الكتاب: فضائل القرآن المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ) الناشر: مكتبة ابن تيمية الطبعة: الطبعة الأولى - 1416 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- فضائل القرآن لابن كثير ابن كثير الكتاب: فضائل القرآن المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ) الناشر: مكتبة ابن تيمية الطبعة: الطبعة الأولى - 1416 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ـ[فضائل القرآن]ـ المؤلف: ابن كثير، أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر الناشر: مكتبة ابن تيمية الطبعة: الطبعة الأولى - 1416 هـ عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المقدمات مقدمة المحقق بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَنْ يهد الله تعالى فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فهذا كتاب "فضائل القرآن" للإمام النحرير، السلفيّ الكبير, عماد الدين أبي الفداء, المعروف بـ "ابن كثير"، جرى فيه على منوال البخاريِّ، فذكر متنه وخرَّج أحاديثه، وعلَّقَ عليها تعليقات يسيرة، ثم أردف ذلك بباب جامع، سرد فيه طائفة من جياد الأحاديث، وألحقه الحافظ ابن كثير في آخر تفسيره في أول الأمر، ثم أثبته في أول التفسير بعد ذلك, فقال في "النسخة المكية" والمرموز لها بالرمز "أ" وكتبت سنة "759" في حياة المصنف، وقبل موته بخمسة عشر عامًا، قال رحمه الله: "ذكر البخاريُّ -رحمه الله- كتاب "فضائل القرآن" بعد "كتاب التفسير"؛ لأن التفسير أهم، فلهذا بدأ به، فجرينا على منواله وسننه مقتدين به". وقال في النسخة التي كتبها العالم الحنبلي ابن المحب -رحمه الله، واسمه أحمد بن محمد بن أحمد بن المحب، وكانت وفاته سنة "776" في شهر ربيع الآخر كما في "الدرر الكامنة" "1/ 244/ رقم 631"، وكتب ابن المحب هذه النسخة في حياة المصنف، وله تقييدات عليها بخطه, وهي في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 غاية الإتقان والتحرير، فقال ابن كثير -رحمة الله: "ذكر البخارى -رحمه الله- كتاب "فضائل القرآن" بعد "كتاب التفسير"؛ لأن التفسير أهم، فلهذا بدأ به، ونحن قدمنا الفضائل قبل التفسير، وذكرنا فضل كل سورة قبل تفسيرها؛ ليكون ذلك باعثًا على حفظ القرآن، وفهمه والعمل بما فيه، والله المستعان". اهـ. وقد طُبِعَ هذا الكتاب مرارًا على مطبوعة الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله، واعتمد فيها على النسخة المكية، ولكن وقع في هذه المطبوعة تحريف كثير, وطبعه الناس بعده مقتفين أثره حتى في هذا التحريف، ولم يخدم بتخريج أحاديثه وآثاره، أضف إلى ذلك أن ابن كثير ألحق نحو صفحتين خلت منهما النسخة المكية، فبهذا تكون هذه الطبعة هي الوحيدة الكاملة، واعتمدت في إخراجها على أربع مخطوطات، يأتي وصفهنّ -إن شاء الله، وأوليت النص عناية فائقة، وأرجو أن يكون كما صنَّفَه صاحبه -إن شاء الله تعالى، وخرَّجْتُ أحاديثه تخريجًا مختصرًا، وقد أطيل أحيانًا إطالةً خفيفة لأمر اقتضاه المقام، وقد بسطت تخريج أحاديث هذا الكتاب في كتابي "تسلية الكظيم بتخريج أحاديث وآثار تفسير القرآن العظيم", وقد نجز منه ثلاث مجلدات إلى نهاية سورة الفاتحة. والله أسأل أن يجعله زادًا إلى حسن المصير إليه، وعتادًا إلى يمن القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله أولًا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا. وكتبه راجي عفو ربه الغفور أبو إسحاق الحويني الأثري حامدًا لله تعالى ومصليًّا على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أول ذي الحجة/ 1415هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ترجمة الحافظ ابن كثير -رحمه الله 1: الإمام الحافظ المحدّث المؤرخ الثقة، ذو الفضائل، عماد الدين، أبو الفداء: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير، القرشيّ، الدمشقيّ، الشافعيّ. وُلِدَ -رحمه الله- بقرية "مجدل" من أعمال "بُصْرَى"2. وكان أبوه من أهل "بُصْرَى"، وأمه من قرية "مجدل". وقومه كانوا "ينتسبون إلى الشرف، وبأيديهم نسب، وقف على بعضها شيخنا المِزّي, فأعجبه ذلك وابتهج به، فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك "القرشيّ" -كما قال هو في ترجمة أبيه، في تاريخه "البداية والنهاية". وتاريخ مولده سنة 700، كما ذكر أكثر من ترجم له، "أو بعدها بقليل" كما قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة, وهو تاريخ تقريبي, أرجِّحُ أنه مستنبط من كلامه في ترجمة أبيه، حيث ذكر أن أباه "توفي سنة 703.. وكنت إذ ذاك صغيرًا ابن ثلاث سنين أو نحوها، لا أدركه إلّا كالحلم". و"ابن ثلاث سنين" لا يعرف تواريخ السنين -على اليقين- في تلك السن, فقد سمع إذن تحديد السنة التي مات فيها أبوه ممن حوله من إخوة أو أهل أو جيران, ولكنه يدرك أباه "كالحلم", فالذي هو في سنٍّ أقل   1 مأخوذة من "عمدة التفسير" للشيخ العلَّامة المحدث أبي الأشبال أحمد بن محمد شاكر -رحمه الله ورضي عنه. 2 "مجدل": بكسر الميم وفتحها مع سكون الدال, و"بصري" بضم الباء وسكون الصاد وآخرها ألف مقصورة: بلد بالشام من أعمال دمشق, وهي قصبة كورة "حوران". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 من الثلاث ما أظنه يذكر شيئًَا "كالحلم", ولا أبعد من الحلم ولا أقرب, فهو حين موت أبيه قد جاوز الثالثة -في أكبر ظني, ولذلك أرجِّح أن مولده كان في سنة 700 أو قبلها بقليل, وهو أقرب إلى الصحة من قول الحافظ ابن حجر: "أو بعدها بقليل"؛ لأن الذي "بعدها" لا يكاد يبلغ الثالثة عند موت أبيه. وكان أبوه "الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير" من العلماء الفقهاء الخطباء, وُلِدَ -كما قال ابنه- في حدود سنة 640, وترجم له ابنه الحافظ في تاريخه الكبير "البداية والنهاية"، ج14 ص31- 33, ومما قال في ترجمته: "اشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى؛ فقرأ "البداية" في مذهب أبي حنيفة، وحفظ "جمل الزَّجَّاجي"، وعني بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب، حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء, وقرر بمدارس بصرى بِمَبْرَكِ الناقة شماليّ البلدة، حيث يُزَار، وهو المبْرَك المشهور عند الناس1! والله أعلم بصحة ذلك, ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقيّ بُصْرَى، وتمذهب للشافعي، وأخذ عن النواوي والشيخ تقي الدين الفزاري -وكان يكرمه ويحترمه، فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني, فأقام بها نحو من 12 سنة, ثم تحول إلى خطابة "مجدل": القرية التي منها الوالدة, فأقام بها مدة طويلة، في خير وكفاية وتلاوة كثيرة, وكان يخطب جيدًا، وله مقول عند الناس، ولكلامه وقع؛ لديانته وفصاحته وحلاوته, وكان يؤثر الإقامة في البلاد2، لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله. وقد وُلِدَ له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها؛ أكبرهم: إسماعيل، ثم يونس،   1 يريد هؤلاء الناس -فيما يزعمون: مَبْرَك ناقة صالح -عليه السلام. 2 يعني: القرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وإدريس, ثم من الوالدة: عبد الوهاب، وعبد العزيز، وأخوات عدة, ثم أنا أصغرهم، وسميت باسم الأخ "إسماعيل"؛ لأنه كان قد قَدِمَ دمشق، فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده، وقرأ مقدمة في النحو، وحفظ التنبيه، وشرحه على العلَّامة تاج الدين الفزاري، وحصَّل المنتخب في أصول الفقه. قاله لي شيخنا ابن الزملكاني. ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية، فمكث أيامًا ومات, فوجد الوالد عليه وجدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة, فلما وُلِدْتُ أنا له بعد ذلك سماني باسمه؛ فأكبر أولاده: إسماعيل، وأصغرهم وآخرهم: إسماعيل. فرحم الله من سلف، وختم بخير لمن بقي. توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة 703 في قرية مجدل، ودُفِنَ بمقبرتها الشمالية عند الزيتون، وكنت إذ ذاك صغيرًا، ابن ثلاث سنين أو نحوها، لا أدركه إلّا كالحلم, ثم تحوَّلنا من بعده في سنة 707 إلى دمشق، صحبة "كمال الدين عبد الوهاب" وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخَّرت وفاته إلى سنة خمسين "يعني سنة 750"، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسَّر الله تعالى منه ما يسر، وسهَّل منه ما تعسر". وقد بدأ الاشتغال بالعلم على يدي أخيه عبد الوهاب -كما قال آنفًا, ثم اجتهد في تحصيل العلوم على العلماء الكبار في عصره, وحفظ القرآن الكريم، وختم حفظه سنة 711، كما صرَّح بذلك في تاريخ 14: 312, وقرأ بالقراءات، حتى عدَّه الداودي من القراء1، وترجم له في طبقاتهم التي ألفها2, وسمع الحديث من كثير من أئمة الحفاظ في عصره, وعني   1 الداودي: هو شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي المصري، مات سنة 945, ولكن ابن الجزري لم يذكر ابن كثير في طبقات القراء. 2 ومما ينبغي التنبيه إليه: أن "ابن كثير" هذا الحافظ المفسر، غير "ابن كثير" أحد القراء السبعة؛ فذاك اسمه "عبد الله بن كثير المكي"، إمام أهل مكة في القراءة، وهو قديم من التابعين، روى عن ابن الزبير وأنس بن مالك, ولد سنة 45، ومات سنة 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بالسماع والإكثار منه. فمما ذكر في تاريخه 14: 149، أنه سمع صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين ابن العسقلاني، بقراءة الوزير العالم أبي القاسم محمد بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسي، المتوفى بالقاهرة في 22 محرم سنة 730, حين قدم دمشق في جمادى الأولى سنة 724 عازمًا على الحج. وذكر في ترجمة شيخه الكبير المعمِّر الرحلة شهاب الدين الحجار, المعروف بابن الشحنة: أنه سمع عليه "بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوًا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع". وهذا الشيخ "عاش مائة سنة محققًا, وزاد عليها", وتوفي سنة 730. "التاريخ 14: 150". وتفقَّه على الشيخين برهان الدين الفزاري وكمال الدين ابن قاضي شهبة, وحفظ التنبيه للشيرازي في فروع الشافعية، ومختصر ابن الحاجب في الأصول, ولزم الحافظ الكبير أبا الحجاج المزي، وقرأ عليه مؤلفه العظيم في الرجال "تهذيب الكمال"، وصاهره على ابنته زينب1, وكان من أعظم تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، ولازمه وتخرَّج على يديه، وكانت له به خصوصيَّة ومناضلة عنه، واتِّباعٌ له في كثير من آرائه, وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق2، وامتُحِنَ بسبب ذلك وأوذي.   1 ذكرها باسمها في ترجمة شيخه الحافظ المزي، المتوفى سنة 742. "التاريخ 14/ 191-192". 2 أي: وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة، كما هو الحق الذي تدل عليه الدلائل الصحاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وكان من أفذاذ العلماء في عصره, أثنى عليه معاصروه وتلاميذه ومن بعدهم, الثناءَ الجمّ: فذكره الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ 4: 29، مع أن الذهبي يكاد يكون من طبقة شيوخه؛ لأنه مات سنة 748، قبل ابن كثير بـ 26 سنة؛ فقال في طبقات الحفاظ: "وسمعت مع الفقيه المفتي المحدث، ذي الفضائل، عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البُصْرَوي الشافعيّ ... سمع من ابن الشّحنة وابن الرداد وطائفة, له عناية بالرجال والمتون والفقه, خرَّجَ وناظَر وصنَّفَ وفسَّر وتقدَّم". وقال الذهبي في المعجم المختص -فيما نقل ابن حجر وغيره: "الإمام المفتي المحدث البارع، فقيه متفنن، محدث متقن، مفسّر نقّال". وقال تلميذه شهاب الدين بن حجي: "كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بتخريجها ورجالها، وصحيحها وسقيمها, وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك, وكان يستحضر كثيرًا من التفسير والتاريخ، قليل النسيان, وكان فقيهًا جيد الفهم صحيح الذهن، ويحفظ التنبيه إلى آخر وقت. ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر, وما أعرف أني اجتمعت به -على كثرة ترددي عليه- إلّا واستفدت منه". "عن النعيمي في كتاب الدارس". وقال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ "ص 58": "وصاهر شيخنا أبا الحجاج المزي فأكثر عنه, وافتى ودرس وناظر، وبرع في الفقه والتفسير والنحو, وأمعن النظر في الرجال والعلل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: "ولازم المزّي، وقرأ عليه تهذيب الكمال، وصاهره على ابنته, وأخذ عن ابن تيمية ففُتِنَ بحبه، وامتُحِنَ بسببه, وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة, سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته, ولم يكن على طريقة المحدثين في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل, ونحو ذلك من فنونهم, وإنما هو من محدِّثي الفقهاء, وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح1، وله فيه فوائد". ونقل السيوطي في ذيل طبقات الحفّاظ كلام الحافظ ابن حجر في أنه "لم يكن على طريقة المحدثين ... " ثم تعقبه بقوله: "العمدة في علم الحديث معرفةُ صحيح الحديث وسقيمه، وعلله واختلاف طرقه، ورجاله جرحًا وتعديلًا, وأما العالي والنازل ونحو ذلك -فهو من الفضلات، لا من الأصول المهمة". وهذا حق. وقال السيوطي أيضًا: "له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله". وقال العلامة العيني -فيما نقل عنه ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة: "كان قدوة العلماء والحفَّاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ, وسمع وجمع، وصنَّف ودرس، وحدَّث وألَّف, وكان له اطلاعٌ عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتُهِرَ بالضبط والتحرير، وانتهي إليه   1 كتابه هذا هو "اختصار علوم الحديث". طبع أول مرة في مكة المكرمة بالمطبعة الماجدية سنة 1353، بتصحيح أخينا العلامة الكبير الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، أحد كبار المدرسين الآن بالحرم المكي, ثم شرحته أنا شرحًا متوسطًا، وطُبِعَ في مصر في شهر ذي القعدة سنة 1355, ثم أعدت طبعه مرة أخرى مع زيادات وتنقيح في الشرح، في شهر ذي الحجة سنة 1370. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 علم التاريخ والحديث والتفسير, وله مصنفات عديدة مفيدة". ووصفه الحافظ العلّامة شمس الدين بن ناصر، في كتاب "الرد الوافر" بأنه "الشيخ الإمام العلامة الحافظ، عماد الدين، ثقة المحدثين، عمدة المؤرخين، عَلَم المفسّرين". وقال فيه ابن حبيب -فيما نقل الداودي في طبقات القراء, وابن العماد في الشذرات: "إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل, سمع وجمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بأقواله وشنَّف، وحدَّث وأفاد، وطارت فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير". وروى له الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر، وابن العماد في الشذرات, البيتين المشهورين، الذائعين على الألسنة: تَمُرُّ بنا الأيام تترى وإنما ... نُسَاقُ إلى الآجال والعين تَنْظُرُ فلا عائِدٌ ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المُكَدِّرُ وصحبته وملازمته لشيخ الإسلام ابن تيمية أفادته أعظم الفوائد، في علمه ودينه، وتقوية خلقه، وتربية شخصيته المستقلة الممتازة. فهو مستقلّ الرأي، يدور مع الدليل حيث دار، لا يتعصّب لمذهبه ولا لغيره, وكتبه العظيمة، وخاصة هذا التفسير الجليل, فيها الدلائل الوافرة, ونجده -مع أنه شافعي المذهب- يفتي في مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد، بما رجحته الدلائل الثابتة الصحاح، أنه يقع طلقة واحدة, ثم يُمْتَحَن ويلقى الأذى، فيثبت على قوله، ويصبر على ما يلقى في سبيل الله. وهو -وهو تلميذ شيخ الإسلام ومن خاصة أنصاره -يعرف ما كان بين شيخه شيخ الإسلام، وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي- ومع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ذلك فإنه لا يعين عليه في محنة لحقته، بل يعلن عن غبطته بأن تزول عنه المحنة, فيذكر في التاريخ -في حوادث سنة 743 "14: 204" أنه أرجف الناس كثيرًا بقاضي القضاة في دمشق, واشتهر أنه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الأيتام إلى الطنبغا وإلى الفخري, وكُتِبَت فتوى عليه بذلك في تغريمه، وداروا بها على المفتين، فلم يكتب لهم أحد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي، رأيت خطَّه عليها وحده بعد الصلاة, وسئلت في الإفتاء عليها فامتنعت؛ لما فيها من التشويش على الحكام". ثم يقول: "وكانوا له في نية عجيبة، ففرَّج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية". فهذا خُلُق أهل العلم النبلاء الأتقياء. وقد طار ذكره في الأقطار الإسلامية، حتى إنه ليذكر في حوادث سنة 763 "14: 294-295" أن شابًّا عجميًّا حضر من بلاد تبريز وخراسان "يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلمًا وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك", وأنه امتحنه بقراءة مجالس من البخاري وغيره بحضرة قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء، ثم قال: "وفرح بكتابتي له بالسماع على الإجازة, وقال: أنا ما خرجت من بلادي إلّا إلى القصد إليك، وأن تجيزني، وذكرك في بلادنا مشهور". وهذا الخبر يدل على أن كتابه "جامع المسانيد" وصل إلى أقصى الشرق، في بلاد تبريز وخراسان، حتى يحفظه هذا الشاب الأعجمي أو يحفظ شيئًا منه, في حين أن الحافظ ابن كثير لم يتم تأليف "جامع المسانيد" كما هو معروف؛ فكأن العلماء وطلاب العلم كانوا ينسخون ما يخرج منه، ويتداولونه بينهم، حتى يصل من دمشق إلى تلك النواحي النائية. ولم يكن ممن يُخْدَع في الفتاوى التي ظاهرها قَصْد الاستفتاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ووراءها ألاعيب سياسية، أو أغراض شخصية غير سلمية، وإن كان المستفتي من الأمراء أو ممن يخشى بأسه, فهو يقول في حوادث سنة 762: "وجاءتني فتيا صورتها: ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلامًا, فأحسن إليه وأعطاه وقدّمه, ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه؟ وتصرَّفَ في المملكة، وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله: فهل له الامتناع منه، وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدًا؟ وهل يثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال؟ أفتونا مأجورين؟ ". فهذا استفتاء صِيغَ في صورةٍ توحي بالجواب, وباطنُه أن ذاك الأمير السائل يريد أن يمتنع على الملك الذي دعاه للحضور عنده، ويريد أن يثير فتنةً وقتالًا على صاحب الأمر، لعله يصل إلى ما وصل إليه ذاك من الملك، كعادة الأمراء من المماليك في ذلك العهد, ولكنَّ ابن كثير يجيبه جوابًا حكيمًا يكشف عن بعض مقصده، ويضمن جوابه النصيحة الواجبة في مثل هذه الحال، فيقول: "فقلت للذي جاءني بها من جهة الأمير: إن كان مراده خلاص ذمته فيما بينه وبين الله تعالى, فهو أعلم بنيته في الذي يقصده! ولا يسعى في تحصيل حقٍّ معين, إذا تَرتَّب على ذلك مفسدة راجحة في ذلك، فيؤخر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقه! وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة، والأمراء عليه, فلا بُدَّ أن يكتب عليها كبار القضاة والمشايخ أولًا، ثم بعد ذلك بقية المفتين بطريقه". "التاريخ 14: 281: 282". وكان الإفرنج قد غدروا بمدينة الإسكندرية، وأشاعوا فيها الرعب، وارتكبوا الفظائع غدرًا, وذلك أنهم وصلوا إليها من البحر يوم الأربعاء 22 محرم سنة 767, فلم يجدوا بها نائبًا ولا جيشًا، ولا حافظًا للبحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ولا ناصرًا, فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار، بعدما حرقوا أبوابًا كثيرة منها, وعاثوا في أهلها فسادًا؛ يقتلون الرجال، ويأخذون الأموال، ويأسرون النساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير المتعال, وأقاموا يوم الجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء, فلما كان صبيحة الأربعاء قَدِمَ الشاليش المصري1، فأقلعت الفرنج -لعنهم الله- عنها، وقد أسروا خلقًا كثيرًا يقاربون الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهبًا وحريرًا وبهارًا وغير ذلك، ما لا يُحدُّ ولا يوصف, وقَدِمَ السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ, وقد تفارط الحال، وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر، فسمع للأسارى من العويل والبكار والشكوى والجأر إلى الله، والاستغاثة به وبالمسلمين, ما قطَّع الأكباد، وذرفت له العيون, وأصمَّ الأسماع. فإنا لله وإنا إليه راجعون, ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدًّا، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر، فتباكى الناس كثيرًا. فإنا لله وإنا إليه راجعون". فهذه وقعة شنيعة غادرة من الإفرنج -كعادتهم, والنفوس تتقزز من مثلها، وتثور من أجلها, والملوك والأمراء الظالمون ينتهزون فرصة تعبئة الرأي العام الإسلامي, وتورثه من أجل هذا الغدر، وغضبًا لهذه الفظائع؛ ليأكلوا أموال الناس بالباطل، وظاهر أمرهم الانتقام, وباطنه السلب والنهب.   1 في النجوم الزاهرة "11: 29 طبعة دار الكتب المصرية": "فلما وصل السلطان إلى الطرانة أرسل جاليشًا من الأمراء أمامه في خفية ... ". وكتب مصححه الأستاذ محمد البرهامي منصور، بهامشه: "الجاليش: مقدمة الجيش، والراية العظيمة في رأسها خصلة من الشعر", وهي كلمة أعجمية -لعلها تركية أو فارسية, وفي مثلها الجيم شديدة التعطيش -بين الجيم والشين- فيجوز تعريبها جيمًا أو شينًا، مثل "شاويش" و"جاويش". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ولكن الحافظ ابن كثير يلزم جانب الحق والعدل، ولا يرضى بالظلم، ولو كان ظاهره الانتقام والثأر للمسلمين، فيقول: "وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية، إلى نائب السلطنة، يمسك النصارى من الشام جملة واحدة، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم، لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولعمارة مراكب تغزو الإفرنج, فأهانوا النصارى، وطُلِبُوا من بيوتهم بعنف, وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يراد بهم، فهربوا كل مهرب. "ولم تكن هذه الحركة شرعية, ولا يجوز اعتمادها شرعًا". وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر -أي: سنة 767- إلى الميدان الأخضر، للاجتماع بنائب السلطنة، وكان اجتماعنا بعد العصر يومئذ، بعد الفراغ من لعب الكرة, فرأيت منه أنسًا كبيرًا، ورأيته كامل الفهم، حسن العبارة, كريم المجالسة. "فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى" -يعني المرسوم بالمصادرة، فقال: إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك! فقلت: له هذا مما لا يسوغ شرعًا، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا, ومتى كانوا باقين على الذمة، يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار، وأحكام الملة قائمة, لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية, ومثل هذا لا يخفى على الأمير"! فقال: كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك؟ ولا يمكنني أن أخالفه؟ ثم ذكر أن نائب السلطنة كتب بذلك إلى الديار المصرية, ولكن هذا النائب لم يكن عند قوله، فنفذ المرسوم، و"طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه، وهم قريب من أربعمائة، فحلفهم: كم أموالكم؟ وألزمهم بأداء الربع من أموالهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون". وكانت هذا المصادرة الظالمة في شهر ربيع الأول سنة 767, ثم قال الحافظ -في حوادث شهر ربيع الآخر: "وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني، بالرد على نساء النصارى, ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم أخذها منهم", وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 كان الجمع ظلمًا، ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم". "التاريخ 14: 314-315، 318". فانظر إلى هذا الإمام العظيم، الذي يقف عند حدود الشريعة المطهرة، يقيم ميزان العدل الصحيح كما عرفه من دينه الحنيف، ويألم ويسترجع لما ناب النصارى من مصادرة ظالمة من أمراء طغاة جائرين، كما ألم واسترجع من قبل لما أصاب المسلمين من غدر النصارى وبغيهم، وشتان هذا وذاك, ولكنه لا يرضى إلّا أن يقيم ميزان العدل. فكان هذا العقل المستقلّ العظيم الثابت على الحق، والذي لا تغلبه العواطف والأهواء، مما يجعل للرجل منزلة عند الناس كبيرة, يثق به أنصاره وغير أنصاره، وموافقوه ومخالفوه, بل جعله موضع الثقة والاستشارة عند الذميين، حتى ليستشيره بعض رؤسائهم في أخص شئونهم الكنيسية، فإنه يذكر قصة طريفة، في استشارة أحد البتاركة إياه في ذلك، يحسن أن نذكرها بعبارته بحروفها: فقال -في حوادث سنة 767: "وحضر عندي يوم الثلاثاء تاسع شوال، البَتْرَك بشارة، الملقَّب بميخائيل، وأخبرني أن المطارنة بالشام بايعوه على أن جعلوه بتركًا بدمشق، عوضًا عن البَتْرَك بأنطاكية, فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دينهم، فإنه لا تكون البتاركة إلّا أربعة: بالإسكندرية، وبالقدس، وبأنطاكية، وبرومية, فنُقِلَ رومية إلى إسطنبول، وهي القسطنطينية، وقد أنكر عليهم كثير منهم إذ ذاك، فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم من ذلك, لكن اعتذر بأنه في الحقيقة هو عن أنطاكية، وأنطاكية، وإنما إذن له في المقام بالشام الشريف، لأجل أنه أمره نائب السلطنة أن يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرص، يذكر له ما حلَّ بهم من الخزي والنكال والجناية؛ بسبب عدوان صاحب قبرص على مدينة الإسكندرية, وأحضر لي الكتب إليه وإلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ملك إسطنبول، وقرأها عليّ من لفظه -لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضًا, وقد تكلمت معه في دينهم، ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة، وهم: الملكية، واليعقوبية -ومنهم الإفرنج والقبط- والنسطورية، فإذا هو يفهم بعض الشيء, ولكن حاصله أنه حمار، من أكفر الكفار! لعنه الله". "التاريخ 14: 319-320". ولا يعجبنَّ القارئ من أن يكون ابن كثير أعلم بعقائد طوائف النصارى من أحد بتاركتهم. أستغفر الله، بل إنه يذكر عن ذاك البترك ميخائيل الذي تكلَّم معه -أنه يفهم بعض الشيء؛ لأن ابن كثير -رحمه الله- من أوسع العلماء اطلاعًا على أقوال أهل الملل والنحل، وخاصة مذاهب المسيحيين، كما يدل عليه كلامه في مواضع كثيرة في التفسير والتاريخ, بل يكفي في الدلالة على سعة اطلاعه في ذلك أن يكون تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي ألف موسوعته النفيسة في ذلك: "كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح". وهو مطبوع معروف. وكان -رحمه الله- قد أضرَّ في آخر عمره, ثم مات يوم الخميس 26 شعبان سنة 774, وقال ابن ناصر: "وكانت له جنازة حافلة مشهورة, ودفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية، بمقبرة الصوفية، خارج باب النصر من دمشق". أ. هـ. قلت: وأما مصنفاته فكثيرة، وقد ذكرتها في مقدمتي لتفسيره الشهير، فلله الحمد على توفيقه. وهو المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وصف نسخ الكتاب الخطية : اعتمدت في إخراج هذا الكتاب على أربع نسخ: النسخة الأولى: وهي المرموز لها بالرمز "أ", وكُتِبَت في حياة المصنف -رحمه الله- سنة "759"، ووقعت في المجلد العاشر من هذه النسخة من الورقة "193" إلى آخر الكتاب، والذي ينتهي بالورقة "238", وجاء في آخره: "آخر كتاب فضائل القرآن, وبه تمَّ التفسير للحافظ العلامة الرحلة مفيد الطالبين، الشيخ عماد الدين إسماعيل, الشهير بـ "ابن كثير" -كثَّر الله أمثاله على يد أفقر العباد إلى الله الغني: محمد بن أحمد بن معمر المقرئ البغدادي -عفا الله عنه ونفعه بالعلم ووفقه للعمل به، آمين. وحرس الله مجد مالكه، آمين. بتاريخ الجمعة عاشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة هلالية هجرية، صلوات الله وسلامه على مشرفها، والحمد لله أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا". وخط النسخة حسن جيد، في كل ورقة وجهان، ومسطرتها "21" سطرًا في كل وجه, وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكي -زاده الله تشريفًا، وهي مأخوذة عن الأصل المحفوظ في مكتبة الأوقاف ببغداد. النسخة الثانية: وهي المرموز لها بالرمز "جـ", وكتبت في حياة المؤلف -رحمه الله تعالى، وقع لي منها المجلد الأول حسب، وعدد أوراقه "226" ورقة، وفي كل ورقة وجهان، ومسطرتها "27" سطرًا، وخطها في غاية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الحسن، ويبدأ كتاب "فضائل القرآن" من الورقة رقم "5/ 2" وحتى الورقة "41/ 2", وناسخها هو العالم العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن المحب بن عبد الله المقدسي الحنبلي، وكان من فضلاء العلماء, تمهَّر وتكلَّم على الناس فأجاد، وكانت له عناية بالحديث، أحضر على الحجار، وأسمع من غيره, مات في شهر ربيع الآخر سنة "776" كما في "الدرر الكامنة" "1/ 244" -يعني بعد وفاة ابن كثير بسنتين. وهذه النسخة بها حواشٍ من خطِّ المصنِّف، وعليها تصحيحات، وجاء في آخرها: "آخر السفر الأول من هذه النسخة، كتبه لنفسه العبد الفقير إلى عفو ربه القدير، أحمد بن محمد بن أحمد بن المحب، عفا الله عنهم وسامحهم، وهو يسأل الله تعالى بِمَنِّه وكرمه، وفضله ولطفه, أن يجعله من الذين اتقوا والذين هم محسنون, والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل". النسخة الثالثة: وهي المرموز لها بالرمز "ط"، وهي من محفوظات دار الكتب المصرية، وتقع في عشر مجلدات، ووقع كتاب "فضائل القرآن" في آخر المجلد العاشر، ويبدأ من الورقة "218" حتى الورقة "260", وهي ناقصة من آخرها نحو ورقتين، وهذه النسخة حسنة الخط والضبط, كتبت سنة "838", وجاء في آخرها: "آخر التفسير ولله الحمد والمنة، بيد الفقير إلى الله تعالى مرعي "؟ " ابن عبد الله المرسي, في تواريخ آخرها ... جمادى الآخرة من شهور سنة "838", ويتلوه كتاب فضائل القرآن". النسخة الرابعة: وهي المرموز لها بالرمز "ل", وهي من محفوظات الحرم المكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 -زاده الله تشريفًا، ووقع لي منها المجلد الأول، ويبدأ من أول التفسير إلى الآية "31" من سورة النساء، عدد أوراقه "412" ورقة، في كل ورقة وجهان، ومسطرتها "20" سطرًا، وكتاب "فضائل القرآن" يبدأ من الورقة "6/ 2" إلى الورقة "49/ 2"، وجاء بعد تفسير آية الكرسي ما نصه: "والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد خاتم المرسلين، وعلى آهل الطيبين وصحابته المطهرين، وعلينا معهم أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وكان الفراغ من نسخ هذا الجزء يوم السبت المبارك في ثمانية وعشرين مضين من شهر جمادى الأخرى من شهور سنة ستة وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية, على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 صور من الأصول ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 كتاب فضائل القرآن : قال البخارى1 -رحمه الله: "كيف نزول2 الوحى؟ وأول ما نزل", قال ابن عباس: المهيمن الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله. حدَّثنا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن يحيى، عن أبى سلمه، قال: أخبرتني عائشة، وابن عباس قالا: لبث النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة "عشرًا"3. اهـ. ذكر البخارى -رحمه الله- كتاب فضائل القرآن بعد كتاب التفسير؛ لأن التفسير أهم، فلهذا بدأ به. "ونحن قدمنا "الفضائل" قبل التفسير، وذكرنا فضل كل سورة قبل تفسيرها؛ ليكون ذلك باعثًا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه. والله المستعان"4. وقول ابن عباس في تفسير "المهيمن": إنما يريد به البخارى قوله تعالى في المائدة بعد ذكر التوراة والإنجيل:   1 في "كتاب فضائل القرآن" من "صحيحه" "9/ 3". 2 كذا في "الأصول" كلها, وفي "البخاري" "9/ 3": "نزل", قال الحافظ في "الفتح": "كذا لأبي ذر: "نزل" بلفظ الفعل الماضي، ولغيره: "كيف نزول الوحي" بصيغة الجمع". أهـ. 3 كذا في "الأصول", وفي "البخاري": "عشر سنين". قال الحافظ: "عشر سنين، كذا للكشميهني، ولغيره: "وبالمدينة عشرًا" بإبهام المعدود". اهـ. 4 وقع في "أ": "فلهذا بدأ به، فجرينا على منواله وسننه مقتدين به". وما أثبته من "جـ" و"طـ" و"ل" وهي متأخرة عن "أ", فهذا يدل على أن ابن كثير هو الذي غيَّر موضع "الفضائل"، فنقلها إلى أول الكتاب بدل آخره، وقد أحسن بذلك -رحمه الله. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه} [المائدة: 48] قال الغمام أبو جعفر بن جرير -رحمه الله: ثنا المثنى، ثنا عبد الله بن صالح، حدثنى معاوية عن علي -يعني أبي طلحة, عن ابن عباس "في"1 قوله: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه} ، قال: المهيمن الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله، وفى رواية: شهيدا عليه. وقال سفيان الثورى وغير واحد من الأئمة, عن أبى اسحاق السبيعي، عن التميمى، عن ابن عباس: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه} قال: مؤتمنًا، وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصرى، وغير واحد من أئمة السلف. وأصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال: "إذا رقب"2 الرجل الشىء وحفظه وشهده: "قد هيمن فلان عليه"، فهو مهيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن, وفي أسماء الله تعالى: {الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] وهو الشهيد على كل شىء, الرقيب الحفيظ بكل شيء. وأما الحديث الذى اسنده البخارى، أنه -عليه السلام- أقام بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرًا، فهو مما انفرد به البخاري3 دون   1 من "جـ". 2 في "جـ": "أرقب". 3 في "صحيحه" "9/ 3- فتح". وأخرجه النسائي في "الفضائل" "رقم1" عن حسين بن محمد, وأحمد "2696" حدثنا حسن، يعني أبي موسى الأشيب قالَا: حدثنا شيبان، فذكره. وهذا إسناد صحيح وقال المصنِّف في "تاريخه" "5/ 257": "لم يخرجه مسلم". وأخرج ابن الضريس في "فضائل القرآن" "126" بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: "كان يقال: أنزل القرآن على نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ثماني سنين بمكة، وعشرًا بعدما هاجر, وكان قتادة يقول: "عشر بمكة وعشر بالمدينة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مسلم، وإنما رواه النسائى من حديث شيبان وهو ابن عبد الرحمن، عن يحيى, وهو ابن "أبي"1 كثير، عن أبي سلمة عنهما. وقال أبو عبيد2 القاسم بن سلام: حدثنا يزيد عن داود بن أبي هند   1 في "أ": "ابن كثير". 2 في "فضائل القرآن" "ص222". وأخرجه النسائي في "الفضائل" "14، 15"، وابن أبي شيبة "10/ 533"، والطبري في "تفسيره" "15/ 119، 30/ 166"، والحاكم "2/ 222" من طرقٍ عن داود بن أبي هند بسنده سواء. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد", ووافقه الذهبيّ؛ وهو كما قالَا. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "4/ 205" لابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي. وأخرج الطبرانيُّ في "الكبير" "ج12/ رقم 12382" من طريق عمرو بن عبد الغفار، ثنا الأعمش، ثنا حسان أبو الأشرس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قال: "أنزل القرآن جملةً واحدةًَ حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا، ونزله جبريل -عليه السلام- على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجواب كلام العباد وأعمالهم". قال الهيثمي في "المجمع" "7/ 140": "وفي إسناده عمرو بن عبد الغفار وهو ضعيف". قلت: لم يتفَّرد به, فتابعه جرير بن عبد الحميد، وعمار بن رزيق، وأبو بكر بن عياش، والثوري, فرووه عن الأعمش بسنده سواء تامًّا ومختصرًا. أخرجه النسائي "16"، وابن أبي شيبة "10/ 533"، والبزار = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القران جملة واحدة إلى سماء الدنيا فى ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك فى عشرين سنة، ثم قرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] هذا إسناد صحيح. أما إقامته بالمدينة عشرا، فهذا مما لا خلاف فيه, وأما إقامته بمكة بعد النبوة، فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه -عليه السلام- أوحى إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح. ويحتمل أنه حذف ما زاد على العشر اختصارا فى الكلام، لأن العرب كثيرا ما يحذفون الكسور فى كلامهم، أو أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل -عليه السلام "به عليه السلام"1. فإنه قد روى الإمام أحمد أنه قرن به -عليه السلام ميكائيل فى ابتداء الأمر يلقي إليه "الكلمة"2 والشيء، ثم قرن به جبريل, ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل القرآن أنه ابتدئ بنزوله فى مكان شريف وهو البلد الحرام، كما أنه "كان"1 فى زمن شريف، وهو شهر رمضان، فاجتمع   = "ج3/ رقم 2290", والحاكم "2/ 223" وقال: "صحيح الإسناد", وتابعه منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير بسنده سواء. أخرجه الطبري "30/ 166-167", والحاكم "2/ 222، 530" وقال: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم "2/ 530", والطبري "30/ 166" من طريق حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس نحوه وقال: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي! وليس كما قالَا؛ فلم يخرج الشيخان لحكيم بن جبير شيئًا، ثم هو ضعيف. 1 ساقط من "أ". 2 في "جـ": "الحكمة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 له شرف الزمان والمكان. ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن فى شهر رمضان، لأنه ابتدئ بنزوله, ولهذا كان جبريل1 يعارض به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 2 في كل سنة في شهر رمضان؛ لما كانت السنة التي توفي فيه عارضه "به"2 مرتين تأكيدًا وتثبيتًا. وأيضًا ففي "هذا"2 الحديث بيان أنه من القرآن مكى، ومنه مدنى؛ فالمكى ما نزل قبل الهجرة، والمدنى ما نزل بعد الهجرة، سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أى البلاد كان، حتى ولو كان بمكة أو عرفة. وقد أجمعوا على سور أنها من المكى، وأُخَر أنها من المدنى، واختلفوا فى أُخَر. وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط فى تقييدها عسر ونظر, ولكن قال بعضهم: كل سورة فى أولها شىء من الحروف المقطعة فهى مكية، إلا البقرة وآل عمران، كما أن كلَّ سورة فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهى مدنية، وما فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاس} فيحتمل أن يكون من هذا ومن هذا، والغالب أنه مكى, وقد يكون مدنيا كما فى البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين} [البقرة: 168] . قال أبو3 عبيد: حدثنا أبو معاوية، ثنا من سمع الأعمش يحدث عن   1 ورد هذا من حديث فاطمة الزهراء، وأبي هريرة، وابن عباس، وتأتي أحاديثهم قريبًا، إن شاء الله. 2 ساقط من "أ". 3 في "الفضائل" "ص222". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 إبراهيم عن علقمة: كل شىء فى القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فانه أنزل بالمدينة، وما كان منها: {يَا أَيُّهَا النَّاس} فانه أنزل بمكة. ثم1 قال: حدثنا على بن معبد, عن أبى الملِيح, عن ميمون بن مهران، قال: ما كان فى القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاس} و {يَا بَنِي آدَم} فإنه مكي، وماكان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنه مدنى. ومنهم من يقول: إن بعض السور نزل مرتين: مرة بالمدينة ومرة بمكة، والله أعلم. ومنهم من يستثنى من المكى آيات، يدعى أنها من المدنى، كما فى سورة الحج وغيرها. والحق فى ذلك ما دلَّ عليه الدليل الصحيح، فالله أعلم. وقال أبو عبيد2: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح،   = وأخرجه أيضًا ابن الضريس في "فضائل القرآن" "26" قال: أنبأنا ابن نمير، قال: حدثنا أبو معاوية بسنده سواء. هكذا رواه أبو معاوية، عن رجل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قوله, ورواه قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله ابن مسعود فذكر مثله. أخرجه البزار "ج3/ رقم 2186" وقال: "لا نعلم أحدًا أسنده إلا قيس، وغيره يرسله", والبزار يشير إلى رواية أبي معاوية السابقة، لكن قيسًا لم ينفرد به كما قال، فتابعه الجراح بن مَلِيح الرؤاسي، فرواه عن الأعمش مثل رواية قيس. أخرجه الحاكم "3/ 18" من طريق يحيى بن معين، ثنا وكيع بن الجراح، عن أبيه. وسنده صحيح. 1 في "الفضائل" "ص222". 2 في "الفضائل" "ص221". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 عن على بن أبى طلحة قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين1 كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون2، والتغابن، و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} ، و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّم} ، {وَالْفَجْرِ} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} و {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} 3 و {إِذَا زُلْزِلَت} , و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّه} . وسائر ذلك بمكة. هذا إسناد صحيح عن ابن أبى طلحة مشهور، وهو أحد أصحاب ابن عباس الذين رووا عنه التفسير. وقد ذكر فى المدنى سورا فى كونها مدنية نظر. "وفاته"4 الحجرات والمعوذات. الحديث الثاني: وقال البخاري: حدَّثَنَا موسى بن إسماعيل، ثنا معتمر، قال: سمعت أبي، عن أبي عثمان، قال: أنبئت أن جبريل -عليه السلام- أتى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من هذا"؟ أو كما قال، قالت: هذا دحيه، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخبر جبريل أو كما قال.   1 يعني: سورة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 2 يعني: سورة الصف. 3 سقط من "أ" و"ط". 4 في "أ": "وما به"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 قال أبي1: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة بن زيد -رضي الله عنه. وهكذا رواه أيضا فى "علامات2 النبوة" عن عباس بن الوليد النرسي، ومسلم في "فضائل أم سلمة" عن عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن عبد الأعلى، كلهم عن معتمر بن سليمان به. والغرض من ايراده هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل -عليه السلام، وهو ملك كريم، ذو وجاهة وجلالة ومكانة، كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ, عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193-194] ، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ, ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ, مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ, وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: 19-22] . فمدح الرب -تبارك وتعالى- عبديه ورسوليه جبريل ومحمدًا -صلوات الله وسلامه عليهما3، وسنستقصى الكلام على تفسير هذا المكان فى موضعه إذا وصلنا إليه، إن شاء الله تعالى وبه الثقة. وفى الحديث فضيلة عظيمة لأم سلمة -رضى الله عنها، كما بينه مسلم -رحمه الله، لرؤيتها هذا الملك العظيم، وفضيلة أيضا لدحية بن خليفة الكلبي،   1 القائل: هو معتمر بن سليمان. 2 من "صحيحه" "6/ 629- فتح". وأخرجه أيضًا في "فضائل القرآن" "9/ 3"، ومسلم "2451/ 100" من طرق عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة ابن زيد, وعند مسلم زيادة في أوله. 3 في "أ": "صلى الله وسلم عليهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وذلك أن جبريل -عليه السلام "كثيرًا"1 ما "كان يجيء"2 إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على "صورته"3، وكان جميل الصورة -رضى الله عنه، وكان من قبيلة أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، كلهم يُنْسَبُون إلى كلب بن وبرة، وهم قبيلة من قضاعة، وقضاعة قيل: إنهم من عدنان، وقيل: من قحطان، وقيل: بطن مستقل بنفسه، والله أعلم. الحديث الثالث: حدثنا عبد الله4 بن يوسف، ثنا الليث، ثنا سعيد المقبرى عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما من الانبياء نبى إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذى أوتيت وحيا أوحاه الله إلى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". ورواه أيضا فى "الاعتصام", عن عبد العزيز بن عبد الله, ومسلم والنسائي عن قتيبة، جميعا عن الليث بن سعد، عن سعيد بن أبى سعيد, عن أبيه   1 في "أ": "كان كثيرًا". 2 في "أ": "يأتي". 3 في "أ": "على صورة دحية". 4 القائل هو البخاري -رحمه الله تعالى, في "صحيحه" "9/ 3- فتح". وأخرجه أيضًا في "كتاب الاعتصام" "13/ 247"، ومسلم "152/ 239"، والنسائي في "التفسير" "149"، وفي "فضائل القرآن" "2"، وأحمد "2/ 341، 451"، وأبو نعيم في "الحلية" "10/ 233"، والبيهقي في "الكبرى" "9/ 4"، وفي "الدلائل" "7/ 129"، والبغوي في "شرح السنة" "13/ 195-196" من طرقٍ عن الليث بن سعد، عن سعيد المقبرى، عن أبيه، عن أبى هريرة مرفوعًا فذكره. قال أبو نعيم: "صحيح ثابت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 واسمه كيسان المقبرى به. وفى هذا الحديث فضيلةٌ عظيمةٌ للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبيٌ من الأنبياء, وعلى كل كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من نبى إلا أعطى -أى: من المعجزات- ما آمن عليه البشر، أى: ما كان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به, واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم تبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهدوه فى زمانه. وأما الرسول الخاتم للرسالة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنما كان معظم ما آتاه الله وحيا منه إليه منقولا الى الناس بالتواتر، ففى كل حينٍ هو كما أنزل, فلهذا قال: "فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا". وكذلك وقع؛ فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته، ودوامها الى قيام الساعة واستمرار معجزته. ولهذا قال الله "تبارك و"1 تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] ، وقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] . ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13] ، ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [يونس: 38] , وقصر التحدي على هذا المقام فى السور المكية، كما ذكرنا فى المدنية أيضا، كما فى سورة البقرة حيث يقول   1 من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24] ، وأخبر أنهم عاجزون عن معارضته بمثله, وأنهم لا يفعلون ذلك فى المستقبل أيضا. هذا وهم أفصح الخلق، وأعلمهم بالبلاغة والشعر، "وقريظ"1 الكلام وضروبه، لكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد من البشر به من الكلام الفصيح البليغ الوجيز، المحتوى على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأخبار الصادقة، عن الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة المحكمة، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] . وقال الإمام أحمد بن حنبل2: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبى، ثنا محمد بن اسحاق قال: ذكر محمد بن كعب القرظى، عن الحارث بن عبد الله الأعور قال: قلت: لآتين أمير المؤمنين فلأسألنه عما سمعت العشية، قال: فجئته بعد العشاء فدخلت عليه، فذكر الحديث, قال: ثم قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، أمتك مختلفة بعدك". قال: "فقلت له: فأين المخرج يا جبريل؟ "، قال: "فقال: "كتاب الله"3، به يقصم الله كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه   1 في "أ": "قريض"، وهما بمعنًى. 2 أخرجه أحمد في "المسند" "1/ 91", ومن طريقه ابن بشران في "الأمالي" "ج1/ ق6/ 2" بسنده سواء. وهذا سند ضعيف جدًّا، وابن إسحاق مدلس، وقد استخدم ما يدل على التدليس قطعًا، ولكنه متابع كما يأتي, والحارث الأعور واهي الحديث. 3 في "أ": "في كتاب الله"؛ وحرف الجر مقحم، ليس في "الأصول" ولا في "المسند". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 هلك -مرتين, قول فصل، وليس بالهزل، لا تخلقه الألسن، ولا تفنى عجائبه، فيه نبأ ما كان قبلكم، وفضل ما بينكم، وخبر ما هو كائن بعدكم". هكذا رواه الإمام أحمد. وقد قال أبو عيسى الترمذي1: حدثنا عبد بن حميد، ثنا حسين   1 في "سننه" "2906". وأخرجه الدارميُّ "2/ 312-313"، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" -كما في "النكت الظراف" "7/ 357"، وعنه ابن نصر في "قيام الليل" "ص-57"، وابن أبي شيبة "10/ 482"، وأبو طاهر المخلص في "الفوائد" "ج9/ ق204/ 1-2"، وابن الأنباري في "الوقف والابتداء" "ق2/ 1-2", والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1788"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 437-438"، والشجري في "الأمالي" "1/ 91" من طريق حمزة بن حبيب الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث، عن عليٍّ، فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال". اهـ. قلت: وهذا سند ضعيف جدًّا, والحارث الأعور متروك الحديث. وأبو المختار الطائي وابن أخي الحارث مجهولان، وما فهمه المصنف -رحمه الله- من كلام الترمذي أن العلة هي من حمزة الزيات، فبعيد، فلم يقصد الترمذي ذلك، وقوله: "إسناده مجهول" يبين ذلك بجلاء. ومع ذلك فقول المصنف -رحمه الله: "ورواه محمد بن إسحاق, عن محمد بن كعب القرظي, عن الحارث الأعور، فبرئ حمزة من عهدته"، فهذا القول فيه شيء من التسامح يحتمل، لاختلاف السندين إلى الحارث. والله أعلم. وله طرق أخرى وشواهد لا تقويه. سقتها في "التسلية". ولا يصح الحديث موقوفًا أيضًا؛ لعدم صحة الأسانيد بذلك, وقول المصنف: "وقصارى هذا الحديث ... إلخ"، ليس فيه تقوية الموقوف كما لا يخفى. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ابن على الجعفى، ثنا حمزة الزيات, عن أبى المختار الطائى، عن ابن أخى الحارث الأعور، عن الحارث الأعور قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في أحاديث، فدخلت على عليٍّ فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ قال: "وقد"1 فعلوها؟ قلت: نعم، قال: أما إنى قد سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إنها ستكون فتنة", فقلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنه، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا, يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 1-2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم". خذها اليك يا أعور, ثم قال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات وإسناده مجهول، وفى حديث الحارث مقال". "قلت": لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات، بل قد رواه محمد ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظى عن الحارث الأعور، فبرئ حمزة من عهدته, على أنه وإن كان ضعيف الحديث "إلّا أنه"2 إمام في القراءة.   1 كذا في "جـ" و"ل" و"الترمذي". وفي "ا" و"ط": "أو قد". 2 في "أ": "فإنه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه، بل قد "كذبه"1 بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه "يتعمَّد"2 الكذب فى الحديث فلا، والله أعلم. وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين على -رضى الله عنه، وقد وهم بعضهم فى رفعه، وهو كلام حسن3 صحيح، على أنه قد روى له شاهد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الإمام العلَمُ أبو عبيد القاسم بن سلَّام -رحمه الله- فى كتابة "فضائل4 القرآن": حدثنا أبو اليقظان عمار بن محمد الثورى أو غيره، عن إسحاق الهجرى, عن أبى الاحوص، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم،   1 ساقط من "جـ". 2 في "ا": "تعمد". 3 يقصد: معناه، لا ثبوته. 4 "ق1/ 2". وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 482-483"، وابن الضريس في "فضائل القرآن" "58" مختصرًا، وابن حبان في "المجروحين" "1/ 100"، وابن نصر في "قيام الليل" "70"، والحاكم "1/ 555"، وأبو بكر الكلاباذي في "معاني الأخبار" "ق209/ 2-238/ 1"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1786"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "2/ 278"، والخطيب في "الجامع" "1/ 107"، وابن الجوزي في "الواهيات" "1/ 101"، والشجري في "الأمالي" "1/ 84" من طرق عن إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود مرفوعًا. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "6/ 337" لابن الأنباري في "المصاحف", ولا يصح كما يأتي ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن "تبعه"1، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضى عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما أنى لا "أقول"2: الم، "حرف"3، ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر". وهذا غريب4 من هذا الوجه، ورواه محمد بن فضيل عن أبي إسحاق   1 في "جـ": "اتبعه". 2 في "ل": "أقول لكم". 3 من هامش "أ", وليس هذا الحرف في "جـ" و"طـ" و"ل"؛ ولعله: "عشر". 4 وقال ابن الجوزي: "لا يصح". أما الحاكم فقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بصالح بن عمر", وردَّه الذهبي بضعف الهجري, ونقل المنذري في "الترغيب" "2/ 354" أن الحاكم قال: "تفرَّدَ به صالح بن عمر، وهو صحيح". كذا! ولعله وَهْمٌ من المنذري -رحمه الله؛ لأن صالح بن عمر قد تابعه أكثر من نفس، منهم: "عمار ابن محمد الثوري، وجرير بن عبد الحميد، وأبو معاوية، وابن عجلان، وابن فضيل، وابن الأجلح وغيرهم". قلت: كل هؤلاء رووه عن الهجري بسنده مرفوعًا, وخالفهم جعفر بن عون، وأبو سنان الشيباني، وابن عيينة وغيرهم, عن إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود موقوفًا. أخرجه الدارمي "2/ 308، 310"، وعبد الرزاق "ج3/ رقم 6017", وعنه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8646", وهذا الاضطراب في الرفع والوقف من إبراهيم بن مسلم الهجري لأمرين: الأول: لثقة من روى عنه الوجهين، فدلَّ على أن الاختلاف منه لا منهم. الثاني: إنه ضعيف الحفظ. ضعَّفه أبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وغيرهم، وقال البخاري والنسائي: "منكر الحديث". ورواية الوقف أرجح لأمر ذكرته في "التسلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الهجرى، واسمه إبراهيم بن مسلم وهو أحد التابعين، ولكن تكلموا فيه كثيرا، وقال أبو حاتم الرازي: لين ليس "بقوي"1, وقال أبو الفتح الأزدى: رفَّاع كثير الوهم. قلت: فيحتمل -والله أعلم- أن يكون وَهِمَ فى رفع هذا الحديث، وإنما هو من كلام ابن مسعود، ولكن له شاهد من وجه أخر، والله أعلم. وقال أبو عبيد2 أيضًا: حدثنا حجاج عن إسرائيل، عن أبى اسحاق, عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود قال: لا يُسأَلُ عبدٌ عن نفسه الا القرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله. الحديث الرابع: قال البخارى3: ثنا عمرو بن محمد، ثنا يعقوب بن ابراهيم، ثنا   1 في "أ": "بالقوي", وفي "الجرح والتعديل" "1/ 1/ 132": "ليس بقوي، لين الحديث". 2 في "فضائل القرآن "ص21، 22". وأخرجه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8657" من طريق شعبة عن أبي إسحاق بسنده سواء بلفظ:$"من أحب أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر، فإن كان يحب القرآن، فهو يحب الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". قال الهيثمي في "المجمع" "7/ 165": "رجاله ثقات". قلت: وسنده صحيح. 3 في "الفضائل" "9/ 3- فتح". وأخرجه مسلم "3016/ 2"، والنسائي في "فضائل القرآن" "8"، وأحمد "3/ 236" من طريق يعقوب بن إبراهيم بسنده سواء. وأخرجه ابن حبان "44" من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، عن عبد الرحمن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أنس نحوه. وسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أبى عن صالح بن كيسان, عن ابن شهاب قال: أخبرنى أنس بن مالك أن الله تَابَعَ الوحى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل وفاته، حتى توفاه أكثر ما كان الوحى، ثم توفى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده. وهكذا رواه مسلمٌ عن عمرو بن محمد هذا -وهو الناقد, وحسن الحلواني وعبد بن حميد والنسائي عن, اسحاق بن منصور الكوسج، أربعتهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهرى به. ومعناه: أن الله تعالى تَابَعَ نزول الوحى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئا بعد شىء، كل وقت بما يحتاج اليه، ولم تقع فترة بعد الفترة الاولى التى كانت بعد نزول الملك أول مرة بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ، فإنه استلبث الوحى بعدها حينا، يقال قريبا من سنتين وأكثر، ثم حمى الوحى وتتابع، وكان أول شىء نزل بعد تلك الفترة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ, قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1-2] . الحديث الخامس: حدثنا أبو1 نعيم، ثنا سفيان, عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: إشتكى "النبي"2 -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة   1 قائل هذا هو البخاري -رحمه الله- في "الفضائل" "9/ 3-فتح". 2 في "ا": "رسول الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك الا تركك، فأنزل الله تعالى: {وَالضُّحَى, وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى, مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . وقد رواه البخارى فى "غير1 موضع" أيضًا، ومسلم والترمذي والنسائي من طرق أُخَرٍ عن سفيان وهو الثورى، وشعبة بن الحجاج، كلاهما عن الأسود بن قيس العبدى, عن جندب بن عبد الله البجلي به. "وسيأتي"2 الكلام على هذا الحديث فى تفسير سورة الضحى، "إن شاء الله"3. والمناسبة فى ذكر هذا الحديث والذى قبله فى فضائل القرآن، أن الله تعالى له برسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عناية عظيمة ومحبة شديدة، حيث جعل الوحى متتابعًا عليه ولم يقطعه عنه، ولهذا إنما أنزل عليه القرآن مفرَّقًا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.   1 من "صحيحه" في "التهجد" "3/ 8", وفي "التفسير" "8/ 170، 171". وأخرجه مسلمٌ "1797/ 114، 115"، والنسائي في "التفسير" "701"، والترمذي "3345"، وأحمد "4/ 312، 313"، وسعيد بن منصور في "تفسيره" "ق188/ 1", والحميدي "777"، وابن جرير "30/ 148"، والطبراني في "الكبير" "ج2/ رقم 1709، 1710، 1711، 1712"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 58، 59"، والبغوي في "تفسيره" "8/ 453" من طرقٍ عن الأسود بن يزيد، عن جندب بن عبد الله، فذكره. قال الترمذي: "حسن صحيح". 2 في "أ": "وقد تقدَّم". وهذا بناءً على ما قدمناه، أن "الفضائل" كانت في آخر التفسير, ثم قدَّمَها الحافظ المصنف -رحمه الله. 3 من "جـ" و"طـ" و"ل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 قال البخارى1 -رحمه الله: نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قرآنا عربيا بلسان عربى مبين، حدثنا أبو اليمان، ثنا شعيب عن الزهرى، أخبرنى أنس بن مالك قال: فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم، ففعلوا. هذا الحديث قطعة2 من حديث سيأتى قريبا الكلام عليه، ومقصود البخارى منه ظاهر، وهو أن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب. ولهذا قال أبو بكر بن أبى داود3: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، ثنا يزيد ثنا شيبان "عن"4 عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لا يملينَّ فى مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف. وهذا إسناد صحيح. وقال أيضا5: حدثنا إسماعيل بن أسد، ثنا هوذة، ثنا عوف عن   1 في "الصحيح" هنا كلمة "باب"، وجرى المصنّف على إغفالها. 2 يأتي تخريجه في "جمع القرآن" إن شاء الله تعالى. 3 في "المصاحف" "ص11", وإسناده صحيح كما قال المصنف -رحمه الله, وأخرجه ابن أبي داود أيضًا قال: حدثنا عبد الله بن محمد الزهريّ، قال: حدَّثَنَا وهب بن جرير بن حازم، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت عبد الملك بن عمير يحدِّث عن عبد الله بن المغفل، عن عمر بن الخطاب مثله. وسنده صحيح أيضًا. 4 في "أ": "ابن" وهو تصحيف. 5 يعني: ابن أبي داود في "المصاحف" "ص11", وسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 عبد الله بن فضالة قال: لما أراد عمر أن يكتب الإمام، أقعدَ له نفرا من أصحابه وقال: إذا اختلفتم فى اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال الله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [الزمر: 28] ، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ, نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ, عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ, بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192-195] ، وقال تعالى: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] ، وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44] ، الآية، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. ثم ذكر البخارى1 -رحمه الله- حديث يعلى بن أمية، أنه كان يقول: ليتنى أرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ينزل عليه الوحى، فذكر الحديث "فى"2 الذى سأل عمَّن أحرم بعمرة، وهو متضمّخٌ بطيب وعليه جُبَّةٌ، قال: فنظر رسول الله ساعة ثم "فَجِئَه"3 الوحى، فأشار عمر إلى يعلى، أى: تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه، فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سُرِّيَ عنه فقال: "أين الذى سألنى عن العمرة آنفا"؟ فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب. وهذا الحديث رواه جماعة من طرقٍ عديدة، والكلام عليه فى "كتاب الحج"، ولا تظهر مناسبة4 ما بينه وبين هذه الترجمة، ولا يكاد، ولو   1 ويأتي تخريجه عند الآية "196" من سورة البقرة، إن شاء الله تعالى. 2 ساقط من "جـ". 3 في "جـ": "جاءه". 4 وصدق يرحمه الله. قال الحافظ في "الفتح" "9/ 10". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ذُكِرَ فى الترجمة التى قبلها لكان أظهر وأبين، والله أعلم. "قال المؤلف1 الشيخ عماد الدين ابن كثير -رحمه الله, فيما وُجِدَ على ظهر الجزء الأول من "تفسيره": فائدة جليلة حسنة: ثبت في "الصحيحين" عن أنس -رضي الله عنه- قال: جمع القرآن على عهد النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة، كلهم من الأنصار: أُبيُّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد, فقيل له: من أبو زيد؟ قال:   = "وقد خفي وجه دخوله في هذا الباب على كثير من الأئمة حتى قال ابن كثير في "تفسيره": ذِكْرُ هذا الحديث في الترجمة التي قبلها أظهر وأبين، فلعل ذلك وقع من بعض النُّسَّاخ. وقيل: بل أشار المصنف بذلك إلى أن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} لا يستلزم أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل بلسان قريش فقط لكونه منهم، بل أرسل بلسان جميع العرب؛ لأنه أرسل إليهم كلهم، بدليل أنه خاطب الأعرابي الذي سأله بما يفهمه، بعد أن نزل الوحي عليه بجواب مسألته، فدلَّ على أن الوحي كان ينزل عليه بما يفهمه السائل من العرب، قرشيًّا كان أو غير قرشي، والوحي أعم من أن يكون قرآنًا يتلى أو لا يتلى. قال ابن بطال: مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله -متلوًّا كان أو غير متلوٍّ- إنما نزل بلسان العرب، ولا يرد على هذا كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِثَ إلى الناس كافة عربًا وعجمًا وغيرهم؛ لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي، وهو يبلِّغُه إلى طوائف العرب، وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم، ولذا قال ابن المنير: كان إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد". أ. هـ. 1 ساقط من "أ" و"ط" واستدركته من "ل" وحاشية "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أحد عمومتي. وفي لفظٍ للبخاريِّ عن أنس، قال: "لم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء, ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه". قلت: أبو زيد هذا ليس بمشهور؛ لأنه مات قديمًا، وقد ذكروه في أهل بدر، وسماه بعضهم: "سعيد بن عبيد". ومعنى قول أنس: "لم يجمع القرآن", يعني: من الأنصار سوى هؤلاء، وإلا فمن المهاجرين جماعة كانوا يجمعون القرآن: كالصديق، وابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم. قال الشيخ أبو الحسن الأشعري -رحمه الله: "قد عُلِمَ بالاضطرار أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدَّم أبا بكر في مرض الموت ليصلي بالناس، وقد ثبت في الخبر المتواتر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ليؤم الناس أقرؤهم", فلو لم يكن الصديق أقرأ القوم، لما قدمه عليهم". نقله أبو بكر ابن زنجويه في كتاب "فضائل الصديق" عن الأشعري. وحكى القرطبيُّ في أوائل "تفسيره" عن القاضي أبي بكر الباقلاني، أنه قال بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا: "فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن: عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص, فقول أنس: لم يجمعه غير أربعة؛ يحتمل أنه لم يأخذه تلقيًا من في رسول الله غير هؤلاء الأربعة، وأن بعضهم تلقى بعضه عن بعض. قال: وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول لهم". قال القرطبي: "لم يذكر القاضي ابن مسعود، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وهما ممن جمع القرآن". آخر الفائدة"1.   1 إلى هنا انتهى السقط الذي نبهنا عليه في هامش "1" في الصفحة السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 جمع القرآن : "قال البخاري"1: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن سعد، ثنا ابن شهاب, عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتانى، فقال: إن القتل قد استحرَّ2 بقراء القرآن، وإنى أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء فى المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمر: هذا والله خير, فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتتبع القرآن فاجمعه. والله لو كلفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان عليَّ أثقل مما أمرنى به من جمع القرآن, قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: هو والله خير, فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبي بكر وعمر -رضى الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف3 وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى، لم أجدها مع غيره4 {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حتى خاتمة براءة.   1 ساقط من "جـ" و"ط" و"ل". 2 يعني: اشتد. 3 اللخاف: بكسر اللام؛ جمع "لخفة"، وهي صفائح الحجارة الرقاق، وتجمع على "لُخُف" بضمتين. 4 يعني: مكتوبة, صرَّح به جماعة منهم الحافظ في "الفتح" "9/ 15". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر -رضي الله عنهم. وقد روى البخاري1 هذا في غير موضع من كتابه, ورواه الإمام أحمد والترمذى والنسائي من طرق من الزهرى به. وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق -رضى الله عنه، فإنه أقامه الله تعالى بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقاما لا ينبغى لأحد من بعده: قاتل الاعداء من مانعى الزكاة والمرتدين والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، وردَّ الأمر إلى نصابه، بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكَّنَ القارئ من حفظه كله, وكان هذا من سر قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . فجمع الصديق الخير وكفَّ الشرور -رضي الله عنه وأرضاه، ولهذا   1 في "صحيحه" "9/ 10، 11 و13/ 183، 404- فتح". وأخرجه أحمد "1/ 10 و5/ 188-189"، والترمذي "3103"، والنسائي في "فضائل القرآن"" 13، 20، 27" وأبو عبيد "ص152-153"، وابن حبان "4506" وأبو يعلى "58، 59، 60، 86"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص7، 8، 9" وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 279"، وأبو بكر الكلاباذي في "معاني الأخبار" "ق210/ 2-211/ 1", والبيهقي "2/ 40-41" من طرق عن إبراهيم بن سعد، ثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت. فذكره. وتابعه يونس بن يزيد، عن الزهري بسنده سواء. أخرجه البخاري "13/ 404"، وابن أبي داود "9"، وأبو يعلى "66", قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وهو من حديث الزهريّ، لا نعرفه إلّا من حديثه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 رُوِيَ عن غير واحد من الأئمة منهم وكيع "وابن1 مهدي" وقبيصة عن سفيان الثورى، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير، عن عبد خير، عن على بن2 أبى طالب -رضى الله عنه- أنه قال3: أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. هذا إسناد صحيح. وقال أبو بكر بن أبى داود فى "كتاب4 المصاحف": حدثنا هارون بن إسحاق، ثنا عبدة, عن هشام, عن أبيه، أن أبا بكر -رضي الله عنه- هو الذى جمع القرآن بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يقول: ختمه صحيح أيضًا، وكان عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- هو الذي تنبه لذلك لما استحرَّ القتل بالقرَّاء، أي: اشتد القتل وكثر في قرَّاء القرآن يوم اليمامة, يعنى: يوم قتال مسيلمة الكذاب وأصحابه "من"5 بنى حنيفة, بأرض اليمامة فى حديقة الموت.   1 وقع في "أ": "ابن زيد" وهو خطأ واضح. 2 ساقط من "جـ". 3 أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" "ص5" من طريق وكيع وأبي أحمد الزبيري، وعبدة بن سليمان، وقبيصة بن عقبة، وخلاد بن يحيى، كلهم من طريق الثوري، عن السدى الكبير، عن عبد خير، عن على، فذكره. وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 544" عن وكيع وحده. وهذا سندٌ حسنٌ، والسدي مختلف فيه، ولا بأس به. فتصحيح المصنِّف -رحمه الله- للسند فيه نوع تسامح. والله أعلم. 4 "ص6" وسنده منقطع؛ لأن عروة بن الزبير لم يدرك أبا بكر -رضي الله عنه، فقول المصنِّف: "صحيح" فيه نظر، فكان ينبغي تقييده بأن يقول: "صحيح إلى عروة". والله أعلم. 5 ساقط من "أ" و"ط". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وذلك أن مسيلمة التفَّ معه من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهَّزَ الصديق لقتاله خالد بن الوليد فى قريب من ثلاثة عشر ألفًا، فالتقوا معهم، فانكشف الجيش الإسلامى لكثرة من فيه من الأعراب، فنادى القرَّاء من كبار الصحابة: يا خالد خلصنا؛ يقولون: ميَّزْنا من هؤلاء الأعراب, فتميزوا منهم وانفردوا، فكانوا قريبا من ثلاثة آلاف, ثم صدقوا الحملة وقاتلوا قتالا شديدا، وجعلوا يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم، حتى فتح الله عليه، وولى جيش الكفار فارًا، واتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلًا وأسرًا؛ وقتل الله مسيلمة وفرَّق شمل أصحابه، ثم رجعوا إلى الإسلام. ولكن قُتِلَ من القراء يومئذ قريب من خمسمائة -رضي الله عنهم، فلهذا أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه "شيء"1 بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك فى مواطن القتال، فإذا كُتِبَ وحُفِظَ صار ذلك محفوظا، فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته, فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت فى ذلك، ثم صار إلى ما رأياه -رضى الله عنهم أجمعين, وهذا المقام من أعظم فضائل زيد بن ثابت الأنصارى. ولهذا قال أبو بكر2 بن أبى داود: ثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، ثنا يزيد "ثنا"3 مبارك .....   1 ساقط من "أ". 2 في "كتاب المصاحف" "ص10" وضعَّفَه المصنِّف بالانقطاع, وكذا قال في "مسند عمر" "2/ 561"، ويضاف إليه أن المبارك بن فضالة مع ضعفه, فهو مدلس. والله أعلم. 3 في "أ": "ابن". وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 "ابن"1 فضالة عن الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، "فأمر"2 بالقرآن فجمع، فكان أول من جمعه فى المصحف. وهذا منقطع؛ فإن الحسن لم يدرك عمر, ومعناه: أنه أشار بجمعه فجُمِعَ، ولهذا كان مهيمنًا على حفظه وجمعه، كما: رواه ابن أبى3 داود حيث قال: ثنا أبو الطاهر، ثنا ابن وهب، ثنا عمرو بن طلحة الليثى، عن محمد بن عمرو، عن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر لما جمع القرآن، كان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان، وذلك عن أمر الصديق له فى ذلك, كما قال أبو بكر بن أبى داود: حدثنا أبو الطاهر، أنا ابن وهب، أخبرنى ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحرَّ القتل بالقرَّاء يومئذ, فَرِقَ4 أبو بكر -رضى الله عنه- أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: فمن جاءكما بشاهدين على شىء من كتاب الله فاكتباه. منقطع حسن. ولهذا قال زيد بن ثابت: ووجدت آخر سورة التوبة -يعنى قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم} [التوبة: 128-129] إلى   1 في "أ": "عن". وهو خطأ. 2 في "أ": "ثم أمر". وفي "المصاحف": "وأمر". 3 في "المصاحف" "ص6", وتحسين المصنِّف إنما هو بسب أن لرواية عروة أصلًا صحيحًا، قد مَرَّ ذكره، فهو يقول: "منقطع حسن الإسناد". 4 يعني: خاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 آخر الآيتين- مع أبى خزيمة الأنصارى1, وفى رواية: مع خزيمة بن ثابت الذى جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته بشهادتين، لم أجدها مع غيره، فكتبوها عنه؛ لأنه جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته بشهادتين في قصة الفرس   1 قال الحافظ في "الفتح" "9/ 15": "قوله: "وجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى" وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد: "مع خزيمة بن ثابت" أخرجه أحمد والترمذي. ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدَّم في سورة التوبة: "مع خزيمة الأنصاري", وقد أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" من طريق أبي اليمان عن شعيب، فقال فيه: "خزيمة بن ثابت الأنصاري". وكذا أخرجه ابن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب، وقول من قال عن إبراهيم بن سعد: "مع أبي خزيمة" أصح، وقد تقدَّم البحث فيه في تفسير سورة التوبة، وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة، غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب؛ فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري، فمن قائل: "مع خزيمة"، ومن قائل: "مع أبي خزيمة"، ومن شاكٍّ فيه على الزهري، فمن قائل: "مع خزيمة"، والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة. وأبو خزيمة قيل: هو ابن أوس بن يزيد بن أصرم، مشهور بكنيته دون اسمه, وقيل: هو الحارث بن خزيمة، وأما خزيمة: فهو ابن ثابت ذو الشهادتين، كما تقدَّم صريحًا في سورة الأحزاب, وأخرج ابن أبي داود، من طريق محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: "أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووعيتهما، فقال عمر: وانا أشهد لقد سمعتمها, ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا سورة من القرآن فألحقوها في آخرها", فهذا إن كان محفوظًا احتمل أن يكون قول زيد بن ثابت: "وجدتها مع أبي خزيمة لم أجدها مع غيره" أي: أول ما كتبت، ثم جاء الحارث بن خزيمة بعد ذلك، أو أن أبا خزيمة هو الحارث بن خزيمة لا ابن أوس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الذي ابتاعها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأعرابى، فأنكر الأعرابى البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابى. والحديث رواه "أهل1 السنن" وهو مشهور.   1 كذا! ولم يروه منهم إلّا أبو داود "3607"، والنسائي "7/ 301-302" من طريق الزهري، عن عمارة بن خزيمة، أن عمه حدثه, وهو من أصحاب النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس وإلّا بعته، فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين سمع نداء الأعرابي، فقال: "أو ليس قد ابتعته منك"؟ , فقال الأعرابي: لا والله ما بعتكه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بلى قد ابتعته منك" , فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد ابتعته، فأقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خزيمة فقال: "بم تشهد"؟. فقال: بتصديقك يا رسول الله, فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادة خزيمة بشهادة رجلين. وزاد أحمد وغيره: فطفق الناس يلوذون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأعرابي، وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك, فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن ليقول إلا حقًّا، حتى جاء خزيمة, فاستمع لمراجعة النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومراجعة الأعرابي، فطفق الأعرابي يقول: هلمَّ شهيدًا، يشهد أني بايعتك. وأخرجه من هذا الوجه: أحمد "5/ 215، 216"، وابن سعد في "الطبقات" "4/ 378-379"، ومحمد بن يحيى الذهلي في "جزئه", كما في "الفتح" "8/ 518", وابن أبي عمر في "مسنده", كما في = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وروى أبو جعفر1 الرَّازي عن الربيع، عن أبى العالية, أن أُبيَّ بن كعب أملاها عليهم مع خزيمة بن ثابت. وقد روى ابن وهب عن طلحة الليثى، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عثمان شهد بذلك أيضًا. وأمَّا قول زيد بن ثابت: فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب واللِّخاف   = "المطالب العالية" "4/ 93", وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "2085"، وعنه أبو الشيخ في "الأخلاق" "45-46"، والطحاوي في "الشرح" "4/ 126"، والحاكم "2/ 17"، والبيهقي "7/ 66 و10/ 145-146"، والخطيب في "المبهمات" "ص120"، وابن بشكوال في "الغوامض" "رقم109"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "ج5/ ق612". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ورجاله باتفاق الشيخين ثقات، ولم يخرجاه", ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله طرق أخرى وشواهد، ذكرتها في "التسلية". 1 أخرجه ابن الضريس في "الفضائل" "27"، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "5/ 134"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص38"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 138-139"، والخطيب في "التخليص" "1/ 403"، والضياء في "المختارة" "ج2/ رقم1155"، وابن مردويه في "تفسيره", كما في "الدر المنثور" "4/ 331", وعنه الضياء في "المختارة" "1156" من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبَيِّ بن كعب. وقال المصنِّفُ في "سورة التوبة" "4/ 180": "غريب" أ. هـ. ويشير بذلك إلى ضعف سنده، وأبو جعفر الرازي سيء الحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وصدور الرجال, وفى رواية: من العسب والرقاع والاضلاع, وفى رواية: من الاكتاف والأقتاب وصدور الرجال. أمَّا العسب: فجمع عسيب, قال أبو نصر اسماعيل بن حماد الجوهرى: وهو من السعف فويق الكرب، لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف. واللخاف: جمع لخفة، وهي القطعة من الحجارة مستدقة، كانوا يكتبون عليها وعلى العسب، وغير ذلك مما يمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه، فكان يحفظه، فتلَّقاه زيد هذا عن عسبه، وهذا من لخافه، ومن صدر هذا، أى: من حفظه, وكانوا أحرص شىء على أداء الأمانات، وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] ففعل صلوات الله وسلامه عليه. ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رءوس الأشهاد، والصحابة أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: "إنكم مسئولون عنى فما أنتم قائلون"؟. قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت؛ فجعل يشير بأصبعه إلى السماء عليهم ويقول: "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد". رواه مسلم1 عن جابر.   1 في "صحيحه" "1218/ 147". وهو جزء من حديث جابر بن عبد الله الطويل في حجة الوداع. وأخرجه أيضًا أبو داود "1905", والنسائي "5/ 143، 240"، وابن ماجه "3074"، والدارمي "2/ 44-49" وآخرون مطوَّلًا ومختصرًا من طرق عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر, ولشيخنا أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله, جزء ماتع في جمع طرقه، فيه نفائس على صغر حجمه -فجزاه الله خيرًا عن الإسلام وأهله، وأطال الله في عمره في عافية وستر. آمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب، وقال: "بلغوا عنى ولو 1 آية" , يعنى: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة، فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا. ولهذا قال عليه السلام: "من كتب عنى سوى القرآن 2 فليمحه" , أى: لئلَّا يختلط بالقرآن، وليس معناه أن لا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم. فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة. فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله فى الصحف؛ لئلَّا يذهب منه شىء بموت من تلقاه عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده، فكانت عنده   1 أخرجه البخاري "6/ 496- فتح", وقد مَرَّ تخريجه. 2 أخرجه مسلم "3004/ 72"، والنسائي في "الفضائل" "33"، وأحمد "3/ 12، 21، 39، 56"، والدارمي "1/ 98"، وابن حبان "64"، والحاكم "1/ 126-127"، وآخرون من حديث عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين", وقد وهم في استدراكه على مسلم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 محروسة معظَّمَةً مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين؛ لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته، وكانت "عند"1 أم المؤمنين حتى أخذها أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضى الله عنه، كما سنذكره إن شاء الله.   1 ساقط من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كتابة عثمان -رضي الله عنه- للمصاحف: قال البخاري1 -رحمه الله: حدَّثَنا موسى بن إسماعيل، ثنا إبراهيم، "ثنا"2 ابن شهاب، أن أنس بن مالك حدثه، أن حذيفة بن اليمان قَدِمَ على عثمان بن عفان -رضى الله "عنهما"3، وكان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينيه وأذربيجان مع أهل العراق؛ فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى, فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف "ننسخها"4، ثم نردها إليك, فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها فى المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما أنزل بلسانهم, ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف، رَدَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى   1 في "الفضائل" "9/ 11-فتح", وأخرجه الترمذي "3104", النسائي "13"، وأبو عبيد "ص153" كلاهما في "الفضائل", وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 991", وأبو يعلى "87", وابن أبي داود في "المصاحف" "ص19", والبيهقي "2/ 385", والطبراني في "مسند الشاميين"، والخطيب في "المدرج", كما في "الفتح" "9/ 16". 2 ساقط من "جـ". 3 في "جـ": "عنه". 4 في "أ": "فننسخها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهرى: فأخبرنى خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت "قال"1: فقال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصارى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فألحقناها في سورتها "في المصحف"2. وهذا أيضا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضى الله عنه. فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شىء, وهو جمع الناس على قراءة واحدة لئلا يختلفوا فى القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة, وإنما روي عن عبد الله بن3 مسعود شيء من التغضُّبِ بسبب   1 في "ط": "يقول". 2 في "أ": "بالمصحف". 3 يشير المصنف -رحمه الله تعالى- إلى ما أخرجه مسلم "2462/ 114" والسياق له، والنسائي في "الفضائل" "22" قالا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عبدة بن سليمان، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة} [آل عمران: 161] , ثم قال: على قراءة مَنْ تأمروني أن أقرأ؟ فلقد قرأت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضعًا وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أعلمهم بكتاب الله, ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه. قال شقيق: فجلست في حَلَقِ أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما سمعت أحدًا يرد ذلك عليه، ولا يعيبه. وتابعه هارون بن إسحاق، ثنا عبدة بن سليمان بسنده سواء = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أنه لم يكن ممن كتب المصاحف، وأمر أصحابه بغلِّ مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق1، حتى قال على بن2 أبى طالب: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا.   = أخرجه ابن أبي داود "ص16". وخالفهما الحسن بن إسماعيل بن سليمان، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن ابن مسعود، فذكر بعضه. أخرجه النسائي "8/ 134". والحسن بن سليمان وإن كان ثقة، إلَّا أن رواية ابن راهويه وهارون أرجح، وقد رجحت روايتهما بمرجحين، ذكرتهما في "التسلية". والحمد لله. 1 ويأتي تخريجه قريبًا. 2 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص157"، وابن أبي داود في "المصاحف" "12، 23" من طرق عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، عن علي أنه قال حين أحرق عثمان المصاحف: "لو لم يصنعه هو لصنعته". وهكذا رواه عن شعبة ثقات أصحابه، منهم: "محمد بن جعفر غندر، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن مهدي", وخالفهم يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو صدوق، فرواه عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سويد بن غفلة، عن علي. فأسقط الواسطة بين علقمة وسويد. أخرجه ابن أبي داود "ص12", ورواية الجماعة أرجح من غير شك, ولكن أخرج عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 994-995، 996"، وابن أبي داود "ص23" والبيهقي -كما في "البداية والنهاية" "7/ 236" من طريق محمد بن أبان، قال: أخبرني عقلمة بن مرثد، قال: سمعت العيزار بن حريث، يقول: لما خرج المختار ... فذكره مطوَّلًا, وفيه: "قال علي: أيها الناس! إياكم والغلو في عثمان؛ تقولون: أحرق = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فاتفق الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، على أن ذلك من مصالح الدين, وهم الخلفاء الذين قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من 1 بعدى" , وكان السبب فى هذا حذيفة بن   = المصاحف؟! والله ما حرقها إلّا عن ملأ من أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو وليت مثل ما ولي، لفعلت مثل الذي فعل". قلت: وهذا سند رجاله ثقات، إلا محمد بن أبان وهو ابن صالح الكوفي، ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ 2/ 199", ونقل عن أبيه قال: "ليس هو بقوي في الحديث، يكتب حديثه على سبيل المجاز"! وقال أحمد: "لم يكن يكذب". فالحديث محتمل للتحسين بالطريقين معًا. والله أعلم. 1 حديث صحيح. أخرجه أبو داود "4607"، والترمذي "2676"، وابن ماجه "42، 43، 44"، والدارمي "1/ 43-44"، وأحمد "4/ 126، 127"، وأبو عبيد في "الخطب والمواعظ" "2"، وابن حبان في "صحيحه" "102" وفي "الثقات" "1/ 4"، والطبري في "تفسيره" "10/ 212"، وابن نصر في "السنة" "21، 22"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1/ 19، 26-27، 29، 30" وآخرون في العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع، فماذا تَعْهَدُ إلينا يا رسول الله؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدٌ حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافًا كثيرًا, وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عُضُّوا عليها بالنواجذ". قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقال أبو نعيم: "هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين" نقله ابن رجب في "جامع العلوم" "ص -226". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 اليمان -رضى الله عنه، فإنه لما كان غازيا فى فتح أرمينية وأذربيجان، وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق، وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروفٍ شتَّى، ورأى منهم اختلافًا "كثيرًا"1 وافتراقا، فلما رجع إلى عثمان أعلمه، وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم فى ألفاظٍ كثيرة ومعانى أيضا، وليس فى توراة السامرة حروف الهمزة، ولا حرف الهاء ولا الياء، والنصارى أيضا بأيديهم توراة يسمونها العتيقة، وهى مخالفة لنسختى اليهود والسامرة. وأما الأناجيل التى بأيدى النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهى مختلفة أيضا اختلافا كثيرا, وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم؛ منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط, ومنها ما هو "أكبر"2 من ذلك، إما بالنصف أو بالضعف, ومضمونها سيرة عيسى -عليه السلام، وأيامه، وأحكامه، وكلامه، ومعه شىء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهى مع هذا مختلفة كما قلنا. وكذلك التوارة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة. فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه، وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التى عندها مما جمعه الشيخان؛ ليكتب ذلك في   1 ساقط من "ا" و"ط" و"ل". 2 في "ا" و"ل": "أكثر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق، ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة. وأمر عثمان هؤلاء الأربعة، وهم: زيد بن ثابت الأنصارى، أحد كتاب الوحى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدى، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا، وأصلا وفضلا، وسعيد بن العاص بن أمية القرشى الأموى، وكان كريما جوادا مُمَدَّحًا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومى. فجلس هؤلاء النَّفَر الأربعة يكتبون بالقرآن نسخًا, وإذا اختلفوا في "وضع"1 الكتابة على أيِّ لغة، رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا فى التابوت2، أيكتبونه بالتاء أو الهاء؟ فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه، وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت، "فترافعوا"3 إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم, وكان عثمان "رضى الله عنه"4 -والله أعلم- رتَّبَ السور فى المصحف، وقدَّم السبع الطُّوَل، وثنَّى بالمئين.   1 في "أ": "موضع". 2 أخرجه الترمذي "3104"، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1000-1001"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص19"، والبيهقي "2/ 385" من قول الزهري. قال الحافظ في "الفتح" "9/ 20": "قال الخطيب: إنما رواها ابن شهاب مرسلة". أ. هـ. وأخرجه البيهقي من طريق أبي الوليد، عن إبراهيم بن سعدة عن الزهري قوله، وصنيعه يرجع الإرسال. والله أعلم. 3 في "أ" و"ط": "فتراجعوا". 4 من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذى والنسائى, من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابى, عن يزيد الفارسى، عن ابن1 عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: "ما2 حملكم" "على"3   1 حديث منكر. أخرجه أبو داود "786، 787"، والنسائي في "الفضائل" "32"، والترمذي "3086"، وأحمد "1/ 57، 69"، وأبو عبيد في "الفضائل" "47/ 2"، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1015، 1016"، وابن حبان "43"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص31-32"، والحاكم "2/ 221، 230", والبيهقي "2/ 42"، والخطيب في "الموضح" "1/ 338" من طريق عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلّا من حديث عوف عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، ويزيد الفارسي هو من التابعين من أهل البصرة، ويزيد بن أبان الرقاشي، هو من التابعين من أهل البصرة، وهو أصغر من يزيد الفارسي، ويزيد الرقاشي إنما يروي عن أنس بن مالك". أ. هـ. قلت: فاختلف العلماء: هل يزيد الفارسي هو يزيد بن هرمز، أم هما رجلان؟! فذهب ابن مهدي، وأحمد، وابن المديني، ومحمد بن المثنى، وابن سعد إلى أنهما واحد، وأنكر ذلك يحيى القطان، وابن معين، وأبو حاتم، والترمذي، وعمرو بن علي الفلاس، ومال إليه البخاري والخطيب، وإقامة البرهان على ذلك فيه طُولٌ ذكرته في "التسلية"، والخلاصة أن يزيد الفارسي شبه المجهول، فتفرده بهذا الحديث الخطير لا يقبل منه، وتصحيح الحاكم من قبله ابن حبان مردود، وكذلك تجويد ابن كثير له فيما يأتي، ولعل مستندهم هو عدم التفريق بين الفارسي وابن هرمز، والله أعلم. 2 ساقط من "ط". 3 ساقط من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أن عمدتم إلى الأنفال، وهى من المثانى، وإلى براءة، وهى من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها فى السبع الطول، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مما يأتى عليه الزمان وهو ينزل عليه السورة ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشىء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: "ضعوا هؤلاء الآيات فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا". وكانت الأنفال من أوَّل ما "نزل"1 بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها، "فقبض"2 رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم "يبين"3 لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، فوضعتها فى السبع الطول. ففهم من هذا الحديث أنَّ ترتيب الآيات فى السور أمرٍ توقيفي متلقى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضى الله عنه4، ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته، فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرًا, وأما ترتيب السور فمستحب، اقتداء بعثمان -رضى الله عنه, والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا، كما قرأ -عليه السلام- فى صلاة الجمعة بسورة الجمعة   1 في "أ": "نزلت". 2 في "جـ": "وقبض". 3 في "أ" و"ط": "يتبين". 4 بل الصواب أن ترتيب السور توقيفي أيضًا، وللشيخ أبي الأشبال أحمد بن محمد شاكر بحث مانع قوي حول هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 والمنافقين1، وتارةً2 بـ {سَبِّحِ} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} فإن فرق جاز، كما صَحَّ3 أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ في العيد بـ "قاف" و {اقْتَرَبَتِ   1 صحيح. أخرجه مسلم "879/ 64" والسياق له، وأبو داود "1074"، والنسائي "2/ 159، 3/ 111"، والترمذي "520" وصححه، وابن ماجه "821"، وأحمد "1/ 307، 316، 328، 334، 340، 354"، والطيالسي "2634"، وابن أبي شيبة "2/ 142" وآخرون من طرق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم, تَنْزِيل} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} ، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين. 2 صحيح. أخرجه مسلم "878/ 62" واللفظ له، وأبو داود "1122"، والنسائي "3/ 111"، والترمذي "533"، وابن ماجه "1281"، وأحمد "4/ 271، 273، 276، 277", والدارمي "1/ 315"، وابن أبي شيبة "14/ 264"، والطيالسي "795"، والمحاملي في "صلاة العيدين" "ق27/ 2-28/ 1"، وابن الجارود "265، 300"، وأبو نعيم في "مسند أبي حنيفة" "ق74/ 1-2" من حديث النعمان بن بشير، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في العيدين والجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين. 3 صحيح. أخرجه مالك "1/ 180/ 8"، ومسلم "891/ 14"، وأبو نعيم في "المستخرج" "ج15/ ق12/ 1"، وأبو داود "1154"، والنسائي "3/ 183-184"، والترمذي "534، 535"، وابن ماجه "1282"، وأحمد "5/ 217"، والسراج في "حديثه" "ج9/ ق156/ 2"، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 السَّاعَةُ} . رواه مسلمٌ عن أبي "واقد"1. وفى "الصحيحين"2 عن أبى هريرة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كان يقرأ   = والمحاملي في "صلاة العيدين" "ق26/ 2", وآخرون من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه, سأل أبا واقدٍ الليثي: ما كان يقرأ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} . قال الترمذي: "حسن صحيح". قلت: لكن وقع في سنده اختلاف، فرواه مالك وابن عيينة على الوجه السابق: "عبيد الله بن عبد الله، أن عمر سأل أبا واقد ... ", وخالفهما فليح بن سليمان فرواه عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي واقد، قال: سألني عمر ... فذكره. أخرجه مسلم "891/ 15"، وأبو نعيم "15/ 12/ 1"، وأحمد "5/ 219"، وابن خزيمة "1440"، وأبو يعلى "1447"، والمحاملي "ق26/ 2-27/ 1"، والطبراني في "الكبير" "ج3/ رقم 3306"، والبيهقي "3/ 294". قال ابن خزيمة: "لم يسند هذا الخبر أحد أعلمه غير فليح بن سليمان، ورواه مالك بن أنس وابن عيينة عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، وقالا: إن عمر سأل أبا واقد". وخالفه ابن عبد البر في "التمهيد" "16/ 328"، والنووي في "شرح مسلم" "6/ 181", فرجحا الوصل باعتبار أن عبيد الله سمعه من أبي واقد، وفيه نظر؛ إذ اعتبار هذا الكلام يهدر الخلاف القائم ويسوي بين رواية مالك ومُخالِفِه، وليس بصحيح، والحديث حسن لوجود طرق أخرى له. ولله الحمد. 1 وقع في "الأصول" كُلِّها: "عن أبي قتادة". وهو سبق قلم، صوابه: "أبو واقد". 2 صحيح. أخرجه البخاري "2/ 377، 552"، ومسلم "880/ 65-66"، وأبو نعيم في "المستخرج" "15/ 7/ 1-2"، والنسائي "2/ 159"، وفي "التفسير" "413"، وابن ماجه "823"، والدارمي "1/ 362"، وأحمد "2/ 430، 472"، وآخرون من حديث أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فى صلاة الصبح يوم الجمعة {ألم} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} , وان قَدَّمَ بعض السور على بعض، جاز أيضًا؛ فقد روى حذيفة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه1 مسلم. وقرأ عمر2 في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف.   1 صحيح. أخرجه مسلم "772/ 203"، واللفظ له، وأبو عوانة "2/ 135-136، 163-164"، وأبو داود "871"، والنسائي "2/ 224 و3/ 225"، والترمذي "262"، وابن ماجه "897، 1351"، والدارمي "1/ 299"، وأحمد "5/ 382، 384، 389، 394، 397" وآخرون من حديث صلة بن زفر، عن حذيفة قال: صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيح سبَّح، وإذا مَرَّ بسؤال سألَ، وإذا مَرَّ بتعوّذ تَعَوَّذَ، ثم ركع فجعل يقول: "سبحان ربي العظيم"، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: "سمع الله لمن حمده"، ثم قام طويلًا، قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: "سبحان ربي الأعلى" فكان سجوده قريبًا من قيامه. وعزاه المصنف -رحمه الله- في مطلع تفسير سورة البقرة لـ "الصحيحين" فوهم. 2 أخرجه البخاري "7/ 59-61", وابن حبان "6917" في قصة مقتل عمر -رضي الله عنه، وفيه: وكان -يعني: عمر- إذا مَرَّ بين الصفين قال: "استووا"، حتى إذا لم ير فيهم خللًا تَقَدَّمَ فكبَّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس. الحديث. ولم أقف على ما ذكره المصنِّف -رحمه الله- أنه قرأ بالسورتين في ركعة، وأنه قدم النحل على يوسف, فالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ثم إن عثمان -رضى الله عنه- رَدَّ الصحف إلى حفصة -رضى الله عنها، فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها، فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها؛ لئلا يكون فيها شىء يخالف المصاحف الأئمة التى نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا. رواه أبو بكر1 بن أبى داود عن أبى حاتم السجستانى؛ سمعه يقوله. وصحَّحَ2 القرطبى أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف -وهذا غريب, وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلَّا تختلف قراءات الناس فى الآفاق, وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك، ولم ينكره أحمد منهم, وإنما نقم عليه ذلك "أولئك"3 الرهط الذين تمالئوا عليه وقتلوه -قاتلهم الله, وذلك فى جملة ما أنكروا مما لا أصل له, وأما سادات المسلمين من الصحابة، ومن نشأ فى عصرهم ذلك من التابعين، فكلهم وافقهوه.   1 في "المصاحف" "ص34". 2 في "تفسيره" "1/ 54" وعبارته: "ونسخ منها عثمان نسخًا، قال غيره، قيل: سبعة، وقيل: أربعة، وهو الأكثر". أ. هـ. 3 سقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 قال أبو داود1 الطيالسى وابن مهدى وغندر عن شعبة، عن علقمة ابن مرثد، عن رجل, عن سويد بن غفلة، قال على، حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته. وقال أبو بكر2 بن أبى داود، حدثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق, عن مصعب بن سعد بن أبى وقاص قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا اسناد صحيح. وقال أيضًا3: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، ثنا يحيى بن كثير، ثنا ثابت بن عمارة الحنفى قال: سمعت غنيم بن قيس المازنى قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا، والله ما يسرنى أن عثمان لم يكتب المصحف، وأنه وُلِدَ لكل مسلمٍ كلما أصبح غلامٌ، فأصبح له مثل ماله, قال: قلنا له: يا أبا العنبر، لم؟ قال: لو لم يكتب عثمان المصحف، لطفق الناس يقرءون الشعر.   1 مَرَّ تخريجه آنفًا. 2 في "المصاحف" "ص12". وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص156-157"، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1004" من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد، فذكره. وإسناده صحيح. 3 أخرجه ابن أبي داود "ص13", ومن طريقه المزي في "التهذيب" "23/ 123" وسنده جيد. ويحيى بن كثير هو ابن درهم العنبري؛ وثَّقَه عباس العنبري، وابن حبان. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وحدثنا يعقوب1 بن سفيان، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنى عمران بن حدير، عن أبى مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القران لألفيت الناس يقرءون الشعر. وحدثنا2 أحمد بن سنان، سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان ابن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قُتِلَ مظلوما, وجمعه الناس على المصحف. وأما عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، فقد قال إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن خمير بن مالك قال: لما أمر بالمصاحف -يعنى بتحريقها, ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يَغُلَّ مصحفا فليغلل؛ فإنه من غَلَّ شيئًا جاء بما غَلَّ يوم القيامة, ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من فِي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعين سورة وزيد صبى، أفأترك ما أخذت من فى رسول3 الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟   = وقال النسائي: "ليس به بأس" وقال أبو حاتم: "صالح الحديث". وثابت بن عمارة وَثَّقَه ابن معين والدارقطني وابن حبان, وقال أحمد والنسائي: "لا بأس به"، وقال أبو حاتم: "ليس عندي بالمتين", وأبو حاتم جرَّاح! ورفع شأنه شعبة بن الحجاج، فقال: "تأتوني وتدعون ثابت بن عمارة", وغنيم بن قيس أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولم يره، ووفد على عمر بن الخطاب، وغزا مع عتبة بن غزوان؛ ووثَّقَه النسائي. 1 أخرجه ابن أبي داود "ص13" وسنده صحيح. ومحمد بن عبد الله هو الأنصاري، وعمران بن حدير وثَّقَه الجمع. قال يزيد بن هارون: "كان عمران أصدق الناس". وأبو مجلز، هو: لاحقُ بن حميدٍ، ثقة معروف. 2 ابن أبي داود "ص13" وسنده صحيح. 3 أخرجه أحمد "1/ 389، 405، 414"، والطيالسيّ "405"، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقال أبو1 بكر: حدثنا "عبد الله بن محمد"2 بن النصر، ثنا سعيد بن سليما، ثنا "أبو"3 شهاب عن الأعمش، عن أبى وائل قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: من يغلل يأت بما غَلَّ يوم القيامة، غلوا مصاحفكم، وكيف تأمرونى أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من فِي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضعا وسبعين سورة, وأن زيد بن ثابت ليأتى مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شىء إلا وأنا أعلم فى أى شىء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله منى، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانًا تبلغه أعلم بكتاب الله منى لأتيته, قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست فى الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرَّجٌ فى "الصحيحين"4، وعندهما: "ولقد علم أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنى من أعلمهم بكتاب الله".   = ومن طريقه البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 1/ 247"، وابن أبي داود "ص15"، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 125", والحاكم "2/ 228" وصححه، والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8434، 8435" والهيثم بن كليب في "مسنده" "ق99/ 1-2", والدارقطني في "المؤتلف" "ص672" من طرق عن أبي إسحاق، عن خمير بن مالك، عن ابن مسعود، فذكره. وهذا سند رجاله ثقات، إلّا خمير بن مالك فترجمه ابن أبي حاتم "1/ 2/ 391" ولم يحك فيه شيئًا، وذكره ابن حبان في "الثقات" "4/ 214" وقال ابن سعد: "له حديثان". 1 ابن أبي داود "ص15-16". 2 وقع في "أ": "محمد بن عبد الله بن محمد"! و"محمد" الأولى مقحمة. 3 في "أ" و"ط": "ابن", وهو خطأ. 4 أخرجه البخاري "9/ 46-فتح"، ومسلم "2462/ 114"، والنسائي في "الفضائل" "22", وفي السنن "8/134", وابن سعد "2/ 343-344", وأحمد "1/ 411", والطبراني في "الكبير" "ج9/ 8448", والهيثم بن كليب في "المسند" "ق63/ 2", ويعقوب بن سفيان في "المعرفة" "2/ 537", وابن أبي داود في "المصاحف" "15", والطحاوي في "المشكل" "5595" من طرقٍ عن الأعمش, عن أبي وائل, عن ابن مسعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وقول أبي وائل: فما أحمد ينكر ما قال، يعنى: من فضله وحفظه وعلمه، والله أعلم، وأما أمره بغلِّ المصاحف وكتمانها, فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش1 عن إبراهيم عن علقمة قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: كنا نَعَدُّ عبد الله "جبانا"2 فما باله يواثب الأمراء؟ وقال أبو بكر3 بن أبي داود: باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع   1 أخرجه ابن أبي داود "ص18" قال: حدثنا عمي وحمدان بن عليّ قالا: حدثنا ابن الأصبهاني عن عبد السلام بن حرب، عن الأعمش بسنده سواء. وهذا سند صحيح، وعم ابن أبي داود هو: "محمد بن الأشعث"، وابن الأصبهاني هو محمد بن سعيد بن سليمان. 2 كذا في "الأصول" كلها؛ من "الجبن" بالجيم والباء، ووقع في "كتاب المصاحف" "حنانًا" بالحاء المهملة والنون، فكأنه تصحيف، فإن لم يكن فتوجيهه ظاهر، والله أعلم. 3 أخرجه أحمد في "العلل" "3725 - رواية عبد الله"، وفي "المسند" "1/ 445"، وابن أبي داود "ص18"، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1006"، والهيثم بن كليب في "مسنده" "881"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 182" من طريق زهير بن معاوية، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي، فذكره. وخالفه سفيان الثوري، فرواه عن الوليد بن قيس، عن القاسم بن حسان، عن فلفلة. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عثمان المصاحف بعد ذلك: حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا: ثنا أبو أسامة،   = أخرجه النسائي في "الفضائل" "9" من طريق أبي داود، وأحمد في "العلل" "3723 - رواية عبد الله" عن إسحاق بن يوسف, كلاهما عن الثوري. ونظر الدارقطي -كما في "العلل" "5/ 237"- في هذا الاختلاف، ورجَّحَ رواية الثوري، ويقصد الدارقطني أن شيخ الوليد بن قيس هو "القاسم"؛ وذلك أنه قد وقع في اسمه اختلاف: هل هو "عثمان بن حسان" أو "القاسم بن حسان"؟ فقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ 1/ 148": "عثمان بن حسان العامري، ويقال: القاسم بن حسان، وبعثمان أشبه، روى عن فلفلة الجعفي، روى عنه أبو همام الوليد بن قيس, سمعت أبي يقول ذلك". أ. هـ. وأخرج البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ 2/ 219" هذا الحديث مختصرًا في ترجمة عثمان بن حسان العامري، وأشار إلى رواية سفيان, فالظاهر من صنيعهما أن الأصوب أنه: "عثمان" لا "القاسم"، وقد رواه أحمد في "العلل" "3724" قال: حدثنا أبو أسامة بحفظه، قال: أخبرني سفيان وزهير، عن الوليد بن قيس، عن القاسم بن حسان، عن فلفلة الجعفي ... فذكره، فهذا يؤيد ما ذهب إليه الدارقطني، إلّا أن يكون أبو أسامة وهم على زهير فيه. وسواء كان هذا أو ذاك فهو مجهول الحال، وعثمان لم أر من روى عنه غير الوليد بن قيس, وفلفلة الجعفي ذكره ابن حبان في "الثقات" وروى عنه جمع من الثقات، وقال ابن سعد: "قليل الحديث". وقال الهيثمي "7/ 152-153": "فيه عثمان بن حسان العامري، وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه ولم يوثقه؛ وبقية رجاله ثقات"! وقال شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني -حفظه الله تعالى- في "الصحيحة" "2/ 135": "وهذا إسناد جيد موصول، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير فلفلة هذا ... ". كذا! ولم يلتفت شيخنا -أيده الله- إلى الاختلاف على الوليد بن قيس في سنده، وسواء كان هو القاسم أو عثمان, فهل في أحدهما توثيق معتبر؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 حدثني زهير، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامرى، عن فلفلة الجعفى قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله فى المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أُنِزَل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف -أو حروف, وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا1 الذى استدلَّ به أبو بكر -رحمه الله- على رجوع ابن مسعود فيه نظرٌ من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم. وقال أبو بكر2 أيضًا: حدثنى عمى، ثنا أبو رجاء، أنا اسرائيل عن   1 قلت: هذا الذي عقَّبَ به المصنِّف -رحمه الله- على استدلال ابن أبي داود له وجه قويّ، فإن قيل: قول ابن مسعود هذا يدل على أنه رضي بحرف غيره، فهذا نقيض اعتراضه الأول؟! قيل: إنما أنكر أن يقرأ هو على حرف زيد بن ثابت، ولم ينكر على غيره أن يقرأ، لذلك فهذا الأثر غير صريح في الرجوع، وأقصى ما فيه الإيماء إلى ذلك، وكأن ابن مسعود -رضي الله عنه- أراد تسكين الفتنة، كما فعل في زمان الحج مع عثمان لمَّا أتمَّ الصلاة في منى، وقال: "الخلاف شر" -فرضي الله عنهم أجمعين. 2 أخرجه ابن أبي داود "ص23-24"، وصحَّح المصنف -رحمه الله- سنده وفيه شيء؛ لأن سماع إسرائيل من جده كان بأخرة، نعم؛ كان الذهبي وغيره يرجح إسرائيل في جده على سفيان وشعبة، ويصفه بأنه "عكاز جدِّه", وقد توبع إسرائيل، فتباعه غيلانُ بن جامع، عن أبي إسحاق، عن مصعب ابن سعد، فذكر نحوه. أخرجه ابن أبي داود أيضًا "ص24" من طريق يحيى بن يعلى بن الحارث، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا غيلان به, وهذا سند رجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أبي إسحاق عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: "يا أيها"1 الناس "عهدكم"2 نبيكم منذ ثلاث عشرة، وأنتم تمترون فى القرآن، وتقولون: قراءة أُبَيّ, وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما يقيم قراءتك، وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شىء لما جاء به, فكان الرجل يجىء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى تجمَّعَ من ذلك شىء كثير، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا، فناشدهم: لسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أَكْتَبُ النَّاس؟ قالوا: كاتبُ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص؛ قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد, فكتب زيد مصاحف ففرقها فى الناس، فسمعت بعض أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولون: قد أحسن. إسناد صحيح. وقال أيضًا3: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، ثنا أبو بكر "ثنا"4 هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أُبَيُّ بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة   1 في "أ" و"ط": "أيها". 2 في "أ": "عهد". 3 أخرجه ابن أبي داود "ص25-26" وصححه المصنف، وفي إسناده أبو بكر بن عياش، وهو ثقة إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح. فالله أعلم. 4 في "أ": "ابن", وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 التى فى بيت عمر فجىء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا فى شىء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكثير، وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت ظنًا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة, فيكتبونها على قوله. صحيح أيضًا. "قلت": الربعة هى الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة -رضى الله عنها، فلمَّا جمعها عثمان -رضى الله عنه- في المصحف ردَّهَا إليها، ولم يحرقها فى جملة ما حرقه مما سواها؛ لأنها هي بعينها "التي"1 كتبه، وانما رتَّبَه، ثم أنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت؛ ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها، وتأوَّل فى ذلك ما تأوَّل عثمان. كما رواه أبو2 بكر بن أبى داود: حدثنا محمد بن عوف، ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب عن الزهرى، أخبرنى سالم بن عبد الله، أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف التى كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه اياها، قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها،   1 في "أ": "الذي". 2 في "المصاحف" "ص24-25" وسنده صحيح، كما قال المصنف -رحمه الله تعالى. وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص156"، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1003-1004" وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 300". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر، ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشُقِّقَتْ. وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كُتِبَ وحُفِظَ بالمصحف، فخشيت ان طال بالناس زمان، أن يرتاب فى شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول: إنه قد كان شىء منها لم يكتب. إسناد صحيح. وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه فى شأن آية الأحزاب، والحاقهم إياها فى سورتها، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف، كما جاء مصرحا به فى غير هذه الرواية عن الزهرى, عن عبيد بن السباق, عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: فالحقناها فى سورتها من المصحف, وليست هذه الآية ملحقة فى الحاشية في المصاحف العثمانية. فهذه الأفعال من أكبر القربات التى بادر إليها الأئمة الراشدون: أبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- حفظا على الناس القرآن، وجمعاه لئلَّا يذهب من شيء؛ وعثمان -رضى الله عنه- جمع قراءات الناس على مصحف واحد، ووضعه على العرضة الأخيرة التى عارض بها جبريل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى آخر رمضان من عمره -عليه السلام، فإنه عارضه به عامئذ مرتين، ولهذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفاطمة ابنته لما مرض: "وما أرى ذلك إلّا لاقتراب أجلي". أخرجاه في "الصحيحين"1.   1 صحيح. أخرجه البخاري "11/ 79-80"، ومسلم "16/ 5 - نووي"، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وقد روى أن عليا -رضى الله عنه- أراد "أن"1 يجمع القرآن بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرتبًا بحسب نزوله أولًا فأولًا. كما رواه ابن أبى2 داود -رحمه الله، حيث قال: حدثنا محمد بن   = والنسائي في "الخصائص" "129"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 48"، والقطيعي في "زوائد فضائل الصحابة" "1343"، والطبراني في "الكبير" "22/ 419"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 39"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 164-165"، والبغوي في "شرح السنة" "14/ 160" من طريق أبي عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة مطوّلًا. وتابعه زكريا بن أبي زائدة، عن فراس به نحوه. أخرجه مسلم "2450/ 29"، والنسائي في "الخصائص" "128"، وابن ماجه "1621"، وأحمد "6/ 282" في آخرين, وتابعه شيبان بن عبد الرحمن، عن فراس نحوه. أخرجه الدولابي في "الذرية الطاهرة" "189". 1 ساقط من "جـ". 