الكتاب: إظهار الحق المؤلف: محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الكيرانوي العثماني الهندي الحنفي (المتوفى: 1308هـ) دراسة وتحقيق وتعليق: الدكتور محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي، الأستاذ المساعد بكلية التربية جامعة الملك سعود - الرياض الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - السعودية الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1989 م (أول طبعة تصدر مقابلة على نسختي المؤلف الذهبيتين المخطوطة والمقروءة) عدد الأجزاء: 4 أجزاء في ترقيم مسلسل واحد   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- إظهار الحق رحمت الله الهندي الكتاب: إظهار الحق المؤلف: محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الكيرانوي العثماني الهندي الحنفي (المتوفى: 1308هـ) دراسة وتحقيق وتعليق: الدكتور محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي، الأستاذ المساعد بكلية التربية جامعة الملك سعود - الرياض الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - السعودية الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1989 م (أول طبعة تصدر مقابلة على نسختي المؤلف الذهبيتين المخطوطة والمقروءة) عدد الأجزاء: 4 أجزاء في ترقيم مسلسل واحد   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[إظهار الحق]ـ المؤلف: محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الكيرانوي العثماني الهندي الحنفي (المتوفى: 1308هـ) دراسة وتحقيق وتعليق: الدكتور محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي، الأستاذ المساعد بكلية التربية جامعة الملك سعود - الرياض الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - السعودية الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1989 م (أول طبعة تصدر مقابلة على نسختي المؤلف الذهبيتين المخطوطة والمقروءة) عدد الأجزاء: 4 أجزاء في ترقيم مسلسل واحد [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في ملكه أبداً، فسبحان الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعله تبصرةً وَذكرى لأولي الألباب، وكشف نقاب الحق عن وجه اليقين بدلائل آياته، ونصب على منصته أعلام الهداية ليحق الحق بكلماته، حتى انقطعت دون محجته حجج أقوام بظواهر شبهِها يتظاهرون، وهم {يريدونَ لِيُطْفئِوا نورَ الله بأفواهِهِم ويَأبَى الله إلاَّ أَنْ يُتِمَّ نورَه ولو كَرِه الكافرون} والصلاة والسلام على مَن سفرت معجزات نبوّته بأَحسنِ المطالع، وظهرت شعائر شريعته، فنسختْ معالِمَ الأديانِ والشرائع، أرسله مولاه بالهدى ودين الحق ليظهرَه على الدين كله، وأيده بمحكم كتابٍ أعجزَ البلغاءَ عن أنْ يأتوا بسورة من مثلِه سيدنا محمد الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بشَّر بظهوره التوراةُ والإنجيل، وتحققت بوجوده دعوة أبيه إبراهيم الخليل، صلى الله عليه وعلى آله، الفائزين باتباع شريعته، السالكين منهج الإصابة في اقتفاء طريقته، وصحبه الذين وصل الله بالإسلام بينهم، حتى صاروا أشدّاء على الكفار رحماء بينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 (أما بعد) فيقول العبدُ الراجي إلى رحمة ربه المنان، رحمة الله بن خليل الرحمن، غفر الله له ولوالديه، وأحسن إليهما وإليه: أن الدولة الإنكليزية لما تسلطت على مملكة الهند تسلطاً قوياً، وبسطوا بساط الأمن والانتظام بسطاً مرضياً، ومن ابتداء سلطنتهم إلى ثلاث وأربعين سنة، ما ظهرت الدعوة من علمائهم إلى مذهبهم، وبعدها أخذوا في الدعوة وكانوا يتدرجون فيها، حتى ألفوا الرسائل والكتب في رد أهل الإسلام، وقسموها في الأمصار بين العوام، وشرعوا في الوعظ في الأسواق، ومجامع الناس، وشوارع العامة وكان عوام أهل الإسلام إلى مدة متنفرين عن استماع وعظهم ومطالعة رسائلهم، فلم يلتفت أحد من علماء الهند إلى رد تلك الرسائل، لكن تطرق الوهن بعد مدة، في نفور بعض العوام، وحصل خوف مزلة أقدام بعض الجهال الذين هم كالأنعام، فعند ذلك توجه بعض علماء أهل الإسلام إلى ردهم، وإني وإن كنت منزوياً في زاوية الخمول، وما كنت معدوداً في زمرة العلماء الفحول، ولم أكن أهلاً لهذا الخَطبْ العظيم الشأن، لكني لما اطلعت على تقريراتهم، وتحريراتهم، ووصلت إليَّ رسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 كثيرة من مؤلفاتهم، استحسنت أن أجتهد أيضاً، بقدر الوَسع والإمكان، فألفت أولاً الكتب والرسائل، ليظهر الحال على أولي الألباب، واستدعيت ثانياً من القسيس الذي كان بارعاً وأعلى كعباً من العلماء المسيحية الذين كانوا في الهند مشتغلين بالطعن والجرح على الملة الإسلامية، تحريراً وتقريراً، أعني مؤلف (ميزان الحق) أن يقع بيني وبينه مناظرة، في المجلس العام، ليتضح حق الاتضاح أن عدم توجه العلماء الإسلامية ليس لعجزهم عن رد رسائل القسيسين كما هو مزعوم بعض المسيحيين، فتقررت المناظرة في المسائل الخمس التي هي أمهات المسائل المتنازعة بين المسيحيين والمسلمين أعني: التحريف والنسخ، والتثليث، وحقية القرآن، ونبوّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 محمد صلى الله عليه وسلم؛ فانعقد المجلس العام في شهر رجب سنة ألف ومائتين وسبعين من هجرة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم في بلدة أكْبَر أبادْ. وكان بعض الأحباء المكرَّم أطال الله بقاءه، معيناً لي في هذا المجلس، وكان بعض القسيسين معيناً للقسيس الموصوف، فظهرت الغلبة لنا بفضل الله في مسألتي النسخ والتحريف اللتين كانتا من أدق المسائل وأقدمها في زعم القسيس، كما تدل عليه عبارته في كتاب حل الإشكال، فلما رأى ذلك سَدَّ باب المناظرة في المسائل الثلاث الباقية. ثم وقع لي الاتفاق أن وصلت إلى مكة شرفها الله تعالى وحضرت عتبة الأستاذ العلامة والنحرير الفهامة، عين العلم والدراية، ينبوع الحكم والرواية، شمس الأدباء، تاج البلغاء، مقدام المحققين، سند المدققين، إمام المحدثين، قدوة الفقهاء والمتكلمين، فلذة كبد البتول، سمي الرسول المقبول، سيدي وسندي ومولاي السيد أحمد بن زيني دحلان، أدام الله فيضه إلى يوم القيام، فأمرني أن أترجم باللسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 العربي هذه المباحث الخمسة من الكتب التي ألفت في هذا الباب، لأنها كانت إما بلسان الفرس، وإما بلسان مسلمي الهند. وكان سبب تأليفي في هذين اللسانين أن اللسان الأول مألوف المسلمين في تلك المملكة، واللسان الثاني لسانهم، وأن القسيسين الواعظين المقيمين في تلك المملكة ماهرون في اللسان الثاني يقيناً، وواقفون على اللسان الأول أيضاً قليلاً، سيما القسيس الذي ناظرني فإنه كانت مهارته في الأول أشد من الثاني، ورأيت إطاعة أمر مولاي بمنزلة الواجب، وشمرت عن ساق الجد لامتثال أمره فأرجو ممن سلك مسلك الإنصاف، وتنكب عن طريق الاعتساف، أن يستر خطآتي، ويجر قلم الإصلاح على هفواتي، وأسأل الله الميسر لكل صعاب أن يمن عليَّ بما يرشدني إلى الحق والصواب، ويجعل هذا الكتاب مقبولاً لدى الأنام، منتفعاً به الخاص والعام، ويصونه عن شبهات المبطلين، وأوهام المنكرين، وهو الولي للتوفيق، وبيده أزمة التحقيق، وهو على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وسميته (إظهار الحق) ورتبته على مقدمة وستة أبواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 المقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها (الأول) أني إذا أطلقت الكلام في هذا الكتاب في موضع من المواضع فهو منقول عن كتب علماء (البروتستنت) بطريق الإلزام والجدل، فإن رآه الناظر مخالفاً لمذهب أهل الإسلام فلا يقع في الشك، وإذا نقلت عن الكتب الإسلامية أشرت إليه غالباً إلا أن يكون مشهوراً. (الثاني) أن النقل غالباً في هذا الكتاب من كتب فرقة البروتستنت سواء كانت تراجم أو تفاسير أو تواريخ، لأن هذه الفرقة هي المتسلطة على مملكة الهند، ومن علمائها وقعت المناظرة والمباحثة، ووصلت إلى كتبها، وقليلاً ما يكون عن كتب فرقة الكاثوليك أيضاً. (الثالث) أن التبديل والإصلاح بمنزلة الأمر الطبيعي لفرقة البروتستنت، ولذلك ترى أنه إذا طبع كتاب من كتبهم مرة أخرى يقع غالباً فيه تغيير كثير بالنسبة إلى المرة الأولى، إما بتبديل بعض المضامين أو بزيادتها أو نقصانها، أو تقديم المباحث وتأخيرها فإذا قوبل المنقول عن كتبهم بالكتب المنقول عنها، فإن كانت تلك الكتب مطبوعة من جنس الكتب التي نقل عنها الناقل فيخرج النقل مطابقاً وإلا فخرج غير مطابق غالباً، فمن لم يكن واقفاً على عادتهم يظن أن الناقل أخطأ والحال أنه مصيب، وحصل هذا الأمر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 عادات هؤلاء القسيسين، ووقعت أنا أيضاً في المغالطة مرتين قبل العلم بعادتهم، فلا بد أن يكون الناظر في هذا الأمر على تنبه تام؛ لئلا يقع في الغلط أو يوقعه أحد فيه، ولئلا يتهم الناقل. وأنا أبين الكتب التي أنقل عنها فأقول: الكتب المذكورة هذه: [1] ترجمة الكتب الخمسة لموسى عليه السلام في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس في لندن سنة 1848 من الميلاد على النسخة المطبوعة في الرومية العظمى سنة 1264 [2] ترجمة كتب العهد العتيق والجديد كلها في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس المذكور أيضاً سنة 1844 وجعل في هذه الترجمة الزبور التاسع والعاشر زبوراً واحداً، وقسم الزبور المائة والسابع والأربعين إلى قسمين وجعله زبورين، فصار فيها عدد الزبورات ما بين العاشر والمائة والسابع والأربعين أقل منها بواحد بالقياس إلى التراجم الأخرى وفيما عداها متفقة، فلو وجد الناظر الاختلاف في هذا الأمر بالنسبة إلى التراجم الأخرى فلا بد أن يحمل على ما ذكرت [3] ترجمة العهد الجديد باللسان العربي وطبعت في بيروت سنة 1860 ونقلت عبارة العهد الجديد غالباً عن هذه الترجمة لأن عبارتها ليست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ركيكة مثل عبارة الترجمة الأولى [4] تفسير آدم كلارك على العهد العتيق والجديد الذي طبع في لندن سنة 1851 [5] تفسير هورن الذي طبع في لندن سنة 1882 في المرة الثالثة [6] تفسير هنري واسكات الذي طبع في لندن [7] تفسير لاردنر الذي طبع في لندن سنة 1717 في عشرة مجلدات [8] تفسير دوالي ورجردمينت الذي طبع في لندن سنة 1848 [9] تفسير هارسلي [10] كتاب واتسن [11] ترجمة فرقة البروتستنت بلسان الإنكليز المثبت عليها الخاتم المطبوعة سنة 1819 وسنة 1830 وسنة 1821 وسنة 1836 [12] ترجمة العهد العتيق والجديد لرومن كاثلك بلسان الإنكليز وطبعت في دبلن سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 1840، وما سواها من كتب أخرى أيضاً يجيء ذكرها في مواضعها وهذه الكتب في بلاد تسلط عليها الإنكليز، كثيرة الوجود فمن شك فليطابق النقل بأصله. (الرابع) إن صدر عن قلمي في موضع من المواضع لفظ يوهم بسوء الأدب بالنسبة إلى كتاب من كتبهم المسلّمة عندهم، أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، فلا يحمل الناظر عليَّ سوء اعتقادي بالنسبة إلى الكتب الإلهية، والأنبياء عليهم السلام؛ لأن إساءة الأدب إلى كتاب من كتب الله أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام من أقبح المحذورات عندي أعاذني الله وجميع أهل الإسلام منها. لكن لما لم يثبت كون الكتب المسلمة عندهم المنسوبة إلى الأنبياء بحسب زعمهم كتباً إلهية بل ثبت عكسه وثبت أن بعض مضامين هذه الكتب يجب على كل مسلم أن ينكره أشد الإنكار، وثبت أن الغلط والاختلاف والتناقض والتحريف واقعة فيها جزماً فإني معذور في أن أقول: إن هذه الكتب ليست كتباً إلهية وأن أنكر بعض القصص مثل: أن لوطاً شرب الخمر وزنى بابنتيه وحملتا بالزنا منه، أو أن داود عليه السلام زنا بامرأة أوريا وحملت بالزنا منه، وأشار إلى أمير العسكر لأن يدبر أمراً يقتل به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أوريا فأهلكه بالحيلة، وتصرف في زوجته، وأن هارون صنع عجلاً وبنى له مذبحاً فعبده هارون مع بني إسرائيل وسجدوا له وذبحوا الذبائح أمامه، وأن سليمان ارتد في آخر العمر وعبد الأصنام وبنى المعابد لها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ولا يثبت من كتبهم المقدسة أنه تاب بل الظاهر أنه مات مرتداً مشركاً. فإن هذه القصص وأمثالها يجب علينا أن ننكرها ونقول إنها غير صحيحة جزماً، ونعتقد اعتقاداً يقينياً أن ساحة النبوة بريئة من أمثال هذه الأمور القبيحة. وكذا معذور في أن أقول للغلط إنه غلط، وهكذا فلا يناسب لعلماء البروتستنت أن يشكوا في هذا الباب، ألا يرون إلى أنفسهم كيف يتجاوزون الحد في مطاعنهم على القرآن المجيد والأحاديث النبوية والنبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يصدر عن أقلامهم ألفاظ غير ملائمة؟ لكن الإنسان لا يرى عيب نفسه ولو كان عظيماً ويتعرض لعيب غيره ولو كان صغيراً، إلا من فتح الله عين بصيرته ولنعم ما قال المسيح عليه السلام: (لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك يا مرائي. أخرج أوّلاً الخشبة من عينك وحينئذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك) كما هو مصرح في الباب السابع من إنجيل متى. (الخامس) قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ألا ترى أن المسيح عليه السلام كيف خاطب الكتبة والفريسيين مشافهة بهذه الألفاظ (ويل لكم أيها الكتبة الفريسيون المراءون وويل لكم أيها القادة العميان، وأيها الجهال العميان، وأيها الفريسي الأعمى، وأيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) وأّظْهَرَ قبائحهم على رؤوس الأشهاد حتى شكا بعضهم بأنك تشتمنا، كما هو مصرح في الباب الثالث والعشرين من إنجيل مَتَّى، والباب الحادي عشر من إنجيل لوقا، وكيف أطلق لفظ الكلاب على الكنعانيين الذين كانوا كافرين، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من إنجيل متى، وكيف خاطب يحيى عليه السلام اليهود بقوله: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي"، كما هو مصرح في الباب الثالث من إنجيل متى، سيما في مناظرات العلماء الظاهرية تقع أمثال هذه الكلمات بمقتضى البشرية، ألا ترى إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 مُقْتَدى فرقة البروتستنت ورئيس المصلحين جناب لوطر كيف يقول في حق الذي كان مقتدى المسيحيين وفي عهده أعني البابا معاصِرَه وكيف يقول في حق السلطان الأعظم والملك الأفخم هنري الثامن ملك لندن، وأنقل بعض أقواله بطريق الترجمة عن الصفحة 277 من المجلد التاسع من (كاثُلك هرلد) وادعى صاحبه أنه نقل هذه الأقوال عن المجلد الثاني والسابع من المجلدات السبعة التي لجناب رئيس المصلحين. قال الرئيس الممدوح في الصفحة 274 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 في حق البابا: "هكذا أنا أول من طلبه الله لإظهار الأشياء التي يوعظ بها فيما بينكم، وإني أعلم أن كلام الله المقدس عندكم، امش مشياً هيناً يا بولسي الصغير، واحفظ نفسك يا حماري من السقوط احفظ نفسك يا حماري البابا، ولا تقدم يا حماري الصغير لعلك تسقط وتنكسر الرجل؛ لأن الهواء في هذا العام قليل جداً حتى أن الثلج يوجد فيه دسومة كثيرة، وتزل فيه الأقدام، فإن سقطت فيستهزئ الخلق، إن أي أمر شيطاني هذاأبعدوا عني، أيها الأشرار الغير المبالين الحمقاء الأذلاء الحمير، أأنتم تخيلون أنفسكم أنكم أفضل من الحمير، إنك أيها البابا حمار بل حمار أحمق وتبقى حماراً دائماً"، ثم قال في الصفحة 474 من المجلد المسطور هكذا: (لو كنتُ حاكماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 لحكمت أن يكتّف الأشرار البابا ومتعلقوه ثم يغرقوا في "استيا" الذي من الروم على ثلاثة أميال وههنا غدير عظيم) يعني البحر (لأنه حَّمام جيد لحصول الشفاء للبابا، وجميع متعلقيه من جميع الأمراض والضعف، وإني أعطي قولي بل أعطي المسيح كفيلاً على أني لو أغرقتهم إغراقاً ليناً إلى نصف ساعة لبروءا من جميع الأمرض اهـ) ، وقال في الصفحة 451 من المجلد المذكور: (إن البابا ومتعلقيه زمرة الأشرار المفسدين الخادعين الكاذبين وكنيف الأشرار الذي هو مملوء من أعظم الشياطين الجهنميين، وهو مملوء بحيث يخرج من بصاقه ومخاطه الشياطين) وقال في الصفحة 109 من المجلد الثاني المطبوع سنة 1562 (قلت أولاً إن بعض مسائل جان هس مسائل الإنجيليين، والآن أرجع عن هذا القول وأقول: ليس البعض بل كل مسائله التي ردها الدجال وحواريه في محفل كون ستس، وأقول لك مشافهة أيها النائب المقدس لله: إن جميع مسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 جان هس المردودة واجبة التسليم، وكل مسألة من مسائلك شيطانية كفرية، فلذلك أسلم مسائل جان هس المردودة وأستعد لتأييدها بفض الله) . وكان من مسائل جان هس (أن السلطان أو القسيس إذا ارتكب كبيرة من الكبائر لا يبقى سلطاناً وقسيساً) فلما كانت جميع مسائله مسلّمة عند رئيس المصلحين كانت هذه المسألة أيضاً مسلمة فعلى هذا لا يخرج أحد من مقتديه أهلاً للسلطنة والقسيسية، لأنه لا يوجد أحد منهم لا يصدر عنه كبيرة من الكبائر، والعجب كل العجب أن العصمة ليست شرطاً للأنبياء، وهم ما كانوا معصومين عند الرئيس، وتشترط للسلطان والقسيس. لعل منصب النبوة أدون من منصب القسيسية عنده. وأما ألفاظ الرئيس المذكور في حق السلطان الأعظم هنري الثامن فهذه: قال في الصفحة 277 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 هكذا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 [1] لا ريب أن لوطر يخاف إذا بذل السلطان هذا القدر من ريقه في الكذب واللغو [2] إني أتكلم مع الكاذب الديوث ولما لم يراع هو لأجل الحمق منصبه السلطاني فلم لم أرد كذبه في حلقومه [3] أيها الحوض الخشبي الجاهل أنت تكذب وسلطان أحمق سارق الكفن [4] كذا بلغو هذا السلطان الأحمق الْمُصِرُّ) . والظاهر أن أمثال هذه الألفاظ يكون إطلاقها على الخصم جائزاً عند علماء البروتستنت إلا أن يقولوا إنها وقعت منهم بمقتضى البشرية، فأقول إني إن شاء الله لا أذكر عمداً لفظاً يوازن لفظاً من ألفاظ مقتداهم في حق العلماء المسيحية، لكن لو صدر من غير العمد لفظ لا يكون مناسباً لشأنهم في زعمهم أرجو منهم المسامحة والدعاء؛ قال المسيح عليه السلام: (باركوا لأعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) كما هو مصرح في الباب الخامس من إنجيل متى. (السادس) إنه كثر في ديار أوربا وجود الذين يعبر علماء البروتستنت عنهم بالملاحدة، وهم ينكرون النبوة والإلهام، ويستهزؤون بالمذاهب سيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 بالمذهب المسيحي، ويسيئون الأدب بالنسبة إلى الأنبياء سيما بالنسبة إلى المسيح عليه السلام، ويزيدون في الديار المذكورة يوماً فيوماً، واشتهرت كتبهم في أقطار العالم فيجيء نقل أقوالهم أيضاً على سبيل القلة في هذا الكتاب، فلا يظن من هذا النقل أحدٌ أني أستحسن أقوالهم وأفعالهم، حَاشا وكَلاَّ لأن منكر نبي من الأنبياء الذين ثبتت نبوتهم عندنا سيما منكر المسيح عليه السلام كمنكر محمد صلى الله عليه وسلم، بل النقل لتنبيه علماء البروتستنت ليعلموا أن ما أوردوا على الملة الإسلامية ليس بشيء بالقياس مما أورد أهل ديارهم وصنْفهم على الملة المسيحية. (السابع) إن عادة أكثر علماء البروتستنت في تحرير جواب المخالف جارية بأنهم يتفحصون في كتابه بنظر العناد والاعتساف، فإن وجدوا في جميع الكتاب الأقوال القليلة ضعيفة اغتنموها ونقلوها لتغليط العوام، ثم يقولون: إن جميع كتابه من هذا القبيل، والحال أنهم ما وجدوا مع غاية تفحصهم إلا القدر المسطور، ثم بعد ذلك يأخذون أقوال المخالف حيث يقدرون على التأويل والجواب، ويتركون الأقوال القوية بالمرة ولا يشيرون إليها أيضاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ولا ينقلون جميع عبارة كتابه في الرد ليظهر على الناظر حال كلام الجانبين، بل يصدر عنهم الخيانة، تارة في النقل فيحرّفون كلامه، وغرضهم الأصلي إيقاع الناظر في مغلطة ليظن بملاحظة بعض الأقوال التي نقلوها أن كلام المخالف كله كما قالوا وهذه العادة غير مستحسنة، ومن كان واقفاً عليها يجزم أنهم ما وجدوا في كتاب المخالف إلا هذا القدر، وظاهر أنه لا يلزم منه على تقدير صحة النقل أيضاً ضعف كتاب المخالف كله سيما إذا كان كبيراً، لأن الكتاب إذا لم يكن إلهامياً يوجد فيه عادة أقوال ضعيفة، لأن كلام البشر يتعسر خلوه عن هذا، كما قيل لكل صارم نبوة ولكل جواد كبوة، وأول ناسٍ أولُ الناس، والعصمة عن الخطأ والسهو والضعف عندنا خاصة الكلام الإلهامي والكتاب الإلهامي لا غير، ألا يرون أنه لا يوجد محقق من محققيهم من زمانِ إمام الفرقة جناب (لوطر) إلى هذا الحين بحيث لا يكون في كلامه خطأ أو ضعف في موضع من المواضع من تصنيفاتهم، وإلا فعليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 البيان وعلينا الجواب. أيجوز في الصورة المذكورة عندهم أن ننقل بعض الأقوال الضعيفة التي صدرت عن إمامهم، الممدوح أو عن إمامهم الآخر (كالون) أو عن محقق مشهور من محققيهم، ونقول: إن كلامه الباقي كله باطل وهذيان من هذا القبيل وما كان له دقة النظر؟ حَاشا! لا نقول ذلك بل هو خلاف الإنصاف، ولو كان هذا القدر يكفي عندهم لحصلت لنا الراحة العظيمة، فننقل الأقوال من أقوال أئمتهم ومحققيهم في المواضع التي اعترف مُتَّبعوهم وأهلُ ملتهم أيضاً بأنها ضعيفة أو غلط، ثم نقول بعد ذلك إن كلامهم الباقي كله من هذا القبيل، وإنهم كانوا كذا، فالمرجو منهم أنهم إن كتبوا جواب كتابي هذا فلا بد أن ينقلوا عبارتي كلها في الرد، ويراعوا الأمور التي هي مذكورة في المقدمة، ولو اعتذروا عن عدم الفرصة، فهذا العذر غير مقبول؛ لأنه قد صرح صاحب مرشد الطالبين في الصفحة 310 من كتابه المطبوع سنة 1840 في الفصل الثاني عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 من الجزء الثاني (أن نحو ألف سوّاح من البروتستنت يواظبون على بث الإنجيل، ولهم قدر مائة معاون على ذلك من الواعظين والمعلمين وغيرهم ممن تنصروا) ، فهؤلاء كلهم خرجوا من بلادهم وليس لهم أمر مهم غير الوعظ والدعوة إلى ملتهم، فكيف يقبل عذر عدم الفرصة من هذا الجم الغفير. وأذكر شيئاً لتوضيح ما قلت من حال ترجمة إمام الفرقة جناب (لوطر) وحال كتاب ميزان الحق للقسيس النبيل (فندر) وكتاب حل الإشكال ومفتاح الأسرار للقسيس الممدوح أيضاً. قال (وارد كاثُلك) في كتابه المطبوع سنة 1841 في حال الترجمة المذكورة التي كانت في لسان دجهه (قال زونكليس الذي هو من أعظم علماء البروتستنت مخاطباً (للوثر) : يا لوثر أنت تخرب كلام الله أنت مخرب عظيم ومحرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الكتب المقدسة ونحن نستحي منك استحياء لأنا كنا نعظمك في الغاية، وتظهر الآن أنك كذا) ورد لوطر ترجمة زونكليس ولقبه بالأحمق والحمار والدجال والمخادع، وقال القسيس (ككرمن) في حق الترجمة المذكورة: (ترجمة كتب العهد العتيق سيما كتاب أيوب وكتب الأنبياء معيبة وعيبها ليس بقليل، وترجمة العهد الجديد أيضاً معيبة وعيبها ليس بقليل) ، وقال بسروا وسياندر للوطر: ترجمتك غلط، ووجد ستا فيلس وامسيرس في ترجمة العهد الجديد فقط ألفاً وأربعمائة 1400 فساد هي بدعات) ، فإذا كان الفساد في ترجمة العهد الجديد ألفاً وأربعمائة فالغالب أنه لا يكون في جميع الترجمة أقل من أربعة آلاف فساد، ولا ينسب الجهل وعدم التحقيق إلى إمامهم المعظم مع وجود هذه الفسادات. فكيف ينسبهما أهل الإنصاف إلى من كان كلامه مجروحاً في خمسة أو ستة مواضع على زعم المخالف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وإذا فرغت من بيان ترجمة إمامهم أتوجه إلى الميزان الحق وغيره، فاعلم أيها الأخ أن لهذا الكتاب نسختين نسخة قديمة كانت متداولة إلى مدة بين القسيسين الواعظين قبل تأليف الاستفسار، ولما ألف الزكي الفاضل آل حسن الاستفسار، ورد الباب الأول والثالث من النسخة المذكورة، وانكشف على القسيس النبيل (فندر) حال كتابه بعد ملاحظة الاستفسار، استحسن أن يهذبها ويصلحها مرة أخرى ويزيد فيها شيئاً ويطرح عنها شيئاً، ففعل هذا المستحسن، وأخرج نسخة جديدة سواها بعد الإصلاح التام، وطبع هذه الجديدة في اللسان الفارسي سنة 1849 في بلدة أكبر أباد وفي لسان أردو سنة 1850، فصارت تلك النسخة العتيقة بهذه النسخة الجديدة كالقانون المنسوخ عندهم، لا يعبأ بها، فلا أنقل عنها إلا قولاً واحداً، وإن كان مجال واسع للكلام فيها، وأنقل عن هذه الجديدة الفارسية بطريق الأنموذج أربعة وعشرين قولاً، وعن كتاب حل الإشكال المطبوع سنة 1847 تسعة أقوال، وقولين عن مفتاح الأسرار القديم والجديد على سبيل الترجمة باللسان العربي مع الإشارة إلى الباب والفصل والصفحة فأقول وبالله التوفيق. (القول الأول) في الفصل الثاني من الباب الأول من ميزان الحق في الصفحة 17: "يدعي القرآن والمفسرون في هذا الباب" أي نسخ "أنه كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل فكذلك نسخ الإنجيل بسبب القرآن" انتهى، فقوله: (نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل) بهتان لا أثر له في القرآن ولا في التفاسير، بل لا أثر له في كتاب من الكتب المعتبرة لأهل الإسلام، والزبور عندنا ليس بناسخ للتوراة، ولا بمنسوخ بالإنجيل، وكان داود عليه السلام على شريعة موسى عليه السلام، وكان الزبور أدعية لعله سمع من بعض العوام، فظن أنه يكون في القرآن والتفاسير فنسب إليها، فهذا حال هذا المحقق في بيان الدعوى في الطعن الذي هو أول المطاعن وأعظمها. (القول الثاني) في الفصل المذكور في الصفحة 24 هكذا: "لا أصل لادعاء الشخص المحمدي بأن الزبور ناسخ للتوراة والإنجيل ناسخ لهما" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وهذا أيضاً غير صحيح كالأول؛ لما عرفت أن الزبور ليس بناسخ للتوراة ولا بمنسوخ بالإنجيل ولما طلبت منه تصحيح النقل في هذين القولين في المناظرة التي وقعت بيني وبينه في المجمع العام، ما وجد ملجأ سوى الإقرار بأنه أخطأ، كما هو مصرح في رسائل المناظرة، التي طبعت مراراً في أكبر أباد ودهلي باللسان الفارسي ولسان الأردو، فمن شاء فليرجع إليها. (القول الثالث) في الفصل المذكور في الصفحة 25: "يلزم من قانون النسخ هذا التصور: أن الله أراد عمداً بالنظر إلى مصلحته وإرادته أن يعطي شيئاً ناقصاً غير موصِّلٍ إلى المطلوب ويبينه، لكنه كيف يمكن أن يتصور أحد مثل هذه التصورات الناقصة الباطلة في ذات الله القديمة الكاملة الصفات" وهذا لا يَرِدُ على أهل الإسلام نظراً إلى النسخ المصطلح [عليه] عندهم كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ستعرف في الباب الثالث إن شاء الله، نعم يَرِدُ على مقدسهم بولس، لأن هذا المقدس ابتلي بهذا التصور الناقص الباطل الذي كان عند القسيس غير ممكن، وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860، قال في الباب السابع من الرسالة العبرانية هكذا:" 18فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها [19] إذ الناموس لم يكمل شيئاً" الخ، وفي الباب الثامن من الرسالة المذكورة هكذا:" [7] فإنه لو كان ذلك الأول (16) بلا عيب لما طُلب موضعٌ للثاني" [13] "فإذا قال جديداًعتق الأول، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وإما ما عَتُق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال"، وفي الآية التاسعة من الباب العاشر من الرسالة المذكورة هكذا: "يَنْزع الأول حتى يُثبت الثاني" فأطلق مقدسهم على التوراة أنه أبْطل ونزع، وكان ضعيفاً وعديم النفع، وغير مكمل لشيء ومعيباً وجعله أحق بالاضمحلال والإبطال، بل يُرد على زعم هذا القسيس أن الله ابْتُلي أولاً بهذا التصور الباطل الناقص والعياذ بالله، لأنه قال على لسان حزقيال هكذا: "إذن أعطيتهم أنا وصايا غير حسنة وأحكاماً يعيشون بها" كما هو مصرح في الآية الخامسة والعشرين من الباب العشرين من كتاب حزقيال، فالعجب كل العجب من إنصاف هذا المحقق أنه ينسب إلى أهل الإسلام ما يلزم على مذهبه لا على مذهبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 (القول الرابع) في الفصل المذكور في الصفحة 26: "لا بد أن تبقى أحكام الإنجيل وكتب العهد العتيق جارية ما دامت السماوات والأرض بمقتضى هذه الآيات"، وهذا غلط؛ لأنه إن كان مقتضاها بقاء أحكام العهدين يلزم أن يكون جميع القسيسين واجبي القتل، لأنهم لا يعظمون السبت، وناقضُ تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل، على أنه أقر في هذا الفصل في الصفحة 19: "أن الأحكام الظاهرية" من التوراة "كملت بظهور المسيح، ونسخت بمعنى أنها ما بقيت محافظتها لازمة" فهذه الأحكام الظاهرية على اعترافه ما بقيت جارية ما دامت السماوات والأرض، وتكميلها ونسخها بالمعنى المذكور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 عندهم هو نسخ الأحكام المصطلح عندنا، وقال عيسى عليه السلام للحواريين حين أرسلهم إلى طريق أمم: "لا تمضوا، وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا" و "قال لم أُرْسَلْ إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" فسهى عن دعوة أمم والسامريين، وخصص رسالته ببني إسرائيل، ثم قال وقت العروج إلى السماء: "اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" فأمر بدعوة جميع العالم وعمم رسالته فنسخ حكمه الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ونسخ الحواريون بعد المشاورة جميع الأحكام العملية المدرجة في التوراة إلا أربعة أحكام: حرمة ذبيحة الصنم، وحرمة الدم، وحرمة المخنوق، وحرمة الزنا، وكتبوا في هذا الباب كتاباً إلى الكنائس، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من كتاب الأعمال. ثم نسخ مقدسهم بولس من هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الأربعة أيضاً الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامة المندرجة في الآية الرابعة عشر من الباب الرابع عشر من رسالته إلى أهل رومية، وفي الآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس، فنسخ الحواريون أحكام التوراة، ونسخ مقدسهم أحكام الحواريين، فظهر مما ذكرت أن النسخ كما وقع في أحكام التوراة كذلك وقع في أحكام الإنجيل، فهذه الأحكام المنسوخة من كليهما ما بقيت جارية ما دامت السماوات والأرض، وستعرف هذه الأمور مفصلة في الباب الثالث إن شاء الله تعالى، والآيات التي تمسّك بها هذا القسيس النبيل أربع على ما نقلها في الصفحة 26 و 27 في الفصل المذكور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الأولى الآية الثالثة والثلاثون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: "السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول"، والثانية: الآية الثامنة عشرة من الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: "فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل"، الثالثة: الآية الثالثة والعشرون من الباب الأول من الرسالة الأولى لبطرس هكذا: "أنتم مولودون ثانية، لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد" الرابعة: الآية الثامنة من الباب الأربعين من أشعيا هكذا: "يبس الحشيش وسقط الزهرُ وكلمة ربنا تدوم إلى الأبد". ولا يصح للمسيحيين التمسك بالآية الثانية والرابعة، على أن حكماً من أحكام التوراة لا ينسخ، لأن أحكامه العملية كلها صارت منسوخة في الشريعة العيسوية، ولان المراد بالناموس فى قول المسيح الاحكام العشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 فقط كما فى الباب الرابع ولا بالأولى والثالثة أن حكماً من الإنجيل لا ينسخ؛ لأن النسخ قد وقع في أحكامه أيضاً لما عرفت وستعرف في الباب الثالث مفصلاً إن شاء الله تعالى، فالصحيح أن الإضافة في لفظ (كلامي) الواقع في الآية الأولى للعهد، والمراد به الكلام الذي أخبر فيه عن الحوادث الآتية كما اختار المفسر (دوالي ورجردمينت) على مختار القسيس (بيرس) (ودين استان هوب) وستعرف في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الباب المذكور، وليست هذه الإضافة للاستغراق؛ ليفيد أن كل كلامي يبقى إلى الأبد، سواء كان حكماً أو غيره، وأنه لا يصح أن ينسخ حكم من أحكامي، وإلا لزم كذب إنجيلهم في الأحكام المنسوخة، على أن عدم الزوال في الآية الثانية كان مقيداً بقيد الكمال، وقد حصل كمال أحكام التوراة في الشريعة العيسوية على زعم القسيس النبيل فلا مانع للزوال بعده، ولفظ إلى الأبد في الآية الثالثة محرفٌ إلحاقيُّ لا وجود له في أقدم النسخ وأصحها، ولذلك كتب قوسان في جانبه هكذا (إلى الأبد) في النسخة العربية المطبوعة سنة 1860 في بيروت، وقد قال طابعوه ومصححوه في التنبيه الذي أوردوه في الديباجة هكذا: و "الهلالان يدلان على أن الكلمات التي بينهما ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها"، وقول بطرس الحواري (كلمة الله) الحية (الباقية إلى الأبد) كقول أشعيا (كلمة ربنا تدوم إلى الأبد) فكما لا يفيد قول أشعيا عليه السلام عدم نسخ حكم التوراة، فكذلك لا يفيد قول بطرس عدم نسخ حكم الإنجيل، والتأويل الذي يجري في قول أشعيا هو بعينه يجري في قول بطرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 فهذه الآيات الأربعة لا يصح التمسك بها في مقابلة أهل الإسلام لإبطال النسخ المصطلح (عليه) عندهم، ولذلك كانت أقوال القسيس النبيل مضطربة في التمسك بهذه الآيات وقت المناظرة التي وقعت بيني وبينه، كما لا يخفى على ناظر رسائلها التي طبعت باللسان الفارسي ولسان الأردو في دهلي وأكبر أباد مراراً. (القول الخامس) نقل القسيس النبيل قول (الفاني) في بيان مذهب الشيعة الاثني عشرية في حق القرآن المجيد من كتابه المسمى بدبستان في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق في الصفحة 29 وحرَّف قوله حيث كانت عبارته هكذا (بعضي أزيشان كوبندكه عثمان مصحف راسوخته) الخ، ونقل القسيس النبيل هكذا: كه (مي كوبند) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فأسقط لفظ بعضي أزيشان وزاد لفظ (مي) ليكون النسبة بحسب الظاهر إلى كل الفرقة، وهكذا نقل القسيس النبيل عبارة الاستفسار في الصفحة 103 من كتابه حل الإشكال هكذا (قوانين الصرف والنحو والمعاني والبيان وسائر الفنون لا ترى قبل عهد الإسلام عند أحد من اليهود والمسيحيين) ، وما كان في عبارة الاستفسار لفظ سائر الفنون، بل كان بدله مفردات اللغة، وكان غرض صاحب الاستفسار أن الفنون التي تتعلق باللسان الأصلي للتوراة والإنجيل ما كانت قبل عهد الإسلام عند أحد من اليهود والمسيحيين، فحَرَّف القسيس النبيل لفظ مفردات اللغة بسائر الفنون ثم اعترض عليه (وفرقة الكاثلك) يقولون: إن التحريف في مثل هذه الأمور عادة فرقة البروتستنت، نقل (وارد كاثلك) في كتابه "إنه وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون: أن الزبورات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 التي هي داخلة في كتاب صلواتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضوع تخميناً". وقال طامس انككلس كاتلك في الصفحة 176 و 177 من كتابه المسمى (بمرآة الصدق) وهو بلسان الأردو وطبع سنة 1815: (إن نظرتم إلى الزبور الرابع عشر فقط الذي هو موجود في كتاب الصلوات العام الذي يظهر عليه علماء البروتستنت رضاهم وقبولهم بالحلف، ثم طالعتم هذا الزبور في الكتاب المقدس للبروتستنت لوجدتم أن أربع آيات في كتاب الصلوات ناقصة بالقياس إلى الكتاب المقدس، لكن هذه الآيات إن كانت من كلام الله فَلِم تركوها، وإن لم تكن من كلام الله، فَلِمَ لَمْ يُظهروا عدم صدقها في كتاب الصلوات، والحق الصريح أن البروتستنتيين حرفوا كلام الله، وهذا الخبر الذي عن الأمر المستقبل إما بالزيادة أو بالنقصان) فإسقاط لفظ (بعضي أزيشان) أهون من إسقاط أربع آيات في الزبور الواحد، وكذا تبديل لفظ مفردات اللغة أهون من التحريف في مائتي موضع من كتاب الزبور. (القول السادس) في الصفحة 54 في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق هكذا: "واعتقادنا في النبي هذا، أن الأنبياء والحواريين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وإن كانوا قابلي السهو والنسيان في جميع الأمور لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير"، وهذا أيضاً غلط كما سيظهر في الفصل الثالث من الباب الأول، وفي الباب الثالث عشر من سفر الملوك الأول في حال النبي الذي جاء بأمر الله من يهودا إلى (يور بعام) ثم رجع إلى يهودا بعد ما أخبر بأن المذبح الذي بناه (يور بعام) يهدمه السلطان (يوشيا) الذي يكون من أولاد داود عليه السلام وقع هكذا: (وكان في بيت إبل شيخا نبياً أتاه بنوه وأخبروه بكل ما صنع رجل الله في ذلك اليوم) الخ 12 (فقال لهم أبوهم أي طريق أخذ، فدله بنوه على الطريق الذي أخذ رجل الله) الخ 13 (فقال لنبيه أسرجوا لي الحمار فأسرجوا له الحمار وركبه) 14 (ولحق رجل الله فوجده جالساً تحت شجرة البطم) الخ 15 (قال مُرَّ معي إلى بيتي لتأكل خبزاً) 16 (قال لا أقدر أن أرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وأدخل معك ولا آكل طعاماً ولا أشرب ماء في هذه البلاد) 17 (لأن الْمَلَكَ (20) قال لي: يقول الرب قائلاً: لا تأكل طعاماً ولا تشرب ماء هنالك، ولا ترجع من الطريق التي جئت منها) 18 (قال له أنا أيضاً نبي مثلك وقد قال ليَ الملاك عن قول الرب قائلاً: رده معك إلى بيتك ويأكل طعاماً ويشرب ماء فكذب له وخدعه) 19 (فرجع معه وأكل طعاماً وشرب ماء في منزله) 20 (فبينما هما على المائدة كان قول الرب إلى النبي الذي رده) 21 (فدعا إلى الرجل الذي جاء من يهودا وقال له هكذا: يقول الرب إنك خالفت قول فم الرب ولم تحفظ ما أمرك به الله ربك) 22 (ورجعتَ وأكلت الخبز وشربت الماء في الموضع الذي قال لك لا تأكل فيه خبزاً ولا تشرب ماء فلا يدخل جسدك قبر آبائك) 23 (فلما أكل وشرب أسرج حماره للنبي الذي رده) 24 (وخرج منصرفاً فاستقبله أسد في الطريق وقتله وصارت جثته مطروحة في الطريق) الخ 25 (فَمَرَّ قوم ورأوا الجثة مطروحة في الطريق والأسد قائماً عند الجثة فدخلوا القرية التي فيها النبي الشيخ وأخبروا بذلك) 26 (فسمع النبي الذي رده) الخ 27 (فقال لبنيه أسرجوا لي الحمار فأسرجوه) 28 (وانطلق) الخ 29 (فأخذ النبي الشيخ جثة رجل الله وحملها على الحمار فرجع، وجاء بها إلى القرية التي كان فيها ذلك النبي الشيخ لينوح عليه) . فأطلق فيه هذه العبارة على النبي الشيخ لفظ النبي في خمسة مواضع، وفي الآية الثامنة عشرة نقل عن حضرته الأقدس ادعاء الرسالة الحقة، وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الآية العشرين ثبت تصديق رسالته الحقة أيضاً، وهذا النبي الشيخ الصادق النبوة افترى على الله وكذب في التبليغ، وخدع رجل الله المسكين وألقاه في غضب الرب وأهلكه، فثبت عدم عصمتهم في التبليغ أيضاً. فإن قلت: إنهم يفترون على الله ويكذبون في التبليغ قصداً لا سهواً أو نسياناً وكلام القسيس النبيل في السهو والنسيان، قلت: هذا وإن كان توجيهاً مناسباً لعبارته لكنه يلزم عليه شناعة أقوى من السهو والنسيان، ومع ذلك هو غلط أيضاً كما ستعرف. ثم قال القسيس النبيل بعده: "إن ظهر لأحد في موضع من المواضع في تحريرهم اختلاف أو محال عقلي فذلك دليل نقصان فهمه وعقله" أقول: هذا أيضاً ليس بصحيح، بل تغليط وتمويه محض ومخالف لتصريح علماء اليهود والمفسر (آدم كلارك) الذي هو من المفسرين من فرقة البروتستنت، ولتصريح كثير من المحققين من هذه الفرقة كما ستعرف في الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، والشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني، ولو ادعى هذا القسيس صدق ما ادعاه فعليه أن يوجه جميع الاختلاقات والأغلاط التي نقلتها في الفصل الثالث؛ ليظهر الحال، لكنه لا بد أن يكون بيانه مشتملاً على توجيه جميعها لا بعضها ولا بد أن يكون جوابه بعد نقل عبارتي وتقريري ليحيط الناظر بكلام الجانبين، ولو وجه بعضها الذي يمكن تأويله ولو بعيداً وترك نقل عبارتي فلا يُسمع ادعاؤه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 (القول السابع) في الصفحة 60 في مقدمة الباب الثاني من ميزان الحق: "خلص الله اليهود من انقضاء سبعين سنة على ما وعد (أرميا) وأوصلهم إلى إقليمهم"، وهذا أيضاً غلط؛ لأن إقامتهم كانت في بابل ثلاثاً وستين سنة لا سبعين كما ستعرف في الفصل الثالث من الباب الأول إن شاء الله تعالى. (القول الثامن) في الصفحة 105 في الفصل الثالث من الباب الثاني: "وتم سبعون أسبوعاً التي هي عبارة عن أربعمائة وتسعين سنة في وقت ظهوره" أي المسيح (كما أخبر دانيال الرسول أنه يمضي من رجوع بني إسرائيل عن بابل إلى مجيء المسيح المدة بالقدر المذكور) ، وهذا أيضاً غلط كما ستعرفه في الفصل الثالث من الباب الأول. على أن هذا القول غير صحيح بالنظر إلى تحقيقه أيضاً، وإن فرضت أن اليهود أقاموا في بابل سبعين سنة ثم أطلقوا لأنه صرح في الصفحة 60: (أن أسر اليهود كان قبل ميلاد المسيح بستمائة سنة فإذا أسقطنا سبعين من ستمائة يبقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 خمسمائة وثلاثون فتكون المدة من الإطلاق إلى ظهور المسيح بهذا القدر لا بقدر أربعمائة وتسعين سنة) . (القول التاسع) في الصفحة 100 في الفصل الثالث من الباب الثاني: (أخبر الله داود الرسول أن هذا المخلِّص يظهر من أولادك، وتكون سلطنته إلى الأبد كما هو مصرح في الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من الفصل السابع من سفر صموئيل الثاني) والتمسك بهاتين الآيتين غلط كما ستعرف مفصلاً في الفصل الثالث من الباب الأول. (القول العاشر) في الصفحة 101 في الفصل الثالث من الباب الثاني هكذا: "علم مكان ولادة هذا المخلص في الآية الثانية من الفصل الخامس من كتاب (ميخا) الرسول هكذا، وأنت يا بيت لحم أفراثا وإن كنت صغيراً في ألوف يهوذا، لكن منك يخرج لي الذي هو يكون سلطاناً في إسرائيل، وخروجه من الْبَدْي منذ أيام الأزل"،انتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وهذه العبارة محرفة كما حقق محققهم المشهور (هورن) كما ستعرف في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني، ومخالفة للآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل (متى) فيلزم على القسيس، إما أن يعترف بتحريف عبارة (ميخا) كما اعترف محققهم المشهور أو يعترف بتحريف عبارة الإنجيل، وهو يتحاشى عن إقراره عند العوام وفي صورة الإقرار يلزم عليه في الصورة الأولى أنه كيف تمسك بالعبارة المحرمة، وفي الصورتين أن يبين مَنْ حَرَّف ومتى حَرَّف ولماذا حَرَّف، أحَصَل له شيء من المناصب الدنيوية أو شيء من ثواب الآخرة؟، كما هو يسأل أهل الإسلام، ويقول: إن هذا البيان دَيْنٌ عليهم، وهم بفضل الله بُرآء من هذا الدين، كما فصل في الإعجاز العيسوي، وإزالة الشكوك، ومعدل اعوجاج الميزان، وهذا الكتاب. (القول الحادي عشر) في الصفحة المذكورة: "أن هذا المخلص يتولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 من العذراء كما قال (أشيعا) في الآية الرابعة عشرة من الفصل السابع" والتمسك بهذا أيضاً غلط بلا شبهة كما ستعرف في بيان الغلط الخمسين من الفصل الثالث من الباب الأول، وستعرف هناك أيضاً أن ما ادعى جناب القسيس في الصفحة 130 من كتابه حل الإشكال: (أنه لا معنى للفظ علماء إلا العذراء) غلط أيضاً. (القول الثاني عشر) نقل القسيس النبيل من الزبور الثاني والعشرين عبارة في الصفحة 104 في الفصل الثالث من الباب الثاني، وفي هذه العبارة وقعت هذه الجملة أيضاً: (ثقبوا يدي ورجلي) وهذه الجملة لا توجد في النسخة العبرانية بل فيها بدلها هذه الجملة: (كلتا يدي مثل الأسد) نعم توجد في تراجم المسيحيين قديمة كانت أو جديدة، فيسأل من القسيس النبيل: أن النسخة العبرانية ههنا محرفة في زعمكم أم لا؟، فإن لم تكن محرفة فَلِمَ حرفتم هذه الجملة، لتصدق على المسيح في زعمكم، وإن كانت محرفة فلا بد أن تقروا بتحريفها، ثم يسأل على وَفْق تقريره في ميزان الحق: مَنْ حرفها ومتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 حرفها ولماذا حرفها، أحصل له شيء من المناصب الدنيوية أو شيء من ثواب الآخرة؟؟. (القول الثالث عشر إلى الخامس عشر) في الفصل السادس من الباب الثاني في الصفحة 156 عد القسيس النبيل من الإخبارات بالحوادث الآتية التي يستدل بصدقها على كون الكتب المقدسة كتباً إلهية الخبر المندرج في الفصل الثامن والثاني عشر من كتاب دانيال، والخبر المندرج في إنجيل متى من الآية 16 إلى 22 من الباب العاشر، وهذه الأخبار الثلاثة غير صحيحة، كما بين في الفصل الثالث من الباب الأول في الغلط الثلاثين والحادي والثلاثين والثامن والتسعين. (القول السادس عشر) في الصفحة 224 من الفصل الثالث من الباب الثالث: "وكل منهم يقول: إن الآيات العديدة المنسوخة توجد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 القرآن، ومَنْ يتأمل تأملاً قليلاً ويدقق تدقيقاً يسيراً يفهم أن مثل هذه القاعدة معيبة وناقصة" أقول: لو كان هذا عيباً فالتوراة والإنجيل معيبان ناقصان بالطريق الأول؛ لأنهما أيضاً يشملان على الآيات المنسوخة كما عرفت في بيان القول الرابع، وستعرف في الباب الثالث مفصلاً إن شاء الله، فالعجب من هذا المحقق!! إنه يقول بمخالفة القرآن ما يقع على التوراة والإنجيل بأشنع حالة. (القول السابع عشر) قال القسيس النبيل في الصفحة 246 في الفصل الرابع من الباب الثالث بعد ما أنكر المعجزة التي فهمت من قوله تعالى {وما رَمَيْتَ إذْ رَميْتَ ولكنَّ الله رَمَى} وقدح عليها بحسب زعمه: "ولو سلمنا أن الحديث المذكور رأى الذي ذكره المفسرون صحيح، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رمى بقبضة من تراب إلى عسكر العدو فلا تثبت منه المعجزة أيضاً" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أقول: الحديث الذي ذكره المفسرون هكذا: ورأى أنه لما طلعت قريش من العقنقل (قال عليه السلام: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول كفاً من الحصباء فرمى بها في وجوههم، وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر، فيقول الرجل قتلتُ وأسرت) ، كما هو في البيضاوي، فقوله: فأتاه جبريل عليه السلام وقال له خذ قبضة من تراب يدل دلالة واضحة على أنه كان من جانب الله تعالى، وقوله فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه يدل دلالة واضحة على أنه كان خارقاً للعادة، فبعد تسليم الحديث لا يمكن الإنكار إلا من الذي يكون قصده العناد والاعتساف، ويكون إنكار الحق قصداً بمنزلة الأمر الطبيعي له. (القول الثامن عشر) في الصفحة 275 في الفصل الخامس من الباب الثالث هكذا: "اعلم أن عشرة أشخاص أو اثني عشر نفراً فقط آمنوا بمحمد بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ثلاث سنين وفي السنة الثالثة عشرة التي هي السنة الأولى من الهجرة كان مائة شخص من أهل مكة وخمسة وسبعون شخصاً من أهل المدينة آمنوا به" وهذا غلط، يكفي في رده قول القسيس: سئل مترجم القرآن وأنقل قوله عن النسخة المطبوعة سنة 1850: (قلما يخرج بيت من بيوت المدينة أن لا يوجد فيه مسلم من أهله قبل الهجرة) ثم قال: "ومن قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط فقوله تهمة صرفة، لأن بلاداً كثيرة ما ذكر فيها اسم السيف أيضاً وشاع فيها الإسلام"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وأسلم أبو ذر رضي الله عنه وأنيس أخوه وأمهما في أول الإسلام فلما رجعوا أسلم نصف قبيلة غفار بدعوة أبي ذر، وهاجر في السنة السابعة من النبوة من مكة إلى الحبشة ثلاثة وثمانون رجلاً وثماني عشرة امرأة، وقد بقي في مكة أناس أيضاً من المسلمين، وقد أسلم نحو عشرين رجلاً من نصارى نجران، وكذا أسلم ضماد الأزدي قبل السنة العاشرة من النبوة، وقد أسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الطفيل بن عمرو الدوسي قبل الهجرة وكان شريفاً مطاعاً في قومه، وأسلم أبوه وأمه بدعوته بعد ما رجع إلى قومه، وقد أسلم قبل الهجرة قبيلة بني الأشهل في المدينة المنورة في يوم واحد ببركة وعظ مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه، فما بقي منها رجل ولا امرأة إلا أسلم، غير عمرو بن ثابت، فإنه تأخر إسلامه إلى غزوة أحد، وبعد إسلامهم كان مصعب رضي الله عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 يدعو الناس إلى الإسلام، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من سكان عوالي المدينة أي قراها من جهة نجد، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم بُرَيدة الأسلمي مع سبعين رجلاً من قومه في طريق المدينة طائعين، وقد أسلم النجاشي ملك الحبشة قبل الهجرة، ووفد قبل الهجرة أبو هند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وتميم ونُعيم وأربعة آخرون من الشام، وأسلموا وهكذا أسلم آخرون. (القول التاسع عشر) في الصفحة 279 في الفصل الخامس من الباب الثالث قال القسيس النبيل: أولاً: "إن أبا بكر رضي الله عنه عين أحد عشر رئيساً على العسكر وأعطى لكلٍ كتابَ الحكم ليقرأ على الكفار" ثم نقل إنه كان من جملة أحكام الكتاب المذكور هذا الحكم أيضاً لا يرحمون (أي رؤساء العسكر) "على المنحرفين بوجه مقابل يحرقونهم في النار ويقتلونهم بكل طريق"، وهذا أيضاً غلط، نقل في روضة الصفاء وصية أبي بكر رضي الله عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 لرؤساء العسكر هكذا: (سران سباه راوصيت فرمودكه خيانت نكنيد وييرامن غدر نكرديد وطفلان وييران وزنان رانكشيد وأشجار مثمرة راقطع نفر ما يبدو رهابين راكه دركنايس وصوامع بعبادات باري تعالى اشتغالي داشته باشند تعرض نرسانيد) ، ولا بد من أن ينقل القسيس النبيل عن تاريخ من التواريخ المعتبرة لأهل الإسلام أن أبا بكر رضي الله عنه كان أمرهم أن يحرقوا الكفار في النار. (القول العشرون) في الصفحة 280 في الفصل الخامس من الباب الثالث: "لما استقرت الخلافة على عمر رضي الله عنه أرسل عسكر العرب إلى إيران وأمر بأن أهل إيران إن قبلوا الدين المحمدي بالحسن والرضا فبها، وإلا فاجعلوهم معتقدين للقرآن تابعين لمحمد صلى الله عليه وسلم جَبْراً وإكراهاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وهذا أيضاً غلط فاحش وكذب محض، ما أمر عمر رضي الله عنه أن بدخل أهل إيران بالجبر والإكراه في الملة الإسلامية، ألا يرى هذا النبيل أن عمر رضي الله عنه حضر بنفسه الشريفة في غزوة بيت المقدس، فلما تسلط وفتح ما جبر على أحد من أهل التثليث، وما أكرههم على قبول الملة الإسلامية، بل أعطاهم شروطاً جليلة، وما نزع كنيسة من كنائسهم، وعاملهم معاملة جميلة مدحه عليها المفسر (طامس نيوتن) كما ستطلع على عبارته في الفصل الثالث من الباب الأول. (القول الحادي والعشرون) في الصفحة 210 في الفصل الثالث من الباب الثالث هكذا: "ذهب محمد قبل ادعاء النبوة إلى الشام بإرادة التجارة مع عمه أبي طالب ثم ذهب إليها منفرداً مرات"، وهذا أيضاً غلط لأنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الشام أوّلاً مع عمه وكان ابن تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 سنين على الراجح، ثم ذهب إليه ثانياً مع ميسرة غلام خديجة، وكان على قول جمهور العلماء ابن خمسة وعشرين سنة، ولم يثبت ذهابه إلى الشام قبل النبوة أزيد من هاتين المرتين، فجعل هذا القسيس ذهابه صلى الله عليه وسلم منفرداً في المرة الواحدة مرات. (القول الثاني والعشرون) في الفصل الرابع من الباب الثالث في الصفحة 243 هكذا: (وهذه الآية) أي معجزة يونس النبي التي وعد بها المسيح اليهود وهي مذكورة في الباب الثاني عشر من إنجيل متى: "قد وصلت إليهم" أي اليهود "وقت قيام المسيح"، وهذا غلط أيضاً لأن المعجزة الموعودة ما كانت وقت قيامه بعد الموت مطلقاً، بل كانت موعودة هكذا، أن المسيح يبقى في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، وبعدها يقوم، وهذا لم تصل إلى اليهود كما ستعرف في الفصل الثالث من الباب الأول في بيان الغلط الستين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 (القول الثالث والعشرون) في الصفحة 253 في الفصل الرابع من الباب الثالث هكذا: "لا يخفى أن معجزات المسيح حررها الحواريون الذين كانوا كل وقتٍ مع المسيح ورأوها بأعينهم"، وهذا غلط ومخالف لكلامه في حل الإشكال كما ستعرف في بيان القول الرابع والخامس من حل الإشكال المذكور. (القول الرابع والعشرون) في الصفحة 283 في الفصل الخامس من الباب الثالث: "من ارتد عن الملة المحمدية يقتلونه بحكم لقرآن في غاية الوضوح والظهور، إن الحقية والحقيقة لا يثبتان بضرب السيف ويستحيل أن يوصل الإنسان بالجبر والإكراه إلى مرتبة يؤمن بالله بالقلب، ويحب الله بالقلب كافاً يده عن الأفعال الذميمة، بل الجبر والظلم يمنعان إطاعة الله وإيمانه". أقول: هذا الطعن يقع على التوراة بأشنع وجه في الآية العشرين من الباب الثاني والعشرين من كتاب الخروج (من يذبح للأوثان فليقتل) وفي الباب الثاني والثلاثين من كتاب الخروج أنه أمر موسى عليه السلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 بحكم الله لبني (لاوى) أن يقتلوا عبدة العجل، فقتلوا ثلاثة وعشرين ألف رجل، وفي الآية الثانية من الباب الخامس والثلاثين من سفر الخروج في حكم السبت (من عمل فيه عملاً فليقتل) ، وأخذ رجل إسرائيلي كان يلقط حطباً يوم السبت، فأمر موسى عليه السلام بحكم الله برجمه فرجمه بنو إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من سفر العدد، وفي الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء أنه لو دعا نبي إلى عبادة غير الله يقتل، [ص 28] وإن كان ذا معجزات عظيمة، وكذا لو رغب أحد من غير الأنبياء إليها يرجم، وإن كان هذا الداعي قريباً أو صديقاً ولا يرحم عليه، وكذا لو ارتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 أهل قرية فلا بد أن يقتل جميع أهل القرية، وتقتل دوابها وتحرق القرية ومتاعها وأموالها وتجعل تَلاًّ ثم لا تبنى إلى الدهر، وفي الباب السابع عشر من سفر الاستثناء: إنه لو ثبت على أحد عبادة غير الله يرجم رجلاً كان أو امرأة. وهذه التشددات لا توجد في القرآن، فالعجب من هذا القسيس المتعصب أن التوراة لا يلحقه عيب ما بهذه التشددات وأن القرآن يكون معيباً، وفي الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول: أن إيليا ذبح في وادي قيشون أربعمائة وخمسين رجلاً من الذين كانوا يدعون نبوة البعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فيلزم على قول القسيس النبيل أن موسى وإيليا عليهما السلام بل الله عز وجل ما كان لهم علم بهذا الأمر الذي هو في غاية الوضوح والظهور عنده، ويكونون والعياذ بالله حُمقاء أغبياء بحيث يخفى عليهم الأمر البديهي الذي هو من أجلى البديهيات عند هذا الذكي، لكني أقول له: إن مقدس أهل التثليث (بولس) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الأول من رسالته الأولى إلى أهل قورنيشوس يعتقد هكذا: "إن حماقة الله أعقل من الناس وضعف الله أشد قوة من الناس" فعلى اعتقاد مقدس أهل التثليث حماقة الله والعياذ بالله أحكم من الرأي الذي بدا لهذا القسيس النبيل، فما ظهر له غير مقبول في مقابلة حكم الله، هذه الأقوال المذكورة نقلتها من النسخة الجديدة على سبيل الأنموذج، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وآخذ من الأقوال الباقية في كتابي هذا في كل موضوع ما يناسبه منها إن شاء الله تعالى. وقال هذا القسيس النبيل في الصفحة 252 من ميزان الحق القديم المنسوخ الآن: "إن بعض المفسرين منهم القاضي البيضاوي وغيره قالوا: إن {انشق} في قوله تعالى {اقتربت الساعة وانشق القمر} بمعنى سينشق" فلما كان هذا غلط ونقل القاضي والكشاف هذا القول عن البعض ثم ردا عليه، اعترض عليه الفاضل الذكي آل حسن في الاستفسار، وقال: إن هذا غلط من القسيس أو تغليط للعوام، فحرَّف القسيس النبيل عبارته في النسخة الجديدة، وقد عرفت حال قولين من أقواله المندرجة في كتاب حل الإشكال في بيان القول الخامس والحادي عشر، فبقي سبعة أقوال من التي أردت إفرادها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 بطريق نموذج هنا فأقول: القول الثالث في الصفحة 105: "ونحن لا نقول إن الله ثلاثة أشخاص أو شخص واحد بل نقول ثلاثة أقانيم في الوحدة، وبين الأقانيم الثلاثة، وثلاثة أشخاص بُعْدَ السماء والأرض" وهذه مغالطة صرفة، لأن الوجود لا يمكن أن يوجد بدون التشخص، فإذا فرض أن الأقانيم موجودون وممتازون بالامتياز الحقيقي، كما صرح هو بنفسه في كتبه فالقول بوجود الأقانيم الثلاثة هو بعينه القول بوجود الأشخاص الثلاثة، على أنه وقع في الصفحة 29 و 30 من كتاب الصلوات الذي هو رائج في كنيسة إنكلترا التي رجع إليها هذا القسيس في آخر عمره بعد ما كان متذهباً على طريقة كنيسة (لوطرين) وطبع هذا الكتاب في لسان "الأردو في لندن في مطبعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 رجردواطس" سنة 1818 هكذا: "أي مقدس أورمبارك أورعاليشان تينون جوابك هو يعني تين شخص أورايك خداهم برشان كنهكارون يررحكم كر" يعني: "أيها الثلاثة المقدسون والمباركون والعالون منزلة الذين هم واحد يعني ثلاثة أشخاص وإلهاً واحداً ارحمنا المنتشرين المذنبين" فوقع لفظ ثلاثة أشخاص صريحاً. (القول الرابع) في الصفحة 121: "نعم ظن بعض العلماء في حق إنجيل متى فقط أنه لعله كان باللسان العبراني أو العرامائي، ثم ترجم في اليوناني لكن الغالب أن هذا أيضاً كتبه متى الحواري باللسان اليوناني" فقوله: "ظن بعض العلماء" وكذا قوله: لكن الغالب غلطان يقيناً، كما ستعرف مفصلاً في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني، ولا بد أن ينظر إلى ثلاثة ألفاظ من ألفاظه هذه العبارة: الأول ظن بعض العلماء، والثاني لفظ لعل، والثالث لفظ الغالب، فإنها تدل دلالة صريحة على أنه لا يوجد عندهم سند متصل، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (القول الخامس) في الصفحة 145: "وهذا حق إن الإنجيل الثاني والثالث يعني إنجيل مرقس ولوقا ليسا من الحواريين"، ثم قال في الصفحة 146: "تبين في مواضع كثيرة من الكتب القديمة المسيحية كلها وثبت في كتب الإسناد بأدلة كثيرة أن الإنجيل الموجود الآن يعني مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون، وهو بعينه الذي كان في الأول وما كان غيره في زمان ما". انظروا إلى تهافت أقواله الثلاثة التي نقلها في القول السابق وهذا القول؛ لأنه يعلم من السابق أنه لا يوجد سند متصل لهذا الأمر أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الإنجيل الأول الموجود الآن كتبه فلان، وكان باللسان الفلاني وأي شخص ترجمه، ويعلم من القول الثالث أن مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون، وهذا الأمر ثابت بأدلة كثيرة في كتب الإسناد ومبين في الكتب القديمة المسيحية كلها، ولأنه قد أقر في القول الثاني من هذه الأقوال الثلاثة أن الإنجيل الثاني والثالث ما كتبهما الحواريون، ويدعي في القول الثالث من هذه الأقوال الثلاثة أن مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون، ولأنه قد أقر في القول السابق أن بعض العلماء ظن أن إنجيل متى لعله كان بالسان العبراني أو العرمائي، وادعى في القول الأخير أن هذا المجموع هو بعينه ما كان في الأول، وستعرف في الفصل الثاني من الباب الأول أن رسالة يعقوب ورسالة يهودا، والرسالة العبرانية، والرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا إسنادها إلى الحواريين بلا حجة، وكانت مشكوكة [فيها] إلى سنة 263، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 ومشاهدات يوحنا كان مشكوكاً [فيها] إلى سنة 297، وأبقاه محفل نائس ومحفل لوديسيا مشكوكاً فيه أيضاً ومردوداً، وما قبلوه، والكنائس السريانية تَرُدُّ من الابتداء إلى الآن الرسالة الثانية لبطرس، ورسالة يهودا والرسالتين ليوحنا وكتاب المشاهدات، وردها جميع كنائس العرب أيضاً، وقد أقر هو بنفسه في الصفحة 38 و 39 من المباحث المحرفة المطبوعة سنة 1855 في حق الصحف المذكورة: بأن هذه الصحف لم تكن منضمة بالإنجيل في الزمان الأول، ولا توجد في الترجمة السريانية الرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا والرسالتان ليوحنا وكتاب مشاهدات يوحنا، ومن الآية الثانية إلى الحادية عشرة من الباب الثاني من إنجيل يوحنا والآية السابعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 من الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنا، ولذلك قال خليلي صاحب الاستبشار بعد نقل أقواله: "ماذا نقول غير أن هذا القسيس مجنون". (القول السادس) في الصفحة 146: "سلسوس كان من علماء الوثنيين في القرن الثاني وكتب كتاباً في رد الملة المسيحية، وبعض أقواله موجودة إلى الآن، لكنه ما كتب في موضع أن الإنجيل ليس من الحواريين" انتهى ملخصاً. (أقول:) هذا مخدوش بوجهين: أما أولاً: فلأنه أقر بنفسه أن كتابه لا يوجد الآن، بل بعض أقواله موجودة فكيف يعتقد أنه ما كتب في موضع، وعندي هذا الأمر قريب من الجزم (بأنه) كما أن علماء البروتستنت ينقلون أقوال المخالف في هذه الأزمنة، فكذلك كان المسيحيون الذين كانوا في القرن الثالث وما بعده ينقلون أقوال المخالف، ونقل أقوال سلسوس أرجن في تصنيفاته، وكان الكذب والخداع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 في عهده في الفرقة المسيحية بمنزلة المستحبات الدينية كما ستعلم إن شاء الله في القول السادس من الهداية الثالثة من الباب الثاني، وكان أرجن من الذين أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة ونسبتها إلى الحواريين والتابعين أو إلى قسيس من القسيسين المشهورين، كما هو مصرح في الحصة الثانية من الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة 1848 لوليم ميور بلسان الأردو، فأي اعتماد على نقل هذا المفتي؟، وإني قد رأيت بعيني الأقوال الكاذبة التي نسبت إلى المباحثة التي طبعها القسيس النبيل بعد التحريف التام في بلد أكبر أباد، ولذلك احتاج السيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 عبد الله الذي كان من متعلقي الدولة الإنكليزية، وكان من حُضّار محفل المناظرة، وكان ضبطها بلسان الأردو أولاً ثم بالفارسي وطبعهما في أكبر أباد، إلى أن كتب محضراً وزينه بخواتيم المعتبرين وشهاداتهم مثل قاضي القضاة محمد أسد الله، والمفتي محمد رياض الدين، والفاضل الأمجد علي، وغيرهم من أراكين الدولة الإنكليزية وأهل البلدة، وأما ثانياً: فلأن هذا القول ليس بصحيح في نفس الأمر، لأن سلسوس كان يصيح في القرن الثاني: "إن المسيحيين بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أزيد منها تبديلاً كأن مضامينها أيضاً بدلت" وكذا (فاستس) من علماء فرقة (ماني كيز) كان يصيح في القرن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الرابع: "بأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقائهم خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" كما ستعرف في الهداية الثانية من الباب الثاني. (القول السابع) : (ما عبد نبي العجل وعبده هارون فقط مرة واحدة لأجل خوف اليهود، وهو ما كان نبياً بل كاهناً فقط ورسول موسى) وهذا مخدوش بوجهين أيضاً: أما أولاً: فلأن هذا الجواب غير تام لأن صاحب الاستفسار اعترض بعبادة العجل وعبادة الأوثان معاً، لكن القسيس سكت عن الجواب عن اعتراض عبادة الأوثان، وما تكلم فيه بشيء لأنه عاجز فيه يقيناً، كيف لا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وأن سليمان عليه السلام قد ارتد في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد وبنى لها معابد كما هو مصرح في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول، وأما ثانياً: فلأن قوله ما كان نبياً باطل كما سيجيء في بيان حال هارون عليه السلام في الباب السادس إن شاء الله تعالى. (القول الثامن) نقل القسيس النبيل في الصفحة 153 قول (اكستابن) هكذا: "تحريف الكتب المقدسة ما كان ممكناً في زمان مّا؛ لأنه لو أراد أحد هذا الأمر فرضاً، علم في ذلك الوقت بالنظر إلى النُّسخ التي كانت موجودة بالكثرة ومشهورة من القديم، وترجمت الكتب المقدسة بالسنة، فلو غير وبدل أحد فيها بسبب ما ظهر في ذلك الوقت"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 هذا مخدوش أيضاً بوجهين: الأول: أنه وقع في المجلد الأول من تفسير (هنري واسكات) قول (اكستاين) هكذا: "إن اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين كانوا قبل زمن الطوفان وبعده إلى زمن موسى عليه السلام، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد الدين المسيحي، ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله، وكانوا يقولون: إن اليهود حرفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من الميلاد"؛ فعلم منه إن (اكستاين) والقدماء المسيحيين كانوا يعترفون بتحريف التوراة، ويدعون أن هذا التحريف وقع في سنة مائة وثلاثين من الميلاد، فما نقل في التفسير يخالف ما نقله القسيس النبيل، لكن التفسير المذكور في غاية الاعتبار عند علماء البروتستنت، فالقول الذي نقله القسيس النبيل يكون مردوداً غير مقبول، إلا أن يكون منقولاً عن الكتاب الذي يكون معتبراً زائداً من التفسير المذكور، فأطلب منه تصحيح النقل فعليه أن يبين: إنه عن أي كتاب معتبر نقله؟، والثاني: أن المخالف والموافق يناديان من القرن الثاني أن التحريف قد وقع ومحققوهم يعترفون بوقوع الأقسام الثلاثة للتحريف في كثير من المواضع من كتب العهد العتيق والجديد كما ستعرف في الباب الثاني، فأي ظهور أزيد من هذا؟، ولذلك قال صاحب الاستبشار معرضاً ومتعجباً: "لا يدري أن انكشاف التحريف عبارة عن أي شيء عند ... القسيس لعله عبارة عن أن يؤخذ المحرف في عدالة الإنكليز ويسجن بعلة الجعل دائماً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 (تنبيه) إن هذا القسيس في بيان استبعاد التحريف يبين الاحتمالات التي يفهمها الجاهل معتدة بأنه يقول: "مَنْ حرَّف ومتى حُرِّف، ولماذا حرَّف والألفاظ المحرفة ماذا؟؟ "، فأخبرنا أسلافه شكر الله سعيهم في هذا الباب بأن المحرفين للتوراة اليهود، وزمان التحريف سنة مائة وثلاثين من الميلاد، والباعث على التحريف عناد الدين المسيحي، وجعل الترجمة اليونانية غير معتبرة، ومن بعض الألفاظ المحرفة الألفاظ التي فيها بيان زمان الأكابر، ولا يضر ادعاؤهم شهادة المسيح في حق التوراة بعد تسليمها أيضاً لأنهم يدعون بعد مدة من عروج المسيح، وليس هؤلاء ثلاثة أو أربعة بل هم الجمهور من القدماء المسيحيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (القول التاسع) في الصفحة 121: "كتب الإنجيل بالإلهام بواسطة الحواريين كما يظهر ويثبت هذا الأمر من الإنجيل نفسه والكتب القديمة المسيحية" ثم قال: "كتب الحواريون بالإلهام قول المسيح وتعليماته وحالاته" وهذا مردود بالوجوه التي ذكرتها في بيان القول الرابع والخامس من حل الإشكال، وبأن من قرأ الأناجيل يحصل له اليقين أن قول القسيس النبيل غير صحيح، ولا يظهر منها أصلاً أن الإنجيل الفلاني كتبه فلان الحواري بالإلهام باللسان اليوناني. نعم إنه يكون اسم الإنجيل مكتوباً على ناصية كل صفحة من هذه الأناجيل من طرف الطابعين والكاتبين، وهذا ليس بحجة ولا دليل لأنهم كما يكتبون اسم الإنجيل، فكذلك يكتبون لفظ القضاة وراعوث واستير وأيوب على ناصية كل صفحة من كتاب القضاة، وكتاب راعوث وكتاب استير وكتاب أيوب، فكما أن الثاني لا يدل على أن هذه الكتب من تصنيف هؤلاء المنسوب إليهم فكذلك لا يدل الأول، فصدور أمثال هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الإفادات عنه سبب التعجب لعلماء الإسلام. ويصدر في بعض الأحيان بسبب ضيق الصدر عن قلم البعض لفظ لا يناسب شأنه، كما قال صاحب الاستبشار في هذا الموضع بعد ما رد قوله: "ما رأينا قسيساً من القسيسين كاذباً غير مبال بالقول الكذب مثل القسيس فندر"، ولما كان نقل أقواله مفضياً إلى التطويل الممل فالأولى أن أتركه وأكتفي على هذا القدر، وإذا نبهت على هذه العادة فأستحسن أن أنبه أيضاً على العادتين الأخريين لتحصل للناظر بصيرة (العادة الثانية) من عاداته أنه يأخذ الكلمات التي تصدر عن قلم المخالف بمقتضى البشرية في حقه أو في حق أهل مذهبه ولا تكون مناسبة لمنصبه أو لمنصب أهل ملته في زعمه فيشكر عليها ويجعل الخردلة حبلاً ولا يلتفت إلى ما يصدر عن قلمه في حق المخالف. وإني متحير لا أعلم أن سببه ماذا؟ أيفهم أن أية كلمة قبيحة كانت أو حسنة إذا صدرت عن لسانه أو قلمه تكون حسنة وفي محلها، وإذا صدر مثلها عن المخالف يكون قبيحاً وفي غير محله؟؟، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وأنقل بعض أقواله. قال القسيس النبيل في حق الفاضل (هادي علي) مصنف كشف الأستار الذي هو رد مفتاح الأسرار في الصفحة الأولى من حل الإشكال: إنه يصدق في حق هذا المصنف قول (بولس) ثم نقل قوله، وفي هذا القول وقعت هذه الجملة أيضاً (إله هذا الدهر قد أعمى أذهان الكافرين) فأطلق عليه لفظ الكافر وفي الصفحة 2: (غمض المصنف لأجل التعصب قصداً عين الإنصاف) وفي الصفحة الثالثة: (كان مقصوده ومطلبه النزاع البحت والتعصب الصرف) وفي الصفحة الرابعة: (الكتاب كله مملوء من الاعتراضات الباطلة والدعاوى المهملة والمطاعن غير المناسبة) ثم قال في الصفحة المذكورة: (الكتاب المذكور مملوء من الخلاف والباطل) وفي الصفحة 19: (ظن المصنف لأجل التكبر) وفي الصفحة 24: (هذا تكبر محض وكفر رحمه الله الرحمن الرحيم وأخرجه عن شبكة غواية الفهم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وفي الصفحة 25: (هذا ليس دليل قلة علمه وجهله فقط بل هو دليل سوء فهمه وتعصبه أيضاً) ثم قال في تلك الصفحة: (الظاهر أن التكبر والتعصب جعلا المصنف مسلوب الفهم وغمضا عين عقله وعدله) وفي الصفحة 38: (ومع قطع النظر عن المقالات الباطلة الأخرى قال هذا) أيضاً وفي الصفحة 43: (ينزل منظرته الحمراء) ثم قال في تلك الصفحة: (وهذا القول كله باطل وعاطل) وفي الصفحة 50: (هذا عين التكبر والكفر) ثم قال في تلك الصفحة: (امتلاء قلب المصنف من التكبر والعجب هكذا) ثم قال في تلك الصفحة: (هذا عين الجهل وانتهاء التكبر) وفي الصفحة 55: (هذا يدل على عدم اطلاعه رأساً وتعصبه) وفي الصفحة 56: (بيانه ساقط عن الاعتبار وباطل محض وعاطل) ثم قال في تلك الصفحة: (هذا انتهاء التعصب والكفر) وفي الصفحة 87: (الأمر الذي جعل العقل حاكما غير معقول محض وحيلة وحوالة) هذه الألفاظ كلها في حق الفاضل السيد (هادي علي) الذي كان سلطان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 لكهنو يعظمه أيضاً. وأما الألفاظ التي كتب في حق الفاضل الذكي آل حسن صاحب الاستفسار، فمنها في الصفحة 117 من حل الإشكال: (هو يكون في الفهم أنقص من الوثني قائد الملة وفي الكفر أزيد من هؤلاء اليهود) وفي الصفحة 118: (فالآن جناب الفاضل يكتب في الصفحة 592 من غاية الكفر وعدم المبالاة) وفي الصفحة 120: (الإنصاف والإيمان كلاهما غائبان عن قلب جناب الفاضل) وكتب في آخر مكاتيبه في حق الفاضل الممدوح لفظ الفرار، وهذا اللفظ أيضاً قبيح عنده، يشكو منه لو صدر عن غيره في حقه وإن قال هذا القسيس: إني قلت هذه الألفاظ في حق الفاضل الممدوح؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لأنه صدر عن قلمه ألفاظ غير ملائمة في حق الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، قلت: هذا تغليظ محض؛ لأن الفاضل الممدوح قد صرح في مواضع كثيرة من كتابه أنه أورد هذه الألفاظ في الدلائل الإلزامية في مقابلة تقريرات القسيسين وإيراداتهم إلزاماً أنه يلزم عليكم هكذا أيضاً، وهو يرى من سوء الاعتقاد بالنسبة إلى الأنبياء عليهم السلام ومن شاء فليرجع إلى كتابه فيجد ما قلت له في الصفحة 9 و 177 و 558 و 594 و 604 وغيرها من النسخة المطبوعة سنة 1861 من الميلاد، وفي الصفحة 89 من حل الإشكال في حق جميع أهل السلام (المحمديون معتقدون بالوسوسة العظيمة والأقوال الباطلة الكثيرة) . ووقعت بين هذا القسيس النبيل وبين الحكيم الفطين المكرم (محمد وزير خان) بعد رجوعي إلى دهلي مناظرة تحريرية وطبعت هذه المناظرة سنة 1854 من الميلاد في أكبر أباد، فكتب القسيس النبيل إليه في المكتوب الثاني الذي كتبه 29 مارس سنة 1854 هكذا: (لعل جنابكم أيضاً داخلون في زمرتهم) أي زمرة الدهريين (كما يوجد في الملة الإسلامية أناس هم محمديون في الظاهر ودهريون في الباطن) فكتب الحكيم الممدوح في جوابه أموراً منها هذان الأمران أيضاً (قد اعترفتم في المجمع العام أن أحكام التوراة منسوخة، وسلمتم في المجمع المذكور التحريف في سبعة أو ثمانية مواضع، واعترفتم في ثلاثين أو أربعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ألف موضع في النسخ المتعددة بسهو الكاتب الذي دخلت بسببه الفقرات من الحاشية في المتن، وخرجت الفقرات الكثيرة منه، وبدلت الفقرات، فأي مانع أن يقال لأجل ذلك لكم: "إنكم تعتقدون قلباً أن الدين العيسوي باطل، وتعلمون أيضاً أن كتبكم المقدسة منسوخة ومحرفة ولا اعتبار لها عندكم أصلاً؟، لكنكم لأجل الطمع الدنيوي فقط متمذهبون بهذا المذهب في الظاهر وحامون لهذه الكتب المحرفة، أو يظن لأجل أنكم كنتم من مريدي كنيسة (لوتيرين) مدة حياتكم، وصرتم من عدة شهور إلى كنيسة إنكلتره أن سببه أيضاً هو الطمع الدنيوي لأن عزمكم أن تستوطنوا إنكلتره كما سمعت من رفيقكم القلبي أيضاً) أي القسيس فرنج (أو أن سببه أمر منزلي) يعني أن زوجة القسيس النبيل كانت من كنيسة إنكلتره فبدل القسيس النبيل مذهبه لأجل استرضاء خاطرها، كما ظهر لي من بيان الحكيم الممدوح أن مرادي بالأمر المنزلي هذا" فانظر إلى حركته قال أمراً وسمع أموراً، والوجهان اللذان كتبهما الحكيم الممدوح في تبديل المذهب ما أنكر عليهما في الجواب. ولو كان تبديل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 المذهب لأحد هذين الأمرين فلا شك أنه قبيح جداً، والأمر الآخر غيرهما لم يسمع لكن هذا الأمر خارج عن البحث الذي أنا فيه فأترك وأرجع إلى ما كنت في نقل عاداته فأقول: هذا ما كتب القسيس في حق معاصريه من علماء الهند، وأما ما كتب في الصفحة 139 من حل الإشكال وآخر مكاتيبه، وفي ميزان الحق وفي طريق الحياة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حق القرآن والحديث، لا يرضى قلمي وقلبي بإظهارها، وإن لم يكن نقل الكفر كفراً، ولما وقعت المناظرة التحريرية بينه وبين صاحب الاستفسار سنة 1844، فكتب صاحب الاستفسار إليه في مكتوبه الثاني لقبول أربعة شروط في المناظرة، وكان الشرط الأول منهما هذا: (يذكر اسم نبينا صلى الله عليه وسلم أو لقبه بلفظ التعظيم، وإن لم يكن هذا الأمر منظوراً لكم فاكتبوا هكذا نبيكم أو نبي المسلمين، وصيغ الأفعال أو الضمائر التي ترجع إلى جنابه الشريف تكون على صيغ الجمع كما هو عادة أهل لسان الأردو، وإلا لا نقدر على التكلم ويحصل لنا الملال في الغاية) فكتب هذا القسيس في جوابه في مكتوبه الذي كتبه في 19 تموز سنة 1844 هكذا: "فاعلموا أننا معذورون في ذكر نبيكم بالتعظيم أو بإيراد الأفعال والضمائر في صورة الجمع، هذا الأمر غير ممكن منا، لكنا لا نكتب باللقب السوء أيضاً بل أكتب نبيكم أو نبي المسلمين، أو محمد صلى الله عليه وسلم فقط مثل أن أقول قال محمد صلى الله عليه وسلم وأقول في موضع يكون مقتضى الكلام محمد ليس برسول أو كاذب، لكنكم لا تظنون من هذه الألفاظ أن مقصودنا منها إيذاؤكم، بل الأمر هذا أن محمداً لما لم يكن نبياً حقاً عندنا فإظهار هذا الأمر واجب علينا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ثم كتب في مكتوبه الذي كتبه في 21 تموز سنة 1844: "من المحال أن يذكر اسم محمد بإيراد الأفعال أو الضمائر على صيغ الجمع" وطلبت منه أيضاً في مكتوبي الذي كتبت إليه في 16 نيسان سنة 1854 في هذا الباب، فكتب في جوابه في 18 نيسان سنة 1854، كما كتب إلى صاحب الاستفسار، "وإذا عرفت هذا فأقول إن علماء الإسلام يعتقدون في حقه وحق علماء ملته أزيد مما يعتقده في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، فلو صدر عن عالم من علماء الإسلام على وفق أقواله بلا زيادة ونقصان في حقه هكذا، إنه يصدق في حقه قول بولس: "إن إله الدهر قد أعمى قلوب الكافرين"، وهو غمض عين الإنصاف قصداً لأجل التعصب، وكان مقصوده ومطلبه النزاع البحت، والتعصب، وظن لأجل التكبر، والظاهر أن التكبر والتعصب جعلاه مسلوب الفهم وغمضا عين عقله وعدله، ومع قطع النظر عن المقالات الباطلة الأخرى قال هذا أيضاً: امتلأ قلبه من التكبر والتعصب هكذا، وهو في الفهم أنقص من الوثني، وفي الكفر أزيد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 اليهود، ويكتب في غاية عدم المبالاة والكفر، والإنصاف والإيمان كلاهما غائبان عن قلبه، وداخل في زمرة الدهريين، وكذا لو صدر في حق كتابه ميزان الحق لأجل اشتماله على المغالطات الصرفة والسفسطيات المحضة والدعاوى الغير الصحيحة والبراهين الضعيفة هكذا: أن كله مملوء من الاعتراضات الباطلة ومملوء من الخلاف والباطل والدعاوى المهملة والمطاعن غير المناسبة، وكذا لو صدر في حق تقريره الذي صدر عنه في حق النبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو الحديث أن هذا تكبر محض وكفر، رحمه الله وأخرجه عن شبكة غواية الفهم، وهذا ليس دليل قلة علمه وجهله فقط، بل هو دليل سوء فهمه وتعصبه أيضاً، وهذا كله باطل وعاطل، وهذا عين التكبر والكفر، وهذا عين الجهل وانتهاء التكبر، وهذا يدل على عدم اطلاعه رأساً وتعصبه، وساقط عن الاعتبار وباطل محض وعاطل، وانتهاء التعصب والكفر وغير مقبول محض، وحيلة وحوالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فالتفوّه بهذه الأقوال أيجوز لهذا العالم في زعم القسيس النبيل أم لا؟؟، فإن جاز فلا بد أن لا يشكو هذا القسيس من أمثال هذه الألفاظ, وإن لم يجز فكيف يتفوه بها، والعجب كل العجب من إنصافه أن يكون هو معذوراً في تحريرها، ويكون العالم الإسلامي ملوماً غير معذور، فالمرجو منه أن يعلم أن العالم الذي يصدر عن قلمه لفظ بالنسبة إليه أو إلى علمائه في موضع يكون مقتضى الكلام ليس مقصوده إيذاءه أو إيذاء أهل ملته، بل سببه إظهار ما هو الحق عند هذا العالم أو جزاء لقوله أو لقول علمائه كما قيل: كل يحصد ما زرع ويجزى بما صنع. (العادة الثالثة) أنه يترجم الآيات القرآنية ويفسرها تارة على رأيه ليعترض عليها في زعمه، ويدعي أن التفسير الصحيح والترجمة الصحيحة ما ترجمت به وما فسرت به، لا ما صدر عن علماء الإسلام ومفسري القرآن، وبين كماله على العوام ببعض قواعد التفسير مثلاً، بيّن في الصفحة 237 و 238 في الفصل الثالث من الباب الثالث من ميزان الحق المطبوع سنة 1849 باللسان الفارسي وفي الصفحة 51 في الباب الرابع من حل الإشكال المطبوع سنة 1847، وأنقل ههنا قاعدتين منها لتعلق الحاجة بهما وأقول، قال هذا النبيل: "لا بد للمفسر أن يفهم مطلب الكتاب كما كان في ضمير المصنف، فلا بد لمن طالع أو فسر أن يكون واقفاً على حالات أيام المصنف وعادة طائفة تربى المصنف فيها وعلى مذهبهم، وأن يكون واقفاً على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 صفات المصنف وأحواله أيضاً، لا أن يبادر بمجرد معرفة اللسان بترجمة الكتاب وتفسيره، وثانياً لا بد أن يتوجه إلى تسلسل المطالب ولا يفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحقة وإذا فسر مطلباً، فلا بد أن يلاحظ معه كل مقام له مناسبة ومطابقة بهذا المطلب ثم يفسر". والحال أنه لا معرفة له بلسان العرب معرفة معتداً بها فضلاً عن الأمور الأخر، ولا يتوجه إلى تسلسل المطالب، ويفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحقة كما سيظهر عن قريب، فمثل هذا الادعاء يحمل على أي شيء؟، فلو قلت في حقه في هذا الباب كما قال هو في حق الفاضل (هادي علي) : أن التكبر والجهل جعلاه مسلوب الفهم وغمضا عين عقله وعدله، أو قلت هذا عين الجهل والتكبر، لكنت مصيباً، ومظهراً للحق، لكن أمثال هذه الألفاظ لما كانت غير ملائمة لا أتفوه بها في حقه أبداً، وإن تفوه هو بها وبأمثالها في حق علماء الإسلام. (أقول) ادعى هذا القسيس النبيل في آخر الفصل الثالث من الباب الثالث من ميزان الحق هكذا: "من تجنب عن الاعتساف وسلك مسلك الإنصاف ولاحظ معاني الآيات القرآنية علم أن معانيها على التفسير الصحيح الموافق لقانونه ما ترجمت وفسرت" وإذا عرفت ادعاءه فأذكر ثلاثة شواهد على وفق عدد التثليث يظهر منها حال صلوحه لأمثال هذه الدعوى: (الشاهد الأول) أن القسيس قام في الجلسة الثانية من المناظرة التي وقعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 بيني وبينه فأخذ ميزان الحق وشرع في قراءة بعض الآيات القرآنية التي نقلها في الفصل الأول من الباب الأول وكانت هذه الآيات مكتوبة بالخط الحسن ومعربة بالإعراب فكان يغلط في الألفاظ فضلاً عن الإعراب، ونقل هذا الأمر على المسلمين فما صبر قاضي القضاة محمد أسد الله فقال للقسيس النبيل: اكتفوا على الترجمة واتركوا الألفاظ لأن المعاني تتبدل بتبدل الألفاظ، فقال القسيس النبيل "سامحونا إن هذا من قصور لساننا"، هذا حاله في معرفة اللسان بحسب التقرير. (الشاهد الثاني) كتب القسيس إظهاراً لفضله وإخباراً عن معرفته بلسان العرب في آخر ميزان الحق الفارسي المطبوع سنة 1849، وفي آخر ميزان الحق الذي هو في لغة الأردو وطبع سنة 1850 هكذا: "تمت هذه الرسالة في سنة ثمانية ماية ثلاثون والثلاث بعد الألف مسيحي وبالمطابق مايتان وأربعين ثمانية بعد الألف هجري" وفي آخر مفتاح الأسرار الفارسي المطبوع سنة 1850 هكذا: (تمت هذه الأوراق في سنة ماية وثلاثون السابعة بعد الألف مسيحي وفي سنة مايتان اثنا وخمسين بعد الألف من هجرة المحمدية) ، وفي النسخة التي هي في لسان الأردو هذه العبارة بعينها أيضاً غير أن لفظ الهجرة في النسخة الفارسية بدون الألف واللام، وفي هذه النسخة بهما، ولعل سببه أنه لما كان توجه إلى النسخة الفارسية أكثر فتصحيحه فيها أبلغ، وثبت عنده بتحقيقه الكامل الذي هو مختص به أنه لا يجوز أن يكون الموصوف والصفة كلاهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 معرفين باللام فأسقط الألف واللام من الموصوف، فهذا حاله في التحرير. (الشاهد الثالث) نقل في مفتاح الأسرار القديم المطبوع سنة 1843 في الصفحة الرابعة أولاً هذه الآية من سورة التحريم {ومريم ابْنَةَ عِمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} وقوله تعالى في سورة النساء: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه} قال: إذا كان المسيح روح الله بحكم هاتين الآيتين فلا بد أن يكون في مرتبة الألوهية؛ لأن روح الله لا يكون أقل من الله، لكن بعض المحمديين يقولون: إن لفظ الروح الذي جاء في هاتين الآيتين المراد به جبريل الملك، "إلا أن هذا القول منشؤه العداوة فقط لأن ضمير لفظ (منه) الذي في الآية الثانية والضمير المتصل في لفظ روحنا الذي في الآية الأولى على حكم قاعدة الصرف لا يرجعان إلى الملك بل إلى الله"،. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أقول: هذا مخدوش بوجوه: (الأول) إنا نرجو أن نستفيد منه أن أية قاعدة صرفية تحكم أن الضميرين لا يرجعان إلى الملك بل إلى الله، ما رأينا قاعدة من قواعد هذا العلم يكون حكمها ما ذكر، فظهر أنه لا يعرف أن علم الصرف أي علم، ويبحث فيه عن أي أمر، بل سمع اسم هذا العلم فكتب ههنا ليعتقد الجاهل أنه يعرف علوم العربية (الثاني) أنه ما قال أحد من علماء الإسلام المعتبرين أن المراد بلفظ الروح في قوله تعالى وروحٌ منه جبريل فهذا بهتان منشؤه العداوة (الثالث) إن آية سورة النساء هكذا: {يا أهْلَ الكتاب لاَ تَغْلُوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحقّ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحدٌ سبحانَه أن يكونَ له ولدٌ، له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً} ففي هذه الآية، وقع قبل لفظ روح منه هذا القول: {يا أهلَ الكتاب لا تَغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} وهذا يشنع على المسيحيين في غلو اعتقادهم في حق المسيح عليه السلام ووقع بعد اللفظ المذكور هذا القول، {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد} وهذا القول، يلومهم في اعتقاد التثليث، واعتقاد كون المسيح ابن الله، {لقد كفر اللذينقالوا إنَّ الله هوَ المسيح ابنُ مريمَ} ، ومثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} ، ومثل قوله: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول} فانظروا إلى تبحره في معرفة قواعد التفسير وإلى دقة نظره كيف بين المقصود، كما كان مراد المصنف، وكيف توجه إلى تسلسل المطالب، وكيف ادعى القول السابق واللاحق وكيف لاحظ كل مقام كان له مناسبة ومطابقة، لكني أتأسف تأسفاً عظيماً أن هذا التحرير والمفسر العديم النظير ما كتب تفسيراً حاوياً على أمثال هذه التحقيقات البديعة على العهد العتيق والجديد، ليكون تذكرة بين أهل ملته، ويظهر لهم من نكات العهدين ما لم يظهر إلى عهده والحق إنه لو قال مثل هذا المفسر بعد التأمل الكثير والإمعان البليغ: إن مجموع الاثنين والاثنين يكون خمسة، فلا أتعجب من دقة نظره وصائب فكره، فهذا حاله في فهم المقصود وعلى هذه البضاعة تقريراً وتحريراً وفهماً يرجو أن ترجح ترجمته الرديئة وتفسيره الركيك على ترجمة علماء الإسلام وتفسيرهم، هذا هو ثمرة العجب والتكبر لا غير (الرابع) أن قوله: (إن روح الله لا يكون أقل من الله) مردودٌ لأن الله تعالى قال في سورة السجدة في حق آدم عليه السلام: {ثُم سَوّاهُ ونفخ فيه من رُوحه} وقال في سورة الحِجر وسورة ص في حقه أيضاً: {فإذا سَوَّيتهُ ونفختُ فيه مِنْ روحي فَقَعُوا لهُ ساجدين} فأطلق الله على النفس الناطقة التي كانت لآدم عليه السلام أنها روحه وروحي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وقال في سورة مريم في حق جبريل: {فأرْسَلْنَا إِلَيْها رُوحَنَا فَتَمَثَلَ لهَا بشراً سَويّاً} والمراد بروحنا ههنا جبريل، ووقع في الآية الرابعة عشرة من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال هكذا: (فأعطي فيكم روحي) فأطلق ههنا أيضاً على النفس الناطقة الإنسانية إنها روحي فيلزم أن تكون هؤلاء الآلاف إلهية على تحقيق القسيس بحكم كتاب حزقيال، ويكون آدم وجبريل عليهما السلام إلهين بحكم القرآن، فالحق أن المراد بالروح في قوله تعالى: {وروح منه} النفس الناطقة الإنسانية والمضاف محذوف أي ذو روح منه في الجلالين: {وروح} أي ذو روح {منه} أضيف إليه تشريفاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 [ص 45] وفي البيضاوي: {وروح منه} وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة، ولما كانت هذه العبارة مَلْعَبَة الصبيان واطلع على قبحها القسيس النبيل باعتراض بعض الفضلاء حَرّفَها في النسخةِ الجديدة المطبوعة سنة 1850 فأتى بعبارة مموّهة بإرادة أخرى نقلتها ورددت عليها في كتابي (إزالة الشكوك) فمن شاء فليرجع إليها، وأذكر ههنا حكايتين مناسبتين لحكاية القسيس. (الحكاية الأولى) ما نقله الطيبي في شرح المِشكاة أن مسلماً كان يتلو القرآن فسمع منه بعض القسيسين هذا القول {وكلمتُهُ ألقاه إلى مريمَ وروحٌ منه) فقال: إن هذا القول يصدِّق ديننا ويخالف ملة الإسلام؛ لأن فيه اعترافاً بأن عيسى عليه السلام روحٌ هو بعض من الله، فكان على بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 حسين بن الواقد مصنف كتاب النظير حاضراً هناك فأجاب: بأن الله قال مثل هذا القول في حق المخلوقات كلها: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه} فلو كان معنى روح منه روح بعض منه أو جزء منه فيكون معنى جميعاً منه أيضاً على قولك مثله، فيلزم أن يكون جميع المخلوقات آلهة فأنصف القسيس وآمن. (الحكاية الثانية) استدل البعض من الفرقة المسيحية في البلد (دهلي) في إثبات التثليث، بقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم بأنه أخذ فيه ثلاثة أسماء فيدل على التثليث، فأجاب بعض الظرفاء: إنك قصرت. عليك أن تستدل بالقرآن على التسبيع ووجود سبعة آلهة بمبدأ سورة المؤمن وهو هكذا: {حم تنزيل الكتابِ مِنَ الله العزيز العليم غافرِ الذَّنب وقابِل التوبِ شديدِ العقاب ذي الطَّوْل} بل عليك أن تقول: إنه يثبت وجود سبعة عشراً إلهاً من القرآن بثلاث آيات من آخر سورة الحشر التي ذكر فيها سبعة عشر اسماً من الذات والصفات متوالية، فإذا عرفت ما ذكرت حصل لك الاطلاع على ستة وثلاثين قولاً من أقوال القسيس النبيل. وأنقل في أكثر المواضع من كتابي هذا من أقواله الأخر أيضاً وأرد عليها وأسأل الآن من القسيس النبيل أن يُجَوِّز لي، نظراً إلى الأقوال التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 نقلتها، أن أقول في حقه اقتداء بعادته قولاً مطابقاً لقوله: "إن هذه المواد التي لا أساس لها، والمواد التي مثلها تدل دلالة واضحة على قلة علمه، وعدم دقة نظره؛ لأنه لو كان له دقة جزئية وأدنى معرفة في العلم لما قال ذلك. أم لا يجوز؟ ففي الصورة الثانية لا بد من بيان الفرق بأنه يجوز له أن يقول لو وجد في كلام المخالف خمسة أقوال أو ستة أقوال مجروحة في زعمه، ولا يجوز للمخالف، ولو وجد المخالف في كلامه أقوالاً باطلة قطعاً أزيد مما وجده بقدر ستة أمثال، وفي الصورة الأولى لا بد أن ينظر إلى حاله، ويعترف بأن هذا القدر جواب شاف وكاف في جواب ميزان الحق، ومفتاح الأسرار وحل الإشكال وغيرها؛ لأن الكلام الباقي حاله في الصورة المذكورة يكون كحال الكلام المذكور، ولنعم ما قيل لا تفتح باباً يُعْييك سَدُّهُ ولا ترم سهماً يُعجزك رَدُّه. والمقصود الأصلي مما ذكرت في هذا الأمر السابع أن الذي يكتب جواب كتابي هذا فالمرجو منه أن ينقل أولاً عبارتي، ثم يجيب ليحيط الناظر على كلامي وكلام المجيب، وإن خاف التطويل فلا بد أن يقتصر على جواب باب من الأبواب الستة، ويراعي أيضاً في تحرير الجواب الأمور الباقية التي ذكرتها في هذه المقدمة ولا يسلك مسلك المموهين من علماء البروتستنت؛ لأن هذا المسلك بعيد من الإنصاف مائل عن الحق ومفض إلى الاعتساف، وإن تَصدّى القسيس النبيل (فندر) لتحرير جواب كتابي هذا فالمرجو منه ما هو المرجو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 من غيره من مراعاة الأمور المذكورة في هذه المقدمة وشيء زائد أيضاً وهو أن يوجه أولاً هذه الأقوال الستة والثلاثين كلها من كلامه؛ لتكون توجيهاته معياراً لتوجيه أقوالي في جواب الجواب، وظني أنهم لا يكتبون الجواب إن شاء الله، وإن كتبوا لا يراعون الأمور المذكورة ألبتة، ويعتذرون باعتذارات باردة، ويكون جوابهم هكذا يأخذون من أقوالي بعض الأقوال التي يكون لهم المجال للكلام، ولا يشيرون إلى الأقوال القوية لا بالرد ولا بالتسليم. نعم! يدّعون لتغليط العوام ادعاءً باطلاً أن كلامه الباقي أيضاً كذلك، ولعله لا يبلغ حجم ردهم إلى حد يكون كل ورقة ورقة منه بإزاء كراس كراس من كتابي فأقول من قبل: إنهم لو فعلوا كذا يكون دليل عجزهم. (الأمر الثامن) إني نقلت أسماء العلماء والمواضع عن الكتب التي وصلت إلي بلسان الإنكليز، أو عن تراجم فرقة البروتستنت، أو عن رسائلهم باللسان الفارسي أو العربي أو الأردو، وحال الأسماء أشد فساداً من الحالات الأخر أيضاً كما لا يخفى على ناظر كتبهم فلو وجد الناظر هذه الأسماء مخالفة لما هو المشتهر في لسان آخر فلا يعيب علي في هذا الأمر، فإذا فرغت من المقدمة فها أنا أشرع في المقصود بعون الله الملك الودود. اللهم أرنا الحق حقاً والباطل باطلاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الباب الأول: في بيان كتب العهد العتيق والجديد (وهو مشتمل على أربعة فصول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الفصل الأول: في بيان أسمائها وتعدادها. اعلم أنهم يقسمون هذه الكتب إلى قسمين: قسم منها يدَّعون أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذين كانوا قبل عيسى عليه السلام، وقسم منها يدَّعون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى عليه السلام، فمجموع الكتب من القسم الأول يسمى بالعهد العتيق، ومن القسم الثاني بالعهد الجديد، ومجموع العهدين يسمى (بَيْبِل) وهذا لفظ يوناني بمعنى الكتاب، ثم ينقسم كل من العهدين إلى قسمين: قسم اتفق على صحته جمهور القدماء من المسيحيين، وقسم اختلفوا فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 (أما القسم الأول من العهد العتيق ) فثمانية وثلاثون كتاباً: [1] سفر التكوين ويسمى سفر الخليقة أيضاً. [2] سفر الخروج. [3] سفر الأحبار. [4] سفر العدد. [5] سفر الاستثناء، ومجموع هذه الكتب الخمسة يسمى بالتوراة وهو لفظ عبراني بمعنى التعليم والشريعة، وقد يطلق على مجموع كتب العهد العتيق مجازاً. [6] كتاب يوشع بن نون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 [7] كتاب القضاة. [8] كتاب راعوث. [9] سفر صموئيل الأول. [10] سفر صموئيل الثاني. [11] سفر الملوك الأول. [12] سفر الملوك الثاني. [13] السفر الأول من أخبار الأيام. [14] السفر الثاني من أخبار الأيام. [15] السفر الأول لعزرا. [16] السفر الثاني لعزرا ويسمى سِفر نحميا. [17] كتاب أيوب. [18] زبور. [19] أمثال سليمان. [20] كتاب الجامعة. [21] كتاب نشيد الإنشاد. [22] كتاب أشعيا. [23] كتاب أرميا. [24] مراثي أرميا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 [25] كتاب حزقيال. [26] كتاب دانيال. [27] كتاب هوشع. [28] كتاب يوئيل. [29] كتاب [ص 52] عاموص. [30] كتاب عوبديا. [31] كتاب يونان. [32] كتاب ميخا. [33] كتاب ناحوم. [34] كتاب حيقوق. [35] كتاب صفونيا. [36] كتاب حجّي. [37] كتاب زكريا. [38] كتاب ملاخيا، وكان ملاخيا النبي قبل ميلاد المسيح عليهما السلام بنحو أربعمائة وعشرين سنة. وهذه الكتب الثمانية والثلاثون كانت مسلمة عند جمهور القدماء من المسيحيين. والسامريون لا يسلمون منها إلا بسبعة كتب: الكتب الخمسة المنسوبة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 موسى عليه السلام، وكتاب يوشع بن نون، وكتاب القضاة. وتخالف نسخة توراتهم نسخة توراة اليهود. وأما القسم الثاني من العهد العتيق فتسعة كتب: [1] كتاب استير. [2] كتاب باروخ. [3] جزء من كتاب دانيال. [4] كتاب طوبيا. [5] كتاب يهوديت. [6] كتاب وزدم. [7] كتاب ايكليزيا ستيكس. [8] كتاب المقابيين الأول. [9] كتاب المقابيين الثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وأما القسم الأول من العهد الجديد فعشرون كتاباً: [1] إنجيل متى. [2] إنجيل مرقس. [3] إنجيل لوقا. [4] إنجيل يوحنا، ويقال لهذه الأربعة الأناجيل. ولفظ الإنجيل مختص بكتب هؤلاء الأربعة وقد يطلق مجازاً على مجموع كتب العهد الجديد، وهذا اللفظ معرب كان في الأصل اليوناني (انكليون) بمعنى البشارة والتعليم. [5] كتب أعمال الحواريين. [6] رسالة بولس إلى أهل الرومية. [7] رسالته إلى أهل قورنيثيون. [8] رسالته الثانية إليهم. [9] رسالته إلى أهل غلاطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 [10] رسالته إلى أهل إفسس. [11] رسالته إلى أهل فيلبس. [12] رسالته إلى أهل قولا سائس. [13] رسالته الأولى إلى أهل تسالونيقي. [14] رسالته الثانية إليهم. [15] رسالته الأولى إلى تيموثاوس. [16] رسالته الثانية إليه. [17] [ص 53] رسالته إلى تيطوس. [18] رسالته إلى فيليمون. [19] الرسالة الأولى لبطرس. [20] الرسالة الأولى ليوحنا سوى بعض الفقرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وأما القسم الثاني من العهد الجديد فسبعة كتب وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنا: [1] رسالة بولس إلى العبرانيين. [2] الرسالة الثانية لبطرس. [3] الرسالة الثانية ليوحنا. [4] الرسالة الثالثة ليوحنا. [5] رسالة يعقوب. [6] رسالة يهودا. [7] مشاهدات يوحنا. إذا عرفت ذلك فاعلم أنه انعقد مجلس العلماء المسيحية بحكم السلطان قسطنطين في بلدة نائس في سنة 225 ثلثمائة وخمسة وعشرين من ميلاد المسيح، ليشاوروا في باب هذه الكتب المشكوكة، ويحققوا الأمر، فحكم هؤلاء العلماء بعد المشاورة والتحقيق في هذه الكتب: أن كتاب يهوديت واجب التسليم، وأبقوا سائر الكتب المختلفة مشكوكة كما كانت وهذا الأمر يظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 من المقدمة التي كتبها (جيروم) على ذلك الكتاب. ثم بعد ذلك انعقد مجلس آخر يسمى بمجلس (لوديسيا) في سنة ثلثمائة وأربعة وستين فأبقى علماء ذلك المجلس حكم علماء المجلس الأول في باب كتاب يهوديت على حاله، وزادوا على حكمهم سبعة كتب أخرى وجعلوها واجبة التسليم وهي هذه: [1] كتاب أستير. [2] رسالة يعقوب. [3] الرسالة الثانية لبطرس. [4] و [5] الرسالة الثانية والثالثة ليوحنا. [6] رسالة يهودا. [7] رسالة بولس إلى العبرانيين. وأكدوا ذلك الحكم بالرسالة العامة، وبقي كتاب مشاهدات يوحنا في هذين المجلسين خارجاً مشكوكاً كما كان. ثم انعقد بعد ذلك مجلس آخر في سنة ثلثمائة وسبع وتسعين، وتسمى هذا المجلس مجلس (كارتهيج) وكان أهل هذا المجلس الفاضل المشتهر عندهم (اكستاين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ومائة وستة وعشرين شخصاً غيره من العلماء المشهورين، فأهل هذا المجلس أبقوا حكم المجلسين الأولين بحاله، وزادوا على حكمهما هذه الكتب: [1] كتاب وزدم. [2] كتاب طوبيا. [3] كتاب باروخ. [4] كتاب ايكليزيا ستيكس. [5] و [6] كتابا المقابيين. [7] كتاب مشاهدات يوحنا. لكن أهل هذا المجلس جعلوا كتاب باروخ بمنزلة جزء من كتاب أرميا لأن باروخ عليه السلام كان بمنزلة النائب والخليفة لأرميا عليه السلام، فلذلك ما كتبوا اسم كتاب باروخ على حدة في فهرست أسماء الكتب. ثم انعقد بعد ذلك ثلاثة مجالس: مجلس (ترلو) ومجلس (فلورنس) ومجلس (ترنت) وعلماء هذه المجالس الثلاثة أبقوا حكم مجلس (كارتهيج) على حاله، لكن أهل هذه المجلسين الأخيرين كتبوا اسم كتاب باروخ في فهرست أسماء الكتب على حدة. فبعد انعقاد هذه المجالس صارت هذه الكتب المشكوكة مسلمة بين جمهور المسيحيين، وبقيت هكذا إلى مدة ألف ومائتين، إلى أن ظهرت فرقة البروتستنت فردوا حكم هؤلاء الأسلاف في باب: كتاب باروخ، وكتاب طوبيا، وكتاب يهوديت، وكتاب وزدم، وكتاب ايكليزيا ستيكس، وكتابي المقابيين، وقالوا: إن هذه الكتب واجبة الرد وغير مسلمة، وردوا حكمهم في بعض أبواب كتاب أستير وسلموا في البعض؛ لأن هذا الكتاب كان ستة عشر باباً فقالوا: إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الأبواب التسعة الأولى وثلاث آيات من الباب العاشر واجبة التسليم، وستة أبواب باقية واجبة الرد، وتمسكوا في هذا الإنكار والرد بستة أوجه: [1] هذه الكتب كانت في الأصل في اللسان العبراني والجالدي وغيرهما ولا توجد الآن في تلك الألسنة. [2] اليهود لا يسلمونها إلهامية. [3] جميع المسيحيين ما سلموها. [4] قال جيروم: إن هذه الكتب ليست كافية لتقرير المسائل الدينية وإثباتها. [5] صرح كلوس أن هذه الكتب تقرأ لكن لا في كل موضع، أقول: فيه إشارة إلى أن جميع المسيحيين لا يسلمونها فيرجع هذا إلى الوجه الثالث. [6] صرح يوسي [ص 55] بيس في الباب الثاني والعشرين من الكتاب الرابع: بأن هذه الكتب حرفت سيما كتاب المقابيين الثاني، أقول: انظروا إلى الوجه الأول والثاني والسادس كيف أقروا بعدم ديانة أسلافهم، بأن ألوفاً منهم أجمعوا على أن الكتب التي فُقد أصولها وبقي تراجمها وكانت مردودة عند اليهود، وكانت محرفة سيما كتاب المقابيين الثاني، واجبة التسليم. فأي اعتبار لإجماعهم واتفاقهم على المخالف؟؟. وفرقة الكاثوليك (كاثلك) يسلمون هذه الكتب إلى هذا الحين تبعاً لأسلافهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الفصل الثاني: في بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد. اعلم أرشدك الله تعالى أنه لا بد لكون الكتاب سماوياً واجب التسليم أن يثبت أولاً بدليل تام أن هذا الكتاب كتب بواسطة النبي الفلاني ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص، وكذلك مجرّد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفي فيه، ألا ترى أن كتاب المشاهدات والسِّفر الصغير للتكوين، وكتاب المعراج، وكتاب الأسرار، وكتاب تِستمنت، وكتاب الإقرار منسوبة إلى موسى عليه السلام، وكذلك السفر الرابع لعِزْرا منسوب إلى عِزرا، وكتاب معراج أشعيا، وكتاب مشاهدات أشعيا منسوبان إلى أشعيا عليه السلام، وسوى الكتاب المشهور لأرميا عليه السلام كتاب آخر منسوب إليه، وعدة ملفوظات منسوبة إلى حيقوق عليه السلام وعدة زبورات منسوبة إلى سليمان عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ومن كتب العهد الجديد سوى الكتب المذكورة كتب جاوزت سبعين منسوبة إلى عيسى ومريم والحواريين وتابعيهم. والمسيحيون الآن يدّعون أن كلاً من هذه الكتب من الأكاذيب المصنوعة، واتفق على هذه الدعوى كنيسة ألكريك وكاثلك والبروتستنت، وكذلك السفر الثالث لعزرا منسوب إلى عزرا وعند كنيسة ألكريك جزء من العهد العتيق ومقدس واجب التسليم. وعند كنيسة الكاثلك والبروتستنت من الأكاذيب المصنوعة كما ستعرف هذه الأمور مفصلة في الباب الثاني إن شاء الله تعالى، وقد عرفت في الفصل الأول أن كتاب باروخ وكتاب طوبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم، وكتاب ايكليزيا ستيكس وكتابي المقابيين وجزء من كتاب استير، واجبة التسليم عند الكاثلك وواجبة الرد عند البروتستنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فإذا كان الأمر كذلك فلا نعتقد بمجرد استناد كتاب من الكتب إلى نبي أو حواري أنه إلهامي أو واجب التسليم، وكذلك لا نعتقد بمجرد ادعائهم بل نحتاج إلى دليل، ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فِقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، وتفحصنا في كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها شيئاً غير الظن والتخمين، يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن، وقد قلت إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً، فما دام لم يأتوا بدليل شاف وسند متصل فمجرد المنع يكفينا، وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا لكن على سبيل التبرع أتكلم في هذا الباب، ولما كان التكلم على سند كل كتاب مفضياً إلى التطويل الممل فلا نتكلم إلا على سند بعض من تلك الكتب فأقول وبالله التوفيق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 إن لا سند لكون هذه التوراة المنسوبة (25) إلى موسى عليه السلام من تصنيفاته ويدل عليه أمور: حال التوراة وفيه عدة أمور: (الأمر الأول) ستعرف إن شاء الله في الباب الثاني في جواب المغالطة الرابعة في بيان الأمر الأول والثاني والثالث من الأمور التي يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم أن تواتر هذه التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون، والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقيناً، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضاً غالباً قبل حادثة بختنصر، وفي حادثته انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأساً، ولما كتب عِزرا هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيوكس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 (الأمر الثاني) جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفهما عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة، وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأول في بيان أولاد بنيامين، وكذا خالفوا في هذا البيان هذه التوراة المشهورة بوجهين: الأول في الأسماء والثاني في العدد، حيث يفهم من الباب السابع أن أبناء بنيامين ثلاثة، ومن الباب الثامن أنهم خمسة، ومن التوراة أنهم عشرة، واتفق علماء أهل الكتاب أن ما وقع في السفر الأول غلط، وبينوا سبب وقوع الغلط: أن عزرا ما حصل له التمييز بين الأبناء وأبناء الأبناء، وأن أوراق النسب التي نقل عنها كانت ناقصة، وظاهرٌ أن هؤلاء الأنبياء الثلاثة كانوا متبعين للتوراة فلو كانت توراة موسى هي هذه التوراة المشهورة لما خالفوها ولما وقعوا في الغلط، ولما أمكن لعزرا أن يترك التوراة ويعتمد على الأوراق الناقصة، وكذا لو كانت التوراة التي كتبها عزرا مرة أخرى بالإلهام على زعمهم هي هذه التوراة المشهورة لما خالفها، فعلم أن التوراة المشهورة ليست التوراة التي صنفها موسى ولا التي كتبها عزرا، بل الحق أنها مجموع من الروايات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والقصص المشتهرة بين اليهود وجَمعها أحبارُهم في هذا المجموع بلا نقد للروايات، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ، وستعرف هذه الأمور في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني. (الأمر الثالث) مَنْ قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد وجد تخالفاً صريحاً في الأحكام، وظاهر أن حزقيال عليه السلام كان متبع التوراة فلو كانت التوراة في زمانه مثل هذه التوراة المشهورة لما خالفها في الأحكام، وكذلك وقع في التوراة في مواضع عديدة أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال، ووقع في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال: "النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه" فعلم من هذه الآية أن أحداً لا يؤخذ بذنب غيره وهو الحق كما وقع في التنزيل {ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى} . (الأمر الرابع) مَنْ طالع الزبور وكتاب نحميا وكتاب أرميا وكتاب حزقيال جزم يقيناً أن طريق التصنيف في سالف الزمان كان مثل الطريق المروَّج الآن فى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أهل الإسلام، بأن المصنف لو كان يكتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها بعينيه كان يكتب بحيث يظهر لنا كتابه أنه كتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها، وهذا الأمر لا يظهر من موضوع من مواضيع التوراة بل تشهد عبارته أن كاتبه غير موسى وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة فيما بين اليهود، ميز بين هذه الأقوال بأن ما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت قال الله أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفاته لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولا أقل من أن يعبر في موضع من المواضع، لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضي زيادة الاعتبار، والذي يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوي ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه البيان. (الأمر الخامس) لا يقدر أحد أن يدعي بالنسبة إلى بعض الفقرات وبعض الأبواب أنها من كلام موسى بل بعض الفقرات تدل دلالة بينة أن مؤلف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه السلام، بل يكون إما معاصراً له أو بعده، وستعرف هذه الفقرات والباب في المقصد الثاني من الباب الثاني مفصلاً إن شاء الله. وعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجماً بالغيب: إنها من ملحقات نبي من الأنبياء، وهذا القول مردود، لأنه مجرد ادعائهم بلا برهان، لأنه ما كتب نبي من الأنبياء في كتابه أني ألحقت الفقرة الفلانية في الباب الفلاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 من الكتاب الفلاني، ولا كتب أن غيري من الأنبياء ألحقها، ولم يثبت ذلك الأمر بدليل آخر قطعي أيضاً كما ستعرف في المقصد المذكور، ومجرد الظن لا يغني، فما لم يقم دليل قوي على الإلحاق تكون هذه الفقرات والباب أدلة كاملة على أن هذا الكتاب ليس من تصنيفات موسى عليه السلام. (الأمر السادس) نقل صاحب خلاصة سيف المسلمين عن المجلد العاشر من أنسائي كلوبيدي يابيني (قال دكتر سكندر كيدس الذي هو من الفضلاء المسيحية المعتمدين في ديباجة (البيبل) الجديد: ثبت لي بظهور الأدلة الخفية ثلاثة أمور جزماً: الأول أن التوراة الموجودة ليست من تصنيف موسى، والثاني أنها كتبت في كنعان أو أورشليم، يعني ما كتب في عهد موسى، الذي كان بنو إسرائيل في هذا العهد في الصحارى، والثالث لا يثبت تأليفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قبل سلطنة داود ولا بعد زمان حزقيال، بل أنسبُ تأليفها إلى زمان سليمان عليه السلام، يعني قبل ألف سنة من ميلاد المسيح أو إلى زمان قريب منه، في الزمان الذي كان فيه هومر الشاعر، فالحاصل أن تأليفه بعد خمسمائة سنة من وفاة موسى) . (الأمر السابع) قال الفاضل (تورتن) من العلماء المسيحية: "إنه لا يوجد فرق معتد به في محاورة التوراة ومحاورات سائر الكتب من العهد العتيق الذي كتب في زمان أطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل، مع أن بين هذين الزمانين تسعمائة عامٍ، وقد علم بالتجربة أنه يقع الفرق في اللسان بحسب اختلاف الزمان، مثلاً إذا لاحظنا لسان الإنكليز وقسنا حال هذا اللسان بحال ذلك اللسان الذي كان قبل أربعمائة سنة وجدنا تفاوتاً فاحشاً، ولعدم الفرق المعتد به بين محاورة هذه الكتب ظن الفاضل (ليوسلن) الذي له مهارة كاملة في اللسان العبراني أن هذه الكتب صنفت في زمان واحد" أقول: وقوع الاختلاف في اللسان بحسب اختلاف الزمان بديهي فحكم تورتن وظن ليوسلن حريان بالقبول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 (الأمر الثامن) في الباب السابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: "وتبنى هنالك مذبحاً للرب إلهَكَ من حجارة لم يكن مسها حديد" 8: "وتكتب على الحجارة كل كلام هذه السنة بياناً حسناً" والآية الثامنة في التراجم الفارسية هكذا نسخة مطبوعة سنة 1839: (وبران سنكها تمامى كلمات إين توارت بحسن وضاحت تحرير نما) نسخة مطبوعة سنة 1845: (وبران سنكها تمامى كلمات إين توريت رابخط روشن بنويس) وفي الباب الثامن من كتاب يوشع أنه بنى مذبحاً كما أمره موسى وكتب عليه التوراة، والآية الثانية والثلاثون من الباب المذكور هكذا نسخة فارسية مطبوعة سنة 1839: (درانجا تورات موسى رابران سنكها نقل نمودكه ان رابيش روى بني إسرائيل به تحريراً ورد) نسخة فارسية مطبوعة 1845 (درانجابر سنكها نسخة توريت موسى راكه در حضور بني إسرائيل نوشته بودنوست) فعلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كتب على حجارة المذبح لكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 المذبح يسع ذلك، فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك فالظاهر كما قلت في الأمر الرابع. (الأمر التاسع) قال القسيس تورتن: "إنه لم يكن رسم الكتابة في عهد موسى عليه السلام" أقول: مقصوده من هذا الدليل أنه إذا لم يكن رسم الكتابة في ذلك العهد فلا يكون موسى كاتباً لهذه الكتب الخمسة، وهذا الدليل في غاية القوة لو ساعد كتب التواريخ المعتبرة، ويؤيده ما وقع في التاريخ الذي كان باللسان الإنكليزي وطبع سنة 1850 في "مطبعة جارلس دالين" في بلدة لندن هكذا: "كان الناس في سالف الزمان ينقشون بميل الحديد أو الصفر أو العظم على ألواح الرصاص أو الخشب أو الشمع ثم استعمل أهل مصر بدل تلك الألواح أوراق الشجر (بيبرس) ثم اخترع الوصلي في بلد بركمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وسُوى القرطاس من القطن والإبريشم في القرن الثامن وسوى في القرن الثالث عشر من الثوب واختراع القلم في القرن السابع" انتهى كلام هذا المؤرخ لو كان صحيحاً عند المسيحيين فلا شك في تأييده لكلام تورتن. (الأمر العاشر) وقع فيها الأغلاط وكلام موسى عليه السلام أرفع من أن يكون كذلك، مثل ما وقع في الآية الخامسة عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا: "فهؤلاء بنو إليا الذين ولدتهم بين نهر سورية، ودينا ابنتها، فجميع بنيها وبناتها ثلاثة وثلاثون نفساً" فقوله ثلاثة وثلاثون نفساً غلط، والصحيح أربعة وثلاثون نفساً واعترف بكونه غلطاً مفسرهم المشهور رسلي حيث قال: "لو عددتم الأسماء وأخذتم دينا صارت أربعة وثلاثون، ولا بد من أخذها كما يعلم من تعداد أولاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 زلفا لأن سارا بنت أشير واحدة من ستة عشر، ومثل ما وقع في الآية الثانية من الباب الثالث والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: "ومن كان ولد زانية لا يدخل جماعة الرب حتى يمضي عليه عشرة أحقاب" وهذا غلط، ولا يلزم أن لا يدخل داود عليه السلام ولا آباؤه إلى فارض ابن يهودا في جماعة الرب، لأن فارض ولد الزنا كما هو مصرح في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين، وداود عليه السلام البطن العاشر منه، كما يظهر من نسب المسيح المذكور في إنجيل متى ولوقا، مع أن داود رئيس الجماعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 والولد البكر لله على وفق الزبور، ومثل ما وقع في الآية الأربعين من الباب الثاني عشر من سفر الخروج، وستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني أنه غلط يقيناً. ومثل ما وقع في الباب الأول من سفر العدد هكذا 45: "فكان عدد بني إسرائيل جميعه لبيوت آبائهم وعشائرهم من ابن عشرين سنة وما فوق ذلك، كل الذين كان لهم استطاعة الانطلاق إلى الحروب" 46: "ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلاً" 47: "واللاويون في وسط عشائرهم ولم يُعَدُّو معهم" يعلم من هذه الآيات أن عدد الصالحين لمباشرة الحروب كان أزيد من ستمائة ألف، وأن اللاويين مطلقاً ذكوراً كانوا أو إناثاً وكذلك إناث جميع الأسباط الباقية مطلقاً، وكذا ذكورهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة خارجون عن هذا العدد، فلو ضمنا جميع المتروكين والمتروكات مع المعدودين لا يكون الكل أقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 من ألفي ألف وخمسمائة ألف 2500000 وهذا غير صحيح لوجوه: الأول: أن عدد بني إسرائيل من الذكور والإناث حين ما دخلوا مصر كان سبعين، كما هو مصرح في الآية السابعة والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين، والآية الخامسة من الباب الأول من سفر الخروج، والآية الثانية والعشرين من الباب العاشر من سفر الاستثناء، وستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت مائتين وخمس عشرة سنة لا أزيد من هذه، وقد صرح في الباب الأول من سفر الخروج: أن قبل خروجهم بمقدار ثمانين سنة أبناؤهم كانوا يقتلون وبناتهم تستحيا، وإذا عرفت الأمور الثلاثة أعني عددهم حين ما دخلوا مصر ومدة إقامتهم فيها وقتل أبنائهم، فأقول: لو قطع النظر عن القتل وفرض أنهم كانوا يضاعفون في كل خمس وعشرين سنة فلا يبلغ عددهم إلى ستة وثلاثين ألفاً في المدة المذكورة فضلاً عن أن يبلغ إلى ألفي ألف وخمسمائة ألف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ولو لوحظ القتل فامتناع العقل أظهر. الوجه الثاني: يبعد كل البعد أنهم يكثرون من سبعين بهذه الكثرة ولا تكثر القبط مع راحتهم وغنائهم مثل كثرتهم، وأن سلطان مصر يظلمهم بأشنع ظلم، وكونهم مجتمعين في موضع واحد ولا يصدر عنهم البغاوة ولا المهاجرة من دياره، والحال أن البهائم أيضاً تقوم بحماية أولادهم. (الوجه الثالث) أنه يعلم من الباب الثاني عشر من سفر الخروج أن بني إسرائيل كان معهم المواشي العظيمة من الغنم والبقر، ومع ذلك صرح في هذا السفر أنهم عبروا البحر في ليلة واحدة وأنهم كانوا يرتحلون كل يوم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وكان يكفي لارتحالهم الأمر اللساني الذي يصدر عن موسى. (الوجه الرابع) أنه لا بد أن يكون موضع نزولهم وسيعاً جداً بحيث يسع كثرتهم وكثرة مواشيهم، وحوالي طور سيناء، وكذلك حوالي اثني عشر عيناً في إيليم ليسا (32) كذلك فكيف وسع هذان الموضعان كثرتهم وكثرة مواشيهم. (الوجه الخامس) وقع في الآية الثانية والعشرين من الباب السابع من سفر الاستثناء هكذا: "فهو يهلك هذه الأمم من قدّامك قليلاً قليلاً وقسمة قسمة، إنك لا تستطيع أن تبيدهم بمرة واحدة لئلا يكثر عليك دواب البر"، وقد ثبت أن طول فلسطين كان بقدر مائتي ميل وعرضه بقدر تسعين ميلاً، كما صرح به صاحب مرشد الطالبين في الفصل العاشر من كتابه في الصفحة من النسخة المطبوعة سنة 1840 في مدينة (فالته) فلو كان عدد بني إسرائيل قريباً من ألفي ألف وخمسمائة ألف، وكانوا متسلطين على فلسطين مرة واحدة بعد إهلاك أهلها لما يكثر عليهم دواب البر، لأن الأقل من هذا القدر يكفي لعمارة المملكة التي تكون بالقدر المذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وقد أنكر ابن خلدون أيضاً هذا العدد في مقدمة تاريخه وقال: "الذي بين موسى وإسرائيل إنما هو ثلاثة آباء على ما ذكره المحققون ويبعد إلى أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل ذلك العدد" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فالحق: أن كثرة بني إسرائيل كانت بالقدر الذي يمكن في مدة مائتين وخمس عشرة سنة، وكان سلطان مصر قادراً عليهم أن يظلم بأي وجه شاء، وكان الأمر اللساني الصادر عن موسى عليه السلام كافياً لارتحالهم كل يوم، وكان يكفي حوالي طور سيناء وحوالي إيليم لنزولهم مع دوابهم، وكان لا يكفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قدرهم لعمارة فلسطين لو ثبت لهم التسلط مرة واحدة. فيظهر لك من الأدلة المذكورة انه ليس في أيدي أهل الكتاب سند لكون الكتب الخمسة من تصنيف موسى عليه السلام، فما دام لم يثبت سند من جانبهم، فليس علينا تسليم هذه الكتب بل يجوز لنا الرد والإنكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وإذا عرفت حال التوراة الذي هو أس الملة الإسرائيلية فاسمع حال كتاب يوشع الذي هو في المنزلة الثانية من التوراة فأقول: لم يظهر لهم إلى الآن بالجزم اسم مصنفه ولا زمانُ تصنيفه، وافترقوا إلى خمسة أقوال قال: (جرهارد، وديوديتي، وهيوت، وباترك، وتاملاين وداكتر (33) كرى) : إنه تصنيف يوشع وقال داكتر (لائت فت) إنه تصنيف فنيحاس، وقال كالون: إنه تصنيف العازار، وقال وانتل: إنه تصنيف صموئيل، وقال هنري: إنه تصنيف أرميا، فانظروا إلى اختلافهم الفاحش، وبين يوشع وأرميا مدة ثمانمائة وخمسين سنة تخميناً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ووقوع هذا الاختلاف الفاحش دليل كامل على عدم استناد هذا الكتاب عندهم، وعلى أن كل قائل منهم يقول بمجرد الظن رجماً بالغيب، بلحاظ بعض القرائن الذي ظهر له أن مصنفه فلان، وهذا الظن هو سند عندهم، ولو لاحظنا الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر من هذا الكتاب مع الآية السادسة والسابعة والثامنة من الباب الخامس من سفر صموئيل الثاني يظهر أن هذا الكتاب كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه السلام، ولذلك قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل شرح الآية الثالثة والستين المذكورة هكذا: "يعلم من هذه الآية أن كتاب يوشع كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه السلام"، وتدل الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من هذا الكتاب أن مصنفه ينقل بعض الحالات عن كتاب اختلفت التراجم في بيان اسمه، ففي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 بعض التراجم كتاب اليسير، وفي بعضها كتاب ياصار، وفي بعضها كتاب ياشر، وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1844 سفر الأبرار، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 سفر المستقيم، ولم يعلم حال هذا الكتاب المنقول عنه، ولا حال مصنفه، ولا حال زمان التصنيف، غير أنه يفهم من الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني أن مصنفه يكون معاصراً لداود عليه السلام أو بعده، فعلى هذا الغالب أن يكون مؤلف كتاب يوشع بعد داود عليه السلام، ولما كان الاعتبار للأكثر وهم يدعون بلا دليل أنه تصنيف يوشع فأطوى الكشح عن جانب غيرهم وأتوجه إليهم وأقول هذا باطل لأمور: (الأمر الأول) هو ما عرفت في الأمر الأول من حال التوراة (والأمر الثاني) ما عرفت في الأمر الرابع من حال التوراة (والأمر الثالث) توجد فيه آيات كثيرة لا يمكن أن تكون من كلام يوشع قطعاً بل تدل بعض الفقرات على أن يكون مؤلفه معاصراً لداود، بل بعده كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 عرفت، وستعرف هذه الفقرات إن شاء الله في المقصد الثاني من الباب الثاني. والعلماء المسيحية يقولون رجماً بالغيب: إنها من ملحقات نبي من الأنبياء وهذه الدعوى غير صحيحة ومجرد ادعاء فلا تسمع، فما لم يقم دليل قوي على الإلحاق تكون هذه الفقرات أدلة كاملة على أن هذا الكتاب ليس تصنيف يوشع. (والأمر الربع) في الباب الثالث عشر من هذا الكتاب هكذا 24: (وأعطى موسى سبط جاد وبنيه لقبائلهم ميراثاً هذا تقسيمه) 25: (حد يَعْزير وجميع قرى جِلْعاد (34) ونصف أراضي بني عمون إلى عَرْواعير التي هي حيال ربا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وفي الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: "قال لي الرب إنك تدلو إلى قرب بني عمون احذر تقاتلهم ومحاربتهم، فإني لا أعطيك شيئاً من أرض بني عمون لأني أعطيتها بني لوط ميراثاً" انتهى ملخصاً. ثم في هذا الباب: "أسلم الرب إلهُنا الجميعَ سوى أرض بني عمون التي لم تدن منها" فبين الكتابين تخالف وتناقض فلو كانت هذه التوراة المشهورة تصنيف موسى عليه السلام كما هو مزعومهم فلا يتصور أن يخالفها يوشع ويغلط في المعاملة التي كانت في حضوره، بل لا يتصور من شخص إلهامي آخر أيضاً، فلا يخلو إما أن لا تكون هذه التوراة المشهورة من تصنيف موسى عليه السلام أو لا يكون كتاب يوشع من تصنيفه، بل لا يكون من تصنيف رجل إلهامي آخر أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 و حال كتاب القضاة الذي هو في المنزلة الثالثة فيه اختلاف عظيم لم يعلم مصنفه ولا زمان تصنيفه، فقال بعضهم: إنه تصنيف فينحاس، وقال بعضهم: إنه تصنيف حزْقيا، وعلى هذين القولين لا يكون هذا الكتاب إلهامياً أيضاً وقال بعضهم: إنه تصنيف أَرْميا وقال بعضهم: إنه تصنيف حِزقيال وقال بعضهم: إنه تصنيف عِزْرا، وبين عِزْرا وفنيحاس زمان أزيد من تسعمائة سنة، ولو كان عندهم سَنَدٌ لما وقع هذا الاختلاف الفاحش، وهذه الأقوال كلُّها غيرُ صحيحة عند اليهود وهم ينسبونه رَجْماً بالغيب إلى صموئيل فَحَصَلَتْ فيه ستة أقوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 و حال كتاب راعوث الذي هو في المنزلة الرابعة ففيه اختلاف أيضاً، قال بعضهم: إنه تصنيف حزقيا وعلى هذا لا يكون إلهامياً، وقال بعضهم: إنه تصنيف عِزرا وقال اليهود وجمهور المسيحيين: إنه تصنيف صَمْوئيل، وفي الصفحة 305 من المجلد السابع من كاثُلك هِرَلد المطبوع سنة 184: (كُتِب في مقدمة بَيْبِل (35) الذي طُبع سنة 1819 في اشتار برك أن كتاب راعوثَ قصة بَيْت وكتاب يونس حكاية) يعني قصة غير معتبرة وحكاية غير صحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 و حال كتاب نحْميا فيه اختلاف أيضاً، ومختار الأكثر أنه تصنيف نحميا وقال اتهاني سنش، وأبي فانيس، وكريزاستم، وغيرهم: إنه تصنيف عِزْرا، وعلى الأول لا يكون هذا الكتاب إلهامياً ولا يصح أن يكون ست وعشرون آية من أول الباب الثاني عشر من هذا الكتاب من تصنيف نحْميا، ولا ربط لهذه الآيات بقصة هذا الوضع رَبْطاً حسناً، وفي رابع وعشرين آية منها ذكر دارا سلطان إيران، وهو كان بعد مائة سنة من موت نحْميا، وستعرف في المقصد الثاني أن مفسريهم يحكمون بالاضطرار بإلحاقيتها، وأسقطها مترجم العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 و حال كتاب أيوب حاله أشنع من حال الكتب المذكورة وفيه اختلاف من أربعة وعشرين وجهاً و (رب ممائي ديز) الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود و (ميكايلس وليكلرك وسمار واستناك) وغيرهم من العلماء المسيحيين على أن أيوب اسم فرضي وكتابه حكاية باطلة وقصة كاذبة، وذمّه (تهيودور) ذماً كثيراً وقال مقتدي فرقة البروتستنت: (إن هذا الكتاب حكاية محضة) وعلى قول مخالفيهم لا يتعين المصنف، ينسبونه رجماً بالغيب إلى أشخاص، ولو فرضنا أنه تصنيف (اليهود) أو رجل من آله او رجل مجهول الاسم مُعاصر لمنسَّا لا يثبت كونه إلهامياً، وهذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم، يقولون بالظن والتخمين ما يقولون، وستعرف هذه الأمور في جواب المغالطة الثانية من الباب الثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 و حال زبور داود حاله قريب من حال كتاب أيوب لم يثبت بالسند الكامل أن مصنفه فلان ولم يعلم زمانُ جمع الزبورات في مجلد واحد، ولم يتحقق أن أسماءها إلهامية أو غير إلهامية. اختلف القدماء المسيحيون في مصنفه (فارجن وكريزاستم واكستائن وانبروس وبوتهي ميس) وغيرهم من القدماء على أن هذا الكتاب كله تصنيف داود عليه السلام، وأنكر قولهم (هليري واتهاتييش وجيروم ويوسي بيس) وغيرهم وقال هورن: "إن القول الأول غلط محض، وقال بعض المفسرين: إن بعض الزبورات صُنفت في زمان مقاييس لكن قوله ضعيف" انتهى كلامه ملخصاً. وعلى رأي الفريق الثاني لم يعلم اسم مصنف زبورات هي أزيد من ثلاثين، وعشرة زبورات من تصنيف موسى من الزبور التسعين إلى الزبور التاسع والتسعين، واحد وسبعون زبوراً من تصنيف داود، والزبور الثامن والثمانون من تصنيف (همان) والزبور التاسع والثمانون من تصنيف (اتهان) والزبور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الثاني والسبعون والزبور المائة والسابع والسبعون من تصنيف (سليمان) وثلاثة زبورات من تصنيف (جدوتهن) واثني عشر زبوراً من تصنيف (اساف) ولكن قال البعض: إن الزبور الرابع والسبعين والزبور التاسع والسبعين ليسا من تصنيفه، وأحد عشر زبوراً من تصنيف ثلاثة أبناء قورح، وقال البعض: إن شخصاً آخر صنفها ونسبها إليهم، وبعض الزبورات تصنيف شخص آخر وقال (كامت) : إن الزبورات التي صنفها داود خمسة وأربعون فقط، والزبورات الباقية من تصنيفات آخرين، وقال القدماء من علماء اليهود: إن هذه الزبورات تصنيف هؤلاء الأشخاص: آدم، إبراهيم، موسى، وأساف، همان، جدوتهن، ثلاثة أبناء قورح، وأما داود فجمعها في مجلد واحد، فعندهم داود عليه السلام جامع الزبورات فقط لا مصنفها، وقال (هورن) : "المختار عند المتأخرين من علماء اليهود وكذا عند جميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 المفسرين من المسيحيين أن هذا الكتاب تصنيف هؤلاء الأشخاص: موسى، داود، سليمان، أساف، همان، اتهان، جدوتهن، ثلاثة أبناء قورح" وكذلك الاختلاف في جمع الزبورات في مجلد واحد فقال البعض: إنها جُمعت في زمن داود. وقال البعض: جمعها أحباء حِزْقيا في زمانه. وقال البعض: إنها جُمعت في أزمنة مختلفة، وكذلك الاختلاف في أسماء الزبورات فقال البعض: إنها إلهامية. وقال البعض: إن شخصاً من غير الأنبياء سمَّاها بهذه الأسماء. (تنبيه) الآية العشرون من الزبور الثاني والسبعين هكذا ترجمة فارسية سنة 1845: (دعا هاي داود بسريسي (39) تمام شد) وهذا الزبور في التراجم العربية الزبور الحادي والسبعون لما عرفت في المقدمة، وهذه الآية ساقطة فيها فالظاهر أن هؤلاء المترجمين أسقطوها قصداً ليعلم أن كتاب الزبور كله من تصنيف داود كما هو رأي الفرقة الأولى. ويمكن أن تكون هذه الآية من إلحاقات الفرقة الثانية فعلى كل تقدير التحريف لازم إمَّا بالزيادة أو النقصان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 حال (كتاب أمثال سليمان) حاله سقيم أيضاً، ادعى البعض: أن هذا الكتاب كله من تصنيف سليمان عليه السلام، وهذا الادعاء باطل يردُّه اختلاف المحاورة وتكرار الفقرات، والآية الأولى من الباب الثلاثين والحادي والثلاثين وستعرفهما، ولو فرض أن بعض هذا الكتاب من تصنيفه فحسب الظاهر يكون تسعة وعشرون باباً من تصنيفه، وما جمعت هذه الأبواب في عهده، لأن خمسة أبواب منها أعني من الباب الخامس والعشرين إلى الباب التاسع والعشرين جمعها أحباء حزقيا، كما تدل عليه الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين، وكان هذا الجمع بعد مائتين وسبعين سنة من وفاة سليمان عليه السلام، وقال البعض: إن تسعة أبواب من أول هذا الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه السلام كما ستعرف في جواب المغالطة الثانية من كلام (آدم كلارك) المفسر والباب الثلاثون من تصنيف (آجور) والباب الحادي والثلاثون من تصنيف (لموئيل) ولم يتحقق لمفسريهم أنهما مَنْ كانا ومتى كانا، ولم تتحقق نبوتهما، لكنهم على حسب عادتهم يقولون ظناً إنهما كانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 نبيين، وظنهم لا يتم على المخالف، وظن البعض أن لموثيل اسم سليمان، وهذا باطل، قال جامعو تفسير (هنري واسكات) : رد هولدن هذا الظن أن لموئيل اسم سليمان، وحقق أنه شخص آخر لعله حصل لهم دليل كاف على أن كتاب لموئيل وكتاب آجور إلهاميان وإلا لما دخلا في الكتب القانونية، قولهم لعله حصل لهم الخ مردود لأن قدماءهم أدخلوا كتباً كثيرة في الكتب القانونية، وهي مردودة عندهم، ففعلهم ليس حجة كما ستعرف في آخر هذا الفصل. وقال آدم كلارك في الصفحة 12 و 25 من المجلد الثالث من تفسيره: "لا دليل على أن المراد بلموئيل سليمان عليه السلام وهذا الباب ألحق بعد مدة من زمانه والمحاورات الكثيرة التي توجد في أوله من اللسان الجالدي ليست أدلة صغيرة على هذا"، وقال في حق الباب الحادي والثلاثين هكذا: "إن هذا الباب ليس من تصنيف سليمان عليه السلام قطعاً"، انتهت الآية الأولىمن الباب الخامس والعشرين هكذا: "فهذه أيضاً من أمثال سليمان التي استكتبها أصدقاء حزقيا ملك يهودا" والآية الأولى من الباب الثلاثين في التراجم الفارسية هكذا نسخة سنة 1828: "اين ست كلمات آجور بن ياقه يعني مقالات كه او براي ايثئيل بلك برأي ايثئيل وأوكال برزبان أورد " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 نسخة سنة 1845: (كلمات أكور بسرياقه يعني وحى كه أن مرد به ايثئيل به ايثئيل وأو قال بيان كرد) وأكثر التراجم في الألسنة المختلفة موافقة لها وتراجم العربية مختلفة ههنا. مترجم العربية المطبوعة سنة 1811 أسقطها ومترجم العربية المطبوعة سنة 1831 وسنة 1844 ترجما هكذا: "هذه أقوال الجامع ابن القاي الرؤيا التي يكلم بها الرجل الذي الله معه وإذا كان الله معه أيده" فانظر إلى الاختلاف بين تراجم العربية والتراجم الأخر، والآية الأولى من الباب الحادي والثلاثين هكذا: "كلمات لموئيل الملك الرؤيا التي أدبته فيها أمه" إذا عرفت ما ذكرت ظهر لك أنه لا يمكن أن يدعي أن هذا الكتاب كله تصنيف سليمان عليه السلام، ولا يمكن أن جامعه هو أيضاً، ولذلك اعترف الجمهور أن أناساً كثيرين مثل حِزْقيا وأشعيا ولعل عزرا أيضاً جمعوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 (و حال كتاب الجامعة ) فيه اختلاف عظيم أيضاً، قال البعض: إنه من تصنيف سليمان عليه السلام، وقال (رب قمجى) وهو عالم مشهور من علماء اليهود إنه تصنيف أشعيا، وقال علماء (تالميودي) إنه تصنيف حزقيا، وقال (كروتيس) إن أحداً صنفه (زروبابل) لأجل تعليم ابنه ابيهود، وقال (جهان) من العلماء المسيحية وبعض علماء جرمن من إنه صنف بعد ما أطلق بنو إسرائيل من أسْر بابل، وقال زرقيل: إنه صنف في زمان (انتيوكس إيبى فانس) واليهود بعد ما أطلقوا من أسر بابل أخرجوه من الكتب الإلهامية، لكنه أدخل بعد ذلك فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 (و حال كتاب نشيد الإنشاد ) حاله سقيم جداً قال بعضهم: إنه تصنيف سليمان أو أحد من معاصريه، وقال (داكتر (43) كنى كات) وبعض المتأخرين: إن القول بأن هذا الكتاب من تصنيف سليمان عليه السلام غلط محض، بل صنف هذا الكتاب بعد مدة من وفاته، وذم القسيس (تهيودور) الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب، وكتاب أيوب ذماً كثيراً، وكان (سَيْمُن وليكلرك) لا يسلمان صداقته وقال (وشتن) إنه غناء فِسْقي، فليخرجْ من الكتب المقدسة، وقال بعض المتأخرين أيضاً هكذا، وقال سِمْلز: الظاهر أن هذا الكتاب جعلي، وقال (وارد كاتلك) : "حكم كاستليو بإخراج هذا الكتاب من كتب العهد العتيق، لأنه غناء نجس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 (و حال كتاب دانيال ) يوجد في الترجمة اليونانية (لتهيودوشن) والترجمة اللاطينية وجميع تراجم (رومن كاثلك) غناء الأطفال الثلاثة في الباب الثالث، كذا يوجد الباب الثالث عشر والباب الرابع عشر، وفرقة (الكاثلك) تسلم الغناء المذكور والبابين المذكورين، وتردها فرقة البروتستنت وتحكم بكذبها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (و حال كتاب أَسْتير) لم يُعلم اسمُ مصنفه ولا زمانُ تصنيفه، قال البعض: إنه تصنيف علماء المعبد الذين كانوا من عهد عِزْرا إلى زمان (سَيْمُن) ، وقال (فلو يهودي) : إنه تصنيف (يهوكن) الذي هو ابن يسوع الذي جاء بعد ما أُطلق من أسر بابل، وقال (اكستاين) : إنه تصنيف عزرا، وقال البعض: إنه تصنيف (مردكي وأستير) وستعرف باقي حالاته في الشاهد الأول من المقصد الثاني من الباب الثاني إن شاء الله تعالى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 (و حال كتاب أرميا ) الباب الثاني والخمسون منه ليس من تصنيف أرميا قطعاً، وكذلك الآية الحادية عشرة من الباب العاشر ليست منه، أما الأول فلأن آخر الآية الرابعة والستين من الباب الحادي والخمسين هكذا ترجمة فارسية سنة 1838: (كلمات يرميا تابدينجا اتمام بدرفت) ترجمة فارسية سنة 1845 (كلام يرميا تابدينجاست) ترجمة عربية سنة 1844 (حتى إلى الآن كلام أرميا) وأما الثاني فلأن الآية المذكورة في اللسان الْكسْدي وسائر الكتاب في اللسان العبراني، ولم يعلم أن أي شخص ألحقهما، والمفسرون المسيحيون يقولون رجْماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ألحقهما، قال جامعو تفسير (هنري واسكات) في حق الباب المذكور: "يعلم أن عزرا أو شخصاً آخر ألحق هذا الباب، لتوضيح أخبار الحوادث الآتية التي تمّت في الباب السابق ولتوضيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 مرتبته"، وقال هورن في الصفحة 195 من المجلد الرابع: "أُلحق هذا الباب بعد وفاة أرميا، وبعد ما أُطلق اليهود من أسر بابل، الذي يوجد ذكره قليلاً في هذا الباب" ثم قال في المجلد المذكور: "إن جميع ملفوظات هذا الرسول بالعبري إلا الآية الحادية عشرة من الباب العاشر فإنها بلسان الكسدينر، وقال القسيس (ونما) إن هذه الآية إلحاقية" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 حال كتاب إشعيا وقعت مباحثة بين (كاركرن كاتلك ووارن) من علماء البروتستنت، وطبعت هذه المباحثة في بلدة أكبر أباد سنة 1853 فقال (كاركرن) في الرسالة الثالثة منها: إن الفاضل المشهور (استاهلن الجرمني) قال: "إنه لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده إلى الباب السادس والستين من كتاب أشعيا من تصنيفه"، فسبعة وعشرون باباً ليس من تصنيف أشعيا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 حال إنجيل متى وستعرف في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث أن القدماء المسيحية كافة وغير المحصورين من المتأخرين أن إنجيل متى كان باللسان العبراني وفُقد بسبب تحريف الفرق المسيحية والموجود الآن ترجمته، ولا يوجد عندهم إسناد هذه الترجمة، حتى لم يعلم باليقين اسم المترجم أيضاً إلى الحين، كما اعترف به جيروم من أفاضل قدمائهم، فضلاً عن علم أحوال المترجم، نعم يقولون رجماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ترجمه ولا يتم هذا على المخالف، وكذا لا يثبت مثل هذا الظن استناد الكتاب إلى المصنف، وقد عرفت في الأمر السابع من المقدمة أن مؤلف ميزان الحق مع تعصبه لم يقدر على بيان السند في حق هذا الإنجيل بل قال ظناً: "إن الغالب أن متى كتبه باللسان اليوناني" وظنه بلا دليل مردود، فهذه الترجمة ليست بواجبة التسليم، بل هي قابلة للرد وفي (إنسائي كلوبديابويي) في بيان إنجيل متى هكذا: "كتب هذا الإنجيل في السنة الحادية والأربعين باللسان العبراني، وباللسان الذي ما بين الكلداني والسرياني، لكن الموجود منه الترجمة اليونانية، والتي توجد الآن باللسان العبراني فهي ترجمة الترجمة اليونانية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 حال إنجيلي مرقس ولوقا وقال (وارد كاتلك) في كتابه: "صرح جيروم في مكتوبه أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون في الباب الأخير من إنجيل مرقس الأخير، وبعض القدماء كانوا يشكون في بعض الآيات من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا، وبعض القدماء كانوا يشكون في البابين الأولين من هذا الإنجيل، وما كان هذان البابان في نسخة فرقة مارسيوني"، وقال المحقق (نورتن) في الصفحة 70 من كتابه المطبوع سنة 1837 في بلدة (بوستن) في حق إنجيل مرقس: "في هذا الإنجيل عبارة واحدة قابلة للتحقيق، وهي من الآية التاسعة إلى آخر الباب الآخر، والعجب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 (كريسباخ) أنه ما جعلها مُعَلَّمة بعلامة الشك في المتن، وأورد في شرحه أدلة على كونها إلحاقية"، ثم نقل أدلة فقال: "فثبت منها أن هذه العبارة مشتبهة سيما إذا لاحظنا العادة الجِبِلِّيّة للكاتبين بأنهم كانوا أرغب في إدخال العبارات من إخراجها"، (وكريسباخ) عند فرقة البروتستنت من العلماء المعتبرين وإن لم يكن (نورتن) كذلك عندهم فقول كريسباخ حجة عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 حال إنجيل يوحنا وفيه تسع أمور ولم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا من تصنيفه، بل ههنا أمور تدل على خلافه: الأول: أن طريق التصنيف في سالف الزمان قبل المسيح عليه السلام وبعده كان مثل الطريق المروج الآن في أهل الإسلام، كما عرفت في الأمر الرابع من حال التوراة، وستعرف في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني، ولا يظهر من هذا الإنجيل أن يوحنا يكتب الحالات التي رآها بعينه، والذي يشهد له الظاهر مقبول، ما لم يقم دليل قوي على خلافه. والثاني: أن الآية الرابعة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من هذا الإنجيل هكذا: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ويعلم أن شهادته حق"، فقال كاتبه في حق يوحنا هذه الألفاظ: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وشهادته" بضمائر الغائب، وقال في حقه تعلم على صيغة المتكلم، فعلم أن كاتبه غير يوحنا، والظاهر أن هذا الغير، وجد شيئاً من مكتوبات يوجنا، فنقل عنه مع زيادة ونقصان والله أعلم. والثالث: أنه لما أنكر على هذا الإنجيل في القرن الثاني بأنه ليس من تصنيف يوحنا، وكان في هذا الوقت (أَرينيوس) الذي هو تلميذ (يُوْليكارْب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الذي هو تلميذ يوحنا الحواري موجوداً فما قال في مقابلة المنكرين: إني سمعت من (يوليكارب) أن هذا الإنجيل من تصنيف الحواري، فلو كان هذا الإنجيل من تصنيفه لعلم (يوليكارب) ، وأخبر (أرينيوس) . ويبعد كل البعد أن يسمع أرينيوس من يوليكارب الأشياء الخفيفة مراراً، وينقل ولا يسمع في هذا الأمر العظيم الشأن مرة أيضاً، وأبعد منه احتمال أنه سمع لكن نسي، لأنه كان يَعْتبر الرواية اللسانية اعتباراً عظيماً، ويحفظها حفظاً جيداً. نقل (يُوسِي بَيَس) في الصفحة 219 من الباب العشرين من الكتاب الخامس من تاريخه المطبوع سنة 1847 قول (أرينيوس) في حق الروايات اللسانية هكذا: "سمعت هذه الأقوال بفضل الله بالإمعان التام، وكتبتها في صدري لا على الورق. وعادتي من قديم الأيام أني أقرؤها دائماً". ويستبعد أيضاً أنه كان حافظاً لكنه ما نقل في مقابلة الخصم، وعلم من هذا الوجه أن المفكرين أنكروا كون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا في القرن الثاني، وما قدر المعتقدون أن يثبتوه. فهذا الإنكار ليس بمختص بنا، وستعرف في جواب المغالطة الأولى أن (سلسوس) من علماء المشركين الوثنيين كان يصيح في القرن الثاني: بأن المسيحيين بدَّلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد من هذا تبديلاً كأنَّ مضامينها بدلت، وأن (فاستس) الذي هو من أعظم علماء فرقة (ماني كيز) كان يصيح في القرن الرابع: بأن هذا الأمر مُحَقق، أن هذا العهد الجديد ما صنّفه المسيحُ ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الاسم، ونسب إلى الحواريون، ورفقاء الحواريين ليعتبره الناسُ، وآذى المريدين لعيسى إيذاءً بليغاً بأن ألف الكتب التي فيها الأغلاط والتناقضات. (الرابع) : في الصفحة 205 من المجلد السابع المطبوع سنة 1844 من (كاتلك هرلد) هكذا: "كتب اسْتادْلين في كتابه أن كاتب إنجيل يوحنا طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية بلا ريب"، فانظروا إن (استادْلين) كيف ينكر كون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا، وكيف يقول إنه من تصنيف بعض الطلباء من مدرسة الإسكندرية. (الخامس) أن المحقق (برطشنِيدَر) قال: "إن هذا الإنجيل كله، وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه بل صنّفها أحد في ابتداء القرن الثاني". (السادس) : قال المحقق المشهور (كِرَوْتِيَس) : "إن هذا الإنجيل كان عشرين باباً فألحق كنيسة (افسس) الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنا". (السابع) : أن فرقة (ألوجين) التي كانت في القرن الثاني كانت تنكر هذا الإنجيل وجميع تصانيف يوحنا. (الثامن) : ستعرف في المقصد [الثاني] من الباب الثاني أن إحدى عشرة آية من أول الباب الثامن ردَّها جمهور العلماء، وستعرف عن قريب أن هذه الآيات لا توجد في الترجمة السريانية، فلو كان لهذا الإنجيل سند لما قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 علماؤهم المحققون وبعض الفرق ما قالوا، فالحق ما قال الفاضل (استادلين) والمحقق (برطشنيدر) . (التاسع) : توجد في زمان تأليف الأناجيل الأربعة روايات واهية ضعيفة بلا سند. يعلم منها أيضاً أنه لا سند عندهم لهذه الكتب. قال (هورن) في الباب الثاني من القسم الثاني من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1811: " الحالات التي وصلت إلينا في باب زمان تأليف الأناجيل من قدماء مؤرخي الكنيسة أبتر وغير معينة، لا توصلنا إلى أمر معين، والمشايخ القدماء الأولون صدقوا الروايات الواهية وكتبوها، وقَبِلَ الذين جاؤوا من بعدهم مكتوبهم تعظيماًلهم، وهذه الروايات الصادقة والكاذبة وصلت من كاتب إلى كاتب آخر وتعذر تنقيدها بعد انقضاء المدة". ثم قال في المجلد المذكور: "أُلِّف الإنجيل الأول سنة 37 أو سنة 38 أو سنة 41 أو سنة 43، أو سنة 48 أو سنة 61 أو سنة 62 أو سنة 63 أو سنة 64 من الميلاد. وألف الإنجيل الثاني سنة 56 أو ما بعدها إلى سنة 65، والأغلب أنه ألف سنة 60 أو سنة 63، وألف الإنجيل الثالث سنة 53 أو سنة 63 أو سنة 64، وألف الإنجيل الرابع سنة 68 أو سنة 69 أو سنة 70 أو سنة 97 أو سنة 98 من الميلاد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 حال بعض الرسائل والرسالة العبرانيةُ، والرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا، ورسالة يعقوب ورسالة يهودا، ومشاهدات يوحنا، وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنا - إسنادها إلى الحواريين بلا حجة، وكانت مشكوكة [فيها] إلى سنة 363: وبعض الفقرات المذكورة مردودة وغلط إلى الآن عند جمهور المحققين، كما ستعرف في المقصد الثاني من الباب الثاني ولا يوجد في الترجمة السريانية. وردَّ جميع كنائس العرب الرسالة الثانية لبطرس، والرسالتين ليوحنا، ورسالة يهودا، ومشاهدات يوحنا، وكذلك تردها الكنيسة السريانية من الابتداء إلى الآن، ولا تسلمها، كما ستطلع عليها في الأقوال الآتية. قال (هورن) في الصفحة 206 و 207 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822: ولا توجد في الترجمة السريانية الرسالة الثانية لبطرس، ورسالة يهودا، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا، ومشاهدات يوحنا، ومن الآية الثانية إلى الآية الحادية عشرة من الباب الثامن من إنجيل يوحنا، والآية السابعة من الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنا"، فمترجم الترجمة السريانية أسقط هذه الأشياء لعدم صحتها عنده. وقال (وارد كاثلك) في الصفحة 37 من كتابه المطبوع سنة 1841: ذكر (راجَرْس) وهو من أعلم علماء البروتستانت أسماء كثيرين من علماء فرقته الذين أخرجوا الكتب المفصّلة من الكتب المقدسة باعتقاد أنها كاذبة - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الرسالة العبرانية، ورسالة يعقوب، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ورسالة يهودا، ومشاهدات يوحنا. وقال (دكتور بِلْس) من علماء البروتستانت: "إن جميع الكتب ما كانت واجبة التسليم إلى عهد (يُوسى بيس) ، وأصِرُّ على أن رسالة يعقوب، ورسالة يهودا، والرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ليست من تصنيفات الحواريين. وكانت الرسالة العبرانية مردودة إلى مدة. والكنائس السريانية ما سلموا أن الرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا، ورسالة يهودا. وكتاب المشاهدات واجبة التسليم، وكذا كان حال كنائس العرب لكننا نسلم" إلى هنا انتهى كلام بلسن. قال (لارذر) في الصفحة 175 من المجلد الرابع من تفسيره: "سِرِل وكذا كنيسة أورشليم في عهده ما كانوا يسلمون كتاب المشاهدات ولا يوجد اسم هذا الكتاب في الفهرست القانوني الذي كتبه" ثم قال في الصفحة 323: "إن مشاهدات يوحنا لا توجد في الترجمة السريانية القديمة، وما كتب عليه (بارهي بريوس ولا يعقوب) شرحا وترك أي (بدجسو) في فهرسته الرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا، ورسالة يهودا ومشاهدات يوحنا وهذا هو رأي السريانيين الآخرين" وفي الصفحة 206 من المجلد السابع المطبوع سنة 1844 من (كاتلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 هرلد) : "إن روز كتب في الصفحة 161 من كتابه إن كثيراً من محققي البروتستنت لا يسلمون كون كتاب المشاهدات واجب التسليم، وأثبت (بروبرايوالد) بالشهادة القوية أن إنجيل يوحنا ورسائله وكتاب المشاهدات لا يمكن أن تكون من تصنيف مصنف واحد". وقال (يوسى بيس) في الباب الخامس والعشرين من الكتاب السابع من تاريخه: "قال ديونيسيش أخرج بعض القدماء كتاب المشاهدات عن الكتب المقدسة واجتهد في رده، وقال هذا كله لا معنى له وأعظم حجاب الجهالة، وعدم العقل ونسبته إلى يوحنا الحواري غلط، ومصنفه ليس بحواري، ولا رجل صالح ولا مسيحي بل نسبه (سرن تهسن) الملحد إلى يوحنا، لكني لا أقدر على إخراجه عن الكتب المقدسة، لأن كثيراً من الأخوة يعظمونه وأما أنا فأسلم أنه من تصنيف رجل إلهامي، لكن لا أسلم بالسهولة أن هذا الشخص كان حوارياً، ولد زبْدي أخا يعقوب مصنف الإنجيل، بل يعلم من المحاورة وغيرها أنه ليس بحواري وكذلك ليس مصنفه يوحنا الذي جاء ذكره في كتاب الأعمال، لأن مجيئه في (إيشيا) لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 يثبت، فهذا يوحنا آخر من أهل إيشيا. في (إفسس) قبران كتب عليهما اسم يوحنا، ويعلم من العبارة والمضمون أن يوحنا الإنجيلي ليس مصنف هذا الكتاب، لأن عبارة الإنجيل ورسالته حسنة على طريقة اليوناني، وليس فيها ألفاظ صعبة بخلاف عبارة المشاهدات، لأنها على خلاف محاورة اليوناني، يستعمل السياق الوحشي، والحواري لا يظهر اسمه لا في الإنجيل ولا في الرسالة العامة، بل يعبر عن نفسه بصيغة المتكلم والغائب ويشرع في المقصود بلا تمهيد، أمر بخلاف هذا الشخص كتب في الباب الأول إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليرى عبيده ما لا بد أن يكون من قريب وبينه مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحنا، يوحنا إلى السبع الكنايس الخ 9، أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة، وفي ملكوت يسوع المسيح، وصبره الخ، وكتب في الآية الثامنة من الباب الثاني والعشرين، وأنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع ... الخ فأظهر اسمه في هذه الآيات على خلاف طريقة الحواري، لا يقال إن الحواري أظهر اسمه على خلاف عادته ليعرف نفسه، لأنه لو كان المقصود هذا ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 خصوصية تختص به، مثلاً يوحنا بن زبدي أخو يعقوب أو يوحنا المريد المحبوب للرب ونحوهما، ولم يذكر الخصوصية، بل الوصف العام مثل أخيكم وشريككم في الضيقة، وشريككم في الصبر، ولا أقول هذا بالاستهزاء بل قصدي أن أظهر الفرق بين عبارة الشخصين" انتهى كلام ديوينسيش ملخصاً من تاريخ (يوسى بيس) . وصرح (يوسى بيس) في الباب الثالث من الكتاب الثالث من تاريخه: "أن الرسالة الأولى لبطرس صادقة إلا أن الرسالة الثانية له ما كانت داخلة في الكتب المقدسة في زمان من الأزمنة، لكن كانت تقرأ رسائل بولس أربع عشرة إلا أن بعض الناس أخرج الرسالة العبرانية"، ثم صرح في الباب الخامس والعشرين من الكتاب المذكور: "اختلفوا في أن رسالة يعقوب ورسالة يهودا والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا كتبها الإنجيليون أو أشخاص آخرون، كان أسماؤهم هذه، وليفهم أن أعمال بولس و (باشتر) ومشاهدات بطرس، ورسالة برنيا، والكتاب الذي اسمه (أنس تي توشن) الحواريين كتب جعلية وإن ثبت فليعد مشاهدات يوحنا أيضاً كذلك"، ونقل في الباب الخامس والعشرين من الكتاب السادس من تاريخه قول (أرجن) في حق الرسالة العبرانية هكذا: "الحال الذي كان على ألسنة الناس أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 بعضهم قالوا إن هذه الرسالة كتبها كليمنت الذي كان (بِشِب (47)) الروم وبعضهم قالوا ترجمها لوقا" وأنكرها رأساً (أرنيس بيشب ليس) الذي كان في سنة 178 (وهب بولي تس) الذي كان في سنة 220 و (نويتس برسبتر الروم) الذي كان في سنة 251، وقال (نزتولين برسبتر كارتهيج) الذي كان في سنة 300: إنها رسالة برنياؤكيس برسبتر الروم الذي كان في سنة 212 عد رسائل بولس ثلاث عشرة، ولم يعد هذه الرسالة، (وسائي برن بشب كارتهيج) الذي كان في سنة 248، ولم يذكر هذه الرسالة، والكنيسة السريانية إلى الآن لا تسلم الرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا، وقال (اسكالجر) مَنْ كتب الرسالة الثانية لبطرس فقد ضيع وقته، وقال (يوسى بيس) في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الثاني من تاريخه في حق رسالة يعقوب: "ظُنًّ أن هذه الرسالة جعلية لكن كثيراً من القدماء ذكروها وكذا ظُن في حق رسالة يهودا لكنها تُستعمل في كثير من الكنائس"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وفي تاريخ البَيْبِل المطبوع سنة 1850 (قال كروتيس) : "هذه الرسالة رسالة يهودا الأسقف الذي كان خامس عشر من أساقفة أورشليم في عهد سلطنة أيْدرين". وكتب (يوسى بيس) في الباب الخامس والعشرين من الكتاب السادس من تاريخه: "قال أرجن في المجلد الخامس من شرح إنجيل يوحنا أن بولس ما كتب شيئاً إلى جميع الكنائس والذي كتبه إلى بعضها فسطران أو أربعة سطور"، فعلى قول (أرجن) الرسائل المنسوبة إلى (بولس) ليست من تصنيفه بل هي جُعلية نسبت إليه، ولعل مقدار سطرين أو أربعة سطور يوجد في بعضها من كلام بولس أيضاً، وإذا تأملت في الأقوال المذكورة ظهر لك أن ما قال فاستس: "إن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون بل صنفه رجل مجهول الاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 ونسب إلى الحواريين ورفقائهم" حق لا ريب فيه، ولقد أصاب في هذا الأمر، وقد عرفت في الفصل الأول أن الرسائل الست وكتاب المشاهدات كانت مشكوكة مردودة إلى سنة 363، وما سلمها محفل (نائسي) الذي كان انعقد في سنة 325، ثم قبلت الرسائل الست في محفل لوديسيا في سنة 364، وبقي كتاب المشاهدات مشكوكاً مردوداً في هذا المحفل أيضاً فقبل في محفل (كارتهيج) في سنة 397، وقبول هذين المحلفين ليس حجة. أما أولاً: فلأن علماء المحافل الستة كلها سلموا كتاب يهوديت، وأن علماء محفل لوديسيا سلموا عشر آيات من الباب العاشر، وستة أبواب بعد الباب العاشر من كتاب (أستير) ، وأن علماء محفل (كارتهيج) سلموا كتاب (وزدم) وكتاب (طوبيا) وكتاب (باروخ) وكتاب (أيكليزيا ستيكس) وكتاب المقابيين، وسلم حكمهم في هذه الكتب علماء المحافل الثلاثة اللاحقة، فلو كان حكمهم بدليل وبرهان لزم تسليم الكل، وإن كان بلا برهان كما هو الحق يلزم رد الكل، فالعجب أن فرقة البروتستنت تسلم حكمهم في الرسائل الست وكتاب المشاهدات، وترده في غيرها سيما في كتاب يهوديت الذي اتفق على تسليمه المحافل الستة، ولا يتمشى عذرهم الأعرج بالنسبة إلى الكتب المردودة عندهم غير كتاب أستير، بأن أصولها فقدت، لأن جيروم يقول: إنه حصل له أصل يهوديت وأصل طوبيا في لسان الديك، وأصل الكتاب الأول للمقابيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وأصل كتاب أيكليزيا ستيكس في اللسان العبري، وترجم هذه الكتب من أصولها، فيلزم عليهم أن يسلموا هذه الكتب التي حصل أصولها لجيروم، على أنه يلزم عليهم عدم تسليم إنجيل متى أيضاً لأن أصله مفقود. وأما ثانياً: فلأنه قد ثبت بإقرار (هورن) أنه ما كان تتقيد الروايات في قدمائهم، وكانوا يصدقون الروايات الواهية، ويكتبونها والذين جاؤوا من بعدهم يتبعون أقوالهم، فالأغلب أنه وصلت إلى علماء المحافل أيضاً بعض الروايات الواهية في باب هذه الكتب، فسلموها بعد ما كانت مردودة إلى قرون. وأما ثالثاً: فلأن حال الكتب المقدسة عندهم كحال الانتظامات والقوانين ألا ترى: [1] أن الترجمة اليونانية كانت معتبرة في أسلافهم من عهد الحواريين إلى القرن الخامس عشر، وكانوا يعتقدون أن النسخة العبرانية محرّفة والصحيحة هي هذه، وبعد ذلك انعكس الأمر، وصارت المحرفة صحيحة، والصحيحة غلطاً ومحرفة فلزم جهل أسلافهم كافة [2] وأن كتاب دانيال كان معتبراً عند أسلافهم على وَفْق الترجمة اليونانية، ولما حكم (أرجن) بعدم صحته تركوه وأخذوه من ترجمة (تهيودوشن) [3] وأن رسالة (أرس تيس) كانت مسلمة إلى القرن السادس عشر ثم تكلموا عليها في القرن السابع عشر فصارت كاذبة عند جمهور علماء البروتستنت [4] وأن الترجمة اللاطينية معتبرة عند (الكاثلك) ومحرفة غير معتبرة عند البروتستنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 [5] وأن الكتاب الصغير للتكوين كان معتبراً صحيحاً إلى القرن الخامس كما ستعرف في الباب الثاني، ثم في القرن السادس عشر صار غير صحيح وجُعلياً [6] وأن الكتاب الثالث لعزرا تُسَلمه كنيسة (كريك) (48) إلى الآن وفرقة الكاثلك والبروتستنت تردانه، وأن زبور سليمان سلمه قدماؤهم وكان مكتوباً في كتبهم المقدسة ويوجد إلى الآن في نسخة (كودكس اسكندريانوس) والآن يعد جعلياً، ونرجو أنهم بالتدريج سيعترفون بجعلية الكل إن شاء الله. فظهر مما ذكرت للناظر اللبيب أنه لا يوجد سند متصل عندهم لا لكتب العهد العتيق، ولا لكتب العهد الجديد، وإذا ضُيق عليهم في هذا الباب فتارة يتمسكون بأن المسيح شهد بحقية كتب العهد العتيق، وستعرف حال هذه الشهادة مفصلاً في جواب المغالطة الثانية من الباب الثاني فانتظره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الفصل الثالث: في بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط وأنا أجعل هذا الفصل قسمين وأورد في كل قسم أمثلة: القسم الأول: في بيان الاختلافات الأختلاف [1] الأول من قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد وجد اختلافاً صريحاً في الأحكام الأختلاف [2] بين الباب الثالث عشر من كتاب يوشع والباب الثاني من سفر استثناء في بيان ميراث بني جاد اختلاف صريح، وأحد البيانين غلط يقيناً، كما عرفت في الفصل الثاني في حال كتاب يوشع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الأختلاف [3] يوجد الاختلاف بين الباب السابع والثامن من السفر الأول من أخبار الأيام في بيان أولاد بنيامين، وكذا بينهما وبين الباب السادس والأربعين من سفر التكوين، وأقر علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن ما وقع في السفر الأول من أخبار الأيام غلط، كما ستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني الأختلاف [4] يوجد بين الباب الثامن من السفر الأول من أخبار الأيام من الآية التاسعة والعشرين إلى الآية الثامنة والثلاثين، وفي الباب التاسع من السفر المذكور من الآية الخامسة والثلاثين إلى الرابعة والأربعين اختلاف بين الأسماء، وقال (آدم كلارك) في المجلد الثاني من تفسيره: "إن علماء اليهود يقولون إن عزرا وجد كتابين توجد فيهما هذه الفقرات باختلاف الأسماء ولم يحصل له تمييز بأن أيهما أحسن فنقلهما"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الأختلاف [5] الآية التاسعة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني هكذا: "وأتى يواب 2 بعدد وحساب الشعب للملك، وكان عدد بني إسرائيل ثمانمائة ألف رجل بطل، يضرب بالسيف، ورجال يهودا عدتهم خمسمائة ألف رجل مقاتلة" والآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا: "ودُفع إحصاء القوم إلى داود وكان عدد بني إسرائيل ألف ألف ومائة ألف رجل جاذب سيف، ويهودا أربعمائة ألف وسبعون ألف رجل مقاتلة" فبينهما اختلاف في عدد بني إسرائيل بمقدار ثلثمائة ألف وفي عدد يهودا بقدر ثلاثين ألفاً الأختلاف [6] الآية الثالثة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني هكذا: "وأتى جاد إلى داود وأخبره قائلاً: إما أن يكون سبعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 سنين جوعاً لك في أرضك" الخ، وفي الآية الثانية عشرة من الباب الحادي والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا: (إما ثلاث سنين جوعاً) الخ ففي الأول سبع سنين، وفي الثاني ثلاث سنين وقد أقر مفسروهم أن الأول غلط الأختلاف [7] الآية السادسة والعشرون من الباب الثامن من سفر الملوك الثاني هكذا: "وكان قد أتى على أحْزِيا اثنان وعشرون سنة إذ ملك" الخ والآية الثانية من الباب الثاني والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "ابن اثنين وأربعين سنة كان أحزيا" الخ فبينهما اختلاف، والثاني غلط يقيناً كما أقر به مفسروهم، وكيف لا يكون غلطاً وإن أباه (يهورام) حين موته كان ابن أربعين سنة وجلس هو على سرير السلطنة بعد موت أبيه متصلاً كما يظهر من الباب السابق، فلو لم يكن غلطاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 يلزم أن يكون أكبر من أبيه بسنتين الأختلاف [8] الآية الثامنة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني هكذا: "وكان يواخين يوم ملك ابن ثماني عشرة سنة" الخ والآية التاسعة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني والثلاثين من أخبار الأيام هكذا: "ابن ثماني سنين كان يواخين ملك" الخ فبينهما اختلاف، والثاني غلط يقيناً، كما أقر مفسروهم، وستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني الأختلاف [9] بين الآية الثامنة من الباب الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني والآية الحادية عشرة من الباب الحادي عشر من سفر الملوك من أخبار الأيام اختلاف، وقال (آدم كلارك) في ذيل شرح عبارة صموئيل: (قال داكتركني كات) : "إن في هذه الآية ثلاثة تحريفات جسيمة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ففي هذه الآية الواحدة ثلاثة أغلاط الأختلاف [10] صرح في الباب الخامس والسادس من سفر صموئيل الثاني أن داود عليه السلام جاء بتابوت الله بعد محاربة الفسطانيين، وصَرح في الباب الثالث عشر والرابع عشر من السفر الأول من أخبار الأيام أنه جاء بالتابوت قبل محاربتهم، والحادثة واحدة كما لا يخفى على ناظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الأبواب المذكورة، فيكون أحدهما غلطاً الأختلاف [11] يعلم من الآية 19 و 20 من الباب السادس، ومن الآية 8 و 6 من الباب السابع من سفر التكوين أن الله كان أمر نوحاً عليه السلام أن يأخذ من كل طير وبهيمة وحشرات الأرض اثنين اثنين ذكراً وأنثى، ويعلم من الآية 2 و 3 من الباب السابع أنه كان أمر أن يأخذ من كل بهيمة طاهرة، ومن كل طير طاهراً كان أو غير طاهر سبعة أزواج، ومن كل بهيمة غير طاهرة اثنين اثنين الأختلاف [12] يعلم من الباب الحادي والثلاثين من سفر العدد أن بني إسرائيل أفنوا المديانين في عهد موسى عليه السلام، وما أبقوا منهم ذكراً مطلقاً لا بالغاً ولا غير بالغ حتى الصبي الرضيع أيضاً، وكذا ما أبقوا منهم امرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بالغة وأخذوا غير البالغات جواري لأنفسهم، ويعلم من الباب السادس من سفر القضاة أن المديانين في عهد القضاة كانوا ذي قوة عظيمة بحيث كان بنو إسرائيل مغلوبين وعاجزين منهم ولا مدة بين العهدين إلا بقدر مائتي سنة (فأقول) إذا فنى المديانيون في عهد موسى فكيف صاروا في مقدار هذه المدة أقوياء بحيث غلبوا على بني إسرائيل أو عجزوهم إلى سبع سنين الأختلاف [13] في الباب التاسع من سفر الخروج هكذا: "ففعل الرب هذا الكلام في الغد ومات كلُّ بهائم المصريين، ولم يمت واحدة من ماشية بني إسرائيل" فيعلم منه أن بهائم المصريين ماتت كلها. ثم في هذا الباب: "من خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ودوابه إلى البيوت، ومن لم يخطر على باله قول الرب ترك عبيده ودوابه في الحقول" فبينهما اختلاف الأختلاف [14] في الباب الثامن من سفر التكوين هكذا: "4 واستقر الفلك في اليوم السابع والعشرين من الشهر السابع على جبال أرمينية، 5 والمياه كانت تذهب وتنقص إلى الشهر العاشر، لأنه في الشهر العاشر في الأول من الشهر بانت رؤوس الجبال" فبين الآيتين اختلاف لأنه إذا ظهر رؤوس الجبال في الشهر العاشر، فكيف استقرت السفينة في الشهر السابع على جبال أرمينية. الاختلاف الخامس عشر إلى الاختلاف السادس والعشرين : بين الباب الثامن من سفر صموئيل الثاني والباب الثامن عشر من السفر الأول من أخبار الأيام مخالفة كثيرة في الأصل العبراني، وإن أصلح المترجمون في بعض المواضع وأنقلها عن كلام (آدم كلارك) المفسر من المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة صموئيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أيات الباب 8 ... ألفاظ سفر صموئيل الثاني ... آيات الباب ... ألفاظ سفر أخبار الأيام الأول 18 1- ... أخذ داود لجام الجزية من يد أهل فلسطين ... - ... أخذ قرية جاث وضياعها من يد 3- ... هدد عزر ... أهل فلسطين 4- ... ألف وسبعمائة فارس ... 1- ... هدد عزر 8- ... وأخذ الملك داود نحاساً كثيراً جدا من بطاح وبروث قرى هدد عزر ... 4- ... ألف مركب وسبعة آلاف فارس 9- ... توع ملك هدد عزر ... 8- ... ومن طبحات ومن كون قرى هدر عزر أخذ داود نحاساً كثيراً 10- ... يورام ... ... 9- ... توعو ملك هدر عزر 12- ... من أرام ... 10- ... هادورام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 13- ... أرام ... 11- ... هادورام 17- ... اخيملك وسرايا الكتاب ... 13- ... أدوم 16- ... مالك وشوشا الكتاب ففي هذين البابين اثنا عشر اختلافاً. الاختلاف السابع والعشرون إلى الاختلاف الثاني والثلاثين : قال المفسرون المذكور في بيان المخالفة بين الباب العاشر من سفر صموئيل الثاني والباب التاسع عشر من السفر الأول من أخبار الأيام. أيات الباب ... ألفاظ سفر صموئيل ... آيات الباب ... ألفاظ سفر أخبار الأيام الأول 10 ... 19 16- ... سوباك رئيس الجيش هدد عزر ... ... - ... شوفاخ مقدم جيش هدر عزر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 17- ... وأتى إلى حلام ... ... 17- ... وأتى عليهم 18- ... سبعمائة مركب وأربعين ألف فارس ... 18- ... سبعة آلاف مركب وأربعين ألف راجل 19- ... وسوباك رئيس الجيش ... 19- ... وشوفاخ مقدم الجيش ففي البابين ستة اختلافات. الأختلاف [33] الآية السادسة والعشرون من الباب الرابع من سفر الملوك الأول هكذا: "وكان لسليمان أربعون ألف مدود 2 يربى عليها خيل للمراكب واثني عشر ألف فارس" والآية الخامسة والعشرون من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "وكان لسليمان أربعة آلاف مدود واثنا عشر ألف فارس" هكذا في التراجم الفارسية والهندية، وحرَّف مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 عبارة سفر أخبار الأيام فبدل لفظ الأربعة بأربعين. وآدم كلارك المفسر نقل اختلاف التراجم والشروح ذيل عبارة سفر الملوك أولاً ثم قال: "الأحسن أن نعترف بوقوع التحريف في العدد نظراً إلى هذه الاختلافات". الأختلاف [34] بين الآية الرابعة والعشرين من الباب السابع من سفر الملوك الأول، والآية الثالثة من الباب الرابع من السفر الثاني من أخبار الأيام اختلاف، قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل شرح عبارة أخبار الأيام: "ظن كبار المحققين أن الأحسن أن تسلم عبارة سفر الملوك ههنا أيضاً، ويمكن أنه وقع لفظ 2 البقريم موضع البقعيم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 ومعنى البقريم الثور ومعنى البقعيم العقد، فاعترف هذا المفسر بوقوع التحريف في أخبار الأيام فتكون عبارة أخبار الأيام غلطاً عنده وقال جامعو تفسير هنري واسكات: "وقع الفرق ههنا لأجل تبدل الحروف". الأختلاف [35] الآية الثانية من الباب السادس عشر من سفر الملوك الثاني هكذا: "وكان أحاز يومَ مَلَك ابن عشرين سنة، وملك ست عشرة سنة بأورشليم" الخ، ووقع في حالة ابنه حزقيال في الآية الثانية من الباب الثامن عشر من السفر المذكور هكذا: "وكان قد أتى عليه يومَ ملك خمس وعشرون سنة" فيلزم أن يكون حزقيال ولد لأحاز في السنة الحادية عشرة من عمره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وهو خلاف العادة فالظاهر أن أحدهما غلط، والمفسرون أقروا بكون الأول غلطاً، قال جامعو تفسير (هنري واسكات) ذيل شرح الباب السادس عشر: "الغالب أن لفظ العشرين كتب في موضع الثلاثين انظروا الآية الثانية من الباب الثامن عشر من هذا السفر". الأختلاف [36] في الآية الأولى من الباب الثامن والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "كان أحاز حين ملك ابن عشرين سنة وملك ست عشرة سنة في أورشليم" وفي الآية الأولى من الباب التاسع والعشرين من السفر المذكور هكذا: "فملك حزقيا ابن خمس وعشرين سنة" وههنا أيضاً أحدهما غلط والظاهر أن تكون الأولى كما عرفت. الأختلاف [37] بين الآية الحادية والثلاثين من الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني، والآية الثالثة من الباب العشرين من السفر الأول من أخبار الأيام اختلاف، وقال (هورن) في المجلد الأول من تفسيره: "إن عبارة سفر صموئيل صحيحة فلتجعل عبارة سفر أخبار الأيام مثلها" فعند عبارة سفر أخبار الأيام غلط فانظروا كيف يأمر بالإصلاح والتحريف، والعجب أن مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 جعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 عبارة سفر صموئيل مثل عبارة سفر أخبار الأيام والإنصاف أنه لا عجب هذه سنيحتهم العلية. الأختلاف [38] الآية الثالثة والثلاثون من الباب الخامس عشر من سفر الملوك الأول هكذا: "في السنة الثالثة لأساملك يهودا ملك بعشا بن أحيا على جميع إسرائيل في ترصا أربعة وعشرين سنة" والآية الأولى من الباب السادس عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "وفي السنة السادسة والثلاثين لملك أساصعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا" الخ فبينهما اختلاف وأحدهما غلط يقيناً لأن بعشا على حكم الأول مات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 السنة السادسة والعشرين لأسا، وفي السنة السادسة والثلاثين لأسا كان قد مضى على موت بعشا عشر سنين، فكيف صعد في هذه السنة على يهوذا؟ قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل عبارة سفر الأيام: "الظاهر أن هذا التاريخ غلط"، وقال اشر الذي هو من كبار العلماء المسيحية: إن هذا العام سادس وثلاثون من (الانقسام الذي وقع في عهد يور بعام السلطنة لا من سلطنة أسا) ، فهؤلاء العلماء سلموا أن عبارة أخبار الأيام غلط أما وقع لفظ السادسة والثلاثين موقع لفظ السادسة والعشرين، أو وقع لفظ الملك أسا موقع لفظ من انقسام السلطنة. الأختلاف [39] الآية التاسعة عشرة من الباب الخامس عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "ولم يكن حرب أي بين أسا وبعشا إلى سنة خمس وثلاثين من ملك أسا" وهي مخالفة أيضاً للآية الثالثة والثلاثين من الباب الخامس عشر من سفر الملوك الأول كما عرفت في الاختلاف السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الأختلاف [40] في الآية السادسة عشرة من سفر الملوك الأول عدد الموكلين ثلاثة آلاف وثلثمائة، وفي الآية الثانية من الباب الثاني من السفر الثاني من أخبار الأيام ثلاثة آلاف وستمائة، وحرف مترجمو الترجمة اليونانية في سفر الملوك فكتبوا ثلاثة آلاف وستمائة. الأختلاف [41] في الآية السادسة والعشرين من الباب السابع من سفر الملوك الأول: " وكان البحر 2 يسع ألفي فرق" وفي الآية الخامسة من الباب الرابع من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "يسع ثلاثة آلاف فرق، والجملة الأولى في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 هكذا: "دوهزاربت دران كنجيد" وفي الترجمة الفارسية سنة 1845 هكذا: (دوهزارخم أب ميكرفت) والجملة الثانية هكذا ترجمة فارسية سنة 1838: (وسه هزاربت دران كنجيد) ترجمة فارسية سنة 1845: (وسه هزارخم أب كرفته نكاه ميداشت) فبينهما اختلاف وتفاوت ألف الأختلاف [42] من قابل الباب الثاني من كتاب عزرا بالباب السابع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 كتاب نحميا وجد بينهما اختلافاً عظيماً في أكثر المواضع، ولو قطعنا النظر عن الاختلاف ففيهما غلط آخر، وهو أنهما اتفقا في حاصل الجمع وقالا: الذين جاؤوا من بابل إلى أورشليم بعد ما أطلقوا من أسر بابل اثنان وأربعون ألفاً وثلثمائة وستون شخصاً، ولا يخرج الحاصل بهذا القدر لو جمعنا، لا في كلام عزرا ولا في كلام نحميا، بل حاصل الجمع في الأول 29818 وفي الثاني 31089، والعجب أن هذا الجمع الاتفاقي أيضاً غلط على تصريح المؤرخين، قال (يوسيفس) في الباب الأول من الكتاب الحادي عشر من تاريخه: "إن الذين جاؤوا من بابل إلى أورشليم اثنان وأربعون ألفاً وأربعمائة واثنان وستون شخصاً"، قال جامعو تفسير (هنري واسكات) ذيل شرح عبارة عزرا: "وقع فرق كثير في هذا الباب والباب السابع من كتاب نحميا من غلط الكتاب، ولما ألفت الترجمة الإنكليزية صحح كثير منه بقابلة النسخ، وفي الباقي تعين الترجمة اليونانية في شرح المتن العبري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فانظر أيها اللبيب هذا حال كتبهم المقدسة: إنهم في صدد التصحيح الذي هو في الحقيقة التحريف من القرون، لكن الأغلاط باقية فيها، والإنصاف أن هذه الكتب غلط من الأصل، ولا تقصير للمصححين غير هذا، إنهم إذا عجزوا ينسبون إلى الكاتبين الذين هم برآء من هذا، ومن تأمل الآن في هذين البابين وجد الاختلافات والأغلاط أزيد من عشرين ولا أعلم من حال الغد أنهم كيف يفعلون وكيف يحرفون. الأختلاف [43] في الآية الثانية من الباب الثالث عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام: "أن أم ابيا ميخيا بنت أوريايل من جبعة" ويعلم من الآية العشرين من الباب الحادي عشر من السفر المذكور أن أمه (معخا بنت أبي شالوم) ، ويعلم من الآية السابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من سفر صموئيل الثاني أنه ما كان لأبي شالوم إلا بنت واحدة اسمها ثامار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الأختلاف [44] يعلم من الباب العاشر من كتاب يوشع أن بني إسرائيل لما قتلوا سلطان أورشليم كانوا تسلطوا على ملكه: ومن الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر من الكتاب المذكور أنهم ما كانوا تسلطوا على مملكة أورشليم. الأختلاف [45] يعلم من الآية الأولى من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني أن الله ألقى في قلب داود أن يعدّ بني إسرائيل، ويعلم من الآية الأولى من الباب [ص 96] الحادي والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام أن الملقي كان الشيطان، ولما لم يكن الله خالق الشر عندهم لزم الاختلاف القوي. الاختلاف السادس والأربعون إلى الاختلاف الحادي والخمسون : من قابل بيان نسب المسيح الذي في إنجيل متى بالبيان الذي في إنجيل لوقا وجد ستة اختلافات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 [1] يعلم من متى أنه يوسف بن يعقوب، ومن لوقا أنه ابن هالي. [2] يعلم من متى أن عيسى من أولاد سليمان بن داود عليهم السلام، ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 لوقا أنه من أولاد ناثان بن داود. [3] يعلم من متى أن جميع آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل سلاطين مشهورون، ومن لوقا أنهم ليسوا بسلاطين ولا مشهورين غير داود وناثان. [4] يعلم من متى أن شلتائيل بن يوخانيا، ويعلم من لوقا أنه ابن نيرى. [5] يعلم من متى أن اسم ابن زور بابل أبيهود، ومن لوقا أن اسمه ريصا، والعجب أن أسماء بني زور بابل مكتوبة في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام، وليس فيها أبيهود ولا ريصا فالحق أن كلاً منهما غلط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 [6] من داود إلى المسيح عليهما السلام ستة وعشرون جيلاً على ما بَيَّن متى، وواحد وأربعون جيلاً على ما بَيَّن لوقا، ولما كان بين داود والمسيح مدة ألف سنة فعلى الأول يكون في مقابلة كل جيل أربعون سنة وعلى الثاني خمسة وعشرون، ولما كان الاختلاف بين البيانين ظاهراً بادي التأمل تحير فيهما العلماء المسيحية من زمان اشتهار هذين الإنجيلين إلى اليوم، ووجهوا بتوجيهات ضعيفة، ولذلك اعترف جماعة من المحققين مثل (اكهارن وكيسر وهيس وديوت ووى نروفرش) ، وغيرهم بأنهما مختلفان اختلافاً معنوياً، وهذا حق وعين الإنصاف، لأنه كما صدر عن الإنجيليين أغلاط واختلافات في مواضع أخر، كذلك صدر الاختلاط ههنا، نعم لو كان كلامهم خالياً عنها سوى هذا الموضع كان التأويل مناسباً وإن كان بعيداً، وآدم كلارك في ذيل شرح الباب الثالث من إنجيل لوقا نقل التوجيهات وما رضي بها وتحير، ثم نقل عذراً غير مسموع من مستر (هارمرسى) في الصفحة 408 من المجلد الخامس هكذا: "كان أوراق النسب تحفظ في اليهود حفظاً جيداً، ويعلم كلُّ ذي علم أن متى ولوقا اختلفا في بيان نسب الرب اختلافاً تحير فيه المحققون من القدماء 8 والمتأخرين، كما أنه فهم في المواضع الأخر الاعتراض في حق المؤلف، ثم صار هذا الاعتراض حامياً له، فكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 هذا أيضاً إذا صفا يصير حامياً قوياً لكن الزمان يفعله هكذا" فاعترف (بأن هذا الاختلاف اختلاف تحير فيه المحققون من القدماء والمتأخرين) وما قال (إن أوراق النسب كانت تحفظ في اليهود حفظاً جيداً) مردود، لأن هذه الأوراق صارت منتشرة برياح الحوادث، ولذلك غلط عزرا والرسولان عليهما السلام في بيان بعض النسب، وهذا المفسر يعترف به أيضاً، كما ستعرف في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني، وإذا كان الحال في عهد عزرا هكذا فكيف يظن في عهد الحواريين؟ وإذا لم يبق أوراق نسب الكهنة والرؤساء محفوظة، فأي اعتراف بورق نسب يوسف النجار المسكين، وإذا كان ثلاثة أشخاص من الأنبياء المعتبرين غلطوا في بيان النسب، ولم يقدروا على التمييز بين الغلط والصحيح، فكيف يظن بمترجم إنجيل متى الذي لم يعلم إلى الآن اسمه، فضلاً عن وَثَاقة أحواله وفضلاً عن كونه ذا إلهام، وبلوقا الذي لم يكن من الحواريين يقيناً، ولم يثبت كونُه ذا إلهام، فالغالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أنه حصل لهما ورقتان مختلفتان في بيان نسب يوسف النجار، ولم يحصل لهما التمييز بين الصحيح والغلط، فاختار أحدهما بظنه إحدى الورقتين، والآخر الورقة الأخرى، ورجاء المفسر المذكور بأن الزمان يفعله هكذا رجاء بلا فائدة، لأنه إذا لم يصف إلى مدة ألف وثمانمائة، سيما في هذه القرون الثلاثة الأخيرة التي شاعت العلوم العقلية والنقلية فيها في ديار أوربا، وتوجهوا إلى تحقيق كل شيء، حتى إلى تحقيق الملة أيضاً فأصلحوا في الملة أولاً إصلاحاً مَا، فحكموا على المذهب العمومي في أول الوهلة بأنه باطل، وعلى البابا الذي كان مُقْتَدي الملة بأنه جاهل غدار، ثم اختلفوا في الإصلاح وافترقوا إلى فرق ثم كانوا يزيدون في الإصلاح يوماً فيوماً حتى ترقى المحققون غير المحصورين منهم لأجل زيادة تحقيقهم إلى أعلى درجة الإصلاح، حتى فهموا الملة المسيحية كالحكايات الباطلة والخيالات الواهية، فظن الصفاء في زمان آخر ظن عبث، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 والتوجيه المشهور الآن هذا أنه يجوز أن يكون متّى كتب نسب يوسف، ولوقا كتب نسب مريم، ويكون يوسف خَتَن هالي، ولا يكون لهالي ابن فنسب الختن إليه، وأدخل في سلسلة النسب وهذا التوجيه مردود لوجوه: الأول: أن المسيح على هذا التقدير يكون من أولاد ناثان، لا من أولاد سليمان، لأن نسبه الحقيقي من جانب أمه ولا اعتبار لنسب يوسف النجار في حقه، فيلزم أن لا يبقى المسيح مسيحاً، ولذلك قال مقتدي فرقة البروتستنت (كالوين) في رد هذا التوجيه: "من أخرج سليمان عن نسب المسيح فقد أخرج المسيح من كونه مسيحاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 والثاني: أن هذا التوجيه لا يصح إلا إذا ثبت من التواريخ المعتبرة أن مريم بنت هالي، ومن أولاد ناثان، ومجرد الاحتمال لا يكفي لهذا، سيما في الصورة التي يرده المحققون فيها، مثل آدم كلارك المفسر وغيره، ويرده مقتداهم (كالوين) ولم يثبت هذان الأمران بدليل ضعيف فضلاً عن القوي، بل ثبت عكسهما لأنه صرح في إنجيل يعقوب أن اسم أبوي مريم (يهويا قيم وعانا) وهذا الإنجيل وإن لم يكون إلهامياً، ومن تصنيف يعقوب الحواري عند أهل التثليث المعاصرين لنا، لكن لا شك أنه من جَعل بعض أسلافهم وقديم جداً، ومؤلفه من القدماء الذين كانوا في القرون الأولى، فلا تنحط رتبته عن رتبة التواريخ المعتبرة، ولا يقاومه مجرد احتمال لا يكون له سند، وقال (اكستاين) أنه صرح في بعض الكتب التي كانت توجد في عهده (أن مريم عليها السلام من قوم لاوى) وهذا ينافي كونها من أولاد ناثان، وإذا لاحظنا ما وقع في الباب السادس والثلاثين من سفر العدد أن كل رجل يتزوج بامرأة من سبطه وقبيلته، وكذلك كل امرأة تتزوج برجل من سبطها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وقبيلتها، ولا تختلط الأسباط بعضها ببعض، وما وقع في الباب الأول من إنجيل لوقا أن زوجة زكريا كانت من بنات هارون ومريم عليها السلام كانت قريبة لزوجة زكريا وهذه كانت من بنات هارون قطعاً، فتكون مريم من بنات هارون، أيضاً، وإذا كانت كذلك كان زوجها المزعوم أيضاً من أولاد هارون، بحكم التوراة، ويكون بيان كل من الإنجيلين غلطاً من جَعليات أهل التثليث، ليثبت أن عيسى عليه السلام كان من أولاد داود، ولا يطعن اليهود في كونه مسيحاً موعوداً لأجل هذا، ولما لم تكن هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الأناجيل مشهورة إلى آخر القرن الثاني لم يطلع أحد المحرفين على التحرير الجعلي للآخر فوقعا في الاختلاف. والثالث: أنه لو كانت مريم بنت هالي لظهر الأمر للقدماء، ولو كان لهم علم بذلك لما وَجَّهوا بتوجيهات ركيكة يردّها المتأخرون ويشنعون عليها. والرابع: أن ألفاظ متى هكذا: (يعقوب اكينيسي تون يوسف) وألفاظ لوقا هكذا: (ديوس يوسف توهابي) فيعلم من كلتا العبارتين، أن كلاً من متى ولوقا يكتبان نسب يوسف. والخامس: لو فرضنا أن مريم كانت بنت هالي فلا يصح ما في لوقا إلا بعد أن يثبت أن اليهود كان زواجهم: أن الختن إذا لم يكن لزوجته أخ كان يدخل في سلسلة النسب، ويكتب فيها في موضع الابن، لكنه لم يثبت هذا الأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 إلى الآن بوجه يعتمد عليه، وهَوْسات بعض علماء البروتستنت واستنباطهم الضعيف القابل للرد لا يتم علينا ونحن لا ننكر انتساب شخص إلى آخر مطلقاً، بل يجوز عندنا أيضاً أنه إذا كان ذلك الآخر من أقاربه النسبية أو السببية أو أستاذه أو مرشده، ومشهوراً لأجل المنزلة الدنياوية أو الدينية ينسب هذا الشخص إليه فيقال مثلاً أنه ابن الأخ أو الأخت أو خَتن لفلان الأمير أو السلطان، أو تلميذ لفلان الفاضل أو مريد للشيخ الفلاني، لكن هذا الانتساب أمر والإدخال في سلسلة النسب بأنه ابن لأبي زوجته، وكون هذا زواج اليهود أمر آخر فنحن ننكر هذا الأمر الآخر، ونقول إنه لم يثبت أنه كان زواجهم كذلك. (فائدة) إنجيل متى هذا لم يكن مشهوراً معتبراً في عهد لوقا، وإلا فكيف يتصور أن يكتب لوقا نسب المسيح بحيث يخالف تحرير متى في بادئ الرأي مخالفة تحيَّر فيها المحققون من القدماء والمتأخرون سلفاً وخلفاً ولا يزيد حرفاً أو حرفين للتوضيح بحيث يرتفع الاختلاف. الاختلاف الثاني والخمسون والثالث والخمسون : مَنْ قابل الباب الثاني من إنجيل متى بالباب الثاني من إنجيل لوقا وجد اختلافاً عظيماً بحيث يجزم أنه لا يمكن أن يكون كل منهما إلهامياً، وأنا أكتفي بنقل اختلافين: [1] يعلم من كلام متى أن أبوي المسيح بعد ولادته أيضاً كانا يقيمان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 بيت لحم، ويفهم من بعض كلامه أن هذه الإقامة فيه كانت إلى مدة قريبة من سنتين، وجاء المجوس هناك ثم ذهبا إلى مصر، وأقاما مدة حياة هيرود في مصر، ورجعا بعد موته، وأقاما في ناصرة، ويعلم من كلام لوقا أن أبوي المسيح بعد ما تم مدة نفاس مريم ذهبا إلى أورشليم، وبعد تقديم الذبيحة رجعا إلى ناصرة، وأقاما فيها وكانا يذهبان منها إلى أورشليم في أيام العيد من كل سنة، وأقام المسيح فى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 السنة الثانية عشرة بلا إطلاع الأبوين ثلاثة أيام في أورشليم، وعلى كلامه لا سبيل لمجيء المجوس في بيت لحم، بل لو فرض مجيئهم يكون في ناصرة لأن مجيئهم في أثناء الطريق أيضاً بعيد، وكذا لا سبيل لذهاب أبويه إلى مصر وإقامتهما فيها لأنه صريح في أن يوسف لم يسافر قط من أرض اليهود لا إلى مصر ولا إلى غيرها. [2] يعلم من كلام متى أن أهل أورشليم وهيرود ما كانوا عالمين بولادة المسيح قبل أخبار المجوس، وكانوا معاندين له، ويعلم من كلام لوقا أن أبوي المسيح لما ذهبا إلى أورشليم بعد مدة النفاس لتقديم الذبيحة، فسمعان الذي كان رجلاً صالحاً ممتلئاً بروح القدس وكان قد أوحى إليه أنه لا يرى الموت قبل رؤية المسيح، أخذ عيسى عليه السلام على ذراعيه في الهيكل وبين أوصافه، وكذلك حَنَّة النبية وقفت تسبح الرب في تلك الساعة، وأخبرت جميع المنتظرين في أورشليم، فلو كان هيرود وأهل أورشليم معاندين للمسيح لما أخبر الرجل الممتلئ بروح القدس في الهيكل الذي كان مجمع الناس في كل حين، ولما أخبرت النبية بهذا الخبر في أورشليم التي كانت دار السلطنة لهيرود،. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 والفاضل (نورتن) حام للإنجيل لكنه ههنا سلم الاختلاف الحقيقي بين البيانين وحكم بأن بيان متى غلط وبيان لوقا صحيح. الأختلاف [54] يعلم من الباب الرابع من إنجيل مرقس أن المسيح أمر الجماعة بالذهاب وحدث التموج والهيجان في البحر بعد وعظ التمثيلات، ويعلم من الباب الثامن من إنجيل متى أن الحالين المذكورين بعد وعظ الجبل، وكتب وعظ التمثيلات في الباب الثالث عشر، فهذا الوعظ متأخر عن الحالين المذكورين تأخراً كثيراً، لأن بين الوعظين مدةً مديدة فأحدهما غلط لأن التقديم والتأخير في تاريخ الوقائع وتوقيت الحوادث من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الذين يدعون أنهم يكتبون بالإلهام أو يُدَّعى لهم ذلك بمنزلة المناقضة. الأختلاف [55] كتب مرقس في الباب الحادي عشر أن مباحثة اليهود والمسيح كانت في اليوم الثالث من وصوله إلى أورشليم، وكتب متى في الباب الحادي والعشرين أنها كانت في اليوم الثاني فأحدهما غلط، وقال هورن في بيان هذين الاختلافين اللذين مر ذكرهما في هذا الاختلاف والاختلاف السابق عليه في الصفحة 275 و 276 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822 من الميلاد (لا تخرج صورة مّا من التطبيق في هذه الأحوال) . الأختلاف [56] كتب متى في الباب الثامن أولاً شفاء الأبرص بعد وعظ الجبل، ثم شفاء عبد قائد المائة بعد ما دخل عيسى عليه السلام كفر ناحوم، ثم شفاء حماة بطرس، كتب لوقا في الباب الرابع أولاً شفاء حماة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 بطرس ثم في الباب الخامس شفاء الأبرص ثم في الباب السابع شفاء قائد المائة، فأحد البيانين غلط. الأختلاف [57] أرسل اليهود الكهنة واللاويين إلى يحيى ليسألوه: من أنت؟ قالوا: أأنت إيليا فقال: لست أنا بإيليا، كما هو مصرح في الباب الأول من إنجيل يوحنا، وفي الآية الرابعة عشرة: من الباب الحادي عشر من إنجيل متى قول عيسى في حق يحيى عليهما السلام هكذا: "وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي". وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى هكذا: 10 "سأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً" 11 "فأجاب يسوع وقال لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 إن إيلياء يأتي أولاً ويرد كل شيء" 13 "ولكني أقول لكم إن إيلياء قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم" 13 "حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان"، فعلم من العبارتين أن يحيى هو إيليا الموعود، يلزم التناقض في قول يحيى وعيسى عليهما السلام. (تنبيه) لو تدبر أحد في كتبهم لما أمكن له الإذعان بكون عيسى مسيحاً موعوداً صادقاً، ولنمهد لبيان الملازمة أربعة أمور: الأول: أن يواقيم بن يوشا لما أحرق الصحيفة التي كتبها باروخ من فم أرميا عليهم السلام، نزل الوحي إلى أرميا هكذا: "الرب يقول في ضد يواقيم ملك يهوذا أنه لا يكون منه جالس على كرسي داود" كما هو مصرح في الباب السادس والثلاثين من كتاب أرميا. والمسيح عندهم لا بد أن يكون جالساً على كرسي داود، ونقل لوقا أيضاً في الباب الأول من إنجيله قول جبريل لمريم عليهما السلام في حق عيسى عليه السلام "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الثاني: إن مجيء المسيح كان مشروعاً بمجيء إيليا قبله، وكان من إنكار اليهود عيسى عليه السلام أن إيليا 2 ما جاء، ومجيؤه أولاً ضروري وقد سلم عيسى عليه السلام أيضاً أن إيليا يجيء أولاً لكنه قال إنه قد جاء ولم يعرفوه، وإيليا أيضاً قد أنكر أني لست بإيليا. الثالث: أن ظهور المعجزات وخوارق العادات عندهم ليس دليل الإيمان فضلاً عن النبوة ثم فضلاً عن الألوهية. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى قول عيسى عليه السلام هكذا: "سيقوم مُسَحاء كذَبَة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلوا لو أمكن المتارين أيضاً"، وفي الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي قول بولس في حق الدجال: "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة"، الرابع: أن من يدعو إلى عبادة غير الله، فهو واجب القتل بحكم التوراة وإن كان ذا معجزات عظيمة، ومدَّعي الألوهية أَشنعُ من هذا، ويدعو إلى عبادة غير الله لأنه غير الله يقيناً كما ستعرف في الباب الرابع مفصَلاً ومدلَّلاً، ويدعو إلى عبادة نفسه فإذا عرفت هذه المقدمات الأربع فأقول: إن عيسى عليه السلام ولد يواقيم على حسب النسب المدرج في إنجيل متى، فلا يكون قابلاً لأن يجلس على كرسي داود بحكم المقدمة الأولى، ولم يجيء قبله إيليا لأن يحيى لما اعترف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 بأنه ليس بإيليا فالقول الذي يكون بخلافه لا يقبل، ولا يتصور أن يكون إيليا مرسلاً من الله ذا وحي وإلهام ولا يعرف نفسه، فلا يكون عيسى عليه السلام مسيحاً موعوداً بحكم المقدمة الثانية، وادعى الألوهية على زعم أهل التثليث، فيكون واجب القتل بحكم المقدمة الرابعة، والمعجزات التي نقلت في الأناجيل ليست بصحيحة عند المخالف أولاً، ولو سُلمت ليست دليلَ الإيمان فضلاً عن النبوة، فيكون اليهود مصيبين في قتله، والعياذُ بالله، وما الفرق بين هذا المسيح الذي يعتقده النصارى وبين مسيح اليهود، وكيف يُعلم أن الأول صادق والثاني كاذب، مع أن كلاً منهما يدعي الحقيقة لنفسه، وكلٌّ منهما ذو معجزات باهرة على اعترافهم فلا بد من العلامة الفارقة بحيث تكون حجة على المخالف، فالحمد لله الذي نجانا من هذه المهالك بواسطة نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى اعتقدنا أن عيسى ابن مريم عليهما السلام نبي صادق ومسيح موعود بريء عن دعوى الألوهية، وافترى أهل التثليث عليه في هذا الأمر. الاختلاف الثامن والخمسون إلى الاختلاف الثالث والستين : وقع في الباب الحادي عشر من إنجيل متى، والباب الأول من إنجيل مرقس، والباب السابع من إنجيل لوقا هكذا: "ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قُدَّامك"، ونقل الإنجيليون الثلاثة هذا القول على رأي مفسريهم من الآية الأولى من الباب الثالث من كتاب ملاخيا، وهي هكذا: "ها أنا ذا مرسل ملاكي، ويسهل الطريق أمام وجهي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فبين المنقول والمنقول عنه اختلاف بوجهين: الأول: أن لفظ (أمام وجهك) في هذه الجملة (ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي) زائد في الأناجيل الثلاثة ولا يوجد في كلام ملاخيا. والثاني: أن كلام ملاخيا في الجملة الثانية بضمير المتكلم، ونقل الثلاثة بضمير الخطاب، قال (هورن) في المجلد الثاني من تفسيره ناقلاً عن (داكتر ريدلف) : "لا يمكن أن يبين سبب المخالفة بسهولة غير أن النسخ القديمة وقع فيها تحريف ما"، فهذه ستة اختلافات بالنسبة إلى الأناجيل الثلاثة. الاختلاف الرابع والستون إلى الاختلاف السابع والستين : الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل متى مخالفة للآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا، وأربع آيات من الباب الثاني من كتاب أعمال الحواريين من الآية الخامسة والعشرين إلى الآية الثامنة والعشرين مخالفة لأربع آيات من الزبور الخامس عشر على وَفْق الترجمة العربية، ومن الزبور السادس عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 على وَفْق التراجم الأخر من الآية الثامنة إلى الآية الحادية عشرة، وثلاث آيات من الباب العاشر من الرسالة العبرانية من الخامسة إلى السابعة مخالفة لثلاث آيات من الزبور التاسع والثلاثين على وَفْق الترجمة العربية، ومن الزبور الأربعين على وفق التراجم الأخر، والآيتان من الباب الخامس عشر من كتاب أعمال الحواريين أعني السادسة عشرة والسابعة عشرة مخالفتان لآيتين من الباب التاسع من كتاب عاموص، أعني الحادية عشرة والثانية عشرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وقد سلم مفسروهم الاختلاف في هذه المواضع، واعترفوا بأن النسخة العبرانية محرفة، وهذه الاختلافات وإن كانت كثيرة لكني لما أجملت قلت إنها أربعة. الأختلاف [68] الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الأولى إلى أهل قونيثيوس هكذا: "بل كما هو مكتوب ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه"، وهي منقولة على تحقيق مفسريهم من الآية الرابعة من الباب الرابع والستين من كتاب أشعياء هكذا: "منذ الدهر لم يسمعوا ولم يقبلوا بآذانهم، العين لم تر اللهم بغيرك التي هيأت لمنتظريك" ففرق بينهما وسلم مفسروهم هذا الاختلاف ونسبوا التحريف إلى كتاب أشعياء. الأختلاف [69] كتب متى في الباب العشرين من إنجيله: أن عيسى لما خرج من أريحا وجد أْعمَييْن جالسين في الطريق وشفاهما عن العمى، وكتب مرقس في الباب العاشر من إنجيله أنه وجد أعمى واحداً اسمه باريتمارس فشفاه. الأختلاف [70] كتب متى في الباب الثامن أن عيسى لما جاء إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 العبر إلى كورة الجدريين استقبله مجنونان خارجان من القبور فشفاهما، وكتب مرقس في الباب الخامس ولوقا في الباب الثامن أنه استقبله مجنون واحد خارجاً من القبور فشفاه. الأختلاف [71] كتب متى في الباب الحادي والعشرين أن عيسى أرسل تلميذين إلى القرية، ليأتيا بالأتان والجحش وركب عليهما، وكتب الثلاثة الباقون ليأتيا بالجحش فأتيا به وركب عليه. الأختلاف [72] كتب مرقس في الباب الأول أن يحيى كان يأكل جراداً وعسلاً برياً، وكتب متى في الباب الحادي عشر أنه كان لا يأكل ولا يشرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الاختلاف الثالث والسبعون إلى الاختلاف الخامس والسبعين : مَنْ قابل الباب الأول من إنجيل يوحنا ثلاثة اختلافات في كيفية إسلام الحواريين: الأول: أن متى ومرقس يكتبان أن عيسى لقي بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا على بحر الجليل، فدعاهم إلى الإسلام فتبعوه، ويكتب يوحنا أنه لقي غير يعقوب عند عبر الأردن. والثاني: أن متى ومرقس يكتبان أنه لقي أولاً بطرس وأندراوس على بحر الجليل، ثم لقي بعد زمان قليل يعقوب ويوحنا على هذا البحر، وكتب يوحنا أن يوحنا وأندراوس لقياه أولاً في قرب عبر الأردن، ثم جاء بطرس بهداية أخيه أندراوس، ثم في الغد لما أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل لقي فيلبس ثم جاء نثنائيل بهداية فيلبس ولم يذكر يعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 والثالث: أن متى ومرقس يكتبان أنه لما لقيهم كانوا مشتغلين بإلقاء الشبكة وبإصلاحها، ويوحنا لم يذكر الشبكة بل ذكر أن يوحنا وأندراوس سمعا وصف عيسى من يحيى عليهما السلام وجاء إلى عيسى ثم جاء بطرس بهداية أخيه. الأختلاف [76] مَنْ قابل الباب التاسع من إنجيل متى بالباب الخامس من إنجيل مرقس في قصة ابنة الرئيس وجد اختلافاً قال الأول: إن الرئيس جاء إلى عيسى عليه السلام فقال: إن ابنتي ماتت، وقال الثاني: إنه جاء وقال ابنتي قاربت الموت، فذهب عيسى معه فلما كانوا في الطريق جاءت جماعة الرئيس فأخبروه بموتها، وسلم المحققون من المتأخرين الاختلاف المعنوي ههنا فبعضهم رجح الأول، وبعضهم الثاني، واستدل البعض بهذا أن متى ليس بكاتب للإنجيل، وإلا لما كتب مجملاً، ولوقا موافق لمرقس في بيان القصة غير أنه قال: جاء واحد من بيته فأخبره بموتها، واختلف العلماء المسيحية في موت الابنة المذكورة أكانت ميتة في الحقيقة أم لا، فالفاضل (نيندر) لا يعتقد بموتها بل يظن بالظن الغالب أنها كانت ميتة في الرؤية لا في الحقيقة، وقال (بالش وشلي ميشر والشاشن) إنها ما كانت ميتة بل كانت في حالة الغشي، ويؤيد قولهم ظاهر قول المسيح عليه السلام إن الصبية لم تمت لكنها نائمة، وعلى قولهم لا يكون ههنا معجزة إحياء الميت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الأختلاف [77] يعلم من الآية العاشرة من الباب العاشر من إنجيل متى والآية الثالثة من الباب التاسع من إنجيل لوقا أن عيسى عليه السلام لما أرسل الحواريين كان منعهم من أخذ العصا، ويعلم من الآية الثامنة من الباب السادس من إنجيل مرقس أنه كان أجازهم لأخذ العصا. الأختلاف [78] في الباب الثالث من إنجيل متى جاء عيسى إلى يحيى عليهما السلام للاصطباغ فمنعه يحيى قائلاً: إني محتاج أن أصطبغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 منك، وأنت تأتي إليّ ثم اصطبغ عيسى منه وصعد من الماء فنزل عليه الروح مثل حمامة، وفي الباب الأول من إنجيل يوحنا لم أكن أعرفه وعرفته بنزول الروح مثل حمامة، وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متى أنه لما سمع يحيى أعمال المسيح أرسل تلميذين إليه وقال له: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر، فعلم من الأول أن يحيى كان يعرف قبل نزول الروح، ومن الثاني ما عرف إلا بعد نزول الروح، ومن الثالث أنه لم يعرف بعد نزول الروح أيضاً، ووجه صاحب ميزان الحق في الصفحة 133 من كتابه حل الإشكال العبارتين الأوليتين بتوجيه رَدَّه صاحبُ الاستبشار بأكمل وجه، وهذا الرد وصل إليه، وكذا رددته في كتابي إزالة الشكوك، ولما كان التوجيه المذكور ضعيفاً ولا يرتفع منه الاختلاف بين عبارتي متّى تركته ههنا لأجل الطول. الأختلاف [79] في الآية 31 من الباب الخامس من إنجيل يوحنا قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 المسيح هكذا: (إن كنتُ أشهدُ لنفسي فشهادتي ليست حقاً) وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الثامن من إنجيله هكذا: (وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق) . الأختلاف [80] يعلم من الباب الخامس عشر من إنجيل متى أن الامرأة المستغيثة لأجل شفاء بنتها كانت كنعانية، ويعلم من الباب السابع من إنجيل مرقس أنها كانت يونانية باعتبار القوم، وفينقية ثورية باعتبار القبيلة. الأختلاف [81] كتب مرقس في الباب السابع أن عيسى أبرأ واحداً كان أصم وأبكم وبالغ متى في الباب الخامس عشر فجعل هذا الواحد جماً غفيراً، وقال: جاء إليه جموع كثيرة معهم عُرْج وعُمْي وخُرْس وشلل وآخرون كثيرون فشفاهم، وهذه المبالغة كما بالغ الإنجيل الرابع في آخر إنجيله هكذا: (وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كُتبتْ واحدة فلست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أظن أن العالم نفسه يسع المكتوبة) فانظروا إلى ظنه الصحيح، وظناً أنه تسع هذه الكتب زاوية البيت الصغير جداً لكنهم عند المسيحيين ذوو إلهام، فيقولون ما يشاؤون بالإلهام فمن يقدر أن يتكلم. الأختلاف [82] في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى أن عيسى قال مخاطباً للحواريين: إن واحداً منكم يسلمني، فحزنوا جداً وابتدأ كل واحد منهم يقول هل هو أنا يا رب، فقال الذي يغمس يده معي في الصفحة يسلمني، فأجاب يهوذا وقال هل أنا هو يا سيدي، فقال له أنت قلت، وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنا هكذا: قال عيسى عليه السلام: إن واحداً منكم يسلمني فكان التلاميذ ينظر بعضهم إلى بعض متحيرين فأشار بطرس إلى تلميذ كان عيسى عليه السلام يحبه أن يسأله، فسأل فأجاب هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه فغمس اللقمة وأعطاها يهوذا. الأختلاف [83] كتب متى في الباب السادس والعشرين في كيفية أسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 اليهود عيسى عليه السلام أن يهوذا كان قال لليهود أمسكوا من أقبِّله، فجاء معهم وتقدم إلى عيسى، وقال: السلام يا سيدي وقبله، فأمسكوا. وفي الباب الثامن عشر من إنجيل يوحنا هكذا: فأخذ يهوذا الجند من عند رؤساء الكهنة والفرنسيين فجاء فخرج يسوع وقال لهم من تطلبون؟، أجابوه يسوع الناصري قال لهم عيسى: أنا هو، وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم، فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض فسألهم مرة أخرى: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري أجاب عيسى، قد قلت لكم أني أنا هو فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون، فقبضوه وأمسكوه. الأختلاف [84] اختلف الإنجيليون الأربعة في بيان إنكار بطرس بثمانية أوجه: الأول: أن من ادعى على بطرس أنه من تلاميذ عيسى كان على رواية متى ومرقس جاريتين، والرجال القيام، وعلى رواية لوقا أمة ورجلين. الثاني: أن الجارية التي سألت أولاً وقت سؤالها كان بطرس في ساحة الدار على رواية متى، ووسط الدار على رواية لوقا، وأسفل الدار على رواية مرقس، وداخل الدار على رواية يوحنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الثالث: اختلافهم في نوع ما سئل به بطرس. الرابع: صياح الديك مرة كان بعد إنكار بطرس، ثلاث مرات على رواية متى ولوقا ويوحنا وكان مرة بعد إنكار الأول، ومرة أخرى بعد إنكار مرتين على رواية مرقس. الخامس: أن متى ولوقا رويا عن عيسى أنه قال: قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاثَ مرات، وروى مرقس أنه قال إنه قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات. السادس: جواب بطرس للجارية التي سألت عنه أولاً على رواية متى: ما أدري ما تقولين، وعلى رواية يوحنا: لا فقط، وعلى رواية مرقس: لست أدري ولا أعرف ما تقولين، وعلى رواية لوقا: امرأة ما أعرفه. السابع: جوابه للسؤال الثاني على رواية متى كان بعد الحلف والإنكار هكذا: ما أعرف هذا الرجل، وعلى رواية يوحنا كان قوله لست أنا، وعلى رواية مرقس الإنكار فقط، وعلى رواية لوقا يا رجل ما أنا هو. الثامن: أن الرجال القيام وقت السؤال كانوا خارج الدار على ما يفهم من مرقس وكانوا وسط الدار على ما يفهم من لوقا. الأختلاف [85] في الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: "ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل ووضعوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 عليه الصليب ليحمله خلف يسوع" وفي الباب التاسع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: "فأخذوا يسوع ومَضَوْا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة حيث صلبوه". الأختلاف [86] يفهم من الأناجيل الثلاثة الأول أن عيسى عليه السلام نحو الساعة السادسة كان على الصليب، ومن إنجيل يوحنا أنه كان في هذا الوقت في حضور بيلاطس النبطي. الأختلاف [87] كتب متى ومرقس أن اللصين الذين صُلبا معه كانا يعيرانه، وكتب لوقا أن أحدهما عَيَّره والآخر زجره، وقال لعيسى عليه السلام اذكرني يا رب جئت في ملكوتك، فقال له عيسى: إنك اليوم تكون معي في الفردوس، ومترجمو التراجم الهندية المطبوعة سنة 1839 وسنة 1840 وسنة 1844 وسنة 1846 حرفوا عبارة متى مرقس وبدلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 المثنى بالمفرد لرفع الاختلاف. هذه سجية لا يرجى تركها منهم. الأختلاف [88] يعلم من الباب العشرين والحادي والعشرين من إنجيل متى أن عيسى ارتحل من أريحا وجاء إلى أورشليم، ويعلم من الباب الحادي عشر والثاني عشر من إنجيل يوحنا أنه ارتحل من افرايم، وجاء إلى قرية بيت عينا وبات فيها ثم جاء إلى أورشليم. الأختلاف [89] يفهم من هذه الأناجيل أن عيسى عليه السلام أحيا إلى زمان عروج السماء ثلاثة أموات الأول: ابنة الرئيس كما نقل الإنجيليون الثلاثة الأولون، الثاني: الميت الذي نقله لوقا فقط من الباب السابع من إنجيله، والثالث: العازار كما نقل يوحنا فقط في الباب الحادي عشر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 إنجيله وفي الباب السادس والعشرين من كتاب الأعمال هكذا: "إن لم يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات" وفي الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا 30: "قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" 22 (سيحيي الجميع) 23 "ولكن كل واحد في رتبته، المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه" وفي الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من رسالة بولس إلى قولا سائس هكذا: "الذي هو البداية بكرٌ من الأموات، لكي يكون هو متقدماً في كل شيء". فهذه الأقوال تنفي قيام ميت من الأموات قبل المسيح، وإلا لا يكون أول القائمين وباكورتهم، ولا يكون متقدماً في هذا الباب فكيف يصدق أقواله هو أول قيامة الأموات 2 وصار باكورة الراقدين، والمسيح 3 باكورة 4 وبكر من الأموات، ويصدق أقواله ما وقع في الآية الخامسة من الباب الأول من المشاهدات هكذا: "ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين البكري من الأموات"، وما وقع في كتاب أيوب في الباب السابع من كتابه هكذا: 9 "كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 يضمحل السحاب ويذهب هكذا مَنْ يهبط إلى الهاوية لا يصعد"، 10 "ولا يرجع أيضاً إلى بيته ولا يعرفه أيضاً مكانه" ترجمة فارسية سنة 1845 (53) 9 (بربرا كنده نابومي شوديهن طوركسي كه يقبرمي رود برنمي آيد) 10 (بخانه اش ديكربر نخوا هد كرديد ومكانش ديكروير انخواهد شناخت) وفي الباب الرابع عشر من كتابه هكذا: 13 (والرجل إذا اضطجع لا يقوم حتى تبلى السماء لا يستيقظ من سباته ولا يستنبه) 14 (لعل إن مات الرجل يحيى) الخ. ترجمة فارسية سنة 1838، 12 (إنسان ميخوابد ونخواهد برخاست مادمكية اسمان محونشودبيدار نخواهذ شدواز خواب برنخواهد برخاست) 14 (ادمي هر كاه بميردا يازنده مي شود) الخ فعلم من هذه الأقوال أنه لم تصدر معجزة إحياء الميت عن المسيح قط، وقد عرفت خلاف العلماء المسيحية في إحياء ابنة الرئيس في الاختلاف السادس والسبعين، وعلم من أقوال أيوب أن قيام المسيح من الأموات أيضاً باطل، وقصة موته وصلبه في هذه الأناجيل المصنوعة من أكاذيب أهل التثليث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (تنبيه) ما قلت في إنكار معجزات الأحياء على سبيل الإلزام كما علمت في أول الكتاب. الأختلاف [90] يعلم من متى أن مريم المجدلية ومريم الأخرى لما وصلتا إلى القبر نزل ملاك الرب ودحرج الحجر عن القبر، وجلس عليه وقال: لا تخافا واذهبا سريعاً ويعلم من مرقس أنهما وسالومة لما وصلن إلى القبر رأين أن الحجر مدحرج، ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين. ويعلم من لوقا أنهن لما وصلن وجدن الحجر مدحرجاً فدخلن ولم يجدن جسد المسيح فصرن محتارات، فإذا رجلان واقفان بثياب براقة. الأختلاف [91] يعلم من متى أن الملك لما أخبر الامرأتين أنه قد قام من الأموات ورجعتا لاقاهما عيسى عليه السلام في الطريق وسلم عليهما، وقال اذهبا وقولا لأخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ويعلم من لوقا أنهن لما سمعن من الرجلين رجعن وأخبرن الأحد عشر وسائر التلاميذ بهذا كله، فلم يصدقوهن. كتب يوحنا أن عيسى لقي مريم عند القبر. الأختلاف [92] : في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا أن دم جميع الأنبياء منذ إنشاء العالم من دم هابيل إلى دم زكريا يطلب من اليهود، وفي الباب الثامن عشر من كتاب حزقيان أنه لا يؤخذ أحد بذنب أحد، وفي موضع من التوراة أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الأختلاف [93] في الباب الثاني من الرسالة الأولى إلى طيموثاوس هكذا: 3 "هذا حسن ومقبول لدى مخلصا الله" 4 "الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا: 11 "ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب" 12 "لكي يُدانَ جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سُرُّوا بالإثم" فيعلم من الأول أن الله يريد أن يخلص جميع الناس، ويصلون إلى معرفة الحق، ومن الثاني أن الله يرسل عليهم الضلال فيصدقون الكذب، ثم يعاقبهم عليه وعلماء البروتستنت على مثل هذا المضمون يقدحون في المذاهب الأخرى، فيقال لهؤلاء المعترضين أاغواءُ الله الناسَ أولاً بإرسال عمل الضلال ثم تعذيبهم عندكم قسم من أقسام النجاة والوصول إلى معرفة الحق؟. الأختلاف 94 و 95 و 96 : كتب حال إيمان بولس في الباب التاسع والباب الثاني والعشرين والباب السادس والعشرين من كتاب الأعمال، وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الأبواب الثلاثة اختلاف بوجوه شتى اكتفيت منها في هذا الكتاب على ثلاثة أوجه وأوردت في كتابي إزالة الشكوك عشرة منها: الأول: أنه وقع في الباب التاسع هكذا: "وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً" وفي الباب الثاني والعشرين هكذا: "والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا، ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني" ففي الأول: (يسمعون الصوت) وفي الثاني: (لم يسمعوا) والباب السادس والعشرون ساكت عن سماع الصوت وعدم سماعه. الثاني في الباب التاسع هكذا: "قال له الرب قم وادخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل" وفي الباب الثاني والعشرين هكذا: "قال لي الرب قم واذهب إلى دمَشق، وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل" وفي الباب السادس والعشرين هكذا: "قم وقف على رجليك لأني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به منقذاً إياك من الشعب، ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم لتفتح عيونَهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين" فيعلم من البابين الأولين أن بيان ماذا يفعل كان موعوداً بعد وصوله إلى المدينة، ويعلم من الثالث أنه لم يكن موعوداً بل بينه في موضع سماع الصوت الثالث يعلم من الأول أن الذين كانوا معه وقفوا صامتين، ويُعلم من الثالث أنهم كانوا سقطوا على الأرض والثاني ساكت عن القيام والسقوط. الأختلاف [97] الآية الثامنة من الباب العاشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا: "ولا تزن كما زَنَى أناس منهم فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفاً". وفي الآية التاسعة من الباب الخامس والعشرين من سِفْر العدد هكذا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 "وكان من مات أَربعة وعشرين ألفاً من البشر" ففيهما اختلاف بمقدار ألف فأحدهما غلط. الأختلاف [98] الآية الرابعة عشرة من الباب السابع من كتاب الأعمال هكذا: "فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفساً" وهذه العبارة دالة على أن يوسف وابنيه الذين كانوا في مصر قبل الاستدعاء ليسوا بداخلين في عدد خمسة وسبعين، بل مقدار هذا العدد سوى يوسف وابنيه من عشيرة يعقوب، وفي الآية السابعة والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا: "فجميع نفوس آل يعقوب التي دخلت مصر كانت سبعين نفساً" ويوسف وابناه داخلون في سبعين في تفسير (دوالي ورجرد مينت) في شرح عبارة التكوين هكذا: "أولاد ليا اثنان وثلاثون شخصاً، أولاد زلفا ستة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 عشر شخصاً، أولاد راحيل أحد عشر شخصاً، أولاد بلها سبعة أشخاص، فهؤلاء ستة وستون شخصاً فإذا ضم معهم يعقوب ويوسف وابناه صاروا سبعين" فعلم أن عبارة الإنجيل غلط. الأختلاف [99] في الآية التاسعة من الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: "طوبى لصانعي السلام لأنهم يُدْعَوْن أبناء الله" وفي الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: "ولا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً" فبين الكلامين اختلاف، ويلزم أن لا يكون عيسى عليه السلام من الذين قيل في حقّهم طوبى ولا يُدْعى ابن الله. الأختلاف [100] نقل متى قصة موت يهودا الأسخريوطي في الباب السابع والعشرين من إنجيله، ونقل لوقا هذه القصة من قول بطرس في الباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الأول من كتاب أعمال الحواريين، والبيانان مختلفان بوجهين: أما أولاً: فلأن الأول مصرح بأن يهودا خنق نفسه ومات والثاني مصرح (بأنه خر على وجهه وانشق بطنه فانكبت أحشاؤه كلها ومات) ، وأما ثانياً: فلأنه يعلم من الأول أن رؤساء الكهنة اشتروا الحقل بالثلاثين من الفضة التي ردها يهودا، ويعلم من الثاني أن يهودا كان اشترى لنفسه الحقل بها لكنه وقع في قول بطرس (وهذا معلوم لجميع سكان أورشليم) فالظاهر أن الصحيح قوله وما كتب متى غلط، ويدل على كونه غلطاً وجوه خمسة أخرى أيضاً [1] صرح فيها أنه حكم على عيسى وأنه قد دِين، وهذا غلط أيضاً لأنه ما كان حكم عليه إلى هذا الحين، بل كان رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب دفعوه إلى بيلاطس النبطي. [2] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 صرح فيها أن يهودا رد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ في الهيكل، وهو غلط أيضاً لأن الكهنة والشيوخ كانوا في هذا الوقت عند بيلاطس وكانوا يشتكون إليه في أمر عيسى عليه السلام، وما كانوا في الهيكل. [3] سياق العبارة دال على أنها أجنبية محضة بين الآية الثانية والآية الحادية عشرة. [4] موت يهودا في صباح الليل الذي أسر فيه عيسى عليه السلام وبعيد جداً أنه يندم على فعله في هذه المدة القليلة، ويخنق نفسه لأنه كان عالماً قبل التسليم أن اليهود يقتلونه. [5] وقع فيها في الآية التاسعة الغلط الصريح كما ستعرف مفصلاً في الباب الثاني. الأختلاف [101] يعلم من الآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة الأولى ليوحنا أن كفارة خطايا كل العالم المسيحُ الذي هو معصوم من الذنوب، ومن الآية الثامنة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر الأمثال: أن الأشرار يكونون كفارة لخطايا الأبرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الأختلاف [102] يعلم من الآية الثامنة عشرة من الباب السابع من الرسالة العبرانية والآية السابعة من الباب الثامن من الرسالة المذكورة أن الشريعة الموسوية ضعيفة معيبة غير نافعة، ومن الآية السابعة من الزبور الثامن عشر أنها بلا عيب وصادقة. الأختلاف [103] يعلم من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس أن النساء أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس، ومن الباب العشرين من إنجيل يوحنا أن الظلام كان باقياً وكانت الامرأة واحدة. الأختلاف [104] العنوان الذي كتبه بيلاطس ووضعه على الصليب في الأناجيل الأربعة مختلف في الأول (هذا هو يسوع ملك اليهود) وفي الثاني (ملك اليهود) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وفي الثالث (هذا هو ملك اليهود) وفي الرابع (يسوع الناصري ملك اليهود) والعجب أن هذا الأمر القليل ما بقي محفوظاً لهؤلاء الإنجيليين، فكيف يعتمد على حفظهم في الأخبار الطويلة؟ ولو رآه أحد من طلبة المدرسة مرة واحدة لما نسيه. الأختلاف [105] يعلم من الباب السادس من إنجيل مرقس أن هيرودس كان يعتقد في حق يحيى الصلاح، وكان راضياً عنه ويسمع وعظه وما ظلم عليه إلا لأجل رضا (هيروديا) ويعلم من الباب الثالث من إنجيل لوقا أنه ما ظلم على يحيى لأجل رضا (هيروديا) بل لأجل رضا نفسه أيضاً، لأنه ما كان راضياً عن يحيى لأجل الشرور التي كان يفعلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الأختلاف [106] إن متى ومرقس ولوقا اتفقوا في أسماء أحد عشر من الحواريين أعني بطرس واندراوس ويعقوب بن زيدي ويوحنا وفيلبس وبرتول ماوس وتوما ومتى ويعقوب بن حلفي وسمعان ويهودا الأسخريوطي، واختلفوا في اسم الثاني عشر، قال متى: لباوس الملقب بتداوس، وقال مرقس: تداوس، وقال لوقا: يهوذا أخا يعقوب. الأختلاف [107] نقل الإنجيليون الثلاثة الأولون حال الرجل الذي كان جالساً مكان الجباية فدعاه عيسى عليه السلام إلى اتباعه فأجاب وتبعه، لكنهم اختلفوا فقال الأول في الباب التاسع: إن اسمه متى، وقال الثاني في الباب الثاني: إن اسمه لاوى بن حلفي، وقال الثالث في الباب الخامس: إن اسمه لاوى، ولم يذكر اسم أبيه، واتفقوا في الأبواب اللاحقة للأبواب المذكورة التي كتبوا فيها أسماء الحواريين في اسم متى، وكتبوا اسم ابن حلفي يعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الأختلاف [108] نقل متى في الباب السادس عشر من إنجيله قول عيسى عليه السلام في حق بطرس أعظم الحواريين هكذا: "وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة بنى كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات" ثم نقل في الباب المذكور قول عيسى عليه السلام، في حقه هكذا: "اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" ونقل علماء البروتستنت في رسائلهم أقوال القدماء المسيحيين في ذم بطرس، فمنها أن يوحنا فم الذهب صرح في تفسيره على متى، أن بطرس كان به داء التحبر والمخالفة شديداً وكان ضعيف العقل، ومنها أن (اكستاين) يقول: إنه "كان غير ثابت لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً" فأقول: من كان متصفاً بهذه الصفات أيكون مالكاً لمفاتيح السماوات أو يكون الشيطان بحيث لن تقوى عليه أبواب النيران؟؟. الأختلاف [109] نقل لوقا في الباب التاسع من إنجيله قول عيسى عليه السلام في خطاب يعقوب ويوحنا وقد استأذناه في أن يأمُرَا فتنزل نار من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 السماء فتفني أهل قرية في السامرة: "لستما تعلمان من أي روح أنتما لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" ثم نقل في الباب الثاني عشر من إنجيله: "جئت لألقي ناراً على الأرض وماذا أريد لو اضَّطرمت". الأختلاف [110] نقل متى ومرقس ولوقا الصوت الذي سمع من السماوات وقت نزول روح القدس على عيسى عليه السلام واختلفوا فيه فقال الأول: (هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت) ، وقال الثاني: (أنت ابني الحبيب الذي به سررت) وقال الثالث: (أنت ابني الحبيب بك سررت) . الأختلاف [111] نقل متى في الباب العشرين أن أم ابني زيدي طلبت أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك، ونقل مرقس في الباب العاشر أن ابني زيدي طلب هذا الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الأختلاف [112] نقل متى في الباب الحادي والعشرين أن عيسى نظر شجرة على الطريق فجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط فقال لها: لا تخرج منك ثمرة إلى الأبد، فيبست تلك الشجرة للوقت، فنظر التلاميذ وتعجبوا وقالوا كيف يبست التينة للوقت؟ فأجابهم يسوع، وفي الباب الحادي عشر من إنجيل مرقس هكذا: "ونظر إلى تينة من بعد عليها ورق وجاء لعله يجد فيها شيئاً فلما جاء إليها لم يجد إلا ورقاً لأنه لم يكن وقت التين، فقال لها لا يأكل منك أحد ثمراً بعدُ إلى الأبد، وكان تلاميذه يسمعون، وجاء إلى أورشليم ولما صار المساء خرج إلى خارج المدينة وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول فتذكر بطرس، وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست فأجاب يسوع" الخ ففي العبارتين اختلاف وما عدا الاختلاف فيه شيء أيضاً، وهو أن عيسى عليه السلام لم يكن له حق في أن يأكل من شجرة التين من غير إذن مالكها، ولم يكن من المعقول أن يدعو عليها، فيوجب الضرر على مالكها، وأن يغضب عليها لعدم الثمرة في غير أوانها، بل كان اللائق لشأن الإعجاز أن يدعوَ لها فتخرج الثمرة فيأكل منها بإذن المالك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ويحصل له النفع أيضاً، وعلم من هذا أنه ما كان إلهاً، وإلا لعلم أن الثمرة ليست فيها، وأن هذا الحين ليس حين الثمرة وما غضب عليها. الأختلاف [113] في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى بعد بيان مَثَلِ غارسِ الكَرم هكذا: "فمتى جاء صاحب الْكَرْم ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟، قالوا أولئك الأردياء يهلكهم إهلاكاً رديئاً ويُسَلِّم الْكَرْمَ إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها" وفي الباب العشرين من إنجيل لوقا بعد بيان المثل هكذا: "فماذا يفعل بهم صاحب الكرم يأتي ويهلك هؤلاء الكرامين ويعطي الكرم للآخرين فلما سمعوا قالوا حاشا" ففي العبارتين اختلاف لأن الأولى مصرِّحة أنهم قالوا إنه يهلكهم شر إهلاك، والثانية مصرحة أنهم أنكروا ذلك. الأختلاف [114] من طالع قصة امرأة أفرغت قارورة طيب على عيسى عليه السلام في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى، والباب الرابع عشر من إنجيل مرقس، والباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا، وجد فيها اختلافاً من ستة أوجه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الأول: أن مرقس صرح بأن هذا الأمر كان قبل الفصح بيومين ويوحنا صرح بأنه كان قبل الفصح بستة أيام، ومتى سكت عن بيان القَبْلية. الثاني: أن مرقس ومتى جعلا هذه الواقعة في بيت سمعان الأبرص، ويوحنا جعلها في بيت مريم، الثالث: أن متى ومرقس جعلا إفاضة الطيب على الرأس، ويوحنا جعل على القدمين. والرابع: أن مرقس يفيد أن المعترضين كانوا أناساً من الحاضرين ومتى يفيد أنهم كانوا التلاميذ، ويوحنا يفيد أن المعترض كان يهودا. الخامس: أن يوحنا بين ثمن الطيب ثلثمائة دينار، ومرقس بالغ فقال أكثر من ثلثمائة دينار، ومتى أبهم الثمن وقال بثمن كثير. السادس: أنهم اختلفوا في نقل قول عيسى عليه السلام، والحمل على تعدد القصة بعيد، إذ يبعد كل البعد أن تكون مفيضة الطيب امرأة في كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مرة، وأن يكون الوقت وقت الطعام، وأن يكون الطعام طعام الضيافة، وأن يعترض المعترضون سيما التلاميذ في المرة الثانية، مع أنهم كانوا سمعوا تصويب عيسى عليه السلام فعلها قبل هذه الحادثة عن قريب في المرة الأولى، وأن يكون ثمن الطيب في كل مرة ثلثمائة دينار أو أكثر على أنه يكون تصويب عيسى عليه السلام لإسرافها مرتين في إضاعة أكثر من ستمائة دينار عين السرف، فالحق أن الحادثة واحدة والاختلاف على عادة الإنجيليين. الأختلاف [115] من قابل الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا بالباب السادس والعشرين من إنجيل متى، والباب الرابع عشر من إنجيل مرقس في بيان حال العشاء الرباني وجد اختلافين: الأول: أن لوقا قد ذكر كأسين واحدة على العشاء وأخرى بعده، ومتى ومرقس ذكرا واحدة، لعل الصحيح ما ذكرا لا أنهما اثنان وما ذكره لوقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 غلط، وإلا فيشكل على (كاثلك) خصوصاً إشكالاً عظيماً لأنهم يعترفون أن كلاً من الخبز والخمر يتحول إلى المسيح الكامل بناسوته ولاهوته، فلو صح ما ذكره لوقا لزم تحول كل من القدحين إلى المسيح الكامل فيلزم وجود ثلاثة مسحاء كملاء من الخبز والخمر على وفق عدد التثليث ويصيرون أربعة بالمسيح الموجود قبلهم، ويلزم على الجمهور عموماً أنهم لِمَ تركوا هذا الرسم واكتفوا على الواحدة؟، والثاني: أن رواية لوقا تفيد أن جسد عيسى مبذول عن التلاميذ، ورواية مرقس تفيد أن دمه يراق عن كثيرين، ومقتضى رواية متى أن جسد عيسى غير مبذول عن أحد ولا دمه يراق عن أحد، بل الذي يراق هو العهد الجديد وإن كان العهد لا يريق ولا يراق. والعجب أن يوحنا لم يذكر هذا الأمر الذي هو عندهم من أعظم أركان الدين وذكر قصة إفاضة الطيب وركوب الحمار وأمور أخرى ذكرها الإنجيليون الثلاثة أيضاً. الأختلاف [116] في الآية الرابعة عشرة من الباب السابع من إنجيل متى هكذا: "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة"، وفي الباب الحادي عشر من هذا الإنجيل هكذا:" احملوا نيري عليكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وتعلموا مني لأن نيري هين وحملي خفيف" فيحصل من ضم المقولتين أن اقتداء عيسى عليه السلام ليس طريقاً يؤدي إلى الحياة. الأختلاف [117] في الباب الرابع من إنجيل متى: ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل، ثم أخذه أيضاً إلى جبل عال جداً وانصرف عيسى إلى الجليل، وترك الناصرة، وأتى فسكن في كفر ناعوم التي عند البحر، وفي الباب الرابع من إنجيل لوقا: ثم أصعده إبليس إلى جبل عال ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامه على جناح الهيكل ورجع يسوع إلى الجليل، وكان يعلم في مجامعهم وجاء إلى الناصرة حيث تربى. الأختلاف [118] يعلم من الباب الثامن من إنجيل متى أن قائد المائة جاء إلى عيسى بنفسه وسأله لشفاء غلامه قائلاً: يا سيدي لست بمستحق ان تدخل تحت سقف بيتي، لكن كلمة فقط فيبرأ غلامي، فمدحه عيسى عليه السلام، وقال له اذهب وليكن لك كما آمنت، فبرئ غلامه في تلك الساعة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ويعلم من الباب السابع من إنجيل لوقا أنه ما أتى بنفسه قط بل أرسل إليه شيوخ اليهود فمضى يسوع معهم، ولما قرب من البيت أرسل إليه قائد المائة أصدقاءه يقول له: يا سيدي لا تتعب لأني لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي، ولذلك لم أحسب نفسي أهلاً أن آتي إليك لكن قل كلمة فيبرأ، فمدحه يسوع ورجع المرسلون إلى البيت فوجدوا العبد المريض قد صح. الأختلاف [119] كتب متى في الباب الثامن سؤال الكاتب بأني أتبعك، واستئذان رجل آخر لدفن أبيه، ثم ذكر حالات وقصصاً كثيرة، ثم ذكر قصة التجلي في الباب السابع عشر من إنجيله، وذكر لوقا السؤال والاستئذان في الباب التاسع من إنجيله بعد قصة التجلي، فأحد البيانين غلط لما عرفت في بيان الاختلاف الرابع والخمسين. الأختلاف [120] كتب متى في الباب التاسع قصة المجنون الأخرس، ثم في الباب العاشر قصة إعطاء المسيح الحواريين قُدْرة إخراج الشياطين وشفاء المرضى وإرسالهم، ثم ذكر قصصاً كثيرة في الأبواب ثم ذكر قصة التجلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 في الباب السابع عشر، وكتب لوقا أولاً في الباب التاسع قصة إعطاء القدرة ثم قصة التجلي ثم في هذا الباب والباب العاشر وأول الباب الحادي عشر قصصاً أخرى، ثم ذكر قصة المجنون الأخرس. الأختلاف [121] كتب مرقس في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس عشر أنهم صلبوه في الساعة الثالثة، وصرح يوحنا في الآية الرابعة عشرة من الباب التاسع عشر من إنجيله أنه كان إلى الساعة السادسة عند بيلاطس. الأختلاف [122] كتب متى في الباب السابع والعشرين: "ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي إيلي لما شبقتني. أي إلهي إلهي لماذا تركتني". وفي الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس: "الوى الوى لما شبقتني. الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وفي الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا: "ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي". الاختلاف [123] : يفهم من كلام متى ومرقس أن الذين استهزؤوا بعيسى عليه السلام وألبسوه اللباس كانوا جند بيلاطس لا هيرودس ويعلم من كلام لوقا خلافه. الاختلاف [124] : يعلم من كلام مرقس أنهم أعطوا عيسى خمراً ممزوجاً بمر فلم يذقه، ويعلم من كلام الثلاثة أنهم أعطوا خلاً ويعلم من متى ويوحنا أنه سقى هذا الخل. الاختلاف [125] : في الباب الثالث والعشرين من سفر التكوين أنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 سارة لما ماتت اشترى إبراهيم الحقل والمغارة المضاعفة التي كانت به من عفرون بن صاحر بأربعمائة مثقال فضّة. وفي الباب التاسع والأربعين من السفر المذكور في وصية يعقوب عليه السلام لبنيه هكذا: "فاقبروني مع أبي في المغارة المضاعفة التي في مزرعة عفرون الحيثّي قدّام ممرا في أرض كنعان التي اشتراها إبراهيم لها وللحقل من عفرون الحيثي لميراث القبر". ثم في الباب الخمسين من السفر المذكور: "وقبروه " أي يعقوب "في المغارة المضاعفة التي في المزرعة التي اشترى إبراهيم لميراث المقبرة من عفرون الحيثّي التي قدّام ممرا". فعُلم أن إبراهيم اشترى تلك الأرض من عفرون بن صاحر الذي كان من بني حيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وفي الباب السابع من كتب الأعمال في النسخة العربية المطبوعة سنة 671 م وسنة 844 م هكذا: "فهبط يعقوب إلى مصر وتوفي هو وآباؤنا ونُقلاِ إلى شخيم ووضعوا في المقبرة التي كان إبراهيم ابتاعها بثمن فضة من بني حمّور بن شخيم". فبيْن التوراة والإنجيل خلاف، والظاهر أنّ الإنجيل غلط؟ لأنّ شخيم كان في عهد يعقوب عليه السلام، وهو الذي زق بدينا ابنة ليّا كما هو مصرّح في الباب الرابع والثلاثين من سفر التكوين، وعلى هذا في الإنجيل غلط آخر أيضاً؟ لأنّ شخيم هو ابن لحمور لا العكس كما غلط الإنجيلي، ولذلك حُرّفت الجملة المذكورة في النسخة العربية التي طُبعت بغاية الجدّ والاجتهاد في بيروت سنة ألف وثمانمائة وستين من الميلاد ووقعت هكذا: "ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم" فحرّف الطابعون لإزالة الغلط الآخر فجعلوا الابن أباً وبالعكس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 القسم الثاني في بيان الأغلاط: وهي غير الأغلاط التي مر ذكرها في القسم الأول. الغلط [1] وقع في الآية الأربعين من الباب الثاني عشر من سفر الخروج أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت أربعمائة وثلاثين سنة، وهذا غلط، لأن هذه المدة مائتان وخمس عشرة سنة، وقد أقر مفسروهم ومؤرخوهم أيضاً أنه غلط كما ستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني. الغلط [2] وقع في الباب الأول من سفر العدد أن عدد الرجال الذين بلغوا عشرين سنة من غير اللاويين من بني إسرائيل كانوا أزيد من ستمائة، وأن اللاويين مطلقاً ذكوراً كانوا أو إناثاً وكذلك إناث جميع الأسباط الباقية، وكذا ذكورهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة خارجون عن هذا العدد، وهذا غلط كما عرفت في الأمر العاشر من حال التوراة في الفصل الثاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 الغلط [3] الآية الثانية من الباب الثالث والعشرين من كتاب الاستثناء غلط. الغلط [4] وقع في الآية الخامسة عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين لفظ ثلاثة وثلاثين نفساً وهو غلط والصحيح أربعة وثلاثون نفساً، وقد عرفت الثالث والرابع أيضاً في الأمر العاشر المذكور. الغلط [5] وقع في الآية التاسعة عشرة من الباب السادس من سفر صموئيل الأول لفظ خمسين ألف رجل، وهو غلط محض، وستعرف في المقصد الثاني من الباب الثاني. الغلط [6] و [7] في الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الثاني وقع في الآية السابعة لفظ الأربعين وفي الآية الثامنة لفظ أرام، وكلاهما غلط والصحيح لفظ الأربع بدل الأربعين ولفظ أدوم بدل أرام، كما ستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني وحرف مترجمو العربية فكتبوا لفظ الأربع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 الغلط [8] في الآية الرابعة من الباب الثالث من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "والرواق الذي أمام البيت طوله كقدر عرض البيت عشرون ذراعاً وارتفاعه مائة وعشرون ذراعاً" فقوله مائة وعشرون ذراعاً غلط محض، لأن ارتفاع البيت كان ثلاثين ذراعاً كما هو مصرح في الآية الثانية من الباب السادس من سفر الملوك الأول، فكيف يكون ارتفاع الرواق مائة وعشرين ذراعاً، واعترف آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره بأنه غلط وحرف مترجمو السريانية والعربية فأسقطوا لفظ المائة وقالوا: (ارتفاعه عشرون ذراعاً) . الغلط [9] وقع في الآية الرابعة عشرة من الباب الثامن عشر من كتاب يوشع في بيان حد بنيامين هكذا: (وينحدر ويدور من قبال البحر) الخ فقوله من قبال البحر غلط، لأنه ما كان في حدهم ساحل البحر ولا قربه، واعترف المفسر (57) (دوالي ورجردمينت) بكونه غلطاً وقالا: (اللفظ العبري الذي ترجموه بالبحر معناه المغرب) وهذا المعنى ما رأيناه في ترجمة من التراجم فلعله من اختراعهما لأجل الإصلاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الغلط [10] وقع في الآية الرابعة والثلاثين من الباب التاسع عشر من كتاب يوشع في بيان حد نفتالي هكذا: (وإلى حد يهودا عند الأردن في مشارق الشمس) وهذا غلط أيضاً لأن حد يهودا كان بعيداً في جانب الجنوب، واعترف (آدم كلارك) بكونه غلطاً كما ستعرف في الباب الثاني. الغلط [11] قال المفسر (هارسلي) إن الآية السابعة والثامنة من الباب الثالث عشر من كتاب يوشع غلطان. الغلط [12] الآية السابعة من الباب السابع عشر من كتاب القضاة هكذا: "وكان فتى آخر من بيت لحم يهوذا من قبيلته، وهو كان لاوياً وكان ساكناً هناك"، فقوله: (وهو كان لاوياً) غلط، لأن الذي يكون من قبيلة يهوذا كيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 يكون لاوياً؟ فأقر مفسر (هارسلي) بأنه غلط وأخرجه (هيوبي كينت) عن متنه. الغلط [13] في الباب الثالث عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا 3: "وشد ابيا الحرب بجيش من أقوياء جبابرة الحرب أربعمائة ألف رجل مختار. ويوربعام أقام المصف ضده بثمانمائة ألف رجل مختار جبار" 17 (وقتل فيهم أبياهو) وقومه (مقتلة كبيرة وقتل من إسرائيل خمسمائة ألف رجل جبار) فالأعداد الواقعة في الآيتين غلط. وأقر مفسروهم بذلك، وأصلح مترجم اللاطينية فبدّل لفظ أربعمائة ألف بأربعين ألفاً، ولفظ ثمانمائة ألف بثمانين ألفاً، وخمسمائة ألفٍ بخمسين ألفاً كما ستعرف في الباب الثاني. الغلط [14] في الآية التاسعة عشرة من الباب الثامن والعشرين في السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: "قد أذل الربُّ يهوذا بسبب أحاز ملك إسرائيل"، ولفظ إسرائيل غلط يقيناً لأنه كان ملك يهوذا لا ملك إسرائيل، ولذلك بدّل مترجمو الترجمة اليونانية واللاطينية لفظ إسرائيل بيهوذا لكنه إصلاح وتحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 الغلط [15] في الآية العاشرة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا: (وملك صديقاً أخاه على يهوذا) ولفظ أخاه غلط، والصحيح عمّه ولذلك بدل مترجمو اليونانية والعربية لفظ الأخ بالعم لكن هذا تحريف وإصلاح. قال وارد كاثلك في كتابه: "لما كان هذا غلطاً بدل في الترجمة اليونانية والتراجم الأخر بالعم". الغلط [16] وقع في الآية 16 و 19 من الباب العاشر من سفر صموئيل الثاني في ثلاثة مواضع في الآية 3 و 5 و 7 و 8 و 9 و 10 من الباب الثامن عشر من السفر الأول من أخبار الأيام في سبعة مواضع لفظ (هدر عزر) والصحيح لفظ هدد عزر بالدال. الغلط [17] وقع في الآية الثامنة عشرة من الباب السابع من كتاب يوشع لفظ (عكن) بالنون والصحيح عكرا بالراء المهملة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 الغلط [18] وقع في الآية الخامسة من الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا بيت شوع بنت عمي إيل والصحيح بت شباع بنت اليعام. الغلط [19] في الآية الحادية والعشرين من الباب الرابع عشر من سفر الملوك الثاني لفظ (عزريا) والصحيح لفظ عزيا بدون الراء. الغلط [20] في الآية السابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام لفظ: (يهوحاز) والصحيح أحزيا، وهورن في المجلد الأول من تفسيره أقر أولاً بأن الأسماء المذكورة في الغلط السادس عشر إلى الغلط العشرين غلط، ثم قال: "وكذا وقع الغلط في الأسماء في مواضع أخر أيضاً فمن أراد زيادة الاطلاع فلينظر كتاب (داكتر كني كات) من الصفحة 23 إلى الصفحة 63"، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 والحق أن الأسماء القليلة تكون صحيحة في هذه الكتب وغالبها غلط. الغلط [21] وقع في الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام: "أن بختنصر ملك بابل أسر يواقيم بسلاسل وسباه إلى بابل" وهو غلط، والصحيح أنه قتله في أورشليم وأمر أن تلقى جثته خارج السور، ومنع عن الدفن، كتب (يوسيفس) المؤرخ في الباب السادس من الكتاب العاشر من تاريخه: "جاء سلطان بابل مع العسكر القوي وتسلط على البلدة بدون المحاربة فدخلها وقتل يواقيم، وألقى جثته خارج سور البلد، وأجلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 يواخين ابنه على سرير السلطنة وأسر ثلاثة آلاف رجل، وكان حزقيال الرسول في هؤلاء الأسارى". الغلط [22] في الآية الثامنة من الباب السابع من كتاب أشعيا هكذا ترجمة عربية سنة 1671 وسنة 1831: "وبعد خمسة وستين تفنى أرام أن يكون شعبا" ترجمة فارسية سنة 1838 (بعد شصت وبنج سأل فرائم شكته خواهدشد) وهذا غلط يقيناً لأن سلطان أسور تسلط على افرائم في السنة السادسة من جلوس حزقيا كما هو مصرح في الباب السابع عشر والثامن عشر من سفر الملوك الثاني، ففنيت أرام في مدة إحدى وعشرين سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وقال (وت رنكا) وهو من علماء المسيحية: "وقع الغلط في النقل ههنا، وكان الأصل ست عشرة وخمس وقسم المدة هكذا من سلطنة أخذ ست عشرة سنة ومن سلطنة حزقيا خمس سنين"، وقوله وإن كان تحكماً صرفاً لكنه معترف بأن العبارة الموجودة الآن في كتب أشعيا غلط وحرف مترجم الترجمة الهندية المطبوعة سنة 1843 في الآية الثامنة المذكورة هداهم الله لا يتركون عادتهم القديمة. الغلط [23] الآية السابعة عشرة من سفر التكوين هكذا: "فأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها فإنك تموت موتاً في أي يوم تأكل منها" وهذا غلط لأن آدم عليه السلام أكل منها وما مات في يوم الأكل، بل حيي بعده أزيد من تسعمائة سنة. الغلط [24] الآية الثالثة من الباب السادس من سفر التكوين هكذا: "فقال الله لن تكن (60) روحي في الإنسان إلى الأبد لأنه لحم، وتكون أيامه مائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وعشرين سنة" فقوله وتكون أيامه مائة وعشرين سنة غلط، لأن أعمار الذين كانوا سالف الزمان طويلة جداً، عاش نوح عليه السلام إلى تسعمائة وخمسين سنة وسام ستمائة سنة وعاش أرفخشذ ثلثمائة وثمانية (61) وثلاثين سنة، وهكذا، وفي هذا الزمان البلوغ إلى سبعين أو ثمانين أيضاً قليل. الغلط [25] الآية الثامنة من الباب السابع عشر من سفر التكوين هكذا: "وسأعطي لك ولنسلك أرضَ غربتك: جميع أرض كنعان ملكاً إلى الدهر وأكون لهم إلهاً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وهذا غلط أيضاً لأن جميع أرض كنعان لم تعط لإبراهيم قط، وكذا لم يعط لنسله ملكاً إلى الدهر، بل الانقلابات التي وقعت في هذه الأرض لم يقع مثلها في الأراضي الأخر، ومضت مدة مديدة جداً على أن زالت الحكومة الإسرائيلية عنها رأساً. الغلط [26] و [27] و [28] في الباب الخامس والعشرين من كتاب أرميا هكذا: "القول الذي كان لأرميا عن جميع شعب يهوذا في السنة الرابعة ليواقيم بن يوسيا ملك يهوذا، وهي السنة الأولى لبختنصر ملك بابل، 11 ويكون كل هذه الأرض قفراً وتحيراً وتعبد جميع هذه الأمم لملك بابل سبعين سنة، 12 وإذا تمت سبعون سنة افتقد على ملك بابل وعلى تلك الأمة يقول الرب بإثمهم وعلى أرض الكلدانيين وأجعلها قفراً أبدياً" وفي الباب التاسع والعشرين من الكتاب المذكور هكذا: "وهذه هي أقوال الكتاب الذي أرسل به أرميا النبي من أورشليم إلى بقايا مشيخة الجلاء وإلى الكهنة وإلى الأنبياء وإلى كل الشعب الذي سباه بختنصر من أورشليم إلى بابل" 2 "من بعد خروج يوخانيا الملك والسيدة والخصيين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 ورؤساء يهوذا وأورشليم والصناع والحاضر من أورشليم" 10 "هكذا يقول الرب إذا بدأت تكمل في بابل سبعون سنة أنا أفتقدكم وأقيم عليكم كلمتي الصالحة لأردكم إلى هذا المكان"، والآية العاشرة في التراجم الفارسية هكذا ترجمة فارسية سنة 1838 "4" (بعد انقضاي هفتاد سال در بابل من برشمار جوع خواهم كرد) ترجمة فارسية سنة 1845 (بعد ازتمام شدن هفتاد سال در بابل شمارا بازد يد خواهم نمود) (62) وفي الباب الثاني والخمسين من الكتاب المذكور هكذا 28 "هذا هو الشعب الذي أخلاه بختنصر في السنة السابعة ثلاثة آلاف وثلاثة وعشرين يهوديا" 29 "في السنة الثامنة والعشرين لبختنصر من أورشليم ثمانمائة وثلاثين نفساً" 30 (في السنة الثالثة والعشرين لبختنصر أجلى بنور زادن قائد الجيش سبعمائة وخمسة وأربعين نفساً، فجميع النفوس أربعة آلاف وستمائة" فعلم من هذه العبارات ثلاثة أمور: (الأول) (أن بختنصر جلس على سرير السلطنة في السنة الرابعة من جلوس يواقيم) وهو الصحيح وصرح به يوسيفس اليهودي المؤرخ أيضاً في الباب السادس من الكتاب العاشر من تاريخه فقال: "إن بختنصر صار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 سلطان بابل في السنة الرابعة من جلوس يواقيم" فإن ادعى أحد غير ما ذكرنا يكون غلطاً ومخالفاً لكلام أرميا عليه السلام، بل لا بد في اعتبار السنين أن تكون السنة الأولى من جلوس بختنصر مطابقة للسنة الرابعة من جلوس يواقيم (والثاني) أن أرمياء أرسل الكتاب إلى اليهود بعد خروج يوخانيا الملك ورؤساء يهودا والصناع، (والثالث) أن عدد الأسارى في الإجلاآت الثلاثة كان أربعة آلاف وستمائة وكان الإجلاء الثالث في السنة الثالثة والعشرين، فأقول: ههنا ثلاثة أغلاط: الغلط الأول: أن جلاء يوخانيا الملك ورؤساء يهودا والصناع كان قبل ميلاد المسيح، على ما صرح المؤرخون بخمسمائة وتسع وتسعين سنة، وصرح صاحب ميزان الحق في الصفحة 60 من النسخة المطبوعة سنة 1849 بأن هذا الإجلاء كان قبل ميلاد المسيح بستمائة سنة، وكان أرميا أرسل كتابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 إليهم بعد خروجهم، فلا بد أن يكون إقامة اليهود في بابل سبعين سنة، وهو غلط لأنهم أطلقوا بحكم قورش سلطان إيران قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة، فكان إقامتهم في بابل ثلاثاً وستين سنة، لا سبعين، وأنقل هذه التواريخ من كتاب مرشد الطالبين إلى كتاب المقدس الثمين المطبوع سنة 1853 في بيروت، وهذه النسخة تخالف النسخة المطبوعة سنة 1840 في أكثر المواضع على العادة الجارية في المسيحيين، فمن شاء تصحيح النقل فعليه أن يقابل النقل بعبارة النسخة المطبوعة سنة 1862 وهذه النسخة موجودة في كتبخانة جامع بايزيد بالأستانة، فأقول: في الفصل العشرين من الجزء الثاني في جدول تاريخي للكتاب المقدس من هذه النسخة المطبوعة سنة 1852 هكذا: السنة قبل المسيح ... سنة العالم 599 ... كتابة أرمية لليهود المأسورين هناك أي في بابل 536 ... وفاة داريوس المادي خال قوش وخلافة قورش مكانه على مادي وفارس وإطلاقه اليهود وإذنه لهم بالرجوع إلى اليهودية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 الغلط الثاني: أن عدد الأسارى في الإجلاآت الثلاثة أربعة آلاف وستمائة، وقد صرح في الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني أن عشرة آلاف من الأشراف والأبطال كانوا في الإجلاء الواحد، والصناعون كانوا زائدين عليهم، والغلط الثالث: أنه يُعلم منه أن الإجلاء الثالث كان في السنة الثالثة والعشرين من جلوس بختنصر، ويعلم من الباب الخامس والعشرين من سفر الملوك أنه كان في السنة التاسعة عشرة من جلوسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 الغلط [29] في الباب السادس والعشرين من كتاب حزقيال هكذا: "وكان في السنة الحادية عشرة في أول الشهر فكان إلى قول الرب: ها أنا ذا أجلب على صور بختنصر ملك بابل، مع خليل ومراكب وفرسان وجيش وشعب عظيم، وبناتك التي في الحفل يقتلهن بالسيف، ويحاصرك ويرتب حولك مواضع للمناجق، ويرفع عليك الترس، ويضرب بالمنجنيقة أسوارك وبروجك يهدمها بسلاحه ويدوس جميع شوارعك، ويقتل شعبك بالسيف ومناصبك الشريفة إلى الأرض، وينهبون أموالك ويسلبون تجارتك، ويهدمون أسوارك وبيوتك العالية ويخربونها، وحجارتك وخشبك وغبارك يلقونهن في وسط المياه، وأعطيتك لصخرة صفية وتصير لبسط الشباكات ولن تبنى" اهـ ملخصاً. وهذا غلط، لأن بختنصر حاصر صور ثلاث عشرة سنة واجتهد اجتهاداً بليغاً في فتحها، لكنه ما قدر ورجع خائباً ولما صار هذا الخبر غلطاً احتاج حزقيال عليه السلام إلى العذر والعياذ بالله، وقال في الباب التاسع والعشرين من كتابه هكذا: "وكان في السنة السابعة والعشرين قول الرب إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 أن بختنصر استعبد جيشه عبودية شديدة في ضد صور، بحيث صار كل رأس محلوقاً، وكل كتف مجرداً وأجره لم يرد عليه، ولا بجيشه من صور، فلهذا أعطيت بختنصر أرض مصر يأخذ جماعتها ويسلب نهبها ويخطف أسلابها ويكون أجراً لجيشه والعمل الذي تعبد به ضدها فأعطيته أرض مصر من أجل أنه عمل لي" اهـ ملخصاً. ففيه تصريح بأنه لما لم يحصل لبختنصر ولعسكره أجر بمحاصرة الصور، وعد الله له مصر، وما علمنا أن هذا الوعد كان بمثل السابق، أم حصل له الوفاء، هيهات هيهات!! أيكون وعد الله هكذا أيعجز الله عن وفاء عهده؟. الغلط [30] في الباب الثامن من كتاب دانيال هكذا: (ترجمة فارسية 1839) 13 (بس شنيدم كه مقدسي تكلم نمودو مقدسي ازان مقدس برسيدكه ابن رو يادر باب قراتي دايمي وكنه كاري مهلك به بايمال كردن مقدس وفوج تاكي باشد) 14 (مراكفت نادوهزاروسة صدروز بعده مقدس باك خواهدشد) (ترجمة عربية سنة 1844) 13 "وسمعت قديساً من القديسين متكلماً، وقال قديس واحد للآخر المتكلم لم أعرفه حتى متى الرؤيا والذبيحة الدائمة وخطية الخراب الذي قد صار وينداس القدس والقوة) 14 (فقال له حتى المساء والصباح أياماً ألفين وثلثمائة يوم ويظهر القدس" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وعلماء أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين كافة مضطربون في بيان مصداق هذا الخبر، فاختيار جمهور مفسري البيبل من الفريقين أن مصداقه حادثة انتيوكس ملك ملوك الروم الذي تسلط على أورشليم قبل ميلاد المسيح بمائة وإحدى وستين سنة، والمراد بالأيام هذه الأيام المتعارفة، واختاره يوسيفس أيضاً. لكنه يرد عليه اعتراض قوي هو أن حادثته التي يداس فيه القدس والعسكر كانت إلى ثلاثة (63) سنين ونصف كما صرح به يوسيفس في الباب التاسع من الكتاب الخامس من تاريخه، وتكون مدة ست سنين وثلاثة أشهر وتسعة عشر يوماً تخميناً بالسنة الشمسية بحساب الأيام المذكورة، ولذلك قال (إسحاق نيوتن) إن مصداق هذه الحادثة ليس حادثة انتيؤكس، ولطامس نيوتن تفسير على أخبار بالحوادث الآتية المندرجة في البيبل وطبع هذا التفسير سنة 1803 في بلدة لندن، فنقل في المجلد الأول من هذا التفسير أولاً قول جمهور المفسرين، ثم رد كما رد إسحاق نيوتن، ثم قال إن مصداق هذا الخبر ليس حادثة انيتؤكس كما يعلم بالتأمل، ثم ظن أن مصداقه سلاطين الروم والباباؤن، (وسنل جانسي) كتب تفسيراً على الأخبار بالحوادث الآتية أيضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 ً وادعى أنه لخص هذا التفسير من خمسة وثمانين تفسيراً، وطبع هذا التفسير سنة 1838 من الميلاد، فكتب في شرح هذا الخبر هكذا: "تعيين زمان هذا الخبر في غاية الإشكال عند العلماء من قديم الأيام ومختار الأكثر أن زمان مبدئه واحد من الأزمنة الأربعة التي صدر فيها أربعة فرامين سلاطين إيران، الأول: سنة 636 قبل ميلاد المسيح التي صدر فيها فرمان قورش، والثاني: سنة 518 قبل الميلاد التي صدر فيها فرمان دارا، والثالث: سنة 458 قبل الميلاد التي حصل فيها فرمان أردشير لعزرا في السنة السابعة من جلوسه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 والرابعة: سنة 444 قبل الميلاد التي حصل فيها لنحميا فرمان أردشير في السنة العشرين من جلوسه، والمراد بالأيام السنون ويكون منتهى هذا الخبر باعتبار المبادئ المذكورة على هذا التفصيل: من الميلاد بالاعتبار الأول ... بالاعتبار الثاني من الميلاد ... بالاعتبار الثالث ... بالاعتبار الرابع سنة 1764 ... سنة 1783 ... سنة 1843 ... سنة 1856 ومضت المدة الأولى والثانية وبقيت الثالثة والرابعة والثالثة أقوى، وعندي هي بالجزم، وعند البعض مبدؤه خروج اسكندر الرومي على ملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 إيشيا، وعلى هذا منتهى هذا الخبر سنة 1966" انتهى كلامه ملخصاً. وقوله مردود بوجوه: الأول: أن ما قال إن تعيين مبدأ هذا الخبر في غاية الإشكال مردود، ولا إشكال فيه غير كونه غلطاً يقيناً لأن مبدأه لا بد أن يكون من وقت الرؤيا لا من الأوقات التي بعده. والثاني: أن قوله: المراد بالأيام السنون تحكم، لأن المعنى الحقيقي لليوم ما هو المتعارف، وحيثما استعمل اليوم في العهد العتيق والجديد في بيان تعداد المدة استعمل بمعناه الحقيقي، وما استعمل بمعنى السنة في موضع من المواضع التي يكون المقصود فيها بيان تعداد المدة ولو سلم استعماله في غير هذه المواضع على سبيل الندرة بمعنى السنة أيضاً يكون على سبيل المجاز قطعاً، والحمل على المعنى المجازي بدون القرينة لا يجوز، وههنا المقصود بيان تَعْداد المدة، ولا توجد القرينة أيضاً، فكيف يحمل على المعنى المجازي؟ ولذلك حمله الجمهور على المعنى الحقيقي ووجهوه بالتوجيه الفاسد الذي رده إسحاق نيوتن وطامس نيوتن وأكثر المتأخرين ومنهم هذا المفسر أيضاً. والثالث: لو قطعنا النظر عن الإيرادين المذكورين نقول: إن كذب المبدأ الأول والثاني كان قد ظهر في عهده كما اعترف هو نفسه، وقد ظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 كذب الثالث الذي كان أقوى في زعمه، وكان جازماً به وكذا كذب الرابع وظهر أن توجيهه وتوجيه أكثر المتأخرين أفسد من توجيه الجمهور القدماء، بقي المبدأ الخامس، لكنه لما كان قولاً ضعيفاً عند الأكثر ويرد عليه الإيرادان الأولان فهو ساقط عن الاعتبار، ومن يكون في ذلك الوقت يرى أنه كاذب أيضاً إن شاء الله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وجاء القسيس يوسف وألف في سنة 1833 من الميلاد المطابقة لسنة 1248 من الهجرة في بلد لكهنؤ وكان يتمسك بهذا الخبر وبإلهامه الكاذب، وكان يقول: إن مبدأ هذا الخبر من وفاة دانيال والمراد بالأيام السنون، ووفاة دانيال قبل ميلاد المسيح بأربعمائة وثلاث وخمسين سنة، فإذا طرحنا هذه المدة من ألفين وثلثمائة يبقى ألف وثمانمائة وسبع وأربعون سنة فعلى هذا يكون نزول المسيح في سنة 1847 من الميلاد، ووقعت المباحثة فيما بينه وبين بعض علماء الإسلام وكلامه مردود بوجوه، لكنه لما ظهر كذبه ومضت مدة سبع عشرة سنة فلا حاجة إلى أن أطول رده، لعل القسيس الموصوف خيل له في خمار الخمر شيء فظنه إلهاماً. وفي تفسير دوالي ورجردمينت "أن تعين مبدأ هذا الخبر ومنتهاه قبل أن يكمُل مشكل فإذا كمل يظهره الواقع" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وهذا توجيه ضعيف أحق أن تضحك عليه الثكلى وإلا فيقدر كل فاسق أيضاً أن يخبر بمثل هذا الخبر إخبارات كثيرة بلا تعيين المبدأ والمنتهى، ويقول: إذا كملت يظهرها الواقع. والإنصاف أن هؤلاء معذورون لكون الكلام فاسداً من أصله، ولنعم ما قيل: (لن يصلح العطار ما أفسد الدهر) . الغلط [31] في الباب الثاني عشر من كتاب دانيال هكذا: 11: "ومن الزمان الذي فيه انتزع القربان الدائم ووضع الرجسة للخراب ألف ومائتان وتسعون يوماً" 13: "وطوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى ألف وثلثمائة وخمسة وثلاثين يوماً" وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 هكذا: 11: "وازهنكامي كه قرباتي دائماً موقوف شودو كريه قريب ويراني برباشود يكهزار ودوصد ونودر وزخواهد بود" 12: (خوشا حال أن كسيكه انتظار كندوتا يكهزاروسه صدرسي وبنجر وزبرسد) وهو غلط أيضاً بمثل ما تقدم وما ظهر على هذا الميعاد مسيح النصارى ولا مسيح اليهود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 الغلط [32] في الباب التاسع من كتاب دانيال: "سبعون أسبوعاً اقتصرت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة ليبطل التعدي وتفنى الخطيئة ويُمْحى الإثم ويُجلب العدل الأبدي وتكمل الرؤيا والنبوة ويمسح قدوس القديسين" ترجمة فارسية سنة 1839: (هفتاد هفته برقوم تووبر شهر مقدس تومقر رشدبراي اتمام خطا وبراي انقضاي كناهان وبراي تكفير شرارت وبراي رسانيدن راستبازي إبداني وبراي اختتام روياونبوت وبراي مسح قدس المقدس"، وهذا غلط أيضاً لأنه ما ظهر على هذا الميعاد أحد المسيحيين، بل مسيح اليهود إلى الآن ما ظهر، وقد مضى أزيد من ألفي سنة على المدة المذكورة، والتكلفات التي صدرت على (64) العلماء المسيحية ههنا غير قابلة للالتفات لوجوه: الأول: أن حمل اليوم على المعنى المجازي في بيان تَعْداد المدة بدون القرينة غيرُ مسلم. والثاني: لو سلمنا فلا يَصْدق أيضاً على أحد المسيحيين، لأن المدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 التي بين السنة الأولى من جلوس (قُورَش) الذي أطلق فيها على ما صرح في الباب الأول من كتاب عزرا إلى خروج عيسى عليه السلام على ما يُعلم من تاريخ يوسيفس بقدر ستمائة سنة تخميناً، وعلى تحقيق (سنل جانسي) خمسمائة وست وثلاثين سنة كما علمت في الغلط الثلاثين، ومثله على تحقيق مؤلف مرشد الطالبين على حسب النسخة المطبوعة سنة 1852، كما عرفت في الغلط السادس والعشرين، وقد صرح صاحبُ مرشد الطالبين في الفصل العشرين من الجزء الثاني أن رجوع اليهود من السبي وتجديدهم الذبائح في الهيكل كان في سنة الإطلاق أيضاً أعني سنة خمسمائة وست وثلاثين قبل ميلاد المسيح، ولا تكون المدة باعتبار سبعين أسبوعاً إلا بقدر أربعمائة وتسعين سنة، وعدم الصدق على مسيح اليهود ظاهر. والثالث: لو صح هذا لزم ختم النبوة على المسيح فلا يكون الحواريون أنبياء، والأمر ليس كذلك عندهم، لأن الحواريين أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية في زعمهم، ويكفي شاهداً في فضلهم ملاحظة حال يهودا الأسخريوطي، الذي كان واحداً من هؤلاء الحضرات ممتلئاً بروح القدس. والرابع: لو صح لزم منه ختم الرؤيا، وليس كذلك لأن الرؤيات الصالحة باقية إلى الآن أيضاً. والخامس: إن (واتسن) نقل رسالة (داكتر كريب) في المجلد الثالث من كتابه، وصرح في هذه الرسالة (أن اليهود حَرّفوا هذا الخبر بزيادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الوقف تحريفاً لا يمكن أن يصدق الآن على عيسى) ، فثبت باعتراف عالمهم المشهور أن هذا الخبر لا يصدق على عيسى عليه السلام على وفْق كتاب دانيال الأصل (65) الموجود عند اليهود الآن بدون ادعاء التحريف على اليهود، وهذا الادعاء لا يتم عليهم من جانب علماء البروتستنت فإذا كان حال أصل الكتاب هكذا فلا يصح التمسك بالتراجم التي هي من تأليفات المسيحيين. والسادس: أنه لا يلزم أن يكون المراد من المسيح أحد هذين المسيحيين، لأن هذا اللفظ كان يطلق على كل سلطان من اليهود صالحاً كان أو فاجراً، الآية الخمسون من الزبور السابع عشر هكذا: "يا معظم خلاص الملك وصانع الرحمة بمسيحه داود وزرعه إلى الأبد" وهكذا جاء في الزبور المائة والحادي والثلاثين إطلاق المسيح على داود عليه السلام، الذي هو من الأنبياء والسلاطين الصالحين، وفي الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الأول قول داود عليه السلام في حق شاول الذي كان من أشرار السلاطين اليهود هكذا: 71 "وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 للرجال الذين معه حاشا لي من الله أن أصنع هذا الأمر بسيدي مسيح الرب، أو أمد يدي إلى قتله لأنه مسيح الرب" 11 "لا أمد يدي على سيدي لأنه مسيح الرب" وهكذا في الباب السادس والعشرين من السفر المذكور، والباب الأول من سفر صموئيل الثاني، بل لا يختص هذا اللفظ بسلاطين اليهود أيضاً، وجاء إطلاقه على غيرهم، الآية الأولى من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا: "هذه يقولها الرب لقورش مسيحي الذي مسكت بيمينه" الخ فجاء إطلاقه على سلطان إيران الذي أطلق اليهود وأجازهم لبناء الهيكل. الغلط [33] في الباب السابع من سفر صموئيل الثاني وعد الله لبني إسرائيل على لسان ناثان النبي هكذا 10 "وأنا أجعل مكاناً لشعبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 إسرائيل وأنصبه ويحل في مكانه بالهدو، ولا تعود بنو الإثم أن يستعبدوه كما كانوا من قبل" 11 "منذ يوم وضعت قضاة على شعبي إسرائيل" الخ والآية العاشرة في التراجم هكذا ترجمة فارسية سنة 1838 (ومكاني نيز براى قوم خود إسرائيل مقر رخواهم كرد وايشان راخواهم نشانيد تاخود جايدار باشند ومن بعد حركت نكنند واهل شرارت من بعد ايشان رانياز آرندحون درايام سابق) ترجمة فارسية سنة 1845 (وبجهت قومم إسرائيل مكاني راتعيين خواهم نمود وايشانرا غرس خواهم نمودتا انكه در مقام خويش ساكن شده بارديكر متحرك نشوند وفرزندان شرارت بيشه ايشان رامثل أيام سابق نرنجانند) (66) فكان الله وعد أن بني إسرائيل يكونون في هذا المكان بالهدو والاطمئنان، ولا يحصل لهم الإيذاء من أيدي الأشرار، وكان هذا المكان أورشليم، وأقام بنو إسرائيل فيه، لكنهم لم يحصل لهم وفاء وعد الله، وأوذوا في هذا المكان إيذاء بليغاً، وآذاهم سلطان بابل ثلاثَ مرات إيذاء شديداً، وقتلهم وأسرهم وأجلاهم، وهكذا آذى السلاطين الآخرون، وآذى طيطوس الرومي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 إيذاء جاوز الحد، حتى مات في حادثته ألف ألف 1100000 ومائة ألف بالقتل والصلب والجوع، وأُسر منهم سبعة وتسعون ألفاً، وأولادهم إلى الآن متفرقون في أقطار العالم في غاية الذل. الغلط [34] في الباب المذكور وعد الله لداود على لسان ناثان النبي عليهما السلام هكذا: 12: "فإذا تمت أيامك ونمت مع آبائك فإني أقيم زَرْعك من بعدك الذي يخرج من بطنك وأثبت ملكه" 13: "وهو يبني بيتاً لاسمي، وأصلح كرسي ملكه إلى الأبد" 14 "وأنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً وإن ظلم ظلماً أن أبكته بعصاة الناس وبالجلد الذي كان يجلد به الناس" 15: "وأما رحمتي لا أبعد عنه كما أبعدت عن شاول الذي نفيته من بين يدي" 16: "وبيتك يكون أميناً وملكك إلى الدهر أمامك وكرسيك يكون ثابتاً إلى الأبد" وهذا الوعد في الباب الثاني والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا: 9: "وهو ذا ولد مولود لك هو يكون رجلاً ذا هدوّ وأريحه من كل أعدائه مستديراً فإن سليمان يكون اسمه، وسلامة وقراراً أجعل على إسرائيل في كل أيامه" 10: "هو يبني بيتاً لاسمي وهو يكون لي مقام الابن، وأنا له مقام الأب وسوف أثبت كرسي ملكه على آل إسرائيل إلى الأبد" فكان وعد الله أن السلطنة لا تزول من بيت داود إلى الأبد، ولم يف بهذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 الوعد، وزالت سلطنة آل داود منذ مدة طويلة جداً. الغلط [35] نقل مقدس أهل التثليث بولس قول الله في فضل عيسى عليه السلام على الملائكة في الآية السادسة من الباب الأول من الرسالة العبرانية هكذا: "أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً" وعلماؤهم يصرحون أنه إشارة إلى الآية الرابعة عشرة من الباب السابع من سفر صموئيل الثاني الذي مر نقله في الغلط السابق، وهذا الزعم غير صحيح لوجوه: (الأول) أنه صرح في سفر أخبار الأيام أن اسمه يكون سليمان (والثاني) أنه صرح في السفرين (أنه يبني لاسمي بيتاً) فلا بد أن يكون هذا الابن باني البيت، وهو ليس إلا سليمان عليه السلام، وولد عيسى عليه السلام بعد ألف وثلاث سنين من بناء البيت، وكان يخبر بخرابه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 كما هو مصرح في الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى، وستعرف في بيان الغلط التاسع والسبعين (والثالث) أنه صرَّح في السفرين أنه يكون سلطاناً، وعيسى عليه السلام كان فقيراً حتى قال في حقه (للثعالب أَوْجِره ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أن يُسند رأسه) كما هو منقول في الآية العشرين من الباب الثامن من إنجيل متى، (والرابع) أنه صرح في سفر صموئيل في حقه (وإن ظلم ظلماً فأبكته) فلا بد أن يكون هذا الشخص غير معصوم، يمكن صدور الظلم عنه، وسليمان عليه السلام في زعمهم هكذا، لأنه ارتد في آخر عمره، وعبد الأصنام وبنى المعابد لها ورجع من شرف منصف (67) النبوة إلى ذل منصب الشرك، كما هو مصرح في كتبهم المقدسة، وأي ظلم أكبرُ من الشرك، وعيسى عليه السلام كان معصوماً لا يمكن صدور الذنب منه في زعمهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 (والخامس) أنه صرح في السفر الأول من أخبار الأيام: "وهو يكون رجلاً ذا هدو وأريحه من جميع أعدائه" وعيسى عليه السلام ما حصل له الهدو والراحة من أيام الصبا إلى أن قتل على زعمهم، بل كان خائفاً من اليهود ليلاً ونهاراً، فاراً في أكثر الأوقات من موضع إلى موضع لخوفهم، حتى أسروه وأهانوه وضربوه وصلبوه بخلاف سليمان عليه السلام فإن هذا الوصف كان ثابتاً في حقه على وجه أتم، (والسادس) أنه صرح في السفر المذكور: "وسلامة وقراراً أجعل على إسرائيل في كل أيامه" واليهود كانوا في عهد عيسى عليه السلام مطيعين للروم، وعاجزين عن أيديهم، (والسابع) أن سليمان عليه السلام ادعى بنفسه أن هذا الخبر في حقه، كما هو مصرح في الباب السادس من السفر الثاني من أخبار الأيام وإن قالوا: إن هذا الخبر وإن كان بحسب الظاهر في حق سليمان، لكنه في الحقيقة في حق عيسى، لأنه من أولاد سليمان، قلت: هذا غير صحيح لأن الموعود له لا بد أن يكون موصوفاً بالصفات المصرحة، وعيسى عليه السلام ليس كذلك، وإن قطع النظر عن الصفات المذكورة فلا يصح على زعم الجمهور من متأخريهم، لأنهم يقولون لرفع الاختلاف الواقع بين كلام متى ولوقا في بيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 نسب المسيح أن الأول بيّن نسب يوسف النجار والثاني نسَب مريم عليها السلام، وهو مختار صاحب ميزان الحق، وظاهر أن المسيح عليه السلام ليس ولداً للنجار المذكور، ونسبته إليه من قبيل أضغاث الأحلام، بل هو ولد مريم عليهما السلام، وبهذا الاعتبار ليس من أولاد سليمان عندهم، بل من أولاد ناثان بن داود، فلا يكون الخبر الواقع في حق سليمان منسوباً إلى عيسى لأجل النبوة. الغلط [36] في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول في حق إليا الرسول هكذا: "وكان عليه قول الرب انصرف من ههنا واسْتَخْفِ في وداي كريت، وهناك من الوداي تشرب، وقد أمرت الغربان بقولك فانطلق وَصَنَع مثل قول الرب وقعد في وادي كريت الذي قبال الأُرْدُن وكانت الغربان تجيبُ له الخبز واللحم بالغداء والخبز واللحم بالعشاء ومن الوادي كان يشرب" (وفَسر كلهم غير جيروم لفظ أوريم في هذا الباب بالغربان) وجيروم فسر بالغربان، ولما كان رأيه ضعيفاً في هذا الباب حرف معتقدوه على عادتهم في التراجم اللاطينية المطبوعة وغيروا لفظ العرب بالغربان، وهذا الأمر مَضْحَكة لمنكري الملة المسيحية، ويستهزؤون به، واضطرب محقق فرقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 البروتستنت (هُورن) ومالَ إلى رأي (جيروم) لرفع العار، وقال بالظن الأغلب أن المراد بأوريم العرب لا الغربان، وسفه المفسرين والمترجمين بثلاثة أوجه وقال في الصفحة 639 من المجلد الأول من تفسيره: "شنع بعض المنكرين بأنه كيف يجوز أن تعول الغربان التي هي طيور نجسة الرسول، وتجيب الغداء له لكنهم لو رأوا أصل اللفظ لما شنعوا لأنه (أوريم) ومعناه العرب، وجاء بهذا المعنى في الآية السادسة عشرة من الباب الحادي والعشرين مِن السفر الثاني من أخبار الأيام، والآية السابعة من الباب الرابع من كتاب نحميا، ويعلم من (بريشت ريا) الذي هو تفسير لعلماء اليهود على سفر التكوين أن هذا الرسول كان مأموراً بالاختفاء في بلدة كانت في نواحي بت شان، وقال (جيروم) : أوريم أهل بلدة كانت في حد العرب، وهم كانوا يطعمون الرسول، وهذه الشهادة من جيروم ثمينة عظيمة وإن كتب في التراجم اللاطينية ويعلم من الترجمة العربية أن المراد بهذا اللفظ الأناس لا الغربان وترجم (الجارجي) المفسر المشهور من اليهود هكذا أيضاً، وكيف يمكن أن يحصل اللحم بوسيلة الطيور النجسة مثل الغربان، على خلاف الشريعة للرسول الطاهر الذي كان شديداً في اتباع الشريعة وحامياً لها، وكيف يمكن له العلم بأن هذه الطيور النجسة قبل أن تجيب اللحم لم تتوقف ولم تنزل على الجثث الميتة. على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 أن هذا اللحم والخبز وصلا إلى إيليا إلى مدة سنة فكيف ينسب مثل هذه الخدمة إلى الغربان، والأغلب أن أهل أورب أو أرابوا فعلوا خدمة طعام الرسول" فالآن الخيار لعلماء البروتستنت في أن يختاروا قول محققهم ويسفهوا باقي مفسريهم ومترجميهم الغير المحصورين، وإما أن يسفهوا هذا السفه ويعترفوا بأن هذا الأمر غلط وضحكة لأرباب العقول غير جائز للوجوه الثلاثة التي أوردها هذا المحقق. الغلط [37] في الآية الأولى من الباب السادس من سفر الملوك الأول أن سليمان بنى بيت الرب في سنة أربعمائة وثمانين من خروج بني إسرائيل من مصر، وهذا غلط عند المؤرخين قال آدم كلارك في الصفحة 1293 من المجلد الثاني من تفسير ذيل شرح الآية المذكورة: اختلف المؤرخون في هذا الزمان على هذا التفصيل فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 المتن العبراني 480 في النسخة اليونانية 440 عند كليكاس 330 عند ملكيور كانوس 590 يوسيفس 592 عند سلبي سيوس سويروس 588 عند كليمنس اسكندر يانوس 570 عند سيدري نس 672 عند كودومانوس 598 عند اواسي يوس وكابالوس 580 عند سراريوس 680 عند نيكولاس إبراهيم 527 عند مستلى نوس 592 يتياويوس ووالتهي روس 520، فلو كان ما في العبراني صحيحاً إلهامياً لما خالفه مترجمو الترجمة اليونانية، ولا المؤرخون من أهل الكتاب ويوسيفس وكليمنس اسكندر ريانوس خالفا اليونانية أيضاً، مع أنهما من المتعصبين في المذهب، فعلم أن هذه الكتب عندهم كانت في رتبة كتب التواريخ الأخر وما كانوا يعتقدون إلهاميتها، وإلا لما خالفوا. الغلط [38] الآية السابعة عشرة من الباب الأول من إنجيل متى هكذا ترجمة عربية سنة 1860 "فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً" ويعلم منها أن بيان نسب المسيح يشتمل على ثلاثة أقسام، وكل قسم منها مشتمل على أربعة عشر جيلاُ، وهو غلط صريح، لأن القسم الأول يتم على داود وإذا كان داود عليه السلام داخلاً في هذا القسم يكون خارجاً من القسم الثاني لا محالة، ويبتدئ القسم الثاني لا محالة من سليمان ويتم على يوخانيا، وإذا دخل يوخانيا في هذا القسم كان خارجاً من القسم الثالث، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 ويبتدئ القسم الثالث من شلتائيل لا محالة ويتم على المسيح، وفي هذا القسم لا يوجد إلا ثلاثة عشر جيلاً، واعترض عليه سلفاً وخلفاً وكان بورفري اعترض عليه في القرن الثالث من القرون المسيحية، وللعلماء المسيحية اعتذارات باردة غير قابلة للالتفات. الغلط [39] إلى [42] الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيل متى هكذا ترجمة عربية سنة 1844 (ويوشيا ولد يوخانيا وإخوته في جلاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 بابل) ويعلم منه أن ولادة يوخانيا وأخوته من يوشيا في جلاء بابل، فيكون يوشيا حياً في هذا الجلاء وهو غلط بأربعة أوجه: (الأول) أن] يوشيا مات قبل هذا الجلاء باثني عشر عاماً لأنه جلس بعد موته ياهوحاز ابنه على سرير السلطنة ثلاثة أشهر، ثم جلس يواقيم ابنه الآخر إحدى عشرة سنة ثم جلس يوخانيا ابن يواقيم ثلاثة أشهر فأسره بختنصر وأجلاه مع بني إسرائيل الآخرين إلى بابل (الثاني) أن يوخانيا ابن ابن يوشيا لا ابنه كما عرفت (الثالث) أن يوخانيا كان في الجلاء ابن ثمان عشرة سنة فما معنى ولادته في جلاء بابل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 (الرابع) أن يوخانيا ما كان له إخوة، نعم كان لأبيه ثلاثة إخوة، ونظراً إلى هذه المشكلات التي مر ذكرها في هذا الغلط والغلط السابق عليه قال آدم كلارك المفسر في تفسيره هكذا: "إن كامت يقول تقرأ الآية الحادية عشرة هكذا ويوشيا ولد يواقيم وإخوته، ويواقيم ولد يوخانيا عند جلاء بابل" فأمر بالتحريف وزيادة يواقيم لرفع الاعتراضات، وعلى هذا التحريف أيضاً لا يرتفع الاعتراض (الثالث) المذكور في هذا الغلط وظني أن بعض القسيسين المسيحية من أهل الدين والديانة أسقط لفظ يواقيم قصداً لئلا يراد أن المسيح إذا كان من أولاد يواقيم لا يكون قابلاً لأن يجلس على كرسي داود فلا يكون مسيحاً كما عرفت في الاختلاف السابع والخمسين، لكنه ما درى أن إسقاطه يستلزم أغلاطاً شتى، ولعله درى وظن أن لزوم الأغلاط على متى أهون من هذه القباحة. الغلط [43] الزمان من يهودا إلى سلمون قريب من ثلثمائة سنة، ومن سلمون إلى داود أربعمائة سنة، وكتب متى في الزمان الأول سبعة أجيال، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وفي الزمان الثاني خمسة أجيال وهذا غلط بداهة لأن أعمار الذين كانوا في الزمان الأول كانت أطول من أعمار الذين كانوا في الزمان الثاني. الغلط [44] الأجيال في القسم الثاني من الأقسام الثلاثة التي ذكرها متى ثمانية عشر لا أربعة عشر كما يظهر من الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 ولذلك قال نيومن متأسفاً ومتحسراً إنه كان تسليم اتحاد الواحد والثلاثة ضرورياً في الملة المسيحية، والآن تسليم اتحاد ثمانية عشر وأربعة عشر أيضاً ضروري لأنه لا احتمال لوقوع الغلط في الكتب المقدسة. الغلط [45] و [46] في الآية الثامنة من الباب الأول من إنجيل متى هكذا: (يورام ولد عوزيا) وهذا غلط بوجهين: (الأول) أنه يعلم منه أن عوزيا بن يورام وليس كذلك لأنه ابن احزيا بن يواش بن امصياه بن يورام، وثلاثة أجيال ساقطة ههنا وهذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 الثلاثة كانوا من السلاطين المشهورين، وأحوالهم مذكورة في الباب الثامن والثاني عشر والرابع عشر من سفر الملوك الثاني والباب الثاني والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، ولا يعلم وجهٌ وجيه إسقاط هذه الأجيال سوى الغلط، لأن المؤرخ إذا عين زماناً وقال إن الأجيال الكذائية مضت في مدة هذا الزمان وترك قصداً أو سهواً بعض الأجيال، فلا شك أنه يسفه ويغلط (والثاني) أن اسمه عزيا لا عوزيا كما في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام والباب الرابع عشر والخامس عشر من سفر الملوك الثاني. الغلط [47] في الآية الثانية عشرة من الباب الأول من إنجيل متى: أن زور بابل ابن شلتائيل، وهو غلط أيضاً لأنه ابن فدايا وابن الأخ لشلتائيل، كما هو مصرح في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الغلط [48] في الآية الثالثة عشرة من الباب الأول من إنجيل متى أن أبي هود ابن زور بابل وهو غلط أيضاً، لأن زور بابل كان له خمسة بنين كما هو مصرح في الآية التاسعة عشرة من الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام، وليس فيهم أحد مسمى بهذا الاسم: فهذه أحد عشر غلطاً صدرت عن متى في بيان نسب المسيح فقط، وقد عرفت في القسم الأول من هذا الفصل اختلافات بيانه ببيان لوقا، فلو ضممنا الاختلافات بالأغلاط صارت سبعة عشر، ففي هذا البيان خدشة بسبعة عشر وجهاً. الغلط [49] كتب متى في الباب الثاني من إنجيله قصة مجيء المجوس إل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 ى أورشليم برؤية نجم المسيح في المشرق، ودلالة النجم أياهم بأن تقدّمهم حتى جاء ووقف فوق الصبي، وهذا غلط، لأن حركات السبع السيارة وكذا الحركة الصادقة لبعض ذوات الأذناب من المغرب إلى المشرق، والحركة لبعض ذوات الأذناب من المشرق إلى المغرب، فعلى هاتين الصورتين يظهر كذبها يقيناً لأن بيت لحم من أورشليم إلى جانب الجنوب، نعم دائرة حركة بعض ذوات الأذناب تميل من الشمال إلى الجنوب ميلاً مّا لكن هذه الحركة بطيئة جداً من حركة الأرض التي هي مختار حكمائهم الآن، فلا يمكن أن تحس هذه الحركة إلا بعد مدة، وفي المسافة القليلة لا تحس بالقدر المعتَدِّ به، بل مَشْيُ الإنسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 يكون أسرع كثيراً من حركته، فلا مجال لهذا الاحتمال، ولأنه خلافُ علم المناظر أن يرى وقوف الكوكب أولاً ثم يقف المتحرك، بل يقف المتحرك أولاً ثم يرى وقوفه. الغلط [50] في الباب الأول من إنجيل متى: "وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل، وهوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا". والمراد بالنبي عند علمائهم أشعيا عليه السلام حيث قال في الآية الرابعة عشرة من الباب السابع من كتابه هكذا: "لأجل هذا يعطيكم الرب عينه علامة، ها العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعى اسمه عمانوئيل" أقول هو غلط بوجوه: (الأول) أن اللفظ الذي ترجمه الإنجيلي ومترجم كتاب أشعيا بالعذراء هو عَلَمَةٌ مؤنث علم والهاء فيه للتأنيث، ومعناه عند علماء اليهود المرأة الشابة سواء كانت عذراء أو غير عذراء، ويقولون: إن هذا اللفظ وقع في الباب الثلاثين من سفر الأمثال ومعناه ههنا المرأة الشابة التي زوجت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وفُسر هذا اللفظ في كلام أشعيا بالامرأة الشابة في التراجم اليونانية الثلاثة أعني ترجمة انكوثلا وترجمة تهيودوشن وترجمة سميكس، وهذه التراجم عندهم قديمة يقولون إن الأولى ترجمت سنة 129 والثانية سنة 175 والثالثة سنة 200 وكانت معتبرة عند القدماء المسيحيين سيما ترجمة تهيودوشن، فعلى تفسير علماء اليهود والتراجم الثلاثة فساد كلام متى ظاهر، وقال (فرى) في كتابه الذي صنف في بيان اللغات العبرانية وهو كتاب معتبر مشهور بين علماء البروتستنت: إنه بمعنى العذراء والمرأة الشابة فعلى قول (فرى) هذا اللفظ مشترك بين هذين المعنيين، وقوله أولاً ليس بمسلم في مقابلة تفاسير أهل اللسان الذين هم اليهود، وثانياً بعد التسليم أقول حمله على العذراء خاصة على خلاف تفاسير اليهود والتراجم القديمة محتاج إلى دليل، وما قال صاحب ميزان الحق في كتابه المسمى بحل الإشكال (ليس معنى هذا اللفظ إلا العذراء) فغلط يكفي في رده ما نقلت آنفاً. (الثاني) ما سمى أحد عيسى عليه السلام بعمانوئيل لا أبوه ولا أمه، بل سمياه يسوع، وكان الملك قال لأبيه في الرؤيا (وتدعو اسمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 يسوع) كما هو مصرح في إنجيل متى وكان جبريل قال لأمه (ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع) كما هو مصرح في إنجيل لوقا، ولم يدّع عيسى عليه السلام في حين من الأحيان أيضاً أن اسمه عمانوئيل (والثالث) القصة التي وقع فيها هذا القول تأبى أن يكون مصداق هذا القول عيسى عليه السلام، لأنها هكذا: إن (راصين) ملك آرام (وفاقاح) ملك إسرائيل جاءا إلى أورشليم لمحاربة (أحازين يونان) ملك يهوذا فخاف خوفاً شديداً من اتفاقهما، فأوحى الله إلى أشعيا أن تقول لتسلية أحاز: لا تخف فإنهما لا يقدران عليك وستزول سلطتهما، وبين علامة خراب ملكهما أن امرأة شابة تحبل وتلد ابناً وتصير أرض هذين الملكين خَرِبة قبل أن يميز هذا الابن الخير عن الشر، وقد ثبت أن أرض فاقاح قد خربت في مدة إحدى وعشرين سنة من هذا الخبر، فلا بد أن يتولد هذا الابن قبل هذه المدة وتخرب لا قبل تميزه، وعيسى عليه السلام تولد بعد سبعمائة وإحدى وعشرين سنة من خرابها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وقد اختلف أهل الكتاب في مصداق هذا الخبر، فاختار البعض أن أشعيا عليه السلام يريد بالامرأة زوجته ويقول إنها ستحبل وتلد ابناً وتصير أرض الملكين الذين تخاف منهما خَرِبة قبل أن يميز هذا الابن الخير عن الشر كما صرح (داكتربلسن) أقول هذا هو الحري بالقبول وقريب من القياس. الغلط [51] الآية الخامسة عشرة من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا: "وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني" والمراد بالنبي القائل هو يوشع عليه السلام، وأشار الإنجيلي إلى الآية الأولى من الباب الحادي عشر من كتابه، وهذا غلط، لا علاقة لهذه الآية بعيسى عليه السلام لأنها هكذا: "إن إسرائيل منذ كان طفلاً أن أحببته ومن مصر دعوت أولاده" كما في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 فهذه الآية في بيان الإحسان الذي فعله الله في عهد موسى عليه السلام على بني إسرائيل، وحرف الإنجيلي صيغة الجمع بالمفرد وضمير الغائب بالمتكلم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 فقال ما قال وحرف لاتباعه مترجم العربية المطبوعة سنة 1844 أيضاً، لكن لا يخفى خيانته على من طالع هذا الباب، لأنه وقع في حق المدعوين بعد هذه الآية: "كلما دعوا ولوا وجوههم وذبحوا البعاليم وقربوا للأصنام" ولا تصدق هذه الأمور على عيسى عليه السلام، بل لا تصدق على اليهود الذين كانوا معاصريه، ولا على الذين كانوا قبل ميلاده إلى خمسمائة سنة لأن اليهود كانوا تابوا عن عبادة الأوثان توبة جيدة قبل ميلاده بخمسمائة وست وثلاثين سنة بعد ما أطلقوا من أسر بابل، ثم لم يحوموا حولها بعد تلك التوبة كما هو مصرح في التواريخ. الغلط [52] الآية السادسة عشرة من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا: "حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً، فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس" وهذا أيضاً غلط نقلاً وعقلاً. أما نقلاً فلأنه ما كتب أحد من المؤرخين الذين يكونون معتبرين ولا يكونون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 مسيحيين هذه الحادثة، لا يوسيفس ولا غيره من علماء اليهود الذين كانوا يكتبون زمائم هيرودس ويتصفحون عيوبه وجرائمه، وهذه الحادثة ظلم عظيم وعيب جسيم فلو وقعت لكتبوها على أشنع حالة، وإن كتبها أحد من المؤرخين المسيحيين فلا اعتماد على تحريره، لأنه مقتبس من هذا الإنجيل، وأما عقلاً فلأن بيت لحم كان بلدة صغيرة لا كبيرة، وكانت قريبة من أورشليم لا بعيدة، وكانت في تسلط هيرودس لا في تسلط غيره، فكان يقدر قدرة تامة على أسهل وجه أن يحقق أن المجوس كانوا جاؤوا إلى بيت فلان وقدموا هدايا لفلان ابن فلان، وما كان محتاجاً إلى قتل الأطفال المعصومين. الغلط [53] من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا 17: "حينئذ تم ما قيل بأرميا النبي القابل 18: "صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير، راحيل تبكي على أولادها، لا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وهذا أيضاً غلط وتحريف من الإنجيل، لأن هذا المضمون وقع في الآية الخامسة عشرة من الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرميا: ومن طالع الآيات التي قبلها وبعدها علم أن هذا المضمون ليس في حادثة هيرودبل في حادثة بختنصر، التي وقعت في عهد أرميا فقُتل فيها ألوف من بني إسرائيل وأُسر ألوف منهم وأجلوا إلى بابل، ولما كان فيهم كثير من آل راحيل أيضاً تألم روحها في عالم البرزخ فوعد الله أنه يرجع أولادك من أرض العدو إلى تخومهم. (تنبيه) يعلم من تحرير أرميا وتصديق الإنجيلي أن الأموات يظهر لهم في عالم البرزخ حال أقاربهم الذين في الدنيا فيتألمون بمصائبهم، وهذا مخالف لعقيدة فرقة البروتستنت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الغلط [54] الآية الثالثة والعشرون من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا: "وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصرياً" وهذا أيضاً غلط ولا يوجد في كتاب من كتب الأنبياء، وينكر اليهود هذا الخبر أشد الإنكار، وعندهم هذا زور وبهتان، بل يعتقدون أنه لم يقم نبي من الجليل فضلاً عن ناصرة، كما هو مصرح في الآية الثانية والخمسين من الباب السابع من إنجيل يوحنا، وللعلماء المسيحية اعتذارات ضعيفة غير قابلة للالتفات، فظهر للناظر أن سبعة عشر غلطاً صدرت عن متى في البابين الأولين. الغلط [55] الآية الأولى من الباب الثالث من إنجيل متى في التراجم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 العربية المطبوعة سنة 1671، وسنة 1821 وسنة 1826 وسنة 1854 وسنة 1880 هكذا: "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية" وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1828 وسنة 1841 وسنة 1842 (ع) هكذا: (أندران أيام يحيى تعميدد هنده دربيا بان يهودية ظاهر كشت) ولما كان في آخر الباب الثاني ذكر جلوس أرخيلاوس على سرير اليهودية بعد موت أبيه، وانصراف يوسف مع زوجته وأبيه إلى نواحي الجليل وإقامته في ناصرة يكون المشار إليه بلفظ (تلك) هذه المذكورات، فيكون معنى الآية لما جلس أرخيلاوس على سرير السلطنة وانصرف يوسف النجار إلى نواحي الجليل جاء يوحنا المعمدان الخ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وهذا غلط يقيناً، لأن وعظ يحيى كان بعد ثمانية وعشرين عاماً من الأمور المذكورة. الغلط [56] الآية الثالثة من الباب الرابع عشر من إنجيل متى هكذا: "فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه"، وهذا غلط لأن اسم زوج هيروديا كان هيرودس أيضاً لا فيلبس كما صرح يوسيفس في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر من تاريخه. الغلط [57] في الباب الثاني عشر من إنجيل متى هكذا: 3 "فقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 لهم أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه" 4 "كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله ولا للذين معه بل للكهنة" فقوله والذين معه ولا للذين معه غلطان كما ستعرف في بيان الغلط الثاني والتسعين عن قريب. الغلط [58] الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: "حينئذ تم ما قيل بأرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة" الخ وهذا غلط يقيناً كما ستعرف في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني. الغلط [59] في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: 51: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت" 52: "والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين" 53: "وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين" وهذه الحكاية كاذبة، والفاضل (نورتن) حام للإنجيل لكنه أورد الدلائل على بطلانها في كتابه ثم قال: "هذه الحكاية كاذبة والغالب أن أمثال هذه الحكايات كانت رائجة في اليهود بعد ما صار أورشليم خراباً فلعل أحداً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متى وأدخلها الكتاب في المتن وهذا المتن وقع في يد المترجم فترجمها على حسبه"، ويدل على كذبها وجوه: "الأول" أن اليهود ذهبوا إلى بيلاطس في اليوم الثاني من الصلب قائلين: يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال في حياته: إني أقوم بعد ثلاثة أيام، فمر الحارسين أن يضبطوا القبر إلى اليوم الثالث، وقد صرح متى في هذا الباب أن بيلاطس وامرأته كانا غير راضيين بقتله، فلو ظهرت هذه الأمور ما كان يمكن لهم أن يذهبوا إليه، والحال أن حجاب الهيكل منشق والصخور متشققة والقبور مفتوحة والأموات حية إلى هذا الحين، وأن يقولوا إنه كان مضلاً لأن بيلاطس لما كان غير راض من أول الوهلة ورأى هذه الأمور أيضاً لصار عدواً لهم وكذبهم، وكذا ألوف من الناس يكذبونهم. (والثاني) أن هذه الأمور آيات عظيمة فلو ظهرت لآمن كثير من الروم واليهود على ما جرت به العادة، ألا ترى أنه لما نزل روح القدس على الحواريين وتكلموا بألسنة مختلفة تعجب الناس وآمن نحو ثلاثة آلاف رجل كما هو مصرح في الباب الثاني من كتاب الأعمال؟؟ وهذه الأمور أعظم من حصول القدرة على التكلم بألسنة مختلفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 (الثالث) أن هذه الأمور العظيمة لما كانت ظاهرة ومشهورة يستبعد أن لا يكتبها أحد من مؤرخي هذا الوقت غير متى، وكذا لا يكتب أحد من مؤرخي الزمان الذي هو قريب من الزمان المذكور، وإن امتنع المخالف عن تحريرها لأجل سوء الديانة والعناد فلا بد أن يكتب الموافقون سيما لوقا الذي هو أحرص الناس في تحرير العجائب وكان متتبعاً بجميع الأمور التي فعلها عيسى عليه السلام، كما يعلم من الباب الأول من إنجيله والباب الأول من كتاب الأعمال، وكيف يتصور أن يكتب الإنجيليون كلهم أو أكثرهم الحالات التي ليست بعجائب، ولا يكتب سائر الإنجيلين ولا أكثرهم هذه الأمور العجيبة كلها، ويكتب مرقس ولوقا انشقاق الحجاب ويتركان الأمور الباقية. (والرابع) أن الحجاب كان كتانياً في غابة اللين فما معنى انشقاقه لأجل هذا الصدمة من فوق إلى أسفل، ولو انشق مع كونه كما ذكرنا فكيف بقي بناء الهيكل ولم ينهدم، وهذا الوجه مشترك الورود على الأناجيل الثلاثة. (والخامس) أن قيام كثير من أجساد القديسين مناقض لكلام بولس، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 فإنه صرح بأن عيسى عليه السلام أول القائمين، وباكورة الراقدين كما عرفت في الاختلاف التاسع والثمانين، فالحق ما قال الفاضل (نورتن) وعُلم من كلامه أن مترجم إنجيل متى كان حاطب الليل، ما كان يميز بين الرطب واليابس، فما رأى في المتن من الصحيح والغلط ترجمهما، أيعتمد على تحرير مثل هذا؟، لا والله. الغلط [60] و [61] و [62] في الباب الثاني عشر من إنجيل متى هكذا: 39 "فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي 40 لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" والآية الرابعة من الباب السادس عشر من إنجيل متى هكذا: "جيل شرير فاسق يلتمس آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي" فههنا أيضاً يكون المراد بآية يونان النبي كما كان في القول الأول، وفي الآية الثالثة والستين من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى قول اليهود في حق عيسى عليه السلام هكذا: "إن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وهذه الأقوال غلط، لأن المسيح صلب قريباً إلى نصف النهار من الجمعة، كما يعلم من الباب التاسع عشر من إنجيل يوحنا، ومات في الساعة التاسعة، وطلب يوسف جسده من بيلاطس وقت المساء فكفنه ودفنه، كما هو مصرح في إنجيل مرقس، فَدَفْنُهُ لا محالة كان في ليلة السبت، وغاب هذا الجسد عن القبر قبل طلوع الشمس من يوم الأحد كما هو مصرح في إنجيل يوحنا فما بقي في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال بل يوماً وليلتين، وما قام بعد ثلاثة أيام، فهذه أغلاط ثلاثة، ولما كانت هذه الأقوال غلطاً اعترف (بالس وشانر) أن هذا التفسير من جانب متى، وليس من قول المسيح وقالا: "إن مقصود المسيح أن أهل نينوى كما آمنوا بسماع الوعظ وطلبوا المعجزة كذلك فليرض الناس مني بسماع الوعظ" انتهى كلامهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 فعلى تقريرهما نشأ الغلط من سوء فهم متى وظهر أن متى ما كتب إنجيله بالإلهام، فكما لم يفهم مراد المسيح ههنا وغلط، فكذلك يمكن عدم فهمه في مواضع آخر، ونقله غلطاً، فكيف يعتمد على تحريره اعتماداً قوياً وكيف يعد تحريره إلهامياً أيكون حال الكلام الإلهامي هكذا؟ الغلط [63] في الباب السادس عشر من إنجيل متى هكذا: 27: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" 28: "الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته" وهذا أيضاً غلط لأن كلا من القائمين هناك ذاقوا الموت وصاروا عظاماً بالية وتراباً، ومضى على ذوقهم الموت أزيد من ألف وثمانمائة سنة، وما رأى أحد منهم ابن الله آتياً في ملكوته في مجد أبيه مع الملائكة مجازياً كلاً على حسب عمله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 الغلط [64] الآية الثالثة والعشرون من الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان" وهذا أيضاً غلط، لأنهم أكملوا مدن إسرائيل وماتوا، ومضى على موتهم أزيد من ألف وثمانمائة سنة، وما أتى ابن الإنسان في ملكوته، والقولان المذكوران قبل العروج، وأقواله بعد العروج هذه. الغلط [65] و [66] و [67] و [68] في الآية الحادية عشرة من الباب الثالث من كتاب المشاهدات قول عيسى عليه السلام هكذا: (ها أنا آت سريعاً) وفي الباب الثاني والعشرين من الكتاب المذكور أقوال عيسى عليه السلام هكذا: 7 (ها أنا آت سريعاً) 10 (لا تختم على أقوال نبوّة هذا الكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 لأن الوقت قريب) 30 (أنا آت سريعاً) وحال هذه الأقوال كما علمت، فبحسب هذه الأقوال المسيحية كانت الطبقة الأولى تعتقد أن عيسى عليه السلام ينزل في عهدهم والقيامة قريبة وأنهم في الزمان الأخير، وسيظهر لك في الفصل الرابع أن علماءهم يعترفون أيضاً أن عقيدتهم كانت هذه، ولذلك أشاروا إلى هذه الأمور في تحريراتهم كما سينكشف لك من أقوالهم الآتية. الغلط [69] [75] : [1] الآية الثامنة من الباب الخامس من رسالة يعقوب هكذا: "فتأتوا أنتم وثبتوا قلوبكم لأن مجيء الرب قد اقترب" [2] والآية السابعة من الباب الرابع من الرسالة الأولى لبطرس هكذا: "وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعلقوا واصحوا للصلوات" [3] وفي الآية الثامنة عشرة من الباب الثاني من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: "ألا أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة" وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي هكذا: 15 "فإننا نقول لكم هذا بكلام الرب إننا نحن الأحياء الباقون إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين" 16 "لأن الرب نفسه يهتف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً" 17 "ثم نحن الأحياء الباقون سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وفي الآية الخامسة من الباب الرابع من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا: (الرب قريب) وفي الآية الحادية عشرة من الباب العاشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: "نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" 7 وفي الباب الخامس عشر من الرسالة المذكورة 51 "هو ذا سر قوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير" 52 "في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير" فهذه الأقوال السبعة دالة على ما ذكرنا، ولما كانت عقيدتهم كذا كانت هذه الأقوال كلها محمولة على ظاهرها غير مؤوّلة وتكون غلطاً فهذه سبعة أغلاط. الغلط [76] و [77] و [78] في الباب الرابع والعشرين من إنجيل مَتَّى أن عيسى عليه السلام كان جالساً على جبل الزيتون فتقدموا إليه فسألوه عن علامات زمان يصير فيه المكانُ المقدس خراباً، وينزل فيه عيسى عليه السلام من السماء، وتقوم فيه القيامة، فبين علامات الكل، فبين أولاً زمان كون المكان المقدس خراباً، ثم قال وبعد هذه الحادثة في تلك الأيام بلا مهلة يكون نزولي، ومجيء القيامة، ففي هذا الباب إلى الآية الثامنة والعشرين يتعلق بكون المكان المقدس خراباً، ومن الآية التاسعة والعشرين إلى الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 يتعلق بالنزول، ومجيء القيامة، وهذا هو مختار الفاضل (بالس واستار) وغيرهما من العلماء المسيحية، وهو الظاهر المتبادر من السياق، ومن اختار غير ذلك فقد أخطأ ولا يُصغى إليه، وبعض آيات هذا الباب هكذا ترجمة عربية سنة 1860 (الآية) 29 "وللوقت بعد ضيقي، تلك الأيام تظلم الشمس والقمر، ولا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وقوات السماوات تتزعزع، 30 حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على [ص 157] سحاب السماء بقوة ومجد كثير، 31 فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها، 34 الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله 35 السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول" والآية 29 و 34 التراجم الأخر هكذا ترجمة عربية سنة 1844 [الآية] 19 "وللوقت من بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه والكواكب تسقط من السماء وقوات السماوات ترتج 34 والحق أقول لكم إن هذا الجيل لا يزول حتى يكون هذا كله" تراجم فارسية سنة 1816 وسنة 1828 وسنة 1841 وسنة 1842 [الآية] 29 (وبعد إز زحمت أن أيام في الفور افتاب تاريك خواهدشد) الخ 34 (بدرستي كه بشمامي كويم كه تا جميع أبن جيرها كامل نكرد داين طبقة منقرض نخواهد كشت) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 فلا بد أن يكون لنزول ومجيء القيامة بلا مهلة معتدة في الأيام التي صار المكان المقدس خراباً فيها كما يدل عليه قوله (وللوقت في تلك الأيام) ولا بد أن ينظر الجيل المعاصر لعيسى عليه السلام هذه الأمور الثلاثة، كما كان ظن الحواريين والمسيحيين الذين كانوا في الطبقة الأولى، لئلا يزول قول المسيح عليه السلام، ولكنه زال وما زال السماء والأرض، وصار الحق باطلاً والعياذ بالله، وكذا وقع في الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، والباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا، فهذه القصة فيها غلط أيضاً، فاتفق الإنجيليون الثلاثة في تحرير الغلط، وباعتبار الأناجيل الثلاثة ثلاثة أغلاط. الغلط [79] و [80] و [81] في الآية الثانية من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى قول المسيح هكذا: "الحق أقول لكم إنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا يُنقض" وصرح علماء البروتستنت أنه لا يمكن أن يبقى في وضع بناء الهيكل بناء، بل كلما يبنى ينهدم كما أخبر المسيح، قال صاحب تحقيق دين الحق مدعياً أن هذا الخبر من أعظم أخبار المسيح عن الحوادث الآتية في الصفحة 394 من كتابه المطبوع سنة 1846 هكذا: "إن السلطان جولين الذي كان بعد ثلثمائة سنة من المسيح، وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 قد ارتد عن الملة المسيحية أراد أن يبني الهيكل مرة أخرى لإبطال خبر المسيح، فلما شرع خرج من أساسه نار، ففر البناؤن خائفين، وبعد ذلك لم يجترئ أحد أن يرد قول الصادق الذي قال إن السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول" انتهت ترجمة كلامه ملخصة، والقسيس (دقتركيث) كتب كتاباً باللسان الإنكليزي في رد المنكرين، وترجمة القسيس (مريك) باللسان الفارسي، وسماه بكشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل، وطبع هذا الكتاب في دار السلطنة أدِنْ بِرْغ سنة 1846، وأنا أنقل ترجمة عبارته فأقول: إنه قال في الصفحة 70 "إن يوليان ملك الملوك أجاز اليهود وكلفهم أن يبنوا أورشليم والهيكل، ووعد أيضاً أنه يقرهم في بلدة أجدادهم، وشوق اليهود وغيرتهم ما كانا بأنقص من شوق ملك الملوك، فاشتغلوا ببناء الهيكل، لكن لما كان هذا الأمر مخالفاً لخبر عيسى عليه السلام، فاستحال، وإن كان اليهود في غاية الجد والاجتهاد في هذا الأمر، وكان ملك الملوك متوجهاً وملتفتاً إليه، ونقل المؤرخ الوثني أن شعلات النار المهيبة خرجت من هذا المكان وأحرقت البنائين فكفوا أيديهم عن العمل" وهذا الخبر غلط أيضاً مثل الخبر الذي بعده في هذا الباب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 كتب (طامس نيوتن) تفسيراً على الأخبار عن الحوادث الآتية المندرجة في الكتب المقدسة، وطبع هذا التفسير سنة 1803 في بلدة لندن فقال في الصفحة 63 و 64 من المجلد الثاني من التفسير المذكور هكذا: "عمر رضي الله عنه كان ثاني الخلفاء، وكان من أعظم المظفرين الذي نشر الفساد على وجه الأرض كلها، وكانت خلافته إلى عشرة سنين ونصف فقط، وتسلط في هذه المدة على جميع مملكة العرب والشام وإيران ومصر وحاصر عسكره أورشليم، وجاء بنفسه ههنا وصالح المسيحيين بعد ما كانوا ضيقي الصدر من طول المحاصرة سنة 637، وسلموا البلدة فأعطاهم شروطاً ذات عز وما نزع كنيسة من كنائسهم بل طلب من الأسقف موضعاً لبناء المسجد، فأخبره الأسقف عن حجر يعقوب وموضع الهيكل السليماني، وكان المسيحيون ملأوا هذا الموضع بالسرقين والروث لأجل عناد اليهود، فشرع عمر رضي الله عنه في تصفية هذا الموضع بنفسه، واقتدى به العظام من عسكره في هذا الأمر الذي هو من عبادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الله، وبنى مسجداً وهذا هو المسجد الذي بُنِي في أورشليم أولاً، وصرح به بعض المؤرخين أن عبداً من العبيد قتل عمر في هذا المسجد، ووسّع هذا المسجد عبد الملك بن مراون الذي هو ثاني عشر من الخلفاء"، وفي كلام هذا المفسر وإن وقع غلط مَا لكنه يوجد فيه أن عمر رضي الله عنه بنى أولاً المسجد في موضع الهيكل السليماني، ثم وسّعه عبد الملك بن مروان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وهذا المسجد إلى الآن موجود، ومضى على بنائه أزيد من ألف ومائتي سنة، فكيف زال قول المسيح على ما زعموا ولم تزل السماء والأرض، ولما كان هذا القول منقولاً في الآية الثانية من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس والآية السادسة من البابحادى الحادي والعشرين من إنجيل لوقا أيضاً، فيكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 كاذباً باعتبار هذين الإنجيلين أيضاً فهذه أغلاط ثلاثة باعتبار الأناجيل الثلاثة. الغلط [82] الآية الثامنة والعشرون من الباب التاسع عشر من إنجيل متى هكذا: "فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً" فشهد عيسى للحواريين الاثني عشر بالفوز والنجاة والجلوس على اثني عشر كرسياً وهو غلط، لأن يهودا الأسخريوطي الواحد من الاثني عشر قد ارتد ومات مرتداً جهنمياً على زعمهم، فلا يمكن أن يجلس على الكرسي الثاني عشر. الغلط [83] الآية الحادية والخمسون من الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: "وقال له الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" هذا أيضاً غلط، لأن هذا القول كان بعد الاصطباغ، وبعد نزول روح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 القدس ولم ير أحد بعدهما أن تكون السماء مفتوحة وتكون ملائكة الله صاعدة ونازلة على عيسى عليه السلام، ولا أنفي مجرد رؤية الملك النازل، بل أنفي أن يرى أحدٌ أن تكون السماء مفتوحة وتكون ملائكة الله صاعدة ونازلة عليه، يعني مجموع الأمرين كما وعد. الغلط [84] في الآية الثالثة عشرة من الباب الثالث من إنجيل يوحنا هكذا: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الله الذي هو في السماء"، وهذا غلط أيضاً لأن أخنوخ وإيلياء عليهما السلام رفعا إلى السماء وصعدا إليها كما هو مصرح في الباب الخامس من سفر التكوين، والباب الثاني من سفر الملوك الثاني. الغلط [85] الآية الثالثة والعشرون من الباب الحادي عشر من إنجيل مرقس هكذا: "لأني الحق أقول لكم إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون له، فيكون له مهما قال"،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 وفي الباب السادس عشر من إنجيله هكذا: 17 "وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة 18 يحملون حيات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤن" والآية الثانية عشرة من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي" فقوله، من قال لهذا الجيل الخ عام لا يختص بشخص دون شخص وزمان دون زمان، بل لا يختص بالمؤمن بالمسيح أيضاً، وكذا قوله تتبع المؤمنين عام لا يختص بالحواريين ولا بالطبقة الأولى، وكذا قوله من يؤمن بي عام لا يختص بشخص وبزمان، وتخصيص هذه الأمور بالطبقة الأولى لا دليل عليه غير الادعاء البحت، فلا بد أن يكون الآن أيضاً أن من قال لجبل انطرح في البحر ولا يشك في قلبه فيكون له مهما قال، وأن يكون من علامة من آمن بالمسيح في هذا الزمان أيضاً الأشياء المذكورة، وأن يفعل مثل أفعال المسيح بل أعظم منها، والأمر ليس كذلك، وما سمعنا أن أحداً من المسيحيين فعل أفعالاً أعظم من أفعال المسيح لا في الطبقة الأولى ولا بعدها، فقوله ويعمل أعظم منها غلط يقيناً لا مصداق له في طبقة من طبقات المسيحيين، والأعمال التي تكون من أعمال المسيح ما صدرت عن الحواريين وغيرهم من الطبقات التي بعدهم، وعلماء البروتستنت معترفون بأن صدور خوارق العادات بعد الطبقة الأولى لم يثبت بدليل قوي، ورأينا في الهند عمدة زمرة المسيحيين أعني العلماء من فرقة الكاثلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 والبروتستنت يجتهدون في تعلم لساننا الأُردو مدة ولا يقدرون على التكلم بهذا اللسان تكلماً صحيحاً، ويستعلمون صيغ المذكر في المؤنث، فضلاً عن إخراج الشياطين وحمل الحيات وشرب السموم وشفاء المرضى، فالحق أن المسيحيين المعاصرين لنا ليسوا بمؤمنين بعيسى عليه السلام حقيقة، ولذلك الأمور المذكورة مسلوبة عنهم، وادعى كبراؤهم الكرامات في بعض الأحيان لكنهم خرجوا في ادعائهم كاذبين، وأذكر هنا حكايتين مشتملتين على حال المعظمين من عظماء فرقة البروتستنت من كتاب (مرآة الصدق) الذي ترجمه القسيس (طامس أنكلس) من علماء الكاثلك من اللسان الإنكليزي إلى لسان الأُوردو، وطبع هذا الكتاب سنة 1851. قال في الصفحة 105 و 106 و 107: "الحكاية الأولى أراد لوطر في ديسمبر سنة 1543 أن يخرج الشيطان من ولد مسينا، لكنه جرى معه ما جرى باليهود الذين كانوا أرادوا إخراج الشيطان، وهو مصرح في الآية السادسة عشرة من الباب التاسع عشر من كتاب الأعمال أن الشيطان وثب على لوطر وجرحه، ومن كان معه، فلما رأى استافيلس أن الشيطان أخذ عنق أستاذه لوطر ويخنقه أراد أن يفر، ولما كان مسلوب الحواس ما قدر على أن يفتح قُفل الباب فأخذ الفاس الذي أعطاه خادمه من الكوة كسر الباب وفر كما هي مصرحة في الصفحة 104 من المعذرة التامة لاستافيلس". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 الحكاية الثانية "ذكر بلسيك وايل سوريس المؤرخ في حال كالوين الذي هو أيضاً من كبار فرقة البروتستنت مثل لوطر أن كالوين أعطى رشوة لشخص مسمى ببروميس على أن يستلقي ويجعل نفسه كالميت بحبس النفس، وإذا أحضر وأقول يا بروميس الميت قم وأحي فتحرك وقم قياماً مّا كأنك كنت ميتاً فقمت، وقال لزوجته إذا جعل زوجك هيئته كالميت فابكي واصرخي، ففعلا كما أمر واجتمعت النساء الباكيات عندها فجاء كالوين وقال لا تبكين أنا أحييته، فقرأ الأدعية، ثم أخذ يد بروميس ونادى باسم ربنا أن قم، لكن حيلته صارت بلا فائدة لأن بروميس مات حقيقة، وانتقم الله منه لأجل هذه الخديعة التي كانت فيها إهانة معجزة الصادق، وما أثرت أدعية كالوين ولا وقاه، فلما رأت زوجته هذا الحال بكت بكاء شديداً وصرخت بأن زوجي كان حياً وقت العهد والميثاق، والآن أميت كالحجر وبارد" فانظروا إلى كرامات أعاظمهم، وهذان المعظمان أيضاً كانا مقدسين في عهدهما مثل مقدسهم المشهور بولس، فإذا كان حالهما هكذا فكيف حال متبعيهما؟ والبابا اسكندر السادس الذي كان رأس الكنيسة الرومانية وخليفة الله على الأرض على زعم فرقة الكاثلك شرب السم الذي كان هيأه لغيره فمات، ولما كان حال رأس الكنيسة وخليفة الله هكذا فكيف يكون حال رعاياه؟ فرؤساء كلا الفريقين محرومون من العلامات المذكورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 الغلط [86] الآية السابعة والعشرون من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا: "ابن يوحنا بن ريسا بن زور بابل بن شلتيئل بن نيرى" وفي هذه الآية ثلاثة أغلاط (الأول) أن بني زور بابل مصرحون في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام، وليس فيه أحد مسمى بهذا الاسم، وأن هذا مخالف لما كتب متى أيضاً (الثاني) أن زور بابل ابن فدايا لا ابن شلتئيل، نعم هو ابن الأخ له (الثالث) أن شلتئيل ابن يوخانيا لا ابن نيرى كما صرح به متى. الغلط [86] قال لوقا في الباب الثالث (شالخ بن قينان بن أرفخشذ) وهو غلط لأن شالخ بن أرفخشذ لا ابن ابنه كما هو مصرح في الباب الحادي عشر من سفر التكوين، والباب الأول من السفر الأول من أخبار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 الأيام، ولا اعتبار للترجمة في مقابلة النسخة العبرانية عند جمهور علماء البروتستنت، فلا يصح ترجيح بعض للتراجم لو توافق ذلك البعض إنجيل لوقا عندهم ولا عندنا، بل نقول في هذا البعض تحريف المسيحيين ليطابق إنجيلهم. الغلط [88] في الباب الثاني من إنجيل لوقا هكذا: "وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 يكتتب كل المسكونة 2 وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية" وهذا غلط لأن المراد بكل المسكونة إما أن يكون جميع ممالك سلطنة روما وهو الظاهر، أو جميع مملكة يهودا، ولم يصرح أحد من القدماء المؤرخين اليونانيين الذين كانوا معاصرين للوقا أو متقدمين عليه قليلاً في تاريخه هذا الاكتتاب المقدم على ولادة المسيح، وإن ذكر أحد من الذين كانوا بعد لوقا بمدة مديدة فلا سند لقوله، لأنه ناقل عنه، ومع قطع النظر عن هذا كان كيرينيوس والي سورية بعد ولادة المسيح بخمس عشرة سنة، فكيف يتصوّر في وقته الاكتتاب الذي كان قبل ولادة المسيح بخمس عشرة سنة؟ وكذا كيف يتصوّر ولادة المسيح في عهده؟ أبقي حمل مريم عليها السلام إلى خمس عشرة سنة؟، لأن لوقا أقر في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 الباب الأول أن حمل زوجة زكريا عليه السلام كان في عهد هيرود وحملت مريم بعد حملها بستة أشهر، ولما عجز البعض حكم بأن الآية الثانية إلحاقية ما كتبها لوقا. الغلط [89] الآية الأولى من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا: "وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 النبطي والياً على اليهودية، وهيرودس رئيس ربع على الجليل، وفيلبس أخوه رئيس ربع على أيطورية وكورة تراخو لينس وليسانيوس رئيس ربع على الأبلية" وفي بعض التراجم بدل الأبلية أبليني والمآل واحد، وهذا غلط عند المؤرخين، لأنه لم يثبت عندهم أن أحداً كان رئيس ربع على الأبلية مسمى بلسانيوس معاصراً لبيلاطس وهيرودس. الغلط [90] الآية التاسعة عشرة من الباب المذكور: "أما هيرودس رئيس الربع فإذ توَّبخ منه بسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه" الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وهو غلط كما عرفت في الغلط السادس والخمسين، وأقر مفسروهم ههنا أنه غلط وقع من غفلة الكاتب كما ستعرف في الشاهد السابع والعشرين من المقصد الثاني من الباب [الثاني] ، والحق أنه من لوقا لا من الكاتب المسكين. الغلط [91] الآية السابعة عشرة من الباب السادس من إنجيل مرقس هكذا: "لأن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه" إلى آخره وهذا غلط أيضاً كما عرفت، فغلط الإنجيليون الثلاثة ههنا واجتمع عدد التثليث، وحرف المترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1821 وسنة 1844 في عبارة متى ولوقا فأسقط لفظ فيلبس، لكن المترجمين الآخرين لم يتبعوه في هذا الأمر، ولما كان هذا الأمر من عادة أهل الكتاب فلا شكاية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 لنا منهم في هذا الأمر الخفيف. الغلط [92] و [93] و [94] في الباب الثاني من إنجيل مرقس هكذا: 25 "فقال لهم أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه" 26 "كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة وأعطى الذين كانوا معه أيضاً". وهذا غلط لأن داود عليه السلام كان منفرداً ما كان معه أحد في هذا الوقت فقوله (والذين معه) غلط وكذا قوله (وأعطى الذين كانوا معه) غلط، ولأن رئيس الكهنة في تلك الأيام كان أخا ملك لا أبياثار، وأما أبياثار فهو ابن أخي ملك فقوله (في أيام أبياثار رئيس الكهنة) غلط، فهذه ثلاثة أغلاط من مرقس في الآيتين، وقد أقر بالغلط الثالث علماؤهم كما ستعرف في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني، ويفهم كون الأمور الثلاثة أغلاطاً من الباب الحادي والعشرين والثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 والعشرين من سفر صموئيل الأول. الغلط [95] و [96] وقع في الباب السادس من إنجيل لوقا أيضاً في بيان الحال المذكور هذان القولان (والذين كانوا معه وأعطى الذين معه) وهما غلطان كما عرفت. الغلط [97] في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: "وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر" وهو غلط، لأن يهودا الأسخريوطي كان قد مات قبل هذا فما كان الحواريون إلا أحد عشر ولذلك كتب مرقس في الباب السادس عشر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 إنجيله أنه "ظهر لأحد عشر". الغلط [98] و [99] و [100] وقع قول المسيح في الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: [19] "فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به" 20 "لأنكم لستم المتكلمين بل الذي يتكلم فيكم روح أبيكم" وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا هكذا: 11 "ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون" 12 "لأن روح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه" في الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس هذا القول مذكور أيضاً، فصرح الإنجيليون الثلاثة الذين هم على وفق عدد التثليث أن عيسى عليه السلام كان وعد لمريديه أن الشيء الذي تقولونه عند الحكام يكون بإلهام روح القدس، ولا يكون من قولكم، وهذا غلط في الباب الثالث والعشرين من كتاب أعمال الحواريين هكذا: 1 "فتفرس بولس في المجمع وقال: أيها الرجال الأخوة إني بكل ضمير صالح قد عشت لله إلى هذا اليوم" 2 "فأمر حنانيا رئيس الكهنة الواقفين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 عنده أن يضربوه على فمه" 3 "حينئذ قال له بولس سيضربك الله أيها الحائط المبيض أفأنت جالس تحكم على حسب الناموس وتأمر بضربي مخالفاً للناموس" 4 "فقال الواقفون أتشتّم رئيس كهنة الله" 5 "فقال بولس لم أكن أعرف أيها الأخوة أنه رئيس كهنة لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً" فلو كان القول المذكور صادقاً لما غلط مقدسهم بولس الذي هو حواري في زعم المسيحيين كافة من أهل التثليث باعتبار الصحبة الروحانية التي تشرفت بها ذاته على زعمهم، وهو يدعي بنفسه أيضاً المساواة بأعظم الحواريين بطرس، ولا ترجيح لحضرة بطرس عليه عند فرقة البروتستنت، فغلط هذا المقدس دليل عدم صدق القول المذكور، أيغلط روح القدس؟، وستعرف في الفصل الرابع أن علماءهم اعترفوا ههنا بالاختلاف والغلط، ولما كان هذا الغلط باعتبار الأناجيل الثلاثة فهذا الغلط ثلاثة أغلاط على وفق عدد التثليث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الغلط [101] و [102] في الآية الخامسة والعشرين من الباب الرابع من إنجيل لوقا وفي الآية السابعة عشرة من الباب الخامس من رسالة يعقوب: "إنه لم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر في زمان إيليا الرسول" وهو غلط، لأنه يعلم من الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول أن المطر نزل في السنة الثالثة، ولما كان هذا الغلط في إنجيل لوقا في قول المسيح، وفي الرسالة في قول يعقوب، فهما غلطان. الغلط [103] وقع في الباب الأول من إنجيل لوقا في قول جبرائيل لمريم عليهما السلام في حق عيسى عليه السلام: "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" وهو غلط بوجهين: (الأول) أن عيسى عليه السلام من أولاد يواقيم على حسب النسب المندرج في إنجيل متى وأحد من أولاده لا يصلح أن يجلس على كرسي داود، كما هو مصرح في الباب السادس والثلاثين من كتاب أرمياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 (والثاني) أن المسيح لم يجلس على كرسي داود ساعة، ولم يحصل له حكومة على آل يعقوب، بل قاموا عليه وأحضروه أمام كرسي بيلاطس، فضربه وأهانه وسلمه إليهم فصلبوه، على أنه يعلم من الباب السادس من إنجيل يوحنا أنه كان هارباً من كونه ملكاً، ولا يتصور الهرب من أمر بعثه الله لأجله على ما بشر جبريل أمه قبل ولادته. الغلط [104] في الباب العاشر من إنجيل مرقس هكذا: "الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" وفي الباب الثامن عشر من إنجيل لوقا في هذا الحال (وينال العوض أضعافاً كثيرة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي حياة الأبد) وهو غلط لأنه إذا ترك الإنسان امرأة فلا يحصل له مائة امرأة في هذا الزمان لأنهم لا يجوزون التزوج بأزيد من امرأة، وإن كان المراد بها المؤمنات بعيسى عليه السلام بدون النكاح يكون الأمر أفحش وأفسد، على أنه لا معنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 لقوله أو حقولاً مع اضطهادات، فإن الكلام هنا في حسن المجازاة والمكافآت فما الدخل للشدائد والاضطهادات ههنا. الغلط [105] في الباب الخامس من إنجيل مرقس في حال إخراج الشياطين من المجنون هكذا: "فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير فأذن لهم يسوع للوقت، فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير فاندفع القطيع إلى البحر وكانوا نحو ألفين فاختنقوا في البحر" وهذا غلط أيضاً فإن قنية الخنزير عند اليهود محرمة، ولم يكن من المسيحيين الآكلين لها في هذا الوقت أصحاب أمثال هذه الأموال، فأي نوع من الناس كان أصحاب ذلك القطيع، وأن عيسى عليه السلام كان يمكنه أن يخرج تلك الشياطين من ذلك الرجل ويبعثها إلى البحر من دون إتلاف الخنازير التي هي من الأموال الطيبة كالشاه والضأن عند المسيحيين، أن يدخلها في خنزير واحد كما كانت في رجل واحد، فلم جلب هذه الخسارة العظيمة على أصحاب الخنازير؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 الغلط [106] في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى قول عيسى عليه السلام في خطاب اليهود هكذا: "من الآن ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" وهو غلط لأن اليهود لم تره قط جالساً عن يمين القوة، ولا آتياً على سحاب السماء لا قبل موته ولا بعده. الغلط [107] في الباب السابع من إنجيل لوقا هكذا: "ليس التلميذ أفضل من معلمه، بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه"، هذا في الظاهر غلط لأنه قد صار ألوف من التلاميذ أفضل من معلميهم بعد الكمال. الغلط [108] في الباب الرابع عشر من إنجيل لوقا قول عيسى عليه السلام هكذا: "إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً" وهذا الأدب عجيب لا يناسب تعليمه لشأن عيسى عليه السلام، وقد قال هو موبخاً لليهود: "إن الله أوصى قائلاً أكرم أباك وأمك ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً" كما هو مصرح في الباب الخامس من إنجيل متى فكيف يعلم بغض الأب والأم؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الغلط [109] في الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 49: "فقال لهم واحد منهم هو قيافا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً 50 "ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها" 51 "ولم يقل هذا من نفسه بل إذا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع منتظر أن يموت عن الأمة" 52 "وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد" وهذا غلط بوجوه: (الأول) أن مقتضى هذا الكلام أن رئيس كتبة اليهود لا بد من أن يكون نبياً وهو فاسد يقيناً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 (الثاني) أن قوله هذا ولو كان بالنبوة يلزم أن يكون موت عيسى عليه السلام كفارة عن قوم اليهود فقط لا عن العالم، وهو خلاف ما يزعمه أهل التثليث، ويلزم أن يكون قول الإنجيلي وليس عن الأمة فقط الخ لغواً مخالفاً للنبوة. (الثالث) أن هذا النبي المسلم نبوته عند هذا الإنجيلي هو الذي كان رئيس الكهنة حين أسر وصلب عيسى عليه السلام، وهو الذي أفتى بقتل عيسى عليه السلام وكذّبه وكفَّره ورضي بتوهينه وضربه. في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى هكذا: 57: "والذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة" الخ 63. "وأما يسوع فكان ساكتاً فأجاب رئيس الكهنة وقال أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله" 64 "فقال له يسوع أنت قلت، وأيضاً أقول لكم إنكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" 65 "فمزق حينئذ رئيس الكهنة ثيابه قائلاً قد جدَّف، ما حاجاتنا بعد إلى شهود ها قد سمعتم تجديفه" 66 "ماذا ترون؟ فأجابوا وقالوا إنه مستوجب الموت" 67 "حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه" وقد اعترف الإنجيلي الرابع أيضاً في الباب الثامن عشر من إنجيله هكذا: "ومضوا به إلى حنان أولاً لأنه كان حنان قيافا الذي كان رئيساً للكهنة في تلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 السنة، وكان قيافاً هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب" فأقول لو كان قوله المذكور بالنبوة وكان معناه كما فهم الإنجيلي فكيف أفتى بقتل عيسى عليه السلام؟ وكيف كذبه وكفره ورضي بتوهينه وضربه؟ أيفتي النبي بقتل الإله؟ أيكذبه في ألوهيته ويكفره ويهينه، وإن كانت النبوة حاوية لأمثال هذه الشنائع أيضاً فنحن برآء عن هذه النبوة وعن صاحبها، ويجوز على هذا التقدير عند العقل أن يكون عيسى عليه السلام أيضاً نبياً لكنه ركب مطية الغواية والعياذ بالله فارتد وادعى الألوهية، وكذب على الله ودعوى العصمة في حقه خاصة في التقدير المذكور غير مسموع، والحق أن يوحنا الحواري بريء عن أمثال هذه الأقوال الواهية كما أن عيسى عليه السلام بريء عن ادعاء الألوهية، وهذه كلها خرافات المثلثين، ولو فرض صحة قول قيافا يكون معناه أن تلاميذ عيسى عليه السلام وشيعته لما جعلوا دأبهم أن عيسى عليه السلام هو المسيح الموعود، وكان زعم الناس أن المسيح لا بد أن يكون سلطاناً عظيماً من سلاطين اليهود، خاف هو وأكابر اليهود أن هذه الإشاعة موجبة للفساد مهيجة عليهم غضب قيصر رومية فيقعون في بلاء عظيم فقال: إن في هلاك عيسى فداء لقومه من هذه الجهة لا من جهة خلاص النفوس من الذنب الأصلي، الذي عندهم عبارة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الذنب الذي صدر عن آدم عليه السلام بأكل الشجرة المنهية قبل ميلاد المسيح بألوف سنة. لأنه وهم محض لا يعتقده اليهود، ولعل الإنجيلي تنبه بعد ذلك حيث أورد في الباب الثامن عشر لفظ أشار بدل تنبأ، لأن بين الإشارة بأمر وبين النبوة فرقاً عظيماً فأجاد وإن ناقض نفسه. الغلط [110] في الباب التاسع من الرسالة العبرانية هكذا: 19: "لأن موسى بعد ما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس أخذ دم العجول والتيوس مع ماء وصوفاً قرمز ياوز وفاورَشَّ الكتاب نفسه وجميع الشعب" 30 "قائلاً هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به" 21 "والمسكن أيضاً وجميع آنية الخدمة رشها كذلك بالدم" وفيه غلط من ثلاثة أوجه: (الأول) أنه ما كان دم العجول والتيوس بل كان دم الثيران فقط. (الثاني) ما كان الدم في هذه المرة مع ماء وصوف قرمزي وزوفابل كان الدم فقط. (والثالث) ما رش على الكتاب نفسه ولا على جميع آنية الخدمة، بل رش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 نصف الدم على المذبح ونصفه على الشعب، كما هو مصرح في الباب الرابع والعشرين من كتاب الخروج وعبارته هكذا: 3 (فجاء موسى وحدت الشعب بكل كلام الرب وجميع الفرائض فصرخ الشعب كله صرخة شديدة، وقالوا كل ما قال الله نعمل) 4 (فكتب موسى جميع كلام الله وابتكر بالغداة فابتنى مذبحاً في أسفل الجبل واثني عشر منسكاً لاثني عشر سبط إسرائيل) 5 (وأرسل شباب بني إسرائيل فاصعدوا وقوداً مسلمة وذبحوا ذبائح كاملة ثيراناً للرب) 6 (وأخذ موسى نصف الدم وجعله في إناء والنصف الآخر رشه على المذبح) 7 (وأخذ الميثاق وقرأه على الشعب فقالوا نفعل جميع ما قاله الله لنا ونطيع) 8 (فأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هذا العهد الذي عاهدكم الله به على كل هذا القول) ، وظني أن الكنيسة الرومانية لأجل هذه المفاسد التي علمتها في هذا الفصل كانت تمنع العامة عن قراءة هذه الكتب، وتقول إن الشر الناتج من قراءتها أكثر من الخير، ورأيهم في هذا الباب كان سليماً جداً، وعيوبها كانت مستترة عن أعين المخالفين لعدم شيوعها، ولما ظهرت فرقة البروتستنت وأظهرت هذه الكتب ظهر ما ظهر في ديار أوروبا في الرسالة الثالثة عشرة من كتاب الثلاث عشرة المطبوعة سنة 1849 في بيروت في الصفحة 417 و 418 "فلننظر الآن قانوناً مرتباً من قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 المجمع التريد نيتني ومثبتاً من البابا بعد نهاية المجمع، وهذا القانون يقول: إذ كان ظاهراً من التجربة أنه إذا كان الجميع يقرؤون في الكتب باللفظ الدارج فالشر الناتج من ذلك أكثر من الخير، فلأجل هذا ليكن للأسقف أو القاضي في بيت التفتيش سلطان حسب تميزه بمشورة القس أو معلم الاعتراف ليأذن في قراءة الكتاب باللفظ الدارج لأولئك الذين يظن أنهم يستفيدون، ويجب أن يكون الكتاب مستخرجاً من معلم كاثوليكي والإذن المعطى بخط اليد، وإن كان أحد بدون الإذن يتجاسر أن يقرأ أو يأخذ هذا الكتاب فلا يسمح له بحل خطيئته حتى يرد الكتاب إلى الحاكم" انتهى كلامه بلفظه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 الفصل الرابع: في بيان أنه لا مجال لأهل الكتاب أن يدّعوا أن كل كتاب من كتب العهد العتيق والجديد كتب بالإلهام، وأن كل حال من الأحوال المندرجة فيه إلهامي، وفيه سبعة عشر وجهاً لأن هذا الادعاء باطل قطعاً ويدل على بطلانه وجوه كثيرة أكتفي منها ههنا على سبعة عشر وجهاً: الوجه (الأول) أنه يوجد فيها الاختلافات المعنوية الكثيرة، واضطر محققوهم ومفسروهم في هذه الاختلافات فسلموا في بعضها أن إحدى العبارتين أو العبارات صادقة وغيرها كاذبة إما بسبب التحريف القصدي، أو بسبب سهو الكاتب، ووجهوا بعضها بتوجيهات ركيكة بشعة لا يقبلها الذهن السليم، وقد عرفت في القسم الأول من الفصل الثالث أزيد من مائة اختلاف. الوجه (الثاني) أنه يوجد فيها أغلاط كثيرة وقد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث أيضاً أكثر من مائة غلط، والكلام الإلهامي بعيد بمراحل عن وقوع الغلط والاختلاف المعنوي. الوجه (الثالث) أنه وقع فيها التحريفات القصدية في مواضع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 غير محصورة بحيث لا مجال للمسيحيين أن ينكروها، وظاهر أن المواضع المحرّفة ليست بإلهامية عندهم يقيناً، وستقف على مائة موضع من هذه المواضع في الباب الثاني مفصّلاً إن شاء الله تعالى. الوجه (الرابع) أن كتاب باروخ، وكتاب طوبيا، وكتاب يهوديت، وكتاب وزدم، وكتاب أيكليزيا ستيكس، والكتاب الأول والثاني للمقابيين، وعشر آيات في الباب العاشر، وستة أبواب من الحادي عشر إلى السادس عشر من كتاب أستير، وغناء الأطفال الثلاثة في الباب الثالث من كتاب دانيال، والباب الثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب، أجزاء من العهد العتيق عند فرقة الكاثلك، وقد بين فرقة البروتستنت بالبيانات الشافية أنها ليست إلهامية واجبة التسليم، فلا حاجة لنا إلى إبطالها، فمن شاء فلينظر في كتبهم، واليهود أيضاً لا يسلمونها إلهامية. والسفر الثالث لعزرا أجزاء من العهد العتيق عند كنيسة كريك وقد بين فرقة الكاثلك وفرقة البروتستنت بأدلة واضحة أنه ليس إلهامياً، فمن شاء فلينظر في كتب الفرقتين المذكورتين، وكتاب القُضاة ليس إلهامياً على قول من قال إنه تصنيف فينحاس، وكذا على قول من قال إنه تصنيف حزقيا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وكتاب راغوث ليس إلهامياً على قول من قال إنه تصنيف حزقيا، وكذا على قول طابعي البيبل المطبوع سنة 1816 في (استار برك) وكتاب نحميا على المذهب المختار ليس إلهامياً، سيما ستاً وعشرين آية من أول الباب الثاني عشر من هذا الكتاب، وكتاب أيوب ليس إلهامياً على قول رب مماني ديز، وميكانيس، وسيملر واستاك، وتهويد وروى الإمام الأعظم لفرقة البروتستنت لوطر، وعلى قول من قال إنه من تصنيف أليهو أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم، والباب الثلاثون والباب الحادي والثلاثون من كتاب أمثال سليمان ليسا بإلهاميين، والجامعة على قول علماء تلميودي ليس إلهامياً، وكتاب نشيد الإنشاد على قول تهيودوروسيمن وليكلرك ووستن وسملر وكاستيليو ليس إلهامياً، وسبعة وعشرون باباً من كتاب أشعياء ليست إلهامية على قول الفاضل (استاهلن الجرمني) وإنجيل متى على قول القدماء وجمهور العلماء المتأخرين الذين قالوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 إنه كان باللسان العبراني والحروف العبرانية ففقد والموجود الآن ترجمة ليس إلهامياً، وإنجيل يوحنا على قول استائدلن والمحقق برطشنيدر ليس إلهامياً، والباب الأخير منه على قول المحقق (كروتيس) ليس إلهامياً، وجميع رسائل يوحنا ليست إلهامية على قول المحقق برطشنيدر وقول فرقة ألوجين والرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا ورسالة يعقوب والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ومشاهدات يوحنا ليست إلهامية على قول الأكثر كما عرفت في الفصل الثاني من هذا الباب. الوجه (الخامس) قال هورن في الصفحة 131 من المجلد الأول من تفسيره المطبوع سنة 1833: "إن سلمنا أن بعض كتب الأنبياء فقدت فقلنا: إن هذه الكتب ما كانت مكتوبة بالإلهام، وأثبت أكستائن بالدليل القوي هذا الأمر، وقال إنه وَجَد ذكر كثير من الأشياء في كتب تواريخ ملوك يهودا وإسرائيل ولم تُبَّين هذه الأشياء فيها، بل أُحيل بيانها إلى كتب الأنبياء الآخرين، وفي بعض المواضع ذكر أسماء هؤلاء الأنبياء أيضاً، ولا توجد هذه الكتب في هذا القانون الذي يعتقده كنيسة الله واجب التسليم، وما قدر أن يبين سببه، غير أن الأنبياء الذين يلهمهم الروح القدس الأشياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 العظيمة في المذهب تحريرهم على قسمين، قسم على طريقة المؤرخين المتدينين يعني بلا إلهام، وقسم بالإلهام، وبين القسمين فَرْق بأن الأول منسوب إليهم، والثاني إلى الله، وكان المقصود من الأول زيادة علمنا، ومن الثاني سَنَدَ الملة والشريعة، ثم قال في الصفحة 133 من المجلد الأول في سبب فقدان سِفر حروف الرب الذي جاء ذكرُه في الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد: "إن هذا الكتاب الذي فُقِد، أنه مظنون كان على تحقيق المحقق الكبير (داكتر لائت فت) كتاباً كتبه موسى عليه السلام بأمر الله بعد ما كسر عماليق على طريق التذكرة ليوشع، فيعلم أن هذا الكتاب كان مشتملاً على بيان حال هذا الظفر، وعلى بيان التدابير للحروب المستقبلة، وما كان إلهامياً ولا جزءاً من الكتب القانونية" ثم قال في الضميمة الأولى من المجلد الأول: "إذا قيل إن الكتب المقدسة أُوحيت من جانب الله فلا يراد أن كل لفظ، والعبارة كلُها من إلهام الله، بل يُعلم من اختلاف محاورة المصنفين واختلاف بيانهم أنهم كانوا مجازين أن يكتبوا على حسب طبائعهم وعاداتهم وفهومهم، واستعمل علم الإلهام على طريق استعمال العلوم الرسمية، ولا يتخيل أنهم كانوا يُلهمون في كل أمر يبينونه، أو في كل حكم كانوا يحكمونه" انتهى ملخصاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 "ثم قال هذا الأمر محقق أن مصنفي تواريخ العهد العتيق كانوا يلهمون في بعض الأوقات". الوجه (السادس) قال جامعو تفسير هنري واسكات في المجلد الأخير من تفسيره نقلاً عن (الكزيدر كينن) يعني الأصول الإيمانية لا لكزيدر: "ليس بضروري أن يكون كل ما كتب النبي إلهامياً أو قانونياً، ولا يلزم من كون بعض كتب سليمان إلهامياً أن يكون كل ما كتبه إلهامياً، وليحفظ أن الأنبياء والحواريين كانوا يُلْهمون على المطالب الخاصة والمواقع الخاصة" (والكزيدر) كتاب عند علماء البروتستنت، ولذلك تمسَك به الفاضل وارن البروتستنت في مقابلة كاركرن الكاثلك في صحة الإنجيل وعدمها، وكون التفسير المذكور معتبراً عندهم غير محتاج إلى البيان. الوجه (السابع) إنيسائي كلو بيديا برتنيكا كتاب اتفق على تأليفه كثيرون من علماء إنكلترة فألفوه، وقالوا في الصفحة 374 من المجلد الحادي عشر في بيان الإلهام هكذا: "قد وقع النزاع في أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة هل هو إلهامي أم لا؟ وكذا كل حال من الحالات المندرجة فيها فقال، جيروم وكرتيس وأرازمس وبركوبيس والكثيرون الآخرون من العلماء: "إنه ليس كل قول منها إلهامياً" ثم قالوا في الصفحة 30 من المجلد التاسع عشر من الكتاب المذكور: "إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 الذين قالوا إن كل قول مندرج فيها إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة" ثم قالوا: "إن سألنا أحدٌ على سبيل التحقيق إنكم تسلمون أي جزء من العهد الجديد إلهامياً؟ قلنا: إن المسائل والأحكام والإخبار بالحوادث الآتية التي هي أصل الملة المسيحية لا ينفك الإلهام عنها، وأما الحالات الأخر فكان حفظ الحواريين كافياً لبيانها". الوجه (الثامن) أن ريس كتب بإعانة كثير من العلماء المحققين كتاباً (بانسائي كلوبيد باريس) فقال في المجلد السابع عشر من هذا الكتاب: "إن الناس قد تكلموا في كون الكتب المقدسة إلهامية، وقالوا إنه يوجد في أفعال مؤلفي هذه الكتب وأقوالهم أغلاط واختلافات، مثلاً: إذا قوبلت الآية 19 و 20 من الباب العاشر من إنجيل مَتّى والآية 11 من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس بست آيات من أول الباب الثالث والعشرين من كتاب الأعمال يظهر ذلك، وقيل أيضاً: إن الحواريين ما كان يرى بعضهم بعضاً آخر صاحبَ وحْي كما يظهر هذا من مباحثتهم في محفل أورشليم، ومن إلزام بولس لبطرس، وقيل أيضاً: إن القدماء المسيحية ما كانوا يعتقدونهم مصونين عن الخطأ لأن بعض الأوقات تعرضوا على أفعالهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 (2 و 3 من الباب الحادي عشر و 20 و 21 و 22 و 23 و 24 من الباب الحادي والعشرين من كتاب الأعمال) وقيل أيضاً: إن بولس المقدس الذي لا يرى نفسه أدنى من الحواريين (5 من الباب 11 و 11 من الباب 12 من الرسالة الثانية إلى أهل قورنيثوس) بين حاله بحيث يظهر منه صراحة أنه لا يرى نفسه إلهامياً في كل وقت (10 و 12 و 15 و 40 من الباب السابع من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس و 17 من الباب 11 من الرسالة الثانية إليهم) ونحن لا نجد أن الحواريين يشرِّعون الكلامَ بحيث يظهر منه أنهم يتكلمون من جانب الله، ثم قال إن ميكايلس وَزَنَ دلائل الطرفين بالفكر والخيال اللذين لا بد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 أن يكونا لمثل هذا الأمر العظيم فحاكم بينهما بأن الإلهام مفيد في الرسائل ألبتة، وأن كُتُبَ التاريخ مثل الأناجيل والأعمال لو قطعنا النظر فيها عن الإلهام رأساً لا يضرنا شيئاً، بل يحصل شيء من الفائدة، وإن سلمنا أن شهادة الحواريين في بيان الحالات التاريخية مثل الأشخاص الآخرين كما قال المسيح، وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء كما صرح يوحنا في الآية 17 من الباب الخامس عشر من إنجيله لا يضرنا شيئاً أيضاً ولا يقدر أحد في مقابلة مُنْكِر الملة المسيحية أن يستدل على حقيتها بتسليم مسألة ما بل لا بد أن يستدل على موت المسيح وقيامه ومعجزاته بتحرير الإنجيليين واعتبارهم بأنهم مؤرخون، ومن أراد أن يقيس مبنى إيمانه فيلزم عليه أن يتصور شهادتهم في هذه الحالات كشهادة الأشخاص الآخرين، لأن إثبات حقية الحالات المندرجة في الأناجيل بكونها إلهامية يستلزم الدور، لأن إلهاميتها باعتبار الحالات المذكورة، فلا بد أن يتصور شهادتها في هذه الحالات كشهادة الأشخاص الآخرين، ولو تصورنا في بيان الحالات التاريخية كما قلنا لا يلزم من هذا التصور قَبَاحة ما في الملة المسيحية. ولا نجد مكتوباً صريحاً في موضع أن الحالات العامة التي أدركها الحواريون بتجاربهم، وأدرك لوقا بتحقيقاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 إلهامية، بل لو حصل لنا الإجازة أن نتصور أن بعض الإنجيلبين غلطوا غلطاً ما ثم أصلح يوحنا بعد ذلك، لحصلت فائدة عظيمة لتطبيق الإنجيل، وقال مستر (كدل) في الفصل الثاني من رسالته في بيان الإلهام مثل ما قال ميكايلس، والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال فتوقف ميكايلس في كونها إلهامية" انتهى كلام ريس ملخصاً. الوجه (التاسع) أن واتسن صرح في المجلد الرابع من كتابه في رسالة الإلهام التي أخذت من تفسير (داكتر بنسن) أن عدم كون تحرير لوقا إلهامياً ظهر مما كتب في ديباجة إنجيله هكذا: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي عملت به، وهكذا قال القدماء من العلماء المسيحية أيضاً قال أرينيوس: إن الأشياء التي تعلّمها لوقا من الحواريين بلغها إلينا، وقال جيروم إن لوقا تعلمه ليس منحصراً من بولس الذي لم يحصل له صحبة جسمانية بالمسيح، بل تعلم الإنجيل منه ومن الحواريين الآخرين أيضاً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 ثم صرح في تلك الرسالة أن الحواريين كانوا إذا تكلموا في أمر الدين أو كتبوا فخزانة الإلهام التي كانت حاصلة لهم كانت تحفظهم، لكنهم كانوا أناساً وذوي عقول، وكانوا يُلْهمون أيضاً، وكما أن الأشخاص الآخرين في بيان الحالات يتكلمون ويكتبون بمقتضى عقولهم بغير الإلهام، فكذا هؤلاء الحواريون في الحالات العامة كانوا يتكلمون ويكتبون، فلذلك كان يمكن لبولس أن يكتب بدون الإلهام إلى طيموثاوس: "هكذا استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" كما هو مصرح في الآية 23 من الباب الخامس من الرسالة الأولى إليه، أو أن يكتب إليه "الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربس أحضره متى جئت والكتب أيضاً ولا سيما الرّقوق" كما هو مصرح في الآية الثالثة عشرة من الباب الرابع من الرسالة الثانية إليه، أو أن يكتب إلى فيلمون: "ومع هذا أعدد لي أيضاً منزلاً" كما هو مصرح في الآية الثانية والعشرين من رسالته إليه، أو أن يكتب إلى طيموثاوس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 "أراسنس بقي في قورنيثوس وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً" كما في الآية العشرين من الباب الرابع من الرسالة الثانية إليه، وليست هذه الحالات حالات نفسي ألبتة بل حالات بولس المقدس. كتب في الباب السابع من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس في الآية العاشرة هكذا: "فأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب" وفي الآية الثانية عشرة هكذا: "وأما الباقون فأنا أقول لا الرب" وفي الآية الخامسة والعشرين "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأياً" ... الخ، وفي الباب السادس عشر من كتاب الأعمال في الآية السادسة هكذا: "وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، وفي الآية السابعة هكذا: "فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى ابثيتنية فلم يدعهم الروح" فالحواريون كان لأمورهم أصلان: أحدهما العقل، والثاني الإلهام، فبالنظر إلى الأول كانوا يحكمون في الأمور العامة، وبالنظر إلى الثاني في أمر الملة المسيحية، فلذلك كان الحواريون يغلطون في أمور بيوتهم وإرادتهم مثل الناس الآخرين كما هو مصرح في الآية 3 و 5 من الباب الثالث والعشرين من كتاب الأعمال، وفي الآية 24 و 28 من الباب الخامس عشر من الرسالة الرومية، وفي الآية 5 و 6 و 8 من الباب السادس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس وفي الآية 15 و 16 و 17 و 18 من الباب الحادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 عشر من الرسالة الثانية إليهم" انتهى كلام واتسن الذي نقله من رسالة الإلهام، وفي المجلد التاسع من (انسائي كلوبيد باريس) في بيان حال داكتر بنسن هكذا: "إن ما بين بنسن في أمر الإلهام سهل في بادئ النظر وقريب من القياس وعديم النظير والمثل في الامتحان". الوجه (العاشر) قال باسوبر وليافان: "إن روح القدس الذي كتب الإنجيليون والحواريون بتعليمه وإعانته لم يعين لهم لساناً معيناً بل ألقى المضمون فقط في قلوبهم وحفظهم من وقوعهم في الغلط، وخيّر كلاً منهم أن يؤديَ الملقى على حسب محاورته وعبارته، ونحن كما نجد الفرق في محاورة هؤلاء المقدسين يعني مؤلفي العهد العتيق في كتبهم على حسب أمزجتهم ولياقتهم، فكذلك يجد من كان ماهراً بأصل اللسان فرقاً في محاورة متى ولوقا وبولس ويوحنا، ولو ألقى روح القدس العبارة في قلوب الحواريين لما وجد هذا الأمر ألبتة بل لو كان في هذه الحالة محاورة جميع الكتب المقدسة واحدة. على أن بعض الحالات لا حاجة للإلهام فيها، مثلاً إذا كتبوا شيئاً رأوه بأعينهم أو سمعوه من الشاهدين المعتبرين، إذا أراد لوقا أن يكتب إنجيله قال إنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 كتب حال الأشياء على حسب ما سمعوا من الذين كانوا معاينين بأعينهم، ولما كان واقفاً فرأى مناسباً أن يبلغ هذه الأشياء إلى الأجيال الآتية، والمصنف الذي يكون له خبر هذه الأشياء من روح القدس يقول على ما جرت به العادة: إني بينت حال هذه الأشياء كما علمني روح القدس، وإيمان بولس المقدس وإن كان عجباً ومن جانب الله لكن لوقا مع ذلك لا ضرورة له في بيانه إلى غير شهادة بولس أو شهادة رفقائه، ولذلك فيه فرق ما لكنه لا تناقض فيه" انتهى كلام باسوبر وليافان وهما عالمان مشهوران من العلماء العظام المسيحية المشهورين، وكتابهما أيضاً كتاب معتبر في غاية الاعتبار، كما صرح هورن وواتسن. الوجه (الحادي عشر) صرح هورن في الصفحة 798 من المجلد الثاني هكذا: "إن أكهارن من العلماء الجرمنية الذين هم ليسوا بمعترفين بإلهام موسى" ثم قال في الصفحة 818: "قال شَلْزودَاتهه ورَوْزن مُلَرودا كتر جدس: إنه ما كان إلهام لموسى، بل جمع الكتب الخمسة من الروايات المشهورة في ذلك العهد، وهذا الرأي هو المنتشر انتشاراً بليغاً الآن في علماء الجرمن وقال هو أيضاً: "إن يوسى بيس وكذا بعض المحققين الكبار أيضاً الذين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 كانوا بعده يقولون إنّ موسى كتب سِفْر الخليقة في الوقت الذي كان يرعى الشياه في مَدْين في بيت صهره" أقول: إذا كتب موسى سفر التكوين قبل النبوة فلا يكون هذا السفر عند هؤلاء المحققين العظام إلهامياً، بل يكون مجموعاً من الروايات المشهورة، لأنه إذا لم يكن كل تحرير النبي بعد نبوته إلهامياً كما اعترف به المحقق هورن وغيره على ما عرفت، فكيف يكون هذا التحرير الذي هو قبل النبوة إلهامياً؟ قال وارد كاثلك في الصفحة 38 من كتابه المطبوع سنة 1841: "قال لوطر في الصفحة 40 و 41 من المجلد الثالث من كتابه لا نسمع من موسى ولا ننظر إليه لأنه كان لليهود فقط، ولا علاقة له بنا في شيء مّا، وقال في كتاب آخر نحن لا نسلم موسى ولا توراته لأنه عدو عيسى" ثم قال: "إنه أستاذ الجلادين، ثم قال لا علاقة للأحكام العشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 بالمسيحية"، ثم قال: "لنخرج هذه الأحكام العشرة ليزول كل بدعة حينئذ لأنها منابع البدعات بأسرها، وقال أسلى بيس تلميذُه هذه الأحكام العشرة لا تعلَّم في الكنائس، وخرجت فرقة (أنتي نومينس) من هذا الشخص: وكان عقيدتهم أن التوراة ليس بلائق أن يُعْتَقد أنه كلام الله، وكانوا يقولون: إن أحداً لو كان زانياً أو فاجراً أو مرتكباً ذنوباً أخر فهو في سبيل النجاة ألبتة، وإن غرق في العصيان بل في قعره، وهو يؤمن فهو في سرور، والذين يصرفون أنفسهم في هذه الأحكام العشرة فعلاقتهم بالشيطان، صُلِب هؤلاء بموسى" فانظروا إلى أقوال إمام فرقة البروتستنت وتلميذه الرشيد كيف قالا في حق موسى عليه السلام وتوراته، فإذا كان موسى عدو عيسى عليهما السلام وأستاذ الجلادين، ولليهود فقط ولا يكون التوراة كلام الله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 ولا يكون لموسى ولا لتوراته ولا للأحكام العشرة علاقة بالمسيحيين، وتكون هذه الأحكام قابلة الإخراج، ومنابع البدعات، ويكون الذين يتمسكون بها علاقتهم بالشيطان، فيلزم أن ينكر متبعو هذا الإمام التوراة وموسى عليه السلام، ويكون الشركُ وعبادة الأوثان وعدمُ تعظيم الأبوين وإيذاء الجار والسرقةُ والزنا والقتلُ والشهادة الزور من أركان الملة البروتستنتية، لأن خلاف هذه الأحكام العشرة التي هي منابع البدعات الأشياء المذكورة. قال البعض من هذه الفرقة لي أيضاً: إن موسى عندنا ما كان نبياً، بل كان عاقلاً مدوناً للقوانين، وقال البعض الآخر من هذه الفرقة: إن موسى عندنا كان سارقاً لصاً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 فقلت اتق الله، قال لِمَ؟ وأن عيسى عليه السلام قال: "جميع الذين أتوا قبلي هم سُراق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم" كما هو مصرح في الآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا، فأشار بقوله جميع الذين أتوا قبلي إلى موسى وغيره من الأنبياء الإسرائيلية، (أقول) لعل متمسك إمام هذه الفرقة المذكورة وتلميذه الرشيد في ذم موسى وتوراته يكون هذا القول. الوجه (الثاني عشر) قال إمام فرقة البروتستنت لوطر في حق رسالة يعقوب: "إنها كلام" يعني لا اعتداد بها، وأمر يعقوب الحواري في الباب الخامس من رسالته: "إذا مرض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه" فاعترض عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 الإمام المذكور في المجلد الثاني من كتابه: "هذه الرسالة إن كانت ليعقوب أقول في الجواب إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط" فرسالة يعقوب عند الإمام المذكور ليست إلهامية، وكذا أحكام الحواريين ليست إلهامية، وإلا لا معنى لقوله: إن هذا المنصب كان لعيسى فقط، وقال وارد كاثلك في الصفحة 37 من كتابه المطبوع سنة 1841 "قال بومرن الذي هو من العلماء العظام من فرقة البروتستنت وهو تلميذ لوطر إن يعقوب يتم رسالته في الواهيات، وينقل عن الكتب نقلاً لا يمكن أن يكون فيه روح القدس، فلا تعدّ هذه الرسالة في الكتب الإلهامية، وقال وائي تس تهيودورش البروتستنت، وكان واعظاً في (نرم برك) : "إنا تركنا قصداً مشاهدات يوحنا ورسالة يعقوب ليست قابلة للملامة في بعض المواضع التي تزيد الأعمال على الإيمان، بل توحد فيها المسائل والمطالب المتناقضة وقال (مكيدي برجن سنتيورستس) إن رسالة يعقوب تنفرد عن مسائل الحواريين، في موضع يقول إن النجاة ليست موقوفة على الإيمان فقط بل هي موقوفة على الأعمال أيضاً، وفي موضع يقول إن التوراة قانون الحرية" فعُلم أن هؤلاء الأعلام أيضاً لا يعتقدون إلهامية رسالة يعقوب كإمامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 الوجه (الثالث عشر) قال كلي شيس: "إن مرقص ومتى يتخالفان في التحرير، وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا" أقول: يعلم منه أمران: (الأول) أن متى ومرقس يوجد في تحريرهما في بعض المواضع اختلاف معنوي، لأن الاتفاق اللفظي لا يوجد في قصة من القصص (والثاني) أن هذه الأناجيل الثلاثة ليست إلهامية وإلا لا معنى لترجيح الأولين على الثالث. الوجه (الرابع عشر) المحقق بيلي صنف كتاباً في الإسناد، وهو من العلماء المعتبرين من فرقة البروتستنت وطبع هذا الكتاب سنة 1850 فقال في الصفحة 323 هكذا: الغلط الثاني الذي نسب إلى القدماء المسيحيين أنهم كانوا يرجون قرب القيامة، وأنا أقدم نظيراً آخر قبل الاعتراض، وهو أن ربنا قال في حق يوحنا لبطرس: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فما ذلك، ففهم هذا القول على خلاف المراد بأن يوحنا لا يموت، فذاع بين الأخوة، فانظروا لو كان هذا القول وصل إلينا بعد ما صار رأياً عاماً، وفقد السبب الذي نشأ منه هذا الغلط واستعد أحدٌ اليوم لرد الملة العيسوية متمسكاً بهذا الغلط لكان هذا الأمر بلحاظ الشيء الذي وصل إلينا في غاية الاعتساف، والذين يقولون أنه يحصلُ الجزمُ من الإنجيل بأن الحوارين والقدماء المسيحية كانوا يرجون قيام القيامة في زمانهم، فلهم أن يتصوروا ما قلنا في هذا الغلط القديم القليل البقاء، وهذا الغلط منعهم عن كونهم خادعين، لكن يرد الآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 سؤال وهو إنا إذا سلمنا أن رأي الحواريين كان قابلاً للسهو فكيف يعتمد على أمر منهم؟ ويكفي في جوابه من جانب حامي الملة المسيحية في مقابلة المنكرين هذا القدر أن شهادة الحواريين مطلوبة لي، ولا غرض لي عن رأيهم، وأن المطلب الأصلي مطلوب، ومن جانب النتيجة مأمون، لكنه لا بد أن يُلاحظ في هذا الجواب أمران أيضاً ليزول الخوف كله (الأول) أن يُميز المقصود الذي كان من إرسال الحواريين، وثبت من إظهارهم عن الشيء الذي هو أجنبي أو اختلط به اتفاقاً، ولا حاجة لنا أن نقول في الأشياء التي هي أجنبية من الدين صراحة، لكن يقال في الأشياء التي اختلطت بالمقصود اتفاقاً قولاً ما، ومن هذه الأشياء تسلط الجن، والذين يفهمون أن هذا الرأي الغلط كان عاماً في ذلك الزمان، فوقع مؤلفو الأناجيل واليهود الذين كانوا في ذلك الزمان، فلا بد أن يقبل هذا الأمر، ولا خوف منه في صدق الملة المسيحية لأن هذه المسألة ليست من المسائل التي جاء بها عيسى عليه السلام، بل اختلطت بالأقوال المسيحية اتفاقاً، بسبب كونها رأياً عاماً في تلك المملكة، وذلك الزمان وإصلاح رأي الناس في تأثير الأرواح ليس جزءاً من الرسالة ولا علاقة له بالشهادة بوجه ما (والثاني) أن يميز بين مسائلهم ودلائلهم، فمسائلهم إلهامية لكنهم يوردون في أقوالهم لتوضيحها وتقويتها أدلة ومناسبات، مثلاً هذه المسألة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 مَنْ تنَصَّر مِن غير اليهود فلا يجب عليه إطاعة الشريعة الموسوية الإلهامية، وثبت تصديقها بالمعجزات، وبولس إذا ذكر هذا المطلب يذكر أشياء كثيرة في تأييده. فالمسألة واجبة التسليم، لكن لا ضرورة أن نصير حامين لصحة كل من أدلة الحواري، وتشبيهاته، لأجل حماية الملة المسيحية، وهذا القول يعتبر في موضع آخر أيضاً، وقد تحقق عندي هذا الأمر تحققاً قوياً أن الربانيين إذا اتفقوا على أمر فالنتيجة التي تحصل من مقدماتهم واجبة التسليم، لكنه لا يجب علينا أن نشرح المقدمات كلها أو نقبلها إلا إذا اعترفوا بالمقدمات مثل اعتراف النتيجة" انتهى كلامه. أقول: أستفيد من كلامه أربع فوائد: (الأولى) أن الحواريين والقدماء المسيحية كانوا يعتقدون أن القيامة تقوم في عهدهم، وأن يوحنا لا يموت إلى قيامها. أقول هذا حق، إذ قد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث في بيان الأغلاط أن أقوالهم صريحة في أن القيامة تقوم في عهدهم، وقال المفسر يارنس في شرح الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا: "نشأ هذا الغلط أن يوحنا لا يموت من ألفاظ عيسى التي كانت تفهم غلطاً بالسهولة، وتأكد هذا الأمر من [أن] يوحنا بقي في قيد الحياة بعد الحواريين أيضاً"، وقال جامعو تفسير هنري واسكات هكذا: "والغالب أن مراد المسيح بهذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 القول الانتقام من اليهود، لكن الحواريين فهموا غلطاً أن يوحنا يبقى حياً إلى القيامة، وإن بناء الإيمان عليها حمق، لأن هذه الرواية كانت رواية الحواريين، وكانت عامة بين الإخوة وكانت أوليّة ومنتشرة ورائجة، ومع ذلك كانت كاذبة، فالآن الاعتماد على الروايات الغير المكتوبة على أية درجة من القلة وهذا التفسير كان روايتنا، وما كان قولاً جديداً من أقوال عيسى ومع ذلك كان غلطاً" ثم قال في الحاشية: "إن الحواريين فهموا الألفاظ غلطاً كما صرح الإنجيلي لأنهم كانوا يتخيلون أن مجيء الرب يكون للعدل فقط" فعلى تقرير هؤلاء المفسرين لا شبهة أنهم فهموا غلطاً، وإذا كان اعتقادهم في مجيء القيامة كاعتقادهم أن يوحنا لا يموت إلى القيامة فتكون أقوالهم التي تُشعر بمجيء القيامة في عهدهم محمولةً على ظاهرها وغلطاً، والتأويل فيها يكون مذموماً يقيناً وتوجيهاً للقول بما لا يرضي قائله، وإذا كانت غلطاً لا تكون إلهامية (الفائدة الثانية) سلم بيلي أن المعاملات التي هي أجنبية من الدين أو اختلطت بالأمر الديني اتفاقاً لا يلزم من وقوع الغلط فيها نُقصان ما في الملة المسيحية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 (الفائدة الثالثة) أنه سلم أنه لا نقصان في وقوع الغلط في أدلة الحواريين وتشبيهاتهم (الفائدة الرابعة) أن سلم أن تأثير الأرواح الخبيثة ليس وقعياً، بل أمر وهمي غلط في الواقع، وهذا الغلط يوجد في كلام الحواريين وكلام عيسى لسبب أنه كان رأياً عاماً في تلك المملكة وذلك الزمان، أقول بعد تسليم الأمور الأربعة يخرج أزيد من نصف الإنجيل أن يكون إلهامياً. وبقيت الأحكام والمسائل على رأيه إلهامية، وهذا الرأي لما كان مخالفاً لرأي إمامه أعني جناب لوطر لا يُعتد به أيضاً، لأن جنابه يدعي أن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من أجل نفسه، لأن هذا المنصب كان لعيسى فقط فلا تكون مسائل الحواريين وأحكامهم إلهامية أيضاً. الوجه (الخامس عشر) نقل وارد كاثلك في كتابه المطبوع سنة 1841 أقوال العلماء المعتبرين من فرقة البروتستنت، وبيّن في هذا الكتاب أسماء الكتب المنقول عنها، وأنا أنقل من كلامه تسعة أقوال: 1 "قال زونكليش وغيره من فرقة البروتستنت: "إن رسائل بولس ليس كلام مندرج فيها مقدساً، وهو غلط في الأشياء المعدودة" 2 "نسب مستر فلك إلى بطرس الحواري الغلط وجهله بالإنجيل" 3 "قال داكتر كود في كتاب المباحثة التي وقعت بينه وبين فادركيم إن بطرس غلط في الإيمان بعد نزول روح القدس" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 4 "قال برنشس الذي لقبه جويل بالفاضل والمرشد: إن بطرس رئيس الحواريين وبرنبا غلطا بعد نزول روح القدس وكذا كنيسة أورشليم" 5 "قال جان كالوين: إن بطرس زاد بدعة في الكنيسة، وألقى الحرية المسيحية في الخوف، ورمى التوفيق المسيحي بعيداً" 6 "نسب ميكدي برجنس إلى الحواريين سيما بولس الغلط" 7 "قال واني تيكر أن الكنيسة كلها غلطت بعد عروج المسيح، ونزول روح القدس، لا العوام فقط، بل الخواص أيضاً، بل الحواريون أيضاً في دعوة غير الإسرائيليين إلى الملة المسيحية، وغلط بطرس في الرسوم أيضاً، وهذه الأغلاط العظيمة صدرت عن الحواريين بعد نزول روح القدس" 8 "ذكر زنكيس في رسالته حال بعض متبعي كالوين أنهم يقولون: "لو جاء بولس في جينوا ويعظ في مقابلة كالوين نترك بولس ونسمع قول كالوين" 9 "قال لولتهروس ناقلاً عن حال بعض العلماء الكبار من متبعي لوطر: إنهم يقولون إنا يمكن أن نشك على مسألة بولس لكنا لا نشك على مسألة لوطر وكتاب العقائد لكنيسة اسبرك" انتهى كلام وارد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وهؤلاء العلماء المذكورين عظماء الفرقة البروتستنتية وقروا على عدم كون كل كلام من العهد الجديد إلهامياً، وعلى غلط الحواريين. الوجه (السادس عشر) كتب الفاضل نورتن كتاباً في الإسناد وطبع هذا الكتاب في بلدة بوستن سنة 1837، فقال في المجلد الأول من هذا الكتاب في الديباجة: "قال إكهارن في كتابه: إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال إنها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان سُوِّيَ للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم ولم يروا أحواله بأعينهم وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب وما كانت الأحوال المسيحية مكتوبة فيها على الترتيب" فكان هذا الإنجيل على قول إكهارن مخالفاً لتلك الأناجيل المروّجة الآن مخالفة كثيرة. تلك الأناجيل ليست بمنزلة القالب كما كان هذا الإنجيل، لأن تلك الأناجيل كتبت بالصعوبة والمشقة وكتب فيها بعض أحوال المسيح التي لم تكن فيه، وهذا الإنجيل كان مأخذاً لجميع الأناجيل التي كانت رائجة في القرنين، ولإنجيل متى ولوقا ومرقص أيضاً، وهذه الأناجيل الثلاثة فاقت على الأناجيل الأخرى ورفعتها، لأن هذه الثلاثة وإن كانت يوجد فيها نقصان الأصل، لكنها وقعت في أيدي الذين جبروا نُقصانها وتبرؤوا عن الأناجيل التي كانت مشتملة على أحوال المسيح، التي ظهرت بعد النبوة، مثل إنجيل مارسيون وإنجل تي شن وغيرهما فضموا إليها أحوالاً أخرى أيضاً مثل بيان النسب، وحال الولادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 والبلوغ، ويظهر هذا الحال من الإنجيل الذي اشتهر بالتذكرة ونقل عنه جستن، ومن إنجيل سرن تهس، ولو قابلنا الأجزاء التي بقيت من تلك الأناجيل ظهر أن الزيادة وقعت فيها تدريجياً، مثل الصوت الذي سُمِع من السماء كان في الأصل "هكذا أنت ابني أنا اليوم ولدتك" كما نقل جستن في الموضعين، ونقل كليمنس في هذه الفقرة من الإنجيل الذي لم يعلم حاله هكذا: "أنت ابني الحبيب أنا اليوم ولدتك" ووقع في الأناجيل العامة: "أنت ابني الحبيب الذي به سررت" كما نقل مرقس في الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيله، وجمع الإنجيل الأبيوني بين العبارتين هكذا: "أنت ابني الحبيب الذي به سررت وأنا اليوم ولدتك" كما صرح به أبي فانيس. واختلط المتن الأصلي للتاريخ المسيحي لأجل هذه الزيادات التدريجية بالإلحاقات الكثيرة اختلاطاً ما أبقى الامتياز ومن شاء فليحصل اطمئنان قلبه بملاحظة حال اصطباغ المسيح الذي جمع من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 الأناجيل المختلفة، وصارت نتيجة هذا الاختلاط أن الصدق والكذب والأحوال الصادقة والحكايات الكاذبة التي اجتمعت في رواية طويلة، وصارت قبيحة الشكل اختلطت اختلاطاً شديداً، وهذه الحكايات كلما انتقلت من فم إلى فم صارت كريهة غير محققة بمقدار الانتقال، ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني وابتداء القرن الثالث أن تحافظ على الإنجيل الصادق وتبلِّغ إلى الأمم الآتية الحال الصحيح على حسب قدرته، فاختارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة في هذا الوقت لما رأتها معتبرة وكاملة، ولا توجد إشارة إلى إنجيل متى ومرقس ولوقا قبل آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث، ثم الذي ذكر أولاً هذه الأناجيل أرينيوس في سنة 200 تخميناً وأورد بعض الدلائل على عددها، ثم اجتهد في هذا الباب اجتهاداً عظيماً كليمنس إسكندريانوس في سنة 216، وأظهر أن هذه الأناجيل الأربعة واجبة التسليم، فظهر من هذا أن الكنيسة في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث اجتهدت في أن تسلم عموماً هذه الأناجيل الأربعة التي كان وجودها من قبل، وإن لم تكن في جميع الحالات هكذا، وأرادت أن يترك الناس الأناجيل التي هي غيرها، ويسلمون هذه الأربعة، ولو جردت الكنيسة الإنجيل الأصلي الذي حصل للواعظين السابقين لتصديق وعظهم عن الإلحاقات وضمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 إلى إنجيل يوحنا لكانت الأمم الآتية شاكرة عظيمة لها، لكن هذا الأمر ما كان ممكناً لها، إذ لم تكن نسخة خالية عن الإلحاق، وكانت الأسباب التي يُعرف بها الأصل والإلحاقات في غاية القلة"، ثم قال إكهارن في الحاشية: "إن كثيراً من القدماء كانوا شاكين في الأجزاء الكثيرة من أناجيلنا هذه، وما قدروا أن يفصلوا الأمر"، ثم قال إكهارن: "إنه لا يمكن في زماننا لأجل وجود صنعة الطبع أن يُحَرَّف كتاب أحد، ولم يسمع هذا الأمر لكن حال الزمان السابق الذي لم يخترع فيه الصنعة المذكورة مخالف لهذا الزمان، لأن النسخة الواحدة المملوكة لواحدٍ هذا الأمر ممكن فيها، فإذا نقلت عن هذه النسخة نسخ متعددة، ولم يحقق أن هذه النسخة مشتملة على كلام المصنف فقط أم لا، فهذه النقول تنتشر لأجل عدم العلم، وكثير من النسخ المكتوبة في الأزمنة المتوسطة موجودة الآن أيضاً، ومتوافقة في العبارات الإلحاقية أو الناقصة، ونرى كثيراً من المرشدين أنهم يشكون شكاية عظيمة أن الكاتبين وملاك النسخ حرفوا مصنفاتهم بعد مدة قليلة من تصنيفهم، وحرفت رسائل ديوني سيش قبل أن ينتشر نقولها، كما يشكو أن تلامذة الشيطان أدخلوا فيها نجاسة أخرجوا بعض الأشياء، وزادوا بعضها من جانبهم". وعلى هذه الشهادة ما بقيت الكتب المقدسة محفوظة، وإن لم تكن عادة أهل ذلك الزمان التحريف لما كتب المصنفون في ذلك الزمان في آخر كتبهم اللعن والأيمان الغليظة، لئلا يُحرِّف أحد كلامهم، وهذا الأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 قد وقع بالنسبة إلى تاريخ عيسى عليه السلام أيضاً ألبتة، وإلا لماذا يعترض سلسوس أنهم بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أزيد منها، ولماذا اجتمع في بعض الأناجيل بعض الفقرات التي كانت مشتملة على بعض الأحوال المسيحية ومتفرقة في الأناجيل المختلفة، مثلاً: اجتمع في الإنجيل الأبيوني جميع حال اصطباغ المسيح، الذي كان متفرقاً في هذه الأناجيل الثلاثة الأول والتذكرة التي نقل عنها جُستن كما صرح أبي فانيس، ثم قال إكهارن في موضع آخر: "إن الناس الذين لم يكن لهم استعداد التحقيق اشتغلوا من وقت ظهور هذه الأناجيل بالزيادة والنقصان، وتبديل لفظ بمرادف له، ولا تعجب فيه، لأن الناس كان عادتهم من وقت وجود التاريخ العيسوي أنهم كانوا يبدلون عبارات الوعظ والحالات المسيحية التي كانت عندهم على حسب علمهم، وهذا القانون الذي أجراه أهل الطبقة الأولى كان جارياً في الطبقة الثانية والثالثة، وهذه العادة كانت في القرن الثاني مشهورة بحيث كان مخالف الدين المسيحي واقفاً عليها. يعترض سلسوس على المسيحيين أنهم بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد منها تبديلاً كأن مضامينها بُدِّلت، وذكر كليمنس أيضاً أن في آخر القرن الثاني أناساً كانوا يحرِّفون الأناجيل، وكان ينسب إلى هذا التحريف أنه وقع في الآية الحادية عشرة من الباب الخامس من إنجيل متى بدل هذه الفقرة: "لهم ملك السماوات"، وفي بعض النسخ هذه الفقرة: "يكونون كاملين"، وفي بعض النسخ هذه الفقرة: "يجدون موضعاً لا يولمون هناك" انتهى كلام إكهارن على ما نقل نورتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 ثم قال نورتن بعد نقله: "لا يظن أحد أن هذا رأي إكهارن فقط، لأن كتاباً من الكتب لم يقبل في الجرمن قبولاً زائداً من كتابه، ويوافق رأي كثير من العلماء المتأخرين من الجرمن رأيه في أمر الأناجيل، وكذا في الأمور التي يلزم منها الإلزام على صدق الأناجيل" ولما كان نورتن حامياً للإنجيل رد كلام إكهارن بعد نقله على زعمه، لكنه ما أتى بشيء يُعْتد به كما لا يخفى على من نظر إليه، ومع ذلك اعترف هو أيضاً أن سبعة مواضع من هذه الأناجيل محرفة إلحاقية ليست من كلام الإنجيليين: 1 - صرح في الصفحة 53 من كتابه أن البابين الأولين من إنجيل متى ليسا من تصنيفه، 2 - وفي الصفحة 63 أن قصة يهودا الأسخريوطي المذكورة في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى من الآية الثالثة إلى العاشرة كاذبة إلحاقية، 3 - وكذا الآية 52 و 53 من الباب المذكور إلحاقيتان، 4 - في الصفحة 70 أن اثنتي عشرة آية من التاسعة إلى العشرين من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس إلحاقية، و 5 - في الصفحة 89 أن الآية 43 و 44 من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا إلحاقية،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 و 6 - في الصفحة 84 أن هذه العبارة: "يتوقعون تحريك الماء لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة، ويحرك الماء فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه" في الآية الثالثة والرابعة من الباب الخامس من إنجيل يوحنا إلحاقية، و 7 - في الصفحة 88 أن الآية 24 و 25 من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا إلحاقيتان. فهذه المواضع السبعة عنده إلحاقية وليست إلهامية. وقال في الصفحة 61: "قد اختلط الكذب الروايتي ببيان المعجزات التي نقلها لوقا، والكاتب ضمه على طريقة المبالغة الشاعرية لكن تميز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير" فالبيان المختلط بالكذب والمبالغة الشاعرية كيف يكون إلهامياً صرفاً؟. وأقول: ظهر من كلام إكهارن الذي هو مختار كثير من العلماء المتأخرين من الجرمن أربعة أمور: (الأول) أن الإنجيل الأصلي قد فُقد. (والثاني) أنه يوجد في هذه الأناجيل الروايات الصادقة والكاذبة. (والثالث) أنه وقع فيها التحريف أيضاً، وكان سلسوس من علماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 الوثنيين يصيح في القرن الثاني: إن المسيحيين بدّلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات أو أزيد من هذا تبديلاً كأن مضامينهم أيضاً بُدِّلت، (والرابع) أنه لا توجد إشارة إلى هذه الأناجيل الأربعة قبل آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث، ويعقوب من رأيهم. في الأمر الأول رأي ليكرك وكوب وميكايلس ولسنك وينمير ومارش حيث قالوا: "لعل مَتّى ومرقس ولوقا كان عندهم صحيفة واحدة في اللسان العبري، وكان الأحوال المسيحية مكتوبة فيها فنقلوا عنها، فنقل عنها متى كثيراً ومرقس ولوقا قليلاً" كما صرح هورن في الصفحة 295 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822 من الميلاد، لكنه ما رضي بقولهم وعدم رضاه لا يضرنا. الوجه (السابع عشر) أن جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفرين من أخبار الأيام صنفهما النبي عزرا بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان السفران في الحقيقة من تصنيف الأنبياء الثلاثة، وقد غلطوا في السفر الأول من أخبار الأيام، فقال علماء الفريقين من أهل الكتاب: "كتب ههنا لأجل عدم التمييز المصنف ابنُ الابن في موضع الابن وبالعكس" وقال أيضاً: "إن عزرا الذي كتب هذا السفر ما كان له علم بأن بعض هؤلاء بنون أم بنو الأبناء، وأن عزرا حصل له أوراق النسب التي نقل عنها ناقصة ولم يحصل التميز بين الغلط والصحيح" كما ستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 فعلم أن هؤلاء الأنبياء ما كتبوا هذا الكتاب بالإلهام، وإلا لما اعتمدوا على الأوراق الناقصة، ولما وقع الغلط منهم، ولا فُرق بين هذا الكتاب والكتب الأخرى عند أهل الكتاب، فثبت أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن الذنوب عندهم، فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير، فلا يثبت أن هذه الكتب كتبت بالإلهام، فقد ظهر مما ذكرت في هذا الفصل أنه لا مجال لأحد منهم أن يدعي بإلهامية كل كتاب من كتب العهدين، أو كل حالة من الحالات المندرجة فيها. [القول في التوراة والأناجيل] وإذ فرغت من الفصول الأربعة أقول: إن التوراة الأصلي، وكذا الإنجيل الأصلي فقدا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، والموجودان الآن بمنزلة كتابين من السير مجموعين من الروايات الصحيحة والكاذبة، ولا نقول إنهما كانا موجودين على أصالتهما إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقع فيهما التحريف، حاشا وكلا، وكلام بولس على تقدير صحة النسب إليه أيضاً ليس بمقبول عندنا لأنه عندنا من الكاذبين الذين كانوا قد ظهروا في الطبقة الأولى، وإن كان مقدساً عند أهل التثليث، فلا نشتري قوله بحبة، والحواريون الباقون بعد عروج عيسى عليه السلام إلى السماء نعتقد في حقهم الصلاح، ولا نعتقد في حقهم النبوة، وأقوالهم عندنا كأقوال المجتهدين الصالحين محتملة للخطأ، وفقدان السند المتصل إلى آخر القرن الثاني، وفقدان الإنجيل العبراني الأصلي لمتى، وبقاء ترجمته التي لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 يعلم اسم صاحبها أيضاً الآن باليقين، ثم وقوع التحريف فيها صارت أسباباً لارتفاع الأمان عن أقوالهم. وههنا سبب ثالث أيضاً وهو أنهم في كثير من الأوقات ما كانوا يفهمون مراد المسيح من أقواله، كما ستعرف مفصلاً إن شاء الله. ولوقا ومرقس ليسا من الحواريين، ولم يثبت بدليل كونهما من ذوي الإلهام أيضاً، والتوراة عندنا ما أُوحي إلى موسى عليه السلام، والإنجيل ما أُوحي إلى عيسى عليه السلام في سورة البقرة {ولَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ} وفي سورة المائدة في حق عيسى عليه السلام {وآتيناه الإنجيل} وفي سورة مريم نقلاً عن عيسى عليه السلام {وآتانِيَ الْكتابَ} أي الإنجيل ووقع في سورة البقرة وآل عمران {وما أُوتي مُوسَى وَعيسَى} أي التوراة والإنجيل. وأما هذه التواريخ والرسائل الموجودة الآن ليست التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن، فليسا واجبا التسليم، بل حكمهما وحكم سائر الكتب من العهد العتيق أنّ كل رواية من رواياتها إن صدَّقها القرآن فهي مقبولة يقيناً، وإن كذّبها القرآن فهي مردودة يقيناً، وإن كان القرآن ساكتاً عن التصديق والتكذيب فنسكت عنه فلا نصدق ولا نكذب، قال الله تعالى في سورة المائدة خطاباً لنبيه {وَأَنْزَلْنا إلَيْكَ الْكِتَابَ بالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 َ الكْتابِ ومَهَيْمِناً عَلَيْه} في معالم التنزيل في ذيل تفسير هذه الآية "ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج: القرآن أمين على ما قبله من الكتاب، فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم فإن كان في القرآن فصدِّقوه وإلا فكذبوه، قال سعيد بن المسيب والضحاك: قاضياً، وقال الخليل: رقيباً وحافظاً، ومعنى الكل أن كل كتاب يشهد بصدقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 القرآن فهو كتاب الله وإلا فلا" وفي التفسير المظهري: "إن كان في القرآن تصديقه فصدِّقوه وإن كان في القرآن تكذيبه فكذِّبوه، وإن كان القرآن ساكتاً عنه فاسكتوا عنه لاحتمال الصدق والكذب" انتهى. وأورد الإمام البخاري رحمه الله تعالى حديثاً عن ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب الشهادات بإسناد، ثم أورد في كتاب الاعتصام بإسناد آخر، ثم في كتاب الرد على الجهمية بإسناد آخر، وأنقله عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 الكتابيين الأخيرين مع عبارة القسطلاني في كتاب الاعتصام "كيف تسألون أهل الكتاب" من اليهود والنصارى؟ والاستفهام إنكاري "عن شيء من الشرائع وكتابكم القرآن الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث" أقرب نزولاً إليكم من عند الله فالحدوث بالنسبة إلى المنزل عليهم وهو في نفسه قديم "تقرؤنه محضاً" خالصاً لم يُشَبْ بضم أوله وفتح المعجمة لم يخلط فلا يتطرق إليه تحريف ولا تبديل بخلاف التوراة والإنجيل (وقد حدثكم) سبحانه وتعالى (أن أهل الكتاب) من اليهود وغيرهم "بدلوا كتاب الله" التوراة "وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ألا" بالتخفيف "ينهاكم ما جاءكم من العلم" بالكتاب والسنة "عن مسألتهم" بفتح الميم وسكون السين، ولأبي ذر عن الكشميهني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 مساءلتهم بضم الميم وفتح السين بعدها ألف "لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم" انتهى. ْوفي كتاب الرد على الجهمية "يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزله الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله" عز وجل لفظاً أو نزولاً أو إخباراً من الله تعالى "محضاً لم يشب" لم يخالطه غيره "قد حدثكم الله عز وجل في كتابه أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم" زاد أبو ذر الكتب، يشير إلى قوله تعالى يكتبون بأيديهم إلى يكسبون {قَالُوا هُوَ مِنْ عِنْد الله لِيَشْتروا بِهِ ثَمناً قلِيلاً} عوضاً يسيراً "أو لا" بفتح الواو "ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم" وإسناد المجيء إلى العلم مجاز كإسناد النهي إليه "فلا والله ما رأينا رجلاً يسألكم عن الذي أُنزل عليكم" وللمستملي إليكم فلم تسألون أنتم منهم مع علمكم أن كتابهم محرف. وفي كتاب الاعتصام قول معاوية رضي الله عنه في حق كعب الأحبار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وهكذا: "إنه كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوَ عليه الكذب" يعني أنه يخطئ فيما يقوله في بعض الأحيان لأجل أن كتبهم محرفة مبدلة، فنسبة الكذب إليه لهذا لا لكونه كذاباً فإنه كان عند الصحابة من خيار الأحبار فقوله "وإن كنا مع ذلك" الخ يدل صراحة على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتقدون أن كتب أهل الكتاب محرّفة، ومن طالع من أهل الإسلام هذه التوراة وهذا الإنجيل، ثم رد على أهل الكتاب أنكرهما يقيناً، وتأليفات الأكثر منهم توجد إلى الآن أيضاً، فمن شاء فليرجع إلى تأليفاتهم، قال صاحب تخجيل من حرّف الإنجيل في الباب الثاني من كتابه في حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 هذه الأناجيل المشهورة هكذا: "إنها ليست هي الأناجيل الحق المبعوث بها الرسول المنزلة من عند الله تعالى" انتهى كلامه بلفظه، ثم قال في الباب المذكور هكذا: "والإنجيل الحق إنما هو الذي نطق به المسيح" انتهى كلامه بلفظه. ثم قال في الباب التاسع في بيان فضائح النصارى: "وقد سلبهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه، إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة" انتهى كلامه بلفظه. انظروا كيف ينكر هذه الأناجيل وكيف يشدد على بولس. ولبعض فضلاء الهند محاكمة على تقريري وتقرير صاحب ميزان الحق، وضم محاكمته في آخر رسالة المناظرة التي طبعت سنة 1270 باللسان الفارسي في بلدة دهلي. وهذا المحاكم لما رأى بعض علماء البروتستنت أنهم يدّعون للتغليط أو لوقوعهم في الغلط أن المسلمين لا ينكرون هذا التوراة والإنجيل، فاستحسن أن يستفتي في هذا الباب من علماء دهلي فاستفتى فكتب العلماء كلهم: "إن هذا المجموع المشتهر الآن بالعهد الجديد ليس بِمُسَلم عندنا، وليس هذا هو الإنجيل الذي جاء ذكره في القرآن بل هو عندنا عبارة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 الكلام الذي أنزل على عيسى". وبعد حصول الفتوى أدرجها المحاكم في رسالة المحاكمة وضم هذه الرسالة برسالة المناظرة المذكورة لتنبيه العوام، وعلماء الهند شرقاً وغرباً فتواهم كفتوى علماء دهلي، ومن رد منهم على رسائل القسيسين سواء كان من أهل السنة والجماعة أو من أهل التشيع صرح في هذا الباب تصريحاً عظيماً وأنكر هذا المجموع أشد الإنكار. وقال الإمام الهمام فخر الدين الرازي قدس سره في كتابه المسمى بالمطالب العالية في الفصل الرابع من القسم الثاني من كتاب النبوّات: "وأما دعوة عيسى عليه السلام فكأنه لم يظهر لها تأثير إلا في القليل وذلك لأنا نقطع بأنه ما دعا إلى الدين الذي يقول به هؤلاء النصارى، لأن القول بالأب والابن والتثليث أفجع أنواع الكفر وأفحش أقسام الجهل، ومثل هذا لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن الرسول المعظم المعصوم، فعلمنا أنه ما كانت دعوته ألبتة إلى هذا الدين الخبيث، وإنما كانت دعوته إلى التوحيد والتنزيه، ثم إن تلك الدعوة ما ظهرت ألبتة، بل بقيت مطوية غير مروية، فثبت أنه لم يظهر لدعوته إلى الحق أثر البتة" انتهى كلامه الشريف بلفظه. وقال الإمام القرطبي في كتابه المسمى بكتاب الإعلام بما في دين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 النصارى من الفساد والأوهام في الباب الثالث هكذا: "إن الكتاب الذي بيد النصارى الذي يسمونه بالإنجيل ليس هو الإنجيل الذي قال الله فيه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل التَّوْراة والإنْجيلَ مِنْ قَبْل هُدىً للِنَّاسِ" انتهى كلامه بلفظه. ثم أورد الدليل على هذه الدعوى، وأثبت أن الحواريين ما كانوا أنبياء ولا معصومين عن الغلط، وأن ما ادعوا من كراماتهم لم ينقل شيء منها على التواتر بل هي أخبار آحاد غير صحيحة، ولو سلمنا صحتها لما دلت على صدقهم في كل الأحوال، وعلى نبوتهم لأنهم لم يدّعوا النبوة لأنفسهم، وإنما ادعوا التبليغ عن عيسى عليه السلام ثم قال: "فظهر من هذا البحث أن الإنجيل المدّعى لم يُنقل تواتراً ولم يقم دليلٌ على عصمة ناقليه فإذاً يجوز الغلط والسهو على ناقليه، فلا يحصل العلم بشيء منه ولا غلبة الظن فلا يُلْتفتُ إليه ولا يُعَوَّل في الاحتجاج عليه، وهذا كاف في رده وبيان قبول تحريفه، وعدم الثقة بمضمونه، ولكنا مع ذلك نعمد منه إلى مواضع يتبين فيها تهافت نَقَلَته ووقوع الغلط في نقله" انتهى كلامه بلفظه. ثم نقل المواضع المذكورة فقال: "فقد حصل من هذا البحث الصحيح أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 التوراة والإنجيل لا يحصل الثقة بهما فلا يصح الاستدلال بهما لكونهما غير متواترين وقابلين للتغير، وقد دللنا على بعض ما وقع فيهما من ذلك، وإذا جاز مثل ذلك في هذين الكتابين مع كونهما أشهر ما عندهم وأعظم عُمُدهم ومستَنَد ديانتهم فما ظنك بغير ذينك من سائر كتبهم التي يستدلون بها، مما ليس مشهوراً مثلهما ولا منسوباً إلى الله نسبتهما، فعلى هذا هو أولى بعدم التواتر وبقبول التحريف منهما" انتهى كلامه بلفظه، وهذا الكتاب موجود في القسطنطينية في كتبخانة كوبرلي. وقال العلامة المقريزي وكان في القرن الثامن من القرون المحمدية في المجلد الأول من تاريخه في ذكر التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط: "هكذا تزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط، وتزعم النصارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 أو توراة السبعين التي هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف ولا تبديل، وتقول اليهود فيه خلاف ذلك وتقول السامرية بأن توراتهم هي الحق وما عداها باطل، وليس في اختلافهم ما يزيل الشك، بل يقوي الجالبة له، وهذا الاختلاف بعينه بين النصارى أيضاً في الإنجيل، وذلك أن له عند النصارى أربعَ نسخ مجموعة في مصحف واحد، أحدها لإنجيل متى، والثاني لمارقوس، والثالث للوقا والرابع ليوحنا، قد ألّفه كل من هؤلاء الأربعة إنجيلاً على حسب دعوته في بلاده، وهي مختلفة اختلافاً كثيراً حتى في صفات المسيح عليه السلام وأيام دعوته، ووقت الصلب بزعمهم وفي نسبه أيضاً، وهذا الاختلاف لا يحتمل مثله، ومع هذا فعند كل من أصحاب مَرْقيون وأصحاب ابن ويصان إنجيل يخالف بعضُه هذه الأناجيل، ولأصحاب ماني إنجيل على حدة يخالف ما عليه النصارى من أوله إلى آخره، ويزعمون أنه الصحيح، وما عداه باطل، ولهم أيضاً إنجيل يسمى إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس، والنصارى وغيرهم ينكرونه،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وإذا كان الأمر من الاختلاف بين أهل الكتاب كما قد رأيت، ولم يكن للقياس والرأي مَدْخَل في تميز حق ذلك من باطله امتنع الوقوف على حقيقة ذلك من قِبَلهم ولم يُعَوّل على شيء من أقوالهم" انتهى كلامه بلفظه. وقال صاحب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون في بيان الإنجيل: "كتاب أنزله الله سبحانه وتعالى على عيسى بن مريم عليهما السلام" ثم رد كون هذه الأناجيل الأربعة الإنجيل الأصلي بعبارة طويلة فقال: "وأما الذي جاء به عيسى فهو إنجيل واحد لا تدافع فيه ولا اختلاف وهؤلاء كذبوا على الله سبحانه وتعالى وعلى نبيه عيسى عليه السلام". وقال صاحب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: "إن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعاً أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 على موسى، ولا في الإنجيل الذي أنزله على المسيح، وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزله على المسيح قصة صَلبه وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وأنه قام من القبر بعد ثلاث وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى" ثم قال: "وقد ذكر غيرُ واحد من علماء الإسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه، ولولا الإطالة وقصد ما هو أهم منه لذكرنا منه طرفاً كبيراً". [وقال ابن خلِّكان في المجلّد الأول من تاريخه في بيان حال ابن حزم: "وله كتاب إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل ". انتهى كلامه بلفظه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وهذا الكتاب لم يصل إليّ. وقال صدر الشريعة والإسلام- أعلى الله درجته في دار السلام- في الركن الثاني من التنقيح: "والمذهب عندنا هذا، لكن لمّا لم يبق الاعتماد على كتبهم للتحريف شرطنا أن يقصّ الله علينا من غير إنكار" انتهى بلفظه. ثم قال في التوضيح في باب المعارضة والترجيح: "وإنّما كان كذلك لاختلاف الشرائع في ذلك الزمان ووقوع التحريفات في التوراة، فلم يبق الاعتماد والوثوق على شيء من الشرائع " انتهى كلامه بلفظه. وقال العلامة التفتازاني -رحمه الله- في "التلويح" في فصل النسخ ذيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 قول صدر الشريعة "وادّعوا " الخ هكذا: "وفي لفظ الادّعاء إشارة إلى الجواب وهو منع التواتر والوثوق على كتابهم لما وقع فيه من التحريف واختلاف النُّسَخِ وتناقض الأحكام" انتهى كلامه بلفظه] . ومن طالع بالتأمل هذا الباب الأول من كتابي ظهر له صدق دعوى أهل الإسلام كالشمس في رابعة النهار، ولا حاجة أن أطيل في هذا الباب، لكني أستحسن بملاحظة بعض الأمور أن أنبه على تغليطين آخرين أيضاً: (الأول) أن علماء البروتستنت يدّعون تارة لتغليط العوام: أنه يوجد سند لهذه الأناجيل في القرن الأول والثاني، لأنه قد شهد بوجودها كليمنس أسقف الروم وأكاثيوس وغيرهما من العلماء الذين كانوا في القرنين الأولين. (الثاني) أن مرقس كتب إنجيله بإعانة بطرس، وأن لوقا كتب إنجيله بإعانة بولس، وبطرس وبولس كانا ذوي إلهام فهذان الإنجيلان بهذا الاعتبار إلهاميان، فأقول في جواب التغليط الأول: إن السند المتنازعَ بيننا وبينهم السند المتصل، وهو عبارة أن يَرْويَ الثقة بواسطة أو بوسائط عن الثقة الآخر بأنه قال إن الكتاب الفلاني تصنيف فلان الحواري أو فلان النبي، وسمعت هذا الكتاب كلّه مِنْ فيه أو قرأته عليه أو أقر عندي أن هذا الكتاب تصنيفي، وتكون الواسطة أو الوسائط من الثقات الجامعين لشروط الرواية، فنقول: إن مثل هذا السند لا يوجد عندهم من آخر القرن الثاني أو أوّل القرن الثالث إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 مصنف الأناجيل، وطلبنا هذا السند مراراً وتتبعنا في كتب إسنادهم فما نلنا المطلوب، بل اعتذر القسيس فرنج في مجلس المناظرة أنه لا يوجد السند الكذائي عندنا لأجل وقوع الحوادث العظيمة في القرون الأولى من القرون المسيحية إلى ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، فهذا السند لا يوجد في كلام كليمنس أسقف الروم، ولا أكناثيوس ولا غيرهما إلى آخر القرن الثاني، ولا ننكر الظن والتخمين، ولا نقول إنهم لا ينسبون إلى مصنفها بالظن والقرائن أيضاً، بل نقول إن الظن والقرائن لا تسمى سنداً كما علمت في الفصل الثاني، ولا ننكر اشتهار هذه الأناجيل في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث وما بعده اشتهاراً ناقصاً قابلاً للتحريف، غير مانع عنه، بل نقر بالاشتهار الناقص الذي لا يمنع عن التحريف كما ستعرف في الباب الثاني، وأبين لك حال كليمنس وأكناثيوس ليظهر لك الحال: فاعلم أنه ينسب إلى كليمنس أسقف الروم مكتوب واحد كتبه من جانب كنيسة فورنثيوس، واختلفوا في عام تحريره فقال آف كينتر بري إن هذا العام ما بين أربعة وستين وسبعين، وقال ليكلرك إنه سنة 69، وقال ديوين وتلي منت إن كليمنس ما صار أسقفاً إلى سنة 191 (89) أو سنة 93، وإذا لم يكن أسقفاً إلى هذا الحين فكيف يصدق القولان السابقان، واختار المؤرخ وليم ميور أنه سنة 95، واختار المفسر لاردنر أنه سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 96، وإني أقطع النظر عن هذا الاختلاف، وأقول إنه لا يجاوز عام تحريره على زعمهم ستة وتسعين، ووقع اتفاقاً بعض فقراته موافقة لبعض فقرات إنجيل من هذه الأناجيل المتعارفة في بعض المضمون، فيدعون تحكماً أنه نقل عن هذه الأناجيل، وهذا الادعاء ليس بصحيح لوجوه: (الأول) أنه لا يلزم من توافق بعض المضامين النقل وإلا يلزم أن يكون ادعاء الذين يسميهم علماء البروتستنت بالملحدين ادعاء واقعياً، لأنهم يدعون أن الأخلاق الحسنة التي توجد في الإنجيل منقولةٌ عن كتب الحكماء والوثنيين، قال صاحب اكسهومو: "إن الأخلاق الفاضلة التيتوجد في الإنجيل ويفتخر بها المسيحيون هي منقولة لفظاً لفظاً من كتاب الأخلاق لكنفيوشس الذي كان قبل ستمائة سنة من ميلاد المسيح، مثلاً في الخلق الرابع والعشرين من كتابه هكذا: "افعلوا بالآخر كما تحبون أن يفعل هو بكم ولكم حاجة إلى هذا الخلق فقط، وهذا أصل جميع الأخلاق" وفي الخلق الحادي والخمسين هكذا: "لا تطلب موت عدوك لأن هذا الطلب عبث وحياته في قدرة الله" وفي الخلق الثالث والخمسين: "أحسنوا إلى من أحسن إليكم ولا تسيئوا إلى من أساء إليكم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 وفي الخلق الثالث والستين: "يمكن لنا الإعراض عن العدو بدون الانتقام وخيالات الطبع لا تدوم أثيمة" وهكذا يوجد نصائح جيدة في كتب حكماء الهند واليونان وغيرهم (والثاني) أن كليمنس لو نقل عن هذه الأناجيل لطابق نقله الأصل في المضمون كله لكنه ليس كذلك، فالمخالفة أدل دليل على أنه ما نقل عن هذه الأناجيل، بل لو ثبت نقله فهو ناقل عن الأناجيل الأخرى التي كانت في زمانه غير هذه الأربعة، كما أقر أكهارن في حق الفقرة التي نقلها في بيان صوت السماء (الثالث) أنه كان من التابعين وكان وقوفه على أقوال المسيح وأحواله مثل وقوف مرقس ولوقا، فالغالب أن نقله كنقلهما عن الروايات التي حفظها، لا عن هذه الأناجيل، نعم لو كان التصريح في كلامه بالنقل لكان هذا الادعاء في محله، لكنه لم يوجد، فهذا الادعاء ليس في محله. وأنقل عن مكتوبه ثلاث عبارات على وفق عدد التثليث (العبارة الأولى) "من أحب عيسى فليعمل على وصيته" فادعى مستر جونس أن كليمنس نقل هذه الفقرة عن الآية الخامسة عشرة من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا، والآية المذكورة هكذا: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" فادعى هذا المدعي النقل لمناسبة توجد في مضمون العبارتين، ولم ينظر إلى الفرق بينهما، وهذا الادعاء تحكم صرف لما عرفت من الوجوه الثلاثة، بل غلط لأنك قد عرفت أن عام تحرير كليمنس لا يجاوز ستة وتسعين على جميع الأقوال، وعلى رأي هذا المدعي كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 إنجيل يوحنا سنة 68، فكيف تكون هذه الفقرة على زعمه منقولة عن إنجيل يوحنا، لكن حب إثبات السند ألقاه في هذا الوهم الباطل، قال هورن في الصفحة 307 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822: "كتب يوحنا إنجيله في سنة 67 على ما اختار كريزاستم، وأبي فانيس من القدماء وداكتر مل وفي بري شيس وليكلرك وبشب تاملائن من المتأخرين، وفي سنة 68 على ما اختار مستر جونس" على أن هذا الأمر بديهي أن المحب الصادق يعمل على وصية المحبوب، ومن لم يعمل فهو كاذب في ادعاء المحبة، ولقد أنصف لاردنر المفسر وقال في الصفحة 40 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1827: "أنا أفهم أن في هذا النقل شبهة لأن كليمنس كان بسبب وعظ الحواريين وصحبتهم أعلم بأن إقرار عشق المسيح يوجب على الناس العمل على وصاياه". (العبارة الثانية) في الباب الثالث عشر من مكتوبه هكذا: "نفعل كما هو مكتوب لأن روح القدس قال هكذا: إن الإنسان العاقل لا يفتخر على عقله، وليذكر ألفاظ الرب عيسى التي قالها حين علّم الحلم والمجاهدة، هكذا ارحموا ليرحم عليكم، اعفوا ليُعْفَى عنكم، كما تفعلون يُفْعَل بكم، كما تَعْطُون تُعْطَون، كما تدينون تدانون، كما تَرحمون تُرحمون، وبالكيل الذي تكيلون يكال به لكم" فيدعون أن كليمنس نقل هذه العبارة من الآية 36 و 37 و 38 من الباب السادس من إنجيل لوقا، ومن الآية 1 و 2 و 12 من الباب السابع لمتى، وعبارة لوقا هكذا 36 "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم" 37 "ولا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يُقضى عليكم اغفروا يغفر لكم" 38 "أعطوا تُعطوْا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فأيضاً يعطون في أحضانكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 لأنه بنفس الكيل الذي تكيلون يكال لكم" وعبارة متى هكذا: 1 "لا تدينوا لكي لا تدانوا" 2 "لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم" 12 "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا، هكذا أنتم أيضاً بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء". (العبارة الثالثة) في الباب السادس والأربعون من مكتوبه هكذا: "اذكروا ألفاظ الرب المسيح لأنه قال ويل للإنسان" الذي يصدر عنه الذنب " كان خيراً له أن لم يولد من أن يؤذي أحداً من الذين اخترتهم وكان خيراً له أن يُعَلّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر من أن يؤذي أحداً من أولادي الصغار" فيدعون أن كليمنس نقلها من الآية 24 من الباب السادس والعشرين والآية 6 من الباب 18 من إنجيل متى والآية 42 من الباب 9 من إنجيل مرقس والآية 2 من الباب 17 من إنجيل لوقا، وهذه الآيات هكذا 24 باب 26 متى "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب في حقه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد" الآية 6 باب 28 متى "ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 42 باب 9 مرقس "ومن أعثر أحد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر" الآية 2 باب 17 لوقا "خيراً له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار" وقال لاردنر في الصفحة 37 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1827 بعد نقل عبارة كليمنس ونقل عبارات الأناجيل هكذا: "نقلت الألفاظ عن الأناجيل المتعددة في المقابلة ليعرف كل شخص معرفة جيدة، لكن الرأي العام أن الجزء الأخير من هذه العبارة نقل عن الآية الثانية من الباب السابع عشر من إنجيل لوقا" والعبارتان المذكورتان من مكتوب كليمنس من أعظم العبارات عند الذين يدعون السند، ولذلك اكتفى بيلي بهما، لكن هذا الادعاء ادعاء باطل، لأنه لو نقل عن إنجيل من الأناجيل لصرح باسم المنقول عنه، ولو لم يصرح فلا أقل من أن ينقل العبارة بعينها، ولو لم ينقلها بعينها فلا أقل من أن يكون المنقول موافقاً للمنقول عنه باعتبار المعنى كله، ولا يوجد أمر من هذه الأمور، فكيف يظن النقل؟ وأي ترجيح للوقا عليه لأنهما كليهما تابعيان واقفان على حالات عيسى عليه السلام بالسماع، ولو اعترفنا فنعرف أنه نقل هاتين العبارتين عن إنجيل آخر، كما نقل فقرة في حال الاصطباغ عن إنجيل آخر لم يعلم اسمه، كما عرفت في كلام أكهارن، ولقد أنصف الأسقف بيرس وأقر أنه ما نقل عن هذه الأناجيل، وقال لاردنر في المجلد الثاني من تفسيره في حق هاتين العبارتين هكذا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 "الذين صحبوا الحواريين أو المريدين الآخرين لربنا، وكانوا واقفين من مسائل ربنا وأحواله كما كان الإنجيليون واقفين إذا رأينا تأليفاتهم يقع مشكل في أكثر الأوقات ما لم يكن النقل صريحاً وظاهراً والمشكل المذكور في هذا الموضع. هذا أن كليمنس في هذين الموضعين ينقل أقوال المسيح التي كانت مكتوبة، أو يذكر أهل قورنيثوس ألفاظه التي سمعها هو وهم من الحواريين والمريدين الآخرين لربنا، فاختار ليكلرك الأول والأسقف بيرس الثاني، وأنا أسلم أن الأناجيل الثلاثة الأولى ألفت قبل هذا الوقت، فلو نقل كليمنس عنها فهذا ممكن، وإن لم توجد المطابقة التامة في اللفظ والعبارات، لكن هذا الأمر أنه نقل ليس تحقيقه سهلاً لأنه كان شخصاً واقفاً من هذه الأمور وقوفاً جيِّداً قبل تأليف الأناجيل، ويمكن بعد تأليفها أيضاً أن يكون بيانه الأمور التي كان واقفاً عليها وقوفاً جيداً على ما كان عادته قبل تأليفها بدون الرجوع إليها، إلا أنه يحصل الإيقان الجيد بصدق الأناجيل في الصورتين، لأن الأمر في صورة الرجوع ظاهر وأما في غيرها فيظهر تصديق الأناجيل أيضاً لأن ألفاظه موافقة لها، وكانت مشهورة بحيث كان هو وأهل قورنيثوس عالمين بها، فهو يعطينا الجزم بأن الإنجيليين كتبوا ألفاظ المسيح التي علمها ربنا وقت تعلم الحلم والرياضة حقاً وصدقاً، وهذه الألفاظ لائقة أن تحفظ بكمال الأدب، وإن كان المشكل ههنا، لكنني أتخيل مع ذلك أن يكون رأي أكثر الأفاضل موافقاً لرأي ليكلرك. نعم يعظ بولس في الآية 15 من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا: "تذكروا كلمات الرب يسوع أنه قال إن العطاء مغبوط أكثرَ من الأخذ" وأنا أجزم أنه سلم عموماً أن بولس ما نقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 عن مكتوب ما، بل نقل الألفاظ المسيحية التي كان هو وهم واقفين منها، لكن لا يلزم منه أن يفهم طريق الرجوع دائماً هكذا، بل يمكن استعمال مثل هذا الطريق في المكتوب وغيره، ونحن نجد أن (بوليكارب) يستعمل هذا الطريق، والغالب بل المتيقن أنه ينقل من الأناجيل المكتوبة". فظهر من كلامه أنه لا يثبت جزماً عند علمائهم أن كليمنس نقل عن هذه الأناجيل، بل من ادعى النقل ادعى ظناً، وقوله يحصل الإيقان الجيد بصدق الأناجيل في الصورتين مردود، لأنه يحصل الشك بأن الإنجيليين كما نقلوا ههنا كلام المسيح بالزيادة والنقصان، فكذا يكون نقلهم في المواضع الأخرى، وما نقلوا الأقوال كما كانت، ولو قطعنا النظر عن هذا فنقول: إنه يلزم من كلام كليمنس أن هذه الفقرات في هذه الأناجيل من كلام المسيح، ولا يلزم منه أن المنقول فيها كله أيضاً كذلك، إذ لا يلزم من اشتهار بعض الأقوال اشتهارُ سائر الأقوال، وإلا يلزم أن يكون سائر الأناجيل الكاذبة عندهم أيضاً صادقة بشهادة كليمنس أن بعض فقرات مكتوبة توافقها أيضاً يقيناً، وقوله نحن نجد أن (بوليكارب) يستعمل هذا الطريق الخ مردود، لأنه من تابعي الحواريين أيضاً مثل كليمنس، فحاله كحاله ولا يكون نقله عن الأناجيل مظنوناً بالظن الغالب، فضلاً عن أن يكون متيقناً بل يجوز أن يكون حاله عند استعماله هذا الطريق كحال مقدسهم بولس. وإذا عرفت حال كليمنس الذي هو أعظم الشاهدين أحكي لك حال الشاهد الثاني الذي هو اكناثيوس الذي هو من تابعي الحواريين أيضاً وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 أسقف أنطاكية، قال لاردنر في المجلد الثاني من تفسيره: "إن يوسي بيس وجيروم ذكرا سبعة مكتوبات له وما سواها مكتوبات أخر منسوبة إليه يعتقدها جمهور العلماء أنها جَعْليات، وهو الظاهر عندي أيضاً، وللمكتوبات السبعة نسختان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، واعتقاد الكل إلا مستر وستن واثنين أو أربعة من تابعيه أن النسخة الكبيرة زيد فيها، والنسخة الصغيرة قابلة أن تنسب إليه، وإني قابلتهما بالإمعان فظهر لي أن النسخة الصغيرة بالإلحاق والزيادة جُعلت كبيرة لا أنّ الكبيرةَ بالحذف والإسقاط جُعِلت صغيرة، ومنقولات القدماء توافق الصغيرة مناسبة زائدة بالنسبة إلى الكبيرة. بقي هذا السؤال أن المكتوبات المندرجة في النسخة الصغيرة أهي مكتوبات أكناثيوس في نفس الأمر أم لا؟ ففيه نزاع عظيم واستعمل المحققون الأعاظم في هذا الباب أقلامهم، وهذا السؤال عندي بملاحظة تحرير الجانبين مشكل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وثبت عندي هذا القدر أن هذه المكتوبات هي التي قرأها (بوسي بيس) وكانت موجودة في زمان (أرجن) وبعض الفقرات منها لا تناسب زمان أكناثيوس، فعلى هذا المناسب أن نعتقد أن هذه الفقرات إلحاقية لا أن نَرُد المكتوبات كلها لأجل هذه الفقرات، سيما في صورة قلة النسخ التي نحن مبتلون بها، كما أن أحداً من فرقة أيْرين زاد في النسخة الكبيرة، فكذا يمكن أن يكون أحد من فرقة أيرين أو من أهل الديانة أو من كليهما تصرف في النسخة الصغيرة أيضاً، وإن لم يحصل عندي فساد عظيم من تصرفه". وكتب محشي (بيلي) في الحاشية: "إنه ظهر في الزمان الماضي ترجمة ثلاث مكتوبات أكناثيوس في اللسان السرياني وطبعها (كيوري تن) وهذا الملفوظ الجديد قرّب إلى اليقين أن المكتوبات الصغيرة التي أصلحها (اشر) يوجد فيها الإلحاق". فظهر مما نقلنا أمور: (الأول) أن المكتوبات التي هي غير السبعة جعلية عند جمهور المسيحيين، فهذه المكتوبات ساقطة عن الاعتبار (الثاني) أن النسخة الكبيرة للمكتوبات أيضاً عند الكل غير مستر وسن وبعض تابعيه جعلية محرفة فهي أيضاً ساقطة عن الاعتبار (الثالث) أن النسخة الصغيرة فيها نزاع عظيم في أنها أصلية أم جعلية، وإلى كل منهما ذهب المحققون الأعاظم، فعلى رأي المنكرين هذه النسخة ساقطة عن الاعتبار أيضاً، وعلى رأي المثبتين أيضاً لا بد من إقرار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 التحريف فيها سواء كان المحرف من فرقة أيرين أو من أهل الديانة أو من كليهما، فبهذا الاعتبار هذه النسخة أيضاً ساقطة عن الاعتبار، والغالب أن هذه النسخة جَعْلية اختلقها أحد في القرن الثالث كالمكتوبات التي هي غير السبعة، ولا عجب لأن مثل هذا الاختلاف والجعل كان في القرون الأولى من القرون المسيحية جائزأ بل مستحباً، واختلفوا بقدر خمسة وسبعين إنجيلاً ورسالة، ونسبوها إلى عيسى ومريم والحواريين عليهم السلام، فأي استبعاد في نسبة سبعة مكتوبات جَعْلية إلى أكناثيوس؟، بل هي قريبة من القياس، كما نسبوا إليه المكتوبات الأخرى، وكما اختلفوا تفسيراً ونسبوه إلى (تي شن) قال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن التفسير الأصلي المنسوب إلى تي شن انعدم والمنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكهم حق" ولو فرضنا أنها مكتوبات أكناثيوس فلا تفيد أيضاً لأنه لما ثبت الإلحاق فيه فما بقي الاعتماد عليها، فكما أن بعض الفقرات إلحاقية عندهم، فكذلك يجوز أن يكون بعض الفقرات التي يفهمها المدعون أنها إسناد جَعْلية أيضاً، وأمثال هذه الأمور ليست بمستبعدة من عادات هؤلاء. قال (يوسي بيس) في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الرابع من تاريخه: "قال ديوني سيش أسقف كورنتهيه: إني كتبتُ مكتوبات باستدعاء الإخوة، وهؤلاء خلفاء الشيطان ملئوها بالنجاسة، بدّلوا بعض الأقوال وأدخلوا البعض، فحصل لي حزن مضاعَف، ولذلك لا عَجب إن أراد أحد الإلحاق في كتب ربنا المقدسة، لأنهم أرادوا في الكتب التي ما كانت في رتبتها"، وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن الكتب الكبيرة من تصنيفات أرجن فُقِدت، وكثير من تفاسيره باق، لكنه يوجد فيها شرح تمثيلي وخيالي بالكثرة، وهو دليل قوي على وقوع التحريف فيها بعد أرجن" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء البروتستنت في الفصل العاشر من القسم الأول من كتابه العربي المسمى بأجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليديين: "وأما تحريفهم لأقوال الآباء القدماء فلا بد أن نقدم دلائله لئلا نوقف أنفسنا في موقف مخالفينا بأن تكون دعاوينا مثلهم بلا برهان، فنقول: إن الأفشين المنسوب إلى يوحنا فم الذهب الذي يُتْلى في الكنائس في خدمة سر الأفخار تستيا لا نجده مطابقاً عند الطائفة الواحدة لما عند الطائفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الأخرى، لأن عند الروم يُطلب فيه من الأب السماوي أن يرسل روحه القدس على الخبز والخمر ناقلاً إياهما إلى لحم ودم، وأما عند الكاثوليكيين منهم، فيقال فيه أن يرسله على الخبز والخمر لكي ينتقلا ويستحيلا، ولكن في مدة رياسة السيد مكيموس قد غيّروا فيه، وقالوا المنتقلان المستحيلان، هربا من دعوى الروم عليهم، بأن الاستحالة تتم به، وأما عند سريان الكاثوليك فيقال أرسلْ روحك القدوس على هذا الخبز الذي هو سر جسد مسيحك، ولا يوجد فيه كلام يدل على الاستحالة، وربما هذا هو قول فم الذهب الأصلي لأن تعليم الاستحالة في عصره لم يكن قد تقرر في الكنائس. وأما السيد يابيطا مطران صيدا الذي أنشأ الانشقاق في كنيسة الروم، وصار كاثوليكياً، ففي خطابه لمجمع رومية سنة 1722 يقول في هذه القضية إنه موجود عندي كتب في طقس فيداسنا يونانية وعربية وسريانية، قد قابلناها على النسخة المطبوعة في رومية للرهبان الباسلين، وجمعها لم يكن فيه كلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 يدل على الاستحالة، وإنما هذه القضية وضعها في قداس الروم نيكفورس بطريق القسطنطينية، وهي موجبة الضحك لمن يتأمل فيها". فإذا كان إفشين مثل هذا القديس الشهير بين الآباء شرقاً وغرباً يتلى يومياً في كنائس جميع الطوائف قد لعبوا فيه وغيروه أشكالاً كأغراضهم ولم يخجلوا من إبقائهم نسبته إلى هذا القديس، فمن أين تبقى لنا ثقة بذمتهم؟ إنهم لم يحرِّفوا أقوال بقية الآباء كأهوائهم مع إبقاء عنوانها باسمهم، هذا وإن ما حصل بمشاهدتنا منذ سنين قريبة أن الشماس غبريل القبطي الكاثوليكي صحح ترجمة تفسير إنجيل يوحنا ليوحنا فم الذهب عن الأصل اليوناني بأتعاب كلّية ومصاريف وافرة، وعلماء الروم العارفون جيداً باللغتين اليونانية والعربية قابلوها بدمشق وشهدوا بصحتها، وأخذوا عنها نسخة مدققة، فالسيد مكسيموس لم يأذن لطبعها في دير الشوير حتى تُفْحصَ بمعرفة البادري ألكسيوس الإسبانيولي، والخوري يوسف جَعْجَع الماروني الجاهلين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 كليهما اللغة اليونانية أصالة، فتصرفا في النسخة المذكورة كمشيتهما في الزيادة والنقصان تطبيقاً على المذهب البابوي، وبعد إتمامهما إفسادَها سجّلا شهادتهما بتصحيحها، وهكذا رخص غبطته في طبعها، وبعد اشتهار الجزء الأول منها قوبل على الأصل المحفوظ عند الروم، فظهر التحريف، وافتضح ما صنعوه حتى إن الشماس غبريل مات قهراً من هذا الصنيع" ثم قال: "نورد لهم برهاناً بشهادة رؤسائهم الإجماعية من كتاب عربي العبارة يوجد بين إيديهم مطبوعاً وهو كتاب المجمع اللبناني المثبت من كنيسةٍ رومية بجميع أجزائه المؤلف من جميع أساقفة الطائفة المارونية، ومن بطريكهم وعلمائهم تحت نظارة المونسنيور السمعاني المتقدم في المجمع الروماني، والمطبوع في دير الشُّوَيْر بإذن الرؤساء الكاثوليكيين، فهذا المجمع عندما يتكلم على خدمة القداس يقول قد وجد في كنيستنا نوافير" أي ليتورجيات "قديمة وإن كانت خالصة من الغلط لكنها مجردة بأسماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 القديسين ما صنفوها ولا هي لهم، وبعضها بأسماء أساقفة أراتقة أدخلها النساخ بغرض إفسادها وحسبُك شهادةً من جميعهم على أنفسهم بأن كنيستهم تحتوي على كتب مزوّرة" انتهى كلامه بعبارته، ثم قال: "ونحن عرفنا ما وقع في جيلنا المتنور الذي يخشون فيه إطلاق باعهم بتحريف كل ما يرغبونه، إذ يعلمون أن أعين حراس الإنجيل ترقبهم وأما ما حصل في الأجيال المظلمة من الجيل السابع إلى الجيل الخامس، عندما كان الباباوات والأساقفة عبارة عن دولة بربرية، وكثير منهم لا يعرف القراءة والكتابة، وكان المسيحيون المشارقة في ضنك من استيلاء الأمم عليهم مشتغلين في وقاية أنفسهم من الدمار، فهذا لا نعرفه بالتحقيق، ولكن عندما نطالع تواريخ تلك الأزمنة لا نرى فيها إلا ما يوجب النَّوْح والبكاء على حالة كنيسة المسيح التي تهشمت وقتئذ من الرأس إلى القدم" انتهى كلامه بلفظه. فانظر أيها اللبيب إلى عباراته الثلاث، فبعد ملاحظة ما ذكرت هل يبقى شك فيما لو قلت؟. والمجمع النيقاوي كان له عشرون قانوناً فقط، فحرفوا وزادوا فيه قوانين، وتتمسك فرقة الكاثلك بالقانون السابع والثلاثين والرابع والأربعين منها على رئاسة البابا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 في الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوع سنة 1849 في الصفحة 68 و 69 "إن المجمع المذكور ليس له غير عشرين قانوناً فقط كما تشهد تواريخ ثاودوريتوس وكتب جيلاسيوس وغيرهما، وأيضاً المجمع الرابع المسكوني يذكر للمجمع النيقاوي المذكور عشرين قانوناً لا غير" انتهى كلامه بلفظه، وكذلك جعلوا كتباً مزوّرة ونسبوها إلى الباباوات مثل كاليتوس وسيرسيوس ونكليتوس واسكندر ومرسيليوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 والرسالة الثانية من الكتاب المذكور في الصفحة 80 هكذا: "إن البابا لاون، وغالب علمائكم في الكنيسة الرومانية يعترفون بأن كتب هؤلاء الباباوات مزورة لا أصل لها" انتهى بلفظه. وأقول في جواب التغليط الثاني: إنه تغليط بحت "قال أرينيوس إن مريد بطرس ومترجمه مرقس كتب بعد موت بطرس وبولس الأشياء التي وعظ بها بطرس" انتهى، وقال لاردنر في تفسيره: "إني أظن أن مرقس ما كتب إنجيله قبل سنة 63 أو سنة 64 لأنه لا يُتخيل وجه معقول لقيام بطرس في الروم قبل هذا، وهذا التاريخ موافق للكاتب القديم أرينيوس، والذي قال إن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس، وقال باسينج موافقاً لأرينيوس: إن مرقس كتب إنجيله في سنة 66 بعد موت بطرس وبولس واستشهدا على رأيه في سنة 95" فظهر من كلام باسينج وأرينيوس أن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس، فثبت أن بطرس ما رأى أن إنجيل مرقس يقيناً، ورواية رؤية بطرس هذا الإنجيل رواية ضعيفة لا يعتد بها، فلذلك قال صاحب مرشد الطالبين مع تعصبه في الصفحة 170 من النسخة المطبوعة سنة 1840: "قد زعم أن إنجيل مار مرقس كتب بتدبير مار بطرس" انتهى بلفظه. فانظروا إلى لفظ قد زعم فإنه ينادي بأن هذا القول زعم باطل لا أصل له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وكذلك ما رأى بولس إنجيل لوقا بوجهين: (الأول) أن المختار عند علماء البروتستنت الآن أن لوقا كتب إنجيله سنة 63 وكان تأليفه في أخيا، وهذا الأمر محقق أيضاً أن مقدسهم بولس أُطلق من الأسر سنة 63، ثم لا يعلم حاله بعد الإطلاق إلى الموت بالخبر الصحيح، لكن الغالب أنه ذهب بعد الإطلاق إلى إسبانيا والمغرب لا إلى الكنائس المشرقية، وأخيا من بلاد المشرق، والظن الغالب أن لوقا أرسل إنجيله بعد ما فرغ من تأليفه إلى ثاوفيلس الذي ألف لوقا الإنجيل لأجله. قال صاحب مرشد الطالبيين في الفصل الثاني من الجزء الثاني في الصفحة 161 من النسخة المطبوعة سنة 1840 في بيان حال لوقا: "كتب إنجيله في أخيا سنة 63"، ولم يثبت من موضع بدليل أن ثاوفيلس لقي مقدسهم، فلا يثبت رؤية مقدسهم هذا الإنجيل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 قال هورن في الصفحة 338 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822: "لما لم يكتب لوقا حال بولس بعد ما أطلق لم يعلم بالخبر الصحيح حاله من السفر وغيره من حين الإطلاق الذي كان في سنة 63 إلى الموت" وقال لاردنر في الصفحة 350 من المجلد الخامس من تفسيره المطبوع سنة 1738 "نريد أن نكتب الآن حال الحواري من هذا الوقت" أي وقت الإطلاق "إلى موته لكنه لا يحصل إعانة ما من بيان لوقا ويحصل من الكتب الأخرى من العهد الجديد إعانة في غاية القلة، ولا يحصل من كلام القدماء أيضاً إعانة زائدة، ووقع الاختلاف في أن بولس أين ذهب بعد ما أطلق" فثبت من كلام هذين المفسرين أنه لا يعلم بالخبر الصحيح حال مقدسهم من إطلاقه إلى الموت، فلا يكون ظن بعض المتأخرين بذهابه إلى الكنائس المشرقية بعد الإطلاق حجة وسند. وفي الباب الخامس عشر من الرسالة الرومية هكذا: 23 "وأما الآن فإذ ليس لي مكان بعد في هذه الأقاليم، ولي اشتياق إلى المجيء إليكم منذ سنين كثيرة" 24 "فعندما أذهب إلى إسبانيا آتي إليكم لأني أرجو أن أريكم في مروري" فصرح مقدسهم أن عزمه كان إلى إسبانيا، ولم يثبت بدليل قوي وخبر صحيح أنه ذهب إليه قبل الإطلاق، فالأغلبُ أنه ذهب إليه بعد ما أطلق لأنه لا يُعلم وجهٌ وجيه لفسخ هذا العزم، وفي الآية 25 من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا: "والآن ها أنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 أعلم أنكم لا ترون وجهي أيضاً أنتم جميعاً الذين مررت بينكم كارزا بملكوت الله" فهذا القول يدل على أنه ما كان له العزم أن يذهب إلى الكنائس المشرقية، وقال كليمنس أسقف الروم في رسالته: "إن بولس وصل إلى أقصى المغرب معلماً لجميع العالم الصدق وذهب إلى الموضع المقدس بعد ما استشهد" فهذا القول دليل على أنه راح إلى المغرب لا إلى الكنائس المشرقية (الثاني) أن لاردنر نقل أولاً قول أرينيوس هكذا: "كتب لوقا مقتدي بولس في كتاب واحد البشارة التي وعظ بها بولس" ثم قال ثانياً "يعلم من ربط الكلام أن هذا الأمر" يعني تحرير لوقا إنجيله "وقع بعد ما حَرّر مرقس إنجيله وبعد موت بولس وبطرس" فعلى هذا القول لا يمكن رؤية بولس إنجيل لوقا، على أنه لو فرض أن بولس رأى إنجيل لوقا أيضاً فلا اعتداد برؤيته عندنا، لأن قول بولس ليس إلهامياً عندنا فكيف يكون قول غير الشخص الإلهامي برؤية بولس في حكم الإلهامي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 الباب الثاني: في إثبات التحريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 وهو قسمان لفظي ومعنوي، ولا نزاع بيننا وبين المسيحيين في القسم الثاني لأنهم يسلمون كلهم صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، التي هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام التي هي أبدية عند اليهود، وأن علماء البروتستنت يعترفون بصدوره عن معتقدي البابا في كتب العهدين، كما أن معتقدي البابا يرمونهم بهذا رمياً شديداً فلا احتياج إلى إثباته. بقي القسم الأول، وقد أنكره علماء البروتستنت في الظاهر إنكاراً بليغاً لتغليط جهال المسلمين وأوردوا أدلة مموّهة مزورة في رسائلهم ليوقعوا الناظرين في الشك فهو محتاج إلى الإثبات، فأريد إثباته في كتابي هذا بعون خالق الأرض والسماوات، وأقول: إن التحريف اللفظي بجميع أقسامه أعني بتبديل الألفاظ وزيادتها ونقصانها ثابت في الكتب المذكورة، وأورد هذه الأقسام الثلاثة على سبيل الترتيب في ثلاثة مقاصد. تمهيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 المقصد الأول: في إثبات التحريف اللفظي بالتبديل اعلم أرشدك الله تعالى أن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ (الأولى) العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود، وجمهور علماء البروتستنت (والثانية) النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عن المسيحيين إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، وهي إلى هذا الزمان أيضاً معتبرة عند الكنيسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 اليونانية، وكذا عند كنائس المشرق، وهاتان النسختان تشتملان على جميع الكتب من العهد العتيق (والثالثة) النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين، وهذه النسخة هي النسخة العبرانية لكنها تشتمل على سبعة كتب من العهد العتيق فقط، أعني الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وكتاب يوشع وكتاب القضاة لأن السامريين لا يسلمون الكتب الباقية من العهد العتيق، وتزيد على النسخة العبرانية في الألفاظ والفقرات الكثيرة التي لا توجد فيها الآن، وكثير من محققي علماء البروتستنت مثل كي كات وهيلز وهيوبي كينت وغيرهم يعتبرونها دون العبرانية، ويعتقدون أن اليهود حرفوا العبرانية، وجمهور علماء البروتستنت أيضاً يضطرون في بعض المواضع إليها ويقدمونها على العبرانية كما ستعرف إن شاء الله تعالى، وإذا علمت هذا فأقول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 (الشاهد الأول) إن الزمان من خلق آدم إلى طوفان نوح عليه السلام على وفق العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة 1656، وعلى وفق اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة 2262، وعلى وفق السامرية ألف وثلثماية وسبع سنين 1307، وفي تفسير هنري واسكات جدول كتب فيه في مقابلة كل شخص غير نوح عليه السلام من سني عمر هذا الشخص سنة تولد له فيها الولد، وكتب في مقابلة اسم نوح عليه السلام من سني عمره زمان الطوفان والجدول المذكور هذا: الأسماء ... النسخة العبرانية ... السامرية ... اليونانية آدم عليه السلام ... 130 شيث عليه السلام ... 105 ... 105 ... 205 آنوش ... 90 ... 90 ... 190 قينان ... 70 ... 170 مهلائيل ... 65 ... 65 ... 165 بارد ... 162 ... 62 حنوك ... 65 ... 65 ... 165 متوسالح ... 187 ... 67 ... 187 لامك ... 182 ... 53 ... 188 نوح عليه السلام ... 600 ... 600 1656 1307 2262 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 فبين النسخ المذكورة في بيان المدة المسطورة فرق كثير، واختلاف فاحش لا يمكن التطبيق بينها ولمّا كان نوح عليه السلام في زمن الطوفان ابن ستمائة سنة على وفق النسخ الثلاث وعاش أدم عليه السلام تسعمائة وثلاثين سنة فيلزم على وفق النسخة السامرية أن يكون نوح عليه السلام حين مات آدم عليه السلام ابن مائتين وثلاث وعشرين سنة. وهذا باطل باتفاق المؤرخين، وتكذبه العبرانية واليونانية إذ ولادته على وفق الأولى بعد موت آدم عليه السلام بمائة وست وعشرين سنة، وعلى وفق الثانية بعد موته بسبعمائة واثنتين وثلاثين سنة 732، ولأجل الاختلاف الفاحش ما اعتمد يوسيفس اليهودي المؤرخ المشهور المعتبر عند المسيحيين على نسخة من النسخ المذكورة واختار أن المدة المذكورة ألفان ومائتان وست وخمسون سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 (الشاهد الثاني) أن الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه السلام على وفق العبرانية مائتان واثنتان وستعون سنة 29، وعلى وفق اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة 1072، وعلى وفق السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة 942، وفي تفسير هنري واسكات أيضاً جدول مثل الجدول المذكور، لكن كتب في هذا الجدول في محاذاة اسم كل رجل غير سام من سني عمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 سنة تولد له فيها ولد، وكتب في محاذاة اسم سام زمان تولد له فيه ولد بعد الطوفان، والجدول المذكور هذا: الأسماء ... عبرانية ... سامرية ... يونانية سام ... 2 ... 2 ... 2 أرفخشذ ... 35 ... 135 ... 135 قينان ... * ... * ... * شالخ ... 30 ... 130 عار ... 34 ... 134 ... 134 فالغ ... 30 ... 130 ... 130 رعو ... 32 ... 132 ... 132 سروغ ... 30 ... 130 ... 130 ناحور ... 29 ... 79 ... 79 تارح ... 70 ... 70 ... 70 292 942 1072 فهنا أيضاً اختلاف فاحش بين النسخ المذكورة لا يمكن التطبيق بينها ولما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 كانت ولادة إبراهيم عليه السلام بعد الطوفان بمائتين واثنتين وتسعين سنة 292 على وفق النسخة العبرانية، وعاش نوح عليه السلام بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة 350 كما هو مصرح في الآية الثانية والعشرين من الباب التاسع من سفر التكوين، فيلزم أن يكون إبراهيم عليه السلام حين مات نوح عليه السلام ابن ثمان وخمسين سنة، وهذا باطل باتفاق المؤرخين، ويكذبه اليونانية والسامرية، إذ ولادة إبراهيم عليه السلام بعد موت نوح عليه السلام بسبعمائة واثنتين وعشرين سنة على وفق النسخة الأولى، وبخمسمائة واثنتين وتسعين سنة على وفق النسخة الثانية، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 وزيد في النسخة اليونانية بطن واحدبين أرفخشذ وشالخ وهو قينان، ولا يوجد هذا البطن في العبرانية والسامرية، واعتمد لوقا الإنجيلي على اليونانية فزاد قينان في بيان نسب المسيح، ولأجل الاختلاف الفاحش المذكور اختلف المسيحيون فيما بينهم، فنبذ المؤرخون النسخ الثلاث في هذا الأمر وراء ظهورهم، وقالوا إن الزمان المذكور ثلثمائة واثنتان وخمسون سنة 352، وكذا ما اعتمد عليها يوسيفس اليهودي المؤرخ، المشهور وقال إن هذا الزمان تسعمائة وثلاث وتسعون سنة 993، كما هو منقول في تفسير هنري واسكات وأكستائن، الذي كان أعلم العلماء المسيحية في القرن الرابع من القرون المسيحية وكذا القدماء الآخرون، على أن الصحيح النسخة اليونانية، واختاره المفسر (هارسلي) في تفسيره ذيل تفسير الآية الحادية عشرة من سفر التكوين. و (هيلز) على أن الصحيح النسخة السامرية، ويفهم ميلان محققهم المشهور (هورن) إلى هذا. في المجلد الأول من تفسير هنري وسكات: "إن أكستائن كان يقول: إن اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين قبل زمان الطوفان وبعده إلى زمن موسى عليه السلام، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمةُ اليونانية غيرَ معتبرة، ولعناد الدين المسيحي ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 مثله، وكانوا يقولون إن اليهود حرّفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من السنين المسيحية" انتهى كلام التفسير المذكور. وقال هورن في المجلد الثاني من تفسيره: "إن المحقق هيلز أثبت بالأدلة القوية صحة النسخة السامرية، ولا يمكن تلخيص دلائله ههنا، فمن شاء فلينظر في كتابه من الصفحة الثمانين إلى الآخر، وأن كنى كات يقول: لو لاحظنا أدب السامريين بالنسبة إلى التوراة، ولاحظنا عاداتهم، ولاحظنا سكوت المسيح عليه السلام حين المكالمة المشهورة التي وقعت بينه وبين الامرأة السامرية" وقصتها منقولة في الباب الرابع من إنجيل يوحنا وفي هذه القصة هكذا: 19 "قالت له الامرأة إني أرى أنك يا رب نبي" 20 "وكان آباؤنا يسجدون في هذا الجبل" تعني جرزيم "وأنتم" أي اليهود "تقولون المكان الذي ينبغي أن يسجد فيه في أورشليم" ولما علمت هذه الامرأة أن عيسى عليه السلام نبي سألت عن هذا الأمر الذي هو أعظم الأمور المتنازعة بين اليهود والسامريين، ويدّعي كل فرقة فيه تحريف الأخرى ليتضح لها الحق، فلو كان السامريون حرفوا التوراة في هذا الموضع كان لعيسى أن يبين هذا الأمر في جوابها، لكنه ما بيَّن بل سكت عنهُ، فسكوته دليل على أن الحق ما عليه السامريون، "ولو لاحظنا أموراً أخر لاقتضى الكل أن اليهود حرفوا التوراة قصداً، وأن ما قال محققو كتب العهد العتيق والجديد أن السامريين حرفوه قصداً لا أصل له" انتهى كلام هورن، فانظر أيها اللبيب أنهم كيف اعترفوا بالتحريف وما وجدوا ملجأ غير الإقرار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 (الشاهد الثالث) أن الآية الرابعة من الباب السابع والعشرين من كتاب الاستثناء في النسخة العبرانية هكذا: "فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عِيبال وشيدوها بالجص تشييداً" وهذه الجملة "فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال" في النسخة السامرية هكذا: (فانصبوا الحجارة التي أنا أوصيكم في جبل جِرْزيم) وعيبال وجِرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من هذا الباب، ومن الآية التاسعة والعشرين من الباب الحادي عشر من هذا الباب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى عليه السلام أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عيبال، ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جِرْزيم، وبين اليهود والسامريين سلفاً وخلفاً نزاع مشهور تدعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرّفت التوراة في هذا المقام، وكذلك بين علماء البروتستنت اختلاف في هذا الموضع، قال مفسرهم المشهور آدم كلارك في صفحة 817 من المجلد الأول من تفسيره: "إن المحقق كني كات يدعي صحة السامرية والمحقق باري ودرشيور يدعيان صحة العبرانية، لكن كثيراً من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين، وهذا الأمر مسلم عند الكل أن جرزيم ذو عيون وحدائق ونباتات كثيرة، وعيبال جبل يابس لا شيء عليه من هذه الأشياء، فإذا كان الأمر كذلك كان الجبل الأول مناسباً لإسماع البركة والثاني للعن" انتهى كلام المفسر، وعلم منه ان المختار كني كات وكثير من الناس أن التحريف واقع في النسخة العبرانية وأن أدلة كني كات قوية جداً. (الشاهد الرابع) في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا: 2 "ونظر بئراً في الحقل، وثلاثة قطعان غنم رابضةً عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم، وكان حجر عظيم على فم البئر 8 فقالوا ما نستطيع حتى تجتمع الماشية" إلى آخر الآية، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 ففي الآية الثانية والثامنة وقع لفظ قطعان غنم، ولفظ الماشية، والصحيح لفظ الرعاة بدلهما كما هو في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية لوالتن، قال المفسر هارسلي في الصفحة الرابعة والسبعين من المجلد الأول من تفسيره في ذيل الآية الثانية: "لعل لفظ ثلاثة رعاة كان ههنا انظروا كني كات" ثم قال في ذيل الآية الثامنة: "لو كان ههنا حتى تجتمع الرعاة لكان أحسن، انظروا النسخة السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت" وقال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره: "يصر هيوبي كينت إصراراً بليغاً على صحة السامرية" وقال هورن في المجلد الأول من تفسيره موافقاً لما قال كني كات وهيوبي كينت أنه وقع من غلط الكاتب لفظ قطعان الغنم بدل لفظ الرعاة. (الشاهد الخامس) وقع في الآية الثالثة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني لفظ سبع سنين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 ووقع في الآية الثانية عشرة من الباب الحادي والعشرين من الكتاب الأول من أخبار الأيام لفظ ثلاث سنين وأحدهما غلط يقيناً، قال آدم كلارك في ذيل عبارة صموئيل: "وقع في كتاب أخبار الأيام ثلاث سنين لا سبع سنين، وكذا في اليونانية وقع ههنا ثلاث سنين، كما وقع في أخبار الأيام، وهذه هي العبارة الصادقة بلا ريب". (الشاهد السادس) وقع في الآية الخامسة والثلاثين من الباب التاسع من الكتاب الأول من أخبار الأيام في النسخة العبرانية "وكان اسم أخته معكاه" والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل الأخت قال آدم كلارك: "وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت، وفي اليونانية واللاطينية والسريانية لفظ الزوجة وتبع المترجمون هذه التراجم" انتهى كلامه، وههنا جمهور البروتستنت نركوا العبرانية وتبعوا التراجم المذكورة فالتحريف في العبرانية متعين عندهم. (الشاهد السابع) وقع في الآية الثانية من الباب الثاني والعشرين من الكتاب الثاني من أخبار الأيام في النسخة العبرانية: "أخذياه صار سلطاناً وكان ابن اثنتين وأربعين سنة" ولا شك أنه غلط يقيناً لأن أباه يهورام حين موته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 كان ابن أربعين سنة، وجلس هو على سرير سلطنته بعد موت أبيه متصلاً فلو صح هذا يلزم أن يكون أكبر من أبيه بسنتين، وفي الآية السادسة والعشرين من الباب الثامن من سفر الملوك الثاني: "إنه كان في ذلك الوقت ابن اثنتين وعشرين سنة" قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة أخبار الأيام: "وقع في الترجمة السريانية والعربية اثنان وعشرون، وفي بعض النسخ اليونانية عشرون، والغالب أن يكون في العبرانية في الأصل هكذا لكنهم كانوا يكتبون العدد بالحروف، فوقع الميم موضع الكاف، من غلط الكاتب"، ثم قال: "عبارة سفر الملوك الثاني صحيحة، ولا يمكن أن تتطابق العبارتان، وكيف تصح العبارة التي يظهر منها كون الابن أكبر من أبيه بسنتين؟ " وفي المجلد الأول من تفسير هورن وكذا في تفسير هنري واسكات أيضاً اعتراف بأنه من غلط الكتاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 (الشاهد الثامن) وقع في الآية التاسعة عشرة من الباب الثامن والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام في النسخة العبرانية: "الرب قد أذل يهودا بسبب أحاز ملك إسرائيل" ولفظ إسرائيل غلط يقيناً، لأنه كان ملك يهودا لا ملك إسرائيل، ووقع في اليونانية واللاطينية لفظ يهودا فالتحريف في العبرانية. (الشاهد التاسع) وقع في الآية السادسة من الزبور الأربعين: "فتحت أذني" ونقل بولس هذه الجملة في كتابه إلى العبرانيين في الآية الخامسة من الباب العاشر هكذا: "قد هيئت لي جسداً" فإحدى العبارتين غلط ومحرفة يقيناً، وتحير العلماء المسيحيون فقال جامعو تفسير هنري واسكات: "إن هذا الفرق وقع من غلط الكاتب" وأحد المطلبين صحيح، فجامعو التفسير المذكور اعترفوا بالتحريف، لكنهم توقفوا في نسبته إلى إحدى العبارتين بالتعيين، وقال آدم كلارك في المجلد الثالث من تفسيره ذيل عبارة الزبور: "المتن العبراني المتداول محرف" فنسب التحريف إلى عبارة الزبور، وفي تفسير دوالي ورجرد مينت: "العجب أنه وقع في الترجمة اليونانية وفي الآية الخامسة من الباب العاشر من الكتاب إلى العبرانيين بدل تلك الفقرة هذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 الفقرة: قد هيئت لي جسداً" فهذان المفسران نسبوا التحريف إلى عبارة الإنجيل. (الشاهد العاشر) وقع في الآية الثامنة والعشرين من الزبور المائة والخامس في العبرانية: "هم ما عصوا قوله" وفي اليونانية "هم عصوا قوله" ففي الأول نفي والثانية إثبات، فأحدهما غلط يقيناً، وتحير العلماء المسيحيون ههنا في تفسير هنري واسكات: "لقد طالت المباحثة لأجل هذا الفرق جداً وظاهر أنه نشأ إما لزيادة حرف أو لتركه" فجامعو هذا التفسير اعترفوا بالتحريف، لكن ما قدروا على تعيينه. (الشاهد الحادي عشر) وقع في الآية التاسعة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني: "بنو إسرائيل كانوا ثمانمائة ألف رجل شجاع وبنو يهودا خمسمائة ألف رجل شجاع" وفي الآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من سفر الملوك الأول: "فبنو إسرائيل كانوا ألف ألف رجل شجاع، ويهودا كانوا أربعمائة ألف وسبعون ألف رجل شجاع" فإحدى العبارتين ههنا محرفة، قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة صوئيل: "لا يمكن صحة العبارتين، وتعيين الصحيحة عسير، والأغلب أنها الأولى، ووقعت ف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 ي كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخرى، والاجتهاد في التطبيق عبث والأحسن أن يسلم من أول الوهلة الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظفر، ومصنفو العهد العتيق، وإن كانوا ذوي إلهام لكن الناقلين لم يكونوا كذلك" فهذا المفسر اعترف بالتحريف، لكنه لم يقدر على التعيين واعترف أن التحريفات في كتب التواريخ كثيرة، وأنصف فقال إن الطريق الأسلم تسليم التحريف من أول الوهلة. (الشاهد الثاني عشر) قال المفسر هارسلي في الصفحة 291 من المجلد الأول من تفسيره ذيل الآية الرابعة من الباب الثاني عشر من كتاب القضاة: "لا شبهة أن هذه الآية محرفة". (الشاهد الثالث عشر) وقع في الآية الثامنة من الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الثاني لفظ أرم، ولا شك أنه غلط والصحيح لفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 أدوم، وآدم كلارك المفسر حكم أولاً بأنه غلط يقيناً، ثم قال: الأغلب أنه من غلط الكاتب. (الشاهد الرابع عشر) وقع في الآية السابعة من الباب المذكور: "أن أبا سالوم قال للسلطان بعد أربعين سنة" ولفظ الأربعين غلط يقيناً، والصحيح لفظ الأربع. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره: "لا شبهة أن هذه العبارة محرفة" ثم قال: "أكثر العلماء على أن الأربعين وقع موضع الأربع من غلط الكاتب". (الشاهد الخامس عشر) قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل الآية الثامنة من الباب الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني: "قال كني كات في هذه الآية في المتن العبراني ثلاث تحريفات عظيمة" فأقر ههنا بثلاث تحريفات جسيمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 (الشاهد السادس عشر) الآية السادسة من الباب السابع من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا: "بنو بنيامين بلع وبكر ويدبع بيل ثلاثة أشخاص" وفي الباب الثامن من السفر المذكور هكذا: [1] "ولد بنيامين ولده الأكبر بالع والثاني إشبيل والثالث أحْرَح" [2] "والرابع نوحاه والخامس رافاه" وفي الآية الحادية والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا: "نسخة سنة 1848 بنو بنيامين بالع وباخور وإشبل وجيرا ونعمان واحي وروش ومافيم وحوفيم وارد" ففي العبارات الثلاث اختلاف من وجيهن الأول في الأسماء، والثاني في العدد حيث يفهم من الأولى أن أبناء بنيامين ثلاثة، ويفهم من الثانية أنهم خمسة، ويفهم من الثالثة أنهم عشرة، ولما كانت العبارة الأولى والثانية من كتاب واحد يلزم التناقض في كلام مصنف واحد، وهو عزرا النبي عليه السلام، ولا شك أن إحدى العبارات عندهم تكون صادقة، والباقيتين تكونان كاذبتين، وتحير علماء أهل الكتاب فيه واضطروا ونسبوا الخطأ إلى عزرا عليه السلام، قال آدم كلارك ذيل العبارة الأولى: "كتب ههنا لأجل عدم التميز للمصنف ابن الابن موضع الابن وبالعكس، والتطبيق في مثل هذه الاختلافات غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 مفيد، وعلماء اليهود يقولون إن عزرا عليه السلام الذي كتب هذا السفر ما كان له علم بأن بعض هؤلاء بنون أن بنو الأبناء، ويقولون أيضاً إن أوراق النسب التي نقل عنها عزرا عليه السلام كان أكثرها ناقصة، ولا بد لنا أن نترك أمثال هذه المعاملات". فانظر أيها اللبيب ههنا كيف اضطر أهل الكتاب طراً سواءٌ كانوا من اليهود أو من المسيحيين، وما وجدوا ملجأ سوى الإقرار بأن ما كتب عزرا عليه السلام غلط، وما حصل له التميز بين الأبناء وأبناء الأبناء فكتب ما كتب، والمفسر لما أيس من التطبيق قال أولاً: "التطبيق في مثل هذه الاختلافات غير مفيد" وقال ثانياً: "لا بد لنا أن ترك أمثال هذه المعاملات". (فائدة جليلة) لا بد من التنبيه عليها. اعلم أرشدك الله تعالى أن جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفها عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فعلى هذا، السفران المذكوران اتفق عليهما الأنبياء الثلاثة عليهم السلام، وكتب التواريخ شاهدة بأن حال كتب العهد العتيق قبل حادثة بختنصر كان أبتر، وبعد حادثته ما بقي لها غير الاسم، ولو لم يدون عزرا عليه السلام هذه الكتب مرة أخرى لم توجد في زمانه فضلاً عن الزمان الآخر، وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أيضاً في السفر الذي هو منسوب إلى عزرا، وفرقة البروتستنت لا يعترفون بأنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 سماوي، لكن مع ذلك الاعتقاد لا تنحط رتبته عن كتب المؤرخين المسيحيين. عندهم وقع هكذا: "أُحْرِق التوراة وما كان أحد يعلمه، وقيل إن عزرا جمع ما فيه مرة أخرى بإعانة روح القدس" وقال كليمنس اسكندر يانوس: "إن الكتب السماوية ضاعت فألهم عزرا أن يكتبها مرة أخرى": وقال ترتولين: "المشهور أن عزرا كتب مجموع الكتب بعد ما أغار أهل بابل بروشالم" وقال تهيو فلكت: "إن الكتب المقدسة انعدمت رأساً فأوجدها عزرا مرة أخرى بإلهام" انتهى، وقال جان ملز كاثلك في الصفحة 115 من كتابه الذي طبع في بلدة دربي سنة 1842: "اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة الأصلية وكذا نسخ كتب العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر بختنصر، ولما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول، أيضاً في حادثة أنتيوكس" بقدر الحاجة إذا علمت هذه الأقوال فارجع إلى كلام المفسر المذكور، وأقول يظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 للبيب ههنا سبعة أمور: (الأمر الأول) أن هذا التوراة المتداول الآن ليس التوراة الذي ألهم به موسى عليه السلام أولاً، ثم بعد انعدامه كتبه عزرا عليه السلام بالإلهام مرة أخرى، وإلا لرجع إليه عزرا عليه السلام، وما خالفه، ونقل على حسبه وما اعتمد على الأوراق الناقصة التي لم يقدر على التمييز بين الغلط والصحيح منها، وإن قالوا إنه هو لكنه أيضاً كان منقولاً عن النسخ الناقصة التي حصلت له، ولم يقدر حين التحرير على التمييز بينها كما لم يقدر ههنا بين الأوراق الناقصة، فقلت على هذا التقدير لا يكون التوراة معتمداً وإن كان ناقله عزرا عليه السلام. (الأمر الثاني) أنه إذا غلط عزرا في هذا السفر مع أن الرسولين الآخرين كانا معينين له في تأليف هذا السفر، فيجوز صدور الغلط منه في الكتب الأخر أيضاً، فلا بأس لو أنكر أحد شيئاً من هذه الكتب إذا كان ذلك الشيء مخالفاً للبراهين القطعية أو مصادماً للبداهة، مثل أن ينكر ما وقع في الباب التاسع عشر من سفر التكوين من أن لوطاً عليه السلام زنى بابنتيه، والعياذ بالله تعالى، وحملتا من أبيهما وتولد لهما ابنان هما أبو الموابيين والعمانيين، وما وقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 في الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الأول من أن داود عليه السلام زنى بامرأة اوريا، وحملت بالزنا منه، فقتل زوجها بالحيلة وتصرف فيها، وما وقع في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره بترغيب أزواجه، وعبد الأصنام وبنى لها معابد وسقط من نظر الله، وأمثال هذه القصص التي تقشعر منها جلود أهل الإيمان ويكذبها البرهان. (الأمر الثالث) أن الشيء إذا صار محرفاً فليس بضروري أن يزول ذلك التحريف بتوجه النبي الذي بعده، وأن يخبر الله تعالى عن المواضع المحرفة ألبتة ولا جرت عليه العادة الإلهية. (الأمر الرابع) أن علماء البروتستنت ادّعوا أن الأنبياء والحواريين وإن لم يكونوا معصومين عن الذنوب والخطأ والنسيان، لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير، فكل شيء بلغوه أو حرروه فهو مصون عن الخطأ والسهو والنسيان، أقول ما ادّعوه لا أصل له من كتبهم وإلا لِمَ صار تحرير عزرا عليه السلام مع كون الرسولين عليهما السلام معينين له غير مصون عن الخطأ؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 (الأمر الخامس) أنه لا يلهم النبي في بعض الأحيان في بعض الأمور مع كون الإلهام محتاجاً إليه، لأن عزرا عليه السلام لم يلهم مع كونه محتاجاً إلى الإلهام في ذلك الأمر. (الأمر السادس) أنه ظهر صدق دعوى أهل الإسلام بأنا لا نسلم أن كل ما اندرج في هذه الكتب فهو إلهامي، ومن جانب الله، لأن الغلط لا يصلح أن يكون إلهامياً ومن جانب الله، وهو يوجد في هذه الكتب بلا ريب كما عرفت آنفاً، وفي الشواهد السابقة وستعرف في الشواهد اللاحقة أيضاً إن شاء الله تعالى. (الأمر السابع) أنه إذا لم يكن عزرا عليه السلام مصوناً عن الخطأ في التحرير، فكيف يكون مرقس ولوقا الإنجيليان اللذان ليسا من الحواريين أيضاً مصونين عن الخطأ في التحرير؟ لأن عزرا عليه السلام عند أهل الكتاب نبي ذو إلهام وكان النبيان ذوا إلهام معينين له في التحرير، ومرقس ولوقا ليسا بنبيين ذوي إلهام، بل عندنا متى ويوحنا ليسا كذلك، وإن كان زعم المسيحيين من فرقة البروتستنت بخلافه، وكلام هؤلاء الأربعة الإنجيليين مملوء من الأغلاط والاختلافات الفاحشة. (الشاهد السابع عشر) قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل الآية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 التاسعة والعشرين من الباب الثامن من السفر الأول من أخبار الأيام: "في هذا الباب من هذه الآية إلى الآية الثامنة والثلاثين، وفي الباب التاسع من الآية الخامسة والثلاثين إلى الآية الرابعة والأربعين توجد أسماء مختلفة، وقال علماء اليهود إن عزرا وجد كتابين توجد فيهما هذه الفقرات مع شيء من اختلاف الأسماء، ولم يحصل له نميز بأن أيهما أحسن فنقلهما" ولك أن تقول ههنا كما مر في الشاهد المتقدم. (الشاهد الثامن عشر) في الباب الثالث عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام وقع في الآية الثالثة لفظ أربعمائة ألف في تعداد عسكر آبياه، ولفظ ثمانمائة ألف في تعداد عسكر يربعام، وفي الآية السابعة عشرة لفظ خمسمائة ألف في تعداد المقتولين من عسكر يربعام، ولما كانت هذه الأعداد بالنسبة إلى هؤلاء الملوك مخالفة للقياس غُيَّرت في أكثر نسخ الترجمة اللاطينية إلى أربعين ألفاً في الموضع الأول، وثمانين ألفاً في الموضع الثاني، وخمسين ألفاً في الموضع الثالث، ورضي المفسرون بهذا التغيير، قال هورن في المجلد الأول من تفسيره: "الأغلب أن عدد هذه النسخ" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 أي نسخ الترجمة اللاطينية "صحيح" وقال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره: "يعلم أن العدد الصغير" أي الواقع في نسخ الترجمة اللاطينية "في غاية الصحة، وحصل لنا موضع الاستغاثة كثيراً بوقوع التحريف في أعداد هذه كتب التواريخ" انتهى كلامه، وهذا المفسر بعد اعتراف التحريف ههنا صرح بوقوعه كثيراً في الأعداد. (الشاهد التاسع عشر) في الآية التاسعة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام: "وكان يواخين ابن ثمان سنين حين صار سلطاناً" ولفظ ثماني سنين غلط، ومخالف لما وقع في الآية الثامنة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني: "وكان يواخين حين جلس على سرير السلطنة ابن ثماني عشرة سنة" قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة سفر الملوك: "وقع في الآية التاسعة من الباب السادس والثلاثينن من السِّفر الثاني من أخبار الأيام لفظ ثمانية وهو غلط ألبتة، لأن سلطنته كانت إلى ثلاثة أشهر، ثم ذهب إلى بابل أسيراً، وكان في المحبس وأزواجه معه، والغالب أنه لا يكون لابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 ثماني أو تسع سنين أزواجاً ويشكل أيضاً أن يُقال لمثل هذا الصغير إنه فعل ما كان قبيحاً عند الله، فهذا الموضع من السفر محرف". (الشاهد العشرون) في الآية السابعة عشرة من الزبور الحادي والعشرين على ما في بعض النسخ، أو في الآية السادسة عشرة من الزبور الثاني والعشرين وقعت هذه الجملة في النسخة العبرانية: "وكلتا يدي مثل الأسد" والمسيحيون من فرقة الكاثوليك والبروتستنت في تراجمهم ينقلونها هكذا: "وهم طعنوا يدي ورجلي" فهؤلاء متفقون على تحريف العبرانية ههنا. (الشاهد الحادي والعشرون) قال آدم كلارك في المجلد الرابع من تفسيره ذيل الآية الثانية من الباب الرابع والستين من كتاب أشعيا: "المتن العبراني محرف كثيراً ههنا والصحيح أن يكون هكذا: "كما أن الشمع يذوب من النار". (الشاهد الثاني والعشرون) الآية الرابعة من الباب المذكور هكذا: "لأن الإنسان من القديم ما سمع وما وصل إلى أذن أحد، وما رأت عيناً أحد إلهاً غيرك يفعل لمنتظريه مثل هذا" ونقل بولس هذه الآية في الآية التاسعة من الباب الثاني من رسالته الأولى إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 أهل قورنثيوس هكذا: "بل كما كتب أن الأشياء التي هيأها الله للذين يحبونه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولم يخطر بخاطر إنسان" فكم من فرق بينهما؟ فإحداهما محرفة. في تفسير هنري واسكات. "الرأي الحسن أن المتن العبري محرف"، وآدم كلارك ذيل عبارة أشعياء عليه السلام نقل أولاً أقوالاً كثيرة وردها وجرحها ثم قال: "إني متحير ماذا أفعل في هذه المشكلات غير أن أضع بين يدي الناظر أحد الأمرين: إما أن يعتقد بأن اليهود حرفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفاً قصدياً، كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة في العهد الجديد عن العهد العتيق، انظروا كتاب أَوْ وِنْ من الفصل السادس إلى الفصل التاسع في حق الترجمة اليونانية، وإما أن يُعتقد أن بولس ما نقل عن ذلك الكتاب، بل نقل عن كتاب أو كتابين من الكتب الجعلية، أعني مِعْراج أشعياء، ومشاهدات إيلياء اللذين وُجدت هذه الفقرة فيهما، وظن البعض أن الحواري نقل عن الكتب الجعلية، ولعل الناس لا يقبلون الاحتمال الأول بسهولة فأنبه الناظرين تنبيهاً بليغاً على أن جيروم عدّ الاحتمال الثاني أسوء من الإلحاد" انتهى كلامه. (الشاهد الثالث والعشرون إلى الشاهد الثامن والعشرين) قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره: "يعلم أن المتن العبري في الفقرات المفصلة الذيل محرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 1 - الآية الأولى من الباب الثالث من كتاب ملاخيا" 2 - "الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا" 3 - "من الآية الثامنة إلى الآية الحادية عشرة من الزبور السادس عشر" 4 - "الآية الحادية عشرة والثانية عشرة من الباب التاسع من كتاب عاموس" 5 - "من الآية السادسة إلى الثامنة من الزبور الأربعين" 6 - "الآية الرابعة من الزبور العاشر بعد المائة" فأقر محققهم بالتحريف في هذه المواضع في الآيات، ووجه إقراره: الموضع الأول نقله متّى في الآية العاشرة من الباب الحادية عشر من إنجيله وما نقله يخالف كلام ملاخيا المنقول في المتن العبراني والتراجم القديمة بوجهين: (الأول) أن لفظ "أمام وجهك في هذه الجملة: ها أنا ذا أرسل ملكي أمام وجهك" زائد في منقول متى لا يوجد في كلام ملاخيا (والثاني) أنه وقع في منقوله "ليوطئ السبيل قدامك" وفي كلام ملاخيا "ليوطئ السبيل قدامي" وقال هورن في الحاشية: "ولا يمكن أن يبين سبب المخالفة بسهولة غير أن النسخ القديمة وقع فيها تحريف ما" وأن الموضع الثاني نقله متى أيضاً في الآية السادسة من الباب الثاني من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 إنجيله، وبينهما مخالفة، وأن الموضع الثالث نقله لوقا في الآية الخامسة والعشرين إلى الثامنة والعشرين من الباب الثاني من كتاب أعمال الحواريين، وبينهما مخالفة وأن الموضع الرابع نقله لوقا في الآية السادسة عشرة والسابعة عشرة من الباب الخامس عشر من كتاب أعمال الحواريين، وبينهما مخالفة، وأن الموضع الخامس نقله بولس في الآية الخامسة إلى السابعة في رسالته إلى العبرانيين، وبينهما مخالفة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 وأما حال الموضع السادس فلم يتضح لي حق الاتضاح، لكن هورن لما كان من المحققين المعتبرين عندهم فإقراره يكفي حجة عليهم. (الشاهد التاسع والعشرون) في الآية الثامنة من الباب الحادي والعشرين من كتاب الخروج في المتن العبراني الأصل في مسألة الجارية وقع النفي وفي عبارة الحاشية وجد الإثبات. (الشاهد الثلاثون) في الآية الحادية والعشرين من الباب الحادي عشر من كتاب الأخبار في حكم الطيور التي تمشي على الأرض في المتن العبراني وجد النفي وفي عبارة الحاشية الإثبات. ْ (الشاهد الحادي والثلاثون) في الآية الثلاثين من الباب الخامس والعشرين من كتاب الأخبار في حكم البيت في المتن وجد النفي وفي عبارة الحاشية الإثبات، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 واختار علماء البروتستنت في هذه المواضع الثلاثة في تراجمهم الإثبات، وعبارة الحاشية وتركوا المتن الأصل، فعندهم الأصل في هذه المواضع محرف، ومن وقوع التحريف فيها اشتبهت الأحكام الثلاثة المندرجة فيها، فلا يُعلم يقيناً أن الصحيح الحكم الذي يقيده النفي، أو الحكم الذي يفيده الإثبات، وظهر من هذا أن ما قالوا من أنه لم يفت حكم من أحكام الكتب السماوية بوقوع التحريف الذي فيها غير صحيح. (الشاهد الثاني والثلاثون) في الآية الثامنة والعشرين من الباب العشرين من كتاب الأعمال: "حتى تركوا كنيسة الله التي اقتنى بدمه" قال كريباخ: "لفظ الله غلط والصحيح لفظ الرب" فعنده لفظ الله محرف. (الشاهد الثالث والثلاثون) في الآية السادسة عشرة من الباب الثالث من رسالة بولس الأولى إلى طيموثاوس "الله ظهر في الجسد" قال كريباخ "إن لفظ الله غلط والصحيح ضمير الغائب" أي بأن يقال هو. (الشاهد الرابع والثلاثون) في الآية الثالثة عشرة من الباب الثامن من المشاهدات: "ثم رأيت ملكاً طائراً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 قال كريباخ وشولز: "لفظ الملك غلط والصحيح لفظ العُقاب". (الشاهد الخامس والثلاثون) في الآية الحادية والعشرين من الباب الخامس من رسالة بولس إلى أهل أفسيس: "وليخضع بعض لبعض لخوف الله" قال كريباخ وشولز: "إن لفظ الله غلط والصحيح لفظ المسيح" وأكتفي من شواهد المقصد الأول على هذا القدر خوفاُ من الإطالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 المقصد الثاني: في إثبات التحريف بالزيادة (الشاهد الأول) اعلم أن ثمانية كتب من العهد العتيق كانت مشكوكة غير مقبولة عند المسيحيين إلى ثلثمائة وأربع وعشرين سنة وهي هذه: [1] كتاب أستير. [2] كتاب باروخ. [3] كتاب طوبيا. [4] كتاب يهوديت. [5] كتاب وزدم. [6] كتاب إيكليز ياستيكس. [7] الكتاب الأول لمقابيين. [8] الكتاب الثاني لمقابيين. وفي سنة ثلثمائة وخمس وعشرين من السنين المسيحية انعقد مجلس العلماء المسيحية بحكم السلطان قسطنطين في بلدة نائس، ليشاوروا ويحققوا الأمر في هذه الكتب المشكوكة، فبعد المشاورة والتحقيق حَكَمَ هؤلاء أن كتاب يهوديت واجب التسليم، وأبقوا باقي الكتب مشكوكة كما كانت، وهذا الأمر يظهر من المقدمة التي كتبها جيروم على ذلك الكتاب، ثم بعد ذلك انعقد مجلس لوديسيا في سنة ثلثمائة وأربع وستين، فعلماء هذا المجلس سلموا حكم علماء المجلس الأول في كتاب يهوديت، وزادوا عليه من الكتب المذكورة كتاب أستير، وأكدوا حكمهم بالرسالة العامة، ثم بعد ذلك انعقد مجلس كارتهيج في سنة ثلثمائة وسبع وتسعين، وكان أهلُ ذلك المجلس مائة وسبعة وعشرين عالماً من العلماء المشهورين ومنهم الفاضل المشهور المقبول عندهم اكستائن، فهؤلاء العلماء سلموا أحكام المجلسين الأولين، وسلموا الكتب [ص 237] الباقية، لكنهم جعلوا كتاب باروخ بمنزلة جزء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 من كتاب أرمياء، لأن باروخ عليه السلام كان بمنزلة نائب لأرمياء عليه السلام، فلذلك ما كتبوا اسم كتاب باروخ على حدة في أسماء الكتب، ثم انعقد بعد ذلك ثلاثة مجالس أخر أعني مجلس ترلو، ومجلس فلورنش، ومجلس ترنت، وعلماء هذه المجالس الثلاثة سلموا أحكام المجالس الثلاثة السابقة، فبعد انعقاد هذه المجالس صارت الكتب المذكورة مسلمة بين جمهور المسيحيين، وبقيت إلى مدة ألف ومائتي سنة، ثم ظهرت فرقة البروتستنت فردوا حكم أسلافهم في كتاب باروخ وكتاب توبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم وكتاب إيكليزياستيكس وكتابي المقابيين وقالوا: إن هذه الكتب ليست مسلمة إلهامية، بل واجبة الرد، وردوا حكمهم في جزء من كتاب أستير وسلموا في جزء، لأن هذا الكتاب كان ستة عشر باباً فسلموا الأبواب التسعة الأولى، وثلاث آيات من الباب العاشر، وردوا عشر آيات من هذا الباب، وستة أبواب باقية، وتمسكوا بوجوه منها: أن يوسي بيس المؤرخ صرح في الباب الثاني والعشرين من الكتاب الرابع أن هذه الكتب حرفت سيما الكتاب الثاني لمقابيين، ومنها أن اليهود لا يقولون إنها إلهامية، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 والكنيسة الرومانية التي متبوعها إلى الآن أيضاً أكثر من فرقة البروتستنت تسلم هذه الكتب إلى هذا الحين، ويعتقدون أنها إلهامية واجبة التسليم، وهي داخلة في ترجمتهم اللاطينية التي هي مسلمة ومعتبرة عندهم غاية الاعتبار، ومبنى دينهم ودياناتهم. إذا علمتَ هذا فأقول: أي تحريف بالزيادة يكون أزيد من هذا؟. عند فرقة البروتستنت واليهود أن الكتب التي كانت غير مقبولة إلى ثلثمائة وأربع وعشرين سنة وكانت محرفة غير إلهامية جعلها أسلاف المسيحيين في المجالس المتعددة واجبة التسليم، وأدخلوها في الكتب الإلهامية، وأجمع الألوف من علمائهم على حقيقتها وإلهاميتها، والكنيسة الرومانية إلى [ص 238] هذا الزمان تصر على كونها إلهامية، فظهر من هذا أنه لا اعتبار لإجماع أسلافهم، وليس هذا الإجماع دليلاً ضعيفاً على المخالف فضلاً عن أن يكون قوياً، فكما أجمعوا على هذه الكتب المحرفة الغير الإلهامية يجوز أن يكون إجماعهم على هذه الأناجيل المروّجة مع كونها محرفة غير إلهامية، ألا ترى أن هؤلاء الأسلاف كانوا مجمعين على صحة النسخة اليونانية وكانوا يعتقدون تحريف النسخة العبرانية، وكانوا يقولون إن اليهود حرفوها في سنة مائة وثلاثين من السنين المسيحية، كما عرفت في الشاهد الثاني من المقصد الأول. والكنيسة اليونانية وكذا الكنائس المشرقية إلى هذا الحين أيضاً مجمعون على صحتها واعتقادها كاعتقاد الأسلاف، وجمهور علماء البروتستنت أثبتوا أن إجماع الأسلاف وكذا اختلاف المقتدين بهم غلط، وعكسوا الأمر فاعتقدوا وقالوا في حق العبرانية ما قال أسلافهم في حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 اليونانية، وكذلك أجمع الكنيسة الرومانية على صحة الترجمة اللاطينية وعلماء البروتسنت أثبتوا أنها محرفة، بل لم تحرف ترجمة مثلها. قال هورن في المجلد الرابع من تفسيره نسخة سنة 1822 صفحة 463: "وقع التحريفات والإلحاقات الكثيرة في هذه الترجمة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر" ثم قال في الصفحة 467: "لا بد أن يكون ذلك الأمر في بالك أن ترجمة من التراجم لم تحرَّف مثل اللاطينية. ناقلوها من غير المبالاة أدخلوا فقرات بعض كتاب من العهد الجديد في كتاب آخر، وكذا أدخلوا عبارات الحواشي في المتن، وإذا كان فعلهم بالنسبة إلى ترجمتهم المقبولة المتداولة غاية التداول فكيف يرجى منهم أنهم لم يحرِّفوا المتن الأصلي الذي لم يكن متداولاً بينهم مثلها يقيناً؟، بل الأظهر أن من بادر منهم إلى تحريف الترجمة بادر إلى تحريف الأصل، ليكون لفعله ستر عند قومه، والعجب من فرقة البروتسنت أنهم لما أنكروا هذه الكتب لِمَ أبْقَوْا جزءاً من كتاب أستير، ولِمَ لَمْ ينكروه رأساً؟؟ لأن هذا الكتاب لا يوجد [ص 239] فيه من أوله إلى آخره اسمٌ من أسماء الله فضلاً عن بيان صفاته أو حكم من أحكامه، ولا يعلم حال مصنفه، وشارحو العهد العتيق لا ينسبونه إلى شخص واحد على سبيل الجزم بالدليل بل بالظن والتخمين رجما بالغيب، فبعضهم نسبوا إلى علماء المعبد الذين كانوا من عهد عزرا عليه السلام إلى زمن سَيْمُنْ، ونسب فلو اليهودي إلى يهوكين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 الذي هو ابن اليسوع الذي جاء من بابل بعد ما أطلق الأسراء، ونسب اكستائن إلى عزرا عليه السلام، ونسب البعض إلى مرد كي، وبعضهم إليه وإلى أستير" وفي الصفحة 347 من المجلد الثاني من كاتلك هرلد: "الفاضل مِليتوما كتب اسم هذا الكتاب في ذيل أسماء الكتب المسلمة كما صرح يوسي بيس في تاريخ كليسيا في الباب السادس والعشرين من الكتاب الرابع، وضبط كِرى نازين زن في الأشعار أسماء الكتب الصحيحة، وما كتب اسم هذا الكتاب فيها، وايم في لوكيس أظهر شبهته على هذا الكتاب في أشعاره التي كتبها إلى سَلْيوكَس واتهَاني سيَش في مكتوبه التاسع والثلاثين رد هذا الكتاب وقبحه". (الشاهد الثاني) الآية الحادية والثلاثون من الباب السادس والثلاثين من سفر الخليقة هكذا: "وهؤلاء الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبل أن يملك بني إسرائيل" ولا يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى عليه السلام لأنها تدل على أن المتكلم بها بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل، وأول ملوكهم شاول وكان بعد موسى عليه السلام بثلثمائة وست وخمسين سنة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره ذيل هذه الآية: "غالب ظني أن موسى عليه السلام ما كتب هذه الآية والآيات التي بعدها إلى الآية التاسعة والثلاثين، بل هذه الآيات هي آيات الباب الأول من السفر الأول من كتاب أخبار الأيام، وأظن ظناً قوياً قريباً من اليقين أن هذه الآيات كانت مكتوبة على حاشية نسخة صحيحة من التوراة، فظن الناقل أنها جزء من المتن فأدخلها فيه" فاعترف هذا المفسر بإلحاق الآيات التسع، وعلى اعترافه يلزم أن كتبهم كانت صالحة للتحريف، لأن هذه الآيات التسع، مع عدم كونها من التوراة دخلت فيه وشاعت بعد ذلك في جميع النسخ. (الشاهد الثالث) الآية الرابعة عشرة من الباب الثالث من سفر الاستثناء: "فياير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 ابن منْسبا (99) ورث كل أرض أرغوب إلى تخوم جاسور ومعكاني (100) وسمى باسان باسمه جالوث يابر التي هي قرى يابر إلى هذا اليوم"، وهذه الآية أيضاً لا يمكن أن تكون من كلام موسى عليه السلام، لأن المتكلم بها لا بد أن يكون متأخراً عن يابر (101) تأخيراً كثيراً، كما يشعر به قوله إلى هذا اليوم، لأن أمثال هذا اللفظ لا يستعمل إلا في الزمان الأبْعَد على ما حقق المحققون من علمائهم، كما ستعرف عن قريب، قال الفاضل المشهور هورن لبيان هاتين الفقرتين اللتين نقلتهما في الشاهد الثاني والثالث في المجلد الأول من تفسيره: "هاتان الفقرتان لا يمكن ان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 تكونا من كلام موسى عليه السلام، لأن الفقرة الأولى دالة على أن مصنف هذا الكتاب بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل، والفقرة الثانية دالة على أن مصنفه بعد زمان إقامة اليهود في فلسطين، لكن لو فرضناهما إلحاقيتين لا يتطرق الخلل في حقيقة الكتاب، ومن نظر بالنظر الدقيق علم أن هاتين الفقرتين ليستا بلا فائدة فقط بل هما ثِقلان على متن الكتاب، سيما الفقرة الثانية لأن مصنفه موسى كان أو غيره لا يقول لفظ إلى هذا اليوم، فالأغلب أنه كان في الكتب بهذا القدر فياير بن مَنَساوَرِث كل أرض أرغوب إلى تخوم جاسور ومعكاتي، وسمى باسان باسمه جالوث ياير، ثم بعد قرون زيد هذا اللفظ في الحاشية ليُعلم أن الاسم الذي سماها ياير به هو اسمها إلى الآن، ثم انتقلت تلك العبارة عن الحاشية إلى المتن في النسخ المتأخرة، ومَنْ كان شاكاً في هذا الأمر فلينظر النسخ اليونانية يجد فيها أن الإلحاقات التي توجد في متن بعض النسخ هي توجد في النسخ الأخرى على الحاشية". فاعترف أن هاتين الفقرتين لا يمكن أن تكونا من كلام موسى عليه السلام، وقوله: فالأغلب الخ يدل على أنه ليس عنده سَنَدُ هذا الأمر سوى زعمه، وعلى أن هذا الكتاب بعد القرون من تأليفه كان صالحاً لتحريف المحرفين، لأن هذا اللفظ بحسب اعترافه زيد بعد قورن، ومع ذلك صار جزءاً من الكتاب، وشاع في جميع النسخ المتأخرة وقوله: "لو فرضناهما إلحاقيتين لا يتطرق الخلل في حقية الكتاب" يدل على التعصب، وهو ظاهر،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وقال الجامعون لتفسير هنري واسكات ذيل الفقرة الثانية: "الجملة الأخيرة إلحاقية ألحقها أحدٌ بعد موسى عليه السلام، ولو تركت لا يقع الفساد في المضمون" أقول: تخصيص الجملة الأخيرة لغوٌ لأن الفقرة الثانية كلها لا يمكن أن تكون من كلام موسى كما اعترف به هورن. (تنبيه) بقي في الفقرة الثانية شيء آخر هو أن ياير ليس ابن منسا بل هو ابن ساغب كما هو مصرح في الآية الثامنة والعشرين من الباب الثاني من السفر الأول من أخبار الأيام. (الشاهد الرابع) الآية الأربعون من الباب الثاني والثلاثون من سفر العدد: "فأما ياير بن منسا فعمد أخذ دساكرها ودعاها جالوت ياير التي هي قرى ياير" حال هذه الآية كحال آية سفر الاستثناء، وقد علمت في الشاهد الثالث وفي دكشنري (102) بيبل الذي طبع في أمريكا وإقليم الإنكليز والهند، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وشرع في تأليفه كالمنت وكمله زابت وتيلر هكذا: "بعض الجمل التي توجد في كتب موسى تدل صراحة على أنها ليسَت من كلامه مثل الآية 40 من الباب 22 من سفر العدد، والآية 14 من الباب 2 من سفر الاستثناء، وكذلك بعض عبارات هذا الكتاب ليس على محاورة كلام موسى، ولا نقدر أن نقول جزماً إن أي شخص ألحق هذه الجمل والعبارات، لكن نقول بالظن الغالب أن عزرا النبي ألحقها كما ينبئ عنه الباب التاسع والعاشر من كتابه والباب الثامن من كتاب نحميا" فهؤلاء العلماء جزموا أن بعض الجمل والعبارات ليست من كلام موسى عليه السلام لكنهم ما قدروا أن يبينوا اسم الملحق على سبيل التعيين، بل نسبوا على سبيل الظن إلى عزرا عليه السلام، وهذا الظن ليس بشيء ولا يظهر من الأبواب المذكورة أن عزرا أَلحق شيئاً في التوراة لأنه يُفهم من باب كتاب عزرا أنه تأسف على أفعال بني إسرائيل واعترف بالذنوب، ويُفهم من باب كتاب نحميا أن عزرا قرأ التوراة عليهم. (الشاهد الخامس) وقع في الآية الرابعة عشرة من الباب الثاني والعشرين من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 سفر الخليقة: "كما يقال في هذا اليوم في جبل الله يجب أن يتراءى الناس" ولم يطلق على هذا الجبل جبل الله إلا بعد بناء الهيكل الذي بناه سليمان عليه السلام بعد أربعمائة وخمسين 450 سنة من موت موسى عليه السلام، فحكم آدم كلارك في ديباجة تفسير كتاب عزرا بأن هذه الجملة إلحاقية ثم قال: "وهذا الجبل لم يطلق عليه ذلك الاسم ما لم بين عليه الهيكل". (الشاهد السادس) الآية الثانية عشرة من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: "فأما من قبلُ الحواريون سكنوا ساعير، وبنو عيسو طردوهم وأهلكوهم وسكنوها كما فعل بنو إسرائيل بأرض ميراثهم التي وهبها لهم" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 فحكم آدم كلارك في ديباجة تفسير كتاب عزرا بأن هذه الآية إلحاقية وجعل هذا القول "كما فعل بنو إسرائيل" إلى آخره دليل الإلحاق. (الشاهد السابع) الآية الحادية عشرة من الباب الثالث من سفر الاستثناء هكذا: "من أجل أنه عُوج وحده مَلِكُ باسان كان بقي من نسل الجبابرة هذا سريره من حديد، وهو في راباث بني عمون، طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع على قياس ذراع اليد" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 قال آدم كلارك في ديباجة تفسير كتاب عزرا: المحاورة سيما العبارة الأخيرة تدل على أن هذه الآية كتبت بعد موت ذلك السلطان بمدة طويلة، وما كتبها موسى لأنه مات في مدة خمسة أشهر. (الشاهد الثامن) الآية الثالثة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد هكذا: "فسمع الله دعاء آل إسرائيل، وسلم في أيديهم الكنعانيين فجعلوهم وقراهم صوافي وسمى ذلك الموضع حرماً" قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره في الصفحة 697: "إني أعلم أن هذه الآية ألحقت بعد موت يوشع عليه السلام، لأن جميع الكنعانيين لم يهلكوا إلى عهد موسى بل بعد موته". (الشاهد التاسع) الآية الخامسة والثلاثون من الباب السادس عشر من سفر الخروج هكذا: "وبنو إسرائيل أكلوا المن أربعين سنة حتى أتوا إلى الأرض العامرة كانوا يأكلون هذا القوت إلى ما دَنَوْا من تخوم أرض كنعان" هذه الآية ليست من كلام موسى لأن الله ما أمسك المن من بني إسرائيل مدة حياته، وما دخلوا في أرض كنعان إلى هذه المدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره في الصفحة 399: "ظن الناس من هذه الآية أن سفر الخروج كتب بعد ما أمسك الله المن من بني إسرائيل لكنه يمكن أن يكون عزرا ألحق هذه الألفاظ" انتهى كلامه. أقول: ظن الناس ظنٌ صحيح واحتمال المفسر المجرد عن الدليل في مثل هذه المواضع لا يُقْبل، والصحيح أن الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام ليست من تصنيفه كما أثبت هذا الأمر بالبراهين في الباب الأول. (الشاهد العاشر) الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد هكذا: "ولذلك يقال في سفر حروب الرب كما صنع في بحر سوف كذلك يصنع في أودية أرنون" هذه الآية لا يمكن أن تكون من كلام موسى بل تدل على أن مصنف سفر العدد ليس هو لأن هذا المصنف نقل ههنا الحال عن سِفْر حروب الرب، ولم يعلم إلى الآن جَزْماً أن مصنف هذا السفر أي شخص، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 ومتى كان وأين كان، وهذا السفر كالعنقاء عند أهل الكتاب سمعوا اسمه وما رأوه، ولا يوجد عندهم، وحكم آدم كلارك في ديباجة تفسير سِفْر الخليقة أن هذه الآية إلحاقية ثم قال: "الغالب أن لفظ سِفْر حروب الرب كان في الحاشية ثم دخل في المتن" فاعترف أن كتبهم كانت قابلة لأمثال هذه التحريفات فإن عبارة الحاشية دخلت في المتن على إقراره وشاعت في جميع النسخ. (الشاهد الحادي عشر) وقع في الآية الثامنة عشرة من الباب الثالث عشر، وفي الآية السابعة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين، وفي الآية الرابعة عشرة من الباب السابع والثلاثين من سفر الخليقة لفظ حَبْرون وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 اسم قرية كان اسمها في سالف الزمان (قرية رابع) ، وبنو إسرائيل بعد ما فتحوا فلسطين في عهد يوشع عليه السلام غيّروا هذا الاسم إلى حبرون، كما هو المصرح في الباب الرابع عشر من كتاب يوشع، فهذه الآيات ليست من كلام موسى عليه السلام، بل من كلام شخص كان بعد هذا الفتح والتغيير، وكذلك وقع في الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع عشر من سفر الخليقة لفظ (دان) وهو اسم بلدة عمّرت في عهد القضاة لأن بني إسرائيل بعد موت يوشع عليه السلام في عهد القضاة فتحوا بلدة ليث، وقتلوا أهلها وأحرقوا تلك البلدة وعمروا بدلها بلدة جديدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 وسموها دان، كما هو مصرح في الباب الثامن عشر من كتاب القضاة، فلا تكون هذه الآية أيضاً من كلام موسى عليه السلام، قال هورن في تفسيره: "يمكن ان يكون موسى كتب قرية رابع وليث، لكن بعض الناقلين حرّف هذين اللفظين بحبرون ودان" فانظر أيها اللبيب إلى أعذار هؤلاء أولي الأيدي والأبصار كيف يتمسكون بهذه الأعذار الضعيفة، وكيف يقرُّون بالتحريف وكيف يلزم عليهم الاعتراف بكون كبتهم قابلة للتحريف. (الشاهد الثاني عشر) وقع في الآية السابعة من الباب الثالث عشر من سفر الخليقة هذه الجملة: "والكنعانيون والغرزيون حينئذ مقيمون في البلد" ووقع في الآية السادسة من الباب الثاني عشر من سفر الخليقة هذه الجملة: "والكنعانيون حينئذ في البلد" فالجملتان المذكورتان تدلان على أن الآيتين المذكورتين ليستا من كلام موسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 عليه السلام، ومفسروهم يعترفون بالإلحاق، في تفسير هنري واسكات: "هذه الجملة والكنعانيون حينئذ في البلد وكذا الجمل الأخر في مواضع شتى ملحقة لأجل الربط ألحقها عِزرا أو شخصٌ إلهامي آخر في وقت جمع الكتب المقدسة" فاعترفوا بإلحاق الجمل، وقولهم ألحقها عزرا أو شخص آخر إلهامي غير مُسلم إذ ليس عليه دليل سوى ظنهم. (الشاهد الثالث عشر) قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره في أول الباب الأول من سِفْر الاستثناء في الصفحة 749: "الآيات الخمس من أول هذا الباب بمنزلة المقدمة لباقي الكتاب وليست من كلام موسى عليه السلام والأغلب ان يوشع أو عزرا ألحقها" فاعترف بكون الآيات الخمسة ملحقة، وأسند بمجرد زعمه بلا دليل إلى يوشع أو عزرا وزعمه المجرد لا يكفي. (الشاهد الرابع عشر) الباب الرابع والثلاثون من سفر الاستثناء ليس من كلام موسى عليه السلام، قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره: "تم كلام موسى على الباب السابق، وهذا الباب ليس من كلامه، ولا يجوز أن يقال إن موسى عليه السلام كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 هذا الباب أيضاً بالإلهام، لأن هذا الاحتمال بعيد من الصدق والحسن، ويجعل المطلب كله لغواً لأن روح القدس إذا ألهم الكتاب اللاحق لشخص يَلهم هذا الباب أيضاً لهذا الشخص، وإني أجزم بأن هذا الباب كان باباً أولَ لكتاب يوشع عليه السلام، والحاشية التي كتبها بعض الأذكياء من أحبار اليهود على هذا الموضع مرضية قابلة للقبول، قال: إن أكثر المفسرين قالوا إن سفر الاستثناء تم على الدعاء الإلهامي الذي دعا به موسى عليه السلام لاثني عشر سبطاً على هذه الفقرة "فطوباك يا نسل إسرائيل ليس مثلك شعب مُغاث بالله" إلى آخرها، وإن هذا الباب كتبه المشايخ السبعون بعد مدة من موت موسى، وكان هذا الباب أول أبواب كتاب يوشع، لكنه انتقل من ذلك الموضع إلى هذا الموضع" انتهى كلامه. فاليهود والمسيحيون متفقون على أن هذا الباب ليس من كلام موسى عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 السلام بل هو إلحاقي، وما قال إني أجزم بأن هذا الباب كان أول أبواب كتاب يوشع، وكذا ما نقل عن اليهود من أن هذا الباب كتبه المشايخ السبعون إلى آخره بدليل وسند، ولذلك قال جامعو تفسير هنري واسكات: "تم كلام موسى على الباب السابق، وهذا الباب من الملحقات، والملحِق إمّا يوشع أو صموئيل أو عِزرا أو نبي آخر من الأنبياء بعدهم لا يُعْلم بالجزم، ولعل الآيات الأخيرة ألحقت بعد زمان أُطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل" انتهى ما قالوا، ومثله في تفسيره والى ورجرد مينت، فانظر إلى قول هؤلاء "أعني الملحِق إما يوشع" إلى آخر العبارة كيف يشكُّون ولا يجزمون، وأين قولهم من قول اليهود؟، وقولهم أو نبي آخر من الأنبياء بعدهم بلا دليل أيضاً. اعلم إنما قلت في الآيات التي نقلتها من الشاهد الثاني إلى ههنا أنها شواهد التحريف بالزيادة من زيادة الآيات أو الجمل أو الألفاظ فمبنيٌ على تسليم ما يدعي أهل الكتاب الآن أن هذه الكتب الخمسة المروّجة تصنيف موسى عليه السلام، وإلا فهذه الآيات دلائل على أن هذه الكتب ليست من تصنيفه، ونسبتها إليه غلط كما هو المختار عند علماء الإسلام، وقد عرفت في الشاهد التاسع أن الناس من أهل الكتاب أيضاً قد استدلوا ببعض هذه الآيات على مثل ما قلنا، وما يدعي علماء البروتستنت من أن نبياً من الأنبياء ألحق هذه الآيات والجمل والألفاظ خاصة غير مسموع ما لم يبرهنوا عليه، وما لم يوردوا سنداً ينتهي إلى النبي المعين الملحِق وأنى لهم ذلك؟. (الشاهد الخامس عشر) نقل آدم كلارك في الصفحة 779 و 780 من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 المجلد الأول من تفسيره في شرح الباب العاشر من كتاب الاستثناء تقرير (كني كات) في غاية الإطناب وخلاصته: "أن عبارة المتن السامري صحيحة، وعبارة العبري غلط، وأربع آيات ما بين الآية الخامسة والعاشرة أعني من الآية السادسة إلى التاسعة ههنا أجنبية محضة لو أسقطت ارتبط جميع العبارة ارتباطاً حسناً، فهذه الآيات الأربع كتبت من غلط الكاتب ههنا وكانت من الباب الثاني من كتاب الاستثناء" وبعد نقل هذا التقرير أظهر رضاه عليه وقال "لا يعجل في إنكار هذا التقرير". (الشاهد السادس عشر) الآية الثانية من الباب الثالث والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: "ومن تولد من الزنا لا يدخل جماعةَ الرب حتى يمضي عليه عشرة أعقاب" فهذا الحكم لا يمكن أن يكون من جانب الله، وما كتبه موسى عليه السلام، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وإلا يلزم أن لا يدخل داود عليه السلام ولا آباؤه إلى فارض في جماعة الرب، لأن داود عليه السلام بطن عاشر من فارض كما يفهم من الباب الأول من إنجيل متى، وفارض ولد الزنا كما هو مصرح في الباب الثامن والثلاثين من سفر الخليقة، وهارسلي المفسر حكم بأن هذه الألفاظ "حتى يمضي عليه عشرة أعقاب" إلحاقية. (الشاهد السابع عشر) قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل الآية التاسعة من الباب الرابع من كتاب يوشع: "هذه الجملة هي إلى هذا اليوم هناك، وأمثالها وقعت في أكثر كتب العهد العتيق والأغلب أنها إلحاقية" فحكموا بإلحاق هذه الجملة، وإلحاق كل جملة يكون مثلها في العهد العتيق، فاعترفوا بالإلحاق في المواضع الكثيرة، لأن أمثالها توجد في كتاب يوشع في الآية التاسعة من الباب الخامس، وفي الآية الثامنة والعشرين، والتاسعة والعشرين من الباب الثامن، وفي الآية السابعة والعشرين من الباب العاشر، وفي الآية الثالثة عشرة من الباب الثالث عشر، وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع عشر، وفي الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر، وفي الآية العاشرة من الباب السادس عشر، ففي ثمانية مواضع أخرى من هذا الكتاب لزم اعترافهم بإلحاق الجمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 المذكورة، ولو نقلنا عن سائر كتب العهد العتيق يطول الأمر جداً. (الشاهد الثامن عشر) الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من كتاب يوشع هكذا: "فتوقفت الشمس وقام القمر إلى أن انتقم القوم من عدوهم، أليس هذا مكتوباً في سفر اليسير" وَوُجِد في بعض التراجم "سفر ياصار" وفي البعض "سفر ياشر" فعلى كل تقدير لا تكون هذه الآية من كلام يوشع لأن هذا الأمر مقول من السفر المذكور، ولم يعلم إلى هذا الحين أن مصنفه مَتَى كان، ومَتَى صنّف، إلا أنه يظهر من الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني أنه يكون معاصراً لداود عليه السلام أو بعده، واعترف جامعو تفسير هنري واسكات ذيل الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر: "بأنه يُعلم من هذه الفقرة أن كتاب يوشع كتب قبل العام السابع من سلطنة داود عليه السلام" وولد داود عليه السلام بعد ثلثمائة وثمان وخمسين سنة من موت يوشع عليه السلام على ما هو مصرح في كتب التواريخ التي هي من تصنيفات علماء البروتستنت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 والآية الخامسة عشرة من الباب العاشر المذكور على إقرار محققيهم زيدت تحريفاً في المتن العبري، ولا توجد في الترجمة اليونانية، قال المفسر هارسيلي في الصفحة 260 من الملجد الأول من تفسيره: "فلتسقط هذه الآية على وَفْق الترجمة اليونانية". (الشاهد التاسع عشر) قال المفسر هارسلي: "إن الآية السابعة والثامنة من الباب الثالث عشر غلطان". (الشاهد العشرون) وقع في بيان ميراث بني جاد في الآية الخامسة والعشرون من الباب الثالث عشر من كتاب يوشع هذه العبارة: "ونصف الأرض من بني عمون إلى عراوعير التي هي في محاذاة ديا" وهي غلط ومحرفة، لأن موسى عليه السلام ما أعطى بني جاد شيئاً من أرض بني عمون لأن الله تعالى كان نهاه كما هو مصرح في الباب الثاني من كتاب الاستثناء، ولما كانت غلطاً محرفة اضطر المفسر هارسلي فقال "المتن العبري ههنا محرف". (الشاهد الحادي والعشرون) في الآية الرابعة والثلاثين من الباب التاسع عشر من كتاب يوشع وقعت هذه الجملة "واتصل بميراث بني يهودا في جانب المشرق من الأردن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وهذه غلط لأن أرض بني يهودا كانت بعيدة جداً في جانب الجنوب، ولذا قال آدم كلارك: "الأغلب أنه وقع تحريف ما في ألفاظ المتن". (الشاهد الثاني والعشرون) قال جامعو تفسير هنري واسكات في شرح الباب الأخير من كتاب يوشع: "إن الآيات الخمس الأخيرة يقيناً ليست من كلام يوشع، بل ألحقها فينحاس أو صموئيل، وكان مثل هذا الإلحاق رائجاً كثيراً بين القدماء" فالآيات الخمس إلحاقية عندهم يقيناً، وما قالوا إن ملحقها فينحاس أو صموئيل غير مسلم إذ لا سند له ولا دليلَ، وما قالوا مثل هذا الإلحاق بين القدماء كان رائجاً كثيراً. أقول: هذا الرواج أيضاً فتح عليهم باب التحريف، لأنه لما لم يكن معيباً كان لكل أن يزيد شيئاً فوقعت التحريفات العديدة، وشاع أكثرُها في جميع نسخ الكتاب المحرّف فيه. (الشاهد الثالث والعشرون) قال المفسر هارسلي في الصفحة 283 من المجلد الأول من تفسيره إن ست أيات من الباب الأول من كتاب القضاة من الآية العاشرة إلى الخامسة عشرة إلحاقية. (الشاهد الرابع والعشرون) وقع في الآية السابعة من الباب السابع عشر من كتاب القضاة في بيان حال رجل كان من بني يهودا هذه الجملة: "وكان لاويا" ولما كانت غلطاً قال المفسر هارسلي: "هذه غلط لأنه لا يمكن أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 يكون رجل من بني يهودا لاَوِيَّا، وهيوبي كينت بعد ما فهم أنها إلحاقية أخرجها من المتن". (الشاهد الخامس والعشرون) الآية التاسعة عشرة من الباب السادس من سفر صموئيل الأول هكذا: "وأهلك الرب أهل بيت الشمس، لأنهم فتحوا صندوق الرب ورأوه فأهلك منهم خمسين ألفاً وسبعين إنساناً" وهذا غلط. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره بعد القَدْح والجَرْح: "الغالب أن المتن العبري محرَّف إما سقط منه بعضُ الألفاظ وإما زيد فيه لفظ خمسون ألفاً جهلاً أو قصداً لأنه لا يعلم أن يكون أهل تلك القرية الصغيرة بهذا المقدار، أو يكون هذا المقدار مشتغلاً بحصد الزرع، وأبعد من هذا أن يرى خمسون ألفاً الصندوق دفعة واحدة في جرن يوشع على حَجَرا بل" ثم قال: "في اللاطينية سبعون رئيساً، وخمسون ألفاً، وسبعون إنساناً، وفي السريانية خمسة آلاف وسبعون إنساناً، وكذلك في العربية خمسة آلاف وسبعون إنساناً، وكتب المؤرخ سبعون إنساناً فقط، وكتب سليمان الجارجي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 الرّبي والرّبيون الآخرون بطريق آخر، فهذه الاختلافات، وذلك عدم الإمكان المذكور تعطينا اليقين أن التحريف وقع ههنا يقيناً فإما زيد شيء أو سقط شيء"، وفي تفسير هنري واسكات هكذا: "بين عدد المقتولين في الأصل العبري على طريق معكوس، ومع قطع النظر عن هذا يبعد أن يذنب الناس بهذا المقدار، ويقتلون في القرية الصغيرة، ففي صدق هذه الحادثة شك، وكتب يوسيفس عدد المقتولين سبعين فقط" فانظر إلى هؤلاء المفسرين كيف استبعدوا هذا الأمر ورَدُّوا وأقرُّوا بالتحريف. (الشاهد السادس والعشرون) قال آدم كلارك في شرح الآية الثامنة عشرة من الباب السابع عشر من سفر صموئيل الأول: "في هذا الباب من هذه الآية إلى الحادية والثلاثين والآية الحادية والأربعون، ومن الآية الرابعة والخمسين إلى آخر الباب، وفي الباب الثامن عشر الآيات الخمس من أول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 هذا الباب والآية التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة لا توجد في الترجمة اليونانية، وتوجد في نسخة اسكندريانوس، انظروا في آخر هذا الباب أن كني كات حقق أن هذه الآيات المذكورة ليست جزءاً من الأصل" ثم نقل في آخر الباب المذكور تقرير كني كات في غاية الإطناب بحيث ظهر منه كون هذه الآية محرفة إلحاقية، وأنا أنقل عنه بعض الجمل: "إن قلت متى وُجد هذا الإلحاق؟ قلت: كان اليهود في عهد يوسيفس يريدون أن يزينوا الكتب المقدسة باختراع الصلوات والغناء واختراع الأقوال الجديدة انظروا إلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب أَسْتِير، وإلى حكاية الخمر والنساء والصدق التي زيدت في كتاب عِزرا ونَحْميا، وتسمى الآن بالكتاب الأول لعزرا، وإلى غناء الأطفال الثلاثة الذي زيد في كتاب دانيال، وإلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب يوسيفس، فيمكن أن هذه الآيات كانت مكتوبة في الحاشية ثم دخلت في المتن لأجل عدم مبالاة الكاتبين" قال المفسر هارسلي في الصفحة 330 من المجلد الأول من تفسيره: "إن كني كات في الباب السابع عشر من سفر صموئيل يعلم أن عشرين آية من الآية الثانية عشرة إلى الآية الحادية والثلاثين إلحاقية وقابلة للإخراج" ويقول: "إذا صحت ترجمتنا مرة أخرى فلا تدخل هذه الآيات فيها" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 أقول: لما كانت عادة اليهود في عهد يوسيفس كما أقرّ به كني كات وحرفوا بالمقدار الذي صرح ههنا، وصرح في مواضع أخر كما سبق نقل بعض أقواله في الشواهد السابقة، وسيجيء نقل بعضها في الشواهد الآتية فكيف يُعتد على دياناتهم في هذه الكتب؟، لأنه لما كان مثل هذا التحريف سبباً لتزيين الكتب المقدسة عندهم، ما كان هذا مذموماً عندهم، فكانوا يفعلون ما يفعلون، وعَدَمُ مبالاة الكاتبين كان سبباً لشيوع تحريفاتهم في النسخ، فوقع من الفساد ما وقع، فظهر أن ما يتفوه به علماء البروتستنت في تقريراتهم وتحريراتهم على سبيل المغالطة أن التحريف لم يصدر عن اليهود، لأنهم كانوا أهل ديانة، وكانوا يعترفون بكون كتب العهد العتيق كلام الله سفسطة محضة. (الشاهد السابع والعشرون) الآية الثالثة من الباب الرابع عشر من إنجيل متى هكذا: "لأن هيروديس كان قد أخذ يحيى وكتفه وألقاه في السجن لأجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس" والآية السابعة عشرة من الباب السادس من إنجيل مرقس هكذا: "لأن هيروديس كان قد أرسل وقبض على يحيى وقيده في السجن لأجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس" في الآية التاسعة عشرة من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا: "وكان هيروديس رئيس الربع لما انتهره يحيى من أجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس" إلى الآخر، ولفظ فيلبوس غلط يقيناً في الأناجيل الثلاثة، ولم يثبت في كتاب من كتب التواريخ أن اسم زوج هيروديا كان فيلبوس، بل صرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 يوسيفس في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر أن اسمه كان هيرود أيضاً، ولما كان غلطاً قال هورن في الصفحة 632 من المجلد الأول من تفسيره: "الغالب أن اسم فيلبوس وقع في المتن من غلط الكاتب فليسقط وكريسباخ قد أسقطه" وعندنا هذا اللفظ من أغلاط الإنجيليين، ولا نسلم قولهم من غلط الكاتب، لأنه دعوى بلا دليل ويبعد كل البعد أن يقع الغلط من الكاتب في الأناجيل الثلاثة في مضمون واحد، وانظر إلى تجاسرهم أنهم بمجرد ظنهم يسقطون ألفاظاً ويدخلونها، وتحريفهم هذا جار في كل زمان، ولما كان إيراد الشواهد على سبيل الإلزام أوردت هذا الشاهد في أمثلة التحريف بالزيادة على تسليم ما ادعوه، وهو في الحقيقة بالنظر إلى الأناجيل الثلاثة ثلاثة شواهد. (الشاهد الثامن والعشرون) الآية الحادية والثلاثون من الباب السابع من إنجيل لوقا هكذا: "ثم قال الرب فبماذا أشبه أهل هذا الجيل أو ما الذي يشابهونه" وهذه الجملة "ثم قال الرب" زيدت تحريفاً، قال المفسر آدم كلارك في ذيل هذه الآية: "هذه الألفاظ ما كانت أجزاء لمتن لوقا قط، ولهذا الأمر شهادة تامة وردَّ كل محقق هذه الألفاظ وأخرجها بنجل وكريسباخ من المتن" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 فانظر كيف حقق هذا المفسر، والعجب أن المسيحيين من فرقة البروتستنت لا يتركونها في تراجمهم، أليس إدخال الألفاظ التي ثبت زيادتها بالشهادة التامة وردها كل محقق في الكلام الذي هو كلام الله في زعمهم من أقسام التحريف. (الشاهد التاسع والعشرون) الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: "وحينئذ كمل قول النبي أرمياء حيث قال فقبضوا الدراهم الثلاثين ثمن الثمن الذي ثمنه بنو إسرائيل" ولفظ أرمياء غلط من الأغلاط المشهورة في إنجيل متى لأن هذا لا يوجد في كتاب أرمياء، ولا يوجد هذا المضمون في كتاب آخر من كتب العهد العتيق بهذه الألفاظ، نعم توجد في الآية الثالثة عشرة من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا عبارة تناسب هذه العبارة التي نقلها متى، لكن بين العبارتين فرق كثير يمنع أن يحكم أن متى نقل عن هذا الكتاب، ومع قطع النظر عن هذا الفرق لا علاقة لعبارة كتاب زكريا عليه السلام بهذه الحادثة التي ينقل فيها متى، وفي هذا الموضع أقوال مضطربة لعلماء المسيحيين سلفاً وخلفاً، قال وارد كاتلك في كتابه المسمى بكتاب الأغلاط الذي طبع في سنة 1841 من الميلاد في الصفحة 26 "كتب مستر جوويل في كتابه أنه غلط مرقس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 فكتب أبيثار موضع أخي ملك، وغلط متى فكتب أرمياء موضع زكريا"، وقال هورن في الصفحة 385 و 386 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع في سنة 1822 من الميلاد: "في هذا النقل إشكال جداً لأنه لا يوجد في كتاب أرمياء مثل هذا، ويوجد في الآية الثالثة عشرة من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا، لكن لا يطابق ألفاظ متى ألفاظه، وبعض المحققين على أنه وقع الغلط في نسخة متى، وكتب الكاتب أرمياء موضع زكريا، أو أن هذا اللفظ إلحاقي" وبعد ذلك نقل شواهد الإلحاق ثم قال: "والأغلب أن عبارة متى كانت بدون ذكر الاسم هكذا وحينئذ كمل قول النبي حيث قال إلى آخرها ويقوي هذا الظن أن متى يترك أسماء الأنبياء إذا نقل" وقال في الصفحة 625 من المجلد الأول من تفسيره: "الإنجيلي ما كتب في الأصل اسم النبي لكنه أدرجه بعض الناقلين" فعلم من العبارتين أن المختار عنده أن هذا اللفظ إلحاقي، وفي تفسير دوالي ورجر دمينت في ذيل هذه الآية: "هذه الألفاظ المنقولة ههنا لا توجد في كتب أرمياء بل توجد في الآية الثانية عشرة من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا، ومن بعض توجيهاته أن الناقل كتب في الزمان الأول عند انتساخ إنجيل أرمياء موضع زكريا غلطاً، وبعد ذلك دخل هذا الغلط في هذا المتن كما كتب بيرس"، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وحكى جواد بن ساباط في مقدمة كتابه المسمى بالبراهين الساباطية: "إني سألت القسيسين الكثيرين عن هذا فقال طامن: غلط الكاتب، وقال بيوكانان ومارطيروس وكيراكوس. إن متى كتب اعتماداً على حفظه بدون المراجعة إلى الكتب، فوقع في الغلط، وقال بعض القسيسين: لعل زكريا يكون مسمى بأرمياء أيضاً" (أقول) : المختار أن هذا الغلط صدر عن متى كما هو الظاهر، واعترف به وارد وجوويل وبيوكانان ومارطيروس وكيراكس، والاحتمالات الباقية ضعيفة يردها ما قلت أولاً، واعترف هورن أيضاً من أنه لا يطابق ألفاظ متى ألفاظ زكريا، فلا يصح لفظ زكريا أيضاً بدون إقرار التحريف في إحدى العبارتين وأوردت هذا الشاهد ههنا على زعم الذين ينسبون إلى هذا اللفظ إلى زيادة الكاتب، ولما فرغت من بيان غلط متى ناسب أن أبين ما اعترف به مستر جوويل ووارد من غلط مرقس فأقول: عبارة إنجيله في الباب الثاني هكذا 25: "فقال لهم ألم تقرؤوا ما فعله داود لما احتاج وجاع هو ومن معه وكيف دخل بيت الله أيام كاهن الكهنة أبيثار وأكل خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله لغير الكهنة وكيف أعطى الذين كانوا معه أيضاً" فلفظ أبيتار غلط كما اعترفا به، وكذلك هاتان الجملتان "وجاع هو ومن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 معه" وكيف أعطى الذين كانوا معه أيضاً، لأن داود عليه السلام كان منفرداً في هذا الوقت، ولم يكن أحد معه كما لا يخفى على من طَالَع سفر صموئيل الأول وإذا ثبت أن الجملتين المذكورتين غلطان في إنجيل مرقس ثبت أن ما وقع مثلهما في إنجيل متى ولوقا غلط أيضاً. في إنجيل متى في الباب الثاني عشر هكذا: 3 "فقال لهم ألم تقرؤوا ما فعل داود لما جاع هو ومن معه كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي أكلُه لا يحلّ له ولا لمن كان معه بل للكهنة فقط" وفي إنجيل لوقا في الباب السادس هكذا: 4 "فقال عيسى لهم وهو يحاورهم أما قرأتم ما فعل داود لما جاع هو والذين كانوا معه" 4 "كيف دخل بيت الله وأخذ خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله إلا للكهنة فقط، وأكله وأعطى مَنْ معه أيضاً" ففي نقل هذا القول المسيحي وقع سبعة أغلاط في الأناجيل الثلاثة فإن نسبوا هذه السبعة إلى الكاتبين كانوا مقرين بالتحريف في سبعة مواضع، وهذا وإن كان خلاف الظاهر لا يضرنا أيضاً. (الشاهد الثلاثون) الآية الخامسة والثلاثون من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: "فصلبوه واقتسموا بقرع القرعة لباسه ليكمل قول النبي حيث قال: إنهم اقتسموا لباسي واقترعوا على قميصي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 فهذه العبارة "ليكمل قول النبي حيث قال اقتسموا لباسي واقترعوا على قميصي" محرفة واجبة الحذف عند محققيهم، ولذلك حذفها كريسباخ، وأثبت هورن بالأدلة القاطعة في الصفحة 330 و 331 من المجلد الثاني من تفسيره أنها إلحاقية ثم قال: "لقد استحسن كريسباخ في تركها بعد ما ثبت عنده أنها كذبة قطعاً"، وقال آدم كلارك في المجلد الخامس من تفسيره في ذيل الآية المذكورة: "لا بدّ من ترك هذه العبارة لأنها ليست جزءاً من المتن، وتركها النسخ الصحيحة، وكذا تركها التراجم إلا شذوذاً، وكذا تركها غير المحصورين من القدماء، وهذه إلحاقية صريحة أُخِذت من الآية الرابعة والعشرين من الباب التاسع عشر من إنجيل يوحنا. (الشاهد الحادي والثلاثون) وقع في الباب الخامس من رسالة يوحنا الأولى هكذا: 7 "لأن الذين يشهدون في السماء ثلاثة وهم الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة واحدة والشهود الذين يشهدون في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 الأرض ثلاثة وهم الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد" ففي هاتين الآيتين كان أصل العبارة على ما زعم محققوهم هذا القدر: "لأن الشهود الذين يشهدون ثلاثة وهم الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد"، فزاد معتقدو التثليث هذه العبارة "في السماء ثلاثة وهم الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحدة والشهود الذين يشهدون في الأرض" فيما بين أصل العبارة وهي ملحقة يقيناً، وكريسباخ وشولز متفقان على إلحاقيتها، وهورن مع تعصبه قال إنها إلحاقية واجبة الترك، وجامعو تفسير هنري واسكات اختاروا قول هورن، وآدم كلارك أيضاً مال إلى إلحاقيتها، وأكستاين الذي كان أعلم العلماء المسيحية التثليثية في القرن الرابع من القرون المسيحية، وهو إلى الآن مستند أهل التثليث أيضاً كتب على هذه الرسالة عشر رسائل، وما نقل في رسالة من هذه الرسائل هذه العبارة، وهو كان من معتقدي التثليث، وكان مناظِراً مع فرقة أيرين التي تنكر التثليث، فلو كانت هذه العبارة في عهده لتمسك بها ونقلها في إثباته، ولما ارتكب التكلف البعيد الذي ارتكبه في الآية الثامنة فكتب في الحاشية: "أن المراد بالماء الأب وبالدم الابن وبالروح الروح القدس" فإن هذا التكلف ضعيف جداً، وأظن أنه لما كان هذا التوجيه بعيداً جداً اخترع معتقدو التثليث هذه العبارة التي هي مفيدة لعقيدتهم وجعلوها جزءاً من عبارة الرسالة، وأقر صاحب ميزان الحق أيضاً على رؤوس الأشهاد في المناظرة التي وقعت بيني وبينه سنة ألف ومائتين وسبعين بأنها محرّفة، ولما رأى شريكه أنه يورد عليه عبارات أخر لا بد فيها من الإقرار بالتحريف بادر إلى الإقرار قبل إيراد هذه العبارات الأخر فقال: أسلم أنا وشريكي أن التحريف قد وقع في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 سبعة أو ثمانية مواضع، فلا ينكر التحريف في عبارة يوحنا إلا مكابر عنيد، وكتب هورن في تحقيق هذه العبارة اثني عشر ورقاً ثم ثنى تقريره بالتلخيص، وكان في نقل ترجمة جميع تقريره خوف ملال الناظر، ولخص جامعو تفسير هنري واسكات تلخيصه أيضاً، فأنا أنقل خلاصة الخلاصة من هذا التفسير فأقول: قال جامعو هذا التفسير "كتب هورن دلائل الطرفين ثم ثناها، وخلاصة تقريره الثاني هذا للذين يثبتون أن هذه العبارة كاذبة وجوه" الأول "أن هذه العبارة لا توجد في نسخة من النسخ اليونانية التي كتبت قبل القرن السادس عشر" والثاني "أنها لا توجد في النسخ المطبوعة التي طبعت بالجد والتحقيق التام في الزمان الأول" والثالث "أنها لا توجد في ترجمة من التراجم القديمة غير اللاطينية" والرابع "أنها لا توجد في أكثر من النسخ القديمة اللاطينية أيضاً" والخامس "أنها لم يتمسك بها أحد من القدماء ومؤرخي الكنيسة" والسابع "أن أئمة فرقة البروتستنت ومصلحي دينهم إما أسقطوها أو وضعوا عليها علامة الشك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 وللذين يقولون بصدقها وجوه: الأول "أنها توجد في الترجمة اللاطينية القديمة وفي كثير من نسخ الترجمة اللاطينينة وَلْكَيَت" والثاني "أنها توجد في كتاب العقائد اليونانية، وكتاب آداب الصلاة للكنيسة اليونانية، وفي كتاب الصلاة القديم للكنيسة اللاطينية، وتمسك بها بعض القدماء من المشايخ اللاطينية، وهذان الدليلان مخدوشان والأمور الباطنية التي تشهد بصدقها هذه": الأوّل (ربط الكلام) والثاني (القاعدة النحوية) والثالث (حرف التعريف) والرابع (تشابه هذه العبارة بعبارة يوحنا في المحاورة، ويمكن بيانُ وجه تركها في النسخ أن يكون للأصل نسختان، أو حصل هذا الأمر في الزمن الذي كانت النسخ فيه قليلةً من كيد الكَاتب أو غفلته، أو أسقطها أيرين، أو أسقطها أهلُ الدين بسبب أنها من أسرار التثليث، أو صارت غفلة الكاتب سبباً له كما هي سبب لنقصانات أخرى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 والمرشدون من كريك تركوا فقرات كانت في هذا البحث، ونظر هورن على الدلائل المرقومة نظراً ثانياً فحكم على سبيل الإنصاف وعدم الرياء بإسقاط هذه الفقرات الجعلية، وبأنه لا يمكن إدخالها ما لم تشهد عليها نسخ لا يكون الشك في صحتها، وقال موافقاً لمارش إن الشهادة الباطنية وإنْ كانت قوية لا تغلب على صبره الشهادات الظاهرية التي على هذا المطلب) . فانظر أيها اللبيب إن مختارهم ما هو مختار هورن لأنهم قالوا إن هورن حكم على سبيل الإنصاف وعدم الرياء، ودلائل الفريق الثاني مردودة كما صرحوا به. وما قال هذا الفريق في الاعتذار يعلم منه أمران: (الأول) أن الكاتبين المحرفين والفرق المخالفة كان لهم مجالٌ واسع قبل إيجاد صنعة الطبع، وكان مرامهم حاصلاً. ألا ترى كيف شاع تحريف الكاتب أو فرقة أيرين، أو أهل الدين على زعمهم ههنا بحيث أسقطت هذه العبارة عن جميع النسخ اليونانية المذكورة، وعن جميع التراجم غير الترجمة اللاطينية، وعن أكثر النسخ اللاطينية أيضاً كما ظهر لك من دلائل الفريق الأول؟ (الثاني) أنه ثبت أن أهل الديانة والدين من المسحيين أيضاً، كانوا يحرفون قصداً إذا رأوا مصلحة في التحريف، كما أسقطوا هذه العبارة لأجل أنها من أسرار التثليث، وكما أسقط المرشدون من فرقة كريك فقرات كانت في هذا البحث، فإذا كان التحريف من العادة الجميلة للمرشدين ولأهل الديانة والدين من المسيحين فأية شكاية من الفرق الباطلة والكاتبين المحرفين؟، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 فيعلم أن هؤلاء المذكورين ما أبقوا دقيقة من دقائق التحريف قبل إيجاد صنعة الطبع، كيف لا وما انسد هذا الباب بعد إيجادها أيضاً، واكتفى ههنا على نقل حكاية واحدة فقط تتعلق بهذه العبارة. (فاعلم) أيها اللبيب أن لوطر الإمام الأول لفرقة البروتستنت والرئيس الأقدم من مُصلحي الملة المسيحية لما توجه إلى إصلاح هذه الملة ترجم الكتب المقدسة في اللسان الجرمني ليستفيد بها متبعوه، ولم يأخذ هذه العبارة في ترجمته، وطبعت هذه الترجمة مراراً في حياته، فما كانت هذه العبارة في هذه النسخ المطبوعة، ثم لما كبر وعلم أنه سيموت، وأراد طبعها مرة أخرى، وشرع في الطبع سنة 1546 من الميلاد وكان واقفاً من عادة أهل الكتاب عموماً وعادة المسيحيين خصوصاً، أوصى في مقدمة هذه الترجمة أن لا يحرف أحد في ترجمتي، لكن هذه الوصية لما كانت مخالفة لعادة أهل الكتاب لم يعملوا بها، وأدخلوا هذه العبارة الجعلية في ترجمته، وما مضى على موته ثلاثون سنة، وصدر هذا التحريف أولاً عن أهل (فرينك فارت) فإنهم طبعوا هذه الترجمة في سنة 1574 وأدخلوا هذه العبارة، لكنهم خافوا بعد ذلك من الله أو من طعن الخلق فأسقطوها في المرات الأخر التي طبعوا الترجمة فيها، ثم ثقل على أهل التثليث تركها فأدخل أهل وتن برك في سنة 1596 وسنة 1599 من الميلاد، وكذا أهل هيم برك في سنة 1596 هذه العبارة فيها، لكن خاف أهل وتن برك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 من طعن الخلق كما خاف أهل فرينك فارت فأسقطوها في الطبع الآخر، ثم بعد ذلك ما رضي أهل التثليث من معتقدي المترجم بإسقاطها فشاع إدخالها في هذه الترجمة عموماً على خلاف وصية إمامهم. فكيف يُرجى عدم التحريف في النسخ القليلة الوجود قبل إيجاد صنعة الطبع من الذين يكون عادتهم مثل ما علمت؟؟ حاشا ثم حاشا، لا نرجو منهم إلا التحريف، وكَتَبَ الفيلسوف المشهور إسحاق نيوتن رسالة حجمها بقدر خمسين صفحة وأثبت فيها أن العبارة المذكورة، وكذا الآية السادسة عشرة من الرسالة الأولى إلى طيمورثاوس محرفتان والآية المذكورة هكذا: "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد، تبرّز في الروح تَراءى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 للملائكة، كِرُزبه بين الأمم، أو من به في العالم، رُفع في المجد" وهذه الآية أيضاً نافعة لأهل التثليث جداً فزادوا تحريفاً لإثبات عقيدتهم الفاسدة. (الشاهد الثاني والثلاثون) في الباب الأول من مشاهدات يوحنا هكذا: 10 "فحل الروح عليّ في يوم الرب وسمعت من ورائي صوتاً عظيماً كصوت البوق" 12 "وهو يقول إني أنا الألف والباء والأول والآخر فاكتب ما ترى" إلى آخرها، وكريسباخ وشولز متفقان على أن هذين اللفظين "الأول والآخر" إلحاقيان وبعض المترجمين تركوهما، وترك في الترجمة العربية التي طبعت في سنة 1671 وسنة 1821 من الميلاد لفظ الألف والباء أيضاً. (الشاهد الثالث والثلاثون) الآية السابعة والثلاثون من الباب الثامن من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "قال فيلبوس إن آمنت بقلبك كله جاز لك فقال له وهو يحاوره آمنت بأن عيسى المسيح هو ابن الله" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وهذه الآية إلحاقية ألحقها أحد من أهل التثليث لأجل هذه الجملة آمنت بأن عيسى هو ابن الله، وكريسباخ وشولز متفقان على أنها إلحاقية. (الشاهد الرابع والثلاثون) في الباب التاسع من كتاب أعمال الحواريين هكذا: 5 "فقال له من أنت يا رب فقال الرب أنا عيسى الذي أنت تؤذيه، إنه يصعب عليك أن ترفس الأسَنِّة" 6 "فقال وهو مرتعد متحير ما الذي تريد أن أفعل يا رب؟، قال له الرب قم وادخل البلد، وسيقال لك ما يجب عليك أن تفعله" قال كريسباخ وشولز: (هذه العبارة "إنه يصعب عليك أن ترفس الأسنة فقال وهو مرتعد متحير ما الذي تريد ان أفعل يا رب" إلحاقية) . (الشاهد الخامس والثلاثون) الآية السادسة من الباب العاشر من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "فإنه ضائف عند شمعون الدباغ، الذي بيته على البحر وهو يخبرك بما ينبغي لك أن تفعله" قال كريسباخ وشولز: (هذه العبارة "وهو يخبرك بما ينبغي لك أن تفعله" إلحاقية) . (الشاهد السادس والثلاثون) الآية الثامنة والعشرون من الباب العاشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: "وإن قال لكم أحد هذا ذبيحة الأوثان فلا تأكلوا لأجل المخبر به ولأجل أن لا تعثر ضميره لأن الأرض للرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 هي وكمالها" وهذه الجملة: "لأن الأرض للرب هي وكمالها" إلحاقية، قال هورن في الصفحة 327 من المجلد الثاني من تفسيره بعد ما أثبت إلحاقيتها: "أسقط كريسباخ هذه الجملة من المتن بعد ما جزم أنها قابلة للإخراج، والحق أنها لا سند لهذه الجملة، وهي فضول. والغالب أنها أخذت من الآية السادسة والعشرين وألحقت". وقال آدم كلارك في ذيل هذه الآية: "أسقط كريسباخ من المتن، والحق أنه لا سند لهذه الجملة" وأسقطت في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1811 وسنة 1831 أيضاً. (الشاهد السابع والثلاثون) الآية الثامنة من الباب الثاني عشر من إنجيل متى هكذا: "لإن ابن الإنسان رب السبت أيضاً" فلفظ أيضاً إلحاقي، وهورن بعد ما أثبت إلحاقيته بالأدلة في الصفحة 330 من المجلد الثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 من تفسيره قال: "أخذ هذا اللفظ من الآية الثامنة والعشرين من الباب الثاني من إنجيل مرقس، أو من الآية الخامسة من الباب السادس من إنجيل لوقا، وأُلحق ههنا، ولقد استحسن كريسباخ أن أخرج هذا اللفظ الإلحاقي". (الشاهد الثامن والثلاثون) في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الثاني عشر من إنجيل متَّى هكذا: "فالرجل الصالح يخرج الخيرات من مخزن قلبه الصالح" ولفظ القلب إلحاقي، وهورن بعد ما أثبت إلحاقيته بالأدِّلة في الصفحة 330 من المجلد الثاني من تفسيره قال: "أخذ هذا اللفظ من الآية الخامسة والأربعين من الباب السادس من إنجيل لوقا". (الشاهد التاسع والثلاثون) الآية الثالثة عشرة من الباب السادس من إنجيل متى هكذا: "ولا تدخلنا في التجربة بل نجِّنا من الشرير فإن الملكوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 والقدرة والمجد لك إلى الأبد آمين" وهذه الجملة "فإن الملكوت والقدرة والمجد لك إلى الأبد" إلحاقية، وفرقة رُومَنْ كاتُلك يحكمون بإلحاقيتها جَزْماً ولا توجد في الترجمة اللاطينية، ولا في ترجمة من تراجم هذه الفرقة في اللسان الإنكليزي، وهذه الفرقة تلوم من ألحقها. قال وارد كاتلك في الصفحة 18 من كتابه المسمى بكتاب الأغلاط المطبوع سنة 1841 من الميلاد: "قبح أرازمس هذه الجملة، وقال بلنجر: ألحقت هذه الجملة من بعد، ولم يعلم الملحِق إلى الآن وما قال لارن شش، ولا مَنْ أن هذه الجملة سقطت من كلام الرب، فلا دليل عليه بل كان عليه أن يلعن ويلوم الذين جعلوا لعبتهم هذه جُزْءاً من كلام الرب غير مبالين" وردَّها الأجِلّة من محققي فرقة البروتستنت أيضاً، وآدم كلارك وإن لم تكن إلحاقيتها مختارة عنده يعترف بهذا القدر أيضاً "أن كريسباخ ووتستَيْن والمحققين الذين كانوا في علو رتبته في التحقيق ردُّوها" كما صرح به في ذيل شرح هذه الآية، ولما ثبت باعترافه أن المحققين الذين كانوا في قصوى درجة التحقيق ردّوها، فلا يضرنا مخالفته، وهذه الجملة على تحقيق فرقة الكاثوليك، وتحقيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 محققي البروتستنت زيدت في صلاة المسيح، فعلى هذا ما ترك المحرفون الصلاة المشهورة أيضاً. (الشاهد الأربعون) الآية الثالثة والخمسون من الباب السابع، وإحدى عشرة آية من الباب الثامن من الآية الأولى إلى الحادية عشرة من إنجيل يوحنا إلحاقية، قال هورن في إلحاقية هذه الآيات، وإن لم تكن إلحاقيتها مختارة عنده في الصفحة 310 من المجلد الرابع من تفسيره: "أرازمس وكالوين وبيزا وكروتيس وليكرك ووتستين وسملر وشلز ومورس وهين لين وبالس وسمت والآخرون من المصنفين الذين ذكرهم ونفينس وكوجو لا يسلمون صدق هذه الآيات" ثم قال (كرِيزاسُتم وتِهيْوُفِلِكْت ونُونس كتبوا شروحاً على هذا الإنجيل، فما شرحوا هذه الآيات بل ما نقلوها في شروحهم، وكتب ترتولين وساي برن رسائل في باب الزنا والعفة، وما تمسكا بهذه الآيات، ولو كانت هذه الآيات في نسخهما لذكرا أو تمسكا بها يقيناً". وقال وارد كاتلك: "بعض القدماء اعترض على أول الباب الثامن من إنجيل يوحنا" وحكم نورتن بأن هذه الآيات إلحاقية يقيناً. (الشاهد الحادي والأربعون) في الآية الثامنة عشرة من الباب السادس من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 إنجيل متى هكذا: "وأبوك الناظر في السريجازيك علانية" ولفظ علانية إلحاقي، قال آدم كلارك في ذيل شرح هذه الآية بعد ما أثبت إلحاقيته: "لما لم يكن لهذا اللفظ سند كامل أسقطه كريسباخ ووتستين وبنجل من المتن". (الشاهد الثاني والأربعون) في الآية السابعة عشرة من الباب الثاني من إنجيل مرقس وقع لفظ إلى التوبة وهو إلحاقي، وآدم كلارك بعد ما أثبت إلحاقيته في ذيل شرح هذه الآيات قال أسقطه كريسباخ من المتن وتبعه كرويتس ومل وبنجل". (الشاهد الثالث والأربعون) في الآية الثالثة عشرة من الباب التاسع من إنجيل متى أيضاً وقع لفظ إلى التوبة وهو إلحاقي أيضاً وآدم كلارك بعد ما أثبت إلحاقيته في ذيل شرح هذه الآية قال: "استحسن مِلْ وبنجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 إسقاط هذا اللفظ وأسقطه كريسباخ من المتن". (الشاهد الرابع والأربعون) في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 22 "فأجاب يسوع وقال: إنكم لا تعلمون ما تسألون أتستطيعون أن تشربوا الكأس التي أنا مزمع أي منتظر أن أشربها وتصطبغوا بالصبغة التي أنا بها أصطبغ قالوا له نستطيع" 23 "فقال لهم أما كأسي فتشربون، وأما الصبغة التي أنا مصطبغ بها فتصطبغون" إلى آخرها، وهذا القول "وتصطبغوا بالصبغة التي أنا بها أصطبغ" إلحاقي، وكذا القول "وأما الصبغة التي أنا أصطبغ بها فتصطبغون" وأسقطها كريسباخ من المتن في المرتين اللتين طبع المتن فيهما، وآدم كلارك في شرح هاتين الآيتين بعد ما ثبت إلحاقيتهما قال: "لا يعلم بالقواعد التي قررها المحققون لتمييز العبارة الصحيحة عن الغير الصحيحة أن يكون هذان القولان جزئين من المتن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 (الشاهد الخامس والأربعون) في الباب التاسع من إنجيل لوقا هكذا: 55 "فالتفت وانتهرهما وقال إنكما لا تعلمان أية طبيعة طبيعتكما" 56 "فإن ابن الإنسان لم يأت لهلاك أنفس الناس بل لنجاتها ثم ساروا إلى قرية أخرى" وهذه العبارة: "فإن ابن الإنسان لم يأت لهلاك أنفس الناس بل لنجاتها" إلحاقية. قال آدم كلارك في ذيل شرح هاتين الآيتين: "أسقط كريسباخ هذه العبارة عن المتن، والغالب أن النسخ القديمة جداً يكون فيها هكذا: "فالتفت وانتهرهما وقال إنكما لا تعلمان أية طبيعة طبيعتكما ثم ساروا إلى قرية". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 المقصد الثالث: في إثبات التحريف بالنقصان (الشاهد الأول) الآية الثانية عشرة من الباب الخامس عشر من سفر الخليقة هكذا: "وقيل له اعلم عالماً أن نَسْلك سيكون ساكناً في غير أرضهم ويستعبدونهم ويضيقون عليهم أربعمائة سنة" وهذه العبارة "يستعبدونهم ويضيقون عليهم" وكذلك الآية الرابعة عشرة من هذا الباب وهي هكذا: "ولكن الشعب الذي يستعبدهم أنا أدينه، ومن بعد هذا يخرجون بمال" تدلان على أن المراد بالأرض أرض مصر، لأن الذين استعبدوا وضيقوا على بني إسرائيل فدانهم الله فخرج بعد هذا بنو إسرائيل بمال جزيل هم أهل مصر لا غيرهم، لأن هذه الأمور لا توجد في غيرهم،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 والآية الأربعون من الباب الثاني عشر من كتاب الخروج هكذا: "فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة" فبين الآيتين اختلاف، فإما أسقط من الأولى لفظ ثلاثين، وإما زيد في الثانية، ومع قطع النظر عن هذا الاختلاف والتحريف أقول إن بيان المدة في كليهما غلط يقيناً لا ريب فيه لأمور: (الأول) أن موسى عليه السلام ابن بنت لاوى، وابن ابن ابن لاوى أيضاً لأنه ابن يوخايذ بنت لاوى من جانب الأم، وابن عمران بن قاهث بن لاوى من جانب الأب، فعمران كان تزوّج عمته كما هو مصرح به في الباب السادس من سفر الخروج، والباب السادس والعشرين من سفر العدد، وقاهث جد موسى عليه السلام قد وُلد قبل مجيء بني إسرائيل إلى مصر، كما هو مصرح به في الآية الحادية عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر الخليقة، فلا يمكن أن يكون مدة إقامة بني إسرائيل بمصر أكثر من مائتين وخمس عشرة سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 والثاني: أن مؤرخيهم ومفسريهم متفقون على أن مدة سكون بني إسرائيل كانت مائتين وخمس عشرة سنة. من تصنيفات علماء البروتستنت كتاب باللسان العربي مسمى (بمرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) وكتب على عنوانه (طبع في مطبعة مجمع كنيسة الإنكليز الأسقفية في مدينة فالته سنة 1840 مسيحية) وضبطت تواريخ حوادث العالم من بدء التكوين إلى ميلاد المسيح في الفصل السابع عشر من الجزء الثاني لهذا الكتاب، وكتبت السنون في جانبي كل حادثة في جانب اليمين، السنون التي من بدء التكوين إلى الحادثة وفي جانب اليسار السنون التي من هذه الحادثة إلى ميلاد المسيح ففي الصفحة 346 و 3298 (إقامة إخوة يوسف وأبيه في مصر 1706) وفي الصفحة 437 و 2513 (عبور الإسرائيليين بحر القلزم وغرق فرعون) 1491 انتهت عبارته،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 فإذا أسقطنا الأقل من الأكثر يبقى مائتان وخمس عشرة سنة وصورة العمل هكذا: 2513 1707 2298 1491 ----------------- 215 215 هذا هو مختار المؤرخين وستقف على قول المفسرين وفي عبارة آدم كلارك التي ننقل ترجمتها عن قريب. الثالث: أنه وقع في الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل غلاطيه هكذا 66: "فإن المواعيد كان قد وعد بها إبراهيم وذريته، حيث لم يقل وذراريه نظراً إلى الكثرة بل قيل ولذريتك نظراً إلى الوحدة التي هي المسيح" 17 "فأقول إن العهد الذي أثبت الله من قَبْلُ للمسيح لا يستطيع الناموس الذي ورد بعده بأربعمائة وثلاثين سنة أن ينكثه حتى ينقضي الميعاد". وكلامه وإن كان لا يخلو عن الخطأ كما ستعرف يخالف عبارة الخروج مخالفة صريحة، لأنه اعتبر المدة بالقدر المذكور من زمان العهد الذي كان من إبراهيم عليه السلام، وكان مقدماً كثيراً على دخول بني إسرائيل في مصر إلى نزول التوراة الذي هو متأخر عن خروجهم عن مصر، وما اعتبر مدة سكن بني إسرائيل في مصر بالقدر المسطور. ولما كان البيان المذكور غلطاً يقيناً صححت الآية الأربعون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج في النسخة السامرية واليونانية هكذا: "فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 جميع ما سكن بنو إسرائيل وآباؤهم وأجدادهم في أرض كنعان وأرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة": فزيد في هاتين النسختين هذه الألفاظ آباؤهم وأجدادهم وأرض كنعان، قال آدم كلارك في الصفحة 369 من المجلد الأول من تفسيره في ذيل شرح الآية المذكورة هكذا: "اتفق الكل على أن مضمون هذه الآية في غاية الإشكال" أقول ليس مضمونها في غاية الإشكال، بل غلط يقيناً كما ستعرفه أيضاً. ثم نقل ذلك المفسر عبارة النسخة السامرية فقال: "وعبارة اسكندر يانوس موافقة لعبارة السامرية، وكثير من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى عليه السلام أصح، وهذا الأمر مسلم أن اسكيندر يانوس في نسخ الترجمة اليونانية أصحها وقديمة من كل نسخها الموجودة، ولا شك لأحد في وثاقة بولس، فانفصل الأمر كله بشهادة هذه الثلاثة، والتواريخ شاهدة على أن الحق في جانب هذه الثلاثة، لأن إبراهيم عليه السلام لما دخل كنعان فمن دخوله إلى ولادة إسحاق خمس وعشرون سنة، وإن إسحاق كان ابن ستين سنة حين تولد له يعقوب عليه السلام، وإن يعقوب لما دخل مصر كان ابن مائة وثلاثين سنة فالمجموع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 مائتان وخمس عشرة سنة، وإن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر مائتان وخمس عشرة سنة فالكل أربعمائة وثلاثون سنة" وجامعو تفسير هنري واسكات بعد ما سلموا أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر مائتان وخمس عشرة سنة نقلوا عبارة السامرية فقالوا: "لا شبهة في أن هذه العبارة صادقة وتزيل كل مشكل وقع في المتن" فظهر أن مفسريهم لا توجيه عندهم لعبارة الخروج التي في النسخة العبرانية سوى الاعتراف بأنها غلط، وإنما قلت: إن كلام بولس أيضاً لا يخلو عن الخطأ لأنه اعتبر المدة من العهد، وهذا العهد كان قبل ميلاد إسحاق عليه السلام بسنة، كما هو مصرح به في الباب السابع عشر من سفر التكوين، والآية الحادية والعشرون من الباب المذكور هكذا: "فأما ميثاقي فأقيمه لإسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الحين في السنة الأخرى" ونزول التوراة في الشهر الثالث من خروج بني إسرائيل كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من كتاب الخروج، فإذا لو اعتبرت بالحساب الذي صرح به آدم كلارك يكون المدة بقدر أربعمائة وسبع سنين، وهو مصرح به في تواريخ فرقة البروتستنت أيضاً لأربعمائة وثلاثين سنة، كما ادعى بولس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 بولس في الصفحة 345 من مرشد الطالبين هكذا سنة 2107. ميثاق الله مع إبرام وتبديل اسمه بإبراهيم سنة 1867 وتعيين الختان ونجاة لوط وهلاك هادوم وعامورا وأضما وصابوعيم بالنار من أجل فاحشتهم وشرورهم:1897 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 (ثم في الصفحة 347 هكذا 2514 منح الشريعة على جبل سيناء 1490) فإذا طرحنا الأقل من الأكثر يبقى أربعمائة وسبع سنين هكذا: 2514 1897 2108 1390 ---------------- 407 407 ... (تنبيه) ما قلت أن يوخايذ كانت عمة عمران هو الصحيح، وكما يشهد عليه التراجم 8 الغير العديدة من الإنكليزية والعربية والفارسية والهندية، لكن العجب أن الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 هكذا: "فتزوج عمران يوخايذ ابنة عمه) فحرف فيها لفظ العمة بابنة العم، ولما طبعت هذه الترجمة بغاية الاجتهاد في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 عهد البابا أريانوس الثامن وكان كثير من القسيسين والرهبان والعلماء الواثقين على اللسان العبراني واليوناني وغيرها باذلين جهدهم في تصحيحها، كما يظهر هذا من المقدمة التي كتبوها في أول تلك الترجمة، فالغالب أن هذا التحريف صدر عنهم قصداً لئلا يقع العيب في نسب موسى عليه السلام، لأن نكاح العمة حرام في التوراة، كما هو مصرح به في الآية الثانية عشرة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار، وفي الآية التاسعة عشرة من الباب العشرين من السفر المذكور، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1848 هذا التحريف موجود أيضاً. (الشاهد الثاني) الآية الثامنة من الباب الرابع من سفر التكوين هكذا: "وقال قابيل لهابيل أخيه ولما صارا في الحقل قام قابيل على هابيل أخيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 فقتله" وفي النسخة السامرية واليونانية والتراجم القديمة هكذا: "وقال قابيل لهابيل أخيه تعال نخرج إلى الحقل ولما صارا في الحقل" إلى آخرها فهذه العبارة "تعال نخرج إلى الحقل" سقطت من العبرانية. قال هورن في الحاشية في الصفحة 193 من المجلد الثاني من تفسيره: "توجد هذه العبارة في النسخة السامرية واليونانية والآرامية، وكذا في النسخة اللاطينينة التي طبعت في بالي كلات والتن وحكم كني كات بإدخالها في النسخة العبرانية ولا شبهة في أنها عبارة حسنة" انتهى ثم قال في الصفحة 338 من المجلد المذكور: "قد تكون عبارة الترجمة اليونانية صحيحة لم توجد في نسخ العبرانية المروّجة الآن، مثلاً نسخ العبرانية مكتوبة كانت أو مطبوعة ناقصة في الآية المذكورة نقصاناً بيِّناً، ومترجم الترجمة الإنكليزية التي هي مختومة لما يفهم ههنا حق الفهم ترجم هكذا" "تكلم قابيل مع هابيل أخيه" وجبر هذا النقصان في الترجمة اليونانية، وتوافق هذه الترجمة النسخة السامرية والترجمة اللاطينية والآرامية وترجمة ايكوئيلا والتفسيران اللذان باللسان الجالدي والفقرة التي نقلها فلو اليهودي" وقال آدم كلارك في الصفحة 63 من المجلد الأول من تفسيره مثل ما قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 هورن، وأدخلت هذه العبارة في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831 وسنة 1848. (الشاهد الثالث) في الآية السابعة عشرة من الباب السابع من سفر التكوين في النسخة العبرانية هكذا: "وصار الطوفان أربعين يوماً على الأرض" وهذه الجملة في كثير من نسخ اللاطينية وفي الترجمة اليونانية هكذا: "وصار الطوفان أربعين يوماً وليلة على الأرض" قال هورن في المجلد الأول من تفسيره: "فليزد لفظ ليلة في المتن العبري". (الشاهد الرابع) في الآية الثانية والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين في النسخة العبرانية هكذا: "ولما سكن إسرائيل تلك الأرض مضى روبيل وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل" قال جامعو تفسير هنري واسكات: "اليهود يسلمون أن شيئاً سقط من هذه الآية والترجمة اليونانية تتمها هكذا: وكان قبيحاً في نظره" فاليهود ههنا أيضاً معترفون بالسقوط، فسقوط الجملة من النسخة العبرانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 ليس بمستبعد عند أهل الكتاب، فضلاً عن سقوط حرف أو حرفين. (الشاهد الخامس) قال هارسلي المفسر في الصفحة 83 من المجلد الأول من تفسيره ذيل الآية الخامسة من الباب الرابع والأربعين من سفر التكوين: تزاد في أول هذه الآية من الترجمة اليونانية هذه الجملة: "لم سرقتم صواعي" فهذه على اعترافه ساقطة من العبرانية. (الشاهد السادس) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخمسين في التكوين هكذا: "فاذهبوا بعظامي من ههنا" وفي النسخة السامرية والترجمة اليونانية واللاطينية وبعض التراجم القديمة هكذا: "فاذهبوا بعظامي من ههنا معكم" فلفظ معكم سقط من العبرانية. قال هورن: "أدخل مستر بت زائداً هذا اللفظ المتروك في ترجمته الجديدة وأصاب" انتهى. (الشاهد السابع) الآية الثانية والعشرون من الباب الثاني من سفر الخروج هكذا: "فولدت له ابناً ودعا اسمه جرسون، قائلاً: إنما أنا كنت ملتجئاً في أرض غريبة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 وتوجد في الترجمة اليونانية واللاطينية وبعض التراجم القديمة في آخر الآية المذكورة هذه العبارة، وولدت أيضاً غلاماً ثانياً ودعا اسمه العازر، فقال من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون" قال آدم كلارك في الصفحة 310 من المجلد الأول من تفسيره بعد ما نقل العبارة المسطورة من التراجم: "أدخل هتوبي كينت هذه العبارة في ترجمته اللاطينية، ويدعي أن موضعها هذا، ولا توجد هذه العبارة في نسخة من النسخ العبرانية مكتوبة كانت أو مطبوعة، مع أنها وجدت في التراجم المعتبرة" انتهى. فعندهم هذه العبارة ساقطة من النسخة العبرانية. (الشاهد الثامن) في الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج هكذا: "فولدت له هرون وموسى" وفي النسخة السامرية والترجمة اليونانية وهكذا: "فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما" فلفظ "مريم أختهما" سقط من العبرانية، قال آدم كلارك بعد نقل عبارة النسخة السامرية واليونانية: "ظن البعض من أَجِلّة المحققين أن هذا اللفظ كان في المتن العبري". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 (الشاهد التاسع) الآية السادسة من الباب العاشر من سفر العدد هكذا: "وإذا هتفوا ونفخوا مرة ثانية بالقَرْن يهللون كأول مرة يرفع الخيام الحالَّة نحو الجنوب" وتوجد في آخر هذه الآية في الترجمة اليونانية هكذا: "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام الغربية للارتحال وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال" قال آدم كلارك في الصفحة 663 من المجلد الأول من تفسيره: "لم يذكر الغربية والشمالية ههنا لكنه يعلم أنهم كانوا يرتحلون بالنفخ أيضاً، ولذلك يعلم أن المتن العبراني ههنا ناقص، تتمة اليونانية هكذا: "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام المغربية للارتحال، وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال". (الشاهد العاشر) قال المفسر هارسلي: سقط من آخر الآية الثالثة عشرة وأول الآية الرابعة عشرة من الباب السادس عشر من كتاب القضاة شيء فيؤخذ من الترجمة اليونانية وتزاد هذه العبارة: "فقال لها لو أخذت سبع قنزعات من رأسي ونسجتها مع سدى، وربطت بالمسمار في الجدار فأصير ضعيفاً كسائر الناس فنومته وأخذت سبع قنزعات ونسجت مع السدى وربطته" انتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 (الشاهد الحادي عشر) قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "سقطت من الترجمة اليونانية الآية الثالثة كلها إلا لفظ شكيناه، والآية 4 و 5 و 6 و 9 و 37 و 38 و 39 و 40 و 41، وسقطت من الترجمة العربية في الباب المذكور من الآية الأولى إلى الآية السادسة والعشرين والآية التاسعة والعشرون". (الشاهد الثاني عشر) الآية السابعة عشرة من الباب الثاني والأربعين من كتاب أيوب هكذا: "ومات أيوب شيخاً معمراً" واختتمت النسخة العبرانية عليها، وزيد عليها في الترجمة اليونانية هذا القدر "ويبعث مرة أخرى مع الذين يبعثهم الرب" وزيد أيضاً تتمة فيها بيان نسب أيوب، وبيان أحواله على سبيل الاختصار، ويقول كامت وهِرْدَر: إن هذه التتمة جزء من الكتاب الإلهامي، وسلمها فلوو بولي هستر أيضاً وكان الناس يسلمون في عهد أرجن، وكتبها تهيودوشن في ترجمته اليونانية، فعلى هذا العبرانية محرفة بالنقصان عند القدماء المسيحيين، والعلماء المذكورين، والمحققون من فرقة البروتستنت على أنها جعلية، فيلزم التحريف بالزيادة عندهم في الترجمة اليونانية، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 قال جامعو تفسير هنري واسكات: "الظاهر أنها جعلية وإن كتبت قبل المسيح" أقول: إذا سلم كونها قبل المسيح يلزم أن القدماء المسيحيين من عهد الحواريين إلى ألف وخمسمائة سنة كانوا يعتقدون هذا المحرف كلام الله لأنهم كانوا متشبثين إلى هذا الزمان بهذه الترجمة ومعتقدين بأنها صحيحة والعبرانية محرفة. (الشاهد الثالث عشر) وقع بعد الآية الثالثة من الزبور الرابع عشر في الترجمة اللاطينية وترجمة إتهيوبك والترجمة العربية، ونسخة واتيكانوس من الترجمة اليونانية هذه العبارة "فحُلقومُهُمْ قبرٌ مفتوح، وهم يغدرون بألسنتهم وسمُّ الثعابين تحت شفاههم وأفواههم مملوءة من اللعن والمرورة، وأقدامهم مسرعة لسفك الدم، والتهلكة والشقاء في طرقهم، ولم يعرفوا طريق السلامة، وخوف الله ليس بموجود أمام أعينهم" انتهت، ولا توجد هذه العبارة في النسخة العبرانية بل توجد في رسالة بولس إلى أهل رومية، فلا تخلوا إما أسقطها اليهود من العبرانية فهذا هو التحريف بالنقصان، وإما زادها المسيحيون في تراجمهم لإصلاح كلام مقدسهم بولس، وهذا هو التحريف بالزيادة فأحد التحريفين لازم قطعاً، قال آدم كلارك في ذيل شرح الآية المذكورة من الزبور: "وقع بعد هذه الآية في النسخة وايتكانوس من ترجمة اتهيوبك والترجمة العربية ست آيات توجد في الباب الثالث من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 رسالة بولس إلى أهل رومية من الآية الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة" انتهى. (الشاهد الرابع عشر) الآية الخامسة من الباب الأربعين من كتاب أشعياء في العبرانية هكذا: "ويظهر جلال الرب ويرى كل بشر معاً، قال له فم الرب" وفي الترجمة اليونانية هكذا: "ويظهر جلال الرب ويرى كل بشر معاً نجاة إلهنا لأن فم الرب قاله" قال آدم كلارك في الصفحة 2785 من المجلد الرابع من تفسيره بعد ما نقل عبارة الترجمة اليونانية: "ظني بأن هذه العبارة هي الأصل، ثم قال وهذا السقوط في المتن العبراني قديم جداً متقدم على الترجمة الجالدية واللاطينية والسريانية، وتوجد هذه العبارة في كل نسخة من الترجمة اليونانية، وسلمها لوقا في الآية السادسة من الباب الثالث، وعندي نسخة واحدة قديمة جداً سقطت منها هذه الآية كلها" انتهى، وقال هورن في الباب الثامن من الحصة الأولى من المجلد الثاني من تفسيره: "كتب لوقا في الآية السادسة من الباب الثالث مطابقاً لما في الترجمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 اليونانية ويعلم لوتهه أن هذه العبارة الصحيحة هي الصحيحة فأدخلها في ترجمته لكتاب أشعياء". وقال جامعو تفسير هنري واسكات: فلتزد هذه الألفاظ نجاة إلهنا بعد لفظ يرى، انظروا الآية العاشرة من الباب الثاني والخمسين، والترجمة اليونانية فالمتن العبراني محرف بالنقصان باعتراف هؤلاء المفسرين، وهذا التحريف قديم جداً باعتراف آدم كلارك. (الشاهد الخامس عشر) قال آدم كلارك في ذيل شرح الآية الخامسة من الباب الرابع والستين من كتاب أشعياء: "اعتقادي أنه وقع النقصان من غلط الكاتب، وهذا التحريف قديم جداً لأن المترجمين المتقدمين لم يقدروا على بيان معنى الآية بياناً حسناً كما لم يقدر عليه المتأخرون منهم". (الشاهد السادس عشر) قال هورن في الصفحة 477 من المجلد الرابع من تفسيره: "سقطت آية تامة ما بين الآية الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا فلتزد بعد أخذها من الآية السادسة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى، أو من الآية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس ليكون لوقا موافقاً للإنجيليين الآخرين" ثم قال في الحاشية: "أغمض المحققون والمفسرون كلهم عن هذا النقصان العظيم الواقع في متن لوقا حتى توجه عليه هلز" فعلى اعترافه سقطت آية تامة من إنجيل لوقا ويجب زيادتها فيه، وهذه الآية في إنجيل متى هكذا: "وأما ذلك اليوم والساعة فلا أحد يعلم بهما حتى ملائكة السماء إلا أبي وحده". (الشاهد السابع عشر) في الآية السابعة من الباب السادس عشر من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "فلم يأذن لهم روح" قال كريسباخ وشولزا الصحيح هكذا: "فلم يأذن لهم روح يسوع" فعلى إقرارهما سقط لفظ يسوع، وأدخل هذا اللفظ في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1821 وعبارتهما هكذا: "فلم يتركهم روح يسوع". (الشاهد الثامن عشر) الإنجيل الذي ينسب إلى متى الآن وهو أول الأناجيل وأقدمها عندهم ليس من تصنيفه يقيناً بل ضيعوه بعد ما حرفوه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 لأن القدماء المسيحية كافة وغير المحصورين من المتأخرين على أن إنجيل متى كان باللسان العبراني، وهو ضاع وفُقد بسبب تحريف بعض الفرق المسيحية، والإنجيل الموجود الآن ترجمته، ولا يوجد عندهم إسناد هذه الترجمة حتى لم يعلم اسم المترجم أيضاً باليقين إلى هذا الحين، كما اعترف به جيروم من أفاضل قدمائهم فضلاً عن علم أحوال المترجم. نعم يقولون رَجْماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ترجمه، ولا يتم هذا على المخالف، ولا يثبت استناد الكتاب إلى المصنف بالظن والتخمين، فإذا كان مذهب القدماء كافة وغير المحصورين من المتأخرين ما عرفت فلا اعتماد على قول بعض علماء البروتستنت الذي يقولون بمجرد ظنهم بلا برهان إن متى نفسه ترجمه، وها أنا أورد عليك شواهد هذا الباب في المجلد الرابع التاسع عشر من إنسائي كلوبيديا برتينكا: "كُتب كل كتاب من العهد الجديد في اللسان اليوناني إلا إنجيل متى، والرسالة العبرانية فإن تأليفهما باللسان العبراني أمر يقيني بالدلائل" قال لاردنر في الصفحة 119 من المجلد الثاني من الكليات: "كتب بي بيس أن متى كتب إنجيله بالعبرانية وترجمه كل أحد على قدر لياقته" وهذا القول "ترجمه كل أحد على قدر لياقته" يدل على أن أناساً كثيرين ترجموا هذا الإنجيل، فما لم يثبت بالسند الكامل أن هذا الموجود ترجمه فلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 وأنه كان ذا إلهام كيف تعد ترجمته من الكتب الإلهامية؟ ولم يثبت بالسند كونه ثقةً أيضاً فضلاً عن كونه ذا إلهام، ثم قال لاردنر في الصفحة 170 من المجلد المسطور: كتب أرنيوس "إن متى كتب إنجيله لليهود بلسانهم في الأيام التي كان بولس وبطرس يعظان في الروم"، ثم قال في الصفحة 574 من المجلد المسطور لأرجن ثلاث فقرات: "الأولى نقلها يوسي بيس أن متى أعطى الإنجيل للمؤمنين من اليهود باللسان العبراني، والثانية روى أن متى كتب أولاً وأعطى الإنجيل للعبرانيين، والثالثة أن متى كتب الإنجيل للعبرانيين الذين كانوا ينتظرون شخصاً موعوداً من نسل إبراهيم وداود"، ثم قال لاردنر في الصفحة 95 من المجلد الرابع "كتب يوسي بيس أن متى لما أراد أن يذهب إلى أقوام أخر بعد ما وعظ العبرانيين كتب الإنجيل في لسانهم وأعطاهم"، ثم قال في الصفحة 174 من المجلد الرابع المذكور: "قال سِرِل كتب متى الإنجيل بالعبراني"، ثم قال لاردنر في الصفحة 187 من المجلد الرابع المذكور: "كتب أبي فانيس أن متى كتب الإنجيل باللسان العبراني، وهو الذي انفرد باستعمال هذا اللسان في تحرير العهد الجديد" ثم قال في الصفحة 439 من المجلد الرابع المذكور: "كتب جيروم أن متى كتب الإنجيل باللسان العبراني في أرض يهودية للمؤمنين من اليهود، ولم يخلط ظل الشريعة بصدق الإنجيل" ثم قال في الصفحة 441 من المجلد الرابع المذكور: "كتب جيروم في فهرست المؤرخين أن متى كتب إنجيله في الأرض اليهودية باللسان العبرانى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 والحروف العبرانية للمؤمنين من اليهود، ولم يتحقق هذا الأمر أن ترجمته باليونانية ولا هذا الأمر أن المترجم مَنْ هُوَ، على أن نسخة إنجيله العبراني موجودة في كتب خانة سريا التي جمعها بيمْفَلِس الشهيد بجهد تام، وأخذتُ نقلها بإجازة الناصرين الذين كانوا في برْيا من أضلاع سِرْيا وكانوا يستعملون هذه النسخة العبرانية"، ثم قال في الصفحة 501 من المجلد الرابع المذكور: "كتب اكستائن: قيل إن متى وحده من الأربع كتب بالعبراني وكتب الباقون باليوناني" انتهى، ثم قال في الصفحة 538 من المجلد الرابع المذكور: "كتب كريزاستم قيل إن متى كتب إنجيله باللسان العبراني للمؤمنين من اليهود باستدعائهم" ثم قال لاردنر في الصفحة 1371 من المجلد الخامس: "كتب اسي دور أن متى وحده من بين الأربع كتب باللسان العبراني والباقون كتبوا باليوناني"، وقال هورن في المجلد الرابع من تفسيره: "اختار بلرمن أوكر وتيس 2 وكسابن 3 ووالتن 4 وتاملائن 5 وكيو 6 وهمند 7 ومل 8 وهارود 9 وأودن 10 وكين بل 11 وإي كلارك 12 وسائمن 13 وتلي منت 14 وبري تس 15 ودوبن 16 وكامت 17 وميكايلس 18 واري نيس 19 وأرجن 20 وسرل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 21 وأبى فانيس 22 وكريزاستم 23 وجيروم 24 وغيرهم من العلماء المتقدمين والمتأخرين قول بي بيس إن هذا الإنجيل كتب باللسان العبراني" انتهى قوله، وغيرهم أي مثل كِري كِري نازِيَنْ زَنْ وايد جسو، وتهيو فلكت، ولوتهى ميس، ويوسي بيس، واتهاني سيش، واكستائن، واسي دور، وغيرهم ممن صرح بأسمائهم لاردنر وواتسن وغيرهما في كتبهم، وفي تفسير دوالي ورجردمينت "وقع اختلاف عظيم في الزمان المتأخر أن هذا الإنجيل كتب بأي لسان لكن صرح كثير من القدماء أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني الذي كان لسان أهل فلسطين فَلْيُعَدْ القول الذي اتفق عليه القدماء (يعني أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني) قولاً فصلاً في مثل هذا القسم". قال جامعو تفسير هنري واسكات: "سبب فقدان النسخة العبرانية أن الفرقة الأبيونية التي كانت تنكر ألوهية المسيح حرفت هذه النسخة وضاعت بعد فتنة يروشالم، وقال البعض: إن الناصريين أو اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية حرفوا الإنجيل العبراني، وأخرجت الفرقة الأبيونية فقرات كثيرة منه، وكتب يوسي بَيَسْ في تاريخه: "قال إرينيوس إن متى كتب إنجيله بالعبراني" قال ريو في تاريخه للإنجيل: "من قال إن متى كتب إنجيله باليوناني غلط لأن يوسي بيس صرح في تاريخه وكذا كثير من مرشدي الملة المسيحية أن متى كتب إنجيله بالعبراني لا اليوناني". ونورتن كتب كتاباً ضخماً أثبت فيه أن التوراة جعلي يقيناً لبس من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 تصنيف موسى عليه السلام، وأقر بالإنجيل لكن مع الاعتراف بالتحريفات الكثيرة فيه، ولذلك كلامه ليس بمقبول عند أهل التثليث، لكنه لما كان مدعياً لكونه مسيحياً، ونقل في هذا الباب من كلام القدماء المعتبرين عندهم أيضاً فلا بأس بنقل كلامه فأقول: كتب في كتابه المطبوع سنة 1837 ميلادية في بلدة بوستن في الصفحة 45 من المجلد الأول في حاشية ديباجة الكتاب هكذا: "يعتقدون أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني لأن القدماء الذين أشاروا إلى هذا الأمر قولهم واحد بالاتفاق، وأترك ذكر الذين ليسوا في غاية درجة الاستناد، وأقول إن بي بيس، وأرينيوس، وأرجن، ويوسى بيس، وجيروم أقروا بأنه كتب باللسان العبراني، ولم يقل أحد من القدماء بخلافهم وهذه شهادة عظيمة جداً لأن التعصب كان في ذلك الوقت فيما بينهم، كما ترى في هذا الوقت فيما بين المتأخرين، فلو كان قولهم شك مّا لقال مخالفوهم لأجل التعصب إن الإنجيل اليوناني أصل لا ترجمة، فلو لم ترد شهادة الزمان القديم كله التي على طريقة واحدة ولا يلزم منها استحالة ما فلا بد أن نعتقد أن متى كتب إنجيله بالعبراني، وما رأيت إلى هذا الحين اعتراضاً على هذه الشهادة نحتاج بسببه إلى تحقيق، بل رأيت بدل الاعتراض شهادة القدماء على أن النسخة العبرانية لهذا الإنجيل كانت موجودة عند المسيحيين الذين كانوا من قوم اليهود محرفة كانت أو غير محرفة" فعلم من الأقوال المذكورة أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني، والحروف العبرانية والقدماء متفقون على هذا لم يقل أحد منهم بخلافه، فيكون قولهم في هذا الباب قولاً فصلاً كما أقر به دوالي ورجردمينت، وأن النسخة العبرانية كانت موجودة مستعملة إلى عهد جيروم، وأنه لم يعلم اسم المترجم على وجه التحقيق، فظهر أن ما قال هورن مع اعترافه بما مر: "إن الغالب أن متى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 كتب إنجيله باللسانين العبراني واليوناني" لا يلتفت إليه لأنه مجرد الظن بلا برهان، ويقوي قول القدماء أن متى كان من الحواريين، ورأى أكثر أحوال المسيح عليه السلام بعينه، وسمع البعض، فلو كان مؤلف هذا الإنجيل لظهر من كلامه في موضع من المواضع أنه يكتب الأحوال التي رآها ولعبّر عن نفسه بصيغة المتكلم، كما جرت به العادة سلفاً وخلفاً، وهذه العادة ما كانت مهجورة في عهد الحواريين أيضاً، ألا ترى إلى رسائلهم المندرجة في العهد الجديد لو سلمت أنها رسائلهم فإنه يظهر منها هذا الحال للناظر، ألا ترى إلى تحرير لوقا فإنه لما كتب الإنجيل كله بالسماع، وكذا كتاب أعمال الحواريين إلى الباب التاسع عشر لا يظهر منهما هذا الحال، ولا يعبر عن نفسه بصيغة المتكلم، وبعد ذلك لما صار شريك بولس في السفر فكتب من الباب العشرين من كتاب أعمال الحواريين بحيث يظهر منه هذا الحال، وعبر عن نفسه بصيغة المتكلم فإن تمسك أحد بتوراة موسى عليه السلام وإنجيل يوحنا فهما عندنا في محل النزاع كما عرفت في الباب الأول، وكيف يتمسك بخلاف الظاهر بلا برهان قوي، وإذا كان المؤلف ثقة معتبراً فتحريره بحيث يظهر منه الحال المذكور موجب للاعتبار. وعلم من كلام جامعي تفسير هنري واسكات أن هذا الإنجيل ما كان متواتراً في القرن الأول، وأن التحريف كان شائعاً في هذا القرن أيضاً في المسيحيين، وإلا لما أمكن لأحد تحريفه، وإن وقع بالفرض لا يكون سبباً لتركه، فإذا لم يسلم الأصل فكيف يظن السلامة بالترجمة التي لم يعلم صاحبها أيضاً بالسند الكامل، بل الحق أنها كلها محرّفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 وقال فاستس الذي كان من علماء فرقة ماني كيز في القرن الرابع: "إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه" وبروفسر الجرمني قال: "إن هذا الإنجيل كله كاذب" 7 وهذا الإنجيل كان عند فرقة مارسيوني ولم يكن البابان الأولان فيه، فهما عندهم إلحاقيان، وكذا عند فرقة إبيونية هذان البابان إلحاقيان، وتردهما فرقة يوني تيرين والقسيس وِلْيْمْس وأنكرهما وأكثر مواضع هذا الإنجيل نورتن. (الشاهد التاسع عشر) في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا: "ثم أتى وسكن في بلد تسمى ناصرة ليكمل قول الأنبياء إنه سيدعى ناصريا" وقوله: "ليكمل قول الأنبياء أنه سيدعى ناصريا" من أغلاط هذا الإنجيل، ولا يوجد هذا في كتاب من الكتب المشهورة المنسوبة إلى الأنبياء، لكن أقول ههنا كما قال علماء الكاثلك: إن هذا كان في كتب الأنبياء، لكن اليهود ضيعوا هذه الكتب قصداً لعناد الدين المسيحي، ثم أقول: أي تحريف بالنقصان يكون أزيد من أن تضيّع فرقة الكتب الإلهامية قصداً للأغراض النفسانية، ولعناد ملة أخرى ألف مَمْفِرِد كاثلك كتاباً سماه بسؤالات السؤال، وطُبع هذا الكتاب في بلدة لندن سنة 1843 من الميلاد، فقال في السؤال الثاني: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 "الكتب التي كان فيها هذا" يعني ما نقله متى "انمحت لأن كتب الأنبياء الموجودة الآن لا يوجد في أحد منها أن عيسى يدعى ناصريا قال كريزاستم في تفسيره التاسع على متى انمحى (كثير من كتب الأنبياء لأن اليهود ضيعوا كتباً لأجل غفلتهم بل لأجل عدم ديانتهم ومزقوا بعضها وأحرقوا بعضها) انتهى قول كريزاستم، وهذا هو الأغلب جداً أنهم مزقوا الكتب وحرفوها لأنهم لما رأوا أن الحواريين يتمسكون بهذه الكتب في إثبات مسائل الملة المسيحية فعلوا هذا الأمر، ويعلم هذا من إعدامهم كتباً نقل عنها متى، انظروا إلى جستن يقول في المناظرة لطريفون (اليهود أخرجوا كتباً كثيرة من العهد العتيق ليظهر أن العهد الجديد ليس له موافقة تامة بالعهد العتيق) ويعلم من هذا أن الكتب الكثيرة انمحت" انتهى كلام ممفرد، ويظهر منه أمران: (الأول) أن اليهود مزقوا بعض الكتب وأحرقوا البعض لأجل عدم ديانتهم. (والثاني) التحريف كان سهلاً في سالف الزمان ألا ترى كيف انمحت هذه الكتب بإعدامهم عن صفحة العالم، وإذا عرفت ديانة أهل الكتاب بالنسبة إلى الكتب الإلهية، وعرفت سهولة وقوع التحريف في الزمان السالف فأي استبعاد عقلي أو نقلي لو قلنا إنهم فعلوا مثله بالكتب أو بالعبارات التي كانت نافعة للمسلمين؟. (الشاهد العشرون) الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيل متى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 هكذا: "ويوشيا ولد يوكانيا وإخوته في زمان الجلاء إلى بابل" يظهر منها أن يوكانيا وإخوته أبناء صُلبية ليوشيا، وأن يوكانيا كانت له إخوة، وأن ولادتهم في زمان الجلاء إلى بابل، وهذه الثلاثة كلها ليست بصحيحة (أما الأول) فلأن يوكانيا ابن يهويا قيم بن يوشيا فهو ابن الابن لا الابن (وأما الثاني) فلأنه ما كان له إخوة، نعم كان لأبيه يهويا قيم ثلاثة إخوة (وأما الثالث) فلأن يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل كان ابن ثماني عشرة سنة لا أنه تولد في زمان الجلاء إلى بابل، قال آدم كلارك: "قال كامت فلتقرأ الآية الحادية عشرة" هكذا: "ولد يوشيا يهويا قيم وإخوته، وولد يهويا قيم يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 (أقول) محصل قول كامت الذي هو مختار آدم كلارك أيضاً أنه لا بد أن يزاد لفظ يهويا قيم ههنا، والظاهر أن هذه اللفظ سقط من المتن عندهما، وهذا التحريف بالنقصان، ومع هذا لا يرتفع الاعتراض الثالث، ولما صارت شواهد الأقسام الثلاثة التحريف مائة اكتفيت عليها خوفاً من الإطناب، وهذا القدر يكفي في إثبات دعوى التحريف بجميع أقسامه ولدفع كل اعتراض يرد من جانبهم في هذه المسألة ولكل مغالطة تصدر من علماء البروتستنت فيها لكني أورد ههنا خمس مغالطات نصرانية وإن ظهر جواباتها للخبير مما حررت للتوضيح وزيادة الفائدة. (المغالطة الأولى) يظهر في بعض الأحيان من تقرير علماء البروتستنت تغليط للعوام، ولمن كان غير واقف على كتبهم أن دعوى التحريف مختصة بأهل الإسلام، ولم يسبقهم أحد ويحتاطون في التحرير عن هذه المغالطة، ولذلك لا ترى في رسائلهم، أقول يدعي المخالف والموافق سلفاً وخلفاً دعوى صحيحة أن عادة أهل الكتاب التحريف، ووقع منهم في الكتب السماوية، لكن قبل إيراد الشواهد لهذا الأمر أبين معنى لفظتين مستعملتين في كتب إسنادهم، هما لفظا (أرَاتَه) ولفظ ويُريُوس رِيدَيْك، قال هورن في الصفحة 325 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 1822 من الميلاد: "الفرق الحسن بين أرَاتَه يعني غلط الكاتب وبين ويريوس ريدنك يعني اختلاف العبارة ما قال ميكايلس، إنه إذا وجد الاختلاف بين العبارتين وأكثر فلا تكون الصادقة إلا واحدة والباقية إما أن تكون تحريفاً قصدياً أو سهوَ الكاتب، لكن تمييز الصحيحة عن غيرها عسير غالباً، فإن بقي شك فيطلق على الكل اختلاف العبارة، وإذا علم صراحة أن الكاتب كتب ههنا كذباً فيقال إنه غلط الكاتب" فعلى المذهب المختار عند المحققين فرق بين اللفظين المذكورين، واختلاف العبارة المصطلح فيما بينهم هو التحريف المصطلح عندنا، فمن أقر باختلاف العبارة بالمعنى المذكور يلزم عليه الاعتراف بالتحريف، ووُجِد مثل هذه الاختلافات في الإنجيل ثلاثين ألفاً على ما حقق ميل، ومائة ألف وخمسين ألفاً على ما حقق كريسباخ، ولم يعلم عدده على تحقيق شولز الذي هو آخر المحققين وفي المجلد التاسع عشر من إنسائي كلوبيديا برتينيكا في بيان لفظ اِسْكَرْ بَجَرْ أن وتيس تين جمع مثل هذه الاختلافات أزيد من ألف ألف، إذا علمت هذا فأورد الشواهد في ثلاث هدايات، في الهداية الأولى أنقل أقوال المخالفين، وفي الثانية أقوال الفرق التي تعد أنفسهم من المسيحيين لكن فرقة البروتستنت وفرقة كاثلك تعدانها من المبتدعين، وفي الثالثة أقوال الذين هم مقبولون عند الفرقتين المذكورتين، أو عند إحداهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 (الهداية الأولى) كان سلسوس من علماء المشركين الوثنيين في المائة الثانية من الميلاد، وكتب كتاباً في إبطال الدين المسيحي، ونقل إكهارن الذي هو من العلماء المشهورين من أهل الجرمن قول [ص 285] ذلك الفاضل المشرك في كتابه هكذا: "بدل المسيحيون أناجيلهم ثلاث مرات وأربع مرات بل أزيد من هذا تبديلاً كأن مضامينها بُدِّلت" فانظروا إن هذا المشرك يخبر أن المسيحيين كانوا بدلوا أناجيلهم إلى عهده أزيد من أربع مرات، والفرقة التي تنكر النبوة والإلهام وهذه الكتب السماوية التي عند أهل الكتاب، وكثرت جداً في ديار أوربا ويسميها علماء البروتستنت بالملحدين لو نقلت أقوالهم في التحريف فقط لطال الكلام فأكتفي على نقل قولين فمن شاء أزيد فليرجع إلى كتبهم التي هي منتشرة في أكناف العالم قال باركر منهم "قالت ملة البروتستنت إن المعجزات الأزلية والأبدية حفظت العهد العتيق والجديد عن أن تصل إليهما صدمة خفيفة لكن هذه المسألة لا تقدر أن تقوم في مقابلة عسكر اختلاف العبارة التي هي ثلاثون ألفاً" فانظروا كيف أورد الدليل الإلزامي استهزاء لكنه اكتفى على تحقيق (ميل) وإلاّ لقال التي هي ثلاثون ألفاً بل مائة ألف وخمسون ألفاً بل ألف ألف كما علمت، وقال صاحب أكسيهو مومنهم في الباب الخامس من التتمة من كتابه المطبوع سنة 1813 من الميلاد في بلدة لندن هكذا: "هذه فهرست الكتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 التي ذكرها المشايخ من القدماء المسيحيين إنها نُسبت إلى المسيح عليه السلام أو الحواريين أو المريدين الآخرين للمسيح عليه السلام: (المنسوبة إلى عيسى عليه السلام عدد 7) (رسالة إلى إيكرس (117) ملك آديسه) . (رسالته إلى بطرس وبولس) . (كتاب التمثيلات والوعظ) . (زبوره الذي كان يعلم الحواريين والمريدين خفية) . (كتاب الشعبذات والسحر) . (كتاب مسقط رأس المسيح ومريم وظئرها) . (رسالته التي سقطت من السماء في المائة السادسة) . (المنسوبة إلى مريم عليها السلام عدد 8) (رسالتها إلى أكناشس) . (رسالتها إلى سي سيليان) . (كتاب مسقط رأس مريم) . (كتاب مريم وظئرها) . (تاريخ مريم وحديثها) . (كتاب معجزات المسيح) . (كتاب السؤالات الصغار والكبار لمريم) . (كتاب نسل مريم والخاتم السليماني) . (المنسوبة إلى بطرس الحواري عدد 11) (إنجيل بطرس) . (أعمال بطرس) . (مشاهدات بطرس) . (مشاهدات بطرس الثانية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 (رسالته إلى كليمنس) . (مباحثة بطرس واي بين) . (تعليم بطرس) . (وعظ بطرس) . (آداب وصلاة بطرس) . (كتاب مسافرة بطرس) . (كتاب قياس بطرس) . (المنسوبة إلى يوحنا عدد 9) (أعمال يوحنا) . (الإنجيل الثاني ليوحنا) . (كتاب مسافرة يوحنا) . (حديث يوحنا) . (رسالته إلى حيدروبك) . (كتاب وفاة مريم) . (تذكرة المسيح ونزوله من الصليب) . (المشاهدات الثانية ليوحنا) . (آداب صلاة يوحنا) . (المنسوب إلى أندرياه الحواري 2) (إنجيل أندرياه) . (أعمال اندرياه) . (المنسوب إلى متى الحواري 2) (إنجيل الطفوليت) . (آداب صلاة متى) . (المنسوب إلى فيلب الحواري 2) (إنجيل فيليب) . (أعمال فيليب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 (المنسوب إلى برتولما الحواري 1) (إنجيل برتولما) . (المنسوب إلى توما الحواري 5) (إنجيل توما) . (أعمال توما) . (إنجيل طفوليت المسيح) . (مشاهدات توما) . (كتاب مسافرة توما) . (المنسوب إلى يعقوب الحواري 3) (إنجيل يعقوب) . (آداب وصلاة يعقوب) . (كتاب وفاة مريم) . (المنسوب إلى متياه الحواري الذي دخل في الحواريين بعد عروج المسيح 3) (إنجيل متياه) . (حديث متياه) . (أعمال متياه) . (المنسوب إلى مرقس 3) (إنجيل المصريين) . (آداب صلاة مرقس) . (كتاب بي شن برهاز) (118) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 (المنسوب إلى برنباه 2) (إنجيل برنياه) . (رسالة برنياه) . (المنسوب إلى تهيودوشن 1) (إنجيل تهيوديوشن) . (المنسوب إلى بولس 10) (أعمال بولس) . (أعمال تهكله) . (رسالته إلى لا دوقيين) . (رسالته الثالثة إلى أهل تسالونيقي) . (رسالته الثالثة إلى أهل قورنثيوس) . (رسالة أهل قونثيوس إليه وجوابها من جانبه) . (رسالته إلى سنيكا وجوابها من سنيكا إليه) . (مشاهدات بولس) . (المشاهدات الثانية لبولس) . (وِزَنْ بولس) . (أنابي كِشَنْ بولس) . (إنجيل بولس) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 (وعظ بولس) . (كتاب رقية الحية) . (بَرِي سِبْت بطرس وبولس) . ثم قال صاحب اكسيهومو: "لما ظهر طغيان الأناجيل والمشاهدات والرسائل التي أكثرها مسلم الثبوت عند أكثر المسيحيين إلى هذا الحين أيضاً فكيف يعرف أن الكتب الإلهامية هي كتب يسلمها فرقة البروتستنت، وإذا لاحظنا أن هذه الكتب المسلمة أيضاً قبل إيجاد صنعة الطبع كانت قابلة للإلحاق والتبديل يقع الإشكال) . (الهداية الثانية) الفرقة الإبيونية كانت في القرن الأول من القرون المسيحية معاصرة لبولس ومنكرة عليه أشد الإنكار، وكانت تقول إنه مرتد، وكانت تسلم إنجيل متى، لكن كان هذا الإنجيل عندها مخالفاً لهذا الإنجيل المنسوب إلى متّى الموجود عند معتقدي بولس الآن في كثير من المواضع، ولم يكن البابان الأولان فيه، فهذان البابان وكذا كثير من المواضع محرفة عند هذه الفرقة: ومعتقدو بولس يرمونها بالتحريف (قال بل) في تاريخه في بيان حال هذه الفرقة: "هذه الفرقة كانت تسلم من كتب العهد العتيق التوراة فقط، وكانت تنفر عن اسم داود وسليمان وأرمياء وحزقيل عليهم السلام، وكان من العهد الجديد عندها إنجيل متى فقط لكنها كانت حرّفته في كثير من المواضع وأخرجت البابين الأولين منه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 والفرقة المارسيونية من الفرق القديمة المبتدعة للمسيحيين كانت ترد جميع كتب العهد العتيق، وتقول إنهاليست إلهامية، وكذا ترد جميع كتب العهد الجديد أيضاً إلا إنجيل لوقا وعشر رسائل من رسالات بولس، وهذه المسلمة أيضاً عندها كانت مخالفة للموجودة الآن فعلى هذا الكتب المذكورة الموجودة الآن محرّفة عند الفرقة المذكورة ومخالفوها يرمونها بالتحريف، (قال بل) في تاريخه في بيان حال هذه الفرقة: "كانت هذه الفرقة تنكر كون كتب العهد العتيق إلهامية وكانت تسلم من العهد الجديد إنجيل لوقا، لكن ما كانت تسلم البابين الأولين منه وتسلم من رسائل بولس عشر رسائل، لكن كانت ترد منها أيضاً ما كان مخالفاً لخيالها" أقول: ما كان إنكار هذه الفرقة في إنجيل لوقا مقصوراً على البابين، صرح لاردنر في بيان تحريف هذه الفرقة في إنجيل لوقا في المجلد الثامن من تفسيره: "بعض المواضع التي غيروا من إنجيل لوقا بالتبديل أو بالإسقاط هذه: البابان الأولان قصة اصطباغ عيسى من يحيى عليهما السلام، وحال نسب المسيح من الباب الثالث، وقصة امتحان إبليس، وقصة دخول عيسى في الهيكل، وقراءته كتاب أشعياء من الباب الرابع الآية 30 و 31 و 32 و 49 و 50 و 51 من الباب الحادي عشر" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 وهذا اللفظ أيضاً "سوى آية يونس الرسول الآية السادسة والثامنة والعشرون من الباب الثاني عشر من الآية الأولى إلى السادسة من الباب الثالث عشر، من الآية الحادية عشرة إلى الثانية والثلاثين من الباب الخامس عشر، الآية 31 و 32 و 33 من الباب الثامن عشر، من الآية الثامنة والعشرين إلى الآية السادسة والأربعين من الباب التاسع عشر، من الآية التاسعة إلى الآية الثامنة عشرة من الباب العشرين، الآية18 و 21 و 13 من الباب الحادي والعشرين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 الآية 16 و 25 و 36 و 37 و 50 و 51 من الباب الثاني والعشرين، الآية 43 من الباب الثالث والعشرين، الآية 26 و 28 من الباب الرابع والعشرين، وكتب أبي فانيس هذه الأحوال كلها، وقال داكتر مل: أخرجوا الآية 38 و 39 من الباب الرابع"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في ذيل بيان فرقة ماني كيز ناقلاً عن اكستائن قول فاستس الذي كان من أعظم علماء هذه الفرقة في القرن الرابع من القرون المسيحية: "قال فاستس أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر وعيّبوا صورته الحسنة وأفضليته لأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف من الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 والتناقضات" فعقيدة هذه الفرقة بالنسبة إلى العهد الجديد هذا المذكور كما صرح به فاضلهم المشهور، فهو كان ينادي بأعلى نداء أن أهل التثليث ألحقوا الأشياء في العهد الجديد، وأنه تصنيف رجل مجهول الاسم لا تصنيف الحواريين ولا تابعيهم، وأنه يوجد فيه الأغلاطُ والتناقضات. ولعمري إن هذا الفاضل وإن كان من الفرقة المبتدعة لصادقٌ في هذه الدعاوى الثلاث. نورتن صنف كتاباً ضخماً كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث فأنكر التوراة وأثبت بالدلائل أنه ليس من تصنيف موسى عليه السلام، وأقر بالإنجيل، لكن مع الاعتراف بأن الإنجيل المنسوب إلى متّى من تصنيفه بل هذه ترجمته، والتحريف فيه واقع يقيناً في مواضع كثيرة وأطال الكلام جداً في إثبات ما ادعاه بالدلائل، فمن شاء فليرجعْ إلى الكتاب المذكور، فظهر من هاتين الهدايتين أن المخالفين والفرق المسيحية التي يعدها أهل التثليث من المبتدعين منادون بأعلى نداء من أول القرن إلى هذا القرن بوقوع التحريف. (الهداية الثالثة) أنقل فيها أقوال المسيحيين المعتبرين من المفسرين والمؤرخين: 1 - قال آدم كلارك في الصفحة 369 من المجلد الخامس من تفسيره: "هذا الرسم من قديم الأيام أن الكبار يكون المؤرخون لهم كثيرين وهذا هو حال الرب" يعني كان المؤرخون له كثيرين "لكن كان أكثر بياناتهم غير صحيحة، وكانوا كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقيناً وغلطوا في الحالات الأخر عمداً أو سهواً سيما المؤرخين الذين كتبوا في الأرض التي كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 فيها لوقا إنجيله، فلأجل ذلك استحسن روحُ القدس أن يعطى لوقا علم جميع الحالات على وجه الصحة ليعلم أهل الديانة الحال الصحيح" فثبت بإقرار المفسر وجود الأناجيل الكاذبة المملوءة من الأغلاط قبل إنجيل لوقا "وقوله كانوا كتبوا الأشياء" إلى آخره يدل على عدم تحقيق مؤلفيها وقوله "غلطوا في الحالات الأخر عمداً أو سهواً" يدل على عدم دياناتهم. 2 - في الباب الأول من رسالة بولس إلى أهل غلاطية 6- "ثم إني أعجب من أنكم أسرعتم بالانتقال عمن استدعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر" 7 - "وهو ليس بإنجيل بل إن معكم نفراً من الذين يزعجونكم ويريدون أن يحرفوا إنجيل المسيح" فثبت من كلام مقدسهم بولس ثلاثة أمور: (الأول) أنه كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح (والثاني) أنه كان إنجيل آخر مخالف لإنجيل المسيح في عهد مقدسهم (والثالث) أن المحرفين كانوا في صدد تحريف إنجيل المسيح في زمان مقدسهم فضلاً عن الزمان الأخر لأنه ما بقي له بعد ذلك إلا الاسم كالعنقاء، قال آدم كلارك في المجلد السادس من تفسيره في شرح هذا المقام: "هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 وكثرة هذه الأحوال الكاذبة الغير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة، والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية (وكان فابري سيوس) جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات وبين في بعضها وجوب إطاعة الشريعة الموسوية ووجوب الختان مع إطاعة الإنجيل، ويعلم إشارة الحواري إلى واحد من هذه الأناجيل" فعلم من إقرار المفسر أن هذه الأناجيل الكاذبة كانت موجودة قبل إنجيل لوقا، وقبل تحرير بولس رسالته إلى أهل غلاطية، ولذلك قال المفسر أولاً: "وكثرة هذه الأحوال" إلى آخره، وهذا موافق لما قال في المجلد الخامس من تفسيره كما عرفت، وقال ثانياً: "ويعلم إشارة الحواري إلى واحد من هذه الأناجيل" فثبت أن المراد بالإنجيل في كلام مقدسهم الإنجيل المدون لا معناه المرتكز في ذهن المصنف كما يظهر من بعض مغالطات علماء البروتستنت. (تنبيه) ما فُهم من كلام بولس أنه كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح هو الحق وهو القريب من القياس، وهو مختار الفاضل اكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن، وإليه مال المحقق لكلرك وكوب وميكايلس وليسنك ونيمير ومارس. (القول الثالث) في الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية لبولس إلى أهل قورنثيوس هكذا: "لكني سأفعلُ ما أفعله لأحجب الفرصة عن الذين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 يريدون أن يغتنموا الفرصة ليصيروا مثلنا فيما يفتخرون به" 13- "لأن نظائر هؤلاء هم الرسل الكذابون والعَمَلة الغدّارون قد تشبهوا برسل المسيح" فمقدسهم ينادي بأعلى نداء أن الرسل الكذابين الغدارين ظهروا في عهده، وقد تشبهوا برسل المسيح. قال آدم كلارك في تفسيره في شرح هذا المقام: "هؤلاء الأشخاص كانوا يدعون كذباً أنهم رسل المسيح، وما كانوا رسل المسيح في نفس الأمر وكانوا يعظون ويجتهدون لكن مقصودهم ما كان إلا جلب المنفعة". (القول الرابع) الآية الأولى من الباب الرابع من رسالة يوحنا الأولى هكذا: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا، لأن كثيراً من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم" فيوحنا الحواري أيضاً ينادي مثل بولس أن كثيراً من الأنبياء الكذبة ظهروا في عهده. قال آدم كلارك في شرح هذا المقام: "كان كل معلم في الزمان الأول يدعي أن روح القدس يلهمني لأن كل رسول معتبر جاء هكذا، والمراد بالروح ههنا إنسان يدعي بأني أثَر الروح، وأعلم على وفق ما يقول قوله، بل امتحنوا الأرواح يعني امتحنوا المعلمين بالدليل قوله: لأن كثيراً من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 الأنبياء الكذبة يعني المعلمين الذين لم يلهمهم روح القدس سيما من اليهود" فعُلم من كلام المفسر أن كل معلم كان يدعي الإلهام في الزمان الأول، وقد علم من كلامه فيما قبل أن تشبههم برسل المسيح ومكرهم وغدرهم كان لكسب المال وجلب المنفعة فمدعو الإلهام والرسالة كانوا كثيرين جداً. (القول الخامس) كما أن الكتب الخمسة المشهورة الآن بالتوراة منسوبة إلى موسى عليه السلام كذلك ستة كتب أخرى منسوبة إليه أيضاً بهذا التفصيل (كتاب المشاهدات، كتاب الخليقة الصغير، كتاب المعراج، كتاب الأسرار، تستمنت. كتاب الإقرار) والكتاب الثاني من هذه الكتب الستة كان أصله يوجد باللسان العبراني إلى المائة الرابعة، ونقل عنه جيروم وكذا نقل عنه سيدرينس في تاريخه كثيراً، وقال أرجن إنّ بولس نقل عن هذا الكتاب الآية السادسة من الباب الخامس، والآية الخامسة عشرة من الباب السادس من رسالته إلى أهل غلاطية، وترجمته كانت موجودة إلى القرن السادس عشر، وفي هذا القرن كذّبه محفل ترنت، فصار جَعْلياً كذباً بعد ذلك، وإني متعجب من تسليمهم وتكذيبهم لأن حال الكتب الإلهية والانتظاميات الملكية عندهم واحد، إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 رأوْا مصلحة سلموها وإذا شاؤوا منعوها، والكتاب الثالث من هذه الستة أيضاً يعلم إنه كان معتبراً بين القدماء، قال لاردنر في الصفحة 512 من المجلد الثاني من تفسيره: "إن أرجن قال إن يهودا نقل عن هذا الكتاب الآية التاسعة من رسالته" والآن هذا الكتاب وسائر الكتب الستة تعد جَعلية محرّفة، لكنّ الفقرات المنقولة عنها بعد ما دخلت في الإنجيل تعد إلهامية صحيحة، قال هورن: "المظنون أن هذه الكتب الجعلية اختُرِعت في ابتداء الملة المسيحية" فنسب محققهم هذه الكتب إلى أهل القرن الأول. (القول السادس) قال موشيم المؤرخ في بيان علماء القرن الثاني في الصفحة 65 من المجلد الأول من تاريخه المطبوع سنة 1832: "كان بين متبعي رأي أفلاطون وفيساغورس مقولة مشهورة أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق وعبادة الله ليسا بجائزين بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح كما يظهر هذا جَزْما من كثير من الكتب القديمة ثم أثّر وَباء هذا الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر هذا الأمر من الكتب الكثيرة التي نُسبت إلى الكبار كذباً" فإذا صار هذا الكذب والخداع من المستحبات الدينية عند اليهود قبل المسيح عليه السلام، وعند المسيحيين في القرن الثاني فما بقي للجعل والتحريف والكذب حد ففعلوا ما فعلوا. (القول السابع) قال يوسي بيس في الباب الثامن عشر من الكتاب الرابع من تاريخه: "ذكر جستن الشهيد في مقابلة طريفون اليهودي عدة بشارات للمسيح وادّعى أن اليهود أسقطوها من الكتب المقدسة"، وقال واتسن في الصفحة 33 من المجلد الثاني هكذا: "إني لا أشك في هذا الأمر أن العبارات التي ألزم فيها جستنن اليهودي في مباحثة طريفون بأنهم أسقطوها كانت هذه العبارات في عهد جستن وأرينيوس موجودة في النسخة العبرانية واليونانية، وأجزاء من الكتاب المقدس، وإنْ لم توجد الآن في نسخهما، سيما العبارة التي قال جستن إنها كانت في كتاب أرمياء، كتب سِلْبَرْ جَيَسْ في حاشية جَستن وكتب داكتر كريب في حاشية أرينيوس إنه يعلم أن بطرس لما كتب الآية السادسة من الباب الرابع من رسالته الأولى كان هذه البشارة في خياله". وقال هورن في الصفحة 62 من المجلد الرابع من تفسيره هكذا: "ادعى جستن في كتابه في مقابلة طريفون اليهودي أن عزرا قال للناس: إن طعام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 عيد الفصح طعامُ ربنا المنجي فإن فهمتم الرب أفضل من هذه العلامة يعني الطعام وآمنتم به فلا تكون هذه الأرض غير معمورة أبداً، وإنْ لم تؤمنوا به ولم تسمعوا وعظه فتكونوا سبب استهزاء للأقوام" الأجنبية، قال وائي تيكر: "الغالب أن هذه العبارة كان ما بين الآية الحادية والعشرين والثانية والعشرين من الباب السادس من كتاب عزرا وداكتر إي كلارك يصدق جستن" فظهر من هذه العبارات المنقولة أن جستن الشهيد الذي كان من أجلة القدماء المسيحيين ادعى أن اليهود أسقطوا بشارات عديدة من الكتب المقدسة، وصدقه في هذه الدعوى سِلْبَر جَيَسْ وكِريب ووائي تيكر وإي كلارك وواتُسْن، وادعى واتْسُن أن هذه العبارات كانت في عهد جَستن وأُرينيوس موجودة في النسخة العبرانية واليونانية، وأجزاء من الكتاب المقدس وإن لم توجد الآن في نسخهما، فأقول: لا يخلو إما أن يكون ذلك أعظم قدمائهم ومؤيدوه الخمسة صادقين في هذه الدعوى، فثبت تحريف اليهود ألبتة بإسقاط العبارات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 المذكورة، وإما أنْ يكونوا غير صادقين فيلزم أن يكون هذا المقتدى ومؤيدوه محرفين يقيناً مرتكبين لهذا الأمر الشنيع لأجل إطاعة المقولة المشهورة المذكورة في القول السابق، فتحريف أحد الفريقين لازم قطعاً، وكذا أقول: يلزم على ادعاء واتسن أيضاً لأنه على الشِّق الأول يلزم تحريف مَنْ أسقطها عن العبرانية واليونانية بعد زمانهما بلا شك، وعلى الشق الثاني يلزم تحريف من زادها في نسخهما. (القول الثامن) قال لاردنر في الصفحة 124 من المجلد الخامس من تفسيره: "حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان اناسطيثوس في الأيام التي كان فيها مِسَّالة حاكماً في القسطنطينية فصُحِّحت مرة أخرى" أقول: لو كانت هذه الأناجيل إلهامية وثبت عند القدماء في عهد السلطان المذكور بالإسناد الجيد أنها تصنيفات الحواريين وتابعيهم فلا معنى لجهالة المصنفين وتصحيحها مرة أخرى، فثبت أنها كانت إلى ذلك العهد غير ثابت إسنادها، وكانوا يعتقدون أنها إلهامية فصححوا على قدر الإمكان أغلاطها وتناقضاتها، فثبت التحريف على أكمل وجه يقيناً، وثبت أنها غير ثابتة الإسناد والحمد لله، وظهر أن ما يدعيه علماء البروتستنت في بعض الأحيان أن سلطاناً من السلاطين وحاكماً من الحكام ما تصرف في الكتب المقدسة في زمانٍ من الأزمنة قط باطلٌ قطعاً، وظهر أن رأى إكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن في باب الأناجيل في غاية القوة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 (القول التاسع) قد عرفت في الشاهد الثاني من المقصد الأول أن اكستاين والقدماء المسيحيين كانوا يقولون: إن اليهود حرفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد الدين المسيحي، وصدر هذا التحريف عنهم في سنة 130، وأن المحقق هيلز وكني كات يقولان كما قال القدماء، وأثبت هيلز بالأدلة القوبة صحة النسخة السامرية، وقال كني كات: إن اليهود حرفوا التوراة قصداً، وما قال محققو كتب العتيق والجديد أن السامريين حرفوه قصداً لا أصل له. (القول العاشر) قد عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول أن كني كات ادعى صحة السامرية، وكثير من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين. (القول الحادي عشر) قد عرفت في الشاهد الحادي عشر من المقصد الأول إقرار آدم كلارك المفسر بأنه وقعت في كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخر والاجتهاد في التطبيق عَبَثٌ، والأحسن أن يسلم في أول الوهلة الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظفر، وقد عرفت إقراره في الشاهد الثامن عشر بأنه حصل لنا موضع الاستغاثة كثيراً بوقوع التحريف في أعداد كتب التواريخ. (القول الثاني عشر) قد عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول أن آدم كلارك مختاره أن اليهود حرّفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفاً قصدياً كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة. (القول الثالث عشر) قد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول أن هورن سلّم تحريف اليهود في اثنتي عشرة آية. (القول الرابع عشر) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كنيسة الكاثلك أجمعت على صحة سبعة كتب مر تفصيلها في ذلك الشاهد، وعلى كونها إلهامية، وكذلك أجمعت على صحة الترجمة اللاطينية وأن علماء البروتستنت يقولون: إن الكتب المذكورة محرفة واجبة الردّ وإن هذه الترجمة وقع فيها التحريفات والإلحاقات الكثيرة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر، ولم تحرف ترجمة من التراجم مثل اللاطينية، ناقلوها من غير المبالاة أدخلوا فقرات بعض كتاب من العهد الجديد في كتاب آخر، وكذا أدخلوا عبارات الحواشي في المتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 (القول الخامس عشر) قد عرفت في الشاهد السادس والعشرين من المقصد الثاني أن آدم كلارك اختار ما اختار كني كات فقال: كان اليهود في عهد يوسيفس يريدون أن يزينوا الكتب المقدسة باختراع الصلوات والغناء واختراع الأقوال الجديدة، انظروا إلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب أسْتير وإلى حكاية الخمر والنساء والصدقة الذي زيدت في كتاب عِزْرا ونَحْمِيا ويسمى الآن بالكتاب الأول لعِزْرا وإلى غناء الأطفال الثلاثة الذي زيد في كتاب دانيال، وإلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب يوسيفَسْ (أقول) لما كان هذا التحريف سبباً لتزيين الكتب ما كان مذموماً عندهم فكانوا يحرفون بلا مبالاة سيما إذا علموا على المقولة المشهورة المسلمة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس، فكان بعض التحريفات من المستحبات الدينية. (القول السادس عشر) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثالث أن آدم كلارك اعترف بأن كثيراً من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى أصح. (القول السابع عشر) قد عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث أن التتمة التي في آخر كتاب أيوب في الترجمة اليونانية جَعْلية عند البروتستنت، مع أنها كتبت قبل المسيح، وكانت داخلة في الترجمة المسطورة في عهد الحواريين، وكانت مسلمة عند القدماء. (القول الثامن عشر) قد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث قول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 كريزاستم أن اليهود ضيّعوا كتباً لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا بعضها وأحرقوا البعض، وقوله هو المختار عند فرقة الكاثلك. (القول التاسع عشر) قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان الترجمة اليونانية: "هذه الترجمة قديمة جداً وكانت معتبرة غاية الاعتبار فيما بين اليهود والقدماء المسيحيين، وكانت تقرأ دائماً في معابد الفريقين، وما نقل المشايخ المسيحية لاطينيين كانوا أو يونانيين إلاّ عنها وكلُّ ترجمة سلمها الكنيسة المسيحية غير ترجمة سِريك ترجمتْ منها في ألسنة أخرى مثل العربية والأرمنية، وترجمة إتهيوبك وترجمة أتالك القديمة والترجمة اللاطينية التي كانت مستعملة قبل جيروم، وتقرأ هذه فقط إلى هذا اليوم في الكنيسة اليونانية والكنائس الشرقية" ثم قال: "والحق عندنا أنها تُرجمت قبل ميلاد المسيح بمائتين وخمس وثمانين سنة أو بمائتين وست وثمانين سنة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 ثم قال: "ويكفي لكمال شهرته دليل واحد، وهو أن مصنفي العهد الجديد ما نقلوا الفقرات الكثيرة إلا عنها، وجميع المشايخ القدماء غير أرجن وجيروم ما كانوا واقفين على اللسان العبراني، وكانوا مقتدين في النقل عنها للذين كتبوا بالإلهام، وهؤلاء الناس وإنْ كانوا في باب الدين في غاية الاجتهاد لكنهم مع ذلك ما يعلمون اللسان العبري الذي هو أصل الكتب، وكانوا راضين بهذه الترجمة، وكانوا يفهمونها كافية في جميع مطالبهم، والكنيسة اليونانية كانت تعتقدها كتاباً مقدساً وتعظمها" ثم قال: "وهذه الترجمة كانت تقرأ في الكنيسة اليونانية واللاطينية إلى ألف وخمسمائة، وكان السَّنَدُ يؤخذ منها، وكانت هذه معتبرة في معابد اليهود في أول القرن، ثم لما استدل المسيحيون عليهم من هذه الترجمة أطالوا ألسنتهم على هذه بأنها ليست موافقة للمتن العبري، وجعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها ثم تركوها واختاروا ترجمة أيكوئلا، ولما كانت مستعملة في اليهود إلى أول القرن المسيحي، وفي المسيحيين إلى مدة فكثرت نقولها، ووقعت فيها الأغلاط بسبب تحريف صدر عن اليهود قصداً وكذلك بسبب غلط الكاتبين ودخول عبارة الشرح والحاشية في المتن" انتهى بقدر الحاجة، وقال وارد من علماء الكاثلك في الصفحة 18 من كتابه المطبوع سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 1841 "أن مُلحدي المشرق حرفوها" فثبت من إقرار محقق فرقة البروتستنت أن اليهود حرفوها قصداً حيث قال أولاً: "جعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها" ثم قال ثانياً: "بسبب تحريف صَدَر عن اليهود قصداً" وهذا التحريف صدر عنهم لأجل عناد الدين المسيحي كما هو مصرحفي كلام المحقق المذكور، فلا مجال لفرقة البروتستنت أن ينكروا التحريف القصدي الذي صدر عن اليهود في هذه الترجمة وعند فرقة الكاثلك أيضاً التحريف القصدي فيها مسلم. فالفرقتان في الاعتراف بهذا التحريف متفقتان فأقول: على قول فرقة البروتستنت إذا حرّفت اليهود لعناد الدين المسيحي هذه الترجمة المشهورة التي كانت مستعملة في جميع معابدهم إلى أربعمائة سنة، وكذا في جميع معابد المسيحيين شرقاً وغرباً، وما خافوا الله ولا طَعْن الخلق وأثر تحريفهم في هذه النسخة المشهورة، فكيف لا يجزم أنهم حرفوا بالتحريف القصدي النسخة العبرانية التي في أيديهم ولم تكن منتشرة بين المسيحيين، بل لم تكن مستعملة فيما بينهم إلى القرن الثاني؟ وأثر تحريفهم سواء كان ذلك التحريف إما لأجل عناد الدين المسيحي كما قال القدماء واكستائن على ما عرفت، وكما اختار آدم كلارك على ما عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول، وفي القول الثاني عشر، وكما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 اعترف به هورن مع تعصبه في ستة مواضع في اثنتي عشرة آية على ما عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول، وفي القول الثالث عشر، وإما لأجل عناد السامريين كما هو مختار كني كات وآدم كلارك وكثير من العلماء، كما عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول وفي القول العاشر، وإما للعناد الذي كان فيما بينهم كما صدر عن فرق المسيحيين في القرن الأول وبعده، كما عرفت في الأقوال السابقة، وستعرف في القول الثلاثين أن هذا التحريف القصدي صدر عن الذين كانوا من أهل الديانة وعن المسيحيين الصادقين في زعمهم لأجل مخالفة المسيحيين الآخرين لم يكونوا كذلك في زعمهم، ولا عجب لأن مثل هذا كان عندهم بمنزلة المستحبات الدينية، وعين مقتضى الديانة على ما حكمت به المقولة المشهورة المسلمة فيما بين القدماء، التي مر ذكرها في القول السادس، وإما لوجوه أخر كانت مقتضيةً للتحريف في زمانها. أسلم بعض أحبار اليهود في عهد السلطان المرحوم بايز يدخان فسمى بعبد السلام، وهو ألف رسالة صغيرة في الرد على اليهود سماها بالرسالة الهادية، وهذه الرسالة مشتملة على ثلاثة أقسام، فقال في القسم الثالث الذي هو في بيان إثبات تغييرهم بعض كلمات التوراة هكذا: "اعلم أنا قد وجدنا في أشهر تفاسير التوراة المسمى عندهم بالتلمود، أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 في زمان تلماي الملك، وهو بعد بختنصر أن تلماي الملك قد طلب من أخبار اليهود التوراة فهم خافوا على إظهاره لأنه كان منكراً لبعض أوامره، فاجتمع سبعون رجلاً من أخبار اليهود فغيروا ما شاء من الكلمات التي كان ينكرها ذلك الملك خوفاً منه، فإذا أقروا على تغييرهم فكيف يؤتمن ويعتمد على آية واحدة؟ " انتهى كلامه بلفظه، وأقول: على قول علماء الكاثلك إن ملحدي المشرق إذا حرفوا مثل هذه الترجمة المشهورة بين المسيحيين المستعملة بين كنائسهم شرقاً وغرباً سيما في كنيستكم أيضاً ألف وخمسمائة سنة على ما حقق هورن، وأثر تحريفهم في نسخها فكيف يرد قول علماء البروتستنت في تحريفكم الترجمة اللاطينية التي كانت مستعملة في كنيستكم. لا والله هم الصادقون في هذا الباب. (القول العشرون) في المجلد الرابع من إنسائي كلوييد ياريس في بيان ببيل "قال داكتر كني كات إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، واستدل من هذا وقال إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود، لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ونظراً إلى هذا قال والْتُن أيضاً: إن النسخ التي مضى على كتابتها ستمائة سنة قلما توجد، والتي مضى على كتابتها سبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة ففي غاية الندرة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 فأقر داكتر كني كات الذي عليه اعتماد فرقة البروتستنت في تصحيح كتب العهد العتيق أن النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة والثامنة ما وصلت إليه بل وصلت إليه النسخ التي كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، وبين وجهه أن اليهود ضيعوا النسخ الأولى لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة لنسخهم المعتمدة، وهكذا قال والتن أقول: إن هذا الإعدام والتضييع حصل بعد ظهور محمد صلى الله عليه وسلم بأزيد من مائتين، فلما انمحت جميع النسخ المخالفة لنسختهم عن صفحة العالم، وأثر تحريفهم أثراً بلغ إلى هذه الرتبة، وبقيت عندهم النسخ التي كانوا يرضون بها، فكان لهم مجال واسع للتحريف في نسخهم بعد زمان محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً، فلا استبعاد في تحريفهم بعد هذا الزمان، بل الحق أن كتب أهل الكتاب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت صالحة للتحريف في كل قرن من القرون بل هم لا يمتنعون ولا يبالون بعد إيجادها أيضاً كما رأيت حال متبعي لوطر بالنسبة إلى ترجمته في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني. (القول الحادي والعشرون) قال المفسر هارسلي في الصفحة 282 من المجلد الثالث من تفسيره في مقدمة كتاب يوشع: "هذا القول أن المتن المقدس حرِّف لا ريب فيه، وظاهر من اختلاف النسخ لأن العبارة الصحيحة في العبارات المختلفة لا تكون إلا واحدة، وهذا الأمر مظنون، بل أقول قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جداً دخلت في بعض الأحيان في المتن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 المطبوع، لكن لم يظهر لي دليل على أن التحريفات في كتاب يوشع أكثر من سائر كتب العهد العتيق" ثم قال في الصفحة 275 من المجلد الثالث: "هذا القول صادق ألبتة إن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان بعد حادثة بختنصر، بل لعل قبلها أيضاً قبلية يسيرة في أشنع حالة التحريف بالنسبة إلى الحالة التي حصلت له في وقت ما بعد تصحيح عزرا" فكلام هذا المفسر غير محتاج إلى البيان. (القول الثاني والعشرون) قال واتسن في الصفحة 283 من المجلد الثالث من كتابه: "مضت مدة على أن أرجن كان يشكو عن هذه الاختلافات، وكان ينسب إلى أسباب مختلفة مثل تغافل الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم. وقال جيروم: إني لما أردت ترجمة العهد الجديد قابلت نسخه التي كانت عندي فوجدت اختلافاً عظيماً". (القول الثالث والعشرون) قال آدم كلارك في المقدمة من المجلد الأول من تفسيره: "كان الترجمات الكثيرة باللسان اللاطيني من المترجمين المختلفين موجودة قبل جيروم، وكان بعضها محرفاً في غاية درجة التحريف، وبعض مواضعها مناقضاً للمواضع الأخر كما يستغيث جيروم". (القول الرابع والعشرون) قال وارد كاثلك في الصفحة 17 و 18 من كتابه المطبوع سنة 1841 قال دُكْتر همفري في الصفحة 178 من كتابه: "إن أوهام اليهود خرَّب" (يعني كتب العهد العتيق) "في مواضع بحيث يتنبه عليها القارئ بسهولة" ثم قال: "خرّب علماء اليهود بشارات المسيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 تخريباً عظيماً"، ثم قال عالم من علماء البروتستنت: "إن المترجم القديم قرأ على نهج، ويقرأ اليهود الآن على نهج آخر، وعندي أن نسبة الخطأ إلى الكاتبين من اليهود وإلى إيمانهم خير من نسبته إلى جهل المترجِم القديم وتساهله، لأن محافظة الزبور قبل المسيح وبعده كانت في اليهود أقل من محافظة غناآتهم". (القول الخامس والعشرون) كتب فيلبس كواد نولس الراهب في رد كتاب أحمد الشريف بن زين العابدين الأصفهاني كتاباً سماه بالخيالات، وطبع هذا الكتاب سنة 1649، فقال في الفصل السادس منه: "يوجد التحريف كثيراً جداً في النسخة القصاعية سيما في كتاب سليمان، ونقل رب اقيلا المشتهر بالكليس التوراة كله، وكذا نقل رب يونثا بن عزيال كتاب يوشع بن نون، وكتاب القضاة، وكتاب السلاطين، وكتاب أشعياء، والكتب الأخر للأنبياء، ونقل رب يوسف أعمى الزبور، وكتاب أيوب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 وراعوث، واستير، وسليمان، وهؤلاء كلهم حرفوا ونحن النصرانيون حافظنا هذه الكتب لنلزم اليهود إلزام التحريف، ونحن لا نسلم أباطيلهم"، فهذا الراهب في القرن السابع عشر يشهد على تحريف اليهود. (القول السادس والعشرون) قال هورن في الصفحة 68 من المجلد الأول: "فليسلم في باب الإلحاق أنه وجدت الفقرات الكذائية في التوراة " ثم قال في الصفحة 445 من المجلد الثاني: "المقامات المحرفة في المتن العبراني قليلة أي تسعة فقط كما ذكرنا أولاً". (القول السابع والعشرون) وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون. "إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضع تخميناً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 (القول الثامن والعشرون) قال مستر كارلائل: "المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب وأخفوا الحق وخدعوا الجهال وجعلوا مطلب الإنجيل الذي كان مستقيماً معوجاً، وعندهم الظلمة أحبُّ من النور والكذبُ أحق من الصدق". (القول التاسع والعشرون) استدعى مستر بروتن من أراكين كونسل للترجمة الجديدة قائلاً: "إن الترجمة التي هي مروَّجة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط، وقال للقسيسين إن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمانية وأربعين موضعاً، وصارت سبباً لردِّ أناس غير محصورين كتبَ العهد الجديد ودخولهم النار". وهذه الأقوال الثلاثة المندرجة في القول 27 و 28 و 29 نقلتها عن كتاب وارد كاثلك، وخوفُ التطويل يمنعني عن نقل أقوال أخر وسيظهر أكثرها في الشواهد المذكورة للمقاصد الثلاثة، فأطوى الْكَشْح عن نقلها، وأكتفي بنقل قول واحد آخر محتو على اعتراف أنحاء التحريف مغنٍ عن نقل ما سواه، وتصير به الأقوال المنقولة ثلاثين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 (القول الثلاثون) قال هورن في الباب الثامن من المجلد الثاني من تفسيره في بيان أسباب وقوع ويريوس ريدنك الذي عرفت معناه في صدر جواب هذه المغالطة: "لوقوعه أسباب أربعة". (السبب الأول) "غفلة الكاتب وسهوه، ويتصوّر على وجوه (الأوّل) إن الذي كان يلقي العبارة على الكاتب ألقى ما ألقى، أو الكاتب لم يفهم قوله، فكتب ما كتب (والثاني) أن الحروف العبرانية واليونانية كانت متشابهة، فكُتب أحدها بدل الآخر (والثالث) أن الكاتب ظن الإعراب خطاً أو الخط الذي كان يكتب عليه جزء الحرف أو ما فَهِم أصل المطلب فأصلح العبارة وغلط (والرابع) أن الكاتب انتقل من موضع إلى موضع فلما تنبه لم يرض بمحو ما كتب، وكتب من الموضع الذي كان ترك مرة أخرى، وأبقى ما كتبه قبل أيضاً (والخامس) أن الكاتب ترك شيئاً فبعد ما كتب شيئاً آخر تنبه، وكتب العبارة المتروكة بعده فانتقلت العبارة من موضع إلى موضع آخر (والسادس) أن نظر الكاتب أخطأ ووقع على سطر آخر فسقطت عبارة ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 (والسابع) أن الكاتب غلط في فهم الألفاظ المخففة فكتب على فهمه كاملة فوقع الغلط (والثامن) أن جهل الكاتبين وغفلتهم منشأ عظيم لوقوع ويريوس ريدنك بأنهم فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزء المتن فأدخلوها". (والسبب الثاني) نقصان النسخة المنقولة عنها وهو أيضاً يتصوّر على وجوه (الأول) انمحاء إعراب الحروف (والثاني) أن الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في جانب آخر منها في صفحة أخرى وامتزاج بحروف الصفحة الأخرى، وفهم جزءً منها (والثالث) أن الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة فلم يعلم الكاتب الثاني أن هذه الفقرة تكتب في أي موضع فغلط. (والسبب الثالث) التصحيح الخيالي والإصلاح وهذا أيضاً وقع على وجوه (الأول) أن الكاتب فهم العبارة الصحيحة في نفس الأمر ناقصة أو غلط في فهم المطلب، أو تخيل أن العبارة غلط بحسب القاعدة، وما كانت غلطاً لكن كان هذا الغلطُ الذي صدر عن المصنف في نفس الأمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 (الثاني) أن بعض المحققين ما اكتفوا على إصلاح الغلط بحسب القاعدة فقط بل بدّلوا العبارة الغير الفصيحة بالفصيحة أو أسقطوا الفضول أو الألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرقٌ فيها (والثالث) وهو أكثر الوجوه وقوعاً أنهم سوَّوْا الفقرات المقابلة وهذا التصرف وقع في الأناجيل خصوصاً، ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارة التي نقلها عن العهد العتيق مطابقة للترجمة اليونانية (والرابع) أن بعض المحققين جعل العهد الجديد مطابقاً للترجمة اللاطينية. (السبب الرابع) "التحريف القصدي الذي صدر عن أحد لأجل مطلبه سواء كان المحرِّف من أهل الديانة أو الديانة أو من المبتدعين وما ألزم أحد في المبتدعين القدماء أزيد من مارسيون، وما استحق الملامة أحد أزيد منه بسبب هذه الحركة الشنيعة، وهذا الأمر أيضاً محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين، وكانت هذه التحريفات ترجح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد عليها" انتهى كلامه ملخصاً. وأورد هورن أمثلة كثيرة في بيان أقسام كل سبب من الأسباب الأربعة، ولما كان في ذكرها طول تركتها لكن أذكر الأمثلة التي نقلها لتحريف أهل الديانة والدين من كتاب فاف قال: "مثلاً تُرك قصداً الآية الثالثة والأربعون من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الدين ظنوا أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 تقوية الملك للرب منافيةٌ لألوهيته، وتُرك قصداً في الباب الأول من إنجيل مَتّى هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشرة، وهذه الألفاظ (ابنها البكر) في الآية الخامسة والعشرين، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمية لمريم عليها السلام، وبدل لفظ اثني عشر بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى لبولس إلى أهل قورنيثوس، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس، لأن يهودا الأسخريوطي كان قد مات قبل، وتُرك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، ورد هذه الألفاظ بعضُ المرشدين أيضاً لأنهم تخيلوا أنها مؤيِّدة لفرقة أيرين، وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 والعربية واتهيوبك وغيرها من التراجم، وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة لوتي كينس لأنها كانت منكرة أن عيسى عليه السلام فيه صفتان" فبين هورن جميع الصور المحتملة في التحريف وأقرَّ بأنها وقعت في الكتب السماوية، فأقول: إذا ثبت أن عبارات الحاشية والتفسير دخلت في المتن لجهل الكاتبين وغفلتهم، وثبت أن المصلحين أصلحوا العبارات التي كانت على خلاف القاعدة في زعمهم، أو في نفس الأمر، وثبت أنهم بدَّلوا العبارات الغير الفصيحة بالفصيحة وأسقطوا ألفاظاً فضولاً أو مترادفة، وثبت أنهم سَوَّوْا الفقرات المتقابلة في الأناجيل خصوصاً ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس، وثبت أن بعض المحققين جعلوا العهد الجديد مطابقاً للترجمة اللاطينية وثبت أن المبتدعين حرّفوا ما حرفوا قصداً، وثبت أن أهل الدين والديانة أيضاً كانوا يحرِّفون قصداً لتأييد المسألة أو لدفع الاعتراض، وكانت تحريفاتهم ترجح بعدهم، فأية دقيقة من دقائق التحريف باقية وأي استبعاد؟ لو قلنا الآن إن المسيحيين الذين كانوا يحبون عبادة الصليب، وما كانوا راضين بتركها وترك الجاه والمناصب حرّفوا هكذا في بعض العبارات التي كانت نافعة لدين الإسلام بعد ظهوره، ورجح هذا التحريف بعدهم كما رجح تحريفاتهم في مقابلة فرقهم، بل لما كان هذا التحريف أشد اهتماماً عندهم من التحريف الذي صدر في مقابلة فرقهم كان ترجيحه أيضاً أشد من ترجيح ذاك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 (المغالطة الثانية) أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق، ولو كانت محرّفة لما شهد بها بل كان عليه أن يلزم اليهود على التحريف، فأقول في الجواب: أولاً إنه لم يثبت التواتر اللفظي لكتب العهد العتيق والجديد، ولم يوجد سند متصل لها إلى مصنفيها كما عرفت في الفصل الثاني من الباب الأول، وقد عرفت نُبذاً منها في حق كتاب أسْتِير في الشاهد الأول من المقصد الثاني، وفي حق إنجيل متّى في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث، وستعرف في حق كتاب أيوب، وكتاب نشيد الإنشاد عن قريب ثبت جميع أنواع التحريف فيها، وثبت التحريف من أهل الدين والديانة أيضاً لتأييد المسألة أو دفع الاعتراض كما عرفت عن قريب في القول الثلاثين، فصارت هذه الكتب مشكوكة عندنا، فلا يتم الاحتجاج علينا ببعض آيات هذه الكتب لأنها يجوز أن تكون إلحاقية زادها المسيحيون من أهل الديانة في آخر القرن الثاني أو في القرن الثالث في مقابلة الفرقة الأبيونية، والفرقة المارسيونية وفرقة ماني كيز، ورجحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيدة لمسألتهم المقبولة، كما فعلوا في مقابلة فرقة أيرين ويوتي كنيس، وكانت هذه التحريفات ترجَّح بَعْدَهم، لأن الفرق الثلاثة المذكورة كانت تنكر كتب العهد العتيق إما كلها أو أكثرها، وقد عرفت إنكار الفرقة الأولى في الهداية الثانية من جواب المغالطة الأولى (وقال بل) في تاريخه في بيان حال الفرقة المارسيونية "كانت هذه الفرقة تعتقد أنه يوجد إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وتقول: إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق أعطاها الإله الثاني، وهذه كلها مخالفة للعهد الجديد" انتهى كلامه. وقال لاردنر في الصفحة 486 من المجلد الثامن من تفسيره في بيان حال هذه الفرقة: "كانت تقول إن إله اليهود غير أبي عيسى، وجاء عيسى لمحو شريعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 موسى لأنها كانت مخالفة للإنجيل"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في بيان حال فرقة ماني كيز: "اتفق المؤرخون على أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت، وكتب في أعمال أركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا: خدع الشيطان أنبياء اليهود والشيطان كلَّم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم إنهم سراق ولصوص" وأقول ثانياً: لو قطعنا النظر عن كونها إلحاقية أو غير إلحاقية، فلا يثبت منها سند هذه الكتب كلها لأنها ما بُيّن فيها أعداد هذه الكتب كلها ولا أسماؤها فكيف يعلم أن الكتب المستعملة في اليهود من العهد العتيق كانت تسعة وثلاثين التي يسلمها الآن فرقة البروتستنت، أو ستة وأربعين التي يسلمها فرقة الكاثلك لأن في هذه الكتب كتاب دانيال أيضاً وكان اليهود معاصر والمسيح وكذا المتأخرون منهم غير يوسيفس لا يسلمونه إلهامياً، بل ما كانوا يعترفون بنبوة دانيال أيضاً، ويوسيفس المؤرخ الذي هو معتبر عند المسيحيين ومن علماء اليهود المتعصبين، وكان بعد المسيح عليه السلام، يعترف في تاريخه بهذا القدر فقط يقول: "ليس عندنا كتب ألوف يناقض بعضها بعضاً بل عندنا اثنان وعشرون كتاباً فقط فيها أحوال الأزمنة الماضية، وهي إلهامية منها خمسة لموسى فيها بيان العالم من ابتداء الخلق إلى موت موسى، وثلاثة كتاب كتبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 الأنبياء فيها أحوال أزمنتهم من موت موسى عليه السلام إلى زمان السلطان أردشير، والباقي أربعة كتب مشتملة على حمد الله وثنائه" فلا يثبت من شهادته حقية هذه الكتب المتداولة لأنه بيَّن غير التوراة سبعة عشر كتاباً، وعند فرقة الكاثلك واحد وأربعون كتاباً، ومع ذلك لم يعلم أن أي كتاب من هذه الكتب كان داخلاً في سبعة عشر، لأن هذا المؤرخ نسب إلى حزقيال سوى كتابه المشهور كتابين آخرين أيضاً في تاريخه، فالظاهر أن هذين الكتابين وإن لم يوجدا الآن كانا عنده داخلين في سبعة عشر، وقد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث أن كريزاستم وعلماء الكاثلك يعترفون أن اليهود ضيّعوا كتباً لأجل غفلتهم، بل لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا البعض وأحرقوا البعض، فيجوز أن تكون هذه الكتب داخلة في سبعة عشر بل أقول الكتب التي أفصِّلها الآن لا مجال لفرقة البروتستنت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 ولا لفرقة الكاثلك ولا لغيرهما أن ينكروا فقدانها من العهد العتيق، فيجوز أن يكون أكثرها داخلاً في سبعة عشر والكتب المفقودة هذه: " (الأول) سفر حروب الرب الذي جاء ذكره في الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد، وقد عرفت في الشاهد العاشر من المقصد الثاني وفي تفسير هنري واسكات "الغالب أن موسى كتب هذا السفر لتعليم يوشع وكان فيه بيان حدود أرض مواب" (والثاني) كتاب اليسير الذي جاء ذكره في الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من كتاب يوشع كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثاني، وكذا جاء ذكره في الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني (والثالث والرابع والخامس) ثلاثة كتب لسليمان عليه السلام أحدُها ألف وخمسة زبورات، وثانيها تاريخ المخلوقات، وثالثها ثلاثة آلاف أمثال، وشيء من هذه الأمثال إلى الآن باق أيضاً كما ستعرف، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من الباب الرابع من سفر الملوك الأول، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل شرح الآية الثانية والثلاثين في حق الأمثال والزبورات: "الأمثال التي تنسب الآن إلى سليمان تسعمائة أو تسعمائة وعشرون تخميناً، وإن سُلم قول البعض إن الأبواب التسعة من أول الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه السلام فستمائة وخمسون تخميناً وبقي من ألف وخمسة زبورات نشيد الإنشاد فقط إن قلنا إنَّ الزبور السابع والعشرين الذي بعد المائة المكتوب على عنوانه اسم سليمان ليس بداخل فيها، والأصح أن الزبور المذكور صنفه أبوه داود لأجل تعليمه" ثم قال في شرح الآية الثالثة والثلاثين في حق تاريخ المخلوقات: "حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات فقداناً أبدياً" (السادس) كتاب قوانين السلطنة تصنيف صموئيل الذي جاء ذكره في الآية الخامسة والعشرين من الباب العاشر من سفر صموئيل الأول، (السابع) تاريخ صموئيل، و (الثامن) تاريخ ناثان النبي، و (التاسع) تاريخ جدّ الرائي الغيب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثلاثين من الباب التاسع والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1522 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب مفقودة". (العاشر) كتاب سمعيا، و (الحادي عشر) كتاب عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية الخامسة عشرة من الباب الثاني عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام، و (الثاني عشر) كتاب أحيا النبي، و (الثالث عشر) مشاهدات عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية التاسعة والعشرين من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام، وفي هذه الآية ذكر تاريخ ناثان النبي أيضاً، قال آدم كلارك في الصفحة 1539 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب كلها مفقودة"،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 و (الرابع عشر) كتاب يا هو النبي ابن حناتي وجاء ذكره في الآية الرابعة والثلاثين من الباب العشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1562 من المجلد الثاني: "هذا الكتاب الآن مفقود رأساً، وإن كان موجوداً في وقت تأليف السفر الثاني من أخبار الأيام" (الخامس عشر) كتاب أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان عزياه من الأول إلى الآخر، وجاء ذكره في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1573 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب مفقود رأساً" (السادس عشر) كتاب مشاهدات أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان حزقياه مكتوباً بالتفصيل، وجاء ذكره في الآية الثانية والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 (السابع عشر) مرثية أرمياء النبي على يوشياه، وجاء ذكرها في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في شرح هذه الآية: "هذه المرثية مفقودة الآن"، وفي تفسير دوالي ورجردمينت: "هذه المرثية مفقودة الآن ولا يمكن أن تكون هذه المرثية مرثيته المشهورة لأن المشهورة على حادثة أورشليم، وموت صدقياه، وهذه كانت على موت يوشياه" (الثامن عشر) كتاب تواريخ الأيام، وجاء ذكره في الآية الثالثة من الباب الثاني عشر من كتاب نحميا قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب لا يوجد في الكتب التي هي عندنا لأنه لا يوجد فيها الفهرست الكذائي بل كان هذا كتاباً آخر هو مفقود الآن"، و (التاسع عشر) سفر العهد لموسى الذي جاء ذكره في الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج، (والعشرون) كتاب أعمال سليمان الذي جاء ذكره في الآية الحادية والأربعين من الباب الحادي عشر من كتاب سلاطين الأول، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 وقد عرفت أن يوسيفس ينسب إلى حزقيال كتابين آخرين غير كتابه المشهور، وهو مؤرخ معتبر عند المسيحيين، فحينئذ صارت الكتب المفقودة اثنين وعشرين ولا تقدر فرقة البروتستنت أيضاً على إنكارها، وقال طامس أنكلس من علماء الكاثلك في كتابه المسمى بمرآة الصدق وهو بلسان الهند، وطبع في سنة 1851: "اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين". (تنبيه) بعض البشارات المنقولة عن أهل الكتاب توجد في الكتب الإسلامية القديمة، ولا توجد الآن في الكتب المسلمة عندهم، فلعلها كانت موجودة في هذه الكتب المفقودة - نعم يثبت بشهادة يوسيفس أن خمسة كتب كانت منسوبة إلى موسى في عهده لكن لا يعلم أن هذه الخمسة المتداولة الآن بل الظاهر خلافه، لأنه يخالف هذه الكتب كما عرفت في الشاهد الأول والثاني من المقصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 الأول، وهو يهودي متعصب، فلا يتصوّر أن يخالف التوراة بلا ضرورة مع اعتقاده بأنه كلام الله، وأقول ثالثاً لو سلمنا أن هذه الكتب المتداولة كانت في عهد المسيح، وشهد هو والحواريون لها قلنا: إن مقتضى شهادتهم هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت عند اليهود في ذلك الوقت سواء كانت تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم أو لم تكن، وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو يكون بعضها صادقاً وبعضها كاذباً، وليس مقتضاها أن كل كتاب تصنيف المنسوب إليه، وأن كل حال مندرج فيها صادق البتة، بل لو نقل المسيح والحواريون شيئاً عن هذه الكتب لا يلزم عن مجرد نقلهم صدق المنقول، بحيث لا يحتاج إلى تحقيقه - نعم لو صرح المسيح في جزء من أجزائها أو حكم من أحكامها أنه من عند الله وثبت تصريحه أيضاً بالتواتر، فيكون صادقاً ألبتة، وما سواه مشكوك محتاج إلى التحقيق، ولا أقول هذا برأيي واجتهادي، بل محققو فرقة البروتستنت رجعوا إليه آخر الأمر وإلا ما كان لهم ملجأ أو مفر من أيدي الذين يسمونهم ملحدين، وامتلأت ديار أوربا من وجودهم، قال محقق فرقة البروتستنت بيلي في الباب الثالث من القسم الثالث من كتابه المطبوع سنة 1850 في بلدة لندن: "لا ريب أن شفيعنا قال إن التوراة من جانب الله وأنا أستبعد أن يكون ابتداؤه ووجوده من غير الله سيما إذا لاحظنا أن اليهود الذين كانوا في المذهب رجالاً وفي الأشياء الأخر مثل فن الحرب والصلح أطفالاً كانوا لاصقين بالتوحيد، وكانت مسائلهم في ذات الله وصفاته جيدة، وكان الناس الآخرون قائلين بالآلهة الكثيرة، ولا ريب أن شفيعنا سلم نبوّة أكثر كاتبي العهد العتيق، ويجب علينا معشر المسيحيين أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 نذهب إلى هذا الحد، وأما أنّ العهد العتيق كله أو كل فقرة منه حقة أو أن كل كتاب منه أو أن تحقيق مؤلفيه واجب ففي هذه الأمور لو جعل الدين المسيحي مدعىً عليه فلا أقول زائداً على هذا إنه إلقاء السلسلة كلها في مصيبة بلا ضرورة، في هذه الصورة هذه الكتب كانت تقرأ عموماً، وكان اليهود المعاصرون لشفيعنا يسلمونها والحواريون واليهود رجعوا إليها واستعملوها لكن لا يثبت من هذا الرجوع والاستعمال غير هذه النتيجة أن المسيح عليه السلام إذا قال صراحة في حق بشارة من البشارات إنها من جانب الله فهي إلهامية، وإلا هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت مشهورة ومسلمة في ذلك الوقت، ففي هذه الصورة الكتب المقدسة لنا شهادة جيدة لكتب اليهود، لكن لا بد أن نفهم خاصية هذه الشهادة، وهذه الخاصية مباينة ألبتة للتي بينت في بعض الأوقات بأنها لكل معاملة خاصة ولاستحكام كل رأي بل لعلة كل أمر مع قياس تلك العلة، قال يعقوب في رسالته: "قد سمعتم صبر أيوب وعلمتم مقصود الرب" مع أن بين العلماء المسيحية نزاعاً ومباحة في حقية أيوب بل في وجوده قديماً، وفهمت شهادة يعقوب لهذا القدر فقط أن هذا الكتاب كان في وقته وكان اليهود يسلمونه وقال بولس في رسالته الثانية إلى تيمو ثاوس "كما أن ياناس ويمبراس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 خالفا موسى وكذا هؤلاء يخالفون الصدق" وهذان الاسمان لم يوجدا في العهد العتيق ولم يعلم أن بولس نقلهما عن الكتب الكاذبة أو علمهما من الرواية لكن أحداً ما تخيل ههنا أن بولس نقل عن الكتاب إن كان هذا الحال مكتوباً، ولا جعل هو نفسه مدعياً عليها لإثبات صدق الرواية فضلاً عن أن يكون مبتلى لأجل هذه السؤالات بحيث يكون تحريره ورسالته موقوفين على تحقيق أن ياناس ويمبراس خالفا موسى أم لا، فلأي أمر تحقق الحالات الأخر، وليس غرضي من هذا التقرير أنه لا يوجد لفقرات تواريخ اليهود شهادة أفضل من شهادة تاريخ أيوب وياناس ويمبراس، بل أني أتخيل على وجه آخر، ومقصودي أنه لا يلزم من نقل فقرة عن العهد العتيق في العهد الجديد صدق تلك الفقرة بحيث لا يحتاج في اعتبارها اعتبار دليلها الخارجي الذي هو مبناها إلى تحقيق ولا جائز أن تقرَّر قاعدة لتواريخ اليهود أن كل قول من كتبهم صادق وإلا تكن جميع كتبهم كاذبة لأن هذه القاعدة ما تقررت لكتاب آخر، وإني علمت بيان هذا الأمر ضرورياً لأجل أن رسم والي تر وتلاميذه من الأيام الماضية غالباً هكذا إنهم يدخلون في إبطِ اليهود ثم يصولون على الملة المسيحية، ونشأ بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 اعتراضاتهم عن بيان المعنى على خلاف نفس الأمر، وبعضها من المبالغة، لكن مبنى اعتراضاتهم هذه أن شهادة المسيح والمعلمين القدماء على رسالة موسى والأنبياء الآخرين تصديق لكل جزء جزء، ولكل قول قول من تواريخ اليهود وضمانة كل حال مندرج في العهد العتيق واجبة على الملة المسيحية" انتهى كلامه. فانظر أيها اللبيب إن كلام محققهم مطابق لكلامي أم لا وما قال إن بين العلماء المسيحية نزاعاً في حقية أيوب بل في وجوده قديماً فأشار إلى الاختلاف القوي لأن رب مماني ديز الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود وكذا ميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم قالوا إن أيوب اسم فرضي، وما كان مسماه في وقت من الأوقات، وكتابه حكاية باطلة، وقصة كاذبة، وكامت ووانتل وغيرهما قالوا إنه كان في نفس الأمر، ثم القائلون بوجوده اختلفوا في زمانه على سبعة أقوال: فقال [1] بعضهم: إنه كان معاصراً لموسى عليه السلام. وقال [2] بعضهم: إنه كان معاصراً للقضاة وبعد يوشع عليه السلام. وقال [3] بعضهم: إنه كان معاصراً لهاسي روس أو أردشير سلطان إيران. وقال [4] بعضهم: إنه كان معاصراً ليعقوب. وقال [5] بعضهم: إنه كان معاصراً لسليمان عليه السلام. وقال [6] بعضهم: إنه كان معاصراً لبختنصر. وقال [7] بعضهم: إنه كان قبل الزمان الذي جاء فيه إبراهيم عليه السلام إلى كنعان، قال هورن من محققي فرقة البروتستنت: "إن خفة هذه الخيالات دليل كاف على ضعفها". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 وكذا اختلفوا في غوط بلده الذي جاء ذكره في الآية الأولى من الباب الأول من كتابه بأنه كان في أي إقليم، على ثلاثة أقوال: فقال بوجارت وأسباهم وكامت وغيرهم إنه في إقليم العرب، وقال ميكايلس وإلجن إنه في شِعْب دمشق، وقال لود وماجي وهيلز وكود وبعض المتأخرين إن غوط اسم أدومية وكذا في مصنف هذا الكتاب بأنه اليهود أو أيوب أو سليمان أو أشعياء أو رجل مجهول الاسم معاصر" للسلطان منسا أو حزقيال أو عزرا أو رجل من آل اليهود أو موسى عليه السلام، ثم اختلف القائلون بالقول الأخير فبعض المتقدمين على أن موسى عليه السلام صنفه في اللسان العبراني، وقال أرجن إنه ترجمه من السرياني إلى العبراني، وكذا اختلفوا في موضع ختم الكتاب كما عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث، ففيه اختلاف من أربعة وعشرين وجهاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 هذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون، وذم القسيس تهيودور الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب ذماً كثيراً، ونقل وارد كاثلك أن الإمام الأعظم لفرقة البروتستنت لوطر قال: "إن هذا الكتاب قصة محضة" فانظروا إن هذا الكتاب الذي هو داخل في الكتب المسلمة عند البروتستنت والكاثلك على تحقيق رب مماني ديز وميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم حكاية باطلة وقصة كاذبة، وعلى رأي تهيودور قابل للذم وعلى رأي إمام فرقة البروتستنت حري بأن لا يلتفت إليه، وعلى قول مخالفيهم لا يتعين المصنف بل ينسبونه رجماً بالغيب إلى أشخاص، فلو فرضنا أنه تصنيف اليهود أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم معاصر لمنسا لا يثبت كونه إلهامياً، وقد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كتاب أستير كان غير مقبول عند القدماء المسيحيين إلى ثلثمائة وأربع وستين سنة، ولا يعلم اسم مصنفه بالقطع أيضاً، ورده ميلتو وكرى ونازي زن واتهاني سيش وأظهر الشبهة عليه ايمْ في لوكْيَس، وكذا حال كتاب نشيد الإنشاد ذمه القسيس تهيودور ذماً كثيراً، كما ذم كتاب أيوب، وسيمن ولكلرك لا يعترفان بصدقه وقال وستن وبعض المتأخرين: هو غناء فِسْقي لا بد أن يخرج من الكتب الإلهامية، وقال سملر: الظاهر أنه كتاب موضوع، ونقل وارد كاثلك أن كاستيليو قال لا بد أن يخرج هذا الكتاب من العهد العتيق". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 وهكذا حال كتب أخر أيضاً فلو كانت شهادة المسيح والحواريين مثبتة لصدق كل جزء جزء من كتب العهد العتيق لما كان لأمثال هذه الاختلافات الفاحشة الواقعة بين العلماء المسيحية سلفاً وخلفاً مَساغٌ أصلاً، فالإنصاف أن ما قال بيلي هو غاية السعي في هذا الباب من جانبهم، وبدون الاعتراف بما قال لا يوجد لهم المفر، كيف لا وقد عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول أن علماء اليهود والمسيحيين متفقون على أن عزرا غلط في السفر الأول من أخبار الأيام، وهذا السفر أيضاً داخل في الكتب التي شهد المسيح حقيتها على زعمهم، فإذا لم يسلموا تحقيق بيلي فماذا يقولون في تصديق هذا الغلط؟، ثم أقول: رابعاً لو سلمنا على فرض التقدير والمحال أن شهادة المسيح والحواريين تصديق لكل جزء جزء ولكل قول قول من هذه الكتب فلا يضرنا أيضاً لأنه قد ثبت أن مذهب جمهور العلماء المسيحيين وجستن واكستاين وكريزاستم من القدماء ومذهب كافة الكاثلك وسلبر جيس ودكتر كريب ووائي يتكر وآي كلارك وهمفري وواتسن من علماء البروتستنت أن اليهود حرّفوا الكتب بعد المسيح والحواريين، كما عرفت في الهداية الثالثة مفصلاً. وكافة علماء البروتستنت أيضاً يضطرون في أكثر المواضع، ويقولون: إن اليهود حرّفوا كما عرفت في المقاصد الثلاثة فالآن نسألهم: إن المواضع التي يقرون بالتحريف فيها أكانت محرفة زمان المسيح عليه السلام والحواريين ومع ذلك شهدوا بصدق كل جزء جزء وقول قول من هذه الكتب أو لم تكن كذلك بل حرفت بعدهم؟، والأول أمر لا يجترئ عليه من له ديانة، والثاني لا ينافي الشهادة، وهو المقصود فلا تضر الشهادة للتحريف الذي وقع بعدها وما قالوا لو ثبت التحريف من اليهود لألزمهم المسيح على هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 الفعل (أقول) على مذاق جمهور القدماء من المسيحيين لا مساغ لهذا الكلام، بل وقع التحريف في عهدهم وكانوا يلزمونهم ويوبخونهم، ولو قطعنا النظر عن مذاقهم فأقول: إن الإلزام ليس بضروري على مذهبهم، ألا ترون أن النسخة العبرانية والسامرية مختلفتان في كثير من المواضع اختلافاً موجباً لكون أحدهما غلطاً محرفاً ألبتة، ومن هذه المواضع موضع مر ذكره في الشاهد الثالث من المقصد الأول، وبين الفريقين نزاع سلفاً وخلفاً يدعي كل منهما أن المحرف الفريق الآخر، ودكتر كني كات ومتبعوه على أن الحق مع السامريين، وجمهور علماء البروتستنت على أن الحق مع اليهود، ويزعمون أن السامرية حرفوا هذا الموضع بعد موت موسى عليه السلام بخمسمائة سنة، فهذا التحريف على زعمهم صدر عن السامرية قبل ميلاد المسيح بتسعمائة وإحدى وخمسين سنة، وما ألزم المسيح ولا الحواريون السامريين ولا اليهود، بل سألت امرأة سامرية عن المسيح في هذا الباب خاصة فما ألزم قومها بل سكت وسكوته في هذا الوقت مؤيد للسامريين، ولذلك استدل دكتر كني كات بهذا السكوت وقال: إن السامريين ما حرّفوا بل اليهودُ هم المحرِّفون كما عرفت في الشاهد الثاني والثالث من المقصد الأول، وكذا من المواضع المذكورة هذا الموضع إنه يوجد حكم واحد زائد على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 الأحكام العشرة في السامرية بالنسبة إلى العبرانية، وفيه نزاع أيضاً سلفاً وخلفاً، وما ألزم المسيح ولا الحواريون أحد الفريقين. (المغالطة الثالثة) إن اليهود والمسيحيين أيضاً كانوا من أهل الديانة كما تدعون في حقكم فيبعد أن يتجاسر أهل الديانة على مثل هذا الأمر القبيح (أقول) : جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، وإذا وقع التحريف بالفعل يقيناً، وأقرّ به علماؤهم سلفاً وخلفاً فما بقي لقول المغالط، فيبعد أن يتجاسر إلى آخر محل بل كان هذا الأمر في القدماء من اليهود والمسيحيين بمنزلة المستحبات الدينية بحسب المقولة المشهورة التي مر نقلها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى. (المغالطة الرابعة) إن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقاً وغرباً فلا يمكن التحريف لأحد كما لا يمكن في كتابكم (أقول) : جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، فإذا وقع التحريف بالفعل بإقرارهم فأي محل لعدم إمكانه، وقياس هذه الكتب على القرآن المجيد قياس مع الفارق لأن هذه الكتب قبل إيجاد صنعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 الطبع كانت قابلة للتحريف، وما كان اشتهارها بحيث يكون مانعاً عن التحريف، ألا ترى كيف حرف اليهود وملحدو المشرق على ما أقرت به فرقة البروتستنت وفرقة الكاثلك الترجمة اليونانية، مع أن اشتهارها شرقاً وغرباً كان أزيد من اشتهار النسخة العبرانية، وكيف أثر تحريفهم كما علمت في القول التاسع عشر من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى بخلاف القرآن المجيد فإن اشتهاره وتواتره كانا في كل قرن من القرون مانِعَيْن عن التحريف، والقرآن في كل طبقة كما كان محفوظاً في الصحائف فكذا كان محفوظاً في صدور أكثر المسلمين، ومن كان شاكاً في هذا الباب فليجرب في هذا الزمان أيضاً لأنه لو رأى المجرب في الجامع الأزهر فقط من جوامع مصر وجد في كل وقت أكثر من ألف شخص يكونون حافظين للقرآن كله على سبيل التجويد التام، ووجد كل قرية صغيرة من قرى الإسلام من مصر لا تخلو عن الحفاظ، ولا يوجد في جميع ديار أوربا في هذه الطبقة من المسيحيين مع فراغ بالهم وتوجههم التام إلى العلوم والصنائع وكونهم أكثر من المسلمين عدداً عدد حفاظ الإنجيل بحيث يساوي عدد الحفاظ الموجودين في الجامع الأزهر فقط، بل لا يكون عددهم في جميع ديار أوربا يبلغ عشرة، ونحن ما سمعنا أحداً أيضاً يكون حافظاً لجميع الإنجيل فقط في هذه الطبقة فضلاً أن يكون حافظاً للتوراة وغيره أيضاً، فجميع ديار أوربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 من المسيحيين في هذا الباب ليسوا في مقابلة قرية صغيرة من قرى مصر، وليس الكبار من القسيسين في هذا الأمر خاصة في مقابلة الحمارين والبغالين من أهل مصر، وكان عُزَيْز النبي عليه السلام يُمْدَحُ بحفظ التوراة في أهل الكتاب، ويوجد في الأمة المحمدية في هذه الطبقة أيضاً مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار أزيد من مائة ألف من حفاظ القرآن في جميع ديار الإسلام، وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولكتابهم، وهذا الأمر أيضاً معجزة لنبيهم ترى في كل طبقة من الطبقات. (حكاية) جاء يوماً أمير من أمراء الإنكليز في مكتب في بلدة سهار تفور من بلاد الهند ورأى الصبيان مشتغلين بتعلم القرآن وحفظه، فسأل المعلم: أي كتاب هذا. فقال: القرآن المجيد، فقال الأمير: أحفظ أحد منهم القرآن كله؟، فقال المعلم: نعم، وأشار إلى عدة منهم فلما سمع استبعد فقال: اطلب واحداً منهم وأعطني القرآن أمتحن، فقال المعلم: اطلب أيهم شئت فطلب واحداً منهم كان ابن ثلاثة عشرة أو أربعة عشر وامتحنه في مواضع فلما تيقن أنه حافظ لجميع القرآن تعجب، وقال: أشهد أنه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن، يمكن كتابته من صدر صبي من الصبيان مع غاية صحة الألفاظ، وضبط الأعراب. وأنا أورد عليك ذكر أموراً يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم (الأمر الأول) كان موسى عليه السلام كتب نسخة التوراة وسلمها إلى الأحبار وسائر كبراء بني إسرائيل وأوصاهم بمحافظتها ووضعها في جنب صندوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 الشهادة وإخراجها إلى الناس بعد كل سبعة سبعة من السنين في يوم العيد لأجل سماع بني إسرائيل، فكانت هذه النسخة موضوعة في جنب الصندوق وكانت الطبقة الأولى على وصية موسى عليه السلام، فلما انقرضت هذه الطبقة تغير حال بني إسرائيل فكانوا يرتدون تارة ويُسْلمون أخرى، وهكذا كان حالهم إلى أول سلطنة داود عليه السلام، وحسنت حالهم في تلك السلطنة وصَدْرَ سلطنة سليمان عليه السلام وكانوا مؤمنين، لكن لأجل الانقلابات المذكورة ضاعت تلك النسخة الموضوعة في جنب الصندوق، ولا يُعْلم جزماً متى ضاعت ولما فتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 سليمان الصندوق في عهده ما وجد فيه غير اللَّوْحين اللذين كانت الأحكام العشرة فقط مكتوبة فيهما كما هو مصرح في الآية التاسعة من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وهي هكذا: "ولم يكن في التابوت إلا اللوحان الحجريان اللذان وضعهما موسى بحوريت حيث عاهد الرب بني إسرائيل وأخرجهم من أرض مصر" ثم وقع الانقلاب العظيم في آخر سلطنة سليمان عليه السلام على ما تشهد به كتبهم المقدسة بأن ارتد سليمان والعياذ بالله تعالى في آخر عمره بترغيب الأزواج وعَبَد الأصنام وبنى المعابد لها، فإذا صار مرتد أو وثنياً ما بقي له غرض بالتوراة، وبعد موته وقع انقلاب أعظم وأشد من الأول بأن تفرق أسباط بني إسرائيل وصارت السلطنة الواحدة سلطنتين، فصارت عشرة أسباط في جانب والسبطان في جانب، وصار يوربعام سلطاناً على عشرة أسباط وسميت تلك السلطنة الإسرائيلية، وصار رحبعام بن سليمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 سلطاناً على السبطين وسميت تلك السلطنة سلطنة يهودا، وشاع الكفر والارتداد بين السلطنتين لأن يوربعام بعد ما جلس على سرير السلطنة ارتد، وارتدت الأسباط العشرة معه، وعبدوا الأصنام، ومن بقي منهم على ملة التوراة من الكهنة هاجر إلى مملكة يهودا، فهذه الأسباط من هذا العهد إلى مائتين وخمسين سنة كانوا كافرين عابدين الأصنام ثم أبادهم الله بأن سلط الأسوريين عليهم فأسروهم وفرقوهم في الممالك، وما أبقوا في تلك المملكة إلا شرذمة قليلة، وعمروا تلك المملكة من الوثنيين فاختلطت هذه الشرذمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 القليلة بالوثنيين اختلاطاً شديداً، فتزاوجوا وتناكحوا وتوالدوا وسميت أولادهم السامريين فمن عهد يوربعام إلى آخر السلطنة الإسرائيلية ما كان لهذه الأسباط غرض بالتوراة، وكان وجود نسخ التوراة في تلك المملكة كوجود العنقاء. هذا حال الأسباط العشرة والسلطنة الإسرائيلية. وجلس على سرير سلطنة يهودا من بعد موت سليمان عليه السلام إلى ثلثمائة واثنتين وسبعين سنة عشرون سلطاناً، وكان المرتدون من هؤلاء السلاطين أكثر من المؤمنين، وشاع عبادة الأصنام في عهد رحبعام، ووضعت تحت كل شجرة وعُبدت، وفي عهد آخذ بنيت المذابح للبعل في كل جانب وناحية من بلدة أورشليم، وسدت أبواب بيت المقدس وكان قبل عهده نهب أورشليم وبيت المقدس مرتين ففي المرة الأولى تسلط سلطان مصر ونهب جميع أثاث بيت الله وبيت السلطان، وفي المرة الثانية تسلط سلطان إسرائيل المرتد ونهب بيت الله وبيت السلطان نهباً شديدثم اشتد الكفر في عهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 منسا حتى صار أكثر أهل تلك المملكة وثنيين وبنى مذبح الأصنام في فناء بيت المقدس، ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس، وهكذا كان حال الكفر في عهد آمون ابنه، ولما جلس يوشيا بن آمون على سرير السلطنة تاب إلى الله توبة نصوحاً، وكان هو وأراكينه متوجهين لترويج الملة الموسوية، وهدم رسوم الكفر والشرك في غاية الجد والاجتهاد، ولكنه مع ذلك ما رأى أحد ولا سمع وجود نسخة التوراة إلى سبع عشرة سنة من سني سلطنته، ثم ادعى حلقيا الكاهن في العام الثامن عشر من سلطنته أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس وأعطاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 شافان الكاتب، فقرأ على يوشيا فلما سمع يوشيا مضمونه شق ثيابه لأجل الحزن على عصيان بني إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الثاني، والباب الرابع والثلاثين والسفر الثاني من أخبار الأيام، لكن لا يعتمد على هذه النسخة، ولا على قول حلقيا لأن البيت نهب مرتين قبل عهد آخذ، ثم جعل بيت الأصنام وسدنة الأصنام كانوا يدخلون البيت كل يوم، وما سمع أحد إلى سبعة عشرة عاماً من سلطنة يوشيا أيضاً اسم التوراة، ولا رآه، مع أن السلطان والأمراء والرعايا كانوا في غاية الاجتهاد لاتباع الملة الموسوية، وكانت الكهنة يدخلون كل يوم إلى هذه المدة، فالعجب كل العجب أن تكون النسخة في البيت ولا يراها أحد، فهذه النسخة ما كانت إلا من مخترعات حلقيا فإنه لما رأى توجه السلطان والأراكين إلى اتباع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 الملة الموسوية، جمعها من الروايات اللسانية التي وصلت إليه من أفواه الناس سواء كانت صادقة أو غير صادقة، وكان إلى هذه المدة في جمعها وتأليفها، فبعد ما جمع نسب إلى موسى عليه السلام، ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملة وإشاعة الحق كان من المستحبات الدينية عند متأخري اليهود وقدماء المسيحيين كما عرفت، لكني أقطع النظر ههنا عن هذا وأقول إنه وجدت نسخة التوراة في العام الثامن عشر من سلطنة يوشيا وبقيت معمولة إلى ثلاث عشرة سنة مدة حياته، ولما مات وجلس ياهوحاز على سرير السلطنة ارتد وأشاع الكفر وتسلط عليه سلطان مصر وأسره وأجلس أخاه على سرير السلطنة، وهو كان مرتداً أيضاً كأخيه ولما مات جلس ابنه على السرير وكان مرتداً كأبيه وعمه، وأسره بختنصَّر مع جم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 غفير من بني إسرائيل ونهب بيت المقدس، وكنز بيت الملك، وأجلس عمه على سرير السلطنة، وكان مرتداً أيضاً مثل ابن أخيه - فإذا علمت هذا فأقول: إن تواتر التوراة في اليهود عندي منقطع قبل زمان يوشيا والنسخة التي وجدت في عهده لا اعتماد عليها ولا يثبت بها التواتر، ومع ذلك ما كانت معمولة إلا إلى ثلاث عشرة سنة، وبعدها لم يعلم حالها. والظاهر أنه لما رجع الارتداد والكفر بين أولاد يوشيا زالت قبل حادثة بختنصر وكان وجودها بين أزمنة الارتداد كالطهر المتخلل بين الدمين، ولو فرض بقاؤها أو بقاء نقلها فالمظنون زوالها في حادثة بختنصَّر وهذه الحادثة هي الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 (الأمر الثاني) لما بغى هذا السلطان الذي أجلسه بختنصر عليه فأسره وذبح أولاده قدام عينيه أولاً، ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله إلى بابل وأحرق بيت الله وبيت الملك وجميع بيوت أورشليم وكل منزل جليل وجميع بيوت الكبراء أحرقها بالنار، وهدم سور أورشليم وأسر سائر شعوب بني إسرائيل وسباهم، وعمر تلك المملكة من مساكين الأرض وضعفائها كرّامين وفلاحين، وهذه هي الحادثة الثانية لبختنصر، وفي هذه الحادثة انعدم التوراة وكذا جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنفة قبل هذه الحادثة عن صفحة العالم رأساً، وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أيضاً كما عرفت مفصلاً في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول. (الأمر الثالث) لما كتب عزرا عليه السلام كتب العهد العتيق مرة أخرى على زعمهم ووقعت حادثة أخرى جاء ذكرها في الباب الأول من الكتاب الأول للمقابيين هكذا: "لما فتح انتيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أي مكان بعد ما قطعها وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد العتيق أو يؤدي رسم الشريعة يقتل، وكان تحقيق هذا الأمر في كل شهر فكان يقتل من وجد عنده نسخة من كتب العهد العتيق، أو ثبت أنه أدى رسماً من رسوم الشريعة وتعدم تلك النسخة" انتهى ملخصاً،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 وكانت هذه الحادثة قبل ميلاد المسيح بمائة وإحدى وستين سنة، وكانت ممتدة إلى ثلاث سنين ونصف كما فصلت في تواريخهم وتاريخ يوسيفس، فانعدمت في هذه الحادثة جميع النسخ التي كتبها عزرا كما عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من كلام جان ملنر كاثلك "لما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضاً في حادثة أنتيوكس" انتهى ثم قال جان ملنر: "فلم تكن شهادة لصداقة هذه الكتب ما لم يشهد المسيح والحواريون" (أقول) قد عرفت حال هذه الشهادة في جواب المغالطة الثانية. (الأمر الرابع) وقعت على اليهود بعد هذه الحادثة المذكورة حوادث أخرى أيضاً من أيدي ملوك الفرنج انعدمت فيها نقول عزرا ونسخ لا تحصى، ومنها حادثة طيطوس الرومي وهي حادثة عظيمة وقعت بعد عروج المسيح بسبع وثلاثين سنة، وهذه الحادثة مكتوبة بالتفصيل التام في تاريخ يوسيفس وتواريخ أخرى، وهلك في هذه الحادثة من اليهود في أورشليم ونواحيه ألف ألف ومائة ألف بالجوع والنار والسيف والصلب، وأسر سبعة وتسعون ألفاً وبيعوا في الأقاليم المختلفة، وهلك جموع كثيرة في أقطار أرض اليهودية أيضاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 (الأمر الخامس) أن القدماء المسيحيين ما كانوا ملتفتين إلى النسخة العبرانية من العهد العتيق بل جمهورهم كانوا يعتقدون تحريفها وكانت الترجمة اليونانية معتبرة عندهم سيما إلى آخر القرن الثاني من القرون المسيحية فإنه لم يلتفت أحد منهم إلى النسخة العبرانية، وكانت هذه الترجمة مستعملة في جميع معابد اليهود أيضاً إلى آخر القرن الأول فكانت نسخ العبرانية لهذا الوجه أيضاً قليلة، ومع كونها قليلة كانت عند اليهود كما ظهر لك في الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى. (الأمر السادس) إن اليهود أعدموا نسخاً كتبت في المائة السابعة والثامنة لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ولذلك ما وصلت إلى مصححي العهد العتيق النسخة المكتوبة في هاتين المائتين فبعد ما أعدموا بقيت النسخ التي كانوا يرضون بها فكان لهم مجال واسع للتحريف كما عرفت في القول العشرين من الهداية المذكورة. (الأمر السابع) كان في المسيحيين أيضاً في الطبقات الأول أمر موجب لقلة النسخ وإمكان تحريف المحرفين، لأن تواريخهم تشهد بأنهم إلى ثلثمائة سنة كانوا مبتلين بأنواع المحن والبلايا ووقع عليهم عشر قتلات عظيمة (الأول) في عهد السلطان نيرون في سنة 64 واستشهد فيه بطرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 الحواري وزوجته، وقتل بولس أيضاً، وكان هذا القتل في دار السلطنة وإيالاته، وبقي الحال هكذا إلى حياة هذا السلطان وكان الإقرار بالمسيحية يُعَدُّ جرماً عظيماً في حق المسيحيين (والثاني) في عهد السلطان دومشيان وكان هذا السلطان مثل نيرون عدواً للملة المسيحية فأمر بالقتل فظهر القتل العام الذي حصل منه خوف استئصال هذه الملة وأجلى يوحنا الحواري وقتل فليوبس كليمنس (والثالث) في عهد السلطان ترجان وكان ابتداؤه سنة 101 وبقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 الحال هكذا إلى ثماني عشرة سنة، وقتل فيه إكناسش أسقف كورنتيه، وكليمنت أسقف الروم، وشمعون أسقف أورشليم (والرابع) في عهد السلطان مرقس أنتونيس وكان ابتداؤه سنة 161 وبقي الحال هكذا إلى أزيد من عشر سنين، وبلغ القتل شرقاً وغرباً وكان هذا السلطان فلسفياً مشهوراً متعصباً في الوثنية (والخامس) في عهد السلطان سويرس وكان ابتداؤه سنة 202 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 وقتل ألوف في مصر وكذا في ديار فرانس وكارتهيج، وكان القتل في غاية الشدة بحيث ظن المسيحيون أن هذا الزمان زمان الدجال (والسادس) في عهد السلطان مكسيمن وكان ابتداؤه سنة 237 وصدر أمره وقتل فيه أكثر العلماء لأنه ظن أنه إذا قتل أهل العلم جعل العوام مطيعين في غاية السهولة، وقتل فيه البابا بونتيانوس والبابا انتيروس (والسابع) في عهد السلطان دي شس سنة 253 وأراد هذا السلطان استئصال الملة المسيحية، فصدر أوامره إلى حكام الإيالات وارتد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 في هذه الحادثة بعض المسيحيين، وكان مصر وأفريكا وإتالي والمشرق مواضع تفرج ظلمه (والثامن) في عهد السلطان ولريان سنة 257 وقتل فيه ألوف، ثم صدر أمره في غاية الشدة بأن يقتل الأساقفة وخدام الدين، ويذل الأعزة وتؤخذ أموالهم، فلو بقوا بعد هذا أيضاً مسيحيين يقتلون، وتسلب أموال النساء الشرائف ويجلين من الأوطان، ويؤخذ المسيحيون الباقون عبيداً ويحبسون ويلقى في أرجلهم سلاسل ويستعملون في أمور الدولة (التاسع) في عهد السلطان أريلين وكان ابتداؤه سنة 274 وصدر أمره لكن ما قتل فيه كثير لأن السلطان قد قتل (والعاشر) في سنة 302 وامتلأت الأرض شرقاً وغرباً في هذا القتل وأحرقت بلدة فريجيا كلها دفعة واحدة بحيث لم يبق فيها أحد من المسيحيين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 فهذه الوقائع لو كانت صادقة كما يدعون لا يتصور فيها كثرة النسخ ولا محافظة الكتب كما ينبغي ولا تصحيحها ولا تحقيقها، ويكون للمحرفين في أمثال هذه الأوقات مجال كثير للتحريف، وقد عرفت في جواب المغالطة الأولى أن الفرق الكثيرة المبتدعة من المسيحيين قد كانوا في القرن الأول وكانوا يحرفون. (الأمر الثامن) أراد يوكليشين أن يمحو وجود الكتب المقدسة لهم عن صفحة العالم واجتهد في هذا الباب وأمر في سنة 303 بهدم الكنائس وإحراق الكتب وعدم اجتماع المسيحيين للعبادة فهدمت الكنائس وأحرق كل كتاب حصل له بالجد التام، ومن أبى أو ظُن أنه أخفى كتاباً عُذِّب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 عذاباً شديداً وامتنعوا عن الاجتماع للعبادة كما هو مصرح به في تواريخهم. وقال لاردن في الصفحة 522 من المجلد السابع من تفسيره: "صدر أمر يوكليشين في شهر مارج من السنة التاسعة عشرة من جلوسه أن يهدم الكنائس ويحرق الكتب المقدسة" ثم قال: "يقول يوسى بيس بالحزن التام إنه رأى بعينيه أن الكنائس هدمت والكتب المقدسة أحرقت في الأسواق" ولا أقول إن النسخ كلها بإعدامه انعدمت عن صفحة العالم، لكن لا شك أنها قلت جداً وضاعت من النسخ الغير المحصورة النفيسة الصحيحة، لأن كثرة المسيحيين وكثرة كتبهم كما كانت في مملكته ودياره ما كانت بمنزلة عشرها في غيرها، وانفتح باب التحريف ولا عجب أن انعدم بعض الكتب رأساً أيضاً، ويكون الموجود باسمه بعده جعلياً مختلقاً، لأن هذا الأمر قبل إيجاد صنعة الطبع كان أمراً ممكناً كما علمت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أن النسخ المخالفة لنسخة اليهود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 انعدمت رأساً بإعدامهم بعد المائة الثامنة، وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن أصل التفسير المنسوب إلى تي شن انعدم، والمنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكهم حق" وقال واتسن في المجلد الثالث من كتابه: "كان التفسير المنسوب إلى تي شن موجوداً في عهد تهيودورت، وكان يقرأ في كل كنيسة، لكن تهيودورت أعدم جميع نسخه ليقيم الإنجيل مقامه" انظروا كيف انعدم هذا التفسير عن صفحة العالم بإعدام تهيودورت وكيف اخترع واختلق المسيحيون بدله، ولا شك أن اقتدار ديوكليشين الذي ملك ملوك الفرنج أزيد من اقتدار اليهود، وكذا زمان إعدامه كان أقرب من زمان إعدامهم، وكذا اقتداره أزيد من اقتدار تهيودورت، فلا استبعاد أن ينعدم بعض كتب العهد الجديد بحادثة ديوكليشين والحوادث التي ظهرت في عهد السلاطين المذكورين الذين كانوا ملوك الملوك في عهدهم، ثم يكون الموجود باسمه مختلقاً كما سمعت في تفسير تي شن، والاهتمام إلى اختلاق بعض كتب العهد الجديد كان أهم عندهم من اختلاق التفسير المذكور، وكانت المقولة المقبولة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى حاكمة باستحسان هذا الاختلاق واستحبابه، ولأجل الحوادث المذكورة في هذه الأمور الثمانية المسطورة فقدت الأسانيد المتصلة بكتبهم ولا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد لا عند اليهود ولا عند المسيحيين، كما عرفت نبذاً منه، وطلبنا مراراً من القسيسين العظام السند المتصل فما قدروا عليه واعتذر بعض القسيسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال إن سبب فقدان الإسناد عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، ونحن تصفحنا كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها غير الظن والتخمين، وبهذا القدر لا يثبت السند. (المغالطة الخامسة) إن بعض نسخ الكتب المقدسة التي كتبت قبل زمان محمد صلى الله عليه وسلم موجودة إلى الآن عند المسيحيين وهذه النسخ موافقة لنسخنا أقول: أولاً إن في هذه المغالطة دعوتين الأولى أن هذه النسخ الموجودة كتبت قبل محمد صلى الله عليه وسلم، والثانية أنها موافقة لنسخنا وكلتاهما غير صحيحتين. أما الأولى فلأنك قد عرفت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أنه لم يصل إلى مصححي العهد العتيق نسخة عبرانية كتبت في المائة السابعة والثامنة، بل لم تصل إليهم نسخة عبرانية كاملة تكون مكتوبة قبل المائة العاشرة، لأن النسخة القديمة التي حصلت لكني كات هي نسخة تسمى بكودكس لاديانوس وقال إنها كتبت في المائة العاشرة، وقال موشيودي روسي إنها كتبت في المائة الحادية عشرة، ولما طبع واندرهوت النسخة العبرانية بادعاء التصحيح الكامل خالف هذه النسخة في أربعة عشر ألف موضع، منها أزيد من ألفي موضع في التوراة فقط فانظر إلى كثرة غلطها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 وأما نسخ الترجمة اليونانية فثلاث منها قديمة عندهم جداً الأولى كودكس اسكندر يانوس، والثانية كودكس واطيكانوس، والثالثة كودكس أفريمي والأولى موجودة في لندن، وكانت هذه النسخة عند المصححين في المرتبة الأولى من النسخ معلمة بعلامة الأول، والثانية موجودة في بلدة روما من إقليم إطالية، وكانت عند المصححين في المرتبة الثانية ومعلمة بعلامة الثاني، والثالثة موجودة في بلدة بارس، وفيها كتب العهد الجديد فقط، وليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 فيها كتاب من كتب العهد العتيق، ولا بد من بيان حال هذه النسخ الثلاث فأقول: قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان كودكس اسكندر يانوس: "هذه النسخة في أربعة مجلدات، ففي المجلدات الثلاثة الأولى الكتب الصادقة والكاذبة من كتب العهد العتيق، ويوجد في المجلد الرابع العهد الجديد، والرسالة الأولى لكليمنت إلى أهل قورنثيوس والزبور الكاذب المنسوب إلى سليمان عليه السلام" ثم قال: "وتوجد قبل الزبور رسالة انهاني سيش، وبعده فهرست ما يقرأ في صلاة كل ساعة ساعة من الليل والنهار، وأربعة عشرة زبوراً إيمانياً الحادي عشر منها في نعت مريم رضي الله عنها، وبعضها كاذبة وبعضها مأخوذة من الإنجيل، ودلائل يوسي بيس مكتوبة على الزبورات وقوانينه على الأناجيل، وبالغ البعض في مدح هذه النسخة والبعض الآخرون في ذمها، ورئيس أعدائها وتستين وفي قدامتها كلام فظن كريب وشلز هكذا: لعل هذه النسخة كتبت في آخر المائة الرابعة، وقال ميكايلس هو حَدُّ قدامتها، ولا يمكن أن يفرض أقدم منه، لأن رسالة انهاني سيش توجد فيها، وفهم أودن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 أنها كتبت في القرن العاشر، وقال وتستين إنها كتبت في القرن الخامس وظن هكذا لعل هذه نسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية سنة 615 لأجل الترجمة السريانية، وفهم داكتر سملر أنها كتبت في القرن السابع، وقال مونت فاكن لا يمكن أن يقال جزماً في حق نسخة من نسخ اسكندر يانوس كانت أو غيرها إنها كتبت قبل القرن السادس، وقال ميكايلس إنها كتبت في زمان صار لسان أهل مصر فيه لساناً عربياً، يعني بعد مائة أو مائتين من تسلط المسلمين على اسكندرية، لأن كاتبه بدّل في كثير من المواضع الميم من الباء وبالعكس، كما تبدل في اللسان العربي فاستدل بهذا أنها لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، وفهم وايد أنها كتبت في وسط القرن الرابع أو في آخره، ولا يمكن أن يكون أقدم من هذا لأنها لا توجد فيها الأبواب والفصول، ويوجد فيها نقل قانون يوسي بَيَسْ، واعتراض إسباين على دلائل وايد، وأدلة كونها مكتوبة في القرن الرابع والخامس هذا الأول لا يوجد التقسيم بالأبواب في رسائل بولس وقد كان هذا التقسيم في سنة 396، والثاني يوجد فيها رسائل كليمنت التي منع قراءتها محفل لوديسيا وكارتهيج، فاستدل شلز بهذا أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 364، والثالث استدل شلز بدليل جديد آخر وهو أنه يوجد في الزبور الرابع عشر الإيماني فقرة كانت توجد سنة 444 وسنة 446، فهذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 النسخة كتبت قبل هذه السنين، وظن وتستين أنها كتبت قبل زمان جيروم لأنه بدَّل فيها المتن اليوناني بترجمة إتالك القديم، وكاتبه لا يعلم أنهم كانوا يقولون للعرب هكارين لأنه كتب أكوراو بدل أكاراو، وأجابه الآخرون بأن هذا غلط كاتب فقط لأنه جاء لفظ أكاراوون في الآية الأخيرة، وقال ميكايلس لا يثبت بهذه الدلائل شيء لأن هذه النسخة منقولة عن نسخة أخرى بالضرورة فعلى تقدير كونها منقولة بالاهتمام تتعلق هذه الدلائل بالنسخة التي هي منقولة عنها لا بهذه النسخة، نعم يمكن تصفية الأمر شيئاً بالخط وأشكال الحروف وعدم الإعراب، ودليل عدم كونها مكتوبة في القرن الرابع هذا ظن داكتر سِمْلر أن رسالة اتهاني سيش في حسن الزبورات يوجد فيها وإدخالها في حياته كان محالاً، فاستدل أوْدِن بهذا أنها كتبت في القرن العاشر، لأن هذه الرسالة كاذبة ولا يمكن جعلها في حياته، وكان الجعل في القرن العاشر في غاية القوة"، ثم قال هورن في المجلد المذكور في بيان كودكس واطيكانوس: "كتب في مقدمة الترجمة اليونانية التي طبعت في سنة 1590: كُتِبت هذه النسخة قبل سنة 388 يعني في القرن الرابع وقال موت فاكن وبلين جيني: كتبت في القرن الخامس أو السادس، وقال ديوين في القرن السابع، وقال هك في ابتداء القرن الرابع، وقال مارش في آخر القرن الخامس ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس اسكندر يانوس وهذه النسخة"، ثم قال: "استدل كني كات بأن هذه النسخة وكذا نسخة اسكندر يانوس ليستا بمنقولتين عن نسخة أرجن ولا عن نقولها التي كانت نقلت في قرب زمانه، بل هما منقولتان عن النسخ التي ما كانت علامات أرجن فيها يعني في زمان تركت علاماته في النقول" ثم قال في المجلد المذكور في بيان كودكس افريمي: "ظن وِتَسْتين أن هذه النسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية لتصحيح الترجمة السريانية لكن لا دليل على هذا الأمر، واستدل بالحاشية التي على الآية السابعة من الباب الثامن من الرسالة العبرانية أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 542، لكن ميكايلس لا يفهم استدلاله قوياً ويقول بهذا القدر فقط أنها قديمة، وقال مارش: كتبت في القرن السابع" انتهى. فظهر لك أنه لم يوجد دليل قطعي على أن هذه النسخ كتبت في القرن الفلاني وليس مكتوباً في آخر كتاب من كتبها أيضاً أن كاتبه فرغ في السنة الفلانية كما يكون هذا مكتوباً في آخر الكتب الإسلامية غالباً، وعلماؤهم يقولون رجماً بالغيب بالظن الذي نشأ لهم عن بعض القرائن لعلها كتبت في قرن كذا أو قرن كذا، ومجرد الظن والتخمين لا يتم دليلاً على المخالف، وقد عرفت أن أدلة القائلين بأن نسخة اسكندر يانوس كتبت في القرن الرابع أو الخامس ضعيفةٌ منقوضة، وظنُّ سِمْلر أيضاً بعيدٌ لأن تغير لسان إقليم بلسان إقليم آخر في مدة قليلة خلاف العادة، وقد تسلط العرب على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 الإسكندرية في القرن السابع من القرون المسيحية لأنهم تسلطوا في السنة العشرين من الهجرة على الأصح، إلا أن يكون مراده آخر هذا القرن، ودليل ميكايلس سالم عن الاعتراض، فلا بد أن يسلم، فهذه النسخة لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، والأغلب كما قال أودن أنها كتبت في القرن العاشر الذي كان بحرُ التحريف فيه موّاجاً، ويؤيده أن هذه النسخة تشتمل على الكتب الكاذبة أيضاً، فالظاهر أن كاتبها كان في زمان كان فيه تمييز الكاذب عن الصادق متعسراً، وهذا كان على وجه الكمال في القرن العاشر، وأن بقاء القرطاس والحروف إلى ألف وأربعمائة سنة أو أزيد مستبعد عادة سيما إذا لاحظنا أن طريقة المحافظة، وكذا طريقة الكتابة في الطبقات الأول ما كانتا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 جيدتين، ورد ميكايلس استدلال وتستين في حق كودكس افريمي، وعرفت قول مونت فاكن وكني كات أيضاً، وعرفت قول ديوين في حق كودكس واطيكانوس، وقول مارش في حق كودكس افريمي أنهما كتبتا في القرن السابع، فظهر أن الدعوى الأولى ليست بثابتة لأن ظهور محمد صلى الله عليه وسلم على آخر القرن السادس من القرون المسيحية، وإذا ثبت أن كودكس اسكندر يانوس تشتمل على كتب كاذبة أيضاً، وأن البعض ذمّها ذماً بليغاً وأن وتستين رئيس أعدائه الذّامِّين، ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس واطيكانوس - ظهر أن الدعوى الثانية أيضاً ليست بصحيحة، وأقول ثانياً: لو قطعنا النظر عما قلنا وفرضنا أن هذه النسخ الثلاث كتبت قبل محمد صلى الله عليه وسلم فلا يضرنا لأنا لا ندعي أن الكتب المقدسة لهم كانت غير محرفة إلى زمان ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك حرفت، بل ندعي أن هذه الكتب كانت قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم لكنها بلا إسناد متصل وأن التحريف كان فيها قبله يقيناً ووقع في بعض المواضع بعده أيضاً، فلا ينافي هذه الدعوى وجود النسخ الكثيرة فضلاً عن ثلاث نسخ، بل لو وجدت ألف نسخة مثل اسكندر يانوس لا يضرنا بل كان نافعاً لنا باعتبار أن اشتمال هذه النسخ على الكتب الجعلية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 يقيناً واختلافها بينها اختلافاً شديداً كما في كودكس اسكندر يانوس وكودكس واطيكانوس من أعظم الأدلة الدالة على تحريف أسلافهم، ولا يلزم من القَدَامة الصحة ألا ترى إلى بعض الكتب الكاذبة المندرجة في اسكندر يانوس. [الالحاق: في الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوع سنة 1849 م في بيروت -وألّفه إسحاق بردكان- في الصفحة 95: "ثم تتذكرون قول ايرونيموس كأنه قال: أنا الذي ليس يتبع غير بطرس أتّفق مشتركاً مع طوباويتك، والحال أنّه قال ليس يتبع غير المسيح كما ترون ذلك في الرسالة اللاتينية، فهذا تحريف عظيم ولكن لا نظنّ أنّه منكم بل من سلفائكم الذين أرادوا إضلالكم" انتهى كلامه بلفظه. ولعمري إنّه صادق فيما قال رادّاً على الكاثوليك: (إنّ هذا التحريف من أسلافكم) ؛ لأنّ مثل هذا التحريف من أسلاف اليهود والنصارى وقع كثيراً. وقال صاحب الرسالة الإحدى عشرية: "إنّ في الإنجيل الموجود في اللغة اللاتينية يذكر على أنّ المسيح رسم اثنين وسبعين تلميذاً، وأمّا الإنجيل الموجود في اللغة اليونانية يذكر بأنّ المسيح رسم سبعين" انتهى كلامه بلفظه. فعند البروتستانت إقرار تحريف الأوّل، وعند الكاثوليك إقرار تحريف الثاني لازم البتّة] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 الباب الثالث: في إثبات النسخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 641 النسْخ في اللغة الإزالة، وفي اصطلاح أهل الإسلام بيان مدة انتهاء الحكم العملي الجامع للشروط لأن النسخ لا يطرأ عندنا على القصص ولا على الأمور القطعية العقلية مثل أن صانع العالم موجود، ولا على الأمور الحسية مثل ضوء النهار وظلمة الليل، ولا على الأدعية، ولا على الأحكام التي تكون واجبة نظراً إلى ذاتها مثل آمنوا ولا تشركوا، ولا على الأحكام المؤبَّدة مثل {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} ولا على الأحكام المؤقتة قبل وقتها المعين مثل {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 643 بل يطرأ على الأحكام التي تكون عملية محتملة للوجود والعدم غير مؤبدة وغير مؤقتة، وتسمى الأحكام المطلقة، ويشترط فيها أن لا يكون الوقت والمكلف والوجه متحدة، بل لا بد من الاختلاف في الكل أو البعض من هذه الثلاثة، وليس معنى النسخ المصطلح أن الله أمر أو نهى أولاً وما كان يعلم عاقبته ثم بدا له رأيٌ فنسخ الحكم الأول ليلزم الجهل، أو أمر أو نهى ثم نسخ مع الاتحاد في الأمور المسطورة ليلزم الشناعة عقلاً. وإن قلنا إنه كان عالماً بالعاقبة فإن هذا النسخ لا يجوز عندنا، تعالى الله عن ذلك عُلُواً كبيراً، بل معناه أن الله كان يعلم أن هذا الحكم يكون باقياً على المكلفين إلى الوقت الفلاني ثم يُنسخُ فلما جاء الوقت أرسل حكماً آخر ظهر منه الزيادة والنقصان أو الرفع مطلقاً، ففي الحقيقة هذا بيان انتهاء الحكم الأول، لكن لما لم يكن الوقت مذكوراً في الحكم الأول فعند ورود الثاني يتخيل لقصور علمنا في الظاهر أنه تغير، ونظيره بلا تشبيه أن تأمر خادمك الذي تعلم حاله لخدمة من الخدمات ويكون في نيتك أنه يكون على هذه الخدمة إلى سنة مثلاً، وبعد السنة يكون على خدمة أخرى لكن ما أظهرت عزمك ونيتك عليه، فإذا مضت المدة وعينته على خدمة أخرى فهذا بحسب الظاهر عند الخادم، وكذا عند غيره الذي ما أخبرته عن نيتك تغييره وأما في الحقيقة وعندك فليس بتغيير، ولا استحالة في هذا المعنى لا بالنسبة إلى ذات الله ولا إلى صفاته، فكما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 644 أن في تبديل المواسم مثل الربيع والصيف والخريف والشتاء، وكذا في تبديل الليل والنهار وتبديل حالات الناس مثل الفقر والغنى والصحة والمرض وغيرها حِكَماً، ومصالح لله تعالى سواء ظهرت لنا أو لم تظهر فكذلك في نسخ الأحكام حكم ومصالح له نظراً إلى حال المكلفين والزمان والمكان، ألا ترى أن الطبيب الحاذق يبدل الأدوية والأغذية بملاحظة حالات المريض وغيرها على حسب المصلحة التي يراها، ولا يحمل أحد فعله على العبث والسفاهة والجهل، فكيف يظن عاقل هذه الأمور في الحكيم المطلق العالم بالأشياء بالعلم القديم الأزلي الأبدي، وإذا علمت هذا فأقول ليست قصة من القصص المندرجة في العهد العتيق والجديد منسوخة عندنا. نعم بعضها كاذب مثل أن لوطاً عليه السلام زنى بابنتيه وحملتا بالزنا من الأب كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين، أو أن يهود بن يعقوب عليه السلام زنى بثامار زوجة ابنه وحملت بالزنا منه وولدت توأمين فارض وزارح كما هو مصرح به في الباب الثامن والثلاثين من السفر المذكور، وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد فارض المذكور كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 645 أو أن داود عليه السلام زنى بامرأة أوريا، وحملت بالزنا منه فأهلك زوجها بالمكر وأخذها زوجة له كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني، أو أن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد وبنى المعابد لها كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول، أو أن هارون عليه السلام بنى معبداً للعجل وعبده، وأمر بني إسرائيل بعبادته كما هو مصرح به في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج، فنقول: إن هذه القصص وأمثالها كاذبة باطلة عندنا ولا نقول إنها منسوخة والأمور القطعية العقلية والحسية والأحكام الواجبة والأحكام المؤبدة والأحكام الوقتية قبل أوقاتها والأحكام المطلقة التي يفرض فيها الوقت والمكلف والوجه متحدة لا تكون هذه الأشياء كلها منسوخة ليلزم الشناعة، وكذا لا تكون الأدعية منسوخة فلا يكون الزبور الذي هو أدعية منسوخاً بالمعنى المصطلح عندنا، ولا نقول قطعاً إنه ناسخ للتوراة ومنسوخ من الإنجيل كما افترى هذا الأمر على أهل الإسلام صاحبُ ميزان الحق وقال إن هذا مصرح به في القرآن والتفاسير، وإنما منعنا عن استعمال الزبور والكتب الأخرى من العهد العتيق والجديد لأنها مشكوكة يقيناً بسبب عدم أسانيدها المتصلة وثبوت وقوع التحريف اللفظي فيها بجميع أقسامه كما عرفت في الباب الثاني،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 646 ويجوز النسخ في غير المذكورات من الأحكام المطلقة الصالحة للنسخ فنعترف بأن بعض أحكام التوراة والإنجيل من الأحكام التي هي من جنس الصالحة للنسخ منسوخة في الشريعة المحمدية ولا نقول إن كل حكم من أحكامهما منسوخة، كيف وإن بعض أحكام التوراة لم تنسخ يقيناً مثل: حرمة اليمين الكاذبة والقتل والزنا واللواطة والسرقة وشهادة الزور والخيانة في مال الجار وعرضه ووجوب إكرام الأبوين، وحرمة نكاح الآباء والأبناء والأمهات والبنات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وجمع الأختين وغيرها من الأحكام الكثيرة وكذا بعض أحكام الإنجيل لم تنسخ يقيناً، مثلاً وقع في الباب الثاني عشر من إنجيل مرقس هكذا: 29 "فقال له عيسى وهو يحاوره: إن أول الأحكام قوله اسمع يا إسرائيل فإن الرب إلهنا رب واحد" 30 " وأن تحب الرب إلهك بقلبك كله وروحك كله وإدراكك كله وقواك كلها هذا هو الحكم الأول" 31 "والثاني مثله وهو أن تحب جارك كنفسك وليس حكم آخر أكبر من هذين" فهذان الحكمان باقيان في شريعتنا على أوكد وجه، وليسا بمنسوخين والنسخ ليس بمختص بشريعتنا بل وجد في الشرائع السابقة أيضاً بالكثرة بكلا قسميه أعني النسخ الذي يكون في شريعة نبي لاحق لحكم كان في شريعة نبي سابق، والنسخ الذي يكون في شريعة نبي لحكم آخر من شريعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 647 هذا النبي، وأمثلة القسمين في العهد العتيق والجديد غير محصورة لكن أكتفي ههنا ببعضها فأقول: أمثلة القسم الأول هذه (الأول) تزوجت الأخوة بالأخوات في عهد آدم عليه السلام، وسارة زوجة إبراهيم عليه السلام أيضاً كانت أختاً علانية له كما يفهم من قوله في حقها المندرج في الآية الثاني ة عشرة من الباب العشرين من سفر التكوين ترجمة عربية سنة 1625 وسنة 1648 "إنها أختي بالحقيقة ابنة أبي وليست ابنة أمي وقد تزوجت بها" والنكاح بالأخت حرام مطلقاً في الشريعة الموسوية عينية كانت الأخت أو علانية أو خفية ومساوٍ للزنا، والناكح ملعون وقتل الزوجين واجب،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 648 الآية التاسعة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار هكذا: "لا تكشف عورة أختك من أبيك كانت أو من أمك التي ولدت في البيت أو خارجاً من البيت"، وفي تفسير دوالي ورجردمينت في ذيل شرح هذه الآية: "مثل هذا النكاح مساوٍ للزنا"، والآية السابعة عشرة من الباب العشرين من السفر المذكور هكذا: "أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه ورأى عورتها ورأت عورته فهذا عار شديد فيقتلان أمام شعبهما، وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما" والآية الثانية والعشرون من الباب السابع والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: "يكون ملعوناً من يضاجع أخته من أبيه أو أمه" فلو لم يكن هذا النكاح جائزاً في شريعة آدم وإبراهيم عليهما السلام يلزم أن يكون الناس كلهم أولاد الزنا والناكحون زانين وواجبي القتل وملعونين، فكيف يظن هذا في حق الأنبياء عليهم السلام، فلا بد من الاعتراف بأنه كان جائزاً في شريعتهما ثم نسخ. (فائدة) ترجم صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 الآية الثانية عشرة من الباب العشرين من سفر التكوين هكذا: "هي قريبتي من أبي لا من أمي" فالظاهر أنه حرف قصداً لئلا يلزم النسخ بالنسبة إلى نكاح سارة لأن قريبة الأب تشمل بنت العم والعمة وغيرهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 649 (الثاني) قول الله في خطاب نوح وأولاده في الآية الثالثة من الباب التاسع من سفر التكوين هكذا ترجمة عربية سنة 1625 وسنة 1648 "وكلما يتحرك على الأرض وهو حي يكون لكم مأكولاً كالبقل الأخضر" فكان جميع الحيوانات حلالاً في شريعة نوح كالبقولات، وحرمت في الشريعة الموسوية الحيوانات الكثيرة منها الخنزير أيضاً كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر الأخبار والباب الرابع عشر من سفر الاستثناء. (فائدة) حرف هنا أيضاً صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وترجم الآية الثالثة المذكورة هكذا: "كل دبيب طاهر حي يكون لكم مأكلاً كخضر العشب" فزاد لفظ الطاهر من جانبه لئلا تشمل الحيوانات المحرمة في شريعة موسى لأنه قيل في حقها في التوراة أنها نجسة. (الثالث) جمع يعقوب بين الأختين ليا وراحيل ابنتي خاله كما هو مصرح به في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين، وهذا الجمع حرام في الشريعة الموسوية الآية الثامنة عشرة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار هكذا: ولا تتزوّج أخت امرأتك في حياتها فتحزنها، ولا تكشف عورتهما جميعاً فتحزنهما" فلو لم يكن الجمع بين الأختين جائزاً في شريعة يعقوب يلزم أن يكون أولادهما أولاد الزنا والعياذ بالله وأكثر الأنبياء الإسرائيلية في أولادهما. (الرابع) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثالث أن يوخابذ زوجة عمران كانت عمته، وقد حرف المترجمون للترجمة العربية المطبوعة سنة 1635 وسنة 1648 تحريفاً قصدياً لإخفاء العيب فكان أبو موسى تزوّج عمته، وهذا النكاح حرام في الشريعة الموسوية، الآية الثانية عشرة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار هكذا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 650 "لا تكشف عورة عمتك لأنها قرابة أبيك" وكذا في الآية التاسعة عشرة من الباب العشرين من السفر المذكور، فلو لم يكن هذا النكاح جائزاً قبل شريعة موسى لزم أن يكون موسى وهارون ومريم أختهما من أولاد الزنا والعياذ بالله، ولزم أن لا يدخلوا جماعة الرب إلى عشرة أحقاب كما هو مصرح به في الآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من سفر الاستثناء، ولو كانوا هم قابلين للإخراج عن جماعة الرب فمن يكون صالحاً لدخولها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 651 (الخامس) في الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرمياء هكذا: 31 "ها ستأتي أيام - يقول الرب - وأعاهد بيت إسرائيل وبيت يهودا عهداً جديداً" 32 "ليس مثل العهد الذي عاهدت آباءهم في اليوم الذي أخذت بأيديهم لأخرجهم من أرض مصر عهداً نقضوه وأنا تسلطت عليهم بقول الرب" والمراد من العهد الجديد الشريعة الجديدة، فيفهم أن هذه الشريعة الجديدة تكون ناسخة للشريعة الموسوية، وادعى مقدَّسهم بولس في الباب الثامن من رسالته إلى العبرانيين أن هذه الشريعة شريعة عيسى، فعلى اعترافه شريعة عيسى عليه السلام ناسخة لشريعة موسى عليه السلام، وهذه الأمثلة الخمسة لإلزام اليهود والمسيحيين جميعاً ولإلزام المسيحيين أمثلة أخرى. (السادس) يجوز في الشريعة الموسوية أن يطلق الرجل امرأته بكل علة وأن يتزوج رجل آخر بتلك المطلقة بعد ما خرجت من بيت الأول كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من كتاب الاستثناء، ولا يجوز الطلاق في الشريعة العيسوية إلا بعلة الزنا، هكذا لا يجوز لرجل آخر نكاح المطلقة، بل هو بمنزلة الزنا كما صرح به في الباب الخامس والتاسع عشر من إنجيل متى، ولما اعترض الفريسيون على عيسى عليه السلام في هذه المسألة قال في جوابهم إن موسى ما جَوَّز لكم طلاق نسائكم إلا لقساوة قلوبكم وأما من قبل فإنه لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 652 يكن كذلك، وأنا أقول لكم إن كل من طلق زوجته لغير علة الزنا وتزوّج بأخرى فقد زنى ومن يتزوج بتلك المطلقة يزني" فعلم من جوابه أنه ثبت النسخ في هذا الحكم مرتين مرة في الشريعة الموسوية ومرة في شريعته وأنه قد ينزل الحكم تارة موافقاً لحال المكلفين وإن لم يكن حسناً في نفس الأمر. (السابع) كان الحيوانات الكثيرة محرمة في الشريعة الموسوية ونسخت حرمتها في الشريعة العيسوية وثبتت الإباحة العامة بفتوى بولس، الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع عشر من رسالة بولس إلى أهل رومية هكذا: "فإني أعلم وأعتقد بالرب عيسى أن لا شيء نجس العين بل إن كل شيء نجس لمن يحسبه نجساً" والآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس هكذا: "فإن جميع الأشياء طاهرة للطاهرين وليس شئ بطاهر للنجسين والمنافقين لأنهم كلهم نجسون حتى عقلهم وضميرهم". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 653 وهاتان الكليتان: إن كل شيء نجس لمن يحسبه نجساً، وجميع الأشياء طاهرة للطاهرين عجيبتان في الظاهر، لعل بني إسرائيل لم يكونوا طاهرين فلم تحصل لهم هذه الإباحة العامة، ولما كان المسيحيون طاهرين حصل لهم الإباحة العامة وصار كل شيء طاهراً لهم، وكان مقدسهم جاهداً في إشاعة حكم الإباحة العامة ولذلك كتب إلى تيموتاس في الباب الرابع من رسالته الأولى [4] "لأن كل ما خلق الله حسن ولا يجوز أن يرفض منه شيء إذا أكلناه ونحن شاكرون [5] لأنه يتقدس بكلمة الله وبالتضرع [6] فإن ذكرت الأخوة بهذا فقد صرت للمسيح خادماً جيداً متربياً في كلام الإيمان والتعليم الصحيح الذي اتبعت أثره". (الثامن) أحكام الأعياد التي فصلت في الباب الثالث والعشرين من كتاب الأخبار كانت واجبة أبدية في الشريعة الموسوية ووقعت في حقها في الآية 14 و 21 و 31 و 41 من الباب المذكور ألفاظ تدل على كونها أبدية. (التاسع) كان تعظيم السبت حكماً أبدياً في الشريعة الموسوية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 654 وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل، وكان من عمل فيه عملاً ومن لم يحافظه واجبي القتل، وقد تكرر بيان هذا الحكم والتأكيد في كتب العهد العتيق في مواضع كثيرة مثلاً في الآية الثالثة من الباب الثاني من سفر التكوين، وفي الباب العشرين من سفر الخروج من الآية الثامنة إلى الحادية عشرة، وفي الآية الثانية عشرة من الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج، وفي الآية الحادية والعشرين من الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج، وفي الآية الثالثة من الباب التاسع عشر وكذا من الباب الثالث والعشرين من سفر الأخبار، وفي الباب الخامس من كتاب الاستثناء من الآية الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة، وفي الباب السابع عشر من كتاب أرميا، وفي الباب السادس والخمسين والثامن والخمسين من كتاب أشعياء، وفي الباب التاسع من كتاب نحميا، وفي الباب العشرين من كتاب حزقيال ووقع في الباب الحادي والثلاثين من سفر الخروج هكذا: [13] "كلِّم بني إسرائيل وقل لهم أن يحفظوا يومي يوم السبت من أجل أنه علامة بيني وبينكم في أجيالكم لتعلموا أنني أنا الرب الذي أطهركم [14] فاحفظوا يومي يوم السبت فإنه طهر لكم، ومن لا يحفظه فليقتل قتلاً، من عمل فيه فتهلك تلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 655 النفس من شعبها (15) اعملوا عملكم ستة أيام واليوم السابع هو يوم سبت راحة طهر للرب، وكل من عمل عملاً في هذا اليوم فليقتل [16] وليحفظ بنو إسرائيل السبت وليتخذوه عيداً بأجيالهم ميثاقاً إلى الدهر [17] بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد لأن الرب خلق السماء والأرض في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح من عمله" ووقع في الباب الخامس والثلاثين من سفر الخروج هكذا: [2] "ستة أيام تعملون عملكم واليوم السابع يكون لكم مقدساً سبت وراحة الرب مَنْ عَمِل فيه عملاً فليقتل [3] لا تشعلوا النار في جميع مساكنكم يوم السبت" ووقع في الباب الخامس عشر من سفر العدد هكذا: [32] "ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلاً يلقط حطباً يوم السبت [33] فأقبلوا به إلى موسى وهارون والجماعة كلها [34] فألقوه في السجن لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يجب أن يفعلوا به [35] فقال الرب لموسى فليقتل هذا الإنسان ويرجمه كل الشعب بالحجارة خارجاً من المحلة [36] فأخرجوه ورجموه بالحجارة ومات كما أمر الرب. وكان اليهود المعاصرون للمسيح عليه السلام يؤذونه ويريدون قتله لأجل عدم تعظيم السبت، وكان هذا أيضاً من أدلة إنكارهم" الآية السادسة عشرة من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا: "ومن أجل ذلك طرد اليهود عيسى وطلبوا قتله لأنه كان قد فعل تلك الأشياء يوم السبت" الآية السادسة عشرة من الباب التاسع من إنجيل يوحنا هكذا: "فقال بعض الفريسين إن هذا الرجل ليس من عند الله لأنه لا يحافظ على السبت" الخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 656 وإذا علمت هذا أقول: إن مقدسهم بولس نسخ هذه الأحكام التي مر ذكرها في المثال السابع والثامن والتاسع، وبين أن هذه الأشياء كلها كانت إضلالاً، في الباب الثامن من رسالته إلى أهل قولا سايس 16 "فلا يدينكم أحد بالمأكول أو المشروب أو بالنظر إلى الأعياد أو الأهلة أو السبوت 17 فإن هذه الأشياء ظلال للأمور المزمعة بالإيتان وأما الجسد فإنه للمسيح" في تفسير دوالي ورجرد مينت ذيل شرح الآية السادسة عشرة هكذا: قال بركت وداكتروت بي "كانت أي الأعياد في اليهود على ثلاثة أقسام في كل سنة سنة وفي كل شهر شهر وفي كل أسبوع أسبوع فنسخت هذه كلها بل يوم السبت أيضاً وأقيم سبت المسيحيين مقامه" وقال بِشُبْ هارسلي ذيل شرح الآية المذكورة: "زال سبت كنيسة اليهود وما مشى المسيحيون في عمل سبتهم على رسوم طفولية الفريسين". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 وفي تفسير هنري واسكات: "إذ نسخ عيسى شريعة الرسومات، ليس لأحد أن يلزم الأقوال الأجنبية بسبب عدم لحاظها، قال ياسوبر وليا: فإنه لو كانت محافظة يوم السبت واجبة على جميع الناس، وعلى جميع أقوام الدنيا لما أمكن نسخها قط، كما نسخت الآن حقيقة، ولكان يلزم على المسيحيين أن يحافظوه طبقة بعد طبقة كما فعلوا في الابتداء لأجل تعظيم اليهود ورضاهم" وما ادعى مقدسهم بولس من كون الأشياء المذكورة إضلالاً لا يناسب عبارة التوراة لأن الله بين علة حرمة الحيوانات بأنها "نجسة فلا بد أن تكونوا مقدسين لأني قدوس" كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سِفْر الأخبار، وبيّن عِلة عيد الفطير "بأني أخرج جيوشكم من أرض مصر فاحفظوا هذا اليوم إلى أجيالكم سُنَّة إلى الدهر" كما هو مصرح به في الباب الثاني عشر من سفر الخروج، وبين علة عيد الخيام هكذا: "لتعلم أجيالكم أني أجلست بني إسرائيل في الخيام إذ أخرجتهم من أرض مصر" كما هو مصرح به في الباب الثالث والعشرين من سفر الأخبار، وبين في مواضع متعددة علة تعظيم السبت: "بأن الرب خلق السماء والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع من عمله". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 (العاشر) حكم الختان كان أبدياً في شريعة إبراهيم عليه السلام كما هو مصرح به في الباب السابع عشر من سفر التكوين، ولذلك بقي هذا الحكم في أولاد إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وبقي في شريعة موسى عليه السلام أيضاً، الآية الثالثة من الباب الثاني عشر من سفر الأخبار هكذا: "وفي اليوم الثامن يختن الصبي" وختن عيسى عليه السلام أيضاً كما هو مصرح به في الآية الحادية والعشرين من الباب الثاني من إنجيل لوقا، وفي المسيحيين إلى هذا الحين صلاة معينة يؤدونها في يوم ختان عيسى عليه السلام تذكرة لهذا اليوم، وكان هذا الحكم باقياً إلى عروج عيسى عليه السلام، وما نسخ بل نسخه الحواريون في عهدهم كما هو مشروح في الباب الخامس عشر من أعمال الحواريين، وستعرف في المثال الثالث عشر أيضاً، ويشدد مقدسهم بولس في نسخ هذا الحكم تشديداً بليغاً في الباب الخامس من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: "وها أنا بولس أقول لكم إنكم إن اختتنتم لن ينفعكم المسيح بشيء 3 لأني أشهد أن كل مختون ملزم بإقامة جميع أعمال الناموس 4 إنكم إن تزكيتم بالناموس فلا فائدة لكم من المسيح وسقطتم عن نيل النعمة 6 فإن الختانة لا منفعة لها في المسيح ولا للقلفة بل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 الإيمان الذي يعمل بالمحبة" والآية الخامسة عشرة من الباب السادس من الرسالة المذكورة هكذا: "لا منفعة للختان في المسيح عيسى ولا للقلفة بل الخلق الجديد". (الحادي عشر) أحكام الذبائح كانت كثيرة وأبدية في شريعة موسى وقد نسخت كلها في الشريعة العيسوية. (الثاني عشر) الأحكام الكثيرة المختصة بآل هارون من الكهانة واللباس وقت الحضور للخدمة وغيرها كانت أبدية وقد نسخت كلها في الشريعة العيسوية. (الثالث عشر) نسخ الحواريون بعد المشاورة التامة جميع الأحكام العملية للتوراة إلا أربعة: ذبيحة الصنم، والدم، والمخنوق، والزنا فأبقَوْا حرمتها وأرسلوا كتاباً إلى الكنائس، وهو منقول في الباب الخامس عشر من أعمال الحواريين وبعض آياته هكذا: 24 " ثم إنا قد سمعنا أن نفراً من الذين خرجوا من عندنا يضطربونكم بكلامهم ويزعجون أنفسكم ويقولون إنه يجب عليكم أن تختتنوا وتحافظوا على الناموس، ونحن لم نأمرهم بذلك 28 لأنه قد حسن للروح القدس ولنا أن لا نحملكم غير هذه الأشياء الضرورية 29 وهي أن تجتنبوا من قرابين الأوثان والدم والمخنوق والزنا التي إن تجنبتم عنها فقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 أحسنتم والسلام" وإنما أبقوا حرمة هذه الأربعة لئلا يتنفر اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية عن قريب، وكانوا يحبون أحكام التوراة ورسومها تنفراً تاماً، ثم لما رأى مقدسهم بولس بعد هذا الزمان أن هذه الرعاية ليست بضرورية نسخ حرمة الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامة التي مر نقلها في المثال السابع، وعليه اتفاق جمهور البروتستنت، فما بقي من أحكام التوراة العملية إلا الزنا ولما لم يكن فيه حد في الشريعة العيسوية، فهو منسوخ من هذا الوجه أيضاً فقد حصل الفراغ في هذه الشريعة من نسخ جميع الأحكام العملية التي كانت في الشريعة الموسوية أبدية كانت أو غير أبدية. (الرابع عشر) في الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل غلاطية 30 "وصلبت مع المسيح وأنا الآن حي لكني أنا لست بحي بل إن المسيح هو الحي فيَّ، وما نلت الآن من الحياة الجسمانية فهو متعلق بالإيمان بابن الله الذي أحبني وجعل نفسه فدية لأجلي" 21 "وأنا لا أبطل نعمة الله لأنه إن كانت العدالة بالناموس فقد مات المسيح عبثاً" قال داكتر همند في ذيل شرح الآية العشرين: "خلصني ببذل روحه لأجلي عن شريعة موسى"، وقال في شرح الآية الحادية والعشرين: "استعمل هذا العتق لأجل ذلك ولا أعتمد في النجاة على شريعة موسى ولا أفهم أن أحكام موسى ضرورية لأنه يجعل إنجيل المسيح كأنه بلا فائدة". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 وقال داكتر وت بي في ذيل شرح الآية الحادية والعشرين: "ولو كان كذا فاشترى النجاة بموته ما كان ضرورياً وما كان في موته حس مّا" وقال يايل "لو كان شريعة اليهود تعصمنا وتنجينا فأية ضرورة كانت لموت المسيح، ولو كانت الشريعة جزءاً لنجاتنا فلا يكون موت المسيح لها كافياً" فهذه الأقوال كلها ناطقة بحصول الفراغ من شريعة موسى ونسخها. (الخامس عشر) في الباب الثالث من الرسالة المذكورة هكذا: "جميع ذوي أعمال الشريعة ملعونون لا يتزكى أحدٌ عند الله بالناس فإن الناموس لا يتعلق بالإيمان وإن المسيح قد افتدانا من لعنة الناموس لما صار لأجلنا لعنة" انتهى ملخصاً، قال لارد في الصفحة 478 من المجلد التاسع من تفسيره بعد نقل هذه الآيات: "الظن أن مراد الحواري ههنا المعنى الذي يعلمه كثير يعني نسخت الشريعة أو صارت بلا فائدة بموت المسيح وصلبه" ثم قال في الصفحة 487 من المجلد المذكور: "بين الحواري صراحة في هذه المواضع أن منسوخية أحكام الشريعة الرسومية نتيجة موت عيسى". (السادس عشر) في الباب الثالث المذكور هكذا 23: "وقد حصرنا قبل إتيان الإيمان بالناموس وقيدنا في انتظار الإيمان المزمع بالظهور" 24 "فكان الناموس مؤدبنا الذي يهدينا إلى المسيح لنتزكى بالإيمان" 25 "ولما جاء الإيمان لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 نبق تحت المؤدب" فصرح مقدسهم "أنه لا طاعة لأحكام التوراة بعد الإيمان بعيسى عليه السلام". في تفسير دوالي ورجرد مينت قول دين استان هوب هكذا: "نسخ رسومات الشريعة بموت عيسى وشيوع إنجيله". (السابع عشر) في الآية الخامسة عشرة من الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل افسس هكذا: "وأبطل بجسده العداوة أعني ناموس أحكام السنن". (الثامن عشر) الآية الثانية عشرة من الباب السابع من الرسالة العبرانية هكذا: "لأن الكهانة لما بدلت بدل الناموس أيضاً بالضرورة" ففي هذه الآية إثبات التلازم بين تبدل الإمامة وتبدل الشريعة فإن قال المسلمون أيضاً نظراً إلى هذا التلازم بنسخ الشريعة العيسوية فهم مصيبون في قولهم لا مخطئون، في تفسير دوالي ورجرد مينت ذيل شرح هذه الآية قول داكتر سيكنائت هكذا: "بدلت الشريعة قطعاً بالنسبة إلى أحكام الذبائح والطهارة وغيرها" يعني رفعت. (التاسع عشر) الآية الثامنة عشرة من الباب السابع المذكور هكذا: "لأن نسخما تقدم من الحكم قد عرض لما فيه من الضعف وعدم الفائدة". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 ففي هذه الآية تصريح بأن نسخ أحكام التوراة لأجل أنها كانت ضعيفة بلا فائدة في تفسير هنري واسكات: "رفعت الشريعة والكهانة اللتان لا يحصل منهما التكميل، وقام كاهن وعفو جديد يكمل منهما المصدقون الصادقون". (العشرون) في الباب الثامن من العبرانية: "فلو كان العهد الأول غير معترض عليه لم يوجد للثاني موضع 13 فبقوله عهداً جديداً صيّر الأول عتيقاً والشيء العتيق والبالي قريب من الفناء" ففي هذا القول تصريح بأن أحكام التوراة كانت معيبة وقابلة للنسخ لكونها عتيقة بالية، في تفسير دوالي ورجرد مينت في ذيل شرح الآية الثالثة عشرة قول يايل هكذا: "هذا ظاهر جداً أن الله تعالى يريد أن ينسخ العتيق الأنقص بالرسالة الجديدة الحسنى، فلذلك يرفع المذهب الرسومي اليهودي ويقوم المذهب المسيحي مقامه". (الحادي والعشرون) في الآية التاسعة من الباب العاشر من العبرانية "فينسخ الأول حق يثبت الثاني" في تفسير دوالي ورجرد مينت في شرح الآية الثامنة والتاسعة قول يايل هكذا: "استدل الحواري في هاتين الآيتين وفيهما إشعار بكون ذبائح اليهود غير كافية ولذا تحمل المسيح على نفسه الموت ليجبر نقصانها، ونسخ بفعل أحدهما استعمال الآخر". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 فظهر على اللبيب من الأمثلة المذكورة أمور (الأول) نسخ بعض الأحكام في الشريعة اللاحقة ليس بمختص بشريعتنا بل وجد في الشرائع السابقة أيضاً (والثاني) أن الأحكام العملية للتوراة كلها أبدية كانت أو غير أبدية نسخت في الشريعة العيسوية (والثالث) أن لفظ النسخ أيضاً موجود في كلام مقدسهم بالنسبة إلى التوراة وأحكامها (والرابع) أن مقدسهم أثبت الملازمة بين تبدل الإمامة وتبدل الشريعة (والخامس) أن مقدسهم يدعي أن الشيء العتيق البالي قريب من الفناء، فأقول لما كانت الشريعة العيسوية بالنسبة إلى الشريعة المحمدية عتيقة فلا استبعاد في نسخها بل هو ضروري على وفق الأمر الرابع، وقد عرفت في المثال الثامن عشر والسادس أن مقدسهم ومفسريهم استعملوا ألفاظاً غير ملائمة بالنسبة إلى التوراة وأحكامها مع أنهم معترفون أنها كلام الله (السابع) أنه لا إشكال في نسخ أحكام التوراة بالمعنى المصطلح عندنا إلا في الأحكام التي صرح فيها أنها أبدية أو يجب رعايتها دائماً طبقة بعد طبقة، لكن هذا الإشكال لا يرد علينا لأنا لا نسلم أولاً أن هذه التوراة هي التوراة المنزلة أو تصنيف موسى كما علم في الباب الأول، ولا نسلم ثانياً أنها غير مصونة عن التحريف كما عرفت مبرهناً في الباب الثاني،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 ونقول ثالثاً إلزاماً بأن الله قد يظهر له بدأ وندامة عما أمر أو فعل فيرجع عنه وكذلك يعد وَعْداً دائمياً ثم يخلف وعده، وهذا الأمر الثالث أقوله إلزاماً فقط لأنه يفهم من كتب العهد العتيق هكذا من مواضع كما ستعرف عن قريب، وإني وجميع علماء أهل السنة بريئون ومتبرؤن عن هذه العقيدة الفاسدة، نعم يرد هذا الإشكال عن المسيحيين الذين يعترفون بأن هذه التوراة كلام الله ومن تصنيف موسى ولم تحرف، والندامة والبدء محالان في حق الله والتأويل الذي يذكرونه في الألفاظ المذكورة بعيد عن الإنصاف وركيك جداً بهذه الألفاظ في كل شيء يكون بالمعنى الذي يناسبه، مثلاً إذا قيل لشخص معين إنه دائماً يكون كذا فلا يكون المراد بالدوام ههنا إلا المدة الممتدة إلى آخر عمره لأنا نعلم بديهة أنه لا يبقى إلى فناء العالم، وقيام القيامة، وإذا قيل لقوم عظيم يبقى إلى فناء العالم ولو تبدلت أشخاصه في كل طبقة بعد طبقة أنهم لا بد أن يفعلوا كذا دائماً طبقة بعد طبقة أو إلى الأبد أو إلى آخر الدهر فيفهم منه الدوام إلى فناء العالم بلا شبهة، وقياس أحدهما على الآخر مستبعد جداً، ولذلك علماء اليهود يستبعدون تأويلهم سلفاً وخلفاً وينسبون الاعتساف والغواية إليهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 (و أمثلة القسم الثاني ) هذه: (الأول) أن الله أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسحاق عليه السلام ثم نسخ هذا الحكم قبل العمل كما هو مصرح به في الباب الثاني والعشرين من سفر التكوين (الثاني) أنه نقل قول نبي من الأنبياء في حق عالي الكاهن في الباب الثاني من سفر صموئيل الأول هكذا: 30 "فالله إله إسرائيل يقول: إني قلت إن بيتك وبيت أبيك يخدمون بين يدي دائماً لكن يقول الله الآن حاشا لي لا يكون الأمر كذلك بل أكرم من يكرمني ومن يحقرني يصير ذليلاً 34 وأنا أقيم لنفسي كاهناً متديناً الخ" فكان وعد الله أن منصب الكهانة يبقى في بيت عالي الكاهن وبيت ابنه، ثم أخلف وعده ونسخه وأقام كاهناً آخر، في تفسير دوالي ورجردمينت قول الفاضل باترك هكذا: "ينسخ الله ههنا حكماً كان وعده وأقرّ به بأن رئيس الكهنة يكون منكم إلى الأبد، أعطى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667 هذا المنصب لعازار الولد الأكبر لهارون، ثم اعطى تامار الولد الأصغر لهارون ثم انتقل الآن بسبب ذنب أولاد عالي الكاهن إلى أولاد العازار" فوقع الخلف في وعد الله مرتين إلى زمان بقاء الشريعة الموسوية، وأما الخلف الذي وقع في هذا الباب عند ظهور الشريعة العيسوية مرة ثالثة فهذا لم يبق أثر ما لهذا المنصب لا في أولاد العازار، ولا في أولاد تامارا، الوعد الذي كان للعازار مُصرَّحٌ به في الباب الخامس والعشرين من سفر العدد هكذا: "إني قد وهبت له ميثاقي بالسلام فيكون له ميثاق الحبورة والخلفة من بعده إلى الدهر" ولا يتحير الناظر من خُلف وعد الله على مذاق أهل الكتاب، لأن كتب العهد العتيق ناطقة به، وبأن الله يفعل أمراً ثم يندم، نقل في الآية التاسعة والثلاثين من الزبور الثامن والثمانين أو التاسع والثمانين على اختلاف التراجم قول داود عليه السلام في خطاب الله عز وجل هكذا: "نقضت عهد عبدك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 668 وبخست في الأرض مقدسه" فيقول داود عليه السلام "نقضت عهد عبدك" وفي الباب السادس من سفر التكوين هكذا: 6 "فندم على عمله الإنسان على الأرض فتأسف بقلبه داخلاً 7 وقال امحوا البشر الذي خلقته عن وجه الأرض من البشر حتى الحيوانات من الدبيب حتى طير السماء لأني نادم أني عملتهم" فالآية السادسة كلها، وهذا القول - لأني نادم أني عملتهم - يدلان على أن الله ندم وتأسف على خلقه الإنسان، وفي الزبور الخامس بعد المائة هكذا: 44 "فنظر الرب في أحزانهم إذ سمع صوت تضرعهم 45 وذكر ميثاقهم وندم لكثرة رحمته"، في الآية الحادية عشرة من الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الأول قول الله هكذا: "ندمت على أني صيرت شاول ملكاً أنه رجع من ورائي ولم يعمل بما أمرته"، ثم في الآية الخامسة والثلاثين من الباب المذكور هكذا: "أن صموئيل حزن على شاول لأن الرب أسف على أنه ملّك شاول على إسرائيل". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 669 وههنا خدشة يجوز لنا أن نوردها إلزاماً فقط. وهي أنه لما ثبتت الندامة في حق الله وثبت أنه ندم على خلق الإنسان وعلى جعل شاول ملكاً فيجوز أن يكون قد ندم على إرسال المسيح عليه السلام، بعد ما أظهر دعوى الألوهية على ما هو زعم أهل التثليث، لأن هذه الدعوى من البشر الحادث أعظمُ جرماً من عدم إطاعة شاول أمر الرب، وكما لم يكن الله واقفاً على أن شاول يعصي أمره فكذا يجوز أن يكون واقفاً على أن المسيح عليه السلام يدعي الألوهية، وإنما قلت هذا إلزاماً فقط لأنا لا نعتقد بفضل الله ندامة الله ولا ادعاء المسيح عليه السلام الألوهية، بل عندنا ساحة الألوهية وكذا ساحة نبوة المسيح عليه السلام صافيتان عن قمامة هذه الكدورات والمنكرات. (الثالث) في الباب الرابع من كتاب حزقيال هكذا ترجمة عربية سنة 1844 [الآية] 10: "وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن عشرين مثقالاً في كل يوم من وقت إلى وقت تأكله 12 وكخبز من شعير تأكلهُ وتلطخه بزبل يخرج من الإنسان في عيونهم 14 فقلت آه آه آه يا رب الإله ها هو ذا نفسي لم تتنجس، والميت والفريسة من السبع لم آكل منه منذ صباي حتى الآن ولم يدخل في فمي كل لحم نجس 15 فقال لي ها أعطيك زبل البقر عوض رجيع الناس وتصنع خبزك فيه" أمر الله أولاً بأن "تلطخه بزبل يخرج من الإنسان" ثم لما استغاث حزقيال عليه السلام نسخ هذا الحكم قبل العمل فقال: "أعطيك زبل البقر عوض رجيع الناس". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 670 (الرابع) في الباب السابع عشر من سفر الأخبار هكذا: 3 "أيما رجل من بني إسرائيل ذبح ثوراً أو خروفاً أو عنزاً في المحلة أو خارجاً عن المحلة 4 ولا يأتي بقربانه إلى باب قبة الزمان ليقربه قرباناً للرب فليُحسب على ذلك الرجل سفْك دَم من أنه أراق دماً ويهلك ذلك الرجل من شعبه" وفي الباب الثاني عشر من كتاب الاستثناء هكذا: 15 "فأما إن شئت أن تأكل وتستلذ بأكل اللحم فاذبح وكل بالبركة التي أعطاك الرب إلهك في قراك الخ 20 وإذا أوسع الرب إلهك تخومك مثل ما قال لك وأردت أن تأكل اللحم ما تشتهيه نفسك 21 وكان بعيد المكان الذي اصطفاه الرب إلهك ليكون اسمه هناك فاذبح من البقر والغنم الذي لك كما أمرتك وكل في قراك كما تريد 22 كما يؤكل من الظبي والإبل هكذا فتأكلون منها جميعاً طاهراً كان أو غير طاهر" فنسخ حكم سفر الأخبار بحكم سفر التثنية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 671 قال هورن في الصفحة 619 من المجلد الأول من تفسيره بعد نقل هذه الآيات هكذا: "في هذين الموضعين تناقض في الظاهر لكن إذا لوحظ أن الشريعة الموسوية كانت تزاد وتنقص على وَفق حال بني إسرائيل وما كانت بحيث لا يمكن تبديلها فالتوجيه في غاية السهولة"، ثم قال: "نسخ موسى في السنة الأربعين من هجرتهم قبل دخول فلسطين ذلك الحكم" أي حكم سفر الأخبار "بحكم سفر الاستثناء نسخاً صريحاً، وأمر أنه يجوز لهم بعد دخول فلسطين أن يذبحوا البقر والغنم في أي موضع شاؤوا ويأكلوا" انتهى ملخصاً، فاعترف بنسخ الحكم المذكور وأن الشريعة الموسوية كانت تزاد وتنقص على وفق حال بني إسرائيل، فالعجب من أهل الكتاب أنهم يعترضون على مثل هذه الزيادة والنقصان في شريعة أخرى ويقولون إنه مستلزم لجهل الله. (الخامس) في الآية 3 و 23 و 30 و 35 و 39 و 43 و 46 من الباب الرابع من سفر العدد أن خدام قبة العهد لا بد أن لا يكونوا أنقص من ثلاثين وأزيد من خمسين، وفي الآية 24 و 25 من الباب الثامن من السفر المذكور أن لا يكونوا أنقص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 672 من خمس وعشرين وأزيد من خمسين. (السادس) في الباب الرابع من سفر الأخبار أن فداء خطأ الجماعة ثورٌ واحد، وفي الباب الخامس عشر من سفر العدد أنه لا بد أن يكون ثوراً مع لوازمه وَجَدْياً فنسخ الأول. (السابع) يعلم أمر الله من الباب السادس من سفر التكوين أن يدخل في الفُلك اثنان اثنان من كل جنس الحيوانات طيراً كان أو بهيمة مع نوح عليه السلام، ويعلم من الباب السابع من السفر المذكور أن يدخل سبع سبع ذكر وأنثى من البهائم الطاهرة، ومن الطيور مطلقاً ومن البهائم الغير الطاهرة اثنان اثنان، ثم يعلم من الباب المذكور أنه دخل من كل جنس اثنان اثنان، فنسخ هذا الحكم مرتين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 673 (الثامن) في الباب العشرين من سفر الملوك هكذا: "وفي تلك الأيام مرض حزقيا وأشرف على الموت، وأتاه أشعياء النبي ابن عاموص، وقال له هكذا يقول الرب الإله أوص على بيتك لأنك ميت وغير حي 2 فأقبل حزقيا بوجهه إلى الحائط وصلى أمام الرب وقال 3 يا رب اذكر أني سرت بين يديك بالعدل والقلب السليم وعملت الحسنات أمامك وبكى حزقيا بكاء" شديداً 4 "فلما خرج أشعياء أوحى إليه الرب قبل أن يصل إلى وسط الدار وقال 5 ارجع إلى حزقيا مدبر شعبي، وقل له هكذا يقول الرب إله داود أبيك: قد سمعت صلاتك ورأيت دموعك، وها أنا أشفيك سريعاً حتى إذا كان في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب 6 وأزيد على عمرك خمس عشرة سنة" الخ فأمر الله حزقيا على لسان أشعياء بأن أوص على بيتك لأنك ميت، ثم نسخ هذا الحكم قبل أن يصل أشعياء إلى وسط الدار بعد تبليغ الحكم، وزاد على عمره خمس عشرة سنة. (التاسع) في الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: "هؤلاء الاثني عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا 6، ولكن انطلقوا خاصة إلى الخراف التي هلكت من بني إسرائيل" وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى قول المسيح عليه السلام في حقه هكذا: "لم أُرْسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" الجزء: 3 ¦ الصفحة: 674 فعلى وفق هذه الآيات كان عيسى عليه السلام يخصص رسالته إلى بني إسرائيل، ونقل قوله في الآية الخامسة عشرة من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس هكذا: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" فالحكم الأول منسوخ. (العاشر) في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى هكذا: 1 "حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه 2 قائلاً جلس الكتبة والفريسيون على كرسي موسى 3 فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه" فحكم بأن كل ما قالوا لكم فافعلوه، ولا شك أنهم يقولون بحفظ جميع الأحكام العملية للتوراة سيما الأبدية على زعمهم وكلها منسوخة في الشريعة العيسوية كما علمت مفصلة في أمثلة القسم الأول، فهذا الحكم منسوخ ألبتة، والعجب من علماء البروتستنت أنهم يوردون في رسائلهم هذه الآيات تغليطاً لعوام أهل الإسلام مستدلين بها على بطلان النسخ في التوراة، فيلزم أن يكونوا واجبي القتل لأنهم لا يعظمون السبت، وناقض تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل، كما عرفت في المثال التاسع من أمثلة القسم الأول. (الحادي عشر) قد عرفت في المثال الثالث عشر أن الحواريين بعد المشاورة نسخوا جميع أحكام التوراة العملية غير الأربعة ثم نسخ بولس حرمة الثلاثة منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 675 (الثاني عشر) في الآية السادسة والخمسين من الباب التاسع من إنجيل لوقا قول المسيح عليه السلام هكذا: "إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" ومثله في إنجيل يوحنا في الآية السابعة عشرة من الباب الثالث، وفي الآية السابعة والأربعين من الباب الثاني عشر، ووقع في الآية الثامنة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالو نبقي هكذا: "وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهوره" فالقول الثاني ناسخ للأول، وقد علم من هذه الأمثلة الأربعة الأخيرة أعني من التاسع إلى الاثني عشر أن نسخ أحكام الإنجيل واقع بالفعل فضلاً عن الإمكان حيث نسخ عيسى عليه السلام بعض حكمه بحكمه الآخر، ونسخ الحواريون بعض أحكامه بأحكامهم، ونسخ بولس بعض أحكام الحواريون، بل بعض قول عيسى عليه السلام بأحكامه وقوله، وظهر لك أن ما نقل عن المسيح عليه السلام في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى، والآية الثالثة والثلاثين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا ليس المراد به أن قولاً من أقوالي وحكماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 676 من أحكامي لا ينسخ وألا يلزم تكذيب إنجيلهم، بل المراد بقوله كلامي هو الكلام المعهود الذي أخبر به عن الحادثات التي تقع بعده، وهي مذكورة قبل هذا القول في الإنجيلين، فالإضافة في قوله كلامي للعهد لا للاستغراق، وحمل مفسروهم أيضاً هذا القول على ما قلت في تفسير دوالي ورجرد مينت في ذيل شرح عبارة إنجيل متى هكذا: "قال القسيس بيروس: مراده أنه تقع الأمور التي أخبرت بها يقيناً، دين استاين هوب: إن السماء والأرض وإن كانتا غير قابلتين للتبديل بالنسبة إلى الأشياء الأخر لكنهما ليستا بمحكمتين مثل أحكام إخباري بالأمور التي أخبرت بها، فتلك كلها تزول وإخباري بالأمور التي أخبرت بها لا تزول، بل القول الذي قلته الآن لا يتجاوز شيء منه عن مطلبه" فالاستدلال بهذا القول ضعيف جداً، والقول المذكور هكذا: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول". وإذا عرفت أمثلة القسمين ما بقي لك شك من وقوع النسخ بكلا قسميه في الشريعة الموسوية والعيسوية، وظهر أن ما يدعيه أهل الكتاب من امتناع النسخ باطل لا ريب فيه، كيف لا وإن المصالح قد تختلف باختلاف الزمان والمكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 677 والمكلفين فبعض الأحكام يكون مقدوراً للمكلفين في بعض الأوقات ولا يكون مقدوراً في بعض آخر، ويكون البعض مناسباً لبعض المكلفين دون بعض، ألا ترى أن المسيح عليه السلام قال مخاطباً للحواريين: "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم لا تستطيعون الآن أن تحتملوا، وأما متى جاء ذاك، روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا، وقال للأبرص الذي شفاه: لا تخبر عن هذه الحال أحداً، كما هو مصرح به في الباب الثامن من إنجيل متى، وقال للأعميين اللذين فتح أعينهما: لا تخبرا أحداً عن هذا الحال، كما هو مصرح به في الباب التاسع من إنجيل متى، وقال لأبوي الصبية التي أحياها لا تخبرا أحداً عما كان، كما هو مصرح به في الباب الثامن من إنجيل لوقا، وأمر الذي أخرج الشياطين منه بأن ارجع إلى بيتك وأخبر بما صنع الله بك، كما هو مصرح به في الباب المذكور، وقد علمت في المثال السادس والثالث عشر من أمثلة القسم الأول، وفي المثال الرابع من أمثلة القسم الثاني ما يناسب هذا المقام، وكذلك ما أمر بنو إسرائيل بالجهاد على الكفار ما داموا في مصر وأمروا بعد ما خرجوا. [وقال المعلم ميخائيل مشاقة في الفصل الثالث من القسم الثاني من كتابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 678 المسمّى بـ (أجوبة الإنجيليّين على أباطيل التقليديّين) المطبوع سنة 852 م في بيروت في الصفحة 71 و 72: "إن الشريعة الموسوية ثلاثة أقسام وهي: الشريعة الأدبيّة، والشريعة الطقسيّة، والشريعة السياسيّة، فالشريعة الأدبيّة ينحصر ملخّصها في وصايا الله العشر، ولا يُعفى أحد من حفظها، وهي الناموس الذي أشار إليه السيد المسيح بقوله: "ما جئت لأجل نقْضِ الناموس بل لأكمّل وإنّ السماء والأرض تزولان وحرف واحد من الناموس لا يتغيّر حتى يكون كلّه"، والدليل على ذلك هو أنّ السيد المسيح بعد قوله هذا أخذ يفسر لهم الوصايا ويكمّلها بقوله: قيل للأولين: لا تقتل، وأنا أقول لكم: من غضب على أخيه فقد وجبت عليه الدينونة، وقيل للأوّلين: لاتزن، وأنا أقول لكم: من نظر إلى امرأة إلى أن يشتهيها فقد زني بها في قلبه، وإنّه قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأنا أقول لكم لا تحلفوا البتة وليكن كلامكم (نعم. نعم) و (لا. لا) ، وأما الشريعتان الأخريان فلم يعلم بهما بل حلّهما بتّة بمنعه الطلاق وعدم إجازته رجم الزانية، مع أشياء كثيرة كتب الرسلُ في حلّها كالختانة وتمييز المطاعم إلى غير ذلك من الأمور الطقسيّة والسياسيّة، فالشريعة الطقسيّة تتعلّق بكيفيّة إجراء الطقوس وتقْدمة القرابين في الهيكل، وقد بطلت حين خرابه، وهي خاصّة باليهود إذْ كان الهيكل عامراً، وأمّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 679 الشريعة السياسيّة فهي تتعلّق بالأحكام الزمنيّة -كتوزيع المواريث وبيع العقارات وقصاص الجنايات- وكانت خاصّة بدولة اليهود، فعندما زال حكمهم لم يبقوا ملتزمين بحفظها، وبالجملة: إنّ أحكام الشريعتين الطقسيّة والسياسية لا يلتزم بها المسيحيون؛ لأنّها كانت خاصّة باليهود مدة حكمهم وعمارة الهيكل فزالتا بزوالهما" انتهى كلامه بعبارته. وعلم من كلامه أمران: الأوّل: أنّ المراد بالناموس في قول المسيح المنقول في الباب الخامس من إنجيل متّى: الأحكام العشرة فقط، وهي عبارة عن الشريعة الأدبية وهو الحق. والثاني: أنّ المسيح أبقى الشريعة الأدبية فقط وكمّلها، ونسخ وأبطل يقينا الشريعتيْن الباقيتيْن اللتيْن هما عبارتان من غير الأحكام العشرة. وأقول: إنّ حكم السبت من هذه الأحكام العشرة أيضاً منسوخ في الشريعة العيسوية، فحصل لهم الفراغ عن جميع أحكام التوراة ما عدا الأحكام التسعة، وهذه الأحكام التسعة باقية في الشريعة المحمّدية أيضاً، فلا يلزم علينا اعتراض مّا بالنسبة إلى نسخ أحكام التوراة، وظهر أنّ تمسّك بعض القسيسين بقول المسيح المذكور على عدم نسخ أحكام التوراة فهو ناشيء عن جهله أو تغليطه وعدم ديانته] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 680 الباب الرابع في إبطال التثليث وهو مشتمل على مقدمة وثلاثة فصول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 681 مقدمة أما المقدمة ففي بيان اثني عشر أمراً تفيد الناظر بصيرة في الفصول. (الأمر الأول) أن كتب العهد العتيق ناطقة بأن الله واحد أزلي أبدي لا يموت، قادر يفعل ما يشاء ليس كمثله شيء لا في الذات ولا في الصفات، بريء عن الجسم والشكل، وهذا الأمر لشهرته وكثرته في تلك الكتب غير محتاج إلى نقل الشواهد. (الأمر الثاني) أن عبادة غير الله حرام، وحرمتها مصرحة في مواضع شتى من التوراة مثل الباب العشرين والرابع والثلاثين من سفر الخروج، وقد صرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء أنه لو دعا نبي أو من يدعي الإلهام في المنام إلى عبادة غير الله يقتل هذا الداعي، وإن كان ذا معجزات عظيمة، وكذا لو أغرى أحدٌ من الأقرباء أو الأصدقاء إليها يُرْجَم هذا المُغْري ولا يرجم عليه، وفي الباب السابع عشر من السفر المسطور أنه لو ثبتت على أحد عبادة غير الله يُرْجَم رجلاً كان أو امرأة. (الأمر الثالث) في الآيات الكثيرة الغير المحصورة من العهد العتيق إشعار بالجسمية والشكل والأعضاء لله تعالى مثلاً في الآية 26 و 27 من الباب الأول من سفر التكوين والآية 6 من الباب التاسع من السفر المذكور إثبات الشكل والصورة لله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 682 وفي الآية 17 من الباب التاسع والخمسين من كتاب أشعياء إثبات الرأس، وفي الآية 9 من الباب السابع من كتاب دانيال إثبات الرأس والشعر، وفي الآية 3 من الزبور الثالث والأربعين إثبات الوجه واليد والعضد، وفي الآية 22 و 23 من الباب الثالث والثلاثين من كتاب الخروج إثبات الوجه والقفا، وفي الآية 15 من الباب الثالث والثلاثين إثبات العين والأذن، وكذا في الآية 18 من الباب التاسع من كتاب دانيال إثبات العين والأذن، وفي الآية 29 و 52 من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وفي الآية 17 من الباب السادس عشر والآية 19 من الباب الثاني والثلاثين من كتاب أرمياء والآية 21 من الباب الرابع والثلاثين من كتاب أيوب، والآية 21 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 683 من الباب الخامس والآية 3 من الباب الخامس عشر من كتاب الأمثال إثبات العين، وفي الآية 4 من الزبور العاشر إثبات العين والأجفان، وفي الآية 6 و 8 و 9 و 15 من الزبور السابع عشر إثبات الأذن والرجل والأنف والنفس والفم، وفي الآية 27 من الباب الثلاثين من كتاب أشعياء إثبات الشَّفة واللسان، وفي الباب الثالث والثلاثين من سفر الاستثناء إثبات اليد والرجل، وفي الآية 18 من الباب الحادي والثلاثين من سفر الخروج إثبات الأصابع، وفي الآية 19 من الباب الرابع من كتاب أرمياء إثبات البطن والقلب، وفي الآية 3 من الباب الحادي والعشرين من كتاب أشعياء إثبات الظهر،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 684 وفي الآية 7 من الزبور الثاني إثبات الفرج، وفي الآية 28 من الباب العشرين من أعمال الحواريين إثبات الدم، وللتنزيه في التوراة آيتان وهما الآية الثانية عشرة والآية الخامسة عشرة من الباب الرابع من سفر الاستثناء وهما هكذا: 12 "فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوت كلامه ولم تروا الشبه ألبتة" 15 "فاحفظوا أنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبيهاً يوماً كلمكم الرب في حوريب من جوف النار" ولما كان مضمون هاتين الآيتين مطابقاً للبرهان العقلي، وجب تأويل الآيات الغير المحصورة لا [عدم] تأويلهما، وأهل الكتاب ههنا أيضاً يوافقوننا ولا يرجحون الآيات الغير المحصورة على هاتين الآيتين، وكما يوجد الإشعار بالجسمية لله تعالى فكذا يوجد بإثبات المكان لله تعالى في الآيات الغير محصورة من العهد العتيق والجديد مثل الآية 8 باب 25، والآية 45 و 46 من باب 29 من سفر الخروج، وفي الآية 3 باب 5 و 34 باب 35 من سفر العدد، وفي الآية 15 من الباب السادس والعشرين من سفر الاستثناء، وفي الآية 5 و 6 من الباب السابع من سفر صموئيل الثاني، وفي الآية 30 و 32 و 34 و 36 و 39 و 45 و 49 من الباب الثامن من سفر الملوك الأول،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 685 وفي الآية 11 من الزبور التاسع، وفي الآية 4 من الزبور العاشر، وفي الآية 8 من الزبور الخامس والعشرين، وفي الآية 16 من الزبور السابع والستين، وفي الآية 2 من الزبور الثالث والسبعين وفي الآية 2 من الزبور الخامس والسبعين وفي الآية 1 من الزبور الثامن والتسعين وفي الآية 21 من الزبور المائة والرابع والثلاثين، وفي الآية 17 و 21 من الباب الثالث من كتاب يوتيل، وفي الآية 2 من الباب الثامن من كتاب زكريا وفي الآية 45 و 48 باب 5 و 1 و 9 و 14 و 26 باب 6 و 11 و 21 باب 7 و 32 و 33 باب 10 و 50 باب 2 و 13 باب 15 و 17 باب 16 و 10 و 14 و 19 و 35 باب 18 و 19 و 22 باب 23 من إنجيل متى، ولا توجد في العهد العتيق والجديد الآيات الدالة على تنزيه الله عن المكان إلا قليلة مثل الآية 1 و 2 من الباب السادس والستين من كتاب أشعياء، والآية 48 من الباب السابع من أعمال الحواريين، لكن لما كان مضمون هذه الآيات القليلة موافقاً للبراهين أولت الآيات الكثيرة الغير المحصورة المشعرة بالمكان لله تعالى لا هذه الآيات القليلة، وأهل الكتاب أيضاً يوافقوننا في هذا التأويل،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 686 فقد ظهر من هذا الأمر الثالث أن الكثير إذا كان مخالفاً للبرهان يجب إرجاعه إلى القليل الموافق له، ولا يعتد بكثرته فكيف إذا كان الكثير موافقاً والقليل مخالفاً فإن التأويل فيه ضروري ببداهة العقل. (الأمر الرابع) قد علمت في الأمر الثالث أنه ليس لله شبه وصورة وقد صرح به في العهد الجديد أيضاً في مواضع عديدة أن رؤية الله في الدنيا غير واقعة، في الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: "الله لم يره أحد قط" وفي الآية السادسة عشرة من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس: "لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" وفي الآية الثانية عشرة من الباب الرابع من رسالة يوحنا الأولى: "الله لم ينظره أحد قط" فثبت من هذه الآيات أن من كان مرئياً لا يكون إلهاً قط، ولو أطلق عليه في كلام الله أو الأنبياء أو الحواريين لفظ الله ومثله فلا يغتر أحدٌ بمجرد إطلاق مثل لفظ الله، ولا يدعي أن التأويل مجاز فكيف يرتكب لأن المصير إلى المجاز يجب عند القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة سيما إذا دل البرهان القطعي على المنع، نعم يكون لإطلاق مثل هذه الألفاظ على غير الله وجه مناسب لكل محل، مثلاً إن إطلاقها في الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام على بعض الملائكة لأجل ظهور جلال الله فيه أزيد من الغير،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 687 وفي الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج قول الله سبحانه هكذا: 20 "أنا أرسل ملاكي أمامك ليحفظك في الطريق ويدخلك إلى المكان الذي أن استعديت 21 فاحتفظ به وأطع أمره ولا تشاقّه، إنه لا يغفر إذا أخطأت، إن اسمي معه 23 وينطلق ملاكي أمامك فيدخلك على الأموريين والحيثانيين والفرزانيين والكنعانيين والحوايين واليانوسانيين الذين أنا أخرجهم". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 688 فقوله: أرسل ملاكي أمامك، وكذا قوله ينطلق ملاكي، نصان على أن الذي كان يسير مع بني إسرائيل في عمود سحاب في النهار وعمود نار في الليل كان ملكاً من الملائكة وقد أطلق عليه مثل هذه الألفاظ كما ستطّلع عليه لأجل ما قلت، كما يظهر من قوله إن اسمي معه، وقد جاء إطلاقها في مواضع غير محصورة على الملك والإنسان الكامل، بل على آحاد الناس، بل على الشيطان الرجيم، بل على غير ذوي العقول أيضاً، وقد علم من بعض المواضع تفسير بعض هذه الألفاظ، وفي بعض المواضع يدل سوق الكلام بحيث لا يشتبه على الناظر في بادئ الرأي، وها أنا أورد عليك شواهد هذا الباب وأنقل في هذا الباب عبارة كتب العهد العتيق عن الترجمة العربية التي طبعت في لندن سنة 1844 من الميلاد وعبارة العهد الجديد، إما من الترجمة المذكورة وإما من الترجمة العربية التي طبعت في بيروت سنة 1860 ولا أنقل جميع عبارة الموضع المستشهد به بل أنقل الآيات التي يتعلق الغرض بها في هذا المقام وأترك الآيات الغير المقصودة، في الباب السابع عشر من سفر التكوين هكذا: 1 "ولما صار أبرام ابن تسعة وتسعين سنة تراءى له الرب وقال أنا الله ضابط الكل فسر أمامي وكن تاماً" 4 " وقال له الله أنا هو وعهدي معك وستكون أباً لأمم كثيرة" 7 "وأقيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 689 ميثاقي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك بأجيالهم ميثاقاً أبدياً لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك" 8 "وسأعطي لك ولنسلك أرض غُربتك جميع أرض كنعان مِلْكاً إلى الدهر، وأكون لهم إلهاً" 9 "فقال الله لإبراهيم ثانية الخ" 15 وقال "الله أيضاً لإبراهيم الخ" 18 "وقال الله الخ" 22 "ولما فرغ الله من خطابه صعد عن إبراهيم" وكان هذا المتكلم المرئي ملكاً لما علمت، ولقوله صعد عن إبراهيم، ففي هذه العبارة أطلق عليه لفظ الله والرب والإله، وأطلق هو على نفسه "أنا الله ضابط الكل لأكون إلهك ولنسلك من بعدك وأكون إلهاً لهم" وكذا أطلق أمثال هذه الألفاظ في الباب الثامن عشر من سفر التكوين على الملك الذي ظهر على إبراهيم عليه السلام مع الملكين الآخرين، وبشره بولادة إسحاق وأخبر بأن قرى لوط ستخرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 690 في أزيد من أربعة عشر موضعاً، وفي الباب الثامن والعشرين من السفر المذكور في حال يعقوب عليه السلام إذ سافر إلى بلد حاله هكذا: 10 "وخرج يعقوب من بير سبع ماضياً إلى حرّان" 11 "وأتى إلى موضع وبات هناك فأخذ حجراً من حجارة ذلك الموضع ووضعه تحت رأسه ونام هناك" 12 "فنظر في الحلم سلماً قائماً على الأرض ورأسه يصل إلى السماء وملائكة الله يصعدون ويهبطون فيه" 13 "والرب كان ثابتاً على رأس السلم، وقال أنا هو الله إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق فالأرض التي أنت عليها راقد أعطيكها لك ولنسلك" 14 "ويكون نسلك مثل رمل الأرض، ويتسع إلى المغرب والمشرق، ويتيمن ويتبارك بك وبزرعك جميع قبائل الأرض" 15 "وأحفظك حيثما انطلقت، وأعيدك إلى هذه الأرض ولا أخليك حتى أعمل ما قلته لك" 16 "فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقاً إن الرب في هذا المكان وأنا لم أكن أعلم" 17 " وخاف وقال ما أخوف هذا الموضع ما هذا إلا بيت الله وباب السماء" 18 "وقام يعقوب بالغداة وأخذ الحجر الذي كان توسد به وأقامه نصبة وسكب عليه دهناً" 19 "ودعا اسم المدينة بين إيل التي كانت أولاً لوزاً" 20 "ونذر نذراً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 691 قائلاً إن كان الله يكون معي ويحفظني في الطريق الذي أنا سائر به ويرزقني خبزاً آكل وكسوة ألبس" 21 "ورجعت بسلام إلى بيت أبي فالرب يكون لي إلهاً" 22 "وهذا الحجر الذي أقمته نصبة يدعى بيت الله وكل ما أعطيتني أديت إليك عشوره". وفي الباب الحادي والثلاثين من السفر المذكور قول يعقوب عليه السلام في خطاب زوجته لِيَا وراحيل هكذا: 11 "فقال لي ملاك الله في الحلم يا يعقوب فقلت هو ذا أنا" 12 "فقال لي الخ" 13 "أنا إله بيت إيل حيث مسحت قائمة الحجر ونذرت لي نذراً والآن قم فاخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض ميلادك" وفي الباب الثاني والثلاثين من السفر المذكور هكذا: 9 "وقال يعقوب يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق أيها الرب الذي قلت لي ارجع إلى أرضك وإلى مكان ميلادك وأباركك" 12 "فأنت تكلمت وقلت إنك تحسن إلي وتوسع نسلي مثل رمل البحر الذي لا يحصى لكثرته" وفي الباب الخامس والثلاثين من السفر المذكور هكذا: "وقال الله ليعقوب قم فاصعد إلى بيت إيل واسكن هناك، وانصب هناك مذبحاً لله الذي ظهر لك وأنت هارب من وجه عيصو أخيك" 2 "وقال يعقوب لأهله الخ" 3 "نصعد إلى بيت إيل لنصنع هناك مذبحاً لله الذي استجاب لي في ضيقتي وكان معي في طريقي" 6 "فجاء يعقوب إلى لوزا التي في أرض كنعان هذه بيت إيل الخ" 7 "وبنى هناك مذبحاً ودعا اسم المكان بيت الله لأن هناك ظهر له الله الخ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 692 وفي الباب الثامن والأربعين من السفر المذكور هكذا: 3 "إن الله الضابط الكل استعلن عليّ في لوزا بأرض كنعان وباركني" 4 "وقال لي أني منميك وجاعلك بجماعة الشعوب وأعطيك هذه الأرض ولنسلك من بعدك ميراثاً إلى الدهر" فظهر من الآية الحادية عشرة والثالثة عشرة من الباب الحادي والثلاثين أن الذي ظهر على يعقوب عليه السلام، ووعده وعهد ونذر يعقوب عليه السلام معه كان ملكاً، وجاء إطلاق لفظ مثل الله عليه في العبارات المذكورة في أزيد من ثمانية عشر موضعاً وقال هذا الملك: "أنا هو الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، وقال يعقوب عليه السلام في حقه "يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق أيها الرب وإن الله ضابط الكل استعلن عليّ" وفي الباب الثاني والثلاثين من السفر المذكور هكذا: 24 "وتخلف هو وحده وهو ذا رجل فكان يصارعه إلى الفجر" 25 "وحين نظر أنه لا يقوى به فجس عرق وركه ولساعته ذبل" 26 "وقال له أطلقني لأنه قد أسفر الصبح وقال له لا أطلقك أو تباركني" 27 "فقال له ما اسمك فقال يعقوب" 28 "قال لا يدعي اسمك يعقوب بل إسرائيل من أجل أنك إن كنت قويت مع الله فكم بالحري لك قوة في الناس" 19 "فسأله يعقوب عرفني ما اسمك فقال له لم تسأل عن اسمي وباركه فيذلك المكان" 30 "فدعا يعقوب اسم ذلك المكان فنوائل قائلاً رأيت الله وجهاً لوجه وتخلصت نفسي". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 693 وهذا المصارع كان ملكاً لما عرفت ولأنه يلزم أن يكون إله بني إسرائيل في غاية العجز والضعف حيث صارع يعقوب عليه السلام إلى الفجر، ولم يغلب عليه بدون الحيلة، ولأن كلام هوشع نص في هذا الباب في الباب الثاني عشر من كتابه هكذا: 3 "في البطن عقب أخاه وفي جبروته أفلح معه الملاك" 4 "وغلب الملك وتقوّى وبكى وسأله ووجده في بيت إيل وهناك كلمنا" فأطلق عليه لفظ الله في الموضعين وفي الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 9 "فظهر الله ليعقوب أيضاً من بعد ما رجع من بين نهري سورية وباركه" 10 "قائلاً لا يدعي اسمك بعدها يعقوب بل يكون اسمك إسرائيل ودعا اسمه إسرائيل" 11 "وقال له أنا الله الضابط الكل أتم وأكثر الأمم ومجامع الشعوب تكون منك والملوك من صلبك يخرجون 12 والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحاق فلك أعطيها وأعطي نسلك هذه الأرض من بعدك 13 وارتفع الله عنه 14 ونصب يعقوب حجراً في الموضع الذي كلمه فيه الله قائمة حجرية ودفق عليه مدفوقاً وصب عليه دهناً 15 ودعا اسم الموضع الذي كلمه الله هناك بيت إيل" وهذا الذي ظهر هو الملك المذكور فأطلق عليه لفظ الله في خمسة مواضع وقال هو "أنا الله الضابط الكل" وفي الباب الثالث من سفر الخروج 2 "وتراءى له الرب بلهيب النار من وسط العليقة فنظر إلى العليقة تتوقد فيها النار، وهي لم تحترق 4 ورأى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 694 أنه جاء الخ 6، وقال له إني أنا الله إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، فغطى موسى وجهه من أجل أنه خشي أن ينظر نحو الله 7 فقال له الرب الخ 11 فقال موسى لله الخ 12 فقال له الله أنا أكون معك وهذه علامة لك أني أنا أرسلتك إذا أخرجت شعبي من مصر يعملون ذبيحة قدّام الله على هذا الجبل 13 فقال موسى لله هو ذا أنا أذهب إلى بني إسرائيل، وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم، فإن قالوا لي ما اسمه ماذا أقول لهم؟ 14 فقال الله لموسى اهية اشراهيه، وقال له: هكذا تقول لبني إسرائيل اهية أرسلني إليكم 15 وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل الرب إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم هكذا اسمي إلى الدهر، وهذا هو ذكري إلى جيل الأجيال 16 فاذهب اجمع شيوخ بني إسرائيل وقل لهم الرب إله آبائكم استعلن عليّ إله إبراهيم وإله يعقوب الخ". فالذي ظهر على موسى وكلمه قال في حقه "إني أنا الله إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب" ثم قال "اهية اشراهية" ثم أمر موسى عليه السلام أن يقول لبني إسرائيل "اهية أرسلني والرب إله آبائكم إله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 695 إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم" وقال "هذا اسمي إلى الدهر وهذا هو ذكري إلى جيل الأجيال" وأطلق عليه في هذه العبارة لفظ الله والرب وأمثالهما في أزيد من خمسة وعشرين موضعاً، وأطلق عليه المسيح عليه السلام أيضاً لفظ الله كما نقل مرقس في الباب الثاني عشر، ومتى في الباب الثاني والعشرين، ولوقا في الباب العشرين قول المسيح عليه السلام في خطاب الصدوقيين هكذا: "أفما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلمه الله قائلاً أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب" انتهى بعبارة مرقس، وهذا كان مَلكاً لما عرفت، ولذلك في أكثر التراجم الهندية والفارسية بدل لفظ الله لفظ فرشته الذي هو ترجمة الملك، والآية الأولى من الباب السابع من سفر الخروج هكذا: "فقال الرب لموسى انظر فإني قد جعلتك إلهاً لفرعون وهارون أخوك يكون لك نبياً" والآية السادسة عشرة من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: "هو يتكلم مع الشعب عوضك، وهو يكون لك وأنت تكون له في أمور الله" فوقع لفظ الإله والله في حق موسى عليه السلام، ومن ههنا يظهر ترجيح اليهود على المسيحيين في هذه العقيدة لأنهم مع ادعاء محبتهم لموسى وترجيحه على سائر الأنبياء ما أوصلوه إلى رتبة الألوهية متمسكين بمثل هذه الأقوال،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 696 وفي الباب الثالث عشر من سفر الخروج هكذا: 21 "وكان الرب يسير أمامهم ليريهم الطريق في النهار بعمود سحاب وفي الليل بعمود نار ليهديهم الطريق نهاراً وليلاً 22 لم يزل قط عمود السحاب نهاراً ولا عمود النار ليلاً من قدام الشعب" ثم في الباب الرابع عشر من السفر المذكور هكذا: 19 "فانطلق ملاك الله الذي كان يسير قدّام عسكر إسرائيل، ومشى خلفهم وعمود الغمام أيضاً معه فتحوّل من قدام وجوههم إلى ورائهم 24 فلما كان عند محرس السحر نظر الرب إلى محلة المصريين بعمود النار والغمامة وقتل عسكرهم"، وهذا السائر كان ملكاً كما صرح به في الآية 19 وأطلق عليه لفظ الرب على وفق الترجمة العربية ولفظ يَهُواه على وفق الهندية الموجودة عندي، وفي الباب الأول من سفر الاستثناء هكذا: 30 "فإن الرب الإله الذي يسير أمامكم فهو يقاتل عنكم كما عمل في مصر، والكل ينظرون 31 وفي البرية أنت رأيت بعينيك، حملك الرب إلهك كما أنه يحمل الرجل ولده الخ" 32 "ولم تؤمنوا في ذلك بالرب إلهكم 33 الذي سار أمامكم في الطريق، وحدد لكم المكان الذي كان فيه يجب أن تنصبوا الخيام، في الليل يريكم الطريق بالنار، وفي النهار بعمود الغمام، فجاء إطلاق لفظ الرب الإله في ثلاثة مواضع على الملك المذكور، لأنه كان سائراً أمامهم وقاتلاً لعسكر المصريين. وفي الباب الحادي والثلاثين من السفر المذكور هكذا: 3 "فالرب إلهك هو يعبر قدامك الخ" 4 "فيصنع الرب الخ" 5 "فإذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 697 أمكنكم الرب الخ" 6 فاجترءوا عليهم وتقووا ولا تخافوا ولا ترهبوا إذا نظرتموهم "إن الرب إلهك فهو يسير أمامك الخ 8 والرب الذي هو السائر أمامكم فهو يكون معك الخ" ففي هذه العبارة أيضاً إطلاق لفظ الرب إلهك والرب على الملك المذكور: والآية 22 من الباب الثالث عشر من كتاب القضاة في حق الذي تكلم مع نوح وامرأته وبشرهما بالولد هكذا: "فقال منوح لامرأته بموت نموت لأننا عاينا الله" وصرح به في الآية 3 و 9 و 13 و 15 و 16 و 18 و 21 من هذا الباب أنه كان ملكاً فأطلق عليه لفظ الله، وكذا جاء هذا الإطلاق على الملك في الباب السادس من كتاب أشعياء، والباب الثالث من سفر صموئيل الأول، والباب الرابع والتاسع من كتاب حزقيال، والباب السابع من كتاب عاموص والآية السادسة من الزبور الحادي والثمانين على وفق الترجمة العربية، ومن الزبور الثاني والثمانين على وفق التراجم الأخر هكذا: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم" فجاء ههنا إطلاق الآلهة وأبناء الله على العوام فضلاً عن الخواص،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 698 وفي الباب الرابع من الرسالة الثانية إلى أهل قورنيثوس هكذا: 3 "ولكن إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنما هو مكتوم في الهالكين 4 الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان الغير المؤمنين لئلا تضيء لهم نارة إنجيل مجد المسيح" والمراد بإله الدهر الشيطان على ما زعم علماء البروتستنت، فجاء مثل هذا الإطلاق على الشيطان الرجيم على زعمهم فضلاً عن الإنسان، وإنما قلت على زعمهم لأنهم يريدونه ههنا لئلا يلزم نسبة الإعماء إلى الله تعالى، فيلزم كون الله خالق الشر، وهذا هو هوس من هوساتهم لأن خالق الشر على وفق كتبهم المقدسة يقيناً هو الله تعالى، وأنقل ههنا شاهدين وستطلع على شواهد أخر أيضاً في موضعه. الآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعياء هكذا: "المصور النور والخالق الظلمة الصانع السلام والخالق الشر أنا الرب الصانع هذه جميعاً" وقال مقدسهم بولس في الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالو نيقي: "سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم" ولما كان زعمهم كما ذكرنا والمقصود النقل على سبيل الإلزام فالمقصود حاصل، وهو أن إطلاق إله الدهر جاء على الشيطان والآية 16 من الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا: "الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم" فأطلق مقدسهم على البطن لفظ الإله،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 699 وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: 8 "ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة 16، ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" فيوحنا أثبت اتحاد المحبة بالله، وقال في الموضعين الله محبة ثم أثبت التلازم هكذا من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه، وإطلاق الآلهة على الأصنام كثير جداً في الكتب السماوية، فلا حاجة إلى نقل شواهد. وكذا إطلاق الرب بمعنى المخدوم والمعلم كثير جداً يعني عن نقل شواهده. التفسير الواقع في الآية 38 من الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: "فقال ربي تفسيره يا معلم" إذا علمت ما ذكرت فقد حصلت لك البصيرة التامة أنه لا يجوز لعاقل أن يستدل بإطلاق بعض هذه الألفاظ على بعض الحوادث التي حدوثها وتغيرها وعجزها من الحسيات أنه إله أو ابن الله، وينبذ جميع البراهين العقلية القطعية، وكذا البراهين النقلية وراءه. (الأمر الخامس) إن وقوع المجاز في غير المواضع التي مرّ ذكرها في الأمر الثالث والرابع كثير: مثلاً وعد الله إبراهيم عليه السلام في تكثير أولاده هكذا الآية السادسة عشرة من الباب الثالث عشر من سفر التكوين: "وأجعل نسلك مثل تراب الأرض فإن استطاع أحد من الناس أن يحصي تراب الأرض فإنه يستطيع أن يحصي نسلك". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 700 والآية السابعة عشرة من الباب الثاني والعشرين من السفر المذكور: "أباركك وأكثر نسلك كنجوم السماء ومثل الرمل الذي على شاطئ البحر الخ" وهكذا وعد يعقوب عليه السلام بأن نسلك يكون مثل رمل الأرض كما عرفت في الأمر الرابع، وأولادهما لم يبلغ مقدارهم عدد رطل رمل في الدنيا في وقت من الأوقات فضلاً عن مقدار رمل شاطئ البحر أو رمل الأرض، ووقع في مدح الأرض التي كان وعد الله إعطاءها في الآية الثامنة من الباب الثالث من سفر الخروج وغيرها من الآيات بأنه يسيل فيها اللبن والعسل ولا أرض في الدنيا كذلك، ووقع في الباب الأول من سفر الاستثناء هكذا: "والقرى عظيمة محصّنة إلى السماء" ووقع في الباب التاسع من السفر المذكور هكذا: "وأشد منك مدناً كبيرة حصينة مشيدة إلى السماء" وفي الزبور السابع والسبعين هكذا: 65: "واستيقظ الرب كالنائم مثل الجبار المفيق من الخمر 66 فضرب أعداءه في الوراء وجعلهم عاراً إلى الدهر"، والآية الثالثة من الزبور المائة والثالث في وصف الله هكذا: "والمسقف بالمياه علاليه الذي جعل السحاب مركبه الماشي على أجنحة الرياح". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 701 وكلام يوحنا مملوء من المجاز قلما تخلو فقرة لا يحتاج فيها إلى تأويل كما لا يخفى على ناظر إنجيله ورسائله ومشاهداته، وأكتفي ههنا على نقل عبارة واحدة من عبارته قال في الباب الثاني عشر من المشاهدات هكذا: 1 "وظهرت آية عظيمة في السماء: امرأة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً 2 وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلده 3 وظهرت آية أخرى في السماء هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى رؤوسه سبعة تيجان 4 وذنبه يجر ثلث نجوم السماء، فطرحها إلى الأرض، والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت 5 فولدت ابناً ذكراً أن يرعى جميع الأمم بعصى من حديد واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه 6 والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولوها هناك ألفاً ومائتين وستين يوماً 7 وحدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته" إلى آخر كلامه وهذا الكلام في الظاهر كلام المجاذيب فلو لم يؤول فمستحيل قطعاً، وتأويله أيضاً يكون بعيداً لا سهلاً وأهل الكتاب يؤوّلون الآيات المذكورة وأمثالها يقيناً ويعترفون بكثرة وقوع المجاز في الكتب السماوية قال صاحب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) في الفصل الثالث عشر من كتابه: "وأما اصطلاح الكتاب المقدس فإنه ذو استعارات وافرة غامضة وخاصة العهد العتيق" ثم قال: "واصطلاح العهد الجديد أيضاً هو استعاري جداً وخاصة مسامرات مخلصنا وقد اشتهرت آراء كثيرة فاسدة لكون بعض معلمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 702 النصارى شرحوها شرحاً حرفياً، ولأجل ذلك نقدم بعض أمثال لنرى بها أن تأويل الاستعارات حرفياً ليس صواباً، وذلك كقول المسيح عن هيرودس اذهبوا وقولوا لذلك الثعلب، فمن المعلوم أن المراد بلفظة الثعلب في هذه العبارة جبار ظالم لأن ذلك الحيوان المدعو هكذا معروف بالحيلة والغدر أيضاً، قال ربنا لليهود: أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء فكل من أكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي سوف أعطيه لحياة العالم، يوحنا ص 6 عدد 15، فاليهود الشهوانيون فهموا هذه العبارة بالمعنى الحرفي وقالوا كيف يقدر هذا الرجل أن يعطينا جسده لنأكله؟ آية 52 ولم يلاحظوا أنه عني بذلك ذبيحته التي وهبها كفارة لخطايا العالم، وقد قال مخلصنا أيضاً عن الخبز عند تعيينه العشاء السري: هذا هو جسدي، وعن الخمر هذا هو دمي، متّى ص 26 عدد 26، فمنذ الدهر الثاني عشر جعلت الرومانيون الكاثوليكيون لهذا القول معنى آخر معكوساً ومغايراً لشواهد أخرى في الكتب المقدسة وللدليل الصحيح، وحتموا أن ينتجوا من ذلك تعليمهم عن الاستحالة أي تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه الجوهريين عندما يلفظ الكاهن بكلمات التقديس الموهوم، مع أنه قد يظهر لكل الحواس الخمسة أن الخبز والخمر باقيان على جوهرهما ولم يتغيرا،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 703 فأما التأويل الصحيح لقول ربنا فهو أن الخبز بمثل جسده والخمر بمثل دمه" انتهى كلامه بلفظه. فاعترافه بين لا خفاء فيه لكن لا بد من النظر في قوله فمنذ الدهر الثاني عشر إلى آخره فإنه رد على الرومانيين في اعتقاد استحالة الخبز والخمر إلى جسد المسيح عليه السلام ودمه بشهادة الحس، وأوّلَ قول المسيح عليه السلام بحذف المضاف وإن كان ظاهر القول كما فهموا لأنه هكذا: 26 "وفيم هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ قال خذوا كلوا هذا هو جسدي 27 وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم 28 لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا"، فقالوا: إن لفظ هذا يدل على جوهر الشيء الحاضر كله، ولو كان جوهر الخبز باقياً لما صح هذا الإطلاق، وإنهم كانوا قبل ظهور فرقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 704 البروتستنت أكثر المسيحيين في العالم وأنهم كثيرون من هذه الفرقة إلى هذا الحين أيضاً. فكما أن هذه العقيدة غلط بشهادة الحس عند هذه الفرقة فكذلك عقيدة التثليث غلط، ولو فرضنا دلالة بعض الأقوال المتشابهة بحسب الظاهر عليها بل محال بالأدلة القطعية، فإن قالوا ألسنا من ذوي العقول فكيف نعترف بها لو كانت محالاً؟ قلنا أليس الرومانيون من ذوي العقول مثلكم، وفي المقدار أكثر منكم إلى هذا الحين فضلاً عن سالف الزمان، فكيف اعترفوا وأجمعوا على ما هو غير صحيح عندكم ويشهد ببطلانه الحس أيضاً؟ وهو باطل في نفس الأمر أيضاً بوجوه: (الأول) أن الكنيسة الرومانية تزعم أن الخبز وحده يستحيل جسد المسيح ودمه ويصير مسيحاً كاملاً، فأقول إذا استحال مسيحاً كاملاً حياً بلاهوته وناسوته الذي أخذه من مريم عليهما السلام، فلا بد أن يشاهد فيه عوارض الجسم الإنساني ويوجد فيه الجلد والعظام والدم وغيرها من الأعضاء لكنها لا توجد فيه بل جميع عوارض الخبز باقية الآن كما كانت فإذا نظره أحد أو لمسه أو ذاقه لا يحس شيئاً غير الخبز، وإذا حفظه يطرأ عليه الفساد الذي يطرأ على الخبز لا الفساد الذي يطرأ على الجسم الإنساني، فلو ثبتت الاستحالة تكون استحالة المسيح خبزاً لا استحالة الخبز مسيحاً، فلو قالوا إن المسيح استحال خبزاً لكان أقل بعداً من هذا، وإن كان هو أيضاً باطلاً ومصادماً للبداهة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 705 (الثاني) إن حضور المسيح بلاهوته في أمكنة متعددة في آن واحد وإن كان ممكناً في زعمهم لكنه باعتبار ناسوته غير ممكن لأنه بهذا الاعتبار كان مثلنا حتى كان يجوع ويأكل ويشرب وينام ويخاف من اليهود ويفر وهلم جرّا، فكيف يمكن تعدده بهذا الاعتبار بالجسم الواحد في أمكنة غير محصورة في آن واحد حقيقة؟ والعجب أنه ما وُجد قبل عروجه إلى السماء بهذا الاعتبار في مكانين أيضاً فضلاً عن الأمكنة الغير المتناهية وكذا بعد عروجه إلى السماء فكيف يوجد بعد القرون بعد اختراع هذا الاعتقاد الفاسد بالاعتبار المذكور في أمكنة غير محصورة في آن واحد. (الثالث) إذا فرضنا أن مليونات من الكهنة في العالم قدسوا في آن واحد واستحالت تقدمة كل إلى المسيح الذي تولد من العذراء، فلا يخلو إمّا أن يكون كل من هؤلاء المسيحيين الحادثين عين الآخر أو غيره، والثاني باطل على زعمهم والأول باطل في نفس الأمر لأن مادة كل غيرُ مادة الآخر. (الرابع) إذا استحال الخبز مسيحاً كاملاً تحت يد الكاهن فكسر هذا الكاهن هذا الخبز كسرات كثيرة وأجزاء صغيرة فلا يخلوا إمّا أن يتقطع المسيح قطعة قطعة على عدد الكسرات والأجزاء أو يستحيل كل كسرة وجزء مسيحاً كاملاً أيضاً فعلى الأول لا يكون المتناول متناول مسيح كامل، وعلى الثاني من أين جاءت هؤلاء المسحاء لأنه ما حصل بالتقدمة إلا المسيح الواحد؟. (الخامس) لو كان العشاء الرباني الذي كان قبل صلبه بيسير نفس الذبيحة التي حصلت على الصليب لزم أن يكون كافياً لخلاص العالم،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 706 فلا حاجة إلى أن يصلب على الخشبة من أيدي اليهود مرة أخرى لأن المسيح ما جاء إلى العالم في زعمهم إلا ليخلص الناس بذبيحة مرة واحدة، وما أنى لكي يتألم مراراً كما يدل عليه عبارة آخر الباب التاسع من الرسالة العبرانية صراحة. (السادس) لو صح ما ادعوه لزم أن يكون المسيحيون أخبث من اليهود لأن اليهود ما آلموه إلا مرة واحدة فتركوا وما أكلوا لحمه، وهؤلاء يؤلمونه ويذبحونه كل يوم في أمكنة غير محصورة، فإن كان القاتل مرة واحدة كافراً وملعوناً فما بال الذين يذبحونه مرات غير محصورة ويأكلون لحمه ويشربون دمه؟ نعوذ بالله من الذين يأكلون إلههم ويشربون دمه حقيقة فإذا لم ينج من أيدي هؤلاء إلههم الضعيف المسكين فمن ينجو، بعّدنا الله من ساحتهم، ولنعم ما قيل "دوستي نادان سراسَر دُشمني ست " (توضع على الهامش:) يتضمن معنى المثل العربي: عدو عاقل خير من صديق جاهل والترجمة الحرفية: الصديق الجاهل مثل العدو. . (السابع) وقع في الباب الثاني والعشرين من لوقا قول المسيح في العشاء الرباني هكذا: "اصنعوا هذا لذكري" فلو كان هذا العشاء هو نفس الذبيحة لما صح أن يكون تذكرة لأن الشيء لا يكون تذكرة لنفسه، فالعقلاء الذين عقولهم السليمة تحكم بأمثال هذه الأوهام في الحسيات لو وهموا في ذات الله أو في العقليات فأي استبعاد منهم؟ لكني أقطع النظر عن هذا وأقول في مقابلة علماء البروتستنت: إنه كما اجتمع هؤلاء العقلاء عندكم على هذه العقيدة المخالفة للحس والعقل تقليداً للآباء أو لغرض آخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 707 فكذلك اجتماعهم واجتماعكم في عقيدة التثليث المخالفة للحس والبراهين، والأناس الكثيرون الذين تسمونهم ملاحدة ومقدارهم في هذا الزمان أزيد من مقدار فرقتكم بل من فرقة الرومانيين أيضاً وهم عقلاء مثلكم ومن أبناء أصنافكم ومن أهل دياركم وكانوا مسيحيين مثلكم فتركوا هذا المذهب لاشتماله على أمثال هذه الأمور يستهزؤون بها استهزاء بليغاً لا يستهزؤون بشيء آخر مثلها، كما لا يخفى على من طالع كتبهم، وفرقة يوني نيرين من فرق المسيحيين أيضاً ينكرونها والمسلمون واليهود سلفاً وخلفاً يفهمونها من جنس أضغاث الأحلام. (الأمر السادس) كان الإجمال يوجد كثيراً في أقوال المسيح عليه السلام بحيث لا يفهمها معاصروه وتلاميذه في كثير من الأحيان ما لم يفسرها بنفسه، فالأقوال التي فسرها من هذه الأقوال المجملة فهموها، وما لم يفسره منها فهموا بعضها بعد مدة مديدة وبقي البعض عليهم مبهماً إلى آخر الحياة، ونظائره كثيرة أكتفي هنا على بعضها. وقع في الباب الثاني من إنجيل يوحنا مكالمة المسيح عليه السلام مع اليهود الذين كانوا يطلبون المعجزة هكذا: 19 "أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" 20 "فقال اليهود في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟ " 21 "وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده" 22 "فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع" فهنا لم يفهم التلاميذ فضلاً عن اليهود، لكن فهم التلاميذ بعد ما قام من الأموات، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 708 وقال المسيح لينقود بموس من علماء اليهود: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله، فلم يفهم ينقود بموس مقصوده، وقال كيف يمكن أن يولد الإنسان وهو شيخ أيقدر أن يدخل في بطن أمه ثانية ويولد ففهمه المسيح مرة أخرى فلم يفهم مقصوده في هذه المرة أيضاً، وقال كيف يمكن هذا فقال المسيح ألا تفهم وأنت معلم إسرائيل؟، وهذه القصة مفصلة في الباب الثالث من إنجيل يوحنا، وقال المسيح في مخاطبة اليهود: "أنا خبز الحياة إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي"، فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل، فقال لهم المسيح: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان ولم تشربوا دمه فليس لكم حياة، فيكم من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق، من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه كما أرسلني الأب الحي وأنا حي بالأب، فمن يأكلني فهو يحيا بي" فقال كثيرون من تلاميذه إن هذا الكلام مَنْ يقدر أن يسمعه؟ فرجع كثير منهم عن صحبته، وهذه القصة مفصلة في الباب السادس من إنجيل يوحنا، فهنا لم يفهم اليهود كلام المسيح والتلاميذ استصعبوه، وارتد كثير منهم. وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا: 21 "قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطبتكم حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 709 تأتوا 22 فقال اليهود: لعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا 51 الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد 52 فقال له اليهود الآن علمنا أن بك شيطاناً، قد مات إبراهيم والأنبياء وأنت تقول إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد" وههنا أيضاً لم يفهم اليهود مقصوده في الموضعين بل نسبوه في الموضع الثاني إلى الجنون. وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 11 "قال لهم لعاذر حبيبنا قد نام لكني أذهب لأوقظه 12 فقال تلاميذه يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى 13 وكان يسوع يقول عن موته وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم 14 فقال لهم يسوع حينئذ علانية لعاذر مات" وههنا لم يفهم تلاميذ المسيح عليه السلام كلامه حتى صرح به، وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى هكذا: 6 "وقال لهم يسوع انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين ففكروا في أنفسهم أننا لم نأخذ خبزاً 8 فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان إنكم لم تأخذوا خبزاً 11 كيف لا تفهمون أني ما قلت لكم عن الخبز أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين" 12 "حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين" وههنا أيضاً لم يفهم تلاميذ المسيح عليه السلام مقصوده قبل التنبيه،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 710 وفي الباب الثامن من إنجيل لوقا في حال الصبية التي أحياها المسيح عليه السلام بإذن الله هكذا: 52 "وكان الجميع يبكون عليها ويلطمون فقال لا تبكوا لم تمت لكنها نائمة" 53 "فضحكوا عليه عارفين أنها ماتت" وههنا لم يفهم الجميع مقصود المسيح عليه السلام، ولذلك ضحكوا عليه، وفي الباب التاسع من إنجيل لوقا قول المسيح في مخاطبة الحواريين هكذا: 44 "ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم إن ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس" 25 "وأما هم فلم يفهموا هذا القول وكان مخفي عنهم لكيلا يفهموه وخافوا أن يسألوه عن هذا القول" وههنا لم يفهم الحواريون ولم يسألوه خوفاً منه، وفي الباب الثامن عشر من إنجيل لوقا هكذا: 31 "وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان" 32 "لأنه يسلم إلى الأمم ويستهزؤ به ويشتم ويُتْفَل عليه" 33 "ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم" 34 "وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً وكان هذا الأمر مخفياً عنهم، ولم يعلموا ما قيل" وههنا أيضاً لم يفهم الحواريون مع أن هذا التفهيم كان في المرة الثانية ولم يكن في الكلام إجمال أيضاً بحسب الظاهر، لعل سبب عدم الفهم هو أنهم كانوا سمعوا من اليهود أن المسيح يكون سلطاناً عظيم الشأن فلما آمنوا بعيسى عليه السلام وصدقوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 711 بالمسيحية فكانوا يظنون أنه سيجلس على سرير السلطنة، ونحن أيضاً نجلس على أسرة السلطنة، لأن عيسى عليه السلام كان وعدهم أنهم يجلسون على اثني عشر سريراً ويحكم كل منهم على فرقة من فرق بني إسرائيل، وكانوا حملوا هذه السلطنة الدنياوية كما هو الظاهر، وكان هذا الخبز مخالفاً لما ظنوه، ولما يرجونه، فلذا لم يفهموا، وستعرف عن قريب أنهم كانوا يرجون هكذا، وأيضاً قد شُبِّه على تلاميذ عيسى عليه السلام من بعض الأقوال المسيحية أمران ولم يزل هذا الاشتباه من أكثرهم أو كلهم إلى الموت (الأول) أنهم كانوا يعتقدون أن يوحنا لا يموت إلى القيامة (الثاني) أنهم كانوا يعتقدون أن القيامة تقوم في عهدهم كما عرفت مفصلاً في الباب الأول، وهذا الأمر يقيني أن ألفاظ عيسى عليه السلام بعينها ليست بمحفوظة في إنجيل من الأناجيل، بل في كل توجد ترجمتها باليوناني على ما فهم الرواة، وقد عرفت مفصلاً في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني أن إنجيل متى لم يبق بل الباقي ترجمته، ولم يعلم أيضاً اسم مترجمه بالجزم إلى الآن، ولا يثبت بالسند المتصل أن الكتب الباقية من الأشخاص المنسوبة إليهم، وقد ثبت أن التحريف وقع في هذه الكتب يقيناً وثبت أن أهل الدين والديانة كانوا يحرفون قصد التأييد مسألة مقبولة أو لدفع اعتراض، وقد عرفت في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني بالأدلة القوية أنه ثبت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 712 تحريفهم في هذه المسألة فزادوا في الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنا هذه العبارة: "في السماء وهم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض"، وزادوا بعض الألفاظ في الباب الأول من إنجيل لوقا وأسقطوا بعض الألفاظ من الباب الأول من إنجيل متّى، وأسقطوا الآية الثامنة من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا، ففي هذه الصورة لو وجد بعض الأقوال المسيحية المتشابهة الدالة على التثليث لا اعتماد عليها مع أنها ليست صريحة كما ستعرف في الأمر الثاني عشر من المقدمة. (الأمر السابع) قد لا يدرك العقل ماهية بعض الأشياء وكنهها كما هي لكن مع ذلك يحكم بإمكانها ولا يلزم من وجودها عنده استحالة ما ولذا تعد هذه الأشياء من الممكنات، وقد يحكم بداهة أو بدليل قطعي بامتناع بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 713 الأشياء، ويلزم من وجودها عنده محال ما، ولذا تعد هذه الأشياء من الممتنعات، وبين الصورتين فرق جليّ، ومن القسم الثاني اجتماع النقيضين الحقيقيين وارتفاعهما، وكذا اجتماع الوحدة والكثرة الحقيقيتين في زمان واحد من جهة واحدة، وكذا اجتماع الزوجية والفردية وكذا اجتماع الأفراد المختلفة، وكذا اجتماع الأضداد مثل النور والظلمة والسواد والبياض والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، والعمى والبصر، والسكون والحركة في المادة الشخصية مع اتحاد الزمان والجهة، واستحالةُ هذه الأشياء بديهية يحكم بها عقل كل عاقل، وكذا من القسم الثاني لزوم الدور والتسلسل وأمثالهما يحكم العقل ببطلانها بأدلة قطعية. (الأمر الثامن) إذا تعارض القولان فلا بد من إسقاطهما إن لم يمكن التأويل، أو من تأويلهما إن أمكن، ولا بد أن يكون التأويل بحيث لا يستلزم المحال أو الكذب، مثلاً الآيات الدالة على الجسمية والشكل تعارضت ببعض الآيات الدالة على التنزيه فيجب تأويلها كما عرفت في الأمر الثالث، لكن لا بد أن لا يكون التأويل بأن الله متصف بصفتين أعني الجسمية والتنزيه، وإن لم تدرك عقولنا هذا الأمر فإن هذا التأويل باطل محض واجب الرد لا يرفع التناقض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 714 (الأمر التاسع) العددُ لما كان قسِماً من الكَم لا يكون قائماً بنفسه بل بالغير، وكل موجود لا بد أن يكون معروضاً للوحدة أو الكثرة. والذوات الموجودة بالامتياز الحقيقي المتشخصة بالتشخص تكون معروضة للكثرة الحقيقية، فإذا صارت معروضة لها لا تكون معروضة للوحدة الحقيقية وإلا يلزم اجتماع الضدين الحقيقيين كما عرفت في الأمر السابع، نعم يجوز أن تكون معروضة للوحدة الاعتبارية بأن يكون المجموع كثيراً حقيقياً وواحداً اعتبارياً. (الأمر العاشر) المنازعة بيننا وبين أهل التثليث والتوحيد كليهما حقيقيان وإن قالوا التثليث حقيقي والتوحيد اعتباري فلا نزاع بيننا وبينهم لكنهم يقولون إن كلاً منهما حقيقي كما هو مصرح به في كتب علماء البروتستنت، قال صاحب ميزان الحق في الباب الأول من كتابه المسمى بحل الإشكال هكذا: "إن المسيحيين يحملون التوحيد والتثليث كليهما على المعنى الحقيقي". (الأمر الحادي عشر) قال العلامة المقريزي في كتابه المسمى بالخطط في بيان الفرق المسيحية التي كانت في عصره: "النصارى فرق كثيرة الملكانية والنسطورية واليعقوبية والبوذعانية والمرقولية وهم الرهاويون الذين كانوا بنواحي حران وغير هؤلاء" ثم قال "والملكانية واليعقوبية والنسطورية كلهم متفقون على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 715 أن معبودهم ثلاثة أقانيم، وهذه الأقانيم الثلاثة هي واحد وهو جوهر قديم ومعناه أب وابن وروح القدس إله واحد" ثم قال "قالوا الابن اتحد بإنسان مخلوق فصار هو وما اتحد به مسيحاً واحداً، وإن المسيح هو إله العباد وربهم، ثم اختلفوا في صفة الاتحاد فزعم بعضهم أنه وقع بين جوهر لاهوتي وجوهر ناسوتي اتحاد، ولم يخرج الاتحاد كل واحد منهما عن جوهريته وعنصره، وإن المسيح إله معبود وإنه ابن مريم الذي حملته وولدته، وإنه قتل وصلب، وزعم قوم أن المسيح بعد الاتحاد جوهران أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي، وأن القتل والصلب وقعا من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته، وأن مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته، وهذا قول النسطورية، ثم يقولون إن المسيح بكماله إله معبود وإنه ابن الله تعالى الله عن قولهم،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 716 وزعم قوم أن الاتحاد وقع بين جوهرين لاهوتي وناسوتي فالجوهر اللاهوتي بسيط غير منقسم ولا متجزئ، وزعم قوم أن الاتحاد على جهة حلول الابن في الجسد ومخالطته إياه، ومنهم من زعم أن الاتحاد على جهة الظهور كظهور كتابة الخاتم والنقش، إذا وقع على طين أو شمع وكظهور صورة الإنسان في المرآة إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا يوجد مثله في غيرهم، والملكانية تنسب إلى ملك الروم وهم يقولون إن الله اسم لثلاثة معان فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد، واليعقوبية يقولون إنه واحد قديم، وإنه كان لا جسم ولا إنسان ثم تجسم وتأنس، والمرقولية قالوا الله واحد علمه غيره قديم معه والمسيح ابنه على جهة الرحمة، كما يقال إبراهيم خليل الله" انتهى كلامه بلفظه،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 717 فظهر لك أن آراءهم في بيان علامة الاتحاد بين أقنوم الابن وجسم المسيح كانت مختلفة في غاية الاختلاف، ولذا ترى البراهين المورَدة في الكتب القديمة الإسلامية مختلفة، ولا نزاع لنا في هذه العقيدة مع المرقولية إلا باعتبار إطلاق اللفظ الموهم، وفرقة البروتستنت لما رأوا أن بيان علاقة الاتحاد لا يخلو عن الفساد البين تركوا آراء الأسلاف، وعجزوا أنفسهم واختاروا السكوت عن بيانها وعن بيان العلاقة بين الأقانيم الثلاثة. (الأمر الثاني عشر) عقيدة التثليث ما كانت في أمة من الأمم السابقة من عهد آدم إلى عهد موسى عليه السلام، وهَوْسات أهل التثليث بتمسكهم ببعض آيات سفر التكوين لا تتم علينا لأنها في الحقيقة تحريف لمعانيها، ويكون المعنى على تمسكهم من قبيل كون المعنى في بطن الشاعر، ولا أدعي أنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 718 لا يتمسكون بزعمهم بآية من آيات السفر المذكور بل أدعي أنه لم يثبت بالنص كون هذه العقيدة لأمة من الأمم السالفة، وأما أنها ليست بثابتة في الشريعة الموسوية وأمته فغير محتاج إلى البيان لأنه من طالع هذه التوراة المستعملة لا يخفى عليه هذا الأمر، ويَحْيى عليه السلام كان إلى آخر عمره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 719 شاكاً في المسيح عليه السلام بأنه المسيح الموعود به أم لا، كما صرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى أنه أرسل اثنين من تلاميذه وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟، فلو كان عيسى عليه السلام إلهاً يلزم كفره إذ الشك في الإله كفر، وكيف يتصوّر أنه لا يعرف إلهه وهو نبيه، بل هو أفضل الأنبياء بشهادة المسيح كما هي مصرحة في هذا الباب، وإذا لم يعرف الأفضل مع كونه معاصراً فعدم معرفة الأنبياء الآخرين السابقين على عيسى أحق بالاعتبار، وعلماء اليهود من لدن موسى عليه السلام إلى هذا الزمان لا يعترفون بها، وظاهر أن ذات الله وصفاته الكمالية قديمة غير متغيرة موجودة أزلاً وأبداً، فلو كان التثليث حتماً لكان الواجب على موسى عليه السلام وأنبياء بني إسرائيل أن يبينوه حق التبيين، فالعجب كل العجب أن تكون الشريعة الموسوية التي كانت واجبة الإطاعة لجميع الأنبياء إلى عهد عيسى عليه السلام خالية عن بيان هذه العقيدة التي هي مدار النجاة على زعم أهل التثليث، ولا يمكن نجاة أحد بدونها نبياً كان أو غير نبي، ولا يبين موسى ولا نبي من الأنبياء الإسرائيلية هذه العقيدة ببيان واضح، بحيث تفهم منه هذه العقيدة صراحة ولا يبقى شك ما، ويبين موسى عليه السلام الأحكام التي هي عند مقدس أهل التثليث ضعيفة ناقصة جداً بالتشريح التام ويكررها مرة بعد أولى وكرة بعد أخرى، ويؤكد على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 720 محافظتها تأكيداً بليغاً، ويوجب القتل على تارك بعضها، وأعجبُ منه أن عيسى عليه السلام أيضاً ما بين هذه العقيدة إلى عروجه ببيان واضح مثلاً بأن يقول إن الله ثلاثة أقانيم الأب والابن وروح القدس، وأقنوم الابن تعلق بجسمي بعلاقة فلانية أو بعلاقة فهمها خارج عن إدراك عقولكم فاعلموا أني أنا الله لا غير، لأجل العلاقة المذكورة أو يقول كلاماً آخر مثله في إفادة هذا المعنى صراحة، وليس في أيدي أهل التثليث من أقواله إلا بعض الأقوال المتشابهة: قال صاحب ميزان الحق في كتابه المسمى بمفتاح الأسرار: "إن قلت لِمَ لَمْ يبين المسيح ألوهيته ببيان أوضح مما ذكره، ولِمَ لَمْ يقل واضحاً ومختصراً أني أنا الله لا غير؟ " فأجاب أولاً بجواب غير مقبول لا يتعلق غرضنا بنقله في هذا المحل، ثم أجاب ثانياً "بأنه ما كان أحد يقدر على فهم هذه العلاقة والوحدانية قبل قيامه" يعني من الأموات "وعروجه فلو قال صراحة لفهموا أنه إله بحسب الجسم الإنساني وهذا الأمر كان باطلاً جزماً فدرك هذا المطلب أيضاً من المطالب التي قال في حقها لتلاميذه إن لي أموراً كثيرة أيضاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 721 لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كان ما يسمع يتكلم ويخبركم بأمور آتية" ثم قال "إن كبار ملة اليهود أرادوا مراراً أن يأخذوه ويرجموه، والحال أنه ما كان بَيَّن ألوهيته بين أيديهم إلا على طريق الإلغاز" فعلم من كلامه عذران: (الأول) عدم قدرة فهم أحد قبل العروج (والثاني) خوف اليهود وكلاهما ضعيفان في غاية الضعف، أما الأول فإنه كان هذا القدر يكفي لدفع الشبهة: أن علاقة الاتحاد التي بين جسمي وبين أقنوم الابن فهمها خارج عن وسعكم فاتركوا تفتيشها واعتقدوا بأني لست إلهاً باعتبار الجسم بل بعلاقة الاتحاد المذكور، وأما نفس عدم القدرة على فهمها فباقية بعد العروج أيضاً حتى لم يعلم عالم من علمائهم إلى هذا الحين كيفية هذه العلاقة والوحدانية، ومن قال ما قال فقوله رَجْم بالغيب لا يخلو عن مَفْسَدة عظيمة، ولذا ترك علماء فرقة البروتستنت بيانها رأساً، وهذا القسيس يعترف في مواضع من تصانيفه بأن هذا الأمر من الأسرار خارج عن درك العقل، وأما الثاني فلأن المسيح عليه السلام ما جاء عندهم إلا لأجل أن يكون كفارة لذنوب الخلق ويصلبه اليهود، وكان يعلم يقيناً أنهم يصلبونه ومتى يصلبونه فأي محل للخوف من اليهود في بيان العقيدة؟، والعجب أن خالق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 722 الأرض والسماء والقادر على ما يشاء يخاف من عباده الذين هم من أذل أقوام الدنيا، ولا يبين لأجل خوفهم العقيدة التي هي مدار النجاة. وعباده من الأنبياء مثل أرمياء وأشعياء ويحيى عليهم السلام لا يخافون منهم في بيان الحق ويؤذَوْن إيذاء شديداً ويقتل بعضهم، وأعجب منه أن المسيح عليه السلام يخاف منهم في بيان هذه المسألة العظيمة، ويشدد عليهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غاية التشديد حتى تصل النوبة إلى السب، ويخاطب الكتبة والفريسيين مشافهة بهذه الألفاظ: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون، وويل لكم أيها القادة العميان وأيها الجهال العميان، وأيها الفريسي الأعمى، وأيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم، ويظهر قبائحهم على رؤوس الأشهاد، حتى شكا بعضهم بأنك تشتمنا كما هو مصرح به في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متّى والحادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 723 عشر من إنجيل لوقا، وأمثال هذا مذكورة في المواضع الأخر من الإنجيل أيضاً، فكيف يظن بالمسيح عليه السلام أن يترك بيان العقيدة التي هي مدار النجاة لأجل خوفهم؟. حاشا ثم حاشا أن يكون جنابه هكذا، وعلم من كلامه أن المسيح عليه السلام ما بين هذه المسألة عند اليهود قط إلا بطريق الإلغاز وأنهم كانوا ينكرون هذه العقيدة أشد الإنكار حتى أرادوا رجمه مراراً على البيان الإلغازي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 724 الفصل الأول: في إبطال التثليث بالبراهين العقلية (البرهان الأول) لما كان التثليث والتوحيد حقيقيين عند المسيحيين بحكم الأمر العاشر من المقدمة فإذا وجد التثليث الحقيقي لا بد من أن توجد الكثرة الحقيقية أيضاً بحكم الأمر التاسع من المقدمة ولا يمكن بعد ثبوتها التوحيد الحقيقي وإلا يلزم اجتماع الضدين الحقيقيين بحكم الأمر السابع من المقدمة وهو محال، فلزم تعدد الوجباء وفات التوحيد يقيناً. فقائل التثليث لا يمكن أن يكون موحداً لله تعالى بالتوحيد الحقيقي، والقول بأن التثليث الحقيقي والتوحيد الحقيقي وإن كانا ضدين حقيقين في غير الواجب لكنهما ما ليسا كذلك، فيه سفسطة محضة لأنه إذا ثبت أن الشيئين بالنظر إلى ذاتيهما ضدان حقيقيان أو نقيضان في نفس الأمر فلا يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصي في زمان واحد من جهة واحدة واجباً كان ذلك الأمر أو غير واجب، كيف وإن الواحد الحقيقي ليس له ثلث صحيح والثلاثة لها ثلث صحيح، وهو واحد وأن الثلاثة مجموع آحاد ثلاثة، والواحد الحقيقي ليس مجموع آحاد رأساً،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 725 وإن الواحد الحقيقي جزء الثلاثة فلو اجتمعا في محل واحد يلزم كون الجزء كلاً والكل جزءاً وأن هذا الاجتماع يستلزم كونَ الله مركّباً من أجزاء غير متناهية بالفعل لاتحاد حقيقة الكل والجزء على هذا التقدير، والكل مركب، فكل جزء من أجزائه أيضاً مركب من الأجزاء التي تكون عين هذا الجزء وهلم جرّا، وكون الشيء مركّباً من أجزاء غير متناهية بالفعل باطل قطعاً، وأن هذا الاجتماع يستلزم كون الواحد ثُلث نفسه وكون الثلاثة ثلاثة أمثال نفسها، والواحد ثلاثة أمثال الثلاثة. (البرهان الثاني) لو وُجِد في ذات الله ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي كما قالوا فمع قطع النظر عن تعدد الوجباء يلزم أن لا يكون الله حقيقة محصَّلة بل مركباً اعتبارياً فإن التركيب الحقيقي لا بد فيه من الافتقار بين الأجزاء، فإن الحجر الموضوع يجنب الإنسان لا يحصل منهما أحدية، ولا افتقار بين الواجبات، لأنه من خواص الممكنات، فالواجب لا يفتقر إلى الغير وكل جزء منفصل عن الآخر وغيرُه وإن كان داخلاً في المجموع، فإذا لم يفتقر بعض الأجزاء إلى بعض آخر لم تتألف منها الذات الأحدية، على أنه يكون الله في الصورة المذكورة مركباً، وكل مركب يفتقر في تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه، والجزء غير الكل بالبداهة، فكل مركب مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره ممكن لذاته فيلزم أن يكون الله ممكناً لذاته وهذا باطل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 726 (البرهان الثالث) إذا ثبت الامتياز الحقيقي بين الأقانيم فالأمرالذي حصل به هذا الامتياز إما أن يكون من صفات الكمال أو لا يكون، فعلى الشِّق الأول لم يكن جميع صفات الكمال مشتركاً فيه بينهم، وهو خلاف ما تقرر عندهم أن كل أقنوم من هذه الأقانيم متصف بجميع صفات الكمال، وعلى الشق الثاني فالموصوف به يكون موصوفاً بصفة ليست من صفات الكمال، وهذا نقصان يجب تنزيه الله عنه. (البرهان الرابع) الاتحاد بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي إذا كان حقيقياً لكان أقنوم الابن محدوداً متناهياً وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكناً، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدّر، وكل ما كان كذلك فهو محدث فيلزم أن يكون أقنوم الابن محدثاً ويستلزم حدوثه حدوث الله. (البرهان الخامس) لو كان الأقانيم الثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي وجب أن يكون المميِّز غير الوجوب الذاتي، لأنه مشترك بينهم، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز فيكون كل واحد منهم مركباً من جزأين وكل مركب ممكن لذاته، فيلزم أن يكون كل واحد منهم ممكناً لذاته. (البرهان السادس) مذهب اليعقوبية باطل صريح لأنه يستلزم انقلاب القديم بالحادث والمجرد بالمادي، وأما مذهب غيرهم فيقال في إبطاله: إن هذا الاتحاد إما بالحلول أو بغيره فإن كان الأول فهو باطل من وجوه ثلاثة على وَفق عدد التثليث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 727 أما أولاً فلأن ذلك الحلول لا يخلو إما أن يكون كحلول ماء الورد في الورد والدهن في السمسم والنار في الفحم، وهذا باطل لأنه إنما يصح لو كان أقنوم الابن جسماً، وهم وافقونا على أنه ليس بجسم، وإما أن يكون كحصول اللون في الجسم وهذا أيضاً باطل لأن المعقول من هذه التبعية حصول اللون في الحيِّز لحصول محله في هذا الحيز، وهذا أيضاً إنما يُتَصّور في الأجسام، وإما أن يكون كحصول الصفات الإضافية للذوات، وهذا أيضاً باطل لأن المعقول من هذه التبعية الاحتياج، فلو ثبت حلول أقنوم الابن بهذا المعنى في شيء كان محتاجاً فكان ممكناً مفتقراً إلى المؤثر وذلك محال، وإذا ثبت بطلان جميع التقارير امتنع إثباته. وأما ثانياً فلأنا لو قطعنا النظر عن معنى الحلول نقول: إن أقنوم الابن لو حلّ في الجسم فذلك الحلول إما أن يكون على سبيل الوجوب أو على سبيل الجواز، ولا سبيل إلى الأول لأن ذاته إما أن تكون كافية في اقتضاء هذا الحلول أو لا تكون كافية في ذلك، فإن كان الأول استحال توقف ذلك الاقتضاء على حصول شرط فيلزم إما حدوث الله أو قدم المحل، وكلاهما باطلان وإن كان الثاني كان كونه مقتضياً لذلك الحلول أمراً زائداً على ذاته حادثاً فيه، فيلزم من حدوث الحلول حدوث شيء فيه فيكون قابلاً للحوادث، وذلك محال لأنه لو كان كذلك لكانت تلك القابلية من لوازم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 728 ذاته، وكانت حاصلة أزلاً، وذلك محال لأن وجود الحوادث في الأزل محال، ولا سبيل إلى الثاني على هذا التقدير يكون ذلك الحلول زائداً على ذات الأقنوم فإذا حل في الجسم وجب أن يحل فيه صفة محدثة، وحلولها يستلزم كونه قابلاً للحوادث، وهو باطل كما عرفت. وأما ثالثاً فلأن أقنوم الابن إذا حل في جسم عيسى عليه السلام فلا يخلو إما أن يكون باقياً في ذات الله أيضاً أو لا فإن كان الأول لزم أن يوجد الحال الشخصي في محلين، وإن كان الثاني لزم أن يكون ذات الله خالية عنه فينتفي لأن انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكل، وإن كان ذلك الاتحاد بدون الحلول فنقول إنّ أقنوم الابن إذا اتحد بالمسيح عليه السلام فهما في حال الاتحاد إن كانا موجودين فهما اثنان لا واحد فلا اتحاد، وإن عدما وحصل ثالث فهو أيضاً لا يكون اتحاداً بل عدم الشيئين وحصول شيء ثالث، وإن بقي أحدهما وعدم الآخر فالمعدوم يستحيل أن يتحد بالموجود لأنه يستحيل أن يقال المعدوم بعينه هو الموجود، فظهر أن الاتحاد محال، ومن قال إن الاتحاد على جهة الظهور كظهور كتابة الخاتم إذا وقع على طين أو شمع أو كظهور صورة الإنسان في المرآة فقوله لا يثبت الاتحاد الحقيقي بل يثبت التغاير، لأنه كما أن كتابة الخاتم الظاهرة على طين أو شمع غير الخاتم وصورة الإنسان في المرآة غير الإنسان، فكذلك يكون أقنوم الابن غير المسيح عليه السلام، بل غاية ما يلزم أن يكون ظهور أثر صفة الأقنوم فيه أكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 729 من ظهوره في غيره، كما أن ظهور تأثير شعاع الشمس في بدخشان في بعض الأحجار التي تتولد منها الجواهر المعروفة أزيد من تأثيره في الأحجار التي هي غير تلك الأحجار، ولنعم ما قيل: محال لا يساويه محال * وقول في الحقيقة لا يقال وفكر كاذب وحديث زور * بدا منهم ومنشؤه الخيال تعالى الله ما قالوه كفر * وذنب في العواقب لا يقال. (البرهان السابع) فرقة البروتستنت ترد على فرقة الكاثلك في استحالة الخبز إلى المسيح في العشاء الرباني بشهادة الحس وتستهزئ بها، فهذا الرد والهزء يرجعان إليهما أيضاً لأن الذي رأى المسيح ما رأى منه إلا شخصاً واحداً إنساناً، وتكذيب أصدق الحواس الذي هو البصر يفتح باب السفسطة في الضروريات، فيكون القول به باطلاً كالقول بالاستحالة، والجهلاء من المسيحيين من أية فرقة من فرق أهل التثليث كانوا قد ضلوا في هذه العقيدة ضلالاً بيناً، ولا يميزون بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي كما يميز بحسب الظاهر علماؤهم، بل يعتقدون ألوهية المسيح عليه السلام باعتبار الجوهر الناسوتي ويخبطون خبطاً عظيماً،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 730 نقل أنه تنصر ثلاثة أشخاص وعلمهم بعض القسيسين العقائد الضرورية سيما عقيدة التثليث أيضاً، وكانوا في خدمته فجاء محب من أحبَّاء هذا القسيس وسأله عمن تنصر؟ فقال: ثلاثة أشخاص تنصروا، فسأل هذا المحب: هل تعلموا شيئاً من العقائد الضرورية، فقال: نعم، وطلب واحداً منهم ليرى محبه فسأله عن عقيدة التثليث، فقال: إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة أحدهم الذي هو في السماء والثاني تولد من بطن مريم العذراء والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة، فغضب القسيس وطرده، وقال: هذا مجهول، ثم طلب الآخر منهم وسأله فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 731 وصلب واحد منهم فالباقي إلهان، فغضب عليه القسيس أيضاً وطرده، ثم طلب الثالث وكان ذكياً بالنسبة إلى الأولين وحريصاً في حفظ العقائد فسأله فقال: يا مولاي حفظت ما علمتني حفظاً جيداً وفهمت فهماً كاملاً بفضل الرب المسيح أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وصلب واحد منهم ومات فمات الكل لأجل الاتحاد، ولا إله الآن وإلا يلزم نفي الاتحاد (أقول) لا تقصير للمسؤولين فإن هذه العقيدة يخبط فيها الجهلاء هكذا ويتحير علماؤهم، ويعترفون بأنا نعتقد ولا نفهم، ويعجزون عن تصويرها وبيانها، ولذا قال الفخر الرازي في تفسيره ذيل تفسير سورة النساء: "واعلم أن مذهب النصارى مجهول جداً" ثم قال: "لا نرى مذهباً في الدنيا أشدّ ركاكة وبعداً من العقل من مذهب النصارى" وقال في تفسير سورة المائدة: "ولا نرى في الدنيا مقالة أشد فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى" فإذا علمت بالبراهين العقلية القطعية أن التثليث الحقيقي ممتنع في ذات الله فلو وجد قول من الأقوال المسيحية دالاً بحسب الظاهر على التثليث يجب تأويله، لأنه لا يخلو إما أن نعمل بكل واحد من دلالة البراهين ودلالة القول. وإما أن نتركهما، وإما أن نرجح النقل على العقل، وإما أن نرجح العقل على النقل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 732 والأول باطل قطعاً ولا يلزم كون الشيء الواحد ممتنعاً وغير ممتنع في نفس الأمر، والثاني أيضاً محال وإلا يلزم ارتفاع النقيضين، والثالث أيضاً لا يجوز لأن العقل أصل النقل فإن ثبوت النقل موقوف على وجود الصانع وعلمه وقدرته وكونه مرسلاً للرسل، وثبوتها بالدلائل العقلية، فالقدح في العقل قدح في العقل والنقل معاً، فلم يبق إلا أن نقطع بصحة العقل ونشتغل بتأويل النقل، والتأويل عند أهل الكتاب ليس بنادر ولا قليل لما عرفت في الأمر الثالث من المقدمة أنهم يؤولون الآيات الغير المحصورة الدالة على جسمية الله وشكله لأجل الآيتين اللتين مضمونهما مطابق للبرهان العقلي، وكذلك يؤولون الآيات الكثيرة الغير المحصورة الدالة على المكان لله تعالى لأجل الآيات القليلة الموافقة للبرهان، وعرفت في الأمر الرابع والخامس أيضاً مثله مشروحاً لكن العجب من عقلاء الكاثلك ومَنْ تبعهم أنهم تارةً يبطلون حكم الحس والعقل معاً، ويحكمون أن الخبز والخمر اللذين حدثا بين أعيننا بعد مدة أزيد من ألف وثمانمائة سنة من عروج المسيح عليه السلام يتحولان في العشاء الرباني إلى لحمه ودمه حقيقة فيعبدونهما ويسجدون لهما، وتارةً يبطلون حكم العقل والبداهة وينبذون البراهين العقلية وراء ظهورهم، ويقولون: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 733 التثليث الحقيقي والتوحيد الحقيقي يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصي في زمان واحد من جهة واحدة، والعجب من فرقة البروتستنت أنهم خالفوهم في الأولى دون الثانية، فلو كان العمل على ظاهر النقل ضرورياً وإن كان مخالفاً للحس والعقل فالإنصاف أن فرقة الكاثلك خير من فرقتهم لأنها بالغت في إطاعة ظاهر قول المسيح عليه السلام حتى اعترفت بمعبودية ما يصادمه الحس والبداهة، وكما أن أهل التثليث يغالون في شأن المسيح عليه السلام ويوصلونه إلى رتبة الألوهية فكذلك يفرطون في شأنه وشأن آبائه فيعتقدون أنه لعن وبعد ما مات نزل جهنم وأقام فيها ثلاثة أيامٍ كما ستعرف، وأن داود وسليمان عليهما السلام وكذا الآباء الآخرون للمسيح عليه السلام في أولاد فارض الذي ولدته تامارا بالزنا من يهوذا، وأن داود عليه السلام زنى بامرأة أوريا وأن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره كما عرفت. وكان سيل من العلماء المسيحية، وكان قد حصل بعض العلوم الإسلامية أيضاً، وكان ترجم القرآن المجيد بلسانه وترجمته مقبولة عند المسيحيين وصَّى قومه في بعض الأمور، وأنقل وصيته عن ترجمته المطبوعة سنة 1836 من الميلاد: الأول: "لا يقع الجبر منكم على المسلمين، والثاني: لا تعلموهم المسائل التي هي مخالفة للعقل، لأنهم ليسوا حمقاء نغلب عليهم في هذه المسائل كعبادة الصنم والعشاء الرباني، لأنهم يعثرون كثيراً من هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 734 المسائل، وكل كنيسة فيها هذه المسائل لا تقدر أن تجذبهم إلى نفسها" فانظر كيف وصى وأظهر أن مثل عبادة الصنم ومسألة العشاء الرباني مخالفة للعقل الإنصاف، إن أهل هذه المسائل مشركون يقيناً هداهم الله إلى الصراط المستقيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 735 الفصل الثاني: في إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام. بسم الله الرحمن الرحيم (القول الأول) : في الآية الثالثة من الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام في خطاب الله هكذا: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فبين عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية، عبارة عن أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي وأن عيسى عليه السلام رسوله. وما قال إن الحياة الأبدية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 736 أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي وأن عيسى إنسان وإله، أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء فلا احتمال ههنا للخوف من اليهود فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبينه، وإذ ثبت أن الحياة الأبدية اعتقاد التوحيد الحقيقي لله واعتقاد الرسالة للمسيح فضدهما يكون موتاً أبدياً وضلالاً بيناً ألبتة، والتوحيد الحقيقي ضد للتثليث الحقيقي كما عرفت مفصلاً في الفصل الأول، وكون المسيح رسولاً ضد لكونه إلهاً، لأن التغاير بين المرسِل والمرسَل ضروري، وهذه الحياة الأبدية توجد في أهل الإسلام بفضل الله. وأما غيرهم فالمجوس ومشركو الهند والصين محرومون منها لانتفاء الاعتقادين فيهم، وأهل التثليث من المسيحيين محرومون منها لانتفاء الاعتقاد الأول، واليهود كافة محرومون منها لانتفاء الاعتقاد الثاني. (القول الثاني) : في الباب الثاني عشر من إنجيل مرقس هكذا 28: (فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسناً سأله: أية وصية هي أول الكل) 29: (فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد. [30] : وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الأولى [31] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 737 وثانية مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين [32] فقال له الكاتب جيداً يا معلم بالحق قلت لأنه) أي الله (واحد وليس آخر سواه) 33 (ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح) 34 (فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له لست بعيداً عن ملكوت الله) . وفي الباب الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله عليه السلام بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: (بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء) . فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة وفي جميع كتب الأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد أن الله واحد ولا إله غيره ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبيناً في التوراة وجميع كتب الأنبياء لأنه أول الوصايا، ولقال عيسى عليه السلام: أول الوصايا الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي، لكنه لم يبين في كتاب من كتب الأنبياء صراحة ولم يقل عيسى عليه السلام هكذا فلم يكن مدار النجاة. فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض كتب الأنبياء لا يتم على المخالف لأن هذا الاستنباط خفي جداً مردود بمقابلة النص، وغرض المخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له دخل ما في النجاة لبينه الأنبياء الإسرائيلية بياناً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 738 واضحاً، كما بينوا التوحيد في الباب الرابع من كتاب الاستثناء - 35 (لتعلم أن الرب هو الله وليس غيره) 39 (فاعلم اليوم واقبل بقلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وليس غيره) . وفي الباب السادس من السفر المذكور 4 (اسمع يا إسرائيل إن الرب إلهنا فإنه رب واحد) 5 (حِب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك) وفي الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعياء 5 (أنا هو الرب وليس غيري وليس دوني إله شددتك ولم تعرفني) 6 (ليعلم الذين هم من مشرق الشمس والذين هم من المغرب أنه ليس غيري أنا الرب وليس آخر) . فالواجب على أهل المشرق والمغرب أن يعلموا أن لا إله إلا الله وحده لا أن يعلموا أن الله ثالث ثلاثة. وفي الآية التاسعة من الباب السادس والأربعين من كتاب أشعياء 2 (إني أنا الله وليس غيري إلهاً وليس لي شبه) . (تنبيه) حرّف صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م قول المسيح عليه السلام بتبديل ضمير المتكلم بضمير الخطاب، وترجم هكذا: (الرب إلهك إله واحد) وضيع بهذا التحريف المقصود الأعظم لأن ضمير المتكلم ههنا دال على أن عيسى ليس برب بل عبد مربوب بخلاف ضمير الخطاب والظاهر أن هذا التحريف قصدي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 739 (القول الثالث) في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس قول المسيح عليه السلام هكذا: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب) وهذا القول ينادي على بطلان التثليث لأن المسيح عليه السلام خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه كما نفى عن عباد الله الآخرين وسوى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلهاً سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب فإنه يقتضي أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الأب، ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجري فيه عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته فظهر أنه ليس إلهاً لا باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها. (القول الرابع) : في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 20 (تقدمت إليه أم ابني زيدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً) 21 (فقال لها ماذا تريدين قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك) 22 (فأجاب يسوع) إلخ 23 (الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدلهم من أبي) انتهى ملخصاً فنفى عيسى عليه السلام ههنا عن نفسه القدرة وخصصها بالله كما نفى عن نفسه علم الساعة وخصصه بالله ولو كان إلهاً لما صح هذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 740 (القول الخامس) : في الباب التاسع عشر من إنجيل متى هكذا: 16 (وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية) 17 (فقال له لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله) فهذا القول يقلع أصل التثليث وما رضي تواضعاً أن يطلق عليه لفظ الصالح أيضاً ولو كان إلهاً لما كان لقوله معنى ولكان عليه أن يبين لا صالح إلا الأب وأنا وروح القدس، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وإذا لم يرض بقوله الصالح فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلاتهم (يا ربنا وإلهنا يسوع لا تضيع من خلقت بيدك) حاشا جنابه أن يرضى بها. (القول السادس) : في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: 46 (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني) 50 (فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح) . وفي الآية السادسة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: (ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي) وهذا [ص 7] القول ينفي ألوهية المسيح رأساً سيما على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب لأنه لو كان إلهاً لما استغاث بإله آخر بأن قال إلهي إلهي لماذا تركتني، ولما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 741 قال يا أبتاه في يدك أستودع روحي ولامتنع العجز والموت عليه.. الآية الثامنة والعشرون من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (أما عرفت أو ما سمعت إله سرمدي الرب الذي خلق أطراف الأرض لن يضعف ولن يتعب وليس فحصاً عن حكمته) . والآية السادسة من الباب الرابع والأربعين من الكتاب المذكور هكذا: (هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود أنا الأول وأنا الآخر وليس إله غيري) . والآية العاشرة من الباب العاشر من كتاب أرسياء هكذا: (أما الرب هو إله حق هو إله حي وملك سرمدي) إلخ. وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب حقوق هكذا: (يا رب إله قدوسي ولا تموت) . وفي الآية السابعة عشرة من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (وملك الدهور الذي لا يفنى لا يرى الإله الحكيم وحده) . فكيف يعجز ويموت الذي هو إله سرمدي بريء من الضعف والتعب حي قدوس لا يموت ولا إله غيره أيكون الفاني العاجز إلهاً حاشا وكلا بل الإله الحقيقي هو الذي كان عيسى عليه السلام يستغيث به هذا الوقت على زعمهم. والعجب أنهم لا يكتفون بموت الإله بل يعتقدون أنه بعد ما مات دخل جهنم أيضاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 742 نقل جواد ابن ساباط هذه العقيدة من كتاب الصلاة المطبوع سنة 1506 هكذا: (كما أن المسيح مات لأجلنا ودفن فكذا لا بد أن نعتقد أنه دخل جهنم) انتهى. (وفيلبس كوادنولس) الراهب كتب في رد رسالة أحمد الشريف ابن زين العابدين الأصفهاني كتاباً بلسان العرب سماه بخيالات فيلبس وطبع هذا الكتاب سنة 1669 في الرومية الكبرى في بسلوقيت وحصلت لي بطريق العارية نسخة قديمة من هذا الكتاب من كتبخانة إنكليز في بلدة دهلي فكتب الراهب المستور في كتابه المذكور هكذا: (الذي تألم لخلاصنا وهبط إلى الجحيم ثم في اليوم الثالث قام من بين الأموات) انتهى. وفي بريئربوك في بيان عقيدة أتهانييش التي تؤمن بها المسيحيون لفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 743 (هل) موجود ومعناه الجحيم وقال جواد بن ساباط إن القسيس مارطيروس قال لي في توجيه هذه العقيدة إن المسيح لما قبل الجسم الإنساني فلا بد عليه أن يتحمل جميع العوارض الإنسانية فدخل جهنم وعُذب أيضاً ولما خرج من جهنم أخرج منها كل من كان معذباً فيها قبل دخوله. فسألته هل لهذه العقيدة دليل نقلي قال إنها غير محتاجة إلى الدليل، فقال رجل مسيحي من أهل ذلك المحفل على وجه الطرافة إن الأب كان قاسي القلب وإلا لما ترك الابن في الجحيم فغضب القسيس وطرده من المحفل فجاء هذا الرجل عندي وأسلم لكن أخذ العهد مني ألا أظهر حال إسلامه ما دام حياً ودخل يوسف ولف بلدة لكهنو سنة 1248 من الهجرة وسنة 1833 من الميلاد وكان من القسيسين المشهورين وكان يدعي الإلهام لنفسه وكان يدعي أن نزول المسيح يكون في سنة 1847 من الميلاد ووقعت المناظرة فيما بينه وبين مجتهد الشيعة تحريراً وتقريراً في هذا الباب فسأله مجتهد الشيعة عن هذه العقيدة أيضاً فقال نعم دخل المسيح الجحيم وعذب لكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 744 لا بأس فيه لأن هذا الدخول كان لنجاة أمته، وبعض فرقهم يعتقدونها بأشنع حالة، قال بل في تاريخه في بيان فرقة مارسيوني. هذه الفرقة كانت تعتقد أن عيسى عليه السلام بعد ما مات دخل جهنم ونجى أرواح قابيل وأهل سدوم لأنهم حضروا عنده وكانوا غير مطيعين لإله خالق الشر وأبقى أرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصلحاء الآخرين من القدماء في جهنم لأنهم خالفوا الفرقة الأولى. (وهذه الفرقة كانت تعتقد أن خالق العالم ليس منحصراً في الإله الذي أرسل عيسى ولذلك ما كانت تسلم كون كتب العهد العتيق إلهامية) انتهى. فكانت عقيدة هذه الفرقة مشتملة على أمور: 1- جميع الأرواح سواء كانت أرواح الأنبياء والصلحاء أو الأشقياء كانت معذبة في جهنم قبل دخول عيسى عليه السلام. 2- أن عيسى عليه السلام دخل جهنم. 3- أن عيسى عليه السلام نجى أرواح الأشقياء من العذاب وأبقى أرواح الأنبياء والصلحاء فيه. 4- أن هؤلاء الصلحاء مخالفون لعيسى والأشقياء موافقون له. 5- أن خالق العالم إلهان خالق الخير وخالق الشر وعيسى عليه السلام رسول الأول والأنبياء الآخرون المشهورون رسل الثاني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 745 6- كتب العهد العتيق ليست إلهامية. وقال صاحب ميزان الحق في كتابه المسمى بحل الإشكال في جواب كشف الأستار هكذا: (الحق أنه توجد في العقيدة المسيحية أن المسيح دخل جهنم وقام في اليوم الثالث وعرج إلى السماء لكن المراد ههنا من جهنم هاوس وهو موضع ما بين جهنم والفلك الأصلي والمعنى أنه دخل هاوس ليرى أهله جلاله وينبههم على أني مالك الحياة وأني أعطيت كفارة الذنب بالموت الصليبي وجعلت الشيطان وجهنم مغلوبين وللمؤمنين كالمعدومين) انتهى ملخصاً. (أقول) أولاً: ثبت من ظاهر كتاب الصلاة وكلام فيلبس كوادلونس وثبت صراحة من إقرار مارطيروس ويوسف ولف ومن عقيدة اتهاني سيش أن جهنم على معناه، واعترف هو أيضاً أنه يوجد هذا في العقيدة ثم أول، فتأويله بدون الدليل لا يقبل ولا بد عليه أن يثبت من كتبه أن ما بين جهنم والفلك الأصلي مكان يسمى بهاوس ثم يثبت من هذه الكتب أن دخول المسيح في جهنم كان لأجل الإراءة والتنبيه المذكورين على أنه لا وجود للأفلاك عند حكماء أوروبا، وعلماء بروتستنت من المتأخرين يتابعونهم في هذا الرأي فكيف يصح هذا التوجيه على زعمهم. (ثم أقول) ثانياً: إن هذا الهاوس محل السرور والثواب أو محل المحن والعقاب، فإن كان الأول فلا حاجة إلى تنبيه أهله لأنهم كانوا قبل هذا في سرور وعيشة راضية، وإن كان الثاني فلا فائدة في التأويل لأن جهنم الأرواح لا يكون إلا محل عذابها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 746 (ثم أقول) ثالثاً: إن كون الموت الصليبي كفارة الذنب غير معقول يقيناً لأن المراد بهذا الذنب على زعمهم الذنب الأصلي الذي صدر عن آدم عليه السلام لا الذنب الذي يصدر عن أولاده، ولا يجوز أن يعاقب أولاده على هذا الذنب الأصلي لأن الأبناء لا يؤاخذون بذنوب الآباء ولا بالعكس بل هو خلاف العدل.. الآية العشرون من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه) . (ثم أقول) رابعاً: ما معنى جعل الشيطان مغلوباً بالموت لأنه على حكم إنجيلهم مقيد بقيود أبدية قبل ميلاد عيسى عليه السلام. الآية السادسة من رسالة يهودا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام) . ثم العجب أنهم لا يكتفون بموت إلههم المزعوم ودخوله جهنم بل يزيدون عليهما أنه صار ملعوناً أيضاً والعياذ بالله وملعونيته مسلمة عند المسيحيين ويسلمها صاحب ميزان الحق أيضاً بكمال رضا الخاطر ويصرح بها في كتبه وصرح بها مقدسهم بولس أيضاً. الآية الثالثة عشرة من الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: (المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة) وعندنا إطلاق مثل هذا اللفظ شنيع جداً بل لاعن الله واجب الرجم بحكم التوراة ورجم واحد على هذا الخطأ في عهد موسى عليه السلام كما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 747 هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر الأخبار، بل لاعن الأبوين أيضاً واجب القتل فضلاً عن لاعن الله كما هو مصرح في الباب العشرين من السفر المذكور. (القول السابع) : في الآية السابعة عشرة من الباب العشرين من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام في خطاب مريم المجدلية هكذا: (لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) فسوى بينه وبين الناس في هذا القول (أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) لكيلا يتقولوا عليه الباطل فيقولوا إنه إله أو ابن إله فكما أن تلاميذه عباد الله وليسوا بأبناء الله حقيقة بل بالمعنى المجازي فكذلك هو عبد الله وليس بإبن الله حقيقة ولما كان هذا القول بعد ما قام عيسى عليه السلام من الأموات على زعمهم قبل العروج بقليل ثبت أنه كان يصرح بأني عبد الله إلى زمان العروج وهذا القول يطابق ما حكى الله عنه في القرآن المجيد: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} . (القول الثامن) : في الآية الثامنة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (إن أبي أعظم مني) ففيه أيضاً نفي لألوهيته لأن الله ليس كمثله شيء فضلاً عن أن يكون أعظم منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 748 (القول التاسع) : في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني) ففيه أيضاً تصريح بالرسالة وبأن الكلام الذي تسمعونه وحي من جانب الله. (القول العاشر) : في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى قول المسيح عليه السلام في خطاب تلاميذه هكذا: 9 (ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات) 10 (ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح) فهنا أيضاً صرح (بأن الله واحد وإني معلم لكم) . (القول الحادي عشر) : في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى هكذا: 36 (حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جشيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك) 37 (ثم أخذ معه بطرس وابني زيدي وابتدأ يحزن ويكتئب) 38 (فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي) 39 (ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ليس كما أريد بل كما تريد أنت) 40 (ثم جاء إلى التلاميذ الخ) 42 (فمضى أيضاً ثانية وصلى قائلاً يا أبتاه إن لم يكن أن تعبر عني هذه الكأس ألا أشربها فلتكن مشيئتك) 43 (ثم جاء الخ) 44 (فتركهم ومضى أيضاً وصلى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه) فأقواله وأحواله المندرجة في هذه العبارات تدل على عبوديته ونفى ألوهيته. أيحزن ويكتئب الإله ويموت ويصلي لإله آخر ويدعو بغاية التضرع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 749 لا والله. ولما جاء جنابه الشريف إلى العالم وتجسد ليخلص العالم بدمه الكريم من عذاب الجحيم فما معنى الحزن والاكتئاب وما معنى الدعاء: بأن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. (القول الثاني عشر) : كان من عادته الشريفة أنه إذا عبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان غالباً كما لا يخفى على ناظر هذا الإنجيل المروج أيضاً: مثلاً في الآية 20 باب 8 و 6 باب 9 و 13 و 27 باب 16 و 9 و 12 و 22 باب 17 و 11 باب 18 و 28 باب 19 و 18 و 28 باب 20 و 27 باب 24 و 24 و 45 و 64 باب 26 من إنجيل متى وهكذا في غيره وظاهر أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنساناً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 750 الفصل الثالث: في إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح قد عرفت في الأمر الخامس من المقدمة أن كلام يوحنا مملوء من المجاز قلما تجد فقرة لا تحتاج إلى التأويل وقد عرفت في الأمر السادس أن الإجمال يوجد كثيراً في أقوال المسيح عليه السلام بحيث لم يفهمها معاصروه ولا تلاميذه في كثير من الأحيان ما لم يفسرها بنفسه وقد عرفت في الأمر الثاني عشر أن عيسى عليه السلام ما بين ألوهيته إلى العروج ببيان لا يبقى فيه شبهة ويفهم منه صراحة هذا المعنى، فالأقوال الذي يتمسك بها المسيحيون غالباً مجملة منقولة من إنجيل يوحنا وعلى ثلاثة أقسام -بعضها لا يدل بحسب معانيها الحقيقية على مقصودهم فاستنباط الألوهية منها مجرد زعمهم، وهذا الاستنباط والزعم ليسا بمعتدّين ولا جائزين في مقابلة البراهين العقلية القطعية والنصوص العيسوية كما عرفت في الفصلين المذكورين، -وبعضها أقوال يفهم تفسيرها من الأقوال المسيحية الأخرى ومن بعض مواضع الإنجيل ففيها أيضاً لا اعتبار لرأيهم -وبعضها أقوال يجب تأويلها عندهم أيضاً فإذا وجب التأويل فنقول لا بد أن يكون هذا التأويل بحيث لا يخالف البراهين والنصوص، وأنى لهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 751 ذلك؟! فلا حاجة إلى نقل الكل بل أنقل الأكثر ليتضح منه للناظر حال استدلالهم ويقيس الباقي عليه. الدليل (الأول) : من إطلاق لفظ ابن الله على المسيح عليه السلام: أقول هذا الدليل في غاية الضعف بوجهين: أما أولاً فلأن هذا الإطلاق معارض بإطلاق ابن الإنسان كما عرفت وبإطلاق ابن داود فلا بد من التطبيق بحيث لا يثبت المخالفة للبراهين العقلية ولا يلزم منه محال، وأما ثانياً فلأنه لا يصح أن يكون لفظ الابن بمعناه الحقيقي لأن معناه الحقيقي باتفاق لغة أهل العالم من تولد من نطفة الأبوين وهذا محال ههنا، فلا بد من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح وقد علم من الإنجيل أن هذا اللفظ في حقه بمعنى الصالح. الآية التاسعة والثلاثون من الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (ولما رأى قائد المائة الواقف مقابله أنه صرح هكذا وأسلم الروح قال حقاً كان هذا الإنسان ابن الله) ونقل لوقا قول القائد في الآية السابعة والأربعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 752 من الباب الثالث والعشرين من إنجيله هكذا: (بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً) ففي إنجيل مرقس لفظ ابن الله وفي إنجيل لوقا بدله لفظ البار واستعمل مثل هذااللفظ في حق الصالح غير المسيح أيضاً، كما استعمل مثل ابن إبليس في حق الصالح في الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: (و) (طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون) 44 (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم باركوا لأعينكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسبونكم) 54 (لكي تكون أبناء أبيكم الذي في السماوات) فأطلق عيسى عليه السلام على صانعي السلام والصلح على العاملين بالأعمال المذكورة لفظ أبناء الله وعلى الله لفظ الأب بالنسبة إليهم. وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا في المكالمة التي وقعت بين اليهود والمسيح هكذا: 41 (أنتم تعملون أعمال أبيكم فقالوا له إننا لم نولد من زنا لنا أب واحد وهو الله) 42 (فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني) الخ 44 (أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذب وأبو الكذب) فاليهود ادعوا أن لنا أباً واحداً وهو الله وقال المسيح عليه السلام لا بل أبوكم الشيطان وظاهر أن الله والشيطان ليس أباً لهم بالمعنى الحقيقي فلا بد من الحمل على المعنى المجازي فغرض اليهود نحن صالحون ومطيعون لأمر الله، وغرض المسيح عليه السلام إنكم لستم كذلك بل أنتم طالحون مطيعون للشيطان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 753 وفي الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: 9 (كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيئة لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله) 10 (بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس) الخ وفي الآية السابعة من الباب الرابع من الرسالة المذكورة: (وكل من يحب فقد ولد من الله) وفي الباب الخامس من الرسالة المذكورة: (كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً) 2 (بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه) والآية الرابعة عشرة من الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا: (لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله) وفي الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا: 14 (افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة) 15 (لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب) ودلالة هذه الأقوال على ما قلت غير خفية، وإذا لم يفهم من إطلاق لفظ الله ومثله الألوهية كما عرفت في الأمر الرابع من المقدمة فكيف يفهم من لفظ ابن الله ومثله سيما إذا لاحظنا كثرة وقوع المجاز في كتب العهد العتيق والجديد، كما عرفت في المقدمة وسيما إذا لاحظنا أن استعمال الأب والابن في كتب العهدين جاء في المواضع الغير المحصورة وأنقل بعضها بطريق الأنموذج: -[1] قال لوقا في الباب الثالث من إنجيله في بيان نسب المسيح عليه السلام أنه ابن يوسف وآدم ابن الله وظاهر أن آدم عليه السلام ليس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 754 ابناً لله بالمعنى الحقيقي ولا إلهاً لكن لما ولد بلا أبوين نسبه إلى الله. ولله در لوقا لقد أجاد ههنا لأنه لما كان المسيح عليه السلام مولوداً بلا أب فقط نسبه إلى يوسف النجار ولما كان آدم عليه السلام مولوداً بلا أبوين نسبه إلى الله. -[2] في الباب الرابع من سفر الخروج قول الله هكذا: 22 (وتقول له هذا ما يقول الرب ابني بكري إسرائيل) 33 (فقلت له أطلق ابني ليعبدني وإن أبيت أن تطلقه هو ذا أنا سأقتل ابنك بكرك) فأطلق على إسرائيل لفظ ابن الله في الموضعين بل أطلق عليه لفظ الابن البكر. -[3] في الزبور الثامن والثمانين قول داود عليه السلام في خطاب الله هكذا: 19 (حينئذ كلمت نبيك بالوحي وقلت إني وضعت عوناً على القوي ورفعت منتخباً من شعبي) 20 (وجدت داود عبدي فمسحته بدهن قدسي) 26 (هو يدعونني أنت أبي وإلهي وناصر خلاصي) 27 (وأنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من كل ملوك الأرض) فأطلق على الله لفظ الأب وعلى داود لفظ القوي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 755 والمنتخب والمسيح وابن الله البكر وأعلى من كل ملوك الأرض. -[4] الآية التاسعة من الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرساء قول الله هكذا: (إني صرت أباً لإسرائيل وأفرام هو بكري) فأطلق على أفرام لفظ ابن الله البكر فلو كان إطلاق مثل هذه الألفاظ موجباً للألوهية لكان إسرائيل وداود وأفرام أحقاء بالألوهية لأن الابن البكر أحق بالإكرام من غيره بحسب الشرائع السابقة وبحسب الزواج العام أيضاً وإن قالوا جاء في حق عيسى عليه السلام لفظ الابن الوحيد قلنا إن الوحيد لا يمكن أن يكون بمعناه لأن الله أثبت له أخوة كثيرين وقال في حق الثلاثة منهم لفظ الابن البكر بل لا بد أن يكون بالمعنى المجازي مثل الابن. -[5] في الباب السابع من سفر صموئيل الثاني قول الله تعالى في حق سليمان هكذا: (وأنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً) فلو كان إطلاق هذا اللفظ سبباً للألوهية لكان سليمان عليه السلام أحق من المسيح عليه السلام لسبقه وكونه من آباء المسيح عليه السلام. -[6] في الآية الأولى من الباب الرابع عشر والآية التاسعة عشرة من الباب الثاني والثلاثين من كتاب الاستثناء، والآية الثانية من الباب الأول والآية الأولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 756 من الباب الثلاثين، والآية الثامنة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا، والآية العاشرة من الباب الأول من كتاب هوشع، جاء إطلاق أبناء الله على جميع بني إسرائيل. -[7] في الآية السادسة عشرة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا، قول أشعيا في خطاب الله هكذا: (فإنك أنت أبونا وإبراهيم لم يعرفنا وإسرائيل جهلنا أنت يا رب أبونا فخلصنا من الدهر اسمك) . الآية الثامنة من الباب الرابع والستين من الكتاب المذكور هكذا: (والآن يا رب أنت أبونا) الخ، فصرح أشعيا عليه السلام في حقه وحق غيره من بني إسرائيل: بأن الله أبونا. -[8] الآية السابعة من الباب الثامن والثلاثين من كتاب أيوب هكذا: (إذا كان تسبح لي نجوم الصبح جميعاً ويفرحون جميع بني الله) . -[9] قد عرفت في صدر الجواب أنه جاء إطلاق أبناء الله على الصالحين وعلى المؤمنين بالمسيح وعلى المحبين وعلى المطيعين لأمر الله، وعلى العاملين بالأعمال الحسنة. -[10] الآية الخامسة من الزبور السابع والستين هكذا: (أبو اليتامى وحاكم الأرامل الله في موضع قدسه) . فأطلق على الله لفظ أبي اليتامى. -[11] في الباب السادس من سفر الخليقة هكذا 2: (فرأى بنو الله بنات الناس أنهن حسنات، واتخذوا لهم نساء من كل ما اختاروا) 4: (فأما الجبابرة كانوا في تلك الأيام على الأرض لأن من بعد ما دخل أبناء الله على بنات الناس وولدن، فهؤلاء هم أقوياء منذ الدهر مشهورون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 757 والمراد بأبناء الله بنو الأشراف وببنات الناس بنات العامة، ولذا ترجم مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م الآية الأولى هكذا: (رأى بنو الأشراف بنات العامة حساناً فاتخذوا لهم نساء) فجاء إطلاق أبناء الله على أبناء الأشراف مطلقاً، وفهم منه صحة إطلاق الله على الشريف أيضاً. -[12] جاء في المواضع الكثيرة من الإنجيل، إطلاق لفظ أبيكم على الله في خطاب التلاميذ وغيرهم. -[13] قد يضاف لفظ الابن والأب إلى شيء له مناسبة ما، بمعناها الحقيقي كإطلاق أبي الكذب على الشيطان كما عرفت، وكإطلاق أبناء جهنم وأولاد أورشليم على اليهود في كلام المسيح عليه السلام في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى، وجاء إطلاق أبناء الدهر على أهل الدنيا، وجاء إطلاق أبناء الله وأبناء القيامة على أهل الجنة، في قول المسيح عليه السلام في الباب العشرين من لوقا. وفي الآية الخامسة من الباب الخامس من الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي جاء إطلاق أبناء النور وأبناء النهار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 758 على أهل تسالونيقي. الدليل الثاني في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا: (فقال لهم أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم) يعني أني إله نزلت من السماء وتجسمت. (أقول) : لما كان هذا القول مخالفاً للظاهر لأن عيسى عليه السلام كان من هذا العالم فأولوا بهذا التأويل وهو غير صحيح بوجهين: (الأول) : أنه مخالف للبراهين العقلية والنصوص. (والثاني) : أن عيسى عليه السلام قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضاً في الآية التاسعة عشرة من الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، ولكن إنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم) . وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا هكذا 14: (لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) [16] (ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) فقال في حق تلاميذه: إنهم ليسوا من العالم، وسوّى بينه وبينهم في عدم الكون من هذا العالم، فلو كان هذا مستلزماً للألوهية كما زعموا، لزم أن يكونوا كلهم آلهة والعياذ بالله، بل التأويل الصحيح: أنتم طالبو الدنيا الدنية وأنا لست كذلك، بل طالب الآخرة ورضاء الله، وهذا المجاز شائع في الألسنة يقال للزهاد والصلحاء إنهم ليسوا من الدنيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 759 الدليل الثالث : في الآية الثلاثين من الباب العاشر من إنجيل يوحنا هكذا: (أنا والأب واحد) فهذا يدل على اتحاد المسيح بالله. أقول هذا الاستدلال غير صحيح بوجهين: (الأول) : أن المسيح عليه السلام عندهم أيضاً إنسان ذو نفس ناطقة، وليس بمتحد بهذا الاعتبار. فيحتاجون إلى التأويل فيقولون: كما أنه إنسان كامل فكذلك إله كامل، فبالاعتبار الأول مغاير، وبالاعتبار الثاني متحد. وقد عرفت أن هذا التأويل باطل. (والثاني) : إن مثل هذا وقع في حق الحواريين في الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا 21: (ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الأب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني) 22 (وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد) 33 (أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين إلى واحد) . فقوله ليكون الجميع واحداً وقوله [ص 20] ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد. وقوله يكونوا مكملين إلى واحد، تدل على اتحادهم. وسوّى في القول الثاني بين اتحاده بالله وبين اتحاده فيما بينهم. وظاهر أن اتحاده فيما بينهم ليس حقيقياً، فكذا اتحاده بالله، بل الحق أن الاتحادبالله عبارة عن إطاعة أحكامه والعمل بالأعمال الصالحة، وفي نفس هذا الاتحاد المسيح والحواريون وجميع أهل الإيمان متساوية الأقدام، وإنما الفرق باعتبار القوة والضعف، فاتحاد المسيح بهذا المعنى أشد وأقوى من اتحاد غيره. والدليل على كون الاتحاد عبارة عن هذا المعنى قول يوحنا في الباب الأول من رسالته الأولى وهو هكذا 5: (وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به أن الله نور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 760 وليس فيه ظلمة ألبتة 6 إن قلنا إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق 7 ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض) . والآية السادسة والسابعة في التراجم الفارسية هكذا: 6 (اكر كونييم كه باوى متحديم ودرظلمت رفتا رنماييم در وغكوييم ودر راستي عمل نتماييم) . 7 وأكردر رو شنائى رفتا رنماييم جنا نجه أودر روشنائي مى باشد بايكد يكر متحد هستيم) فوقع فيها بدل لفظ الشركة لفظ الاتحاد فعلم أن الاتحاد بالله أو الشركة بالله عبارة عما قلنا. الدليل الرابع : في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 9 (الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب 10 ألست تؤمن أني أنا في الأب والأب فيّ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الأب الحالّ فيّ هو يعمل الأعمال) فقوله: الذي رآني فقد رأى الأب، وقوله أنا في الأب والأب فيّ، وقوله الأب الحالّ فيّ دالة على اتحاد المسيح بالله، وهذا الاستدلال أيضاً ضعيف بوجهين: (أما الأول) : فلأن رؤية الله في الدنيا ممتنعة عندهم كما عرفت في الأمر الرابع من المقدمة فيؤلونها بالمعرفة، ومعرفة المسيح باعتبار الجسمية أيضاً لا تفيد الاتحاد، فيقولون إن المراد بالمعرفة باعتبار الألوهية، والحلول الذي وقع في القول الثاني والثالث واجب التأويل عند جمهور أهل التثليث، فيقولون إن المراد به الاتحاد الباطني. فبعد هذه التأويلات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 761 يقولون إنه لما كان إنساناً كاملاً، وإلهاً عاملاً. صح أقواله الثلاثة بالاعتبار الثاني، وقد عرفت مراراً أنه باطل لأن التأويل يجب أن لا يخالف البراهين والنصوص. (وأما الثاني) : فلأن الآية العشرين من الباب المذكور هكذا: (في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأني فيكم) وقد عرفت في جواب الدليل الثالث أن المسيح قال في حق الحواريين: (أنا فيهم وأنت فيّ) وبديهي أن حال الحال، حال في محل الحال. والآية التاسعة عشرة من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: (أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم) . والآية السادسة عشرة من الباب السادس من الرسالة الثانية إلى قورنيثوس هكذا: (وآية موافقة لهيكل الله مع الأوثان فإنكم أنتم هيكل الله الحي) الخ. والآية السادسة من الباب الرابع من الرسالة إلى أهل أفسس هكذا: (إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 762 فلو كان الحلول مشعراً بالاتحاد ومثبتاً للألوهية لزم أن يكون الحواريون بل جميع أهل قورنيثوس وكذا جميع أهل أفسس آلهة بل الحق أن الأدنى إذا كان من اتباع الأعلى كأن يكون رسوله أو عبده أو تلميذه أو قريباً من أقربائه. فالأمر المنسوب إلى الأدنى من التعظيم والتحقير والمحبة وغيرها، ينسب إلى الأعلى مجازاً ولذلك قال المسيح عليه السلام في حق الحواريين: (من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني) . كما وقع في الآية الأربعين من الباب العاشر من إنجيل متى وقال في حق الولد الصغير: (من قبل هذا الولد باسمي يقبلني ومن قبلني يقبل الذي أرسلني) كما هو مصرح في الآية في الآية الثامنة والأربعين من الباب التاسع من إنجيل لوقا. وقال في حق السبعين الذين أرسلهم اثنين اثنين إلى البلاد (الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني) كما هو مصرح في الآية السادسة عشرة في الباب العاشر من إنجيل لوقا.. وهكذا وقع في حق أصحاب اليمين وأصحاب الشمال في الباب الخامس والعشرين من إنجيل متى ولذلك قال الله على لسان أرمياء: (أكلني ابتلعني يختنصر ملك بابل جعلني كإناء فارغ ملأ بطنه من رخصتي وطردني) كما هو مصرح في الباب الحادي والخمسين من كتاب أرمياء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 763 ومثل هذا وقع في القرآن المجيد أيضاً: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} . وقال مولانا المعنوي قدس سره في مثنويه: كرتو خواهي همنشيتي باخدا * رونشين تودر حضور اوليا فمعرفة المسيح بهذا الاعتبار بمنزلة معرفة الله وأما حلول الغير في الله أو حلول الله فيه، وكذا حلول الغير في المسيح أو حلول المسيح فيه، فعبارة عن إطاعة أمرهما. في الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (من يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه. وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 764 وقد يتمسكون على ألوهيته ببعض حالاته فيستدلون تارة أنه ولد بلا أب وهذا الاستدلال ضعيف جداً، لأن العالم حادث بأسره وما مضى على حدوثه إلى هذا الزمان ستة آلاف سنة على زعمهم. وكل مخلوق من السماء والأرض والجماد والنبات والحيوان وآدم، خلق عندهم في أسبوع واحد فجميع الحيوانات مخلوقة بلا أب وأم فكل من هذه يشارك المسيح في كونه مخلوقاً بلا أب، ويفوق عليه في كونه بلا أم، وتتولد أصناف من الحشرات في كل سنة في موسم نزول المطر بلا أب وأم فكيف يكون هذا الأمر سبباً للألوهية. (ولو نظرنا إلى نوع الإنسان فآدم عليه السلام يفوق عليه، وكذلك ملكي صادوق الكاهن الذي هو معاصر إبراهيم عليه السلام) . في الآية الثالثة من الباب السابع من الرسالة العبرانية حاله هكذا: (بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداية أيام له ولا نهاية حياة) فيفوق المسيح في كونه بلا أم وفي كونه لا بداية له ويستدلون تارة بمعجزاته، وهذا أيضاً ضعيف لأن من أعظم معجزاته إحياء الموتى مع قطع النظر عن ثبوته، وعن أنه يفهم من هذا الإنجيل المتعارف تكذيبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 765 أقول إن عيسى عليه السلام بحسب هذا الإنجيل ما أحيا إلى زمان الصلب إلا ثلاثة أشخاص كما عرفت في الباب الأول، وأحيا حزقيال عليه السلام ألوفاً كما هو مصرح في الباب السابع والثلاثين من كتابه، فهو أولى بأن يكون إلهاً، وأحيا إيليا عليه السلام ميتاً كما هو مصرح في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول، وأحيا اليسع عليه السلام أيضاً ميتاً كما هو مصرح في الباب الرابع من سفر الملوك الثاني، وصدرت هذه المعجزة عن اليسع بعد موته، أن ميتاً ألقي في قبره فحيي بإذن الله كما هو مصرح في الباب الثالث عشر من السفر المذكور، وأبرأ الأبرص من برصه، كما هو مصرح في الباب الخامس من السفر المذكور. وقد يتمسكون ببعض آيات كتب العهد العتيق وببعض أقوال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 766 الحواريين. وإني قد نقلت هذه التمسكات مع أجوبتها في كتاب إزالة الأوهام، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إليه، وتركت ذكرها في هذا الكتاب لأن التمسكات الأولية ضعيفة جداً ومع قطع النظر عن الضعف لا يثبت منها الألوهية على زعمهم أيضاً ما لم يعترف أن المسيح إنسان كامل وإله كامل، وهذا التأويل باطل، كما عرفت مراراً، والتمسكات الثانوية حالها كحال التمسكات بالأحوال المسيحية غالباً فيعامل بها معاملة أقوال المسيح من الحالات الثلاث كما عرفت في صدر هذا الفصل. ولو فرضنا أن بعض القول منهم نص على هذا الأمر، فيحمل على أنه بحسب اجتهادهم. وقد عرفت في الباب الأول أن جميع تحريراتهم ليست بالإلهام، وأنه قد وقع منهم الأغلاط والاختلافات والتناقض يقيناً، وقول مقدسهم بولس غير مسلم عندنا لأنه ليس بحواري ولا واجب التسليم عندنا، بل لا نسلم وثاقته. واعلم أرشك الله تعالى إنما نقلت الأقوال المسيحية وأولتها لأجل إتمام الإلزام وإثبات أن تمسكهم بها ضعيف، وكذا ما قلت من أقوال الحواريين إنما هو على تقدير تسليم أنها أقوالهم، ولا يثبت عندنا أنها أقوال المسيح عليه السلام والحواريين لأجل فقدان إسناد هذه الكتب كما عرفت في الباب الأول، ولأجل وقوع التحريف فيها عموماً وفي هذه المسألة خصوصاً أيضاً كما عرفت في الباب الثاني أن عادتهم في مثل هذه الأمور كانت كذلك وعقيدتي أن المسيح والحواريين كانوا برآء من هذه العقيدة الكفرية يقيناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وأن الحواريين رسل رسول الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 767 ووقعت بين الإمام الهمام الفخر الرازي عليه الرحمة وبين بعض القسيسين مناظرة بخوارزم ولما كان نقلها لا يخلو عن فائدة فأنقلها: قال قدس سره في المجلد الثاني من تفسيره في سورة آل عمران تحت تفسير قوله تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية. اتفق أني حين كنت بخوارزم أخبرت أنه جاء نصراني يدعي التحقيق والتعمق في مذهبهم فذهبت إليه وشرعنا في الحديث، فقال لي ما الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فقلت له: كما نقل إلينا ظهور الخوارق على يد موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، نقل إلينا ظهور الخوارق على يد محمد صلى الله عليه وسلم فإن رددنا التواتر أو قبلناه لكن قلنا إن المعجزة لا تدل على الصدق فحينئذ بطلت نبوة سائر الأنبياء عليهم السلام، وإن اعترفنا بصحة التواتر واعترفنا بدلالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 768 المعجزة على الصدق ثم إنهما حاصلان في حق محمد صلى الله عليه وسلم، وجب الاعتراف قطعاً بنبوة محمد عليه السلام ضرورة. إذ عند الاستواء في الدليل لا بد من الاستواء في حصول المدلول.. فقال النصراني لا أقول في عيسى عليه السلام إنه كان نبياً، بل أقول إنه كان إلهاً. فقلت له الكلام في النبوة لا بد وأن يكون مسبوقاً بمعرفة الإله، وهذا الكلام الذي تقوله باطل ويدل عليه أن الإله عبارة عن موجود واجب الوجود لذاته، يجب ألا يكون جسماً ولا متحيزاً ولا عرضاً, وعيسى عبارة عن هذا الشخص البشري الجسماني الذي وجد بعد أن كان معدوماً، وقتل بعد أن كان حياً على قولكم، وكان طفلاً أولاً ثم صار مترعرعاً، ثم صار شاباً. وكان يأكل ويشرب وَيُحْدِث وينام ويستيقظ. وقد تقرر في بداهة العقول أن المحدث لا يكون قديماً. والمحتاج لا يكون غنياً والممكن لا يكون واجباً والمتغير لا يكون دائماً. (والوجه الثاني) في إبطال هذه المقالة أنكم تعترفون بأن اليهود أخذوه وصلبوه وتركوه حياً على الخشبة، وقد مزقوا ضلعه وأنه كان يحتال في الهرب منهم وفي الاختفاء عنهم، وحين عاملوه بتلك المعاملات أظهر الجزع الشديد. فإن كان إلهاً أو كان الإله حالاً فيه أو كان جزء من الإله حالاً فيه فَلِمَ لَمْ يدفعهم عن نفسه ولِمَ لَمْ يهلكهم بالكلية، وأية حاجة به إلى إظهار الجزع منهم والاحتيال في الفرار منهم. وبالله إنني لأتعجب جداً أن العاقل كيف يليق به أن يقول هذا القول، ويعتقد صحته. فتكاد أن تكون بداهة العقل شاهدة بفساده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 769 (الوجه الثالث) وهو أنه إما أن يقال بأن الإله هو هذا الشخص الجسماني المشاهد، أو يقال حل الإله بكليته. أو حل بعض الإله وجزأ منه فيه والأقسام الثلاثة باطلة: أما الأول، فلأن إله العالم لو كان هو ذلك الجسم فحين قتله اليهود كان ذلك قولاً بأن اليهود قتلوا إله العالم فكيف بقي العالم بعد ذلك من غير إله. ثم إن أشد الناس ذلاً ودناءة اليهود فالإله الذي تقتله اليهود إله في غاية العجز. وأما الثاني وهو أن الإله بكليته حل في هذا الجسم فهو أيضاً فاسد لأن الإله إن لم يكن جسماً ولا عرضاً امتنع حلوله في الجسم، وإن كان جسماً فحينئذ يكون حلوله في جسم آخر عبارة عن اختلاط أجزائه بأجزاء ذلك الجسم، وذلك يوجب وقوع التفرق في أجزاء ذلك الإله. وإن كان عرضاً كان محتاجاً إلى المحل وكان الإله محتاجاً إلى غيره. وكل ذلك سخيف. وأما الثالث وهو أنه حل فيه بعض من أبعاض الإله وجزء من أجزائه فذلك أيضاً محال، لأن ذلك الجزء إن كان معتبراً في الإلهية فعند انفصاله عن الإله وجب أن لا يبقى الإله إلهاً وإن لم يكن معتبراً في تحقيق الإلهية لم يكن جزءاً من الإله. فثبت فساد هذه الأقسام فكان قول النصارى باطلاً. (الوجه الرابع) في بطلان قول النصارى ما ثبت بالتواتر من أن عيسى عليه السلام كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة ولو كان إلهاً لاستحال ذلك لأن الإله لا يعبد نفسه. فهذه وجوه في غاية الجلاء والظهور دالة على فساد قولهم. ثم قلت للنصراني وما الذي دلك على كونه إلهاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 770 فقال الذي دل عليه ظهور العجائب عليه من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وذلك لا يمكن حصوله إلا بقدرة الإله تعالى. فقلت له هل تسلم أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول أم لا. فإن لم تسلم لزمك من نفي العالم في الأزل نفي الصانع، وإن سلمت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول فأقول لما جوزت حلول الإله في بدن عيسى عليه السلام فكيف عرفت أن الإله ما حل بدني وبدنك ومن بدن كل حيوان ونبات وجماد. فقال الفرق ظاهر وذلك لأني إنما حكمت بذلك الحلول لأنه ظهرت تلك الأفعال العجيبة عليه، والأفعال العجيبة ما ظهرت على يدي ولا على يدك فعلمنا أن ذلك الحلول مفقود ههنا. فقلت له تبين الآن أنك ما عرفت معنى قولي إنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، وذلك لأن ظهور تلك الخوارق دالة على حلول الإله في بدن عيسى عليه السلام، فعدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك ليس فيه إلا أنه لم يوجد ذلك الدليل، فإذا ثبت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول لا يلزم من عدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك عدم الحلول في حقي وفي حقك بل وفي حق الكلب والسنور والفأر، ثم قلت إن مذهباً يؤدي القول به إلى تجويز حلول ذات الله في بدن الكلب والذباب لفي غاية الخسة والركاكة. ثم إن قلب العصا حية أبعد في العقل من إعادة الميت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 771 حياً، لأن المشاكلة بين بدن الحي وبدن الميت أكثر من المشاكلة بين الخشبة وبين بدن الثعبان، فإذا لم يوجب قلب العصا حية كون موسى عليه السلام إلهاً وابناً للإله فبأن لا يدل إحياء الموتى على الإلهية كان ذلك أولى وعند هذا انقطع النصراني ولم يبق له كلام والله أعلم. انتهى كلامه بعبارته الشريفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 772 الباب الخامس: في إثبات كون القرآن كلام الله ومعجزاً ورفع شبهات القسيسين وضممت إلى مبحث القرآن مبحث إثبات صحة الأحاديث النبوية المروية في كتب الصحاح من كتب: أهل السنة والجماعة. وجعلت هذا الباب مشتملاً على أربعة فصول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 773 الفصل الأول: الأمور التي تدل على أن القرآن كلام الله في اثبات أن القرآن كلام الله الأمور التي تدل على أن القرآن كلام الله كثيرة، أكتفي منها على اثني عشر أمراً على عدد حواري المسيح وأترك الباقي، مثل أن يقال إن الخائب المخالف وقت بيان أمر من الأمور الدنيوية والدينية أيضاً يكون ملحوظاً في القرآن، وأن بيان كل شيء ترغيباً كان أو ترهيباً رأفة كان أو عتاباً يكون على درجة الاعتدال لا بالإفراط ولا بالتفريط، وهذان الأمران لا يوجدان في كلام الإنسان لأنه يتكلم في بيان كل حال بما يناسب ذلك الحال، فلا يلاحظ في العتاب حال الذين هم قابلون للرأفة وبالعكس، ولا يلاحظ عند ذكر الدنيا حال الآخرة وبالعكس. ويقول في الغضب زائداً على الخطأ وهكذا أمور أخر. (الأمر الأول) : كونه في الدرجة العالية من البلاغة التي لم يعهد مثلها في تراكيبهم وتقاصرت عنها درجات بلاغتهم، وهي عبارة عن التعبير باللفظ المعجب عن المعنى المناسب للمقام الذي أورد فيه الكلام، بلا زيادة ولا نقصان في البيان، والدلالة عليه، وعلى هذا كلما ازداد شرف الألفاظ ورونق المعاني ومطابقة الدلالة كان الكلام أبلغ وتدل على كونه في هذه الدرجة وجوه: (أولها) أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة. وكذا فصاحة العجم سواء كانوا شاعرين أو كاتبين أكثرها في أمثال هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 775 الأشياء. ودائرة الفصاحة والبلاغة فيها متسعة جداً لأن طبائع أكثر الناس تكون مائلة إليها. وظهر من الزمان القديم في كل وقت وفي كل إقليم من شاعر أو كاتب مضمون جديد ونكتة لطيفة في بيان لشيء من هذه الأشياء المذكورة ويكون المتأخر المتتبع واقفاُ على تدقيقات المتقدم غالباً. فلو كان الرجل سليم الذهن وتوجه إلى تحصيل ملكة في وصفها يحصل له بعد الممارسة والاشتغال ملكة البيان في وصف شيء من هذه الأشياء على قدر سلامة فكره وجودة ذهنه، وليس القرآن في بيان خصوص هذه الأشياء فكان يجب أن لا تحصل فيه الألفاظ الفصيحة التي اتفقت عليها العرب في كلامهم. (ثانيها) أنه تعالى راعى فيه طريقة الصدق وتنزه عن الكذب في جميعه، وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره ولم يكن جيداً، ولذلك قيل أحسن الشعر أكذبه. وترى أن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت رضي الله عنهما لما أسلما نزل شعرهما ولم يكن شعرهما الإسلامي كشعرهما الجاهلي، والقرآن جاء فصيحاً مع التنزه عن الكذب والمجازفة. (ثالثها) أن الكلام الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين والباقي لا يكون كذلك، بخلاف القرآن فإنه مع طوله فصيح كله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 776 بحيث يعجز الخلق عنه. ومن تأمل في قصة يوسف عليه السلام عرف أنها مع طولها وقعت على الدرجة العالية من البلاغة. (رابعها) أن الشاعر أو الكاتب إذا كرر مضموناً أو قصة لا يكون كلامه الثاني مثل الأول، وقد تكررت قصص الأنبياء وأحوال المبدأ والمعاد والأحكام والصفات الإلهية، واختلفت العبارات إيجازاً وإطناباً وتفنناً في بيانها غيبة وخطاباً، ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً. (خامسها) أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الأمور توجب تقليل الفصاحة. ولذلك إذا قيل لشاعر فصيح أو كاتب بليغ أن يكتب تسع أو عشر من مسائل الفقه أو العقائد في عبارة فصيحة مشتملة على التشبيهات البليغة والاستعارات الدقيقة يعجز. (سادسها) أن كل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في غير ذلك الفن، كما قالوا في شعراء العرب: إن شعر امرئ القيس يحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 777 عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل، وشعر النابغة عند الخوف وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر وشعر زهير عند الرغبة والرجاء. وقالوا في شعراء فارس إن النظامي والفردوسي وحيدان في بيان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 778 الحرب، والسعدي فريد في الغزل، والأنوري في القصائد.. والقرآن جاء فصيحاً على غاية الفصاحة في كل فن ترغيباً كان أو ترهيباً، زجراً كان أو وعظاً أو غيرهما. (وأورد ههنا بطريق الأنموذج من كل فن آية آية) ففي الترغيب قوله {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} وفي الترهيب قوله {وخاب كل جبار عنيد. من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد. يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت. ومن ورائه عذاب غليظ} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 779 وفي الزجر والتوبيخ قوله {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً. ومنهم من أخذته الصيحة. ومنهم من خسفنا به الأرض. ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} وفي الوعظ قوله {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغني عنهم ما كانوا يمتعون} وفي الإلهيات قوله {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال} . (سابعها) الأغلب أنه إذا انتقل الكلام من مضمون إلى مضمون آخر، واشتمل على بيان أشياء مختلفة لا يبقى حسن ربط الكلام ويسقط عن الدرجة العالية للبلاغة. والقرآن يوجد فيه الانتقال من قصة إلى قصة إلى قصة أخرى، والخروج من باب إلى باب، والاشتمال على أمر ونهي، وخبر واستخبار، ووعد وعيد، وإثبات النبوة، وتوحيد الذات، وتفريد الصفات، وترغيب وترهيب، وضرب مثال، وبيان حال. ومع ذلك يوجد فيه كمال الربط والدرجة العالية للبلاغة الخارجة عن العادة فتحير فيها عقول بلغاء العرب. (ثامنها) أن القرآن في أغلب المواضع يأتي بلفظ يسير متضمن لمعنى كثير ويكون اللفظ أعذب، ومن تأمل في سورة (ص) علم ما قلت كيف صدرها وجمع فيها من أخبار الكفار وخلافهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم ومن تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتعجبهم مما أتى به، والخبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 780 عن إجماع ملئهم على الكفر، وظهور الحسد في كلامهم، وتعجيزهم وتحقيرهم ووعيدهم بخزي الدنيا والآخرة، وتكذيب الأمم قبلهم وإهلاك الله لهم، ووعيد قريش وأمثالهم مثل مصابهم. وحمل النبي على الصبر على أذاهم وتسليته في قصص الأنبياء مثل داود وسليمان وأيوب وإبراهيم ويعقوب وغيرهم عليهم السلام. وكل هذا الذي ذكر من أولها إلى آخرها في ألفاظ يسيرة متضمنة لمعان كثيرة، وكذلك قوله تعالى {ولكم في القصاص حياة} فإن هذا القول لفظه يسير ومعناه كثير. ومع كونه بليغاً مشتملاً على المطابقة بين المعنيين المتقابلين وهما القصاص والحياة. وعلى الغرابة، بجعل القتل الذي هو مفوت للحياة ظرفاً لها وأولى من جميع الأقوال المشهورة عند العرب في هذا الباب، لأنهم عبروا عن هذا المعنى بقولهم: (قتل البعض إحياء الجميع) وقولهم: (أكثروا القتل ليقل القتل) وقولهم: (القتل أنفى للقتل) . وأجود الأقوال المنقولة عن القول الأخير ولفظ القرآن أفصح منه بستة أوجه: (أحدها) : أنه أخصر من الكل لأن قوله {ولكم} لا يدخل في هذا الباب لأنه لا بد من تقدير ذلك في الكل لأن قول القائل قتل البعض إحياء للجميع لا بد فيه من تقدير مثله وكذلك في قولهم القتل أنفى للقتل. (وثانيها) : أن قولهم القتل أنفى للقتل ظاهرة يقتضي كون الشيء سبباً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 781 لانتفاء نفسه بخلاف لفظ القرآن فإنه يقتضي أن نوعاً من القتل وهو القصاص سبب لنوع من أنواع الحياة. (وثالثها) : أن قولهم الأجود تكرير لفظ القتل بخلاف لفظ القرآن. (ورابعها) : أن قولهم الأجود لا يفيد إلا الردع عن القتل، بخلاف لفظ القرآن فإنه يفيد الردع عن القتل والجرح فهو أفيد. (وخامسها) : أن قولهم الأجود دال على ما هو المطلوب بالتبع بخلاف لفظ القرآن فإنه دال على ما هو مقصود أصلي، لأن نفي القتل مطلوب تبعاً من حيث إنه يتضمن حصول الحياة الذي هو مطلوب أصالة. (وسادسها) : أن القتل ظلماً أيضاً قتل مع أنه ليس بناف للقتل بخلاف القصاص فظاهر قولهم باطل وأما لفظ القرآن فصحيح ظاهراً وباطناً. وكذلك قوله تعالى: {مع يطع الله} في فرائضه {ورسوله} في سننه أو في جميع ما يأمرانه وينهيانه {ويخشى الله} أي يخف خلافه وعقابه وحسابه {ويتقه} فيما بقي من عمره في جميع أمره {فأولئك هم الفائزون} بالمراد في المبدأ والمعاد، فإن هذا القول مع وجازة لفظه جامع لجميع الضروريات (حكي) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوماً نائماً في المسجد فإذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 782 هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق فأعلمه أنه من بطارقة الروم ومن جملة من يحسن فهم الألسن من العرب وغيرها، وأنه سمع رجلاً من أسراء المسلمين يقرأ آية من كتابكم فتأملها فإذا هي جامعة لكل ما أنزل الله على عيسى بن مريم من أحوال الدنيا والآخرة، وهي قوله {ومن يطع الله ورسوله} الآية. وحكي أن طبيباً نصرانياً حاذقاً سأل الحسين بن علي الواقدي: لماذا لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 783 ينقل شيء في كتابكم عن علم الطب.. والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان. فقال الحسين: إن الله بين علم الطب كله في نصف آية، فسأل الطبيب النصراني عن هذه الآية. فقال: هي قوله: {كلوا واشربوا} ما أحل الله لكم من المطعومات والمشروبات {ولا تسرفوا} أي لا تتعدوا إلى الحرام ولا تكثروا الإنفاق المستقبح، ولا تناولوا مقداراً كثيراً يضركم ولا تحتاجون إليه. ثم سأل الطبيب أقال نبيكم أيضاً شيئاً في هذا الأمر، فقال الحسين: إن نبينا أيضاً جمع الطب في ألفاظ يسيرة، فسأل الطبيب عنها، فقال الحسين: هي هذه: "المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته" فقال الطبيب: الإنصاف أن كتابكم ونبيكم ما تركا حاجة إلى جالينوس، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 784 يعني بينا الأمر الذي هو رأس حفظ الصحة وإزالة المرض وأصلهما ومضارهما. (تاسعها) : أن الجزالة والعذوبة بمنزلة الصفتين المتضادتين، واجتماعهما على ما هو ينبغي في كل جزء من الكلام الطويل خلاف العادة المعتادة للبلغاء، فاجتماعهما في كل موضع من مواضع القرآن كله دليل على كمال بلاغته وفصاحته الخارجتين عن العادة. (عاشرها) : أنه مشتمل على جميع فنون البلاغة من ضروب التأكيد وأنواع التشبيه والتمثيل، وأصناف الاستعارة وحسن المطالع والمقاطع، وحسن الفواصل، والتقديم والتأخير والفصل والوصل اللائق بالمقام، وخلوه عن اللفظ الركيك والشاذ الخارج عن القياس النافر عن الاستعمال، وغير ذلك من أنواع البلاغات. ولا يقدر أحد من البلغاء والكملاء من العرب العرباء إلا على نوع أو نوعين من الأنواع المذكورة، ولو رام غيره في كلامه لم يتأت له، وكان مقصراً. والقرآن محتو عليها كلها فتلك عشرة كاملة، وهذه الوجوه العشرة تدل على أن القرآن في الدرجة العالية من البلاغة الخارجة عن العادة، يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم، وعلماء الفرق بمهارتهم في فن البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام، ومن كان أعرف بلغة العرب وفنون بلاغتها كان أعرف بإعجاز القرآن. (الأمر الثاني) : تأليفه العجيب وأسلوبه الغريب في المطالع والمقاطع والفواصل، مع اشتماله على دقائق البيان وحقائق العرفان، وحسن العبارة، ولطف الإشارة، وسلامة التركيب، وسلامة الترتيب، فتحيرت فيه عقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 785 العرب العرباء، وفهوم الفصحاء. والحكمة في هذه المخالفة أن لا يبقى لمتعسف عنيد مظنة السرقة، ويمتاز هذا الكلام عن كلامهم ويظهر تفوقه، لأن البليغ ناظماً كان أو ناثراً يجتهد في هذه المواضع اجتهاداً كاملاً، ويمدح ويعاب عليه غالباً في هذه المواضع كما عيب على مطلع امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.. بسقط اللوى بين الدخول فحومل بأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ وسهولة السبك وكثرة المعاني فإنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل، وأن الشطر الثاني لا يوجد فيه شيء من ذلك ... وعيب على مطلع أبي النجم الشاعر المشهور فإنه دخل على هشام بن عبد الملك، فأنشده: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 786 صفراء قد كادت ولما تفعل.. كأنها في الأفق عين الأحوال وكان هشام أحول فأخرجه وأمر بحبسه. وعيب على مطلع جرير، فإنه دخل على عبد الملك وقد مدحه بقصيدة حائية. أولها: أتصحو أم فؤداك غير صاح فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا ابن الفاعلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 787 وعيب على مطلع البحتري فإنه أنشد يوسف بن محمد قصيدته التي مطلعها: لك الويل من ليل تقاصر آخره فقال: بل لك الويل والخزي ... وعيب على مطلع إسحاق الموصلي الأديب الحاذق، فإنه دخل على المعتصم وقد فرغ من بناء قصره بالميدان وأنشده قصيدته التي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 788 مطلعها: يا دار غيرك البلى ومحاك * يا ليت شعري ما الذي أبلاك!! فتطير المعتصم من هذا المطلع وأمر بهدم القصر على الفور. وهكذا قد خطئ أكثر الشعراء المشهورين في المواضع المذكورة. وأشراف العرب، مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وشدة عداوتهم للإسلام، لم يجدوا في بلاغة القرآن وحسن نظمه وأسلوبه مجالاً لم يوردوا في القدح مقالاً، بل اعترفوا أنه ليس من جنس خطب الخطباء وشعر الشعراء، ونسبوه تارةً إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 789 السحر تعجباً من فصاحته وحسن نظمه، وقالوا تارةً إنه إفك افتراه وأساطير الأولين، وقالوا تارةً لأصحابهم وأحبابهم لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون. وهذه كلها دأب المحجوج المبهوت. فثبت أن القرآن معجز ببلاغته وفصاحته وحسن نظمه. وكيف يتصور أن يكون الفصحاء والبلغاء من العرب العرباء كثيرين كثرة رمال الدهناء وحصى البطحاء، ومشهورين بغاية العصبية والحمية الجاهلية، وتهالكهم على المباراة والمباهاة، والدفاع عن الأحساب. فيتركون الأمر الأسهل الذي هو الإيتان بمقدار أقصر سورة ويختارون الأشد الأصعب مثل الجلاء وبذل المهج والأرواح، ويبتلون بسبي الذراري ونهب الأموال، ومخالفهم المتحدي يقرعهم إلى مدة على رؤوس الملأ بأمثال هذه الأقوال: {فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 790 {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} . {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} . ولو كانوا يظنون أن محمداً صلى الله عليه وسلم استعان بغيره، لأمكنهم أيضاً أن يستعينوا بغيرهم لأنه كأولئك المنكرين في معرفة اللغة وفي المكنة من الاستعانة، فلما لم يفعلوا ذلك وآثروا المقارعة على المعارضة والمقاتلة على المقاولة، ثبت أن بلاغة القرآن كانت مسلمة عندهم وكانوا عاجزين عن المعارضة، غاية الأمر أنهم صاروا مفترقين بين مصدق به وبمن أنزل عليه، وبين متحير في بديع بلاغته. روي أنه سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} فقال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 791 لمغدق وإن أعلاه لمثمر ما يقول هذا بشر.. وروي أيضاً أنه لما سمع القرآن رق قلبه، فجاءه أبو جهل وكان ابن أخيه منكراً عليه قال: والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا. وروي أيضاً أنه جمع قريشاً عند حضور الموسم وقال: إن وفود العرب ترد العرب فاجمعوا فيه رأياً لا يكذب بعضكم بعضاً، قالوا: نقول كاهن، قال: والله ما هو بكاهن بزمزمته ولا سجعته. قالوا: مجنون، قال: ما هو بمجنون ولا بحنقه ولا وسوسته، قالوا: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 792 قد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه، وقريضه ومبسوطه ومقبوضه. قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر ولا نفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول. قال: ما أنتم بقائلين شيئاً من هذا إلا وأنا أعرف أنه باطل وأن أقرب القول إنه ساحر. ثم قال: فإنه سحر يفرق به بين المرء وابنه، والمرء وأخيه، والمرء وزوجه، والمرء وعشيرته، فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في الوليد: {ذروني ومن خلقت وحيداً} ..الآيات. وروي أن عتبة كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه، فتلا عليه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 793 {حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت..} إلى قوله: {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} . فأمسك عتبة بيده على فيه وناشده الرحم أن يكف، وفي رواية فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق بيديه خلف ظهره معتمد عليهما حتى انتهى إلى السجدة فسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه، فاعتذر لهم وقال والله لقد كلمني بكلام ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له ... وذكر أبو عبيدة أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 794 {فاصدع بما تؤمر} فسجد وقال سجدت لفصاحته، وسمع رجل آخر من المشركين رجلاً من المسلمين يقرأ: {فما استيأسوا منه خلصوا نجياً} فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام.. وحكى الأصمعي أنه سمع جارية تتكلم بعبارة فصيحة وإشارة بليغة وهي خماسية أو سداسية، وهي تقول أستغفر الله من ذنوبي كلها، فقال: مم تستغفرين ولم يجر عليك قلم؟ فقالت: أستغفر الله لذنبي كله * الجزء: 3 ¦ الصفحة: 795 قتلت إنساناً بغير حله مثل غزال ناعم في دله * انتصف الليل ولم أصله فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك، فقالت: أو بعد هذا فصاحة بعد قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني. إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.. وفي حديث إسلام أبي ذر ووصف أخاه أنيساً فقال: والله ما سمعت بأشعر من أخي أنيس لقد ناقض اثني عشر شاعراً في الجاهلية أنا أحدهم، وأنه انطلق إلى مكة وجاءني، قلت: فما يقول الناس، قال: يقولون شاعر كاهن ساحر ثم قال: لقد سمعت ما قال الكهنة فما هو قولهم ولقد وضعته على إقراء الشعر فلم يلتئم وما يلتئم على لسان أحد بعدي إنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 796 شعر وإنه لصادق وإنهم لكاذبون. وروي في الصحيحين عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون، أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} . كاد قلبي أن يطير للإسلام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 797 وقد حكي أن ابن المقفع طلب معارضة القرآن وشرع فيه فمر بصبي يقرأ: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} فرجع فمحا ما عمل وقال: أشهد أن هذا لا يعارض وما هو من كلام البشر. وكان يحيى بن حكم الغزالي بليغ الأندلس في زمنه فحكى أنه رام شيئاً من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليأتي على أسلوبها وينظم الكلام على منوالها، قال: فاعترتني منه خشية ورقة حملتني على التوبة والإنابة. وقال النظام من المعتزلة: إعجاز القرآن بالصرف، على معنى أن العرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 798 كانت قادرة على كلام مثل القرآن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الله صرفهم عن معارضته بسبب الدواعي بعد المبعث فهذا الصرف خارق للعادة فيكون معجزاً، فهو أيضاً يسلم أن القرآن معجز لأجل الصرف ومثله غير مقدور لهم بعد المبعث، وإنما نزاعه في كونه مقدور قبل المبعث وقوله غير صحيح بوجوه: (الأول) : أنه لو كان كذا لعارضوا القرآن بالكلام الذي صدر عنهم قبل المبعث ويكون مثل القرآن. (والثاني) : أن فصحاء العرب إنما كانوا يتعجبون من حسن نظمه وبلاغته وسلالته في جزالته، لا لعدم تأتي المعارضة مع سهولتها في نفسها. (والثالث) : أنه لو قصد الإعجاز بالصرف لكان الأنسب ترك الاعتناء ببلاغته وعلو طبقته، لأن القرآن على هذا التقدير كلما كان أنزل في البلاغة، وأدخل في الركاكة، كان عدم تيسر المعارضة أبلغ في خرق العادة. (والرابع) : يأباه قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} .. فإن قيل: إن فصحاء العرب لما كانوا قادرين على التكلم بمثل مفردات السورة ومركباتها القصيرة، كانوا قادرين على الإتيان بمثلها (قلت) هذه الملازمة ممنوعة لأن حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء، ألا ترى أن كل شعرة شعرة لا يصلح أن يربط بها الفيل أو السفينة، وإذا سوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 799 من الشعرات حبل متين يصلح أن يربط بهذا الحبل الفيل أو السفينة، ولأنها لو صحت لزم أن يكون كل آحاد العرب قادر على الإتيان بمثل قصائد فصحائهم كامرئ القيس وأضرابه. (الأمر الثالث) : كون القرآن منطوياً على الإخبار عن الحوادث الآتية، فوجدت في الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر. 1- كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون} .فوقع كما أخبر، ودخل الصحابة المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين. 2- وكقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} . فكان الله وعد المؤمنين بجعل الخلفاء منهم وتمكين الدين المرضي لهم، وتبديل خوفهم بالأمن، فوفى وعده في مدة قليلة بأن ظهر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أن أهل الإسلام تسلطوا على مكة، وخيبر والبحرين، ومملكة اليمن، وأكثر ديار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 800 العرب، وأن إقليم الحبش صار دار الإسلام بإيمان النجاشي الملك، وأن أناساً من هجر وبعض المسيحيين من نواحي الشام قبلوا الإطاعة وأداء الجزية، وأن هذا التسلط زاد في خلافة الصديق الأكبر رضي الله عنه بأن تسلط أهل الإسلام على بعض ديار فارس وعلى بصرى ودمشق، وبعض الديار الأخرى من الشام أيضاً، ثم زاد هذا التسلط في خلافة الفاروق رضي الله عنه بأن تسلطوا على سائر ديار الشام وجميع مملكة مصر، وعلى أكثر ديار فارس أيضاً، ثم زاد هذا التسلط في خلافة ذي النورين رضي الله عنه، بأن تسلطوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 801 في جانب الغرب إلى أقصى الأندلس والقيروان، وفي جانب الشرق إلى حد الصين، ففي مدة ثلاثين سنة تسلط أهل الإسلام على هذه الممالك تسلطاً تاماً، وغلب دين الله المرضي على سائر الأديان في هذه المماليك فكانوا يعبدون الله آمنين غير خائفين. وفي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإن لم يتسلط أهل الإسلام على الممالك الجديدة لكنه لا شبهة في ترقي الملة الإسلامية في عهده الشريف أيضاً. 4- وكقوله تعالى: {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} . ووقع كما أخبر لأن المراد بقوم أولي بأس على أظهر الوجوه وأشهرها، بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب والداعي الصديق الأكبر رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 802 عنه. 5- وكقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} . وحال هذا القول كحال القول الثاني وسيظهر الوفاء الكامل لهذا الوعد عن قريب على ما هو المرجو إن شاء الله. وهو على كل شيء قدير. 5- وكقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً. ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً. وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم. ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 803 قديراً} . والمراد بالفتح القريب فتح خيبر، وبالمغانم الكثيرة في الموضع الأول مغانم خيبر أو هجر وبالمغانم الكثيرة في الموضع الثاني المغانم التي تحصل للمسلمين من يوم الوعد إلى يوم القيامة، وبأخرى مغانم هوازن أو فارس أو الروم وقد وقع كما أخبر. 6- وكقوله تعالى: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} . فقوله أخرى أي يعطيكم خصلة أخرى، وقوله نصر من الله مفسر للأخرى وقوله فتح قريب، أي عاجل وهو فتح مكة. وقال الحسن: هو فتح فارس والروم وقد وقع كما أخبر. 7- وكقوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً} . والمراد بالفتح فتح مكة، لأن الأصح أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة لأن {إذا} يقتضي الاستقبال ولا يقال فيما وقع إذا جاء وإذا وقع، فحصل فتح مكة ودخل الناس في الإسلام فوجاً بعد فوج من أهل مكة والطائف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 804 وغيرها في حياته صلى الله عليه وسلم. 8- وكقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون} . وقد وقع كما أخبر فصاروا مغلوبين. 9- وكقوله تعالى: {وإذ يعدكم} أي اذكروا إذ يعدكم {الله إحدى الطائفتين} القافلة الراجعة من الشام والقافلة الآتية من بيت الله الحرام {أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة} أي القافلة الراجعة {تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} فوقع كما أخبر. 10- وكقوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 805 لما نزلت هذه الآية بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الله كفاه شرهم وأذاهم وكان المستهزئون نفراً بمكة ينفرون الناس عنه ويؤذونه فهلكوا بضروب البلاء وفنون العناء فتم نوره وكمل ظهوره. 11- وكقوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} . وقد وقع كما أخبر مع كثرة من قصد ضره فعصمه الله تعالى، حتى انتقل من الدار الدنيا إلى منازل الحسنى في العقبى. 12- وكقوله تعالى: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} أي أرض العرب {وهم} أي الروم {من بعد غلبهم سيغلبون} أي الفرس {في بضع سنين} أي ما بين الثلاث والعشر {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 806 الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون} . الفرس كانوا مجوساً والروم نصارى، فورد خبر غلبة الفرس إياهم مكة ففرح المشركون وقالوا أنتم والنصارى أهل الكتاب ونحن وفارس أميون لا كتاب لنا، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرن عليكم. فنزلت هذه الآيات. فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا يقرن الله أعينكم فو الله لتظهرن الروم على فارس في بضع سنين فقال أُبَيّ بن خلف: كذبت اجعل بيننا وبينك أجلاً فراهنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الإبل وماده في الأجل، فجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، ومات أبي بعد ما رجع من أحد وظهرت الروم على فارس في السنة السابعة من مغلوبيتهم فأخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 807 أبو بكر القلائص من ورثة أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بها. قال صاحب ميزان الحق في الفصل الرابع من الباب الثالث: (لو فرضنا صدق ادعاء المفسرين أن هذه الآية نزلت قبل غلبة الروم الفرس فنقول إن محمداً صلى الله عليه وسلم قال بظنه أو بصائب فكره لتسكين قلوب أصحابه، وقد سمع مثل هذه الأقوال من أصحاب العقل والرأي في كل زمان) انتهى. فقوله لو فرضنا صدق ادعاء المفسرين، يشير إلى أن هذا الأمر ليس بمسلم عنده، وهذا عجيب لأن قوله تعالى {سيغلبون في بضع سنين} ، نص في أن هذا الأمر يحصل في الزمان المستقبل القريب في زمان أقل من عشر سنين كما هو مقتضى لفظ السنين والبضع، وكذا قوله {ويومئذ يفرح المؤمنون} ، وقوله {وعد الله لا يخلف الله وعده} ، لأنهما يدلان على حصول فرح في الزمان الآتي وحصول هذا الأمر فيه، ولا معنى للوعد وعدم الخلف في الأمر بعد وقوعه وقوله إن محمداً صلى الله عليه وسلم قال بظنه أو بصائب فكره مردود بوجهين: (الأول) : أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان من العقلاء عند المسيحيين أيضاً ويعترف بهذا القسيس النبيل ههنا وفي المواضع الأخر من تصانيفه، وليس من شأن العاقل المدعي للنبوة أن يدعي ادعاء قطعياً أن الأمر الفلاني يكون في المدة القليلة هكذا ألبتة ويأمر معتقديه بالرهان على هذا، سيما في مقابلة المنكرين الطالبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 808 لمذلته، المتفحصين لمزلة أقدامه في أمر لا يكون وقوعه مفيداً فائدة يعتد بها، ويكون عدم وقوعه سبباً لمذلته وكذبه عندهم، ويحصل لهم سند عظيم لتكذيبه. (والثاني) : أن العقلاء وإن كانوا يقولون في بعض الأمور بعقولهم ويكون ظنهم صحيحاً تارةً وخطأ أخرى لكن جرت العادة الإلهية بأن القائل لو كان مدعي النبوة كذباً ويخبر عن الحادثة الآتية، ويفتري على الله بنسبة هذا الخبر إلى الله، لا يكون هذا الخبر صحيحاً بل يخرج خطأ وغلطاً ألبتة كما ستعرف في آخر هذا المبحث إن شاء الله. 13- وكقوله تعالى: {أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر} . عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال لما نزلت: لم أعلم ما هو حتى كان يوم بدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبس درعه ويقول: {سيهزم الجمع} . فعلمته. 14- وكقوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 809 وقد وقعت هذه الأحوال كما أخبر. 15- وكقوله تعالى: {لن يضروكم إلا أذى} إما بالطعن في محمد وعيسى عليهما السلام، وإما بتخويف الضعفة من المسلمين {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} فأخبر فيه عن ثلاث مغيبات: (الأول) : أن المؤمنين يكونون آمنين من ضرر اليهود. (والثاني) : لو قاتلوا المؤمنين ينهزمون. (والثالث) : أنه لا يحصل لهم قوة وشوكة بعد الانهزام وكلها وقع. 16- وكقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة} . وقد وقع كما أخبر وليس لليهود حكومة في موضع من المواضع وفي كل إقليم يوجدون رعايا مضروباً عليهم الذلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 810 17- وكقوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} وقد وقع يوم أحد بوجهين كما أخبر. (الأول) : أن المشركين لما استولوا يوم أحد على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفروا منهم من غير سبب. (والثاني) : أنهم لما ذهبوا إلى مكة، فلما كانوا في بعض الطريق ندموا فقالوا بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوة وشوكة، فقذف الله في قلوبهم الرعب فذهبوا إلى مكة. 18- وكقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} أي من التحريف والزيادة والنقصان مما تواتر عند علماء الأعيان من قراء الزمان، وقد وقع كما أخبر فما قدر أحد من الملاحدة والمعطلة والقرامطة أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 811 يحرف شيئاً منه، لا حرفاً من حروف مبانيه ولا من حروف معانيه ولا إعراباً من إعراباته إلى هذه المدة التي نحن فيها، أعني ألفاً ومائتين وثمانين من الهجرة بخلاف التوراة والإنجيل وغيرهما كما عرفت في الباب الأول والثاني، والحمد لله على إتمام هذه النعمة. 19- وكقوله تعالى: {لا يأتيه الباطل} أي التحريف بالزيادة والنقصان {من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} ، وحال هذا القول كالقول السابق. 20- وكقوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي أحكامه وفرائضه {لرادك إلى معاد} . وروي أنه عليه السلام لما خرج من الغار وسار في غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن رجع إلى الطريق، ونزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة واشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فنزل جبريل عليه السلام وقال: تشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال عليه السلام: نعم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 812 فقال جبريل عليه السلام: فإن الله تعالى يقول: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} يعني إلى مكة ظاهراً عليهم. 21- وكقوله تعالى: {قل إن كانت لكم} أيها اليهود {الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبداً} أي ما عاشوا {بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} . والمراد بالتمني التمني بالقول، ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام مع تقدمه في الرأي والحزم وحسن النظر في العاقبة كما هو المسلم به عند المخالف والموافق والوصول إلى المنزل الذي وصل إليه في الدارين، والوصول إلى الرياسة العظيمة، لا يجوز له - وهو غير واثق من جهة الرب بالوحي - أن يتحدى أعدى الأعداء بأمر لا يأمن عاقبة الحال فيه، ولا يأمن من خصمه أن يقهره بالدليل والحجة، لأن العاقل الذي لم يجرب الأمور لا يكاد يرضى بذلك، فكيف الحال في أعقل العقلاء. فثبت أنه ما أقدم على هذا التحدي إلا بعد الوحي واعتماده التام. وكذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 813 لا شك أنهم كانوا من أشد أعدائه، وكانوا أحرص الناس في تكذيبه، وكانوا متفكرين في الأمور التي بها ينمحي الإسلام أو تحصل الذلة لأهله، وكان المطلوب منهم أمراً سهلاً لا صعباً، فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم صادقاً في دعواه عندهم لبادروا إلى القول به لتكذيبه، بل أعلنوا هذا التمني بالقول مراراً وشهروا أنه كاذب يفتري على الله أنه قال كذا، ويدعي من جانب نفسه ادعاء ويقول تارةً: والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه، يعني مات مكانه، ويقول تارةً: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ونحن تمنينا مراراً وما متنا مكاننا فظهرت بصرفهم عن تمنيهم مع كونهم على تكذيبه أحرص الناس معجزته وبانت حجته، وفي هذه الآية إخباران عن الغيب: (الأول) أن قوله {لن يتمنوه} يدل دلالة بينة على أن ذلك لا يقع في المستقبل من أحد منهم فيفيد عموم الأشخاص. (والثاني) أن قوله أبداً يدل على أنه لا يوجد في شيء من الأزمنة الآتية في المستقبل يفيد عموم الأوقات فبالنظر إلى العمومين هما غيبان 22- وكقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} فأخبر بأنهم لا يفعلون ألبتة، ووقع كما أخبر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 814 وهذه الآية دالة على الإعجاز من وجوه أربعة: (أولها) أنا نعلم بالتواتر أن العرب كانوا في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي غاية الحرص على إبطال أمره، لأن مفارقة الأوطان والعشيرة وبذل النفوس والمهج من أقوى الأدلة على ذلك، فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع وهو قوله: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} صار حرصهم أشد، فلو كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه لأتوا به، فحيث ما أتوا به ظهر الإعجاز. (وثانيها) أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان متهماً عندهم في أمر النبوة، لكنه كان معلوم الحال في وفور العقل والفضل والمعرفة بالعواقب، فلو كان كاذباً لما تحداهم بالغاً في التحدي إلى النهاية، بل كان عليه أن يخاف مما يتوقعه من فضيحة يعود وبالها على جميع أموره، فلو لم يعلم بالوحي عجزهم عن المعارضة لما جاز أن يحملهم عليها بهذا التقريع. (وثالثها) أنه لو لم يكن قاطعاً في أمره لما قطع في أنهم لا يأتون بمثله لأن المزور لا يجزم بالكلام، فجزمه يدل على كونه جازماً في أمره. (ورابعها) أنه وجد مخبر هذا الخبر على ذلك الوجه، لأنه من عهده عليه السلام إلى عصرنا هذا لم يحل وقت من الأوقات من يعادي الدين والإسلام، وتشددوا عليه في الوقيعة فيه، ثم إنه مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة قط. فهذه الوجوه الأربعة في الدلالة على الإعجاز مما تشتمل عليه هذه الآية،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 815 فهذه الأخبار وأمثالها تدل على كون القرآن كلام الله، لأن عادة الله جارية على أن مدعي النبوة لو أخبر عن شيء ونسب إلى الله كذباً لا يخرج خبره صحيحاً. في الباب الثامن عشر من كتاب الاستثناء هكذا: (فإن أحببت وقلت في قلبك كيف أستطيع أن أميز الكلام الذي لم يتكلم به الرب) . 22- فهذه تكون لك آية أن ما قاله ذلك النبي باسم الرب ولم يحدث فهذا الرب لم يكن تكلم به، بل ذلك النبي صوره في تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه) . (الأمر الرابع) ما أخبر من أخبار القرون السالفة والأمم الهالكة، وقد علم أنه كان أمياً ما قرأ ولا كتب ولا اشتغل بمدارسة مع العلماء ولا مجالسة مع الفضلاء، بل تربى بين قوم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعرفون الكتاب، وكانوا عارين عن العلوم العقلية أيضاً، ولم يغب عن قومه غيبة يمكن له التعلم فيها من غيرهم، والمواضع التي خالف القرآن فيها في بيان القصص والحالات المذكورة [في] كتب أهل الكتاب كقصة صلب المسيح عليه السلام وغيرها فهذه لمخالفة قصدية: إما لعدم كون بعض هذه الكتب أصلية كالتوراة والإنجيل المشهورين، وإما لعدم كونها إلهامية، ويدل على ما ذكرت قوله تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 816 (الأمر الخامس) ما فيه من كشف أسرار المنافقين حيث كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر والكيد، وكان الله يطلع رسوله على تلك الأحوال حالاً فحالاً، ويخبره عنها على سبيل التفصيل، فما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق، وكذا ما فيه من كشف حال اليهود وضمائرهم. (الأمر السادس) جمعه لمعارف جزئية وعلوم كلية لم تعهد العرب عامة ولا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة من علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجج العقلية والسير والمواعظ والحكم، وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الآداب والشيم. وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلوم إما دينية أو غيرها ولا شك أن الأولى أعظمها شأناً وأرفعها مكاناً، فهي إما علم العقائد والأديان، وإما علم الأعمال. أما علم العقائد والأديان فهو عبارة عن معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أما معرفة الله تعالى فهي عبارة عن معرفة ذاته ومعرفة صفات جلاله ومعرفة صفات إكرامه وأفعاله ومعرفة أحكامه ومعرفة أسمائه، والقرآن مشتمل على دلائل هذه المسائل وتفاريعها وتفاصيلها على وجه لا يساويه شيء من الكتب، بل لا يقرب منه، وأما علم الأعمال فهو إما أن يكون عبارة عن علم التكاليف المتعلقة بالظواهر، وهو علم الفقه. ومعلوم أن جميع الفقهاء إنما استنبطوا مباحثهم من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 817 القرآن، وإما أن يكون علم التصوف المتعلق بتصفية الباطن ورياضة القلوب، وقد حصل في القرآن من مباحث هذا العلم ما لا يوجد في غيره، كقوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وقوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} وقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فقوله: {ادفع بالتي هي أحسن} يعني ارفع سفاهتهم وجهالتهم بالخصلة التي هي أحسن وهي الصبر ومقابلة السيئة بالحسنة. وقوله {فإذا الذي} إلخ يعني إذا قابلت إساءتهم بالإحسان وأفعالهم القبيحة بالأفعال الحسنة تركوا أفعالهم القبيحة وانقلبوا من العداوة إلى المحبة، ومن البغضة إلى المودة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 818 ونحو هذه الأقوال كثيرة فيه. فثبت أنه جامع لجميع العلوم النقلية أصولها وفروعها، ويوجد فيه التنبيه على أنواع الدلالات العقلية والرد على أرباب الضلال ببراهين قاهرة وأدلة باهرة سهلة المباني مختصرة المعاني، كقوله تعالى: {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} وكقوله تعالى: {يحيها الذي أنشأها أول مرة} وكقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ولنعم ما قيل: جميع العلم في القرآن، لكن تقاصرت عنه أفهام الرجال. (الأمر السابع) كونه بريئاً عن الاختلاف والتفاوت مع أنه كتاب كبير مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم، فلو كان ذلك من عند غير الله لوقعت فيه أنواع من الكلمات المتناقضة، لأن الكتاب الكبير الطويل لا ينفك عن ذلك. ولما لم يوجد فيه ذلك علمنا أنه ليس من عند غير الله كما قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} وإلى هذه الأمور السبعة المذكورة أشار الله تعالى بقوله: {أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض} لأن مثل هذه البلاغة والأسلوب العجيب والإخبار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 819 عن الغيوب والاشتمال على أنواع العلوم والبراءة من الاختلاف والتفاوت، مع كون الكتاب كبيراً مشتملاً على أنواع العلوم لا يأتي إلا من العالم الذي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة مما في السماوات والأرض. (الأمر الثامن) كونه معجزة باقية متلوّة في كل مكان مع تكفل الله بحفظه، بخلاف معجزات الأنبياء فإنها انقضت بانقضاء أوقاتها، وهذه المعجزة باقية على ما كانت عليه من وقت النزول إلى زماننا هذا، وقد مضت مدة ألف ومائتين وثمانين وحجتها قاهرة، ومعارضته ممتنعة وفي الأزمان كلها القرى والأمصار مملوءة بأهل اللسان وأئمة البلاغة، والملحد فيهم كثير والمخالف العنيد حاضر ومهيأ، وتبقى إن شاء الله هكذا ما بقيت الدنيا وأهلها في خير وعافية. ولما كان المعجز منه بمقدار أقصر سورة فكل جزء منه بهذا المقدار معجزة، فعلى هذا يكون القرآن مشتملاً على أكثر من ألفي معجزة. (الأمر التاسع) أن قارئه لا يسأمه وسامعه لا يمجه، بل تكراره يوجب زيادة محبته كما قيل: وخير جليس لا يمل حديثه * وترداده يزداد فيه تجملا وغيره من الكلام، ولو كان بليغاً في الغاية يمل مع الترديد في السمع ويكره في الطبع، ولكن هذا الأمر بالنسبة إلى من له قلب سليم لا إلى من له طبع سقيم. (الأمر العاشر) كونه جامعاً بين الدليل ومدلوله فالتالي له إذا كان ممن يدرك معانيه يفهم مواضع الحجة والتكليف معاً في كلام واحد باعتبار منطوقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 820 ومفهومه، لأنه ببلاغة الكلام يستدل على الإعجاز، وبالمعاني يقف على أمر الله ونهيه ووعده ووعيده. (الأمر الحادي عشر) حفظه لمتعلميه بالسهولة، كما قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} فحفظه ميسر على الأولاد الصغار في أقرب مدة ويوجد في هذه الأمة في هذا الزمان أيضاً مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار أزيد من مائة ألف من حفاظ القرآن بحيث يمكن أن يكتب القرآن من حفظ كل منهم من الأول إلى الآخر، بحيث لا يقع الغلط في الإعراب فضلاً عن الألفاظ ولا يخرج في جميع ديار أوربا عدد حفاظ الإنجيل بحيث يساوي الحفاظ في قرية من قرى مصر مع فراغ بال المسيحيين وتوجههم إلى العلوم والصنائع منذ ثلثمائة سنة، وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولكتابهم. (الأمر الثاني عشر) الخشية التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماع القرآن، والهيبة التي تعتري تاليه، وهذه الخشية قد تعتري من لا يفهم معانيه ولا يعلم تفسيره، فمنهم من أسلم لها لأول وهلة ومنهم من استمر على كفره، ومنهم من كفر حينئذ ثم رجع بعده إلى ربه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 821 روي أن نصرانياً مر بقارئ فوقف يبكي فسئل عن سبب البكاء فقال الخشية التي حصلت له من أثر كلام الرب، وأن جعفر الطيار رضي الله عنه لما قرأ القرآن على النجاشي وأصحابه ما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر رضي الله عنه من القراءة، وأن النجاشي أرسل سبعين عالماً من العلماء المسيحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم سورة (يس) فبكوا وآمنوا فنزل في حق الفريقين أو أحدهما قوله تعالى: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} وقد عرفت حال جبير بن مطعم رضي الله عنه، وعتبة، وابن المقفع، ويحيى بن حكم الغزالي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 822 وقال نور الله الشوستري في تفسيره: إن العلامة علي القوشجي لما راح من وراء النهر إلى الروم جاء إليه حبر من أحبار اليهود لتحقيق الإسلام وناظره إلى شهر وما سلم دليلاً من أدلة العلامة إلى هذا الحين فجاء يوماً وقت الصبح وكان العلامة مشتغلاً بتلاوة القرآن على سطح الدار، وكان كريه الصوت في الغاية، فلما دخل الباب وسمع القرآن أثر القرآن في قلبه تأثيراً بليغاً، فلما وصل إلى العلامة قال: إني أدخل في الإسلام فأدخله العلامة في الإسلام ثم سئل عن السبب فقال: ما سمعت مدة عمري كريه الصوت مثلك، فلما وصلت إلى الباب سمعت منك القرآن وقد حصل تأثيره البليغ فيَّ فعلمت أنه وحي. فثبت من الأمور المذكورة أن القرآن معجز وكلام الله، كيف لا وحسن الكلام يكون لأجل ثلاثة أشياء: أن تكون ألفاظه فصيحة وأن يكون نظمه مرغوباً، وأن يكون مضمونه حسناً. وهذه الأمور الثلاثة متحققة في القرآن بلا ريب ونختم هذا الفصل ببيان ثلاث فوائد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 823 (الفائدة الأولى) سبب كون معجزة نبينا من جنس البلاغة أيضاً أن بعض المعجزات تظهر في كل زمان من جنس ما يغلب على أهله أيضاً، لأنهم يبلغون فيه الدرجة العليا فيقفون فيه على الحد الذي يمكن للبشر الوصول إليه، فإذا شاهدوا ما هو خارج عن الحد المذكور علموا أنه من عند الله، وذلك كالسحر في زمن موسى عليه السلام فإنه كان غالباً على أهله وكاملين فيه، ولما علم السحرة الكملة أن حد السحر تخييل لما لا ثبوت له حقيقة ثم رأوا عصاه انقلبت ثعباناً يتلقف سحرهم الذي كانوا يقلبونه من الحق الثابت إلى المتخيل الباطل من غير أن يزداد حجمها، علموا أنه خارج عن السحر ومعجزة من عند الله فآمنوا به. وأما فرعون فلما كان قاصراً في هذه الصناعة ظن أنه سحر أيضاً، وإن كان أعظم من سحر سحرته. وكذا الطب لما كان غالباً على أهل زمن عيسى عليه السلام، وكانوا كاملين فيه، فلما رأوا إحياء الميت وإبراء الأكمه علموا بعلمهم الكامل أنهما ليسا من حد الصناعة الطبية، بل هو من عند الله. والبلاغة قد بلغت في عهد الرسول عليه السلام إلى الدرجة العليا وكان بها فخارهم حتى علقوا القصائد السبع بباب الكعبة تحدياً لمعارضتها كما تشهد به كتب السير، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بما عجز عن مثله جميع البلغاء عُلم أن ذلك من عند الله قطعاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 824 (الفائدة الثانية) نزول القرآن منجماً ومفرقاً ولم ينزل دفعة واحدة بوجوه: (أحدها) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من أهل القراءة، فلو نزل عليه ذلك جملة واحدة كان لا يضبطه، ولجاز عليه السهو. (وثانياً) أنه لو أنزل عليه الكتاب دفعة فربما اعتمد على الكتاب وتساهل في الحفظ، فلما أنزل الله منجماً حفظه وبقي سنة الحفظ في أمته. (وثالثها) في صورة نزول الكتاب دفعة لو كان نزول جميع الأحكام دفعة واحدة على الخلق لكان يثقل عليهم ذلك، ولما نزل مفرقاً لا جرم نزلت التكاليف قليلاً قليلاً، فكان تحملها أسهل، كما روي عن بعض الصحابة أنه قال: لقد أحسن الله إلينا كل الإحسان، كنا مشركين فلو جاءنا رسول الله بهذا الدين جملة وبالقرآن دفعة لثقلت هذه التكاليف علينا فما كنا ندخل في الإسلام ولكنه دعانا إلى كلمة واحدة فلما قبلناها وذقنا حلاوة الإيمان قبلنا ما وراءها كلمة بعد كلمة إلى أن تم الدين وكملت الشريعة. (ورابعها) أنه إذا شاهد جبريل حالاً بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 825 فكان أقوى على أداء ما حمل، وعلى الصبر على عوارض النبوة، وعلى احتمال أذية القوم. (وخامسها) أنه لما تم شرط الإعجاز فيه مع كونه منجماً ثبت كونه معجز، فإنهم لو قدروا لوجب أن يأتوا بمثله منجماً مفرقاً. (وسادسها) كان القرآن ينزل بحسب أسئلتهم والوقائع الواقعة لهم، فكانوا يزدادون بصيرة، لأن الإخبار عن العيوب كان ينضم بسبب ذلك إلى الفصاحة. (وسابعها) أن القرآن لما نزل منجماً مفرقاً وتحداهم النبي صلى الله عليه وسلم من أول الأمر فكأنه تحداهم بكل واحد من نجوم القرآن، فلما عجزوا عنه كان عجزهم عن معارضة الكل أولى فثبت بهذا الطريق أن القوم عاجزون عن المعارضة لا محالة. (وثامنها) أن السفارة بين الله وبين أنبيائه وتبليغ كلامه إليهم منصب عظيم، فلو نزل القرآن دفعة واحدة كان زوال هذا المنصب عن جبريل عليه السلام محتملاً. فلما نزل مفرقاً منجماً بقي ذلك المنصب العظيم عليه. (الفائدة الثالثة) سبب تكرار بيان التوحيد وحال القيامة وقصص الأنبياء في مواضع أن العرب كانوا مشركين وثنيين ينكرون هذه الأشياء، وغير العرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 826 بعضهم مثل أهل الهند والصين والمجوس كانوا مثل العرب في الإنكار، وبعضهم كأهل التثليث كانوا في الإفراط والتفريط في اعتقاد هذه الأشياء، فلأجل التقرير والتأكيد كرر بيان هذه الأشياء. ولتكرار القصص أسباب أخر أيضاً، منها: أن إعجاز القرآن لما كان باعتبار البلاغة أيضاً وكان التحدي بهذا الاعتبار فكررت القصص بعبارات مختلفة إيجازاً وإطناباً مع حفظ الدرجة العليا للبلاغة في كل مرتبة ليعلم أن القرآن ليس كلام البشر، لأن هذا الأمر عند البلغاء خارج عن القدرة البشرية. ومنها أنه كان لهم أن يقولوا إن الألفاظ الفصيحة التي كانت مناسبة لهذه القصص استعملتها وما بقيت الألفاظ الأخرى مناسبة لها، وأن يقولوا إن طريق كل بليغ يخالف طريق الآخر، فبعضهم يقدر على الطريق المطنب، وبعضهم يقدر على الموجز فلا يلزم من عدم القدرة على نوع عدم القدرة مطلقاً. أو أن يقولوا إن دائرة البلاغة ضيقة في بيان القصص وما صدر عنك بيانها مرة محمول على البخت والاتفاق فلما كررت القصص إيجازاً وإطناباً لم يبق عذر من هذه الأعذار الثلاثة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 827 ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يضيق صدره بإيذاء القوم وشرهم كما أخبر الله تعالى: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} فيقص الله قصة من قصص الأنبياء مناسبة لحاله في ذلك الوقت لتثبيت قلبه، كما أخبر الله تعالى: {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} . ومنها أن المسلمين كان يحصل لهم الإيذاء من أيدي الكفار، أو أن قوماً كانوا يسلمون، أو أن الكفار كان المقصود تنبيههم فكان الله ينزل في كل موضع من هذه القصص ما يناسبه، لأن حال السلف تكون عبرة للخلف. ومنها أن القصة الواحدة قد تشتمل على أمور كثيرة فتذكر تارةً وتقصد بها بعض الأمور قصداً، وبعضها تبعاً وتعكس مرة أخرى (1) .   (1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في بعض النسخ هنا زيادة ليست في المطبوعة، وهي: والحق أنها لا تملك من مقومات الدولة أي شيء فما زالت تعيش على إعانات بعض الدول الأجنبية في فزع ورعب دائم.. وعن قريب سيطردها العرب من أرضهم شر طردة ولن يلتئم لهم شمل، ولن يتنصر لهم جيش وسيهزم الجمع ويولون الدبر {وعد الله لا يخلف الله وعده} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 828 الفصل الثاني: في رفع شبهات القسيسين على القرآن. (الشبهة الأولى) لا نسلم بأن عبارة القرآن في الدرجة القصوى من البلاغة الخارجة عن العادة، ولو سلمنا بذلك فهو يكون دليلاً ناقصاً على الإعجاز، لأنه لا يظهر إلا لمن كانت له معرفة تامة بلسان العرب، ويلزم أن تكون جميع الكتب التي توجد في الألسن الأخرى مثل اليوناني واللاطيني وغيرهما في الدرجة العالية من بلاغة كلام الله، على أنه يمكن أن تؤدي المطالب الباطلة والمضامين القبيحة بألفاظ فصيحة وعبارات بليغة في الدرجة القصوى. (والجواب) عدم تسليم كون عبارة القرآن في الدرجة العليا - مكابرة محضة، لما عرفت في الأمر الأول والثاني من الفصل الأول، وقولهم لأنه لا يظهر إلا لمن كانت له معرفة تامة حقة بلسان العرب، لكن التقريب غير تام لأن هذه المعجزة لما كانت لتعجيز البلغاء والفصحاء وقد ثبت عجزهم ولم يعارضوا واعترفوا بها وعرفها أهل اللسان بسليقتهم وغيرهم من العلماء بمهارتهم في فن البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام وعرفها العوام من الفرق بشهادة ألوف ألوف من أهل اللسان والعلماء، فظهر أنها معجزة يقيناً، ودليل كامل لا ناقص كما زعموا، وصارت سبباً من الأسباب الكثيرة التي يعلم بها أن القرآن كلام الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 829 ولا يدعي أهل الإسلام أن سبب كون القرآن كلام الله منحصر في كونه بليغاً فقط وكذا لا يدعون أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم منحصرة في بلاغة القرآن فقط بل يدعون إن هذه البلاغة سبب من الأسباب الكثيرة لكون القرآن كلام الله، وأن القرآن بهذا الاعتبار أيضاً معجزة من المعجزات الكثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم كما عرفت في الفصل الأول، وستعرف في الباب السادس إن شاء الله تعالى. وهذه المعجزة ظاهرة في هذا الزمان أيضاً لألوف ألوف من أهل اللسان وماهري علم البيان، وعجز المخالفين ثابت من ظهورها إلى هذا الحين وقد مضت مدة ألف ومائتين وثمانين من الهجرة، وقد عرفت في الأمر الثاني من الفصل الأول أن قول النظام مردود وما قال أبو موسى الملقب بمزدار راهب المعتزلة من أن الناس قادرون على مثل هذا القرآن فصاحة ونظماً وبلاغة فهو مردود أيضاً كقول النظام، على أن مزدار هذا كان رجلاً مجنوناً استولت على دماغه اليبوسة بسبب كثرة الرياضة فهذى بأمثال هذه الهذيات كثيراً فكان يقول مثلاً إن الله قادر على أن يكذب ويظلم ولو فعل لكان إلهاً كاذباً ظالماً وإن من لابس السلطان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 830 كافر لا يرث ولا يورث، وقوله يلزم أن يكون جميع الكتب إلخ غير مسلم، لأن هذه الكتب لم تثبت بلاغتها في الدرجة القصوى باعتبار الوجوه التي مر ذكرها في الأمر الأول والثاني من الفصل الأول، ولم يثبت ادعاء مصنفيها بالإعجاز، ولا عجز فصحاء هذه الألسن عن معارضتها. فإن ادعى أحد هذه الأمور بالنسبة إلى هذه الكتب فعليه الإثبات. وإلا فلا بد أن يمتنع عن مثل هذا الادعاء الباطل. على أن شهادة بعض المسيحيين في حق الكتب المذكورة بأنها في هذه الألسن مثل القرآن في اللسان العربي في الدرجة العليا من البلاغة غير مقبولة، لأنهم إذا لم يكونوا من أهل اللسان فلا يميزون غالباً في لسان الغير بين المذكر والمؤنث، ولا بين المفرد والتثنية والجمع ولا بين المرفوع والمنصوب والمجرور، فضلاً عن أن يميزوا الأبلغ عن البليغ وعدم تميزهم هذا لا يختص بالعربي، بل فيه وفي العبراني واليوناني واللاطيني على طريقة واحدة، ومنشأ عدم التمييز سذاجة كلامهم سيما إذا كان هذا البعض من أهل إنكلترة فإنهم يشاركون في هذه السذاجة غيرهم من المسيحيين ويمتازون عنهم بعادة أخرى أيضاً، وهي أنهم إذا عرفوا ألفاظاً معدودة من لسان الغير يظنون أنهم تبحروا في المعرفة، وإذا تعلموا مسائل معدودة من علم يعدون أنفسهم من علماء هذا العلم، والفرنساويون واليونانيون طاعنون عليهم في هذه العادة. ويشهد على الدعوى الأولى أن الأب سركيس الهاروني مطران الشام جمع بإذن البابا أربانوس الثامن كثيراً من القسيسين والرهبان والعلماء ومعلمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 831 اللسان العبراني والعربي واليوناني وغيرها ليصلحوا الترجمة العربية التي كانت مملوءة بالأغلاط الكثيرة والنقصانات الغزيرة فاجتهدوا في هذا الباب اجتهاداً تاماً في سنة ألف وستمائة وخمس وعشرين من الميلاد فأصلحوا، لكنه لما بقيت بعد الإصلاح التام في تراجمهم النقصانات التي هي لازمة لسجية المسيحيين اعتذروا عنه في المقدمة التي كتبوها في أول تلك الترجمة، وإني أنقل عذرهم عن المقدمة المذكورة بعبارتهم وألفاظهم وهي هذه: (ثم إنك في هذا النقل تجد شيئاً من الكلام غير موافق قوانين اللغة بل مضاد لها كالجنس المذكر بدل المؤنث، والعدد المفرد بدل الجمع، والجمع بدل المثنى والرفع مكان الجر والنصب في الاسم والجزم في الفعل وزيادة الحروف عوض الحركات وما يشابه ذلك، فكان سبباً لهذا كله سذاجة كلام المسيحيين فصار لهم نوع تلك اللغة مخصوصاً، ولكن ليس في اللسان العربي فقط، بل في اللاطيني واليوناني والعبراني تغافلت الأنبياء والرسل والآباء الأولون عن قياس الكلام، لأنه لم يرد روح القدس أن نقيد اتساع الكلمة الإلهية بالحدود الضيقة التي حددتها الفرائض فقدم لنا الأسرار السماوية بغير فصاحة وبلاغة) انتهى كلامهم. ويشهد على الدعوى الثانية أن أبا طالب خان السياح ألف كتاباً باللسان الفارسي سماه بـ (المسير الطالبي) وهو مشتمل على أحوال سياحته، وكتب فيه من حالات كل إقليم ساح فيه ما رأى فيه من المحاسن والذمائم، فكتب محاسن أهل إنكلترة وذمائمهم، وإني أترجم الذميمة الثامنة من كتابه لتعلق الحاجة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 832 بها في هذا المقام. قال: (الثامنة) خطؤهم في معرفة حد العلوم ولسان الغير، لأنهم يحسبون أنفسهم عارفي كل لسان ومن أهل كل علم إذا عرفوا ألفاظاً معدودة من ذلك اللسان أو مسائل معدودة من ذلك العلم ويؤلفون الكتب فيهما وينشرون هذه المزخرفات بعد الطبع، ووقفت على هذا المعنى بشهادة الفرنساويين واليونانيين لأن تحصيل ألسنتهم رائج في أهل إنكلترة، وحصل لي اليقين بمشاهدة تصرفاتهم في اللسان الفارسي) انتهى، ثم قال: (اجتمع في لندن الكتب الكثيرة من هذا النوع بحيث كادت تبقى الكتب الحقة بعد برهة من الزمان غير مميزة) ، انتهى كلامه. وقولهم على أنه يمكن أن تؤدي المطالب الباطلة إلخ -لا ورود له في حق القرآن، لأنه مملوء من أوله إلى آخره بذكر هذه الأمور السبعة والعشرين، ولا تجد آية طويلة فيه تكون خالية من ذكر أمر من هذه الأمور: (الأول) الصفات الكاملة الإلهية مثل كونه واحداً وقديماً وأزلياً وأبدياً وقادراً وعالماً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً وحكيماً وخبيراً وخالق السماوات والأرض ورحيماً ورحماناً وصبوراً وعادلاً وقدوساً ومحيياً ومميتاً وغيرها. (الثاني) تنزيه الله عن المعايب والنقائص مثل الحدوث والعجز والجهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 833 والظلم وغيرها. (الثالث) الدعوة إلى التوحيد الخالص والمنع عن الشرك مطلقاً وعن التثليث الذي هو شعبة الشرك يقيناً كما علمت في الباب الرابع. (الرابع) ذكر الأنبياء عليهم السلام. (الخامس) تنزيههم عن عبادة الأوثان والكفر وغيرها. (السادس) مدح المؤمنين بالأنبياء. (السابع) ذم منكريهم. (الثامن) تأكيد الإيمان بالأنبياء عموماً وبالمسيح خصوصاً. (التاسع) الوعد بأن المؤمنين يغلبون المنكرين عاقبة الأمر. (العاشر) حقيقة القيامة وجزاء الأعمال في يومها. (الحادي عشر) ذكر الجنة والنار. (الثاني عشر) ذم الدنيا وبيان عدم ثباتها. (الثالث عشر) مدح العقبى وبيان ثباتها. (الرابع عشر) بيان حل الأشياء وحرمتها. (الخامس عشر) بيان أحكام تدبير المنزل. (السادس عشر) بيان أحكام سياسات المدن. (السابع عشر) التحريض على محبة الله وأهل الله. (الثامن عشر) بيان الأشياء التي هي ذريعة الوصول إلى الله. (التاسع عشر) الزجر عن مصاحبة الفجار والفساق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 834 (العشرون) تأكيد خلوص النية في العبادات البدنية والمالية. (الحادي والعشرون) التهديد على الرياء والسمعة. (الثاني والعشرون) التأكيد على تهذيب الأخلاق بالإجمال والتفصيل. (الثالث والعشرون) التهديد على الأخلاق الذميمة بالإجمال. (الرابع والعشرون) مدح الأخلاق الحسنة، مثل الحلم والتواضع والكرم والشجاعة والعفة وغيرها. (الخامس والعشرون) ذم الأخلاق القبيحة مثل الغضب والتكبر والبخل والجبن والظلم وغيرها. (السادس والعشرون) وعظ التقوى. (السابع والعشرون) الترغيب إلى ذكر الله وعبادته، ولا شك أن هذه الأمور محمودة عقلاً ونقلاً، وجاء ذكر هذه الأمور في القرآن مراراً للتأكيد، والتقرير، ولو كانت هذه المضامين قبيحة فأي مضمون يكون حسناً. نعم لا يوجد في القرآن: -[1] أن النبي الفلاني زنى بابنته. -[2] أو زنى بزوجة الغير وقتله بالحيلة. -[3] أوعبد العجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 835 -[4] أو ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها. -[5] أو افترى على الله الكذب، وكذب في التبليغ وخدع بكذبه نبياً آخر مسكيناً وألقاه في غضب الرب. -[6] أو أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد ولد الزنا وهو فارض بن يهودا. -[7] أو أن الرسول الأعظم ابن الله البكر أبا الأنبياء زنى ابنه الأكبر بزوجة أبيه. -[8] وابنه الثاني بزوجة ابنه، وسمع هذا النبي العظيم الشأن ما صدر عن ابنيه المحبوبين وما أجرى عليهما الحد، غير أنه دعا على الأكبر وقت موته لأجل هذه الحركة الشنيعة ولم ينقل في حق الآخر الغضب أيضاً، بل دعا له بالبركة التامة عند الموت. -[9] أو أن الرسول العظيم الآخر البكر الثاني أيضاً الزاني بزوجة الغير زنى ابنه الحبيب ببنته الحبيبة وسمع، وما أجرى عليهما الحد لعله امتنع عن الحد لأنه كان مبتلى بالزنا أيضاً في زعمهم، فكيف يجري على الغير سيما على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 836 أولاده وهذا القدر مسلم بين اليهود والنصارى ومصرح به في كتب العهد العتيق المسلمة عند الفريقين. -[10] أو أن يحيى عليه السلام الرسول الذي هو أعظم الأنبياء الإسرائيلية بشهادة عيسى عليه السلام وإن كان الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه بشهادة عيسى عليه السلام أيضاً لم يعرف إلهه الثاني ومرسله الذي هو عيسى باعتبار العلاقة المجهولة معرفة جيدة إلى ثلاثين سنة ما لم يصر هذا الإله مريداً لعبده هذا وما لم يحصل الاصطباغ منه وما لم ينزل على هذا الإله الثاني الإله الثالث في شكل الحمامة، وبعد ما رأى نزول الثالث على الثاني في الشكل المذكور تذكر أمر الإله الأول الأب أن الإله الثاني هو ربه ومالكه وخالق الأرض والسماوات. -[11] أو أن الرسول الآخر السارق الذي كان عنده الكيس للسرقة أعني يهود الأسخريوطي الذي هو صاحب الكرامات والمعجزات وأحد الحواريين الذين هم أعلى منزلة من موسى بن عمران وسائر الأنبياء الإسرائيلية على زعمهم باع دينه بدنياه بثلاثين درهماً، ورضي بتسليم إلهه بأيدي اليهود على هذه المنفعة القليلة حتى أخذوا إلهه وصلبوه لعل هذه المنفعة كانت عظيمة عنده، لأنه كان صياداً مفلوكاً لصاً، وإن كان رسولاً صاحب معجزات أيضاً على زعمهم فثلاثون درهماً عنده كانت أحب وأعظم رتبة من هذا الإله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 837 المصلوب. -[12] أو أن قيافا رئيس الكهنة الذي ثبتت نبوته بشهادة يوحنا الإنجيلي أفتى بقتل إلهه وكذبه وكفره وأهانه ووقع في حق هذا الإله المصلوب ثلاثة أمور عجيبة من ثلاثة أنبياء عدد التثليث أن اعظم أنبيائه الإسرائيلية لم يعرفه معرفة جيدة إلى ثلاثين سنة ما لم يصر هذا الإله مريداً له ولم ينزل عليه الإله الثالث في شكل الحمامة، وأن نبيه الثاني رضي بتسليمه ورجح منفعة ثلاثين درهماً منزلة ألوهيته ووعده، وأن رسوله الثالث أفتى بقتله وكذبه وكفره أعاذنا الله من أمثال هذه الاعتقادات السوء في حق الأنبياء عليهم السلام. ولا يؤاخذني على ما نقلت هذه المزخرفات على سبيل الإلزام والله ثم بالله لا أعتقد في حق الأنبياء هذه الكذبات وهم بريئون منها، وأقول القدر الذي نقلت من حال يحيى عليه السلام إلى حال قيافا مصرح به في العهد الجديد. وكذا لا يوجد في القرآن هذه المسائل الفخيمة التي عجزت في أكثرها عقولنا، بل عقول العالم ويعتقدها الفرقة القديمة العظيمة الشأن، أعني فرقة كاثلك التي عددها بحسب ادعاء بعض آبائها في هذا الزمان أيضاً بقدر مائتي مليون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 838 -[1] إن مريم عليها السلام قد حبلت بها أمها بلا قرب الزوج كما انكشفت هذه الحقيقة على البابويين من مدة قريبة. ومثل [2] أن مريم والدة الله حقيقة. ومثل [3] أن كل خبز من الخبزات وإن كانت بمقدار مليونات غير متعددة يستحيل في العشاء الرباني في آن واحد في أمكنة مختلفة إلى المسيح الكامل بلاهوته وناسوته الذي تولد من العذراء إذا فرض أن مليونات من الكهنة في أطراف العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً قدسوا في آن واحد. ومثل [4] أن خبزاً واحداً إذا كسره الكاهن ولو إلى مائة ألف كسرة يصير كل كسرة منه أيضاً مسيحاً كاملاً وإن كان وجود الحبوب ثم الطحن ثم العجن ثم وجود الخبز ثم الكسرة كلها من الحوادث بمشاهدة فتعطل حكم الحبس عندهم في هذه الأمور كلها. ومثل [5] أنه لا بد أن يصطنع الصورة والتماثيل ويسجد قدامهن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 839 ومثل [6] أنه لا خلاص بدون الإيمان بالبابا وإن كان غير صالح في نفس الأمر. ومثل [7] أن أسقف رومية هو البابا دون غيره وهو رأس الكنيسة ومعصوم من الغلط، وأن [8] كنيسة رومية هي أم الكنائس كلها ومعلمتها. ومثل [9] أن للبابا ولمتعلقيه خزانة من قدر جزيل من استحقاقات القديسين أن يمنحوا الغفرانات سيما إذا استوفوا ثمناً وافياً لأجلها كما هو المروج عندهم. ومثل [10] أن البابا له منصب تحليل الحرام وتحريم الحلال. قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء بروتستنت في الصفحة 66 من كتابه المسمى بأجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليديين المطبوع سنة 1852 في بيروت هذا: (والآن تراهم يزوجون العم بابنة أخيه، والخال بابنة أخته، والرجل بامرأة أخيه ذات الأولاد خلافاً لتعليم الكتب المقدسة ولمجامعهم المعصومة. وقد أضحت هذه المحرمات حلالاً عند أخذهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 840 الدراهم عليها، وكم من التحديدات وضعوها على الإكليريكيين بتحريم الزيجة الناموسية المأمور بها من رب الشريعة) انتهى كلامه بلفظه. ثم قال: (وكم حرموا أصناف الأطعمة ثم أباحوا ما حرموه، وفي عصرنا أباحوا أكل اللحوم في صومهم الكبير الذي طالما شددوا بتحريهما فيه) انتهى كلامه بلفظه. وفي الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة في الصفحة 88: (فرنسيس ذابادلا الكردينال يقول: إن البابا مأذون أن يعمل ما يريد حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 841 ما لا يحل أيضاً، وهو أكبر من الله سبحان الله عما يصفون) انتهى كلامه بلفظه. ومثل [11] أن أنفس الصديقين تتوجه إلى العذاب في المطهر وتتقلب في نيرانه حتى يمنحها البابا الغفران أو يخلصها القسوس بقداساتهم بعد استيلائهم على أثمانها، وهو غير جهنم. وأهل هذه يحصلون السندات من نواب البابا وخلفائه لتحصيل النجاة من عذابه. لكن العجب من هؤلاء العقلاء أنهم إذا اشتروا سندات من خليفة الله النافذ أمره في الأرض والسماء فلم لا يطلبون منه وصولات ممضية بختم الذين أعتقهم من العذاب، ولما كانت قدرة الباباوات تزيد يوماً فيوماً بفيض روح القدس اخترع البابا لاون العاشر للمغفرة تذاكر تعطى منه أو من وكيله للمشتري بمغفرة خطاياه الماضية والمستقبلة أيضاً، وكان مكتوباً فيها هكذا: (ربنا يسوع المسيح يرحمك ويعفو عنك باستحقاقات آلامه المقدسة. وبعد فقد وهب لي بقدرة سلطان رسله بطرس وبولس والبابا الجليل في هذه النواحي أن أغفر لك أولاً عيوبك الاكليروسية مهما كانت ثم خطاياك ونقائصك مهما كانت تفوت الإحصاء، بل أيضاً الخطايا المحفوظ حلها للبابا، وبقدر امتداد مفاتيح الكنيسة الرومانية أغفر لك كل العذابات التي سوف تستحقها في المطهر وأردك إلى أسرار الكنيسة المقدسة وإلى اتحادها وإلى ما كنت حاصلاً عليه عند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 842 عمادك من العفة والطهارة حتى أنك متى مت تغلق في وجهك أبواب العذابات وتفتح لك أبواب الفردوس وإن لم تمت الآن فهي باقية لك بفاعلية تامة إلى آخر ساعة موتك باسم الأب والابن والروح القدس آمين) كتب بيد الأخ يوحنا تنزل الوكيل الثاني. ومثل [12] أن مسافة جهنم فراغ مكعب في قلب الأرض كل من أضلاعه مائتا ميل. ومثل [13] أن البابا يرسم الصليب على نعليه وغيره على وجهه لعل نعلي البابا ليسا أدون من الصليب ومن وجوه الأساقفة الآخرين. ومثل [14] أن بعض القديسين وجهه كوجه الكلب وجسده كجسد الإنسان، وهو يشفع لهم عند الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 843 قال المعلم المذكور في الصفحة 114 من كتابه المذكور طاعناً على تلك الفرقة أو الكتابة: (وربما صوروا بعض قديسين على صورة لم يخلق الله مثلها، كتصويرهم رأس كلب على جسم إنسان يسمونه القديس خريسطفورس ويقدمون له أنواع العبادة إذ يلقبونه ويسجدون أمامه ويشعلون له الشموع ويطلقون البخور ويلتمسون شفاعته، فهل يليق بالمسيحيين الاعتقاد بوجود العقل النطقي والقداسة في أدمغة الكلاب؟ أي هي من عصمة كنائسهم من الغلط؟ انتهى كلامه بلفظه. وهذا القول هل يليق بالمسيحيين الخ صادق يقيناً، وهذا القديس مشابه لبعض قديسي مشركي الهند، ولعل محبة المسيحيين من أهل أوربا للكلاب لأجل كونها على صورة هذا القديس المكرم. ومثل [15] أن خشبة الصليب وتصاوير الأب الأزلي والابن والروح القدس يسجد لها بالسجود الحقيقي العبادي وأن صور القديسين يسجد لها بالسجود الإكرامي، وإني متحير ما معنى استحقاق الأشياء الأولية للسجود العبادي، لأن تعظيمهم لخشبة الصليب لا يخلو إما أن يكون مثلها قد مس جسد المسيح، وهو ارتفع عليه بحسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 844 زعمهم، وإما لأجل أنها واسطة فداء، وإما لأجل أن دمه سال عليه. فإن كان الأول يلزم أن يكون نوع الحمير معبوداً لهم أعلى من الصليب عندهم، لأن المسيح عليه السلام ركب على الأتان والجحش ومساجد المسيح وكانا موضوعي راحته ودخوله ممجداً إلى أورشليم، والحمار يشارك الإنسان في الجنس القريب والحيوانية، فهو جسم نام حساس متحرك بالإرداة بخلاف الخشب الذي ليست له قدرة الحس والحركة. وإن كان الثاني فيهودا الاسخريوطي الدافع أحق بالتعظيم لأنه الواسطة الأولى والذريعة الكبرى للفداء، فإنه لولا تسليمه لما أمكن لليهود مسك المسيح وصلبه، ولأنه مساوٍ للمسيح عليه السلام في الإنسانية وعلى صورة الإنسان الذي هو صورة الله، وكان ممتلئاً بروح القدس صاحب الكرامات والمعجزات فالعجب أن هذه الواسطة الأولى عندهم ملعونة والصغرى مباركة معظمة. وأما الثالث فلأن الشوك المضفور إكليلاً على رأس المسيح عليه السلام قد فاز أيضاً بالمنصب الأعلى، وهو سيلان الدم عليه فما باله لا يعظم ولا يعبد ويشعل بالنار، وهذا الخشب يعبد إلا أن يقولوا إن هذا سر مثل سر التثليث والاستحالة خارج عن إدراك العقول البشرية وأفحش منه تعظيم صورة أقنوم الأب، لأنك قد عرفت في الأمر الثالث والرابع من مقدمة الباب الرابع أن الله بريء من الشبه وما رآه أحد ولا يقدر أن يراه أحد في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 845 الدنيا فإذا كان كذلك فأي أب من آبائهم رآه فصوره؟ ومن أين علموا أن هذه الصورة مطابقة لصورته تعالى وليست مطابقة لصورة شيطان من الشياطين، أو لصورة كافر من الكفار؟ ولم لا تعبدون كل إنسان سواء أكان مسلماً أم كافراً لأن الإنسان على صورة الله بحسب نص التوراة. والعجب أن البابا يسجد لهذه الصورة الوهمية الجمادية التي لا حس ولا حركة لها ويحقر صورة الله التي هي الإنسان ويمد رجله لذلك الإنسان لكي يقبل حذاءه وما ظهر لي فرق بين هؤلاء أهل الكتاب ومشركي الهند وجدت عوامهم كعوامهم وخواصهم كخواصهم في هذه العبادة وعلماء مشركي الهند يقولون مثل قول علمائهم في الاعتذار. ومثل [16] أن البابا هو القاضي الأعلى في الحكم على تفسير معاني الكتب واخترعت هذه العقيدة في الأجيال المتأخرة وإلا لما قدر اكستاين وفم الذهب وغيرهما من القدماء الذين لم يكونوا باباوات ولم يستأذنوهم أن يفسروا جميع الكتب المقدسة من تلقاء أنفسهم، وتفاسيرهم قبلت عند جميع كنائس عصرهم لعل الباباوات حصل لهم هذا القضاء الأعلى بمطالعة تفاسيرهم بعد ما صنفوها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 846 ومثل [17] أن الأساقفة والشمامسة ممنوعون من الزواج، ولذلك يفعلون ما لا يفعله المتزوجون، وقاوم في كثير من الأحيان بعض معلميهم اجتهاد الباباوات فأنقل بعض أقوالهم عن كتاب الثلاث عشرة رسالة في الرسالة الثالثة في الصفحة 144 و 145: القديس برنردوس يقول - وعظ عدد 66 في نشيد الإنشاد: نزعوا من الكنيسة الزواج المكرم والمضجع الذي هو بلا دنس فملؤها بالزنا في المضاجع مع الذكور والأمهات والأخوات وبكل أنواع الإدناس. والفاروس بيلاجيوس أسقف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 847 سلفاً في بلاد البورتكال سنة 1300 يقول: يا ليت إن الأكليروسيين لم يكونوا نذروا العفة ولا سيما أكليروس سبانيا لأن أبناء الرعية هناك أكثر عدداً بيسير من أبناء الكهنوت، ويوحنا أسقف سالتزبرج في الجيل الخامس عشر كتب أنه وجد قسوساً قلائل غير معتادين على نجاسة متكاثرة مع النساء، وأن أديرة الراهبات متدنسة مثل البيوت المخصوصة للزنا. انتهى كلامه بلفظه ملخصاً. وكيف يعتقد العصمة في حقهم إذا كانوا شابين شاربي الخمر وما نجا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 848 روبيل ابن يعقوب عليه السلام فزنى ببلهاء سرية أبيه، ولا يهوذا بن يعقوب عليه السلام فزنى بزوجة ابنه، ولا داود عليه السلام فزنى بزوجة أوريا مع كونه ذا زوجات كثيرة ولا لوط عليه السلام فزنى في حالة خمار الخمر بابنتيه، وهكذا. فإذا كان حال الأنبياء وأبنائهم على عقائدهم هكذا فكيف يرجى منهم العصمة، بل الحق أن الفاروس بيلاجيوس ويوحنا صادقان في أن أبناء الرعية هناك أكثر عدداً بيسير من أبناء الكهنوت، وأن أديرة الراهبات متدنسة مثل البيوت المخصوصة للزنا. وأمثال هذه المسائل كثيرة أطوي الكشح عن بيانها خوفاً من التطويل. فأقول: لعل هذه المضامين العالية التي نقلتها وأمثالها لو وجدوها في القرآن لاعترفوا بأنه كلام الله وقبلوه، لكنهم لما وجدوه خالياً منها ومن أمثالها فكيف يعترفون ويقبلون لأن المضامين الحسنة المألوفة عندهم هي هذه المضامين وأمثالها، لا المضامين التي ذكرت في القرآن. وأما بعض المضامين التي توجد في القرآن في ذكر الجنة والنار وغيرهما ويزعمون أنها قبيحة فأذكرها إن شاء الله تعالى في الشبهة الثالثة بأجوبتها فانتظر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 849 (الشبهة الثانية) أن القرآن مخالف لكتب العهد العتيق والجديد في مواضع، فلا يكون كلام الله. والجواب: أولاً - أن هذه الكتب لما لم تثبت أسانيدها المتصلة إلى مصنفيها وكذا لم يثبت أن كل كتاب منها إلهامي قد ثبت أنها مختلفة اختلافاً معنوياً في مواضع كثيرة ومملوءة بالأغلاط الكثيرة يقيناً - كما عرفت هذه الأمور في الباب الأول - وقد ثبت التحريف فيها أيضاً كما عرفت في الباب الثاني فلا تضر مخالفتها القرآن في المواضع المذكورة، بل تكون دليلاً على كون المواضع المذكورة غلطاً أو محرفة في الكتب المذكورة كسائر الأغلاط والتحريفات التي عرفتها في البابين الأولين، وقد عرفت في الأمر الرابع من الفصل الأول من هذا الباب أن هذه المخالفة قصدية لأجل التنبيه على أن ما خالف القرآن غلط أو محرف لا أنها سهوية. (والجواب الثاني) أن المخالفة التي بين القرآن وبين كتب العهدين في ذم القسيسين على ثلاثة أنواع: (الأول) باعتبار الأحكام المنسوخة. (والثاني) باعتبار بعض الحالات التي جاء ذكرها في القرآن لا يوجد ذكرها في العهدين. (والثالث) باعتبار أن بيان بعض الحالات في القرآن يخالف بيان هذه الكتب، ولا مجال لهم أن يطعنوا على القرآن باعتبار هذه الأنواع. (أما الأول) فلأنك قد عرفت في الباب السادس بما لا مزيد عليه أن النسخ لا يختص بالقرآن، بل وجد في الشرائع السابقة بالكثرة، وأنه لا استحالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 850 فيه، وأن الشريعة العيسوية نسخت جميع أحكام التوراة إلا تسعة أحكام من الأحكام العشرة المشهورة، وقد وقع فيها التكميل أيضاً على زعمهم، والتكميل أيضاً نوع من أنواع النسخ، فصارت هذه الأحكام أيضاً منسوخة بهذا الوجه فبعد ذلك ليس من شأن المسيحي العاقل أن يطعن على القرآن باعتبار هذا النوع. (وأما الثاني) فهو كالأول أيضاً، وشواهده كثيرة أكتفي منها على ثلاثة عشر شاهداً: (الشاهد الأول) الآية التاسعة من رسالة يهودا هكذا: (وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجاً عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء، بل قال لينتهرك الرب) فمخاصمة ميخائيل إبليس عن جسد موسى لم تذكر في كتاب من كتب العهد العتيق. (الشاهد الثاني) ثم في تلك الرسالة هكذا 14: (وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ السابع من آدم قائلاً: هو ذا قد جاء الرب في ربوات قديسية) 15 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 851 (ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاط فجار) ولا أثر لهذا الخبر أيضاً في كتاب من كتب العهد العتيق. (الشاهد الثالث) الآية الحادية والعشرون من الباب الثاني عشر من الرسالة العبرانية هكذا: (وكان المنظر هكذا مخيفاً حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد) ، وهذا الحال مذكور في الباب التاسع عشر من سفر الخروج، لكن لا توجد فيه ولا في كتاب من كتب العهد العتيق هذه الفقرة: (حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد) .) الشاهد الرابع) الآية الثامنة من الباب الثالث من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس هكذا: (وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى) إلخ، وهذا الحال مذكور في الباب السابع من سفر الخروج ولا أثر لهذين الاسمين في هذا الباب ولا في باب آخر ولا في كتاب آخر من كتب العهد العتيق. (الشاهد الخامس) الآية السادسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: (وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 852 ولا يوجد لهذا أثر في إنجيل من الأناجيل الأربعة، ولا في كتاب أعمال الحواريين مع أن لوقا أحرص الناس على تحرير أمثال هذه الأحوال. (الشاهد السادس) في الآية الخامسة والثلاثين من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا: (متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ) ، وهذا القول لا يوجد له أثر في إنجيل من الأناجيل الأربعة. (الشاهد السابع) الأسماء التي ذكرت في الباب الأول من إنجيل متى بعد زربابل لا توجد في كتاب من كتب العهد العتيق. (الشاهد الثامن) في الباب السابع من كتاب الأعمال هكذا: 23 (ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل) . 24: (وإذا رأى واحداً مظلوماً حامى عنه وأنصف المغلوب إذ قتل المصري) . 25: (فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة وأما هم فلم يفهموا) . 26: (وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون فساقهم إلى السلامة قائلاً: أيها الرجال أنتم أخوة لماذا تظلمون بعضكم بعضاً) 27: (فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلاً: من أقامك رئيساً وقاضياً علينا) 28: (أتريد أن تقتلني كما قتلت أمس المصري) ،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 853 وهذا الحال مذكور في الباب الثاني من كتاب الخروج، لكن بعض الأشياء ذكرت في كتاب الأعمال وما جاء ذكرها في كتاب الخروج، وعبارة الخروج هكذا: 11- وفي تلك الأيام لما شب موسى خرج إلى إخوته وأبصر تعبدهم ورأى رجلاً من أهل مصر يضرب رجلاً من إخوته العبرانيين) . 12: (فالتفت إلى الجانبين فلم ير أحداً. فقتل المصري ودفنه في الرمل) 13: (وأنه خرج من اليوم الثاني ونظر إلى رجلين عبرانيين يختصمان فقال للظالم منهما: لم تضرب صاحبك؟) . 14: (فقال له ذلك الرجل: من جعلك سلطاناً علينا أو قاضياً لعلك تريد قتلي كما بالأمس قتلت المصري) . (الشاهد التاسع) الآية السادسة من رسالة يهودا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام) . (الشاهد العاشر) في الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس: (الله لم يشفق على ملائكة قد أخطئوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء) وهذا الحال الذي نقله بطرس ويهودا الحواريان لا يوجد في كتاب من كتب العهد العتيق، بل الظاهر أنه كاذب لأن المراد بهؤلاء الملائكة المحبوسين الشياطين، والشياطين ليسوا بمحبوسين بقيود أبدية كما يشهد عليه الباب الأول من كتاب أيوب والآية الثانية عشرة من الباب الأول من إنجيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 854 مرقس، والآية الثامنة من الباب الخامس من الرسالة الأولى لبطرس وغيرها من الآيات. (الشاهد الحادي عشر) الآية الثامنة عشرة من الزبور المائة والرابع على وفق الترجمة العربية، ومن الزبور المائة والخامس على وفق التراجم الأخر هكذا: (وذلت بالقيود رجلاه وبالحديد عبرت نفسه) وحال كون يوسف مسجوننا مذكور في الباب التاسع والثلاثين من سفر التكوين وليس ذلت رجليه بالقيود وعبرت نفسه بالحديد مذكورين فيه، ولا يلزم هذان الأمران للمسجون وإن كانا غالبين. (الشاهد الثاني عشر) في الآية الرابعة من الباب الثاني عشر من كتاب هوشع هكذا: (وغلب الملاك وتقوى وبكى وسأله) إلخ وحال مصارعة الملك يعقوب مذكور في الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين ولا يوجد فيه بكاء يعقوب. (الشاهد الثالث عشر) يوجد في الإنجيل ذكر الجنة والجحيم والقيامة وجزاء الأعمال فيها وإن كان بالإجمال، ولا أثر لهذا في الكتب الخمسة لموسى، بل لا يوجد فيها سوى المواعيد الدنيوية للمطيعين والتهديدات الدنيوية للعاصين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 855 وهكذا توجد مواضع كثيرة. فظهر مما ذكرنا أنه إذا ذكر بعض الأحوال في كتاب ولا يوجد ذكره في الكتاب المتقدم لا يلزم منه تكذيب الكتاب المتأخر وإلا يلزم أن يكون الإنجيل كاذباً لاشتماله على الحالات التي لم تذكر في التوراة ولا في كتاب آخر من كتب العهد العتيق. فالحق أن الكتاب المتقدم لا يلزم أن يكون مشتملاً على الحالات كلها. ألا ترى أن أسماء جميع أولاد آدم وشيث وأنوس وغيرهم وكذا أحوالهم ليست مذكورة في التوراة؟ وفي تفسير دوالي ورجردمييت ذيل شرح الآية الخامسة والعشرين من الباب الرابع عشر من سفر الملوك الثاني هكذا: (لا يوجد ذكر هذا الرسول يونس إلا في هذه الآية) . وفي البلاغ المشهور الذي كان إلى أهل نينوى: (ولا يوجد في كتاب من الكتب إخباراته عن الحوادث الآتية التي جرأ بها يوربعام السلطان على محاربة سلاطين السريا وسببه ليس منحصراً في أن الكتب الكثيرة للأنبياء لا توجد عندنا، بل سببه هذا أيضاً أن الأنبياء لم يكتبوا كثيراً من أخبارهم عن الحوادث الآتية) انتهى. فهذا القول يدل صراحة على ما قلت، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 856 والآية الثلاثون من الباب العشرين من إنجيل يوحنا هكذا: (وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب) والآية الخامسة والعشرون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا: (وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة) . وهذا الكلام وإن لم يخل من المبالغة الشاعرية، لكنه لا شك يفيد أن جميع حالات عيسى عليه السلام ما كتبت، فالطاعن باعتبار النوع الثاني على القرآن حاله كحال الطاعن باعتبار النوع الأول بلا تفاوت. (وأما النوع الثالث) فلأن مثل هذه الاختلافات توجد بين كتب العهد العتيق بعضها مع بعض وبين الأناجيل بعضها مع بعض وبين الإنجيل والعهد العتيق، كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول. وتوجد في النسخ الثلاث للتوراة، أعني العبرانية واليونانية والسامرية، وقد حصل لك الاطلاع على بعض الاختلافات أيضاً في الباب الثاني، لكن القسيسين من عادتهم أنهم يغلطون عوام المسلمين في كثير من الأوقات بهذه الشبهة فالأنسب أن أذكر بعض هذه الاختلافات ولا أخاف من التطويل اليسير لأنه لا يخلو من الفائدة المهمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 857 (الاختلاف الأول) أن الزمان من خلق آدم إلى زمن الطوفان باعتبار العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة [1656] وباعتبار اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة [2262] وعلى وفق السامرية ألف وثلثمائة وسبع سنين [1307] . (الاختلاف الثاني) أن الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه السلام باعتبار العبرانية مائتان واثنتان وتسعون سنة [292] وباعتبار اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة [1072] وباعتبار السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة [942] . (الاختلاف الثالث) يوجد في النسخة اليونانية بين أرفخشد وشالح بطن واحد، هو قينان، ولا يوجد في العبرانية والسامرية ولا في السفر الأول من أخبار الأيام، وفي تاريخ يوسيفس، لكن لوقا الإنجيلي اعتمد على اليونانية فزاد قينان في بيان نسب المسيح فيجب على المسيحيين أن يعتقدوا صحة اليونانية وكون غيرها غلطاً لئلا يلزم كذب إنجيلهم. (الاختلاف الرابع) أن موضع بناء الهيكل أعني المسجد باعتبار العبرانية جبل عيبال، وباعتبار السامرية جبل جرزيم، وقد عرفت حال هذه الاختلافات في الباب الثاني فلا أطول الكلام في توضيحها. (الاختلاف الخامس) إن الزمان من خلق آدم إلى ميلاد المسيح باعتبار العبرانية [4004] وباعتبار اليونانية [5872] وباعتبار السامرية [4700] وفي المجلد الأول من تفسير هنري واسكات (أن اهليز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 858 أخذ التاريخ بعد تصحيح أغلاط يوسيفس واليونانية وعلى تحقيقه من خلق العالم إلى ميلاد المسيح [5411] ومن الطوفان إلى الميلاد [3155] انتهى. وجارلس روجر في كتابه الذي قابل فيه التراجم الإنجليزية نقل خمسة وعشرين قولاً من أقوال المؤرخين في بيان المدة التي من خلق العالم إلى ميلاد المسيح وإلى سنة ألف وثمانمائة وسبع وأربعين، ثم اعترف أنه لا يطابق قولان منها أو أن تمييز الصحيح عن الغلط محال، وأنا أنقل ترجمة كلامه وأكتفي ببيانها إلى ميلاد المسيح لأن المدة التي بعدها لا اختلاف فيها للمؤرخين فلا حاجة إلى نقل الغاية الأخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 859 أسماء المؤرخين ... المدة التي من خلق آدم إلى ميلاد المسيح [1] ماريانوس سكونوس ... 4192 [2] لارنت يوس كودومانوس ... 4141 [3] توماليديت ... 4103 [4] ميكائيل مستلي نوس ... 4079 [5] جي بابتست رك كيولس ... 4062 [6] جيكب سليانوس ... ... ... 4053 [7] هنري كوس بوندانوس ... 4051 [7] وليم لينك ... 4041 [9] ارازمس ربن هولت ... ... 4021 [10] جيكوبوس كيبالوس ... ... 4005 [11] أرج بشب أشر ... 4003 [12] ديوني سيوس بتاويوس ... 4983 [13] بشب بك ... 3973 [14] كرن زيم ... 3971 [15] ايلي اس ريوس نيروس ... 3970 [16] جوهانيس كلاوريوس ... 3968 [17] كرستيانوس لونكرمونتانوس ... 3966 [18] فلب ملاتختون ... 3964 [19] جيكب هين لي نوس ... 3963 [20] الفون سوس سال مرون ... 3958 [21] إسكي ليكر ... 3949 [22] ميتهيوس برول ديوس ... 3927 [23] اندرياس هل وي كيوس ... 2836 [24] الرواج العام لليهود ... 3760 [25] الرواج العام للمسيحيين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 860 (ولا يطابق قولان من هذه الأقوال، ومن لم يتأمل في هذا الأمر في حين من الأحيان يفهم أن هذا الأمر العجيب في غاية الإشكال، لكن الظاهر أن المؤرخين المقدسين لم يريدوا في حين من الأحيان أن يكتبوا التاريخ بالنظم ولا يمكن الآن لأحد أن يعلم العدد الصحيح) انتهى كلام جارلس روجر. فظهر من كلامه أن معرفة الصحيح الآن محال جداً، وأن المؤرخين من أهل العهد العتيق أيضاً كتبوا ما كتبوا رجماً بالغيب، وأن الرائج العام في اليهود يخالف الرائج العام في المسيحيين، فأنصف أيها اللبيب، إنه لو فهمت مخالفة القرآن المجيد لتاريخ من تواريخهم المقدسة التي حالها كما عرفت، لا تشك لأجل هذه المخالفة في القرآن، لا والله بل نقول إن مقدسيهم غلطوا وكتبوا ما كتبوا سيما إذا لاحظنا تواريخ العالم جزمنا أن تحرير مقدسيهم في أمثال هذه الأمور ليس له إلا رتبة الظن والتخمين، ولذلك لا نعتمد على هذه الأقوال الضعيفة. قال العلامة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في المجلد الأول من تاريخه، ناقلاً عن الفقيه الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: (وأما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 861 نحن - يعني أهل الإسلام - فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا ومن ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل، فقد قال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح عنه عليه السلام خلافه، بل نقطع على أن للدنيا أمداً لا يعلمه إلا الله تعالى قال الله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض) ، وهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار عدد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر علم أن للدنيا أمداً لا يعلمه إلا الله تعالى) انتهى كلامه بلفظه، وهو مختار الفقير أيضاً والعلم التام عند الله وهو أعلم. (الاختلاف السادس) أن الحكم الحادي عشر الزائد على الأحكام العشرة المشهورة يوجد في السامرية ولا يوجد في العبرانية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 862 (الاختلاف السابع) الآية الأربعون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج في العبرانية هكذا: (فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة) وفي السامرية واليونانية هكذا: (فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل وآباؤهم وأجدادهم في أرض كنعان وأرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة) والصحيح ما فيهما وما في العبرانية غلط يقيناً. (الاختلاف الثامن) في الآية الثامنة من الباب الرابع من سفر التكوين في العبرانية هكذا: (وقال قائين لهابيل أخيه ولما صار في الحقل) وفي السامرية واليونانية هكذا: (وقال قائين لهابيل أخيه تعال نخرج إلى الحقل ولما صارا في الحقل) والصحيح ما فيهما عند محققيهم. (الاختلاف التاسع) في الآية السابعة عشرة من الباب السابع من سفر التكوين في العبرانية هكذا: (وصار الطوفان أربعين يوماً على الأرض) . وفي اليونانية هكذا: (وصار الطوفان أربعين يوماً وليلة على الأرض) والصحيح ما في اليونانية. (الاختلاف العاشر) في الآية الثامنة من الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين في العبرانية هكذا: (حتى تجتمع الماشية) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 863 وفي السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت هكذا: (حتى تجتمع الرعاة) . والصحيح ما في هذه الكتب لا ما في العبرانية. (الاختلاف الحادي عشر) في الآية الثانية والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين في العبرانية هكذا: (وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل) وفي اليونانية هكذا: (وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل وكان قبيحاً في نظره) والصحيح ما في اليونانية. (الاختلاف الثاني عشر) في أول الآية الخامسة من الباب الرابع والأربعين من سفر التكوين توجد في اليونانية هذه الجملة: (لما سرقتم صواعي) ولا توجد في العبرانية والصحيح ما في اليونانية. (الاختلاف الثالث عشر) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخمسين من سفر التكوين في العبرانية هكذا: (فاذهبوا بعظامي من ههنا) وفي اليونانية والسامرية هكذا: (فاذهبوا بعظامي من ههنا معكم) . (الاختلاف الرابع عشر) في آخر الآية الثانية والعشرين من الباب الثاني من سفر الخروج في اليونانية هذه العبارة: (وولدت أيضاً غلاماً ثانياً ودعا اسمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 864 العازار فقال من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون) ولا توجد في العبرانية، والصحيح ما في اليونانية وأدخلها مترجمو العربية في تراجمهم. (الاختلاف الخامس عشر) في الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج في العبرانية هكذا: (فولدت له هارون وموسى) وفي السامرية واليونانية هكذا: (فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما) والصحيح ما فيهما. (الاختلاف السادس عشر) توجد في آخر الآية السادسة من الباب العاشر من سفر العدد في الترجمة اليونانية هذه العبارة: (وإذا نفخوا مرة ثالثة ترفع الخيام الغربية للارتحال، وإذا نفخوا مرة رابعة ترفع الخيام الشمالية للارتحال) ولا توجد في العبرانية والصحيح ما في اليونانية. (الاختلاف السابع عشر) توجد في النسخة السامرية في الباب العاشر من سفر العدد ما بين الآية العاشرة والحادية عشرة هذه العبارة: (قال الرب مخاطباً لموسى: إنكم جلستم في هذا الجبل كثيراً فارجعوا وهلموا إلى جبل الأمورانيين وما يليه إلى العرباء وإلى أماكن الطور والأسفل قبالة التيمن وإلى شط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 865 البحر أرض الكنعانيين ولبنان وإلى النهر الأكبر نهر الفرات هو ذا أعطيتكم الأرض فادخلوا ورثوا الأرض التي خلف الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنه سيعطيكم إياها ولخلفكم من بعدكم) انتهت. ولا توجد هذه العبارة في العبرانية. قال المفسر هارسلي في الصفحة 161 من المجلد الأول من تفسيره: (توجد في النسخة السامرية ما بين الآية العاشرة والحادية عشرة من الباب العاشر من سفر العدد العبارة التي توجد في الآية السادسة والسابعة والثامنة من الباب الأول من سفر الاستثناء، وظهر هذا الأمر في عهد بروكوبيس) . (الاختلاف الثامن عشر) في الباب العاشر من الاستثناء في العبرانية هكذا: 6: (ثم ارتحل بنو إسرائيل من بيروت بني يعقن إلى موشرا ومات هناك هارون وقبر هناك ثم حبر بعده العازار ابنه) 7: (ومن ثم أتوا إلى غدغادوا وارتحلوا من هناك وحلوا في يطبشا أرض المياه والسواقي) 8: (في ذلك الزمان اعتزل سبط لاوى ليحمل التابوت الذي فيه ميثاق الرب ويقوم قدامه في الخدمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 866 ويبارك باسمه حتى إلى هذا اليوم) . وهذه العبارة تخالف عبارة الباب الثالث والثلاثين من سفر العدد في تفصيل المراحل. وتوجد في السامرية في كتاب الاستثناء أيضاً العبارة التي في سفر العدد وعبارة سفر العدد هكذا: 30: (وارتحلوا من حشمونا وأتوا مشروت) 31: (ومن مشروت نزلوا في بني عقان) 32: (وارتحلوا من بني عقان وأتوا جبل جد جاد) 33: (وارتحلوا من ثم ونزلوا في يطبث) 34: (ومن يطبث أتوا عفرونا) 35: (وارتحلوا من عفرونا ونزلوا في عصينجير) 36: (وارتحلوا من ثم وأتوا برية سين، فهذه هي قادس) 37: (وارتحلوا من قادس في هور الطور الذي في أقصى أرض أدوم) 38: (ثم صعد هارون الحبر إلى هور الجبل عن أمر الرب فمات هناك في سنة أربعين من خروج بني إسرائيل من مصر في الشهر الخامس في اليوم الأول من الشهر) 39: (وهارون يومئذ ابن مائة وثلاث وعشرون سنة) 40: (وسمع الكنعاني ملك غارد الذي كان يسكن التيمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 867 في أرض كنعان أن جاء بنو إسرائيل) 41: (ثم ارتحلوا من هور الطور ونزلوا في صلمونا) 42: (وارتحلوا من ثم وأتوا فينون) الخ. ونقل آدم كلارك في الصفحة 779 و 780 من المجلد الأول من تفسيره في شرح الباب العاشر من كتاب الاستثناء تقرير كني كات في غاية الإطناب وخلاصته: (أن عبارة المتن السامري صحيحة، وعبارة العبري غلط وأربع آيات ما بين الآية الخامسة والعاشرة أعني الآية السادسة إلى التاسعة ههنا أجنبية محضة لو أسقطت ارتبط جميع العبارة ارتباطاً حسناً، فهذه الآيات الأربع كتبت من غلط الكاتب ههنا وكانت من الباب الثاني من كتاب الاستثناء) انتهى. وبعد نقل هذا التقرير أظهر رضاه عليه وقال: (لا يعجل في إنكار هذا التقرير) . أقول يدل على إلحاقية الآيات الأربع في الجملة الأخيرة التي توجد في آخر الآية الثامنة. (الاختلاف التاسع عشر) الآية الخامسة من الباب الثاني والثلاثين من كتاب الاستثناء في العبرانية هكذا: (هم أخرجوا نفوسهم. عيبهم ليس عيباً يكون على أبنائه هم الجيل الأعوج المتعسف) وفي اليونانية والسامرية هكذا: (أخربوهم ليسوا له هم أبناء الغلط والعيب) وفي تفسير هنري واسكات (هذه العبارة أقرب إلى الأصل) انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 868 وقال المفسر هارسلي في الصفحة 215 من المجلد الأول هكذا: (فلتقرأ هذه الآية على وفق السامرية واليونانية وهينولي كينت وكني كات والمتن العبري محرف ههنا) انتهى، وهذه الآية في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831 وسنة 1844 وسنة 1848 هكذا: (أخطوا إليه، وهو بريء من أبناء القبائح أيها الجيل الأعوج المتلوي) . (الاختلاف العشرون) الآية الثانية من الباب العشرين من سفر التكوين في العبرانية هكذا: (قال عن سارة امرأته إنها أختي ووجه أبي ملك جراراً وأخذها) . وفي تفسير هنري واسكات أن هذه الآية في اليونانية هكذا: (وقال عن سارة امرأته أنها أختي لأنه كان خائفاً من أن يقول إنها امرأته ظاناً أن أهل البلدة يقتلونه بسببها فوجه أبي ملك سلطان فلسطين أناساً وأخذها) انتهى. فهذه العبارة: (لأنه كان خائفاً من أن يقول إنها امرأته ظاناً أن أهل البلدة يقتلونه بسببها) . لا توجد في العبرانية. (الاختلاف الحادي والعشرون) توجد في الباب الثلاثين من سفر التكوين بعد الآية السادسة والثلاثين هذه العبارة في السامرية: (وقال ملك الرب ليعقوب: يا يعقوب، فقال لبيك. قال الملك ارفع طرفك وانظر إلى التيوس والفحول التي تضرب النعاج والمعز فإنهم بلقاء ومثمرة ومنقطة فقد رأيت ما فعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 869 بك لابان، أنا إله بيت ايل حيث مسحت قائمة الحجر ونذرت لي نذراً والآن قم فاخرج من هذه الأرض إلى أرض ميلادك) ولا توجد في العبرانية. (الاختلاف الثاني والعشرون) توجد بعد الجملة الأولى من الآية الثالثة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هذه العبارة في النسخة السامرية: (وقال موسى لفرعون الرب يقول إسرائيل ابني، بل بكري، فقلت لك أطلق ابني ليعبدني وأنت أبيت أن تطلقه، ها أنا ذا سأقتل ابنك بكرك) ولا توجد في العبرانية. (الاختلاف الثالث والعشرون) الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر العدد في العبرانية هكذا: (يجري الماء من دلوه وذريته بماء كثير فيتعالى من أجاج ملكه وترفع مملكته) وفي اليونانية: (ويظهر منه إنسان وهو يحكم على الأقوام الكثيرة وتكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 870 مملكته أعظم من مملكة أجاج وترتفع مملكته) . (الاختلاف الرابع والعشرون) توجد في الآية الحادية والعشرين من الباب التاسع من سفر الأحبار في العبرانية هذه الجملة: (كما أمر موسى) وتوجد بدلها في اليونانية والسامرية هذه الجملة: (كما أمر الرب موسى) . (الاختلاف الخامس والعشرون) الآية العاشرة من الباب السادس والعشرين من سفر العدد في العبرانية هكذا: (ففتحت الأرض فاها وابتلعت قورح في موت الجماعة مع المائتين والخمسين الذين أحرقتهم النار وكانت آية عظيمة) ، وفي السامرية هكذا: (وابتلعتهم الأرض ولما ماتت الجماعة وأحرقت النار قورح مع المائتين والخمسين فصار عبرة) وفي تفسير هنري واسكات: (إن هذه العبارة مناسبة للسياق والآية السابعة عشرة من الزبور المائة والسادس) انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 871 (الاختلاف السادس والعشرون) استخرج محققهم المشهور ليكلرك اختلافات بين السامرية والعبرانية وقسمها إلى ستة أقسام: (القسم الأول) الاختلافات التي فيها السامرية أصح من العبرانية وهي أحد عشر اختلافاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 872 (والقسم الثاني) الاختلافات التي تقتضي القرينة والسياق فيها صحة ما في السامرية وهي سبعة اختلافات. (والقسم الثالث) الاختلافات التي توجد فيها زيادة في السامرية وهي ثلاثة عشر اختلافاً. (والقسم الرابع) الاختلافات التي فيها حرفت السامرية والمحرف محقق فطن، وهي سبعة عشر اختلافاً. (والقسم الخامس) الاختلافات التي فيها السامرية ألطف مضموناً وهي عشرة اختلافات. (والقسم السادس) الاختلافات التي فيها السامرية ناقصة، وهما اختلافان. وتفصيل الاختلافات المذكورة هكذا: القسم الأول: أحد عشر اختلافا ... القسم الثاني: سبعة اختلافات في سفر التكوين 9 درس 4 باب 2 و 3 باب 7 و 19 باب 19 و 2 باب 20 و 16 باب 23 و 14 باب 34 و 10 و 11 باب 49 باب 50 ... في سفر الخروج 2 2 باب 1 و2 باب 4 ... في سفر التكوين 6 49 باب 31 و 26 باب 35 و 17 باب 37 و 34 و 43 باب 41 و 3 باب 47 ... في سفر الاستثناء 1 5 باب 32 القسم الثالث: ثلاثة عشر اختلافا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 873 .. القسم الرابع: سبعة عشر اختلافا في سفر التكوين 3 15 باب 29 و 36 باب 30 و16 باب 41 ... في سفر الخروج 7 18 باب 7 و 23 باب 8 و 5 باب 9 و 20 باب 21 و 5 باب 22 و 10 باب 32 و 9 باب32 ... في سفر التكوين 13 2 باب 2 و 10 باب 4 و 5 باب 9 و 19 باب 10 و 21 باب 11 و 3 باب 18 و 12 باب 19 و 16 باب 20 و 38 و 55 باب 24 و 7 باب 35 و 6 باب 36 و 50 باب 31 ... في سفر الخروج 3 باب 5 و 6 باب 13 و 5 باب 15 في سفر الأحبار 2 10 باب 1 و4 باب 17 ... في سفر الاستثناء 1 21 باب 5 في سفر العدد 1 32 باب 22 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 874 القسم الخامس: عشرة اختلافات ... القسم السادس: اختلافان في سفر التكوين 6 8 باب 5 و 31 باب 11 و 9 باب 19 و 34 باب 27 و 3 باب 39 و 25 باب 43 ... في سفر الخروج 2 40 باب 12 و 17 باب 40 ... في سفر التكوين 2 16 باب 20 و 13 باب 25 في سفر العدد 1 14 باب 4 في سفر الاستثناء1 16 باب 20 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 875 قال محققهم المشهور هورن في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822: (إن المحقق المشهور ليكلرك قابل العبرانية بالسامرية بالجد والتدقيق واستخراج هذه المواضع، وفي هذه المواضع للسامرية بالنسبة إلى العبرانية نوع صحة) انتهى. ولا يظن أحد انحصار مواضع المخالفة بين العبرانية والسامرية في الستين على ما حقق ليكلرك، لأن الاختلاف الرابع والثامن والعاشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاني والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين ليست بداخلة في هذه الستين، بل مقصود ليكلرك ضبط المواضع التي فيها مخالفة كثيرة بين النسختين عنده، ولم يدخل في هذه الستين مما ذكرت إلا أربعة اختلافات، فإذا أخذنا جميع الاختلافات المذكورة في الشواهد الستة والعشرين بعد إسقاط المشترك صار اثنين وثمانين شاهداً من الاختلافات التي بين النسخ الثلاث للتوراة، فأكتفي عليها ولا أذكر الاختلافات التي بين العبرانية واليونانية بالنسبة إلى الكتب الأخرى من العهد العتيق خوفاً من التطويل، وهذا القدر يكفي اللبيب. وظهر أن قول الطاعن باعتبار النوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 876 الثالث أيضاً ساقط عن الاعتبار بمثل سقوطه باعتبار النوعين الأولين. (الشبهة الثالثة) يوجد في القرآن أن الهداية والضلال من جانب الله تعالى، وأن الجنة مشتملة على الأنهار والحور والقصور، وأن الجهاد على الكفار مأمور به وهذه المضامين قبيحة تدل على أن القرآن ليس كلام الله، وهذه الشبهة أيضاً من أقوى شبههم قلما تخلو رسالة من رسائلهم تكون في رد أهل الإسلام ولا توجد فيها هذه الشبهة، ولهم في بيانها على قدر اختلاف أذهانهم تقريرات عجيبة يتحير الناظر من تعصباتهم بعد ملاحظة هذه التقريرات. (أقول) في الجواب عن الأمر الأول أنه قد وقع في مواضع من كتبهم المقدسة أمثال هذا المضمون فيلزم عليهم أن يقولوا إن كتبهم المقدسة ليست من جانب الله يقيناً، وأنا أنقل بعض الآيات عنها ليظهر الحال للناظر - الآية الحادية والعشرون من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: (وقال له الرب وهو راجع إلى مصر انظر جميع العجائب التي وضعتها بيدك أعملها قدام فرعون فأنا أقسي قلبه فلا يطلق الشعب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 877 ثم قول الله في الآية الثالثة من الباب السابع من سفر الخروج هكذا: (إني أقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر) وفي الباب العاشر من سفر الخروج هكذا: 1: (وقال الرب لموسى ادخل عند فرعون لأني قسيت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع به آياتي هذه) 20: (وقسى الرب قلب فرعون ولم يطلق بني إسرائيل) 27: (فقسى الرب قلب فرعون ولم يشأ أن يرسلهم) وفي الآية العاشرة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هكذا: (وقسى الرب قلب فرعون فلم يرسل بني إسرائيل من أرضه) فظهر من هذه الآيات أن الله كان قد قسى قلوب فرعون وعبيده لتكثير معجزات موسى عليه السلام في أرض مصر. والآية الرابعة من الباب التاسع والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: (ولم يعطيكم الرب قلباً فهيماً ولا عيوناً تنظرون بها ولا آذاناً تسمعون بها حتى اليوم) . والآية العاشرة من الباب السادس من كتاب أشعيا هكذا: (أعم قلب هذا الشعب وثقل آذانه وغمض عيونه لئلا يبصر بعينه ويسمع بأذنه ويفهم بقلبه ويتوب فأشفيه) . والآية الثامنة من الباب الحادي عشر من الرسالة الرومية هكذا: (كما هو مكتوب أعطاهم الله روح سبات وعيوناً لا يبصرون بها وآذاناً لا يسمعون بها حتى اليوم) . وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (لم يقدروا أن يؤمنوا لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 878 أشعيا قال أيضاً قد عمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم) فعلم من التوراة وكتاب أشعيا والإنجيل أن الله أعمى عيون بني إسرائيل وأغلظ قلوبهم وأثقل آذانهم لئلا يتوبوا فيشفيهم فلذلك لا يبصرون الحق ولا يتفكرون فيه ولا يسمعونه، ولا يزيد معنى ختم الله على القلوب والسمع على هذا. والآية السابعة عشرة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1831 وسنة 1844 هكذا: (لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك أقسيت قلوبنا أن لا نخشاك فالتفت بسبب عبيدك سبط ميراثك) . والآية التاسعة من الباب الرابع عشر من كتاب حزقيال في التراجم المسطورة هكذا: (والنبي إذا ضل وتكلم بكلام فأنا الرب أضللت ذلك النبي وأمد يدي عليه وأهلكه من بين شعبي إسرائيل) فوقع في كلام أشعيا صراحة: (أضللتنا يا رب وأقسيت قلوبنا) وفي كلام حزقيال: (أنا الرب أضللت ذلك النبي) . وفي الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الأول هكذا: 19: (ثم قال ميخا أيضاً من أجل هذا فاسمع قول الرب: رأيت الرب جالساً على كرسيه وجميع أجناد السماء قياماً حوله عن يمينه وعن شماله) 20: (فقال الرب من يخدع أخاب ملك إسرائيل فيصعد ليسقط تراموث جلعاد وقال بعضهم قولاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 879 وقال بعضهم قولْ أخر) 21: (فخرج روح وقام قدام الرب وقال أنا أخدعه فقال له الرب بماذا) 22: (فقال أنا أخرج فأكون روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائه، فقال له الرب تخدع وتقدر على ذلك اخرج وافعل وكذلك) 23: (والآن قد جعل الرب روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائك) وكانوا نحو أربعمائة (هؤلاء والرب قال عليك بالشر) وهذه الرواية صريحة في أن الله تعالى يجلس على كرسيه وينعقد عنده محفل المشاورة للاغواء والخدع (كما ينعقد محفل بارلمنت في لندن لأجل بعض أمور السلطنة) فيحضر جميع أجناد السماء، فبعد المشاورة يرسل روح الضلالة فيقع هذا الروح في الأفواه ويضل الناس. فانظر أيها اللبيب إذا كان الله وأجناد السماء يريدون إغواء الإنسان فكيف ينجو الإنسان الضعيف، وههنا عجب آخر وهو أن الله شاور وأرسل روح الضلالة بعد المشاورة ليخدع أخاب فكيف أظهر ميخا الرسول سر محفل الشورى ونبه أخاب عليه. وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا: 11: (ولأجل هذا) أي لعدم قبولهم محبة الحق (سيرسل إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 880 الكذب) 34: (لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم) . فمقدسهم ينادي أن الله يرسل إلى الهالكين عمل الضلال أولاً فيصدقون الكذب فيدينهم، وإذا فرغ المسيح عليه السلام من توبيخ المدن التي لم يتب أهلها فقال: (أحمدك أيها الأب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال، نعم أيها الأب لأن هكذا صارت المسرة أمامك) كما هو مصرح في الباب الحادي عشر من إنجيل متى، فالمسيح عليه السلام يصرح بأن الله أخفى الحق عن الحكماء فأظهره للأطفال ويحمد على هذا الأمر ويقول وكان رضا الله هكذا، والآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1831 هكذا: (المصور النور والخالق الظلمة الصانع السلام والخالق الشر أنا الرب الصانع هذه جميعها) . وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 هكذا: (سازنده نور وافر يننده تاريكي منم صلح دهنده وظاهر كننده شر منكه خداوندم ابن همه أشيار بوجود مي آرام) وفي الآية الثامنة والثلاثين من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا: (أمن فم الرب لا يخرج الشر والخير) وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838: (آياخير وشرازدهان خداصادر نمي شود) والاستفهام إنكاري والمراد أن الخير والشر كلاهما يصدران عن الله تعالى. وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب ميخا في التراجم المذكورة هكذا: فإن الشر نزل من قبل الرب إلى باب أورشليم) . وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838: (أما هربدي بردر وازه أورشليم أزخد أوندنازل شد) فظهر أن خالق الشر هو الله تعالى كما هو خالق الخير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 881 وفي الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا: 29: (لأن الذين عرفهم بسبق علم قصدهم أن يكونوا شركاء لشبه ابنه ليكون هو بكر الأخوة كثيرين) 30: (والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً) الخ وفي الباب التاسع من الرسالة المذكورة 11: (وهما لم يولدا بعد ولا فعلاً خيراً وشراً لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو) 12: (قيل لها إن الكبير يستعبد للصغير) 13: (كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو) 14: (فإذا نقول ألعل عند الله ظلماً حاشا) 15: (لأنه يقول لموسى ارحم من أرحم وترأف على من أترأف) 16: (فإذن ليس لمن يشأ ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم) 17: (لأنه يقول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 882 باسمي في كل الأرض) 18: (فإذن هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء) 19: (فستقول لي: لماذا يلوم بعد لأن من يقاوم مشيئته) 20: (بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا؟) 21: (أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان) فهذه العبارة من مقدسهم كافية لإثبات القدر، وكون الهداية والضلال من جانبه. ولنعم ما قال أشعيا عليه السلام في الآية التاسعة من الباب الخامس والأربعين من كتابه: (الويل لمن يخالف جابلة خزف من خزاف الأرض هل يقول الطين لجابله ماذا تصنع هل يقول عملك ليس اليدان لك) وبالنظر إلى هذه الآيات لعل مقتدى فرقة بروتستنت لو طرمال إلى الجبر كما يدل عليه ظاهر كلامه ذكر في الصفحة 277 من المجلد التاسع من كاثلك هرلد أقوال المقتدى الممدوح فأنقل عنها قولين: 1 (طبع الإنسان كالفرس إن ركبه الله يمشي كما يريد وإن ركبه الشيطان يمشي كما يمشي الشيطان، وهو لا يختار راكباً من نفسه بل يجتهد الركبان أن أياً منهم يحصله ويتسلط عليه) 2 (إذا وجد أمر في الكتب المقدسة بأن افعلوا هذا الأمر فافهموا أن هذه الكتب تأمر عدم فعل هذا الأمر الحسن لأنك لا تقدر على فعله) انتهى. فالظاهر من كلامه أنه يعتقد الجبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 883 وقال القسيس طامس أنكلس كاتلك في الصفحة 33 من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة 1851 طاعناً على فرقة بروتستنت هكذا: (وعاظهم القدماء علموهم هذه الأقوال المكروهة) 1 (أن الله موجد العصيان) 2 (وأن الإنسان ليس مختاراً على أن يجتنب عن الإثم) 3 (وأن العمل على الأحكام العشرة غير ممكن) 4 (وأن الكبائر وإن كانت عظيمة لا توصل الإنسان إلى النقص في نظر الله) 5 (وأن الإيمان فقط ينجي الإنسان لأننا ندان بالإيمان فقط وهذا التعليم أنفع وتعليم مملوء بالطمأنينة) 6 (وأن أب إصلاح الدين يعني لوطر قال آمنوا فقط واعلموا يقيناً أنه يحصل لكم النجاة بلا مشقة الصوم وبلا مؤنة التقوى وبلا مشقة الاعتراف وبلا مشقة الأمور الحسنة ولكم نجاة نفيسة بلا شبهة كما للمسيح نفسه أذنبوا بالجرأة التامة أذنبوا وآمنوا فقط وينجيكم بالإيمان وإن ابتليتم في يوم واحد ألف مرة بالزنا أو القتل آمنوا فقط أنا أقول إن إيمانكم ينجيكم) انتهى،. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 884 فظهر أن ما قال علماء بروتستنت في الأمر الأول في حق القرآن مردود بلا شبهة مخالف لكتبهم المقدسة، ولقول مقتداهم: ولا يلزم من خلق الشر أن يكون الله شريراً كما لا يلزم من خلق السواد والبياض وغيرهما من الأعراض أن يكون أسود أو أبيض، والحكمة في خلق الشر كما هي في خلق الشيطان الذي هو أصل الشرور ورأس المفاسد مع علم الله الأزلي بأن الشيطان يصدر عنه كذا وكذا، وكما هي في خلق الشهوة والحرص في طبع الإنسان مع علمه الأزلي بما يترتب عليهما في كل فرد من أفراد الإنسان وكما كان الله قادراً على أن لا يخلق الشيطان أو يخلقه ولا يعطيه القدرة على الإغراء ويمنعه عن الشر، ومع ذلك خلق ولم يمنعه عن الشر لحكمة ما، فكذلك قادر على أن لا يخلق الشر ولكنه في خلقه له حكمة ما. (وأما الجواب عن الأمر الثاني) فهو أنه لا قبح في كون الجنة مشتملة على الحور والقصور وسائر النعيم عند العقل، ولا يقول أهل الإسلام إن لذات الجنة مقصورة على اللذات الجسمانية فقط كما يقول علماء بروتستنت غلطاً أو تغليطاً للعوام، بل يعتقدون بنص القرآن أن الجنة تشتمل على اللذات الروحانية والجسمانية، والأولى أفضل من الثانية ويحصل كلا النوعين للمؤمنين. قال الله في سورة التوبة: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} فقوله ورضوان من الله - الآية - معناه أن رضواناً من الله أكبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 885 منزلة من كل ما سلف ذكره من الجنات والأنهار والمساكن الطيبة وهذا القول يدل على أن أفضل ما يعطي الله في الجنة هي اللذات الروحانية وإن كان يعطي اللذات الجسمانية أيضاً. ولذلك قال ذلك هو الفوز العظيم، لأن الإنسان مخلوق من جوهرين لطيف علوي وكثيف سفلي جسماني، وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية، كان الروح فائزاً بالسعادات اللائقة به والجسد واصلاً إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم، وإن قال علماء بروتستنت إن اجتماعهما أيضاً في الجنة قبيح في عقولنا. أقول لهم لا تضطربوا فإنه لا يحصل لكم إن شاء الله، وقد عرفت في الباب الأول أن الإنجيل عندنا عبارة عما أنزل على عيسى عليه السلام فقط، فلو وجد في قول من الأقوال المسيحية ما يخالف ظاهره حكم القرآن، فمع قطع النظر عن أنه مروي برواية الآحاد، وعن أن مخالفة كتبهم المقدسة لا تضر القرآن، كما عرفت في جواب الشبهة الثانية. أقول إن ذلك القول يكون مئولاً ألبتة، وكون أهل الجنة كالملائكة في زعمهم لا ينافي الأكل والشرب على حكم كتبهم، ألا يرون أن الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم وأحضر لهم إبراهيم عليه السلام عجلاً حنيذاً وسمناً ولبناً أكلوا هذه الأشياء كما صرح به في الباب الثامن عشر من سفر التكوين، وأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 886 الملكين اللذين جاءا إلى لوط عليه السلام وصنع لهما وليمة وخبزاً فطيراً أكلا كما صرح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين، والعجب أنهم لما اعترفوا بالحشر الجسماني فأي استبعاد في اللذات الجسمانية، نعم لو كانوا منكرين للحشر مطلقاً كمشركي العرب، أو كانوا منكرين للحشر الجسماني ومعترفين بالحشر الروحاني كاتباع أرسطو لكان لاستبعادهم وجه بحسب الظاهر. وعندهم تجسد الله وما انفك عنه الأكل والشرب وسائر اللوازم الجسدانية باعتبار أنه إنسان، ولما لم يكن عيسى عليه السلام مرتاضاً مثل يحيى في الاجتناب عن الأطعمة النفسية وشرب الخمر كان المنكرون يطعنون عليه بأنه أكول وشريب كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 887 وعندنا هذا الطعن مردود لكنا نقول إنه لا شك أن عيسى عليه السلام باعتبار الجسمية كان إنساناً فقط، فكما أن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر ما كانا مانعين في حقه عليه السلام عن اللذات الروحانية مع كونه في هذه الدار الدنيا بل كان على حضرته غلبة الأحكام الروحانية، فكذلك اللذات الجسمانية لا تكون مانعة عن اللذات الروحانية لأهل الجنة مع كونهم في النشأة الأخرى. (وأما الجواب عن الأمر الثالث) فيجيء في الباب السادس إن شاء الله لأن الجهاد في مطاعن النبي صلى الله عليه وسلم عندهم من أعظم المطاعن فأذكره في المطاعن هناك. (الشبهة الرابعة) أن القرآن لا يوجد فيه ما يقتضيه الروح ويتمناه. (والجواب) أن ما يقتضيه الروح ويمتناه أمران: الاعتقادات الكاملة والأعمال الصالحة، والقرآن مشتمل على بيان كلا النوعين على أكمل وجه كما عرفت في جواب الشبهة الأولى، ولا يلزم من عدم بعض الأمور التي هي مقتضيات الروح على زعم علماء بروتستنت نقصان القرآن كما لا يلزم نقصان التوراة والإنجيل والقرآن من عدم الأمر الذي هو مقتضى الروح على زعم علماء مشركي الهند من البراهمة، كما سمعت منهم أنهم يقولون إن ذبح الحيوان لأجل الأكل والتلذذ خلاف مقتضى الروح وغير مستحسن عند العقل جداً، ولا يتصور أن يحصل له الإجازة فيه من جانب الله، فالكتاب المشتمل عليه لا يكون من جانب الله. (الشبهة الخامسة) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 888 يوجد في القرآن الاختلافات المعنوية مثلاً، قوله: {لا إكراه في الدين} وقوله في سورة الغاشية: {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} وقوله في سورة النور: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمِّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين} . وهذه الآيات تخالف الآيات التي فيها أمر الجهاد. ووقع في أكثر الآيات أن المسيح إنسان ورسول فقط، ووقع في موضع بضدها أنه ليس من جنس البشر بل منزلته أعلى منه. الأول قوله في سورة النساء: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} والثاني قوله في سورة التحريم: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} وهذان الاختلافان من أعظم الاختلافات في زعم القسيسين ولذا اكتفى عليهما صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الثالث منه. (وأقول) في الجواب عن الاختلاف الأول أن هذا ليس باختلاف، بل هذا الحكم كان قبل الجهاد فلما نزل حكم الجهاد نسخ هذا الحكم، والنسخ ليس باختلاف معنوي وإلا يلزم أن يكون بين الإنجيل والتوراة في جميع الأحكام المنسوخة اختلاف معنوي، وكذا في نفس أحكام التوراة وكذا في نفس أحكام الإنجيل كما عرفت في الباب الثالث بما لا مزيد عليه، على أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 889 قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} ليس بمنسوخ وقد عرفت الجواب عن الاختلاف الثاني في الأمر السابع من مقدمة الكتاب وظهر لك هناك أن القولين المذكورين لا يدلان على أن عيسى بن مريم ليس من جنس البشر وفهم هذا المعنى وهم صرف وظن فاسد، والعجب من هؤلاء العقلاء أنهم لا يرون الاختلافات والأغلاط التي وقعت في كتبهم كما علمت بعضاً منها في الفصل الثالث من الباب الأول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 890 الفصل الثالث: في إثبات صحة الأحاديث النبوية في كتب الصحاح من كتب أهل السنة والجماعة. وهذا الفصل مشتمل على ثلاث فوائد: (الفائدة الأولى) جمهور أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين كانوا يعتبرون سلفاً وخلفاً الروايات اللسانية كالمكتوب، بل جمهور اليهود يعتبرونها اعتباراً أزيد من المكتوب، وفرقة كتلك تعتبرها مساوية له وتعتقد أن كليهما واجبا التسليم وأصلان للإيمان وجمهور بروتستنت من المسيحيين أنكروها كما أنكرها الصادوقيون من فرقة اليهود، وهؤلاء المنكرون من بروتستنت كانوا مضطرين في إنكارها، لأنهم لو لم ينكروها لما أمكن لهم بيان أصول ملتهم وعقائدهم الجديدة، لكنهم مع ذلك يحتاجون إليها في مواضع كثيرة ويوجد سند اعتبارها من كتبهم المقدسة، كما سيظهر لك جميع هذه الأمور إن شاء الله تعالى. قال آدم كلارك في شرح ديباجة كتاب عزرا في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1751: (قانون اليهود كان منقسماً على نوعين، مكتوب ويقولون له التوراة، وغير مكتوب ويقولون له الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بوساطة المشايخ، ويدعون أن الله كان أعطى موسى كلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 891 النوعين على جبل الطور فوصل إلينا أحدهما بواسطة الكتابة وثانيهما بواسطة المشايخ بأن نقلوها جيلاً بعد جيل، ولهذا يعتقدون أن كليهما مساويان في المرتبة ومن جانب الله وواجبا التسليم، بل يرجحون الثاني ويقولون إن القانون المكتوب ناقص مغلق في كثير من المواضع، ولا يمكن أن يكون أصل الإيمان على الوجه الكامل بدون اعتبار الرواية اللسانية، وهذه الرواية واضحة وأكمل، وتشرح القانون المكتوب وتكمله، ولهذا يردون معاني القانون المكتوب إذا كانت مخالفة للروايات اللسانية، واشتهر فيما بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون المكتوب، بل كان لأجل هذه الروايات اللسانية، فكأنهم بهذه الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم، كما أن الرومانيين الكاتوليكيين في ملتهم اختاروا هذه الطريقة ويفسرون كلام الله على حسب هذه الروايات، وإن كان هذا المعنى الروايتي مخالفاً لمواضع كثيرة، ووصلت حالتهم في زمان ربنا إلى مرتبة ألزمهم الرب في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام الله لأجل سنتهم، ومن عهد الرب أفرطوا فيه جداً حتى عظموا هذه الروايات أزيد من المكتوب. وفي كتبهم أن ألفاظ المشايخ أحب من ألفاظ التوراة وألفاظ التوراة بعضها جيدة وبعضها غير جيدة، وألفاظ المشايخ كلها جيدة، وألفاظهم أجود جداً من ألفاظ الأنبياء. ومرادهم بألفاظ المشايخ هذه الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 892 وأيضاً في كتبهم أن المكتوب كالماء ومسنا وطالموت الذين رواياتهم مضبوطة فيهما مثل الخمر ذات الأباريز، وأيضاً في كتبهم أن القانون المكتوب كالملح ومسنا وطالموت مثل الفلفل والأبازير العذبة ومثلها أقوال أخر يعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أزيد من القانون المكتوب ويفهمون كلام الله على ما يفهم شرحه من هذه الروايات فكان القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت والروايات اللسانية بمنزلة الروح الذي به الحياة، ويقولون في كون هذه الروايات أصلاً أن الله لما أعطى موسى التوراة فأعطاه معاني التوراة أيضاً وأمر أن يكتب الأول ويحفظ الثاني ويبلغه بالرواية اللسانية فقط، وهكذا تنقل جيل بعد جيل، ولذلك يطلقون على الأول لفظ القانون المكتوب وعلى الثاني لفظ القانون اللساني، والفتاوى التي تكون مطابقة لهذه الروايات يسمونها قوانين موسى التي حصلت على جبل سيناء ويدعون كما أن موسى حصل له التوراة في الأربعين يوماً التي كانت المكالمة بينه وبين الله على جبل سيناء، فكذلك حصلت له هذه الروايات اللسانية أيضاً وجاء بهما موسى من الجبل وبلغهما إلى بني إسرائيل بأن طلب هارون في الخيمة بعد ما راجع عن الجبل فعلمه القانون المكتوب أولاً ثم الروايات اللسانية التي هي معاني القانون المكتوب كما وجدهما من الله وقام هارون بعد ما تعلم وجلس على يمين موسى ودخل العازار وأيتامار ابنا هارون وتعلما كما تعلم أبوهما، وقال فجلس أحدهما على يسار موسى والآخر على يمين هارون فدخل المشايخ السبعون وتعلموا القانونين وجلسوا في الخيمة، ثم تعلم الناس الذين كانوا مشتاقين للتعلم، ثم قام موسى وقرأ هارون ما تعلم وقام، ثم قرأ العازار وايتامار وقام ثم قرأ المشايخ السبعون ما تعلموا على الناس فسمع كل من هؤلاء الناس هذا القانون أربع مرات وحفظوا حفظاً جيداً ثم أخبر هؤلاء بعد ما خرجوا سائر بني إسرائيل فبلغوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 893 القانون المكتوب بواساطة الكتابة وبلغوا معانيها بالرواية إلى الجيل الثاني، وكانت الأحكام في المتن المكتوب ستمائة وثلاثة عشر فقسموا القانون بحسبها ويقولون إن موسى جمع بني إسرائيل كلهم في أول الشهر الحادي عشر من السنة الأربعين من خروج مصر وأخبرهم بموته، وأمر بأن أحداً إن نسي قولاً من القانون الإلهي الذي وصل بواسطتي إليه يجيء إلي ويسألني وكذلك إن كان لأحد اعتراض على قول من أقوال القانون يجيء إلي لأرفع ذلك الاعتراض وكان مشتغلاً بالتعليم إلى حياته الباقية يعني من أول الشهر الحادي عشر إلى السادس من الشهر الثاني عشر وعن القانون المكتوب وغير المكتوب وأعطى بني إسرائيل من القانون المكتوب ثلاث عشرة نسخة مكتوبة بيده بأن أعطى كل فرقة فرقة نسخة نسخة لتبقى محفوظة فيما بينهم جيلاً بعد جيل، وأعطى بني لاوى نسخة أخرى أيضاً لتبقى محفوظة أيضاً في الهيكل وقرأ القانون الغير المكتوب أعني الروايات اللسانية على يوشع. وصعد على جبل نبو في اليوم السابع من الشهر ومات هناك وفوض يوشع بعد موت موسى هذه الروايات إلى المشايخ وهم فوضوا إلى الأنبياء فكان نبي يوصلها إلى نبي آخر إلى أن أوصل أرمياء إلى باروخ وباروخ إلى عذرا وعذرا إلى مجمع العلماء الذين كان شمعون صادق آخرهم وهو أوصل إلى اينيتي كونوس وهو إلى يوثي بن يختان وهو إلى يوسي بن يوسير وهو إلى نتهان الأريلي ويوشع بن برخيا وهما إلى يهودا بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 894 يحيى وشمعون بن شطاه، وهما إلى شمايا وأبي طليون وهما إلى هلل وهو إلى ابنه شمعون، والمظنون أن شمعون هذا هو شمعون الذي أخذ ربنا المنجي على اليدين إذ جاءت مريم به إلى الهيكل بعد ما تمت أيام تطهيرها وهو أوصل إلى كملئيل ابنه وكملئيل هذا هو الذي تعلم منه بولس وهو أوصل إلى شمعون ابنه وهو إلى كملئيل ابنه وهو إلى شمعون ابنه وهو إلى رب يهودا حق دوش ابنه، وجمع يهودا هذا هذه الروايات في كتاب سماه مسنا انتهى. (ثم قال إن اليهود يعظمون هذا الكتاب تعظيماً بليغاً ويعتقدون أن ما فيه هو كله من جانب الله أوحى إلى موسى على جبل سيناء مثل القانون المكتوب ولهذا هو واجب التسليم مثله ومنذ صنف هذا الكتاب صار رائجاً بينهم رواجاً تاماً بالدرس والتدريس، وكتب عليه علماؤهم الكبار شرحين أحدهما في القرن الثالث في أورشليم والثاني في ابتداء القرن السادس في بابل واسم كل من هذين الشرحين كمرالان، معنى كمرا في اللغة الكمال، وقد حصل التوضيح التام للمتن في هذين الشرحين في ظنهم وإذا جمع الشرح والمتن يقال لهذا المجموع طالموت ويقال للتمييز طالموت أورشليم وطالموت بابل، وكان مذهبهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 895 الرائج الآن كله مندرجاً في هذين الطالموتين اللذين كتب الأنبياء خارجة عنهما ولما كان طالموت أورشليم مغلقاً فلذلك الآن اعتبار طالموت بابل عندهم زائد) انتهى وقال هورن في الباب السابع من الحصة الأولى من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822: (مسنا كتاب مشتمل على روايات اليهود المختلفة وشروح متون الكتب المقدسة، وظنهم في حقه ان الله لما أعطى موسى التورات على جبل طور سيناء أعطاه هذه الروايات أيضاً في ذلك الحين ووصلت من موسى إلى هارون والعازار ويوشع ومنهم إلى الأنبياء الآخرين ومن هؤلاء الأنبياء إلى المشايخ الآخرين وهكذا وصلت من جيل إلى جيل إلى أن وصلت إلى شمعون وهذا شمعون هو شمعون الذي أخذ ربنا المنجي على يديه ووصلت منه إلى كملئيل ومنه إلى يهودا حق دوش أي المقدس وهو جمعها في آخر القرن الثاني بمشقة في أربعين سنة في كتاب، وهذا الكتاب من هذا الوقت بطناً بعد بطن مستعمل في اليهود وكثيراً ما يكون عزة هذا الكتاب زائداً على القانون المكتوب) انتهى. (ثم قال على مسنا شرحان يسمى كل منهما كمرا أحدهما كمر أورشليم الذي كتب في أورشليم على رأي بعض المحققين في القرن الثالث وعلى رأي فادرمون في القرن الخامس والثاني كمرا بابل الذي كتب في القرن السادس في بابل، وكمرا هذا مملوء بالحكايات الواهية لكنه عند اليهود معتبر عظيم ودرسه وتدريسه رائجان فيهم، ويرجعون إليه في كل مشكل مذعنين بأنه مرشد لهم، ويقال كمرا لأن معنى كمرا الكمال، وظنهم أن هذا الشرح كمال التوراة ولا يمكن أن يكون شرح أفضل منه، ولا حاجة إلى شرح آخر، وإذا انضم بالمتن كمرا أورشليم يقال للمجموع طالموت أورشليم وإذا انضم به كمرا بابل يقال للمجموع طالموت بابل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 896 انتهى، فظهر من تحرير هذين المفسرين أربعة أشياء: (الأول) أن اليهود يعتبرون الرواية اللسانية كالتوراة بل كثيراً ما يعظمونها تعظيماً زائداً عليه ويفهمون أنها بمنزلة الروح والتوراة بمنزلة الجسد وإذا كان حال التوراة هكذا فكيف حال الكتب الأخر. (والثاني) أن هذه الروايات جمعها يهودا حق دوش في آخر القرن الثاني وكانت محفوظة بالحفظ اللساني إلى ألف وسبعمائة سنة، ووقع على اليهود في أثناء هذه المدة آفات عظيمة ودواهي جسيمة مثل حادثة بخت نصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 897 وانيتوكس وطيطوس وغيرها بحيث انقطع التواتر في هذه الحوادث وضاعت الكتب كما عرفت في الباب الثاني، ومع ذلك عندهم اعتبارها أزيد من التوراة. (والثالث) أن هذه الروايات في أكثر الطبقات مروية برواية واحد واحد مثل كلمئيل الأول والثاني شمعون الثاني والثالث، وهؤلاء ما كانوا من الأنبياء عند اليهود وكانوا عند المسيحيين من أشد الكفار المنكرين للمسيح ومع ذلك هذه الروايات عند اليهود مبنى الإيمان وأصل العقائد وعندنا الحديث الصحيح المروي برواية الآحاد لا يكون مبنى العقائد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 898 (والرابع) أن كمرا بابل لما كتب في القرن السادس فحكاياته الواهية على قول هورن كانت محفوظة بالرواية اللسانية فقط إلى مدة هي أزيد من ألفين، فإذا عرفت حال اليهود باعتراف محققي فرقة بروتستنت فاعلم الآن حال جمهور القدماء المسيحية. قال يوسي بيس الذي تاريخه معتبر عند علماء كاتلك وبروتستنت في الباب التاسع من الكتاب الثاني من تاريخه المطبوع سنة 1848 في الصفحة 87 في بيان حال يعقوب الحواري (أن كليمنس نقل حكاية قابلة للحفظ في كتابه السابع في بيان حال يعقوب، هذا والظاهر أن كليمنس نقل هذه الحكاية عن الروايات اللسانية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد) . ثم نقل 2 في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الثالث قول أرينيوس في الصفحة 123: (كنيسة أفسس التي بناها بولس وأقام فيها يوحنا الحواري إلى عهد سلطنة ترجان شاهد ذو إيمان لأحاديث الحواريين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 899 ثم نقل 3 في تلك الصفحة قول كلمينس: (اسمعوا في حق يوحنا الحواري حكاية ليست بكاذبة بل هي صادقة محققة بقيت في الصدور محفوظة) ثم قال 4 في الباب الرابع والعشرين من الكتاب الثالث في الصفحة 126: (تلاميذ المسيح مثل الحواريين الاثني عشر والسبعين رسولاً وكثير من أناس آخرين لم يكونوا غير واقفين على الحالات المذكورة) . أي الحالات التي كتبها الإنجيليون (لكن كتبها منهم متى ويوحنا فقط وعلم من الرواية اللسانية أن تحريرهما أيضاً كان لأجل الضرورة) . ثم قال 5 في الباب الثامن والعشرين من الكتاب الثالث في الصفحة 132: (كتب أرينيوس في كتابه الثالث حالاً هو حري بأن يكتب، ووصل إليه هذا الحال من يوليكارب بالرواية اللسانية) . ثم قال 6 في الباب الخامس من الكتاب الرابع في الصفحة 147: (لم أر حال أساقفة أورشليم بالترتيب في كتاب لكنه ثبت بالرواية اللسانية أنهم بقوا مدة قليلة) . ثم قال 7 في الباب السادس والثلاثين من الكتاب الثالث في الصفحة 138: (وصل إلينا بالرواية اللسانية أنهم لما أذهبوا اكناثيوث إلى الروم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 900 ليقتلوه بإلقائه بين أيدي السباع لأجل كونه مسيحياً ومريابشيا في حفاظة العسكريين فقوى الكنائس المختلفة في أثناء الطريق بنصائحه وأقواله وأخبرهم عن البدعات التي كانت منتشرة في تلك الأيام أو كانت حدثت، ووصاهم باللصوق بالروايات اللسانية لصوقاً قوياً واستحسن أيضاً لأجل زيادة الحفظ أن كتب هذه الروايات وأثبت شهادته عليها) . ثم قال 8 في الباب التاسع والثلاثين من الكتاب الثالث في الصفحة 142: (قال بي ببس في ديباجة كتابه اكتب لانتفاعكم جميع الأشياء التي وصلت من المشايخ إلي وحفظتها بعد التحقيق التام ليثبت زيادة تحقيقها بشهادتي عليها لأني ما رضيت من قديم الزمان بسماع الأحاديث من الذين يلغون كثيراً ويعلمون نصائح أخرى أيضاً، بل سمعت الأحاديث من الذين لا يعلمون إلا النصائح الحقة التي هي مروية من ربنا الصادق، ومن لقيته من متبعي المشايخ سألته عن هذا أن اندراوس أو بطرس أو فيلبس أو ثوما أو يعقوب أو متى أو شخص آخر من تلاميذ ربنا أو أرستيون أو القسيس يوحنا مريد ربنا ماذا قال، لأن الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحباء ما حصلتها من الكتب) . ثم قال 9 في الباب الثامن من الكتاب الرابع في الصفحة 151: (هجيسي بوس من مؤرخي الكنيسة مشهور ونقلت عن تأليفاته أشياء كثيرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 901 نقلها عن الحواريين بالروايات اللسانية وكتب هذا المصنف مسائل الحواريين التي وصلت إليه بالرواية اللسانية بعبارة سهلة في خمس كتب) . ثم نقل 10 في الباب الرابع عشر من الكتاب الرابع قول أرينيوس في بيان حال بوليكارت في الصفحة 158: (علم بوليكارت دائماً ما تعلمه من الحواريين وبلغته الكنيسة بالرواية وكانت مسألة صادقة) . ثم نقل 11 في الباب السادس من الكتاب الخامس عن قول أرينوس فهرست أساقفة الروم وقال في الصفحة 201: (الآن إلى تهيروس أسقفها الثاني عشر من السلسلة التي وصل إلينا بواسطتها الصدق والروايات اللسانية من الحواريين) . ثم نقل 12 في الباب الحادي عشر من الكتاب الخامس قول كليمنس في الصفحة 206: (ما كتبت هذه الكتب لطلب الرفعة بل لظن كبرسني ولأن تكون ترياقات لنسياني جمعتها على طريق التفسير كأنها شروح للمسائل الإلهامية التي صرت بها معظماً بعد ما تعلمتها من الصادقين المباركين، ومنهم بوني كوس الذي كان في يونان والثاني الذي كان يقيم في ميكنيا كريشيا كان أحدهما سريانياً والآخر مصرياً وكان الباقون من سكان المشرق كان واحد منهم أشورياً وواحد منهم عبرانياً من أهل فلسطين والشيخ الذي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 902 وصلت آخر إلى خدمته كان مختفياً في مصر وكان أفضل من المشايخ كلهم، وما طلبت شيخاً آخر بعده لأن أحداً ما كان أفضل منه وهؤلاء المشايخ حفظوا الروايات الصادقة التي هي منقولة من بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلاً بعد جيل) . ثم نقل 13 في الباب العشرين من الكتاب الخامس قول أرينيوس في الصفحة 219: (سمعت بفضل الله هذه الأحاديث بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها بالديانة) . ثم قال 14 في الباب الرابع والعشرين من الكتاب الخامس في الصفحة 222: (كتب بولي كراتيس الأسقف رواية وصلت إليه بالرواية اللسانية في كتابه الذي أرسله إلى وكتر وكنيسة الروم) . ثم قال 15 في الباب الخامس والعشرين من الكتاب الخامس في الصفحة 226: (ناركثوس وتهيوفلوس وكاسيوس من أساقفة فلسطين وأسقف كنيسة اسور وأسقف تولمائي كلاروس والأشخاص الآخرون الذين جاؤوا مع هؤلاء الأساقفة قدموا أموراً كثيرة في حق الرواية التي وصلت إليهم في باب عيد الفصح من الحواريين منقولة بالرواية اللسانية جيلاً بعد جيل وكتبوا في آخر الكتاب أن أرسلوا نقوله إلى الكنائس لئلا يبقى للذين يضلون عن الصراط المستقيم سريعاً موضع الفرار) . ثم قال 16 في الباب الثالث عشر من الكتاب السادس في بيان حال كليمنس اسكندريانوس الذي كان من أتباع تابعي الحواريين في الصفحة 246: (أنه قال في كتابه الذي ألف في بيان عيد الفصح أن الأحباء طلبوا مني أن أكتب لنفع الأجيال الآتية، الروايات التي سمعتها من الأساقفة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 903 ثم قال 17 في الباب الحادي والثلاثين من الكتاب السادس في الصفحة 263: (ايفريكاتوس في رسالته التي هي موجودة إلى هذا الحين وكان أرسلها إلى ارستيديس يبين التطبيق بين بياني متى ولوقا في نسب المسيح باعتبار الرواية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد) انتهى كلامه. وعلم من أقواله السبعة عشر أن القدماء المسيحية كانوا يعتبرون الرواية اعتباراً عظيماً وقال جان ملتر كاتلك في كتابه الذي طبع في بلد دربي سنة 1843 في رسالته العاشرة التي أرسلها إلى جيمس برون: (إني كتبت فيما قبل أيضاً أن مبنى إيمان كاتلك ليس كلام الله الذي هو مكتوب فقط بل أعم مكتوباً كان أو غير مكتوب، يعني الكتب المقدسة والروايات اللسانية على ما شرحتهما كنيسة كاتلك به) . ثم قال في تلك الرسالة 2 (أن أرينيوس قال في الباب الخامس من المجلد الثالث من كتابه إنه لا يوجد لطالبي الحق أمر سهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله) . ثم قال في تلك الرسالة 3: (أن أرينيوس قال في الباب الثالث من المجلد الأول من كتابه أن ألسنة الأقوام وإن كانت مختلفة، لكن حقيقة الرواية اللسانية في كل موضع متحدة، كنائس الجرمن ليست مخالفة في التعليم والعقائد لكنائس فرانس وأسبانيا والمشرق ومصر وليبيا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 904 ثم قال في تلك الرسالة 4: (إن أرينيوس قال في الباب الثاني من المجلد الثالث ولما كان تحرير سلاسل الكنائس كلها يفضي إلى التطويل فلذلك نرجع إلى رواية وعقيدة كنيسة الروم التي هي قديمة وعظيمة ومشهورة جداً وبناها بطرس وبولس والكنائس كلها موافقة لها لأن الروايات اللسانية المنقولة عن الحواريين جيلاً بعد جيل كلها محفوظة فيها) . ثم قال في تلك الرسالة 5: (أن أرينيوس قال في الباب الرابع والستين من الكتاب الرابع ولو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا فنقول إنه أما كان لازماً علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالرواية اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وكانوا سلموها للناس الذين سلموها للكنيسة وهذه الروايات هي التي يعمل بحسبها الوحشيون الذين آمنوا بالمسيح بلا استعمال الحروف والمداد) . ثم قال في تلك الرسالة 6: (إن ترتولين قال في كتابه الذي ألفه لرد أهل البدعة وطبع في بلد رهنان في الصفحة 36 و 37: إن عادة أهل البدعة أنهم يتمسكون بالكتب المقدسة ويستدلون ويقولون إنه ليس غير الكتب المقدسة المكتوبة شيئاً قابلاً لأن يجعل مبنى الإيمان، ويقال بحسبه، ويعجزون بهذه الحيلة الأقوياء ويلقون الضعفاء في شبكاتهم، ويوقعون المتوسطين في الشك، ولذا نقول لا تجيزوا هؤلاء أبداً أن يناظروا مستدلين بالكتب المقدسة لأنه لا تترتب على المباحثة التي تكون بالكتب المقدسة فائدة ما غير أن يصير الدماغ والبطن خاليين فلذلك طريقة الرجوع إلى الكتب المقدسة غلط، لأنه لا يحصل انفصال أمر من هذه الكتب، وإن حصل شيء يكون على الوجه الناقص، ولو لم يكن هذا الأمر أيضاً كانت طريقة المباحثة في تلك الصورة أيضاً أن يحقق أولاً أن الكتب المقدسة علاقتها من أي الناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 905 وبلغ أي شخص إلى أي شخص في أي وقت الرواية التي صرنا بسببها مسيحيين، لأن الموضع الذي يوجد فيه أحكام الدين المسيحي وعقائده يوجد فيه صدق الإنجيل ومعانيه وجميع روايات الدين المسيحي التي هي لسانية. ثم قال في تلك الرسالة 7: (إن أرجن قال إنه لا يليق بنا أن نعتبر الناس الذين ينقلون عن الكتب المقدسة ثم يقولون إن الكلام في بيتكم فانظروا فيه لأنه لا يليق بنا أن نترك الرواية الأولى التي في الكنيسة أو نعتقد غير ما بلغ إلينا كنائس الله برواية مسلسلة) . ثم قال في تلك الرسالة 8: كتب باسليوس أن المسائل الكثيرة محفوظة في الكنيسة يوعظ بها أخذت بعضها من الكتب المقدسة وبعضها من الروايات اللسانية وقوتهما في الدين مساوية، ومن كان له وقوف ما على الشريعة العيسوية لا يعترض على هذا) . ثم قال في تلك الرسالة: قال أبي فانيس في كتابه الذي ألفه في مقابلة المبتدعين ولنستعمل الرواية اللسانية لأن جميع الأشياء لا توجد في الكتب المقدسة) . ثم قال في تلك الرسالة 19: (إن كريزاستم صرح في شرح الآية 3 الرابعة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي ظهر من هذا صراحة أن الحواريين لم يبلغوا الأشياء كلها إلينا بواسطة التحرير، بل بلغوا أشياء كثيرة بدون التحرير أيضاً وكلتاهما متساويتان في الاعتبار ولذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 906 فلنلاحظ أن رواية الكنيسة منشأ الإيمان، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائداً عليه) . ثم قال في تلك الرسالة 11: (إن اكستائن كتب في حق الشخص الذي حصل له الاصطباغ من المبتدعين أنه وإن لم يوجد السند التحريري في هذا الباب لكنه فليلاحظ أن هذا الرسم أخذ من الرواية اللسانية لأن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها وهي ليست بمكتوبة) . ثم قال في تلك الرسالة 12: (إن الأسقف وان سنت قال: فليفسر المبتدعون الكتب المقدسة على وفق رواية الكنيسة العامة) انتهى كلامه. وعلم من أقواله الاثني عشر أن الروايات اللسانية مبنى إيمان فرقة كاتلك وكانت معتبرة عند القدماء. وفي الصفحة 64 من المجلد الثالث من كاتلك هرلد: (أورد رب موسى قدسي شواهد كثيرة على أن متن الكلام المقدس لا يفهم بدون معونة الحديث والرواية اللسانية، واقتدى مشايخ كاتلك بهذه القاعدة في كل وقت) . [2] (وقال ترتولين فليرجع لإدراك الشيء الذي علم المسيح الحواريين إلى الكنائس التي بناها الحواريون وعلموها بتحريراتهم ورواياتهم اللسانية انتهى. فعلم من هذه العبارات المذكورة أن اليهود عندهم تعظيم الروايات والأحاديث أزيد من تعظيم التوراة، وأن جمهور القدماء المسيحية مثل كليمنس وأرينيوس وهجيسي بوس وبوليكارب وبولي كراتيس وتاركثوس وتهيوفلوس وكاسيوس وكلاروس وكليمنس اسكندريانوس وايفريكانوس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 907 وترتولين وأرجن وباسلنوس وأبي فانيس وكريزاستم واكستاين وون سنت الأسقف وغيرهم، كانوا يعظمون الروايات اللسانية ويعتبرونها، واكناثيوس كان من وصاياه في آخر عمره التشبث بالروايات اللسانية تشبثاً قوياً، وكليمنس قال في وصف مشايخه إنهم حفظوا الروايات الصادقة المروية عن بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلاً بعد جيل، وأبي فانيس قال الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحياء ما حصلتها من الكتب، وأرينوس قال سمعت الأحاديث بفضل الله بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس، وعادتي من قديم الأيام أني أكررها دائماً بالديانة، وقال أيضاً أنه لا يوجد لطالبي الحق أمر أسهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله، وقال أيضاً لو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا فنقول إنه أما كان لازماً علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين، وارجن وترتولين يلومان على منكري الأحاديث، وباسليوس قال المسائل المأخوذة من الكتب المقدسة والمأخوذة من الأحاديث كلتاهما متساويتان في القوة، وكريزاستم قال كلتاهما متساويتان في الاعتبار ورواية الكنيسة منشأ الإيمان، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائداً عليه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 908 واكستائن صرح أن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها وإنها ليست بمكتوبة، فالإنصاف أن رد الجميع لا يخلو عن تعصب وجهل، ويكذب هذا الأمر إنجيلهم أيضاً في الآية. [1] الرابعة والثلاثين من الباب الرابع من إنجيل مرقس هكذا: (وبدون مثل لم يكن يكلمهم وإما على انفراد، فكان يفسر لتلاميذه كل شيء) ويبعد أن لا يكون هذه التفسيرات كلها أو بعضها مروية، وأن يكون الحواريون محتاجين إلى التفسير ومعاصرونا لا يكونون كذلك. [2] والآية الخامسة والعشرون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا: (وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة، وكلام الإنجيل وإن لم يخل عن المبالغة والغلو لكنه لا شك أن قوله وأشياء أخرى كثيرة يشمل جميع أفعال المسيح معجزات كانت أو غيرها، ويبعد أن لا يكون شيء منها مروياً بالرواية اللسانية) . [3] والآية الخامسة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا: (فاثبتوا إذن أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا) . وقوله سواء كان بالكلام أم برسالتنا، يدل صراحة على أن بعض الأشياء وصلت إليهم بواسطة التحرير وبعضها بالكلام مشافهة، فلا بد أن يكون كلاهما معتبرين عند المسيحيين كما صرح كريزاستم في شرح هذا الموضع على ما عرفت. [4] وفي الآية الرابعة والثلاثين من الباب الحادي عشر من الرسالة الأولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 909 إلى أهل فورنيثوس في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (فأما سائر الأشياء فسأوصيكم بها إذا قدمت إليكم) ومن البين أن هذه الأشياء الباقية أوصاهم بها شفاهاً عندما جاء إليهم وهذه لم تكتب ويبعد أن لا يكون شيء منها مروياً. [5] والآية الثالثة عشر من الباب الأول من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس هكذا: (تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع) . فقوله الذي سمعته مني يدل على أنه سمع بعض الأشياء شفاهاً. [6] والآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة المذكورة هكذا: وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون كفؤاً أن يعلموا آخرين أيضاً) فهنا مقدسهم يأمر تيموثاوس أن يعلم الأناس الأمناء الأحاديث التي سمعها منه، وأن يعلم الأمناء أناساً آخرين فلا بد أن تكون هذه الروايات مروية. (7) وفي آخر الرسالة الثانية ليوحنا هكذا: (إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم بالفم لكي يكون فرحنا كاملاً) . [8] وفي آخر الرسالة الثالثة هكذا: (وكان لي كثير لأكتبه لكنني لست أريد أن أكتب إليك بحبر وقلم ولكنني أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم بالفم) ، فهاتان الآيتان تدلان على أن يوحنا قال في المشافهة أشياء كثيرة على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 910 ما وعد ويبعد أن لا تكون هذه الأشياء كلها أو بعضها مروية برواية. فظهر مما ذكرنا أن من أنكر من فرقة بروتستنت اعتبار الأحاديث مطلقاً في الملة المسيحية فهو إما جاهل أو متعسف عنيد، وقوله مخالف لكتبه المقدسة ولجمهور علمائه من القدماء، وهو داخل في زمرة المبتدعين على قول بعض القدماء، ومع ذلك لا بد له من اعتبارها في كثير من هوسات فرقته مثل أن الابن مساوٍ للأب في الجوهر، وأن الروح القدس منشق من الأب والابن، وأن المسيح ذو طبيعتين وأقنوم واحد، وأنه ذو إرادتين إلهية وإنسانية، وأنه بعد ما مات نزل الجحيم، وغيرها من هوساتهم، مع أن هذه الكلمات لا توجد بعينها في العهد الجديد، وما اعتقدوا هذه الأمور إلا من الأحاديث والتقليدات، وأيضاً يلزم عليه أن ينكر كثير من أجزاء كتبه المقدسة مثل أن ينكر إنجيل مرقص ولوقا وتسعة عشر باباً من كتاب أعمال الحواريين، لأنها كتبت بالروايات اللسانية لا بالمشاهدة ولا بالوحي كما عرفت في الباب الأول، ومثل أن ينكر خمسة أبواب من الخامس والعشرين إلى التاسع والعشرين من سفر الأمثال لأنها جمعت في عهد حزقيا من الروايات اللسانية التي كانت جارية بينهم، وما بين زمان الجمع وموت سليمان عليه السلام مدة مائتين وسبعين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 911 الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور هكذا: هذه أيضاً أمثال سليمان التي استكتبتها أصدقاء حزقيا ملك يهوذا) قال آدم كلارك المفسر في تفسيره المطبوع سنة 1851 ذيل شرح هذه الآية: (يعلم أن في آخر هذا السفر أمثالاً جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية التي كانت جارية من عهد سليمان فجمعوا هذه الأمثال منها وجعلوها ضميمة هذا السفر، ويمكن أن يكون المراد بأحباء حزقيا أشعيا وشنيا وغيرهما من الأنبياء الذين كانوا في ذلك العهد. فتكون تلك الضميمة مثل السفر الباقي سنداً وإلا كيف ضموها بالكتاب المقدس) انتهى، فقوله جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية صريح فيما قلت، وقوله ويمكن أن يكون المراد إلخ، مردود لأنه مجرد احتمال لا يتم على المخالف بدون السند الكامل وليس عنده سند بل يقول احتمالاً ورجماً بالغيب، وقوله كيف ضموها بالكتاب المقدس مردود، لأن اليهود كان عندهم اعتبار الروايات أزيد من اعتبار التوراة، فإذا صارت التوراة سنداً عندهم معتبراً مع أنها جمعت من روايات المشايخ بعد ألف وسبعمائة سنة تقريباً، وكذا صارت قصص كمرا بابل معتبرة مع أنها جمعت بعد ألفي سنة، فأي مانع من اعتبار الأبواب الخمسة التي جمعت بعد مائتين وسبعين سنة، ولقد أنصف بعض المحققين من علماء بروتستنت واعترف أن الروايات اللسانية أيضاً معتبرة مثل المكتوب في الصفحة 63 من المجلد الثاني من كاتلك هرلد هكذا: (إن داكتر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 912 بريت الذي هو من فضلاء بروتستنت قال في الصفحة 73 من كتابه إن هذا الأمر ظاهر من الكتب المقدسة أن الدين العيسوي صار مفوضاً إلى الأساقفة الأولين وتابعي الحواريين بالرواية اللسانية وكانوا مأمورين بأن يحافظوا عليه، ويفوضوه إلى الجيل المتأخر، ولا يثبت من كتاب مقدس سواء كان كتاب بولس أو غيره من الحواريين أنهم كتبوا متفقين أو منفردين جميع الأشياء التي لها دخل في النجاة، وجعلوا قانوناً يفهم منه أنه لا يوجد فيه شيء ضروري له دخل في النجاة غير المكتوب، وقال في الصفحة 32 و 33 من الكتاب المذكور ترى بولس وغيره من الحواريين أنهم كما بلغوا إلينا الأحاديث بواسطة التحرير كذلك بلغوا بواسطة الرواية اللسانية أيضاً والويل للذين لا يحفظونهما، والأحاديث العيسوية في أمر الإيمان سند كالمكتوب، انتهى كلام داكتربريت. وقال أسقف مون نيك: (إن أحاديث الحواريين سند كمكتوباتهم ولا ينكر أحد من بروتستنت أن تقرير الحواريين اللساني أزيد من تحريرهم) وقال جلنك ورتهه: (إن هذا النزاع أن أي إنجيل قانوني وأي إنجيل ليس بقانوني يزول بالرواية اللسانية التي هي قاعدة الإنصاف لكل نزاع) انتهى كلام كاتلك هرلد. وقال القسيس طامس أنكلس كاتلك في الصفحة 180 و 181 من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة 1851: (يشهد أسقف ماني سيك من علماء بروتستنت أن ستمائة أمر قررها الله في الدين وتؤمر الكنيسة بها ويقبل في حقها أن الكتاب المقدس ما بينها في موضع وما عملها) انتهى. فعلى اعتراف هذا الفاضل ستمائة أمر ثبتت بالرواية اللسانية وواجبه التسليم عند فرقة بروتستنت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 913 (الفائدة الثانية) : هذا الأمر ظاهر بالتجربة الصحيحة أن الأمر العجيب أو المهتم بشأنه يكون محفوظاً لأكثر الناس، وخلافه لا يبقى محفوظاً غالباً لعدم الاهتمام، ولذلك إذا سألت الناس الذين لا يكونون متعودين على أكل طعام واحد مخصوص أو أطعمة مخصوصة ماذا أكلتم أمس أو قبل أمس لا يكون محفوظاً لأكثرهم غالباً لعدم الاهتمام بهذا الأمر وعدم كونه عجيباً أو عظيماً وهكذا الحال في أكثر الأفعال العامة، والأقوال العامة وإذا سألت عن حال الكوكب الذي كان من ذوات الأذناب وظهر في شهر صفر سنة 1259 من الهجرة وشهر مارس سنة 1843 من الميلاد وكان ظاهراً في الجو إلى شهر وكان في غاية الطول يكون محفوظاً للكثيرين من ناظريه وإن لم يكن شهر ظهوره، وعامه محفوظين لهم وقد مضت عليه مدة أزيد من إحدى وعشرين سنة وكذلك حال الزلازل العظيمة والمحاربات الشديدة والأمور النادرة، ولما كان اهتمام المسلمين بحفظ القرآن في كل قرن، يوجد فيهم من حفاظ القرآن في هذا العصر أيضاً أزيد من مائة ألف في الديار الإسلامية كلها وإن زالت سلطنة أهل الإسلام من أكثر أقطار الممالك ووقع الفتور في الأمور الدينية في أكبر أقطارهم ومن كان شاكاً في هذا الأمر من المسيحيين فليجرب وليدخل في الجامع الأزهر فقط فيجد في كل وقت أكثر من ألف حافظ من حفاظ القرآن الذين حفظوه بالتجويد التام، ولو تتبع قرى مصر لا يجد قرية من قرى أهل الإسلام تكون خالية عن حفاظ القرآن ووجد كثيراً من البغالين والحمارين من أهل مصر أيضاً حافظين للقرآن، فإن أنصف اعترف البتة أن هؤلاء الحمارين والبغالين فائقون في هذا الباب على البابا والأساقفة والقسوس الذين يوجدون شرقاً وغرباً في هذا الزمان الذي هو زمان شيوع العلم في المسيحيين، فضلاً عن القرون السالفة المسيحية من الجيل السابع إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 914 الجيل الخامس عشر التي كان الجهل فيها بمنزلة شعار العلماء في تلك القرون على اعتراف علماء بروتستنت، وظني أنه لا يوجد في جميع ديار أوربا كلها عشرة من حفاظ الإنجيل أو التوراة أو كليهما بحيث يساوي حفظهم لأحدهما أو لكليهما حفظ هؤلاء البغالين والحمارين للقرآن، وقد عرفت في الفائدة الأولى قول أرينيوس أنه قال: (سمعت بفضل الله هذه الأحاديث بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في قرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها بالديانة) . وقال أيضاً: (ألسنة الأقوام وإن كانت مختلفة لكن حقيقة الرواية اللسانية متحدة في كل موضع، فإن كنائس الجرمن ليست مخالفة في التعليم والعقائد لكنائس فرانس وأسبانيا والمشرق ومصر وليبيا) . وقال وليم ميور في الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة 1848: (القدماء المسيحية ما كان عندهم عقيدة مكتوبة من عقائد الإيمان التي اعتقادها ضروري للنجاة وكانت تعلم للأطفال وللذين كانوا يدخلون في الملة المسيحية تعليماً لسانياً، وهذه العقائد كانت متحدة قرباً وبعداً، ثم لما ضبطوها بالكتابة وقابلوها وجدوها مطابقة وما وجدوا فيها غير الاختلاف القليل اللفظي وما كان فرق في أصل المطلب) انتهى كلامه، فعلم أن الأمر الذي يكون مهتماً بشأنه يكون محفوظاً ولا يتطرق فيه خلل بمرور مدة طويلة، وهذا الأمر ظاهر في القرآن وقد مضت مدة ألف ومائتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 915 وثمانين سنة وهو كما أنه محفوظ بواسطة الكتابة في كل قرن فكذلك محفوظ في كل قرن أيضاً بواسطة صدور ألوف من الرجال، وأكثر فرق المسيحيين في هذا الزمان أيضاً بحيث لو لاحظنا حال كبار علمائهم وخواصهم فضلاً عن عوامهم، وجدناهم أنه لا يحصل لهم تلاوة كتبهم المقدسة، قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء بروتستنت في خاتمة كتابه المسمى بالدليل إلى طاعة الإنجيل المطبوع سنة 1849 في الصفحة 316: (أنني ذات يوم سألت كاهناً) من كهنة كاتلك (أن يجيبني بالصدق عن مطالعة الكتاب المقدس وكم مرة قرأه في مدة حياته فقال إنه كان يقرأ أحياناً وربما جملة أسفار لم يقرأها ولكن منذ اثنتي عشرة سنة لأجل انهماكه في خدمة الرعية لم يبق له فرصة المطالعة فيه، ولا يخلو أن كثيرين من الشعب يعرفون جهالة هؤلاء الاكليرس ولكنهم مع ذلك ينقادون إلى إرشادهم في المنع عن مطالعة الكتب المفيدة التي ترشدهم إليها) انتهى كلامه بلفظه. (الفائدة الثالثة) الحديث الصحيح أيضاً معتبر عند أهل الإسلام على الوجه الذي سنفصله ولما كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) متواتر رواه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 916 اثنان وستون صحابياً منهم العشرة المبشرة. كان أهل الإسلام مهتمين بالأحاديث النبوية من القرن الأول، وكان اهتمامهم في حفظ الأحاديث أزيد من اهتمام المسيحيين كما أن اهتمامهم في حفظ القرآن في كل قرن أشد من اهتمام المسيحيين في حفظ كتبهم المقدسة، لكن الصحابة لم يدونوها في الكتب في عهدهم لبعض الأعذار منها الاحتياط التام لأجل أن لا يختلط كلام الرسول بكلام الله، وتابعو الصحابة كالزهري والربيع بن صبيح وسعيد وغيرهم رحمهم الله شرعوا في تدوينها لكنهم ما كتبوها مرتبة على ترتيب أبواب الفقه، ولما كان هذا الترتيب حسناً ضبط تبع التابعين على هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 917 الترتيب، فالإمام مالك رحمه الله الذي ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة صنف الموطأ في المدينة، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في مكة، وعبد الرحمن بن الأوزاعي في الشام، وسفيان الثوري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 918 في الكوفة، وحماد بن سلمة في البصرة، ثم صنف البخاري ومسلم صحيحيهما واقتصرا فيهما على ذكر الأحاديث الصحيحة وترك غيرها من الضعاف، واجتهد الأئمة المحدثون في أمر الأحاديث اجتهاداً عظيماً وقد صنف فن عظيم الشأن في أسماء الرجال يعلم به حال كل راو من رواة الحديث بأنه كيف كان حاله في الديانة والحفظ، وروى كل من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أحاديث البخاري ثلاثيات تصل بثلاث وسائط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 919 وينقسم الحديث الصحيح إلى ثلاثة أقسام متواتر [1] ومشهور [2] وخبر الواحد [3] فالمتواتر ما نقله جماعة عن جماعة لا يجوز العقل توافقهم على الكذب، مثاله كنقل أعداد ركعات الصلاة ومقادير الزكاة ونحوهما. والمشهور ما كان في عصر الصحابة كأخبار الآحاد ثم اشتهر في عصر التابعين أو عصر تبع التابعين وتلقته الأمة بالقبول في أحد العصرين الأخيرين فصار كالمتواتر، كالرجم في باب الزنا. وخبر الواحد ما نقله واحد عن واحد أو واحد عن جماعة أو جماعة عن واحد، والمتواتر منها يوجب العلم القطعي ويكون إنكاره كفراً، والمشهور يوجب علم الطمأنينة ويكون إنكاره بدعة وفسقاً، وخبر الواحد لا يوجب أحد العلمين المذكورين ويعتبر في العمل لا في إثبات العقائد وأصول الدين. وإذا خالف الدليل القطعي عقلياً كان أو نقلياً يؤول إن أمكن التأويل، وإلا يترك ولا يعمل بالدليل العقلي. والفرق بين الحديث الصحيح والقرآن بثلاثة أوجه: الأول أن القرآن كله منقول بالتواتر كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بدل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 920 ناقلوه لفظاً بلفظ آخر مرادف له، بخلاف الحديث الصحيح لأن نقله بالمعنى أيضاً كان جائزاً للناقل الثقة الماهر بلغة العرب وأسلوب كلامهم، والثاني أن القرآن لما كان كله متواتراً يلزم الكفر بإنكار جملة منه أيضاً بخلاف الحديث الصحيح فإنه لا يلزم الكفر إلا بإنكار قسم منه وهو المتواتر دون المشهور وخبر الواحد، والثالث أن الأحكام تتعلق بألفاظ القرآن ونظمه أيضاً كصحة الصلاة وكون عبارته معجزة، بخلاف الحديث فإنه لا تتعلق الأحكام بألفاظه. وإذا عرفت ما ذكرت في الفوائد الثلاثة تحقق لك أنه لا يلزم من اعتبارنا الحديث الصحيح بالطريق المذكور شيء من القبائح والاستبعادات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 921 الفصل الرابع: في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث. وهي خمس شبهات: (الشبهة الأولى) أن رواة الحديث أزواج محمد صلى الله عليه وسلم وأقرباؤه وأصحابه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه. (والجواب) أن هذه الشبهة ترد عليهم بأدنى تغير بأن يقال إن رواة الحالات المسيحية وأقواله المندرجة في هذه الأناجيل أم عيسى عليهما السلام وأبوه الجعلي يوسف النجاري وتلاميذه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه، وإن قالوا إنه يحتمل أن إيمان أقارب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان لأجل الرياسة الدنيوية، قلت إن هذا الاحتمال ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث عشرة سنة كان في غاية الألم من إيذاء الكفار وأصحابه رضي الله عنهم كانوا أيضاً مبتلين بغاية إيذائهم إلى المدة المذكورة حتى تركوا الأوطان وهاجروا إلى الحبشة والمدينة، ولا يتصور أن يتخيل أحد منهم إلى هذه المدة طمع الدنيا، على أن هذا الاحتمال قائم في الحواريين أيضاً لأنهم كانوا مساكين صيادين، وكانوا سمعوا من اليهود أن المسيح يكون سلطاناً عظيم الشأن، فلما ادعى عيسى بن مريم عليهما السلام أنه هو المسيح الموعود آمنوا به وفهموا أنه يحصل لهم باتباعه المناصب الجليلة، وينجون عن مشقة الشبكة والاصطياد ولما وعدهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 922 عيسى عليه السلام: (بأني إذا جلست على السرير تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر سريراً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر) كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من إنجيل متى. وكذا وعدهم: (أن من ترك لأجلي ولأجل الإنجيل شيئاً يجد مائة ضعف الآن في هذا الزمان ويجد الحياة الأبدية في الدهر الآتي) ، كما هو مصرح به في الباب العاشر من إنجيل مرقس، وكذا وعد بأشياء أخر، فتيقنوا أنهم يصيرون سلاطين يحكم كل منهم على سبط من أسباط إسرائيل وإن فات منهم شيء لأجل اتباعه يحصل لهم في هذه الدنيا بدله مائة ضعف هذا الشيء، ورسخ في أذهانهم هذا الأمر حتى طلب يعقوب ويوحنا ابناً زيدي، أو طلبت أمهما - على اختلاف رواية الإنجيلين - منصب الوزارة العظمى بأن يجلس أحدهما على يمين عيسى عليه السلام والآخر على يساره في ملكوته كما هو مصرح به في الباب العشرين من إنجيل متى، والباب العاشر من إنجيل مرقس، لكنهم لما رأوا أنه لم تحصل لهم السلطنة الخيالية ولا مائة ضعف في هذه الدنيا بل لم يحصل له أيضاً شيء من الدولة الدنياوية وهو مسكين كما كان يخاف من اليهود ويفر من موضع إلى موضع، ورأوا أن اليهود في صدد أن يأخذوه ويقتلوه تنبهوا أن فهمهم كان خطأ والمواعيد المذكورة كسراب يحسبه الظمآن ماء، فرضي واحد منهم بدل هذه السلطنة الخيالية وهذه الأضعاف الموهومة بثلاثين درهماً أخذها من اليهود على شرط تسليمه لهم، وتركه سائرهم حين ما أخذه اليهود وفروا وأنكروه ثلاث مرات، ولعنه أرشد الحواريين وأعظمهم الذي كان مبنى كنيسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 923 وراعي خرافه وخليفته أعني حضرة بطرس، وحلف أني لا أعرفه، وصاروا آيسين مطلقاً من متخيلاتهم بعد ما صلب على زعمهم ثم لما رأوه مرة أخرى بعد القيام رجع رجاؤهم مرة أخرى وظنوا أنهم يصيرون سلاطين في هذه المرة فسألوه مجتمعين في وقت صعوده قائلين: هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل، (كما هو مصرح به في الباب الأول من كتاب الأعمال) وبعد الصعود وقعوا في خيال آخر هو أعظم من السلطنة الدنياوية التي لم تحصل لهم إلى زمان الصعود، وهو أن المسيح ينزل في عهدهم من السماء، وأن القيامة قريبة كما عرفت مفصلاً من الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، وأنه بعد نزوله يقتل الدجال ويحبس الشيطان إلى ألف سنة، وأنهم يجلسون على الأسرة بعد نزوله ويعيشون عيشة مرضية إلى المدة المذكورة في هذه الدنيا، كما يفهم من الباب التاسع عشر والعشرين من كتاب المشاهدات، والآية الثانية من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس ثم يحصل لهم السرور الدائمي في الجنة إلى الأبد عند القيامة الثانية، فلأجل هذه الأمور بالغوا في مدحه وتقرير حالاته كما قال الإنجيلي الرابع في آخر إنجيله، (إن أشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب) ولا شك أنه كذب محض ومبالغة شاعرية قبيحة فكانوا يبالغون بأمثال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 924 هذه الأقوال ليوقعوا السفهاء في شبكاتهم حتى ماتوا غير واصلين إلى مرادهم، فلا اعتبار لشهادتهم في حقه، وهذا التقرير على سبيل الإلزام لا الاعتقاد كما صرحت به مراراً. فكما أن هذا الاحتمال في حق عيسى وحواريه الحقة عليهم السلام ساقط فكذلك احتمالهم في حق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ساقط. وقد يشير القسيسون لأجل تغليط العوام إلى ما يتفوه به الفرقة الإمامية الاثني عشرية في حق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والجواب عنه إلزاماً وتحقيقاً هكذا إما إلزاماً فلأن موشيم المؤرخ قال في المجلد الأول من تاريخه: (إن الفرقة الأبيونية التي كانت في القرن الأول كانت تعتقد أن عيسى عليه السلام إنسان فقط تولد من مريم ويوسف النجار مثل الناس الآخرين وطاعة الشريعة الموسوية ليست منحصرة في حق اليهود فقط، بل تجب على غيرهم أيضاً والعمل على أحكامه ضروري للنجاة. ولما كان بولس ينكر وجوب هذا العمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 925 ويخاصمهم في هذا الباب مخاصمة شديدة كانوا يذمونه ذماً شديداً ويحقرون تحريراته تحقيراً بليغاً انتهى. وقال لاردنر في الصفحة 376 من المجلد الثاني من تفسيره: (إن القدماء أخبرونا أن هذه الفرقة كانت ترد بولس ورسائله) انتهى. وقال بل في تاريخه في بيان هذه الفرقة: (هذه الفرقة كانت تسلم من كتب العهد العتيق التوراة فقط وكانت تنفر من اسم داود وسليمان وأرمياء وحزقيال عليهم السلام، وكان من العهد الجديد عندها إنجيل متى فقط لكنها كانت حرفته في كثير من المواضع وأخرجت البابين الأولين منه) انتهى، وقال في تاريخه في بيان الفرقة المارسيونية: (إن هذه الفرقة كانت تعتقد أن الإله إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وكانت تقول التوراة وسائر كتب العهد العتيق من جانب الإله الثاني وكلها مخالف للعهد الجديد ثم قال إن هذه الفرقة كانت تعتقد أن عيسى نزل الجحيم بعد موته وأنجى أرواح قابيل وأهل سدوم من عذابها لأنهم حضروا عنده وما أطاعوا الإله خالق الشر وأبقى أرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصالحين الآخرين في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 926 الجحيم، لأنهم كانوا خالفوا الفريق الأول. وكانت تعتقد أن خالق العالم ليس منحصراً في الإله الذي أرسل عيسى، ولذلك ما كانت تسلم أن كتب العهد العتيق إلهامية وكانت تسلم من العهد الجديد إنجيل لوقا فقط لكنها ما كانت تسلم البابين الأولين منه وكانت تسلم من رسائل بولس عشرة رسائل لكنها كانت ترد ما كان مخالفاً لخيالها) انتهى. ونقل لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره قول اكستائن في بيان فرقة ماني كبز هكذا: (هذه الفرقة تقول أن الإله الذي أعطى موسى التوراة وكلم الأنبياء الإسرائيلية ليس بإله بل شيطان من الشياطين، وتسلم بكتب العهد الجديد، لكنها تقر بوقوع الإلحاق فيها وتأخذ ما رضيت به وتترك الباقي وترجح بعض الكتب الكاذبة عليها وتقول إنها صادقة البتة) ثم قال لاردنر في المجلد المذكور: (اتفق المؤرخون أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت) . وكتب في أعمال اركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا: (خدع الشيطان أنبياء اليهود، والشيطان كلم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم سراق ولصوص وكانت أخرجت العهد الجديد) انتهى، وهكذا حال الفرق الأخرى، لكني اكتفيت في نقل مذاهب الفرق الثلاثة المذكورة على عدد التثليث وأقول هل تتم أقوال هذه الفرق على علماء بروتستنت أم لا فإن تمت فيلزم عليهم الاعتقاد بهذه الأمور العشرة: [1] أن عيسى عليه السلام إنسان فقط تولد من يوسف النجار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 927 [2] وأن العمل على أحكام التوراة ضروري للنجاة. [3] وأن بولس شرير ورسائله واجبة الرد. [4] وأن الإله إلهان خالق الخير وخالق الشر. [5] وأن أرواح قابيل وأهل سدوم حصل لها النجاة من عذاب جهنم بموت عيسى عليه السلام وأرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصلحاء القدماء معذبة في جهنم بعد موته أيضاً. [6] وأن هؤلاء كانوا مطيعين للشيطان. [7] وأن التوراة وسائر كتب العهد العتيق من جانب الشيطان. [8] وأن الذي كلم موسى والأنبياء الإسرائيلية ليس بإله بل شيطان. [9] وأن كتب العهد الجديد وقع فيها التحريف بالزيادة. [10] وأن بعض الكتب الكاذبة صادقة البتة وإن لم تتم أقوال هذه الفرق عليهم فلا يتم قول بعض الفرق الإسلامية على جمهور أهل الإسلام سيما إذا كان هذا القول مخالفاً للقرآن ولأقوال الأئمة الطاهرين رضي الله عنهم أيضاً كما ستعرف. (1) وإذا عرفت هذا فأقول إن القرآن ناطق بأن الصحابة الكبار رضي الله عنهم لم يصدر عنهم شيء يوجب الكفر ويخرجهم عن الإيمان. 1- قال الله تعالى في سورة التوبة: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} فقال الله في حق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار أربعة أمور: (الأول) رضوانه عنهم (والثاني) رضوانهم عنه   (1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في بعض النسخ هنا زيادة ليست في المطبوعة، وهي: وأما الجواب عنه تحقيقاً فلأن القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه فقوله مردود غير مقبول عندهم. [1] قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه الذي هو من أعظم علماء الإمامية الاثني عشرية في رسالته الاعتقادية: (اعتقادنا في القرآن أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة وعندنا الضحى وألم نشرح سورة واحدة ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب) انتهى. [2] وفي تفسير مجمع البيان الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة: (ذكر السيد الأجل المرتضى علم الهدى ذو المجد أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعاً مؤلفاً على ما هو الآن واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات، وكل ذلك بأدنى تأمل يدل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير منشور ولا مبثوث، وذكر أن من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته) انتهى. [3] وقال السيد المرتضى أيضاً: (إن العلم بصحة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وبلغت حداً لم تبلغ إليه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية حتى عرفوا كل شيء فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد) انتهى. [4] وقال القاضي نور الله الشوستري الذي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمى بمصائب النواصب: "ما نسب إليه الشيعة الإمامية بوقوع التغير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم" انتهى. [5] وقال الملا صادق في شرح الكليني: (يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به) انتهى. [6] وقال محمد بن الحسن الحر العاملي الذي هو من كبار المحدثين في الفرقة الإمامية في رسالة كتبها في رد بعض معاصريه: "هركسيكه تتبع أخبار وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني ميداندكه قرآن درغايه وأعلى درجة تواتر بوده وآلاف صحابة حفظ ونقل ميكردندآن راودر عهد رسول خدا صلى الله عليه وسلم مجموع ومؤلف بود) انتهى. فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الإمامية الاثني عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، وأنه كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة وجماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر رضي الله عنه والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغير. فقولهم مردود ولا اعتداد بهم فيما بينهم، وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته وهو حق لأن خبر الواحد إذا اقتضى علماً ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده، على ما صرح ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى (بمبادئ الوصول إلى علم الأصول) ، وقد قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} . في تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة (أي إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان) . انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 928 (والثالث) تبشيرهم بالجنة (والرابع) وعد خلودهم فيها، ولا شك أن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين رضي الله عنهم من السابقين الأولين من المهاجرين، كما أن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه منهم فثبت لهم هذه الأمور الأربعة وثبت صحة خلافتهم، فقول الطاعن في الثلاثة رضي الله عنهم مردود، كما أن قول الطاعن في حق الرابع رضي الله عنه مردود. 2- وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضاً: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} فقال الله في حق المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أربعة أمور: (الأول) كون درجتهم أعظم عند الله (والثاني) كونهم فائزين بمرادهم (والثالث) كونهم مبشرين بالرحمة والرضوان والجنات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 929 (والرابع) خلودهم في الجنات أبداً، وأكد الأمر الرابع غاية التأكيد بثلاث عبارات أعني قوله مقيم، وقوله خالدين فيها أبداً، وقوله [أجر عظيم] ، ولا شك أن الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم من المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، كما أن علياً رضي الله عنه منهم فثبت لهم الأمور الأربعة. 3- وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضاً: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون، أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم} فقال الله في حق المؤمنين المجاهدين أربعة أمور: (الأول) كون الخيرات لهم (والثاني) كونهم مفلحين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 930 (والثالث) وعد الجنات (والرابع) خلودهم فيها. ولا شك أن الثلاثة رضي الله عنهم من المؤمنين المجاهدين فثبت هذه الأمور الأربعة لهم. 4- وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضاً: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} فوعد الله الجنة للمؤمنين المجاهدين وعداً موثقاً وذكر تسعة أوصاف لهم فثبت أنهم كانوا كذلك ويفوزون بالجنة. 5- وقال الله في سورة الحج: {الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللَّه عاقبة الأمور} فقوله الذين إن مكناهم صفة لمن تقدم وهو قوله الذين أخرجوا، فيكون المراد به المهاجرين لا الأنصار لأنهم ما أخرجوا من ديارهم فوصف الله المهاجرين بأنه إن مكنهم في الأرض وأعطاهم السلطنة أتوا بالأمور الأربعة وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن قد ثبت أن الله مكن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم في الأرض، فوجب كونهم آتين بالأمور الأربعة، وإذا كانوا كذلك ثبت كونهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 931 على الحق، وفي قوله لله عاقبة الأمور دلالة على أن الذي تقدم ذكره من تمكينهم في الأرض كائن لا محالة، ثم إن الأمور ترجع إلى الله تعالى بالعاقبة فإنه هو الذي لا يزول ملكه. 6- وقال الله تعالى في سورة الحج: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} فسمى الله في هذه الآية الصحابة بالمسلمين. 7- وقال الله تعالى في سورة النور: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} ولفظ "من" في قوله منكم للتبعيض وكم ضمير الخطاب فيدلان على أن المراد بهذا الخطاب بعض المؤمنين الموجودين في زمان نزول هذه السورة لا الكل، ولفظ الاستخلاف يدل على أن حصول ذلك الوعد يكون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا نبي بعده لأنه خاتم الأنبياء، فالمراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة، والضمائر الراجعة إليهم في قوله ليستخلفنهم إلى قوله لا يشركون وقعت كلها على صيغة الجمع، والجمع حقيقة لا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 932 محمولاً على أقل من ثلاثة، فتدل على أن هؤلاء الأئمة الموعود لهم لا يكونون أقل من ثلاثة وقوله ليمكنن لهم إلى آخره وعد لهم بحصول القوة والشوكة والنفاذ في العالم فيدل على أنهم يكونون أقوياء ذوي شوكة، نافذ أمرهم في العالم، وقوله دينهم الذي ارتضى لهم يدل على أن الدين الذي يظهر في عهدهم هو الدين المرضي لله وقوله ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يدل على أنهم في عهد خلافتهم يكونون آمنين غير خائفين، ولا يكونون في الخوف والتقية، وقوله يعبدونني لا يشركون بي شيئاً يدل على أنهم في عهد خلافتهم أيضاً يكونون مؤمنين لا مشركين. فدلت الآية على صحة إمامة الأئمة الأربعة رضي الله عنهم سيما الخلفاء الثلاثة أعني أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين رضي الله عنهم، لأن الفتوحات العظيمة والتمكين التام وظهور الدين والأمن الذي كان في عهدهم لم يكن في عهد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لاشتغاله بمحاربة أهل الصلاة في عهده الشريف، فثبت أن ما يتفوه به الشيعة في حق الثلاثة رضي الله عنهم أو الخوارج في حق عثمان وعلي رضي الله عنهما قول غير قابل للالتفات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 933 8- وقال الله تعالى في سورة الفتح في حق المهاجرين والأنصار الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليماً} فقال في حقهم أربعة أمور: (الأول) إنهم شركاء للرسول في نزول السكينة. (والثاني) إنهم مؤمنون. (والثالث) إن كلمة التقوى لازمة غير منفكة عنهم. (والرابع) إنهم كانوا أحق بكلمة التقوى وأهلها، ولا شك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في هؤلاء المهاجرين فثبت لهما ولسائرهم هذه الأمور الأربعة، ومن اعتقد في حقهم غير هذه فعقيدته باطلة مخالفة للقرآن. 9- وقال الله تعالى أيضاً في سورة الفتح: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، سيماهم في وجوههم من أثر السجود} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 934 فمدح الصحابة بكونهم أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم وكونهم راكعين، وساجدين، ومبتغين فضل الله ورضوانه، فمن اعتقد من مدعي الإسلام في حقهم غير هذا فهو مخطئ. 10- وقال الله تعالى في سورة الحجرات: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} . فعلم أن الصحابة كانوا محبي الإيمان كارهي الكفر والفسق والعصيان وكانوا راشدين، فاعتقاد ضد هذه الأشياء في حقهم خطأ. 11- وقال الله تعالى في سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} . فمدح الله المهاجرين والأنصار بستة أوصاف: (الأول) أن هجرة هؤلاء المهاجرين ما كانت لأجل الدنيا بل كانت لأجل ابتغاء مرضات الله. (والثاني) أنهم كانوا ناصرين لدين الله ورسوله. (والثالث) أنهم كانوا صادقين قولاً وفعلاً. (والرابع) أن الأنصار كانوا يحبون من هاجر إليهم. (والخامس) إنهم كانوا يسرون إذا حصل شيء للمهاجرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 935 (والسادس) أنهم كانوا يقدمونهم على أنفسهم مع احتياجهم، وهذه الأوصاف الستة تدل على كمال الإيمان ومن اعتقد في حقهم غير هذا فهو مخطئ وهؤلاء الفقراء من المهاجرين كانوا يقولون لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة رسول الله والله يشهد على كونهم صادقين فوجب أن يكونوا صادقين في هذا القول أيضاً ومتى كان الأمر كذلك وجب الجزم بصحة إمامته. 12- وقال الله تعالى في سورة آل عمران: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 936 فمدح الله الصحابة بثلاثة أوصاف: (الأول) أنهم خير أمة. (والثاني) أنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. (والثالث) أنهم كانوا مؤمنين بالله، وهكذا الآيات الأخر لكني لخوف التطويل أكتفي على اثني عشر موضعاُ على عدد الحواريين لعيسى عليه السلام وعدد الأئمة الطاهرين الاثني عشر رضي الله عنهم أجمعين. وأنقل خمسة أقوال من أقوال أهل البيت عليهم السلام على عدد الخمسة الطاهرين عليهم السلام. -[1] في نهج البلاغة الذي هو كتاب معتبر عند الشيعة قول علي رضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 937 الله عنه هكذا: (للَّه در فلان فلقد 1: قوم الأود، 2: وداوي العمد، 3: وأقام السنة، 4: وخلف البدعة، 5: ذهب نقي الثوب، 6: قليل العيب، 7: أصاب خيرها، 8: وسبق شرها، 9: أدى إلى الله طاعته، 10: واتقاه بحقه رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيه الضال ويستيقن المهتدي) انتهى. والمراد بفلان على مختار أكثر الشارحين منهم البحراني، أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعلى مختار بعض الشارحين عمر الفاروق رضي الله عنه، فذكر علي رضي الله عنه عشرة أوصاف من أوصاف أبي بكر أو عمر رضي الله عنه فلا بد من وجودها، ولما ثبتت هذه الأوصاف له بعد مماته بإقرار علي رضي الله عنه فما بقي في صحة خلافته شك. -[2] وفي كشف الغمة الذي هو تصنيف علي بن عيسى الأردبيلي الاثني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 938 عشري الذي هو من الفضلاء المعتمدين عند الإمامية (سئل الإمام جعفر عليه السلام عن حلية السيف هل يجوز، فقال: نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، فقال الراوي: أتقول هكذا، فوثب الإمام عن مكانه فقال: نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق - فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة) . فثبت بإقرار الإمام الهمام أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صديق حق، منكره كاذب في الدنيا والآخرة. -[3] ووقع في بعض مكاتيب علي رضي الله عنه على ما نقل شارحو نهج البلاغة في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هكذا: (لعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لحرج في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما الله بأحسن ما عملا) . -[4] ونقل صاحب الفصول الذي هو من كبار علماء الإمامية الاثني عشرية عن الإمام الهمام محمد الباقر رضي الله عنه هكذا: (إنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان ألا تخبروني أنتم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 939 وينصرون الله ورسوله. قالوا: لا - قال: فأنتم من الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم. قالوا: لا - قال: أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} . فالخائض في الصديق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم خارج عن الفرق الثلاث الذين مدحهم الله بشهادة الإمام الهمام رضي الله عنه. وفي التفسير المنسوب إلى الإمام الهمام الحسن العسكري رضي الله عنه وعن آبائه الكرام: (إن الله أوحى إلى آدم ليفيض على كل واحد من محبي محمد وآل محمد وأصحاب محمد ما لو قسمت على كل عدد ما خلق الله من طول الدهر إلى آخره وكانوا كفاراً لأداهم إلى عاقبة محمودة وإيمان بالله حتى يستحقوا به الجنة. وإن من يبغض آل محمد وأصحابه أو واحداً منهم يعذبه الله عذاباً لو قسم على مثل خلق الله لأهلكهم أجمعين) . فعلم أن المحبة ما يكون بالنسبة إلى الآل والأصحاب رضي الله عنهم لا بالنسبة إلى أحدهما وإن بغض واحد من الآل والأصحاب كاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 940 للهلاك. نجانا الله من سوء الاعتقاد في حق الصحابة والآل رضوان الله عليهم أجمعين وأماتنا على حبهم، ونظراً إلى الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة اتفق أهل الحق على وجوب تعظيم الصحابة رضي الله عنهم. (الشبهة الثانية) أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الحالات المحمدية والمعجزات الأحمدية بأعينهم وما سمعوا أقوال محمد صلى الله عليه وسلم منه بلا واسطة بل سمعوها بالتواتر بعد مائة سنة أو مائتي سنة من وفاة محمد صلى الله عليه وسلم وجمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار. (والجواب) قد عرفت في الفصل الثالث أن الرواية اللسانية معتبرة عند جمهور أهل الكتاب واعتبارها ثابت من هذا الإنجيل المتداول، وأن فرقة بروتستنت تحتاج إلى اعتبارها في أمور كثيرة هي على إقرار (ماني سيك) الأسقف بمقدار ستمائة، وأن خمسة أبواب من سفر الأمثال جمعت من الروايات اللسانية، في عهد حزقيا بعد مدة مائتين وسبعين سنة من موت سليمان عليه السلام، وأن إنجيل مرقس ولوقا وتسعة عشر باباً من كتاب الأعمال كتبت بالرواية اللسانية وأن الأمر المهتم بشأنه يكون محفوظاً ولا يتطرق فيه خلل بمرور مدة، وأن التابعين كانوا شرعوا في تدوين الأحاديث في الكتب لكنهم دونوها على غير ترتيب أبواب الفقه، وأن طبقة تبع التابعين دونوها على ترتيبها، ثم إن البخاري وباقي مؤلفي الكتب الصحاح اقتصروا على ذكر الأحاديث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 941 الصحيحة وتركوا الضعاف وروى كل من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد صُنف في أسماء الرجال فن عظيم الشأن يعلم به حال كل راوٍ من رواة الحديث، وكذا قد عرفت أن أهل الإسلام كيف يعتبرون الحديث الصحيح فلا يرد عليهم شيء، وقولهم سمعوها بالتواتر وأسقطوا مقدار النصف لعدم الاعتبار غلط لأنهم ما أسقطوا لعدم الاعتبار حديثاً من الأحاديث التي سمعوها بالتواتر لأن الحديث المتواتر عندهم واجب الاعتبار، نعم تركوا الضعاف التي لم تكن أسانيدها كاملة وتركها لا يضر كما قد عرفت. في الباب الثاني من قول آدم كلارك: (إن هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الكاذبة الغير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية وكان (ثابري سيوس جمع) هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاث مجلدات) انتهى. (الشبهة الثالثة) إن كل عاقل إذا ترك التعصب علم أن أكثر الأحاديث لا يمكن أن يكون معانيها صادقة مطابقة لما في نفس الأمر. (والجواب) لا يوجد في الأحاديث الصحيحة شيء يكون مضمونه ممتنعاً عند العقل، وأما بعض المعجزات التي هي خلاف العادة، وبعض أحوال الجنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 942 والجحيم والملائكة التي لا يوجد لها نظائر في هذه الدنيا فإن كان استبعادهم لها لأجل أنها ممتنعة بالبرهان فعليهم ذكر هذا البرهان وعلينا جوابه، وإن كان لأجل أنها خلاف العادة أو لا يوجد لها نظائر في هذا العالم فلا يضرنا لأن المعجزة لو كانت على مجرى العادة لا تكون معجزة، أليس صيرورة العصا ثعباناً وابتلاعها جميع تنانين السحرة ثم صيرورتها كما كانت بلا زيادة حجم، وهكذا جميع معجزات موسى عليه السلام على خلاف مجرى العادة، وقياس العالم الآخر على هذا العالم قياس مع الفارق، نعم لو قام البرهان القطعي على امتناع شيء يقطع بامتناعه في العالم الآخر أيضاً، وبدون قيام البرهان، لا يتجاسر على إنكاره في العالم الآخر، ألا يرون إلى اختلاف أحوال الأقاليم فإن بعض الأشياء توجد في بعض دون بعض، فمن كان من إقليم وسمع حال بعض الأشياء العجيبة المختصة بإقليم آخر يستبعد، بل كثيراً ما ينكر بشرط أن لا يكون سماعه بالتواتر. وقد يكون بعض الأمور مستبعدة في بعض الأحيان دون بعض كما أن قطع هذه المسافة البحرية بهذه السرعة التي تقطع بالمراكب الدخانية، أو البرية التي تقطع بالعربيات الدخانية كان من المستبعدات عند الناس قبل إيجاد المراكب الدخانية، والعربيات الدخانية وكذا وصول الخبر في دقيقة أو دقيقتين إلى مسافة بعيدة بواسطة السلك المعروف كان من المستبعدات قبل إيجاده وما بقيت مستبعدة بعد اختراع هذه الأشياء وامتحانها. لكن الإنصاف أن عادة المنكرين أنهم يغمضون عين الإنصاف ويحكمون على كل شيء يرى مستبعداً في آرائهم أنه محال، وتعلم علماء بروتستنت هذه العادة من أبناء صنفهم الذين يسمونهم الملاحدة، لكن العجيب من هؤلاء العلماء أنهم لا يرون أن كتبهم مملوءة بالأغلاط الصريحة كما نقلت بعضها على سبيل الأنموذج في الفصل الثالث من الباب الأول وأنهم ما تنبهوا باستبعادات أبناء صنفهم وعاملوا المسلمين بما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 943 عاملتهم أبناء صنفهم وقد كانت استبعادات أبناء صنفهم غالباً أقوى من استبعاداتهم الناقصة، وأنا أنقل بعض المواضع من المواضع التي يستهزؤون بها ويستبعدونها.. مثلاً: [1] وقع في الباب الثاني والعشرين من كتاب العدد هكذا: 28: (ففتح الرب فم الأتانة وقالت لبلعام: ما الذي فعلت بك هذه ثلاث مرات قد ضربتني) 29: (فقال بلعام للأتان: لأنك استأهلت ذلك مني إلخ) 30: (فقالت الأتانة لبلعام: لست أنا أتانك التي تركب منذ كنت غلاماً إلى يومك هذا فهل فعلت بك مثل هذا فقال: لا) . قال هورن في الصفحة 636 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822: (إن الكفار من زمان قليل يستهزؤون بتكلم أتان بلعام) انتهى. [2] ووقع في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول أن الغربان 2 كانت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 944 تجيب اللحم والخبز لإلياء الرسول إلى مدة وهذا الأمر ضحكة عند أبناء صنفهم حتى مال محققهم المشهور هورن إلى رأيهم وسفه مفسريهم ومترجميهم بوجوه ثلاثة كما عرفتها في الفصل الثالث من الباب الأول. [3] ووقع في الباب الرابع من كتاب حزقيال هكذا وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: [4] : (وأنت تنام على جانبك الأيسر وتجعل آثام بيت إسرائيل عليها على عدد أيام ترقد عليها وتتخذ إثمهم [5] أما أنا أعطيتك سني آثامهم على عدد أيام ثلثمائة وتسعين يوماً وتحمل إثم آل إسرائيل) 6: (ثم إذا كملت هذا تنام على جانبك اليمين ثانية وتتخذ إثم آل يهوذا أربعين يوماً إن يوماً عوض سنة جعلته لك) 7: (وتقبل بوجهك إلى محاصرة أورشليم وذراعك تكون مشدودة وتبني عليها) 8: (هوذ شددتك بوثاق ولا تلتفت من جانبك إلى الجانب الآخر حتى تتم أيام محاصراتك) 9: (وأنت خذ لك حنطة وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وجاروس وتجعلهن في إناء واحد وتخبز لك خبزاً على عدد الأيام التي ترقد فيها على جانبك ثلثمائة وتسعين يوماً تأكله) 10: (وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن عشرين مثقالاً في كل يوم من وقت إلى وقت تأكله) 11: (وتشرب ماء بمقدار السدس من القسط من وقت إلى وقت تشربه) 12: (وكخبز ملة من شعير تأكله وتلطخه بزبل يخرج من الإنسان في عيونهم) . فأمر الله حزقيال عليه السلام بثلاثة أحكام: (الأول) أن يرقد على جانبه الأيسر ثلثمائة وتسعين يوماً ويحمل إثم آل إسرائيل ثم يرقد على جانبه الأيمن أربعين يوماً ويحمل إثم آل يهوذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 945 (والثاني) أن يقبل بوجهه إلى محاصرة أورشليم ويكون ذراعه مشدودة ولا يلتفت من جانب إلى جانب آخر حتى تتم أيام المحاصرة. (والثالث) أن يأكل إلى ثلثمائة وتسعين يوماً خبزاً ملطخاً ببراز الإنسان وأبناء صنفهم يستهزئون بهذه الأحكام ويستبعدون أن تكون من جانب الله، ويقولون إنها واهية بعيدة عن العقل ولا يأمر الله أن يأكل نبيه المقدس إلى مدة ثلثمائة وتسعين يوماً خبزاً ملطخاً ببراز الإنسان، أما كان الإدام غير هذا، إلا أن يقال إن البراز في حق الطاهرين يكون طاهراً كما يفهم من ظاهر كلام مقدسهم بولس في الآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى تيطس، على أن الله قد أخبر بواسطته (إن النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب والأب لا يحمل إثم الابن، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه) كما هو مصرح به في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتابه، فكيف أمره أن يحمل آثام إسرائيل ويهوذا إلى أربعمائة وثلاثين يوماً. [4] ووقع في الباب العشرين من كتاب أشعيا أن الله أمره ان يكون عرياناً حافياً إلى ثلاث سنين ويمشي على هذه الحالة وأبناء صنفهم يستهزئون بهذا الحكم ويقولون استهزاءً، يأمر الله نبيه الذي يكون في قيد العقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 946 ولا يكون مجنوناً أن يمشي مكشوف العورة الغليظة بين النساء والرجال إلى ثلاث سنين. [5] ووقع في الباب الأول من كتاب هوشع أن الله أمره أن يأخذ لنفسه زوجة زانية وأولاد الزنا، ثم وقع في الباب الثالث من الكتاب المذكور أن يتعشق بامرأة فاسقة محبوبة لزوجها، وقد وقع في الآية الثالثة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر الأحبار هكذا: (ولا يتزوج الكاهن إلا امرأة عذراء ولا يتزوج أرملة ولا مطلقة ولا منجسة بالزنا فلا يتزوج من هؤلاء البتة بل يتزوج عذراء من قومه) . وفي الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: (كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه) فكيف أمر الله نبيه بما ذكر، وهكذا استبعادات أخر فمن شاء فليرجع إلى كتب أبناء صنفهم. (الشبهة الرابعة) الأحاديث الكثيرة مخالفة للقرآن لأنه وقع في القرآن أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما ظهر منه معجزة وفي الأحاديث أنه صدر منه معجزات كثيرة وأنه وقع في القرآن أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان مذنباً، وفي أكثر الأحاديث أنه كان معصوماً، وأنه وقع في القرآن أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان في الابتداء في الجهل والضلالة كقوله في سورة الضحى: {ووجدك ضالاً فهدى} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 947 وكقوله في سورة الشورى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا} وفي الأحاديث أنه تولد في الإيمان ولذلك ظهرت منه معجزات كثيرة. هذا غاية جهدهم في إثبات المخالفة بين القرآن والأحاديث. (والجواب) أن الأمرين الأولين لما كانا من أعظم مطاعن النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أتعرض لهما في الباب السادس في المطاعن وأجيب عنهما هناك فانتظر. (والجواب عن الثالث) أن الضال في الآية الأولى ليس المراد به الضال عن الإيمان ليكون بمعنى الكافر فيرد اعتراضهم بل في تفسير هذه الآية وجوه: (الأول) ما روي مرفوعاً أنه عليه الصلاة والسلام قال ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي ضائع وكاد الجوع يقتلني فهداني الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 948 (والثاني) أن معناها وجدك ضالاً عن شريعتك أي لا تعرفها إلا بإلهام أو وحي فهداك إليها تارة بالوحي الجلي وأخرى بالخفي وهو مختار البيضاوي والكشاف والجلالين. في البيضاوي ووجدك ضالاً عن علم الحكم والأحكام فهدى، فعلمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر وجاء بهذا المعنى في حق موسى عليه السلام أيضاً في قوله تعالى: {فعلتها إذاً وأنا من الضالين} . (والثالث) أنه يقال ضل الماء في اللبن إذ صار مغموراً، فمعنى الآية كنت مغموراً بين الكفار بمكة فقواك الله تعالى حتى أظهرت دينه. وجاء بهذا المعنى في قوله تعالى: {أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد} . (والرابع) أن معناها كنت ضالاً عن النبوة ما كنت تطمع ولا خطر شيء في قلبك منها، فإن اليهود والنصارى كانوا يزعمون أن النبوة في بني إسرائيل فهديتك إلى النبوة التي ما كنت تطمع فيها البتة. (والخامس) أن معناها وجدك ضالاً عن الهجرة لعدم نزول الإذن فهداك بالإذن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 949 (والسادس) أن العرب تسمي الشجرة في الفلاة ضالة كأنه تعالى يقول كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان إلا أنت فأنت شجرة فريدة في مفازة الجهل فوجدتك ضالاً فهديت بك الخلق ونظيره قوله عليه السلام الحكمة ضالة المؤمن. (والسابع) أن معناها وجدك ضالاً عن القبلة فإنه كان يتمنى أن تجعل الكعبة قبلة له وما كان يعرف أن ذلك يحصل له أم لا فهدى الله بقوله: {فلنولينك قبلة ترضاها} فكأنه سمى ذلك التحير بالضلال. (والثامن) الضلال بمعنى المحبة كما في قوله تعالى: {إنك لفي ضلالك القديم} أي محبتك ومعناه أنك محب فهديتك إلى الشرائع التي بها تتقرب إلى خدمة محبوبك. (والتاسع) أن معناها وجدك ضالاً أي ضائعاً في قومك كانوا يؤذونك ولا يرضون بك رعية فقوى أمرك وهداك إلى أن صرت والياً عليهم.. (والعاشر) أن معناها ما كنت تهتدي على طريق السماوات فهديتك إذ عرجت بك إليها ليلة المعراج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 950 (والحادي عشر) أن معناها وجدك ضالاً أي ناسياً فهدى أي ذكرك وذلك أنه ليلة المعراج نسي ما يجب أن يقال بسبب الهيبة فهداه الله تعالى إلى كيفية الثناء حتى قال لا أحصي ثناء عليك وجاء الضلال بهذا المعنى في قوله تعالى: {أن تضل إحداهما} . (والثاني عشر) قال الجنيد قدس سره: وجدك متحيراً في بيان ما أنزل عليك فهداك لبيانه لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} ويؤيده قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه} وقوله عز وجل: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 951 وعلى كل تقدير لا تمسك لهم بهذه الآية ويجب تفسير الآية بالوجوه التي ذكرتها وبأمثالها التي ذكرها المفسرون لقوله تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} إذ المراد به نفي الضلالة والغواية في أمور الدين بلا شبهة ومعناه ما كفر ولا أقل من ذلك فما فسق. والمراد في الآية الثانية بالكتاب القرآن وبالإيمان تفاصيل شرائع الإسلام. ومعنى الآية ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا الفرائض والأحكام، وهذا حق لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الوحي مؤمناً بتوحيد الرب إجمالاً وما كان عارفاً بتفاصيل الإسلام بل صار عارفاً بعد الوحي أو المراد بالإيمان الصلاة كما في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم فمعنى الآية ما كنت تدري ما الكتاب أي القرآن ولا الإيمان أي الصلاة وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عالماً بكيفية هذه الصلاة المشروعة في ملته قبل النبوة أو المراد بالإيمان أهل الإيمان على حذف المضاف أي ما كنت تدري ما الكتاب ومن أهل الإيمان يعني من الذي يؤمن بك. وحذف المضاف كثير في كتبهم المقدسة أيضاً، الآية الثانية والعشرون من الزبور الثامن والسبعين هكذا: (من أجل ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 952 سمع الرب فغضب واشتعلت النار في يعقوب وطلع السخط على إسرائيل) . وفي الآية الرابعة من الباب السابع عشر من كتاب أشعيا هكذا: (يضعف مجد يعقوب ويهزل سمن جسمه) . وفي الباب الثالث والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: 22: (لا دعوتني يعقوب ولن تتعب لأجلي إسرائيل) 28: (فنجست الرؤساء القديسين وجعلت يعقوب قتلاً وإسرائيل تجديفاً) . وفي الباب الثالث من كتاب أرمياء هكذا: 6: (وقال لي الرب في أيام يوسيا الملك هل رأيت ما فعلته معاصية إسرائيل انطلقت لنفسها إلى كل جبل رفيع وتحت كل شجرة مورقة وزنت هناك) 7: (فقلت بعد ما فعلت هذه جميعها ارجعي إلي ولم ترجع فرأت أختها يهوذا الفاجرة) 8: (لأن من أجل أن زنت إسرائيل المعاصية فأنا طلقتها ودفعت إليه كتاب طلاقها فلم تخف يهوذا أختها الفاجرة بل ذهبت وزنت هي أيضاً) 11: (وقال لي الرب قد بررت نفسها إسرائيل المعاصية بمقابلة يهوذا الفاجرة) 12: (ارجعي يا إسرائيل المعاصية) وفي الباب الرابع من كتاب هوشع هكذا: 15: (إن كنت يا إسرائيل أنت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 953 تزني فلا يأثم يهوذا) إلخ 16: (لأن إسرائيل كبقرة شاغبة) إلخ 17: (صاحب الأوثان إفرام) إلخ وفي الباب الثامن من كتاب هوشع هكذا: 3: (أرذل إسرائيل الخير) إلخ 8: (ابتلع إسرائيل الآن صار في الأمم كإناء نجس إفرام أكثر مذابح للخطية) إلخ، (ونسي إسرائيل خالقه) إلخ. ففي هذه العبارات يجب حذف المضاف وإلا يلزم والعياذ بالله أن يكون يعقوب عليه السلام مغضوباً عليه وضعيف المجد وغير داع لله وقتلاً وتجديفاً ومعاصية زانية تحت كل شجرة وغير راجع إلى الله وكبقرة شاغبة ومرذل الخير وكإناء نجس وناسياً لخالقه. (الشبهة الخامسة) الأحاديث مختلفة. (والجواب) أن الاعتبار عندنا للأحاديث الصحيحة المروية في كتب الصحاح والأحاديث التي هي مروية في كتب غير معتبرة لا اعتبار لها عندنا ولا تعارض الصحيحة كما أن الأناجيل الكثيرة الزائدة على السبعين في القرون الأولى لا تعارض عند المسيحيين هذه الأناجيل الأربعة. والاختلاف الذي يوجد في الأحاديث الصحيحة يرتفع غالباً بأدنى تأويل وليس ذلك الاختلاف مثل الاختلاف الذي يوجد في روايات كتبهم المقدسة إلى الآن كما عرفت مائة وأربعة وعشرين منها في الباب الأول ولو نقلنا عن كتبهم المقبولة الاختلافات التي تكون مثل اختلاف يثبتونه في بعض الأحاديث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 954 الصحيحة قلما يخرج باب يكون خالياً عن مثل هذا الاختلاف. والذين تسميهم علماء بروتستنت ملاحدة نقلوا كثيراً من هذه الاختلافات في كتبهم واستهزؤوا بها، فمن شاء فليرجع إلى كتبهم. [خمسون اختلافاً نقلوها في ذات الله وصفاته عن كتب العهدين] وأنقل أيضاً بطريق الإنموذج عن كتاب جان كلارك المطبوع سنة 1839 في لندن وكتاب اكسيهومو المطبوع سنة 1813 في لندن وغيرهما خمسين اختلافاً نقلوها في ذات الله وصفاته عن كتب العهدين وأكتفي على نقل هذه الاختلافات. لأن المعترضين هداهم الله تعالى وإن جاوزوا فيها حد الأدب لكن هذه المجاوزة أقل من المجاوزة التي توجد في كلامهم عند التشنيع على الأنبياء عليهم السلام سيما وقت التشنيع على مريم وعيسى عليهما السلام كما ستعرفه في الاختلاف الرابع والعشرين من القول الذي أنقله طردوا، إنما نقلت هذه الاعتراضات لتحصل البصيرة للناظر أن اعتراضات علماء بروتستنت على الأحاديث النبوية أضعف من اعتراضات أبناء صنفهم على مضامين كتبهم المقدسة وما نقلتها لأجل أنها مستحسنة عندي بل أتبرأ من أكثر خرافات الفريقين ونقل الكفر ليس بكفر. (1) الآية الثامنة من الزبور المائة والخامس والأربعين هكذا: (الرب حنان رحوم بطيء عن الغضب وعظيم النعمة) والآية التاسعة عشر من الباب السادس من سفر صموئيل الأول هكذا: (وضرب الرب من أهل بيت شمس لأنهم رأوا تابوت الرب وضرب من الشعب خمسين ألف رجل وسبعين) فانظروا إلى شدة رحمته وبطء غضبه أنه قتل خمسين ألف رجل وسبعين من قومه الخاص على خطأ خفيف. (2) الآية العاشرة من الباب الثاني والثلاثين من سفر الاستثناء هكذا: (وجده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 955 في الأرض القفر في المكان المخيف والبرية المتسعة طاف به وعلمه وحفظه مثل حدقة عينه) وفي الباب الخامس والعشرين من سفر العدد 3 (وقال الله لموسى انطلق برؤساء الشعب كلهم وصلبهم قدام الله تلقاء الشمس فترتد شدة غضبي عن إسرائيل) 9 (وكان من مات أربعة وعشرون ألفاً من البشر) فانظروا إلى حفظه الشعب مثل حدقة عينه أنه أمر موسى بصلب رؤساء الشعب كلهم وأهلك منهم أربعة وعشرين ألفاً. (3) الآية الخامسة من الباب الثامن من سفر الاستثناء هكذا: (أحسب في قلبك أنه كما أن الرجل يؤدب ابنه كذلك أدبك الرب إلهك) والآية الثانية والثلاثون من الباب الحادي عشر من سفر العدد هكذا: (واللحم إلى هذا الحين كان بين أسنانهم ولم يفرغوا من أكله فإذا غضب الرب اشتد على الشعب فضربه ضربة عظيمة جداً) فانظروا إلى تأديبه كتأديب الأب ابنه أن هؤلاء المفلوكين لما حصل لهم اللحم وشرعوا في الأكل ضربهم ضربة عظيمة. (4) في الآية الثامنة عشر من الباب السابع من كتاب ميخا في حق الله هكذا: (أنه مريد الرحمة) وفي الباب السابع من سفر الاستثناء في حق سبعة شعوب عظيمة هكذا: 2 (يسلمهم الرب إلهك بيدك فاضربهم حتى أنك لا تبقي منهم بقية فلا تواثقهم ميثاقاً ولا ترحمهم) 16 (فتبتلعالشعوب جميعهم الذين الرب إلهك يعطيك إياهم فلا تعف عنهم عيناك) إلخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 956 فانظروا إلى كونه مريد الرحمة أنه أمر بني إسرائيل بقتل سبعة شعوب عظيمة وعدم الرحمة عليهم وعدم العفو عنهم. (5) في الآية الحادية عشر من الباب الخامس من رسالة يعقوب هكذا: (ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف) . والآية السادسة عشر من الباب الثالث عشر من كتاب هوشع هكذا: (فلتهلك سامرة لأنها بغت على إلهها فيبادون بالسيف وأطفالهم ينطرحون وحبالهم تشقق بطونهن) . فانظروا إلى كثرة رأفته في حق الأطفال والحبالى. (6) في الآية الثالثة والثلاثين من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا: (أنه من قلبه لا يؤذي بني آدم ولا يحزنهم) ، لكن عدم إيذائه بني آدم وعدم تحزينهم بمرتبة أنه أهلك الأشدوديين بالبواسير كما هو مصرح به في الباب الخامس من سفر صموئيل الأول، وأهلك ألوفاً من عساكر الملوك الخمسة بإمطار الحجارة الكبيرة من السماء حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 957 كان الذين ماتوا بالحجارة أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف كما هو مصرح به في الباب العاشر من كتاب يوشع، وأهلك كثيراً من بني إسرائيل بإرسال الحيات كما هو مصرح به في الباب الحادي والعشرين من سفر العدد. (7) في الآية الحادية والأربعين من الباب السادس عشر من سفر الأيام الأول هكذا: (أن فضله أبدي) والآية التاسعة من زبور المائة والخامس والأربعين هكذا: (الرب صالح للكل ورأفته على جميع خلقه) لكن أبدية فضله وعموم رأفته على جميع الخلق بمرتبة أنه أهلك جميع الحيوانات والإنسان غير أهل السفينة في عهد نوح عليه السلام بإرسال الطوفان وأهلك أهل سادوم وعاموره ونواحيها بإمطار الكبريت والنار من السماء كما هو مصرح به في الباب السابع والتاسع عشر من سفر التكوين. (8) الآية السادسة عشر من الباب الرابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (لا تقتل الآباء عوض الأبناء ولا الأبناء بدل الآباء ولكن كل واحد يموت بذنبه) . وفي الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الثاني أن داود عليه السلام سلم سبعة أشخاص من أولاد شاول بأمر الرب بأيدي أهل جيعون ليقتلوهم بخطأ شاول فصلبوهم وقد كان داود عليه السلام عاهد شاول وحلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 958 أن لا يهلك ذريته بعد موته كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الأول فوجد نقض العهد أيضاً بأمر الله. (9) في الآية السابعة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (يجازى الأبناء وأبناؤهم بإثم آبائهم إلى ثلاثة وأربعة أجيال) وفي الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه وشر الشرير يقع عليه) . فيعلم منه أن الأبناء لا يحملون إثم الآباء إلى جيل واحد فضلاً عن أربعة أجيال وهذا الحمل لو كان إلى أربعة أجيال فقط كان مغتنماً لكن الإله الأب نقض هذا الحكم أيضاً وأمر بحمل إثم الآباء على الأبناء بعد أجيال كثيرة أيضاً. في الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (هكذا يقول الرب الصباووت إني ذكرت كل ما صنع عماليق بإسرائيل أنه قاومه في الطريق حيث صعدوا من مصر 3 فالآن اذهب فاضرب عماليق وأهلك جميع ما لهم ولا ترحمهم ولا ترغب من مالهم شيئاً بل اقتل من الرجال والنساء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 959 والغلمان حتى الأطفال والبقر والغنم والحمير أيضاً) . فانظروا إنه ذكر بقوة حافظته بعد أربعمائة سنة ما صنع عماليق بإسرائيل فأمر بعد هذه المدة بالانتقام من أولادهم وقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم الصغار جداً ومواشيهم من البقر والغنم والحمير ولما لم يعمل شاول على أمره الشريف ندم على جعله ملكاً وترقى ابنه الوحيد الإله الثاني فأمر بحمل إثم الآباء على الأبناء بعد أربعة آلاف سنة. في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى قول هذا الإله الثاني في خطاب اليهود هكذا: (يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح الحق أقول لكم أن هذا كله يأتي على هذا الجيل) ثم ترقى الأب الإله الأول وتخيل أن إثم آدم محمول على أولاده إلى هذه المدة وقد مضت أزيد من أربعة آلاف وثلاثين سنة وقد مضى من آدم إلى يسوع خمس وسبعون جيلاً على ما صرح به لوقا في الباب الثالث من إنجيله ورأى أن أولاد آدم كلهم مستحقون للنار لو لم تكن الكفارة كاملة جيدة وما رأى غير ابنه الإله الثاني حرياً بها بأن يصلب من أيدي أرذل أقوام الدنيا وهم اليهود، وما ظهر له طريق النجاة غير هذا فأمره أن يصلب وتركه ولم يغثه في شدته حتى صرح لأجل شدة العذاب ونادى الأب إلهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 960 إلهي لماذا تركتني ثم صرخ ثانياً ومات وبعد موته صار ملعوناً ودخل الجحيم (والعياذ بالله) . على أنه لم يثبت من كتاب من كتب العهد العتيق أن زكريا بن برخيا قتل بين الهيكل والمذبح. نعم صرح في الباب الرابع والعشرين من سفر الأيام الثاني أن زكريا بن يهويا داع الحبر قتل في صحن بيت الرب في عهد بواش الملك ثم عبيد الملك قتلوه بانتقام دم زكريا فحرف الإنجيل يهويا داع ببرخيا ولعل لوقا لأجل ذلك اكتفى في الباب الحادي عشر من إنجيله على اسم زكريا ولم يذكر اسم أبيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 961 فانظروا إلى هذه الأمور التسعة كيف يثبت منها رحمة الله تعالى. (10) في الآية الخامسة من الزبور الثلاثين هكذا: (أن غضبه لحظة) وفي الآية الثالثة عشر من الباب الثاني والثلاثين من سفر العدد هكذا: (فاشتد غضب الرب على بني إسرائيل فأتاهم في القفار أربعين سنة حتى باد ذلك الخلف كله وهلك أولئك الذين أساؤوا قدامه) فانظروا إلى غضبه اللحظي أنه كيف عامل بني إسرائيل. (11) في الآية الأولى من الباب السابع عشر من سفر التكوين: (أنا الله القادر) وفي الآية التاسعة عشر من الباب الأول من كتاب القضاة هكذا: (وكان الرب مع يهوذا وورث الجبال ولم يستطع يستأصل أهل الوادي لأن كانت لهم مراكب كثيرة من حديد) فانظروا إلى قدرته أنه لم يقدر على استئصال أهل الوادي لكونهم ذوي مراكب كثيرة من حديد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 962 (12) في الآية السابعة عشر من الباب العاشر من سفر الاستثناء هكذا: (أن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب إله عظيم جبار) . والآية الثالثة عشر من الباب الثاني من كتاب عاموص هكذا ترجمة عربية سنة 1844: (ها أنا ذا أصر من تحتكم كما تصر العجلة المحملة حشيشاً) ترجمة فارسية سنة 1838: (ابنك من درزير شما جسبيده شدم جنانجه أرابه برازاقد جسبيده مي شود) انظروا إلى عظمته وجباريته أنه صر تحت بني إسرائيل كما تصر العجلة المحملة حشيشاً. (13) في الآية الثامنة والعشرين من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (الرب الذي خلق أطراف الأرض لا يضعف ولا يتعب) والآية الثالثة والعشرون من الباب الخامس من كتاب القضاة هكذا: (العنوا أرض ما روض قال ملاك الرب العنوا سكانها لأنهم لم يأتوا إلى معونة الرب في مقابلة الأقوياء) . فانظروا إلى عدم ضعفه أنه كان محتاجاً إلى الإعانة في مقابلة الأقوياء ويلعن من لم يجيء لإعانته، ووقع في الآية التاسعة من الباب الثالث من كتاب ملاخيا هكذا: (صرتم ملعونين باللعنة لأنكم نعم هذا القوم كلهم نهبوني) . وهذا أيضاً يدل على أن بني إسرائيل نهبوه فيلعنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 963 وظهر من هذه الأمثلة الأربعة حال قدرته. (14) الآية الثالثة من الباب الخامس عشر من سفر الأمثال هكذا: (عينا الرب في كل مكان يترقبان الصالحين والطالحين) وفي الآية التاسعة من الباب الثالث من سفر التكوين هكذا: (فدعا الرب الإله آدم وقال له أين أنت) . فانظروا إلى ترقب عينه في كل مكان أنه احتاج إلى الاستفهام من آدم حين اختفى في وسط شجرة الفردوس. (15) في الآية التاسعة من الباب السادس عشر من سفر الأيام الثاني هكذا: (عينا الرب محيطتان بكل الأرض) والآية الخامسة من الباب الحادي عشر من سفر التكوين هكذا: (فنزل الرب لينظر المدينة والبرج الذي كان يبنيه بنو آدم) . فانظروا إلى إحاطة عينيه بكل الأرض أنه احتاج إلى النزول والنظر ليعلم حال المدينة والبرج. (16) الآية الثانية من الزبور المائة والتاسع والثلاثين هكذا: (وميزت سعيي وسكوني وأطلعت على طرقي كلها) يعلم منه أن الله عالم طرق العباد كلها وأفعالهم وفي الباب الثامن عشر من سفر التكوين هكذا: 2 (فقال الرب أن صراخ سادوم وعاموره قد كثر وخطيتهم ثقلت جداً) 21 (أنزل أنظر أن فعلهم يشاكل الصراخ الآتي أم لا لأعلم ذلك) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 964 فانظروا إلى كونه عالم طرق العباد وأفعالهم كلها أنه احتاج إلى النزول والنظر ليعلم أن فعل أهل سادوم وعاموره يشاكل الصراخ الواصل إليه أم لا. (17) الآية الخامسة من الزبور المذكور هكذا: (فما أعجب هذا العلم عندي فهو أرفع من أن أدركه) ، وفي الآية الخامسة من الباب الثالث والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (أما الآن فاعزلوا عنكم زينتكم فاعلم ما أفعله بكم) . فانظروا إلى علمه الخارج عن الإدراك أنه لم يعلم ما يفعل بهم ما لم يعزلوا زينتهم والآية الرابعة من الباب السادس عشر من سفر الخروج هكذا: (فقال الرب لموسى إني أمطر عليكم خبزاً من السماء فليخرج الشعب ويلقطوا يوماً بيوم طعامهم من أجل أني أمتحنهم) والآية الثانية من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: (واذكر كل الطريق الذي ساسك به الرب إلهك أربعين سنة في القفار ليعذبك ويبتليك وبيان كل ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا) . فالرب محتاج إلى الامتحان ليعلم ما في قلوبهم فامتحنهم بإمطار الخبز وبسياستهم أربعين سنة في القفار فعلم من هذه الأمثلة الستة حال كونه عالم الغيب) . (18) في الآية السادسة من الباب الثالث من كتاب ملاخيا هكذا: (فإني أنا الرب ولا أتغير) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 965 وفي الباب الثاني والعشرين من سفر العدد هكذا: 20 (فأتى الله بلعام في الليل وقال له إن كان هؤلاء القوم إنما جاؤوا ليدعوك فانطلق معهم ولكن لا تفعل إلا الذي أقوله لك 21 فقام بلعام غدوة وركب أتانة وانطلق مع عظماء مواب 22 فغضب الله عليه لما ذهب) الخ. فانظروا إلى عدم تغيره أنه أتى في الليل وأمر بلعام بالانطلاق مع عظماء مواب ولما فعل بلعام ما أمر غضب عليه. (19) في الآية السابعة عشر من الباب الأول من رسالة يعقوب هكذا: (ليس عنده تغير ولا ظل دوران) وقد أمر بمحافظة السبت في أكثر المواضع من كتب العهد العتيق وصرح في كثير منها أنه أبدي والقسيسون بدلوا السبت بالأحد فيلزم عليهم الاعتراف بأنه متغير. (20) في الباب الأول من سفر التكوين وقع في حق السماء والكواكب والحيوانات أنها حسنة وفي الآية الخامسة عشر من الباب الخامس عشر من كتاب أيوب هكذا: (والسماء ليست بظاهرة قدامه) وفي الآية الخامسة من الباب الخامس والعشرين هكذا: (والكواكب لا تزكو بين يديه) ووقع في الباب الحادي عشر من سفر الأحبار في حق كثير من البهائم والطيور وحشرات الأرض أنها قبيحة محرمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 966 (21) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (فاسمعوا يا بيت إسرائيل، طريقي ليس بمستقيم أم لا ليس بالحري أن طرقكم خبيثة) . وفي الباب الأول من كتاب ملاخيا هكذا: 2 (أني أجبتكم قال الرب وقلتم في أي شيء أجبتنا أليس إنه عيسو أخ ليعقوب، يقول الرب وأحببت يعقوب) 3 (وبغضت عيسو وجعلت جباله قفراً وميراثه لتنانين البرية) انظروا إلى استقامة طريقه أنه بغض عيسو بلا سبب وجعل جباله قفراً وميراثه لتنانين البرية. (22) في الآية الثالثة من الباب الخامس عشر من المشاهدات هكذا: (أيها الرب الإله القادر على كل شيء طرفك عادلة وحق) . والآية الخامسة والعشرون من الباب العشرين من كتاب حزقيال هكذا: إذا أعطيتهم أنا وصايا غير حسنة وأحكاماً لا يعيشون بها. (23) الآية الثامنة والستون من الزبور المائة والتاسع عشر هكذا: (رب إنك صالح ومصلح فعلمني سننك) والآية الثالثة والعشرون من الباب التاسع من كتاب القضاة هكذا: (وسلط الرب روحاً ردياً بين أبي مالك وسكان شخيم وبدوا يبغضوه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 967 فانظروا إلى إصلاحه أنه سلط الروح الرديء لهيجان الفتنة. (24) يوجد في الآيات الكثيرة حرمة الزنا ولو فرض أن القسيسين صادقون في قولهم يلزم أن الرب نفسه زنى بزوجة يوسف النجار المسكين فحملت من هذا الزنا (والعياذ بالله) . والملاحدة في هذا الموضع يتجاوزون عن الحد ويستهزئون استهزاءً بليغاً بحيث تقشعر منه جلود المؤمنين، وأنا أنقل لتنبه الناظر ما قال صاحب اكسيهومو وأحذف استهزاءه. قال هذا الملحد في الصفحة 44 من كتابه المطبوع سنة 1813: (ذكر في إنجيل) اسمه تي تي وتي أف ميري ويعد في هذا الزمان من الأناجيل الكاذبة أن مريم عليها السلام كانت محررة لخدمة بيت المقدس وكانت هناك إلى أن بلغت ست عشرة سنة واختار فادر جيروم زاوير هذا المذكور بعد ما اعتقد صحته فحينئذ يحتمل أن مريم حبلت من كاهن من كهنة البيت وهو علمها أن تقول أني حبلت من روح القدس) انتهى. ثم استهزأ هذا الملحد بتحرير لوقا استهزاءً بليغاً فقال: إن هذا الحال ثبت عند اليهود هكذا: (أن ولد عسكري كان يحبها ومن حركته الشنيعة تولد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 968 مسيح اليسوعيين فسخط عليها يوسف النجار لأجل هذا الأمر وترك هذه الزوجة الخائنة وذهب إلى بابل وذهبت مريم مع يسوع إلى مصر وتعلم يسوع هناك النيرنجات وجاء بعد تعلمها إلى اليهودية ليريها الناس) انتهى. ثم قال: (اشتهرت الحكايات الكذائية الواهية الكثيرة بين الوثنيين مثل أنهم يعتقدون أن إلههم منرو تولد من دماغ جوبتر وكان بي كس في فخذ جوبتر، وإله أهل الصين فتولد من العذراء التي حبلت من شعاع الشمس) انتهى ملخصاً. ويناسب هذا المقام حكاية نقلها جان ملنر في كتابه المطبوع سنة 1838: (ادعت جؤانا سوأت كوت الإلهام قبل هذا الزمان بمدة قليلة وقالت: إني أنا الامرأة التي قال الله في حقها في الآية الخامسة عشر من الباب الثالث من سفر التكوين: (هي تستحق رأسك) . ووقع في حقها في الباب الثاني عشر من المشاهدات هكذا: [1] وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها أكليل من اثني عشر كوكباً [2] وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. وإني حبلت من عيسى عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 969 السلام وتبعها كثير من المسيحيين وحصل لهم من هذا الحمل فرح كثير وصنعوا أظرف الذهب والفضة) انتهى كلامه. لكنا ما سمعنا أنها ولدت من هذا الحمل ولداً مباركاً أم لا وفي الصورة الأولى هل حصلت رتبة الألوهية لهذا الولد السعيد مثل أبيه أم لا، وفي صورة الحصول هل بدل في معتقدية اعتقاد التثليث بالتربيع أم لا، وكذا هل بدل لقب الله الأب بالجد أم لا. (25) في الآية التاسعة عشر من الباب الثالث والعشرين من سفر العدد هكذا: (ليس الله برجل فيكذب ولا ابن لإنسان فيندم) . وفي الباب السادس من سفر التكوين هكذا: 6 فندم على عمله الإنسان على الأرض فتأسف بقلبه داخلاً 7 وقال فامحوا البشر الذي خلقته عن وجه الأرض من البشر حتى الحيوانات من الدبيب حتى طير السماء لأني نادم أني عملتهم. (26) الآية التاسعة والعشرون من الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (فإن عزيز إسرائيل لا يكذب ولا يندم) لأنه ليس بإنسان فيندم. وفي الباب المذكور هكذا: 10: (وكان قول الرب على صموئيل قائلاً 11 ندمت على أني صيرت شاول ملكاً) الخ 35، الرب أسف على أنه ملك شاول. (27) في الآية الثانية والعشرين من الباب الثاني من سفر الأمثال هكذا: (من الشفة الكاذبة نفرة للرب) . وفي الباب الثالث من سفر الخروج هكذا: 17 (وقلت إني أصعدكم من استعباد أهل مصر إلى أرض الكنعانيين والحبشيين والأموريين والفرزيين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 970 والحوريين واليابوسيين إلى الأرض التي تجري لبناً وعسلاً) 18 (وهم يسمعون صوتك وتدخل أنت وشيوخ إسرائيل إلى ملك مصر وتقول له الرب إله العبرانيين دعانا فنمضي مسيرة ثلاثة أيام في البرية لكي نذبح ذبيحة للرب إلهنا) . والآية الثالثة من الباب الخامس من السفر المذكور فقالا: أي موسى وهارون له أي لفرعون: (إله العبرانيين دعانا لنذهب مسيرة ثلاثة أيام في البرية ونذبح ذبائح للرب إلهنا لئلا يصيبنا وباء أو حرب) . وفي الآية الثانية من الباب الحادي عشر من السفر المذكور قول الله تعالى في خطاب موسى عليه السلام هكذا: (فتحدث في مسمع الشعب أن يسأل الرجل صاحبه والمرأة من صاحبتها أواني فضة وأواني ذهب) . والآية الخامسة والثلاثون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج هكذا: (وفعل بنو إسرائيل كما أمر موسى واستعاروا من المصريين أواني فضة وذهب وشيئاً كثيراً من الكسوة) . فانظروا إلى نفرته من الكذب أنه أمر موسى وهارون أن يكذبا عند فرعون فكذبا وكذلك كذب كل رجل وكل امرأة وأمر بالخداع وأخذ كل مال جاره بالخديعة وتصرف به، وقد أمر في مواضع من التوراة بأداء حق الجار، أيكون أداء حقه كما أمر وقت خروجهم وأيليق بالله أن يعلمهم الغدر والخيانة. وفي الباب السادس عشر من سفر صموئيل الأول (قال الرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 971 لصموئيل: املأ قرنك دهناً وتعال أبعثك إلى أيسي الذي من بيت لحم فإني قد رأيت لي في بنيه ملكاً) قال صموئيل: كيف أذهب فيسمع شاول فيقتلني. فقال الرب: خذ بيدك عجلة من البقر وقل إني جئت لأقرب ذبيحة للرب. فصنع صموئيل كما أمر الرب وأتى إلى بيت لحم) انتهى ملخصاً. فأمر الله صموئيل أن يكذب لأنه كان أرسله لمسح داود وجعله سلطاناً لا للذبح، وعرفت في جواب الشبهة الثالثة في الفصل الثاني من هذا الباب أن الله أرسل روح الضلالة ليقع في أفواه نحو أربعمائة نبي كذبة (ويضلهم فيكذبون) فمن هذه الأمثلة الأربعة يظهر نفرته من الشفة الكاذبة. (28) الآية السادسة والعشرون من الباب العشرين من سفر الخروج هكذا: (لا تصعد على مذبحي بدرج لئلا تنكشف عليه عورتك) . فعلم منه أنه لا يجب انكشاف عورة الرجل فضلاً عن عورة الامرأة. وفي الآية السابعة عشر من الباب الثالث من كتاب أشعيا: (الرب يقلع عورات بنات صهيون) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 972 وفي الباب السابع والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: 2 (خذي الرحى واطحني دقيقاً أعرى عارك اكشفي كتفك أظهري ساقيك جوزي الأنهار) 3 (ينكشف عيبك ويظهر عارك أنتقم ولا يقاومني بشر) . والآية الثامنة عشر من الباب العشرين من سفر التكوين هكذا: (لأن الرب أعقم جميع من في بيت أبي مالك من أجل سارة امرأة إبراهيم) . والآية الحادية والثلاثون من الباب التاسع والعشرين هكذا: (فلما رأى الرب أن ليا مبغوضة فتح رحمها وكانت راحيل عاقراً) . والآية الثانية والعشرون من الباب الثلاثين من السفر المذكور هكذا: (فذكر الرب راحيل واستجاب لها وفتح رحمها) . فانظروا إلى نفرته من كشف عورة الرجال ورغبته إلى قلع عورات النساء وأعرائهن وفتح أرحامهن وسدها. (29) في الآية الرابعة والعشرين من الباب التاسع من كتاب أرمياء هكذا: (أنا الرب الصانع الرحمة والقضاء والعدل في الأرض) . وقد عرفت حال ارتضائه بالرحمة والصدق فاعرف حال عدله في الباب الحادي والعشرين من كتاب حزقيال هكذا: [3] (وتقول لأرض إسرائيل هكذا: (يقول الرب الإله ها أنا ذا إليك وأسل سيفي من غمده وأقتل فيك البار والمنافق) [4] ومن أجل أني قتلت فيك باراً ومنافقاً فلهذا يخرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 973 سيفي من غمده إلى كل جسد من التيمن إلى الشمال) . فلو سلم أن أقتل المنافق عند علماء بروتستنت عدل لكن كيف يكون قتل البار عدلاً عندهم. وفي الباب الثالث عشر من كتاب أرمياء هكذا: 13 (فنقول لهم هكذا يقول الرب ها أنا ذا أملي سكراً جميع سكان هذه الأرض والملوك الجالسين من ذرية داود على كرسيه والكهنة والأنبياء وجميع سكان أورشليم 14 وأبددهم رجلاً عن أخيه، والآباء والأبناء جميعاً. يقول الرب لست أرحم ولا أعفي ولا أتحنن حتى أهلكهم) فأملأ جميع سكان هذه الأرض سكراً ثم قتلهم أي عدل. والآية التاسعة والعشرون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج هكذا: (ولما انتصف الليل قتل الرب كل أبكار أهل مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه حتى إلى بكر المسبية التي في السجن وكل أبكار البهائم) . فقتل جميع أبكار أهل مصر وأبكار البهائم أي عدل، لأن الوفاء من أبكار أهل مصر كانوا أطفالاً معصومين، وكان أبكار البهائم أيضاً غير مذنبين. (30) الآية الثالثة والعشرون من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (العلى مرضاتي هو موت المنافق يقول الرب الإله إلا أن يتوب من طرقه فيعيش) . والآية الحادية عشر من الباب الثالث والثلاثين هكذا: (فقل لهم حتى أنا يقول الرب الإله لست أريد موت المنافق بل أن يتوب المنافق من طريقه ويعيش) الخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 974 فعلم من هاتين الآيتين أن الله لا يحب موت الشرير بل يحب أن يتوب الشرير وينجو. والآية العشرون من الباب الحادي عشر من كتاب يوشع هكذا: (فقسى الرب قلوبهم وأهلكهم) . (31) الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون) . وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا: 11 ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب 12 لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم. (32) الآية الثامنة عشر من الباب الحادي والعشرين من سفر الأمثال هكذا: (عوض الصديق يسلم المنافق وعوض المستقيمين الأثيم) . والآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً) . ففهم من الآية الأولى أن الأشرار يكونون كفارات للصلحاء ومن الثانية أن المسيح عليه السلام الذي هو معصوم عند المسيحيين صار كفارة للأشرار. (فائدة) ما ادعى بعض القسيسين من أن المسلمين ليس لهم كفارة جيدة غلط، لأنا لو تأملنا في حكم عبارة الأمثال ونظرنا إلى طوائف بني آدم وجدنا أن الكفارات المتعددة من المنكرين لمحمد صلى الله عليه وسلم موجودة لكل فرد من المسلمين، على أن المسيح عليه السلام لما كان كفارة لخطايا كل العالم على ما اعترف يوحنا، فكيف لا يكون كفارة للمسلمين الذين يعترفون بتوحيد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 975 ونبوته وصدقه وكون أمه صادقة بريئة بل لو أنصف أحد عرف أن أهل الحياة الأبدية هؤلاء المسلمون لا غيرهم كما عرفت في الباب الرابع. (33) وقع في الباب العشرين من سفر الخروج لا تقتل ولا تزن. والآية الثانية من الباب الرابع عشر من كتاب زكريا هكذا: (وأجمع جميع الأمم إلى أورشليم للقتال وتؤخذ المدينة وتخرب البيوت وتفضح النساء) . فوعد الرب أن يجمع الأمم ليقتلوا قومه الخاص ويفضحوا نساءهم ويزنوا بها. (34) في الآية الثالثة عشر من الباب الأول من كتاب حيقوق هكذا: (نقبت عيناك لئلا ترى السوء ولا تقدر أن تنظر إلى الإثم) . والآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا: (المصور [ص 165] النور، والخالق الظلمة، الصانع السلام، والخالق الشر أنا الرب الصانع جميعها) . (35) في الزبور الرابع والثلاثين هكذا: 15 (فإن عيني الرب إلى الأبرار ومسامعه إلى صراخهم) 17 (أولئك الذين صرخوا فاستجاب لهم ونجاهم من جميع إضرارهم) 18 (فإن الرب قريب من منكسري القلب ومخلص متواضعي الروح) . وفي الزبور الثاني والعشرين هكذا: 1: (إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي وكلام صراخي) 2: (إلهي إلهي إني في النهار أدعو وأنت لا تستجيب وفي الليل ولا سكوت لي) . والآية السادسة والأربعون من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 976 هكذا: (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني) أما كان داود وعيسى عليهما السلام من الأبرار ومنكسري القلوب ومتواضعي الروح فَلِمَ تركهما ولَمْ يسمع صراخهما. (36) الآية الثالثة عشر من الباب التاسع والعشرين من كتاب أرمياء هكذا: (تطلبونني وتجدونني إذا طلبتموني بكل قلبكم) . والآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من كتاب أيوب هكذا: (من يعطيني أن أعرف فأجده وأستطيع البلوغ إلى مجلسه) . وقد شهد الله في حق أيوب أنه صالح مستقيم، خائف من الله، بعيد من السوء كما هو مصرح به في الباب الأول والثاني من كتابه. فهذا المقدس لم يحصل له علم طريق وجدان الله فضلاً عن وجدانه. (37) في الآية الرابعة من الباب العشرين من سفر الخروج هكذا: (لا نتخذ لك صورة ولا تمثيل من كل ما في السماء وما في الأرض وما في الماء من تحت الأرض) . والآية الثامنة عشر من الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور هكذا: (وأصنع كار وبين من ذهب سبيك تجعل على كل جانبي الغشاء) . (38) الآية السادسة من رسالة يهوذا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 977 رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام) . فعلم منها أن الشياطين مربوطة بقيود عظيمة إلى يوم القيامة. ويعلم من الباب الأول والثاني من كتاب أيوب أن الشيطان ليس بمقيد بل هو مطلق ويحضر عند الله. (39) في الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس هكذا: (أن الله لم يشفق على ملائكة قد أخطئوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء) . وفي الباب الرابع من إنجيل متى أن الشيطان جرب عيسى عليه السلام. (40) الآية الرابعة في الزبور التسعين هكذا: (فإن ألف سنة لديك كالأمس الغابر وكهجيع من الليل) . والآية الثامنة من الباب الثالث من الرسالة الثانية لبطرس هكذا: (أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد) ومع ذلك قال في الآية السادسة عشر من الباب التاسع من سفر التكوين هكذا: (ويكون القوس في الغمام وأراه وأذكر الميثاق الأبدي الذي قام بين الله وبين كل نفس حية من كل ذي جسد هو على الأرض) . على أن كون القوس علامة العهد لا يحسن، لأن القوس لا يكون في كل غمام بل في قليل من أوقات الغمام وهو وقت رقة الغمام غالباً، وهذا الوقت لا يكون موجباً لكثرة الأمطار التي يخاف منها الطوفان فلا تحصل العلامة وقت الحاجة إليها بل وقت الاستغناء عنها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 978 (41) في الآية العشرين من الباب الثالث والثلاثين من سفر الخروج قول الله في خطاب موسى عليه السلام هكذا: (إنك لا تقدر على النظر إلى وجهي لأنه لا يراني بشر فيحيا) . وفي الآية الثلاثين من الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين قول يعقوب عليه السلام هكذا: (رأيت الله وجهاً لوجه وتخلصت نفسي) . فرأى يعقوب عليه السلام الله وجهاً لوجه وبقي حياً، وفي القصة التي وقع فيها هذا القول أشياء أخرى أيضاً لا تليق. الأول: ذكر المصارعة بين الله وبين يعقوب. والثاني: كونها ممتدة إلى طلوع الفجر. والثالث: أنه لم يقو أحدهما بالآخر. والرابع: أن الله لم يقدر أن ينطلق بذاته فقال أطلقني. والخامس: أن يعقوب لم يطلقه إلا بعوض وهو أن يباركه. والسادس: أن الله سأله عن اسمه فعلم أنه ما كان يعلم اسمه. (42) الآية الثانية عشر من الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (الله لم ينظره أحد قط) . وفي الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج هكذا: 9 (وصعد موسى وهارون وناد أب وأبيهو وسبعون رجلاً من شيوخ إسرائيل 10 ونظروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 979 إلى إله إسرائيل وتحت رجليه مثل الحجر السمانجوني وكمثل لون السماء ونور ظاهر) 11 (فلم يبسط يده على شيوخ إسرائيل وأبصروا الله وأكلوا وشربوا) فموسى [ص 168] وهارون والمشايخ السبعون عليهم السلام قد أبصروا الله وأكلوا وشربوا معه أقول أولاً: أن الجملة الأخيرة بحسب الظاهر تدل على أنهم أكلوا الله وشربوه، لكن المقصود لعله ما فهمه المعترضون. وثانياً: أن إله بني إسرائيل (والعياذ بالله) كان على صورة آلهة مشركي الهند مثل رامجند روكرشن لأن ألوانهم على ما صرح به في كتبهم على لون السماء. (43) في الآية السادسة عشر من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه) . وفي الباب الرابع من المشاهدات أن يوحنا رآه جالساً على العرش وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 980 الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق. (44) الآية السابعة والثلاثون من الباب الخامس من إنجيل يوحنا قول يسوع في خطاب اليهود هكذا: (لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته) . وقد علمت حال رؤية الله في المثال السابق. بقي حال سماع صوته. