوس، والذيم من بين أيديهم الخمر والريحان (كذا) ، والمتفكهوت بالأمهات، وأصحاب الشطرنج)) ، كما في ((كنز العمال)) (9/218) ، فإن كان من طريقه أيضاً فهم أطم، إذ يدل على تخبطه في متنه. وللإسناد علة أخرى، وهي الانقطاع بين علي بن الحسين وجده رضي الله عنه، وبه وحده أعله البيهقي في ((الشعب)) (4/472) ويأتي بتمامه. 2/3 - حديث ابن عمر ومعاذ: قال الشيخ الألباني حفظه الله تحت حديث الترجمة: ((ضعيف جداً. أخرجه الديلمي في ((مسنده)) (107/1) من طريق الحاكم بستنده إلى خالد بن يزيد الأنصاري عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. قلت: خالد هذا الظاهر أنه العمري المكي، فإنه يروى عن ابن أبي ذئب، كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان (1/258) : ((يروي الموضوعات عن الأثبات)) ثم رواه الديلمي من طريق إسماعيل عن أبي زياد عن ثور عن خالد بن معدان عن معاذ بنحوه. قلت: وهذا - كالذي قبله - موضوع، آفته إسماعيل هذا، وهو السكوني القاضي، قال ابن حبان _1/129) : ((شيخ دجال، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه)) . وقد وجدت له طريقاً ثالثاً، فقال ابن أبي الدنيا ... )) فذكره - جزاه الله خيراً - ما قدمناه عنه. 4- حديث أبي هريرة: ذكره في ((كنز العمال) (11/181) من رواية الديلمي عنه، وهو في ((الفردوس)) (8437) ، ولم يسق محققاه - سامحهما الله - إسناده في الحاشية، مع حرصهما الكبير على ذلك في الأجزاء الأخيرة من الكتاب لا سيما فيما يتفرد به الديلمي. وعلى كلٍ، فلا إشكال إن شاء الله، ولنا عبرة فيما تقدم من طرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الحديث، فإن أوهاها ما رواه الديلمي! وقد قال الشيخ حفظه الله: ((وجملة القول: أن هذا الحديث بهذه الطرق الثلاث، يظل على وهائه لشده ضعفها، وإن كان معناه يكاد المسلم يلمسه، بعضه أو جله في واقع العالم الإسلامي، والله المستعان. 5- موقوف على: وله طريقان: الأولى: مدارها على عبد الله بن دكين ايضاً. وقد علقه البخاري رحمه الله في ((خلق أفعال العباد)) (239) ، فقال: ((ويذكر عن علي رضي الله عنه قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن ألا رسمه)) . دلني عليه محقق ((الشعب)) . ودلني محققه على روايته عند ابن بطة كما يأتي، فجزاهما الله خيراً. ووصله ابن عدي وعنه البيهقي من طريق بشر بن الوليد الكندي، ثنا عبد الله بن دكين به وبشر وثقه الدارقطني - من رواية السلمي عنه - ومسملة بن القاسم. وقال صالح جزرة: وهو صدوق لكنه لا يعقل، قد كان خرف. وقال الآجري: سألت أبا داود: أبشر بن الوليد ثقة؟ قال: لا. وقال السلمياني: منكر الحديث. وقال البرقاني: ليس هو من شرط الصحيح. ولم يتفرد به. فقد أخرجه الدينوري في ((المنتقى من المجالسة)) (19-20مخطوطة حلب) - كما في ((الضعيفة)) -، من طريق محمد بن مسلمة، حدثنا يزيد بن هارون عن ابن دكين به. قال الشيخ الألباني: ((ومحمد بن مسلمة هو الواسطي صاحب يزيد بن هارون، مختلف فيه، والأكثرون على تضعيفه، بل قال أبو محمد الخلال: ((ضعيف جداً)) . وقال الذهبي: ((أتى بخير باطل اتهم به)) . لكن الدينوري نفسه منهم، فراجع ترجمته في ((الميزان)) .... )) . وله طريق ثاثلة، فقد رواه الإمام ابن بطة رحمه الله في ((جزء إبطال الحيل)) (ص21) عن أبي محمد عبد الله بن سليمان الفامي حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي حدثنا يزيد ابن هارون قال: أنبأنا عبد الله بن دكين به. وقد تحرفت نسبة: ((الفامي)) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 إلى: ((الفاسي)) . و ((ابن دكين)) إلى: ((ابن مكين)) ، وسقط قوله: ((عن أبيه)) أعني: ((جعفر بن محمد عن أبيه عن جده)) ، ولذلك قال محقق ((خلق أفعال العباد)) : ((وفي غسناده من لم أهتد به إليه)) . قلت: والفامي والدقيقي ثقتان، ولكن الإمام ابن بطه رحمه الله - واسمه: عبيد الله بن محمد بن محمد ابن حمدان أبو عبد الله العكبري - فيه مقال معروف، وقد ترجمه الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (16/529: 533) وساق له أحاديث غلط فيها، وقال: ((قلت: فبدون هذا يضعف الشيخ)) . وله ترجمة أيضاً في ((تاريخ بغداد)) (10/371:375) و ((الميزان)) (3/15) و ((اللسان)) (4/112: 115) ، فانظرها إن شئت. والحاصل أن الروايات المرفوعة عن ابن دكين لو قورنت بالموقوفة - التي لم تسلم من مقال كما بينا - لرجحت عليه، لولا عدم اظلاعنا على إنساد البخاري إلى ابن دكين - إذ كره معلقاً - ناهيك عما لم نطلع عليه. وعلى كل. فهو ترجيح لا يسمن ولا يغني من جوع لمكان ذاك الواهي في جميع طرقه، فما يؤمننا أن هذا التخبط منه هو؟ ! (ثم) إني وقفت له على إسناد آخر عن علي أوهى من هذا، عند البيهقي في ((الشعب)) (4/471-472) من طريق أحمد بن أبي حسان يحيى بن أحمد الضبي حدثنا حفص بن محمد بن نجيح البصري، حدثنا بشر بن مهران، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: خدب عليّ الناس بالكوفة فسمعته يقول في خطبته: أيها الناس، إنه من يتفقر يفتقر، ومن يعمر يبتلى، ومن لا يستعد للبلاء، إذا ابتلي لا يصبر، ومن ملك أستأثر، ومن لا يستشر يندم. وكان يوقلمن وراء هذا الكلام: يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه. وكان يوقل: ألا ى يستحيي الرجل أن يتعلم متى سئل عما لا يعلم أن يقول: لا اعلم. مساجدكم يومئذ عامرة، وقلوبكم وأبدانكم مخربة من الهوى (كذا، ولعل الصواب: من الهدى) ، شر من تحت ظل السماء فقهاؤكم (في ((الشعب)) : فقهاءكم - بالنصب - ولا أعلم وجهها، منهم تبدأ الفتنة وفيهم تعود. فقام رجل فقال: ففيم يا أمير المؤمنين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 قال: إذا كان الفقه في رذالكم، والفاحشة في خياركم، والملك في صغاركم، فعند ذلك تقوم الساعة)) . قال البيهقي: ((هذا موقوف إسناده إلى شريك مجهول، والأول منقطع. والله أعلم)) . قلت: وهو إسناده واه، له علل أربع: الأولى: جهالة أحمد بن أبي حسان يحيى بن أحمد الضبي، فإني لم أهتد إليه. الثانية: وجهالة شيخه حفص بن محمد بن نجيح البصري، فلم أجد له أيضاً. ولا شك أن الإمام البيهقي رحمه الله يعينهما بقوله: ((إسناده إلى شريك مجهول)) لكن سيأتي استثناء الراوي عنه من الجهالة. وكأن هذين من غلاة الرافضة الذين أفصحنا عن حالهم في ثنايا هذا الكتاب، فإنهم من أكذب طوائف هذه الأمة لا سيما على عليّ وبنيه. أقول ذلك بعد أن طالعت – سوى ((أمالي الشجري)) – ثلاثة من كتبهم وأماليهم، فوجدت فيها بلايا ورزايا، ومضحكات مبكيات. الثالثة: شدة ضعف بشر بن مهران – وهو الحذاء – قال ابن أبي حاتم (2/367) : ((روى عن شريك بن عبد الله النخعي. كتب عنه أبي سمعت أبي يقول ذلك)) . ثم أعاده (2/379) – باسم بشير بن مهران الحذاء البصري – وقال: ((مولى بني هاشم أبو الحسن. روى عن شريك بن عبد الله. سمع منه أيام الأنصاري وترك حديثه وأمرني أن لا أقرأ عليه حديثه)) . وقال العلامة المعلمي رحمه الله في ((حاشية الجرح)) – تعليقاً على الموضع الأول -: ((هذه الترجمة مزيدة في ك. وسيأتي في باب بشير ((بشير بن مهران ... )) وفي الميزان واللسان أنهما واحد)) اهـ. وأحال في الموضع الثاني على هذا الموضع. أما ابن حبان رحمه الله، فقد تساهل في أمر هذا الرجل، فأورده في ((الثقات)) (8/140) ، واكتفى بقوله: ((روى عنه البصريون الغرائب)) . الرابعة: سوء حفظ شريك القاضي على تفصيل في أمره ليس هذا محله. وقوله في الأثر: ((إذا كان الفقه في رذالكم، والفاحشة في خياركم ... )) قد رُري قريب منه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففي ((المسند)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 (2/187) و ((سنن ابن ماجه)) (4015) من طريق مكحول عن أنس بن مالك، قال: قيل: يا رسول الله، متى نترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟ قال: ((إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم)) . قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: ((الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم)) . وقال الحافظ البوصيري رحمه الله في ((مصباح الزجاجة)) (3/244) : ((هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات)) قلت: كلا، فإن مكحولاً رحمه الله مدلس وقد عنعنه. ومن هذا الوجه رواه أيضاً ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (1/157) . وذكر له الزبيدي رحمه الله طريقاً أخرى عند يعقوب ابن سفيان في ((مشيخته)) من حديث الزبير عن عيسى حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً بنحوه، كما في ((تخريج الإحياء)) (124) . والزبير هذا، قال العقيلي في ((الضعفاء)) (2/91) : ((حديثه غير محفوظ)) . ثم رواه من طريق البخاري قال: حدثنا خليل بن يزيد الباقلاني، دلنا عليه الحميدي، قال: عنده عن أبي حديثان (في الأصل: حديثين) قال: حدثنا الزبير بن عيسى الحميدي (في الأصل: ابن علي) ... فذكره، ثم قال: ((لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به)) . وقال الحافظ في ((اللسان)) (2/472) : ((وقال النباتي عقب كلام العقيلي: لعمري إنه لباطل موضوع يشهد له القرآن والسنة (كذا)) ) . وذكره ابن حبان في ((الثقات)) اهـ. تمّ بحمد الله القسم الأول من ((تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع)) . فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتمّ الفراغ من تبييضه بفهارسه يوم الاثنين الموافق السادس من شعبان 1409هـ، والثالث عشر من مارس 1989م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123