2 ضعيف منقطع. أخرجه ابن أبي داود "ص10"، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" "ج12/ ق327-328"، وأمَّا تليين ابن أبي داود الأشعث، فالجواب عنه أنه متابع؛ فأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 300-301" من طريق إسماعيل بن علية قال: حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين قال: لما بُويعَ أبو بكر أبطأ عليٌّ عن بيعته.. ثم ساقه بنحوه. وأخرجه ابن عساكر "12/ 328" من طريق ابن عُليَّة، عن أيوب وابن عون، عن ابن سيرين قال: نبئت أن عليًّا ... وساق نحوه, وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 545" قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن عون، عن ابن سيرين مثله. وهذا سندٌ رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع، كما قال المصنف -رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 إسماعيل الأحمسي، ثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أقسم عليٌّ أن لا يرتدى برداء إلا لجمعة، حتى يجمع القرآن فى مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر -رضى الله عنه- بعد أيام: أكرهت إمارتى يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله، إلا أنى أقسمت أن لا أرتدى برداء إلا لجمعة, فبايعه ثم رجع. هكذا رواه وفيه انقطاع. ثم قال: لم يذكر "المصحف"1 أحد إلا أشعث، وهو لين الحديث، وإنما رووا: حتى أجمع القرآن، يعنى: أتمَّ حفظه، فإنه يقال للذي "يحفظ"2 القرآن: قد جمع القرآن. "قُلتُ": وهذا الذى قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليا لم ينقل عنه مصحف -على ما قيل- ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: انها بخط عليٍّ -رضى الله عنه، وفي ذلك نظر؛ فإن في بعضها [كتبه علي بن "أبو"3 طالب] وهذا لحن من الكلام، وعلي -رضى الله عنه- من أبعد الناس عن ذلك؛ فإنه -كما هو المشهور عنه- هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه "أبو"4 الأسود ظالم بن عمر الدؤلي، وإنه قسم الكلام إلى اسم   1 في "ط": "المصحف". 2 من "ل". وهو الموافق لما في "المصاحف" "ص10", ووقع في "أ" و"جـ" و"ط": "يجمع", وهو سبق قلم. والله أعلم. 3 في "جـ": "أبي"؛ وفيه تضييع لهذا التعقب. 4 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وفعل وحرف، وذكر أشياء أُخَر تمَّمها أبو الأسود بعده، ثم أخذ الناس عن أبى الاسود فوسَّعوه ووضَّحوه، وصار علما مستقلا. وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها -اليوم- الذى فى الشام بجامع دمشق عند الركن، شرقي المقصوة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نُقِلَ منها إلى دمشق فى حدود ثمانى عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيمًا ضخمًا بخطٍّ حسن مبين قوى بحبر محكم، فى رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا. فأمَّا عثمان -رضى الله عنه، فما يُعْرَفُ أنه كتب بخطِّه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت فى أيامه وغيره، فنسبت إلى عثمان؛ لأنها بأمره واشارته، ثم قُرِئَتْ على الصحابة بين يدى عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق, رضى الله عنه. وقد قال أبو بكر1 بن أبى داود: حدَّثَنَا عليُّ بن حرب الطائى، ثنا قريش بن أنس، ثنا سليمان التيمى، عن أبى نضرة، عن أبي سعيد مولى   1 وأخرجه الطبريُّ في "تاريخه" "4/ 383" من طريق معتمر بن سليمان التيمي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، فذكره. وأخرجه عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1138-1139" من طريق سعيد بن يزيد، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" "ج1/ رقم 119" من طريق الزهري عن أبي سلمة قال: لما ضرب عثمان ... إلخ, وحسن إسناده الهيثمي في "المجمع" "9/ 94", وهو منقطع بين أبي سلمة وعثمان -رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 بنى أسيد قال: لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده، فوقعت على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فمدَّ يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصَّل. وقال أيضًا1: حَدَّثَنَا أبو الطاهر، ثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان فقال لى: ذهب. يحتمل أنه سأله عن المصحف الذى كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذى تركه فى المدينة، والله أعلم. "قلت": وقد كانت الكتابة فى العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك، ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبى وغيره، أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخطَّ من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية؛ أخت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية، فعلَّمَه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلَّمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب. وقيل: إنَّ أوَّل من تعلَّمه من الأنبار قومٌ من طيئ، من قرية هناك يقال لها: بقة، ثم هذبوه ونشروه فى جزيرة العرب، فتعلمه الناس. ولهذا قال أبو بكر بن2 أبى داود: حدَّثَنَا عبد الله بن محمد الزهري "إن شاء الله"3، ثنا سفيان عن مجاهد، عن الشعبى قال: سألنا المهاجرين: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.   1 أخرجه ابن أبي داود "ص35" وسنده صحيح. 2 أخرجه ابن أبي داود "ص4" وسنده صحيح إلى الشعبي. 3 ساقط من "أ" و"ل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 "قلت": والذى كان يغلب على زمان السلف الكتابة المتكوفة، ثم هذَّبَهَا أبو على بن مقلة الوزير، وصار له فى ذلك نهجٌ وأسلوب فى الكتابة، ثم قرَّبَها على بن هلال البغدادى المعروف بـ "ابن البواب"، وسلك الناس وراءه، وطريقته فى ذلك واضحة جيدة. والغرض أن الكتابة لما كانت فى ذلك الزمان لم تحكم جيدا، وقع فى كتابة المصاحف اختلاف فى وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى، وصنَّف الناس فى ذلك، واعتنى بذلك الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- فى كتابة: "فضائل القرآن"، والحافظ أبو بكر بن أبى داود -رحمه الله، فبوَّبَا على ذلك، وذكرا قطعة صالحة هى من صناعة القرآن ليست مقصدنا هاهنا. ولهذا نصَّ الإمام مالك "رحمه الله"1 على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الامام, ورخَّصَ غيره فى ذلك, واختلفوا فى الشكل والنقط، فمن مرخِّصٍ ومن مانعٍ. فأما كتابة السورة وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب "فكثر"2 في مصاحف زماننا, والأولى اتباع السلف الصالح. ثم قال البخاري3:   1 ساقط من "أ" و"ط". 2 في "أ": "فكثير". 3 كذا نقل ابن كثير -المصنف- رحمه الله عن "صحيح البخاري"؛ والذي فيه: "باب: كاتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" هكذا بالإفراد، وليس بالجمع, ونقل الحافظ في "الفتح" "9/ 22" هذا عن المصنف هنا، ثم قال: "لم أقف في شيء من النسخ إلّا بلفظ: "كاتب"، بالإفراد، وهو مطابق لحديث الباب؛ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 .....................................................................................   = نعم قد كتب الوحى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جماعة غير زيد بن ثابت، أما بمكة فلجميع ما نزل بها؛ لأن زيد بن ثابت إنما أسلم بعد الهجرة، وأما بالمدينة فأكثر ما كان يكتب زيد، ولكثرة تعاطيه ذلك أطلق عليه الكاتب بلام العهد، كما في حديث البراء بن عازب ثاني حديثي الباب، ولهذا قال له أبو بكر: إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وكان زيد بن ثابت ربما غاب فكتب الوحي غيره, وقدكتب له قبل زيد بن ثابت: أُبَيّ بن كعب، وهو أول من كتب له بالمدينة، وأول من كتب له بمكة من قريش: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتدَّ، ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، وممن كتب له في الجملة: الخلفاء الأربعة، والزبير بن العوام، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وعبد الله بن رواحة في آخرين. وروى أحمد وأصحاب السنن الثلاثة، وصَحَّحَه ابن حبان والحاكم، من حديث عبد الله بن عباس، عن عثمان بن عفان قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: "ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا" الحديث. أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ذكر كتاب النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأورد فيه من حديث الزهري، عن ابن السباق, عن زيد بن ثابت، أن أبا بكر الصديق قال له: وكنت تكتب الوحى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وذكر نحو ما تقدَّمَ فى جمعه القرآن، وقد تقدَّمَ. وأورد حديث زيد1 بن ثابت فى نزول {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ، ولم يذكر البخارى أحدًا من الكتاب فى هذا الباب سوى زيد بن ثابت،   1 صحيح. أخرجه البخاري "6/ 45 و8/ 259"، والنسائي "6/ 9-10"، والترمذي "3033"، وأحمد "5/ 184"، وابن الجارود في "المنتقى" "1034" من طريق صالح بن كيسان، عن الزهري، قال: حدثني سهل بن سعد، قال: رأيت مروان بن الحكم جالسًا في المسجد، فأقبلت حتى جلست إليه، فأخبرنا عن زيد بن ثابت قال: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أملى عليه "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله", قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، فقال: يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت -وكان رجلًا أعمى، فأنزل الله عز وجل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وفخذه على فخذي، فثقلت حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فخذي، ثم سري عنه، فأنزل الله عز وجل: {ْغَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} , وقد توبع صالح بن كيسان، عن الزهري به. أخرجه النسائي. وخالفهما معمر بن راشد، فرواه عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت. أخرجه أحمد "5/ 184", قال: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر. ويظهر لي أن الوجهين محفوظان, والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وهذا عجب، وكأنه لم يقع له حديث يورده سوى هذا، والله أعلم. وموضع هذا فى كتاب السيرة عند ذكر كتابه -عليه "الصلاة"1 والسلام. ثم قال البخارى2 -رحمه الله: "أنزل القرآن على سبعة أحرف". حدثنا سعيد بن عفير، ثنا الليث، حدثنى عقيل عن ابن شهاب قال: حدثنى عبيد الله بن عبد الله، أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أقرأنى جبريل -عليه السلام- على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزديني حتى انتهى إلى سبعة أحرف". وقد رواه أيضًا فى "بدء الخلق"، ومسلم من حديث يونس، ومسلم أيضًا عن معمر، كلاهما عن الزهري بنحوه.   1 ساقط من "جـ" و"ط" و"ل". 2 في "صحيحه" "9/ 23-فتح". وأخرجه أيضًا في "بدء الخلق" "6/ 305"، ومسلم "819/ 272"، وأحمد في "مسنده" "1/ 263-264، 299، 313"، وعبد الرزاق "ج11/ رقم 20370"، وابن جرير "1/ 14"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 190"، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" "ج1/ ق49/ 1"، والطبراني في "الصغير" "1/ 35"، والبيهقي في "الكبرى" "2/ 384", وفي "الصغرى" "1001"، وفي "الشعب" "ج5/ رقم 2075"، والخطيب في "تاريخه" "4/ 305"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 501" من طرق عن الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس مرفوعًا فذكره. ورواه عن الزهري: "يونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وعقيل بن خالد، ومحمد بن عبد الله ابن أخي الزهري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ورواه ابن جرير من حديث الزهرى به. ثم قال الزهرى: بلغنى أن تلك السبعة الأحرف إنما هى فى الأمر الذي يكون واحدا؛ لا يختلف فى حلال ولا فى حرام، وهذا مبسوط فى الحديث الذى: رواه الإمام أبو عبيد1 القاسم بن سلام حيث قال: حدَّثَنا يزيد ويحيى بن سعيد، كلاهما عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن أبى بن كعب قال: ما حك فى صدرى شىء منذ أسلمت، إلا أننى قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتى، فقلت: أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله، أقرأتنى آية كذا وكذا؟ قال: "نعم" , وقال الآخر: أليس تقرئنى آية كذا وكذا؟ قال: "نعم" , فقال: "إن جبريل وميكائيل أتيانى، فقعد جبريل عن يمينى, وميكائيل عن يسارى، فقال جبريل: أقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده, حتى بلغ سبعة أحرف, وكل حرف كاف ٍشافٍ". وقد رواه النسائى2 من حديث يزيد -وهو ابن هارون, ويحيى   1 في "فضائل القرآن" "ص201". 2 في "المجتبى" "2/ 154" قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى القطان. وأخرجه في "الفضائل" "11" قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال، أنا يزيد بن هارون، كلاهما عن حميد الطويل، بسنده سواء. وأخرجه أحمد "5/ 114، 122" حدثنا يحيى القطان, وابن أبي شيبة "10/ 517"، وعبد بن حميد "164"، وابن حبان "737" والضياء في "المختارة" "1129" "1130", والبيهقي في "السنن الصغرى" "3010" عن يزيد بن هارون، كلاهما عن حميد الطويل به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ابن سعيد القطان، كلاهما عن حميد الطويل، عن أنس، عن أبى بن كعب بنحوه. وكذا رواه1 ابن أبي عدي "ومحمد"2 بن ميمون الزعفراني، ويحيى بن أيوب، كلهم عن حميد به. وقال ابن3 جرير: ثنا محمد بن مرزوق، ثنا أبو الوليد، ثنا حماد   1 أخرجه ابن جرير "26" قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي, وحدَّثَنا أبو كريب، قال: حدثنا محمد بن ميمون الزعفراني، جميعًا عن حميد بسنده سواء. وهذه الأسانيد كلها صحاح. وأخرجه عبد الله بن أحمد "5/ 122"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 189", وابن أبي حاتم في "العلل" "ج2/ رقم 1745"، وابن جرير "27" من طرقٍ أخرى عن حميد الطويل به, ورواه عن حميد: "بشر بن المفصل، ومعتمر بن سليمان، وعبد الله بن بكر السهمي، ويحيى بن أيوب", قلت: فقد رواه عن حميد الطويل: "يحيى القطان، ويزيد بن هارون، وبشر ابن المفضل، ويحيى بن أيوب، وعبد الله بن بكر السهمي، ومعتمر بن سليمان، وابن أبي عدي، ومحمد بن ميمون" ثمانيتهم، عن حميد، عن أنس، عن أُبَيِّ بن كعب. وخالفهم حماد بن سلمة، فرواه عن حميد الطويل، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن أُبَيِّ بن كعب، فذكره. ويأتي الكلام عليه. 2 في "أ": "محمود"! وهو خطأ. 3 في "تفسيره" "28". وأخرجه أحمد "5/ 114"، وابن حبان "742", وتمام الرازي في "الفوائد" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ابن سلمة، عن حميد، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" , فأدخل بينهما عبادة بن الصامت. وقال الإمام أحمد1 بن حنبل -رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبى خالد، حدثني عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن   = "1706"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 182", وابن عدي "2/ 679" من طرق عن حماد بن سلمة عن حميد الطويل، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن أُبَيّ بن كعب، فذكره, فزاد في الإسناد "عبادة بن الصامت"، ولعل هذا مما وَهِمَ فيه حماد، وكان تَغَيَّرَ حفظه قليلًا، ويؤيده إيراد ابن عدي للحديث في ترجمته، ولم أجد من تابعه مع مخالفة هذا الجمع. وذكر أبو حاتم -كما في "العلل" "1745"- رواية حماد من غير ترجيح، فإن كان يرجح روايته على زهير، فلم يتفرد زهير به، فتابعه من قدمنا ذكرهم، وهم أكثر عددًا وأشد إتقانًا, والله أعلم. 1 صحيح. أخرجه أحمد "5/ 127" قال: حدثنا يحيى بن سعيد، بسنده سواء. وأخرجه مسلم "820/ 273"، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "5/ 128, 129"، وكذا ابن جرير "30، 31، 32"، وابن أبي شيبة "10/ 516"، وابن حبان "740"، والخطَّابي في "الغريب" "1/ 587", والبيهقي "2/ 383-384"، والبغويّ في "شرح السنة" "4/ 503, 504" من طرق، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، فذكره. ورواه عن إسماعيل بن أبي خالد: "وكيع، ويحيى القطان، وابن نمير، ومحمد بن بشر، ومحمد بن يزيد الواسطي، وخالد بن عبد الله، ومحمد بن فضيل، ومحمد بن عبيد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 بن أبى ليلى، عن أُبَيِّ بن كعب، قال: كنت فى المسجد، فدخل رجل، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا فدخلنا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ "غير"1 قراءة صاحبه، فقال لهما النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرءا" , فقرأ فقال: "أصبتما" , فلما قال لهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذى قال, كَبُرَ عليَّ ولا إذا كنت فى الجاهلية، فلما رأى الذي غشينى ضرب فى صدرى، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله فرقا، فقال: "يا أُبَيّ، إن الله أرسل إليَّ أن اقرأ القران على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إليَّ أن أقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هَوّن على أمتي، فأرسل إلي أن أقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها" , قال: قلت: "اللهم اغفر لأمتى، اللهم اغفر لأمتى، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم -عليه السلام". وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبى خالد به. وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا أبو كريب، ثنا محمد بن فضيل، عن اسماعيل بن أبى خالد، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن أبيه عن جده، عن أُبَيّ بن كعب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله أمرنى أن اقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف " عن"2 أمتى، فقال: اقرأه على حرفين، فقلت: رب خفف "عن"2 أمتى، فأمرنى أن أقرأه على سبة أحرف من سبعة أبواب الجنة، كلها شافٍ كافٍ". وقال ابن3 جرير: .............   1 في "أ": "سوى". 2 في "جـ": "على". 3 في "تفسيره" "رقم 38". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 "حدَّثنا"1 يونس عن ابن وهب، أخبرنى هشام بن سعد، عن عبيد الله   = وصرَّحَ المصنِّف بصحة سنده، ولكن قال إبراهيم الحربي -كما في "التهذيب" "7/ 40": "لم يدرك عبيد الله عبد الرحمن بن أبي ليلى", فأجاب عنه الشيخ العلامة أبو الأشبال -رحمه الله- بقوله: "وأنا أرجح أن هذا خطأ من الحربي؛ فإن عبد الرحمن مات سنة "82" أو "83", وعبيد الله مات سنة "144" أو "145" فالمعاصرة ثابتة، وهي كافية في إثبات اتصال الرواية، إذا لم يكن الراوي مدلسًا، وما كان عبيد الله ذلك قط، ولذلك جزم ابن كثير بصحة الإسناد". أ. هـ. قلت: لا يتم لك الأمر إلّا إذا أثبت أن عبيد الله عمر، وقد صرَّح الذهبي في "السير" "6/ 304": "أن عبيد الله ولد بعد السبعين أو نحوها", فمن المحتمل أن يكون في أول السبعين أو في آخرها، وعلى أي تقدير فيكون تجاوز العاشرة بسنين قليلة، سنتين أو ثلاثة، وهذا وإن كان أدرك الزمان، لكن لعل الحربي قصد "إدراك السماع"، فإذا أضفت إلى هذا أن عبد الرحمن كوفيّ، وعبيد الله مدنيّ، ويبعد أن يرحل ابن عشر سنين أو فوقها بقليل لطلب الحديث، ترجَّح لك كلام الحربي، ثم فوق كل هذا، فإن هشام بن سعد قد خولف في روايته عن عبيد الله بن عمر، خالفه المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عبيد الله بن عمر، عن سيار أبي الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره. أخرجه ابن جرير "39" قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثنا المعتمر. فخالفه المعتمر في موضعين: الأول: أنه أثبت الواسطة بين عبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يؤيد كلام الحربي في الانقطاع. الثاني: أنه أرسله، ورواية المعتمر أرجح، فهو أوثق من هشام بن سعد، بل تكلَّم أحمد وابن معين والنسائي في حفظ هشام وضعَّفوه، ومشَّاه غيرهم؛ فتصحيح المصنف للإسناد لا يخفى ما فيه. والله تعالى أعلم. 1 في "أ": "حدثني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن أُبَيّ بن كعب أنه قال: سمعت رجلا يقرأ فى سورة النحل قراءة تخالف قراءتى، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فقلت: إنى سمعت هذين يقرآن في سورة النحل، فسألت: من أقرأهما؟ فقالا: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ خالفتما ما أقرأنى رسول الله، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحدهما: "أقرأ" فقرأ، فقال: "أحسنت" , ثم قال للآخر: "اقرأ" , فقرأ، فقال: "أحسنت". قال أُبَيّ: فوجدت فى نفسى وسوسة الشيطان حتى احمرَّ وجهى، فعرف ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى وجهى، فضرب يده فى صدرى، ثم قال: "اللهم أخسئ الشيطان عنه, يا أبى، أتانى آتٍ من ربى فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف " عن أمتى"1, ثم أتانى الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على "حرفين"2, فقلت: رب خفف عن أمتى، ثم أتانى الثالثة فقال مثل ذلك، وقلت مثل ذلك، ثم أتانى الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة, فقال: "يا رب اللهم اغفر لأمتي، يا رب اغفر لأمتى, واختبأت الثالثة شفاعة لأمتى يوم القيامة". إسناد صحيح. "قلت": هذا الشك الذى حصل لأُبَيّ فى تلك الساعة هو -والله أعلم- السبب الذى لأجله قرأ عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قراءة "إبلاغ وإعلام"3   1 في "جـ": "عني". 2 في "جـ": "حرف واحد" وهو سبق قلم. 3 في "أ": "إعلام وإبلاغ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ودواء لما كان حصل له سورة {لَمْ يَكُنِ " الَّذِينَ كَفَرُوا "1 " مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " 2} إلى آخرها، لاشتمالها على قوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً 2 فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} , وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه "عليه السلام"3 من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, "ثم"4 لأبي بكر الصديق، وفيها قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] . وقال ابن5 جرير: حدثنا محمد بن مثَّنى، ثنا محمد بن جعفر، ثنا   1 ساقط من "أ". 2 ساقط من "ط". 3 ساقط من "أ". 4 في "أ": "و". 5 صحيح, وهو في "تفسيره" "رقم35". وأخرجه مسلم "821/ 274"، وأبو داود "1478"، والنسائي "2/ 152-153"، وأحمد "5/ 127-128", والطيالسي "558"، وأبو عبيد "ص202", والهيثم بن كليب في "مسنده" "1455، 1456"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 191"، وابن جرير "36، 37", والبيهقي "2/ 384", وفي الأسماء "1/ 411" من طرق عن شعبة بسنده سواء. وتابعه محمد بن جحادة، عن الحكم بن عتيبة بسنده سواء. أخرجه ابن حبان "738"، والطبري "34، 46"، والطبراني في "الكبير" "ج1/ رقم 535"، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "5/ 128"، وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 287"، والهيثم بن كليب "1457" ووقع في "المسند": "قال عبد الله: حدثني أبي، ثنا جعفر بن مهران السباك ... إلخ". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبى ليلى، عن أُبَيّ بن كعب، أن رسول الله كان عند أضاة بنى غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: "أسأل الله معافاته ومغفرته؛ فإن أمتى لا تطيق ذلك" , قال: ثم أتاه الثانية، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين، قال: "أسأل الله معافاته ومغفرته؛ ان أمتى لا تطيق ذلك" , ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائى من رواية شعبة به. وفى لفظ لأبى1 داود عن أُبَيّ بن كعب قال: قال "لى"2 رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني أقرئت القرآن، .................   = كذا! وذكر "أحمد بن حنبل" في السند خطأ؛ لأن أحمد لم يرو شيئًا عن جعفر بن مهران، إنما ذكروا في ترجمته أن عبد الله بن أحمد هو الذي يروي عنه. والله أعلم. ثم رأيت الحديث في "جزء الألف دينار" "رقم 28" لأبي بكر القطيعي فرواه عن عبد الله بن أحمد، عن جعفر بن مهران، ونبَّه على هذا الخطأ صاحبنا الشيخ بدر البدر، جزاه الله خيرًا. وتوبع الحكم بن عتيبة, تابعه بكير بن الأخنس، عن مجاهد به مختصرًا, أخرجه أبو الشيخ في "الطبقات" "228" من طريق الأعمش عن بكير. 1 أخرجه أبو داود "1477" من طريق سليمان بن صرد، عن أبى بن كعب, ويأتي تخريجه قريبًا. 2 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 " فقيل "1 لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذى معى: قل على حرفين، فقيل لى: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذى معى: قل على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها الا شافٍ كافٍ، ان قلت: سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب". وقد روى ثابت2 بن قاسم نحوا من هذا عن أبى هريرة3 عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومن كلام ابن مسعود نحو ذلك. وقال الإمام4 أحمد: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن   1 في "جـ": "قيل". 2 كذا في "الأصول" كلها، وليس هو -كما يتابدر- التابعيّ الذي يروي الحديث عن أبي هريرة، ولكنه كما يبدو لي أحد العلماء المصنفين، وقد روى الحديث بسنده إلى أبي هريرة في "مصنفه"، ويقع لي -والله أعلم- أنه: "قاسم بن ثابت السرقسطي" صاحب كتاب "الدلائل" في غريب الحديث، فلعل اسمه انقلب على المصنف أو الناسخ، فإن كان ذلك كذلك، وإلا فليحرر. والعلم عند الله تعالى. 3 حَسَنٌ. أخرجه أحمد "2/ 232، 440"، وابن أبي شيبة "10/ 516"، وابن حبان "743"، والبزار "ج3/ رقم 2313"، والطبري "8، 9" من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، حكيمًا، عليمًا، غفورًا، رحيمًا". قال ابن حبان: "حكيمًا عليمًا غفورًا رحيمًا: قول محمد بن عمرو، أدرجه في الخبر، والخبر إلى سبعة أحرف". وسنده حسن، ويأتي الكلام عن طرقه قريبًا إن شاء الله. 4 في "مسنده" "5/ 132". وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 518"، وابن حبان "739"، وابن جرير = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 عاصم، عن زِرٍّ عن أُبَيّ قال: لقى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل عند أحجار المِرَا، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجبريل: "إنى بعثت إلى أمة أميين، فيهم الشيخ العاميّ، والعجوز الكبيرة والغلام"، فقال: مرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف. وأخرجه الترمذى من حديث عاصم بن أبى النجود، عن زِرٍّ،1 [عن "أبي"2 به؛ وقال: "حسن صحيح". وقد رواه .....   = "29"، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" "ج3/ ق73/ 2"، من طريق زائدة بن قدامة بسنده سواء. وتابعه شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم ابن أبي النجود به. أخرجه الترمذي "2944"، والضياء في "المختارة" "1168" من طريق الحسن بن موسى، نا شيبان بسنده سواء, وقال الترمذي: "حسن صحيح", وتابعه عبيد الله بن موسى، وأبو النضر هاشم بن القاسم، كلاهما عن شيبان بسنده سواء. أخرجه الهيثمي بن كليب في "مسنده" "1480، 1481", ووقع عنده في رواية أبي النضر، قال: "نا أبو معاوية، عن عاصم", وأبو معاوية هذا ليس هو الضرير محمد بن خازم، بل هو شيبان بن عبد الرحمن وهذه كنيته. والله أعلم. واختلف على شيبان كما يأتي. وقد توبع شيبان؛ تابعه أبو عوانة الوضّاح اليشكري فرواه عن عاصم، بسنده سواء أخرجه الضياء في "المختارة" "1169". وتابعهما حمَّاد بن سلمة، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن أُبَيٍّ بن كعب، فذكره. أخرجه الطيالسي "543". واختلف فيه على حماد، كما يأتي إن شاء الله تعالى. 1 ما بين المعكوفين ساقط من "أ". 2 وقع في "الأصول": "ابن مسعود" وهو خطأ، فلم يقع في "الترمذي" حديث ابن مسعود هذا؛ نعم أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" "8/ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 أبو عبيد1، عن أبي النضر، عن شيبان، عن عاصم بن أبى النجود، عن زِرٍّ] 2، عن حذيفة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقى جبريل عند احجار المِرَا، فذكر الحديث. وهكذا رواه الإمام3 أحمد، عن .............   = 289" من طريق يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا شيبان عن عبد الرحمن أبو معاوية، عن عاصم بن أبى النجود، عن زِرٍّ، عن عبد الله قال: أتيت المسجد فجلست إلى ناسٍ وجلسوا إلي ... وذكر حديثًا فيه أنهم اختلفوا في القراءة. وهذا لونٌ آخر من الاختلاف في إسناده ومتنه، فهل وَهِمَ يحيى بن أبي بكير على شيبان فيه؟ أو لعله من سوء حفظ عاصم، وهذا أقوى. والمحفوظ أنَّ هذا يرويه الأعمش وأبو بكر بن عياش، وإسرائيل بن يونس وغيرهم عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله، وليس فيه ذكر الأحرف السبعة. أخرجه أحمد "1/ 419، 421"، وابن حبان "746، 747"، والطبري "13"، والآجري في "الشريعة" "ص69"، والحاكم "2/ 223-224" وصححه. وأصله في "البخاري" من حديث النزال بن سبرة، عن ابن مسعود. والله أعلم. 1 في "فضائل القرآن" "ص202-203". فهكذا رواه أبو النضر هاشم بن القاسم، عن شيبان. وخالفه عبيد الله بن موسى والحسن بن موسى الأشيب، فروياه عن شيبان، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن أبي بن كعب, وقد مَرَّ ذكره آنفًا، وكلهم من الثقات الأثبات، فيترجح لي أن الاضطراب من عاصم بن أبي النجود, وعندي أنه من "مسند أُبَيّ بن كعب" أشبه؛ لكثرة الطرق بذلك. والله أعلم. 2 إلى هنا انتهى السقط الذي بدأ من الصفحة السابقة. 3 في "مسنده" "5/ 391، 400" قال: حدثنا عفان بإسناده سواء = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 "عفان"1، عن حماد، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن حذيفة أنَّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لقيت جبريل عند أحجار المِرَا، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية، الرجل والمرأة والغلام والجارية، والشيخ العامي الذي لم يقرأ كتابا قط"، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف. وقال أحمد2 أيضًا: حدثنا وكيع وعبد الرحمن، عن سفيان، عن   = وأخرجه الطبراني في "الكبير" "ج3/ رقم3019" قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدب, ثنا عفان بن مسلم بسنده سواء. وتابعه عبد الصمد بن عبد الوارث، وهدبة بن خالد، ومنصور بن سقير، كلهم عن حماد بن سلمة بسنده سواء. أخرجه أحمد "5/ 405-406"، والبزار "ج3/ رقم 2310"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 182"، وابن قانع في "معجم الصحابة" "1/ 37/ 1". وخالفهم جميعًا أبو داود الطيالسي، فرواه في "مسنده" "543" عن حماد ابن سلمة بسنده سواء، لكنه جعله عن "أُبَيّ بن كعب" وهم يترجَّحون عليه في حماد، لا سيما "عفان بن مسلم", هذا إن لم يكن الإضطراب فيه من عاصم كما سبق ذكره، والله أعلم. وقال البزار: "هكذا رواه حماد بن سلمة، ورواه أبو معاوية عن عاصم عن زِرٍّ عن أُبَيّ بن كعب". فكأنما يشير إلى أن الوهم فيه من حماد وليس من الرواة عنه, وأبو معاوية الذي أشار البزار إلى روايته هو -عندي- شيبان بن عبد الرحمن، مع أن هذه الكنية إذا أطلقت عني بها "الضرير محمد بن خازم"، لكني لم أجد له رواية عن عاصم بن بهدلة، مع شهرة رواية شيبان لهذا الحديث، فهذا هو الذي حدا بي أن أرجح هذا الرأي. والله أعلم. 1 ساقط من "جـ" و"ل". 2 في "مسنده" "5/ 385، 401" ولم يجمع الإمام حديث شيخيه في = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 إبراهيم بن مهاجر، عن ربعيّ بن حراش، قال: حدثني من لم يكذبني -"يعني"1 حذيفة- قال: لقى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل عند أحجار المِرَا، فقال: ان أمتك يقرءون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم فليقرأ كما علم ولا يرجع عنه, وقال عبد الرحمن: إن من أمتك الضعيف؛ فمن قرأ على حرف فلا يتحول عنه إلى غيره رغبة عنه. هذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه. "حديث آخر" فى معناه عن سليمان بن صرد, قال ابن2 جرير:   = سياق واحد، إنما فرَّقه، وهذا الجمع من تصرف المصنِّف -رحمه الله. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلّا إبراهيم بن مهاجر، فقد ليَّنه أكثر النقاد، فتصحيح المصنف لإسناده لا يخفى ما فيه، أما الهيثمي فقال في "المجمع" "7/ 151": "رواه أحمد وفيه راوٍ لم يسم"! وهذا وَهْمٌ عجيب، أظنه بسبب عجلة الهيثمي النظر في السند، فقد وقع في السند: " ... ربعي بن حراش، حدثني من لم يكذبني -يني حذيفة". فلما وقع بصره على قوله: "من لم يكذبني" قال ما قال!! وقد علمت أنه سُمِّيَ, فرحمه الله تعالى. 1 ساقط من "أ". 2 في "تفسيره" "رقم/ 21". وأخرجه الطحاوي في "المشكل" "4/ 189" قال: حدثنا فهد، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن بنت السدي بإسناده سواء. وخالفه محمد بن جعفر الوركاني، فرواه عن شريك، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ بن كعب رفعه. أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "5/ 125" عن الوركاني. ورواية الوركاني أولى، فهو أوثق من إسماعيل بن موسى. وقد توبع شريك على جعله من "مسند سليمان بن صرد", فتابعه زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق عن سلميان بن صرد، قال: أتى محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 حدثنا إسماعيل بن موسى السدى، ثنا شريك عن أبى إسحاق، عن سليمان بن صرد يرفعه، قال: "أتانى ملكان فقال أحدهما: اقرأ، قال: "على كم"؟ قال: على حرف، قال: "زده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف ". ورواه النسائى1 فى "اليوم والليلة" عن عبد الرحمن بن محمد بن   = الملكان، ثم ذكر نحوه. أخرجه أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" "ج9/ ق118/ 2"، والطحاوي، في "المشكل" "4/ 189" من طريق أبي نصر التمار، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة. وتابعه عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو بسنده سواء. أخرجه الطبراني في "الأوسط" "1189" وقال الهيثمي "7/ 153": "رواه الطبراني وفيه جعفر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"، ونسخة "المعجم الأوسط" وقع فيه سقط، فكان مما سقط: "عبد الله بن"، وبقي: "جعفر"؛ لذلك لم يعرفه الهيثمي رحمه الله. ولكن خالفهما العوام بن حوشب، فرواه عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ بن كعب، فذكره. ويأتي الكلام عليه، إن شاء الله تعالى. 1 أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" "671" قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا العوام بسنده سواء. هكذا رواه إسحاق الأزرق، حدثنا العوام بسنده سواء. هكذا رواه إسحاق الأزرق، فجعل العوام بن حوشب متابعًا لشريك وزيد بن أبي أنيسة على جعل الحديث من "مسند سليمان بن صرد". وخالفه يزيد بن هارون، فرواه عن العوام بن حوشب، قال: حدثني أبو إسحاق الهمداني، عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ بن كعب، فذكره. فجعله من "مسند أبي بن كعب". أخرجه النسائي "670" أيضًا، قال: أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا يزيد, وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص201"، وأحمد بن منيع في "مسنده" -كما في "إتحاف المهرة" "ق229/ 1"، ومن طريقه أبو القاسم البغوي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 سلام، عن اسحاق الأزرق، عن العوام بن حوشب، عن أبى إسحاق، عن سليمان بن صرد، قال: أتى أُبَيّ بن كعب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجلين اختلفا فى القراءة، فذكر الحديث. وهكذا رواه أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن العوام1 [ابن حوشب به. ورواه أبو عبيد، عن يزيد بن هارون، عن العوام] 1، "عن"2 أبى اسحاق، عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ، أنه أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجلين فذكره. وقال ابن جرير3: ثنا أبو كريب، ثنا يحيي بن آدم، ثنا إسرائيل، عن   = في "معجم الصحابة" ج9/ ق118/ 1"، والضياء في "المختارة" "1176"، وابن الأعرابي، ومن طريقه الخطابي في "الغريب" "1/ 587"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 188". وهذا الوجه أشبه، وإسحاق الأزرق, وإن كان ثقة مأمونًا، فقد قال ابن سعد: "ربما غلط"، ويحتمل أن يصح الوجهان معًا كما أشار إلى ذلك المصنف -رحمه الله، ويكون الحديث بـ "أُبَيّ بن كعب" أشهر وأكثر. والله أعلم. "1-1" ساقط من "أ". 2 في "جـ": "ابن". وهو خطأ. 3 في "تفسيره" "رقم/ 25". وأخرجه أبو عبيد "ص202"، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "5/ 124"، والهيثم بن كليب في "مسنده" "1439" وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 285-286" وابن عساكر "ج2/ ق592" من طرق عن إسرائيل بن يونس بسنده سواء. وسقير -ويقال: صقير- قال فيه الحسيني: "مجهول", فردَّ عليه الحافظ في "التعجيل" "385" قائلًا: "ولم يصب في ذلك، فقد ذكروه في حرف = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أبى إسحاق عن فلان العبدى -قال ابن جرير: ذهب عنى اسمه- عن سليمان بن صرد، عن أبى بن كعب، قال: رحت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلقت به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: استقرئ هذا، قال: فقرأ، فقال: "أحسنت". قال1: [قلت: إنك اقرأتنى كذا وكذا، فقال: "وأنت قد أحسنت". "قال: قلت"2 قد أحسنت! قد أحسنت! قال] 1: فضرب بيده على صدرى ثم قال: "اللهم أذهب عن أُبَيّ الشك". قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفى فرقًا, قال: ثم قال: "إن الملكين أتياني، فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، وقال الآخر: زده" , قال: "قلت: "زدنى" , فقال: اقرأه على حرفين، حتى بلغ سبعة أحرف، اقرأه على سبعة أحرف". وقد رواه أبو عبيد عن حجَّاج، عن إسرائيل، عن أبى اسحاق،   = الصاد المهملة، ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه قدحًا، وذكره ابن حبان في "الثقات" "4/ 385"". أ. هـ. قلت: وما ذكره ابن حجر لا يخرجه عما قاله الحسيني كما لا يخفى، فأما ابن حبان فخطته معروفة، وأما تبييض البخاري وابن أبي حاتم للراوي فليس أمارة توثيق؛ لأن البخاري قد يبيض للراوي، ويضعفه في "ضعفائه"؛ وأما ابن أبي حاتم فقد صرَّح في مطلع "كتابه" أنه يبيض للراوي إذا لم يعلم فيه شيئًا. والله الموفق. وهذا الوجه أيضًا من وجوه الاختلاف على أبي إسحاق في إسناده، ولعله منه فقد كان حفظه تغير، ونازع الذهبي في اختلاطه, ولعل هذا الوجه هو أشبه الوجوه كلها لمكان إسرائيل بن يونس من جده، وملازمته إياه. والله أعلم. 1 ساقط من "أ" وفي "ط": "فقلت". 2 ساقط من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 عن "سقير"1 العبدى، عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ2 [عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحو ذلك. ورواه أبو3 داود عن أبى الوليد الطيالسى، عن همام, عن قتادة، عن يحيى بن يَعْمَر, عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ] 2 بن كعب بنحوه. فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أُبَيّ بن كعب، والظاهر أن سليمان بن صراد الخزاعى شاهد ذلك، والله أعلم. "حديث آخر عن أبي بكرة": قال الإمام4 أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن   1 في "أ": "ستير"! "2-2" ساقط من سياق "أ"، وقيد بخطٍّ دقيق في الحاشية. 3 في "سننه" "1477". وأخرجه أحمد "5/ 124" وابنه في "زوائد المسند"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 189"، والبيهقي في "الكبرى" "2/ 384"، وفي "الصغرى" "1009"، والضياء في "المختارة" "1173-1175" من طرق عن همام ابن يحيى، عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن سليمان بن صرد، عن أُبَيّ بن كعب فذكره. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. 4 في "مسنده" "5/ 41". وأخرجه أحمد أيضًا "5/ 51"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 191" من طريق عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة به, وتابعه زيد بن الحباب، عن حماد. أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 517"، وابن جرير "40، 47". وتوبع حماد بن سلمة. تابعه عبد الوارث بن سعيد، عن علي بن زيد به. أخرجه مسدد بن مسرهد في "مسنده"- كما في "إتحاف المهرة" "ق299/ 1"- قال: ثنا عبد الوارث, وعزاه الهيثمي في "المجمع" "7/ 151" للطبراني، وقال: "فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو سيء الحفظ، وقد تُوبع، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح". أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 سلمة، عن على بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أتانى جبريل وميكائيل -عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب برحمة". وهكذا رواه ابن جرير عن أبى كريب، عن زيد بن الحباب، عن حمَّاد بن سلمة به. وزاد فى آخره: "كقولك هَلُمَّ وتعال". "حديث آخر عن سَمُرَة": قال الإمام1 أحمد: حدثنا بَهْزٌ وعفَّانٌ، كلاهما عن حمَّاد بن سلمة،   1 في "مسنده" "5/ 16، 22" ورواية بهز وعفان وقعت في "المسند" مفرقة في موضعين، وهذا الجمع بينهما من صنيع المصنِّف -رحمه الله تعالى، ولم يصب في صنيعه هذا؛ فإن رواية بهز بن أسد عن حماد: "سبعة أحرف", ورواية عفان عنه: "ثلاثة أحرف", فقد اختلفا في هذا الحرف؛ فلا يصحُّ جمع روايتهما في سياق واحد. والله أعلم. وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص203"، وابن أبي شيبة "10/ 517", وتمام الرازي في "الفوائد" "742"، والبزار "ج3/ رقم 2314"، والطبراني في "الكبير" "ج7/ رقم 6853"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 679"، والحاكم "2/ 223"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 195" من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرَة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 .....................................................................   = مرفوعًا: "أنزل القرآن على ثلاثة أحرف". ورواه عن حمَّاد هكذا: "حجاج بن منهال، وعفان بن مسلم" وخالفهما بهر -كما تقدم- فقال: "سبعة أحرف". قال البزار: "لا نعلم يُروى هذا اللفظ إلّا عن سمرة، ولا رواه عن قتادة إلّا حماد". وقال الحاكم: "قد احتجَّ البخاري برواية الحسن عن سمرة، واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة، وهذا الحديث صحيح، وليس له علة", ووافقه الذهبي! كذا قالا! وقد قال الذهبي في "السير" "4/ 588": "قال قائل: إنما أعرض أهل الصحيح عن كثير مما يقول فيه الحسن: "عن فلان", وإن كان مما قد ثبت لُقِيُّه فيه لـ" فلان" المعين؛ لأن الحسن معروف بالتدليس، ويدَّلس عن الضعفاء، فيبقى في النفس من ذلك، فإننا وإن ثبتنا سماعه من سمرة، يجوز أن يكون لم يسمع منه غالب النخسة التي عن سمرة، والله أعلم". أ. هـ. وأما ما ذكره الحاكم من احتجاج البخاري برواية الحسن، عن سَمُرَة، فالجواب عنه: أن البخاري روى في "كتاب العقيقة" "9/ 590- فتح" عن حبيب بن الشهيد قال: "أمرني ابن سيرين أن أسال الحسن: ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: من سمرة بن جندب". أ. هـ. قلت: فهذا ما وقع في "البخاري" فأين الاحتجاج، ومما يقوِّي أن البخاري لم يحتج بهذه الترجمة: أنه لم يسق الحديث, سلَّمنا أنه احتج بهذا الحديث، فالأمر بالنسبة إلى المدلس مختلف عن البريء منه. والله أعلم. ولعل المصنف اعتمد على تصحيح الحاكم، وقد بينَّا ما فيه، والصواب أن الحديث منكر، مخالف لسائر الأحاديث عن الصحابة في أن الحروف "سبعة"، وأورد الحديث ابن عدي في ترجمة "حماد بن سلمة" إشارة منه إلى نكارته، ووافقه الذهبي فأورده في "الميزان". والله أعلم. وقد خولف قتادة فيه, خالفه ميمون أبو حمزة فرواه عن الحسن البصري، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف". إسنادٌ صحيح، ولم يخرجوه. "حديث آخر عن أبى هريرة": قال الإمام1 أحمد: ثنا أنس بن عياض، حدثني أبو حازم، عن   = عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ". أخرجه الطبراني في "الأوسط" "ج2/ ق72/ 2" من طريق شجاع بن الوليد ثنا أبو خيثمة، عن أبي حمزة عن الحسن، فذكره. وقال: "لم يرو هذا الحديث عن ميمون أبي حمزة إلا أبو خيثمة، تفرد به شجاع". وقال الهيثمي "7/ 153": "فيه ميمون أبو حمزة، وهو متروك". 1 في "مسنده" "2/ 300". وأخرجه النسائي في "الفضائل" "118"، وابن حبان "74"، وابن جرير "7"، وأبو يعلى في "مسنده" "ج1م رقم 6016"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "11/ 26" من طرق عن أنس بن عياض بسنده سواء. وإسناده صحيح. وتابعه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، حكيمًا عليمًا، غفورًا رحيمًا". لفظ ابن حبان. أخرجه أحمد "2/ 332، 440", وابن أبي شيبة "10/ 516"، وابن حبان "743"، والبزار "ج3/ رقم 2313"، والطبري "8، 9"، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" "ج6 ق105/ 2"، وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 284"، والبيهقي في "السنن الصغرى" "1007" من طرق عن محمد بن عمرو به. وقال ابن حبان: "حكيمًا، عليمًا، غفورًا، رحيمًا" قول محمد بن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ...............................................................................   = عمرو أدرجه في الخبر، إلى "سبة أحرف" فقط. أ. هـ. وقال الهيثمي في "المجمع" "7/ 151": "رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح". وأخرجه الحاكم "2/ 223"، والطبراني في "الأوسط" "2499"، والآجري في "الشريعة" "ص67"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/ 212-213"، وابن بطة في "الإبانة" "1042" من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: $"المِرَاءُ في القرآن كفر". وهذا سند حسن. وله طريق آخر عن أبي هريرة. أخرجه الطبري "45"، وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 288" من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة". وقد رواه عن إسماعيل هكذا: "عمرو بن عثمان العثماني، وإسماعيل بن إسحاق". ورواه إسماعيل القاضي مرة، وإسحاق بن سويد الرملي، وسهل بن زنجلة، وأيوب بن سليمان بن بلال، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عجلان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود مرفوعًا: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن". أخرجه ابن حبان "75"، وأبو يعلى "ج9/ رقم 5403"، والبزار "ج3/ رقم 2312"، والطبراني في "الكبير" "ج/ رقم 10090"، والبيهقي في "الصغرى" "1008". قال البزار: "لم يروه هكذا غير الهجري، ولا روى ابن عجلان عن الهجري غيره، ولا نعلمه من طريق ابن عجلان إلّا من هذا الوجه". فلعلَّ هذا الاضطراب من إسماعيل بن أبي أويس، وقد توبع في الجملة على = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 أبى سلمة لا أعلمه إلا عن أبى هريرة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، مراءٌ فى القرآن كفرٌ -ثلاث مرات- فما علمتم منه فاعملوا، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه". ورواه النسائى عن قتيبة, عن أبي ضَمْرَة أنس بن عياض به. "حديث آخر عن أم أيوب": قال الإمام1 أحمد: حدثنا سفيان، عن عبيد الله -وهو ابن أبى يزيد- عن أبيه، عن أم أيوب -يعنى امرأة أبى أيوب- الأنصارية، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أُنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزاك".   = الوجه الأول. فأخرجه الطحاوي في "المشكل" "4/ 184" من طريق عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وهذا سند حسن. أما الوجه الثاني، فأخرج الطبري "11" قال: حدثا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم الهجري, عن أبي الأحوص, عن ابن مسعود مرفوعًا فذكر مثله. وسنده واهٍ, وابن حميد متروك، لكنه توبع، فأخرجه الخطيب في "الموضح" "1/ 379" من طريق عمرو بن عليّ، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان بسنده سواء. 1 في "مسنده" "6/ 433، 462-463". وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 515-516"، والحميدي "338"، ابن جرير "20، 23"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "3320"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 183" من طريق سفيان بن عيينة بإسناده سواء, وهذا سند حسن. وتابعه أبو الربيع السمان، قال: حدثني عبيد الله بن أبي يزيد بسنده سواء. أخرجه ابن جرير "24", وأبو الربيع السمان متروك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب الستة. "حديث آخر عن أبى جُهَيْمٍ": قال أبو عبيد1: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة، عن   1 في "فضائل القرآن" "ص202". وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "4/ 1/ 262"، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" "490/ 1- زوائده", والبيهقي في "الشعب" "2069"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 505-506" من طريق إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة، عن مسلم بن سعيد، عن أبي جهيم، فذكره. ورواه عن إسماعيل بن جعفر، هكذا: "علي بن حجر، وعاصم بن علي، وأبو عبيد"، وخالفهم خالد بن القاسم المدائني فرواه عن إسماعيل بن جعفر، أنبأ يزيد بن خصيفة، عن بُسر بن سعيد مولى الحضرميين، عن أبي جُهَيْم الأنصاري، فذكره. فجعل شيخ يزيد هو "بسرًا" لا "مسلمًا". أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" "490/ 1", لكن خالد بن القاسم كذَّبه إسحاق بن راهويه. وقال يعقوب بن شيبة: "تركه الناس أجمع، وكان علي بن المديني حسن الرأي فيه"، وقد خولف فيه إسماعيل بن جعفر في إسناده على الوجه الأول. خالفه سليمان بن بلال، فرواه يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد، عن أبي جهيم به. أخرجه أحمد "4/ 169-170"، والطبري "41"، وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 282"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 183". ولعل هذا الاختلاف من يزيد بن خصيفة، فهو وإن كان ثقة إلّا أن أحمد قال في رواية: "منكر الحديث"، وقد خولف فيه كما يأتي, وزعم المعلق على "تهذيب الكمال" "32/ 173" أن هذا لم يثبت عن أحمد، ولم يُبْدِ حجة سوى قوله: "فيما أرى"! وبأن أحمد قال: "لا أعلم إلا خيرًا"، وهذا القول لا يمنع أن يكون لأحمد فيه قول آخر, والله أعلم. وقد رجَّح المصنِّف رواية سليمان بن بلال وصحَّحَ الإسناد لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 مسلم بن سعيد مولى الحضرَمِيّ -وقال غيره: عن بُسْر بن سعيد- عن أبي جُهَيْم الأنصارى، أن رجلين اختلفا فى آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر أبو جُهَيْم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن هذا القرآن " نزل "1 على سبعة أحرف، فلا تماروا؛ فإن مِراءً فيه كفرٌ". وهكذا رواه أبو عبيد على الشك. وقد رواه الإمام أحمد على الصواب، فقال: حدثنا أبو سلمة الخزاعى، ثنا سليمان بن بلال، حدثنى يزيد بن خُصَيْفَة، أخبرني بُسْر بن سعيد، حدثني أبو جُهَيْمٍ أن رجلين اختلفا فى آية من القرآن, قال هذا: تلقيتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال هذا: تلقيتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "القرآن يُقْرَأُ على سبعة أحرف، فلا تماروا فى القرآن، فإن مراء في القرآن كفرٌ". وهذا إسناد صحيح أيضًا، ولم يخرجوه. ثم قال أبو عُبَيْد2: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن   1 في "1": "أنزل". 2 في "فضائل القرآن" "ص202", وعبد الله بن صالح كاتب الليث فيه مقال شهير، لكنه كان من ألزم الناس لِلَّيْث، لزمه عشرين سنة، ولم يتفرد به, فأخرجه أحمد "4/ 204، 205"، وابن أبي عمر في "مسنده" -كما في "إتحاف المهرة" "ق230/ 1"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2070"- من طريق عبد الله بن جعفر، والدراوردي كلاهما عن يزيد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 يزيد بن الهاد، عن محمد بن ابراهيم، عن بُسْرِ بن سعيد، عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص، أن رجلا قرأ آية من القرآن، فقال عمرو -يعني: ابن العاص: إنما هى كذا وكذا؛ بغير ما قرأ الرجل, فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فخرجا الى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أتياه، فذكرا ذلك له، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فأى ذلك قرأتم أصبتم، فلا تماروا فى القرآن, فإن مراء فيه كفرٌ". ورواه الإمام أحمد، عن أبى سلمة الخزاعي، عن عبد الله بن جعفر ابن عبد الرحمن بن المسبور بن مخرمة، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد، عن بُسْر بن سعيد، عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص به نحوه، وفيه: "فإن المراء فيه كفر، إنه للكفر به". وهذا أيضًا "حديث"1 جيد.   = ابن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن ابراهيم، عن بسر بن سعيد، عن أبى قيس مولى عمرو، عن عمرو بن العاص. قال الحافظ في "الفتح" "9/ 126": "إسناده حسن". قلت: لكن خُولف محمد بن إبراهيم التَّيْمِيّ فيه, خالفه يزيد بن خُصَيْفَة وهو أوثق منه، فرواه عن بُسْرِ بن سعيد، عن أبي جُهَيْمٍ. وهذا أولى، والله أعلم. وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 528" قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعد مولى عمرو بن العاص، قال: تشاجر رجلان في آية, فارتفعا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "لا تماروا فيه، فإن المراء فيه كفر". وقال أبو حاتم في "العلل" "ج2/ رقم 1782": "هذا وهمٌ، إنما رواه يزيد بن الهاد عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن بُسْر بن سعيد، عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". أ. هـ. 1 ساقط من "أ" و"ط". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 "حديث آخر عن ابن مسعود": قال ابن1 جرير: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني حَيْوَة بن شريح، عن عقيل بن خالد، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحِلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أُمِرْتُم به، وانتهوا عما نُهِيتُم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا   1 في "تفسيره" "رقم 67". وأخرجه ابن حبان "745"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 184-185" وأبو نصر السجزي في "الإبانة" -كما في "الدر" "2/ 6"، والهروي في "دم الكلام" "ق62/ 2" -كما في "الصحيحة" "587"، وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 275"، والحاكم "1/ 553، 2/ 289-290", وصحَّحَه ولم يوافقه الذهبي في الموضع الثاني, وتعقبه الحافظ -أعني: الحاكم- في "الفتح" "9/ 29" وقال: "في تصحيحه نظر؛ لانقطاعه بين أبي سلمة وابن مسعود", وسبقه ابن عبد البر والطحاوي إلى هذا الإعلال؛ فقال الأول في "التمهيد" "8/ 275": "وهذا حديث عند أهل العلم لا يثبت؛ لأنه يرويه حيوة عن عقيل، عن سلمة هكذا، ويرويه الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سلمة بن أبي سلمة، عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به". أ. هـ. وقال الطحاوي: "فاختُلِفَ حيوة والليث على عقيل في إسناد هذا الحديث ... قال: وكان أهل العلم بالأسانيد يدفعون هذا الحديث لانقطاعه في إسناده، ولأن أبا سلمة لا يتهيأ في سنه لقاء عبد الله بن مسعود ولا أخذه إياه عنه" فحاصل الكلام أن الحديث أُعِلَّ بعلتين: إحداهما الانقطاع, والثانية الإرسال. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 بمتشابه، وقولوا: آمنَّا به كلٌّ من عند ربنا". ثم رواه1 عن أبى كريب، عن المحاربى عن ضمرة بن حبيب، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود من كلامه وهو أشبه، والله أعلم.   = والرواية المرسلة أخرجها الطحاوي في "المشكل"، والبيهقي في "المدخل" -كما في "البرهان في علوم القرآن" "1/ 217" للزركشي, وقال -يعني: البيهقي: "هذا مرسل جيد، وأبو سلمة لم يدرك ابن مسعود", وكذا نقله مختصرًا الحافظ في "الفتح" "9/ 29", وأخرجه الطبري في "الكبير" "ج9/ رقم 8296", وعنه الشجري في "الأمالي" "1/ 87" من طريق عمار بن مطر، حدثنا ليث بن سعد، عن الزهري، عن سلمة بن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه, أن النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لابن مسعود: "إن الكتب كانت تنزل من السماء ... " فذكر نحوه. وسنده ضعيف جدًّا, وعمار بن مطر، قال الذهبي: "هالك", وبه أعله الهيثمي "7/ 153". 1 يعني ابن جرير "رقم 70", وأخرجه ابن الضريس في "الفضائل" "129" من هذا الوجه ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين القاسم وابن مسعود، فلم يدركه, قال ابن المديني: "لم يلق القاسم من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير جابر بن سَمُرَة". وأخرج البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2095" من طريق معارك بن عباد، حدثني عبد الله بن سعيد المقبري، حدثني أبي، عن أبي هريرة مرفوعًا: "أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه وفرائضه وحدوده، فإن القرآن نزل على خمسة أوجه ... " وساقه بمثل كلام ابن مسعود. وسنده ضعيف جدًّا، ومعارك ضعيف، وعبد الله بن سعيد متروك. ثم رأيته في "الضعيفة" "1346" لشيخنا الألباني حفظه الله، وضعفه جدًّا وعزاه لابن جبرون المعدل في "الفوائد العوالي" "1/ 28/ 1"، والثقفي في "الثقفيات" "ج9/ رقم 14" من طريق معارك بن عباد به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 فصل: قال أبو عبيد1: قد تواترت هذه الأحاديث كلها على الأحرف السبعة، إلّا ما حدثنى عفَّان، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرَة بن جندب، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "نزل القرآن على " ثلاثة "2 أحرف". قال أبو عبيد1: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة؛ لأنها المشهورة، وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين فى أحاديث تترى. قال: وقد روى الكلبى3، عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجر من هوازن. قال أبو عبيد4: والعجر هم: بنو أسعد بن بكر، وخيثم بن بكر،   1 في "الفضائل" "ص203", ورواه عنه البيهقي في "الكبرى" "2/ 385" و"الصغرى" "1003". 2 في "الأصول": "سبعة" وهو سبق قلم من المصنِّف أو الناسخ. 3 انظر "فضائل القرآن" لأبي عبيد "ص204" "التمهيد" "8/ 280"، و"فتح الباري" "9/ 26-27" وسنده ضعيف جدًّا، والكلبي هو محمد بن السائب، تالفٌ ألبتة. 4 في "الفضائل" "ص204". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ونصر بن معاوية، وثقيف وهم علياء هوازن، الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب علياء هوازن، وسفلى تميم؛ يعنى: بنى دارم. ولهذا قال1 عمر: لا يملى فى مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.2 [قال ابن3 جرير: "واللغتان الآخرتان قريش وخزاعه. رواه قتادة عن   1 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص204"، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "3/ 1014"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص11"، والخطيب في "تاريخه" "7/ 450" من طريق جرير بن حازم، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن معقل، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه, وقد خولف جرير بن حازم في إسناده. خالفه شيبان بن عبد الرحمن وأبو عوانة فروياه عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سَمُرَة، عن عمر بن الخطاب به, وهذا أصحّ الأوجه. أخرجه أبو عبيد "ص204" معلقًا, وابن أبي داود "ص11" وقال ابن كثير في "مسند عمر" "2/ 562": "إسناده صحيح". وتابعهما جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك، عن جابر، عن عمر. أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" "419", قال: نا جرير بن عبد الحميد, وخولف سعيد؛ خالفه الحسن بن هارون بن عفان ابن أخي سلمة بن عفان، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سَمُرَة، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يملين مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف". أخرجه الخطيب في "تاريخه" "2/ 155، 7/ 449" من طريق أحمد بن محمد بن بشار بن أبي العجوز -وما كتبناه إلّا عنه- قال: أنبأنا الحسن بن هارون به, وقال الخطيب: "تفرَّدَ برفعه ابن أبي العجوز، وهو محفوظ من قول عمر بن الخطاب". أ. هـ. وخلاصة البحث أن رفع هذا الحديث منكر. والله أعلم. 2 سقط من سياق "ط" وألحق بالهامش. 3 في "تفسيره" "1/ 66", ونقل المصنف عبارته بشيء من التصرف، وحديث قتادة عن ابن عباس أخرجه ابن جرير "65", وأخرجه أبو عبيد "ص204" قال: وكذلك يحدثون عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة عمن سمع ابن عباس فذكر نحوه، فهذا يؤيد كلام ابن جرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ابن عباس، لكن لم يلقه"] 1. قال أبو عبيد2: وحدَّثَنَا هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عُبَيْد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر. قال أبو عبيد: يعنى أنه كان يستشهد به على التفسير. وحدَّثَنَا3 هشيم، عن أبى بشر، عن سعيد أو مجاهد، عن ابن عباس   1 ما بين المعكوفين ساقط من "ط" وألحق بالهامش. 2 في "الفضائل" "ص205" وإسناده جيد. وأخرجه ابن أبي شيبة "8/ 517-518 و10/ 474", قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، عن مسمع بن مالك اليربوعي، سمعت عكرمة، عن ابن عباس، فذكره, ومسمع بن مالك ترجمه ابن عساكر "ج16/ ل499-500" ولم يذكر فيه شيئًا يتعلق بروايته. 3 أخرجه أبو عبيد في "فضائله" "ص205", هكذا رواه هشيم بن بشير بالشك. وأخرجه ابن جرير "30/ 76" من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكره. وسنده صحيح، ووقع عند ابن جرير: "مستوسقات لو يجدن سائقًا", وهذا عجز بيت، صدره: "إن لنا قلائصًا حقائقًا", وعزاه ابن منظور في "لسانه" "5/ 4837" للعجاج، وعزاه في "الدر المنثور" "6/ 330" لابن صرمة، ومطلعه عنده: "إن لنا قلائصًا نقانقا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 في قوله: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قال: وما جمع, وأنشد: قد اتسقن لو يجدن سائقا حدثنا1 هشيم: أنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14] قال: الأرض. قال: وقال ابن عباس: قال أمية بن أبى الصلت: عندهم لحم بحر ولحم ساهرة حدثنا يحيى2 بن سعيد، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر "عن مجاهد"3, عن ابن عباس قال: كنت لا أدرى ما فاطر السموات والأرض، حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أنا ابتدأتها. إسناد جيد أيضًا. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبرى -رحمه الله- بعد ما أورد طرفا مما تقدَّم: "وصحَّ وثبت أن الذى نزل به القرآن من ألسن العرب،   1 أخرجه أبو عبيد "ص205" وهذا الشطر مكسور، وليس بموزون, ووقع في "اللسان" "3/ 2132": قال ابن عباس وأنشد: وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به أبدًا مقيم وأخرج ابن أبي شيبة "8/ 516، 10/ 475" عن الشعبي أنه أنشد في تفسير هذه الآية أبياتًا لأمية بن أبي الصلت: وفيها لحم ساهرة وبحر. 2 أخرجه أبو عبيد أيضًا, وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "5/ 244" لعبد ابن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر، والبيهقي في "الشعب"، وإبراهيم بن مهاجر فيه ضعف من قبل حفظه. 3 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 البعض منها دون الجميع1؛ إذ كان معلوما أنَّ ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه". ثم قال: "وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك؛ من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومَثَلٍ، ونحو ذلك من الأقوال، فقد علمت قائل ذلك عن سلف الأمة وخيار الأئمة؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك، لم يدعوا أن تأويل الأخبار التى تقدم ذكرها هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن دون غيره، فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف؛ يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه، والذى قالوا من ذلك كما قالوا، وقد روينا بمثل الذى قالوا من ذلك، عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة كما تَقَدَّمَ". يعنى كما تَقَدَّمَ في رواية أُبَيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود، أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة. قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هى المعانى التى فيها من الأمر والنهى، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التى إذا عمل بها العامل، وانتهى إلى حدودها المنتهى، استوجب به الجنة. ثم بسط2 القول فى هذا بما حاصله أن الشارع رخَّصَ للأمة التلاوة على سبعة أحرف. ثم لما رأى الامام أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضى الله عنه- إختلاف الناس فى القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم، جمعهم على حرف   1 في "أ": "الجمع". 2 "1/ 57-67" فأطنب وأطاب -رحمه الله تعالى، ورضي عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 واحد، وهو هذا المصحف الإمام. قال: واستوسقت له الأمَّة على ذلك؛ بل أطاعت ورأت أن فيما فعله "من ذلك"1 الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التى عزم عليها إمامها العادل فى تركها، طاعة منها له، ونظرا منها لأنفسها ولمن بَعْدَهَا من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، "وتعفَّت"3 آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها؛ لدثورها وعُفُوّ آثارها, إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمرهم بقراءتها؟ قيل: ان أمره أياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفَرْضٍ، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم، لوجب أن يكون العمل بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من تقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة, وفى تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا فى القراءة بها مخيَّرين, إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة فى رفع حرف ونصبه وجره، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فعن معنى قول النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف" بمعزل؛ لأن المِرَاءَ فى مثل هذا ليس بكفر فى قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمراء فى الأحرف السبعة الكفر، كما تَقَدَّمَ3.   1 ساقط من "أ". 2 في "أ": "وانعفت". 3 هذا كله من كلام ابن جرير، لم ينقله المصنِّف بلفظه، بل تَصَرَّفَ فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الحديث الثاني: قال البخاري1 -رحمه الله: حدَّثَنَا سعيد بن عفير، ثنا الليث، حدثنى عقيل، عن ابن شهاب قال: "أخبرنى"2 عروة بن الزبير، أن المسْوَر بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارى حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة "رسول الله"3 -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكدت أساوره فى الصلاة، فتصبَّرت حتى سلَّم فلببتُه بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأ؟ "قال"4: اقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: كذبت، فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أقرأنيها على غير ما قرأت, فانطلقت به أقوده إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروفٍ لم تقرئنيها، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أرسله" 5 اقرأ يا هشام", فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأ، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كذلك أنزلت", ثم قال: "اقرأ يا عمر" , فقرأت القراءة التى أقرأنى، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كذلك أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه". وقد رواه الإمام6 أحمد والبخارى أيضًا ومسلم وأبو داود والنسائي   1 في "فضائل القرآن" "9/ 23- فتح". 2 في "الصحيح": "حدثني". 3 في "أ": "النبي". 4 في "جـ" و"ط": "فقال". 5 ساقط من "أ". 6 في "مسنده" "297". أخرجه البخاري في "الفضائل" "9/ 87" وفي "استتابة المرتدين" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 والترمذى من طرق عن الزهرى. ورواه الإمام1 أحمد ..........................................   = "12/ 303" معلقًا، وفي "التوحيد" "13/ 520"، ومسلم "818/ 271"، والنسائي "2/ 151-152"، وابن أبي شيبة "10/ 517-518"، والطيالسي "ص9"، والطبري "15"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 185-186"، وأبو عبيد في "الفضائل" "ص201"، وأبو القاسم الحنائي في "الفوائد" "ج1/ ق8/ 1-2" وقال: "هذا حديث صحيح"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2071". وتابع عقيل بن خالد عليه: "يونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، وفُلَيْح بن سليمان، وعبد الرحمن بن عبد العزيز". وتابعهم معمر بن راشد، فرواه عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن القاري والمسْوَر معًا، عن عمر. أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" "ج11/ رقم 20369", ومن طريقه مسلم "818/ 271"، والترمذي "2943"، وأحمد "278، 296"، والبيهقي "2/ 383". وتابعه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المِسْوَر وحده، عن عمر. أخرجه النسائي "2/ 150"، وأحمد "158". 1 في "مسنده" "277". وأخرجه البخاري في "الخصومات" "5/ 73"، ومسلم "818/ 270"، والنسائي "2/ 150"، والشافعي في "الرسالة" "752", وفي "المسند" "2/ 183-184"، وفي "السنن المأثورة" "103- رواية الطحاوي"، وأبو عبيد في "الفضائل" "200-201"، وأبو القاسم البغوي في "حديث مصعب بن الزبير" "ق270/ 2"، وابن حِبَّان "741"، والطحاوي في "المشكل" "4/ 185-186"، والآجري في "الشريعة" "ص69- = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 "أيضًا"1 عن ابن مهدى، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر، فذكر الحديث بنحوه. وقد قال الإمام2 أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حرب بن ثابت،   = 70"، وابن عبد البر في "التمهيد" "8/ 272"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 502" جميعًا من طريق مالك، وهو في "الموطأ" "1/ 201/ 5 -رواية يحيى" و"242 -رواية أبي مصعب" عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري وحده، عن عمر. وأخرجه أبو الشيخ في "الطبقات" "461", ومن طريقه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 212-213" من طريق عبد الله بن ميمون، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، وعبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعًا: "أُنْزِلَ القرآن على سبعة أحرف". وأخرجه ابن جرير "17" من طريق عبد الله بن ميمون، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر وفيه قصة. وسنده ساقط، وعبد الله بن ميمون القداح ذاهبُ الحديث. قال الحاكم: "روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة". 1 ساقط من "جـ" و"ط" و"ل". 2 في "مسنده" "4/ 30", وأخرجه الطبري في "تفسيره" "16" من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث بسنده سواء. ووقع عند ابن جرير: فوقع في صدر عمر شيء، فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك في وجهه، قال: فضرب صدره وقال: "ابعد شيطانًا". قالها ثلاثًا. ثم قال: "يا عمر! ... " فذكره, وقد خُولِفَ عبد الصمد في إسناده؛ خالفه موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حرب بن ثابت المنقري، قال: حدثني إسحاق الأنصاري، عن أبيه، عن جدِّه وكانت له صحبة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 .............................................................................................   = أخرجه البغوي في "معجمه" -كما في "الكنز" "1/ 618"- والبخاري في "التاريخ الكبير" "1/ 1/ 382" وقال: "وقال عبد الصمد: حدثنا حرب أبو ثابت، سمع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله. وقال بعضهم: لُقِّن عبد الصمد، فقالوا: ابن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يكن في كتابه "ابن عبد الله", وقال الحسن بن علي: حدثنا يزيد بن هارون، عن حرب، عن إسحاق بن جارية، قال: لقيتُهُ بواسط القصب، أو كما قال". أ. هـ. قلت: فالبخاري يشير إلى الاختلاف في نسب "إسحاق"، وكأن البخاري يرجح أنه "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة"، فإنه نقلَ توهيم عبد الصمد بعبارة قلقة، فقال: "وقال بعضهم"، وفي ترجمة "حرب بن أبي حرب أبو ثابت" "2/ 1/ 62" قال: "وقال مسلم: حَدَّثَنَا حرب بن ثابت، سمع إسحاق بن عبد الله, حدثني إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الصمد، قال: حَدَّثَنَا حرب أبو ثابت، قال: حَدَّثَنَا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. ويُقَالُ: إن هذا إسحاق ليس بـ "ابن أبي طلحة"، وَهِمَ فيه عبد الصمد من حفظه، وأصله صحيح". أ. هـ. فقد استفدنا من ترجمة البخاري هذه أن عبد الصمد تُوبِعَ على جعله "إسحاق بن عبد الله"، تابعه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وكأن البخاري يضعِّفُ دعوى توهيم عبد الصمد؛ إذ إنه نقله بلفظ "يقال" الذي يفيد التضعيف غالبًا. وقد انفصل الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر -رحمه الله- على ذلك، لكنه فَهِمَ من قول البخاري: "واصله صحيح" أنه يعني صحة الحديث، فقال في تعليقه على "تفسير الطبري" "1/ 27": "وأصله صحيح، يعني: أصل الحديث، فهو تصريح منه بصحة الحديث، وبرفض قول هذا القائل الذي شك فيه". أ. هـ. وما فهمه الشيخ أبو الأشبال بعيد، فإن معنى قول البخاري هنا: "وأصله صحيح" يعني "كتابه صحيح"، ثم إني أرجِّح الآن أن هذه الجملة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، عن أبيه عن جَدِّه، قال: قرأ رجل عند عمر، فَغَيَّرَ عليه، فقال: قرأت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يُغَيِّرْ عليَّ، قال: فاجتمعا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأ الرجل على النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له: "قد أحسنت" , قال: فكأن عمر وجد من ذلك، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عمر، إن القرآن كله صواب ما لم تجعل عذاب مغفرة، ومغفرة عذابا". وهذا إسناد حسن. وحرب بن ثابت هذا يُكَنَّى بأبي ثابت، لا نعرف أحدًا جَرَّحَه. وقد إختلف العلماء فى معنى هذه السبعة الأحرف وما أريد منها على أقوال.   = "وأصله صحيح"، ليست من قول البخاري، بل هي تتمة كلام صاحب المقالة التي مَرَّضَها البخاريُّ. فكأنه قال: إن عبد الصمد وَهِمَ في نسبه لمَّا حدَّث من حفظه؛ لأن كتابه -وهو أضبط من حفظه- ليس فيه "ابن عبد الله"، فالتعويل على كتابه الصحيح، وليس على حفظه. هذا ما ظهر لي. والله أعلم. فالصواب أنه "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة"، ولذلك أثبته الإمام أحمد في "مسند أبي طلحة الأنصاري" والحمد لله. وقال الحافظ ابن كثير عَقِبَه: "وهذا إسناد حسن، وحرب بن ثابت هذا يُكَنَّى بأبي ثابت، ولا نعرف أحد جَرَّحَه". أ. هـ. قلت: وحرب هذا ذكره ابن حبان في "الثقات"، وترجمه البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه شيئًا، فالصواب أن السند ضعيف، والله أعلم. وقال الهيثمي في "المجمع" "7/ 151": "رجاله ثقات"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 قال أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن فَرْح الأنصاريُّ القرطبيُّ المالكيُّ فى "مقدمات تفسيره": وقد اختلف العلماء فى المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولاً، ذكرها أبو حاتم محمد بن حِبَّان البُسْتِيّ، ونحن نذكر منها خمسة أقوال. "قلت": ثم سردها القرطبى وحاصلها ما أنا مورده ملخَّصًا. "فالأول": وهو قول أكثر أهل العلم، منهم: سفيان بن عُيَيْنَة وعبد الله بن وهب وأبو جعفر محمد بن جرير والطحاوى، أن المراد سبعة أوجه من المعانى المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهَلُمَّ. وقال الطحاوي: وأَبْيَنُ ما ذُكِرَ في ذلك حديث أبى بكرة1، قال: جاء جبريل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده, حتى بلغ سبعة أحرف فقال: اقرأ فكلٌّ كافٍ شافٍ، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة"، "على"2 نحو: هَلُمَّ وتعال وأقبل، واذهب وأسرع وعَجِّل. وروى ورقاء "عن"3 "ابن"4 أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أُبَيِّ بن كعب أنه كان يقرأ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا " نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ "} 3: للذين أمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخِّرونا، للذين آمنوا أرقبونا. وكان يقرأ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا   1 مَرَّ تخريجه "ص111-112"، وكلام الطحاوي هذا في "المشكل" "4/ 191-194". 2 ساقط من "أ". 3 ساقط من "جـ" و"ط" و"ل". 4 في "أ": "أبي نجيح"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فِيهِ} : مروا فيه، سعوا فيه. قال الطحاوى وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسَّر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش وقراءة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ، وقد ادَّعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة فى أوَّل الأمر، ثم نُسِخَ بزوال العذر وتَيَسُّر الحفظ وكثرة الضبط وتعلُّم الكتابة. "قلت": وقال بعضهم: إنماكان الذى جَمَعَهَم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور بإتباعهم, وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم فى القراءة المفضية إلى تَفَرُّقِ الأمة، وتكفير بعضهم بضًا، فرتَّبَ لهم المصاحف الأئمة على العَرْضَةِ الأخيرة، التى عارض بها جبريل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى آخر رمضان كان من عمره -عليه السلام، وعزم عليهم أن لا يقرءوا بغيرها، وأن لا يتعاطَوْا الرخصة التى كانت لهم "فيها"1 سعة، ولكنها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس2 [بالطلاق الثلاث المجموعة، حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم, وأمضاه عليهم. وكذلك كان ينهى] 2 عن المتعه فى أشهر الحج؛ لئلَّا تقطع زيارة البيت فى غير أشهر الحج, وقد كان أبو موسى "يفتي"3 بالتمتع، فترك فتياه اتباعًا لأمير المؤمنين، وسمعًا وطاعة للأئمة المهديين.   1 ساقط من "جـ". "2-2" سقط من سياق "ط" وقيد بالحاشية. 3 في "أ" و"ط": "يبيح التمتع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 "القول الثانى": أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرفٍ آخر. قال الخطَّابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات، كما فى قوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتِ} و {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} . قال القرطبى1: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد2: وبعض اللغات أسعد به من بعض. وقال القاضى الباقلانى: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش؛ أى: معظمه، ولم يقم دليلٌ على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، ولم يقل: قرشيا، قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولاً واحداً، يعنى: حجازها ويمنها. وكذا قال الشيخ أبو عمر بن3 عبد البر، قال: لأن لغة غير قريش موجودة فى صحيح القراءات، كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدرى معنى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1] حتى سمعت أعرابيًّا يقول -لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها. "القول الثالث": إن لغات القرآن السَّبْعَ منحصرةٌ فى مُضَرَ على اختلاف قبائلها خاصة، لقول عثمان: أن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش   1 في "تفسيره" "1/ 43-44". 2 في "فضائل القرآن" "ص203", وعبارته هناك: "وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض". 3 في "التمهيد" "8/ 280". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 هم بنو النضر بن الحارث، على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما ينطق به الحديث فى "سنن ابن ماجه" وغيره. "القول الرابع": وحكاه الباقلانى عن بعض العلماء، أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء؛ منها ما "تتغيَّر"1 حركته ولا تتغيَّر صورته ولا معناه، مثل: {وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشعراء: 13] ، "ويضيق". ومنها ما لا تتغيَّر صورته ويختلف معناه، مثل: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ -باعد2- بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] . وقد يكون الاختلاف فى الصورة والمعنى بالحرف، مثل: {نُنْشِزُهَا} وننشرها. أو بالكلمة مع بقاء المعنى، مثل: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5] , أو: "كالصوف المنفوش". أو باختلاف الكلمة واختلاف "المعنى"3، مثل: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة: 29] ، "وطلع منضود". أو بالتقدم والتأخر: مثل {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19] أو: "سكرة الحق بالموت". أو بالزيادة، مثل: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة} -أنثى. [ص: 23] ، "وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين" [الكهف: 80] ، "فإن الله بعد اكراههن لهن غفور رحيم" [النور: 33] . "القول الخامس": أن المراد بالأحرف السبعة معانى القرآن، وهى أمرٌ، ونهيٌ ووعدٌ، ووعيدٌ، وقصصٌ، ومجادلةٌ، وأمثالٌ. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالاجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل ......   1 في "أ": "لا تتغير" وهو خطأ. 2 ساقط من "جـ". 3 في "أ": "المعاني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 "حرام"1، ولا في تغيير شيء من المعانى، وقد أورد القاضى الباقلانى فى هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هى التى أجاز لهم القراءة بها. فصل: قال القرطبى: قال كثير من علمائنا "كالداودى"2 وابن أبى صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع، ليست هى الأحرف السبعة التى اتسعت الصحابة فى القراءة بها، وإنما هى راجعة إلى حرفٍ واحد من السبعة، وهو الذى جَمَع عليه عثمان المصحف، ذكره ابن النحاس وغيره. قال القرطبى: وقد سوَّغ كلُّ واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها, وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه؛ لأنه رآها أحسن "والأولى"3 عنده, قال: وقد أجمع المسلمون -فى هذه الأمصار- على الاعتماد على ما صحَّ عن هؤلاء الأئمة فيما رَوَوْه ورأوه من القراءات، وكتبوا فى ذلك مصنفات، واستمَرَّ الاجماع على الصواب، وحصل ما وعد الله من حفظه الكتاب4. قال البخاري 5 - رحمه الله:   1 في "أ" و"ط": "حلال"؛ ولا معنى لها، ثم وقفت على عبارة ابن عطية في "تفسيره" "1/ 35" فقال: "وأيضا فالاجماع أن التوسعة لم تقع فى تحريم حلال، ولا تحليل حرام". 2 في "ط": "المداوردوي"! 3 في "أ": "وأولى", وفي "تفسير القرطبي" "1/ 46": "ما هو الأحسن عنده والأولى". 4 كتب على حاشية "جـ": "آخر الجزء الأول من أجزاء المؤلف". 5 في "فضائل القرآن" "9/ 38-39- فتح" وحذف المصنِّف -كعادته- = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 .................................................................................................   = من كلام البخاري كلمة "باب", وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" "12" من طريق حجاج الأعور، عن ابن جريج بسنده سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 تأليف القرآن : حدَّثَنَا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال: "وأخبرني"1 يوسف بن ماهك قال: إنى عند عائشة أم المؤمنين -رضى الله عنها؛ اذ جاءها عراقى فقال: أيُّ الكفن خير؟ قالت: ويحك، ما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين أرينى مصحفك، فقالت: لِمَ؟ قال: لَعَلِّي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف, قالت: وما يضرُّك أية قرأت قَبْلُ؟ إنما نزل أوَّلَ ما نزل منه سورة من المفصَّلِ فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس الى الاسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول "شيء"2: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا, لقد نزل بمكة على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وإنى لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وانا عنده. قال:   1 كذا أداة التحمل مسبوقة بواو العطف، قال الحافظ في "الفتح" "9/ 39": "كذا عندهم، وما عرفت ماذا عطف عليه، ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسفي، وما وقفت عليه من طرق هذا الحديث". أ. هـ. فتعقبه البدر العيني -كعادته- في "العمدة" "20/ 22" فقال: "وقال بعضهم -وهو يعني: الحافظ: ما عرفت ... إلخ, قلت: يجوز أن يكون معطوفًا على محذوف تقديره أن يقال: قال ابن جريج: أخبرني فلان بكذا, وأخبرني يوسف بن ماهك ... إلى آخره". انتهى كلام البدر، ولا يخفى ما فيه؛ أن الحافظ قصد أنه ما وقف على روايةٍ تُعَيِّنُ له من الذي عناه ابن جريج بهذا العطف، وهذا التجويز من العيني، لا يعجز عن تقديره من هو أقل من الحافظ علمًا بمائة درجة، فكيف به؟! والله أعلم. 2 في "أ": "شيء نزل"؛ وزيادة "نزل" مقحمة لا معنى لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آى السور. والمراد من التأليف ههنا ترتيب سوره؛ وهذا العراقي سأل أولا عن أيِّ الكفن خيرٌ أو أفضل، فأخبرته عائشة -رضى الله عنها- أن هذا مما لا ينبغى أن يُعْتَنى1 بالسؤال عنه، ولا القصد له ولا الاستعداد؛ فإن في هذا تكلفًا لا طائل تحته، وكانوا فى ذلك الزمان يصفون أهل العراق بالتعنُّت فى الاسئلة، كما سأل بعضهم2 عبد الله بن عمر عن دم البعوض3 [يصيب الثوب، فقال ابن عمر: انظروا إلى أهل العراق، يسألون عن دم البعوض] 3 وقد قتلوا ابن بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! ولهذا لم تبالغ معه عائشة -رضى الله عنها- فى الكلام لئلَّا يظن أن ذلك أمرٌ مهمٌّ4، وإلا: فقد روى أحمد5 و"أهل السنن" من حديث سمرة وابن عباس، عن   1 ولهذا كانوا يصرفون السائل إلى ما ينفعه، ومثاله ما رواه الشيخان عن أنس، أن رجلًا سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: متى الساعة؟ فقال له: "وما أعددت لها"؟. فانظر -يرحمك الله- كيف صرفه عن السؤال الذي لا طائل تحته، ووجَّهَه إلى ما ينبغي له أن يعتني به. وهكذا فليكن الدعاة إلى الله تعالى مع الناس. 2 يشير إلى الحديث الذي رواه البخاري في "صحيحه" "7/ 95، 10/ 426"، وفي "الأدب المفرد" "85"، والنسائي في "الخصائص" "141"، والترمذي "3770" وغيرهم، من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن عبد الرحمن ابن أبي نعم؛ قال: كنت شاهدًا لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض؟؛ فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق! قال: انظروا إلى هذا؛ يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "هما ريحانتاي من الدنيا". "3-3" ساقط من "جـ". 4 وهذا أصل مهمٌّ جدًّا من أصول الدعوة، فتأمله. 5 أما حديث ابن عباس، فأخرجه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم؛ فإنها أطهر وأطيب". وصحَّحَه الترمذى من الوجهين. وفى "الصحيحين"1 عن عائشة أنها قالت: "كُفِّنَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة". وهذا محرر فى باب الكفن من "كتاب الجنائز".   = أحمد "1/ 231، 247، 328، 355، 363"، وأبو داود "3878"، والنسائي "8/ 149-150"، والترمذي "994"، وفي "الشمائل" "51"، وابن ماجه "1472، 3497"، وابن حبان "1439، 1440، 1441"، والحاكم "1/ 354 و4/ 185" وآخرون، من طُرُقٍ عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا، فذكره. وصحَّحَه الترمذي، والحاكم: على شرط مسلم، وابن القطان كما في "التلخيص" "2/ 69"، وجود المصنف إسناده عند الآية رقم "31" من سورة الأعراف. وأما حديث سَمُرَة بن جندب؛ فأخرجه: النسائي "4/ 34، 8، 205"، وأحمد "5/ 20-21"، وعبد الرزاق "6198"، والطبراني في "الكبير" "ج7/ رقم 6975، 6976"، والحاكم "4/ 185"، والبيهقي "3/ 403" من طريق أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن سَمُرَة مرفوعًا. وصحَّحَه الحاكم على شرط الشيخين، وقد اختُلِفَ في إسناده، وقد فصَّلْتُ ذلك في "التسلية". 1 أخرجه البخاري "3/ 135، 140"، ومسلم "941/ 45"، وأبو نعيم في "المستخرج" "ج16/ ق24/ 1"، وأبو داود "3151، 3152"، والنسائي "4/ 35، 36"، والترمذي "996"، وابن ماجه "1469"، وأحمد "6/ 118؛ 214" وآخرون، من طُرُقٍ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ثم سألها عن ترتيب القرآن، فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف, أى: مرتَّب السور، وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان -رضى الله عنه- إلى الآفاق المصاحف الائمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الالزام1 به، والله أعلم، ولهذا أخبرته أنه لا يضرك بأى سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت يها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن {اقْرَأْ} [العلق: 1] ، فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل، التى فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق، أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا، وهذا من حكمة الله ورحمته. ومعنى هذا الكلام، أن هذه السورة -أو السور- التي يها ذكر الجنة والنار، ليست البداءة بهاء فى أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزلت، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما فى المصحف، وقد نزلت عليه فى المدينة وأنا عنده. فأما ترتيب الآيات فى السور، فليس فى ذلك رخصة، بل هو أمر   1 كذا قال المصنِّف، وتعقَّبَه الحافظ في "الفتح" "9/ 39-40" قائلًا: "كذا قال! وفيه نظر؛ فإن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان إرسال عثمان المصاحف إلى الآفاق، فقد ذكر المزيّ أن روايته عن أُبَيّ بن كعب مرسلة، وأُبَيّ عاش بعد إرسال المصاحف على الصحيح، وقد صحَّحَ يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي، والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان يأخذ بقراءة ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة، لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه، فكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف مصحف عثمان، ولا شكَّ أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره، فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف". أ. هـ. ونقله العيني في "العمدة" "20/ 22" ملخصًا، ولم يَعْزُه لصاحبه! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 توقيفيّ عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما تَقَدَّمَ تقرير ذلك، ولهذا لم ترخِّص له فى ذلك، بل أخرجت له مصحفها فأملت عليه أى السور، والله أعلم. وقول عائشة: لا يضرُّك بأيِّ سورة بدأت، يدلُّ على أنه لو قدَّم بعض السور أو أخَّرَ، كما "دل"1 عليه حديث حذيفة "وابن مسعود"2 وهو في "الصحيح"3 أنه -عليه السلام قرأ فى قيام الليل: البقرة ثم النساء ثم آل عمران. وقد حكى4 القرطبى عن أبي بكر بن الأنباري فى "كتاب الرد" أنه قال: فمن أخَّرَ سورة مقدمة، أو قدَّم أخرى مؤخرة، كمن أفسد نظم الآيات، وغير الحروف والآيات، وكان مستنده اتباع مصحف عثمان -رضى الله عنه، فإنه مرتَّبٌ على هذا النحو المشهور. والظاهر أن ترتيب السور "فيه"5: منه ما هو راجع إلى رأى عثمان -رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤالك ابن عباس له عن تَرْكِ البسملة فى أول براءة، وذكره الأنفال من الطُّوُل، والحديث فى الترمذى وغيره بإسناد جيد6 قوى. وقد ذكرنا عن عليٍّ أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله،   1 في "أ": "يدل". 2 ساقط من "أ". 3 يعني: "صحيح مسلم". وهو يقصد حديث حذيفة الذي مضى تخريجه. والحمد لله. 4 انظره في "تفسير القرطبي" "1/ 60-61" ولم ينقله المصنف -رحمه الله- بنصِّه، بل تصرَّفَ فيه. 5 ساقط من "أ". 6 كذا قال! وقد ذكرنا قبل ذلك أنه منكر، فراجعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ولهذا حكى القاضى الباقلانى أن أوَّل مصحفه كان: "اقرأ باسم ربك الأكرم"، وأول مصحف ابن مسعود: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ثم البقرة ثم النساء1 [على ترتيب مختلف، وأول مصحف أُبَيّ: "الحمد لله" ثم النساء] 1 ثم آل عمران, ثم الأنعام, ثم المائدة، ثم كذا، على اختلاف شديد. ثم قال القاضى2: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم، من اجتهاد الصحابة -رضى الله عنهم, وكذا ذكر مكى فى تفسير سورة براءة، قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة فى الأوائل فهو من النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال ابن "2" وهب في "جامعه"3: سمعت سليمان بن بلال يقول: سُئِلَ ربيعة: لم قدَّمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة؟ فقال: قُدِّمَتا وأُلِّفَ القرآن على علمٍ مِمَّنْ أَلَّفَه، وقد أجمعوا على العلم بذلك، فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه. قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول: إنما أُلِّفَ القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو الحسن2 بن بطال: "إنما يجب"4 تأليف سورة فى الرسم والخط خاصَّة، ولا نعلم أن أحدًا قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة والقرآن ودرسه، وأنه لا يحلُّ لأحدٍ أن يتلقَّن الكهف قبل البقرة، ولا الحج بعد الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: لا يضرُّك أية قرأت قبل، وقد   "1-1" ساقط من "جـ". 2 انظر هذه النقول في "تفسير القرطبي" "1/ 60-61" ولم ينقلها المصنف -رحمه الله- بنصها، بل تصرَّف فيها. 3 في "أ": "طائفة". 4 في ط"أ": "إنا نجد"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ فى الصلاة السورة فى ركعة، ثم يقرأ فى الركعة الأخرى بغير السورة التى تليها. قال: وأما ما رُوِيَ عن ابن مسعود1 وابن عمر، أنهما كرها أن يقرأ القرآن "منكوسا"2، وقالا: إنما ذلك منكوس القلب, فإنما عَنِيَا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محظور"3. "ثم قال البخاري": حدَّثَنَا آدم عن شعبة, عن أبى اسحاق، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول، فى بنى إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: انهن من العتاق الأُوَل، وهن من تلادى. انفرد بإخراجه البخاري4.   1 أخرجه عبد الرزاق "ج4/ رقم 7947", وابن أبي شيبة ط10/ 564", وأبو عبيد "ص56" من طريق الثوري وأبي معاوية معًا عن الأعمش، عن شقيق أبي وائل، عن ابن مسعود قال: يا أيها الناس تعلموا القرآن، فإن أحدكم لا يدري متى يخيّل إليه, قال: فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، أرأيت رجلًا يقرأ القرآن منكوسًا؟ قال: ذلك منكوس القلب, قال: وأُتِيَ بمصحفٍ قد زُيِّنَ وذُهِّبَ, فقال عبد الله: إن أحسن ما زُيِّنَ به المصحف تلاوته بالحق. وهذا لفظ عبد الرزاق, ولفظ ابن أبي شيبة مختصر على محل الشاهد, وسنده صحيح. 2 في "جـ" و"ل": "مقلوبًا". 3 إلى هنا انتهى كلام ابن بطال. 4 في "فضائل القرآن" "9/ 39- فتح"، وأخرجه أيضًا في "8/ 388، 435". وأخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" "210" قال: أخبرنا عمرو بن مرزوق، أنبأ شعبة به. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور فى مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: من العتاق الأُوَل، أى: من قديم ما نزل. وقوله: وهُنَّ من تلادى، أى: من قديم ما قَنَيْتُ وحَفِظْتُ, والتالِدُ فى لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارِفُ: حديثه وجديده، والله أعلم. حدَّثَنَا أبو1 الوليد، ثنا شعبة، أنا أبو اسحق، سمع البراء بن عازب   = وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "4/ 136" لابن مردويه، وعزاه الحافظ في "الفتح" "8/ 435" للإسماعيلي، فرواه عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، فذكره. وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص133" وقال: "كان شعبة يخالفه في الإسناد", ولا شكَّ أن رواية شعبة أقوى، وهي المحفوظة، والمسعودي كان اختلط. وقال أبو عبيد: "قوله: "من تلادي" يعني: من قديم ما أخذت من القرآن، وذلك أن هذه السورة نزلت بمكة". أ. هـ. 1 أخرجه البخاري في "الفضائل" "9/ 39". وأخرجه البخاري أيضًا "5/ 93 و6/ 622 و7/ 240، 255 و10/ 70- فتح"، ومسلم في "الأشربة" "2009/ 90-91", وفي "الزهد" "2009/ 75"، والنسائي في "التفسير" "686", وأحمد "1/ 2-3 و4/ 284، 291"، وابن أبي شيبة "14/ 327، 330"، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة" "1/ 239-241"، وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر" "62، 63، 64، 65"، وابن حبان "6281، 6870"، والبيهقي في "الدلائل" "2/ 484" من طرقٍ عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء مطولًا ومختصرًا. وقول المصنِّف -رحمه الله: "متفق عليه"؛ يعني: على أصل الحديث، وإلّا فلم يروِ مسلم قول البراء الذي أخرجه البخاري. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 -رضي الله عنه- يقول: تعلمت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قبل أن يقدم النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا مُتَّفَقٌ عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة, والمراد منه أن: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم. "ثم قال"1: حدَّثَنَا عبدان, عن أبى حمزة, عن الأعمش, عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد "علمت"2 النظائر التى كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤهن اثنين اثنين فى كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه، فقال: عشرون سورة من أول المفصَّل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان, وعم يتساءلون. هذا التأليف الذى عن ابن مسعود غريبٌ، مخالف لتأليف عثمان -رضى الله عنه؛ فان المفصل فى مصحف عثمان -رضى الله عنه- من سورة الحجرات إلى آخره، وسورة الدخان لا تدخل فيه بوجه، والدليل على ذلك: ما رواه الإمام3 أحمد: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله   1 يعني البخاري في "الفضائل" "9/ 39- فتح". وأخرجه مسلم "722/ 275-278"، وأبو داود "1396"، والنسائي "2/ 174-176"، والترمذي "602"، وأحمد "1/ 380، 417، 427، 436، 455"، والفريابي "126"، والبيهقي في "الشعب" "1990/ 1991" وغيرهم، وقد سقت طرقه وألفاظه في "التسلية". 2 كذا في "الأصول" كلها، والذي في "البخاري": "تعلَّمت"، ولم يشرْ الحافظ إلى وقوع هذا اللفظ في إحدى روايات "الصحيحة"؛ فالله أعلم. 3 في "مسنده" "4/ 9، 343" ومن طريقه المزيّ في "التهذيب" "19/ 411". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ابن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفى، عن جدِّه أوس بن حذيفة قال: كنت فى الوفد الذين اتوا "النبى"1 -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فذكر حديثا فيه أن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان سمر معهم بعد العشاء، فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء، قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: " طَرَأَ عليَّ حزبٌ من القرآن، فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه". قال: فسألنا أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أصبحنا، قال: قلنا كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصَّل من ق حتى يختم. ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفى به. وهذا إسناد حسن.   = وأخرجه أبو داود "1393"، وابن ماجه "1345"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "1/ 2/ 16"، وابن أبي شيبة "2/ 501-502"، والطيالسي "1108"، وابن سعد في "الطبقات" "5/ 510"، وأبو عبيد في "الفضائل" "ص92-93" في آخرين من طريق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى، عن عثمان بن عبد الله بن أوس، عن جده أوس بن حذيفة، فذكره. وإسناده محتمل للتحسين، لولا الاختلاف الذين وقع في إسناده وحسَّنَه العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" "1/ 276", والذي يترجَّح لدى ضعف إسناده. والله أعلم. 1 في "جـ": "رسول الله"؛ وكتب فوقها بخط دقيق: "النبي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فصل: فأما نقط المصحف وشكله، فيقال: أن أوَّل من أمر به: عبد الملك بن مروان، فتصدَّى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر، ففعلا ذلك، ويُقَالُ: أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحفٌ قد نقطه له يحيى بن يعمر، والله أعلم. وأما كتابة الأعشار على الحواشى، فينسب إلى الحجاج أيضًا. وقيل: بل أوَّل من فعله المأمون. وحكى أبو عمرو الدانى عن ابن مسعود، أنه كره التعشير فى المصحف، وكان يحكه، وكره مجاهد ذلك أيضًا. وقال مالك: لا بأس به بالحِبْر، فأما بالألوان المصبغة فلا، واكره تعداد آى السور فى أولها فى المصاحف الأمهات، فأمَّا ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسًا. وقال قتادة: بدأوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا. وقال يحيى بن "أبي"1 كثير: أوَّل ما أحدثوا النقط, وقال: هو نورٌ له، ثم أحدثوا النقط عند آخر الاى، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم. ورأى إبراهيم النَّخْعِيُّ فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها، وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه. قال أبو عمرو الدَّاني: ثم قد أَطْبَقَ المسلمون فى ذلك -فى سائر   1 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الآفاق- على جواز ذلك فى الأمهات وغيرها. ثم قال البخارى1 -رحمه الله: كان جبريل يعرض القرآن على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مسروق عن فاطمه عن عائشة: أسرَّ إليَّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أن جبريل كان يعارضنى بالقرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتني، ولا أراه إلا حضر أجلى". هكذا2 ذكره معلقًا، وقد أسنده3 في "موضع"4 أخر. ثم قال5: ثنا يحيى بن قزعة، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في "شهر"6 رمضان؛ لأن جبريل كان   1 أسقط المصنِّف من كلام البخاري كلمة: "باب"، وقد نبهنا عليه قبل ذلك. 2 في "فضائل القرآن" "9/ 43- فتح". 3 في "كتاب الاستئذان" "11/ 79-80". وأخرجه مسلم "16/ 5 - نووي"، والنسائي في "الخصائص" "129 - بتحقيقي"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 48"، والقطيعي في "زوائد الفضائل" "1343"، والطبراني في "الكبير" "22/ 419"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 39"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 164-165"، والبغوي في "شرح السنة" "14/ 160" من طرق عن أبي عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة مطولًا, وله طريق آخر عن فراس عند مسلم, وابن ماجه "1621". 4 في "أ": "موضع". 5 يعني: البخاري في "الفضائل" "9/ 43". 6 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة. وهذا الحديث متفق1 عليه. وقد تقدَّمَ الكلام عليه فى أول الصحيح وما فيه من الحكم والفوائد، والله أعلم. ثم قال2: ثنا خالد بن يزيد، ثنا أبو بكر، عن أبى حصين، عن أبى صالح، عن أبى هريرة قال: كان يعرض على النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن كل عام مره، فعرض عليه مرتين فى العام الذى قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرًا؛ فاعتكف عشرين في العالم الذي قبض. ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن أبى بكر -وهو ابن عياش, عن أبى حصين، واسمه عثمان بن عاصم به. والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة: مقابلته على ما أوحاه إليه   1 أخرجه البخاري "1/ 30 و4/ 116 و6/ 305، 565"، وفي "الأدب المفرد" "292"، ومسلم "2308/ 50"، والنسائي "4/ 125"، والترمذي في "الشمائل" "346"، وأحمد "1/ 288، 326، 363، 366-367، 373" وآخرون من طرق عن الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، فذكره. 2 يعني: البخاري في "الفضائل" "9/ 43". وأخرجه النسائي "17"، وابن ماجه "1769"، وأحمد "2/ 399" من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبى حصين، عن أبى صالح، عن أبي هريرة، فذكره. وأخرجه البخاري أيضًا في "كتاب الاعتكاف" "4/ 284-285"، وأبو داود "2466"، والدارمي "1/ 358" مختصرًا بذكر "الاعتكاف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 عن الله تعالى؛ ليبقى ما بقى، ويذهب ما نسخ توكيدًا واستثباتًا وحفظًا. ولهذا عرضه فى السنة الأخيرة من عمره -عليه السلام- "اقتراب أجله"1 على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك، ولهذا فهم -عليه السلام- اقتراب أجله. وعثمان -رضي الله عنه- جَمَعَ المصحف الإمام على العرضة الأخيرة -رضي الله عنه وأرضاه، وخصَّ بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه, ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثَمَّ كثر اجتهاد الأئمة فى تلاوة القرآن، كما تقدَّم ذكرنا لذلك.   1 ساقط من "أ" و"ط" و"ل" وهي ريادة قلقة، وإن كان لها وجه في الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 القراء من أصحاب النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حدثنا1 حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق، ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأُبَيّ بن كعب" رضى الله عنهم. وقد أخرجه البخارى2 فى المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي من حديث الأعمش عن أبى وائل عن مسروق به. فهؤلاء أربعة: اثنان من المهاجرين الأولين: عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة، وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين، وكان يَؤُمُّ الناس قبل مقدِم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "في"3 المدينة، واثنان من الأنصار: معاذ بن   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 46". 2 أخرجه البخاري "7/ 102"، ومسلم "2464/ 116-117"، والنسائي في "الكبرى" "5/ 67"، والترمذي "3810"، وأحمد في "المسند" "2/ 163، 175، 189، 190، 191"، وفي "الفضائل" "1549"، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص225", والطيالسي "2247"، وابن أبي شيبة "20/ 518"، وابن سعد "2/ 352"، وابن حبان "7122"، والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8410، 8411، 8412"، وأبو محمد الترفقي في "جزئه" "ق120/ 2" من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، فذكره. وله طريق آخر عن مسروق عن الشيخين وأحمد "2/ 195" وغيرهم. 2 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 جبل وأُبَيّ بن كعب، وهما سيدان كبيران -رضى الله عنهم أجمعين. ثم قال1: حدَّثَنا عمر بن حفص، ثنا أبى، ثنا الأعمش، ثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من فِي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنى من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست فى الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادًّا يقول غير ذلك. حَدَّثَنَا2 محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أُنْزِلت، فقال: قرأت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "أحسنت". ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذِّب بكتاب الله وتشرب الخمر؟ "فجلده"3 الحدَّ.   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 46-47". وأخرجه مسلم "2462/ 114"، والنسائي "8/ 134", وفي "الفضائل" "22"، وأحمد "1/ 411"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص15" من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. وتقدَّمَت طرق أخرى لهذا الحديث. 2 البخاري في "الفضائل" "9/ 47". وأخرجه مسلم، والنسائي في "فضائل القرآن" "105"، وأحمد "3591، 4033"، والإسماعيلي وأبو عوانة، وأبو نعيم جميعًا في "المستخرج" -كما في "الفتح" "9/ 49"- من طرق عن الأعمش, عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود به. 3 كذا في "الأصول" كلها، وفي "الصحيح": "فضربه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 حدَّثَنَا1 عمر بن حفص، ثنا أبى، ثنا الأعمش، ثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والذى لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله، إلا وأنا أعلم أين انزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله، إلا وأنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه الإبل، لركبت إليه. وهذا كله حقٌّ وصدقٌ، وهو من إخْبَارِ الرجل "بما"2 يعلم من نفسه، مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة, كما قال تعالى إخبارا عن يوسف لما قال لصاحب مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] , ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "استقرئوا القرآن من أربعة" فبدأ به. وقال أبو عبيد3: حدثنا مصعب بن المقدام، عن سفيان، عن الأعمش، عن ابراهيم، عن عمرو، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحبَّ أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنْزِلَ، فليقرأه على قراءة ابن أم عَبْدٍ". وهكذا رواه الإمام4 أحمد، عن أبى معاوية، عن الأعمش به مطولًا،   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 47", وقد تَقَدَّمَ تخريجه. 2 في "أ": "مما". 3 في "فضائل القرآن" "ص225"، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8421". وأخرجه النسائي في "الكبرى" "8256"، والبرجلاني في "الكرم والجود" "78"، والحاكم في "المستدرك" "2/ 227 و3/ 318"، والخطيب "4/ 326", وفي "التخليص" "388/ 1"، من طرق عن مصعب بن المقدام بسنده سواء، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. 4 في "مسنده" "1/ 25-26" قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وفيه قصة. وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبى معاوية به. وصحَّحَه الدارقطنى، وقد ذكرته فى "مسند1 عمر". وفى مسند الإمام2 أحمد أيضاً, عن أبى هريرة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   = عن إبراهيم، عن علقمة، قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفة, قال أبو معاوية: وحدَّثَنا الأعمش، عن خيثمة، عن قيس بن مروان أنه أتى عمر فقال ... وساق حديثًا طويلًا ذكرته في "التسلية". وأخرجه النسائي في "الكبرى" "8257"، وأبو يعلى "194"، والطحاوي في "المشكل" "5594"، والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8422"، والضياء في "المختارة" "265، 266، 628" من طريق عن الأعمش بالوجهين معًا. وإسنادهما صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" "8256"، والترمذي "169", وابن أبي شيبة "2/ 280 و10/ 520" وأبو عبيد في "الفضائل" "ص224-225"، وابن خزيمة "1156، 1341"، وابن حبان "2034"، وأبو يعلى "195", والبرجلاني في "الكرم والجود" "78" في آخرين من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، فذكره. ووَهِمَ ابن التركماني في "الجوهر النقي" "1/ 452"؛ إذ ظنَّ أن علقمة الذي روى هذا الحديث عن عمر هو: "علقمة بن وقاص الليثي" راوي حديث: "إنما الأعمال بالنيات " , والصحيح أنه "علقمة بن قيس". والله أعلم. 1 "1/ 171-173", وقال بعد ذكر بعض طرقه: "وهذا الحديث لا يشك أنه محفوظ، وهذا الاضطراب لا يضُرُّ صحته، والله أعلم". أ. هـ. 2 "المسند" "2/ 446" قال: حدثنا وكيع، عن جرير بن أيوب، عن أبي زرعة, عن أبي هريرة مرفوعًا، فذكره. ووقع في "المطبوع": "غريضًا" ثم أعقبه المحقق بقوله: "كذا قال" وصواب اللفظ: "غضًّا". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 قال: "من أَحَبَّ أن يقرأ القرآن غضا كما أُنْزِلَ، فليقرأ على قراءة ابن أم عَبْدٍ". وابن أم عبد، هو عبد الله بن مسعود، كان يُعْرَفُ بذلك. ثم قال البخاري1: حدَّثَنا حفص بن عمر، ثنا همام، ثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك، من جمع القرآن على عهد النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت, وأبو زيد, وقال: ونحن ورثناه. ورواه مسلم من حديث "همام"2، "ثنا قتادة، قال: ......   = وأخرجه أحمد أيضًا في "فضائل الصحابة" "1537"، وأبو يعلى "ج10/ رقم 6106"، والعقيلي في "الضعفاء" "1/ 197-198"، والبزار "ج3/ رقم 2682" من طرق عن جرير بن أيوب بسنده سواء. وقال البزار: "جرير ليس بالحافظ". أ. هـ. وتركه النسائي، وضعَّفَه ابن السكن والساجي, وقال: "جدًّا"، وقال أبو حاتم والبخاري وغيرهما: "منكر الحديث", بل اتهمه الفضل بن دكين بوضع الحديث. فالسند ضعيف جدًّا. والله أعلم. 1 في "فضائل القرآن" "9/ 47- فتح". وأخرجه مسلم "2465/ 120", وأبو يعلى "ج5/ رقم 2878" من طريقين آخرين عن همام بن يحيى بسنده سواء. وأخرجه البخاري "7/ 127", ومسلم "2465/ 119", والترمذي "3794", وأحمد "3/ 277", والطيالسي "2018", وابن حبان "7130"، وأبو يعلى "ج5/ رقم 3198، ج6/ رقم 3255"، والبيهقي "6/ 211" من طرق عن شعبة، عن قتادة بسنده سواء. وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص226" من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بسنده مثله. 2 في "جـ": "هشام" وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 سألت .... "1. ثم قال البخارى2: تابعه الفضل، عن حسين بن واقد، عن ثمامة، عن أنس بن مالك. حدَّثََنَا3 معلى بن أسد، ثنا عبد الله بن المثنى، ثنا ثابت وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه. فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا يشك فيه: أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضاً، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار، ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار وهم: أُبَيّ بن كعب فى الرواية الأولى المتفق عليها، وفى الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، وكلهم مشهورون، إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا فى هذا الحديث، وقد اختُلِفَ فى اسمه. فقال الواقدي: وأسمه قيس بن السَّكَن بن قيس بن ذعورا بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.   1 ساقط من "أ" و"ط". 2 وهذه المتابعة أخرجها إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن الفضل، وهو ابن موسى السيناني. أفاده الحافظ في "الفتح" "9/ 52" ثم رواه موصولًا في "التغليق" "4/ 383" من طريق علي بن الحسن بن شقيق، ثنا الحسين بن واقد، فذكره. 3 أخرجه البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 47" وانفرد به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية، من الأوس. وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البَرِّ. وهذا بعيدٌ، وقول الواقدي أصبح؛ لأنه خزرجى، لأن أنسا قال: نحن ورثناه، وهم من الخزرج. وفي بعض الألفاظ: وكان أَحَدَ عُمُومَتِي. وقال قتادة1 عن أنس قال: افتخر الحيَّانِ الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غِسِّيلُ الملائكة حنظلة بن أبى عامر، ومنَّا الذى حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنَّا الذى اهتزَّ لموته العرش سعد بن معاذ، ومنَّا مَن اجيزت شهادته بشهادة رجلين خُزَيْمَة بن ثابت. فقالت الخزرج: منَّا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد, فهذا كله يدُلُّ على صحة قول الواقدي. وقد شهد أبو زيد هذا بدرا فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قُتِلَ أبو زيد قَيْسُ بن السَّكَنِ يوم   1 أخرجه أبو يعلى "ج5/ رقم 2953"، والبزار "ج3/ رقم 2802"، والطبراني في "الكبير" "ج4/ رقم 3488", وأبو نُعَيْم في "المعرفة" "ج1/ ق186/ 1" من طُرُقٍ عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، فذكره. قال الهيثمي "10/ 41": "رجاله رجال الصحيح", وحسَّنَ إسناده البوصيري في "الإتحاف"، وهو كما قال. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 جسر أبى عبيد، على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة. والدليل على أن من المهاجرين مَنْ جمع القرآن، أن الصِّدِّيقَ -رضي الله عنه- قَدَّمَه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه قال: "يَؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله" 1، فلولا أنه كان اقرأهم لكتاب الله لما قدَّمَه عليهم. هذا مضمون ما قرَّرَه الشيخ أبو الحسن عليُّ بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ بن السمعانيّ في ذلك جزءًا. وقد بسطت تقرير ذلك في "كتاب"2 "مسند الشيخين" رضى الله عنهما. ومنهم3 عثمان بن عفان، قد قرأه فى ركعة كما سنذكره. وعلى بن أبى4 طالب، يقال: أنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قَدَّمْنَا هذا.   1 أخرجه مسلم "5/ 172-173 نووي"، وأبو عوانة "2/ 35-36"، وأبو داود "582"، والنسائي "2/ 76", والترمذي "1/ 458-459"، وابن ماجه "980"، وأحمد "4/ 118, 121، 272" وابن خزيمة "3/ 10"، وابن حِبَّان "3/ 446-447"، وابن الجارود "308", وآخرون من طُرُقٍ عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود البدريّ، فذكره بتمامه. 2 ساقط من "أ". 3 ويأتي تخريجه. 4 ولم يصح عنه كما تَقَدَّمَ ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ومنهم1 عبد الله بن مسعود، وقد تَقَدَّمَ عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم أُنْزِلَتْ، ولو علمتُ أحدًا أعلم منى بكتاب الله تبلغه المَطِيُّ، لذهبت إليه. ومنهم1 سالم مولى أبى حذيفة، كان من السادات النجباء، والأئمة النقباء، وقد قُتِلَ يوم اليمامة شهيدًا. ومنهم1 الحبر البحر: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم الرسول وترجمان القرآن، قد تَقَدَّمَ عن مجاهد أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس مرتين، أَقِفْهُ عند كلِّ آية وأساله عنها. ومنهم عبد الله2 بن عمرو، كما رواه النسائى وابن ماجة، من حديث ابن جريج، عن عبد الله بن أبى مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "اقرأه فى شهر" وذكر تمام الحديث. ثم قال البخارى3: حدَّثَنا صدقة بن الفضل، أنا يحيى، عن سفيان،   1 وهو صحيح عنهم كما تَقَدَّمَ. 2 أخرجه النسائي في "فضائل القرآن" "89"، وابن ماجه "1346"، وأحمد والفريابي في "فضائل القرآن" "127"، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 285" من طريق ابن جريج، سمعت ابن أبى مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن ابن عمرو، فذكره. وهذا سند متصل، رجاله ثقات إلّا يحيى بن حكيم بن صفوان فلم يروه إلّا ابن حِبَّان، ولم يرو عنه إلا ابن أبي مليكة، ولكنه متابع. 3 في "فضائل القرآن" "9/ 47". وأخرجه البخاري في "التفسير" "8/ 167"، والنسائي في "الكبرى" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 عن حبيب بن أبى ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: عليٌّ أقضانا، وأُبَيٌّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحن أُبَيّ, وأُبَيٌّ يقول: أخذته من فِي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا أتركه لشىء، قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] . وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشىء يظنُّه صوابا، وهو خطأٌ فى نفس الأمر، ولهذا قال الامام مالك: ما من أحد إلّا يوخذ من   = كما في "أطراف المزي" "1/ 36", وأحمد "5/ 113"، وابن سعد في "الطبقات" "2/ 339"، وعمر بن شبة في "أخبار المدينة" "2/ 272"، والحاكم "3/ 305"، وابن بشران في "الأمالي" "ج8/ ق101/ 1"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 155"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "1/ 65"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "ج2/ ق590، ج12/ ق330"، من طريق سفيان الثوري، عن حبيب بن أبى ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر، فذكره. وتابعه الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت به. أخرجه أحمد "5/ 113"، وابن سعد "2/ 339"، وابن أبي شيبة "10/ 518-519". وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "1/ 104" لابن الأنباري في "المصاحف", وأخرجه ابن سعد "3/ 339"، ووكيع في "أخبار القضاة" "1/ 88"، وابن الجراح في "الأمالي" "14 بتحقيقي"، وعنه ابن عساكر "12/ 330", والذهبي في "السير" "15/ 67"، وفي "التذكرة" "3/ 820" من طريق شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، عن عمر قال: "عليٌّ أقضانا، وأُبَيٌّ أقرؤنا". وله طرق أخرى. أما المرفوع فليس له إسناد صحيح أو حسن، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله وغيره، وهو في عداد الواهي، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 قوله ويُرَدُّ، إلا قول صاحب هذا القبر, أى: فكله مقبول -صلوات الله وسلامه عليه. ثم ذكر البخارى فضل فاتحة الكتاب وغيرها، وذكرنا في "التفسير" فضل كل سورة عندها؛ ليكون ذلك أنسب. ثم قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 نزول السكينة والملائكة عند القراءة : وقال الليث: حدَّثَنِي يزيد بن الهاد، عن محمد بن ابراهيم، عن أسيد بن الحضير قال: بينا هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، اذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن يصيبه، فلما "أخرَّه"1 رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حَدَّثَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير" , قال: فأشفقت أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسى وانصرفت إليه، فرفعت رأسي الى السماء، فإذا مثل الظُّلَّةِ فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: "وتدرى ما ذاك"؟. قال: لا، قال: "تلك الملائكة دَنَتْ لصوتك، لو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم". قال ابن الهاد: وحدثنى هذا الحديث عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد الخدرى، عن أسيد بن الحضير. هكذا أورد2 البخارى هذا الحديث معلقًا، وفيه انقطاع فى الرواية   1 كذا وقع في "أ"، وكتب بخط دقيق جدًّا في "جـ", ونَصَّ الحافظ في "الفتح" "9/ 64" على أن هذا اللفظ وقع في رواية القابسي, ووقع في "الصحيح": "اجتره"؛ يعني: جرَّه عن المكان الذي هو فيه، خشية أن تطأه الفرس, ووقع في "جـ" و"طـ": "أخذه" ولم ينبه عليها الحافظ في "الفتح"، فالله أعلم. 2 في "فضائل القرآن" "9/ 63". وقد صرَّحَ الإسماعيلي في "المستخرج"، والضياء في "المختارة"، والحافظ في "الفتح" أن الإسناد منقطع بين محمد بن إبراهيم التيمي وأسيد بن حضيبر، وعندي أن البخاري خَرَّجَ هذا الإسناد عرضًا لأجل الإسناد الموصول الذي ذكره في آخر الحديث، لذا فالتعويل على الإسناد الموصول، كما قال الحافظ وغيره, وقد أخرجه الطبراني في "الكبير" "562" من طريق محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن محمود بن لبيد، أن أسيد بن حضير، فساقه. فهذا يؤيد الانقطاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الأولى، فإن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى المدنى تابعيٌّ صغير، لم يدرك أسيدا؛ لانه مات سنة عشرين، وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنهما، ثم فيه غَرَابَةٌ من حيث انه قال: وقال الليث: حدثنى يزيد بن الهاد، ولم أره بسند متصل عن الليث "كذلك"1 إلا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في "الأطراف" أن يحيى بن عبد الله بن بكير، رواه عن الليث كذلك. وقد رواه الإمام2 أبو عبيد فى "فضائل القرآن" فقال: وحدَّثَنَا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى، عن أسيد بن حضير، فذكر الحديث إلى آخره. ثم قال: قال ابن الهاد: وحدثني عبد الله بن خَبَّاب، عن أبى سعيد، عن أسيد بن حضير بهذا. وقد رواه ....................................................   1 في "أ": "بذلك". 2 "ص26". وأخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 84"، وأبو نُعَيْم في "المعرفة" "876"، وفي "الدلائل" "502"، والحافظ في "التغليق" "4/ 387" من طريق يحيى بن بكير، حدَّثَنا الليث بن سعد بسنده سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 النسائى1 فى "فضائل القرآن" عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شُعَيْب بن الليث، وعن عليٍّ بن محمد بن على، عن داود بن منصور، كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد الله -وهو ابن الهاد, عن عبد الله بن خَبَّاب، عن أبى سعيد، عن أُسَيْد به. ورواه يحيى بن بكير، عن الليث كذلك أيضًا، فجمع بين الإسنادين. ورواه فى "المناقب"2 عن أحمد بن سعيد الرباطى، عن يعقوب بن ابراهيم، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبى سعيد، أن أُسَيْد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ فى مربده ... الحديث. ولم يقل عن أُسَيْد، ولكن ظاهره أنه عنه، والله أعلم.   1 في "فضائل القرآن" "41، 99", وعنه الضياء في "المختارة" "1464" من طريق سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن الهاد بسنده سواء. وتابعه الدراوردي ويحيى بن أيوب، كلاهما عن يزيد بن الهاد مثله. أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "1928، 1929"، والطبراني في "الكبير" "561". 2 في "فضائل الصحابة" "رقم 140". وأخرجه مسلم "786/ 242"، وأحمد "3/ 81" من طريق يعقوب بن ابراهيم، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد أن أُسَيْدًا ... وساق الحديث. قلت: هكذا رواه إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد، فجعله من مسند "أبي سعيد" وكأن الوجهين محفوظان، قال الضياء في "المختارة" "4/ 268": "إنه بمسند "أُسَيْد" أشبه، وذلك أن في الحديث: قال: فَغَدَوْت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله! بينما أنا البارحة ... وساق الحديث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وقال أبو عبيد1: حدَّثَنِي عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالك، عن أُسَيْد بن حُضَيْر، أنه كان يقرأ على ظهر بيته، يقرأ القرآن وهو حَسَنُ الصَّوْتِ, ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه. وحدَّثَنَا قُبَيْصَةَ2، عن حَمَّاد بن سلمة، عن ثابت البنانى، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن أُسَيْد بن حُضَيْر قال: قلت: يا رسول الله، بينا أنا اقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها، سمعت وَجْبَةً من خلفى حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ أبا عتيك" مرتين. قال: فالتفتُّ فرأيت إلى أمثال المصابيح ما بين السماء   1 في "فضائل القرآن" "ص27". وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ 1/ 313", قال: وقال ابن يوسف، ثنا الليث، حدَّثَنِي ابن شهاب، عن ابن كعب -هو ابن مالك- أن أُسَيْدًا ... فذكره. ابن يوسف هو عبد الله بن يوسف التنيسي. وقد رواه ابن عُيَيْنَةَ عن الزَّهريّ، عن ابن كعب بن مالك، أن أُسَيْدًا، فذكره أخرجه الحاكم "1/ 553-554" من طريق الحميدي، حدَّثَنا ابن عيينة, وهذه الرواية أرجح مما رواه عبد الله بن صالح عن الليث، حيث جعله من "مسند أُسَيْد"، وقد اختلف على الزهري في إسناده. 2 أخرجه أبو عُبَيْد في "الفضائل" "ص27". وأخرجه ابن حِبَّان "1716"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "1930"، والدولابي في "الكنى" "1/ 83"، والطبراني في "الكبير" "566"، والحاكم "1/ 554"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1824" من طرق عن حَمَّاد بن سلمة بسنده سواء. ورواه عن حَمَّاد: "عفان بن مسلم، والتبوذكي، وهدبة بن خالد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 والأرض، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إقرأ أبا عتيك " , فقال: والله ما استطعت أن أمضى، فقال: "تلك الملائكة تَنَزَّلت لقراءة القرآن، أما أنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب". وقال أبو داود1 الطيالسي: حدَّثَنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة، إذ رأى دابته تركض -أو قال: فرسه يركض, فنظر فإذا مثل الصبابة أو مثل الغمامة، فذكر ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "تلك السكينة تَنَزَّلَت للقرآن"، أو: "تنزلت على القرآن". وقد أخرجه صاحبا "الصحيح" من حديث شعبة. والظاهر أن هذا هو أُسَيْد بن الحضير -رضي اله عنه. فهذا مما يتعلق بصناعة الإسناد، وهذا من أغرب تعليقات البخاري   1 في "مسنده" "714". وأخرجه مسلم "795/ 241"، والترمذي "2885"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 83"، وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 342" من طريق الطيالسي بسنده سواء. وأخرجه البخاري "6/ 622"، ومسلم "795/ 241"، وابن قانع في "معجم الصحابة" "ج1/ ق7/ 1" من طريق غُنْدُر وابن مهدي وعفان بن مسلم جميعًا عن شعبة بإسناده سواء. وأخرجه البخاري "8/ 586، 9/ 57"، ومسلم "795/ 240"، وأحمد "4/ 298", وابن نصر في "قيام الليل" "ص140"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 82"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 470" من طريق زُهَيْر بن معاوية وإسرائيل بن يونس معًا, عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء. وللحديث طرق أخرى عن أُسَيْد بن حضير، ذكرتها في "التسلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 رحمه الله، ثم سياقه ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند القراءة. وقد اتفق نحو هذا الذى وقع لِأُسَيْد بن الحضير لثابت بن قيس بن شِمَاس. كما قال أبو عبيد1: حدَّثنا عباد بن عبَّاد، عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، أن أشياخ أهل المدينة حدَّثوه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شِمَاس؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح, قال: "فلعله قرأ سورة البقرة" , قال: فسُئِلَ ثابت فقال: قرأت سورة البقرة. وفى الحديث المشهور الصحيح: "ما اجتمع قومٌ فى بيتٍ من بُيُوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا تنزَّلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتْهُم الملائكة، وذكره الله فيمن عنده". رواه "مسلم"2 عن أبى هريرة.   1 في "فضائل القرآن" "ص27". وعزاه الحافظ في "الفتح" "9/ 57" لأبي داود، وقال: "من طريق مرسلة", وقال الحافظ ابن كثير في أول سورة البقرة: "هذا إسناد جيد، إلّا أن فيه إبهامًا، ثم هو مرسل". أ. هـ. 2 في "صحيحه" "2699/ 38" من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا مطولًا. وأخرجه الترمذي "2945"، وابن ماجه "225"، وأحمد "2/ 252، 407" وغيرهم من طريق الأعمش. وهو عند أبي داود وأحمد "2/ 252، 407" وغيرهم من طريق الأعمش, وهو عند أبي داود "1455، 4946"، والنسائي -كما في "الأطراف" "9/ 375"- مختصرًا. وعزاه الزيلعيّ في "نصب الراية" "3/ 307" للبخاري فوَهِمَ، وقد قال الحافظ في "الفتح" "1/ 174": "لم يخرجه المصنف -يعني: البخاري- لاختلاف فيه". أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ولهذا قال الله تعالى: {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] . جاء في بعض التفاسير أن الملائكة تشهده. وقد جاء فى "الصحيحين"1 عن أبى هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين نزلوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون".   1 أخرجه الباري "2/ 33، 13/ 415، 461"، ومسلم "632/ 210" من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا، فذكره, وأخرجه النسائي "1/ 240-241"، وأحمد "2/ 486"، وأبو عوانة "1/ 378"، وابن حِبَّان "1737" وغيرهم عن أبي الزناد. وللحديث طرق عن أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 من قال: لم يترك النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا ما بين الدَّفتين: حدَّثَنا قتيبة1، ثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشدَّاد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل: أَتَرَكَ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من شيء؟ قا: ما تَرَكَ إلا ما بين الدَّفتين. قال: ودخلت على محمد بن الحنفية فسألناه، فقال: ما تَرَكَ إلا ما بين الدَّفتين. تفرَّدَ به البخاري2، ومعناه: أنه -عليه السلام- ما ترك مالاً ولا شيئًا يورث عنه، كما قال عمرو بن3 الحارث أخو جويرية: ما تَرَكَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًَا. وفى حديث أبى الدرداء4: "إن الأنبياء لم يوروثا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذه بحظٍّ وافرٍ". ولهذا قال ابن عباس: وإنما يُتْرَك ما بين الدَّفتين, يعني: القرآن والسنة   1 في "البخاري": "قُتَيْبَة بن سعيد". 2 في "فضائل القرآن" "9/ 64". وأخرجه الإسماعيلي في "مستخرجه"، كما في "الفتح"، و"عمدة القاري" "20/ 37". 3 أخرجه البخاري "5/ 356 و6/ 75، 97، 209، و8/ 148"، والنسائي "6/ 229", والترمذي في "الشمائل" "381"، وأحمد "4/ 279" وغيرهم، من طرقٍ عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن الحارث. 4 أخرجه أبو داود "3641"، وابن ماجه "223"، والدارمي "1/ 83"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "4/ 2/ 337"، وابن حِبَّان "80" وهو حديث حسن، ووقع في إسناده اختلاف ذكرته في "التسلية" فاطلبه هناك. والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 مفسرة له ومبيِّنة وموضِّحة، أى: تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الآية [فاطر: 32] فالأنبياء -عليهم السلام- لم يُخْلَقُوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، وإنما خُلِقُوا للآخرة يدعون اليها ويرغبون فيها. ولهذا قال1 رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نورث" 2 ما تركنا فهو صدقة". وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه، أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- لما سُئِلَ ميراث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فأَخْبَرَ عنه بذلِكَ، ووافقه على نَقْله عنه -عليه السلام- غير واحد من الصحابة؛ منهم عمر وعثمان وعلي والعباس وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم، وهذا ابن عباس يقوله أيضا عنه -عليه السلام، رضي الله عنهم أجمعين.   1 أخرجه مالك "2/ 993/ 27"، والبخاري "6/ 196-197، 7/ 77-78، 336، 493 و12/ 5"، ومسلم "1758/ 51-54"، وأبو عوانة "4/ 143، 144، 145، 148، 149"، وأبو داود "2976، 2977"، والنسائي "7/ 132"، وأحمد "6/ 145، 262", وآخرون من طُرُقٍ عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مطوّلًا, ورُوِيَ هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وابن عباس، وطلحة بن عبيد الله، وغيرهم. 2 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 فضل القرآن على سائر الكلام : حدَّثَنا هدبة بن خالد أبو خالد، ثنا همَّام "ثنا قتادة"1، ثنا أنس بن مالك, عن أبى موسى -رضى الله عنهما، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الذى يقرأ القرآن كمَثَلِ الأُتْرُجَّة؛ طعمُها طيبٌ وريحها طيبٌ، والذي لا يقرأ القرآن كالتَّمرة؛ طعمُها طيبٌ ولا ريحَ لها، ومَثَلُ الفاجر الذى يقرأ القرآن كَمَثَلِ الريحانة؛ ريحُها طيبٌ وطعمُها مُرٌّ، ومَثَلُ الفاجر الذى لا يقرأ القرآن كَمَثَلِ الحنظلة؛ طعمُها مُرٌّ ولا ريح لها". وهكذا رواه2 فى مواضع أخر مع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به. ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث أن أطيب الرائحة دار مع القرآن وجودًا وعدمًا، فدَلَّ على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البَرِّ والفاجر.   1 ساقط من "أ". 2 في "فضائل القرآن" "9/ 65-66". وأخرجه البخاري أيضًا في "التوحيد" "9/ 535"، ومسلم "797/ 243"، وأحمد "4/ 403-404"، وابن أبي شيبة "10/ 529-530"، وعبد بن حميد "563"، والطيالسي "494"، وابن حِبَّان "770"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "2500"، والبزَّار "ج2/ ق83"، والفريابي في "صفة النفاق" "39"، وأبو الشيخ في "الأمثال" "318"، وابن بشران في "الأمالي" "6/ 69/ 1-8/ 107/ 2", وأبو نُعَيْم في "الحلية" "9/ 59-60"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1821"، وفي "الصفات" "1/ 402" من طرق عن همَّام بن يحيى، ثنا قتادة، ثنا أنس، عن أبي موسى الأشعري. ورواه عن قتادة خَلْقٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 "ثم قال"1: حدَّثنا مسدد، ثنا يحيى عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر -رضى الله عنهما، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "انما أجلكم فى أجلِ مَنْ خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمَّالًا فقال: من يعمل لى إلى نصف النهار على قيراط، فعملت اليهود، فقال: مَنْ يعمل لى من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقِّكُم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوتيه من شئت". تفرَّدَ به من هذا الوجه، ومناسبته للترجمة أن هذه الأمة مع قصر مدتها، فضلَّت الأمم الماضية مع طول مدتها، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] . وفي "المسند"2 و"السنن" عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جَدِّه   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 66". وأخرجه أحمد "2/ 111، 112" من طريق سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. وأخرجه البخاري في "الإجارة" "4/ 446-447"، والترمذي "2871" من طريق مالك عن عبد الله بن دينار، وتابعه إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار به. أخرجه ابن حِبَّان "6639، 7217". وله طرق أخرى عن ابن عمر. 2 أخرجه أحمد "5/ 3، 5", والترمذي "3001", وابن ماجه "4287، 4288"، وعبد بن حميد "409", والطبري في "تفسيره" "1/ 209، 4/ 30", ونعيم بن حماد في "زوائد الزهد" "382"، والحاكم "4/ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله". وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم, القرآن الذى شرَّفَه الله على كل كتاب أنزله، وجعله مهيمنًا عليه وناسخًا له وخاتمًا له، لأن كل الكتب المتقدِّمَة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجَّمًا بحسب الوقائع، لشدة الاعتناء به وبمن أُنْزِلَ عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة. وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثَمَّ إلى أن بُعِثَ محمدا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو الشبه بآخر النهار، وأعطى المتقدمين قيراطا قيراطًا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفى ما أعطى أولئك، فقالوا: أى ربنا, ما لنا أكثر عملا وأقل أجرًا؟ فقال: هل ظلمتكم من أجركم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فذاك فضلى -أى: الزائد على ما أعطيتكم- أوتيه من اشاء, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ   = 84", والطبراني في "الكبير" "ج19/ رقم 1012، 1013، 1023، 1024، 1025"، والبيهقي "9/ 5"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "ج4/ ق443"، وابن الجوزي في "الموضوعات" "1/ 30" من طرق عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا، فذكره. قال الترمذي: "حديث حسن". وهو كما قال, وصحَّحَه الحاكم ووافقه الذهبي. وله طرق أخرى عن حكيم بن معاوية. تنبيه: قول المصنِّف: "والسنن" فيه تسامح، فلم يخرجه من أهل السنن غير اثنين فحسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 28-29] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الوصاة بكتاب الله : حدَّثَنا1 محمد بن يوسف، ثنا مالك بن مغول، ثنا طلحة -هو ابن مصرف، سألت عبد الله بن أبى أوفى: أوصى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا, قال: قلت: فكيف كتب على الناس الوصية أمروا بها، ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله -عزَّ وجلَّ. وقد رواه فى "مواضع أُخَرَ" مع بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق، عن مالك بن مغول به. وهذا نظير ما تقدَّمَ عن ابن عباس أنه ما ترك إلا ما بين الدفتين, وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية فى أموالهم، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وأما هو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فلم يترك شيئًا يورث عنه، و"إنما"2 ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية فى ذلك. ولم يوص الى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرًا من إشاراته وايماءاته إلى الصديق، ولهذا لما همَّ بالوصية إلى أبى بكر، ثم   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 67". وأخرجه أيضًا في "الوصايا" "5/ 356" وفي "المغازي" 8/ 148"، ومسلم "1634/ 16-17"، والنسائي "6/ 240"، والترمذي "2119"، وابن ماجه "2696"، والدارمي "2/ 290-291"، وأحمد "4/ 354، 355، 381", والحميدي "772" من طريق مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن ابن أبي أوفى. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". 2 في "أ": "وأما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 عدل عن ذلك قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"1 وكان كذلك، وإنما أوصى الناس باتباع كلام الله.   1 أخرجه البخاري "10/ 123، 13، 205"، ومسلم "2387/ 11" وأحمد "6/ 47، 106، 144"، والطيالسي "1508"، وابن سعد "3/ 180"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1163"، والبيهقي "3/ 378"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "2/ 185"، والبغويّ في "شرح السُّنَّة" "5/ 220" من طرق عن عائشة. وأخرجه الحاكم "3/ 477" عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما, وقال الذَّهبي: "إسناده صحيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن: وقوله الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} . حدَّثَنا يحيى1 بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لم يأذن الله لشىء، ما أَذِنَ لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن". وقال صاحب له: يريد يجهر به، فرَدَّ من هذا الوجه. ثم رواه عن علي بن عبد الله بن المدينى، عن سفيان بن عيينة، عن الزهرى به, قال سفيان: تفسيره يستغنى به. وقد أخرجه مسلم والنسائى من حديث سفيان بن عُيَيْنَة به. ومعناه: أن الله تعالى ما استمع لشىء كاستماعه لقراءة نبيٍّ يجهر بقراءته ويحسِّنُها، وذلك أنه يجتمع فى قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 68". وأخرجه أيضًا في "التوحيد" "13/ 453", وفي "خلق الأفعال" "242"، ومسلم "792/ 232", والنسائي "2/ 180"، وفي "فضائل القرآن" "78"، والدارمي "1/ 288-289، 2/ 338-339"، وأحمد "2/ 271"، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص78"، وعبد الرزاق "ج2/ رقم 4166" والحميدي "949"، والبزار "ج2/ ق141/ 2"، وأبو يعلى "ج109/ رقم 5959", وأخرون من طرق عن الزهرى، عن أبى سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا. ورواه عن الزهري خَلْقٌ، ذكرتهم في "التسلية" مع طرق أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وتمام الخشية، وذلك هو الغاية فى ذلك، وهو -سبحانه وتعالى- يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم. كما قالت عائشة -رضى الله عنها: سبحان الذى وسع سمعه الأصوات, ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} الآية، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ، كما دلَّ عليه هذا الحديث العظيم. ومنهم من فَسَّر الأذن ههنا بالأمر. والأول أولى؛ لقوله: "ما أَذِنَ الله لشىء، ما أَذِنَ لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن" أي: يجهر به، والاذن الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ، وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1-5] . أى: استمعت لربها وحقت، أى: وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالاذن ههنا، هو: الاستماع. ولهذا جاء فى حديث رواه ابن1 ماجه بسند جيِّدٍ عن فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ   1 أخرجه ابن ماجه "1340"، وأحمد "6/ 20"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "4/ 1/ 124"، وابن حبان "659"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص58"، والطبراني في "الكبير" "ج18/ رقم 772"، والبيهقي "10/ 230"، والسمعاني في "أدب الإملاء" "ص93-94" من طرق عن الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعى، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن ميسرة مولى فَضَالَةَ، عن فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ مرفوعًا، فذكره. قال البوصيري في "الزوائد" "436/ 1": "هذا إسناد حسن". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنَةِ إلي قَيْنَتِه". وقول سفيان بن عيينة: أن المراد بالتغنِّي: يستغني به، فإن أراد أنه يستغني به عن الدنيا، وهو الظاهر من كلامه الذي تابعه عليه أبو عبيد القاسم بن سلَّام وغيره، فخلاف الظاهر من مراد الحديث؛ لأنه قد فسَّره بعض رواته بالجهر، وهو تحسين القراءة والتحزين بها. قال حرملة: سمعت ابن عُيَيْنَةَ يقول: معناه: يستغنى به، فقال لى الشافعى: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانَى، إنما هو يتحزَّن   = وجوَّدَه المصنف كما رأيت، وفي قولهما تسامح؛ لأن ميسرة هذا قال الذهبي: في "الميزان": "ما حدَّث عنه سوى إسماعيل بن عُبَيْد الله", فهو مجهول العين وإن وثَّقَه ابن حِبَّان كما هو معروف. كيف وقد اختُلِفَ على الوليد بن مسلم في إسناده، فقد رواه دحيم وإسحاق بن إبراهيم الطالقاني عن الوليد, ثنا الأوزاعى، عن إسماعيل بن عُبَيْد الله, عن فَضَالََةَ بن عُبَيْد مرفوعًا. فسقط ذكر "ميسرة". أخرجه أحمد "6/ 19", والحاكم "1/ 570-571" وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، فردَّه الذهبي بقوله: "منقطع"، وهذا الوجه أرجح من الأول؛ لأن يحيى بن حمزة والوليد بن مزيد وبشر بن بكر ومحمد بن شعيب بن شابور، رووه عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عُبَيْد، عن فَضَالَةَ بن عُبَيْد مثله. أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص77-78"، والحاكم "1/ 570-571"، والآجري في "أخلاق حملة القرآن" "80"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 1957", وتابعه ثور بن يزيد، عن إسماعيل بن عُبَيْد الله، عن فَضَالَةَ. أخرجه البخاري في "الكبير" "4/ 1/ 124", فهذا الوجه أقوى بلا ريب، فالصواب في الإسناد أنه ضعيف من الوجهين. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ويترنَّمُ به. قال حرملة: وسمعت ابن وهب يقول: يترنَّمُ به, وهكذا نقل المزنى والربيع عن الشافعى -رحمه الله. وعلى هذا فتصدير البخارى الباب بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] فيه نظر؛ لأن هذه الآية الكريمة ذُكِرَت ردًّا على الذين سألوا آيات تدل على صدقه، حيث قال: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 50-51] , ومعنى ذلك: أو لم يكفهم آية دالَّة على صدقك: إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي؟ {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] , أى: وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين، فأين هذا من التغنِّي بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عمَّا عداه من أمور الدنيا؟ فعلى كل تقديرٍ تصدير الباب بهذه الآية فيه نظر. فصل: فى إيراد أحاديث فى معنى الباب, وذكر أحكام التلاوة بالأصوات قال أبو عُبَيْد1: حدَّثَنا عبد الله بن صالح، عن قباث بن رَزِين،   1 في "فضائل القرآن" "ص29". وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" "60، 74"، وأحمد "4/ 150، 153", وأبو يعلى "ج3/ رقم 1740", والطبراني في "الكبير" "ج18/ رقم 800، 802" من طرق عن قباث بن رَزِين، عن على بن رباح, عن عقبة بن عامر مرفوعًا. ورواه عن قباث: "عبد الله بن صالح، وعبد الله بن يزيد المقري، وعبد الله بن المبارك، والليث بن سعد", وسنده جيد. وقباث وَثَّقَه ابن معين وابن حِبَّان, وقال أحمد وأبو حاتم: "لا بأس به"، وقد توبع كما يأتي، إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 عن على بن رباح اللخمى، عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوما ونحن فى المسجد نتدارس القرآن، قال: "تعلموا كتاب الله واقتنوه" -قال: وحسبت أنه قال: "وتغنوا به"- "فوالذى نفسى بيده لهو اشد تفلُّتًا من المخاض من العقل". وحدثنا عبد الله1 بن صالح، عن موسى بن على، عن أبيه، عن عقبة, عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل ذلك، إلا أنه قال: "واقتنوه وتَغَنَّوْا به". ولم يشك. وهكذا رواه "أحمد"2 النسائي في .................................   1 أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص29". وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" "59"، والدارمي "2/ 316"، وأحمد "4/ 146"، وابن أبي شيبة "2/ 500، 10/ 477"، وابن حِبَّان "1788"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص97"، والطبراني في "الكبير" "ج18/ رقم 801"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1815" من طرق عن موسى بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر مثله, وسنده جيد أيضًا. وموسى بن علي فيه كلام يسير، وهو متابع كما مَرَّ آنفًا. 2 ساقط من "أ" و"ط" ولم أر واو العطف بينهما، فيكون الإمام أحمد رواه هو والنسائي، ويحتمل أنه يقصد: "رواه أحمد النسائي"، والنسائي اسمه: "أحمد بن شعيب"، وأستبعد أن يعني ابن كثير هذا، فلم يجر على هذا التعبير، إلّا أن يكون سقط من السياق "ابن شعيب"، وعلى كل حال فقد رواه الإمام أحمد والنسائي كما مَرَّ بك, والحمد لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 "كتاب"1 فضائل القرآن" من حديث موسى بن علي عن أبيه به، ومن حديث عبد الله بن المبارك، عن قباث بن رَزِين، عن على بن رباح، عن عقبة. وفى بعض ألفاظه: خرج علينا ونحن نقرأ القرآن فسلَّم علينا. وذكر الحديث. ففيه دلالة على السلام على القارئ. "ثم قال"2 أبو عُبَيْد3: حدَّثَنا أبو اليمان، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن ................   1 ساقط من "جـ" و"ط". 2 في "أ": "وقال". 3 في "فضائل القرآن" "ص29". كذا رواه أبو اليمان الحكم بن نافع مرسلًا. وخالفه بقية بن الوليد والوليد بن مسلم، فروياه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن المهاصر بن حبيب، عن عُبَيْدَةَ الأملوكي مرفوعًا، فذكره. أخرجه البيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1852"، وأبو نُعَيْم في "أخبار أصبهان" "1/ 260"، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" "2270"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "ج4/ ق596"، وعزاه الهيثمي في "المجمع" "2/ 252" للطبراني في "الكبير", وضعَّفَه بـ "أبي بكر بن أبي مريم", وخالفهما عيسى بن يونس وموسى بن أعين، فروياه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن المهاصر بن حبيب، عن عُبَيْدَةَ الأملوكي صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره موقوفًا. أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ 2/ 84", والبيهقي في "الشعب" "1853، 1854"، وأخرجه البخاري أيضًا من طريقين آخرين عن عُبَيْدَةَ قوله. والموقوف أشبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 "المهاصر"1 بن حبيب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن، واتلوه حقَّ تلاوته آناء الليل والنهار، وتَغَنّوه وتقنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون". وهذا مرسل، ثم قال أبو عبيد: قوله: "تغنوه" أي: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال معه فقرًا. وقوله "وتقنوه" يقول: اقتنوه كما تقتنوا الأموال، اجعلوه مالكم, وقال أبو عُبَيْد2: حدثني هشام بن عمار، عن علي بن حمزة، عن الأوزاعى قال: حدثنى إسماعيل بن عُبَيْد الله بن أبى المهاجر، عن فَضَالَةَ بن عُبَيْد, عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الله أشد أذَنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه". قال أبو عُبَيْد: هذا الحديث بعضهم يزيد فى إسناده، يقول: عن إسماعيل بن عُبَيْد الله، عن مولى فَضَالَةَ، عن فَضَالَةَ. وهكذا رواه ابن ماجه2 عن راشد بن سعيد بن أبى راشد، عن الوليد، عن الأوزاعى، عن إسماعيل بن عُبَيْد الله، عن مَيْسَرة مولى فَضَالَةَ، عن فَضَالَةَ, عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لله أشد أذَنًا إلى الرجل الحسَنِ الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه". قال أبو عُبَيْد: يعنى: الاستماع. وقوله فى الحديث الاخر: "ما أذن الله لشىء" أى: ما استمع. وقال أبو القاسم3 البغوى: حدثنا محمد بن حميد، ثنا سلمة بن   1 في "أ": "المهاجر". 2 مَرَّ تخريجه آنفًا "ص180، 181". 3 أخرجه المخلص في "الفوائد" "ق52/ 1" من طريق محمد بن حميد بسنده سواء. وسنده واهٍ، وابن حميد متروك، وكذَّبَه جماعة من أهل الرَّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الفضل، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى مليكة، حدثنا القاسم بن محمد، حدثنى السائب قال: قال لى سعد: يا ابن أخى، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم، قال: غَنِّ به، فإنى سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "غَنُّوا بالقرآن، ليس منَّا مَنْ لم يُغَنَّ بالقرآن، وابكوا, فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا". وقد روى أبو داود1 من حديث الليث "وعمرو بن دينار كلاهما"2, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن عُبَيْد الله بن أبى نَهِيك، عن سعد بن أبى وقاص قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن" 2. 3 [ورواه ابن ماجه4 من حديث ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب، عن سعد بن أبى وقاص، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 3:   وسنده واهٍ، وابن حميد متروك، وكذَّبَه جماعة من أهل الرَّي. 1 في "سننه" "1469، 1470" وسنده صحيح، وقد اختلف على ابن أبي مليكة في سنده اختلافًا كثيرًا، ذكرته في "التسلية"، وأقوى الوجوه في هذا الاختلاف ما رواه أبو داود هنا. ولله الحمد. 2 ساقط من "أ". "3-3" ساقط من "أ". 4 في "سننه" "1337" من طريق الوليد بن مسلم، ثنا أبو رافع، عن ابن أبي مليكة به. وأخرجه أبو يَعْلَى "689", والحارث بن أبي أسامة -كما في "تخريج أحاديث الكشاف" "2/ 329" للزيلعي، والآجري في "أخلاق حملة القرآن" "85"، وأبو العباس الأصم في "الثاني من حديثه" "ق171، 1", وابن نصر في "قيام الليل" -كما في "اتحاف السادة" "4/ 479" للزبيدي، والبيهقي "10/ 230" وفي "الشعب" "ج5/ رقم 1891، 1960" من طرق عن الوليد بن مسلم. وعزاه البوصيري في "الزوائد" "434/ 1" للحاكم في "المستدرك"، وقال: "هذا إسناد فيه أبو رافع، واسمه إسماعيل بن رافع، ضعيف متروك". أ. هـ. فالعجب من العراقي -رحمه الله؛ إذ قال في "تخريج أحاديث الإحياء" "1/ 277": "إسناده جيد"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 "إن هذا القرآن نزل بحُزْنٍ، فإذا قرأتموه، فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتَغَنُّوا به، فمن لم يَتَغَنَّ به فليس منا". 1 [وقال أحمد2: حدثنا وكيع، ثنا سعيد بن حسان المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبى نهيك، عن سعد بن أبى وقاص، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن". قال وكيع: يعني يستغني به. ورواه أحمد3 أيضًا عن حجاج وأبي النضر، كلاهما عن الليث بن سعد, وعن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، كلاهما عن عبد الله ابن أبي مليكة] 1. وفي هذا الحديث كلام طويل يتعلق بسنده، ليس   "1-1" ساقط من "أ" و"ط". 2 في "مسنده" "1476", وأخرجه الطيالسي "201", والدورقي في "مسند سعد" "127", وإسناده جيد. وأشار الحاكم في "المستدرك" "1/ 569" إلى رواية سعيد بن حسان. 3 في "مسنده" "1512، 1549" ولم يروه مجموعًا هكذا، بل هذا من تصرُّفِ المصنِّف -رحمه الله. فأما رواية الليث فأخرجها: أبو داود "1469"، والدارمي "2/ 328"، وعبد بن حميد في "المنتخب" "151"، وأبو عبيد "ص109"، والطحاوي في "المشكل" "2/ 128", وابن حبان "120"، والحاكم "1/ 569"، والبيهقي "10/ 230"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "1202"، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 هذا موضوعه. والله أعلم. وقال أبو داود1: ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبى مليكة يقول: قال عُبَيْد الله بن أبي يزيد: مَرَّ بنا أبو لبابة، فاتبعناه حتى دخل بيته، فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت   = والرافعي في "أخبار قزوين" "2/ 268", وقد اختُلِفَ فيه على الليث. وأما رواية ابن عيينة فأخرجها: أبو داود "1470"، والدارمي "1/ 288", والحميدي "76"، وابن أبي شيبة "2/ 522، 10/ 464"، وعبد الرزاق "4171", والبزار في "مسنده" "163 -مسند سعد"، وأبو يعلى "748"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص139", والطحاوي في "المشكل" "2/ 127"، والبيهقي "10/ 230", وفي "الشعب" "2375", والقضاعي "1194"، والضياء في "المختارة" "971", وما رواه الليث وسفيان هو أقوى الوجوه كلها. والله أعلم. 1 في "سننه" "1471". وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "1903", وابن قانع في "معجم الصحابة" "1/ 16/ 2"، والطحاوي في "المشكل" "2/ 128"، والطبراني في "الكبير" "ج5/ رقم 4514"، والبيهقي في "الكبرى "2/ 54، 10/ 230", وفي "الصغرى" "983" من طريق عبد الجبار ابن الورد بسنده سواء. قال الهيثمي في "المجمع" "8/ 171": "رجاله ثقات", وقال الحافظ في "الفتح" "9/ 72": "إسناده صحيح" وفيه نظر ذكرته في "التسلية", وعزاه المنذري في "الترغيب" "2/ 365" لأبي داود ثم قال: "والمرفوع منه في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة". أ. هـ. كذا قال, وعَزْوه الحديث لمسلم وَهْمٌ، فإنه من أفراد البخاري، ثم الحديث عن أبي هريرة شاذ بلفظ: "ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن" كما حققته في "تسلية الكظيم" "رقم 73". قلت: وهو أحد وجوه الاختلاف على ابن أبي مليكة في إسناده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 رثَّ الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة "تجار كسبة"1، فسمعته يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن" قال: فقلت لابن أبى مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت، قال: يحسنه ما استطاع. تفرَّد به أبو داود، فقد فهم من هذا أن السلف -رضى الله عنهم, إنما فهموا من التغنِّي بالقرآن إنما هو: تحسين الصوت به وتحزينه، كما قاله الأئمة -رحمهم الله. ويدل على ذلك أيضًا ما رواه أبو داود2، حيث قال: ثنا عثمان   1 من "جـ" و"ط". واعلم أن هذه العبارة: "فانتسبنا فقال: تجار كسبة" ليست موجودة في نسخ "أبي داود" المطبوعة، والله أعلم، ثم رأيت الحافظ في "الفتح" "9/ 69" عزاه لأبي داود وابن الضريس في "فضائل القرآن", وأبي عوانة في "مستخرجه" من طريق ابن أبي مليكة، عن عُبَيْد الله بن أبي نهيك قال: "لقيني سعد بن أبي وقاص وأنا في السوق فقال: تجار كسبة ... ثم ساق الحديث". والاختلاف في صحابي الحديث واضح، ولم أجد الحديث في كتاب ابن الضريس المطبوع. والله أعلم. ثم اعلم أن الطحاوي ذكر أن قوله في الإسناد: "عُبَيْد الله بن أبي يزيد" غلط صوابه: "ابن أبي نهيك", وقد وقع ما ذكره الطحاوي في رواية الطبراني "4514" التي سبق وذكرناها, وسُئِلَ ابن معين كما في "تاريخه" "2/ 384 -رواية الدوري": "سمع عُبَيْد الله بن أبي يزيد من أبي لبابة؟ قال: لا أدري". أ. هـ. 2 في "سننه" "1468". وأخرجه البخاري في "خلق الأفعال" "68"، والنسائي في "سننه" "2/ 179، 180"، وفي "فضائل القرآن" "75"، وفي "مجلسان من إملائه" "46"، وابن ماجه "1342"، والدارمي "2/ 474"، وأحمد "4/ 283، 285، 304", وآخرون من طُرُقٍ عن طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب مرفوعًا، فذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ابن أبى شيبة، ثنا جرير، عن الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن ابن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زيِّنُوا القرآن بأصواتكم". وأخرجه النسائى وأبن ماجة من حديث شعبة عن طلحة. وهذا اسناد جيد, وقد وَثَّقَ النسائي وابن حِبَّان عبد الرحمن بن عوسجة هذا, ونقل الأزدى عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: سألت عنه بالمدية فلم أرهم يحمدونه. وقال أبو عُبَيْد القاسم1 بن سلام: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث "زينوا القرآن بأصواتكم". قال أبو عبيد: وانما كره أيوب فيما نرى أن يتأوَّل الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدِّث به. "قلت": ثم إن شعبة -رحمه الله- روى الحديث متوكلا على الله كما روي له، ولو ترك كل حديث يتأوله مبطل، لترك من السنة شيء كثير، بل قد تطرقوا إلى تأويل آيات كثيرة من القرآن، وحملوها على غير محاملها الشرعية المرادة، وبالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والمراد من تحسين الصوت بالقرآن تطريبه وتحزينه والتَّخَشُّع به، كما رواه الحافظ الكبير بَقِيُّ بن مَخْلَدٍ -رحمه الله- حيث قال: ثنا أحمد ابن إبراهيم، 2 [ثنا يحيى بن سعيد الأموي، ثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبى بردة بن أبى موسى] 2، عن أبيه، قال: قال لى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   1 فى "فضائل القرآن" "2-81". "2-2" ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ذات يوم: "يا أبا موسى، لو رأيتنى وأنا أستمع قراءتك البارحة" , قلت: أما والله لو علمت آنك تسمع قراءتى، لحبَّرتُها لك تحبيرًا. ورواه مسلم1 من حديث طلحة به. وزاد: "لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود". وسيأتى هذا فى بابه حيث يذكره البخارى. والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تسمعه لحبَّرتُه لك تحبيرًا, فدَلَّ على جواز تعاطى ذلك وتكلفه، وقد كان أبو موسى كما قال عليه السلام: قد أعطى صوتا حسنا، كما سأذكره إن شاء الله، مع خشية تامة ورقة أهل اليمن "الموصوفة"2، فدلَّ على أن هذا من الأمور الشرعية. قال أبو عبيد3: وحدَّثَنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس،   1 في "صحيحه" "793/ 236". وأخرجه أيضًا ابن حِبَّان "7198"، والبيهقي "10/ 230-231" بهذا التمام ويأتي تخريجه قريبًا. 2 ساقط من "أ". 3 في "فضائل القرآن" "ص79", وليس عنده لفظة: "ربنا". وأخرجه الدارمي "2/ 329" قال: حدَّثَنا عبد الله بن صالح بسنده سواء, وأخرجه ابن سعد "4/ 109" وأبو نُعَيْم في "الحلية" "1/ 258", والطحاوي في "المشكل" "2/ 161" من طريق يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة أن عمر بن الخطاب ... إلخ. وأخرجه عبد الرزاق "ج2/ رقم 4179، 4180، 4181"، وابن حِبَّان "2264" من طريق معمر بن راشد وابن جريج وعمرو بن الحارث، ثلاثتهم عن الزهري بسنده سواء. وهو منقطع بين أبي سلمة وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه، ولم يسمع أيضًا من أبي موسى كما قال أحمد، على ما ذكره ابن أبي حاتم في "المراسيل" "ص255"، وله طريقان آخران عند ابن سعد "4/ 109" أحدها معضل والآخر منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عن ابن شهاب، عن أبى سلمة قال: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكِّرْنَا ربَّنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده. قال أبو عبيد1: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال"2: ثنا سليمان التيمى أو نبئت عنه، ثنا أبو عثمان النهديّ قال: كان أبو موسى يصلى بنا، فلو قلت: أنى لم أسمع صوت صَنْجٍ3 قط, ولا بَرْبَطٍ4 قط, ولا شيئًَا قط أحسن من صوته. وقال ابن ماجه5: حدَّثَنا العباس بن عثمان الدمشقي، ثنا الوليد بن   1 في "فضائل القرآن" "ص79". وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 108" قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي -وهو ابن علية- بسنده سواء. هكذا شك ابن علية أَسَمِعَه عن التيميّ أم بَلَغَه عنه، لكن أخرجه أبو نُعَيْم في "الحلية" "1/ 258" من طريق صفوان بن عيسى، والبخاري في "خلق الأفعال" "291" عن المعتمر بن سليمان قالا: ثنا سليمان التيمي بسنده سواء. وعزاه الحافظ في "الفتح" "9/ 93" لابن أبي داود وقال: "سنده صحيح". 2 ساقط من "الأصول" كلها واستدركته من "الفضائل". 3 الصَّنْج -بفتح المهملة وسكون النون بعدها جيم: هو آلة تُتَّخَذُ من النحاس كالطبقين يضرب أحدهما بالآخر. 4 البربط: بالموحدتين بينهما راء ساكنة ثم طاء مهملة، بوزن: "جعفر"، وهو آلة تشبه العود, فارسي معرَّب. وانظر "النهاية" "1/ 112". 5 في "سننه" "1338", وقال البوصيري في "الزوائد" "435/ 1": "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات". وأخرجه الحاكم "3/ 225-226"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "1/ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مسلم، حدَّثني حنظلة بن أبى سفيان، أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدِّث عن عائشة قالت: أبطأت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: "أين كنت"؟ , قلت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك، لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد, قالت: فقام فقمت معه حتى أستمع له، ثم التفت إلى فقال: "هذا سالم مولى أبى حذيفة، الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثل هذا". إسناده جيد. وفى "الصحيحين"1 عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   = 371" من طرق عن الوليد بن مسلم، ثنا حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط يُحَدِّثُ عن عائشة به. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين", ووافقه الذهبي، وليس كما قالَا؛ لأن عبد الرحمن بن سابط لم يخرِّج له البخاري شيئًا، ولم يحتجَّ الشيخان ولا أحدهما برواية الوليد عن حنظلة، ولا حنظلة عن عبد الرحمن، ولا عبد الرحمن عن عائشة, فالصواب أن السند صحيح مطلقًا، وصرَّح الوليد في جميع الإسناد، ثم هو لم يتفرَّد به، فقال أبو نُعَيْم عقبه: "ورواه ابن المبارك عن حنظلة", قلت: وهو عنده في "الجهاد" "120", ووقع في سنده اختلاف. وأخرجه أحمد "6/ 165" قال: حدثنا ابن نمير، ثنا حنظلة بسنده سواء, وهو صحيح أيضًا. وأخرجه البزار "ج3/ رقم 2694" من وجه آخر عن عائشة بأخصر من حديث ابن سابط، قال الهيثمي "9/ 300": "رجاله رجال الصحيح", وقال الحافظ في "الإصابة" "3/ 16": "رجاله ثقات". وليس في هذا تصحيح للإسناد لأجل عنعنة ابن جريج. والله أعلم. 1 أخرجه البخاري "2/ 247، 6، 168، 7، 323، 8/ 603، ومسلم "463" من طريق الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه. وأخرجه أبو داود "811"، والنسائي في "سننه" "2/ 169"، وفي "تفسيره" "549"، وابن ماجه "832"، وأحمد "4/ 80، 84" من هذا الوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 يقرأ فى المغرب بالطُّور، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه. وفي بعض ألفاظه: فلما سمعته قرأ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} خِلْتُ أن فؤادي قد انصدع. وكان جبير لمَّا سمع هذا بعد مشركا على دين قومه, وإنما كان قَدِمَ فى فداء الأساري بعد بدر، وناهيك بِمَنْ تؤثِّرُ قراءته في المشرك المصر على الكفر، فكان هذا سبب هدايته، ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب. كما قال أبو عبيد1: حدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن طاوس قال: أحسن الناس صوتًا بالقرآن أخشاهم لله. 2 [وحدَّثَنَا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس, عن أبيه قال: أحسن الناس صوتًا بالقرآن أخشاهم لله] 2.   1 في "فضائل القرآن" "ص80", وفي "غريب الحديث" "2/ 141", وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 464" قال: حدَّثَنَا حفص، عن ليث، عن طاوس، قال: كان يقال: أحسن الناس صوتًا بالقرآن أخشاهم لله. وسنده ضعيف لأجل ليث بن أبي سليم، وقد خولف فيه كما يأتي. "2-2" ساقط من "جـ" و"ط", وهو عندي خطأ من الناسخ، فقد انتقل بصره إلى السند التالي له، وأَلْحَقَ به متن الأثر السابق، ولم أجد في "كتاب أبي عُبَيْد" إلّا الرواية التي يرويها ابن جريج عن ابن طاووس وعن الحسن بن مسلم، كلاهما عن طاوس. فالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وحدَّثَنَا1 قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: سُئِلَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيُّ الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: "الذى إذا سمعته رأيته يخشى الله". وقد رُوِيَ هذا متصلا من وجه آخر. فقال ابن ماجه2: حدَّثَنَا بشر بن معاذ الضرير، ثنا عبد الله بن جعفر المدينى، ثنا ابراهيم بن اسماعيل، عن مجمع، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، الذى إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله". ولكن عبد الله بن جعفر هذا -وهو والد على بن المدينى- وشيخه ضعيفان، والله أعلم. والغرض أن المطلوب شرعا، إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تَدَبُّرِ القرآن وتفهمه، والخشوع والخضوع والإنقياد للطاعة. فأما الأصوات بالنغمات المحدثة، المركبة على الأوزان، والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائى، فالقرآن يُنَزَّه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك فى أدائه هذا المذهب.   1 أخرجه أبو عبيد "ص80" أيضًا. وهذه الرواية أرجح من رواية ليث بن أبي سليم المتقدمة مع إرسالها. 2 في "سننه" "1339". وأخرجه الآجري في "أخلاق حملة القرآن" "83"، وفي "فوائده"، وابن أبي داود في "كتاب الشريعة" -كما في "إتحاف السادة" "4/ 521", وضعَّفَ إسناده البوصيري في "الزوائد" "436/ 1", وسبقه شيخه العراقي في "تخريج الإحياء" "1/ 286"، والصواب أنه ضعيف جدًّا. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وقد جاءت السُّنَّةُ بالزجر عن ذلك، كما قال الإمام العلم أبو عُبَيْد1 القاسم بن سلام -رحمه الله: حدَّثَنَا نُعَيْم بن حمَّاد، عن بقية بن الوليد، عن حُصَيْن بن مالك الفزارى قال: سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدِّثُ عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم". وحدثنا2 يزيد، عن شريك، عن أبى اليقظان عثمان بن عمير، عن   1 في "فضائل القرآن" "ص80". وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل" "ص35"، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة" "2/ 480"، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" "ج3/ ق104/ 2"، والطبراني في "الأوسط" "ج2/ ق154/ 1"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 510-511"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم2406"، والجوزقاني في "الأباطيل" "723"، وابن الجوزي في "الواهيات" "1/ 118" من طريق بقية بن الوليد، عن الحصين بن مالك الفزاري، عن أبي محمد، عن حذيفة مرفوعًا به. قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذا الحديث عن حذيفة إلّا بهذا الإسناد، تفرَّدَ به بقية". قلت: وهو صدوق، لكنه يدلِّسُ تدليس التسوية، كما صرَّح به أبو حاتم في "العلل" "1957" وشيخ بقية وشيخه مجهول، والخبر منكر كما قال الذهبي. والله أعلم. 2 أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص81", وفي "الغريب" "2/ 141", وأخرجه أحمد "3/ 494"، والبخاري في "التاريخ" "4/ 1/ 80", وعنه البيهقي في "الشعب" "5/ 583", والطحاوي في "المشكل" "2/ 160", وأبو غرزة الحافظة في "مسند عابس" "ق2/ 1"، وابن أبي الدنيا في "العقوبات" "78/ 1" -كما في "الصحيحة" "979", والجوزقاني في "الأباطيل" "724" من طريق شريك النخعي بسنده سواء. وسنده ضعيف, وقال الجوزقاني: "باطل", وليس كما قال، والصواب أنه حديث حسن أو صحيح كما حققته في "التسلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 زاذان أبي عمر، عن عليم قال: كنا على سطحٍ ومعنا رجل من أصحاب النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال يزيد: لا أعلمه الا قال: عابس الغفارى, فرأى الناس يخرجون في الطاعون، قال: ما هؤلاء؟ قال: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني, فقالوا: أتتمَنَّى الموت, وقد سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا يتمنَّيَنَّ أحدكم الموت"؟ فقال: إنى أبادر خصالاً سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير، يُقَدِّمُون أحدهم ليس بافقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء، وذكر خَلَّتَيْن آخرتين. وحدثنا1 يعقوب بن إبراهيم، عن ليث بن أبى سليم، عن عثمان بن   1 أبو عُبَيْد في "الفضائل" "ص81". وأخرجه البخاري في "الكبير" "4/ 1/ 80", وعنه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2409", والطبراني في "الكبير" "ج18/ رقم 58، 59" من طُرُقٍ عن ليث بن أبي سليم، وقد خالف شريكًا بإسقاط "عليم" من السند، وروايته أرجح من رواية شريك؛ فقد تابعه سليمان التيمي عند الطبراني "60". وله طريق قوي يرويه موسى بن عبد الله الجهني عن زذان, عن عابس الغفاري. أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" "277"، والطبراني في "الكبير" "ج18/ رقم62، 63", وفي "الأوسط" "689" وقال الهيثمي "5/ 245": "رجاله رجال الصحيح". وله شواهد عن جماعة من الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 عمير، عن زاذان، عن عابس الغفارى، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل ذلك أو نحوه. وحدَّثَنَا1 يعقوب، عن ابراهيم، عن الأعمش, عن رجل، عن أنس أنه سمع رجلًا يقرأ القرآن بهذه الألحان التى أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه, وهذه طرق حسنة2 في باب الترهيب. وهذا يدلُّ على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التى يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نصَّ الأئمة -رحمهم الله- على النهى عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش، الذى يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه، والله أعلم. وقال الحافظ أبو بكر3 البزار: ثنا محمد بن معمر، ثنا روح، ثنا   1 أبو عُبَيْد "ص81". وخولف يعقوب بن إبراهيم؛ خالفه عبد الله بن إدريس، فرواه عن الأعمش، قال: قرأ رجل عند أنس بلحن من هذه الألحان، فَكَرِهَ أنس ذلك. أخرجه الدارمي "2/ 340", والمخالفة أن ابن إدريس جعله عن الأعمش عن أنس, ولم يسمع منه, والصواب أنه يروي عنه بالواسطة. وأخرجه أيضًا ابن نصر في "قيام الليل" "ص237". 2 يعني: بتعاضدها, والله أعلم. 3 في "مسنده" "ج3/ رقم 2332 -كشف الأستار". وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ 1/ 401" معلقًا, ووصله الحاكم "1/ 570"، والطبراني في "الكبير" "ج11/ رقم11239", والقضاعي في "مسند الشهاب" "1200", والشجري في "الأمالي" "1/ 87، 109" من طرق عن ابن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس مرفوعًا, قال الهيثمي "7/ 170": "رجال البزار رجال الصحيح". قلت: وقد مرَّ الكلام عنه، وهذا أحد وجوه الاختلاف على ابن أبي مليكة في إسناده، وصرح الحاكم بشذوذ إسناده وقد فصلته في "التسلية". والله الحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 عُبَيْد الله بن الأخنس، عن ابن أبى مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن" , ثم قال: ""وإنما"1 ذكرناه، لأنهم اختلفوا على ابن أبي مليكة فيه، فرواه عبد الجبار بن الورد عنه، عن ابن أبى مليكة, عن أبى لبابة, ورواه عمرو بن دينار، والليث عنه عن ابن أبى نهيك عن سعد، ورواه عسل بن سفيان2 عنه عن عائشة، ورواه نافع3 بن عمر عنه عن ابن الزبير"4.   1 في "أ": "ولناما". 2 أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ 1/ 401", وأبو يعلى "ج8/ رقم 4755", والبزار "ج3/ رقم 2334", والحاكم "1/ 570", وابن عدي في "الكامل" "5/ 2012". وقال الحاكم: "إسناده شاذ", وقال الهيثمي "2/ 267": "فيه عسل بن سفيان وَثَّقَه ابن حِبَّان وقال: يخطئ ويخالف، وضعَّفَه جمهور الأئمة" ولكنه لم يتفرَّد به, فتابعه أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة، عن عائشة مرفوعًا به. أخرجه البزار "ج3/ رقم 2333", ولكن في سنده أبو أمية ابن يعلى وهو ضعيف -كما قال الهيثمي "7/ 170". 3 وقع في "الأصول": "نافع مولى ابن عمر"! ولفظة "مولى" مقحمة لا معنى لها, وإنما هو نافع بن عمر الجمحي، والله أعلم. 4 أخرجه البزار "ج3/ رقم 2335", والدولابي في "الكنى" "1/ 64- 65، 160" من طريق أبي حنيفة محمد بن ماهان الواسطي، قال: حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير مرفوعًا فذكره، زاد الدولابي، "قال: وأنتم فتغنوا به ما استطعتم". قال الهيثمي "7/ 170": "فيه محمد بن ماهان، قال الدارقطني: ليس بالقويّ، وبقية رجاله ثقات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 اغتباط صاحب القرآن : حدَّثَنَا أبو اليمان1، أنا شعيب عن الزهرى، حدثنى سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب " فقام به "2 آناء " الليل "3، ورجل اعطاه الله مالا, فهو يتصدق به آناء الليل والنهار". انفرد به البخارى من هذا الوجه، واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري. ثم قال البخاري4: حدثنا على بن إبراهيم، ثنا روح، ثنا شعبة،   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 73". وأخرجه أيضًا في "كتاب التوحيد" "13/ 502"، ومسلم "815"، والنسائي في "فضائل القرآن" "97"، والترمذي "1936"، وابن ماجه "4209"، وأحمد "2/ 9"، والحميدي "2/ 278"، وآخرون من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعًا. وله طرق أخرى عن الزهريّ. 2 في "أ": "فهو يقوم به"، وهو مخالف لرواية "الصحيح" ولباقي "الأصول". 3 في "أ": "الليل والنهار" وليس "للنهار" ذكر. 4 في "فضائل القرآن" "9/ 73". وأخرجه أيضًا في "التمنِّي" "13/ 220", وفي "كتاب التوحيد" "13/ 502" من طريق جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا. وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" "98"، وأحمد "2/ 479"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 191" من طرق عن الأعمش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 عن سليمان قال: سمعت ذكوان عن أبى هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا حسد إلّا في اثنين: رجل علَّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل " وآناء "1 والنهار، فسمعه جارٌ له، فقال: ليتنى أوتيت ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل؛ ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل". ومضمون هذين الحديثين أن صاحب القرآن فى غبطة، وهى حُسْنُ الحال، فينبغى أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غبطه فيغبطه "بكسر الباء"2 غبطًا؛ إذا تمنَّى مثل ما هو فيه من النعمة، وهذا بخلاف الحسد المذموم، وهو تمنِّي زوال نعمة المحسود عنه, سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا، وهذا مذموم شرعًا مهلك، وهو أول معاصى إبليس حين حسد آدم ما منحه الله تعالى من الكرامة والإحترام والإعظام. والحسد الشرعى الممدوح هو تمنِّي حال مثل ذاك الذى هو على حالة سارة، ولهذا قال -عليه السلام: "لا حسد إلا في اثنين"، فذكر النعمة القاصرة وهو تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] . 3 [وقد روى نحو هذا من وجه آخر. فقال عبد الله4 بن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده:   1 ساقط من "أ". 2 في "أ": "بالكسر". 3 ساقط من سياق "ط" وقيد في الحاشية. 4 في "المسند" "4/ 104-105". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 كتب إليَّ أبو توبة الربيع بن نافع، فكان فى كتابه: حدَّثَنَا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليم بن موسى، عن كثير بن مرة، عن يزيد بن الأخنس، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تنافس بينكم إلّا في اثنتين: رجل أعطاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن الله أعطانى مثل ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به؛ ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفق ويتصدق، فيقول رجل: لو أن الله أعطانى مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به"] 1. وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد2: حدَّثَنَا عبد الله بن نمير، ثنا   = وأخرجه الفريابي في "فضائل القرآن" "107"، وأبو الشيخ في "الأمثال" "199"، والطبراني في "الكبير" "ج22/ رقم 626"، وفي "الأوسط" "2992"، وفي "مسند الشاميين" "1212"، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" "ج18/ ل233"، والخطَّابي في "الغريب" "1/ 194"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم1820" من طريق الهيثم بن حميد بسنده سواء. قال المنذري في "الترغيب" "1/ 439", والهيثمي في "المجمع" "2/ 256": "رجاله ثقات". قلت: ولكنه منقطع، قال أبو مسهر: "سليمان بن موسى لم يدرك كثير من مرة". ولكن له طريق آخر, أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" "ج11/ ق192/ 2-193/ 1" وإسناده جيد. والله أعلم. 1 ما بين المعكوفين ساقط من سياق "ط" وقيد بالحاشية. 2 في "المسند" "4/ 231". وأخرجه الترمذي "2325"، والطبراني في "الكبير" "ج22/ رقم 855، 868"، والبغوي في "شرح السنة" "14/ 289-290" من طريق عبادة بن مسلم بسنده سواء. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". قلت: لكن يونس بن خباب ضعيف، ولكن له طريق آخر ويأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 عبادة بن مسلم، وحدَّثَنِي يونس بن حباب، عن سعيد أبى البحترى الطائى، عن أبى كبشة قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، فأما الثلاث التى أقسم عليهن، فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظُلِمَ أحدٌ مظلمة فيصبر عليها الا زاده الله بها عزًّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر، وأما الذى أحدثكم حديثا فاحفظوه -فإنه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقى فيه ربه، ويصل رحمه، ويعلم " الله "1 فيه حقه -قال- فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً، فهو يقول: لو كان لى مال عملت بعمل فلان -قال- فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا فهو يخبط فى ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو كان لى مال لفعلت بعمل فلان -قال- هى نيته فوزرهما فيه سواء". وقال أيضًا2: حدَّثَنَا وكيع، ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد   1 من "جـ" و"ط" و"ل". 2 أخرجه أحمد في "المسند" "4/ 230، 231". وأخرجه ابن ماجه "4228"، وأبو عوانة في "صحيحه" -كما في "الفتح" "9/ 74", ووكيع "240"، وهنَّاد بن السري "586"؛ كلاهما في "الزهد"، والمروزي في "زوائد الزهد" "999"، والفريابي في "الفضائل" "105، 106"، والطحاوي في "المشكل" "263"، والطبراني في "الكبير" "867"، وابن الأعرابي في "معجمه" "ج4/ ق64/ 2-10/ 189/ 1"، والبيهقي "4/ 189", وسنده صحيح كما قال المصنِّف، وأعلَّه الحافظ في "النكت الظراف" "9/ 274" بما ينظر فيه. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 عن أبى كبشة الأنمارى قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلمًا، فهو يعمل به " فى "1 ماله ينفقه فى حقه، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو كان لى مثل هذا عملت فيه مثل الذى يعمل" قال: قال رسول الله: "فهما فى الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علمًا، فهو يخبط فيه ينفقه فى غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو كان لى مثل مال هذا عملت فيه مثل الذى يعمل" قال: قال رسول الله: "فهما فى الوزر سواء". إسناد صحيح، "ولله الحمد والمنة"2.   1 في "جـ" و"ط" و"ل": "فيهما". 2 من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ: حدَّثَنَا1 حجاج بن منهال، ثنا شعبة، أخبرنى علقمة بن مرثد، سمعت سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن، عن عثمان بن عفان -رضى الله عنه، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان -رضى الله عنه- حتى كان الحجاج، قال، وذلك الذى أقعدنى مقعدى هذا. وقد أخرج الجماعة هذا الحديث، سوى مسلم من رواية شعبة, عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عُبَيْدة، عن أبي عبد الرحمن؛ وهو عبد الله ابن حبيب السلمى -رحمه الله. وحَدَّثَنَا2 أبو نعيم، ثنا سفيان, عن عقلمة بن مرثد, عن أبي عبد الرحمن السلمى، عن عثمان بن عفان -رضى الله عنه- قال: قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 74". وأخرجه أبو داود "1452"، والنسائي في "فضائل القرآن" "61"، والترمذي "2907"، والدارمي "2/ 314"، وأحمد في "المسند" "1/ 58"، وفي "الزهد" "366", وخَلْقٌ كثير من طريق شعبة بسنده سواء. وأخرجه النسائي "62"، والترمذي "5/ 174"، وابن ماجه "211"، وأحمد "1/ 69" من طريق يحيى القطان، ثنا شعبة وسفيان معًا, عن علقمة ابن مرثد، عن سعد بن عُبَيْدَةَ، عن أبى عبد الرحمن السلمي، عن عثمان. 2 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 74". وأخرجه النسائي في "الفضائل" "63"، والترمذي "2908"، وأحمد "1/ 57" وغيرهم من طرق عن سفيان الثوري بسنده سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وهكذا رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه من طرق، عن سفيان، عن علقمة, عن أبى عبد الرحمن من غير ذكر سعد بن عبيدة، كما رواه شعبة ولم يختلف عليه فيه. وهذا المقام مما حكم لسفيان الثورى فيه على شعبة, وخطَّأَ بندار يحيى1 بن سعيد فى روايته ذلك عن سفيان, عن عقلمة, عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن، وقال: رواه جماعة من أصحاب سفيان عنه بإسقاط سعد بن عبيدة، ورواية سفيان أصح. وفى هذا المقام المتعَلِّق بصناعة الإسناد طول، لولا الملالة لذكرناه، فيما ذكر كفاية وإرشاد إلى ما ترك، والله أعلم. والغرض أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" , وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكُمَّلُ فى أنفسهم المُكَمِّلِينَ لغيرهم، وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدى، وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون ولا يتركون أحدًا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88] ، وكما قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26] ، فى أصحِّ قولى المفسرين فى هذا: هو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن، مع نأيهم وبعدهم عنه أيضًا، فجمعوا بين التكذيب والصدِّ، كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام: 157] فهذا شأن شرار الكفار، كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يتكمَّل فى نفسه، وأن يسعى في تكْمِيلِ غيره، كما قال   1 كلَّا! لم يخطئ يحيى القطان في روايته، وقد استوفيت تخريج الحديث، وتعليله، وترجيح الراجح في "تسلية الكظيم"، فلله الحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 -عليه السلام: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"، وكما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] ، فجمع بين الدعوة إلى الله، سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى؛ من تعليم القرآن والحديث والفقه, وغير ذلك مما يبتغى به وجه الله، وعمل هو فى نفسه صالحًا، وقال قولاً صالحًا أيضًا، فلا أحد أحسن حالاً من هذا, وقد كان أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمى الكوفى أحد أئمة الإسلام ومشايخهم ممن رَغَّبَ فى هذا المقام، فقعد يعلِّمُ الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج. 1 [قالوا: وكان مقدار ذلك الذى مكث يعلم فيه القرآن سبعين سنة] 1، رحمه الله "وأثابه"2، وآتاه ما طلبه ورامه، آمين. 3 [ثم قال البخارى4: حدَّثَنا عمرو بن عون، ثنا حمَّاد بن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أتَتِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة، فقالت: إنها قد وهبت   "1-1" سقط من سياق "أ" واستدرك في الحاشية. 2 ساقط من "جـ". 3 من أول هنا إلى آخر الفصل ساقط من "جـ". 4 في "فضائل القرآن" "9/ 74". وأخرجه مالك "2/ 526/ 8" و"1/ 572 -رواية أبي مصعب"، والبخاري "4/ 486، 9/ 78، 131، 175، 180، 181، 188، 190, 191، 198، 205، 216 و10/ 322-323 و13/ 402 فتح"، ومسلم "1425/ 77"، وأبو داود "2111"، والنسائي "6/ 123"، والترمذي "1114"، وابن ماجه "1889"، والدارمي "2/ 65-66"، وأحمد "5/ 330، 336"، وغيرهم من طرق عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، وقال الترمذي: "حَسَنٌ صَحِيحٌ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 نفسها لله ولرسوله، فقال: "ما لي فى النساء من حاجة"، فقال رجل: زوجنيها؟ قال: "أعطها ثوبًا"، قال: لا أجد، قال: "أعطها ولو خاتما من حديد"، فاعتل له، فقال: "ما معك من القرآن"؟ قال: كذا وكذا، قال: "قد زوجتكها بما معك من القرآن". وهذا الحديث متفق على صحة إخراجه من طرق عديدة. والغرض منه الذى قصده البخارى: أن هذا الرجل تعلَّم الذى تعلَّمه من القرآن، وأمره النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ان يُعَلِّمَ تلك المرأة, ويكون ذلك صداقا لها على ذلك، وهذا فيه نزاع بين العلماء: هل يجوز أن يجعل "مثل هذا"1 صداقًا؟ أو هل يجوزك أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟ وهل هذا كان خاصا بذلك الرجل؟ وما معنى قوله -عليه السلام: "زوجتكها بما معك من القرآن"؛ أى: بسبب ما معك، كما قاله أحمد بن حنبل: نكرمك بذلك أو يعوض ما معك، وهذا أقوى؛ لقوله فى صحيح مسلم: "فعلمها"، وهذا هو الذى أراده البخاري ههنا، وتحرير باقى الخلاف مذكور فى باب النكاح والإجارات، وبالله المستعان] 2.   1 بياض في "أ". 2 إلى هنا انتهى السقط الذي نبهنا عليه آنفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 القراءة عن ظهر قلب : إنما "أفراد"1 البخارى فى هذه الترجمة حديث أبى حازم بن سهل بن سعد؛ الحديث الذى تقدَّمَ الآن، وفيه أنه -عليه السلام- قال للرجل: "فما معك من القرآن"؟ قال: معى سورة كذا وسورة كذا؛ لسور عدها، قال: "أتقرؤهن عن ظهر قلب"؟؛ قال: نعم، قال: "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن". وهذه الترجمة من البخارى -رحمه الله- مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل، والله أعلم. ولكن الذى صرَّح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر فى المصحف، وهو عبادةٌ كما صرَّح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه. واستدلُّوا على أفضلية التلاوة فى المصحف بما رواه الإمام "العلم"2 أبو عبيد -رحمه الله- في كتابه "فضائل القرآن"3:   1 في "أ": "أورد". 2 في "ل": "العالم". 3 "ص46". وأخرجه ابن شاهين في "الترغيب" "194" من طريق أبي عبيد بسنده سواء، وسنده ضعيف جدًّا، وليس كما قال المصنِّف: "فيه ضعف"، وضعَّفَه الحافظ في "الفتح" "9/ 78"، والزبيدي في "إتحاف السادة" "4/ 495". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 حدثنا نُعَيْم بن حمَّاد، عن بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن "سليمان بن سليم"1، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فضل قراءة القرآن نظرًا على من يقرؤه ظهرًا كفضل الفريضة على النافلة". وهذا الإسناد فيه ضعف، فإن معاوية بن يحيى هذا هو الصدفى أو الأطرابلسى، وأيا ما كان فهو ضعيف. وقال الثورى2, عن عاصم, عن زر, عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف. وقال حمَّاد بن سلمة3 عن على بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس عن عمر، أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف، فقرأ فيه. وقال حمَّاد4 أيضًا, عن ثابت, عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن   1 وقع اضطراب في هذا الاسم، ففي "أ" و"ط": "سليم بن مسلم"، وفي "جـ": "سليمان بن مسلم". 2 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص46"، وعبد الرزاق "ج3/ رقم 5979"، وابن أبي شيبة "10/ 531", والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8687، 8696" من طرق عن الثوري به، وسنده حسن. 3 أخرجه أبو عبيد "ص46", قال: حدَّثَنا حجاج، عن حمَّاد بن سلمة بسنده سواء، وهذا سند مقارب، ورواية حمَّاد بن سلمة عن عليٍّ بن زيد متماسكة، والله أعلم. 4 أخرجه أبو عبيد "ص47" أيضًا قال: حدَّثَنَا حجاج عن حمَّاد بسنده سواء, ويشهد له ما أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 562" عن مسروق قال: كان عبد الله -يعني ابن مسعود- يقرأ بنا القرآن في المجلس ثم يجلس بعده يحدِّثُ الناس, لكن الأعمش لم يسمع من مسروق، ولم أجد أحدًا نصَّ على روايته عنه. فالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ابن مسعود أنه كان إذا اجتمع اليه إخوانه؛ نشروا المصحف، "فقرءوا"1 وفسَّرَ لهم. إسناد صحيح. وقال حمَّاد2 بن سلمة عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبى فاخته، عن ابن عمر، قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ. وقال3 الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ فى المصحف، فقال: هذا جزئى الذى أقرأ به الليلة. فهذه الاثار تدل على أن هذا أمر مطلوب؛ لئلا يُعَطَّلَ المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية، أو تقديم أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال. فأما تلقين القرآن؛ فمن فم الملقِّنِ أحسن؛ لأن الكتابة لا تدل على الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط؛ يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدَّى الحال إلى هذا، منع منه إذا وجد شيخًا يوقفه على ألفاظ القرآن, فأما عند العجز عمَّا يلقن؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فاذا قرأ فى المصحف والحالة هذه؛ فلا حرج عليه، ولو فُرِضَ أنه قد يُحَرِّفُ بعض   1 في "أ": "فقرأ" بالإفراد. 2 أخرجه أبو عبيد "ص46" قال: حدثنا حجاج، عن حمَّاد بن سلمة بسنده سواء، وسنده ضعيف، وابن أرطاة وثوير ضعيفان، وحجاج أمثلهما. 3 أخرجه أبو عبيد "ص47"، وابن أبي شيبة "10/ 530-531" من طريقين عن الأعمش بسنده سواء، وسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه. فقد قال الإمام أبو1 عبيد: حدثنى هشام بن إسماعيل الدمشقى، عن محمد بن شعيب، عن الأوزاعى، أن رجلا صحبهم فى سفر، قال: فحدَّثَنا حديثا، ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن العبد إذا قرأ، فحرَّف أو أَخطَأَ؛ كتبه الملك كما أنزل". وحدَّثَنَا حفص بن أبى غياث، عن الشيبانى، عن بكير بن الأخنس قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن؛ كتبه الملك كما أنزل. وقال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع، فإن "كان"2 الخشوع أكثر عند أكثر؛ فهل أفضل، فإن استويا، فالقراءة نظرًا أولى؛ لأنها أثبت، وتمتاز بالنظر إلى المصحف. قال الشيخ أبو زكريا النواوى -رحمه الله- فى التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.   1 أخرجه أبو عبيد "ص47"، وسنده ضعيف، لإعضاله. وعزاه السيوطي في "الجامع" للديلمي في "مسند الفردوس" عن ابن عباس، فقال المناوي في "فيض القدير" "1/ 416": "فيه هشيم بن بشير، قال الذهبي: حافظ حجة مدلس عن أبي بشر مجهول". أ. هـ. كذا قال! وأبو بشر هذا هو جعفر بن إياس، وهو ثقة، فإن كان رواه عن مجاهد عن ابن عباس؛ ففي روايته عن مجاهد ضعف، وإن كان يرويه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ فسنده قوي. والله أعلم. 2 ساقط من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 تنبيه: إن كان البخارى -رحمه الله- أراد بذكر حديث سهل الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها فى المصحف, ففيه نظر. لأنها1 قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة، ويعلم ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقًا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل على هذا لكان ذكر حال رسول الله وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدرك الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده. الثانى: إن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد ههنا أن هذا أفضل من التلاوة نظرًا ولا عدمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.   1 يعني: أوّلًا؛ لأنه سيذكر وجهًا آخر بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 استذكار القرآن وتعاهده حدَّثَنَا عبد الله1 بن يوسف، أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إنما مَثَلُ صاحب القرآن كمَثَلِ صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت". هكذا رواه مسلم والنسائى من حديث مالك به. وقال الإمام أحمد2: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمَثَلِ رجلٌ له ابل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن". أخرجاه، قاله ابن الجوزى فى "جامع المسانيد"، وإنما هو من أفرد مسلم من حديث عبد الرزاق به. حدَّثَنَا3 محمد بن عرعرة، ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي وائل،   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 79". وأخرجه أيضًا مسلم "789/ 226-227"، ومالك "1/ 202/ 6"، والنسائي "2/ 154", وفي "فضائل القرآن" "66، 68"، وابن ماجه "3783"، وأحمد "2/ 17، 23، 26، 30، 64، 112"، وغيرهم، من طريق نافع، عن ابن عمر مرفوعًا. 2 في "المسند" "2/ 35-36". وأخرجه عبد الرزاق "ج3/ رقم 5971"، ومسلم، وابن ماجه "3783" عن معمر بسنده سواء. 3 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 79، 80". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 عن عبد الله قال: قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نُسِّيَ، واستذكروا القرآن، فإنه أشد تفصِّيًا من صدور الرجال من النَّعَم". تابعه1 بشر؛ هو ابن محمد السختيانى, عن ابن المبارك, عن شعبة، وقد رواه الترمذى عن محمود بن غيلان، عن أبى داود الطيالسى، عن شعبة به، وقال: حَسَنٌ صحيحٌ. وأخرجه النسائى من رواية شعبة. وحدثنا1 عثمان، "ثنا"2 جرير عن منصور مثله, وهكذا رواه مسلم عن عثمان وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم عن جرير به. وستأتى رواية البخارى له عن أبى نُعَيْم، عن سفيان الثورى, عن منصور به. والنسائى من رواية ابن عُيَيْنَة، عن منصور به. فقد رواه هؤلاء عن منصور به مرفوعًا في رواية هؤلاء كلهم. وقد رواه ....................................................   = وأخرجه مسلم "790/ 228-230"، والنسائي في "المجتبي" "2/ 154-155"، وفي "عمل اليوم والليلة" "727"، وفي "فضائل القرآن" "67"، والترمذي "4922"، والدارمي "2/ 217-218، 316"، وأحمد "1/ 381-382، 417، 423، 438، 439، 463"، والطيالسي "261" وغيرهم من طُرُقٍ عن منصور، عن أبي وائل، عن ابن مسعود مرفوعًا. 1 نفس تخريج الهامش رقم "3" بالصفحة السابقة. 2 في "أ": "ابن"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 النسائى1 عن قتيبة، عن حمَّاد بن زيد، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله موقوفًا. وهذا غريب. وفي "مسند أبى يعلى"2: "فإنما هو نَسِيَ" بالتخفيف. وتابعه ابن جريج عن عَبْدَةَ, عن شقيق قال: سمعت عبد الله قال: سمعت النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به. ورواه النسائي في "اليوم والليلة" من حديث بن جحادة, عن عبدة -وهو ابن أبي لبابة- به. حدَّثَنَا محمد بن العلاء، حدَّثَنا أبو أسامة، عن يزيد، عن أبي بردة، عن أبى موسى، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "تعاهدوا القرآن، فوالذى نفسى بيده، لهو أشد تفصَّيًا من الإبل في عُقُلِهَا" 3.   1 في "اليوم والليلة" "728". وقد خولف قتيبة؛ خالفه عفان بن مسلم، فرواه عن حمَّاد بن زيد بسنده سواء مرفوعًا بأتم منه. أخرجه أحمد "1/ 463" ولا تُعِلُّ إحدى الروايتين الأخرى؛ لثقة الذين رووا الوجهين، فكأن ابن مسعود كان يرفعه مرة، ويحكيه من قبل نفسه أخرى. والله أعلم. 2 في "المسند" "ج9/ رقم5136". وعزاه الحافظ في "الفتح" "9/ 80" لابن أبي داود في "كتاب الشريعة"، وقال: "بخط موثوق به، على كل سين علامة التخفيف". 3 ذكره البخاري في "الفضائل" "9/ 79". ووصله مسلم "790/ 230"، والنسائي في "اليوم والليلة" "724"، وأبو عوانة في "صحيحه" -كما في "الفتح" "9/ 82", وأحمد "1/ 449"، وعبد الرزاق "ج3/ رقم 5969"، وابن أبي عاصم في "السنة" "422"، والطبراني في "الكبير" "ج10/ رقم 10437"، وأبو نُعَيْم في "أخبار أصبهان" "2/ 290" من طرق عن ابن جريج، عن عَبْدَةَ بن أبي لبابة بسنده سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وهكذا رواه مسلم عن أبى كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد الأشعري، كلاهما عن أبي أسامة حمَّاد بن أسامة به1. وقال الامام أحمد: حدَّثَنا علي بن إسحاق، أنا عبد الله بن المبارك، أنا موسى بن على، سمعت أبى يقول: سمعت عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تعلَّمُوا كتاب الله وتعاهدوه وتغنوا به، فوالذى نفسى بيده، لهو 2 اشد تفلتا من المخاض فى العُقُل" 3. ومضمون هذه الأحاديث الترغيب فى كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده؛ لئلًَّا يعرضه حافظة للنسيان، فإن ذلك خطأ كبير، نسأل الله   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 79". وأخرجه مسلم "791/ 231"، وأحمد "4/ 397، 411"، وابن أبي شيبة ط2/ 500 و10/ 477"، وأبو يعلى "ج13/ رقم 7305""، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1809"، وفي "الأربعون الصغرى" "45"، وأبو نُعَيْم في "أخبار أصبهان" "2/ 11" من طريقين عن بريد ابن عبد الله بسنده سواء. 2 في "جـ": "هو". 3 في "مسنده" "4/ 146". وأخرجه النسائي في "الفضائل" "60"، والدارمي "2/ 316"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص140"، وابن حِبَّان "1788"، والفريابي في "فضائل القرآن" "162، 163"، وابن أبي شيبة "2/ 500 و10/ 477"، والطبراني في "الكبير" "ج17/ رقم 801"، والبيهقي في "الشعب" "1815" وسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 العافية منه. فإنه قال الإمام أحمد1: حَدَّثَنا خلف بن الوليد، ثنا خالد, عن يزيد بن أبى زياد, عن عيسى بن فايد, عن رجل, عن سعد بن عبادة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من أمير عشرة إلّا يُوتَى به يوم القيامة مغلولاً, لا يفكُّه من ذلك الغُلِّ إلا العدل, "وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقى الله يوم يلقاه، وهو أجذم"2". وهكذا رواه جرير3 بن عبد الحميد ومحمد بن فضيل4، عن يزيد ابن أبي زياد، كما رواه خالد بن عبد الله. وقد أخرجه .....................................................................   1 في "المسند" "5/ 385". وأخرجه الحربي في "الغريب" "2/ 428"، والطبراني في "الكبير" "ج6/ رقم5389، 5392", والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1818" من طريق خالد بن عبد الله الطحان بسنده سواء. وهذا سند ضعيف جدًّا، ويزيد ابن أبي زياد ضعيف، وعيسى بن فائد مجهول، ثم جهالة شيخه أيضًا، ثم الاضطراب في إسناده، وقد فصلت كل ذلك في "التسلية"، ولكن للشطر الأول بعض الشواهد تصححه؛ منها حديث أبي أمامة، قوّاه شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني -حفظه الله- في "الصحيحة" "349"، فراجعه. 2 ساقط من "أ". 3 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص103-104" قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عيسى بن فائد، عمن سمع سعد بن عبادة، فذكره. 4 أما طريق محمد بن فضيل، فأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 478 و12/ 219"، والبزار "ج2/ رقم 1642"، والطبراني في "الكبير" "ج6/ رقم 5388، 5391". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 أبو داود1 عن محمد بن العلاء، عن ابن ادريس2، عن يزيد بن أبى زياد، عن عيسى بن فايد، عن سعد بن عبادة, عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقصة نسيان القرآن، ولم يذكر الرجل المبهم3. وكذا رواه أبو بكر بن عباس عن يزيد بن أبى زياد، وقد رواه سعيد عن4 زيد، ووَهِمَ فى إسناده. ورواه وكيع عن أصحابه عن زيد بن عيسى بن فايد, عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرسلاً. وقد رواه الإمام أحمد5 فى "مسند عبادة بن الصامت"، فقال: ثنا عبد الصمد، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا يزيد بن أبى زياد، عن عيسى بن فايد، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكُّه منها إلا عدلُه, وما من رجل تعلَّم القرآن ثم نسيه إلّا لقي الله يوم القيامة أجذم". وكذا رواه أبو عوانة عن يزيد بن أبى زياد. ففيه اختلاف، لكن هذا فى باب الترهيب مقبول6، والله أعلم   1 في "سننه" "1474" ومن طريقه الخطيب في "الجامع" "1/ 110". 2 في "جـ": "ابن أبي إدريس"!! 3 راجع "تحفة الأشراف" "3/ 274" للمزي. 4 في "أ": "ابن"!! 5 في "مسنده" "5/ 323". 6 في هذا القول نظر، فلا يثبت وعيد إلّا بنصٍّ صحيح، وقد قدمنا إن إسناد الحديث ضعيف جدًّا؛ للضعف والجهالة والاضطراب، نعم قد يستفاد الوعيد من ظاهر نصوص أخرى كما يأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 لا سيما إن كان له شاهد من وجه آخر، كما: قال أبو عُبَيْد1: حدَّثَنا حجاج، عن ابن جريج قال: حُدِّثْتُ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُرِضَتْ عليَّ أجور أمتي، حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد، وعُرِضَتْ عليَّ ذنوب أمتى، فلم أر ذنبًا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها". قال ابن جريج1: وحُدِّثْتُ عن سلمان الفارسى قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أكبر "ذنب"2 توافى به أمتى يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها". وقد روي أبو داود والترمذى وأبو يعلى والبزار وغيرهم من حديث   1 في "فضائل القرآن" "ص103", وسنده ضعيف معضل أو منقطع, ولكن أخرجه أبو داود "461"، والترمذي "2916"، وابن خزيمة "ج2/ رقم 1297"، وأبو يعلى "ج7/ رقم4265"، والبيهقي في "الشعب" "1814"، وفي "الكبرى" "2/ 440"، والخطيب في "الجامع" "1/ 109"، والبغوي في "شرح السنة" "2/ 364"، وابن الجوزي في "الواهيات" "1/ 109" من طريق عبد المجيد بن أبى رواد، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبد الله عن أنس, وقال الترمذي: "غريب"، واستغربه البخاري أيضًا، وأعله بالانقطاع بين المطلب وأنس، وأعله الدارقطني بالانقطاع بين ابن جريج والمطلب, وقد اختلف فيه علي عبد المجيد بن أبي رواد، وعلى ابن جريج كما ذكرته في "التسلية"، وأقوى الوجوه عندي ما رواه عبد الرزاق "ج3/ رقم5977", وعنه الطبراني والخطيب في "الجامع" "1/ 108" عن ابن جريج، عن رجل، عن أنس, والحديث على أي وجه كان لا يصح. والله أعلم. 2 في "أ": "ذنوب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ابن أبى رواد، عن ابن جريج، عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُرِضَتْ عليَّ أجور أمتى، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعُرِضَتْ عليَّ ذنوب أمتى فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نَسِيَهَا". قال الترمذى: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به البخارى فاستغربه. وحكى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك. "قلت": وقد رواه محمد بن يزيد الآدمى، عن ابن أبى رواد، عن ابن جريج، عن الزهرى، عن أنس؛ عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به، فالله أعلم. وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى فى قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124-126] . وهذا الذى قاله هذا وان لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به؛ فيه تهاون كبير وتفريط شديد، نعوذ بالله منه. ولهذا قال -عليه السلام: "تعاهدوا القرآن" , وفى لفظ: "استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصِّيًا من صدور الرجال من النَّعَم". التفصي: التَّخَلُّص، يقال: تفصَّى فلان من البلية؛ إذا تخلَّصَ منها، ومنه: تفصَّى النوى من الثمرة؛ إذا تخلص منها، أي: أن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النَّعَم إذا أرسلت من غير عقال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وقال أبو عبيد1: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: إني لأمقت القارئ إ أراه سمينًا نسيًا للقرآن. وحدثنا2 عبد الله بن المبارك، عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: ما من أحد تعلم القرآن "ثم نسيه"3، إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] ، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب. ولهذا قال إسحاق بن راهويه وغيره: يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يومًا لا يقرأ فيها القرآن، كما أنه يكره له أن يقرأه فى أقل من ثلاثة أيام، كما سيأتى هذا، حيث يذكره البخارى بعد هذا، وكان الأليق أن يتبعه هذا الباب، ولكن ذكر بعد هذا قوله:   1 في "فضائل القرآن" "ص-104". وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" "4/ 227" من طريق جرير، عن الأعمش بسنده سواء، ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، فلم يدركه. والله أعلم. 2 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص-104"، وفي "غريب الحديث" "1/ 145". وأخرجه ابن المبارك "85" ووكيع "95" كلاهما في "الزهد"، وابن أبي شيبة "10-478-479" وابن أبي حاتم في "تفسيره" -كما في "ابن كثير" "7/ 196"- والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم1813" من طريق عبد العزيز بن أبي رواد، سمعت الضحاك بن مزاحم، فذكره، وسنده جيد. 3 في "ا": "فنسيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 القراءة على الدابة : حدثنا1 حجاج، أنا شعبة، أنا أبو إياس قال: سمعت عبد الله بن مغفل -رضى الله عنه- قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح. وهذا الحديث قد خرَّجَه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن شعبة، عن أبى إياس، وهو معاوية بن قرة به. وهذا أيضًا له تعلُّق بما تَقَدَّمَ من تعاهُد القرآن وتلاوته سفرًا وحضرًا، ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارئ فى الطريق، وقد نقله ابن أبى داود عن أبى الدرداء أنه كان يقرأ فى الطريق. وقد رُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فى ذلك، وعن الإمام مالك أنه كره ذلك. كما قال ابن أبى داود: حدثنى أبو الربيع، أنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن الرجل يصلى من آخر الليل، فخرج إلى المسجد، وقد بقى من السورة التى كان يقرأ منها شىء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 83، 92". وأخرجه أيضًا في "خلق الأفعال" "282، 283"، ومسلم "794/ 237، 238، 239"، وأبو داود "1467"، والنسائي في "الفضائل" "79، 80" والترمذي في "الشمائل" "312", وأحمد "4/ 85، 86 و5/ 54، 55، 56", وغيرهم من طرق عن شعبة به. فقول المصنِّف: رواه الجماعة إلّا ابن ماجه؛ فيه تسامح، فكان ينبغي تقييد رواية الترمذي بـ "الشمائل"، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وقال الشعبى: تُكرهُ قراءة القرآن فى ثلاثة مواضع: في الحمام، وفي الحشوش، وفي بيت الرحى وهي تدور. وخالفه في القراءة فى الحمام كثير من السلف؛ أنها لا تكره، وهو مذهب مالك والشافعي وإبراهيم النخعى وغيرهم. وروى ابن أبى داود عن عليٍّ بن أبى طالب أنه كره ذلك، ونقله ابن المنذر عن أبى وائل شقيق بن سلمة والشعبى والحسن البصرى ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، وهو رواية عن إبراهيم النخعى. ويُحكى عن أبى حنيفة -رحمه الله- أن القراءة فى الحمام تُكْرَهُ. وأما القراءة فى الحُشِّ فكراهتها ظاهره، ولو قيل بتحريم ذلك صيانة لشرف القرآن؛ لكان مذهبا, وأما القراءة فى بيت الرحى وهى تدور؛ فلئلا يعلو غير القرآن عليه، والحق يعلو ولا يعلى، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 تعلُّم الصبيان القرآن: حدَّثَنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير قال: إن الذى تدعونه المفَصَّل هو المحكم. قال: وقال ابن عباس: توفى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم. حدَّثَنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا هشيم، أنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، جمعت المحكم فى عهد النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصَّل. انفرد بإخراجه البخارى1، وفيه دلالة على جواز تعلُّم الصبيان القرآن؛ لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان جَمَعَ المفصَّل، وهو من الحجرات، كما تَقَدَّمَ ذلك، وعمره إذ ذاك عشر سنين. وقد روى2 البخارى أنه قال: توفى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا مختون،   1 في "الفضائل" "9/ 83". وأخرجه أحمد "2283، 2601، 3125" من طرق عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. 2 في "كتاب الاستئذان" "11/ 88" عن سعيد بن جبير قال: سُئِلَ ابن عباس: مِثْلُ مَنْ أنت حين قُبِضَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أنا يومئذ مختون ... إلخ, ثم روي عن ابن عباس قال: قُبِضَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ختين. وأخرجه أحمد "2379" من طريق محمد بن إسحاق، حدثني الحجاج بن أرطاة، عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عباس ... فذكره باللفظ الثاني. قال الشيخ أبو الأشبال: إسناده صحيح، ولعله في "صحيح مسلم"! قلت: كذا! والحجاج فيه مقال مشهور! ثم الحديث تفرَّد به البخاري دون مسلم، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وكانوا لا يختنون حتى يحتلم، فيحتمل أنه احتلم لعشر سنين؛ جمعًا بين هذه الرواية وتلك، ويحتمل أنه تجوز فى هذه الرواية بذكر العشر وترك ما زاد عليها من الكسر، والله أعلم. وعلى كل تقدير، ففيه دلالة على جواز تعليم القرآن فى الصِّبا، وهو ظاهر، بل قد يكون مستحبا أو واجبا؛ لأن الصبى إذا تعلَّم القرآن بلَغَ وهو يعرف ما يصلى به، وحفظُه فى الصِّغَرِ أولى من حفظِه كبيرا، وأشد علوقا بخاطره، وأرسخ وأثبت، كما هو المعهود في حال الناس. وقد استحبَّ بعض1 السلف أن يترك الصبى فى ابتداء عمره قليلا للعب، ثم توفر همته على القراءة؛ لئلا يلزم أولاً بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب. وكره بعضهم2 تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يُقَال له، ولكن يُترك حتى إذا عَقِلَ ومَيَّزَ عُلِّمَ قليلًا قليلا، بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه. واستحبَّ3 عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أن يلقن خمس آيات   1 منهم سعيد بن جبير, وانظر "فتح الباري" "9/ 83". 2 منهم إبراهيم النخعي، أخرجه ابن أبي داود كما في "الفتح". 3 أخرجه الإسماعيلي -كما في "مسند الفاروق" "1/ 170" للمصنف- والبيهقي في "الشعب" "1807"، وأبو نعيم في "الحلية" "9/ 319"، والخطيب في "تاريخه" "13/ 287" من طريق علي بن بكار، عن أبي خلدة خالد بن دينار، عن أبي العالية، عن عمر بن الخطاب قال: تعلَّموا القرآن خمسًا خمسًا، فإن جبريل -عليه السلام- نزل بالقرآن على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا خمسًا. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 خمس آيات. رويناه عنه بسند جيد.   = وقد جوَّد المصنِّفُ سنده، وفيه نظر، فقد خُولِفَ علي بن بكار؛ خالفه وكيع ومسلم بن إبراهيم والفضل بن دكين، فرووه عن أبي خلدة، عن أبي العالية. قوله: أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 461"، وابن أبي حاتم في "العلل" "ج2/ رقم 1749"، والبيهقي في "الشعب" "1806" وقال: "رواية وكيع أصح" وكذا رجح أبو زرعة أنه من قول أبي العالية، ليس عن عمر، والله أعلم. وعزا السيوطي في "الدر المنثور" "4/ 205" نحوه لأبي سعيد الخدري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا؟ وقول الله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} حدَّثَنا1 الربيع بن يحيى، ثنا زائدة، ثنا هشام، "عن"2 عروة، عن عائشة قالت: لقد سمع النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلا يقرأ فى المسجد، فقال: "يرحمه" 3 الله، لقد أذكرنى أية كذا وكذا من سورة كذا". انفرد به. وحدَّثنا4 محمد بن عبيد بن ميمون، ثنا عيسى بن يونس، عن هشام، وقال: "أسقطتهن من سورة كذا وكذا". انفرد به أيضا, تابعه عليُّ بن5 مسهر وعَبْدَة6 عن هشام. وقد أسندهما البخارى فى "موضع آخر" ومسلم معه فى عَبْدَة. حدثنا أحمد5 بن أبى رجاء، ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا يقرأ في سورة   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 84-85". 2 في "أ": "ابن". 3 في "أ": "رحمه". 4 البخاري في "كتاب الشهادات" "5/ 264". 5 في "فضائل القرآن" "9/ 87". 6 في "كتاب الدعوات" "11/ 136". وأخرجه مسلم "788/ 224، 225"، وأبو داود "1331، 3970"، والنسائي في "فضائل القرآن" "31"، وأحمد "6/ 62، 138"، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" "86، 87"، وابن أبي داود في "مسند عائشة" "70"، وأبو يعلى "ج7/ رقم 4492"، وابن حِبَّان "107"، من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 بالليل، فقال: "يرحمه الله، لقد أذكرنى كذا وكذا "أية"1 كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا". ورواه مسلم من حديث أبى أسامة حَمَّاد بن أسامة. "الحديث2 الثانى": حدَّثَنَا أبو نُعَيْم، ثنا سفيان، عن منصور، عن أبى وائل، عن عبد الله -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ". ورواه مسلم والنسائى من حديث منصور به، وقد تَقَدَّم. وفى "مسند أبى يعلى": "إنما هو نَسِيَ" بالتخفيف. هذا لفظه. وفى هذا الحديث والذى قبله دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له، "إذا كان"3 بعد الاجتهاد والحرص. وفى حديث ابن مسعود أدبٌ فى التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد تَصْدُرُ عنه أسبابه؛ من التناسى والتغافل والتهاون المفضى إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله، ولهذا قال: بل هو نُسِّيَ؛ مَبْنِيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، وأدب أيضًا فى ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد فى قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] ، وهو -والله أعلم- من باب المجاز الشائع بذكر المسَبَّبِ وإرادة السبب؛ لأن النسيان إنما يكون عن سبب قد يكون ذنبا، كما تَقَدَّمَ عن الضحاك بن مزاحم، فأمر الله تعالى   1 كذا في "الأصول", وليست هذه اللفظة في "البخاري" من حديث أبي أسامة عن هشام، ووقعت في رواية عليّ بن مسهر. 2 مَرَّ تخريجه في باب: "استذكار القرآن وتعاهده" "ص213-214". 3 ساقط من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بذكره؛ ليذهب الشيطان عن القلب، كما يذهب عند النداء بالأذان، والحسنة تذهب السيئة، فإذا زال السبب للنسيان؛ انزاح فحصل الذكر للشىء بسبب ذكر الله تعالى، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 من لم ير بأسا أن يقول: سورة البقرة وسورة كذا وكذا : حدَّثَنَا1 عمر بن حفص بن غِيَاث، ثنا أبى، ثنا الأعمش، حدثني إبراهيم عن علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد, عن أبى مسعود الأنصارى قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما فى ليلة كفتاه". وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبد الرحمن بن يزيد. وصاحِبَا2 الصحيح, والنسائى, وابن ماجة, من حديث علقمة، كلاهما عن ابن مسعود "عقبة"3 بن عمرو الأنصارى البدرى. "الحديث4 الثانى": ما رواه من حديث الزُّهريّ عن عُرْوَةَ, عن المِسْوَرِ، وعبد الرحمن بن عبد القارى، كلاهما عن عمر قال: سمعت   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 87". وأخرجه أيضًا في "الفضائل" "9/ 55" باب: فضل سورة البقرة من طريق شعبة، عن الأعمش به. وأخرجه أيضًا مسلم "807/ 255"، وأبو داود "1397"، والنسائي في "اليوم والليلة" "718-720"، والترمذي "2881"، وابن ماجه "1369"، والدارمي "1/ 349، 2/ 450"، وأحمد "4/ 122" من طرق عن منصور بن المعتمر بسنده سواء. واختُلِفَ في إسناده اختلافًا غير مُضِرٍّ، والحمد لله. 2 معطوف على قوله: "وأخرجه". 3 في "أ": "عتبة" بالتاء، وهو تصحيف. 4 تَقَدَّمَ تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، وذكر الحديث بطوله، كما تَقَدَّمَ وكما سيأتى. "الحديث1 الثالث": ما رواه من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: "" يرحمه "2 الله، " لقد "3 أذكرنى كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا". وهكذا فى "الصحيحين"4 عن ابن مسعود أنه كان يرمى الجمرة من الوادى ويقول: هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة. وكره بعض السلف ذلك، ولم يروا أن يُقَال إلا السورة التى يذكر فيها كذا وكذا، كما جاء وتَقَدَّمَ من رواية يزيد5 الفارسى، عن ابن عباس، عن عثمان أنه قال: إذا نزل من القرآن شىء؛ يقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجعلوا هذا فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا". ولا شكَّ أن هذا أحوط وأولى، ولكن قد صحَّت الأحاديث بالرخصة فى الآخر، وعليه عمل الناس اليوم ترجمة السوء في مصاحفهم، وبالله التوفيق.   1 تَقَدَّمَ تخريجه. 2 في "أ": "رحمه". 3 ساقط من "أ". 4 أخرجه البخاري "3/ 580، 581"، ومسلم "1296/ 307، 308، 309"، وأبو داود "1974"، والنسائي "5/ 273، 274"، والترمذي "901"، وابن ماجه "3030"، وأحمد "1/ 374، 415"، والحميدي "111", والطيالسي "320", وغيرهم من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود. 5 سبق تخريجه، وذكرنا هناك أنه حديث منكر، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الترتيل في القراءة : وقوله -عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] . وقوله: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106] ، وما يكره أن يهذ كهذ الشعر. "يُفْرَقُ"1: يُفْصَلُ. قال ابن عباس {فَرَقْنَاهُ} : فصلناه. حدَّثَنا2 أبو النعمان، ثنا مهدى بن ميمون، ثنا واصل، عن أبي وائل, عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصَّل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإنى لأحفظ القرناء اللاتى كان يقرأ بهنَّ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثمانى عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم. ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن مهدى بن ميمون، عن واصل -وهو ابن حِبَّان الأحدب- عن أبى وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود به.   1 في "الصحيح": "فيها يُفْرَقُ". 2 البخاري في "الفضائل" "9/ 88". وأخرجه مسلم "822/ 278"، وأبو عوانة "2/ 162"، وأحمد "3999، 4410"، والطبراني في "الكبير" "ج10/ رقم9865" من طرق عن مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، ولفظه عند مسلم مطوَّلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وقال الإمام1 أحمد: حَدَّثَنَا قتيبة، ثنا ابن لهيعة, عن الحارث بن يزيد، عن زياد بن نعيم، عن مسلم بن مخراق، عن عائشة، أنه ذكر لها أن ناسًا يقرءون القرآن فى الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرءوا ولم يقرءوا، كنت أقوم مع النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمرُّ بآية فيها تخوُّفٌ إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه. "الحديث الثاني": حدَّثَنَا2 قتيبة، ثنا جرير، عن موسى بن   1 في "مسنده" "6/ 92، 119". وأخرجه ابن المبارك في "مسنده" "57"، وأحمد بن منيع -كما في "المطالب العالية" "1/ 142"- وأبو عُبَيْد في "الفضائل" "ص67"، وأبو العالية" "1/ 142", وأبو عُبَيْد في "الفضائل" "ص67"، وأبو يعلى "ج8/ رقم 4842"، وعنه أبو الشيخ في "الأخلاق" "538"، والفريابي في "فضائل القرآن" "116"، والبيهقي "2/ 310" من طريق ابن لهيعة بسنده سواء. وقد رواه عن ابن لهيعة ابن المبارك من قدماء أصحابه، وقد تابعه يحيى بن أيوب، عن الحارث بن يزيد بسنده سواء. أخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" "7"، والفريابي "117"، والبيهقي "2/ 310"، ولكن مسلم بن مخراق ترجمه البخاري في "الكبير" "4/ 1/ 271"، وابن أبي حاتم "4/ 1/ 194"، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، أما ابن حِبَّان فذكره في "الثقات" "5/ 397" على قاعدته في توثيق المجاهيل! 2 البخاري في "الفضائل" "9/ 88", وأخرجه أيضًا في "1/ 29، 8/ 860، 861، 862، 13/ 499". وأخرجه مسلم "448/ 147-148"، والنسائي "2/ 149-150"، والترمذي "3329"، وأحمد "1910، 3191"، والحميدي "527"، والطيالسي "2628"، وابن سعد "1/ 198"، وابن حِبَّان "39"، والبيهقي في "الصفات" "ص198" من طرق عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 أبى عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فى قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه} [القيامة: 16] : كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل جبريل بالوحي، كان مما يُحَرِّكُ به لسانه وشفتيه فيشتد عليه. وذكر تمام الحديث كما سيأتي، وهو متَّفَقٌ عليه. وفيه وفى الذى قبله دليلٌ على استحباب ترتيب القراءة والترسُّل فيها؛ من غير هذرمة ولا "سرعة"1 مفرطة، بل بتأمل وتفكر. قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] . وقال الإمام2 أحمد: حدَّثَنا عبد الرحمن، عن سفيإن، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يُقَالُ لصاحب القرآن: اقرأ وأرق ورتِّل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها".   1 في "أ": "بسرعة". 2 في "مسنده" "2/ 192"، وسنده حسنٌ؛ لأجل عاصم بن أبي النجود. وأخرجه النسائي في "الفضائل" "81"، والترمذي "5/ 178"، وابن حِبَّان "1790" من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري به. وأخرجه أبو داود "1464"، والترمذي "2914"، وابن أبي شيبة "10/ 498"، والبيهقي في "سننه" "2/ 53"، والحاكم "1/ 552-553"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 435" من طرق عن الثوري، وصحَّحَه الحاكم ووافقه الذهبي! وله شواهد عن أبي سعيد وأبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وقال أبو عبيد1: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبى وأمى، رتِّلْ، فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن. وحدَّثَنا2 إسماعيل بن إبرهيم، عن أيوب، عن أبي "جمرة"3 قال: قلت لابن عباس: إنى سريع القراءة، وإنى أقرأ القرآن فى ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة فلي ليلة فَأَدَّبَّرَهَا وأُرَتِّلَهَا؛ أحب إلى من أن أقرأ كما تقول.   1 في "فضائل القرآن" "ص74". وأخرجه البخاري في "خلق الأفعال" "260"، وابن أبي شيبة "2/ 520" وابن سعد "6/ 90"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص121"، والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8695", وأبو نُعَيْم في "الحلية" "2/ 99"، والبيهقي "2/ 54", وفي "الشعب" "ج5/ رقم 1973"، وابن الأعرابي "ج3/ ق47/ 1" من طرق عن إبراهيم، عن علقمة به، وسنده صحيح. وقد روي مرفوعًا، ولا يصحُّ، وتَقَدَّمَ الإشارة إليه. 2 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص74". وأخرجه الآجري في "أخلاق حملة القرآن" "89", والبيهقي في "الكبرى" "2/ 396", وفي "الشعيب" "1882" من طريق الحسن بن محمد الزعفراني، قال: نا ابن علية بسنده سواء. وإسناده صحيح. 3 في "جـ": "أبي حمزة"؛ بالحاء المهملة والزاي، وهو يروي أيضًا عن ابن عباس، ولكن الذي يروي هذا الأثر هو أبو جمرة؛ بالجيم والراء المهملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وحَدَّثَنا1 حجاج عن شعبة, وحمَّاد بن سلمة، عن أبي "جمرة"2، عن ابن عباس نحو ذلك، إلا أن فى حديث حمَّاد: "أَحَبُّ إليَّ من أن أقرأ القرآن أجمع هَذْرَمَة". ثم قال البخارى -رحمه الله:   1 أبو عبيد "ص74". وأخرجه البيهقي في الكبرى" "2/ 396، 3/ 13", وفي "الشعب" "ج5/ رقم 1971، 1972" من طريق حمَّاد وشعبة، كلاهما عن أبي جمرة، قال: "قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، فربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين! فقال ابن عباس: لأن أقرأ بسورة واحدة أعجب إليَّ من أن أفعل مثل الذي تفعل، فإن كنت فاعلًَا لا بُدَّ؛ فاقرأه قراءة تسمع أذنيك ويعيه قلبك". لفظ حديث شعبة، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" "1193"، وعبد الرزاق في "المصنف" "ج2/ رقم 4187" من طريق معمر، عن أبي جمرة نحوه. ووقع عند البيهقي في "الكبرى": "أبو حمزة"!! 2 سبق تخريجه في الحاشية "3" بالصفحة السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 مد القراءة : حدثنا1 مسلم بن ابراهيم، ثنا جرير بن حازم الأزْدِيّ، ثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: كان يَمُدُّ مَدًّا. وهكذا رواه "أهل السنن" من حديث جرير بن حازم به. حدَّثَنا عمرو بن عاصم، ثنا همَّام، عن قتادة قال: سُئِلَ أنس بن مالك: كيف كان قراءة النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: كانت مَدًّا، ثم قرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يَمُدُّ ببسم الله، ويَمُدُّ بالرحمن، ويَمُدُّ بالرحيم. انفرد به البخارى2 من هذا الوجه. وفى معناه الحديث الذى رواه الإمام أبو عبيد3:   1 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 91". وأخرجه أيضًا في "خلق الأفعال" "296، 297"، وأبو داود "1465"، والنسائي "2/ 179"، وفي "فضائل القرآن" "84"، والترمذي في "الشمائل" "308"، وابن ماجه "1353"، وأحمد في "المسند" "3/ 110، 131، 192، 289" وغيرهم. وقد تسامح المصنٍّف -رحمه الله- في عزوه الحديث لـ "أهل السنن"، وكان ينبغي تقييد رواية الترمذي بـ "الشمائل"، والله أعلم. 2 في "فضائل القرآن" "9/ 91". وأخرجه ابن المظفر في "غرائب شعبة" "113"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 481". 3 في "فضائل القرآن" "ص74". وأخرجه أبو داود "1466"، والنسائي "2/ 181"، وفي "فضائل القرآن" "82"، والترمذي "2923", وفي "الشمائل" "307"، والبخاري في "خلق الأفعال" "171، 172"، وأحمد "6، 294، 300"، وابن خزيمة "ج2/ رقم1158"، وصحَّحَه الحاكم "1/ 309-310" على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وليس كما قالَا؛ لأن يعلى بن مملك لم يخرج له مسلم، ثم فيه جهالة، ولم يروِ عنه إلّا ابن أبي مليكة، وقد اختُلِفَ في إسناده كما يأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 حدَّثَنا أحمد بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك، عن الليث بن سعد، عن ابن أبى مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة، أنها نعتت قراءة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُفَسَّرَةً حرفا حرفا. وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن يحيى بن إسحق، وأبو داود, عن يزيد بن خالد الرملى، والترمذى والنسائى، كلاهما عن قتيبة، كلهم عن الليث بن سعد به. وقال الترمذى: حسنٌ صحيحٌ. ثم قال أبو عبيد1: وحدَّثَنا يحيى بن سعيد الأموى، عن ابن جريج، عن ابن ابى مليكة، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقطع قراءته: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،   1 في "فضائل القرآن" "ص75". وأخرجه الطبراني في "الكبير" "ج23/ رقم 603"، وأبو عمرو الداني في "الوقف والابتداء" "ص110-111" عن أبي عبيد به. وأخرجه أبو داود "4001"، والترمذي "2927", وفي "الشمائل" "309"، وأحمد "6/ 302، 323"، وغيرهم من طريق يحيى بن سعيد الأموي بسنده سواء، وضعَّفَه الترمذي بالانقطاع، وأصاب في ذلك، لما ذكرته في "تسلية الكظيم"، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن جُرَيْجٍ. وقال الترمذى: "غريب، وليس إسناده بمتصل"؛ يعنى: أن عبد الله بن عُبَيْد الله بن أبى مليكة لم يسمعه من أمِّ سلمة، انما رواه عن يعلى بن مملك كما تَقَدَّمَ، والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الترجيع : حدَّثَنا1 آدم بن أبى إياس، حدَّثَنا شعبة، حدَّثَنَا أبو إياس قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو على ناقته أو جمله يسير به، وهو يقرأ سورة الفتح، أو من سورة الفتح؛ قراءة ليِّنَةً، وهو يُرَجِّعُ. وقد تَقَدَّمَ هذا الحديث فى القراءة على الدابة، وأنه من المتفق عليه، وفيه أن ذلك كان يوم الفتح. وأما الترجيع فهو الترديد فى الصوت، كما جاء أيضًا فى الخاري أنه جعل يقول: أأأ، وكأن ذلك صدر من حركة الدابة تحته، فدلَّ على جواز التلاوة عليه وإن أفضى إلى ذلك. ولا يكون ذلك من باب الزيادة في الحروف؛ بل ذلك مغتفر للحاجة، كما يصلى على الدابة حيث توجهت به مع إمكان تأخر ذلك، والصلاة إلى القبلة، والله أعلم.   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 29"، وقد مَرَّ تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 حُسْنُ الصَّوْتِ بِالقِرَاءَةِ: حدَّثَنَا1 محمد بن خلف أبو بكر، حدَّثَنَا "أبو"2 يحيى الحمَّاني، ثنا "بُرَيْد"3 بن عبد الله بن أبى بردة، عن جدِّه أبى بردة، عن أبى موسى، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يا أبا موسى، لقد أُوتِيتَ مزمارًا من مزامير آل داود". وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن، وقال: "حسن صحيح". وقد رواه مسلم من حديث طلحة "بن يحيى بن طلحة"4، عن أبى بردة، عن أبى موسى، وفيه قصة. وقد تَقَدَّمَ الكلام على تحسين الصوت عند قول البخارى: من لم يتغنَّ بالقرآن، وذكرت هناك أحكاما أغنى عن إعادتها ههنا، والله تعالى أعلم.   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 92"، وقد مَرَّ تخريجه. 2 ساقط من "أ". 3 في "أ": "يزيد". 4 ساقط من "جـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ القِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِهِ: حدَّثَنا1 عمر بن حفص بن غِيَاث، ثنا أبى، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عُبَيْدة، عن عبد الله قال: قال لى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ عليَّ القرآن". قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "إنى أحب أن أسمعه من غيرى". وقد رواه الجماعة إلَّا ابن ماجه من طرق عن الأعمش، وله طرق يطول بسطها، وقد تَقَدَّمَ فيما رواه مسلم من حديث طلحة "بن يحيى بن طلحة"2، عن أبى بُرْدَةَ، عن أبى موسى، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "يا أبا موسى، لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة"، فقال: أما والله لو أعلم أنك تستمع قراءتى لحبَّرْتُهَا لك تحبيرًا3. وقال الزهرى عن أبى سلمة: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكِّرْنَا ربَّنَا يا أبا موسى3، فيقرأ عنده.   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 93، 94، 98". وأخرجه مسلم "800/ 247", وأبو داود "3668"، والنسائي في "التفسير" "125"، وفي "فضائل القرآن" "100، 103، 104"، والترمذي "3025", وفي "الشمائل" "316"، وأحمد "3606، 4118"، وابن المبارك في "الزهد" "110"، وابن أبي شيبة "10/ 516"، وأبو يعلى "ج9/ رقم5069، 5228"، وآخرون من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عُبَيْدة السلماني، عن ابن مسعود. وله طرق أخرى عن ابن مسعود -رضي الله عنه. 2 سقط من سياق "جـ"، واستدركته من الحاشية. 3 تَقَدَّم تخريج هذه الأخبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وقال أبو عثمان النهدى: كان أبو موسى يصلى بنا، فلو قلت: أنى لم أسمع صوت صَنْجٍ قط ولا بَرْبَطٍ قط ولا شيئا قط أحسن من صوته1.   1 تَقَدَّمَ تخريج هذا الخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 قول المقرئ للقارئ: حَسْبُكَ: حدَّثَنا1 محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: قال لى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ على"، فقلت: يا رسول الله، اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "نعم"، فقرأت عليه سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} ، قال: "حسبك الآن"، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة من رواية الأعمش به، ووجه الدلالة ظاهر. وكذا الحديث الآخر: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا" 2.   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 94". 2 يأتي تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 في كَمْ يُقْرَأُ القُرْآنُ: وقول الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} : حدَّثَنا1 علي، حدَّثَنا سفيان قال: قال لى ابن شبرمة: نظرت كم يكفى الرجل من القرآن؟ فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات، فقلت: لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات. قال سفيان2: أخبرنا منصور، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، أخبره علقمة، عن أبى مسعود، فلقيته وهو يطوف بالبيت، فذكر النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه". وقد تَقَدَّم أن هذا الحديث متفق عليه. وقد جمع البخاري فيما بين عبد الرحمن بن يزيد وعلقمة عن أبي مسعود، وهو صحيح؛ لأن عبد الرحمن سمعه أولا من علقمة، ثم لقى أبا مسعود وهو يطوف فسمعه منه. وعلى هذا: هو ابن المديني وشيخه سفيان بن عُيَيْنَة، وما قاله عبد الله بن "شبرمة"3 فقيه الكوفة فى زمانه استنباطٌ حسنٌ. وقد جاء فى حديث فى "السنن"4: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 94". 2 قائل ذلك هو عليُّ بن المديني، ووقع هذا صريحًا في سائر روايات "الصحيح"، إلّا رواية أبي ذر، فلم يذكر عليَّ بن المديني، والله أعلم. 3 في "أ": "الكوفة"!! 4 كذا قال ابن كثير -رحمه الله: "السنن"، وهذا يعني الأربعة، ولم أجد الحديث فيها ولا في أحدها، إنما أخرجه ابن عدي في "الكامل" "5/ 1687" من طريق عمر بن يزيد المدائني، عن عطاء، عن ابن عمر مرفوعًا: "لا تجزئ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 آيات"، ولكن هذا الحديث -أعنى حديث أبى مسعود- أصح وأشهر وأخص، ولكن وجه مناسبته للترجمة التى ذكرها البخارى فيه1 نظر، والله أعلم، والحديث الثانى أظهر فى المناسبة وهو قوله: حدَّثَنا2 موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحنى أبى امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كَنَّتَهُ، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفا منذ اتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "القِنِي به"، فلقيته بعد، فقال: "كيف تصوم"؟، قال: كل يوم، قال: "كيف تختم"؟، قال: كل ليلة، قال: "صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن فى كل شهر"، قال: قلت: انى أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم ثلاثة أيام فى الجمعة"، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: "أفطر يومين وصم يوما"، قلت: أطيق أكثر   = في المكتوبة إلّا بفاتحة الكتاب، وثلاث آيات فصاعدًا". وأخرجه ابن الجوزي في "الواهيات" "1/ 419" من طريق ابن عدي وقال: "هذا حديث لا يصح، ومحمد بن معاوية، قال محمد بن عبد الله الحضرمي: لا نريده، كان واقفيًا، وعمر بن يزيد انفرد بما لا يرويه غيره". أ. هـ. والصواب إعلاله بعمر بن يزيد، فقد قال ابن عدي: "منكر الحديث"، وما أورده ابن عدي في ترجمته يدل على وهائه، والله أعلم. 1 كذا قال المصنِّف -رحمه الله، وتعَقَّبَه الحافظ في "الفتح" "9/ 95"، فقال: "وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على ابن كثير، والذي يظهر أنها من جهة أن الآية المترجم بها تناسب ما استدلَّ به ابن عُيَيْنَة من حديث أبي مسعود، والجامع بينهما أن كلًّا من الآية والحديث يدل على الاكتفاء بخلاف ما قال ابن شبرمة". أ. هـ. 2 البخاري في "فضائل القرآن" "9/ 94-95". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 من ذلك، قال: "صم، أفضل الصوم صوم داود: صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ فى كل سبع ليال مرة"، فليتنى قبلت رخصة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أنى كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذى يقرأ يعرضه بالنهار؛ ليكون أخَفَّ عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا وأحصى وصام مثلهن، كراهية أن يترك شيئا فارق عليه النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال بعضهم1: فى ثلاث، وفى خمس، وأكثرهم على سبع. وقد رواه فى "الصوم"2، والنسائى أيضًا عن بندار، عن غُنْدُر، عن شعة، عن مغيرة، والنسائى من حديث حُصَيْن، كلاهما عن مجاهد به. ثم روى البخارى3 ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبى كثير،   1 القائل هو البخاري. 2 "4/ 224". وأخرجه النسائي "4/ 209-210"، وفي "فضائل القرآن" "91"، وآخرون تَقَدَّمَ ذكرهم. 3 أخرجه البخاري في "الفضائل" "9/ 95"، ومسلم "1159/ 184"، والبيهقي في "الكبرى" "2/ 396 و4/ 299"، وفي "الشعب" "ج5/ رقم 975"، وفي "الصغرى" "993" من طريق شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبى كثير، عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، فذكره. أمَّا أبو داود؛ فإنه روى الحديث "1388" من طريق أبان العطَّار، عن يحيى بن أبى كثير، عن محمد بن إبراهيم، وليس عن محمد بن عبد الرحمن، وبهذا يتبيَّن وَهْمُ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في عَزْوِهِ الطريق السابق لأبي داود، مع أنَّ سياق حديث شيبان يختلف عن حديث أبان، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 عن محمد بن عبد الرحمن مولى "بنى زهرة"1، عن أبى سلمة قال: وأحسبنى سمعتُ أنا من أبى سلمة عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ القرآن فى شهر"، قلت: إنى أجد قوة، قال: "فاقرأه فى سبع، ولا تزد على ذلك". فهذا السياق ظاهره يقتضى المنع من قراءة القرآن فى أقل من سبع. وهكذا الحديث الذى رواه أبو عبيد2: حدَّثَنا حجاج وعمر بن طارق ويحيى بن بكير، كلهم عن ابن لهيعة، عن حِبَّان بن واسع، عن أبيه، عن قيس بن صَعْصَعَة، أنه قال للنبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، فى كم اقرأ القرآن؟ قال: "فى كل خمس عشرة"، قال: إنى أجدنى أقوى من ذلك، قال: "ففى كل جمعة". وحدَّثَنا3 حجاج، عن شعبة، عن محمد بن ذكوان -رجل من أهل الكوفة- قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله   1 في "أ": "أبي هريرة"! 2 في "فضائل القرآن" "ص87". وأخرجه يعقوب الفسوي في "التاريخ" "1/ 298"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "2008"، والطبراني في "الكبير" "ج18/ رقم 877" من طُرُقٍ عن ابن لهيعة، حدثني حِبَّان بن واسع، عن أبيه، عن قيس بن أبي صعصعة، فذكره. قال الهيثمي في "المجمع" "2/ 269": "فيه ابن لهيعة، وفيه كلام", قلت: وقد اضطرب في إسناده، كما يأتي إن شاء الله تعالى، وقد ذكر ابن السكن -كما في "الإصابة" "5/ 479"- أن ابن لهيعة تَفَرَّدَ به. 3 أبو عُبَيْد في "الفضائل" "ص87"، ويأتي الكلام عليه قريبًا إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ابن مسعود يقرأ القرآن فى غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة، وعن1 حجاج، عن شعبة، عن أيوب، سمعت أبا قلابة عن أبى المهلب قال: كان أُبَيُّ بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.   1 أبو عبيد في "الفضائل" "ص88". وأخرجه عبد الرزاق "ج3/ رقم5949"، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" "1209"، وابن سعيد "3/ 500"، والفريابي في "فضائل القرآن" "133، 134، 135، 136"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص156"، وأبو عمرو الداني في "البيان في عد آي القرآن" "ص323" من طرق عن أيوب السخستياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن أُبَيّ بن كعب، فذكره. وهذا سند ظاهره الصحة، وقد صرَّح أبو المهلَّب بالسماع من أُبَيّ بن كعب في رواية معمر بن راشد والثوري عن أيوب، وكلاهما من الثقات الأثبات، ولكن قال شعبة: "أبو المهلَّب لم يسمع من أُبَيّ بن كعب". كذا في "المراسيل" "ص143" لابن أبي حاتم، وزاد في "مقدمة الجرح والتعديل" "ص129": "أبو المهلب لم يسمع من أُبَيّ حديثه أنه كان يقرأ القرآن في ثمان"، ومثل هذا النفي الخاص يُقَدَّمُ على مطلق القول بالسماع عند بعض العلماء، فلعلَّ الثوري ومعمرًا حفظا ما لم يحفظه شعبة، والعبرة في إثبات السماع بالأسانيد الصحيحة، إذ لعلَّ النافي لم يطَّلع على مثل هذا الإسناد, أو وقع له الإسناد بواسطة بينهما، فإذا رآه مرة بغير واسطة جزم بالانقطاع، والذي عندي أن الإسناد صحيح ما لم يقع التصحيف في الكتاب، والله أعلم. وقد خولف أيوب؛ خالفه خالد الحذَّاء، فرواه عن أبي قلابة، قال: كان أُبَيّ بن كعب يختم في كل ثمان، أخرجه أبو عبيد "ص88", وعنه أبو عمرو الداني في "البيان" "ص325" من طريق عليّ بن عاصم، عن خالد. وتوبع علي بن عاصم؛ تابعه هشيم، عن خالد الحذّاء، أخرجه أبو عمرو الداني أيضًا، وخالفهما وهيب، فرواه عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلَّب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلَّب، عن أُبَيّ بن كعب، أخرجه الفريابي في "الفضائل" "136". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وكان1 تميم الدارى يختمه فى كل سبع. وحدَّثَنا2 هشيم، عن الأعمش، عن إبراهيم، 3 [أنه كان يقرأ القرآن في كل سبع. حدثنا4 جرير، عن منصور, عن ابراهيم] 3، قال: كان الأسود يختم القرآن فى كل ست. وكان علقمة يختمه فى كل خمس، فلو تركنا ومجرد هذا؛ لكان الأمر في ذلك جليا، ولكن دلَّت أحاديث أُخَر على جواز قراءته فيما دون ذلك، كما: رواه الإمام أحمد فى "مسنده"5: حدَّثَنا حسن، ثنا ابن لهيعة،   1 أخرجه أبو عبيد "ص88"، وأبو عمرو الداني في "البيان" "ص325"، والفريابي "136". 2 أخرجه أبو عبيد "ص88"، وعنه الداني "ص328"، وسنده صحيح. 3 ساقط من "أ". 4 أخرجه أبو عبيد "ص88", وابن أبي شيبة "2/ 501"، والفرياي "139"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "2/ 99، 103", والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2000"، وأبو عمرو الداني "ص326، 327"، وابن حِبَّان في "الثقات" "4/ 31" من طرق عن منصور، عن إبراهيم، وسنده صحيح، وتابعه الأعمش عن إبراهيم، أخرجه الداني "ص327". 5 سقط هذا الحديث من "المسند" المطبوع، وقد ذكره الحافظ في "أطراف المسند" "2/ 465"، وكذا عزاه الهيثمي في "المجمع" "2/ 268" إلى أحمد. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" "1274"، وأبو عبيد "ص88"، والفريابي "128"، كلاهما في "فضائل القرآن"، والطبراني في "الكبير" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 حدَّثَنا حِبَّان بن واسع، عن أبيه، عن سعد بن المنذر الأنصارى أنه قال: يا رسول الله، اقرأ القرآن فى ثلاث؟ قال: "نعم". قال: فكان يقرؤه حتى توفى. وهذا إسناد جيد قوى "حسن1، فإن" حسن "بن موسى"2 الأشيب ثقةٌ متفقٌ على جلالته، روى له الجماعة وابن لهيعة، إنما يُخشى من تدليسه أو سوء حفظه، وقد صرَّح ههنا بالسماع، وهو من أئمة العلماء بالديار المصرية في زمان، وشيخه حِبَّان بن واسع بن حِبَّان وأبوه، كلاهما من رجال مسلم، والصحابى لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة، وهذا على شرط كثير منهم، والله أعلم. وقد رواه أبو عبيد -رحمه الله- عن ابن بكير، عن ابن لهيعة، عن حِبَّان بن واسع، عن أبيه، عن سعد بن المنذر الأنصارى أنه قال: يا رسول الله، اقرأ القرآن فى ثلاث؟ قال: "نعم، إن استطعت" , قال: فكان يقرؤه   = "ج6/ رقم 5481"، والداني في "البيان" "ص326"، من طرق عن ابن لهيعة بسنده سواء. وقد أجاب المؤلف -رحمه الله- عن ابن لهيعة، فقال: "وابن لهيعة إنما يُخشى من تدليسه أو سوء حفظه، وقد صرَّح هَهُنَا بالسماع، وهو من أئمة العلماء بالديار المصرية". أ. هـ. فلم يُجب ابن كثير على اتهامه بسوء الحفظ إلَّا بقوله: هو من أئمة العلماء, وهذا لا يعني أنه حافظٌ ثَبْتٌ, فكم من عالمٍ فقيهٍِ وصالحٍ دَيِّنٍ لم يقبل العلماء روايته لخفة ضبطه، وهذا الحديث قد اضطرب فيه ابن لهيعة في تسمية صحابي الحديث، وإن كان الأشبه أنه "سعد بن المنذر" لرواية ابن المبارك، وهو من قدماء أصحاب ابن لهيعة، فالله أعلم. 1 ساقط من "جـ". 2 في "جـ": "ابن أبي موسى"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 كذلك حتى توفى. "حديث آخر": قال أبو عبيد1: حدَّثَنا يزيد، عن همَّام، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تفقه في قرءة في أقل من ثلاث". وهكذا أخرجه أحمدُ وأصحابُ "السنن الأربعة" من حديث قتادة به. وقال الترمذى: "حسن صحيح". "حديث آخر": قال أبو2 عبيد: حدَّثنا يوسف بن الغَرِق3، عن الطَّيِّبِ بن سلمان قال: حدَّثَتْنَا عمرة بنت عبد الرحمن، أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.   1 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص89". وأخرجه أبو داود "1390-1394"، والترمذي "2949"، والنسائي في "الفضائل" "92"، وابن ماجه "1347"، والدارمي "1/ 289"، وأحمد "6535، 6546، 6775"، والطيالسي "2275"، وابن أبي شيبة ط2/ 500-501"، وابن حبان "758"، والفريابي "143-145"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 1981"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 265" من طرق عن قتادة بسنده سواء، وقد اختلف في إسناده، وهذا أرجح الوجوه، والله أعلم، ومن ثَمَّ صحَّحَه الترمذي. 2 في "الفضائل" "ص88-89". وشيخ أبي عبيد: "يوسف بن الغَرِق"؛ كذَّبه أبو الفتح الأزديّ، وقال أبو علي الحافظ: "منكر الحديث"، ووثَّقَه ابن حِبَّان، ومشَّاه ابن عدي "7/ 2625"، وليَّنَه أبو حاتم الرازي. 3 الغَرِق: بالغين المعجمة والقاف بينهما راء مكسورة. وانظر "تبصير المنتبه" "3/ 1041". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 هذا حديث غريب جدًا، وفيه ضعف؛ فإن الطيب بن سلمان هذا بصرى؛ ضعَّفَه الدارقطنى، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم. وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن فى أقلِّ من ثلاثٍ، كما هو مذهبُ "أبى عبيد"1 وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الخلف أيضًا. قال أبو2 عبيد: حدَّثَنا يزيد، عن هشام بن حسان، عن حفصة، عن أبى العالية، عن معاذ بن جبل، أنه كان يكره أن يقرأ القرآن فى أقل من ثلاث. صحيح. وحدَّثَنا3 يزيد، عن سفيان، عن على بن بذيمة، عن أبى عبيدة، قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل في ثلاث؛ فهو راجز. ..................................................................................   1 في "جـ": "أبو عبيد" على حكاية الحال. 2 في "فضائل القرآن" "ص89". وأخرجه أبو عمرو الداني في البيان "ص325-326" من طريق سفيان، عن هشام، عن أم الهذيل، عن أبي العالية، عن معاذ أنه كان يقرؤه في ثلاث, ووقع في "الكتاب": "أم البديل" وهو تصحيف. وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين، وقد صحَّحَه المؤلف -رحمه الله، ولكن نقل ابن أبي حاتم في "المراسيل" "ص58" عن شعبة أنه قال: "قد أدرك أبو العالية رفيع بن مهران عليَّ بن أبي طالب ولم يسمع منه شيئًا". وقد قُتِلَ أمير المؤمنين عليِّ -رضي الله عنه- في رمضان سنة أربعين، ومات معاذ بن جبل -رضي الله عنه- سنة ثماني عشرة في خلافه عمر، وقد أدرك أبو العالية الجاهلية، فإدراكه لمعاذ صحيح، والله أعلم. 3 أخرجه أبو عبيد "ص89". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وحدَّثَنا1 حجاج، عن شعبة، عن على بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله مثله "سواء"2. وحدَّثَنا3 حجاج، عن شعبة، عن محمد بن ذِكْوان، عن "عبد الرحمن ابن"4 عبد الله بن مسعود، عن أبيه، أنه كان يقرأ القرآن فى رمضان فى ثلاث. إسناد صحيح. [وفي5 "المسند"6 عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعًا: "اقرءوا   1 يأتي تخريجه في آخر كتاب "فضائل القرآن". 2 ساقط من "أ". 3 أخرجه أبو عبيد "ص87"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص155"، والفريابي "123"، والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8706"، وابن أبي داود، وأبو عمرو الداني في "البيان" "ص325" من طرق عن شعبة، عن محمد بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه, وأخرجه البخاري في "التاريخ " 1/ 1/ 78" من هذا الوجه بلفظ "كان عبد الله يختم في جمعة". وقد صحَّح إسناده المؤلف -رحمه الله، وقد قال الذهب: "محمد بن ذكوان اروى عه غير شعبة". فهذا يعني أنه مجهول، وقد تبع الذهبي ابن أبي حاتم في هذا، وقد وقع لابن أبي حاتم خلط، فنقل ما قيل في محمد بن ذكوان بياع الأكيسة، نقله في محمد بن ذكوان خال والد حمّاد بن زيد، وهذا ضعيف، وذاك وثَّقَه ابن معين وابن حِبَّان، وقال شعبة: "كان كخير الرجال"، فالصواب أن إسناد الحديث حسن، والله أعلم. 4 ساقط من "أ". 5 ساقط من "أ" و"ط". 6 أخرجه أحمد "3/ 444"، وأبو يعلى "ج3/ رقم 1518"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2383" من طرق عن يحيى ابن أبي كثير عن زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، عن أبي راشد، عن عبد الرحمن بن شبل، فذكره، وسنده صحيح, وقد اختُلِفَ في إسناده, وهذا أثبت الوجوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به". فقوله: "لا تغلو فيه"؛ أي: لا تُبالغوا في تلاوته بسرعة في أقصر مدة، فإن ذلك ينافي التدبير غالبًا، ولهذا قابله بقول: "ولا تجفوا عنه"؛ أي: لا تتركوا تلاوته] 1. فصل: وقد ترخَّصَ جماعات من السلف فى تلاوة القرآن فى أقل من ذلك؛ منهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضى الله عنه. قال أبو عبيد2 -رحمه الله: حدَّثَنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، أخبرنى ابن خُصَيْفَة، عن السائب بن يزيد، أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمى عن صلاة طلحة بن عبيد الله، فقال: إن شئت أخبرتك عن صلاة   1 ما بين المعكوفين ساقط من "أ" و"ط". 2 أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص90". وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "ج3/ رقم 4653" من طريق ابن جريج بسنده سواء. وصحَّحَ المؤلف سنده وهو كما قال، ولكن ليس في هذه الرواية دلالة على أن عثمان -رضي الله عنه- ختم القرآن في ركعة، بل فيها عكسه، فهي تدل بجلاء على أنه صلَّى أكثر من ركعة، لكنه أوتر بواحدة لم يصل غيرها، ولو أنه أثبت بدلها رواية ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن عثمان، لكان أولى من هذه في مقام الاحتجاج، وقد سقت لفظها مع طرق أخرى في "تسلية الكظيم"، فلله الحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 عثمان -رضى الله عنه، فقال: نعم، قال: قلت: لأغلبن الليلة على الحجر، فقمت، فلما قمتُ إذ أنا برجل مقنَّع يزحمنى، فنظرت، فإذا عثمان بن عفان -رضى الله عنه، فتأخرت عنه فصلى، فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلتُ، هذه هوادي الفجر؛ أوتر بركعة لم يصل غيرها. وهذا إسناد صحيح. ثم قال1: حدَّثَنا هشيم، أنا منصور، عن ابن سرير قال: قالت نائلة بنت الفرافصة الكلبية، حيث دخلوا على عثمان ليقتلوه، إن تقتلوه أو تدعوه؛ فقد كان يحيى الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. وهذا حسن. وقال2 أيضًا: حدَّثَنا أبو معاوية، عن عاصم، عن ابن سليمان، عن ابن سيرين، أن تميما الدارى قرأ القرآن في ركعة. .....................................................................   1 أخرجه أبو عبيد "ص90-91". وأخرجه ابن أبي شيبة "1/ 367" قال: حدثنا هشيم بإسنادة سواء. وأخرجه ابن أبي شيبة "2/ 503" أيضًا، وابنُ سعد "3/ 75، 76" وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" "4/ 1272"، والطبراني في "الكبير" "ج1/ رقم 130"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "1/ 57" من طرق عن ابن سيرين، فذكره. 2 أخرجه أبو عبيد "ص91". وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" "1277"، وابن أبي شيبة "2/ 502"، وعنه ابن حِبَّان في "الثقات" "3/ 40"، والبيهقي في "الكبرى" "3/ 25"، وفي "الشعب" "ج5/ رقم1994" من طريق عاصم الأحول بسنده سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 حدَّثَنا1 حجاج، عن شعبة، عن حَمَّاد، عن سعيد بن جبير أنه قال: قرأت القرآن فى ركعة فى البيت؛ يعنى: الكعبة. وحدَّثَنا2 جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأ القرآن فى ليلة، طاف بالبيت أسبوعًا، ثم أتى المقام فصلى عنده3، [فقرأ بالطُّوَل، ثم طاف بالبيت أسبوعًا، ثم أتى المقام فصلى عنده] 3، فقرأ بالمئين، ثُمَّ طاف بالبيت أسبوعًا، ثمَّ أتى المقام فصلَّى عنده فقرأ بقية القرآن. وهذه كلها أسانيد صحيحة. ومن أغرب ما ههنا ما رواه أبو عبيد4 -رحمه الله، حدَّثنا سعيد بن   1 أبو عبيد في "الفضائل" "ص91". وأخرجه ابن حِبَّان في "الثقات" "4/ 276" عن وكيع، والطحاوي في "شرح المعاني" "1/ 348" من طريق أبي نُعَيْم وابن سعد "6/ 259", حدَّثَنا يزيد بن هارون جميعًا، عن الثوري، عن حمَّاد مثله. وأخرجه أبو عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" "ص370" وعنه أبو نعيم في "الحلية" "4/ 273" من طريق إسحاق مولى عبد الله بن عمر، عن هلال بن يساف قال: دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة، وعلَّق الذهبي في "السير" "4/ 325" بقوله: "هذا خلاف السنة". 2 أخرجه أبو عبيد "ص91" وعنه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" "ج11/ ق822", وأخرجه الفريابي في "فضائل القرآن" "140" قال: حدَّثَنا عثمان بن أبي شيبة، وابن حِبَّان في "الثقات" "5/ 208" عن أبي بكر بن أبي شيبة قالا: حدَّثَنا جرير بسنده سواء. "3-3" ساقط من "أ"، وليس هو في "كتاب أبي عبيد" أيضًا، فالله أعلم. 4 في "الفضائل" "ص91". وهو غريب جدًّا، لا أصدقه، فإنه لا يكاد المرء يفعل ذلك ولو قرأ القرآن هذًّا هذًّا. نعم! ذكر الذهبي في "السير" "4/ 132" عن ابن لهيعة, عن الحارث بن يزيد أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن كل ليلة ثلاث مرات. وسنده ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 عُفير، عن بكر بن مضر، أن سليم بن عتر التجيبي كان يقرأ القرآن فى ليلة ثلاث مرَّات، ويجامعُ ثلاث مرات، قال: فلمَّا مات قالت امرأته: رحمك الله، إن كنت لتُرضي ربَّك وترضى أهلك، قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: كان يقوم من الليل فيختم بالقرآن، ثم يُلمُّ بأهله، ثم يغتسل ويعود، فيقرأ حتى يختم، ثم يُلمّ بأهله، ثم يغتسل ويعود، فيقرأ حتى يختم، ثم يُلِمُّ بأهله، ثم يغتسل ويخرج إلى صلاة الصبح. قلت: كان سليم بن عتر تابعيا جليلا ثقة نبيلا، وكان قاضيا بمصر أيام معاوية وقاصَّها. قال أبو حاتم1: روى عن أبى الدرداء وعنه ابن زحر. ثم قال: حدَّثَنِي محمد بن عون، عن أبى صالح كاتب الليث، حدثنى حرملة بن عمران، عن كعب بن علقمة قال: كان سليم بن عتر من خير التابعين. وذكره ابن يونس فى "تاريخ مصر", وقد روى ابن أبى داود عن مجاهد، أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء. وعن منصور2 قال: كان عليٌّ الأزديُ يختم فيما بين المغرب والعشاء   1 في "الجرح والتعديل" "2/ 1/ 211-212". 2 أخرجه ابن حِبَّان في "الثقات" "5/ 164-165" من طريق ابن أبي شيبة، ثنا عبيدة بن حميد، عن منصور به. وسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 كل ليلة من رمضان. وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبى يحتبى، فما يحلُّ حَبْوَتَه حتى يختم القرآن. قلت: وروى عن منصور1 بن زاذان، أنه كان يختم فيه بين الظهر والعصر، ويختم أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخرونها قليلا. وعن الإمام الشافعى -رحمه الله- أنه كان يختم فى اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة. وعن أبي عبد الله البخارى صاحب "الصحيح" أنه كان يختم فى الليلة ويومها من رمضان ختمة. ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى الصوفى قال: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربى يقول: كان ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات, وهذا نادر جدا، فهذا وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم فى ذلك حديث مما تَقَدَّمَ، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرءونه "مع"2 هذه السرة، والله سبحانه وتعالى أعلم. قال الشيخ أبو زكريا النواوي في كتابه ................   1 أخرجه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم1999"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "3/ 57، 58" من طريق هشام بن حسان قال: صليت إلى جنب منصور بن زاذان فيما بين المغرب والعشاء، فختم القرآن وبلغ في الثانية إلى النحل, ووقع في رواية ابن معين عن يحيى بن أبي بكير: "في رمضان". وأخرجه ابن حِبَّان في "الثقات" "7/ 474" عن يزيد بن هارون نحوه. 2 في "جـ": "في". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 "التبيان"1 بعد ذكر طرف مما تَقَدَّمَ: والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليَقْتَصِر على قدرٍ يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم وغيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مُرْصَدٌ له، وإن لم يكن من هؤلاء، فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حَدِّ الملل والهذرمة. ثم قال البخاري2 -رحمه الله:   1 "ص76". 2 في "فضائل القرآن" "9/ 98" وتَقَدَّمَ تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 البكاء عند قراءة القرآن : وأورد فيه في رواية الأعمش، عن إبراهيم بن عبيدة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ علي" , قلت: اقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: "إنى أشتهى أن أسمعه من غيري". قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} قال لي: "كُفَّ" أو: "أمسك". "فرأيت"1 عينيه تذرفان. وهذا من المتفق عليه كما تَقَدَّمَ، وكما سيأتي إن شاء الله.   1 في "أ": "فإذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 من 1 راءى بقراءة القران أو تأكَّلَ به أو فخر به: حدَّثَنا2 محمد بن كثير، أنا سفيان، ثنا الأعمش، عن خَيْثَمَة، عن سويد بن غفلة، عن على -رضى الله عنه- قال: سمعت النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يأتى فى آخر الزمان قومٌ حُدَثَاءُ الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة". وقد روى في موضعين آخرين، ومسلم وأبو داود والنسائى من طرق عن الأعمش به. حدَّثَنا3 عبد الله بن يوسف، ثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن   1 الذي في "البخاري": "باب إثم من راءى ... إلخ". 2 البخاري في "الفضائل" "9/ 99". وأخرجه البخاري أيضًا في "المناقب" "6/ 618"، وفي "استتابة المرتدين" "12/ 283"، ومسلم "1066"، وأبو داود "4767"، والنسائي "7/ 119", وفي "الخصائص" "173"، وأحمد في "المسند" "1/ 81، 113، 131"، وفي "الفضائل" "1198"، وأبو يعلى "1/ 226"، وكذا ابن أبي عاصم في "السنة" "914", وغيرهم من طرق عن الأعمش بسنده سواء. 3 البخاريّ في "الفضائل" "9/ 99". وأخرجه مالك "1/ 204/ 10", ومن طريقه النسائي في "الفضائل" "113، 114"، وأحمد "3/ 60". وتوبع مالك؛ تابعه عبد الوهاب الثقفي، فرواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري بسنده سواء. أخرجه البخاري في "استتابة المرتدين" "12/ 283"، ومسلم "1064/ 147", وزاد في الإسناد "عطاء بن يسار" مع "أبي سلمة", وللحديث طرق أخرى عن أبي سلمة في "الصحيحين" وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى سعيد الخدرى قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقِيَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر فى النصل فلا يرى شيئًا، وينظر فى القدح فلا يرى شيئًا، وينظر فى الريش فلا يرى شيئًا، ويتمارى فى الفوق". ورواه فى "موضع آخر", ومسلم أيضًا والنسائى من طرق، عن الزهرى, عن أبى سلمة به، وابن ماجة من رواية محمد بن عمرو بن علقمة, عن أبى سلمة به. حدَّثَنا1 مسدد بن مسرهد، حدَّثَنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أبى موسى -رضي الله عنهما، عن   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 100". وأخرجه مسلم "797/ 243"، وأبو داود "4830"، والنسائي في "فضائل القرآن" "106", وابن ماجه "214"، وأحمد "4/ 408"، والفريابي في "صفة المنافق" "40"، والشجري في "الأمالي" "1/ 83" من طرق عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى به. ورواه همام بن يحيى، وأبو عوانة، وأبان بن يزيد العطار، وسعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد وأبو هلال الراسبي جميعًا عن قتادة, وقد ذكرت أحاديثهم في "التسلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المؤمن الذى يقرأ القرآن ويعمل به، كالأُتْرُجَّةِ طعمُها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به، كالتَّمْرَةِ طعمها طيب، ولا ريح لها، ومَثَلُ المنافق الذى يقرأ القرآن، كالرَّيْحَانة ريحها طيب وطعمها مُرٌّ، ومَثَلُ المنافق الذى لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مُرٌّ -أو خبيث- وريحها مُرٌّ". ورواه فى "مواضع أُخَرَ" مع بقية الجماعة، من طرق عن قتادة به. ومضمون هذه الأحاديث: التحذير من المراءاة بتلاوة القرآن التى هى من أعظم القرب، كما جاء فى الحديث: "واعلم أنك لن تتقرَّبَ إلى الله بأعظم ممَّا خرج منه"1، يعنى: القرآن, والمذكورون فى حديث على وأبي سعيد هم الخوارج، وهم الذين لا يجاوز إيمانهم حناجرهم. وقد قال فى الرواية الأخرى: "يحقِرُ أحدُكم قراءته مع قراءتهم، وصلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم". ومع هذا أمر بقتلهم؛ لأنهم مراءون فى أعمالهم فى نفس الأمر، وإن كان بعضهم قد لا يصد ذلك، إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح، فكانوا فى ذلك كالمذمومين فى قوله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى   1 هذا حديث ضعيف الإسناد, أخرجه أحمد "5/ 268"، والترمذي "2911"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص41-42، 122"، وفي "تعظيم قدر الصلاة" "178"، وابن بطة في "الإبانة" "8- الرد على الجهمية"، والخطيب "7/ 88، 12/ 220" من حديث أبي أمامة، واستغربه الترمذي، وقد اختلف في سنده؛ فمرَّة عن أبي أمامة، ومرَّة عن جبير بن نوفل، ومرَّة عن أبي ذر، ومرَّة عن عقبة بن عامر، ومرَّة عن جبير بن نفير مرسلًا، فهو حديث مضرب لا يصحُّ كما قال الإمام البخاري في "خلق أفعال العباد" "509". والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ_ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109] وقد اختلف العلماء فى تكفير الخوارج وتفسيقهم ورَدِّ رواياتهم، كما سيأتى تفصيله فى موضعه إن شاء الله "تعالى"2. والمنافق المُشَبَّه بالريحانة "التى"2 لها ريحٌ ظاهر وطعمها مُرٌّ، هو المرائى بتلاوته، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} . ثم قال البخاري:   1 من "أ" و"ط". 2 في "جـ": "إلى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم : حدَّثَنا1 أبو النعمان "محمد بن الفضيل عارم"2، ثنا حمَّاد بن زيد، عن أبى عمران الجونى، عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه". حدَّثَنا عمرو بن على "بن بحر الفلاس"3، ثنا عبد الرحمن بن مهدى، ثنا سلام بن أبى مطيع، عن أبى عمران الجونى، عن جندب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرءوا القرآن ما ائتلف عليه قلوبكم, فإذا اختلفتم " فقوموا " " 4. تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد عن أبى عمران، ولم يرفعه حمَّاد بن سلمة وأبان.   1 البخاري في "الفضائل" "9/ 101", ومن طريقه أبو بكر الكلاباذي في "معاني الأخبار" "ق223/ 1". وأخرجه أيضًا في "الاعتصام" "13/ 335، 336"، ومسلم "2667/ 4". وقد اختلف في هذا الحديث وفقًا ورفعًا، واختلف أيضًا في صحابي الحديث، والصواب ما رجَّحه الإمام البخاري -رحمه الله, أنه عن جندب بن عبد الله مرفوعًا، وقد أشبعت المقام تحريرًا في "تسلية الكظيم" فلله الحمد. 2 كذا وقع في "الأصول": الاسم واللقب، والذي في "الصحيح" الكنية حسب، فهي زيادة من المصنِّف، وكذا الترضي على الصحابي ليس في "الصحيح". 3 ليس في "الصحيح". 4 في "الصحيح": "فقوموا عنه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وقال غندر, عن شعبة, عن أبى عمران قال: سمعت جندبا قوله. وقال ابن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله، وجندب أكثر وأصح. وقد رواه فى "مواضع أخر" ومسلم، كلاهما عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد، عن همام، عن أبي عمران به. ومسلم أيضاً عن يحيى بن يحيى، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة، عن أبي عمران "به"1, ورواه مسلم أيضا عن أحمد بن سعيد بن حِبَّان بن هلال، عن أبان العطار، عن أبى عمران به مرفوعا. وقد حكى البخاريُّ أن أبانًا وحمَّاد بن سلمة لم يرفعاه، فالله أعلم. ورواه النسائي والطبراني من حديث مسلم بن ابراهيم، عن هارون بن موسى الأعور النحوى، عن أبى عمران به. ورواه النسائى أيضاً من طرق عن سفيان، عن الحجاج بن فرافصة، عن ابن عمران به مرفوعا. وفى رواية عن هارون بن زيد بن أبى الزرقاء، عن أبيه، عن سفيان، عن حجاج، عن أبى عمران، عن جندب موقوفا. ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن إسحق بن الأزرق، عن عبد الله بن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله. قال أبو بكر بن أبي داود: لم يخطئ ابن عون فى حديث قط إلا فى   1 ساقط من "أ" و"ط". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 هذا، والصواب: عن جندب. [ورواه1 الطبرانى عن علي بن عبد العزيز، عن مسلم بن إبراهيم، وسعيد بن منصور قالا: ثنا الحارث بن عبيد، عن أبى عمران، عن جندب مرفوعا] 1. فهذا ما تيسَّرَ من ذكر طرق هذا الحديث على سبيل الاختصار. والصحيح منها ما أرشد إليه شيخ هذه الصناعة أبو عبد الله البخارى من الاكثر والأصح، أنه "عن"1 جندب بن عبد الله مرفوعا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومعنى الحديث أنه -عليه السلام- أرشد "وحضَّ"2 أمته على تلاوة القرآن، إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته "متفكرة"3 متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها؛ إنه لا يحصل المقصود من التلاوة بذلك. كما ثبت فى الحديث4 أنه قال -عليه السلام: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". وقال5: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ   1 ساقط من "جـ". 2 في "جـ" و"طـ": "وحظَّ". 3 في "جـ": "مفكرة". 4 أخرجه البخاري "1/ 101، 3/ 36"، ومسلم "785، 221"، والنسائي "3/ 218، 8/ 123"، والترمذي في "الشمائل" "304"، وابن ماجه "4238"، وأحمد "6/ 51، 199، 212، 231"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 272"، والبيهقي "3/ 17" من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة وفيه قصة, وللحديث طرق وألفاظ كثيرة. 5 أخرجه الشيخان وغيرهما، وفصَّلْتُ تخريجه في "التسلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 إلى الله ما دام عليه صاحبه". وفى اللفظ الآخر: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ". ثم قال البخاري1: حدَّثَنا سليمان بن حرب، ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النَّزَّال بن سبرة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- أنه سمع رجُلًا يقرأ آية "سمع"2 النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "قرأ"3 خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت إلى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "كلاكما محسنٌ فاقرآ"، أكبر علمى قال: "فإنَّ مَنْ قبلكم اختلفوا فيه، فأهلكهم " الله عز وجل " " 4. وأخرجه النسائى من رواية شعبة به. وهذا فى معنى الحديث الذى تَقَدَّمَه، وأنه ينهى عن الاختلاف فى القراءة، والمنازعة فى ذلك، والمراء فيه، كما تَقَدَّمَ فى النهى عن ذلك، والله أعلم.   1 في "الفضائل" "9/ 101". وأخرجه أيضًا في "الخصومات" "5/ 70"، وفي "أحاديث الأنبياء" "6/ 513-514"، والنسائي في "فضائل القرآن" "119"، وأحمد "3724، 3907، 3908، 4364"، وأبو عبيد "ص210-211", والطيالسي "387"، والبوي الكبير في "مسند ابن الجعد" "478"، والهيثم بن كليب في "مسنده" "770، 771"، وأبو يعلى "ج9/ رقم 5262، 5341", والبوي في "شرح السنة" "4/ 506" من طرق عن شعبة، عن عبد الله بن ميسرة، عن النَّزَّال بن سبرة، عن ابن مسعود، فذكره. 2 في "أ": "سمع من النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلافها". 3 ساقط من "الأصول" واستدركته من "الصحيح". 4 هذا مما زاده المصنف -رحمه الله- على ما في "الصحيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقريب من هذا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "مسند أبيه"1 حدَّثَنا أبو محمد سعيد بن محمد الجرمى، ثنا يحيى بن سعيد الأموى، عن الأعمش، عن عاصم، عن زِرٍّ بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود: تمارينا فى سورة من القرآن، فقلنا: خمس وثلاثون آية، ست وثلاثون اية، قال: فانطلقنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فوجدنا عليا يناجيه، فقلنا له: اختلفنا فى القراءة، فاحمرَّ وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليٌّ: إن رسول الله -صلى اله عليه وسلم- يأمركم أن تقرءوا كما علمتم. وهذا آخر ما أورده البخارى رحمه الله فى "كتاب فضائل القرآن", ولله الحمد والمنة.   1 أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "1/ 105-106". وكان اأولى أن يعزوه لأحمد، فقد أخرجه في "المسند" "3992، 3993" من طريق حمَّاد بن سلمة وأبي بكر بن عياش معًا, عن عاصم بسنده سواء, وأخرجه الطبري في "تفسيره" "1/ 12"، وأبو يعلى "ج8/ رقم 5057"، وابن حِبَّان "1783", وأبو عبيد "ص211"، والحاكم "2/ 223-224" وصححه، والخطيب في "المبهمات" "ص202، 203" من طرق عن عاصم. وسنده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 كتاب الجامع لأحاديث شتَّى تتعلق بتلاوة القرآن وفضائله وفضل أهله: "فصل": قال أحمد1: حدثنا معاوية بن هشام، ثنا شيبان، عن فراس، عن عطية، عن أبى سعيد قال: قال نبى الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: "اقرأ"2 واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه". وقال أحمد3: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، حدثني بشير   1 في "مسنده" "3/ 40". وأخرجه ابن ماجه "3780"، وأبو يعلى "ج2/ رقم 1094، 1338"، وأبو نعيم الأصبهاني في "مسانيد فراس بن يحيى" "ص117، 118" من طرقٍ, عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن فراس بن يحيى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا, وضعَّف إسناده البوصيري في "الزوائد" "187/ 3" لضعف العوفي، لكن له شواهد عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، وبريدة بن الحصيب، يصح بها الحديث، ومن ثَمَّ صحَّحَه الترمذي والحاكم. 2 في "أ": "ارق" وهو مخالف لما في "المسند". 3 في "المسند" "3/ 38-39". وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" -كما في "ابن كثير" "5/ 239", والبخاري في "خلق الأفعال" "610"، والحاكم "2/ 374 و4/ 547", وعنه البيهقيّ في "الدلائل" "6/ 465"، وفي "الشعب" "ج5/ رقم 2385"، وابن حِبَّان "755" من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حيوة بن شريح بإسناده سواء. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح, رواته حجازيون وشاميون أثبات", وصحَّحَه في الموضع الثاني ووافقه الذهبي في الموضعين، والوليد بن قيس التجيبي روى = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ابن أبى عمرو الخولانى: أن الوليد بن قيس التجيبي حَدَّثَه أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يكون خلف من بعد الستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلفٌ يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر" , قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكَّل به، والمؤمن يؤمن به. وقال أحمد1: حدَّثَنا حجاج، ثنا ليث، حدَّثَنِي يزيد بن أبى حبيب، عن أبى الخير, عن أبى الخطاب، عن أبى سعيد أنه قال: أن رسول الله عام تبوك خطب الناس وهو مسنِدٌ ظهْرَه إلى نخلة، فقال: "ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن "من"2 خير الناس رجلًا عمل في سبيل الله،   = عنه جماعةٌ ووثَّقَه ابن حِبَّان، فحديثه محتمل وله ما يعضده, فأخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص106"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص128"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 439" من طرق عن ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "تعلموا القرآن، واسألوا الله به قبل أن يتعلَّمَه قومٌ يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرؤه لله -عز وجل" , وهذا سند فيه ضعف، لكنه يتقوى بالطريق الماضي. 1 في "مسنده" "3/ 37، 41-42، 57-58". وأخرجه النسائي "6/ 11-12"، وابن أبي شيبة "5/ 340-341"، والحاكم "2/ 67"، والبيهقي "9/ 160"، وابن عساكر في "الأربعون في الجهاد" "83" من طرق عن الليث بن سعد به، وسنده ضعيف لجهلة أبي الخطاب راويه عن أبي سعيد، فقد صرَّح بجهالته ابن المديني والنسائي والذهبي. 2 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإنَّ من شر الناس رجلًا فاجرًا "جريئًا"1 يقرأ كتاب الله، لا يرعوي إلى شيء منه". وقال الحافظ أبو بكر البزار2: حدَّثَنا محمد بن عمر بن هياج الكوفى، ثنا الحسين بن "عبد الأول"3، ثنا محمد بن الحسن الهمدانى، عن عمرو بن قيس، عن عطية بن أبى سعيد قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائى أعطيته أفضل ثواب الشاكرين" , وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه". ثم قال: تفرد به محمد بن الحسن، ولم يتابع عليه.   1 ساقط من "أ". 2 وأخرجه الترمذي "2926"، والدارمي "2/ 317"، وعبد الله بن أحمد في "السنة" "128"، وأبو سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" "285، 339"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص122", والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" "ج3/ ق103/ 2", وابن حِبَّان في "المجروحين" "2/ 272", وآخرون من طرق عن محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمدانى، عن عمرو بن قيس، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد وهذا سند ضعيف جدًّا، ومحمد بن الحسن متروك, وقال أبو حاتم -كما في "العلل" "1738": "منكر". ولكنه تُوبِعَ وانحصرت علة هذا الإسناد في عطية العوفي، وللحديث شواهد من حديث عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله وحكيم ابن حزام، ومن مرسل عمرو بن مرة ومالك بن الحارث. والحديث حسنٌ بجملة هذه الشواهد كما حققته في "التسلية". والله أعلم. 3 في "الأصول": "عبد الأعلى" وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وقال الإمام1 أحمد: حَدَّثَنَا أبو عبيدة الحدَّاد، حدَّثَنِي عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة، حدَّثَنِي أبى، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن لله اهلين من الناس"، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته". وقال أبو القاسم2 الطبراني: حدَّثَنَا محمد بن علي بن شعيب السمسار،   1 في "مسنده" "3/ 127-128". وأخرجه أيضًا "3/ 127، 242" قال: حدثنا عبد الصمد ومؤمل قالَا: ثنا عبد الرحمن بن بديل بسنده سواء. وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" "56"، وابن ماجه "215"، وأبو عبيد في "الفضائل" "ص38" والطيالسي "2124"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص74"، والآجري في "أخلاق حملة القرآن" "7"، والحاكم "1/ 556" من طرق عن عبد الرحمن بن بديل بسنده سواء. وصحَّحَ إسناده الدمياطي في "المتجر الرابح" "1183"، والمنذري في "الترغيب" "2/ 354"، وكذلك البوصيري في "مصباح الزجاجة" "91/ 1", وحَسَّنَه العراقي في "تخريج الإحياء" "1/ 280", وجوَّده شيخنا الألباني في "الضعيفة" "4/ 85", وقال الذهبي في "الميزان" "3/ 626": "إسناده صالح", ووافقه الحافظ في "اللسان" "5/ 254"، وقال الحاكم بعد تخريجه للحديث: "قد روي هذا الحديث من ثلاثة أوجه عن أنس هذا أمثلها", وله شاهد من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا مثله. أخرجه الحارث ابن أبي أسامة في "مسنده" "ق91/ 1-زوائده" بسند ضعيف جدًّا. 2 في "المعجم الكبير" "ج1/ رقم 674", وقال الهيثمي في "المجمع" "7/ 172": "رجاله ثقات". وأخرجه الدارمي "2/ 336" قال: حدثنا عفان. والفريابي في "الفضائل" "83" قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قالَا: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس, وسنده صحيح على شرط مسلم, وأخرجه أبو عبيد "ص48"، والفريابي "84" من طريق ابن المبارك، أخبرنا همَّام، عن ثابت، عن أنس مثله, وأخرجه ابن الضريس "84"، والفريابي "85، 86" من طريق وكيع بن الجراح، عن مسعر، عن قتادة، عن أنس مثله. وهذه أسانيد صحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ثنا خالد بن خداش، ثنا جعفر بن سليمان, عن ثابت "أن"1 أنس بن مالك -رضى الله عنه- كان إذا ختم القرآن، جمع أهله وولده فدعا لهم. وقال الحافظ أبو القاسم2 الطراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن عباد المكى، ثنا حاتم بن اسماعيل، عن شريك، عن الأعمش، عن يزيد بن أبان، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه".   1 في "أ" و"ط": "عن". 2 في "المعجم الكبير" "ج1/ رقم 728". وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل" "ص124"، وأبو يعلى "ج5/ رقم 2773"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2376"، والشجري في "الأمالي" "1/ 82" من طُرُقٍ عن شريك النخعي، عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس, وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "1/ 349" لأبي نُعَيْم في "فضل العلم" وفي "رياضة المتعلمين". وهذا سند ضعيف جدًّا، ويزيد الرقاشي متروك، وشريك سيء الحفظ، وقد خولف، فنقل القضاعي في "مسند الشهاب" "276" عن الدارقطني أنه قال: "روه أبو معاوية عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن الحسن مرسلًا، وهو أشبههما بالصواب". أ. هـ. ثم وقفت على هذه المخالفة، فرواها سعيد بن منصور في "تفسيره" "رقم5" قال: نا أبو معاوية بسنده سواء. وهذا الوجه مع إرساله فهو ضعيف جدًّا لأجل الرقاشي، فالحديث لا يصحُّ بوجهٍ. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وقال الحافظ أبو بكر البزار1: حدَّثَنا سلمة بن شبيب، ثنا عبد الرزاق، ثنا عبد الله بن المحرر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لكل شىء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن". ابن المحرر ضعيف. وقال الإمام أحمد2: حدثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا بكر بن سوادة،   1 في "مسنده" "2330 -كشف الأستار". وأخرجه عبد الرزاق في "مصنَّفه" "2/ 484"، وابن عدي "4/ 1452", والقشيري في "الرسالة" "2/ 640" من طريق عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا. قال البزار: "تفَرَّد به عبد الله بن المحرر وهو ضعيف الحديث", وبه أعلَّه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة" "1/ 290", والهيثمي "7/ 171", وأخرجه الطيوري في "الطيوريات" "ج5/ ق81/ 2"، والخطيب "7/ 268" من طريق الفضل بن حرب، عن عبد الرحمن بن بديل، عن أبيه عن أنس مرفوعًا مثله, والفضل مجهول بالنقل كما قال العقيلي، وقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي وعبد الصمد بن عبد الوارث وجماعة في لفظه، وروايتهم هي الراجحة على نحو ما فصَّلته في "التسلية"، وله شاهد من حديث ابن عباس وسنده واهٍ. 2 في "مسنده" "3/ 146" قال: حدَّثَنا حسن، ثنا ابن لهيعة به. وأخرجه أيضًا "3/ 155" قال: حدَّثَنا يحيى بن إسحاق، أنا ابن لهيعة به, وقد اضطرب فيه ابن لهيعة، فأخرجه أحمد أيضًا "5/ 338" قال: حدثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا بكر بن سوادة، عن وفاء بن شريح، عن سهل بن سعد، فذكره مرفوعًا، فجعله من "مسند سهل" وهذا هو الصواب، فقد رواه عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن وفاء بن شريح، عن سهل بن سعد مثله. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 .................................................................................................   = أخرجه أبو داود "831", وعنه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2404"، وابن حِبَّان في "صحيحه" "1787", وفي "الثقات" "5/ 498"، والطبراني في "الكبير" "ج6/ رقم 6024" من طرق عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث به, وأخرجه ابن حِبَّان "1786" أيضًا عن طريق حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث وآخر معه، عن بكر بن سوادة مثله, وهذا "الآخر" هو ابن لهيعة. وله شاهد من حديث جابر، قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والعجمي فقال: "اقرءوا فكلٌّ حسنٌ، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجَّلونه ولا يتأجَّلونه". أخرجه أبو داود "830", وأحمد "3/ 397"، وابن بشران في "الأمالي" "ج4/ 438/ 2"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2399"، والبغوي في "شرح السنة" "3/ 88" من طرق عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن حميد الأعرج، عن ابن المنكدر، عن جابر. وهذا سند ظاهر الصحة، لكنه معلّ، فقد خولف حميد بن قيس الأعرج فيه؛ خالفه ابن عُيَيْنَة والثوري، فروياه عن ابن المنكدر مرسلًا, أخرجه عبد الرزاق "ج3/ رقم 6034", وابن أبي شيبة "10/ 480" والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2398" والمرسل أقوى. نعم، رواه أسامة بن زيد الليثي عن ابن المنكدر، عن جابر مرفوعًا مثل رواية حميد الأعرج. أخرجه أحمد "3/ 357"، وأبو يعلى "ج4/ رقم 2197"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2400، 2401", وأسامة بن زيد في حفظه ضعف، نعم هو يقوي رواية حميد الأعرج، لكن رواية السفيانين أقوى، والمرسل عندي أولى، وبالجملة فحديث سهل بن سعد يتقوى بهذا المرسل؛ لأن وفاء بن شريح لم يوثّقه إلا ابن حِبَّان، وترجمه البخاري في "الكبير" "4/ 2/ 191"، وابن أبي حاتم في "الجرح"4/ 2/ 49" ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وروى عنه اثنان، فإسناده مقارب، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 عن وفاء الخولانى، عن أنس بن مالك قال: بينما نحن "نقرأ"1, فينا العربى والعجمى والأسود والأبيض، إذ خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "أنتم فى خير تقرءون كتاب الله وفيكم رسول الله، وسيأتى على الناس زمان يثقفونه كما يثقف القدح يتعجلون اجورهم ولا يتأجلونها". وقال الحافظ أبو بكر2 البزار، ثنا يوسف بن موسى، ثنا عبد الله بن الجهم، ثنا عمرو بن أبى قيس، عن عبد ربه بن عبد الله، عن عمر بن نبهان، عن الحسن، عن أنس أن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أن البيت الذى يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره". وقال الحافظ أبو يعلى3: حدَّثَنا الفضل بن الصبح، حدَّثَنا أبو عبيدة "عن محتسب"4، حدَّثَنِي يزيد الرقاشى عن أنس قال: قعد أبو موسى فى بيتٍِ واجتمع إليه ناس، فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل قال: يا رسول الله، ألا أُعَجِّبُك من أبى موسى، أنه قعد فى بيتٍ واجتمع إليه ناس، فأنشأ يقرأ عليهم القرآن, قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   1 في "أ": "نفر"! 2 في "مسنده" "ج3/ رقم 2321 -كشف" وقال: "لم يروه إلّا أنس", وأعلَّه الهيثمي في "المجمع" "7/ 171" بعمر بن نبهان؛ فقد ضعَّفَه أبو حاتم والبخاري وغيرهما. 3 في "مسنده" "ج7/ رقم 4096". وحسَّنَه الهيثمي في "المجمع" "9/ 360" ووَهِمَ في ذلك، بل السند واهٍ، ويزيد الرقاشي متروك، ومحتسب ضعيف الحفظ أيضًا، أما آخر الحديث فقد ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، كما تَقَدَّمَ تخريجه. والحمد لله رب العالمين. 4 ساقط من "أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 "أتستطيع أن تقعدنى حيث لا يرانى منهم أحد؟ ", قال: نعم، قال: فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبى موسى فقال: "إنه ليقرأ على مزمار من مزامير داود عليه السلام". هذا حديث غريب، ويزيد الرقاشي ضعيف. وقال الإمام أحمد1: حدَّثَنا مصعب بن سلام، ثنا جعفر هو ابن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأن أفضل الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" , ثم يرفع صوته وتحمَرُّ وجنتاه ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة [كانه2 منذر جيش، قال: ثم يقول: "أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا"] 2 وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى, "صبحتكم الساعة ومستكم، من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا، فإلى وعلي". وقال الإمام3 أحمد: حدثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاء- أن   1 في "مسنده" "3/ 310-311". وأخرجه مسلم "867"، والنسائي "3/ 188-189"، وابن ماجه "45"، وأحمد "3/ 319، 371" وابن خزيمة "3/ 143"، وأبو يعلى "ج4/ رقم 2111، 2119"، وابن حبان "10"، وابن الجارود "297"، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 376-377"، والبيهي "3/ 206-207" من طرق عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر. "2-2" ساقط من "جـ". 3 في "مسنده" "3/ 357". وأخرجه أبو يعلى "ج4/ رقم 2197"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2400، 2401" من طريقين آخرين عن أسامة بن زيد به، وأسامة في حفظه ضعف، لكنه متابع من حميد بن قيس الأعرج، كما مَرَّ ذكره. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أسامة بن زيد الليثى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد، فإذا قوم يقرءون القرآن، قال: "اقرءوا القرآن، وابتغوا به الله عز وجل، من قبل أن يأتى قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه". وقال أحمد1 أيضًا: حدَّثَنا خلف بن الوليد، ثنا خالد، عن حميد الأعرج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نقرأ القرآن، وفينا العجمى والأعرابي، قال: فاستمع، قال: فقال: "اقرءوا فكلٌّ حسنٌ، وسيأتى قوم يقيمونه كما يقام القدح ويتعجَّلونه ولا يتأجَّلونه". وقال أبو بكر2 البزار: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، ثنا   1 في "مسنده" "3/ 397", وأخرجه أبو داود "830"، وابن بشران في "الأمالي" "ج4/ ق38/ 2"، والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2399"، والبغوي في "شرح السنة" "3/ 88" من طرق عن خالد بن عبد الله الواسطي بسنده سواء, وقد خولف حميد الأعرج كما مَرَّ ذكره. 2 في "مسنده" "ج1/ رقم 121" ورجاله ثقات إلّا المعلى الكندي، فلم يوثقه إلا ابن حِبَّان, وقد خولف عبد الله بن الأجلح في إسناده؛ خالفه سفيان الثوري فرواه عن الأعمش عن المعلي -رجل من كندة- عن فلان بن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود، وساقه نحوه, أخرجه أحمد في "الزهد" "ص155" قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مهدي- حدثنا سفيان به. والثوري أثبت من ابن الأجلح، ولكن مداره على المعلى، ثم الراوي عن ابن مسعود مجهولٌ أيضًا. وله طريق آخر أخرجه الدارمي "2/ 311", وابن أبي شيبة "10/ 497" من طريق الشعبي عن ابن مسعود، وهو منقطع, وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 497-498" من طريق زبيد اليامي عن ابن مسعود، وهو منقطع كسابقه, وأخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" "93" عن عاصم بن بهدلة, عن ابن مسعود مثله وهو منقطع، وأخرجه عبد الرزاق "ج3/ رقم 6010", وعنه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8655" من طريق الثوري عن أبي إسحاق وغيره، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود. وسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش، عن المعلى الكندى، عن عبد الله بن مسعود قال: إن هذا القرآن شافعٌ مشَّفَّعٌ، من اتَّبَعَه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه -أو كلمة نحوها- زَخَّ فى قفاه إلى النار. وحدَّثَنا1 أبو كريب، ثنا عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش، عن أبى سفيان عن جابر بن عبد الله، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحوه. وقال الحافظ أبو يعلى2: حدَّثَنا أحمد بن عبد العزيز بن مروان أبو صخر،   1 أخرجه البزار "122", وابن حبان "124", والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1855" من طريق أبي كريب محمد بن العلاء بسنده سواء. قال البزار: "لا نعلم أحدًا يرويه عن جابر إلّا من هذا الوجه". وقال الهيثمي في "المجمع" " 1/ 171": "رجاله ثقات", وسبقه المنذري في "الترغيب" "1/ 80": "إسناده جيد", وقد اختُلِفَ في إسناده؛ فرواه الربيع بن بدر عن الأعمش, عن شقيق بن سلمة أبي وائل, عن ابن مسعود مرفوعًا مثله. أخرجه الطبراني في "الكبير" "ج10/ رقم 10450", وأبو نُعَيْم في "الحلية" "4/ 108"، وابن عدي في "الكامل" "3/ 988", والربيع بن بدر متروك كما قال الهيثمي "7/ 164", قال ابن عدي عقبه: "وهذا يعرف بالربيع بن بدر عن الأعمش بهذا الإسناد, ورواه عبد الله بن الأجلح عن الأعمش وأوقفه وعقبه بحديث آخر, عن الأعمش, عن أبي سفيان عن جابر". أ. هـ. 2 في "معجم شيوخه" "74" ولم يسقه كاملًا، إنما ذكره من أوله إلى قوله: "الرطل اثنتا عشرة أوقية" وسنده ضعيف جدًّا, وبكر بن يونس، قال البخاري: "منكر الحديث", وضعَّفَه أبو حاتم، وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يُتابع عليه", ويحيى بن أبي كثير لم يسمع جابر بن عبد الله. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 حدَّثَنِي "بكر"1 بن يونس، عن موسى بن على عن أبيه، عن يحيى بن "أبى"2 كثير اليمامى، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من قرأ ألف آية كتب "الله"3 له قنطارًا، والقنطار مائة رطل، والرطل ثنتا عشرة أوقية، والأوقية ستة دنانير، والدينار أربعة وعشرون قيراطًا، والقيراط مثل أحد, ومن قرأ ثلاثمائة قال الله لملائكته: نصب   = وأخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" "699" من طريق أبي يعلى بسنده سواء بلفظ: "من قرأ ثلاثمائة آية" إلى قوله: "قد غفرت له", ثم رأيته في "كنز العمال" "2/ 19/ 2973" من عند قوله: "القنطار مائة رطل" إلى قوله: "والدينار أربعة وعشرون قيراطًا", فعزاه للديلمي عن جابر، قال: "وفيه الخليل بن مرة؛ قال البخاري: منكر الحديث". وأمَّا قوله: "ومن بلغه عن الله فضيلة، إلخ"؛ فأخرج هذا القدر الخطيب في "تاريخه" 8/ 296"، والأصبهاني في "الترغيب" "57"، وصدر الدين أبو علي البكري في "الأربعين" "ص39-40" من طريق الحسن بن عرفة، وهو في "جزئه" "63" قال: حدثنا أبو يزيد خالد بن حَيَّان الرقي، عن فرات بن سلمان وعيسى بن كثير كليهما عن أبي رجاء، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر مرفوعًا فذكره, وأبو رجاء هذا لا أعرفه. وروى هذا الحديث ابن الجوزي في "الموضوعات" "1/ 258" وقال: "لا يصح، أبو رجاء كذَّاب", ووافقه السيوطي في "اللآلئ" "1/ 214", ولكن صرَّح السخاوي في "المقاصد" "ص191"، وفي "القول البديع" "ص197" أنه لا يعرف، أفاده شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني -حفظه الله- في "الضعيفة" "451", وزعم ابن طولون أن الحديث جيد الإسناد، وردَّه شيخنا، فراجع بحثه هناك, والحاصل أن الحديث لا يصحُّ, والله أعلم. 1 في "أ": "بكير" وهو خطأ. 2 ساقط من "أ". 3 من "جـ" و"ط" و"ل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 عبدي "لي"1 أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت له, ومن بلغه من الله فضيلة فعمل بها إيمانًا "به"2 ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك، وإن لم يكن ذلك كذلك". وقال أحمد3: حدثنا جرير، عن قابوس, عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الرجل ليس فى جوفه شىء من القرأن كالبيت الخرب". وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلّا من هذا الوجه. وقال الطبراني4: حدَّثَنا محمد بن عثمان بن أبى شيبة، حدثنى أبي   1 في "أ": "كي"! 2 ساقط من "جـ". 3 في "مسنده" "1/ 223". وأخرجه الترمذيُّ "2913" وقال: "حسن صحيح"، الدارمي "2/ 308"، والحاكم "1/ 554", وقال: "صحيح الإسناد"، والطبراني في "الكبير" "ج12/ رقم 12619"، وابن عدي في "الكامل" "6/ 2082"، والسهمي في "تاريخ جرجان" "ص412"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1793"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 443" من طرق عن جرير بن عبد الحميد، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعًا، وإسناده ضعيف لأجل قابوس هذا فقد ليَّنَه النسائي، وقال أبو حاتم: "لا يحتج به". وقال ابن حبان "ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل، وأسند الموقوف", وكان ابن معين شديد الحطّ عليه، وقد وثَّقَه في رواية, وله شاهد موقوف عن ابن مسعود سبق تخريجه عند حديث: "إن هذا القرآن مأدبة الله". والحمد لله. ولما صحَّحَ الحاكم إسناده رده الذهبي بقوله: "قابوس لين". 4 في "المعجم الكبير" "ج12/ رقم 12437", وفي "الأوسط" "ج2/ ق34/ 2". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 قال: وجدت فى كتاب أبى بخطه: عن عمران بن أبى عمران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من اتبع كتاب الله، هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة، وذلك أن الله عز وجل يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123] ". وقال الطبراني1: حدَّثَنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا أبى، ثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن أحسن الناس قراءة، من قرأ القرآن يتحزن به". وقال أيضًا2: حدَّثَنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا نعيم بن حماد، ثنا   = قال الهيثمي في "المجمع" "1/ 169": "فيه أبو شيبة وهو ضعيف جدًّا", كذا قال! وإنما قال عثمان بن أبي شيبة: "وجدت في كتاب أبي", وأبوه: محمد بن إبراهيم بن عثمان، وهو ثقة، وثَّقَه ابن معين وابن حِبَّان, ولكن عمران ابن أبي عمران ما عرفته، والله أعلم. والصواب أنه موقوف، فقد أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 467-468"، وعبد الرزاق "ج3/ رقم 6033" وابن جرير "16/ 325"، والحاكم "2/ 381"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1871" من طرق عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله, وهذا سند رجاله ثقات، إلّا عطاء بن السائب كان اختلط. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" "4/ 311" لابن أبي شيبة مرفوعًا، والذي فيه الموقوف حسب، والله تعالى أعلم. 1 في "المعجم الكبير" "ج11/ رقم 10852", ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" "4/ 19", وقال الهيثمي "7/ 170": "فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث، وفيه ضعف"! قلت: وقد تَقَدَّمَ تخريجه، فاطلبه هناك. 2 في "الكبير" "ج12/ رقم 12643". وأخرجه ابن عدي في "الكامل" "3/ 1221 و6/ 2439"، والخطيب في "المواضح" "2/ 132" من طريق أبي سعد البقال بسنده سواء: "زينوا أصواتكم بالقرآن", وسنده ضعيف جدًّا, وأبو سعد البقال اسمه سعيد بن المرزبان ضعيف، ولعله واهٍ، والضحاك بن مزاحم لم يسمع ابن عباس. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 عبد الله بن سليمان، عن سعيد بن أبى سعد البقال، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحسنوا الأصوات بالقرآن". وروى1 أيضًا بسنده إلى الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا: "أشراف أمتي حملة القرآن". وقال الطبراني2: حدَّثَنا معاذ بن المثنى، ثنا ابراهيم بن أبى سويد الذراع، ثنا صالح المرى، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس   1 يعني الطبراني في "الكبير" "ج12/ رقم 12612" من طريق سعد بن سعيد الجرجاني، عن نهشل أبي عبد الله، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا، فذكره, وأخرجه الإسماعيلي في "معجمه" "ج1/ ق4/ 1-2"، وابن عدي في "الكامل" "3/ 1194 و7/ 2521"، والسهمي في "تاريخ جرجان" "ص218، 494"، والخطيب "4/ 124، 8/ 80" من هذا الوجه, قال ابن عدي: "حديث غير محفوظ". وقال الهيثمي "7/ 161": "فيه سعد بن سعيد الجرجاني وهو ضعيف"!! وقصَّر جدًّا، فنهشل متروك، بل كذَّبَه إسحاق بن راهويه, والضَّحَاك لم يسمع من ابن عباس، فالحديث ضعيف جدًّا، لذلك قال البخاري: "لا يصح". والله أعلم. 2 في "المعجم الكبير" "ج12/ رقم 12783", وعنه أبو نُعَيْم في "الحلية" "2/ 260". وأخرجه الترمذي "2948"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص188"، والحاكم "1/ 568", والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1846 وج5/ رقم 1906"، وأبو نُعَيْم في "الحلية" "6/ 174" من طرق عن صالح المري بسنده سواء, وسنده ضعيف، لذلك استغربه الترمذي. وقد رواه الترمذي والدارمي "2/ 337" من طريقين, عن صالح المري, عن قتادة، عن زرارة بن أوفى مرسلًا، ورجَّح الترمذي المرسل, والحديث = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قال: سأل رجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أيُّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: "الحالُّ المُرْتَحِلُ"، قال: يا رسول الله، ما الحالُّ المُرْتَحِلُ؟ قال: "صاحب القرآن يضرب فى أوله حتى يبلغ آخره، وفى آخره حتى يبلغ أوله".   = ضعيف على الوجهين, والله أعلم. وقال الحاكم لما أخرجه: "تفرَّدَ به صالح المري، وهو من زهَّاد أهل البصرة، إلّا أن الشيخين لم يخرجاه". أ. هـ. فقال الذهب: "صالح متروك", ثم روى له الحاكم "1/ 569" شاهدًا من طريق مقدام بن داود بن تليد الرعيني، ثنا خالد بن نزار، حدَّثَنِي الليث بن سعد، حدَّثَنِي مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة فذكر نحوه, وسكت عنه الحاكم فقال الذهبي: "لم يتكلم عليه الحاكم وهو موضوع على سند الصحيحين, ومقدام متكلَّمٌ فيه، والآفة منه". أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ذكر الدعاء المأثور لحفظ القرآن وطرد النسيان : قال أبو القاسم الطبرانى1 في "معجمه الكبير": حدَّثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا هشام بن عمار، ثنا محمد بن إبراهيم القرشي، حدَّثَنِي أبو صالح وعكرمة، عن ابن عباس، قال: قال عليُّ بن أبى طالب: يا رسول الله، القرآن يتفَلَّتُ من صدرى، فقال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أعلمك كلمات ينفعك الله بهنَّ وينفع مَنْ عَلَّمْتَه؟ ". قال: نعم، بأبى أنت وأمى, قال: "صلِّ ليلة الجمعة أربع ركعات، تقرأ فى الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وبحم الدخان، وفى الثالثة بفاتحة الكتاب وبحم تنزيل السجدة، وفى الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد، فاحمد الله واثن عليه وصلِّ على النبيين واستغفر للمؤمنين، ثم قل: اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى، وارحمنى من أن أتكلف ما لا يعنينى، وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عنى، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام، والعزة التى لا تُرام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك، أن تلزم قلبى حب كتابك كما علمتنى، وارزقنى أن أتلوه على النحو الذي يرضيك   1 في "المعجم الكبير" "ج11/ رقم 12036"، وفي "الدعاء" "1333"، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" "2/ 138", وقال: "هذا حديث لا يصحُّ، ومحمد بن إبراهيم مجروح، وأبو صالح لا نعلمه إلّا إسحاق بن نجيح وهو متروك". أ. هـ. وأخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" "579"، والعقيلي في "الضعفاء" من طريقين آخرين عن هشام بن عمار بسنده سواء. وقال العقيلي: "الحديث غير محفوظ وليس له أصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 عنى، وأسألك أن تُنوِّر بالكتاب بصرى، وتطلق به لسانى، وتفرِّج به عن قلبى، وتشرح به صدرى، وتستعمل به بدنى، وتُقَوِّيني على ذلك وتعينني عليه، فإنه لا يُينني على الخير غيرك، ولا موفِّق له إلا أنت. فافعل ذلك ثلاث جُمع أو خمسا أو سبعا، تحفظه بإذن الله. وما اخطأ مؤمنا قط", فأتى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن والحديث، فقال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مؤمن ورب الكعبة، علم أبا الحسن علم أبا الحسن". هذا سياق الطبراني. وقال أبو عيسى الترمذي1 في "كتاب الدعوات" من "جامعه":   1 في "سننه" "3570". وقال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم". وأخرجه الحاكم "1/ 316-317"، والشجري في "الأمالي" "1/ 113-114"، والدارقطني في "الأفراد"، وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" "2/ 138-139" من طريق الوليد بن مسلم به, ومنهم من يرويه عن عطاء وحده, ونقل ابن الجوزي عن الدارقطني أنه قال: "تفرَّدَ به هشام بن عمار عن الوليد", وليس كما قال، فقد رواه سليمان بن عبد الرحمن عن الوليد أيضًا وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين, فتعقَّبَه الذهبي بقوله: هذا حديث منكر شاذٌّ، أخاف لا يكون موضوعًا، فقد حيَّرَنِي والله جودة إسناده, ثم ذكر سند الحاكم، وقال: ذكره الوليد مصرّحًا بقوله: "ثنا ابن جريج" فقد حدَّث به سليمان قطعًا وهو ثبت. أ. هـ. وقال الذهبيُّ أيضًا في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن من "الميزان" "2/ 213-214" بعد ذكره للحديث: "وهو مع نظافة سنده حديثٌ منكرٌ جدًّا، في نفسي منه شيءٌ، فالله أعلم، فلعلَّ سليمان شبّه له كما قال فيه أبو حاتم: لو أنَّ رجلًا وضع له حديثًا لم يفهم". أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 حدَّثَنا أحمد بن الحسن، ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا الوليد ابن مسلم، ثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس أنه قال: بينا نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه عليُّ بن أبى طالب فقال: بأبى أنت وأمى، تفلَّتَ هذا القرآن من صدرى، فما أجدنى أقدر عليه, فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات، ينفعك الله بهنَّ وتنفع بهن من علَّمتَه، ويثبت ما تعلمت فى صدرك؟ ". قال: أجل يا رسول الله، فعلمنى، قال: "إذا كانت ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم فى ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقال أخى يعقوبُ لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} ، يقول: حتى تأتى ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم فى وسطها، فإن لم تستطع فقم فى أولها، فصلِّ أربع ركعات: تقرأ في الأولى بفاتحة   = وقال المنذري في "الترغيب" "2/ 361": "طرق وأسانيد هذا الحديث جيدة، ومتنه غريب جدًّا". وقال الحافظ في "اللسان" "لعلَّ الوليد دلَّسه عن ابن جريج، فقد ذكر ابن أبي حاتم في ترجمة محمد بن إبراهيم القرشي أنه روى عنه الوليد بن مسلم وهشام بن عمار". أ. هـ. قلت: وهذا الحديث منكر، وليس إسنادُهُ نظيفًا -كما قال الذهبي- أو جيدًا كما قال المنذري، فإن الوليد بن مسلم دلَّسه ولم يصرِّح إلّا في شيخه حسبُ، والمعروف أن مدلس التسوية ينبغي أن يصرِّح في كل طبقات السند، وقد صرَّح بذلك الحافظ في "الفتح" "2/ 318" في حديث آخر رواه الوليد بن مسلم فقال: "وقد صرَّح بالتحديث في جميع الإسناد". أ. هـ. فقول الذهبي: إن الوليد صرَّح بالتحديث؛ لا يخفى ما فيه، فإن الوليد لا يُدلِّس تدليس الإسناد حسبُ حتى يقال فيه ذلك. والله أعلم. ثم ابن جريج مدلس وقد عنعنه في جميع طرقه، وتدليسه قبيح كما قال الدارقطني، فقد يكون أسقط من الإسناد متهمًا أو نحوه، فتكون البلية من ذلك الساقط، وبالجملة فالحديث لا يصح سندًا ولا متنًا. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الكتاب وسورة يس، وفى الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفى الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة، وفى الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصَّل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله، وصل عليَّ وأحسن, وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات, ولاخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل فى آخر ذلك: اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى، وارحمنى أن أتكلَّف ما لا يعنيني، وارزقني حُسن النظر يما يرضيك عنى، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام، والعزة التى لا تُرام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تُنِّور بكتابك بصرى، وأن تُطلق به لسانى، وأن تفرِّج به عن قلبى، وأن تشرح به صدرى، وأن تغسل به بدنى، فإنه لا يعينني على الخير غيرك ولا يؤتيه الا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. يا أبا الحسن: تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تُجَاب بإذن الله، والذى بعثنى بالحق ما أخطأ مؤمنا قط". قال ابن عباس: فوالله ما لبث عليٌّ إلا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى ذلك المجلس فقال: يا رسول الله، والله إنى كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، فإذا قرأتهن على نفسى تفلَّتْنَ، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، فإذا قرأتُها على نفسى فكأنما كتاب الله بين عينى، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رَدَدْتُه تفلَّت؛ وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدَّثْتَ بها لم أخْرم منها حرفا, فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: "مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن". ثم قال الترمذى: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم", كذا قال. وقد تَقَدَّمَ من غير طريقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ورواه الحاكم فى "مستدركه" من طريق الوليد، ثم قال: "على شرط الشيخين", ولا شكَّ أن سنده من الوليد على شرط الشيخين، حيث صرَّح الوليد بالسماع من ابن جريج، فالله أعلم فإنه من البين غرابته، بل نكارته، والله أعلم. وقال الإمام أحمد1: حدَّثَنا وكيع، ثنا العمرى، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ القرآن مثلُ الإبل المعقلة، إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت". ورواه أيضًا2 عن محمد بن عبيد ويحيى بن سعيد، عن عبيد الله العمري به. ورواه أيضًا3 عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا بنحوه. وقال البزَّار4: حدَّثَنا محمد بن معمر، ثنا حميد بن حمَّاد بن   1 في "المسند" "2/ 23". 2 "2/ 17، 30". 3 "2/ 35-36", وأخرجه أيضًا "2/ 64، 112" عن عبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن عيسى كلاهما عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، وقد تَقَدَّمَ تخريجه. 4 في "مسنده" "ج3/ رقم 2336 -كشف". وأخرجه الروياني في "مسنده" "ج31/ 241/ 1"، والطبراني في "الأوسط" "1/ 114/ 2 و2/ 84/ 1-2", وتمام الرازي في "الفوائد" "1458"، وابن عدي في "الكامل" "2/ 693"، والخطيب في "تاريخه" "3/ 208"، وفي "التلخيص" "129/ 1" من طريق محمد بن معمر البحراني بسنده سواء. وسنده ضعيفٌ أو واهٍ لأجل حميد بن حمَّاد، فإنه ضعيف، ثم إنه خُولِفَ فيه, وقد بسطت ذلك في "التسلية". فلله الحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أبي الخوار، ثنا مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: سُئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيُّ الناس أحسن قراءة؟ قال: "مَنْ إذا سمعته يقرأ رُئِّيتَ أنه يخشى الله عز وجل". قال الإمام1 أحمد: حدَّثَنا عبد الرحمن، عن سفيإن، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارقَ ورَتِّلْ كما كنت ترتِّلُ فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها". وقال أحمد2: حدَّثَنا حسن، ثنا ابن لهيعة، حدَّثَنِي حُيَي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله، إنى أقرأ القرآن فلا أجد قلبى يعقل عليه, فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن قلبك حُشي الإيمان، وإنَّ العبد يُعطَى الإيمان قبل القرآن". وبهذا3 الإسناد أن رجلا جاء بابن له فقال: يا رسول الله، إن ابنى يقرأ المصحف بالنهار، ويبيت بالليل، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما تنقم؟ إن ابنك يظلُّ ذاكرًا ويبيتُ سالمًا".   1 في "المسند" "2/ 192". وقد تَقَدَّمَ تخريجه. 2 في "المسند" "2/ 172" ووقع عنده: "إن الإيمان يُعْطَى العبد قبل القرآن" قال الهيثمي "1/ 63": "فيه ابن لهيعة"، وهو يشيرُ إلى ضعفه, والله أعلم. 3 يعني في "المسند" "2/ 173", وقال الهيثمي "2/ 270": "فيه ابن لهيعة وفيه كلام". أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وقال أحمد1: حدثَّنا موسى بن داود، ثنا ابن لهيعة، عن حُيَي، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، أن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أى ربِّ منعتُهُ الطعام والشهوات بالنهار فشفعنى فيه. ويقول القرآن: منعتُهُ النوم بالليل فشفعني فيه". قال: "فيشفعان".   1 في "مسنده" "2/ 174". وقال الهيثمي "10/ 381": "إسناده حسن على ضعف في ابن لهيعة وقد وَثَّق". قلت: لم يتفرَّد به، فتابعه ابنُ وهب قال: حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن، عن ابن عمرو مرفوعًا. أخرجه الطبراني في "الكبير" "88 -الجزء المفقود"، وابن نصر في "قيام الليل" "ص23"، والحاكم "1/ 554", وعنه البيهقي في "الشعب" "1839" قال الحاكم: "على شرط مسلم", ووافقه الذهبي! وقال الهيثمي "3/ 181": "رجاله رجال الصحيح"! وسبقه المنذري في "الترغيب" "2/ 84" فقال: "رجاله محتج بهم في الصحيح"! كذا قالوا، وحُيَي بن عبد الله ما احتج به مسلم ولا البخاري، وهو حسن الحديث. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" "385 -زوائد نعيم"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/ 161"، والجوزقاني في "الأباطيل" "683" من طريق رشدين بن سعد، عن حُيَي بن عبد الله بسنده سواء. قال الجوزقاني: "هذا حديث باطل", ونقل عن ابن معين قال: "رشدين ابن سعد لا يكتب حديثه"، ولم يتفرَّدْ به رشدين كما رأيت، وقال المنذري في "الترغيب": "رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع" وغيره بإسناد حسن". أ. هـ. ووقع في "الترغيب" للمنذري "ابن عمر", وصحابي الحديث: "ابن عمرو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وقال أحمد1: حدَّثنا حسن، ثنا ابن لهيعة "ثنا درَّاج"2 عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو، سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "أكثر منافقى أمتى قُراؤها". وقال أحمد3: حدَّثنا وكيع، حدَّثِني همام، عن قتادة، عن يزيد   1 في "مسنده" "2/ 175". وأخرجه ابنُ بطة في "الإبانة" "942" من طريق ابن وهب، نا ابن لهيعة بسنده سواء. وقد اضطرب فيه ابن لهيعة، فرواه ابن وهب عنه، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعًا، فذكره. أخرجه ابن بطة "944" أيضًا، ولعلَّ هذا الوجه أرجح من الأول، فقد رواه عبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرئ وقتيبة بن سعيد، ثلاثتهم عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر مرفوعًا. أخرجه أحمد "4/ 151، 154-155"، والفريابي في "صفة المنافق" "32، 33، 34"، والطبراني في "الكبير" "ج17/ رقم 841"، وابن قتيبة في "غريب الحديث" "1/ 184"، وابن عدي في "الكامل" "4/ 1466"، والخطيب "1/ 357"، وابن وضاح في "البدع" "280". وهذا سند لا بأس به، ورواية العبادلة عن ابن لهعية أَمْثَل من غيرها، وقد توبع ابن لهيعة؛ تابعه الوليد بن المغيرة وهو ثقة، عن مشرح بن هاعان بسنده سواء. أخرجه البخاريُّ في "خلق أفعال العباد" "614"، والفريابي "35"، والبيهقي في "الشعب" "6561" من طريق أبي سلمة الخزاعي، ثنا الوليد, وأخرجه أحمد "4/ 155" من هذا الوجه. وسنده جيد, ومشرح بن هاعان صدوق، في حفظه مقال يسير. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عباس وعصمة بن مالك. 2 سقط من "الأصول" كلها، واستدركته في "المسند". 3 في "مسنده" "2/ 164، 193، 195". وأخرجه أيضًا "2/ 165، 189" عن يزيد وبهز عن همَّام به, وتَقَدَّمَ تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ القرآن فى أقل من ثلاث لم يفقهه". ورواه أيضا1 عن غندر، عن شعبة، عن قتادة به. وقال الترمذى: حسن صحيح. وقال أبو القاسم2 الطبراني: حدَّثَنا محمد بن إسحاق بن راهويه،   1 سبق تخريجه بالصفحة السابقة حاشية رقم "3". 2 في "المعجم الكبير", وقد سقط من "المطبوع" في جملة المفقود من "المعجم"، وعزاه الزبيدي في "الإتحاف" "4/ 466" لمحمد بن نصر في "كتاب الصلاة"، وقال الهيثمي في "المجمع" "7/ 159": "فيه إسماعيل بن رافع وهو متروك". قلت: ولم أجده في "كتاب الصلاة"، لكن رواه ابن نصر في "قيام الليل" "ص76", قال: حدَّثَنا إسحاق أخبرنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن رافع بسنده سواء, ولم يَتَفَرَّد به إسماعيل، فتابعه عليُّ بن هاشم, عن إسماعيل بن عبيد الله به. أخرجه الشجري في "الأمالي" "1/ 92" من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، قال: حدَّثَنا عليّ بن هاشم. والبجلي ضعيف, وقد أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "799" قال: أخبرنا إسماعيل بن رافع، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمرو موقوفًا بطوله. وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 467"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "1/ 57" من طريق وكيع، قال: حدثنا إسماعيل بن رافع، عن رجل, عن عبد الله بن عمرو موقوفًا مختصرًا. وهذا "المبهم" هو "إسماعيل بن عبيد الله". وأخرجه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2352" من طريق محمد بن عبيد، حدثنا محرز أبو رجاء الشامي، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن ابن عمرو موقوفًا, ورجاله ثقات. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ثنا أبي، ثنا عيسى بن يونس ويَحْيَى بن أبى حجاج التميمى، عن اسماعيل بن رافع، عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه, ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أُعْطِيَ أفضل مما أُعْطِيَ، فقد عظَّم ما صغَّر الله وصغَّر ما عظَّم الله، وليس ينبغى لحامل القرآن أن يسفِّه فيمن يسفِّه، أو يغضب فيمن يغضب، أو يحتدَّ فيمن يحتدُّ، ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن". وقال الإمام1 أحمد: حدثنا أبو سيد مولى بني هاشم، ثنا عباد بن   = وأخرجه الحاكم "1/ 552", وعنه البيهي في "الأسماء والصفات" "1/ 403" من طريق عمرو بن الربيع بن طارق، ثنا يحيى بن أيوب، عن خالد ابن أبي يزيد، عن ثعلبة بن يزيد، عن ابن عمرو مرفوعًا، فذكره. قال الحاكم: "صحيح الإسناد"! وهذا سند ضعيف، ويحيى بن أيوب فيه لين، وثعلبة بن يزيد ما عرفته، وليس هو ثعلبة بن يزيد الحماني، إنما هو فيما يظهر لي: "ثعلبة بن أبي الكنود" المترجم في "التاريخ الكبير" "1/ 2/ 175", ونصَّ في "الجرح والتعديل" "1/ 1/ 463" أنه يروي عن عبد الله بن عمرو. وفي "التهذيب" "8/ 209" في ترجمة خالد بن يزيد أنه يروي عن "ثعلبة بن أبي حكيم الحمراوي أبي الكنود", ولم يوثِّقه إلّا ابن حبان "4/ 99" والله أعلم. والصواب في هذا الحديث الوقف، والله أعلم. 1 في "المسند" "2/ 341". وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" "3/ 133"، وابن مردويه -كما في "إتحاف السادة" "4/ 500"- من هذا الوجه. قال العراقي في "تخريج الإحياء" "1/ 281": "فيه ضعف وانقطاع"، وأعلَّه الهيثميُّ في "المجمع" "7/ 162" بعبَّاد بن ميسرة, وقال المنذري في "التغريب" "2/ 345": "رواه أحمد عن عباد بن ميسرة، واختُلف في توثيقه، عن الحسن عن أبي هريرة، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ميسرة، عن الحسن، عن أبى هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ استمع إلى آية من كتاب الله، كُتِبَتْ له حسنةٌ مضاعفة، ومَنْ تلاها كانت له نورا يوم القيامة". وقال البزار1: حدَّثَنا محمد بن حرب، ثنا يحيى بن المتوكل،   = والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة", ولم يتفرَّد به عبَّاد؛ فتابعه صالح بن مقسم، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا، فذكره -أخرجه ابن منده في "الرد على من يقول "الم" حرف" "24" من طريق هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صالح بن مقسم، فذكره. وقد خُولِفَ هشام في إسناده؛ خالفه سعيد بن منصور فرواه في "تفسيره" "9" قال: نا إسماعيل بن عياش، عن ليث -وهو ابن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من تلا آية ... " الحديث. وتابعه الهيثم بن خارجة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش بسنده سواء. أخرجه الشجري "1/ 76" ورواية سعيد والهيثم أرجح، وهشام بن عمار فيه مقالٌ من قِبَلِ حفظه، ولعلَّ هذا الاختلاف يكون من إسماعيل بن عياش, وبالجملة، فليس للحديث إسناد حسن ولا صحيح، والله أعلم. 1 في "مسنده" "ج2/ ق128/ 2" وقال: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة إلّا عنبسة وهو رجل ليس بالقوي، وعنده فيه إسناد آخر". أ. هـ. والإسناد الذي أشار البزار إليه أخرجه أبو نُعَيْم في "الحلية" "5/ 192" من طريق محمد بن حرب الواسطي، عن يحيى بن المتوكل، عن عنبسة بن مهران، عن مكحول، عن ابن المسيب, عن أبي هريرة مرفوعًا مثله. وقال أبو نُعَيْم: "غريب من حديث مكحول, لم نكتبه إلّا من حديث ابن حرب", وآفة هذه الأسانيد هو عنسة هذا، فقد قال أبو حاتم: "منكر الحديث", وضعَفَّه أبو داود وغيره. وأخرجه أبو داود "4603"، وأحمد "2/ 258، 286، 424، 475، 478، 494، 503، 528"، وابن حِبَّان "59" وغيرهم من طرق عن أبى سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ثنا عنبسة بن مهران، عن الزهرى، عن "سعيد"1 وأبي سلمة، عن أبى هريرة عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مراء فى القرآن 2 كفر" , ثم قال عنبسة: هذا ليس بالقوى، وعنده فيه إسناد آخر. وقال الحافظ3 أبو يعلى: حدثنا أبو بكر "ثنا ابن"4 إدريس، ثنا المقبرى، عن جدِّه، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه". وقال الطبراني5: حدثنا موسى بن خازن الأصبهاني، ثنا محمد بن   وهذه طرق بعضها صحيح وبعضها حسن، ذكرتها في "التسلية". 1 في "أ": "شعبة"! ووقع في "جـ": "سعيد بن أبي سلمة"!! 2 إلى هنا انتهت النسخة "ط". 3 في "مسنده" "ج11/ رقم 6560". وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 456"، والحاكم "2/ 439"، وعنه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2093، 2094، 2095"، وأحمد بن منيع في "مسنده" -كما في "المطالب" "3/ 298", والخطيب "8/ 77-78"، وابن الأنباري في "الوقف والابتداء" "ص5" من طرق عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن جدِّه، عن أبي هريرة مرفوعًا. وسنده ضعيف جدًّا، عن أبي هريرة مرفوعًا. وسندُهُ ضعيف جدًّا، وعبد الله بن سعيد متروك، وبه أعلَّه الهيثمي "7/ 163", أمَّا الحاكم فصحَّحه، فردَّه الذهبي بقوله: "بل أجمع على ضعفه". 4 في "أ": "ابن أبي"! 5 في "المعجم الكبير" "ج2/ رقم 1253", وعنه الشجري في "الأمالي" "1/ 77". وأخرجه أيضًا في "الأوسط" "ج2/ ق234/ 1" وقال: "لا يروى هذا الحديث عن فضالة وتميم إلّا بهذا الإسناد، تفرَّد به إسماعيل", فقال = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 بكير الحضرمى، ثنا اسماعيل بن "عيَّاش"1 عن يحيى بن الحارث "الذمارى"2 عن القاسم أبى عبد الرحمن، عن فَضَالَة بن عبيد وتميم الدارى، عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من قرأ عشر آيات فى ليلة، كتب له قنطار، والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل: اقرأ وارق بكل آية درجة، حتى ينتهى إلى آخر آية معه، يقول ربك، اقبض، فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم، فيقول: بهذه الخلد وبهذه النعيم" 3.   = الهيثمي "2/ 267": "فيه إسماعيل بن عياش ولكنه من روايته عن الشاميين وهي مقبولة". أ. هـ. وعزاه المنذري في "الترغيب" "1/ 439" للطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وقال" "بإسناد حسن، وفيه إسماعيل بن عياش عن الشاميين، وروايته عنهم مقبولة عن الأكثرين".أ. هـ. وشيخ الطبراني ترجمه أبو نُعَيْم في "أخبار أصبهان" "2/ 312" ولم يذكر فيه شيئًا, ولكنه لم يتفرَّد به في الجملة، فأخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" "23", وعنه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2006، 2007" قال: نا إسماعيل بن عياش به، وأعَلَّه أبو حاتم الرازي في "العلل" "ج1/ رقم 422" بالوقف، والرواية الموقوفة عند الدارمي في "سننه" "2/ 332، 333، 335". 1 في "أ": "عباس"! 2 في "أ": "المذماري"! 3 في حاشية "جـ": "آخر الجزء الثاني من أجزاء المؤلف أثابه الله". وبهذا انتهى ما في النسخة "أ" وجاء في آخرها: "آخر فضائل القرآن، وبه تمَّ التفسير للحافظ العلامة الرحلة الجهبذ، مفيد الطالبين، الشيخ عماد الدين إسماعيل الشهير بابن كثير، كثَّر الله فوائده، على يد أفقر العباد إلى الله الغني، محمد بن أحمد بن معمر المقرئ البغدادي، عفا الله عنه، ونفعه بالعلم ووفقه للعمل به، آمين، وحرس الله مجد مالكه. آمين، بتاريخ يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة، من سنة تسع وخمسين وسبعمائة هلالية هجرية، صلوات الله وسلامه على مشرفها، والحمد لله أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا". أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 [وروى1 الحافظ2 ابن عساكر في ترجمة: "معقس بن عمران بن حطان" قال: قال: دخلت مع أبي على أم الدرداء -رضي الله عنها، فسألها أبي: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأ؟ قالت: حدَّثتني عائشة قالت: جُعِلَتْ دَرَجُ الجنَّةِ على عدد آي القرآن، فمن قرأ ثلث القرآن ثم دخل الجنة كان على الثلث من درجها، ومن قرأ نصف القرآن كان على النصف من درجها، ومن قرأه كله كان في عليين، لم يكن فوقه إلّا نبي أو صديق أو شهيد. وقال الطبراني3: حدَّثَنا مسعدة بن سعد العطار المكي، ثنا إبراهيم بن   1 من أول هنا إلى آخر" فضائل القرآن" من "جـ" و"ل"، وسقط من "أ"، ولا أدري هل كان في "ط"، فقيها سقطٌ. 2 في "تاريخ دمشق" "ج17/ ق10". وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" "ص37"، وابن أبي شيبة "10/ 467" من طريق محمد بن عبد الرحمن السدوسي، عن معقس بن عمران بن حطان، قال: سمعت أم الدرداء تقول: سألت عائشة ... فذكره. وأخرجه ابن عساكر من طرق أخرى، عن محمد بن عبد الرحمن، ومعقس -بالقاف- ابنُ عمران لا أعرف من حاله شيئًا يُوجب قبول خبره، ولم يذكر ابنُ عساكر في ترجمته شيئًا. فالله أعلم. 3 في "المعجم الكبير" "ج3/ رقم 2899", ومن طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" "ص155-تراجم النساء" وأعلَّه الهيثمي "7/ 161" بإسحاق ابن إبراهيم مولى جميع بن حارثة فهو ضعيف, وأخرجه الخطيب، ومن ط ريقه ابن عساكر "ص155" وابن الجوزي في "الموضوعات" "1/ 253" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 المنذر الحزمي، ثنا إسحاق بن إبراهيم مولى جميع بن حارثة الأنصاري، حدَّثَنِي عبد الله بن ماهان الأزدي، حدَّثَنِي فايد مولى عبيد الله بن أبي رافع، حدَّثَتْنِي سكينة بنت الحسين بن علي عن أبيها، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة". وروى الطبراني1 من حديث بقية، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن المهاصر ابن حبيب، عن عبيدة المليكي، عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يقول: "يا أهل القرآن! لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته من آناء الليل والنهار، وتغنَّوه وتقنَّوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تستعجلوا ثوابه، فإن له ثوابًا". وفي حديث عقبة2 بن عامر نحوه كما تَقَدَّمَ.   = من هذا الوجه, وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح، وفائد ليس بشيء؛ قال أحمد: هو متروك الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به", وأخطأ ابن الجوزي، فالواقع في السند هو فائد أبو الورقاء، أما الواقع في السند فهو فائد المدني روى عنه القعنبي وزيد بن الحباب وجماعة، ووثَّقَه ابن معين وقال أبو حاتم: لا بأس به, وللحديث وشواهد كلها ساقطة، والحديث من جميع طرقه لا يصحُّ, والله أعلم. 1 في "المعجم الكبير" -كما في "المجمع" "2/ 252", وقال: "فيه أبو بكر ابن أبي مريم". وأخرجه البيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1852"، وأبو نُعَيْم في "أخبار أصبهان" "1/ 260"، وكذا أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" "2270"، وابن عساكر في "تاريخه" "ج4/ ق595، 596" وقد اختُلِفَ في إسناده، والحديث لا يصحُّ بوجهٍ من الوجوه, والله أعلم. 2 يشير إلى حديثه "تعلموا كتاب الله واقتنوه ... ". وقد تَقَدَّمَ تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وقال الإمام1 أحمد: حدَّثَنا أبو سعيد، ثنا ابن لهيعة، عن مشرح، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو أن القرآن جعل في إهاب، ثم ألقي في النار ما احترق". تفرَّد به. قيل معناه: أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسُّه النار. وفي "سنن2 ابن ماجه" من طريق المغيرة بن نهيك، عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "من تعلم القرآن ثم تركه، فقد عصاني". وفي حديث رواه "أبو يعلى"3 من طريق ليث، عن مجاهد، عن   1 في "مسنده" "4/ 151، 155". وأخرجه الدارمي "2/ 309"، وأبو عبيد "ص22-23"، والفريابي "1/ 2" كلاهما في "الفضائل" والروياني في "مسنده" "ج19/ ق48/ 2"، والحكيم الترمذي في "النوادر" "ج3/ ق101/ 2"، وأبو يعلى "ج3/ 1745"، وأبو الشيخ في "الطبقات" "740"، وابن شاهين في "التغريب" "196"، وابن عدي "6/ 2460"، والطحاوي في "المشكل" "1/ 390" وآخرون من طرق عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر مرفوعًا. وقد اختلف في سنده، والصواب في هذا الحديث الوقف، كما حققته في "تسلية الكظيم"، والحمد لله. وله شاهدان عن سهل ابن سعد وعصمة بن مالك، ولا يثبت واحد منهما, والله أعلم. 2 كذا قال المصنف رحمه الله: "من تَعَلَّمَ القرآن..", والذي في "سنن ابن ماجه" "2814": "من تَعَلَّمَ الرمي ثم تركه ... إلخ". 3 في "مسنده" "ج2/ رقم 1000". وأخرجه الطبراني في "الصغير" "2/ 66-67"، والخطيب "7/ 392-393" من طريق عبد الأعلى بن حماد، حدثنا يعقوب القمي، عن ليث، = "أبي"1 سعيد مرفوعًا: "عليك بتقوى الله فإنها رأس كل خير، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نُورٌ لك في الأرض، وذِكْرٌ لك في السماء، واخزن لسانك إلا من خيرٍ، فإنك بذلك تغلبُ الشيطان". وهذا ذكر آثار مروية عن ابن أمِّ عبد: عبد الله بن مسعود، أحد قراء القرآن من الصحابة، المأمور بالتلاوة على نحوهم. وروى الطبراني2 عن الدَّبَريِّ، عن عبد الرزاق، عن معم، عن أبي إسحاق قال: قال ابن مسعود: "كل آية خير مما في السماء والأرض". ومن ...........................................................   1 ساقط من "الأصل". 2 في "المعجم الكبير" "ج9/ رقم 8662" من طريق عبد الرزاق وهو في "مصنفه" "ج3/ رقم 5992" عن معمر، عن أبي إسحاق عن ابن مسعود, وإسناده منقطع بين أبي إسحاق، وابن مسعود، ثم رواه الطبراني عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن أبيه، وهو منقطع أيضًا، فأبو عبيدة لم يسمع من أبيه, واعلم أن لفظ الرواية مطوَّل، وقد اختصر المصنِّف منه هذه الجملة بالمعنى، وإلا فلفظ الرواية: "ثم يقول -يعني ابن مسعود-: "تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض". عن مجاهد، عن أبي سعيد مرفوعًا. قال الطبراني: "لا يُروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفَرَّدَ به يعقوب القمي". قلت: يعقوب لا بأس به كما قال النسائي، ووثَّقَه ابن حِبَّان والطبراني، وليَّنَه الدارقطني، ولكن ليث بن أبي سليم ضعيف, وله طريق آخر عند أحمد "3/ 82" نحوه، لكنه معلٌّ بالانقطاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 "أبي"1 سعيد مرفوعًا: "عليك بتقوى الله فإنها رأس كل خير، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نُورٌ لك في الأرض، وذِكْرٌ لك في السماء، واخزن لسانك إلا من خيرٍ، فإنك بذلك تغلبُ الشيطان". وهذا ذكر آثار مروية عن ابن أمِّ عبد: عبد الله بن مسعود، أحد قراء القرآن من الصحابة، المأمور بالتلاوة على نحوهم. وروى الطبراني2 عن الدَّبَريِّ، عن عبد الرزاق، عن معم، عن أبي إسحاق قال: قال ابن مسعود: "كل آية خير مما في السماء والأرض". ومن ...........................................................   1 ساقط من "الأصل". 2 في "المعجم الكبير" "ج9/ رقم 8662" من طريق عبد الرزاق وهو في "مصنفه" "ج3/ رقم 5992" عن معمر، عن أبي إسحاق عن ابن مسعود, وإسناده منقطع بين أبي إسحاق، وابن مسعود، ثم رواه الطبراني عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن أبيه، وهو منقطع أيضًا، فأبو عبيدة لم يسمع من أبيه, واعلم أن لفظ الرواية مطوَّل، وقد اختصر المصنِّف منه هذه الجملة بالمعنى، وإلا فلفظ الرواية: "ثم يقول -يعني ابن مسعود-: "تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 طريق1 شعبة، عن أبي إسحاق، عن مرة، قال ابن مسعود: $"من أراد العلم فَلْيُثَوِّرِ القرآن؛ فإن فيه علم الأولين والآخرين". ومن طريق2 سفيان وشعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: $"إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلّا له حدٌّ، ولكل حدٍّ مطلع. ومن حديث الثوري3، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سيار   1 الطبراني في "المعجم الكبير" "ج9/ رقم 8666" من طريق محمد بن كثير، ثنا شعبة، فذكره. وأخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" "ص157" عن يحيى بن سعيد القطان، ثنا شعبة به, وسنده صحيح. وأخرجه الطبراني أيضًا "8664، 8665" من طريق إسرائيل وزهير عن أبي إسحاق بسنده سواء, وهو عند ابن أبي شيبة "14/ 94" من طريق زهير. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" "814"، وأبو عبيد "ص89", وابن أبي شيبة "10/ 485"، والفريابي في "الفضائل" "78", والنحاس في "القطع والائتلاف" "ص84" من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق بسنده سواء. وسنده صحيح أيضًا. 2 أخرجه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8667، 8668" وسنده صحيح. 3 أخرجه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8686" قال: حدَّثَنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا الثوري بسنده سواء. قلت: وشيخ الطبراني واهٍ، فقد قال ابن عدي: "يحدِّث عن الفريابي وغيره بالبواطيل". وقد أخرجه الفسوي في "تاريخه" "3/ 146", وعنه للبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2101" من طريق قبيصة عن الثوري، عن إسماعيل، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أبي الحكم، عن ابن مسعود، قال: "أعربوا هذا القرآن، فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه، وليسوا بخياركم". والثوري1، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود، قال: "أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في "ياء" و"تاء" فاجعلوها "ياء"، ذكِّروا القرآن، فإنه مذَكَّر".   = عن سيار أبي حمزة، عن ابن مسعود مثله. ورجاله ثقات إلّا سيارًا أبا حمزة فشبه المجهول، والظاهر أنه لم يدرك ابن مسعود. وقد خولف الثوري في إسناده؛ خالفه هشيم بن بشير، فرواه عن إسماعيل، عمن حدثه عن ابن مسعود. أخرجه البيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2100". وأخرجه أبو عبيد "ص208", وابن أبي شيبة "10/ 457" من طريق الثوري عن عقبة الأسدي، عن أبي العلاء عن ابن مسعود قال: "أعربوا القرآن فإنه عربي", وسنده ضعيف، وعقبة هذا شبه المجهول. وأخرجه ابن أبي شيبة "10/ 456" والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8685" من طريق ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، عن طلحة بن مصرف، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله قال: "أعربوا القرآن". وأخرجه الطبراني "8684" من هذا الوجه مرفوعًا وهو منكر. وله طريق آخر عند أبي نُعَيْم في "الحلية" "8/ 309". 1 أخرجه الطبراني "8687" من طريق شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وقد قدمنا أنه واهٍ ولكنه لم يتفرَّد بأصله، فأخرجه أبو عبيد "ص46" وعبد الرزاق "ج3/ رقم 5979" وابن أبي شيبة "10/ 531" والبيهقي في "الشعب" "ج5/ رقم 2028" والطبراني في "الكبير" "8696" من طريق الثوري بسنده سواء, وأخرجه البيهقي "2029" من طريق مفضل ابن صدقة، عن عاصم به، وسنده حسن, وله طرق أخرى تقدَّم ذكرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وقال عبد الرزاق1، عن إسرائيل، عن عبد العزيز بن رُفَيْع، عن شداد بن معقل، سمعت ابن مسعود يقول: إن أوَّل ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم, قالوا: يا أبا عبد الرحمن! ألسنا نقرأ القرآن، وقد أثبتناه في مصاحفنا؟! قال: يُسرى على القرآن ليلًا، فيذهب به من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيء، ويصبح الناس نفرًا كالبهائم, ثم قرأ عبد الله: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} [الإسراء: 86] . وقال الطبراني2: حَدَّثَنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا شعبة،   1 أخرجه الطبراني "ج9/ رقم 8700". وأخرجه عبد الرزاق "ج3/ رقم 5986"، والضياء المقدسي في "اختصاص القرآن بعوده إلى الرحيم الرحمن" "19", وله طرق أخرى ذكرتها في "التسلية" يثبت بها. قال الهيثمي "7/ 52، 330": "رجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة". قلت: وشداد هذا لم يوثِّقه إلا ابن حِبَّان "4/ 357" وقال ابن سعد: "قليل الحديث". 2 في "المعجم الكبير" "ج9/ رقم 8702", وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص89" قال: حدثنا حجاج. وأخرجه ابن المقرئ في "معجمه" "ج7/ ق133/ 1"، والبيهي في "الشعب" "ج4/ رقم 1983" من طريق يعقوب بن إسحاق الحضرمي، كلاهما عن شعبة بسنده سواء. وأخرجه ابن أبي شيبة "2/ 501"، والفريابي "146", والطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8703، 9704" من طريق الثوري ومسعر، كلاهما عن علي بن بذيمة به. وأخرجه الفريابي "147، 148" وأبو عمرو الداني في "البيان في عد آي القرآن" "ص322" من طريق إسرائيل وأبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، فذكره, وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه، ووَهِمَ محقق "الشعب" فقال: "إسناده لا بأس به"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 عن على بن بذيمة، عن أبى عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، قال: "من قرأ القرآن فى أقل من ثلاث، فهو راجز". وقال هشام1، عن الحسن، أنه بلغه عن ابن مسعود مثل ذلك. ومن طريق2 الأعمش، عن أبي وائل، قال: كان عبد الله بن مسعود   1 أخرجه الطبراني "ج9/ رقم 8705" وضعفه ظاهر. 2 أخرجه الطبراني في "الكبير" "ج9/ رقم 8868" من طريق زائدة، عن الأعمش به. وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" "ص26"، وابن أبي شيبة "10/ 509"، وابن جرير في "تهذيب الآثار" "521 -مسند عمر" من طريق أبي معاوية والثوريّ معًا عن الأعمش به. وأخرجه عبد الرزاق "ج3/ رقم 7903"، وابن جرير في "التهذيب" "519، 520"، والطبراني "8869، 8870، 8875" من طريق الثوريّ وشعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود مثله, وهذان إسنادان صحيحان. وأخرجه الطبراني "8871" من طريق بكير بن عامر، عن الشعبي، عن ابن مسعود قال: "الصلاة أحبُّ إليَّ من الصوم، ولم يكن يُصلي الضحى". قال الهيثمي "2/ 257": "فيه بكير بن عامر، وثَّقَه أحمد وضعَّفَه ابن معين وغيره". ثم أخرجه الطبراني "8872" من طريق حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 يُقِلُّ الصوم، فيُقال له في ذلك، فيقول: "إني ذا صمت ضعفت عن القرآن والصلاة، والقراءة والصلاة أحبُّ إلي".   = عن إبراهيم، عن ابن مسعود، فذكره، وسنده ضعيف جدًّا، وأبو حمزة هو ميمون، ضعيف ولعله واهٍ، ثم هو منقطع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود؛ فالعمدة على ما تَقَدَّم، والحمد لله رب العالمين. وهذا آخر تعليقنا على كتاب "فضائل القرآن" للحافظ الكبير عماد الدين ابن كثير، والله أسأل أن يهبني غنمه، ويتجوَّز لي برحمته عن غرمه، والحمد لله أولًا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 باب الفهارس : فهرس الأحاديث: الرقم الحديث 43 أتاني جبريل فقال: يا محمد، أمتك مختلفة.. 112 أتاني جبريل وميكائيل -عليهما السلام 108 أتاني ملكان، فقال أحدهما: اقرأ 154 أتجترئ أن تكذب بكتاب الله؟ 280 أتستطيع أن تقعدنى حيث لا يرانى منهم أحد؟ 109 أتى أُبَيّ بن كعب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجلين اختلفا في القراءة 232 اجعلوا هذا فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا 237 أحبُّ إليَّ من أن أقرأ القرآن 100 ,110, 154 أحسنت 286 أحسنوا الأصوات بالقرآن 306 أديموا النظر في المصحف 157 أربعة كلهم من الأنصار 128 "أرسله" اقرأ أبا هشام 102 أسأل الله معافاته ومغفرته 110 استقرئ هذا 228 أسقطتهن من سورة كذا وكذا 49 اشتكى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة 98 أصبتما 299 أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه 208 أعطها ثوبًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 208 أعطها ولو خاتمًا من حديد 228 أعلمك كلمات ينفعك الله بهنّ 247 أفطر يومين وصُمْ يومًا 100 اقرأ 167, 168 اقرأ أبا عتيك 249 اقرأ القرآن في شهر 243, 262, 245 اقرأ علي 98 اقرأ. فقرأ 272 "اقرأ" واصعد, فيقرأ ويصعد 128 اقرأ يا عمر 95 أقرأتني آية كذا وكذا؟ 94 أقرأني جبريل -عليه السلام- على حرف 161 اقرأه في شهر 196 اقرءوا القرآن بلحون العرب 267 اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم 267 اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم 281 اقرءوا القرآن وابتغوا به الله -عز وجل 281 اقرءوا فكلٌّ حسن 295 أكثرُ منافقي أمتي قُرَّاؤها 88 أَكَرِهْتَ إمارتِي يا أبا الحسن؟ 141 البسوا من ثيابكم البياض 185 الله أشد أذنًا إلى الرجل الحسن 100 اللهم أَخْسِئْ الشيطان عنه 110 اللهم أذهب عن أُبَيٍّ الشكَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 98 اللهم اغفرْ لأمَّتي، اللهم اغفرْ لأمَّتي 280 أما بعد. فإن أصدق الحديث كتاب الله 243 أما والله لو أعلم أنك تستمع قراءتي 127 أُمِرْتُ أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف 285 إن أحسن الناس قراءة 274 إن فضل كلام الله على سائر الكلام 205 إن أفضلكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه 279 أن البيت الذى يقرأ فيه القرآن يكثر خيره 284 إن الرجل ليس في جوفه شيء من القرآن 212 إن العبد إذا قرأ فحرَّفَ أو أخطأ 106 إن القرآن أنزل على سبعة أحرف 98 إن الله أمرني أن أقرأ القرآن 110 إن الملَكَيْن أتياني 107 إن أمتك يقرءون القرآن 307 إن أوَّل ما تفقدون من دينكم الأمانة 150 أن جبريل كان يعارضنى بالقرآن كل سنة 76 أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ البقرة ثم النساء 76 أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ فى صلاة الصبح يوم الجمعة 105 أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ جبريل عند أحجار المِرَا 271 أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمركم أن تقرءوا كما علمتم 293 إن قلبك حُشِيَ الإيمان 275 إن لله أَهْلِينَ من الناس 195 إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن 187 إن هذا القرآن نزل بِحُزنٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 118, 119 إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف 305 إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلّا له حدّ 175 أنتم توفون سبعين أمة 279 أنتم فى خير، تقرءون كتاب الله وفيكم رسول الله 114-97 أنزل القرآن على سبعة أحرف 174 إنما أجلكم في أجل من خلا 214 إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل 45 إنها ستكون فتنة 145 إنهن من العِتَاقِ الأُوَل 243 إني أحب أن أسمعه من غيري 309 إني إذا صمت ضعفت عن القرآن والصلاة 102 إني أُقْرِئْتُ القرآن 104 إني بعثت إلى أمة أميين 236 إني سريع القراءة 177 أوصى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكتاب الله عز وجل 273 ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس 195 أيُّ الناس أحسن صوتًا بالقرآن؟ 293 أيُّ الناس أحسن قراءة 52 أين الذي سألني عن العمرة آنفًا؟ 193 أين كنت؟ 231 الآيتان من آخر سورة البقرة 229 بئس ما لأحدهم أن يقول 215 بئس ما لأحدهم أن يقول 216 تعاهدوا القرآن, فوالذي نفسي بيده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 221 تعاهدوا القرآن 217 تعلموا كتاب الله وتعاهدوه وتغنوا به 168 تلك السكينة تنزَّلَت للقرآن 164 تلك الملائكة دنت لصوتك 225 تُوفِيَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن عشر 225 تُوفِيَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا مختون 203 ثلاث أقسم عليهنَّ 49 حتى توفاه أكثر ما كان الوحي 302 حَمَلَةُ القرآن عرفاء أهل الجنة 287 الحَالُّ المرْتَحِلُ 153 خذوا القرآن من أربعة 205 خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه 241 رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو على ناقته أو جمله يسير به 223 رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة 190 زيِّنوا القرآن بأصواتكم 248 صُمْ أفضل الصوم؛ صوم داود 247 صُمْ ثلاثة أيام في الجمعة 247 صُمْ كل شهر ثلثة، واقرأ القرآن في كل شهر 194 الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة 73 ضعوا هؤلاء الآيات في السورة 148 طرأ عليَّ حزبٌ من القرآن 220, 112 عُرِضَتْ عليَّ أجور أمتي 69 عليكم بسنتي وسنة الخلفاء 186 غنوا بالقرآن ليس منا مَنْ لم يغن بالقرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 210 فضل قراءة القرآن نظرًا 249 ففي كل جمعة 169 فلعلَّه قرأ سورة البقرة 209 فما معك من القرآن 183 فوالذى نفسى بيده لهو اشد تفلتا من المخاض 249 في كل خمس عشرة 132 قد أحسنت 208 قد زوَّجتكما بما معك من القرآن 286 القرآن غنًى لا فقر بعده 120 كان الكتاب الأول نزل من باب واحد 150 كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس بالخير 235 كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل جبريل بالوحي 151 كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعتكف كل عام عشرًا 151 كان يعرض على النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن كل عام مرة 147 كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة 233 كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بهنَّ ثماني عشرة سورة من المفصّل 145 كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الصلاة السورة في ركعة 239 كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقطع قراءته: "بسم الله الرحمن الرحيم" 128 كذلك أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف 141 كفن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ثلاثة أثواب بيض 240 كلاكما محسن فاقرأ 234 كنت أقوم مع النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة التمام 23 لبث النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة عشر سنين 106 لقيت جبريل عند أحجار المرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 2 77 لكل شىء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن 181 لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن 179 لم يأذن الله لشيء 303 لو أن القرآن جعل في إهاب 187 ليس منا مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن 199, 189, 186 ليس منَّا مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن 54 ليؤمّ الناس أقرؤهم 185 ما أذن الله لشيء 171 ما ترك إلّا ما بين الدفتين 293 ما تنقم؟ إن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالمًا 208 ما معك من القرآن؟ 219, 218 ما من أمير عشرة إلّا يوتى به يوم القيامة 41 ما من الأنبياء نبي إلّا أُعْطِيَ ما مثله آمن عليه البشر 158 مات النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يجمع القرآن غير أربعة 208 ما لي في النساء من حاجة 173 مَثَلُ الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَّة 214 مَثَلُ القرآن إذا عاهد عليه صاحبه 292 مَثَلُ القرآن مثل الإبل المعلقة 204 مَثَلُ هذه الأمة مثل أربعة نفر 299 مراءٌ في القرآن كفرٌ 291, 289 مؤمن وربِّ الكعبة 285 من اتَّبَع كتاب الله هداه الله من الضلالة 298 من استمع إلى آية من كتاب الله 157 من جمع القرآن على عهد النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 283 مَنْ قرأ ألف آية كتب "الله" له قنطارًا 297 مَنْ قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة 308, 296 مَنْ قرأ القرآن فى أقل من ثلاث 246 مَنْ قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة 300 مَنْ قرأ عشر آيات في ليلة 39 مَنْ هذا؟ أو هذا دِحْيَة 265 المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به 123 نزل القرآن على ثلاثة أحرف 116 نزل القرآن على سبعة أحرف 252 نعم. إن استطعت 193 هذا سالم مولى أبي حذيفة 265 واعلم أنك لن تتقرَّب إلى الله بأعظم مما خرج منه 183 واقتنوه وتغنوا به 155 والذي لا إله غيره 123 واللغتان الأخرتان قريش وخزاعة 93 وكنت تكتب الوحى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 139 وما يضرُّك أيُّه قرأت قبل 139 ويحك، ما يضرك 256 لا تجفوا عنه 256 لا تغلوا فيه 253 لا تفقه في قراءة في أقل من ثلاث 202 لا تنافس بينكم إلّا في اثنتين 201, 202 لا حسد إلّا على اثنين 246 لا صلة إلّا بفاتحة الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320