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الخامس من سفر الاستثناء هكذا: (قد أرانا الرب إلهنا مجده وعظمته وسمعنا صوته من وسط النهار) . (45) في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع من إنجيل يوحنا هكذا: (الله روح) . وفي الآية التاسعة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: (أن الروح ليس له لحم وعظام) ويعلم من هاتين العبارتين أن الله ليس له لحم وعظام، وقد ثبت له في كتبهم كل عضو من الرأس إلى الرجل ونقلوا أمثلة لإثبات هذه الأعضاء وقد عرفتها في مقدمة الباب الرابع. ثم قالوا استهزاءً: "لم يعلم إلى الآن أنه بستاني أم بناء أو خزاف أو خياط أو جراح أو حلاق أو قابلة أو جزار أو فلاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 981 أو تاجر أو غيره لأن أقوال كتبهم مضطربة". في الآية الثامنة من الباب الثامن من سفر التكوين هكذا: (وغرس الرب الإله فردوس النعيم من البدي) فيعلم منه أنه بستاني. وكذا يعلم من الآية التاسعة عشر من الباب الحادي والأربعين من كتاب أشعيا وفي الآية الخامسة والثلاثين من الباب الثاني من سفر صموئيل الأول هكذا: (وبنى له بيتاً أميناً) وهكذا في الآية 11 و 27 من الباب السابع من سفر صموئيل الثاني والآية 38 من الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول والآية 1 من الزبور 127 ويعلم من هذه الآيات أنه بناء. والآية الثامنة من الباب الرابع والستين من كتاب أشعيا هكذا: (والآن يا رب أنت أبونا ونحن الطين وأنت جابلنا ونحن جميعنا أعمال يديك) فيعلم منها أنه خزاف. والآية الحادية والعشرون من الباب الثالث من سفر التكوين هكذا: (وصنع الرب الإله لآدم وزوجته ثياباً من جلود وألبسهما) فيعلم أنه خياط. وفي الآية 17 من الباب الثلاثين من كتاب أشعيا هكذا: (أشفي جرحك) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 982 فيعلم أنه جراح. والآية العشرون من الباب السابع من كتاب أشعيا هكذا: (في ذلك اليوم يحلق الرب بموسى مستنكراً في أولئك الذين هم عبروا النهر بملك الآثوريين الرأس وأوبار الرجلين واللحية كلها) فيعلم أنه حلاق. ويعلم من الآية 31 من الباب التاسع والعشرين والآية 22 من الباب الثلاثين من سفر التكوين أنه قابلة. وقد مر نقلهما عن قريب في بيان الاختلاف الثامن والعشرين. والآية السادسة من الباب الرابع والثلاثين من كتاب أشعيا هكذا: (سيف الرب امتلأ دماً سمن من شحم من دم الخرفان والتيوس من دم الكباش المعلوفة) فيعلم أنه جزار. والآية الخامسة عشر من الباب الحادي والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (ها جعلتك مثل البكرات الجدد التي للعجلة شبه المناشير التي تدوس فتدوس الجبال وتسحق الآكام وتصنعهم مثل التراب) فيعلم أنه فلاح. وفي الآية الثامنة من الباب الثالث من كتاب يوئيل هكذا: (وأبيع بنيكم وبناتكم في أيدي بني يهوذا) فيعلم أنه تاجر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 983 وفي الآية الثالثة عشر من الباب الرابع والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: (يتعلم جميع بنيك من الرب) فيعلم أنه معلم. ويعلم من الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين أنه مصارع. (46) الآية التاسعة من الباب الثاني والعشرين من سفر صموئيل الثاني هكذا: (ارتفع دخان من أنفه، والتهبت النار من فمه تأكل، والجمر اشتعل منها) . والآية العاشرة من الباب السابع والثلاثين من كتاب أيوب هكذا: (يكون الثلج من نفس الله ويجمد الماء السائل) . (47) الآية الثانية عشر من الباب الخامس من كتاب هوشع هكذا: (وأنا مثل السوس لافرام ومثل الدودة لبيت يهوذا) . والآية السابعة من الباب الثالث عشر من الكتاب المذكور هكذا: (وأنا أكون لهم مثل أسد، مثل نمر، في طريق الآثوريين) فتارة مثل السوس والدودة وتارة مثل الأسد والنمر. (48) الآية العاشرة من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا: (دبارا صدا صار لي أسدا في الخفية) . والآية الحادية عشر من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (مثل الراعي هو يرعى قطيعه) الخ فتارة مثل الدب والأسد وتارة كالراعي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 984 (49) في الآية الثالثة من الباب الخامس عشر من سفر الخروج هكذا: (الرب مثل الرجل المقاتل) . وفي الآية العشرين من الباب الثالث عشر من الرسالة العبرانية هكذا: (وإله السلام) . (50) في الآية الثامنة من الباب الرابع ليوحنا هكذا: (الله محبة) . والآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من كتاب أرمياء هكذا: (وأنا أغليكم بيد ممدودة وبذراع قوية وبزجر وبغضب وبسخط شديد) . ولما وصلت النوبة إلى الخمسين أكتفي في نقل هذه الاختلافات على هذا القدر خوفاً من التطويل فمن شاء أزيد منه فليتصفح كتب المعترضين المذكورين يجد فيها اختلافات أخرى. والآية الخامسة عشر من الباب الحادي والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (وإن كانت لرجل امرأتان الواحدة محبوبة والأخرى مبغوضة) الخ. والآية السابعة والعشرون من الباب التاسع من كتاب يوشع هكذا: (وفرض عليهم) أي أهل جبعون اليوم أن يكونوا في خدمة الشعب بأسره وخدمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 985 مذبح الرب محطبين حطباً ومستقين ماء في الموضع الذي يختاره الرب. وفي الباب السادس والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: (يقول الرب للخصيين الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما أنا شئته ويمسكون بعهدي أعطيهم في بيتي وفي حيطاني موضعاً واسماً أفضل من البنين والبنات، أعطيهم اسماً أبدياً لا يبيد) يعلم من هذه الآيات أن الله مجوز لتزوج زوجتين واحد القوم في العبودية والرق وراض عن الخصيين. (وهذه) الأشياء كلها مذمومة عند الإنكليز شرعاً أو عقلاً والآية الخامسة والعشرون من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا: (لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس) . والآية التاسعة من الباب الرابع عشر من كتاب حزقيال هكذا: (والنبي إذا ضل وتكلم بكلام فأنا الرب أضللت ذلك النبي) الخ. ويعلم من هاتين الآيتين جهل الله وإضلاله لأنبيائه (والعياذ بالله) . وقال جان كلارك الملحد بعد ما نقل بعض الأقاويل المنقولة فيما قبل: (أن إله بني إسرائيل هذا ليس قاتلاً ظالماً كاذباً أحمق مضلاً فقط بل هو نار محرقة أيضاً) . كما قال بولس في الآية التاسعة والعشرين من الباب الثاني عشر من الرسالة العبرانية إلهنا نار آكلة والوقوع في يدي هذا الإله مخيف. كما قال بولس في الآية الحادية والثلاثين من الباب العاشر من الرسالة العبرانية (مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي) . فتحصيل الحرية من رقية مثل هذا الإله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 986 بالعجلة المقدورة أحسن لأنه إذا لم ينج ابنه الوحيد فمن يرجو منه الرحمة واللطف، وهذا الإله الذي تحكم هذه الكتب أنه إله ليس بقابل أن يعتمد عليه، بل هو شيء غير محقق جامع للأضداد والأوهام مضل أنبيائه) انتهى. فانظروا إلى أبناء صنف القسيسين إلى أين وصلت نوبتهم وليعلم أن اعتراضاتهم على ما وقع في تراجمهم الإنكليزية وغيرها فإن وجد الناظر في بيان عدد الآية أو في بعض المضامين ما يخالف الترجمة العربية، فهو لأجل اختلاف التراجم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 987 الباب السادس: (في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودفع مطاعن القسيسين وهو مشتمل على فصلين) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 999 الفصَّل الأول: (في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفيه ستة مسالك) . [معجزات النبي صلى الله عليه وسلم] (المسلك الأول) أنه ظهرت معجزات كثيرة على يده صلى الله عليه وسلم وأذكر نبذاً منها في هذا المسلك من القرآن والأحاديث الصحيحة بحذف الإسناد وأوردها في نوعين. وقد عرفت في الفصل الثالث من الباب الخامس على أتم تفصيل أنه لا شناعة عقلاً ونقلاً في اعتبار الروايات اللسانية المشتملة على شروط الرواية المعتبرة عند علمائنا رحمهم الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1000 وفيه نوعان (أما النوع الأول) ففي بيان أخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة، أما الماضية فكقصص الأنبياء عليهم السلام وقصص الأمم البالية من غير سماع من أحد ولا تلقن من كتاب كما عرفت في الأمر الرابع من الفصل الأول من الباب الخامس وقد أشير إليه بقوله تعالى: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} . والمخالفة التي وقعت بين القرآن وكتب أهل الكتاب في بيان بعض هذه القصص فقد عرفت حالها في الفصل الثاني من الباب الخامس في جواب الشبهة الثانية، وأما المستقبلة فكثيرة. عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (قام فينا مقاماً فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه وأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه) رواه البخاري ومسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1001 وقد عرفت في الأمر الثالث من الفصل الأول من الباب الخامس اثنين وعشرين خبراً من الأخبار المندرجة في القرآن وقال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} . فوعد الله المسلمين في هذا القول بأنهم يزلزلون حتى يستقيؤه ويستنصروه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم) . وقال أيضاً: (أن الأحزاب سائرون إليكم تسعاً أو عشراً) . فجاء الأحزاب كما وعد الله ورسوله وكانوا عشرة آلاف وحاصروا المسلمين وحاربوهم محاربة شديدة إلى مدة شهر وكان المسلمون في غاية الضيق والشدة والرعب وقالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وأيقنوا بالجنة والنصر. كما أخبر الله تعالى بقوله: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً} . وقد خرج أئمة الحديث رضي الله عنهم: 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق. 2- وأن الأمن يظهر حتى ترحل المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1002 إلا الله. 3- وأن خيبر تفتح على يد علي رضي الله عنه في غد يومه. 4- وأنهم يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم. 5- وأن بنات فارس تخدمهم. وهذه الأمور كلها وقعت في زمن الصحابة رضي الله عنهم كما أخبر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1003 6- وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة. 7- وأن فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبداً، والروم ذات قرون كلما هلك قرن خلف مكانه قرن أهل صخر وبحر هيهات آخر الدهر. والمراد بالروم الفرنج والنصارى وكان كما أخبر ما بقي من سلطنة الفرس أثر ما بخلاف الروم، فإن سلطنتهم وإن زالت عن الشام في عهد خلافة عمر رضي الله عنه وانهزم هرقل من الشام إلى أقصى بلاده لكن لم تزل سلطنتهم بالكلية بل كلما هلك قرن خلفه قرن آخر. 8- وأن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1004 ما زوى لي منها) . والمعنى جمع الله لي الأرض مرة واحدة بتقريب بعيدها إلى قريبها حتى اطلعت على ما فيها، وستفتحها أمتي جزءاً فجزءاً حتى تمتلك جميع أجزائها، ولأجل تقييدها بمشارقها ومغاربها انتشرت ملته في المشارق والمغارب ما بين أرض الهند التي هي أقصى المشرق إلى بحر طنجة الذي في أقصى المغرب، ولم تنتشر في الجنوب والشمال مثل انتشارها في المشرق والمغرب، ولعل في إتيانهما بلفظ الجمع، وفي تقديم المشارق، إيماء إلى ما هنالك وإلى ظهور كثرة العلماء منهما بالنسبة إلى غيرهما، وأن علماء المشرق أكثر وأظهر من علماء المغرب. 9- وأنه لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) . وفي حديث آخر رواية أبي أمامة: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك وقيل: يا رسول الله وأين هم قال: ببيت المقدس) والمراد عند جمهور العلماء بأهل الغرب أهل الشام لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1005 غرب الحجاز بدلالة رواية وهم بالشام. 10- وأن الفتن لا تظهر ما دام عمر حياً وكان كما أخبر، وكان عمر رضي الله عنه سد باب الفتنة. 11- وأن المهدي رضي الله عنه يظهر. 12- وأن عيسى عليه السلام ينزل. 13- وأن الدجال يخرج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1006 وهذه الأمور الثلاثة ستظهر إن شاء الله تعالى والله أعلم. 14- أن عثمان يقتل وهو يقرأ في المصحف. 15 - وأن أشقى الآخرين من يصبغ هذه من هذه. يعني لحية علي من دم رأسه، يعني يقتله وهما رضي الله عنهما استشهدا كما أخبر. 16- وأن عماراً تقتله الفئة الباغية فقتله أصحاب معاوية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1007 17- وأن الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً عضوضاً بعد ذلك) فكانت الخلافة الحقة كذلك بمضي مدة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، لأن خلافة أبي بكر رضي الله عنه كانت سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان رضي الله عنه إحدى عشرة سنة وإحدى عشر شهراً وثمانية عشر يوماً، وخلافة علي رضي الله عنه أربع سنين وعشرة أشهر وتسعة أيام، وبتمامها خلافة الحسن رضي الله عنه. 18- وأن هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش والمراد يزيد وبنو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1008 مروان. 19- وأن الأنصار يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام، فلم يزل أمرهم يتفرق حتى لم يبق لهم جماعة. ووقع كما أخبر. 20- وأنه يكون في ثقيف كذاب ومبير أي مهلك، فرأوهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1009 المختار والحجاج. 20- وأن الموتتين أي الوباء والطاعون يكون بعد فتح بيت المقدس، وكان هذا الوباء في خلافة عمر رضي الله عنه بعمواس من قرى بيت المقدس، وبها كان عسكره، وهو أول طاعون وقع في الإسلام مات به سبعون ألفاً في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1010 ثلاثة أيام. 22- وأنهم يغزون في البحر كالملوك على الأسرة ففي الصحيحين: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان من خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوماً فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك فقالت: ممَّ تضحك؟ قال: ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر 2 ملوكاً على الأسرة أو كالملوك على الأسرة. فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم 3 فقال: أنت من الأولين. فركبت البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها بعد خروجها منه فهلكت) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1011 23- وأن الإيمان لو كان منوطاً بالثريا لناله رجال من أبناء فارس وفيه إشارة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي رحمه الله تعالى أيضاً. 24- وأن فاطمة أول أهله لحوقاً به فماتت رضي الله عنها بعد ستة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1012 أشهر من وفاته صلى الله عليه وسلم. 25- (وأن ابني هذا) أي الحسن ابن علي رضي الله عنهما (سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين) ووقع كما أخبر، فأصلح الله به بين أتباعه وأهل الشام. 26- وأن أبا ذر يعيش وحيداً، ويموت. فكان كما أخبر. 27- (وأن أسرع أزواجه لحوقاً به أطولهن يداً) فكانت زينب بنت جحش رضي الله عنها أسرعهن لحوقاً به لطول يدها بالصدقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1013 28- (وأن الحسين بن علي رضي الله عنهما يقتل بالطف) وهو بفتح الطاء وتشديد الفاء مكان بناحية الكوفة على شط نهر الفرات، والآن اشتهر بكربلاء، فاستشهد الحسين رضي الله عنه في الطف كما أخبر. 29- وقال لسراقة بن جعشم: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1014 فلما أتى بهما عمر رضي الله عنه ألبسهما إياه وقال: الحمد لله الذي سلبهما كسرى وألبسهما سراقة. 30- وقال لخالد رضي الله عنه حين وجهه لاكيدر: إنك تجده يصيد البقر. فكان كما أخبر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1015 وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الشيخين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز يضيء لها أعناق الإبل ببصرى) . وقد خرجت نار عظيمة على قرب مرحلة من المدينة، وكان ابتداؤها يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت خفيفة إلى ليلة الثلاثاء بيومها، ثم ظهرت ظهوراً اشترك فيه الخاص والعام، ولعدم ظهورها ظهوراً معتداً إلى يوم الثلاثاء خفي عن البعض وقال ابتداؤها كان ثالث الشهر، وفي يوم الأربعاء ظهرت ظهوراً شديداً، واشتدت حركتها واضطربت الأرض بمن عليها، وارتفعت الأصوات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1016 لخالقها، ودامت آثار الحركة حتى أيقن أهل المدينة بوقوع الهلاك وزلزلوا زلزالاً شديداً فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ثار في الجو دخان متراكم أمره متفاقم ثم شاع النار وعلا حتى غشى الأبصار، فسكنت بقريظة عند قاع التنعيم بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف كشراريف الحصون وأبراج ومآذن، ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور والجبال بين يديه. وكان يأتي المدينة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم نسيم بارد. وكان انطفاؤها في السابع والعشرين من شهر رجب ليلة الإسراء والمعراج وللشيخ قطب الدين القسطلاني تأليف في بيان حال هذه النار سماه بحمل الإيجاز في الإعجاز بنار الحجاز. فهذا الخبر من الأخبار العظيمة أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بخروج هذه النار قبل ظهورها بمقدار ستمائة وخمسين سنة تقريباً، وكتب في البخاري قبل ظهورها بمقدار أربعمائة سنة تقريباً، وصحيح البخاري في غاية درجة القبول من زمان التأليف إلى هذا الحين حتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1017 أخذ تسعون ألف رجل سنده من الإمام المرحوم بلا واسطة في مدة حياته فلا مجال لعناد معاند في تكذيب هذا الخبر الصريح الصادق. وروى مسلم في كتاب الفتن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في أمر الدجال من طريق أبي قتادة عن يسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري فقال: ألا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة. قال: فقعد وكان متكئاً، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة. ثم قال: بيده هكذا ونحاها نحو الشام. فقال: عدو يجتمعون لأهل الشام ويجتمع لهم أهل الشام. قلت: الروم يعني. قال: نعم. ويكون عند ذلك القتال ردة شديدة أي هزيمة، فيشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1018 يحجز بينهم الليل، فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم (أي الروم) فيقتتلون مقتلة، أما قال: لا يرى مثلها، وأما قال: لم ير مثلها حتى أن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً فيتعاد بنو الأب، كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم. فبينما هم كذلك إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك فجاءهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون الحديث. عصمنا الله من فتنة الدجال. واعلم أن علماء بروتستنت على ما هو عادتهم يغلطون العوام باعتراضات مموهة على الإخبارات المستقبلة المندرجة في القرآن والحديث، فأنقل ههنا بعض الإخبارات المنسوبة إلى الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام عن كتبهم المقدسة ليعلم المخاطب أن اعتراضاتهم ليست بشيء، وليس غرضي سوء الاعتقاد في أقوال الأنبياء عليهم السلام لأنها ليست بثابتة الإسناد إليهم ثبوتاً قطعياً، بل حكمها حكم الروايات الضعيفة المروية بروايات الآحاد، فالغلط منها ليس بقولهم يقيناً والاعتراض عليه حق فأقول: الأول: الخبر المنقول في الباب السادس من سفر التكوين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1019 والثاني: الخبر المنقول في الآية الثامنة من الباب السابع من كتاب أشعيا. والثالث: الخبر المنقول في الباب التاسع والعشرين من كتاب أرمياء. والرابع: الخبر المندرج في الباب السادس والعشرين من كتاب حزقيال. والخامس: الخبر المندرج في الباب الثامن من كتاب دانيال. والسادس: الخبر المندرج في الباب التاسع من الكتاب المذكور. والسابع: الخبر المندرج في الباب الثاني عشر من الكتاب المذكور. والثامن: الخبر المندرج في الباب السابع من سفر صموئيل الثاني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1020 والتاسع: الخبر المندرج في الآية 39 و 40 من الباب الثاني عشر من إنجيل متى. والعاشر: الخبر المندرج في الآية السابعة والعشرين والثامنة والعشرين من الباب السادس عشر من إنجيل متى. والحادي عشر: الخبر المندرج في الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى. والثاني عشر: الخبر المندرج في الباب العاشر من إنجيل متى. وكلها غلط كما عرفت هذه الأمور في الباب الأول، فإن أراد أحد منهم أن يعترض على أخباره من الإخبارات المستقبلة المندرجة في القرآن والحديث فعليه أن يبين أولاً صحة هذه الإخبارات المندرجة في كتبهم التي أشرت إليها الآن ثم يعترض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1021 وأما النوع الثاني ففي الأفعال التي ظهرت منه عليه السلام على خلاف العادة وهي تزيد على ألف وأكتفي على ذكر أربعين: 1- قال الله تعالى في سورة بني إسرائيل: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} . فهذه الآية والأحاديث الصحيحة تدل على أن المعراج كان في اليقظة بالجسد، أما دلالة الأحاديث ففي غاية الظهور، وأما دلالة الآية فلأن لفظ العبد يطلق على مجموع الجسد والروح. قال الله تعالى: {أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى) ، وقال أيضاً في سورة الجن: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} . ولا شك أن المراد في الموضعين من العبد مجموع الروح والجسد، فكذا المراد بالعبد ههنا. ولأن الكفار استبعدوا هذا المعراج وأنكروه وارتد بسماعه ضعفاء المسلمين وافتتنوا به فلو لم يكن المعراج بالجسد وفي اليقظة لما كان سبباً لاستبعاد الكفار وإنكارهم وارتداد ضعفاء المسلمين وافتتانهم. إذ مثل هذا في المنامات لا يعد من المحال ولا يستبعد ولا ينكر ألا ترى أن أحداً لو ادعى أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1022 سار في نومه مرة في الشرق ومرة في الغرب وهو لم يتحول عن مكانه ولم تتبدل حاله الأولى، لم ينكره أحد ولم يستبعد، ولا استحالة فيه عقلاً ونقلاً. أما عقلاً فلأن خالق العالم قادر على كل الممكنات، وحصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد في جسد محمد صلى الله عليه وسلم ممكن، فوجب كونه تعالى قادراً عليه وغاية ما في الباب أنه خلاف العادة والمعجزات كلها تكون كذلك. وأما نقلاً فلأن صعود الجسم العنصري إلى الأفلاك ليس بممتنع عند أهل الكتاب. 1 - قال القسيس وليم اسمت في كتابه المسمى بطريق الأولياء في بيان حال أخنوخ الرسول الذي كان قبل ميلاد المسيح بثلاث آلاف سنة وثلثمائة واثنتين وثمانين سنة هكذا: (أن الله نقله حياً إلى السماء لئلا يرى الموت كما هو مرقوم أنه لم يوجد لأن الله نقله فترك الدنيا من غير أن يحمل المرض والوجع والألم والموت ودخل بجسده في ملكوت السماء) انتهى. وقوله كما هو مرقوم إشارة إلى الآية الرابعة والعشرين من الباب الخامس من سفر التكوين. وفي الباب الثاني من سفر الملوك الثاني هكذا: 1 (وكان لما أراد الرب أن يصعد ايليا بالعجاج إلى السماء انطلق ايليا واليسع من الجلجال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1023 11 وبينما هما يسيران ويتكلمان إذ بعجلة من نار وخيل من نار فاقتربت فيما بينهما وصعد ايليا بالعجاج إلى السماء) . وقال آدم كلارك المفسر في شرح هذا المقام: (لا شك أن إيليا رفع إلى السماء حياً) انتهى كلامه. والآية التاسعة عشر من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (ثم الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله) . وقال بولس في حال معراجه في الباب الثاني عشر من رسالته الثانية إلى أهل قورنيثوس هكذا: 2 (أعرف إنساناً في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم الله يعلم اختطف هذا إلى السماء الثالثة 3 وأعرف هذا الإنسان أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم الله يعلم أنه اختطف إلى الفردوس 4 وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1024 فادعى معراجه إلى السماء الثالثة وإلى الفردوس وبسماع كلمات لا ينطق بها، وليس لإنسان أن يتكلم بها 5 وقال يوحنا في الباب الرابع من المكاشفات 1 (وبعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم قائلاً اصعد إلى ههنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا 2 وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس) . فهذه الأمور مسلمة عند المسيحيين فلا مجال للقسيسين أن يعترضوا على معراج النبي صلى الله عليه وسلم عقلاً أو نقلاً. نعم يرد عليهم أنه لا وجود للسماوات على حكم علم الهيئة الجديد، فكيف يصدق عندهم أن أخنوخ وإيليا والمسيح عليهم السلام رفعوا إلى السماء وجلس المسيح على يمين الله واختطف مقدسهم إلى السماء الثالثة وإلى الفردوس. وقد عرفنا مطهر البابويين وجهنمهم كما مر في الفصل الثاني من الباب الخامس لكنا ما عرفنا فردوس المسيحيين أهو على السماء الثالثة الموهومة كأنياب الأغوال عندهم أو فوقها أو هو عبارة عن جهنم كما يفهم بملاحظة الإنجيل وكتاب عقائدهم، لأن المسيح قال للسارق المصلوب معه وقت الصلب إنك اليوم تكون معي في الفردوس. وهم يصرخون في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1025 العقيدة الثالثة من عقائدهم أنه نزل إلى جهنم، فإذا لاحظنا الأمرين يعلم أن الفردوس عندهم جهنم. قال جواد بن ساباط في البرهان السادس عشر من المقالة الثانية من كتابه أن القسيس كياروس سألني في حضور المترجمين: ماذا يعتقد المسلمون في معراج محمد صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إنهم يعتقدون أنه من مكة إلى أورشليم ومنه إلى السماء. قال: لا يمكن صعود الجسم إلى السماء. قلت: سألت بعض المسلمين عنه فأجاب أنه يمكن كما أمكن لجسم عيسى عليه السلام. قال القسيس: لِمَ لَمْ تستدل بامتناع الخرق والالتئام على الأفلاك؟ قلت: استدللت به لكنه أجاب أنهما ممكنان لمحمد صلى الله عليه وسلم كما كانا ممكنين لعيسى عليه السلام. قال القسيس: لِمَ لَمْ تقل أن عيسى إله له أن يتصرف ما يشاء في مخلوقاته؟ قلت: قد قلت ذلك لكنه قال أن ألوهية عيسى باطلة لأنه يستحيل أن يطرأ على الله علامات العجز كالمضروبية والمصلوبية والموت والدفن. انتهى. ونقل بعض الأحياء أن قسيساً في بلد بنارس من بلاد الهند كان يقول في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1026 بعض المجامع تغليطاً لجهال المسلمين البدويين كيف تعتقدون المعراج وهو أمر مستبعد فأجابه مجوسي من مجوس الهند أن المعراج ليس بأشد استبعاداً من كون العذراء حاملة من غير زوج، فلو كان مطلق الأمر المستبعد كاذباً فهذا أيضاً يكون كاذباً فكيف تعتقدونه فبهت القسيس. 2- قال الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} أخبر الله بوقوع الانشقاق بلفظ الماضي فيجب تحققه، وحمله على معنى سينشق بعيد لأربعة أوجه: الأول: أن قراءة حذيفة وقد انشق القمر وهي صريحة في الزمان الماضي والأصل توافق القراءتين. والثاني: أن الله أخبر بإعراضهم عن آياته والإعراض الحقيقي عنها لا يتصور قبل وقوعها. والثالث: أن المفسرين المشهورين صرحوا بأن انشق بمعناه، وردوا قول من قال بمعنى سينشق. والرابع: أن الأحاديث الصحيحة تدل على وقوعه قطعاً. ولذلك قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1027 شارح المواقف: (وهذا متواتر قد رواه جمع كثير من الصحابة كابن مسعود وغيره) انتهى كلامه. وقال العلامة أبو نصر عبد الوهاب ابن الإمام علي بن عبد الكافي بن تمام الأنصاري السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب في الأصول: (والصحيح عندي أن انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن مروي في الصحيحين وغيرهما) انتهى كلامه. وأقوى شبهات المنكرين أن الأجرام العلوية لا يتأتى فيها الخرق والالتئام وأن هذا الانشقاق لو وقع لم يخف على أهل الأرض كلهم ونقله مؤرخو العالم. (والجواب) أن هذه الشبهة ضعيفة جداً نقلاً وعقلاً. أما نقلاً فلسبعة أوجه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1028 الوجه الأول: أن حادثة طوفان نوح عليه السلام كانت ممتدة إلى سنة، وفنى فيه كل ذي حياة من الطيور والبهائم والحشرات والإنسان غير أهل السفينة، وما نجا من الإنسان غير ثمانية أشخاص على ما هو مصرح به في الباب السابع والثامن من سفر التكوين. وفي الآية العشرين من الباب الثالث من الرسالة الأولى لبطرس هكذا: (في أيام نوح إذ كان الفلك يبني الذي فيه خلص قليلون أي ثمانية أنفس بالماء) . والآية الخامسة من الباب الثاني من رسالته الثانية هكذا: (ولم يشفق على العالم القديم بل إنما حفظ نوحاً ثامناً كارزا للبر إذ جلب طوفاناً على عالم الفجار) . وما مضت على هذه الحادثة مدة إلى هذا اليوم على زعم أهل الكتاب إلا مقدار أربعة آلاف ومائتين واثنتي عشرة سنة شمسية ولا يوجد هذا الحال في تواريخ مشركي الهند وكتبهم. وهم ينكرون هذا الأمر إنكاراً بليغاً ويستهزئ به علماؤهم كافة ويقولون: لو قطع النظر عن الزمان السالف ونظر إلى زمان كرشن الأوتار، الذي كان قبل هذا اليوم بمقدار أربعة آلاف وتسعمائة وستين سنة على شهادة كتبهم، لا مجال لصحة هذه الحادثة العامة لأن الأمصار العظيمة الكثيرة من ذلك العهد إلى هذا الحين مغمورة وثبت بشهادة تواريخهم أنه يوجد من ذلك العهد إلى هذا الحين في إقليم الهند الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1029 مليونات كثيرة في كل زمان من الأزمنة، ويدعون أن حال زمان كرشن لوجود كثرة التواريخ كحال أمس. وقال ابن خلدون في المجلد الثاني من تاريخه: (واعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط) انتهى كلامه بلفظه. وقال العلامة تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزي في المجلد الأول من كتابه المسمى بكتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: (الفرس وسائر المجوس والكلدانيون أهل بابل والهند وأهل الصين وأصناف الأمم المشرقية ينكرون الطوفان، وأقر به بعض الفرس لكنهم قالوا لم يكن الطوفان بسوى الشام والمغرب ولم يعم العمران كله ولا غرق إلا بعض الناس ولم يجاوز عقبة حلوان ولا بلغ إلى ممالك المشرق) انتهى كلامه بلفظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1030 وأبناء صنف القسيسين ينكرون هذا الطوفان ويستهزئون به. وأنقل كلام جان كلارك الملحد عن رسالته الثالثة المندرجة في كتابه المطبوع سنة 1839 في ليدس فقال في الصفحة 54: (هذا) يعني الطوفان، غير صحيح على شهادة علم الفلسفة وأنا أتعجب! أمات الحيتان في ماء هذا الطوفان؟. ولما كان بحكم الآية الخامسة من الباب السادس من سفر التكوين أفكار قلوب الإنسان ذميمة فلماذا أبقى الله ثمانية أشخاص. لِمَ لَمْ يخلق الإنسان مرة أخرى بعد إهلاك الكل؟ ولماذا أبقى بضاعته القديمة التي بقيت الأفكار الذميمة باقية بسببها؟ لأن الشجرة الرديئة لا تثمر ثمرة جيدة كما قال متى في الآية السادسة عشر من الباب السابع، هل يجتنبون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً؟. ونوح كان شارب الخمر وبهيمة وظالماً (والعياذ بالله) . كما يفهم من الآية 21 و 25 من الباب التاسع من سفر التكوين فكيف يرجى منه أن يكون نسله صالحاً. وانظروا أنه لم يكن صالحاً كما يظهر من الآية الثانية من الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل أفسيس والآية الثالثة من الباب الثالث من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1031 رسالته إلى تيطس والآية الثالثة من الباب الرابع من الرسالة الأولى لبطرس والآية [ص 190] الخامسة من الزبور الحادي والخمسين) انتهى كلامه. ثم استهزأ في هذه الصفحة 93 استهزاءً بليغاً جاوز الحد في إساءة الأدب، فلا أرضى بنقل كلامه القبيح. (الوجه الثاني) في الباب العاشر من كتاب يوشع، على وفق الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: 12 حينئذ تكلم يسوع أمام الرب في اليوم الذي دفع الأموري في يدي بني إسرائيل، وقال أمامهم أيتها الشمس مقابل جبعون لا تتحركي والقمر مقابل قاع ايلون 13 (فوقف الشمس والقمر حتى انتقم الشعب من أعدائهم، أليس هذا مكتوباً في سفر الأبرار فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تكن تعجل إلى الغروب يوماً تاماً) . وفي الباب الرابع من الحصة الثالثة من كتاب تحقيق الدين الحق، المطبوع سنة 1846 في الصفحة 362 هكذا: (أما غربت الشمس بدعاء يوشع إلى أربع وعشرين ساعة) انتهى كلامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1032 وهذه الحادثة عظيمة وكانت على زعم المسيحيين قبل ميلاد المسيح بألف وأربعمائة وخمسين سنة فلو وقعت لظهرت على الكل ولا يمنع السحاب الغليظ علمه أيضاً، وهو ظاهر ولا اختلاف في الآفاق لأنا لو فرضنا أن بعض الأمكنة كان فيها الليل في هذا الوقت لأجل الاختلاف فلا بد أن تظهر لامتداد ليلهم بقدر أربع وعشرين ساعة. وهذه الحادثة العظيمة ليست مكتوبة في كتب تواريخ أهل الهند ولا أهل الصين ولا الفرس. وأنا سمعت من علماء مشركي الهند تكذيبها، وهم يجزمون بأنها غلط يقيناً، وأبناء صنف القسيسين يكذبونها ويستهزئون بها وأوردوا عليها اعتراضات: الاعتراض الأول: أن قول يوشع أيتها الشمس لا تتحركي، وقوله فوقفت الشمس، يدلان على أن الشمس متحركة والأرض ساكنة، وإلا كان عليه أن يقول أيتها الأرض لا تتحركي فوقفت الأرض، وهذا الأمر باطل بحكم علم الهيئة الجديد الذي يعتمد عليه حكماء أوروبا كلهم الآن ويعتقدون ببطلان القديم، لعل يوشع ما كان يعلم هذه الحال، أو هذه القصة كاذبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1033 والاعتراض الثاني: أن قوله فوقفت الشمس في كبد السماء يدل على أن هذا الوقت كان نصف النهار وهذا مخدوش أيضاً بوجوه: أما أولاً: فلأن بني إسرائيل كانوا قتلوا من المخالفين ألوفاً وهزموهم ولما هربوا أمطر الرب عليهم حجارة كباراً من السماء، وكان الذين ماتوا بالحجارة أكثرمن الذين قتلهم بنو إسرائيل، وهذه الأمور حصلت قبل نصف النهار على ما هو مصرح به في الباب فلا وجه لاضطراب يوشع عليه السلام في هذا الوقت لأن المظفرين من بني إسرائيل كانوا كثيرين جداً والباقون من المخالفين قليلين جداً وكان الباقي من النهار مقدار النصف، فقتلهم قبل الغروب كان في غاية السهولة. وأما ثانياً: فلأن الوقت لما كان نصف النهار فكيف رأوا القمر في هذا الوقت على أن توقيفه لغو على قواعد الفلسفة. وأما ثالثاً: فلأن الوقت لما كان نصف النهار وكان بنو إسرائيل مشتغلين بالمحاربة والاضطراب، وما كان لهم شك في المقدار الباقي من النهار، وما كانت الساعات عندهم في ذلك الزمان. فكيف علموا أن الشمس قامت على دائرة نصف النهار بمقدار اثنتي عشرة ساعة وما مالت إلى هذه المدة إلى جانب المغرب. والاعتراض الثالث: قال جان كلارك: (إن الله كان وعد أن جميع أيام الأرض زرع وحصاد، برد وحر، صيف وشتاء، ليل ونهار، لا تهدأ كما هو مصرح به في الآية الثانية والعشرين من الباب الثامن من سفر التكوين فإذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1034 لم تغرب الشمس إلى المدة المذكورة هدأ الليل في ذلك الوقت) . (الوجه الثالث) في الآية الثامنة من الباب الثامن والثلاثين في بيان رجوع الشمس بمعجزة أشعيا هكذا: (فرجعت الشمس عشر درجات في المراقي التي كانت قد انحدرت) . وهذه الحادثة عظيمة، ولما كانت في النهار فلا بد أن تظهر لأكثر أهل العالم، وكانت قبل ميلاد المسيح بسبعمائة وثلاث عشرة سنة شمسية، وهذه الحادثة ليست مكتوبة في تواريخ أهل الهند والصين والفرس. وأيضاً يفهم منها حركة الشمس وسكون الأرض، وهذا أيضاً باطل على حكم علم الهيئة الجديد. على أنا لو قطعنا النظر عن هذا، فنقول أن ههنا ثلاثة احتمالات أما أن رجع النهار فقط بمقدار عشر درجات، أو الشمس رجعت في السماء بهذا المقدار كما هو الظاهر، أو رجعت حركة الأرض من المشرق إلى المغرب بهذا المقدار. وهذه الاحتمالات الثلاثة باطلة بحكم الفلسفة. وهذه الحوادث الثلاثة مسلمة عند اليهود والنصارى والحوادث الباقية التي أذكرها تختص بالنصارى. (الوجه الرابع) في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى: 51 (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت، والصخور تشققت 52 والقبور تفتحت وقام كثير من أجسام القديسين الراقدين 53 وخرجوا من القبور بعد قيامه ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1035 وهذه الحادثة كاذبة يقيناً كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول، ولا توجد في تواريخ المخالفين القديمة من الرومانيين واليهود، ولم يذكر مرقس ولوقا تشقق الصخور، وتفتح القبور، وخروج كثير من أجساد القديسين ودخولهم في المدينة المقدسة، مع أن ذكرها كان أولى من ذكر صراخ عيسى عليه السلام عند الموت الذي اتفقا على ذكره. وتشقق الصخور من الأمور التي يبقى أثرها بعد الوقوع، والعجب أن متى لم يذكر أمر هؤلاء الموتى بعد انبعاثهم لأي الناس ظهروا، وكان اللائق ظهورهم على اليهود وبيلاطس ليؤمنوا بعيسى عليه السلام كما كان اللائق على عيسى عليه السلام أن يظهر على هؤلاء بعد قيامه من الأموات ليزول الاشتباه ولا يبقى المجال لليهود أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوا جثته. وكذا لم يذكر أن هؤلاء الموتى بعد الانبعاث رجعوا إلى أجسادهم أو بقوا في الحياة. وقال بعض الظرفاء: لعل متى فقط رأى هذه الأمور في المنام. على أنه يفهم من عبارة لوقا أن انشقاق حجاب الهيكل كان قبل وفاة عيسى عليه السلام خلافاً لمتى ومرقس. (الوجه الخامس) كتب متى ومرقس ولوقا في بيان صلب المسيح، أن الظلمة كانت على الأرض كلها من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة، وهذه الحادثة لما كانت في النهار على الأرض كلها وممتدة إلى أربع ساعات، فلا بد أن لا تخفى على أكثر أهل العالم، ولا يوجد ذكرها في تواريخ أهل الهند والصين والفرس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1036 (الوجه السادس) أن متى كتب في الباب الثاني قصة قتل الأطفال، ولم يكتبها غيره من الإنجيليين والمؤرخين. (الوجه السابع) في الباب الثالث من إنجيل متى ولوقا، وفي الباب الأول من إنجيل مرقس هكذا: (فساعة طلع من الماء رأى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه، وكان صوت من السماوات (أنت ابني الحبيب الذي به سررت) انتهى بعبارة مرقس. فانشقاق السماوات لما كان في النهار، فلا بد أن لا يخفى على أكثر أهل العالم، وكذا رؤية الحمامة وسماع الصوت لا يختص بواحد دون واحد من الحاضرين، ولم يكتب أحد هذه الأمور غير الإنجيليين. وقال "جان كلارك" مستهزئاً بهذه الحادثة: (إن متى أبقانا محرومين من الاطلاع العظيم، وهو أنه لم يصرح أن السماوات لما انفتحت هل انفتحت أبوابها الكبيرة؟ أم المتوسطة؟ أم الصغيرة؟ وهل كانت هذه الأبواب في هذا الجانب من الشمس أو في ذلك الجانب؟ ولأجل هذا السهو الذي صدر عن متى قسوسنا يضربون الرؤوس متحيرين في تعيين الجانب، ثم قال: وما أخبرنا أيضاً أن هذه الحمامة هل أخذها أحد وحبسها في القفص، أم رأوها راجعة إلى جانب السماء. ولو رأوها راجعة ففي هذه الصورة لا بد أن تبقى أبواب السماوات مفتوحة إلى هذه المدة، فلا بد أنهم رأوا باطن السماء بوجه حسن لأنه لا يعلم أن بواباً كان عليها قبل وصول بطرس هناك، لعل هذه الحمامة كانت جنية) انتهى كلامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1037 (وأما بطلانها عقلاً) فلوجوه ثمانية. (الأول) أن انشقاق القمر كان في الليل وهو وقت الغفلة والنوم والسكون عن المشي والتردد في الطرق سيما في موسم البرد، فإن الناس يكونون مستريحين في دواخل البيوت وزواياها مغلقين أبوابها، فلا يكاد يعرف من أمور السماء شيئاً إلا من انتظره واعتنى به، ألا ترى إلى خسوف القمر فإنه يكون كثيراً، وأكثر الناس لا يحصل لهم العلم به حتى يخبرهم أحد به في السحر. (والثاني) أن هذه الحادثة ما كانت ممتدة إلى زمان كثير، فما كان للناظر أن يذهب إلى الغير الذي هو بعيد عنه وينبهه، أو يوقظ النائم ويريه. (والثالث) أنها لم تكن متوقع الحصول لأهل العلم لينظروها في وقتها ويروها كما أنهم يرون هلال رمضان والعيدين والكسوف والخسوف في أوقاتها غالباً لأجل كونها متوقع الحصول، ولا يكون نظر كل واحد إلى السماء في كل جزء من أجزاء النهار أيضاً فضلاً عن الليل. فلذلك رأى الذين كانوا طالبين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1038 لهذه المعجزة وكذلك من وقع نظره في هذا الوقت إلى السماء كما جاء في الأحاديث الصحيحة أن الكفار لما رأوها قالوا: سحركم ابن أبي كبشة فقال أبو جهل: هذا سحر فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا رأوا ذلك أم لا؟ فأخبر أهل آفاق مكة أنهم رأوه منشقاً، وذلك لأن العرب يسافرون في الليل غالباً ويقيمون بالنهار فقالوا: هذا سحر مستمر. وفي المقالة الحادية عشر من تاريخ "فرشته" أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أيضاً، وأسلم والي تلك الديار التي كانت من مجوس الهند بعد ما تحقق له هذا الأمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1039 وقد نقل الحافظ المري عن ابن تيمية 6 أن بعض المسافرين ذكر أنه وجد في بلاد الهند بناءً قديماً مكتوباً عليه: "بني ليلة انشق القمر". (والرابع) أنه قد يحول في بعض الأمكنة وفي بعض الأوقات بين الرائي والقمر، سحاب غليظ أو جبل، ويوجد التفاوت الفاحش في بعض الأوقات في الديار التي ينزل فيها المطر كثيراً، بأنه يكون في بعض الأمكنة سحاب غليظ ونزول المطر بحيث لا يرى الناظر في النهار الشمس ولا هذا اللون الأزرق إلى ساعات متعددة، وكذا لا يرى في الليل القمر والكواكب ولا اللون المذكور. وفي بعض أمكنة أخرى لا أثر للسحاب ولا للمطر وتكون المسافة بين تلك الأمكنة والأمكنة الأولى قليلة، وأهل البلاد الشمالية كالروم والفرنج في موسم نزول الثلج والمطر لا يرون الشمس إلى أيام، فضلاً عن القمر. (والخامس) أن القمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1040 لاختلاف مطالعه ليس في حد واحد لجميع أهل الأرض، فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين، فيظهر في بعض الآفاق وبعض المنازل على أهل بعض البلاد دون بعض، ولذلك نجد الخسوف في بعض البلاد دون بعض، ونجده في بعض البلاد باعتبار بعض أجزاء القمر، وفي بعضها مستوفياً أطرافه كلها، وفي بعضها لا يعرفها إلا الحادقون في علم النجوم، وكثيراً ما يحدث الثقات من العلماء بالهيئة الفلكية بعجائب يشاهدونها من أنوار ظاهرة ونجوم طالعة عظام تظهر في بعض الأوقات أو الساعات من الليل، ولا علم لأحد بها من غيرهم. (والسادس) أنه قلما يقع أن يبلغ عدد ناظري أمثال هذه الحوادث النادرة الوقوع إلى حد يفيد اليقين، وأخبار بعض العوام لا يكون معتبراً عند المؤرخين في الوقائع العظيمة، نعم يعتبر أخبارهم أيضاً في الحوادث التي يبقى أثرها بعد وقوعها، كالريح الشديد، ونزول الثلج الكثير، والبرد. فيجوز أن مؤرخي بعض الديار لم يعتبروا أخبار بعض العوام في هذه الحادثة، وحملوه على تخطئة أبصار المخبرين العوام، وظنوا أنها تكون نحواً من الخسوف. (والسابع) أن المؤرخين كثيراً ما يكتبون الحوادث الأرضية ولا يتعرضون للحوادث السماوية إلا قليلاً سيما مؤرخي السلف، وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم في ديار إنكلترة وفرانس شيوع الجهل، واشتهارها بالصنائع والعلوم إنما هو بعد زمانه صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة. (والثامن) أن المنكر إذا علم أن الأمر الفلاني معجزة أو كرامة للشخص الذي ينكره تصدى لإخفائها، ولا يرضى بذكرها وكتابتها غالباً. كما لا يخفى على من طالع الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا، والباب الرابع والخامس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1041 من كتاب الأعمال، فظهر أن لا اعتراض عقلاً ونقلاً على معجزة شق القمر. وقال صاحب ميزان الحق في النسخة المطبوعة سنة 1843 في مر زابور: (معنى الآية على قاعدة التفسير منسوب إلى يوم القيامة، لأن لفظ الساعة المعروف باللام، قصد منه الساعة المعلومة والوقت المعلوم أعني القيامة، كما أن هذا اللفظ جاء بهذا المعنى في الآيات التي هي في آخر هذه السورة، ولأجل ذلك فسر بعض المفسرين منهم القاضي البيضاوي وغيره لفظ الساعة بمعنى القيامة وقالوا: أن من علامات يوم القيامة بحكم هذه الآية هذه العلامة أيضاً، أن القمر سينشق) انتهى كلامه. فادعى أمرين الأول: أن الصحيح على قاعدة التفسير أن يكون انشق بمعنى سينشق. والثاني: أن بعض المفسرين منهم القاضي البيضاوي وغيره فسروه هكذا. وكلاهما غلطان. أما (الأول) فلأن انشق صيغة ماض، وحمله على معنى سينشق مجاز ولا يصار إلى المجاز ما لم يتعذر الحمل على الحقيقة، وههنا لم يتعذر بل يجب الحمل على معناه الحقيقي كما عرفت آنفاً. أما (الثاني) فلأنه بهتان صرف على البيضاوي، وهو ما فسر انشق بينشق بل فسر بمعناه الماضي، لكنه بعد ما فسر على مختاره، نقل قول البعض بصيغة التمريض، ثم رد قوله فهذا القول مردود عنده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1042 ولما اعترض صاحب الاستفسار على مؤلف الميزان على العبارة المذكورة وقال: (أن القسيس إما غالط أو مغلط للعوام) . تنبه المؤلف المذكور وغير هذه العبارة في النسخة الجديدة الفارسية المطبوعة سنة 1849، ونسخة أردو المطبوعة سنة 1850 وقال: (لفظ الساعة المعرف باللام في حالة الأفراد جاء في كل موضع من القرآن بمعنى يوم القيامة، وجملة انشق القمر بسبب واو العطف ألحقت بجملة اقتربت الساعة، وتوجد في كل من الجملتين صيغة الماضي، فكما أن الفعل الأول اقتربت بمعنى المستقبل يعني سيجيء يوم القيامة، فكذا الفعل الثاني انشق أيضاً بمعنى سينشق يعني إذا جاء يوم القيامة ينشق القمر، وبعض العلماء المفسرين أيضاً فسروا هكذا مثل الزمخشري والبيضاوي، وإن اعتقدا في تفسيرهما أن هذه الآية معجزة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنهما صرحا هكذا أيضاً. وعن بعض الناس أن معناه ينشق يوم القيامة، وفي قراءة حذيفة وقد انشق القمر أي اقتربت الساعة، وقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1043 حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق وقال البيضاوي: وقيل معناه سينشق يوم القيامة) انتهى كلامه. فتنبه صاحب الميزان وغير العبارة، لكنه أعجب في تلخيص عبارة الكشاف حيث أسقط بعض العبارة زاعماً أنها غير مفيدة ونقل قوله: وفي قراءة حذيفة وقد انشق القمر الخ. وهذا القول لا يناسب مقصوده لأنه نص في ثبوت المعجزة المذكورة أن قيل: نقل هذا القول طرداً قلت فحينئذ لا وجه لإسقاط بعض العبارة، وعبارة الكشاف هكذا: (وعن بعض الناس أن معناه ينشق يوم القيامة. وقوله: وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر يرده وكفى به رداً قراءة حذيفة قد انشق القمر أي اقتربت الساعة، وقد حصل من آيات اقترابها إن القمر قد انشق كما تقول أقبل الأمير وقد جاء البشير بقدومه وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت وأن القمر قد انشق على عهد نبيكم) انتهى كلامه بلفظه. قوله: لفظ الساعة المعروف باللام الخ. وكذا قوله جملة: انشق القمر بسبب واو العطف الخ. لا يحصل منهما مقصوده، لعله فهم أن لفظ الساعة لما كان بمعنى القيامة وانشقاق القمر من علاماته، فلا بد أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1044 يكون متصلاً بها واقعاً فيها، وهذا غلط نشأ من عدم التأمل. قال الله تعالى في سورة محمد: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها} . فقوله: فقد جاء أشراطها يدل على أن أشراطها قد تحققت، لأن لفظة قد إذا دخلت على الماضي تكون نصاً على وجود الفعل في الزمان الماضي القريب من الحال، فلذلك فسر المفسرون هذا القول هكذا في البيضاوي (لأنه قد ظهرت إماراتها كمبعث النبي وانشقاق القمر) . وفي التفسير الكبير (الأشراط العلامات قال المفسرون: هي مثل انشقاق القمر ورسالة محمد عليه السلام، وفي الجلالين أي علاماتها منها مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وانشقاق القمر والدخان) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1045 وعبارة الحسيني كالبيضاوي قوله: فكما أن الفعل الأول اقتربت بمعنى المستقبل غلط لأنه بمعناه الماضي وترجمته بالفارسية يعني (رزو قيامت خواهد آمد) ليست بصحيحة، وما روي عن بعض الناس مردود عند المفسرين. ثم قال: (ولو سلمنا أن شق القمر وقع، لا يكون معجزة محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً، لأنه لم يصرح في هذه الآية ولا في آية أخرى أن هذه المعجزة ظهرت على يد محمد صلى الله عليه وسلم) انتهى. أقول: يدل على كونها معجزة الآية الثانية والأحاديث الصحيحة التي صحتها بحسب الضابطة العقلية زائدة على صحة هذه الأناجيل المحرفة المملوءة بالأغلاط، والاختلافات المروية برواية الآحاد المفقود أسانيدها المتصلة، كما علمت في الباب الأول والثاني. ثم قال: (إن علاقة الآية الثانية بالآية الأولى أن المنكرين يرون في آخر الزمان علامات القيامة ولا يؤمنون بها، بل يقولون على عادة كفار السلف أنها سحر فاحش لا غير) انتهى كلامه. وهذا أيضاً غلط بوجهين: الأول: أن المنكر لا ينكر عناداً، والكافر لا ينسب الأمر الخارق للعادة إلى السحر إلا إذا كان أحد ادعى أن هذا الأمر الخارق من معجزاتي أو كراماتي. وإذا ظهرت علامات القيامة في آخر الزمان من غير الادعاء فكيف ينكرها المنكرون، وكيف يقولون: أنها سحر فاحش لا غير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1046 والثاني: أن انشقاق القمر في المستقبل لا يكون إلا في يوم القيامة، خاصة وفي هذا اليوم لا يقول الكفار إنه سحر مستمر لظهور أمر القيامة في هذا اليوم على كل أحد. إلا أن يكون أحد منهم عاقلاً معانداً مثل هذا الموجه فلعله يقول بزعمه، أو يتفوه بهذا القول هذا الموجه بنفسه أو أمثاله من علماء بروتستنت، بعد انبعاثهم من أحداثهم لرسوخ عناد الدين المحمدي في قلوبهم. ثم قال: (لو ظهرت هذه المعجزة على يد محمد لأخبر المعاندين الذين كانوا يطلبون منه معجزة بأني شققت القمر في الوقت الفلاني فلا تكفروا) وستطلع على جوابه في الفصل الثاني على أتم وجه إن شاء الله. وقال صاحب وجهة الإيمان منكراً لهذه المعجزة: (عدة أشخاص من المفسرين مثل الزمخشري والبيضاوي فسروا هذا المقام بأن القمر ينشق يوم القيامة، ولو وقع لاشتهر في جميع العالم ولا معنى لاشتهاره في إقليم واحد) انتهى كلامه ملخصاً. وقد ظهر لك مما ذكرنا أن كلا الأمرين ليسا بصحيحين يقيناً، وهذا القسيس فاق مؤلف الميزان، حيث أورد الدليل النقلي والعقلي، وصرح باسم الكشاف، أيضاً لعله رأى في النسخة القديمة للميزان لفظاً كالبيضاوي وغيره، فظن أن المراد بالغير الكشاف، لأن البيضاوي له مناسبة كثيرة بالكشاف بالنسبة إلى التفاسير الأخر، فصرح باسم الكشاف ليحصل له الفضل على مؤلف الميزان. وصاحب الكشاف قال في مبدأ تفسير هذه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1047 السورة: (انشقاق القمر من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معجزاته النيرة) انتهى كلامه. وقال صاحب الرسالة التي ألفها في جواب مكتوب الفاضل نعمت على الهند معترضاً على هذه المعجزة: (لا يثبت من هذه الآية أن هذه المعجزة صدرت عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت هذا الأمر من التفاسير) انتهى. وهذا الثالث بالخير المنبثق من الأولين فاق كليهما حيث قال: لا يثبت هذا الأمر من التفاسير لعله اعتقد أن القسيس الأول صادق في قوله كالبيضاوي وغيره، والقسيس الثاني صادق في قوله مثل الزمخشري والبيضاوي، ثم قاس حال سائر التفاسير على هذين التفسيرين فقال: ولا يثبت هذا الأمر من التفاسير، ليحصل له الفضل على القسيسين الأولين، ويظهر تبحره عند قومه بأنه طالع التفاسير كلها، فظهر أن كل لاحق من هؤلاء الثلاثة على سابقه، وهذا ليس بعجيب لأن مثل هذا الأمر قد شاع بين المسيحيين في القرن الأول كما يظهر من رسائل الحواريين، وصار من المستحسنات الدينية في القرن الثاني من القرون المسيحية كما قال المؤرخ موشيم في بيان حال علماء القرن الثاني من القرون المسيحية في الصفحة 65 من المجلد الأول من تاريخه المطبوع سنة 1832: (كان بين متبعي رأي أفلاطون وفيثاغورس مقولة مشهورة أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق وعبادة الله ليسا بجائزين فقط بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح، كما يظهر هذا جزماً من كثير من الكتب القديمة، ثم أثر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1048 وباء هذا الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر هذا الأمر من الكتب الكثيرة التي نسبت إلى الكبار كذباً) انتهى كلامه. وقال آدم كلارك في المجلد السادس من تفسيره في شرح الباب الأول من رسالة بولس إلى أهل غلاطية: (هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الكاذبة الغير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة، والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية) انتهى. وإذا نسب أسلافهم أكثر من سبعين إنجيلاً إلى المسيح والحواريين ومريم عليهم السلام، فأي عجب لو نسب هؤلاء القسوس لأجل تغليط عوام أهل الإسلام بعض الأمور إلى تفاسير القرآن. واعلم أن الرسالة الأخيرة كانت مشتهرة في الهند، وكان القسيسيون يقسمونها كثيراً في بلاده، لكن لما كتب عدة من علماء الإسلام عليها رداً واشتهر ما كتبوا تركوها وطبع ثلاثة كتب من كتب الرد عليها. الأول: "التحفة المسيحية" لسيد الدين الهاشمي. والثاني: "تأييد المسلمين" لبعض أقارب مجتهد شيعة لكنهوا. والثالث: "خلاصة سيف المسلمين" للفاضل حيدر علي القرشي. 3- في البيضاوي: (روى أنه لما طلعت قريش من العقنقل، قال صلى الله عليه وسلم: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني. فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول كفاً من الحصباء فرمى بها في وجوههم. وقال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1049 شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل قتلت وأسرت) انتهى. وقال الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} يعني {وما رميت} يا محمد رمياً توصلها إلى أعينهم ولم تقدر عليه {إذ رميت} أي أتيت بصورة الرمي {ولكن الله رمى} أتى بما هو غاية الرمي، فأوصلها إلى أعينهم جميعاً حتى انهزموا، وتمكنتم من قطع دابرهم. وقال الفخر الرازي عليه الرحمة: (والأصح) أن هذه الآية نزلت في يوم بدر، وإلا لدخل في أثناء القصة كلام أجنبي عنها وذلك لا يليق بل لا يبعد أن يدخل تحته سائر الوقائع لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) انتهى كلامه. وقد عرفت في المقدمة حال ما تفوه به صاحب ميزان الحق على هذه المعجزة فلا أعيده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1050 4- نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة، وهذه المعجزة أعظم من تفجر الماء من الحجر كما وقع لموسى عليه السلام، فإن ذلك من عادة الحجر في الجملة، وأما من لحم ودم فلم يعهد من غيره صلى الله عليه وسلم. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده وأمر الناس أن يتوضؤوا منه قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فتوضأ الناس حتى توضؤوا عن آخرهم) وهذه المعجزة صدرت بالزوراء عند سوق المدينة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1051 5- عن جابر رضي الله عنه: (عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها وأقبل الناس نحوه وقالوا: ليس عندنا ماء إلا ما في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون) وكان الناس ألفاً وأربعمائة. 6- عن جابر رضي الله عنه (قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ناد بالوضوء وذكر الحديث بطوله وأنه لم نجد إلا قطرة في عزلاء شجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1052 فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فغمره وتكلم بشيء لا أدري ما هو وقال: ناد بجفنة الركب فأتيت بها فوضعتها بين يديه، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده في الجفنة وفرق أصابعه وصب جابر عليه وقال: بسم الله. قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلأت. وأمر الناس بالاستقاء فاستقوا حتى رووا. فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى) وهذه المعجزة صدرت في غزوة بواط. 7- عن معاذ بن جبل في قصة غزوة تبوك، وأنهم وردوا العين وهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1053 تبض بشيء من ماء مثل الشراك، فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه فيه ويديه ثم أعاده فيها، فجرت بماء كثير فاستقى الناس. قال في حديث ابن إسحاق: فانهرق من الماء ما له حس كحس الصواعق، ثم قال: يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما ههنا قد مليء جناناً) . 8- عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنه قال: (حين أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عطش في بعض أسفارهم، فوجه رجلين من أصحابه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1054 وأعلمهما أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بعير عليه مزادتان الحديث فوجداها وأتيا بها النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في إناء من مزاديتها وقال فيه ما شاء الله، ثم أعاد الماء في المزادتين ثم فتحت عزليها وأمر الناس فملؤوا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئاً إلا ملؤه. قال عمران: ويخيل لي أنهما لم تزدادا إلا امتلاء، ثم أمر فجمع للمرأة من الأزواد حتى ملؤوا ثوبها وقال: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئاً ولكن الله سقانا) . 9- في حديث عمر رضي الله عنه في جيش العسرة وذكر ما أصابهم من العطش، حتى أن الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، فرغب أبو بكر إلى النبي في الدعاء، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت 2 السماء فانسكبت فملؤوا ما معهم من آنية ولم تجاوز العسكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1055 10- عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فاستطعمه شطر وسق شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم. 11- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم ثمانين رجلاً من أقراص من شعير، جاء بها أنس تحت يده أي إبطه. 12- عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق 3 قال جابر رضي الله عنه: فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وأن برمتنا لتغط كما هي وأن عجيننا ليخبز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في العجين والبرمة وبارك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1056 13- عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر زهاء ما يكفيهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادع ثلاثين من أشراف الأنصار فدعاهم فأكلوا حتى تركوا، ثم قال: ادع ستين فكان مثل ذلك، ثم قال: ادع سبعين فأكلوا حتى تركوه. وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع. قال أبو أيوب رضي الله عنه: فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلاً. 14- عن سمرة بن جندب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1057 فتعاقبوها من غدوة حتى الليل، يقوم قوم ويقعد آخرون. 15- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة. وذكر في الحديث أنه عجن صاع من طعام وصنعت شاة فشوى سواد بطنها. وقال: وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا قد حز له حزة، ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل في القصعتين فحملته على البعير. 16- عن سلمة بن الأكوع وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1058 عنهم فذكروا مخمصة أصابت الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فدعا ببقية الأزواد، فجاء الرجل بالحثية 4 من الطعام وفوق ذلك، وأعلاهم الذي يأتي بالصاع من التمر فجمع على نطع وقال سلمة: فحززته كربضة العنز، ثم دعا الناس بأوعيتهم فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤه وبقي منه. 17- عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب، أمره أن يدعو له قوماً سماهم حتى امتلأ البيت والحجرة، فقدم لهم توراً فيه قدر من تمر جعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1059 حيساً، فوضعه وغمس ثلاث أصابعه، وجعل القوم يتغدون ويخرجون، وبقي التور نحواً مما كان. 18- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن فاطمة طبخت قدراً لغدائهما، ووجهت علياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتغذى معهما، فأمرها فغرفت لجميع نسائه صحفة صحفة، ثم له عليه السلام، ثم لعلي، ثم لها، ثم رفعت القدر وأنها لتفيض. قالت: فأكلنا منها ما شاء الله. 19- عن جابر رضي الله عنه في دين أبيه بعد موته، وقد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله فلم يقبلوه، ولم يكن في ثمرها كفاف دينهم، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره بجذها وجعلها بيادر في أصولها، فمشى فيها ودعا. فأوفى منه جابر غرماءه وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1060 20- قال أبو هريرة رضي الله عنه: أصاب الناس مخمصة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من شيء؟ فقلت: نعم شيء من التمر في المزود. قال: فآتى به. فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة. ثم قال: ادع عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم عشرة كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا. وقال: خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض منه ولا تكبه، فقبضت على أكثر ما جئت به فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى أن قتل عثمان فانتهب مني فذهب. ومعجزة تكثير الطعام ببركة دعائه مروية عن بضعة عشر صحابياً، ورواه عنهم أضعافهم من التابعين، ثم من لا يعد بعدهم، وأكثرها وردت في قصص مشهورة ومجامع مشهورة، ولا يمكن التحدث عنها إلا على وفق الصدق حذراً من التكذيب، وإنما حصل النبي صلى الله عليه وسلم أولاً الماء القليل أو الطعام القليل ثم كثره، ولم يخترع من بدء الأمر من العدم إلى الوجود الماء الكثير، أو الطعام الكثير، مراعاة للأدب بحسب الظاهر ليعلم أن الموجد هو الله. وإنما حصلت البركة بسبب النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان التكثير أيضاً في الحقيقة من جانب الله كالإيجاد. وهكذا فعله الأنبياء كما يظهر من معجزة ايلياء عليه السلام في تكثير الدقيق والزيت في بيت امرأة أرملة على ما صرح به في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1061 ومن معجزة اليسع عليه السلام في تكثير عشرين خبزاً من شعير وسنبل مفروك في منديل حتى أكل مائة رجل وفضل، كما هو مصرح به في الباب الرابع من سفر الملوك الثاني، ومن معجزة عيسى عليه السلام في تكثير خمسة أرغفة وسمكتين على ما صرح به في الباب الرابع عشر من إنجيل متى. 21- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فدنا منه أعرابي، فقال: يا أعرابي أين تريد؟ قال: أهلي، قال: هل لك إلى خير؟ قال: وما هو؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، قال: من يشهد لك على ما تقول، قال: هذه الشجرة السمرة، وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثاً. فشهدت أنه كما قال ثم رجعت إلى مكانها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1062 22- عن جابر رضي الله عنه ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم ير شيئاً يستتر به، فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده. وذكر جابر أنه فعل بالأخرى كذلك حتى إذا كان بالمنصف بينهما قال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا، فجلس خلفهما فخرجت أخضر. وجلست أحدث نفسي فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً والشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق. 23- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لأعرابي: أرأيت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1063 إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. فدعاه فجعل ينقد حتى أتاه فقال: ارجع. فعاد إلى مكانه. 24- عن جابر رضي الله عنه كان المسجد مسقوفاً على جذوع نخل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر، سمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار، وفي رواية أنس: حتى ارتج المسجد لخواره، وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوا به، وفي رواية المطلب: حتى تصدع وانشق حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1064 والخبر بأنين الجذع وحنينه باعتبار مبناه مشهور عند السلف والخلف، وباعتبار معناه متواتر يفيد العلم القطعي. رواه من الصحابة بضعة عشر منهم أُبَيِّ بن كعب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعد الساعدي، وأبو سعيد الخدري، وبريدة، وأم سلمة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1065 والمطلب بن أبي وداعة، رضي الله عنهم كلهم يحدثون بمعنى هذا الحديث وإن كانت ألفاظهم مختلفة في باب التحديث، فلا شك في حصول التواتر المعنوي. 25- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان حول البيت ستون وثلثمائة صنم مثبتة الأرجل بالرصاص في الحجارة، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد عام الفتح، جعل يشير بقضيب في يده إليها ولا يمسها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فما أشار إلى وجه صنم إلا وقع لقفاه ولا لقفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صنم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1066 26- دعا النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً إلى الإسلام، فقال: لا أؤمن بك حتى تحيي لي ابنتي. فقال صلى الله عليه وسلم: أرني قبرها فأراه إياه، فقال صلى الله عليه وسلم: يا فلانة. قالت: لبيك وسعديك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبين أن ترجعي إلى الدنيا؟ فقالت: لا والله يا رسول الله إني وجدت الله خيراً لي من أبوي، ووجدت الآخرة خيراً من الدنيا. 27- ذبح جابر رضي الله عنه شاة وطبخها وثرد في جفنة. وأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل القوم، وكان عليه الصلاة والسلام يقول لهم: كلوا ولا تكسروا عظماً. ثم إنه صلى الله عليه وسلم جمع العظام ووضع يده عليها ثم تكلم بكلام فإذا الشاة قامت تنفض ذنبها. 28- عن سعد بن ابى وقاص رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليناولني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1067 السهم لأتصل به فيقول: ارم به، وقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قوسه، حتى اندقت وأصيبت يومئذ عين قتادة يعني ابن النعمان حتى وقعت على وجنتيه، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه. 29- عن عثمان بن حنيف أن أعمى قال لرسول الله: ادع الله أن يكشف لي عن بصري. قال: فانطلق فتوضأ ثم صلِ ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف لي عن بصري، اللهم شفعه في. قال: فرجع وقد كشف الله عن بصره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1068 30- ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء، فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها فأعطاها رسوله، فأخذها متعجباً يرى أن قد هزئ به فأتاه بها وهو على شفاء فشربها فشفاه الله تعالى. 31- عن حبيب بن فديك، أن أباه ابيضت عيناه فكان لا يبصر بهما شيئاً فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر، فرأيته يدخل الإبرة وهو ابن ثمانين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1069 31- تفل في عيني علي رضي الله عنه يوم خيبر وكان رمداً فأصبح بارئاً. 33- نفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع يوم خيبر فبرأت. 34- أتته امرأة من خثعم معها صبي به بلاء لا يتكلم فأتى بماء فمضمض فاه وغسل يديه ثم أعطاها إياه، وأمرها بسقيه ومسه به، فبرأ الغلام وعقل عقلاً يفضل عقول الناس. 25- عن ابن عباس رضي الله عنهما: جاءت امرأة بابن لها به جنون، فمسح صدره، فثع ثعة، فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1070 36- انكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل، فمسح عليه، ودعا له وتفل فيه، فبرأ لحينه. 37- كانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة، فشكاها للنبي صلى الله عليه وسلم، فما زال يطحنها حتى رفعها ولم يبق لها أثر. 38- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قالت أمي: يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له. فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما آتيته. قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1071 39- دعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه، فلم تبق له باقية ولا بقيت لفارس رياسة في سائر أقطار الدنيا. 40- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أخرجت جبة طيانسة وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها، فنحن تغسلها للمرضى يستشفى بها. وهذه المعجزات، وإن لم يتواتر كل واحد منها، فالقدر المشترك بينها متواتر بلا شبهة، كشجاعة علي، وسخاوة حاتم، وهذا القدر يكفي، والحالات التي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1072 نقلها مرقس ولوقا كلها آحاد ليس اعتبارها مثل الأحاديث الصحيحة المروية بروايات الآحاد الثابتة أسانيدها المتصلة، بل الحالات التي اتفق على نقلها الإنجيليون الأربعة آحاد لا يزيد اعتبارها عندنا على رواية الآحاد كما عرفت في الباب الأول. المسلك الثاني: أخلاقه وأوصافه صلى الله عليه وسلم [أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم] أنه قد اجتمع فيه من الأخلاق العظيمة، والأوصاف الجزيلة، والكمالات العلمية والعملية، والمحاسن الراجعة إلى النفس والبدن والنسب والوطن، ما يجزم العقل بأنه لا يجتمع في غير نبي، فإن كل واحد منها وإن كان يوجد في غير النبي أيضاً، لكن مجموعها مما لا يحصل إلا للأنبياء، فاجتماعها في ذاته صلى الله عليه وسلم من دلائل النبوة وقد أقر المخالفون أيضاً بوجود أكثر هذه المحاسن في ذاته صلى الله عليه وسلم، مثلاً "اسبان هميس المسيحي" من الذين هم أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم والطاعنين في حقه، لكنه اضطر في الإقرار بوجود أكثر الأمور المذكورة في ذاته صلى الله عليه وسلم. كما نقل سيل قوله في مقدمة ترجمة القرآن في الصفحة السادسة من النسخة المطبوعة سنة 1850 هكذا: (أنه كان حسن الوجه وزكيًا وكانت طريقته مرضية، وكان الإحسان إلى المساكين شيمته، وكان يعامل الكل بالخلق الحسن، وكان شجاعاً على الأعداء، وكان يعظم اسم الله تعظيماً عظيماً، وكان يشدد على المفترين، والذين يرمون البرآء، والزانين، والقاتلين، وأهل الفضول، والطامعين، وشهود الزور، تشديداً بليغاً، وكانت كثرة وعظه في الصبر والجود والرحم والبر والإحسان وتعظيم الأبوين والكبار وتوقيرهم وتكريمهم، وكان عابداً مرتاضاً في الغاية) انتهى كلامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1073 (المسلك الثالث) مَنْ نظر إلى ما اشتملت شريعته الغراء عليه مما يتعلق بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والسياسات والآداب والحكم، علم قطعاً أنها ليست إلا من الوضع الإلهي، والوحي السماوي، وأن المبعوث بها ليس إلا نبياً. وقد عرفت في الباب الخامس، أن اعتراضات القسيسين عليها ضعيفة جداً، منشؤها العناد الصرف والاعتساف. (المسلك الرابع) ظهور دينه على سائر الأديان في مدة قليلة أنه عليه السلام ادعى بين قوم لا كتاب لهم ولا حكمة فيهم: أني بعثت من عند الله بالكتاب المنير والحكمة الباهرة لأنور العالم بالإيمان والعمل الصالح. وانتصب مع ضعفه وفقره وقلة أعوانه وأنصاره، مخالفاً لجميع أهل الأرض آحادهم وأوساطهم وسلاطينهم وجبابرتهم، فضلل آراءهم وسفه أحلامهم وأبطل مللهم وهدم دولهم، وظهر دينه على الأديان في مدة قليلة شرقاً وغرباً، وزاد على مر الأعصار والأزمان، ولم يقدر الأعداء مع كثرة عددهم وعددهم وشدة شوكتهم وشكيمتهم، وفرط تعصبهم وحميتهم وبذل غاية جهدهم في إطفاء نور دينه وطمس آثار مذهبه. فهل يكون ذلك إلا بعون إلهي وتأييد سماوي، ولنعم ما قال غمالائيل معلم اليهود لهم في حق الحواريين: (يا أيها الرجال الإسرائيليون احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس فيما أنتم مزمعون أن تفعلوا) . 36 (لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس قائلاً عن نفسه: أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1074 شيء الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمائة، الذي قتل وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء) . 37 (بعد هذا قام يهودا الجليلي في أيام الاكتتاب، وأزاغ وراءه شعباً غفيراً، فذاك أيضاً هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا) . 38 (والآن أقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم لأنه إن كان هذا الرأي وهذا العمل من الناس فسوف ينتقض) 39 (وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنتقضوه لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً) كما هو مصرح به في الباب الخامس من كتاب الأعمال، والآية السابعة من الزبور الأول هكذا: (لأن الرب يعرف طريق الصديقين وطريق المنافقين تهلك) والآية السادسة من الزبور الخامس هكذا: (وتهلك كل الذين يتكلمون بالكذب، الرجل السافك الدماء والغاش يرذله الرب) . والآية السادسة عشرة من الزبور الرابع والثلاثين هكذا: (وجه الرب على الذين يعملون المساوئ ليبيد من الأرض ذكرهم) وفي الزبور السابع والثلاثين هكذا 17: (لأن سواعد الخطاة تنكر، والرب يعضد الصديقين) 20 (الخطاة فيهلكون، وأعداء الرب جميعاً إذ يمجدون ويرتفعون، يبيدون، وكالدخان يفنون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1075 فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم من الصديقين لأهلك الرب طريقه ورذله وأباد ذكره من الأرض، وكسر سواعده وأفناه كالدخان. لكنه لم يفعل شيئاً منها، فكان محمد صلى الله عليه وسلم من الصديقين، ولعمري أن علماء بروتستنت في تكذيب الدين المحمدي محاربون الله لكن الوقت قريب فسوف يعلمون {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} ولا يقدرون على نقضه البتة كما وعد الله {يريدون ليطفئوا نور الله} أي دين الإسلام {بأفواههم} أي بأقوالهم الباطلة {والله متم نوره} أي مبلغه غايته {ولو كره الكافرون} أي اليهود والنصارى والمشركون، ولنعم ما قيل: ألا قل لمن ظل لي حاسداً * أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فعله * لأنك لم ترض لي ما وهب (المسلك الخامس) أنه ظهر في وقت كان الناس محتاجين إلى من يهديهم إلى الطريق المستقيم، ويدعوهم إلى الدين القويم لأن العرب كانوا على عبادة الأوثان، ووأد البنات. والفرس على اعتقاد الإلهين ووطء الأمهات والبنات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1076 والترك على تخريب البلاد وتعذيب العباد. والهند على عبادة البقر، والسجود للشجر والحجر. واليهود على الجحود ودين التشبيه، وترويج الأكاذيب المفتريات. والنصارى على القول بالتثليث، وعبادة الصليب وصور القديسين والقديسات. وهكذا سائر الفرق في أودية الضلال والانحراف عن الحق والاشتغال بالمحال، ولا يليق بحكمة الله الملك المبين أن لا يرسل في هذا الوقت أحداً يكون رحمة للعالمين، وما ظهر أحد يصلح لهذا الشأن العظيم ويؤسس هذا البنيان القويم غير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. فأزال الرسوم الزائغة والمقالات الفاسدة، وأشرقت شموس التوحيد وأقمار التنزيه، وزالت ظلمة الشرك والوثنية والتثليث والتشبيه، عليه من الصلاة أفضلها ومن التحيات أكملها، وإليه أشار الله تعالى بقوله: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير} . قال الفخر الرازي قدس سره في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1077 تفسير هذه الآية: (الفائدة في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عند فترة من الرسل هي أن التغير والتحريف قد تطرق إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها، وبسبب ذلك اختلط الحق بالباطل والصدق بالكذب وصار ذلك عذراً ظاهراً في إعراض الخلق عن العبادات، لأن لهم أن يقولوا يا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادتك ولكنا ما عرفنا كيف نعبد، فبعث الله تعالى في هذا الوقت محمداً صلى الله عليه وسلم إزالة لهذا العذر) انتهى كلامه بلفظه. (المسلك السادس) أخبار الأنبياء المتقدمين عليه، عن نبوته عليه السلام ، ولما كان القسيسون يغلطون العوام في هذا الباب تغليطاً عظيماً استحسنت أن أقدم على نقل تلك الأخبار أموراً ثمانية تفيد للناظر بصيرة: وقدم فيه قبل تلك الأخبار أموراً ثمانية: (الأمر الأول) أن الأنبياء الإسرائيلية مثل أشعيا وأرميا ودانيال وحزقيال وعيسى عليهم السلام، أخبروا عن الحوادث الآتية كحادثة بختنصر وقورش واسكندر وخلفائه وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل، ويبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول، ثم صار شجرة عظيمة تأوي طيور السماء في أغصانها، فكسر الجبابرة والأكاسرة وبلغ دينه شرقاً وبلغ دينه شرقاً وغرباً وغلب الأديان وامتد دهراً بحيث مضى على ظهوره مدة ألف ومائتين وثمانين إلى هذا الحين ويمتد إن شاء الله إلى آخر بقاء الدنيا، وظهر في أمته ألوف ألوف من العلماء الربانيين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1078 والحكماء المتقنين والأولياء ذوي الكرامات والمجاهدات والسلاطين العظام، وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث، وما كانت أقل من حادثة أرض أدوم ونينوى وغيرهما فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن الحادثة العظيمة. (الأمر الثاني) أن النبي المتقدم إذا أخبر عن النبي المتأخر، لا يشترط في إخباره أن يخبر بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلاني، وتكون صفته كيت وكيت، بل يكون هذا الإخبار في غالب الأوقات مجملاً عند العوام، وأما عند الخواص فقد يصير جلياً بواسطة القرائن، وقد يبقى خفياً عليهم أيضاً لا يعرفون مصداقه إلا بعد ادعاء النبي اللاحق أن النبي المتقدم أخبر عني وظهور صدق ادعائه بالمعجزات وعلامات النبوة، وبعد الادعاء وظهور صدقه يصير جلياً عندهم بلا ريب ولذلك يعاتبون كما عاتب المسيح عليه السلام علماء اليهود بقوله: (ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم) كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1079 وعلى مذاق المسيحيين قد يبقى خفياً على الأنبياء فضلاً عن العلماء بل قد يبقى خفياً على النبي المخبر عنه على زعمهم في الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: 19 (وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت) 20 (فاعترف ولم ينكروا قرأني لست أنا المسيح) 21 (فسألوه ماذا إذاً أنت، إيلياء؟ فقال لست أنا إيلياء فسألوه أنت النبي فأجاب لا) 22 (فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك) 23 (قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال أشعيا النبي) 24 (وكان المرسلون من الفريسيين) 25 (فسألوه وقالوا له فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي) . والألف واللام في لفظ النبي الواقع في الآية 21 و 25 للعهد، والمراد النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه السلام في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء على ما صرح به العلماء المسيحية، فالكهنة واللاويون كانوا من علماء اليهود وواقفين على كتبهم وعرفوا أيضاً أن يحيى عليه السلام نبي، لكنهم شكوا في أنه المسيح عليه السلام أو إيلياء عليه السلام أو النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه السلام، فظهر منه أن علامات هؤلاء الأنبياء الثلاثة لم تكن مصرحة في كتبهم بحيث لا يبقى الاشتباه للخواص فضلاً عن العوام فلذلك سألوا أولاً أنت المسيح فبعد ما أنكر يحيى عليه السلام عن كونه مسيحاً سألوه أنت إيلياء فبعد ما أنكر عن كونه إيلياء أيضاً سألوه أنت النبي المعهود. ولو كانت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1080 العلامات مصرحة لما كان للشك محل بل ظهر منه أن يحيى عليه السلام لم يعرف نفسه أنه إيلياء حتى أنكر، فقال لست أنا وقد شهد عيسى أنه إيلياء في الباب الحادي عشر من إنجيل متى. قول عيسى عليه السلام في حق يحيى عليه السلام هكذا: (وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي) وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى هكذا: 10 (وسأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة أن إيلياء ينبغي أن يأتي أولاً) 11 (فأجاب يسوع وقال لهم أن إيلياء يأتي أولاً ويرد كل شيء) 12 (ولكني أقول لكم أن إيلياء قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم) 13 (حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان) . وظهر من العبارة الأخيرة أن علماء اليهود لم يعرفوه بأنه إيلياء وفعلوا به ما فعلوا وأن الحواريين أيضاً لم يعرفوه بأنه إيلياء مع أنهم كانوا أنبياء في زعم المسيحيين وأعظم رتبة من موسى عليه السلام وكانوا اعتمدوا من يحيى ورأوه مراراً، وكان مجيئه ضرورياً قبل إلههم ومسيحهم. وفي الآية 33 من الباب الأول من إنجيل يوحنا قول يحيى هكذا: (وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس) ومعنى قوله: (وأنا لم أكن أعرفه) على زعم القسيسين أنا لم أكن أعرفه معرفة جيدة بأنه المسيح الموعود، فعلم أن يحيى عليه السلام ما كان يعرف عيسى عليه السلام معرفة يقينية بأنه المسيح الموعود به إلى ثلاثين سنة ما لم ينزل الروح القدس، لعل كون ولادة المسيح من العذراء لم يكن من العلامات المختصة بالمسيح، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1081 وإلا فكيف يصح هذا، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن يحيى أشرف الأنبياء الإسرائيلية بشهادة عيسى عليه السلام كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى وأن عيسى عليه السلام إلهه وربه على زعم المسيحيين، وكان مجيئه ضرورياً قبل المسيح، وكان كونه إيلياء يقينياً، فإذا لم يعرف هذا النبي الأشرف نفسه إلى آخر العمر، ولم يعرف إلهه وربه إلى المدة المذكورة، وكذا لم يعرف الحواريون الذين هم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية مدة حياة يحيى أنه إيلياء، فماذا رتبة العلماء والعوام عندهم في معرفة النبي اللاحق بخبر النبي المتقدم عنه وترددهم فيه، وقيافا رئيس الكهنة كان نبياً على شهادة يوحنا، كما هو مصرح به في الآية الحادية والخمسين من الباب الحادي عشر من إنجيله وهو أفتى بقتل عيسى عليه السلام وكفره وأهانه، كما هو مصرح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، ولو كانت علامات المسيح في كتبهم مصرحة بحيث لا يبقى الاشتباه على أحد، ما كان لهذا النبي المفتي بقتل إلهه وبكفره أن يفتي بقتله وكفره. ونقل متى ولوقا في الباب الثالث، ومرقس ويوحنا في الباب الأول من أناجيلهم خبر أشعيا في حق يحيى عليهما السلام، وأقر يحيى عليه السلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1082 بأن هذا الخبر في حقه على ما صرح به يوحنا. وهذا الخبر في الآية الثالثة من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (صوت المنادي في البرية، سهلوا طريق الرب، أصلحوا في البوادي سبيلاً لإلهنا) ولم يذكر فيه شيء من الحالات المختصة بيحيى عليه السلام لا من صفاته ولا من زمان خروجه، ولا مكان خروجه، بحيث لا يبقى الاشتباه، ولو لم يكن ادعاء يحيى عليه السلام بأن هذا الخبر في حقه، وكذا ادعاء مؤلفي العهد الجديد، لما ظهر هذا للعلماء المسيحية وخواصهم فضلاً عن العوام، لأن وصف النداء في البرية يعم أكثر الأنبياء الإسرائيلية الذين جاؤوا من بعد أشعيا عليه السلام، بل يصدق على عيسى عليه السلام أيضاً. لأنه كان ينادي مثل نداء يحيى عليه السلام: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماء. وسيظهر لك في الأمر السادس حال الإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، ولا ندعي أن الأنبياء الذين أخبروا عن محمد صلى الله عليه وسلم كان إخبار كل منهم بصفته مفصلاً بحيث لا يكون فيه مجال التأويل للمعاند. قال الإمام الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} واعلم أن الأظهر في الباء في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1083 قوله بالباطل أنها باء [ص 220] الاستعانة كالتي في قولك كتبت بالقلم. والمعنى لا تلبسوا الحق بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين، وذلك لأن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد عليه السلام نصوصاً خفية تحتاج في معرفتها إلى الاستدلال، ثم إنهم كانوا يجادلون فيها ويشوشون وجه الدلالة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات) . انتهى كلامه بلفظه. قال المحقق عبد الحكيم السيالكوتي في حاشيته على البيضاوي: (هذا فصل يحتاج إلى مزيد شرح وهو يجب أن يتصور أن كل نبي أتى بلفظة معرضة وإشارة مدرجة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم وذلك لحكمة إلهية، وقد قال العلماء: ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بإشارات، ولو كان منجلياً للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه، ثم ازداد ذلك غموضاً بنقله من لسان إلى لسان من العبراني إلى السرياني ومن السرياني إلى العربي، وقد ذكرت محصلة ألفاظ من التوراة والإنجيل إذا اعتبرتها وجدتها دالة على صحة نبوته عليه السلام بتعريض هو عند الراسخين في العلم جلي وعند العامة خفي) . انتهى كلامه بلفظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1084 (الأمر الثالث) ادعاء أن أهل الكتاب ما كانوا ينتظرون نبياً آخر غير المسيح وإيلياء، ادعاء باطل لا أصل له بل كانوا منتظرين لغيرهما أيضاً، لما علمت في الأمر الثاني أن علماء اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام سألوا يحيى عليه السلام أولاً: أنت المسيح؟ ولما أنكر سألوه: أنت إيلياء؟ ولما أنكر سألوه: أنت النبي؟ أي النبي المعهود الذي أخبر به موسى، فعلم أن هذا النبي كان منتظراً مثل المسيح وإيلياء وكان مشهوراً بحيث ما كان محتاجاً إلى ذكر الاسم بل الإشارة إليه كانت كافية. وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا بعد نقل قول عيسى عليه السلام هكذا: 40: (فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي) 41: (وآخرون قالوا هذا هو المسيح) وظهر من هذا الكلام أيضاً أن النبي المعهود عندهم كان غير المسيح ولذلك قابلوا بالمسيح. (الأمر الرابع) ادعاء أن المسيح خاتم النبيين ولا نبي بعده باطل، لما عرفت في الأمر الثالث أنهم كانوا منتظرين للنبي المعهود الآخر الذي يكون غير المسيح وإيلياء عليهم السلام، ولما لم يثبت بالبرهان مجيئه قبل المسيح فهو بعده ولأنهم يعترفون بنبوة الحواريين وبولس بل بنبوة غيرهم أيضاً. وفي الباب الحادي عشر من كتاب الأعمال هكذا: 27 (في تلك الأيام انحدر الأنبياء من أورشليم إلى أنطاكية) 28 (وقام واحد معهم اسمه أغابوس وأشار بالروح أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أن يصير على جميع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1085 المسكونة الذي صار في أيام كلوديوس) (قيصر) فهؤلاء كلهم كانوا أنبياء على تصريح إنجيلهم وأخبر واحد منهم اسمه أغابوس عن وقوع الجدب العظيم. وفي الباب الحادي والعشرين من الكتاب المذكور هكذا: 10 (وبينما نحن مقيمون أياماً كثيرة انحدر من اليهودية نبي اسمه أغابوس) 11 (فجاء إلينا وأخذ منطقة بولس وربط يد نفسه ورجليه وقال هذا بقوله الروح القدس، الرجل الذي له هذه المنطقة، هكذا سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه إلى أيدي الأمم) . وفي هذه العبارة أيضاً تصريح بكون أغابوس نبياً، وقد يتمسكون لإثبات هذا الادعاء بقول المسيح المنقول في الآية الخامسة عشر من الباب السابع من إنجيل متى هكذا: (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتوكم بثبات الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1086 والتمسك به عجيب لأن المسيح عليه السلام أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة لا الأنبياء الصدقة أيضاً ولذلك قيد بالكذبة، نعم لو قال احترزوا من كل نبي يجيء بعدي لكان بحسب الظاهر وجه للتمسك وإن كان واجب التأويل عندهم، لثبوت نبوة الأشخاص المذكورين، وقد ظهر الأنبياء الكذبة الكثيرون في الطبقة الأولى بعد صعوده كما يظهر من الرسائل الموجودة في العهد الجديد في الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية إلى أهل قورنثيوس هكذا: 12 (ولكن ما أفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً فيما يفتخرون به) 13 (لأن مثل هؤلاء رسل كذبة فعله ماكرون مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح) فمقدسهم ينادي بأعلى نداء أن الرسل الكذبة الغدارين ظهروا في عهده وقد تشبهوا برسل المسيح. وقال آدم كلارك المفسر في شرح هذا المقام: (هؤلاء الأشخاص كانوا يدعون كذباً أنهم رسل المسيح، وما كانوا رسل المسيح في نفس الأمر وكانوا يعظون ويجتهدون، لكن مقصودهم ما كان إلا جلب المنفعة) . وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (أيها الأحياء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن الأنبياء الكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم) . فظهر من العبارتين أن الأنبياء الكذبة قد ظهروا في عهد الحواريين. وفي الباب الثامن من كتاب الأعمال هكذا: 9 (وكان قبلاً في المدينة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1087 رجل اسمه سيمون يستعمل السحر، ويدهش شعب السامرة قائلاً أنه شيء عظيم) 10 (وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير قائلين هذا هو قوة الله العظيمة) . وفي الباب الثالث عشر من الكتاب المذكور هكذا: (ولما اجتازا الجزيرة إلى باقوس وجدا رجلاً ساحراً نبياً كذاباً يهودياً اسمه باريشوع) وكذا سيظهر الدجالون الكذابون يدعي كل منهم أنه المسيح كما أخبر عيسى عليه السلام وقال: (لا يضلكم أحد فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو [ص 223] المسيح ويضلون كثيرين) كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى فمقصود المسيح عليه السلام التحذير من هؤلاء الأنبياء الكذبة والمسحاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1088 الكذبة لا من الأنبياء الصادقين أيضاً، ولذلك قال بعد القول المذكور في الباب السابع (من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً) . ومحمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء الصادقين، كما يدل عليه ثماره على ما عرفت في المسالك المتقدمة، ولا اعتبار لمطاعن المنكرين كما ستعرف في الفصل الثاني، ولأن كل شخص يعلم أن اليهود ينكرون عيسى بن مريم عليهما السلام ويكذبونه وليس عندهم رجل أشر منه، من ابتداء العالم إلى زمان خروجه، وكذا ألوف من الحكماء والعلماء الذين هم من أبناء صنف القسيسين وكانوا مسيحيين ثم خرجوا عن هذه الملة لاستقباحهم إياها، ينكرونه ويستهزؤون به وبملته وألفوا رسائل كثيرة لإثبات آرائهم واشتهرت هذه الرسائل في أكناف العالم، ويزيد متبعوهم كل يوم في ديار أوربا، فكما أن إنكار اليهود وهؤلاء الحكماء والعلماء في حق عيسى عليه السلام غير مقبول عندنا، فكذا إنكار أهل التثليث في حق محمد صلى الله عليه وسلم غير مقبول عندنا. (الأمر الخامس) الإخبارات التي نقلها المسيحيون في حق عيسى عليه السلام لا تصدق عليه، على تفاسير اليهود وتأويلاتهم، ولذلك هم ينكرونه أشد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1089 الإنكار، والعلماء المسيحية لا يلتفتون في هذا الباب إلى تفاسيرهم وتأويلاتهم ويفسرونها ويؤولونها بحيث تصدق في زعمهم على عيسى عليه السلام. قال صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الأول في الصفحة 46 من النسخة الفارسية المطبوعة سنة 1849: (المعلمون القدماء من الملة المسيحية ادعوا هذه الدعوى الصحيحة فقط أن اليهود أوّلوا الآيات التي كانت إشارة إلى يسوع المسيح بتأويلات غير صحيحة وغير لائقة وبينوها خلاف الواقع) انتهى. وقوله ادّعوا هذه الدعوى الصحيحة فقط غلط يقيناً لأن المعلمين القدماء كما ادعوا هذه الدعوى ادعوا أن اليهود حرفوا الكتب تحريفاً لفظياً كما عرفت في الباب الثاني، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول كما أن تأويلات اليهود في الآيات المذكورة مردودة غير صحيحة وغير لائقة عند المسيحيين، كذلك تأويلات المسيحيين في الإخبارات التي هي في حق محمد صلى الله عليه وسلم مردودة غير مقبولة عندنا، وسترى أن الإخبارات التي ننقلها في حق محمد صلى الله عليه وسلم أظهر صدقاً من الإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام، فلا بأس علينا إن لم نلتفت إلى تأويلاتهم الفاسدة، وكما أن اليهود ادعوا في حق بعض الإخبارات التي هي في حق عيسى عليه السلام على زعم المسيحيين أنها في حق مسيحهم المنتظر أو في حق غيره أو ليست في حق أحد، والمسيحيون يدعون أنها في حق عيسى عليه السلام ولا يبالون بمخالفتهم، فكذا نحن لا نبالي بمخالفة المسيحيين في حق بعض الإخبارات التي هي في حق محمد صلى الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1090 لو قالوا أنها في حق عيسى عليه السلام، وسترى أيضاً أن صدقها في حق محمد صلى الله عليه وسلم أليق من صدقها في حق عيسى عليه السلام، فادعاؤنا أحق من ادعائهم. (الأمر السادس) مؤلفوا العهد الجديد باعتقاد المسيحيين ذوو إلهام وقد نقلوا الإخبارات في حق عيسى عليه السلام فيكون هذا النقل على زعمهم بالإلهام، فأذكر نبذاً منها بطريق الأنموذج ليقيس المخاطب حال هذه الإخبارات بالإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك في حق محمد صلى الله عليه وسلم، وإن سلك أحد من القسيسين مسلك الاعتساف وتصدى لتأويل الإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك يجب عليه أن يوجه أولاً الإخبارات التي نقلها مؤلفوا العهد الجديد في حق عيسى عليه السلام، ليظهر للمنصف اللبيب حال الإخبارات التي نقلها الجانبان، ويقابلهما باعتبار القوة والضعف وإن غمض النظر عن توجيه الإخبارات العيسوية التي نقلها المؤلفون المذكورون. وأول الإخبارات المحمدية التي أنقلها في هذا المسلك يكون محمولاً على عجزه وتعصبه، لأنك قد علمت في الأمر الثاني والخامس أن المعاند له مجال واسع للتأويل في أمثال هذه الإخبارات، وإنما اكتفيت على نبذ مما نقله مؤلفو العهد الجديد، لأنه إذا ظهر أن البعض منها غلط يقيناً، والبعض منها محرف، والبعض منها لا يصدق على عيسى عليه السلام إلا بالادعاء البحت والتحكم الصرف، ظهر أن حال الإخبارات الأخر التي نقلها المسيحيون الذين ليسوا ذوي إلهام ووحي، يكون أسوأ، فلا حاجة إلى نقلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1091 (الخبر الأول) ما هو المنقول في الباب الأول من إنجيل متى، وقد عرفت في بيان الغلط الخمسين في الفصل الثالث من الباب الأول أنه غلط، على أن كون مريم عذراء وقت الحبل غير مسلم عند اليهود والمنكرين، ولا يتم عليهم حجة، لأنها قبل ولادة عيسى عليه السلام، كانت في نكاح يوسف النجار على تصريح الإنجيل واليهود المعاصرون لعيسى عليه السلام، ويقولون أنه ولد يوسف النجار كما هو مصرح به في الآية 55 من الباب 13 من إنجيل متى والآية 45 من الباب 1 والآية 42 من الباب السادس من إنجيل يوحنا، وإلى الآن يقولون هكذا بل أشنع منه، والعلامة الأخرى المختصة بعيسى عليه السلام غير مذكورة في هذا الخبر. (والخبر الثاني) ما هو المنقول في الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل متى، وهو إشارة إلى الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا، ولا تطابق عبارة متى عبارة ميخا، وأحدهما محرفة، وقد عرفت في الشاهد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1092 الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني، أن محققيهم اختاروا تحريف عبارة ميخا، لكن ادعاؤهم هذا لأجل محافظة الإنجيل فقط، وعند المخالف باطل. (والخبر الثالث) ما هو المنقول في الآية الخامسة عشر، من الباب المذكور من إنجيل متى. (والخبر الرابع) ما هو منقول في الآية 17 و 18 من الباب المذكور. (والخبر الخامس) ما هو المنقول في الآية الثالثة والعشرين من الباب المذكور. وهذه الأخبار الثلاثة غلط كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول. (والخبر السادس) الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، وقد عرفت في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني أنه غلط، على أن هذا الحال يوجد في الباب الحادي عشر من كتاب زكريا، ولا مناسبة له بالقصة التي نقلها متى، لأن زكريا عليه السلام بعد ما ذكر اسمي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1093 عصوين ورعى قطيع يقول هكذا ترجمة عربية سنة 1844: 12 (وقلت لهم إن حسن في أعينكم فهاتوا أجري وإلا فكفوا فوزنوا أجري ثلاثين من الفضة) 13 (وقال لي الرب ألقها إلى صناع التماثيل ثمناً كريماً أثموني به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها في بيت الرب إلى صناع التماثيل) . فظاهر كلام زكريا أنه بيان حال، لا إخبار عن الحادثة الآتية، وأن يكون آخذ الدراهم من الصالحين مثل زكريا عليه السلام لا من الكافرين مثل يهودا. (والخبر السابع) ما نقله مقدسهم بولس في الآية السادسة من الباب الأول من الرسالة العبرانية، وقد عرفت حاله في الفصل الثالث أنه غلط لا يصدق على عيسى عليه السلام. (والخبر الثامن) الآية الخامسة والثلاثون من الباب الثالث عشر من إنجيل متى هكذا: (لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتوبات منذ تأسيس العالم) وهو إشارة إلى الآية الثانية من الزبور الثامن والسبعين، لكنه ادعاء محض وتحكم بحت، لأن عبارة هذا الزبور هكذا: 2 (أفتح بالأمثال فمي وأنطق بالذي كان قديماً) 3 (كل ما سمعناه وعرفناه وآباؤنا أخبرونا) 4 (ولم يخفوه عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1094 أولادهم إلى الجيل الآخر إذ يخبرون بتسابيح الرب وقواته وعجائبه التي صنع) 5 (إذ أقام الشهادة في يعقوب، ووضع الناموس في إسرائيل كل الذي أوصى آباؤنا ليعرفوا به أبناءهم) 6 (لكيما يعلم الجيل الآخر بينهم المولدين) 7 (فيقومون أيضاً ويخبرون به أبناؤهم) 8 (لكي يجعلوا اتكالهم على الله ولا ينسوا أعمال الله ويلتمسوا وصايا) 9 (لئلا يكونوا مثل آبائهم الجيل الأعرج المتمرد الذي لم يستقم قلبه ولا آمنت بالله روحه) . وهذه الآيات صريحة في أن داود عليه السلام يريد نفسه، ولذا عبر عن نفسه بصيغة المتكلم، ويروي الحالات التي سمعها من الآباء ليبلغ إلى الأبناء على حسب عهد الله لتبقى الرواية محفوظة، وبين من الآية العاشرة إلى الخامسة والستين، حال إنعامات الله والمعجزات الموسوية، وشرارة بني إسرائيل وما لحقهم بسببها. ثم قال: 65 (واستيقظ الرب كالنائم مثل الجبار المفيق من الخمر) 66 (فضرب أعداءه في الوراء وجعلهم عاراً إلى الدهر) 67 (وأبعد محله يوسف ولم يختر سبط إفرام) 68 (بل اختار سبط يهوذا لجيل صهيون الذي أحب) 69 (وبنى مثل وحيد القرن قدسه وأسسه في الأرض إلى الأبد) 70 (واختار داود عبده وأخذه من مراعي الغنم) 71 (ومن خلف المرضعات، أخذه ليرعى يعقوب عبده وإسرائيل ميراثه) 72 (فرعاهم بدعة قلبه وبفهم يديه أهداهم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1095 وهذه الآيات الأخيرة أيضاً دالة صراحة في أن هذا الزبور في حق داود عليه السلام فلا علاقة لهذا بعيسى عليه السلام. (والخبر التاسع) في الباب الرابع من إنجيل متى هكذا: 14 (لكي يتم ما قيل بأشعيا النبي القائل) 15 (أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم) 16 (الشعب الجالس في ظلمة، أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله، أشرق عليهم نور) وهو إشارة إلى الآية الأولى والثانية من الباب التاسع من كتاب أشعيا وعبارته هكذا: (في الزمان استخفت أرض زبلون وأرض نفتالي وفي الآخر تثقلت طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم) 2 (الشعب السالك في الظلمة رأى نوراً عظيماً، الساكنون في بلاد ظلال الموت أشرق عليهم نور) . وفرق ما بين العبارتين فإحداهما محرفة ومع قطع النظر عن هذا، لا دلالة لكلام أشعيا على ظهور شخص، بل الظاهر أن أشعيا عليه السلام يخبر أن حال سكان أرض زبلون ونفتالي كان سقيماً في سالف الزمان ثم صار حسناً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1096 كما تدل عليه صيغ الماضي، أعني استخفت وتثقلت ورأى وأشرق وإن عدلنا عن الظاهر وحملنا على المجاز بمعنى المستقبل وقلنا أن رؤية النور وإشراقه عليهم، عبارة عن مرور الصلحاء بأرضهم، فادعاء أن مصداق هذا الخبر عيسى عليه السلام فقط تحكم صرف، لأن كثيراً من الأولياء والصلحاء مر بتلك الأرض، سيما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأولياء أمته أيضاً الذين زالت ظلمة الكفر والتثليث من هذه الديار بسببهم، وظهر نور التوحيد وتصديق المسيح كما ينبغي. وأكتفي خوفاً من التطويل على هذا القدر ونقلت الأخبار الأخر أيضاً في إزالة الأوهام وغيره من مؤلفاتي وبينت وجوه ضعفها. (الأمر السابع) أن أهل الكتاب سلفاً وخلفاً عادتهم جارية بأنهم يترجمون غالباً الأسماء في تراجمهم ويوردون بدلها معانيها، وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد وأنهم يزيدون تارة شيئاً بطريق التفسير في الكلام الذي هو كلام الله في زعمهم، ولا يشيرون إلى الامتياز. وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم، ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة وأنا أورد أيضاً بطريق الأنموذج بعضاً منها. 1- في الآية الرابعة عشر من الباب السادس عشر من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1831 وسنة 1844 هكذا: (لذلك دعت اسم تلك البيرني بير الحي الناظر، فترجموا اسم البئر الذي كان في العبراني بالعربي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1097 2- وفي الآية الرابعة عشر من الباب الثاني والعشرين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (سمى إبراهيم اسم الموضع مكان يرحم الله زائره) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (دعا اسم ذلك الرب يرى) فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم الله زائره والمترجم الثاني بالرب يرى. 3- وفي الآية العشرين من الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا: (فكتم يعقوب أمره عن حميه) وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 لفظ لابان موضع حميه فوضع مترجمو العربية لفظ الحمى موضع الاسم. 4- وفي الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844: (فلا يزول القضيب من يهودا والمدير من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم) . فقوله (الذي له الكل) ترجمة لفظ شيلوه وهذه الترجمة موافقة الترجمة اليونانية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1098 وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (فلا يزول القضيب من يهودا والرسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له وإليه يجتمع الشعوب) . وهذا المترجم ترجم لفظ شيلوه (بالذي هو له) وهذه الترجمة موافقة للترجمة السريانية وترجم هذا اللفظ محققهم المشهور ليكلرك بعاقبته، وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 وقع لفظ شيلا، وفي الترجمة اللاتينية ولتكيت (الذي سيرسل) . فالمترجمون ترجموا لفظ شيلوه بما ظهر وترجح عندهم وهذا اللفظ كان بمنزلة الاسم للشخص المبشر به. 5- وفي الآية الرابعة عشر من الباب الثالث من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 فقال الله لموسى (أهيه أشراهيه) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (قال له الأزلي الذي لا يزال) . فلفظ أهيه أشراهيه كان بمنزلة اسم الذات فترجمه المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال. 6- وفي الآية الحادية عشر من الباب الثامن من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا: (تبقى في النهر فقط) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1099 وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (تبقى في النيل فقط) . 7- وفي الآية الخامسة عشر من الباب السابع من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا: (فابتنى موسى مذبحاً ودعا اسمه الرب عظمتي) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (وبنى مذبحاً وسماه الله علمي) . وترجمة أردو موافقة لهذه الأخيرة، فأقول مع قطع النظر عن الاختلاف أن المترجمين ترجموا الاسم العبراني. 8- وفي الآية الثالثة والعشرين من الباب الثلاثين من سفر الخروج في الترجمتين المذكورتين هكذا: (من ميعة فائقة) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (من المسك الخالص، وبين الميعة والمسك فرق ما، ففسروا الاسم العبراني بما ترجح عندهم) . 9- وفي الآية الخامسة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء في الترجمتين المذكورتين هكذا: (فمات هناك موسى عبد الرب) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1100 وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (فمات هناك موسى رسول الله) . فهؤلاء المترجمون لو بدلوا في البشارات المحمدية، لفظ رسول الله بلفظ آخر فلا استبعاد منهم. 10- وفي الآية الثالثة عشر من الباب العاشر من كتاب يوشع، في الترجمة المطبوعة سنة 1844 هكذا: (أليس هذا مكتوباً في سفر الأبرار) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (أليس هو مكتوباً في سفر المستقيم) . وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 لفظ (يا صار) موضع الأبرار أو المستقيم. وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1845 لفظ (ياشر) . وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1835 لفظ (يا شا لعل يا صار) أو (يا شر أو يا شا) اسم مصنف الكتاب، فترجم مترجمو العربية، هذا الاسم على آرائهم بالأبرار أو المستقيم. 11- وفي الباب الثامن من كتاب أشعيا، في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 هكذا: 1 (وخدا وندمر افرمودكه لوحي بزرك بكيرواز قلم كند كاردر باب مهر شالال جاشنر بنويس) 3 (أورامهر شالال جشنر نام ينه) . وترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 توافقها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1101 وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: 1 (وقال لي الرب خذ لك مدرجاً عظيماً واكتب فيه بكتابة إنسان انتهب مستعجلاً أسلب سريعاً) 3 (ادع اسمه أغنم بسرعة وانهب عاجلاً) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (وقال لي الرب: خذ لك مدرجاً صحيحاً صحيفة جديدة كبيرة، واكتب فيها بكتابة إنسان حاد ليضع نهب الغنائم لأنه حضر) 3 (ادع اسمه أغنم بسرعة وانهبوا نجده) . فكان اسم الابن مهر شالال جاشنر، فترجم مترجمو العربية هذا الاسم على آرائهم، وخالفوا فيما بينهم. ومع قطع النظر عن المخالفة، زاد مترجم العربية المطبوعة سنة 1811 ألفاظاً من قبل نفسه، فأمثال هؤلاء لو بدلوا في البشارات المحمدية أسماء من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو زادوا شيئاً، فلا استبعاد منهم، لأن هذا الأمر يصدر عنهم بحسب عادتهم. 12- وفي الآية الرابعة عشر من الباب الحادي عشر من إنجيل متى، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1844 هكذا: (فإن أردتم أن تقبلوه فهو إيلياء المزمع أن يأتي) ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816: (فإن أردتم أن تقبلوه فهذا هو المزمع بالإتيان) . فالمترجم الأخير بدل لفظ إيلياء بهذا، فأمثال هؤلاء لو بدلوا اسماً من أسماءالنبي صلى الله عليه وسلم في البشارة، فلا عجب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1102 13- وفي الآية الأولى من الباب الرابع من إنجيل يوحنا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811، وسنة 1831، وسنة 1844 هكذا: (لما علم يسوع) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1860: (لما علم الرب) . فبدل المترجمان الأخيران لفظ يسوع، الذي كان علم عيسى عليه السلام بالرب الذي هو من الألفاظ التعظيمية، فلو بدلوا اسماً من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم بالألفاظ التحقيرية لأجل عادتهم وعنادهم، فلا عجب. وهذه الشواهد تدل على ترجمة الأسماء، وإيراد لفظ آخر بدلها. [1] في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي إيلي، لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني) . وفي الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: الوى الوى لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني) . فلفظ أي إلهي إلهي لماذا تركتني في إنجيل متى، وكذا لفظ الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني في إنجيل مرقس، ليسا من كلام الشخص المصلوب يقيناً، بل ألحقا بكلامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1103 [2] في الآية السابعة عشر من الباب الثالث من إنجيل مرقس هكذا: (لقبهما ببوان رجس أي ابني الرعد) . فلفظ أي ابني الرعد ليس من كلام عيسى عليه السلام بل هو إلحاقي. [3] في الآية الحادية والأربعين من الباب الخامس من إنجيل مرقس هكذا: (وقال لها طليثا قومي الذي تفسيره يا صبية لك أقول قومي) . فهذا التفسير إلحاقي ليس من كلام عيسى عليه السلام. [4] في الآية الرابعة والثلاثين من الباب السابع من إنجيل مرقس في الترجمة المطبوعة سنة 1816: (ونظر إلى السماء وتأوه وقال افثا يعني انفتح) ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (ونظر إلى السماء وتنهد وقال افاثا الذي هو انفتح) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (ونظر إلى السماء وتنهد وقال له انفتح الذي هو انفتح) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (ورفع نظره نحو السماء وأنّ وقال له افثا أي انفتح) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1104 ومن هذه العبارة، وإن لم يعلم صحة اللفظ العبراني أهو افثا أو افاثا، لأجل اختلاف التراجم التي منشأ اختلافها عدم صحة ألفاظ أصولها، لكنه يعلم يقيناً أن لفظ أي انفتح أو الذي هو انفتح، إلحاقي ليس من كلام عيسى عليه السلام. وهذه الأقوال المسيحية الأربعة التي نقلتها من الشاهد الأول إلى ههنا، تدل على أن المسيح عليه السلام كان يتكلم باللسان العبراني الذي كان لسان قومه، وما كان يتكلم باليوناني وهو قريب القياس أيضاً، لأنه كان عبرانياً ابن عبرانية، نشأ في قومه العبرانيين. فنقل أقواله في هذه الأناجيل في اليوناني نقل بالمعنى، وهذا أمر آخر زائد على كون أقواله مروية برواية الآحاد. [5] في الآية الثامنة والثلاثين من الباب الأول، من إنجيل يوحنا هكذا: (فقالا له ربي الذي تفسيره يا معلم) . فقوله الذي تفسيره يا معلم إلحاقي، ليس من كلامهما. [6] في الآية الحادية والأربعين من الباب المذكور في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1844: (قد وجدنا مسيا الذي تأويله المسيح) . وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816: (ما مسيح راكه ترجمة آن كرسطوس ميبا شديا فتيم) . وترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 توافق الفارسية، فيعلم من الترجمتين العربيتين أن اللفظ الذي قاله أندراوس هو مسيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1105 وأن المسيح ترجمته، ومن الترجمة الفارسية وأردو أن اللفظ الأصل هو المسيح وكرسطوس ترجمته، ويعلم من ترجمة أردو المطبوعة سنة 1839 أن اللفظ الأصل خرسته وأن المسيح ترجمته، فلا يعلم من كلامهم أن اللفظ الأصل أي لفظ كان أمسيا أو المسيح أو خرسته، وهذه الألفاظ وإن كان معناها واحداً لكن لا شك أن الذي قاله أندراوس هو واحد من هذه الثلاثة يقيناً، وإذا ذكر اللفظ والتفسير فلا بد من ذكر اللفظ الأصل أولاً ثم من ذكر تفسيره. لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن التفسير المشكوك أياً ما كان إلحاقياً ليس من كلام أندراوس. [7] في الآية الثانية والأربعين من الباب الأول من إنجيل يوحنا، قول عيسى عليه السلام في حق بطرس الحواري في الترجمة العربية سنة 1811 هكذا: (أنت تدعى ببطرس الذي تأويله الصخرة) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816: (ستسمى أنت بالصفا المفسر ببطرس) . وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816: (ترابكيفاس كه ترجمة آن سنك است ندا خواهند كرد) أمطر الله حجارة على تحقيقهم وتصحيحهم لا يتميز من كلامهم المفسر عن المفسر، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن التفسير ليس من كلام المسيح عليه السلام بل هو إلحاقي، وإذا كان حال تراجمهم وحال تحقيقهم في لقب إلههم ولقب خليفته كما علمت فكيف نرجو منهم صحة بقاء لفظ محمد أو أحمد أو لقب من ألقابه صلى الله عليه وسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1106 [8] في الآية الثانية من الباب الخامس من إنجيل يوحنا في حق البركة في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (تسمى بالعبرانية بيت صيدا) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860: (يقال لها بالعبرانية بيت حسدا) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (تسمى بالعبرانية بيت حصدا أي بيت الرحمة) . فالاختلاف بين صيدا وحسدا وحصدا وإن كان ثمرة من ثمرات تصحيحهم الكتب السماوية، لكني أقطع النظر عنه وأقول المترجم الأخير زاد التفسير من جانب نفسه في الكلام الذي هو كلام الله في زعمه، فلو زادوا شيئاً بطريق التفسير من جانب أنفسهم في البشارات المحمدية فلا بعد منهم. [9] في الآية السادسة والثلاثين من الباب التاسع من كتاب الأعمال هكذا: (وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا الذي ترجمته غزالة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1107 [10] في الآية الثامنة من الباب الثالث عشر من كتاب الأعمال، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (فناصبهما اليماس الساحر لأن هكذا يترجم اسمه) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860: (فقاومهما عليم الساحر لأن هكذا يترجم) . وفي بعض تراجم أردو لفظ الماس، وفي بعضها الماء، فمع قطع النظر عن الاختلاف في أن اسمه اليماس أو عليم أو الماس أو الماء، أقول أن ترجمة اسمه إلحاقية. [11] في آخر رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنثيوس، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816: (ألا ومن لا يحب المسيح فليكن ملعوناً مارن أتى) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (ومن لا يحب ربنا يسوع المسيح فليكن محروماً ماران أتى) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860: (إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أنا ثيما ماران أثا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1108 وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (من لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن مفروزاً مارن أتى أي الرب قد جاء) . فمع قطع النظر عن صحة اللفظ الأصل، أقول أن المترجم الأخير قد زاد من جانب نفسه التفسير وقال أي الرب قد جاء. وهذه شواهد التفسير فثبت مما ذكرنا أن ترجمة الأسماء أو تبديلها بألفاظ أخر، وكذا إلحاق التفسيرات من جانب أنفسهم، من عاداتهم الجبلية سلفاً وخلفاً، فلا بعد في أن ترجموا اسماً من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو بدلوه بلفظ آخر، أو زادوا بطريق التفسير أو غير التفسير شيئاً بحيث يخل الاستدلال بحسب الظاهر، ولا شك أن اهتمامهم في هذا الأمر كان زائداً على الاهتمام الذي كان لهم في مقابلة فرقهم، وما قصروا في التحريف في مقابلتهم على ما عرفت في الباب الثاني من قول هورن: (أن هذا الأمر أيضاً محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين، وكانت هذه التحريفات ترجح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد، مثلاً ترك قصداً الآية الثالثة والأربعين من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الديانة ظنوا أن تقوية الملك للرب مناف لألوهيته، وتركت قصداً في الباب الأول من إنجيل متى، هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشر، وهذه الألفاظ ابنها البكر في الآية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1109 الخامسة والعشرين، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمة لمريم عليها السلام، وبدل لفظ اثنتي عشرة بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس، لأن يهوذا الأسخريوطي كان قد مات قبل وترك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، ورد هذه الألفاظ بعض المرشدين أيضاً لأنهم تخيلوا أنها مؤيدة لفرقة أيرين وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية واتهيوبك وغيرها من التراجم، وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة يؤتى كينس لأنها كانت تنكر أن عيسى فيه صفتان) انتهى كلامه. فإذا كانت خصلة أهل الدين والديانة ما عرفت، فما ظنك بغير أهل الديانة بل الحق أن التحريف القصدي بالتبديل والزيادة والنقصان من خصالهم كلهم أجمعين، فبعض الإخبارات التي نقلها العلماء الأسلاف من أهل الإسلام مثل الإمام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1110 القرطبي وغيره، ولا تجدها موافقة في بعض الألفاظ للتراجم المشهورة الآن، فسببه غالباً هذا التغير، لأن هؤلاء العلماء من أهل الإسلام نقلوا عن الترجمة العربية التي كانت رائجة في عهدهم، وبعد زمانهم وقع الإصلاح في تلك الترجمة، ويحتمل أن يكون ذاك السبب، اختلاف التراجم، لكن الأول هو المعتمد لأنا نرى أن هذه العادة جارية إلى الآن في تراجمهم ورسائلهم ألا ترى إلى ميزان الحق أن نسخه ثلاث، الأولى النسخة القديمة ورد عليها صاحب الاستفسار، ولما رد عليها وتنبه مصنفها أصلح النسخة القديمة، فزاد في بعض المواضع ونقص في البعض وبدل في البعض، ثم طبع هذه النسخة المصلحة وكتب جواب الاستفسار وسماه بحل الإشكال، ثم كتبت الرد على تلك النسخة الثانية لميزان الحق، ونبهت في كل موضع خالفت فيه هذه النسخة الجديدة للنسخة القديمة، وسميته بمعدل اعوجاج الميزان. لكن كتابي هذا لم يطبع في الهند لأجل بعض الحوادث، وكتب بعض أحبابي الرد على حل الإشكال في جواب الاستفسار وسماه بالاستبشار، وطبع هذا الرد واشتهر في الهند وفي زمان طبعه واشتهاره كان مؤلف الميزان في الهند، ومضت مدةعشر سنين على طبعه وما كتب المؤلف المذكور في جوابه شيئاً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1111 وسمعت من بعض الثقات أنه أصلح في المرة الثالثة الميزان الذي طبعه بالتركي وغير في المواضع التي رأى فيها التغير واجباً، مثل التغير في ابتداء الفصل الثاني من الباب الأول وغيره، ومن رأى الاستفسار ولم تصل إليه النسخة القديمة للميزان , بل وصلت إليه النسخة الثانية أو الثالثة، وأراد أن يصحح نقل صاحب الاستفسار كلام مؤلف الميزان بهاتين النسختين، وجده غير مطابق لهما في بعض المواضع، وكذا من رأى معدل اعوجاج الميزان، ولم تصل إليه النسخة الأولى ولا الثانية بل وصلت إليه النسخة الثالثة التركية، وأراد تصحيح النقل بهذه التركية، وجد في بعض المواضع النقل مطابق لها، فإن لم يكن واقفاً على هذا التغير والإصلاح، يظن أن الراد والناقل أخطأ في النقل، وليس كذلك بل حصل هذا الأمر من تغير المردود عليه وتحريفه والراد [و] الناقل مصيب، فالحاصل أن أمثال هذا الإصلاح والتحريفات جارية في كتبهم وتراجمهم ورسائلهم إلى هذا الحين. (الأمر الثامن) أن بولس وإن كان عند أهل التثليث في رتبة الحواريين، لكنه غير مقبول عندنا ولا نعده من المؤمنين الصادقين، بل من المنافقين الكذابين ومعلمي الزور والرسل الخداعين، الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح، كما عرفت في الأمر الرابع، وهو خرق الدين المسيحي، وأباح كل محرم لمعتقديه، وكان في ابتداء الأمر مؤذياً للطبقة الأولى من المسيحيين، جهراً، لكنه لما رأى أن هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعاً معتداً به، دخل على سبيل النفاق في هذه الملة وادعى رسالة المسيح، وأظهر الزهد الظاهري. ففعل في هذا الحجاب ما فعل، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري، ولأجل فراغ ذمتهم عن جميع التكاليف الشرعية. كما قبل أناس كثيرون من المسيحيين في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1112 القرن الثاني منتش الذي كان زاهداً مرتاضاً وادعى أنه هو الفارقليط الموعود به، فقبلوه لأجل زهده ورياضته كما سيجيء ذكره في البشارة الثامنة عشر، ورده المحققون من علماء الإسلام سلفاً وخلفاً. قال الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه في حق بولس هذا، مجيباً لبعض القسيسين في بحث مسألة الصوم هكذا: (قلنا ذلك) أي بولس (هو الذي أفسد عليكم أديانكم وأعمى بصائركم وأذهانكم، ذلك هو الذي غير دين المسيح الصحيح، الذي لم تسمعوا له بخبر ولا وقفتم منه على أثر، هو الذي صرفكم عن القبلة وحلل لكم كل محرم كان في الملة، ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها بينكم) انتهى كلامه بلفظه. وقال صاحب تخجيل من حرف الإنجيل في الباب التاسع من كتابه، في بيان فضائح النصارى في حق بولس هذا هكذا: (وقد سلبهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة) انتهى كلامه بلفظه. [وفي المجلد الثاني من فتوح الشام قول مقوقس سلطان مصر في خطاب أركان دولته هكذا: "وقد أضلّكم بولس وأغواكم حين غرّ بكم وبدّل شرعكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1113 وسمّاكم باسم لا يليق بكم، وكيف وقد عاد بكم من الطريق الواضح وأحلّ لكم جميع ما حُرّم عليكم من قبل، وهذا هو عين المحال وداعية العمى أن تتعدّوا ما قال نبيكم، وكيف ينبغي لروح الله عيسى بن مريم أن يكلمكم بما لم يرسله الله إليكم. ثم إنّ بولس قال لكم إنّه أحلّ لكم الخنزير وشرْب الخمر وارتكاب المعاصي ما ظهر منها وما بطن، فأطعتم أمره وصدّقتم قوله، وحاشا المسيح أن يفعل ذلك". انتهى كلامه. وقال يوقنّا صاحب حلب -وقد كان أسلم- في خطاب بنته ناصحاً لها هكذا: "وإنّما غرّر بالنصارى وحيّدهم عن طريق الحق رجل يقال له بولس، كان من اليهود، أضلّهم عن الطريق المستقيم وشرع لهم الضلال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1114 القديم" انتهى كلامه] . وهكذا أقوال علمائنا الآخرين فكلامه عندنا مردود ورسائله المتضمنة بالعهد العتيق كلها واجبة الرد ولا نشتري قوله بحبة خردل فلا أنقل عن أقواله في هذا المسلك شيئاً ولا يكون قوله حجة علينا، وإذ عرفت هذه الأمور الثمانية أقول أن الإخبارات الواقعة في حق محمد صلى الله عليه وسلم توجد كثيرة إلى الآن أيضاً مع وقوع التحريفات في هذه الكتب، ومن عرف أولاً طريق أخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر على ما عرفت في الأمر الثاني، ثم نظر ثانياً بنظر الإنصاف إلى هذه الإخبارات، وقابلها بالإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام، وقد عرفت نبذاً منها في الأمر السادس، جزم بأن الإخبارات المحمدية في غاية القوة. وأنقل في هذا المسلك عن الكتب المعتبرة عند علماء بروتستنت ثماني عشرة بشارة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1115 البشارات: (البشارة الأولى) في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء هكذا: 17 (فقال الرب لي نعم جميع ما قالوا) 18 (وسوف أقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوتهم وأجعل كلامي في فمه ويكلمهم بكل شيء آمره به) 19 (ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا أكون المنتقم من ذلك) 20 (فأما النبي الذي يجترئ بالكبرياء ويتكلم في اسمي ما لم آمره بأنه يقوله أم باسم إلهه غيري فليقتل) 21 (فإن أحببت وقلت في قلبك كيف أستطيع أن أميز الكلام الذي لم يتكلم به الرب) 22 (فهذه تكون لك آية أن ما قاله ذلك النبي في اسم الرب ولم يحدث فالرب لم يكن تكلم به، بل ذلك النبي صورة في تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه) . وهذه البشارة ليست بشارة يوشع عليه السلام كما يزعم الآن أحبار اليهود، ولا بشارة عيسى عليه السلام كما زعم علماء بروتستنت، بل هي بشارة محمد صلى الله عليه وسلم لعشرة أوجه: (الوجه الأول) قد عرفت في الأمر الثالث أن اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام كانوا ينتظرون نبياً آخر مبشراً به في هذا الباب، وكان هذا المبشر به عندهم غير المسيح، فلا يكون هذا المبشر به يوشع، ولا عيسى عليهما السلام. (والوجه الثاني) أنه وقع في هذه البشارة لفظ مثلك ويوشع وعيسى عليهما السلام لا يصح أن يكونا مثل موسى عليه السلام، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1116 أما أولاً: فلأنهما من بني إسرائيل، ولا يجوز أن يقوم أحد من بني إسرائيل مثل موسى كما تدل عليه الآية العاشرة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء وهي هكذا: 5 (ولم يقم بعد ذلك من بني إسرائيل مثل موسى يوفه الرب وجهاً لوجه) فإن قام أحد مثل موسى بعده من بني إسرائيل، يلزم تكذيب هذا القول. وأما ثانياً: فلأنه لا مماثلة بين يوشع وبين موسى عليهما السلام لأن موسى عليه السلام صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ونواهي، ويوشع ليس كذلك، بل هو متبع لشريعته، وكذا لا توجد المماثلة التامة بين موسى وعيسى عليهما السلام، لأن عيسى عليه السلام كان إلهاً ورباً على زعم النصارى وموسى عليه السلام كان عبداً له، وأن عيسى عليه السلام على زعمهم، صار ملعوناً لشفاعة الخلق كما صرح به بولس في الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية، وموسى عليه السلام ما صار ملعوناً لشفاعتهم، وأن عيسى عليه السلام دخل الجحيم بعد موته كما هو مصرح به في عقائد أهل التثليث، وموسى عليه السلام ما دخل الجحيم، وأن عيسى عليه السلام صلب على زعم النصارى ليكون كفارة لأمته، وموسى عليه السلام ما صار كفارة لأمته بالصلب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1117 وأن شريعة موسى مشتملة على الحدود والتعزيزات وأحكام الغسل والطهارات والمحرمات من المأكولات والمشروبات، بخلاف شريعة عيسى عليه السلام، فإنها فارغة عنها على ما يشهد به هذا الإنجيل المتداول بينهم، وأن موسى عليه السلام كان رئيساً مطاعاً في قومه نفاذاً لأوامره ونواهيه، وعيسى عليه السلام لم يكن كذلك. (الوجه الثالث) أنه وقع في هذه البشارة لفظ من بين إخوتهم، ولا شك أن الأسباط الاثني عشر كانوا موجودين في ذاك الوقت مع موسى عليه السلام حاضرين عنده، فلو كان المقصود كون النبي المبشر به منهم، قال منهم لا من بين إخوتهم. لأن الاستعمال الحقيقي لهذا اللفظ أن لا يكون المبشر به له علاقة الصلبية والبطنية ببني إسرائيل كما جاء لفظ الأخوة بهذا الاستعمال الحقيقي في وعد الله هاجر في حق إسماعيل عليه السلام في الآية الثانية عشر من الباب السادس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1118 عشر من سفر التكوين، وعبارتها في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (وقبالة جميع إخوته ينصب المضارب) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (بحضرة جميع أخوته يسكن) . وجاء بهذا الاستعمال أيضاً، في الآية الثامنة عشر من الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين في حق إسماعيل في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (منتهى إخوته جميعهم سكن) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (أقام بحضرة جميع أخوته) . والمراد بالأخوة ههنا بنو عيسو وإسحاق وغيرهم من أبناء إبراهيم عليه السلام. وفي الآية الرابعة عشرة من الباب العشرين من سفر العدد هكذا: (ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1119 أرسل موسى رسلاً من قادس إلى ملك الروم قائلاً هكذا: (يقول أخوك إسرائيل أنك قد علمت كل البلاء الذي أصابنا) وفي الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: 2 (وقال لي الرب 4 ثم أوص الشعب أنكم ستجوزون في تخوم أخوتكم بني عيسو الذين في ساعير وسيخشونكم 8 فلما جزنا أخوتنا بني عيسو الذين يسكنون ساعير الخ) . والمراد بأخوة بني إسرائيل بنو عيسو، ولا شك أن استعمال لفظ أخوة بني إسرائيل في بعض منهم كما جاء في بعض المواضع من التوراة، استعمال مجازي ولا تترك الحقيقة ولا يصار إلى المجاز ما لم يمنع عن الحمل على المعنى الحقيقي مانع قوي، ويوشع وعيسى عليهما السلام كانا من بني إسرائيل، فلا تصدق هذه البشارة عليهما. (الوجه الرابع) أنه وقع في هذه البشارة لفظ سوف أقيم، ويوشع عليه السلام كان حاضراً عند موسى عليه السلام، داخلاً في بني إسرائيل، نبياً في هذا الوقت، فكيف يصدق عليه هذا اللفظ. (الوجه الخامس) أنه وقع في هذه البشارة لفظ أجعل كلامي في فمه، وهو إشارة إلى أن ذلك النبي ينزل عليه الكتاب، وإلى أنه يكون أمياً حافظاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1120 للكلام، وهذا لا يصدق على يوشع عليه السلام لانتفاء كلا الأمرين فيه. (الوجه السادس) أنه وقع في هذه البشارة، ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به، فأنا أكون المنتقم من ذلك. فهذا الأمر لما ذكر لتعظيم هذا النبي المبشر به فلا بد أن يمتاز ذلك المبشر به بهذا الأمر عن غيره من الأنبياء، فلا يجوز أن يراد بالانتقام من المنكر العذاب الأخروي، الكائن في جهنم، أو المحن والعقوبات الدنيوية التي تلحق المنكرين من الغيب، لأن هذا الانتقام لا يختص بإنكار نبي دون نبي، بل يعم الجميع فحينئذ يراد بالانتقام، الانتقام التشريعي، فظهر منه أن هذا النبي يكون مأموراً من جانب الله بالانتقام من منكره. فلا يصدق على عيسى عليه السلام لأن شريعته خالية عن أحكام الحدود، والقصاص، والتعزيز، والجهاد. (الوجه السابع) في الباب الثالث من كتاب الأعمال في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (فتوبوا وارجعوا كي تمحى خطاياكم 20 حتى إذا تأتي أزمنة الراحة من قدام وجه الرب، ويرسل المنادي به لكم وهو يسوع المسيح 21 الذي إياه ينبغي للسماء أن تقبله إلى الزمان الذي يسترد فيه كل شيء تكلم به الله على أفواه أنبيائه القديسين منذ الدهر 22 أن موسى قال إن الرب إلهكم يقيم لكم نبياً من أخوتكم مثلي له تسمعون في كل ما يكلمكم به 23 ويكون كل نفس لا تسمع ذلك النبي تهلك من الشعب) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1121 وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1828، وسنة 1841، وسنة 1842، هكذا: 19 (تونيه نما يدوباز كشت كند تاكه كناهان شمامحو شودتا كه زمان تازه كيراز حضور خداوند بيابيد) 20 (ويسوع مسيح راكه ندا بشمامي شودباز فرستد) 21 (زيراكه بايد كه آسمان أورنكا هدارد تاوقت ثبوت انجه خداوندبزبان بيغمبران مقدس خودازايام قديم فرموده است) . 22 (كه موسى بيدران ما كفت كه خداى شماخداوند بيغمبري رامثل من ازبراى شما ازميان برادران شما مبعوث خواهد ثمود وهرجه أوبشما كويد شمار است كه أطاعت نماييد) 23 (واينجنين خواهد بودكه هركس كه سخن آن بيغمبر رانشنودازقوم بريده خواهدشد) . فهذه العبارة سيما بحسب التراجم الفارسية تدل صراحة على أن هذا النبي غير المسيح عليه السلام، وأن المسيح لا بد أن تقبله السماء إلى زمان ظهور هذا النبي. ومن ترك التعصب الباطل من المسيحيين، وتأمل في عبارة بطرس ظهر له هذا القول من بطرس يكفي لإبطال ادعاء علماء بروتستنت أن هذه البشارة في حق عيسى عليه السلام، وهذه الوجوه السبعة التي ذكرتها تصدق في حق محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل صدق لأنه غير المسيح عليه السلام ويماثل موسى عليه السلام في أمور كثيرة: [1] كونه عبد الله، ورسوله. [2] كونه ذا الوالدين. [3] كونه [ص 244] ذا نكاح وأولاد. [4] كون شريعته مشتملة على السياسات المدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1122 [5] كونه مأموراً بالجهاد. [6] اشتراط الطهارة وقت العبادة في شريعته. [7] وجوب الغسل للجنب والحائض والنفساء في شريعته. [8] اشتراط طهارة الثوب من البول، والبراز. [9] حرمة غير المذبوح، وقرابين الأوثان. [10] كون شريعته مشتملة على العبادات البدنية، والرياضات الجسمانية. [11] أمره بحد الزنا. [12] تعيين الحدود، والتعزيرات، والقصاص. [13] كونه قادراً على إجرائها. [14] تحريم الربا. [15] أمره بإنكار من يدعو إلى غير الله. [16] أمره بالتوحيد الخاص. [17] أمره الأمة بأن يقولوا له عبد الله ورسوله، لا ابن الله أو الله والعياذ بالله. [18] موته على الفراش. [19] كونه مدفوناً كموسى. [20] عدم كونه ملعوناً لأجل أمته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1123 وهكذا أمور أخر تظهر إذا تؤمل في شريعتهما، ولذلك قال الله تعالى في كلامه المجيد: {إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً} . وكان من أخوة بني إسرائيل لأنه من بني إسماعيل، وأنزل عليه الكتاب وكان أمياً جعل كلام الله في فمه، وكان ينطق بالوحي كما قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} وكان مأموراً بالجهاد، وقد انتقم الله لأجله من صناديد قريش والأكاسرة والقياصرة وغيرهم، وظهر قبل نزول المسيح من السماء وكان للسماء أن تقبل المسيح عليه السلام إلى ظهوره ليرد كل شيء إلى أصله، ويمحق الشرك والتثليث وعبادة الأوثان ولا يرتاب أحد من كثرة أهل التثليث في هذا الزمان الأخير، لأن هذا الصادق المصدوق قد أخبرنا على أتم تفصيل وأكمل وجه، بحيث لا يبقى ريب ما بكثرتهم وقت قرب ظهور المهدي رضي الله عنه، وهذا الوقت قريب إن شاء الله، وسيظهر الإمام ويظهر الحق عن قريب، ويكون الدين كله لله، جعلنا الله من أنصاره وخدامه آمين. (الوجه الثامن) أنه صرح في هذه البشارة بأن النبي الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره يقتل، فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبياً حقاً لكان يقتل، وقد قال الله في القرآن المجيد أيضاً: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} وما قتل بل قال الله في حقه: {والله يعصمك من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1124 الناس} وأوفى وعده ولم يقدر على قتله أحد حتى لقي الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم، وعيسى عليه السلام قتل وصلب على زعم أهل الكتاب. فلو كانت هذه البشارة في حقه لزم أن يكون نبياً كاذباً كما يزعمه اليهود والعياذ بالله. (الوجه التاسع) أن الله بين علامة النبي الكاذب أن إخباره عن الغيب المستقبل لا يخرج صادقاً ومحمد صلى الله عليه وسلم أخبر عن الأمور الكثيرة المستقبلة كما علمت في المسلك الأول، وظهر صدقه فيها فيكون نبياً صادقاً لا كاذباً. (الوجه العاشر) أن علماء اليهود سلموا كونه مبشراً به في التوراة لكن بعضهم أسلم وبعضهم بقي في الكفر، كما أن قيافا وكان رئيس الكهنة ونبياً على زعم يوحنا عرف أن عيسى هو المسيح الموعود به، ولم يؤمن بل أفتى بكفره وقتله، كما صرح به يوحنا في الباب الحادي عشر والثامن عشر من إنجيله من حديث مخيريق وكان حبراً عالماً كثير المال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته، وغلبت عليه ألفة دينه فلم يزل على ذلك حتى كان يوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1125 أحد وكان يوم السبت، فقال: يا معشر اليهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: فإن اليوم يوم السبت قال: لا سبت ثم أخذ سلاحه وخرج حتى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأحد وكان يوم السبت وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فمالي لمحمد يصنع فيه ما أراه الله تعالى، فقاتل حتى قتل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مخيريق خير يهودي، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال: أخرجوا إلي أعلمكم، فقال: عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام، أتعلم أني رسول الله قال: اللهم نعم، وأن القوم يعرفون ما أعرف وأن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك قال: فما يمنعك أنت، قال: أكره خلاف قومي عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم. وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها، لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1126 ونزل قباء، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مفلسين فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس فأتيا، كالين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهوينا، فهششت إليهما فالتفت إلى أحد منهما مع ما بهما من الهم فسمعت عمى أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو (أي المبشر به في التوراة) قال: نعم والله، قال: أتثبته وتعرفه قال: نعم، قال: فما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1127 في نفسك منه قال: عداوته والله ما بقيت أبداً فتلك عشرة كاملة فإن قيل أن أخوة بني إسرائيل لا تنحصر في بني إسماعيل لأن بني عيسو وبني أبناء قطورا زوجة إبراهيم عليهما السلام من أخوتهم أيضاً، قلت: نعم هؤلاء أيضاً من أخوة بني إسرائيل لكنهم لم يظهر أحد منهم يكون موصوفاً بالأمور المذكورة، ولم يكن وعد الله في حقهم أيضاً بخلاف بني إسماعيل فإنهم كان وعد الله في حقهم لإبراهيم ولهاجر عليهما السلام، مع أنه لا يصلح أن يكون مصداق هذا الخبر بني عيسو على ما هو مقتضى دعاء إسحاق عليه السلام المصرح به في الباب السابع والعشرين من سفر التكوين. ولعلماء بروتستنت اعتراضان، نقلهما صاحب الميزان في كتابه المسمى بحل الإشكال في جواب الاستفسار. الأول: أنه وقع في الآية الخامسة عشر من الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء هكذا: (فإن الرب إلهك يقيم من بينك من بين أخوتك) الخ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1128 فلفظ من بينك يدل دلالة ظاهرة على أن هذا النبي يكون من بني إسرائيل لا من بني إسماعيل. والثاني: أن عيسى عليه السلام نسب هذه البشارة إلى نفسه فقال في الآية السادسة والأربعين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا أن موسى كتب في حقي أقول آية الاستثناء على وفق التراجم الفارسية وتراجم أردو هكذا: (فإن الرب إلهك يقيم من بينك من بين أخوتك نبياً مثلي فاسمع منه) والقسيس أيضاً نقلها هكذا (والجواب) أن اللفظ المذكور لا ينافي مقصودنا لأن محمداً عليه السلام لما هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره، وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم، فقد قام من بينهم ولأنه إذا كان من أخوتهم فقد قام من بينهم، ولأن قوله من بين أخوتك بدل من قوله من بينك، بدل اشتمال على رأي ابن الحاجب ومتبعيه القائلين بكفاية علاقة الملابسة غير الكلية والجزئية في تحقيق هذا البدل، نحو جاءني زيد أخوه وجاءني زيد غلامه، وبدل إضراب على رأي ابن مالك، وعلى كلا التقديرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1129 المبدل منه غير مقصود ويدل على كونه غير مقصود، أن موسى عليه السلام لما أعاد هذا الوعد من كلام الله في الآية الثامنة عشر لا يوجد فيه لفظ من بينك، ونقل بطرس الحواري أيضاً هذا القول ولا يوجد فيه هذا اللفظ كما علمت في الوجه السابع، وكذا نقله استفانوس أيضاً ولا يوجد في نقله أيضاً هذا اللفظ كما صرح به في الباب السابع من كتاب الأعمال وعبارته هكذا: (هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم له تسمعون) فسقوطه في هذه المواضع دليل على كونه غير مقصود فاحتمال البدل قوي جداً. وقال صاحب الاستفسار: (إن لفظ من بينك إلحاقي زيد تحريفاً ويدل عليه ثلاثة أمور: (الأول) أن المخاطبين في هذا الموضع كانوا بني إسرائيل كلهم لا البعض، فقوله من بينك خطاب إلى جميع القوم فصار لفظ من أخوتك لغواً محضاً لا معنى له، لكن لفظ من أخوتك جاء في الموضع الآخر فيكون صحيحاً، ولفظ من بينك إلحاقياً زيد تحريفاً. (والثاني) أن موسى عليه السلام لما نقل كلام الله لإثبات قوله، لا يوجد فيه هذا اللفظ ولا يجوز أن يكون ما قال موسى مخالفاً لما قاله الله. (والثالث) أن الحواريين كلما نقلوا هذا الكلام لا يوجد فيه لفظ من بينك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1130 وإن قلتم: إن المحرف إذا حرف فَلِمَ لَمْ يحرف الكلام كله، قلت: نحن نرى في محكمات العدالة دائماً أن القبالجات المحرفة يثبت تحريف الألفاظ المحرفة فيها من مواضع أخرى منها غالباً، وأن شهود الزور يؤخذون ببعض بياناتهم، فالوجه الوجيه على أن عادة الله جارية بأنه لا يهدي كيد الخائنين ويظهر خيانة خائن الدين بمقتضى مرحمته، فبمقتضى هذه العادة يصدر عن الخائن شيء ما تظهر به خيانته، على أنه لا توجد ملة يكون أهلها كلهم خائنين، فالخائنون الذين حرفوا كتب العهدين كان لهم لحاظ ما من جانب بعض المتدينين فلذلك ما بدلوا الكل، انتهى. أقول هذا الجواب بالنسبة إلى عادة أهل الكتاب النسيب كما عرفت في الأمر السابع وأقول في (الجواب) عن الاعتراض الثاني أن آية الإنجيل هكذا: (لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني) وليس فيها تصريح بأن موسى عليه السلام كتب في حقه في المواضع الفلاني، بل المفهوم منه أن موسى كتب في حقه، وهذا يصدق إذا وجد في موضع من مواضع التوراة إشارة إليه، ونحن نسلم هذا الأمر كما ستعرف في ذيل بيان البشارة الثالثة، لكنا ننكر أن يكون قوله إشارة إلى هذه البشارة للوجوه التي عرفتها وقد ادعى هذا المعترض في الفصل الثالث من الباب الثالث من الباب الثاني من الميزان أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1131 الآية الخامسة عشر من الباب الثالث من سفر التكوين إشارة إليه، فهذا القدر يكفي لتصحيح قول عيسى عليه السلام، نعم لو قال عيسى عليه السلام أن موسى عليه السلام ما أشار في أسفاره الخمسة إلى نبي من الأنبياء إلا إليّ لكان لهذا التوهم مجال في ذلك الوقت. (البشارة الثانية) الآية الحادية والعشرون من الباب الثاني والثلاثين من سفر الاستثناء هكذا: (هم أغاروني بغير إله وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعب وبشعب جاهل أغضبهم) والمراد بشعب جاهل العرب لأنهم كانوا في غاية الجهل والضلال، وما كان عندهم علم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية، وما كانوا يعرفون سوى عبادة الأوثان والأصنام، وكانوا محقرين عند اليهود لكونهم من أولاد هاجر الجارية. فمقصود الآية أن بني إسرائيل أغاروني بعبادة المعبودات الباطلة فأغيرهم باصطفاء الذين هم عندهم محقرون وجاهلون، فأوفى بما وعد فبعث من العرب النبي صلى الله عليه وسلم فهداهم إلى الصراط المستقيم كما قال الله تعالى في سورة الجمعة: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1132 عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} . وليس المرد بالشعب الجاهل اليونانيين كما يفهم من ظاهر كلام مقدسهم بولس في الباب العاشر من الرسالة الرومية، لأن اليونانيين قبل ظهور عيسى عليه السلام بأزيد من ثلثمائة سنة كانوا فائقين على أهل العالم كلهم في العلوم والفنون، وكان جميع الحكماء المشهورين مثل سقراط وبقراط وفيساغورس وأفلاطون وأرسطاطاليس وأرشميدس وبليناس وأقليدس وجالينوس وغيرهم الذين كانوا أئمة الإلهيات والرياضيات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1133 والطبيعيات وفروعها قبل عيسى عليه السلام، وكان اليونانيين في عهده على غاية درجة الكمال في فنونهم، وكانوا واقفين على أحكام التوراة وقصصها وسائر كتب العهد العتيق أيضاً بواسطة ترجمة سبتوجنت التي ظهرت باللسان اليوناني قبل المسيح بمقدار مائتين وست وثمانين سنة، لكنهم ما كانوا معتقدين للملة الموسوية وكانوا متفحصين عن الأشياء الحكمية الجديدة كما قال مقدسهم هذا في الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: (لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة) 23 (ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة) فلا يجوز أن يكون المراد بالشعب الجاهل اليونانيين، فكلام مقدسهم في الرسالة الرومية إما مؤوّل أو مردود وقد عرفت في الأمر الثامن أن قوله ساقط عن الاعتبار عندنا. (البشارة الثالثة) في الباب الثالث والثلاثين من سفر الاستثناء في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (وقال جاء الرب من سينا وأشرق لنا من ساعيرا ستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار في يمينه سنة من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1134 نار) . فمجيئه من سيناء وإعطاؤه التوراة لموسى عليه السلام وإشراقه من ساعير وإعطاؤه الإنجيل لعيسى عليه السلام، واستعلانه من جبل فاران إنزاله القرآن لأن فاران جبل من جبال مكة في الباب الحادي والعشرين من سفر التكوين في حال إسماعيل عليه السلام هكذا: 20 (وكان الله معه ونما وسكن في البرية وصار شاباً يرمي بالسهام 21 وسكن برية فاران وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر) . ولا شك أن إسماعيل عليه السلام كانت سكونته بمكة، ولا يصح أن يراد أن النار لما ظهرت من طور سينا ظهرت من ساعير ومن فاران أيضاً فانتشرت في هذه المواضع، لأن الله لو خلق ناراً في موضع، لا يقال جاء الله من ذلك الموضع إلا إذا أتبع تلك الواقعة وحي نزل في ذلك الموضع أو عقوبة أو ما أشبه ذلك، وقد اعترفوا أن الوحي اتبع تلك في طور سيناء فكذا لا بد أن يكون في ساعير وفاران. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1135 (البشارة الرابعة) في الآية العشرين من الباب السابع عشر من سفر التكوين، وعد الله في حق إسماعيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (وعلى إسماعيل أستجيب لك هو ذا أباركه وأكبره وأكثره جداً فسيلد اثني عشر رئيساً وأجعله لشعب كبير) . وقوله أجعله لشعب كبير يشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لشعب كبير غيره وقد قال الله تعالى ناقلاً دعاء إبراهيم وإسماعيل في حقه عليهم السلام في كلامه المجيد أيضاً: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} . وقال الإمام القرطبي في الفصل الأول من القسم الثاني من كتابه وقد تفطن بعض النبهاء ممن نشأ على لسان اليهود وقرأ بعض كتبهم، فقال يخرج مما ذكر من عبارة التوراة في موضعين اسم محمد صلى الله عليه وسلم بالعدد على ما يستعمله اليهود فيما بينهم الأول: قوله جداً جداً بتلك اللغة بمادماد وعدد هذه الحروف اثنان وتسعون لأن الباء اثنان والميم أربعون والألف واحد والدال أربعة والميم الثانية أربعون والألف واحد والدال أربعة، وكذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1136 الميم من محمد أربعون والحاء ثمانية والميم أربعون والدال أربعة. والثاني: قوله لشعب كبير بتلك اللغة لغوي غدول، فاللام عندهم ثلاثون والغين ثلاثة لأنه عندهم في مقام الجيم إذ ليس في لغتهم جيم ولا صاد والواو ستة والياء عشرة والغين أيضاً ثلاثة والدال أربعة والواو ستة واللام ثلاثون، فمجموع هذه أيضاً اثنان وتسعون انتهى كلامه. بتلخيص ما وعبد السلام كان من أحبار اليهود ثم أسلم في عهد السلطان المرحوم بايزيد خان، وصنف رسالة صغيرة سماها بالرسالة الهادية فقال فيها: (أن أكثر أدلة أحبار اليهود بحرف الجمل الكبير وهو حرف أبجد، فإن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1137 أحبار اليهود حين بنى سليمان النبي عليه السلام بيت المقدس، اجتمعوا وقالوا يبقى هذا البناء أربعمائة وعشرة سنين ثم يعرض له الخراب، لأنهم حسبوا لفظة بزات) ثم قال: (واعترضوا [ص 252] على هذا الدليل بأن الباء في بمادماد ليست من نفس الكلمة بل هي أداة وحرف جيء به للصلة فلو أخرج منه اسم محمد لاحتاج إلى باء ثانية ويقال ببمادماد، قلنا من المشهور عندهم إذا اجتمع الباآن أحدهما أداة والآخر من نفس الكلمة تحذف الأداة وتبقى التي هي من نفس الكلمة، وهذا شائع عندهم في مواضع غير معدودة فلا حاجة إلى إيرادها) انتهى كلامه بلفظه. أقول قد صرح العلماء بأن أسمائه صلى الله عليه وسلم مادماد كما في شفاء القاضي عياض. (البشارة الخامسة) الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين هكذا ترجمة عربية سنة 1722 وسنة 1831: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1138 (فلا يزول القضيب من يهوذا والمدبر من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم) وفي ترجمة عربية سنة 1811 (فلا يزول القضيب من يهوذا والرسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له وإليه تجتمع الشعوب) . ولفظ الذي له الكل أو الذي هو له، ترجمة لفظ شيلوه، وفي ترجمة هذا اللفظ اختلاف كثير فيما بينهم وقد عرفت في الأمر السابع أيضاً، وقال عبد السلام في الرسالة الهادية هكذا: (لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من بين رجليه حتى يجيء الذي له وإليه تجتمع الشعوب) . وفي هذه الآية دلالة على أن يجيء سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم بعد تمام حكم موسى وعيسى، لأن المراد من الحاكم هو موسى، لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى إلا موسى، والمراد من الراسم هو عيسى، لأنه بعد موسى إلى زمان عيسى ما جاء صاحب شريعة إلا عيسى وبعدهما ما جاء صاحب شريعة إلا محمد، فعلم أن المراد من قول يعقوب في آخر الأيام هو نبينا محمد عليه السلام، لأنه في آخر الزمان بعد مضي حكم الحاكم والراسم ما جاء إلا سيدنا محمد عليه السلام، ويدل عليه أيضاً قوله حتى يجيء الذي له أي الحكم بدلالة مساق الآية وسياقها، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1139 وأما قوله: وإليه تجتمع الشعوب فهي علامة صريحة ودلالة واضحة على أن المراد منها هو سيدنا، لأنه ما اجتمع الشعوب إلا إليه وإنما لم يذكر الزبور لأنه لا أحكام فيه، وداود النبي تابع لموسى والمراد من خبر يعقوب هو صاحب الأحكام) انتهى كلامه بلفظه. أقول إنما أراد من الحاكم موسى عليه السلام، لأن شريعته جبرية انتقامية، ومن الراسم عيسى عليه السلام، لأن شريعته ليست بجبرية ولا انتقامية، وأن أريد من القضيب السلطنة الدنيوية ومن المدبر الحاكم الدنيوي، كما يفهم من رسائل القسيسين من فرقة بروتستنت ومن بعض تراجمهم، فلا يصح أن يراد بشيلوه مسيح اليهود كما هو مزعومهم، ولا عيسى عليه السلام كما هو مزعوم النصارى. أما الأول: فظاهر لأن السلطنة الدنيوية والحاكم الدنيوي زالا من آل يهوذا من مدة هي أزيد من ألفي سنة من عهد بختنصر ولم يسمع إلى الآن حسيس مسيح اليهود. وأما الثاني: فلأنهما زالتا من آل يهوذا أيضاً قبل ظهور عيسى عليه السلام بمقدار ستمائة سنة من عهد بختنصر وهو أجلى بني يهوذا إلى بابل وكانوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1140 في الجلاء ثلاثاً وستين سنة لا سبعين كما يقول بعض علماء بروتستنت تغليطاً للعوام وقد عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول، ثم وقع عليهم أنتيوكس ما وقع فإنه عزل أونياس حبر اليهود وباع منصبه لأخيه ياسون بثلثمائة وستين وزنة ذهب يقدمها له خراجاً كل سنة، ثم عزله وباع ذلك لأخيه مينالاوس بستمائة وستين وزنة، ثم شاع خبر موته فطلب ياسون أن يسترد لنفسه الكهنوت ودخل أورشليم بألوف من الجنود فقتل كل من كان يظنه عدواً له وهذا الخبر كان كاذباً فهجم أنتيوكس على أورشليم وامتلكها ثانية في سنة 170 قبل ميلاد المسيح وقتلمن أهلها أربعين ألفاً وباع مثل ذلك عبيداً، وفي الفصل العشرين من الجزء الثاني من مرشد الطالبين في بيان الجدول التاريخي في الصفحة 481 من النسخة المطبوعة سنة 1852 من الميلاد (أنه نهب أورشليم وقتل ثمانين ألفاً) انتهى. وسلب ما كان في الهيكل من الأمتعة النفيسة التي كانت قيمتها ثمانمائة وزنة ذهب وقرب خنزيرة وقوداً على المذبح للإهانة، ثم رجع إلى إنطاكية وأقام فيلبس أحد الأراذل حاكماً على اليهودية، وفي رحلته الرابعة إلى مصر أرسل أبولوينوس بعشرين ألفاً من جنوده وأمرهم أن يخربوا أورشليم ويقتلوا كل من بها من الرجال ويسبو النساء والصبيان فانطلقوا إلى هناك. وبينما كان الناس في المدينة مجتمعين للصلاة يوم السبت هجموا عليهم على غفلة فقتلوا الكل، إلا من أفلت إلى الجبال واختفى في المغاير، ونهبوا أموال المدينة وأحرقوها وهدموا أسوارها وأخربوا منازلها ثم ابتنوا لهم من بسائط ذلك الهدم قلعة حصينة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1141 على جبل اكرا، وكانت العساكر تشرف منها على جميع نواحي الهيكل ومن دنا منه يقتلونه، ثم أرسل انتيوكس أثانيوس ليعلم اليهود طقوس عبادة الأصنام اليونانية ويقتل كل من لا يمتثل ذلك الأمر، فجاء أثانيوس إلى أورشليم وساعده على ذلك بعض اليهود الكافرين، وأبطل الذبيحة اليومية ونسخ كل طاعة للدين اليهودي عموماً وخصوصاً، وأحرق كل ما وجده من نسخ كتب العهد العتيق بالفحص التام، وكرس الهيكل للمشتري ونصب صورة ذلك على مذبح اليهود وأهلك كل من وجده مخالف أمر انتيوكس، ونجا متاثياس الكاهن مع أبنائه الخمسة في هذه الداهية وفروا إلى وطنهم مودين في سبط دان فانتقم من هؤلاء الكفار انتقاماً ما قدروا عليه على استطاعته كما هو مصرح به في التواريخ، فكيف يصدق هذا الخبر على عيسى عليه السلام وإن قالوا أن المراد ببقاء السلطنة والحكومة امتياز القوم كما يقول بعضهم الآن، قلنا هذا الأمر كان باقياً إلى ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أقطار العرب ذوي حصون وأملاك غير مطيعين لأحد مثل يهود خيبر وغيرهم كما يشهد به التواريخ، وبعد ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ضربت عليهم الذلة والمسكنة وصاروا في كل إقليم مطيعين للغير، فالأليق أن يكون المراد بشيلوه النبي صلى الله عليه وسلم لا مسيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1142 اليهود ولا عيسى عليه السلام. (البشارة السادسة) الزبور الخامس والأربعون هكذا: (فاض قلبي كلمة صالحة أنا أقول أعمالي للملك) 1 (لساني قلم كاتب سريع الكتابة) 2 (بهي في الحسن أفضل من بني البشر) 3 (انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الدهر) 4 (تقلد سيفك على فخذك أيها القوي بحسنك وجمالك) 5 (أستله وأنجح وأملك من أجل الحق والدعة والصدق وتهديك بالعجب يمينك) 6 (نبلك مسنونة أيها القوي في قلب أعداء الملك الشعوب تحتك يسقطون) 7 (كرسيك يا الله إلى دهر الداهرين عصا الاستقامة عصا ملكك) 8 (أحببت البر وأبغضت الإثم لذلك مسحك الله إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك) 9 (المر والميعة والسليخة من ثيابك من منازلك الشريفة العاج التي أبهجتك) 10 (بنات الملوك في كرامتك قامت الملكة من عن يمينك مشتملة بثوب مذهب موشى) 11 (اسمعي يا بنت وانظري وأنصتي بأذنيك وانسي شعبك وبنت أبيك) 12 (فيشتهي الملك حسنك لأنه هو الرب إلهك وله تسجدين) 13 (بنات صور يأتينك بالهدايا لوجهك يصلي كل أغنياء الشعب) 14 (كل مجد ابنة الملك من داخل مشتملة بلباس الذهب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1143 الموشى) 15 (يبلغن إلى الملك عذارى في أثرها قريباتها إليك يقدمن) 16 (يبلغن بفرح وابتهاج يدخلن إلى هيكل الملك) 17 (ويكون بنوك عوضاً من آبائك وتقيمهم رؤساء على سائر الأرض) 18 (سأذكر اسمك في كل جيل وجيل من أجل ذلك تعترف لك الشعوب إلى الدهر والى دهر الداهرين) . وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أن داود عليه السلام يبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه، ولم يظهر إلى هذا الحين عند اليهود نبي يكون موصوفاً بالصفات المذكورة في هذا الزبور، ويدعى علماء بروتستنت أن هذا النبي عيسى عليه السلام، ويدعي أهل الإسلام سلفاً وخلفاً أن هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فأقول أنه ذكر في هذا الزبور من صفات النبي المبشر به هذه الصفات: [ص 256] [1] كونه حسناً. [2] كونه أفضل البشر. [3] كون النعمة منسكبة على شفتيه. [4] كونه مباركاً إلى الدهر. [5] كونه متقلداً بالسيف. [6] كونه قوياً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1144 [7] كونه ذا حق ودعة وصدق. [8] كونه هداية يمينه بالعجب. [9] كون نبله مسنونة. [10] سقوط الشعب تحته. [11] كونه محباً للبر ومبغضاً للإثم. [12] خدمة بنات الملوك إياه. [13] إتيان الهدايا إليه. [14] انقياد كل أغنياء الشعب له. [15] كون أبنائه رؤساء الأرض بدل آبائهم. [16] كون اسمه مذكوراً جيلاً بعد جيل. [17] مدح الشعوب إياه إلى دهر الداهرين. وهذه الأوصاف كلها توجد في محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه. أما الأول: فلأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه وإذا ضحك يتلألأ في الجدار) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1145 وعن أم معبد رضي الله عنها قالت في بعض ما وصفته به: (أجمل الناس من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب) . وأما الثاني: فلأن الله تعالى قال في كلامه المحكم: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) الآية. وقال أهل التفسير أراد بقوله {ورفع بعضهم درجات} محمداً صلى الله عليه وسلم أي رفعه على سائر الأنبياء من وجوه متعددة، وقد أشبع الكلام في تفسير هذه الآية الإمام الهمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير. وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أي لا أقول ذلك فخراً لنفسي بل تحدثاً بنعمة ربي. وأما الثالث: فغير محتاج إلى البيان حتى أقر بفصاحته الموافق والمخالف، وقال الرواة في وصف كلامه: إنه كان أصدق الناس لهجة فكان من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1146 الفصاحة بالمحل الأفضل والموضع الأكمل. وأما الرابع: فلأن الله تعالى قال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} وألوف ألوف من الناس يصلون عليه في الصلوات الخمس. وأما الخامس: فظاهر وقد قال هو بنفسه أنا رسول الله بالسيف. وأما السادس: فكانت قوته الجسمانية على الكمال، كما ثبت أن ركانة خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم فقال: يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه. فقال: لو أعلم والله ما تقول حقاً لاتبعتك. فقال: أرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال: نعم، فلما بطش به صلى الله تعالى عليه وسلم أضجعه لا يملك من أمره شيئاً، ثم قال: يا محمد عد فصرعه أيضاً فقال: يا محمد إن ذا لعجب. فقال صلى الله عليه وسلم: وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله وتبعت أمري. قال: ما هو قال: أدعو لك هذه الشجرة فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يديه صلى الله تعالى عليه وسلم. فقال لها: ارجعي مكانك. فرجع ركانة إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف ما رأيت أسحر منه ثم أخبرهم بما رأى. وركانة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1147 هذا كان من الأقوياء والمصارعين المشهورين. وأما شجاعته فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: (ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال علي كرم الله وجهه: (وإنا كنا إذا حمى البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً) . وأما السابع: فلأن الأمانة والصدق من الصفات الجليلة له صلى الله عليه وسلم، كما قال النضر بن الحارث لقريش: (قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1148 فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة. حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم إنه ساحر، لا والله ما هو بساحر) . وسأل هرقل عن حال النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قال: لا. وأما الثامن: فلأنه رمى يوم بدر وكذا يوم حنين وجوه الكفار بقبضة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1149 تراب فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا وتمكن المسلمون منهم قتلاً وأسراً فأمثال هذه من عجيب هداية يمينه. وأما التاسع: فلأن كون أولاد إسماعيل أصحاب النبل في سالف الزمان، غير محتاج إلى البيان وكان هذا الأمر مرغوباً له وكان يقول: (ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه) . ويقول: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً) . ويقول عليه السلام: (من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا) . وأما العاشر: فلأن الناس دخلوا أفواجاً في دين الله في مدة حياته. وأما الحادي عشر: فمشهور يعترف به المعاندون أيضاً، كما عرفت في المسلك الثاني. وأما الثاني عشر: فقد صارت بنات الملوك والأمراء، خادمة للمسلمين في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1150 الطبقة الأولى، ومنها شهربانو بنت يزدجرد، كسرى فارس، كانت تحت الإمام الهمام الحسين رضي الله عنه. وأما الثالث عشر والرابع عشر: فلأن النجاشي ملك الحبشة ومنذر بن ساوى ملك البحرين وملك عمان انقادوا وأسلموا، وهرقل قيصر الروم أرسل إليه بهدية، والمقوقس ملك القبط أرسل إليه ثلاث جوار، وغلاماً أسود وبغلة شهباء، وحمار أشهب، وفرساً وثياباً وغيرها. وأما الخامس عشر: فقد وصل من أبناء الإمام الحسن رضي الله عنه إلى الخلافة، وألوف في أقاليم مختلفة من الحجاز واليمن ومصر والمغرب والشام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1151 وفارس والهند وغيرها. وفازوا بالسلطنة والإمارة العلية، وإلى الآن أيضاً في ديار الحجاز واليمن، وفي غيرهما توجد الأمراء والحكام من نسله صلى الله عليه وسلم، وسيظهر إن شاء الله المهدي رضي الله عنه من نسله، ويكون خليفة الله في الأرض، ويكون الدين كله لله في عهده الشريف. وأما السادس عشر والسابع عشر: فلأنه ينادي ألوف ألوف جيلاً بعد جيل في الأوقات الخمسة، بصوت رفيع في أقاليم مختلفة: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) . ويصلي عليه في الأوقات المذكورة الغير المحصورين من المصلين، والقراء يحفظون منشوره، والمفسرين يفسرون معاني فرقانه، والوعاظ يبلغون وعظه، والعلماء والسلاطين يصلون إلى خدمته، ويسلمون عليه من وراء الباب، ويمسحون وجوههم بتراب روضته ويرجون شفاعته. ولا يصدق هذا الخبر في حق عيسى عليه السلام. كما يدعيه علماء بروتستنت ادعاء باطلاً، لأنهم يدعون أن الخبر المندرج، في الباب الثالث والخمسين من كتاب أشعيا، في حق عيسى عليه السلام، ووقع في هذا الخبر في حقه هكذا: (ليس له منظر وجمال ورأيناه ولم يكن له منظر واشتهيناه مهاناً، وآخر الرجال رجل الأوجاع مختبراً بالأمراض، وكان مكتوماً وجهه ومزدولاً ولم نحسبه، ونحن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1152 حسبناه كأبرص ومضروباً من الله ومخضوعاً، والرب شاء أن يستحقه) . وهذه الأوصاف ضد الأوصاف التي في الزبور المذكور، فلا يصدق عليه كونه حسناً، ولا كونه قوياً. وكذا لا يصدق عليه كونه متقلداً بالسيف، ولا كون نبله مسنونة، ولا انقياد الأغنياء، ولا إرسالهم إليه الهدايا، بل هو على زعم النصارى، أخذوه وأهانوه واستهزؤوا به، وضربوه بالسياط، ثم صلبوه. وما كان له زوجة ولا ابن، فلا يصدق دخول البنات في بيته، ولا كون أبنائه بدل آبائه رؤساء الأرض. (فائدة) ترجمة الآية الثامنة التي نقلتها مطابقة للترجمة الفارسية للزبور كانت عندي، ولتراجم أردو للزبور، وموافقة لنقل مقدسهم بولس، لأنه نقل هذه الآية في الباب الأول من رسالته العبرانية. هكذا ترجمة عربية سنة 1821، وسنة 1831، وسنة 1844: (أحببت البر وأبغضت الإثم، لذلك مسحك الله إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك) . والتراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1828، وسنة 1841. وتراجم أردو المطبوعة سنة 1839، وسنة 1840، وسنة 1841. مطابقة للتراجم العربية. فالترجمة التي تكون مخالفة لما نقلت تكون غير صحيحة. ويكفي لردها إلزاماً كلام مقدسهم. وقد عرفت في مقدمة الباب الرابع أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1153 إطلاق لفظ الإله والرب وأمثالهما، جاء على العوام فضلاً عن الخواص. والآية السادسة من الزبور الثاني والثمانين هكذا: (أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم) . فلا يرد ما قال صاحب مفتاح الأسرار أنه وقع في الآية المذكورة هكذا: (أحببت البر وأبغضت الشر، من أجل ذلك يا الله مسح إلهك بدهن البهجة أفضل من رفقائك، ولا يقال لشخص غير المسيح يا الله مسح إلهك) الخ، لأنا لا نسلم أولاً: صحة ترجمته لكونها مخالفة لكلام مقدسهم. وثانياً: لو قطعنا النظر عن عدم صحتها، أقول ادعاؤه صريح البطلان. لأن لفظ الله ههنا بالمعنى المجازي لا الحقيقي ويدل عليه قوله إلهك، لأن الإله الحقيقي لا إله له. فإذا كان بالمعنى المجازي يصدق في حق محمد صلى الله عليه وسلم كما يصدق في حق عيسى عليه السلام. (البشارة السابعة) في الزبور المائة والتاسع والأربعين هكذا: 1 (سبحوا الرب تسبيحاً جديداً، سبحوه في مجمع الأبرار) 2 (فليفرح إسرائيل بخالقه، وبنو صهيون يبتهجون بملكهم) 3 (فليسبحوا اسمه بالمصاف بالطبل والمزمار يرتلوا له) 4 (لأن الرب يسر بشعبه ويشرف المتواضعين بالخلاص) 5 (تفتخر الأبرار بالمجد، ويبتهجون على مضاجعهم) 6 (ترفيع الله في حلوقهم وسيوف ذات فمين في أياديهم) 7 (انتقاماً في الأمم وتوبيخات في الشعوب) 8 (ليقيدوا ملوكهم بالقيود وأشرافهم بأغلال من حديد ليضعوا بهم حكماً مكتوماً) 9 (هذا المجد يكون لجميع أبراره) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1154 ففي هذا الزبور عبر عن المبشر به بالملك وعن مطيعه بالأبرار، وذكر من أوصافهم افتخارهم بالمجد وترفيع الله في حلوقهم، وكون سيوف ذات فمين في أياديهم، وانتقامهم من الأمم وتوبيخاتهم للشعوب، وأسرهم الملوك والأشراف بالقيود والأغلال من حديد. فأقول المبشر به محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ويصدق جميع الأوصاف المذكورة في هذا الزبور عليه وعلى أصحابه، وليس المبشر به سليمان عليه السلام لأنه ما وسع مملكته على مملكة أبيه على زعم أهل الكتاب، ولأنه صار مرتداً عابداً الأصنام في آخر عمره على زعمهم، ولا عيسى ابن مريم عليهما السلام لأنه بمراحل عن الأوصاف المذكورة فيه لأنه أسر ثم قتل على زعمهم، وكذا أسر أكثر حواريه بالقيود والأغلال، ثم قتلوا بأيدي الملوك والأشراف الكفار. (البشارة الثامنة) في الباب الثاني والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: 9 (التي قد كانت أولاها قد أتت وأنا مخبر أيضاً بأحداث قبل أن تحدث وأسمعكم إياها) 10 (سبحوا للرب تسبيحة جديدة حمده من أقاصي الأرض راكبين في البحر وملؤه الجزائر وسكانهن) 11 (يرتفع البرية ومدتها في البيوت نحل قيدار سبحوا يا سكان الكهف من رؤوس الجبال يصيحون) 12 (يجعلون للرب كرامة وحمده يخبرون به في الجزائر) 13 (الرب كجبار، يخرج مثل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1155 رجل مقاتل يهوش الغير يصوت ويصيح، على أعدائه يتقوى) 14 (سكت دائماً صمت صبرت صبراً فأتكلم مثل الطائفة ما بدد وابتلع معاً) 15 (أخرب الجبال والآكام وكل نباتهن أجفف واجعل الأنهار جزائر والبحيرات أجففهن) 16 (وأقيد العمى في طريف لم يعرفوها والسبل لم يعلموا أسيرهم فيها أصير أمامهم الظلمة نوراً والعقب سهلاً هذا الكلام صنعته لهم ولا أخذلهم) 17 (اندبروا إلى ورائهم والمتكلمون على المنحوتة القائلون للمسبوكة أنكم آلهتنا ليخزون خزياً) . والآية السابعة عشر في الترجمة الفارسية هكذا: (كسانيكة برشكل تراشيده توكل دارند هزيمت وبشيماني تمام خواهند يافت) . وظهر من الآية التاسعة أن أشعيا عليه السلام أخبر أولاً عن بعض الأشياء، ثم يخبر عن الأخبار الجديدة الآتية في المستقبل، فالحال الذي يخبر عنه من هذه الآية إلى آخر الباب غير الحال الذي أخبر عنه قبلها، ولذلك قال في الآية الثالثة والعشرين هكذا: (من هو بينكم أن يسمع هذا يصغي ويسمع الآية) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1156 والتسبيحة الجديدة عبارة عن العبادة على النهج الجديد التي هي في الشريعة المحمدية، وتعميمها على سكان أقاصي الأرض وأهل الجزائر وأهل المدن والبراري، إشارة إلى عموم نبوته صلى الله عليه وسلم، ولفظ قيدار أقوى إشارة إليه لأن محمداً صلى الله عليه وسلم في أولاد قيدار بن إسماعيل، وقوله من رؤوس الجبال يصيحون إشارة إلى العبادة المخصوصة التي تؤدى في أيام الحج، يصيح ألوف ألوف من الناس بلبيك اللهم لبيك، وقوله حمده يخبرون به في الجزائر إشارة إلى الآذان يخبر به ألوف ألوف في أقطار العالم في الأوقات الخمسة بالجهر، وقوله الرب كجبار يخرج مثل رجل مقاتل يهوش الغيرة يشير إلى مضمون الجهاد إشارة حسنة، بأن جهاده وجهاد تابعيه يكون لله وبأمره، خالياً عن حظوظ الهوى النفسانية، ولذلك عبر الله عن خروج هذا النبي وخروج تابعيه بخروجه، وبين في الآية الرابعة عشر سبب مشروعية الجهاد وأشار في الآية السادسة عشر إلى حال العرب لأنهم كانوا غير واقفين على أحكام الله وكانوا يعبدون الأصنام وكانوا مبتلين بأنواع الرسوم القبيحة الجاهلية، كما قال الله تعالى في حقهم: {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} وقوله لا أخذلهم إشارة إلى كون أمته مرحومة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وإلى تأييد شريعته، وقوله والمتوكلون على المنحوتة القائلون للمسبوكة أنكم آلهتنا ليخزون خزياً، وعد بأن عابدي الأصنام والأوثان كمشركي العرب وعابدي الصليب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1157 وصور القديسين يحصل لهم الخزي والهزيمة التامة، ووفى بما وعد. فإن مشركي العرب وهرقل عظيم الروم وكسرى فارس ما قصروا في إطفاء النور الأحمدي لكنهم ما حصل لهم سوى الخزي التام وعاقبة الأمر، لم يبق أثر الشرك في إقليم العرب، وزالت دولة كسرى مطلقاً وزالت حكومة أهل الصليب من الشام مطلقاً. وأما في الأقاليم الأخر، فمن بعضها انمحى أثره مطلقاً كبخارى وكابل وغيرهما، ومن بعضها قل كالهند والسند وغيرهما وانتشر التوحيد شرقاً وغرباً. (البشارة التاسعة) في الباب الرابع والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: 1 (سبحي أيتها العاقر التي لست تلدين انشدي بالحمد وهللي التي لم تلدي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1158 من أجل أن الكثيرين من بني الوحشة أفضل من بني ذات رجل يقول الرب) 2 (أوسعي موضع خيمتك وسرادق مضاربك ابسطي لا تشفقي طول حبالك ثبتي أوتادك) 3 (لأنك تنفذين يمنة ويسرة وزرعك يرث الأمم ويعمر المدن الخربة) 4 (لا تخافي لأنك لا تخزين ولا تخجلين فإنك لا تستحيين من أجل أنك خزي صبائك تنسين وعار ترملك لا تذكرين أيضاً) 5 (فإنه يتولى عليك الذي صنعك رب الجنود اسمه وفاديك قدوس إسرائيل إله جميع الأرض يدعى) 6 (إنما الرب دعاك مثل الامرأة المطلقة والحزينة الروح وزوجة منذ الصبا مرذولة قال إلهك) 7 (الساعة في قليل تركتك وبرحمات عظيمة أجمعك) 8 (في ساعة الغضب أخفيت قليلاً وجهي عنك وبالرحمة الأبدية رحمتك قال فاديك الرب) 9 (مثلما في أيام نوح لي هذا الذي حلفت له أن لا أصب مياه نوح على الأرض، هكذا حلفت أن لا أغضب عليك وأن لا أوبخك) 10 (فإن الجبال ترتجف والتلال تتزلزل ورحمتي لا تزول عنك، وعهد سلامي لا يتحرك قال رحيمك الرب) 11 (فقيرة مستأصلة بعاصف بلا تعزية ها أنا ذا أبلط بالرتبة حجارتك وأوئسسك بالسفير) 12 (وأجعل يسبا محاضك وأبوابك حجارة منقوشة وجميع حدودك الأحجار مشتهية) 13 (جميع بنيك متعلمين من الرب وكثرة السلام لبنيك) 14 (وبالبر تؤسسين فابتعدي من الظلم لأنك لا تخافين ومن الهيبة لأنها لا تقرب منك) 15 (ها يأتي الجار الذي لم يكن معي والذي قد كان قريباً يقترب إليك) 16 (ها أنا ذا خلقت صائغاً الذي ينفخ في النار جمراً ويخرج إناء لعمله وأنا خلقت قتولاً للإهلاك) 17 (كل إناء مجبول ضدك لا ينجح وكل لسان يخالفك في القضاء تحكمين عليه هذا هو ميراث عبيد الرب وعدلهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1159 عندي يقول الرب) . فأقول: المراد بالعاقر في الآية الأولى مكة المعظمة، لأنها لم يظهر منها نبي بعد إسماعيل عليه السلام ولم ينزل فيها وحي، بخلاف أورشليم لأنه ظهر فيها الأنبياء الكثيرون، وكثر فيها نزول الوحي. وبني الوحشة عبارة عن أولاد هاجر لأنها كانت بمنزلة المطلقة المخرجة عن البيت ساكنة في البر، ولذلك وقع في حق إسماعيل في وعد الله هاجر (هذا سيكون إنساناً وحشياً) كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من سفر التكوين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1160 وبنو ذات رجل عبارة عن أولاد سارة. فخاطب الله مكة آمراً لها بالتسبيح والتهليل وإنشاد الشكر، لأجل أن كثيرين من أولاد هاجر صاروا أفضل من أولاد سارة، فحصلت الفضيلة لها بسبب حصول الفضيلة لأهلها، ووفى بماوعد بأن بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً أفضل البشر خاتم النبيين من أهلها في أولاد هاجر، وهو المراد بالصائغ الذي ينفخ في النار جمراً، وهو القتول الذي خلق لإهلاك المشركين، وحصل لها السعة بواسطة هذا النبي وما حصل لغيرها من المعابد في الدنيا إذ لا يوجد معبد مثل الكعبة من ظهور محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحين، والتعظيم الذي يحصل لها من القرابين في كل سنة من مدة ألف ومائتين وثمانين، لم يحصل لبيت المقدس إلا مرتين، مرة في عهد سليمان عليه السلام لما فرغ من بنائه، ومرة في السنة الثامنة عشر من سلطنة يوشيا، ويبقى هذا التعظيم لمكة إلى آخر الدهر إن شاء الله كما وعد الله بقوله: (لا تخافي لأنك لا تخزين ولا تخجلين لأنك لا تستحين) وبقوله: (برحمات عظيمة أجمعك وبالرحمة الأبدية رحمتك) وبقوله: (حلفت أن لا أغضب عليك وأن لا أوبخك) ، وبقوله: (رحمتي لا تزول عنك وعهد سلامي لا يتحرك) ، وملك زرعها شرقاً وغرباً وورثوا الأمم وعمروا المدن في مدة قليلة لا تتجاوز اثنين وعشرين سنة من الهجرة، ومثل هذه الغلبة في مثل هذه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1161 المدة القليلة، لم يسمع من عهد آدم عليه السلام إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم لمن يدعي الدين الجديد. وهذا مفاد قول الله، وزرعك يرث الأمم، ويعمر المدن الخربة سلاطين الإسلام سلفاً وخلفاً اجتهدوا اجتهاداً تاماً في بناء الكعبة والمسجد الحرام وتزيينهما، وحفر الآبار والبرك والعيون في مكة ونواحيها، ومن المدة الممتدة هذه الخدمة الجليلة متعلقة بسلاطين آل عثمان، غفر الله لأسلافهم ورضي الله عنهم وزاد الله إقبال أخلافهم ووسع مملكتهم في الجهات، ووفقهم للعدل والحسنات، فهم خدموا ويخدمون الحرمين المعظمين أدام الله شرفهما من هذه المدة إلى هذا الحين كما هي، حتى صار لقب خادم الحرمين الشريفين عندهم أشرف الألقاب وأعزها، والغرباء يحبون مجاورتها من ظهور الإسلام إلى هذا الحين، سيما في هذا الزمان، وألوف من الناس يصلون إليها في كل سنة من أقاليم مختلفة وديار بعيدة، ووفى بما وعد بقوله كل إناء مجبول بضدك لا ينجح، لأن كل شخص من المخالف قام بضدها أذله الله كما وقع بأصحاب الفيل، روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم لما ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي، بنى كنيسة بصنعاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1162 وسماها القليس وأراد أن يصرف إليها الحاج وحلف أن يهدم الكعبة، فخرج بالحبشة ومعه فيل له اسمه محمود وكان قوياً عظيماً وأفيال أخرى، فخرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبأ جيشه، وقدم الفيل فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل الله طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1163 من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، ففروا وهلكوا في كل طريق ومنهل، وذوى أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم، وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي، فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه، وقد أخبر الله عن حال هؤلاء في سورة الفيل وبحسب الوعد المذكور لا يدخل الأعور الدجال مكة ويرجع خائباً كما جاء في الأحاديث الصحيحة. (البشارة العاشرة) في الباب الخامس والستين من كتاب أشعيا هكذا: 1 (طلبني الذين لم يسألوني قبل ووجدني الذين لم يطلبوني قلت ها أنا ذا إلى الأمة الذين لم يدعوا باسمي) 2 (بسطت يدي طول النهار إلى شعب غير مؤمن الذي يسلك بطريق غير صالح وراء أفكارهم) 3 (الشعب الذي يغضبني أمام وجهي دائماً الذين يذبحون في البساتين ويذبحون على اللبن) 4 (الذين يسكنون في القبور في مساجد الأوثان يرقدون الذين يأكلون لحم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1164 الخنزير والمرق المنجس في آنيتهم) 5 (الذين يقولون أبعد عني لا تقرب مني لأنك نجس هؤلاء يكونون دخاناً في رجزي ناراً متقدة طول النهار) 6 (ها مكتوب قدامي لا أسكت بل أردوا كافي جزاء في حضنهم) . فالمراد بالذين لم يسألوني والذين لم يطلبوني العرب، لأنهم كانوا غير واقفين على ذات الله وصفاته وشرائعه، فما كانوا سائلين عن الله وطالبين له كما قال الله تعالى في سورة آل عمران: {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} . ولا يجوز أن يراد بهم اليونانيين كما عرفت في البشارة الثانية، والوصف المذكور في الآية الثانية والثالثة يصدق على كل واحد من اليهود والنصارى، والأوصاف المذكورة في الآية الرابعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1165 ألصق بحال النصارى، كما أن الوصف المذكور في الخامسة ألصق بحال اليهود فردهم الباري واختار الأمة المحمدية. (البشارة الحادية عشر) في الباب الثاني من كتاب دانيال في حال الرؤيا التي رآها بختنصر ملك بابل ونسي، ثم بين دانيال عليه السلام بحسب الوحي تلك الرؤيا وتفسيرها. 31: (فكنت أنت الملك ترى وإذ تمثال واحد جسيم وكان التمثال عظيماً ورفيع القامة واقفاً قبالك ومنظره مخوفاً) 32: (رأس هذا التمثال هو من ذهب إبريز والصدر والذراعان من فضة والبطن والفخذان من نحاس) 33: (والساقان من حديد والقدمان قسم منهما من حديد وقسم منهما من خزف) 34: (فكنت ترى هكذا حتى انقطع حجر من جبل لا بيدين وضرب التمثال في قدميه من حديد ومن خزف فسحقهما) 35: (فانسحق حينئذ مع الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب وصارت كغبار البيدر في الصيف فذرتها الريح ولم يوجد لها مكان والحجر الذي قد ضرب التمثال صار جبلاً وملأ الأرض بأسرها) 36: (فهذا هو الحلم وتنبئ أيضاً قدامك يا أيها الملك بتفسيره) 37: (أنت هو ملك الملوك وإله السماء أعطاك الملك والقوة والسلطان والمجد) . 38: (وجميع ما يسكن فيه بنو الناس ووحوش الحقل وأعطى بيدك طير السماء أيضاً وجعل جميع الأشياء تحت سلطانك فأنت هو الرأس من الذهب) 39: (وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك من فضة ومملكة ثالثة أخرى من نحاس وتتسلط على جميع الأرض) 40: (والمملكة الرابعة تكون مثل الحديد كما أن الحديد يسحق ويغلب الجميع هكذا هي تسحق وتكسر جميع هذه) 41: (أما فيما رأيت قسم القدمين وأصابعهما من الخزف الفاخوري وقسماً من حديد تكون المملكة مفترقة وإن كان يخرج من نصبة الحديد حسبما رأيت الحديد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1166 مختلطاً بالخزف من طين) 42: (وأصابع القدمين قسم من حديد وقسم من خزف فتكون المملكة بقسم صلبة وبقسم مسحوقة) 43: (فيما رأيت الحديد مختلطاً بالخزف من طين أنهم يختلطون بزرع بشري بل لا يتلاصقون مثل ما ليس بممكن أن يمتزج الحديد بالخزف) 44: (فأما في أيام تلك الممالك يبعث إله السماء مملكة وهي لن تنقضي قط، ملكها لا يعطى لشعب آخر وهي تسحق وتفنى جميع هذه الممالك أجمعين وهي تثبت إلى الأبد) 45: (وكما رأيت أن من جبل انقطع حجر لا بيدين وسحق الخزف والحديد والنحاس والفضة والذهب، فالإله العظيم أظهر للملك ما سيأتي من بعد والحلم هو حقيقي وتفسيره صحيح) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1167 فالمراد بالمملكة الأولى سلطنة بختنصر، وبالمملكة الثانية سلطنة المادئين الذين تسلطوا بعد قتل بلشاصر بن بختنصر كما هو مصرح به في الباب الخامس من الكتاب المذكور، وسلطنتهم كانت ضعيفة بالنسبة إلى سلطنة الكلدانيين، والمراد بالمملكة الثالثة سلطنة الكيانيين لأن قورش ملك إيران الذي هو بزعم القسيسين كيخسر وتسلط على بابل قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة، ولما كان الكيانيون على السلطنة القاهرة فكأنهم كانوا متسلطين على جميع الأرض والمراد بالمملكة الرابعة سلطنة اسكندر بن فيلفوس الرومي الذي تسلط على ديار فارس قبل ميلاد المسيح بثلثمائة وثلاثين سنة، فهذا السلطان كان في القوة بمنزلة الحديد ثم جعل هذا السلطان سلطنة فارس منقسمة على طوائف الملوك فبقيت هذه السلطنة ضعيفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1168 إلى ظهور الساسانيين ثم صارت قوية بعد ظهورهم فكانت ضعيفة تارة وقوية تارة وتولد في عهد نوشيروان (محمد بن عبد الله) صلى الله عليه وسلم وأعطاه الله السلطنة الظاهرية والباطنية وقد تسلط متبعوه في مدة قليلة شرقاً وغرباً وعلى جميع ديار فارس التي كانت هذه الرؤيا وتفسيرها متعلقين بها، فهذه هي السلطنة الأبدية التي لا تنقضي وملكها لا يعطى لشعب آخر وسيظهر كمالها عن قريب في زمان الإمام المهدي رضي الله عنه لكن الوهن والضعف يقع قبل ظهوره بمدة قليلة كما يشاهد بعض علاماته الآن ثم يزول بظهوره ويكون الدين كله لله، فهذا الحجر الذي انقطع لا بيدين من جبل وسحق الخزف والحديد والنحاس والفضة والذهب وصار جبلاً عظيماً وملأ الأرض بأسرها هو محمد صلى الله عليه وسلم. (البشارة الثانية عشر) نقل يهوذا الحواري في رسالته الخبر الذي تكلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1169 به أخنوخ الرسول الذي كان سابعاً من آدم عليه السلام ومن عروجه إلى ميلاد المسيح مدة ثلاثة آلاف وسبع عشرة سنة على زعم مؤرخيهم. وأنا أنقل عبارته من الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (الرب قد جاء في ربواته المقدسة ليدائن الجميع ويبكت جميع المنافقين على كل أعمال نفاقهم التي نافقوا فيها وعلى كل الكلام الصعب الذي تكلم به ضد الله الخطاة المنافقون) وقد عرفت في مقدمة الباب الرابع أن استعمال لفظ الرب بمعنى المخدوم والمعلم شائع فلا حاجة إلى الإعادة، وأما لفظ المقدس أو القديس فيطلق في العهدين على المؤمن الموجود في الأرض إطلاقاً شائعاً. [1] الآية الأولى من الباب الخامس من سفر أيوب هكذا: (فادع الآن أن كان لك مجيب وإلى أحد من القديسين التفت) فالمراد بالقديسين ههنا المؤمنون الموجودون على الأرض، أما عند علماء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1170 بروتستنت فظاهروا ما عند علماء كاتلك فلأن مطهرهم الذي هو موضع آلام أرواح الصالحين إلى أن يحصل لها النجاة بمغفرة البابا، وجد بعد المسيح عليه السلام ولم يكن في زمن أيوب. [2] والآية الثانية من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: (إلى جماعة الله التي بقورنثية المقدسين بيسوع المسيح المدعوين قديسين) الخ. فالمراد بالمقدسين والقديسين المؤمنون بالمسيح الموجودون في قورنثية. [3] والآية الثالثة عشر من الباب الثاني عشر من الرسالة الرومية هكذا: (مشاركين لحاجة القديسين) الخ. [4، 5] في الباب الخامس عشر منها هكذا: (ولكن الآن أنا ذاهب إلى أورشليم لأخدم القديسين) 26 (لأن أهل مكدونية واحائية استحسنوا أن يصنعوا توزيعاً لفقراء القديسين الذين في أورشليم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1171 فالمراد بالقديسين في الموضعين المؤمنون الموجودون في أورشليم. [6] والآية الأولى من الباب الأول من الرسالة إلى أهل فيلبسيوس هكذا: (من بولس وطيماثاوس عبدي يسوع المسيح إلى جميع القديسين بيسوع المسيح بفيلبسيوس) الخ. فالمراد بالقديسين ههنا المؤمنون الموجودون بفيلبسيوس) . [7] ووقع في الآية العاشرة من الباب الخامس من الرسالة الأولى إلى طيماثاوس في حال الشماسات هكذا: (غسلت أرجل القديسين) فالمراد بالقديسين ههنا المؤمنون الموجودون على الأرض بوجهين: الأول: أن القديسين الموجودون في السماء أرواح ليس لهم أرجل والثاني: أن الشماسات لا يمكنهن العروج إلى السماء وإذا عرفت استعمال لفظ الرب والمقدس أو القديس فأقول إن المراد بالرب محمد صلى الله عليه وسلم وبالربوات المقدسة الصحابة والتعبير عن مجيئه بقد جاء لكونه أمراً يقينياً فجاء محمد صلى الله عليه وسلم في ربواته المقدسة فدان الكفار، وبكت المنافقين والخطاة على أعمال النفاق وعلى أقوالهم القبيحة في الله ورسله، فبكت المشركين لعدم تسليم توحيد الله ورسالة رسله مطلقاً وعبادتهم الأصنام والأوثان، وبكت اليهود على تفريطهم في حق عيسى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1172 ومريم عليهما السلام وبعض عقائدهم الواهية، وبكت أهل التثليث مطلقاً على تفريطهم في توحيد الله وإفراطهم في حق عيسى عليه السلام، وبكت أكثرهم على عبادة الصليب والتماثيل وبعض عقائدهم الواهية. (البشارة الثالثة عشر) في الباب الثالث من إنجيل متى هكذا: (وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية) 2 (قائلاً توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) . وفي الباب الرابع من إنجيل متى هكذا: 12 (ولما سمع يسوع أن يوحنا أسلم انصرف إلى الجليل) 17 (من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) 23 (وكان يسوع يطوف كل الجليل ويعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت الخ) . وفي الباب السادس من إنجيل متى في بيان الصلاة التي علمها عيسى عليه السلام تلاميذه هكذا: (ليأت ملكوتك) ولما أرسل الحواريين إلى البلاد الإسرائيلية للدعوة والوعظ، وصاهم بوصايا منها هذه الوصية أيضاً: (وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين أنه قد اقترب ملكوت السماوات) كما هو مصرح به في الباب العاشر من إنجيل متى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1173 ووقع في الباب التاسع من إنجيل لوقا هكذا: 1 (ودعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم قوة وسلطاناً على جميع الشياطين وشفاء أمراض) 2 (وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله يشفوا المرضى) . وفي الباب العاشر من إنجيل لوقا هكذا: (وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً وأرسلهم) الخ (فقال لهم) الخ 8 (وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم) 9 (واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله) 10 (وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا) 11 (حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ولكن اعلموا هذا أنه قد اقترب منكم ملكوت الله) . فظهر أن كلاً من يحيى وعيسى والحواريين والتلاميذ السبعين بشر بملكوت السماوات، وبشر عيسى عليه السلام بالألفاظ التي بشر بها يحيى عليه السلام، فعلم أن هذا الملكوت كما لم يظهر في عهد يحيى عليه السلام فكذلك لم يظهر في عهد عيسى عليه السلام ولا في عهد الحواريين والسبعين بل كل منهم مبشر به ومخبر عن فضله ومترجّ لمجيئه، فلا يكون المراد بملكوت السماوات طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة عيسى عليه السلام، وإلا لما قاله عيسى عليه السلام والحواريون والسبعون أن ملكوت السماوات قد اقترب، ولما علم التلاميذ أن يقولوا في الصلاة وليأت ملكوتك لأن هذه طريقة قد ظهرت بعد ادعاء عيسى عليه السلام النبوة بشريعته، فهو عبارة عن طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1174 فهؤلاء كانوا يبشرون بهذه الطريقة الجليلة، ولفظ ملكوت السماوات بحسب الظاهر يدل على أن هذا الملكوت يكون في صورة السلطنة لا في صورة المسكنة، وأن المحاربة والجدال فيه مع المخالفين يكونان لأجله، وأن مبنى قوانينه لا بد أن يكون كتاباً سماوياً، وكل من هذه الأمور يصدق على الشريعة المحمدية، وما قال العلماء المسيحية أن المراد بهذا الملكوت، شيوع الملة المسيحية في جميع العالم وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول عيسى عليه السلام، فتأويل ضعيف خلاف الظاهر، ويرده التمثيلات المنقولة عن عيسى عليه السلام في الباب الثالث عشر من إنجيل متى، مثلاً قال: (يشبه ملكوت السماوات إنساناً زرع زرعاً جيداً في حقله) ، ثم قال: (يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله) ، ثم قال: (يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع) . فشبه ملكوت السماوات بإنسان زارع لا بنمو الزراعة وحصادها، وكذلك شبه بحبة خردل لا بصيرورتها شجرة عظيمة، وشبه بخميرة لا باختمار جميع الدقيق. وكذا يرد هذا التأويل قول عيسى عليه السلام بعد بيان التمثيل المنقول في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا: (لذلك أقول أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) فإن هذا القول يدل على أن المراد بملكوت السماوات طريقة النجاة نفسها لا شيوعها في جميع العالم وإحاطتها كل العالم، وإلا لا معنى لنزع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1175 الشيوع والإحاطة من قوم وإعطائهما لقوم آخرين، فالحق أن المراد بهذا الملكوت هي المملكة التي أخبر عنها دانيال عليه السلام في الباب الثاني من كتابه، فمصداق هذا الملكوت، وتلك المملكة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم وعلمه أتم. (البشارة الرابعة عشر) في الباب الثالث عشر من إنجيل متى هكذا: 31 (قدم لهم مثلاً آخر قائلاً يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله) 32 (وهي أصغر جميع البذور ولكن متى نمت فهي أكبر البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتأوي في أغصانها) ، فملكوت السماء طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه نشأ في قوم كانوا حقراء عند العالم لكونهم أهل البوادي غالباً، وغير واقفين على العلوم والصناعات، محرومين عن اللذات الجسمانية والتكلفات الدنيوية سيما عند اليهود لكونهم من أولاد هاجر، فبعث الله منهم محمداً صلى الله عليه وسلم فكانت شريعته في ابتداء الأمر بمنزلة حبة خردل أصغر الشرائع بحسب الظاهر، لكنها لعمومها نمت في مدة قليلة وصارت أكبرها وأحاطت شرقاً وغرباً، حتى أن الذين لم يكونوا مطيعين لشريعة من الشرائع تشبثوا بذيل شريعته. (البشارة الخامسة عشر) في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 1 (فإن ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1176 فعلة لكرمه) 2 (فاتفق مع العملة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه) 3 (ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قياماً في السوق بطالين) 4 (فقال لهم اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا) 5 (وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك) 6 (ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياماً بطالين فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين) 7 (قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد قال لهم اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم) 8 (فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجر مبتدئاً من الآخرين إلى الأولين) 9 (فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا ديناراً ديناراً) 10 (فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر فأخذوا هم ديناراً ديناراً) 11 (وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت) 12 (قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر) 13 (فأجاب وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار) 14 (فخذ الذي لك واذهب فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك) 15 (أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بما لي أم عينك شريرة لأني أنا صالح) 16 (هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1177 فالآخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهم يقدمون في الأجر، وهم الآخرون الأولون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون) وقال: (إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي) . (البشارة السادسة عشر) في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا: 33 (اسمعوا مثلاً آخر كان إنسان رب بيت غرس كرماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجاً وسلمه إلى كرامين وسافر) 34 (ولما قرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1178 وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين وسافر ليأخذ أثماره) 35 (فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً) 36 (ثم أرسل أيضاً عبيداً آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك) 37 (فأخبرا أرسل إليهم ابنه قائلاً يهابون ابني) 38 (وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه) 39 (فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه) 40 (فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين) 41 (قالوا له أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً ردياً ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها) 42 (قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب، الحجر الذي رفضه البناءون، هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا) 43 (لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) 44 (ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه) 45 (ولما سمع رؤساء الكهنة، والفريسيون أمثاله، عرفوا أنه تكلم عليهم) . أقول: إن رب بيت كناية عن الله، والكرم كناية عن الشريعة، وإحاطته بسياج وحفر المعصرة فيه وبناء البرج، كنايات عن بيان المحرمات والمباحات والأوامر والنواهي، وأن الكرامين الطاغين كناية عن اليهود، كما فهم رؤساء الكهنة، والفريسيون، أنه تكلم عليهم، والعبيد المرسلين كناية عن الأنبياء عليهم السلام، والابن كناية عن عيسى عليه السلام، وقد عرفت في الباب الرابع أنه لا بأس بإطلاق هذا اللفظ عليه، وقد قتله اليهود أيضاً في زعمهم. والحجر الذي رفضه البناءون كناية عن محمد صلى الله عليه وسلم، والأمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1179 التي تعمل أثماره كناية عن أمته صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحجر الذي كل من سقط عليه ترضض، وكل من سقط هو عليه سحقه، وما ادعى العلماء المسيحية بزعمهم، أن هذا الحجر عبارة عن عيسى عليه السلام، فغير صحيح لوجوه: (الأول) أن داود عليه السلام، قال في الزبور المائة والثامن عشر هكذا: 22 (الحجر الذي رذله البناءون هو صار رأساً للزاوية) 23 (من قبل الرب كانت هذه، وهي عجيبة في أعيننا) . فلو كان هذا الحجر عبارة عن عيسى عليه السلام وهو من اليهود من آل يهوذا من آل داود عليه السلام، فأي عجب في أعين اليهود عموماً لكون عيسى عليه السلام رأس الزاوية سيما في عين داود عليه السلام خصوصاً لأن مزعوم المسيحيين، أن داود عليه السلام يعظم عيسى عليه السلام في مزاميره تعظيماً بليغاً، ويعتقد الألوهية في حقه بخلاف آل إسماعيل، لأن اليهود كانوا يحقرون أولاد إسماعيل غاية التحقير، وكان كون أحد منهم رأساً للزاوية عجيباً في أعينهم. (والثاني) أنه وقع في وسط هذا الحجر كل من سقط على هذا الحجر ترضض، وكل من سقط هو عليه سحقه، ولا يصدق هذا الوصف على عيسى عليه السلام لأنه قال: (وإن سمع أحد كلامي، ولم يؤمن، فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم، بل لأخلص العالم) . كما هو في الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا، وصدقه على محمد صلى الله عليه وسلم غير محتاج إلى البيان، لأنه كان مأموراً بتنبيه الفجار الأشرار، فإن سقطوا عليه ترضضوا، وإن سقط هو عليهم سحقهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1180 (الثالث) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء، كمثل قصر أحسن بنيانه، وترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار، يتعجبون من حسن بنيانه، إلا موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان، وختم بي الرسل) . ولما ثبتت نبوته بالأدلة الأخرى كما ذكرت نبذاً منها في المسالك السابقة، فلا بأس بأن استدل في هذه البشارة بقوله أيضاً. (والرابع) أن المتبادر من كلام المسيح أن هذا الحجر غير الابن. (البشارة السابعة عشر) في الباب الثاني من المشاهدات هكذا: 26 (ومن يغلب، ويحفظ أعمالي إلى النهاية، فسأعطيه سلطاناً على الأمم) 27 (فيرعاهم بقضيب من حديد، كما تكسر آنية من خزف، كما أخذت أيضاً من عند أبي) 28 (وأعطيه كوكب الصبح) 29 (من له أذن فليسمع ما يقول الروح بالكنائس) . فهذا الغالب الذي أعطى سلطاناً على الأمم، ويرعاهم بالقضيب من حديد، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1181 هو محمد صلى الله عليه وسلم. كما قال الله في حقه: {وينصرك الله نصراً عزيزاً} وقد سماه سطيح الكاهن صاحب الهراوة، روى أن ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم انشق إيوان كسرى أنو شروان، وسقط من ذلك أربع عشرة شرافة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغارت بحيرة ساوة بحيث صارت يابسة، ورأى الموبذان في نومه أن إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً فقطعت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1182 دجلة وانتشرت في بلادها، فخاف كسرى من حدوث هذه الأمور وأرسل عبد المسيح إلى سطيح الكاهن الذي كان في الشام، ولما وصل عبد المسيح إليه، وجده في سكرات الموت فذكر هذه الأمور عنده، فأجاب سطيح: (إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليست بابل للفرس مقاماً، ولا الشام لسطيح مناماً، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرافات، وكل ما هو آت آت) . ثم مات سطيح من ساعته، ورجع عبد المسيح، فأخبر أنو شروان بما قال سطيح، قال كسرى إلى أن يملك أربعة عشر ملكاً، كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه، فهلك آخرهم يزدجر في خلافته. والهراوة بكسر الهاء العصا الضخمة، وكوكب الصبح عبارة عن القرآن، قال الله تعالى في سورة النساء: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1183 {وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً} ، وفي سورة التغابن: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} . قال صاحب صولة الضيغم بعد نقل هذه البشارة، قلت للقسيسين ويت، ووليم عند المناظرة: إن صاحب هذا القضيب من حديد محمد صلى الله عليه وسلم، فاضطربا بسماع هذا الأمر، وقالا: إن عيسى عليه السلام، حكم بهذا الكنيسة ثياثيراً، فلا بد أن يكون ظهور مثل هذا الشخص هناك، ومحمد صلى الله عليه وسلم ما راح هناك، قلت: هذه الكنيسة في أية ناحية كانت. فرجعا إلى كتب اللغة، وقالا: كانت في أرض الروم، قريبة من استانبول. قلت: راح أصحاب محمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1184 صلى الله عليه وسلم في خلافة الفاروق الأعظم، عمر رضي الله عنه، إلى هذه البلاد، وفتحوها، وبعد الصحابة، رضي الله عنهم، كان المسلمون أيضاً متسلطين عليها في أكثر الأوقات، ثم تسلط سلاطين آل عثمان، أدام الله سلطنتهم من المدة المديدة، وهم متسلطون إلى هذا الحين، فهذا الخبر صريح في حق محمد، صلى الله عليه وسلم، انتهى كلامه. قلت: الفاضل عباس علي الجاجموي الهندي، صنف أولاً كتاباً، كبيراً في رد أهل التثليث، وسماه صولة الضيغم على أعداء ابن مريم، ثم ناظر هو رحمه الله ويت، ووليم القسيسين في البلد كانفور من بلاد الهند وألزمهما، ثم اختصر كتابه، وسمىّ المختصر خلاصة صولة الضيغم، ومناظرته كانت قبل أن ناظر صاحب ميزان الحق في أكبر آباد بمقدار اثنتين وعشرين سنة. (البشارة الثامنة عشر) وهذه البشارة واقعة في آخر أبواب إنجيل يوحنا، وأنا أنقل عن التراجم العربية المطبوعة سنة 1821 وسنة 1831 وسنة 1844 في بلدة لندن، فأقول: في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 15 (إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي) 16 (وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد) 17 (روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه ليس يراه ولا يعرفه وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم وهو ثابت فيكم) 26 (والفارقليط روح القدس الذي يرسله الأب باسمي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلته لكم) 30 (والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1185 وفي الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (فأما إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق هو يشهد لأجلي) 27 (وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء) . وفي الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 7 (لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن انطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأما إن انطلقت أرسلته إليكم) 8 (فإذا جاء ذاك فهو يوبخ العالم على خطية وعلى بر وعلى حكم) 9 (أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي) 10 (وأما على البر فلأني منطلق إلى الأب ولستم ترونني بعد) 11 (وأما على الحكم فإن أركون هذا العالم قد دين) 12 (وأن لي كلاماً كثيراً أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن) 13 (وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلمكم جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي) 14 (وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو لي ويخبركم) 15 (جميع ما هو الأب فهو لي فمن أجل هذا قلت أن مما هو لي يأخذ ويخبركم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1186 وأنا أقدم قبل بيان وجه الاستدلال بهذه العبارات أمرين: الأمر الأول: أنك قد عرفت في الأمر السابع، أن أهل الكتاب سلفاً وخلفاً عادتهم أن يترجموا غالباً الأسماء، وأن عيسى عليه السلام كان يتكلم باللسان العبراني لا باليوناني، فإذاً لا يبقى شك في أن الإنجيلي الرابع ترجم اسم المبشر به باليوناني بحسب عادتهم، ثم مترجمو العربية عربوا اللفظ اليوناني بفارقليط، وقد وصلت إلى رسالة صغيرة في لسان أردو من رسائل القسيسين في سنة ألف ومائتين وثمان وستين من الهجرة، وكانت هذه الرسالة طبعت في كلكته وكانت في تحقيق لفظ فارقليط، وادعى مؤلفها أن مقصوده أن ينبه المسلمين على سبب وقوعهم في الغلط من لفظ فارقليط، وكان ملخص كلامه: (أن هذا اللفظ معرب من اللفظ اليوناني فإن قلنا أن هذا اللفظ اليوناني الأصل باراكلي طوس فيكون بمعنى المعزي والمعين والوكيل، وإن قلنا أن اللفظ الأصل بيركلو طوس يكون قريباً من معنى محمد وأحمد، فمن استدل من علماء الإسلام بهذه البشارة فهم أن اللفظ الأصل بيركلو طوس ومعناه قريب من معنى محمد وأحمد، فادعى أن عيسى عليه السلام أخبر بمحمد أو أحمد لكن الصحيح أنه باراكلي طوس) انتهى ملخصاً من كلامه. فأقول أن التفاوت بين اللفظين يسير جداً وأن الحروف اليونانية كانت متشابهة، فتبدل بيركلو طوس بياراكلي طوس في بعض النسخ من الكاتب قريب القياس، ثم رجح أهل التثليث المنكرين هذه النسخة على النسخ الأخر، ومن تأمل في الباب الثاني من هذا الكتاب والأمر السابع من هذا المسلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1187 السادس بنظر الإنصاف، اعتقد يقيناً بأن مثل هذا الأمر من أهل الديانة من أهل التثليث ليس ببعيد، بل لا يبعد أن يكون من المستحسنات. والأمر الثاني: أن البعض ادعوا قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم مصاديق لفظ، فارقليط مثلاً منتنس المسيحي الذي كان في القرن الثاني من الميلاد، وكان مرتاضاً شديداً وأتقى عهده، ادعى في قرب سنة 177 من الميلاد في آسيا الصغير الرسالة وقال إني هو الفارقليط الموعود به الذي وعد بمجيئه عيسى عليه السلام وتبعه أناس كثيرون في ذلك كما هو مذكور في بعض التواريخ. وذكر وليم ميور حاله وحال متبعيه في القسم الثاني من الباب الثالث من تاريخه بلسان أردو المطبوع سنة 1848 من الميلاد هكذا: (أن البعض قالوا أنه ادعى أني فارقليط يعني المعزي روح القدس وهو كان أتقى ومرتاضاً شديداً ولأجل ذلك قبله الناس قبولاً زائداً) انتهى كلامه. فعلم أن انتظار فارقليط كان في القرون الأولى المسيحية أيضاً ولذلك كان الناس يدعون مصاديقه وكان المسيحيون يقبلون دعاويهم. وقال صاحب لب التواريخ: (أن اليهود والمسيحيين من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم كانوا منتظرين لنبي فحصل لمحمد من هذا الأمر نفع عظيم لأنه ادعى أني هو ذاك المنتظر) انتهى ملخص كلامه. فيعلم من كلامه أيضاً أن أهل الكتاب كانوا منتظرين لخروج نبي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحق لأن النجاشي ملك الحبشة لما وصل إليه كتاب محمد صلى الله عليه وسلم (فقال أشهد بالله أنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب) وكتب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1188 الجواب وكتب في الجواب (أشهد أنك رسول الله صادقاً ومصدقاً، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب، وأسلمت على يديه لله رب العالمين) وهذا النجاشي قبل الإسلام كان نصرانياً، وكتب المقوقس ملك القبط في جواب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم هكذا: (لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك) والمقوقس هذا وإن لم يسلم لكنه أقر في كتابه أني قد علمت أن نبياً قد بقي وكان نصرانياً، فهذان الملكان ما كانا يخافان في ذلك الوقت من محمد صلى الله عليه وسلم لأجل شوكته الدنيوية، وجاء الجارود بن العلاء في قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1189 جئت بالحق ونطقت بالصدق، والذي بعثك بالحق نبياً لقد وجدت وصفك في الإنجيل وبشر بك ابن البتول فطول، التحية لك والشكر لمن أكرمك، لا أثر بعد عين ولا شك بعد يقين، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله) ، ثم آمن قومه وهذا الجارود كان من علماء النصارى وقد أقر بأنه قد بشر بك ابن البتول أي عيسى عليه السلام، فظهر أن المسيحيين أيضاً كانوا منتظرين لخروج نبي بشر به عيسى عليه السلام، فإذا علمت ذلك فأقول أن اللفظ العبراني الذي قاله عيسى عليه السلام مفقود، واللفظ اليوناني الموجود ترجمة، لكني أترك البحث عن الأصل، وأتكلم على هذا اللفظ اليوناني الأصل بيركلو طوس فالأمر ظاهر، وتكون بشارة المسيح في حق محمد صلى الله عليه وسلم بلفظ هو قريب من محمد، وأحمد، وهذا وإن كان قريب القياس بلحاظ عاداتهم لكني أترك هذا الاحتمال، لأنه لا يتم عليهم إلزاماً وأقول إن كان اللفظ اليوناني الأصل بارا كلي طوس كما يدعون فهذا لا ينافي الاستدلال أيضاً، لأن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1190 معناه المعزي، والمعين، والوكيل، على ما بين صاحب الرسالة، أو الشافع، كما يوجد في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816، وهذه المعاني كلها تصدق على محمد صلى الله عليه وسلم. وأنا أبين الآن أولاً أن المراد بفارقليط النبي المبشر به أعني محمداً صلى الله عليه وسلم لا الروح النازل على تلاميذ عيسى عليه السلام يوم الدار، الذي جاء ذكره في الباب الثاني من كتاب الأعمال. وأذكر ثانياً شبهات العلماء المسيحية وأجيب عنها فأقول: أما الأول: فيدل عليه أمور: [1] أن عيسى عليه السلام قال: (أولاً، إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي) ثم أخبر عن فارقليط فمقصوده عليه السلام، أن يعتقد السامعون بأن ما يلقى عليهم يعد ضروري واجب الرعاية، فلو كان فارقليط عبارة عن الروح النازل يوم الدار لما كانت الحاجة إلى هذه الفقرة، لأنه ما كان مظنوناً أن يستبعد الحواريون نزول الروح عليهم مرة أخرى، لأنهم كانوا مستفيضين به من قبل أيضاً، بل لا مجال للاستبعاد أيضاً لأنه إذا نزل على قلب أحد وحل فيه يظهر أثره لا محالة ظهوراً بيناً، فلا يتصوّر إنكار المتأثر منه وليس ظهوره عندهم في صورة يكون فيه مظنة يكون الاستبعاد، فهو عبارة عن النبي المبشر به، فحقيقة الأمر أن المسيح عليه السلام لما علم بالتجربة وبنور النبوّة أن الكثيرين من أمته ينكرون النبي المبشر به عند ظهوره، فأكد أولاً بهذه الفقرة ثم أخبر عن مجيئه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1191 [2] أن هذا الروح متحد بالأب مطلقاً وبالابن، نظراً إلى لاهوته اتحاداً حقيقياً فلا يصدق في حقه (فارقليط آخر) بخلاف النبي المبشر به فإنه يصدق هذا القول في حقه بلا تكلف. [3] أن الوكالة والشفاعة من خواص النبوّة لا من خواص هذا الروح المتحد بالله، فلا يصدقان على الروح ويصدقان على النبي المبشر به بلا تكلف. [4] أن عيسى عليه السلام قال: (هو يذكركم كل ما قلته لكم) . ولم يثبت من رسالة من رسائل العهد الجديد، أن الحواريين كانوا قد نسوا ما قاله عيسى عليه السلام، وهذا الروح النازل يوم الدار ذكرهم إياه. [5] أن عيسى عليه السلام قال: (والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون) . وهذا يدل على أن المراد به ليس الروح لأنك قد عرفت في الأمر الأول أنه ما كان عدم الإيمان مظنوناً منهم وقت نزوله، بل لا مجال للاستبعاد أيضاً، فلا حاجة إلى هذا القول، وليس من شأن الحكيم العاقل أن يتكلم بكلام فضول فضلاً عن شأن النبي العظيم الشأن، فلو أردنا به النبي المبشر به يكون هذا الكلام في محله، وفي غاية الاستحسان لأجل التأكيد مرة ثانية. [6] أن عيسى عليه السلام قال: (هو يشهد لأجلي) . وهذا الروح ما شهد لأجله بين يدي أحد، لأن تلاميذه الذين نزل عليهم ما كانوا محتاجين إلى الشهادة، لأنهم كانوا يعرفون المسيح حق المعرفة قبل نزوله أيضاً، فلا فائدة للشهادة بين أيديهم، والمنكرون الذين كانوا محتاجين للشهادة فهذا الروح ما شهد بين أيديهم بخلاف محمد صلى الله عليه وسلم فإنه شهد لأجل المسيح عليه [ص 284] السلام وصدقه وبرأه عن ادعاء الألوهية، الذي هو أشد أنواع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1192 الكفر والضلال، وبرأ أمه عن تهمة الزنا، وجاء ذكر براءتهما في القرآن في مواضع متعددة، وفي الأحاديث في مواضع غير محصورة. [7] أن عيسى عليه السلام قال: (وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء، وهذه الآية في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 هكذا: (وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم كنتم معي من الابتداء) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء) فيوجد في هذه التراجم الثلاث لفظ أيضاً، وكذا يوجد في التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1828 وسنة 1841 وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 ترجمة لفظ أيضاً، فلفظ أيضاً سقط من التراجم التي نقلت عنها عبارة يوحنا سهواً أو قصداً، فهذا القول يدل دلالة ظاهرة على أن شهادة الحواريين غير شهادة فارقليط، فلو كان المراد به الروح النازل يوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1193 الدار فلا توجد مغايرة الشهادتين، لأن الروح المذكور لم يشهد شهادة مستقلة غير شهادة الحواريين، بل شهادة الحواريين هي شهادته بعينها، لأن هذا الروح مع كونه إلهاً متحداً بالله اتحاداً حقيقياً برياً من النزول والحلول والاستقرار والشكل التي هي من عوارض الجسم والجسمانيات، نزل مثل ريح عاصفة وظهر في أشكال ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم يوم الدار، فكان حالهم كحال من عليه أثر الجن، فكما أن قول الجن يكون قوله في تلك الحالة فكذلك كانت شهادة الروح هي شهادة الحواريين، فلا يصح هذا القول بخلاف ما إذا كان المراد به النبي المبشر به، فإن شهادته غير شهادة الحواريين. [8] أن عيسى عليه السلام قال: (إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأما إن انطلقت أرسلته إليكم) . فعلق مجيئه بذهابه وهذا الروح عندهم نزل على الحواريين في حضوره لما أرسلهم إلى البلاد الإسرائيلية، فنزوله ليس بمشروط بذهابه، فلا يكون مراداً بفارقليط، بل المراد به شخص لم يستفض منه أحد من الحواريين قبل زمان صعوده، وكان مجيئه موقوفاً على ذهاب عيسى عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان كذلك، لأنه جاء بعد ذهاب عيسى عليه السلام، وكان مجيئه موقوفاً على ذهاب عيسى عليه السلام، لأن وجود رسولين ذوي شريعتين مستقلتين في زمان واحد غير جائز، بخلاف ما إذا كان الآخر متبعاً لشريعة الأول أو يكون كل من الرسل متبعاً لشريعة واحدة، لأنه يجوز في هذه الصورة وجود اثنين أو أكثر في زمان واحد ومكان واحد، كما ثبت وجودهم ما بين زمان موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1194 [9] أن عيسى عليه السلام قال: (يوبخ العالم) . فهذا القول بمنزلة النص الجلي لمحمد صلى الله عليه وسلم، لأنه وبخ العالم سيما اليهود على عدم إيمانهم بعيسى عليه السلام توبيخاً لا يشك فيه إلا معاند بحت، وسيكون ابنه الرشيد محمد المهدي رفيقاً لعيسى عليه السلام في زمان قتل الدجال الأعور ومتابعيه، بخلاف الروح النازل يوم الدار، فإن توبيخه لا يصح على أصول أحد، وما كان التوبيخ منصب الحواريين بعد نزوله أيضاً، لأنهم كانوا يدعون إلى الملة بالترغيب والوعظ، وما قال رانكين في كتابه المسمى بدافع البهتان الذي هو بلسان أردو في رده على خلاصة صولة الضيغم: (إن لفظ التوبيخ لا يوجد في الإنجيل ولا في ترجمة من تراجم الإنجيل، وهذا المستدل أورد هذا اللفظ ليصدق على محمد صدقاً بيناً لأجل أن محمد صلى الله عليه وسلم وبخ وهدد كثيراً، إلا أن مثل هذا التغليط ليس من شأن المؤمنين والخائفين من الله) انتهى كلامه فمردوده. وهذا القسيس إما جاهل غالط أو مغلط ليس له إيمان ولا خوف من الله، لأن هذا اللفظ يوجد في التراجم العربية المذكورة التي نقلت عنها عبارة يوحنا، وفي الترجمة المطبوعة 1671 في الرومية العظمى، وعبارة الترجمة العربية المطبوعة في بيروت سنة 1860 هكذا: (ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية الخ) . وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1825، وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1828 وسنة 1841 يوجد لفظ الإلزام، ولفظ التبكيت والإلزام أيضاً قريبان من التوبيخ لكن لا شكاية منه، لأن مثل هذا الأمر من عادات علماء بروتستنت ولذلك ترى أن مترجمي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1195 الفارسية وأردو تركوا لفظ فارقليط لشهرته عند المسلمين في حق محمد صلى الله عليه وسلم، ومترجم ترجمة أردو المطبوعة سنة 1839 فإن هؤلاء أسلافه أيضاً، حيث أرجع إلى الروح ضمائر المؤنث ليحصل الاشتباه للعوام أن مصداق هذا اللفظ مؤنث وليس بمذكر. [10] قال عيسى عليه السلام: (أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي) وهذا يدل على أن فارقليط يكون ظاهراً على منكري عيسى عليه السلام موبخاً لهم على عدم الإيمان به، والروح النازل يوم الدار ما كان ظاهراً على الناس موبخاً لهم. [11] قال عيسى عليه السلام: (إن لي كلاماً كثيراً أقوله لكم، ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن) . وهذا ينافي إرادة الروح النازل يوم الدار لأنه ما زاد حكماً على أحكام عيسى عليه السلام، لأنه على زعم أهل التثليث كان أمر الحواريين بعقيدة التثليث وبدعوة أهل العالم كله، فأي أمر حصل لهم أزيد من أقواله التي قال لهم إلى زمان صعوده. نعم بعد نزول هذا الروح، أسقطوا جميع أحكام التوراة التي هي ما عدا بعض الأحكام العشرة المذكورة في الباب العشرين من سفر الخروج، وحللوا جميع المحرمات وهذا الأمر لا يجوز في حقه أن يقال أنهم ما كانوا يستطيعون حمله، لأنهم استطاعوا حمل سقوط حكم تعظيم السبت الذي هو أعظم أحكام التوراة، الذي كان اليهود ينكرون كون عيسى عليه السلام مسيحاً موعوداً به لأجل عدم مراعاته هذا الحكم، فقبول سقوط جميع الأحكام كان أهون عندهم، نعم قبول زيادة الأحكام لأجل ضعف الإيمان، وضعف القوة إلى زمان صعوده كما يعترف به علماء بروتستنت، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1196 كان خارجاً عن استطاعتهم. فظهر أن المراد بفارقليط نبي تزاد في شريعته أحكام بالنسبة إلى الشريعة العيسوية ويثقل حملها على المكلفين الضعفاء وهو محمد صلى الله عليه وسلم. [12] أن عيسى عليه السلام قال: (ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع) . وهذا يدل على أن فارقليط يكون بحيث يكذبه بنو إسرائيل، فاحتاج عيسى عليه السلام أن يقرر حال صدقه فقال هذا القول، ولا مجال لمظنة التكذيب في حق الروح النازل يوم الدار، على أن هذا الروح عندهم عين الله فلا معنى لقوله بل يتكلم بما يسمع. فمصداقه محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كان في حقه مظنة التكذيب وليس هو عين الله وكان يتكلم بما يوحى إليه كما قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} وقال: {إن اتبع إلا ما يوحى إليَّ} . [13] أن عيسى عليه السلام قال: (أنه يأخذ مما هو لي) . وهذا لا يصدق على الروح، لأنه عند أهل التثليث قديم وغير مخلوق وقادر مطلق ليس له كمال منتظر بل كل كمال من كمالاته حاصل له بالفعل، فلا بد أن يكون الموعود به من الجنس الذي يكون له كمال منتظر، ولما كان هذا الكلام موهماً أن يكون هذا النبي مطيعاً لشريعته، دفعه بقوله فيما بعد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1197 (جميع ما للأب فهو لي فلأجل هذا قلت مما هو لي يأخذ) . يعني أن كل شيء يحصل لفارقليط من الله فكأنه يحصل مني، كما اشتهر من كان لله كان الله له، فلأجل هذا قلت أن مما هو لي يأخذ. وأما الثاني أعني الشبهات التي توردها علماء بروتستنت فخمسة: الشبهه على البشارة الثامنة عشر: (الشبهة الأولى) جاء في هذه العبارة تفسير فارقليط بروح القدس وروح الحق وهما عبارتان عن الأفنوم الثالث، فكيف يصح أن يراد بفارقليط محمد صلى الله عليه وسلم أقول في الجواب: أن صاحب ميزان الحق يدعي في تأليفاته كون ألفاظ روح الله وروح القدس وروح الحق وروح الصدق وروح فم الله بمعنى واحد، وقال في الفصل الأول من الباب الثاني من مفتاح الأسرار في الصفحة 53 من النسخة الفارسية المطبوعة سنة 1850: (أن لفظ روح الله ولفظ روح القدس في التوراة والإنجيل بمعنى واحد) انتهى. فادعى أن هذين اللفظين يستعملان بمعنى واحد في العهدين وقال في حل الإشكال في جواب كشف الأستار: (من له شعور ما بالتوراة والإنجيل فهو يعرف أن ألفاظ روح القدس وروح الحق وروح فم الله وغيرها بمعنى روح الله فلذلك ما رأيت إثباته ضرورياً) انتهى. فإذا عرفت هذا القول نحن نقطع النظر عن صحة ادعائه وعدم صحته ههنا ونسلم ترادف هذه الألفاظ على زعمه لكنا ننكر أن استعمالها في كل موضع من مواضع العهدين بمعنى الأقنوم الثالث ونقول قولاً مطابقاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1198 لقوله من له شعور ما بكتب العهدين، يعرف أن هذه الألفاظ تستعمل في غير الأقنوم كثيراً، في الآية الرابعة عشر من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال عليه السلام هكذا: (فأعطى فيكم روحي) . ففي هذا القول روح الله بمعنى النفس الناطقة الإنسانية لا بمعنى الأقنوم الثالث الذي هو عين الله على زعمهم، وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا ترجمة عربية سنة 1760: 1 (أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن الأنبياء الكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم) 2 (بهذا تعرفون روح الله، كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله) 6 (نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا، من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال) . وهذه الجملة الواقعة في الآية الثانية: (بهذا تعرفون روح الله) . وفي التراجم الأخر هكذا ترجمة عربية سنة 1821، وسنة 1831، وسنة 1844: (وبهذا يعرف روح الله) . ترجمة عربية سنة 1825: (فإنكم تميزون روح الله ولفظ روح الله في الآية الثانية، ولفظ روح الحق في الآية السادسة، بمعنى الواعظ الحق لا بمعنى الأقنوم الثالث، ولذلك ترجم مترجم ترجمة أردو المطبوعة سنة 1845 لفظ كل روح بكل واعظ، ولفظ الأرواح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1199 بالواعظين في الآية الأولى ولفظ روح في الآية الثانية بالواعظ من جانب الله، ولفظ روح الحق في الآية السادسة بالواعظ الصادق، وترجم لفظ روح الضلال بالواعظ المضل، وليس المراد بروح الله وروح الحق الأقنوم الثالث الذي هو عين الله على زعمهم وهو ظاهر فتفسير فارقليط بروح القدس وروح الحق لا يضرنا لأنهما بمعنى الواعظ الحق، كما أن لفظ روح الحق وروح الله بهذا المعنى في الرسالة الأولى ليوحنا، فيصح إطلاقهما على محمد صلى الله عليه وسلم بلا ريب. (الشبهة الثانية) أن المخاطبين بضميرهم الحواريون، فلا بد أن يظهر فارقليط في عهدهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يظهر في عهدهم، أقول هذا أيضاً ليس بشيء، لأن منشأه أن الحاضرين وقت الخطاب لا بد أن يكونوا مراضين بضمير الخطاب وهو ليس بضروري في كل موضع، ألا ترى أن قول عيسى عليه السلام في الآية الرابعة والستين من الباب السادس والعشرين من إنجيل متى في خطاب رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع هكذا: (وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء) . وهؤلاء المخاطبون قد ماتوا ومضت على موتهم مدة هي أزيد من ألف وثمانمائة سنة، وما رأوه آتياً على سحاب السماء، فكما أن المراد بالمخاطبين ههنا الموجودون من قومهم وقت نزوله من السماء، فكذلك فيما نحن فيه المراد الذين يوجدون وقت ظهور فارقليط. (الشبهة الثالثة) أنه وقع في حق فارقليط أن العالم لا يراه ولا يعرفه، وأنتم تعرفونه وهو لا يصدق على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الناس رأوه وعرفوه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1200 أقول هذا أيضاً ليس بشيء، وهم أحوج الناس تأويلاً في هذا القول بالنسبة إلينا، لأن روح القدس عين الله عندهم والعالم يعرف الله أكثر من معرفة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن نقول أن المراد بالمعرفة المعرفة الحقيقية الكاملة، ففي صورة التأويل لا اشتباه في صدق هذا القول على محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون المقصود أن العالم لا يعرفه معرفة حقيقية كاملة، وأنتم تعرفونه معرفة حقيقية كاملة، والمراد بالرؤية المعرفة، ولذا لم يعد عيسى عليه السلام لفظ الرؤية بعد لفظ أنتم بل قال وأنتم تعرفونه. ولو حملنا الرؤية على الرؤية البصرية يكون نفي الرؤية محمولاً على ما هو المراد في قول الإنجيلي الأول في الباب الثالث عشر من إنجيله، وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1825: 13 (فلذلك أضرب لهم الأمثال لأنهم ينظرون ولا يبصرون، ويسمعون ولا يستمعون ولا يفهمون) 14 (وقد كمل فيهم تنبأ أشعيا حيث قال إنكم تستمعون سمعاً ولا تفهمون وتنظرون نظراً ولا تبصرون) . فلا إشكال أيضاً وأمثال هذين الأمرين وإن كانت معاني مجازية لكنها بمنزلة الحقيقة العرفية. ووقعت في كلام عيسى عليه السلام كثيراً: في الآية السابعة والعشرين من الباب الحادي عشر من إنجيل متى هكذا: (وليس أحد يعرف الابن إلا الأب ولا أحد يعرف الأب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1201 وفي الآية الثامنة والعشرين من الباب السابع من إنجيل يوحنا هكذا: (الذي أرسلني حق الذي أنتم لستم تعرفونه) . وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا: (لستم تعرفوني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً) 55 (ولستم تعرفونه أي الله) الخ. وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (أيها الأب إن العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك) . وفي الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 7 (لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه) 8 (قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا) 9 (قال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الأب، فكيف تقول أنت أرنا الأب) . فالمراد في هذه الأقوال بالمعرفة المعرفة الكاملة وبالرؤية المعرفة، وإلا لا تصح هذه الأقوال يقيناً، لأن العوام من الناس كانوا يعرفون عيسى عليه السلام فضلاً عن رؤساء اليهود، والكهنة، والمشايخ، والحواريين، ورؤية الله بالبصر في هذا العالم ممتنعة عند أهل التثليث أيضاً. (الشبهة الرابعة) أنه وقع في حق فارقليط: (أنه مقيم عندكم، وثابت فيكم) . ويظهر من هذا القول أن فارقليط كان في وقت الخطاب مقيماً عند الحواريين، وثابتاً فيهم، فكيف يصدق على محمد صلى الله عليه وسلم. أقول: إن هذا القول في التراجم الأخرى هكذا ترجمة عربية سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1202 1816، وسنة 1825: (لأنه مستقر معكم، وسيكون فيكم) . والتراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1828، وسنة 1841. وترجمة أردو المطبوعة سنة 1814، وسنة 1839، كلها مطابقة لهاتين الترجمتين، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (ماكث معكم، ويكون فيكم) . فظهر أن المراد بقوله ثابت فيكم الثبوت الاستقبالي يقيناً، فلا اعتراض به لوجه من الوجوه، وبقي قوله مقيم عندكم فأقول: لا يصح حمل هذا القول على معنى هو مقيم عندكم الآن، لأنه ينافي قوله: (أنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر) ، وقوله: (قد قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنون) ، وقوله: (إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط) ، وإذا أُول نقول أنه بمعنى الاستقبال، كما أن القول الذي بعده بمعنى الاستقبال، ومعناه يكون مقيماً عندكم في الاستقبال، فلا خدشة في صدقه أيضاً على محمد صلى الله عليه وسلم. والتعبير عن الاستقبال بالحال بل بالماضي في الأمور المتيقنة كثير في العهدين، ألا ترى أن حزقيال عليه السلام أخبر أولاً عن خروج يأجوج ومأجوج، في الزمان المستقبل، وإهلاكهم حين وصولهم إلى جبال إسرائيل. ثم قال في الآية الثامنة من الباب التاسع والثلاثين من كتابه هكذا: (ها هو جاء وصار يقول الرب الإله هذا هو اليوم الذي قلت عنه) . فانظروا إلى قوله ها هو جاء وصار، وهذا القول في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 هكذا: (ابنك رسيد وبوقوع يبوست) فعبر عن الحال المستقبل بالماضي لكونه يقيناً لا شك فيه وقد مضت مدة أزيد من ألفين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1203 وأربعمائة وخمسين سنة ولم يظهر خروجهم. وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا: (الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون) فانظروا إلى قوله وهي الآن وقد مضت مدة أزيد من ألف وثمانمائة ولم تجيء هذه الساعة والى الآن أيضاً مجهولة لا يعرف أحد متى تجيء. (الشبهة الخامسة) في الباب الأول من كتاب الأعمال هكذا: 4 (وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني) 5 (لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير) . وهذا يدل على أن فارقليط، هو الروح النازل يوم الدار. لأن المراد بوعد الأب هو فارقليط، أقول الادعاء بأن المراد بموعد الأب هو فارقليط، ادعاء محض، بل هو غلط لثلاثة عشر وجهاً وقد عرفتها، بل الحق أن الإخبار عن فارقليط شيء، والوعد بإنزال الروح عليه مرة أخرى شيء آخر وقد وفى الله بالوعدين، وقد عبر بالوعد الأول بمجيء فارقليط، وههنا بموعد الأب. غاية الأمر أن يوحنا نقل بشارة فارقليط، ولم ينقلها الإنجيليون الباقون، ولوقا نقل موعد نزول الروح الذي نزل يوم الدار ولم ينقله يوحنا. ولا بأس فيه فإنهم قد يتفقون في نقل الأقوال الخسيسة، كركوب عيسى عليه السلام على الحمار وقت الذهاب إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1204 أورشليم، اتفق على نقله الأربعة، وقد يتخالفون في نقل الأحوال العظيمة، ألا ترى أن لوقا انفرد بذكر إحياء ابن الأرملة من الأموات في نابين، وبذكر إرسال عيسى عليه السلام سبعين تلميذاً، وبذكر إبراء عشرة برص، ولم يذكر هذه الحالات أحد الإنجيليين مع أنها من الحالات العظيمة، وأن يوحنا انفرد بذكر وليمة العرس في قانا الجليل وظهر من يسوع فيه معجزة تحويل الماء خمراً، وهذه المعجزة أول معجزاته، وسبب ظهور مجده وإيمان التلاميذ به، وبذكر إبراء السقيم في بيت صيدا في أورشليم، وهذه أيضاً معجزة عظيمة، والمريض كان مريضاً من ثمان وثلاثين سنة، وبذكر قصة امرأة أخذت في زنا، وبذكر إبراء الأكمه وهذا أيضاً من أعظم معجزاته، وهي مصرحة بهما في الباب التاسع، وبذكر إحياء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1205 العاذار من بين الأموات، ولم يذكرها أحد من الإنجيليين مع أنها حالات عظيمة. وهكذا حال متى ومرقس فإنهما انفردا بذكر بعض المعجزات والحالات التي لم يذكرهما غيرهما. ولما طال البحث في هذا المسلك، فلنقتصر على هذا القدر من البشارات التي نقلتها عن كتبهم المعتبرة عندهم في زماننا، وأما البشارات التي توجد في كتب أخرى هي ليست معتبرة عندهم في زماننا فما نقلتها. وبعد ما فرغت أنقل عنها بشارة واحدة أيضاً على سبيل الأنموذج. فأقول: القسيس سيل نقل في مقدمة ترجمته للقرآن المجيد من إنجيل برنايا بشارة محمدية هكذا: (اعلم يا برنابا أن الذنب وإن كان صغيراً يجزي الله عليه لأن الله غير راض عن الذنب، ولما اجتنى أمي وتلاميذي لأجل الدنيا سخط الله لأجل هذا الأمر، وأراد باقتضاء عدله أن يجزيهم في هذا العالم على هذه العقيدة الغير اللائقة ليحصل لهم النجاة من عذاب جهنم، ولا يكون لهم أذية هناك، وإني وإن كنت برياً لكن بعض الناس لما قالوا في حقي أنه الله وابن الله، كره الله هذا القول واقتضت مشيئته بأن لا تضحك الشياطين يوم القيامة علي ولا يستهزئون بي، فاستحسن بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء في الدنيا بسبب موت يهوذا، ويظن كل شخص أني صلبت، لكن هذه الإهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء محمد رسول الله، فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط، وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس) انتهت ترجمة كلامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1206 (أقول) هذه البشارة عظيمة وإن اعترضوا أن هذا الإنجيل رده مجالس علمائنا السلف (أقول) لا اعتبار لردهم وقبولهم كما علمت بما لا مزيد عليه في الباب الأول، وهذا الإنجيل من الأناجيل القديمة ويوجد ذكره في كتب القرن الثاني والثالث، فعلى هذا كتب هذا الإنجيل قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم بمئتين سنة، ولا يقدر أحد أن يخبر بغير الإلهام بمثل هذا الأمر قبل وقوعه بمئتين سنة، فلا بد أن يكون هذا قول عيسى عليه السلام، وإن قالوا أن أحداً من المسلمين حرف هذا الإنجيل بعد ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: هذا الاحتمال بعيد جداً لأن المسلمين ما التفتوا إلى هذه الأناجيل الأربعة أيضاً، فكيف إلى إنجيل برنابا، ويبعد أن يؤثر تحريف أحد من المسلمين في إنجيل برنابا تأثيراً يتغير به النسخ الموجودة عند المسيحيين أيضاً، وهم يزعمون أن علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين أسلموا، نقلوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1207 عن كتب العهدين البشارات المحمدية وحرفوها، فعلى زعمهم أقول أن هؤلاء العلماء الكبار حرفوا على زعمهم، ولم يؤثر تحريف هؤلاء في كتبهم التي كانت موجودة عندهم في مواضع هذه البشارات، فكيف أثر تحريف بعض المسلمين في إنجيل برنابا في النسخ التي كانت عندهم، فهذا الاحتمال واه ضعيف جداً واجب الرد. (تنبيه) نقلنا هذا الإخبار أولاً في الكتاب الإعجاز العيسوي، عن الترجمة المطبوعة سنة 1850 من الميلاد، وطبع هذا الكتاب سنة 1271 من الهجرة وسنة 1854 من الميلاد واشتهر في أقطار الهند وتراجمهم، وكتبهم تتغير في الطبع المتأخر بالنسبة إلى الطبع المتقدم تغيراً ما، كما قد نبهت في مقدمة الكتاب أيضاً، فإن لم يجد الناظر هذه البشارة في بعض نسخ الترجمة المذكورة المطبوعة في سنة غير السنة المذكورة لا يقع في شك سيما إذا كان هذا البعض من النسخ المطبوعة في سنة متأخرة عن ألف وثمانمائة وأربع وخمسين من الميلاد، لأن علماء بروتستنت لو أسقطوا في طبعهم هذه البشارة من الترجمة المذكورة فلا يستبعد من عادتهم التي صارت، بمنزلة الأمر الطبيعي لهم. وقال الفاضل حيدر علي القرشي في كتابه المسمى بخلاصة سيف المسلمين الذي هو بلسان أردو في الصفحة 63 و 64: (أن القسيس أو سكان الأرمني ترجم كتاب أشعيا باللسان الأرمني في سنة ألف وستمائة وست الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1208 وستين سنة، وطبعت هذه الترجمة في سنة ألف وسبعمائة وثلاث وثلاثين في مطبع انتوني بورتولي ويوجد في هذه الترجمة في الباب الثاني والأربعين هذه الفقرة: (سبحوا الله تسبيحاً جديداً وأثر سلطنة على ظهره واسمه أحمد) انتهت. وهذه الترجمة موجودة عند الأرامن فانظروا فيها) انتهى كلامه. (أقول) هذه الترجمة لم تصل إلي وما اطلعت عليها لكن هذا الفاضل لعله رآها واطلع عليها، ولا شك أن هذه الفقرة عظيمة النفع، وإن لم تكن هذه الترجمة معتبرة عند علماء بروتستنت، ومن أسلم من علماء اليهود والنصارى في القرن الأول شهد بوجود البشارات المحمدية في كتب العهدين، مثل عبد الله بن سلام وابني سعية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1209 وبنيامين ومخيريق وكعب الأحبار وغيرهم، من علماء اليهود، ومثل بحير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1210 اونسطور الحبشي وضفاطر وهو الأسٍقف الرومي الذي أسلم على يد دحية الكلبي وقت الرسالة فقتلوه، والجارود، والنجاشي، والسوس، والرهبان الذين جاؤوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وغيرهم من علماء النصارى، وقد اعترف بصحة نبوته، وعموم رسالته، هرقل قيصر الروم، ومقوقس صاحب مصر، وابن صوريا، وحيي بن أخطب، وأبو ياسر بن أخطب وغيرهم ممن حملهم الحسد على الشقاء، ولم يسلموا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1211 وروي أنه عليه السلام لما أراد الدلائل على نصارى نجران، ثم إنهم أصروا على جهلهم، فقال عليه السلام: إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم، فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فلما رجعوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم نبوته، وقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا وإن أبيتم إلا ألف دينكم. فوادعوا الرجل وانصرفوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غدا محتضناً الحسين، وآخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي رضي الله عنه خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا. فقال أسقفهم: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً، لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا. فأذعنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلوا له الجزية ألفي حلة حمراء وثلاثين درعاً من حديد. فقال عليه الصلاة والسلام: لو باهلوا لمسخوا قردة، وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على الشجر، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1212 وهذه الواقعة دلت على نبوته بوجهين: (الأول) أنه عليه الصلاة والسلام خوّفهما بنزول العذاب عليهم، ولو لم يكن واثقاً بذلك لكان ذلك منه سعياً في إظهار كذب نفسه، لأنه لو باهل ولم ينزل العذاب ظهر كذبه، ومعلوم أنه كان من أعقل الناس، فلا يليق به أن يعمل عملاً يفضي إلى ظهور كذبه، فلما أصر على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه واثقاً بوعد الله. (والثاني) أن القوم كانوا يبذلون النفوس، والأموال، في المنازعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو لم يعرفوا أنه نبي لما تركوا مباهلته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1213 الفصل الثاني: (في دفع المطاعن) . اعلم أرشدك الله تعالى في الدارين أن المسيحيين يدعون أن الأنبياء إنما يكونون معصومين في تبليغ الوحي فقط، تقريراً كان أو تحريراً. وأما في غير التبليغ، فليسوا بمعصومين لا قبل النبوّة ولا بعدها. فيصدر عنهم بعدها جميع الذنوب قصداً، فضلاً عن الخطأ والنسيان، فيصدر عنهم الزنا بالمحارم فضلاً عن الأجنبيات، ويصدر عنهم عبادة الأوثان، وبناء المعابد لها، ولا يخرج عندهم نبي من إبراهيم إلى يحيى عليهما السلام لا يكون زانياً أو من أولاد الزنا أعاذنا الله من أمثال هذه العقائد الفاسدة في حق الأنبياء عليهم السلام. وقد عرفت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، وفي الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، وفي المقصد الأول من الباب الثاني أن ادعاءهم العصمة في التبليغ أيضاً باطل لا أصل له على أصولهم. ويصدر هذا الادعاء عنهم لتغليط العوام، فمطاعنهم على محمد صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور التي يفهمونها ذنوباً في زعمهم الفاسد، لا تقدح في نبوته على أصولهم. وإني وإن كنت أستكره أن أنقل ذنوب الأنبياء والكفريات المفتريات عن كتبهم ولو إلزاماً، ولا أعتقد في حضرات الأنبياء إنصافهم بهذه الذنوب والكفريات حاشا وكلا. لكني لما رأيت أن علماء بروتستنت أطالوا ألسنتهم إطالة فاحشة في حق محمد صلى الله عليه وسلم في الأمور الخفيفة، وجعلوا الخردلة جبلاً لتغليط العوام الغير الواقفين على كتبهم، وكان مظنة وقوع السذج في الاشتباه بتمويهاتهم الباطلة، نقلت بعضها إلزاماً، وأتبرأ عن اعتقادها بألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1214 لسان وليس نقلها إلا كنقل كلمات الكفر، ونقل الكفر ليس بكفر، وقدمت نقلها على نقل مطاعنهم في محمد صلى الله عليه وسلم والجواب عنها، وكتب القسيس وليم اسمت من علماء بروتستنت كتاباً في لسان أردو وطبعه في البلد مرزابور من بلاد الهند في سنة 1848 من الميلاد، وسماه طريق الأولياء، وكتب فيه حال الأنبياء من آدم إلى يعقوب عليهم السلام ناقلاً عن سفر التكوين وتفاسيره المعتبرة عند علماء بروتستنت، فأنقل في بعض المواضع عن هذا الكتاب أيضاً. [1] قصة آدم عليه السلام عندهم مشهورة، وفي الباب الثالث من سفر التكوين مسطورة، وهم يعترفون أنه أذنب عمداً ولم يعترف بذنبه لما طلبه الله، ولم تثبت توبته عندهم إلى آخر حياته في الصفحة 23 من طريق الأولياء: (يا أسفي على أنه لم تثبت توبته وعلى أنه ما استغفر الله لذنبه مرة واحدة أيضاً) انتهى. [2] في الباب التاسع من سفر التكوين هكذا: 18 (فكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك سام وحام ويافت وحام أبو كنعان) 20 (وبدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1215 نوح فلاح يحرث في الأرض وغرس كرماً) 21 (وشرب خمراً فسكر وتكشف في خبا) 22 (فلما نظر حام أبو كنعان ذلك أي عورة أبيه أنها مكشفة أخبر أخوته خارجاً) 24 (فلما استيقظ نوح من الخمر، وعلم بما عمل به ابنه الأصغر) 25 (فقال ملعون كنعان، فيكون عبد العبيد لأخوته) . ففيه تصريح بأن نوحاً شرب الخمر وسكر وصار عرياناً، والعجب أن المذنب بالنظر إلى عورة أبيه هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، وأخذ الابن بذنب الأب خلاف العدل. قال حزقيال في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتابه: (النفس التي تخطئ فهي تموت، والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه، ونفاق المنافق يكون عليه) . ولو فرضنا أنه حمل إثم الأب على الابن خلاف العدل. فما وجه تخصيص كنعان لأن أبناء حام كانوا أربعة، كوش ومصرايم وفوط وكنعان، كما هو مصرح به في الباب العاشر) . [3] في الصفحة 74 من طريق الأولياء في حال إبراهيم هكذا: (لا يعلم حاله إلى سبعين سنة من عمره وهو تربى في الوثنيين، ومضى أكثر عمره فيهم ويعلم أن أبويه ما كانا يعرفان الإله الحق. ويحتمل أن إبراهيم أيضاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1216 كان يعبد الأصنام ما لم يظهر الله عليه، ثم ظهر عليه وانتخبه من أبناء العالم، وجعله عبداً خاصاً) انتهى. فظهر أن المظنون عند المسيحيين أن إبراهيم إلى سبعين سنة من عمره كان يعبد الأصنام. أقول كونه عابد الأصنام إلى أن بلغ سبعين سنة، قريب اليقين، نظراً إلى أصولهم. لأن أهل العالم في هذا الوقت عندهم كانوا وثنيين، وهو تربى فيهم، وأبواه أيضاً كانا منهم. ولم يظهر عليه الرب إلى ذلك الوقت، والعصمة عن عبادة الأوثان ليست بشرط بعد النبوة، فضلاً عن أن تكون شرطاً قبل النبوة. وإذا ظهر حال أبي الأنبياء هذا إلى سبعين سنة من عمره قبل النبوّة، فانقل حاله بعد النبوة. [4] في الباب الثاني عشر من سفر التكوين هكذا: 11 (فلما قرب أن يدخل إلى مصر، قال لسارة زوجته إني علمت أنك امرأة حسنة) 12 (ويكون إذا رآك المصريون فإنهم سيقولون أنها امرأته ويقتلوني ويستبقونك) 13 (والآن أرغب منك فقولي أنك أختي، ليكون لي خير بسببك، وتحيي نفس من أجلك) . فسبب الكذب ما كان مجرد الخوف، بل رجاء حصول الخير أيضاً، بل الخير كان أقوى. ولذلك قدمه وقال ليكون لي خير بسببك، وتحيي نفسي من أجلك. وحصل له الخير أيضاً، كما هو مصرح به في الآية السادسة عشر. على أن خوفه من القتل مجرد وهم، لا سيما إذا كان راضياً بتركها فإنه لا وجه لخوفه بعد ذلك أصلاً، وكيف يجوز العقل أن يرضى إبراهيم بترك حريمه وتسليمها ولا يدافع دونها، ولا يرضى بمثله من له غيرة ما، فكيف يرضى مثل إبراهيم الغيور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1217 [5] في الباب العشرين من سفر التكوين هكذا: 1 (وارتحل إبراهيم من هناك إلى أرض التيمن، وسكن بين قادس وسور والتحى في جرارا) 2 (قال عن سارة امرأته إنها أختي، ووجه أبي مالك ملك جرارا وأخذها) 3 (فجاء الله إلى أبي مالك في الحلم بالليل، وقال له: هو ذا أنت تموت من أجل الامرأة التي أخذتها لأنها ذات بعل) 4 (ولم يكن أبو مالك قربها، فقال: يا رب أتهلك شعباً باراً لا علم له) 5 (أليس هو القائل إنها أختي، وهي قالت إنه أخي) . كذب هناك إبراهيم وسارة مرة ثانية، ولعل السبب هاهنا ما عدا الخوف أيضاً، كان حصول المنفعة، وقد حصلت كما هي مصرحة بها في الآية الرابعة عشر، على أنه لا وجه للخوف إذا كان راضياً بتسليمها بدون المقاتلة في الصفحة 99 من طريق الأولياء هكذا: (لعل إبراهيم لما أنكر كون سارة زوجة له في المرة الأولى، عزم في قلبه أنه لا يصدر عنه مثل هذا الذنب، لكنه وقع في شبكة الشيطان السابقة مرة أخرى بسبب الغفلة) انتهى. [6] في الصفحة 92 و 93 من طريق الأولياء: (لا يمكن أن يكون إبراهيم غير مذنب في نكاح هاجر، لأنه كان يعلم جيداً قول المسيح المكتوب في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1218 الإنجيل، أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً) انتهى. أقول كما لا يمكن هذا، فكذا لا يمكن أن يكون غير مذنب في نكاح سارة، لأنه كان يعلم جيداً قول موسى المكتوب في التوراة: (لا تكشف أختك من أبيك كانت أو من أمك التي ولدت في البيت أو خارجاً من البيت. وكذا قوله: (أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه، ورأى عورتها ورأت عورته، فهذا عار شديد، فيقتلان أمام شعبهما. وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما) . وكذا قوله: (يكون ملعوناً من يضاجع أخته من أبيه أو أمه) . كما عرفت في الباب الثالث من هذا الكتاب، ومثل هذا النكاح مساوٍ للزنا عند علماء بروتستنت. فيلزم أن يكون إبراهيم عليه السلام زانياً قبل النبوة وبعدها، ويكون أولاده كلهم من سارة أولاد الزنا، ولو جوز نكاح الأخت في شريعته لزم عليهم تجويز تعدد النكاح أيضاً في تلك الشريعة، فلا اعتراض باعتبار هاجر ولا باعتبار سارة وهو الحق عندنا، لكنه يلزم على أصلهم الفاسد أن هذا النبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1219 أبا الأنبياء، كما كان كاذباً، فكذا كان زانياً من أول عمره إلى آخره، ومع هذا كان خليل الله، أيكون خليل الله مثله. [7] في الباب التاسع عشر من سفر التكوين هكذا: 30 (فصعد لوط من صاغر وسكن الجبال وابنتاه معه وخاف أن يسكن صاغر وأوى إلى كهف هو وابنتاه معه) 31 (فقالت الكبرى منهما للصغرى إن أبانا قد شاخ وليس رجل على الأرض يستطيع يدخل علينا كالمرسوم لكل الأرض) 32 (فهلمي نسقيه خمراً ونضطجع معه ونقيم من أبينا خلفاً) 33 (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت الكبرى فاضطجعت مع أبيها وهو لم يعلم عند انضجاع ابنته ولا نهوضها) 34 (ولما كان الغد قالت الكبرى للصغرى هو ذا قد اضطجعت البارحة مع أبي فلنسقه خمراً في ليلتنا هذه أيضاً وادخلي فاضطجعي معه فنقيم نسلاً من أبينا) 35 (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً ودخلت الصغرى فاضطجعت مع أبيها ولم يعلم عند انضجاعها ولا نهوضها) 36 (فحملت ابنتا لوط من أبيهما) 37 (وولدت الكبرى ابناً ودعت اسمه مواب وهو أبو الموابيين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1220 إلى يومنا هذا) 38 (وولدت الصغرى أيضاً ابناً ودعت اسمه عمان، أي ابن جنسي فهو أبو العمانيين إلى اليوم) . وفي الصفحة 128 من طريق الأولياء بعد نقل هذا الحال هكذا: (حاله حري أن يبكى عليه ونحن بعد التأسف والخوف والخشية على أنفسنا نتعجب منه، أهو الذي بقي نقي الثوب عن جميع شرور سادوم، وكان قوياً في السلوك على صراط الله، وبعيداً عن جميع نجاسات تلك البلدة وغلب عليه الفسق بعد ما خرج إلى البر، فأي شخص يكون مأموناً في بلد أو بر أو كهف) انتهى كلامه. فلما بكى [ص 304] القسيسون على حاله فلا حاجة لنا إلى الإطالة، وبكاؤهم يكفي غير أني أقول أن مواب وعمان الذين تولدا بالزنا ما قتلهما الله، وقتل الولد الذي تولد بزنا داود عليه السلام بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بالبنات عندهم، بل هم كانا من المقبولين عند الله. أما مواب فلأن عوبيد جد داود عليه السلام اسم أمه راعوث كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى وراعوث هذه كانت موابية من أولاد مواب، فهي من جدات داود وسليمان وعيسى عليهم السلام، وداود ابن الله البكر وسليمان أيضاً ابن الله وعيسى ابن الله الوحيد، بل الله على زعم المسيحيين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1221 وأما عمان فلأن رحبعام ابن سليمان، من أجداد عيسى عليه السلام، كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى أيضاً، وأمه كانت عمانية من أولاد عمان كما هو مصرح به في الباب الرابع عشر من سفر الملوك الأول، فهي أيضاً من جدات ابن الله الوحيد، بل الله على زعمهم. والآية التاسعة عشر من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: (وتدنو إلى قرب بني عمان احذر تقاتلهم ولا تحترك إلى محاربهم فإني لا أعطيك شيئاً من أرض بني عمان إني أعطيتها بني لوط ميراثاً) . فأي شرف لمواب وعمان ولدي الزنا، أزيد من أن بعض بنات الأول صارت جدة معظمة لأبناء الله، بل الله على زعمهم. وبعض بنات الثاني صارت جدة لابن الله الوحيد، بل الله على زعمهم. وأن الله منع بني إسرائيل الذين كانوا أبناء الله بنص التوراة عن توريث أرض أولاده، لكنه بقيت خدشة وهي أنه إذا وصل نسب عيسى عليه السلام باعتبار هاتين الجدتين المعظمتين إلى مواب وعمان صار موابياً وعمانياً، وما كان للعمانيين والموابيين أن يدخلوا جماعة الرب إلى الأبد. الآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1222 (والعمانيون والموابيون بعد عشر أحقاب أيضاً لا يدخلون جماعة الرب إلى الأبد) . فكيف دخل عيسى عليه السلام جماعة الرب بل صار رئيسهم، بل ابن الله على زعمهم، وإن قيل أن اعتبار النسب بالآباء لا بالأمهات، فلا يكون عيسى عليه السلام عمانياً ولا موابياً، قلت لو كان كذا يلزم أن لا يكون إسرائيلياً يهودياً أو داودياً سليمانياً أيضاً، إذ حصول هذه الأوصاف له أيضاً من جانب الأم لا الأب، فلا يكون مسيحاً موعوداً به، واعتبار هذه الأوصاف باعتبار الأم وعدم اعتبار كونه عمانياً وموابياً من جهة الجدات، ترجيح بلا مرجح، وهذا وارد على داود وسليمان عليهما السلام أيضاً باعتبار راعوث، لكني لا أطيل الكلام في هذا وأرجع إلى أصل القصة، وأقول: أن لوطاً عليه السلام هذا الذي حاله حري بأن يبكى عليه عند القسيسين، لا شك أنه بحكم الإنجيل بار قديس، لم يقع الوهن عندهم في قديسيته بعد هذه الحركة الشنيعة التي لم يسمع مثلها في الأراذل الذين يكونون مخمورين أكثر الأوقات، لأنهم يميزون في حال الخمر أيضاً بناتهم عن الأجنبيات، وإذ سقط الامتياز بين البنات وغيرها لشدة الخمر، لا يبقى السكران في هذا الوقت قابلاً للجماع كما شهد به المولعون بشرب الخمر، وما سمعنا إلى الآن في الهند أن رذيلاً من الأراذل فعل هذا الأمر في الخمر ببنته أو بأمه، فإذا كان الخمر موصلاً إلى هذه الرتبة، فوا أسفي على حال أهل أوربا من المسيحيين، كيف يرجى نجاة أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم من أيدي الأبناء والآباء والأخوة، لأنهم في أغلب الأوقات يكونون سكرانين رجالهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1223 ونساؤهم، سيما إذا قسنا الحال بالنسبة إلى أراذلهم. والعجب أن هذا القديس كما ابتلي في الليلة الأولى، ابتلي في الليلة الثانية، إلا أن يقال إن هذا الأمر كان أمراً مقضياً ليتولد أبناء الله، بل الله من بعض بناته ويدخل هو في سلسلة نسب ابن الله الوحيد، ومثل هذا لو وقع لبعض آحاد الناس ضاقت عليه الأرض بما رحبت حزناً وهماً، فالعجب من لوط. أعوذ بالله من هذه الخرافات، وأقول إن هذه القصة الكاذبة من المفتريات: في الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس هكذا: 7 (وأنقذ لوطاً البار مغلوباً من سيرة الأردياء في الدعارة) 8 (إذا كان البار بالنظر والسمع وهو الساكن بينهم يعذب يوماً فيوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة) . فأطلق بطرس البار على لوط عليه السلام ومدحه، فأنا أشهد أيضاً أنه كان باراً برياً مما نسبوه إليه. [8] في الباب السادس والعشرين من سفر التكوين هكذا: 6 (فمكث إسحاق في جرارة) 7 (وسأله رجال ذلك الموضع عن زوجته، فقال هي أختي لأنه خاف أن يقول أنها زوجته لئلا يقتلوه من أجل حسنها) . فكذب إسحاق عمداً أيضاً مثل أبيه، وقال لزوجته أنها أخته. في الصفحة 168 من طريق الأولياء: (زل إيمان إسحاق لأنه قال لزوجته أنها أخته) . ثم في الصفحة 169 (يا أسفي إنه لا يوجد كمال في أحد من بني آدم غير الواحد العديم النظير، والعجب أن شبكة الشيطان التي وقع فيها إبراهيم، وقع فيها إسحاق أيضاً، وقال عن زوجته أنها أخته، فيا أسفي أن أمثال هؤلاء المقربين عند الله محتاجون إلى الوعظ) انتهى كلامه. ولما تأسف القسيسون تأسفاً بليغاً على مزلة إيمانه وعدم وجود كمال فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1224 ووقوعه في شبكة الشيطان التي وقع فيها إبراهيم عليه السلام وكونه محتاجاً إلى الوعظ فلا نطيل الكلام فيه. [9] في الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين هكذا: 29 (فطبخ يعقوب طبيخاً ولما جاء عيسو إليه تعبان من الحقل) 30 (فقال له أطعمني من هذا الطبيخ الأحمر فإني تعبان جداً ولهذا السبب دعى اسمه أدوم) 31 (فقال له يعقوب بع لي بكوريتك) 32 (فأجاب وقال هو ذا أنا أموت فماذا تنفعني البكورية) 33 (فقال له يعقوب احلف لي فحلف له عيسو وباع البكورية) 34 (فقدم يعقوب لعيسو خبزاً ومأكولاً من العدس فأكل وشرب ومضى وتهاون في أنه باع البكورية) . فانظروا إلى ديانة عيسو الذي هو الولد الأكبر لإسحاق عليه السلام، أنه باع البكورية، التي كان بها استحقاق منصب النبوة والبركة عنده ما كانا في رتبة هذا الخبز والأدام من العدس، وكذا انظروا إلى محبة يعقوب عليه السلام وإلى جوده، أنه ما أعطى للأخ الأكبر الجائع التعبان هذا المأكول إلا بالبيع وما راعى المحبة الأخوية والإحسان بلا عوض. [10] من طالع الباب السابع والعشرين من سفر التكوين، علم يقيناً أن يعقوب عليه السلام كذب ثلاث مرات وخادع أباه، وخداعه كما أثر عند إسحاق عليه السلام، أثر عند الله أيضاً، لأن إسحاق عليه السلام كان بصميم قلبه واعتقاده داعياً لعيسو لا ليعقوب عليه السلام، فكما لم يميز إسحاق بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1225 الأخوين في الدعاء، فكذا لم يميز الله بينهما عند إجابة الدعاء، فالعجب أن ولاية الله والنبوة والصلاح تحصل بالمحال. وأنا تذكرت قصة مناسبة لهذا المقام وهي: أن فاجراً من فرقة بانو طلب حشيشاً من الحمّار لأجل حصانه وما أعطاه الحمار فقال إن لم تعطني أدع على حمارك فيموت الليلة، وراح فمات حصانه في تلك الليلة، فلما استيقظ ووجد حصانه ميتاً، حرك رأسه متعجباً فقال: يا عجباً يا عجباً أنه مضى مليونات من السنين على ألوهية إلهنا ولا يميز الحصان من الحمار إلى هذا الحين، دعوت على الحمار وأهلك حصاني، ولو كان حال ديانة أبي الأنبياء الإسرائيلية هكذا أو حال علم الله هكذا، فللمنكر أن يقول: يجوز أن يكون مبنى معاملات الأنبياء الإسرائيلية مع الله أيضاً على الخداع كأبيهم الأعلى، ويجوز أن يكون عيسى عليه السلام وعد الله أن تعطيني قدرة الكرامات، أدع الخلق إلى توحيدك وربوبيتك، لكن الله ما ميز الصدق عن الكذب فأعطاه القدرة فدعا إلى ربوبية نفسه وبغى على الله. أعوذ بالله من هذه الأمور الواهية. وأنقل بعض فقرات طريق الأولياء من الصفحة 179 و 180 و 181، قال أولاً: (هذا مقام غاية الخوف أن مثل هذا الشخص تفوه بكذب بعد كذب وأشرك اسم الله في خداعه) ، ثم قال ثانياً: (قال يعقوب قولاً هو نهاية الكفران إرداة الله كانت أني وجدت الصيد سريعاً) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1226 ثم قال ثالثاً: (نحن لا نعتذر من جانب يعقوب في هذا الأمر بعذر ما وليتنفر كل صالح وليفر عن مثل هذا الأمر) ، ثم قال رابعاً: (خلاصة الكلام أنه أساء ليحصل الخير وفي الإنجيل يجب الجزاء على مثله) ، ثم قال خامساً: (كما أذنب يعقوب أذنبت أمه أزيد منه لأنها كانت بانية هذا الفساد وهي أمرت يعقوب بفعل هذه الأمور الخادعة) انتهى. [11] في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا: 15 (ثم قال ليعقوب لعل أنك أخي مجاناً تخدمني ما أجرتك) 16 (فكانت له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل) 17 (وكان بعيني ليا استرخاء وراحيل جميلة الوجه وحسنة المنظر) 18 (فأحب يعقوب راحيل وقال أنا أتعبد لك براحيل ابنتك الصغرى سبع سنين) 19 (فقال له لابان أنت أحق بها من غيرك فأقم عندي) 20 (وتعبد يعقوب براحيل سبع سنين وكانت عنده مثل أيام قليلة لما دخله من محبتها) 21 (فقال للابان أعطني امرأتي لأني قد أكملت الأيام لكي أدخل إليها) 32 (فجمع لابان جمعاً كثيراً من المحبين وصنع عرساً) 23 (ولما كان المساء أدخل ابنته ليا على يعقوب) 34 (وأعطى لابان أمة اسمها زلفا لابنته ودخل عليها يعقوب كالعادة ولما كان الصبح رآها أنها ليا) 25 (فقال للابان ما هذا الذي صنعت بي ألم أتعبد لك براحيل فلم خدعتني) 26 (أجاب لابان ليس في أرضنا عادة أن تزوج الصغرى قبل الكبرى) 27 (فأكمل الأسبوع هذه فأعطيك الأخرى عوضاً عن العمل الذي تعمل لي سبع سنين أخرى) 28 (ففعل يعقوب هكذا وبعد ما دخل الأسبوع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1227 تزوج براحيل) 29 (ودفع لابان إلى ابنته راحيل أمة اسمها بلها) 30 (فدخل على راحيل وأحبها أكثر من ليا وتعبد له وخدمه سبع سنين أخرى) ويرد عليه ثلاثة اعتراضات: (الأول) أن يعقوب عليه السلام كان يقيم في بيت لابان وكان يرى بنتيه ويعرفهما معرفة جيدة، باعتبار وجوههما وأجسامهما وأصواتهما، وكان في ليا علامة بينة هي استرخاء العينين، فالعجب كل العجب أن تكون ليا في فراشه جميع الليل ويراها ويضاجعها ويلمسها ولا يعرفها، إلا أن يقولوا أنه كان سكراناً كلوط عليه السلام، فكما لم يميز لوط عليه السلام فكذا هو. (والثاني) أنه أحب راحيل وخدم لأجلها أباها أولاً سبع سنين، وكانت عنده مثل أيام قليلة لأجل عشقها وفرط محبتها، ثم لما خادع لابان وزوجه بنته الكبرى، خاصمه يعقوب، وأخذ راحيل بخدمة سبع سنين أخرى، وهذه الأمور على زعم المسيحيين لا تناسب رتبة النبوة، وكما خادع أباه خودع من صهره. (والثالث) أنه ما اكتفى على زوجة واحدة، ولا يجوز نكاح امرأتين سيما أختين على زعمهم الفاسد. واعتذر صاحب طريق الأولياء في الصفحة 189 من كتابه هكذا: (الظاهر أن يعقوب إن لم يخادعه لابان لم يتزوج غير راحيل ولا يستدل بها على جواز تعدد الزوجات، لأنه ما كان بحكم الله ولا برضا يعقوب) انتهى. أقول: هذا العذر بارد لا يسمن ولا يغني ولا يحصل النجاة ليعقوب عليه السلام عن الحرمة، لأنه ما كان مكرهاً ومجبوراً على النكاح الثاني، وكان عليه أن يكتفي بزوجة واحدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1228 وأقول: كما قال هذا المعتذر في طعن إبراهيم عليه السلام، أن يعقوب عليه السلام كان يعلم جيداً قول المسيح المكتوب في الإنجيل، أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى الخ. وكذا كان يعلم جيداً قول موسى عليه السلام إن الجمع بين الأختين حرام قطعاً، كما علمت في الباب الثالث. فأحد النكاحين باطل، والامرأة التي كان نكاحها باطلاً يلزم أن يكون أولادها وأولاد أولادها أولاد الزنا، فيلزم على كلا التقديرين كون كثير من الأنبياء الإسرائيلية كذلك والعياذ بالله. فانظروا إلى ديانة المسيحيين إنهم لأجل صيانة أصولهم الفاسدة كيف يتهمون الأنبياء، وينسبون القبائح إليهم. على أن هذا العذر الأعرج، لا يمشي في زلفا، وبلها اللتين تزوجهما يعقوب بإشارة ليا وراحيل كما هو مصرح به في الباب الثلاثين من سفر التكوين، وأولادهما كافة تكون أولاد الزنا على أصولهم. [12] في الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 19 (وقد كان لابان ذهب ليجز غنمه، وراحيل سرقت أصنام أبيها) 20 (فكتم يعقوب عليه السلام أمره عن حميه، ولم يعلمه أنه هارب) 21 (وهرب هو، وجميع ما كان له، وعبر النهر، وتوجه نحو جبل جلعاد) 22 (وبلغ لابان في اليوم الثالث أن يعقوب قد هرب) 23 (فأخذ لابان أخوته، وتبعه مسيرة سبعة أيام ولحقه في جبل جلعاد) 29 (وقال ليعقوب: لماذا فعلت هكذا، وسقت بناتي خفياً عني مثل من قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1229 سبي بالسيف) 30 (والآن قد انطلقت، وإنما حملك على ذلك الشهوة أن تمضي إلى بيت أبيك فلم سرقت آلهتي) 31 (أجاب يعقوب الخ) 32 (وأما ما توبخني به في سرقته فمن وجدت عنده آلهتك يقتل قدام أخوتنا الخ) 33 (فدخل لابان إلى خباء يعقوب وليا والأمتين فلم يجدها، ولما دخل إلى خباء راحيل) 34 (فهي أسرعت، وخبت الأصنام تحت حداجة جمل، وجلست عليه، ففتش لابان الخباء كله، ولم يجد شيئاً) 35 (وقالت لا تؤاخذني يا سيدي إني لا أستطيع النهوض نحوك لأني في علة النساء، وفتش لابان جميع ما في البيت فلم يجد) . فانظروا إلى راحيل كيف سرقت أصنام أبيها، وكيف كذبت، والظاهر أنها سرقت لعباداتها، كما يدل عليه ظاهر عبارة الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين، كما ستعرف في الشاهد الآتي، ولأنها كانت من بيت الوثنيين وأن أباها كان وثنياً يعبد الأصنام، كما دلت عليه الآية الثلاثون، والثانية والثلاثون والظاهر أنها تكون على دين أبيها، فهذه الزوجة المحبوبة ليعقوب عليه السلام كانت سارقة، كاذبة، وعابدة للأصنام. [13] في الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 2 (وقال يعقوب لأهله، وجميع من معه اعزلوا الآلهة الغرباء من بينكم وتطهروا، وأبدلوا ثيابكم) 4 (فدفعوا له جميع الآلهة الغرباء التي كانت في أيديهم والأقرطة التي كانت في آذانهم، فدفنها تحت البطمة التي عند شخيم) . والظاهر من هذه العبارة أن أهل بيت يعقوب عليه السلام، ومن معه إلى هذا الحين كانوا يعبدون الأصنام، وهذا الأمر بالنظر إلى بيته شنيع جداً أما نهاهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1230 قبل هذا عن عبادة الأوثان، وإذا دفعوا إليه جميع الآلهة الغرباء، فالظاهر أن راحيل أيضاً دفعت الآلهة المسروقة أيضاً، فكان على يعقوب عليه السلام أن يرسلها إلى لابان لا أن يدفنها تحت البطمة التي عند شخيم، ويعذر راحيل على سرقتها. [14] في الباب الرابع والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 1 (وخرجت دينا ابنة ليا لتنظر إلى بنات ذلك البلد) 2 (فنظرها شخيم بن حمور الحاوي، رئيس الأرض فأحبها فأخذها وضاجعها وذلها) 3 (وتعلقت نفسه بها، وأحبها وكلمها بما وافقها، ووقع بقلبها) 4 (فقال شخيم لحمور أبيه خذ هذه الجارية لي زوجة) 8 (فكلمهم حمور) الخ 13 (فأجاب بنو يعقوب الخ) 14 (لا نستطيع نصنع ما تطلبان، ولا أن نعطي أختنا لرجل أغلف فإن ذلك عار علينا) 15 (بهذا نشبهكم إذا ما صرتم مثلنا لكي تختنوا كل ذكوركم) 24 (فارتضى جميعهم واختتن كل من كان منهم ذكراً) 25 (فلما كان اليوم الثالث وقد بلغ منهم الوجع جداً، أخذ ابنا يعقوب شمعون ولاوى أخوا دينا، كل واحد منهما سيفه، ودخلا المدينة على طمأنينة، وقتلا كل ذكر) 26 (وحمور، وشخيم ابنه، وأخذا دينا [ص 312] أختهما من بيت شخيم) 27 (وخرجا ودخل بنو يعقوب على القتلى، ونهبوا المدينة التي فضحت فيها دينا أختهم) 28 (وأخذوا غنمهم، وبقرهم، وحميرهم، وكل ما في البيوت، وكل ما في الحقل وسبوا صبيانهم، ونساءهم) . فانظروا إلى عصمة دينا بنت يعقوب أنها زنت، وتعشقت بشخيم كما يدل عليه قوله: ووقع بقلبها. وانظروا إلى ظلم أبناء يعقوب، أنهم قتلوا ذكور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1231 أهل البلدة كلهم، وسبوا نساءهم وصبيانهم، ونهبوا جميع أموالهم. فخطؤهم وظلمهم ظاهر، وخطأ يعقوب عليه السلام أنه لم يمنعهم عن هذه الحركة الشنيعة قبل وقوعها، وما أخذ القصاص منهم، وما رد النساء والصبيان والأموال المسلوبة، وإن كان غير قادر على منعهم، ورد هذه الأشياء، وأخذ القصاص، فكان عليه أن يترك رفاقة هذه الظلمة، على أنه يبعد كل البعد أن يقتل رجلان أهل البلدة كلهم، ولو فرضنا أنهم كانوا في وجع الختان. [15] في الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا: (مضى روبيل، وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل) . فانظروا إلى روبيل الولد الأكبر ليعقوب عليه السلام، أنه زنى بزوجة أبيه، وإلى يعقوب أنه ما أجرى الحد أو التعزيز، لا على ابنه، ولا على هذه الزوجة، والظاهر أن حد الزنا في هذا الوقت كان إحراق الزاني والزانية بالنار، كما يفهم من الآية الرابعة والعشرين من الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين، ودعا على هذا الابن في آخر حياته كما هو مصرح به في الباب التاسع والأربعين من هذا السفر. [16] في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين: 6 (وأن يهوذا زوج ابنه بكره عير امرأة اسمها ثامار) 7 (وكان عبر بكر يهوذا رديئاً بين أيدي الرب فقتله الرب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1232 (وقال يهوذا لابنه أونان: ادخل على امرأة أخيك، وكن معها، وأقم زرعاً لأخيك) 9 (فلما علم أونان أن الخلف لغيره كان إذا دخل إلى امرأة أخيه، يفسد على الأرض لئلا يكون زرعاً لأخيه) 10 (فظهر ذلك منه سوء أمام الرب لفعله ذلك، وقتله الرب) 11 (فقال يهوذا لثامار كنته اجلسي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلا ابني) الخ 13 (فاعلموا ثامار قائلين هو ذا حموك صاعداً إلى تمنت ليجز غنمه) 14 (فطرحت عنها ثامار ثياب الترمل وأخذت رداء وتزينت، وجلست في قارعة الطريق) الخ 15 (فلما رآها يهوذا ظن أنها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها لئلا تعرف) 16 (ودخل عندها وقال لها دعيني أدخل إليك، لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت له: ماذا تعطيني حتى تدخل إليّ) 17 (فقال لها: أنا أرسل لك جدياً ماعزاً من القطان، وهي قالت له: أعطني رهناً حتى ترسله) 18 (فقال يهوذا: أي شيء أعطيك رهناً. فقالت: خاتمك، وعمامتك، وعصاك التي بيدك. فأعطاها لها، ودخل عليها فحبلت منه) 19 (وقامت فمضت، وطرحت عنها لبسها ورداءها، ولبست ثياب ترملها) 24 (فلما كان بعد ثلاثة أشهر أخبروا يهوذا قائلين: زنت ثامار كنتك وهو ذا قد حبلت من الزنا. فقال يهوذا أخرجوها لتحرق) 25 (وإذا هم أخرجوها، أرسلت إلى حميها قائلة: مِنَ الرجل الذي هذه له، حبلت أنا، فاعرف لمن هو الخاتم والعمامة، والعصا) 26 (فعرفها يهوذا، وقال تبررت هي أكثر مني لموضع أني لم أعطها لشيلا ابني، ولكنه لم يعد يعرفها بعد ذلك) 27 (وكان لما دنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1233 وقت الولادة وإذا توأم في بطنها فعند طلقها، الواحد سبق وأخرج يده فأخذت القابلة قرمزاً وربطته في يده قائلة: هذا يخرج أولاً) 29 (فهاضم يده إليه للوقت، وخرج أخوه فقالت: هي لماذا من أجلك انقطع السياح، ولذلك دعت اسمه فارض) 30 (وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدعت اسمه زارح) . ههنا أمور: الأول: أن الرب قتل عير لكونه رديئاً ورداءته لم تبين أكانت هذه الرداءة أشد من رداءة عمه الكبير حيث زنا بزوجة أبيه، ومن رداءة عميه الآخرين شمعون ولاوى حيث قتلا ذكور أهل البلدة كلهم، ومن رداءة أبيه وجميع أعمامه حيث نهبوا أموال تلك البلدة وسبوا نساءها وأطفالها، ومن رداءة أبيه حيث زنى بزوجته بعد موته. أهؤلاء كانوا قابلين للرأفة وعدم القتل وكان عير قابلاً للقتل فقتله الرب. والثاني: العجب أن الرب قتل أونان على خطأ عزل المني، وما قتل أعمامه وأباه على الخطيآت المذكورة. أهذا العزل أشد ذنباً من هذه الخطيآت. والثالث: أن يعقوب لم يجر الحد ولا التعزيز على هذا الولد العزيز ولا على هذه الامرأة الفاجرة، بل لم يثبت من هذا الباب ولا من باب آخر أنه تنغص لأجل هذا الأمر من يهوذا، والباب التاسع والأربعون من سفر التكوين شاهد صدق على عدم تكدره حيث ذم روبيل وشمعون ولاوى على ما صدر عنهم، وما ذم يهوذا على ما صدر عنه، بل سكت عما صدر عنه ومدحه مدحاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1234 بليغاً ودعا له دعاء كاملاً ورجحه على أخوته. والرابع: أن ثامار شهد في حقها يهوذا صهرها بشدة البر، فسبحان الله نعم البار ونعمت البارة الفائقة في البر من الباب المذكور كيف لا تكون بارة شديدة حيث لم تكشف عورتها إلا لأبي زوجها وما زنت إلا بحميها أو حصلت منه بهذا الزنا الواحد ابنين كاملين. والخامس: أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم في أولاد فارض الذي حصل بالزنا كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى. والسادس: أن الله ما قتل فارض وزارح مع كونهما ولدي الزنا، بل أبقاهما كابني لوط اللذين كانا ولدي زنا، وما قتلهما كما قتل ولد داود عليه السلام الذي تولد بزناه بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بزوجة الابن. [17] في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج هكذا: 1 (ورأى الشعب أن موسى قد تأخر أن يهبط من الجبل فاجتمع الشعب إلى هارون وقالوا له قم فاجعل لنا آلهة يسيرون أمامنا من أجل أن موسى هذا الرجل الذي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1235 أصعدنا من أرض مصر لا ندري ماذا أصابه) 2 (فقال لهم هارون: انزعوا قرطة الذهب التي في آذان نسائكم وأبنائكم وبناتكن وائتوني بها) 3 (فنزع الشعب الأقرطة التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون) 4 (فأخذها منهم وصيرها عجلاً سبيكاً وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر) 5 (فلما نظر هارون ذلك بنى مذبحاً أمامه ونادى وقال غداً عيد للرب) 6 (فقاموا بالغداة وقربوا وقوداً وذبائح مسلمة وجلس الشعب يأكلون ويشربون وقاموا يلعبون) . فظهر من هذه العبارة أن هارون صنع عجلاً وبنى مذبحاً أمامه ونادى وقال: غداً عيد للرب. فعبد العجل وأمر بني إسرائيل بعبادته فقربوا وقوداً وذبائح، ولا شك أنه رسول. كتب القسيس اسمت في القسم الأول من كتابه المسمى بتحقيق الدين الحق المطبوع سنة 1842 في الصفحة 42: (كما أنه لم يكن بينهم) أي بين بني إسرائيل (سلطان لم يكن بينهم نبي غير موسى وهارون وسبعين من المعينين) انتهى. ثم قال: (لم يكن غير موسى وهارون ومعينيهما نبياً لهم) انتهى. فظهر أن هارون نبي عند المسيحيين. ولا بد أن يعلم الناظر أني نقلت هاتين العبارتين من النسخة المطبوعة سنة 1842 وكتبت الرد على هذه النسخة، وسميته تقليب المطاعن، ورد صاحب الاستفسار أيضاً على هذه النسخة، وسمعت أن هذا القسيس بعد الرد حرف كتابه فزاد في بعض المواضع ونقص في البعض، وبدل البعض، كما فعل صاحب ميزان الحق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1236 في نسخة الميزان مثله، فلا أعلم أن هذا القسيس ألقى هاتين العبارتين في النسخة الأخيرة المحرفة أم لا، وعبارات العهد العتيق تدل على نبوته أيضاً وكونه متبعاً لشريعة موسى عليه السلام لا ينافي نبوته، كما لا ينافي هذا الأمر نبوة يوشع وداود وأشعيا وأرمياء وحزقيال وغيرهم من الأنبياء الإسرائيلية، الذين كانوا ما بين زمان موسى وعيسى عليهم السلام. في الآية السابعة والعشرين من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: (فقال الرب لهارون اذهب وتلق موسى إلى البرية فمضى وتلقى به إلى جبل الله وقبله) . وفي الباب الثامن عشر من سفر العدد هكذا: 1 (وقال الرب لهارون) الخ 8 (ثم كلم الرب هارون وقال له) الخ 20 (ثم قال الرب لهارون) الخ. وفي هذا الباب من الأول إلى الآخر هو المخاطب حقيقة. وفي الباب الثاني والرابع والرابع عشر والسادس عشر والتاسع عشر توجد هذه العبارة: (وكلم الرب موسى وهارون وقال لهما) في ستة مواضع. وفي الآية الثالثة عشر من الباب السادس من سفر الخروج هكذا: (فكلم الرب موسى وهارون وأوصاهما وأرسلهما إلى بني إسرائيل وإلى فرعون ملك مصر ليخرجا بني إسرائيل من مصر) . فظهر من هذه العبارات أن الله أوحى إلى هارون عليه السلام منفرداً وبشركة موسى عليه السلام، وأرسله إلى بني إسرائيل وفرعون كما أرسل موسى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1237 عليه السلام، ومن طالع كتاب الخروج يظهر له أن المعجزات التي صدرت في مقابلة فرعون، ظهر أكثرها على يد هارون عليه السلام، وكانت مريم أخت موسى وهارون عليهما السلام أيضاً، نبيئة كما هو مصرح به في الآية العشرين من الباب الخامس عشر من سفر الخروج هكذا: (وأخذت مريم النبيئة أخت هارون دفاً في يدها) الخ. والآية السادسة والعشرون من الزبور المائة والخامس هكذا: (أرسل موسى عبده وهارون الذي انتخبه) . والآية السادسة عشر من الزبور المائة والسادس هكذا: (واغضبوا موسى في المعسكر وهارون قديس الرب) . فإنكار صاحب ميزان الحق نبوة هارون في الصفحة 105 من كتابه المسمى بحل الإشكال المطبوع سنة 1847 ليس بشيء. [18] في الباب الثاني من سفر الخروج هكذا: 11 (وفي تلك الأيام لما شب موسى خرج إلى أخوته وأبصر تعبدهم ورأى رجلاً من أهل مصر يضرب رجلاً من أخوته العبرانيين) 12 (فالتفت إلى الجانبين فلم ير أحداً فقتل المصري ودفنه) . فقتل موسى عليه السلام بعصبية قومه المصري. [19] في الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: 10 (فقال موسى أرغب إليك يا رب إني لست برجل فصيح الكلام من أمس ولا من أول منه أيضاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1238 ولا من حين خاطبت عبدك إني ألثغ وثقيل اللسان) 11 (فقال له الرب من الذي خلق فم الإنسان، أو من صنع الأخرس والأصم والبصير والأعمى أليس أنا) 12 (فاذهب وأنا أكون في فيك وأعلمك ما تتكلم) 13 (فأما هو فقال أرغب إليك يا رب أن ترسل من أنت ترسل) 24 (فاشتد غضب الرب على موسى) الخ. فاستعفى موسى عليه السلام عن النبوة، وقد كان الرب وعده وجعله مطمئناً، فاشتد عليه غضب الرب. [20] في الآية التاسعة عشر من الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (فلما دنا من المحلة وأبصر العجل وجوق المغنيين فاشتد غضب موسى ورمى باللوحين من يده فكسرهما في أسفل الجبل) . وهذان اللوحان كانا من عمل الله وخط الله، كما هو مصرح به في هذا الباب، فكسرهما خطأ، ولم يحصل بعد ذلك مثلهما، لأن اللوحين اللذين حصلا بعدهما كانا من عمل موسى ومن خطه، كما هو مصرح به في الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج. [21] الآية الثانية عشر من الباب العشرين من سفر العدد هكذا: (وقال الرب لموسى وهارون من أجل إنكما لم تصدقاني وتقدساني قدام بني إسرائيل، من أجل ذلك لا تدخلان أنتما بهذه الجماعة إلى الأرض التي وهبت لهم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1239 وفي الباب الثاني والثلاثين من سفر الاستثناء هكذا: 48 (وكلم الرب موسى في ذلك اليوم وقال له) 49 (ارق هذا الجبل عبريم وهو جبل المجازاة إلى جبل نابو الذي في أرض مواب تلقاء أريحاء، ثم انظر إلى أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ليرثوها ثم مت في الجبل) 50 (الذي تصعد إليه ويجتمع إلى شعوبك، كما مات أخوك هارون في هور الطور واجتمع إلى شعبه) 51 (على أنكما عصيتماني في بني إسرائيل عند ماء الخصام في قادس برية صين ولم تطهراني في بني إسرائيل) 52 (فإنك ستنظر إلى الأرض التي أنا أعطيها بني إسرائيل من تلقائها، وأما أنت فلا تدخلها) . ففي هاتين العبارتين تصريح بصدور الخطأ عن موسى وهارون عليهما السلام بحيث صارا محرومين عن الدخول في الأرض المقدسة، وقد قال الله زاجراً: إنكما لم تصدقاني وتقدساني وإنكما عصيتماني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1240 [22] زنى شمسون الرسول بامرأة زانية، كانت في غزة، ثم تعشق امرأة اسمها دليلي التي كانت من أهل وادي شوارق، وكان يدخل إليها، فأمرها كفار فلسطين أن تسأله، كيف يقدر الفلسطانيون عليه ويوثقونه، ولا يقدر هو على كثر الوثاق، ووعدوا العطية الجزيلة. فسألته فكذب ثلاث مرات، فقالت له هذه الفاجرة كيف تقول أنك تحبني وقلبك ليس معي وقد كذبتني ثلاث دفعات، وضيقت عليه بكلامها أياماً كثيرة فأطلعها على كل شيء، وقال: إن حلقوا شعر رأسي زالت عني قوتي وصرت كواحد من الناس. فلما رأت أنه قد أظهر ما في قلبه فدعت رؤساء أهل فلسطين، وأنامته على ركبتها، ودعت الحلاق فحلق سبع خصال شعر رأسه. فزالت عنه قوته، فأسروه وقلعوا عينيه وحبسوه في السجن، ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1241 استشهد هناك. وهذه القصة مصرح بها في الباب السادس عشر من سفر القضاة وشمسون نبي وتدل على نبوته الآية 5 و 25 من الباب الثالث عشر. والآية 6 و 19 من الباب الرابع عشر، والآية 14 و 18 و 19 من الباب الخامس عشر من السفر المذكور، والآية الثانية والثلاثون من الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية. [23] في الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الأول في حال داود، لما فر من خوف شاوول ملك إسرائيل، ووصل إلى نوبا عند أخيملك الكاهن هكذا: 1 (وأتى داود إلى نوبا أخيملك الحبر، فتعجب أخيملك من إتيان داود وقال له لماذا جئت وحدك وليس معك أحد) 2 (فقال داود لأخيملك الكاهن إن الملك أمرني بشيء وقال لي لا يعلم أحد بهذا فيما أبعثك وأمرتك، فأما الفتيان فقد فرضت لهم ذلك الموضع وذلك) 3 (والآن إن كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1242 شيء تحت يدك أو خمسة من الخبز فادفع إلي أو مهما وجدت) 6 (وأعطاه الخبز خبز القدس الخ) 8 (وقال داود لإخيملك أهنا تحت يدك سيف أو حربة، لأن سيفي وحربتي لم آخذ معي، لأن كان أمر الملك مسرعاً) . فكذب داود عليه السلام كذباً بعد كذب، وصارت ثمرة هذا الكذب أن شاوول السفاك ملك بني إسرائيل قتل أهل نوبا كلهم، ذكورهم ونساءهم وأطفالهم ودوابهم من البقر والغنم والحمر، وقتل في هذه الحادثة خمسة وثمانون كاهناً، ونجا في هذه الحادثة ابن لإخيملك اسمه ابيثار، وفر ووصل إلى داود عليه السلام. وأقر داود عليه السلام بأني سبب لقتل أهل بيتك كلهم، كما هو مصرح به في الباب الثاني والعشرين من السفر المذكور. [24] في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (قام داود عليه السلام من فراشه بعد الظهر يتمشى على سطح مجلس ملكه، فأبصر امرأة تغتسل على سطحها وكانت جميلة جداً، فأرسل داود عليه السلام وسأل عن الامرأة وقالوا له إنها بنت شباع امرأة أوريا، فأرسل داود رسلاً وأخذها ونام معها، ثم رجعت إلى بيتها فحبلت وأخبرته وقالت إني قد حبلت. فأرسل داود عليه السلام إلى يواب قائلاً له: أرسل إلى أوريا، فأرسل يواب أوريا، وسأل داود عليه السلام أوريا عن سلامة يواب وعن سلامة الشعب وعن الحرب، ثم قال: انزل إلى بيتك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1243 فخرج أوريا فرقد بباب بيت الملك ولم ينحدر إلى بيته، وأخبروا داود عليه السلام، أن أوريا لم ينزل إلى بيته. فقال داود عليه السلام: لماذا لم تنحدر إلى بيتك. فقال أوريا: تابوت الله وإسرائيل ويهوذا في الخيام وسيدي يواب وعبيد سيدي في القفر وأنا أنطلق إلى بيتي وآكل وأشرب وأنام مع امرأتي، لا وحياتك وحياة نفسك أني لا أفعل هذا. وقال داود عليه السلام: أقم اليوم أيضاً ههنا، وإذا كان الغد أرسلك. وبقي أوريا في أورشليم ذلك اليوم، وفي اليوم الآخر داعه داود عليه السلام ليأكل قدامه ويشرب فسكره، وخرج وقت المساء فنام مكانه على جانب عبيد سيده ولم ينحدر إلى بيته، فلما كان الصباح كتب داود عليه السلام صحيفة إلى يواب، وأرسلها بيد أوريا وقال صيروا أوريا في أول الحرب، وإذا اشتبك الحرب ارجعوا واتركوه وحده ليقتل، فلما نزل يواب حول القرية أقام أوريا في المكان الذي يعلم أن الرجال الشجعان هناك، فخرج أهل القرية فقاتلوا يواب فسقط من الشعب قوم من عبيد داود عليه السلام وأوريا فمات، وأرسل يواب إلى داود عليه السلام وأخبره، وسمعت امرأة أوريا أن زوجها قد مات فناحت عليه، فلما انقضت مناحتها، أرسل داود عليه السلام فأدخلها بيته وصارت له امرأة وولدت له ابناً، وساء هذا الفعل الذي فعل داود أمام الرب) انتهى ملخصاً. وفي الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني حكم الرب لداود على لسان ناثان النبي عليهما السلام هكذا: 9 (ولماذا أزريت بوصية الرب وارتكبت القبيح أمام عيني وقتلت أوريا الحيتاني في الحرب وامرأته أخذتها لك امرأة وقتلته بسيف بني عمون) 14 (ولكن لأنك أشمت بك أعداء الرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1244 بهذه الفعلة فالابن الذي ولد لك موتاً يموت) فصدر عن داود ثمانية خطيئات: (الأولى) أنه نظر إلى امرأة أجنبية بنظر الشهوة، وقد قال عيسى عليه السلام أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، كما هو مصرح به في الباب الخامس من إنجيل متى. (والثانية) أنه ما اكتفى على نظر الشهوة، بل طلبها وزنى بها، وحرمة الزنا قطعية، ومن الأحكام العشرة المشهورة. كما قال الله في التوراة لا تزن. (والثالثة) أن هذا الزنا كان بزوجة الجار، وهذا أشد أنواع الزنا، وذنب آخر كما هو مصرح به في الأحكام العشرة المشهورة. (والرابعة) ما أجرى حد الزنا لا على نفسه، ولا على هذه الامرأة. والآية العاشرة من الباب العشرين من سفر الأحبار هكذا: (ومن زنى بامرأة لها رجل فليقتل الزاني، والزانية) . والآية الثانية والعشرون من الباب الثاني والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (إن اضطجع رجل مع امرأة غيره فكلاهما يموتان الزاني والزانية، وارفع الشر من إسرائيل) . (والخامسة) أن داود عليه السلام طلب أوريا من المعسكر، وأمره أن يذهب إلى بيته، وجل غرض داود عليه السلام أن يلقي على عيبه ستراً، ويكون هذا الحبل منسوباً إلى أوريا. ولما لم يذهب لأجل ديانته، وحلف أنه لا يروح، فأقامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1245 داود عليه السلام اليوم الثاني، وجعله سكران يسقي الخمر الكثير ليروح إلى بيته في حالة الخمار، لكنه لم يرح في هذه الحالة أيضاً مراعياً لديانته، ولم يلتفت إلى زوجته الجميلة التي كانت جائزة له شرعاً وعقلاً. فسبحان الله العزيز حال ديانة العوام عند أهل الكتاب في ترك الأمر الجائز لأجل الديانة هكذا، وحال ديانة الأنبياء الإسرائيلية في ارتكاب الفواحش هكذا. (والسادسة) أنه لما لم تحصل ثمرة مقصوده على إسكار أوريا، عزم داود عليه السلام على قتله، فقتله بسيف بني عمون، وفي الآية السابعة من الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج: (لا تقتل البار الزكي) . (والسابعة) أنه لم يتنبه على خطأه، ولم يتب ما لم يعاتبه ناثان النبي عليه السلام. (والثامنة) أنه قد وصل إليه حكم الله بأن هذا الولد الذي تولد بالزنا يموت، ومع هذا دعا لأجل عافيته، وصام وبات على الأرض. [25] في الباب الثالث عشر من سفر صموئيل الثاني، أن حمنون الولد الأكبر لداود زنى بثامار قهراً ثم قال لها أخرجي، ولما امتنعت عن الخروج أمر خادمه فأخرجها، وأغلق الباب خلفها فخرجت صارخة، وسمع داود عليه السلام هذه الأمور، وشقت عليه، لكنه لم يقل لحمنون شيئاً لمحبته له ولا لثامار، وكانت ثامار هذه أختاً لأبي شالوم بن داود عليه السلام يقيناً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1246 ولذلك بغض أبيشالوم حمنون، وعزم على قتله، ولما قدر عليه قتله. [26] في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (فضربوا لأبيشالوم خيمة على السطح، ودخل على سراري أبيه تجاه جميع إسرائيل) ثم حارب أبيشالوم الأب حتى قتل في تلك المحاربة عشرون ألفاً من بني إسرائيل كما هو مصرح به في الباب الثامن عشر، فابن داود عليه السلام هذا فاق روبيل الولد الأكبر ليعقوب عليه السلام بثلاثة أوجه: (الأول) أنه زنى بجميع سراري أبيه بخلاف روبيل فإنه زنى بسرية واحدة. (والثاني) أنه زنى تجاه جميع إسرائيل علانية بخلاف روبيل فإنه زنى خفية. (والثالث) أنه حارب أباه حتى قتل عشرون ألفاً من بني إسرائيل. وداود عليه السلام مع صدور هذه الأمور عن هذا الخلف السوء، كان وصى رؤساء العسكر أن لا يقتله أحد، لكن يواب خالف أمره، وقتل هذا الخلف السوء، ولما سمع داود عليه السلام بكى بكاءً شديداً، وحزن عليه. وأنا لا أتعجب من هذه الأمور لأن أمثالها لو صدرت عن أولاد الأنبياء، بل الأنبياء، ليست عجيبة على حكم كتبهم المقدسة، بل أتعجب ان زناءه بسراري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1247 أبيه كان بعدل الرب، وهو كان هيج هذا الزاني، لأنه كان وعده على لسان ناثان النبي عليه السلام لما زنى داود عليه السلام بامرأة أوريا. في الباب الثاني عشر من السفر المذكور هكذا: 11 (فهذا ما يقول الرب هو ذا أنا مثير عليك شراً من بيتك، وآخذ نساءك عيانك فأعطي صاحبك فينضجع مع نسائك عيان هذه الشمس) 12 (فإنك أنت فعلت هذا خفياً، وأنا أجعل هذا الكلام أمام جميع إسرائيل، ومقابل الشمس) فوفى الله بما وعد. [27] في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول هكذا: 1 (وكان سليمان الملك قد أحب نساء كثيرة غريبة، وابنة فرعون، ونساء من بنات الموابيين، ومن بنات عمون، ومن بنات أدوم، ومن بنات الصيدانيين، ومن بنات الحيثانيين) 2 (من الشعوب الذين قال الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم، ولا يدخلوا إليكم لئلا يميلوا قلوبكم إلى آلهتكم، وهؤلاء التصق بهم سليمان بحب شديد) 3 (وصار له سبعمائة امرأة حرة، وثلثمائة سرية، وأغوت نساءه قلبه) 4 (فلما كان عند كبر سليمان أغوت نساءه إلى آلهة أخر، ولم يكن قلبه سليماً لله ربه مثل قلب داود أبيه) 5 (وتبع سليمان عستروت إله الصيدانيين وملكوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1248 صنم بني عمون) 6 (وارتكب سليمان القبح أمام الرب ولم يتم أن يتبع الرب مثل داود أبيه) 7 (ثم نصب سليمان نصبة لكاموش صنم مواب في الجبل الذي قدام أورشليم، ولملكوم وثن بني عمون) 8 (وكذلك صنع لجميع نسائه الغرباء، وهن يبخرن، ويذبحن لآلهتهن) 9 (فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل الذي ظهر له مرتين) 10 (ونهاه عن هذا الكلام أن لا يتبع آلهة الغرباء، ولم يحفظ ما أمره به الرب) 11 (فقال الرب لسليمان: إنك فعلت هذا الفعل، ولم تحفظ عهدي ووصاياي التي أمرتك بهن، أشق شقاً ملكك، وأصيره إلى عبدك) . فصدر عن سليمان عليه السلام خمس خطيئات: (الأولى) وهي أعظمها أنه ارتد في آخر عمره، الذي هو حين التوجه إلى الله. وجزاء المرتد في الشريعة الموسوية الرجم، ولو كان نبياً ذا معجزات كما هو مصرح به في الباب الثالث عشر، والسابع عشر من سفر الاستثناء، ولا يعلم من موضع من مواضع التوراة، أنه يقبل توبة المرتد، ولو كان توبة المرتد مقبولة، لما أمر موسى عليه السلام بقتل عبدة العجل، حتى قتل ثلاثة وعشرين ألف رجل على خطأ عبادته. (والثانية) أنه بنى المعابد العالية للأصنام في الجبل قدام أورشليم، وهذه المعابد كانت باقية مئتين سنة حتى نجسها، وكسر الأصنام يوسنا بن آمون ملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1249 يهوذا في عهده، بعد موت سليمان عليه السلام بأزيد من ثلثمائة وثلاثين سنة، كما هو مصرح به في الباب الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني. (والثالثة) أنه تزوج نساء من سفر الشعوب، التي كان الله منع من الالتصاق بهم، في الباب السابع من الاستثناء هكذا: (ولا تجعل معهم زيجة فلا تعط ابنتك لابنه، ولا تتخذ ابنته لابنك) . (والرابعة) تزوج ألف امرأة، وقد كانت كثرة الأزواج محرمة على من يكون سلطان بني إسرائيل في الآية السابعة عشر من الباب السابع عشر من سفر الاستثناء هكذا: (ولا تكثر نساؤه لئلا يخدعن نفسه) . (والخامسة) أن نساءه كن يبخرن ويذبحن للأوثان، وقد صرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج: (من يذبح للأوثان فليقتل) . فكان قتلهن واجباً، وأيضاً أنهن أغوين قلبه، فكان رجمهن واجباً على ما هو مصرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، وهو ما أجرى عليهم الحدود إلى آخر حياته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1250 فالعجب أن داود وسليمان عليهما السلام ما أجريا حدود التوراة على أنفسهما، ولا على أهل بيتهما فأية مداهنة أزيد من هذا، أهذه الحدود التي فرضها الله للإجراء على المساكين المفلوكين فقط. ولم تثبت توبة سليمان عليه السلام من موضع من مواضع العهد العتيق، بل الظاهر عدم توبته لأنه لو تاب لهدم المعابد التي بناها، وكسر الأصنام التي وضعها في تلك المعابد، ورجم تلك النساء المغويات. على أن توبته ما كانت نافعة لأن حكم المرتد في التوراة ليس إلا الرجم، وما ادعى صاحب ميزان الحق في الصفحة الخامسة والخمسين من طريق الحياة المطبوعة سنة 1847 من توبة آدم وسليمان عليهما السلام، فادعاء بحت وكذب صرف. [28] قد عرفت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب أن النبي الذي كان في بيت أيل كذب في تبليغ الوحي، وخدع رجل الله المسكين، وألقاه في غضب الرب وأهلكه. [29] في الباب العاشر من سفر صموئيل الأول في حق شاوول ملك إسرائيل السفاك المشهور هكذا: 10 (وأتوا إلى الرابية وإذا صف من الأنبياء استقبله، وحل عليه روح الرب فتنبأ بينهم) 11 (وحينما نظره الذين يعرفونه من أمس، وقبل من الأمس فإذا هو مع الأنبياء متنبي، قال كل امرئ منهم لصاحبه: ما هذا الذي أصاب ابن قيس شاوول في الأنبياء) 12 (فأجاب بعضهم البعض وقالوا: من أبوهم من أجل هذا صار مثلاً هل أيضاً شاوول في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1251 الأنبياء) 13 (وفرغ مما تنبيء فأتى إلى الخضيرة) . والآية السادسة من الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (فاستقام روح الله على شاوول حين سمع هذا القول، واحتمى غضبه جداً) . يعلم من هذه العبارات أن شاوول كان مستفيضاً بروح القدس، وكان يخبر عن الحالات المستقبلة. وفي الباب السادس عشر من السفر المذكور: (وابتعد روح الله من شاوول وصار روح ردي يعذبه بأمر الرب) . ويعلم منه أن هذا النبي سقط عن درجة النبوة فابتعد عنه روح الله، وتسلط عليه روح الشيطان. وفي الباب التاسع عشر من السفر المذكور هكذا: 23 (فانطلق شاوول إلى نويت التي في الرامة، وحلت عليه أيضاً روح الرب، فجعل يسير ويتنبأ حتى انتهى الأمر إلى نويت في الرامة) 24 (وخلع هو ثيابه وتنبا هو أيضاً أمام صموئيل، وسقط عريان نهاره ذلك كله وليلته تلك كلها، فصار مثلاً هل شاوول في الأنبياء) . فحصل لهذا النبي الساقط عن درجة النبوة هذه الدرجة العليا مرة أخرى، ونزل عليه روح القدس نزولاً قوياً، بحيث رمى ثيابه وصار عرياناً، وكان على هذه الحالة يوماً بليلته، فهذا النبي الجامع بين الروح الشيطاني والرحماني، كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1252 مجمع العجاب، فمن شاء فلينظر حال ظلمه وعتوه في السفر المذكور. [30] يهوذا الأسخريوطي كان أحد الحواريين، وكان مستفيضاً بروح القدس، وممتلئاً عنة، صاحب الكرامات، كما هو مصرح به في الباب العاشر من إنجيل متى، وهذا النبي باع دينه بدنياه، وسلم عيسى عليه السلام بأيدي اليهود بطمع ثلاثين درهماً، ثم خنق نفسه ومات، كما هو مصرح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، وشهد يوحنا في حقه في الباب الثاني عشر من إنجيله أنه كان سارقاً، وكان الكيس عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه. أيكون النبي مثل هذا السارق البائع دينه بدنياه. [31] فر الحواريون الذين هم في زعمهم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، في الليلة التي أخذ اليهود فيها عيسى عليه السلام وتركوه في أيدي الأعداء، وهذا ذنب عظيم، وإن قيل أن هذا الأمر إن صدر عنهم لجبنهم، والجبن أمر طبعي. أقول: لو سلم هذا فلاعذر لهم في شيء آخر، هو كان أسهل الأشياء، وهو أن عيسى عليه السلام كان في غاية الاضطراب في هذه الليلة، وقال لهم إن نفسي حزينة جداً، امكثوا ههنا واسهروا معي، ثم تقدم قليلاً للصلاة، ثم جاء إليهم فوجدهم نياماً، فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة، اسهروا وصلوا. فمضى مرة ثانية للصلاة ثم جاء فوجدهم نياماً فتركهم ومضى ثم جاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1253 إلى تلاميذه وقال لهم ناموا واستريحوا. كما هو مصرح به في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى. ولو كان لهم محبة ما لما فعلوا هذا الأمر، ألا ترى أن العصاة من أهل الدنيا إذا كان مقتداهم أو قريب من أقاربهم في غاية الاضطراب، أو المرض الشديد في ليلة، لا ينامون في تلك الليلة ولو كانوا أفسق الناس. [32] أن بطرس الحواري الذي هو رئيس الحواريين، وخليفة عيسى عليه السلام على ادعاء فرقة كاتلك، وإن كان متساوي الأقدام في الأمر المتقدم مع الحواريين الباقين، لكنه حصل له الفضل بأن اليهود لما أخذوا عيسى عليه السلام، تبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة، فجلس خارج الدار فجاءت جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع، ثم رأى أخرى وقالت للذين هناك، هذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً يقسم إني لست أعرف هذا الرجل، وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً أنت أيضاً منهم، فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل. وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام عيسى عليه السلام، إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات كما هو مصرح به في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى. وقد قال المسيح عليه السلام له: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله، لكن تهتم بما للناس، كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من إنجيل متى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1254 وكتب مقدسهم بولس في الباب الثاني من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: 11 (ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية، قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً) 12 (لأنه قبل ما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفاً من الذين هم من أهل الختان) 13 (ورأى معه باقي اليهود أيضاً حتى أن برنابا أيضاً انقاد إلى ريائهم) 14 (لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا) . وكان بطرس يتقدم على الحواريين في القول، لكنه في بعض الأوقات لا يدري ما يقول كما صرح به في الآية الثالثة والثلاثين من الباب التاسع من إنجيل لوقا، وفي الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوعة سنة 1849 في بيروت في الصفحة 60: (أن أحد الآباء يقول إنه كان به شديداً داء التجبر والمخالفة) . يوحنا فم الذهب مقاله 82 و 83 في متى ثم في الصفحة 61: (يقول فم الذهب أنه كان ضعيفاً متخلخل العقل، والقديس اغوستينوس يقول عن بطرس: أنه كان غير ثابت لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً، وتارة يعرف أن المسيح غير مائت، وتارة يخاف أن يموت، وكان المسيح يقول له مرة طوبى لك، وأخرى يقول له يا شيطان) انتهى بلفظه. فهذا الحواري عندهم أفضل من موسى وسائر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1255 الأنبياء الإسرائيلية، فإذا كان حال الأفضل من موسى كما علمت. فماذا يعتقد في حق المفضولين. [33] كان رئيس الكهنة قيافا نبياً بشهادة يوحنا في الآية الحادية والخمسين من الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا، قوله في حق قيافا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1841 وسنة 1844 هكذا: (ولم يقل هذا من نفسه، لكن من أجل أنه كان عظيم الكهنة في تلك السنة، فتنبأ أن يسوع كان مزمعاً أن يموت بدل الأمة) . فقوله تنبأ يدل على نبوته، وهذا النبي أفتى بقتل عيسى عليه السلام، وكفره وأهانه، فلو كانت هذه الأمور بالنبوة والإلهام، فعيسى عليه السلام واجب الرد والعياذ بالله. وإن كانت بإغواء الشيطان، فأي ذنب أكبر من هذه. وأكتفي على هذا القدر وأقول أن الذنوب المذكورة وأمثالها، مصرح بها في كتب العهدين، ولم تقدح هذه الذنوب في نبوة أنبيائهم، أفلا يستحيون أن يعترضوا على (محمد) صلى الله عليه وسلم في أمور خفيفة. وإذا عرفت هذا فالآن أشرع في نقل مطاعنهم والجواب عنها وأقول: (المطعن الأول) مطعن الجهاد ، وهو من أعظم المطاعن في زعمهم، ويقررونه في رسائلهم بتقريرات عجيبة مموهة، منشؤها العناد الصرف، وأنا أمهد قبل تحرير الجواب أموراً خمسة: (الأمر الأول) أن الله يبغض الكفر ويجازي عليه في الآخرة يقيناً، وكذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1256 يبغض العصيان وقد يعاقب الكفار والعصاة في الدنيا أيضاً، فيعاقب الكفار تارة بالإغراق عموماً في عهد نوح عليه السلام، فإنه أهلك كل ذي حياة غير أهل السفينة بالطوفان، وتارة بالإغراق خصوصاً، كما في عهد موسى عليه السلام حيث أغرق فرعون وجنوده، وتارة بالإهلاك مفاجأة، كما أهلك أكبر الأولاد لكل إنسان وبهيمة من أهل مصر في ليلة خرج بنو إسرائيل فيها من مصر، كما هو مصرح به في الباب الثاني عشر من سفر الخروج، وتارة بإمطار الكبريت والنار من السماء، وقلب المدن، كما في عهد لوط عليه السلام، فإنه أهلك سادوم وعمورة ونواحيهما بإمطار الكبريت والنار وقلب المدن، وتارة بإهلاكهم بالأمراض، كما أهلك الأسدوديين بالبواسير، كما هو مصرح به في الباب الخامس من سفر صموئيل الأول، وتارة بإرسال الملك لإهلاكهم، كما فعل بعسكر الآثوريين، حيث أرسل ملكاً، فقتل منهم في ليلة واحدة مائة وخمسة وثمانين ألفاً، كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من سفر الملوك الثاني، وتارة بجهاد الأنبياء ومتبعيهم، كما ستعرف في الأمر الثاني، وكذا يعاقب العصاة أيضاً تارة بالخسف والنار، كما أهلك قورح وداثان وأبيرم وغيرهم لما خالفوا موسى عليه السلام، فانفلقت الأرض وابتلعت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1257 قورح وداثان وأبيرم ونسائهم وأولادهم وأثقالهم، ثم خرجت نار فأكلت مائتين وخمسين رجلاً كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من سفر العدد. وتارة بالإهلاك مفاجأة كما أهلك أربعة عشر ألفاً وسبعمائة لما خالف بنو إسرائيل في غد هلاك قورح وغيره، ولو لم يقم هارون عليه السلام بين الموتى والأحياء، ولم يستغفر للقوم، لهلك الكل بغضب الرب في هذا اليوم، كما هو مصرح به في الباب المذكور. وكما أهلك خمسين ألفاً وسبعين رجلاً من أهل بيت الشمس على أنهم رأوا تابوت الله، كما هو مصرح به في الباب السادس من سفر صموئيل الأول. وتارة بإرسال الحيات المؤذية، كما أن بني إسرائيل لما خالفوا موسى عليه السلام مرة أخرى، أرسل الله عليهم الحيات المؤذية، فجعلت تلدغهم، فمات كثير منهم كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر العدد. وتارة بإرسال الملك كما أهلك سبعين ألفاً في يوم واحد، على أن داود عليه السلام عد بني إسرائيل، كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني. وقد لا يعاقب الكفار والعصاة في الدنيا. ألا ترى أن الحواريين على زعم المسيحيين كانوا أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية، ومن تابوت الله. وأن قاتليهم عند المسيحيين أسوأ من كفار عهد نوح ولوط وموسى عليهم السلام. وقتل نيرو الظالم المشرك، الذي كان ملك ملوك الروم، بطرس الحواري وزوجته وبولس وكثيراً من المسيحيين بأشد أنواع القتل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1258 وكذا أكثر الكفار الحواريين وتابعيهم. وما أهلكهم الله بالإغراق ولا بإمطار الكبريت والنار وقلب المدن، ولا بقتل أكبر أولادهم، ولا بابتلائهم بالأمراض ولا بإرسال الملك، ولا بإرسال الحيات، ولا بوجه آخر. (الأمر الثاني) أن الأنبياء السابقين أيضاً قتلوا الكفار وسبوا نسائهم وذراريهم، ونهبوا أموالهم. ولا تختص هذه الأمور بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. كما لا يخفى على من طالع كتب العهدين. وله شواهد كثيرة أكتفي على إيراد بعضها. 1- في الباب العشرين من كتاب الاستثناء هكذا: 10 (وإذا دنوت من قرية لتقاتلها ادعهم أولاً إلى الصلح) 11 (فإذا قبلت وفتحت لك الأبواب فكل الشعب الذي بها يخلص ويكونون لك عبيداً يعطونك الجزية) 12 (وإن لم ترد تعمل معك عهداً وتبتدئ بالقتال معك فقاتلها أنت) 13 (وإذا سلمها الرب إلهك بيدك اقتل جميع من بها من جنس الذكر بفم السيف) 14 (دون النساء والأطفال والدواب وما كان في القرية غيرهم، واقسم للعسكر الغنيمة بأسرها وكل من سلب أعدائك الذي يعطيك الرب إلهك) 15 (وهكذا فافعل بكل القرى البعيدة منك جداً وليست من هذه القرى التي ستأخذها ميراثاً) 16 (فأما القرى التي تعطى أنت إياها فلا تستحي منها نفساً البتة) 17 (ولكن أهلكهم إهلاكاً كلهم بحد السيف الحيثي والأموري والكنعاني والفرزي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1259 والحوايي واليابوسي كما أوصاك الرب إلهك) . فظهر من هذه العبارة أن الله أمر في حق القبائل الست، أعني الحيثانيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوايين واليابوسيين، أن يقتل بحد السيف كل ذي حياة منهم ذكورهم وإناثهم وأطفالهم. وأمر فيما عداهم، أن يدعوا أولاً إلى الصلح، فإن رضوا به وقبلوا الإطاعة وأداء الجزية فيها، وإن لم يرضوا يحاربوا، فإذا حصل الظفر عليهم، يقتل كل ذكر منهم بالسيف ويسبي نساؤهم وأطفالهم، وينهب دوابهم وأموالهم، وتقسم على المجاهدين، وهكذا يفعل بكل القرى التي هي بعيدة من قرى الأمم الست. وهذه العبارة الواحدة تكفي من جوابهم عن تقريراتهم الواهية، وقد نقلها العلماء الإسلامية سلفاً وخلفاً في مقابلتهم لكنهم يسكتون عنها كأنهم لم يروها في كلام المخالف، ولا يجيبونه عنها لا بالتسليم ولا بالتأويل. 2- في الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج هكذا: 23 (وينطلق ملاكي أمامك فيدخلونك على الأموريين والحيثانيين والفرزانيين والكنعانيين والحوايين واليابوسانيين الذين أنا أخرجهم) 24 (لا تسجدن لآلهتهم ولا تعبدها، ولا تعمل كأعمالهم، ولكن خربهم تخريباُ واكسر أوثانهم) . 3- في الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج في حق الأمم الست هكذا: 12 (فاحذر أن تعاهد البتة سكان تلك الأرض الذين تأتيهم لئلا يكونوا لك عثرة) 13 (ولكن اهدم مذابهحم وكسر أصنامهم واقطع أنساكهم) . 4- في الباب الثالث والثلاثين من سفر العدد: 51 (مر بني إسرائيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1260 وقل لهم إذا عبرتم الأردن وأنتم داخلون أرض كنعان) 25 (فأبيدوا كل سكان تلك الأرض واسحقوا مساجدهم واكسروا أصنامهم المنحوتة جميعها واعقروا مذابحها كلها) 55 (ثم أنتم إن لم تبيدوا سكان الأرض فالذين يبقون منهم يكونون لكم كأوتاد في أعينكم ورماح في أجنابكم ويشقون عليكم في الأرض التي تسكنونها) 56 (وما كنت عزمت أني أفعل بهم سأفعله بكم) . 5 - في الباب السابع من سفر الاستثناء هكذا: 1 (إذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي تدخل لترثها، وتبيد الشعوب الكثيرة من قدامك الحيثي والجرحيثاني والأموراني والكنعاني والفرزاني والحوايي واليوساني، سبعة أمم أكثر منكم عدداً وأشد منكم) 2 (وسلمهم الرب إلهك بيدك فاضربهم حتى إنك لا تبقي منهم بقية، فلا تواثقهم ميثاقاً ولا ترحمهم) 5 (ولكن فافعلوا بهم هكذا خربوا مذابحهم وكسروا أصنامهم وقطعوا مناسكهم وأوقدوا أوثانهم) . فعلم من هذه العبارات أن الله أمر بإهلاك كل ذي حياة من الأمم السبع وعدم الرحمة عليهم، وعدم المعاهدة معهم وتخريب مذابحهم، وكسر أصنامهم، وإحراق أوثانهم، وقطع مناسكهم، وشدد في إهلاكهم تشديداً بليغاً، وقال: إن لم تهلكوهم أفعل بكم ما كنت عزمت أن أفعله بهم. ووقع في حق هذه الأمم السبعة (أنهم أكثر منكم عدداً وأشد منكم) . وقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1261 ثبت في الباب الأول من سفر العدد أن عدد بني إسرائيل الذين كانوا صالحين لمباشرة الحروب، وكانوا أبناء عشرين سنة وما فوقها، كان ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين رجلاً، وأن اللاويين مطلقاً ذكوراً أو إناثاً، وكذا إناث سائر الأسباط الإحدى عشر مطلقاً، وكذا ذكورهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة خارجون عن هذا العدد، ولو أخذنا عدد جميع بني إسرايل، وضممنا المتروكين والمتروكات كلهم بالمعدودين، لا يكون الكل أقل من ألفي ألف وخمسمائة ألف، أعني مليونين ونصف مليون، وهذه الأمم السبعة إذا كانت أكثر منهم عدداً وأشد منهم، فلا بد أن يكون عدد هذه الأمم، أكثر من عددهم. وألف القسيس دقتركيث كتاباً باللسان الإنكليزي، في بيان صدق الإخبارات عن الحوادث المستقبلة المندرجة في كتبهم المقدسة، وترجمه القسيس مريك باللسان الفارسي وسماه كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل. وهذه الترجمة طبعت في أدن برغ سنة 1846 من الميلاد وسنة 1262 من الهجرة. ففي الصفحة 26 من هذه الترجمة: (علم من الكتب القديمة أن البلاد اليهودية كان فيها قبل خمسمائة وخمسين سنة من الهجرة ثمانية كرورات) أي ثمانون مليوناً (من ذي حياة) انتهى. فالغالب أن هذه البلاد في عهد موسى عليه السلام، كانت معمورة مثلها أو أزيد منها، فأمر الله بقتل ثمانين مليونات أو أكثر منها من ذي حياة. 6- في الآية العشرين من الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج هكذا: (من يذبح للأوثان فليقتل) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1262 7- من طالع الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، علم أن الداعي إلى عبادة غير الله، ولو كان نبياً صاحب معجزات، واجب القتل، وكذا الداعي إلى عبادة الأوثان واجب الرجم، وإن كان من الأقارب أو من الأصدقاء. وإن عبدها أهل القرية، يقتل هؤلاء كلهم ودوابهم بحد السلاح وتحرق القرية ومتاعها وأموالها بالنار وتجعل تلاً، ثم لا تبنى. 8- في الباب السابع عشر من سفر الاستثناء هكذا: 2 (إذا وجد عندك جوأة أحد أبوابك التي يعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة، تعمل سيئة قدام الرب إلهك ويعدوا ميثاقه) 3 (ليذهبوا ويعبدوا آلهة أخرى ويسجدوا لها ويسجدوا للشمس والقمر، ولكل أجناد السماء ما لم آمر به أنا) 4 (وأنت أخبرت بذلك وسمعت ذلك، وفحصت عنه بحرص فوجدت أن ذلك حق، وأنها قد صنعت رجاسة فاخرج الرجل الذي فعل الفعل السيء أو الامرأة إلى أبواب قريتك وارجموه بالحجارة) . 9- في الباب الثالث من سفر الخروج هكذا: 21 (وأعطى نعمة لهذا الشعب قدام المصريين وإذا ما أردتم الخروج، فلا تخرجوا فارغين) 22 (بل تسأل الامرأة مِنْ جارتها، ومِن التي هي ساكنة دارها، أواني فضة، وذهب، وثياباً وتضعونها على بنيكم، وبناتكم، وتسلبون مصر) . ثم في الباب الحادي عشر من السفر المذكور قول الله لموسى عليه السلام هكذا: 1 (فتحدث في مسمع الشعب أن يسأل الرجل صاحبه، والمرأة من صاحبتها أواني فضة، وأواني ذهب) 3 (والرب يعطي لشعبه نعمة قدام المصريين) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1263 ثم في الباب الثاني عشر من السفر المذكور هكذا: 35 (وفعل بنو إسرائيل كما أمر موسى، واستعاروا من المصريين أواني فضة، وذهب، وشيئاَ كثيراً من الكسوة) 36 (فأما الرب أوهب نعمة لشعبه أمام المصرين أن يعيروهم واستلبوا المصريين) . فإذا كان عدد بني إسرائيل كما علمت، واستعار رجالهم ونساؤهم من المصريين، يكون ما استعاروه مالاً غير محصور، كما وعد الله أولاً بأنكم تسلبون مصر، ثم أخبر ثانياً واستلبوا المصريين لكنه أجاز لهم السلب بحيلة الاستعارة، التي هي في الظاهر خديعة وغدر. 10- في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج في حال عبادة العجل هكذا: 25 (فنظر موسى عليه السلام الشعب أنه قد صار عرياناً إنما عراه هارون لعار النجاسة، وجعله عرياناً بين الأعداء) 26 (فوقف في باب المحلة، وقال من كان من حزب الرب فليقبل إلي فاجتمع إليه جميع بني لاوى) 27 (وقال لهم هذا ما يقول الرب إله إسرائيل ليتقلد كل رجل منكم سيفه فجوزوا في وسط المحلة من باب إلى باب، وارتدوا وليقتل الرجل منكم أخاه، وصاحبه، وقريبه) 28 (فصنع بنو لاوى كما أمرهم موسى عليه السلام فقتلوا في ذلك اليوم من الشعب نحو ثلاثة وعشرين ألف رجل) . فقتل موسى عليه السلام على عبادة العجل ثلاثة وعشرين ألفاً. واعلم أنه وقع في الترجمة العربية سنة 1831، وسنة 1844، وسنة 1848 التي نقلت عنها هذه العبارة لفظ ثلاثة وعشرين ألف رجل. 11- في الباب الخامس والعشرين من سفر العدد، أن بني إسرائيل لما زنوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1264 ببنات الموات، وسجدوا لآلهتهن، أمر الرب بقتلهم، فقتل موسى أربعة وعشرين ألفاً منهم. 12- من طالع الباب الحادي والثلاثين من سفر العدد، ظهر له أن موسى عليه السلام لما أرسل اثني عشر ألف رجل مع فنيحاس بن العازار لمحاربة أهل مديان، فحاربوا وانتصروا عليهم، وقتلوا كل ذكر منهم، وخمسة ملوكهم وبلعام، وسبوا نسائهم، وأولادهم، ومواشيهم كلها، وأحرقوا القرى والدساكر والمدائن بالنار، فلما رجعوا غضب عليهم موسى عليه السلام، وقال: لِمَ استحييتم النساء، ثم أمر بقتل كل طفل مذكر، وكل امرأة ثيبة، وإبقاء الأبكار، ففعلوا كما أمر، وكانت الغنيمة من الغنم ستمائة وخمسة وسبعين ألفاً، ومن البقر اثنين وسبعين ألفاً، ومن الحمير أحداً وستين ألفاً، ومن الأبكار اثنتين وثلاثين ألفاً، وكان لكل مجاهد ما نهب من غير الدواب، والإنسان، وما بين مقداره في هذا الباب غير أن رؤساء الألوف والمئين، أعطوا الذهب لموسى والعازار ستة عشر ألفاً وسبعمائة وخمسين مثقالاً. وإذا كان عدد النساء الأبكار اثنتين وثلاثين ألفاً، فكم يكون مقدار المقتولين من الذكور مطلقاً، شيوخاً كانوا أو شباناً أو صبياناً، ومن النساء الثيبات. 13- عمل يوشع عليه السلام بعد موت موسى عليه السلام على الأحكام المندرجة في التوراة، فقتل المليونات الكثيرة، ومن شاء فليطالع هذا في كتابه من الباب الأول إلى الباب الحادي عشر، وقد صرح في الباب الثاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1265 عشر من كتابه، أنه قتل إحدى وثلاثين سلطاناً من سلاطين الكفار، وتسلط بنو إسرائيل على مملكتهم. 14- في الباب الخامس عشر من سفر القضاة في حال شمشون هكذا: (ووجد فكاً أعني خد حمار، فمد يده وأخذه، وقتل به ألف رجل) . 15 - في الباب السابع والعشرين من سفر صموئيل الأول: 8 (وصعد داود ورجاله، وكانوا ينهبون أهل جاسور وجرز وعمالق، لأن هؤلاء كانوا سكان الأرض من الدهر من حد سوراً حتى حد مصر) 9 (وكان يخرب داود كل الأرض، ولم يكن يبقى منهم رجلاً، ولا امرأة، ويأخذ الغنم، والبقر، والحمير، والجمال، والأمتعة، وكان يرجع ويأتي إلى أخيس) . انظروا إلى فعل داود عليه السلام أنه كان يخرب الأرض، وما كان يبقي رجلاً، ولا امرأة من أهل جاسور، وجرز، وعمالق، وينهب دوابهم وأمتعتهم. 16- في الباب الثامن من سفر صموئيل الثاني: 2 (وضرب الموابيين ومسحهم بالحبال وأضجعهم على الأرض، ومسح حبلين للقتل وكمل حبلاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1266 واحداً للاستحياء، وكان الموابيون عبيداً لداود يؤدون إليه الخراج) 3 (وضرب داود أيضاً هدر عازار بن راحوب ملك صوبا) الخ 5 (فأتت أرام دمشق ليعينوا هدر عازار ملك صوبا، وضرب داود من أرام اثنين وعشرين ألف رجل) . فانظروا إلى فعل داود عليه السلام بالموابيين، وهدر عازار، وجيشه وجيش أرام. 17- الآية الثامنة عشر من الباب العاشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (وهرب السريانيون من بين يدي إسرائيل، وقتل داود من السريانيين سبعمائة مركب، وأربعين ألف فارس، وسوباك رئيس الجيش ضربه فمات في ذلك المكان) . 18- وفي الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: 29 (فجمع داود جميع الشعب، وسار إلى راية فحارب أهلها، وفتحها) 30 (وأخذ تاج ملكهم عن رأسه وكان وزنه قنطاراً من الذهب، وكان فيه جواهر مرتفعة ووضعوه على داود، وغنيمة القرية أخرجها كثيرة جداً) 31 (والشعب الذي كانوا فيها أخذهم ونشرهم بالمناشير وداسهم بموارج حديد، وقطعهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1267 بالسكاكين وأجازهم بقمين الأجاجر، كذلك صنع بجميع قرى بني عمون، ورجع داود وجميع الشعب إلى أورشليم) . ونقلت هذه العبارة لفظاً لفظاً، عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831، وسنة 1844. فانظروا كيف قتل داود عليه السلام بني عمون قتلاً شنيعاً، وأهلك جميع القرى بمثل هذا العذاب العظيم الذي لا يتصور فوقه. 19- في الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول: أن إيليا عليه السلام ذبح أربعمائة وخمسين رجلاً من الذين يدعون أنهم أنبياء بعل. 20- لما فتح أربعة ملوك سادوم، وعامورة، ونهبوا جميع أموال أهاليهما، وأسروا لوطاً عليه السلام، ونهبوا ماله أيضاً. ووصل هذا الخبر إلى إبراهيم عليه السلام، خرج إبراهيم عليه السلام ليخلص لوطاً عليه السلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1268 ففي بيان هذا الحال في الباب الرابع عشر من سفر التكوين هكذا: 14 (فلما سمع إبرام أن لوطاً ابن أخيه سبي فأحصى غلمانه أولاد بيته ثلثمائة وثمانية عشر، وانطلق في أثرهم حتى أتى دان) 15 (وفرق أرفاقه، ونزل عليهم ليلاً، وضربهم، وطردهم إلى حوبا التي هي من شمال دمشق) 16 (واسترد المقتنى كله، ولوطاً ابن أخيه وماله، والنسوة أيضاً، والشعب) 17 (وخرج ملك سادوم للقائه بعد ما رجع من قتل كدرلغمور، والملوك الذين معه في وداي شوا الذي هو وادي الملك) . 21- في الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية هكذا: 32 (وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت أن أخبرت عن جدعون، وباراق، وشمسون ويفتاح، وداود، وصموئيل، والأنبياء) 33 (الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا براً نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود) 34 (أطفؤا قوة النار نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء) . فظهر من كلام مقدسهم بولس، أن قهر هؤلاء الأنبياء ممالك، وإطفائهم النار ونجاتهم من حد السيف، وهزمهم جيوش الكفار، كان من جنس البر، لا من جنس الإثم. وكان منشؤها قوة الإيمان، ونيل مواد الرحمن، لا قساوة القلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1269 والظلم. وإن كان أفعال بعضهم في صورة أشد أنواع الظلم، سيما في قتل الصغار الذين ما كانوا متدنسين بدنس الذنوب، وقد عد داود عليه السلام جهاداته من الحسنات حيث قال في الزبور الثامن عشر: 20 (ويجازيني الرب مثل بري ومثل طهارة يدي يكافئني) 21 (لأني حفظت طرق الرب، ولم أكفر بإلهي) 22 (لأن جميع أحكامه قدامي، وعدله لم أبعده عني) 23 (وأكون طهارة يدي قدام عينيه) . وقد شهد الله أن جهاداته وسائر أفعاله الحسنة كانت مقبولة عند الله في الآية الثامنة من الباب الرابع عشر من سفر الملوك. الأول قول الله هكذا: (داود عبدي الذي حفظ وصاياي، وتبعني من كل قلبه وعمل بما حسن أمامي) . فما قال صاحب ميزان الحق وغيره من علماء بروتستنت، أن جهادات داود عليه السلام كانت لأجل سلطنته ومملكته، فمنشؤه قلة الديانة، لأن قتل النساء والأطفال وكذا جميع أهل بعض البلاد ما كان ضرورياً لأجل هذا المصلحة، على أنا نقول أنا لو فرضنا أن هذا القتل كان لأجل السلطنة، لكنه لا يخلو إما أن يكون مرضياً لله وحلالاً له، أو يكون مبغوضاً عند الله ومحرماً عليه، فإن كان الأول ثبت مطلوبنا، وإن كان الثاني لزم كذب قوله وقول مقدسهم، وكذب شهادة الله في حقه، ولزوم أن يكون دماء ألوف من المعصومين، وغير واجبي القتل في ذمته. ودم البريء الواحد يكفي للهلاك، فكيف تحصل له النجاة الأخروية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1270 في الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا: (وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه) . وفي الباب الحادي والعشرين من المشاهدات: (وأما الجبانون والكفار والمرذولون والقتلة والزناة والسحرة وعبدة الأوثان، وكل الكذابين يكون نصيبهم في البحيرة الموقدة بالنار والكبريت) . هذا هو الأمر الثاني والعياذ بالله، وحذراً من التطويل أكتفي على هذا القدر. (الأمر الثالث) لا يشترط أن تكون الأحكام العملية الموجودة في الشريعة السابقة، باقية في الشريعة اللاحقة بعينيها، بل لا يشترط أن تكون هذه الأحكام العملية في شريعة واحدة من أولها إلى آخرها، بل يجوز أن تختلف هذه الأحكام بحسب اختلاف المصالح والأزمنة والمكلفين، وقد عرفت هذه الأمور في الباب الثالث بما لا مزيد عليه، فكان الجهاد مشروعاً في الشريعة الموسوية على طريق هو أشنع أنواع الظلم عند منكري النبوة، ولم تبق مشروعيته في الشريعة العيسوية، وما كان بنو إسرائيل مأمورين بالجهاد قبل خروجهم عن مصر، وصاروا مأمورين به بعد خروجهم، وعيسى عليه السلام يقتل الدجال وعسكره بعد نزوله. كما هو مصرح به في الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي، والباب التاسع عشر من المشاهدات. وكذا لا يشترط أن تكون معاملة تنبيه الكفار والعصاة على طريقة واحدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1271 كما علمت في الأمر الأول، فلا يجوز لمن يعتقد النبوة والوحي أن يعترض في مثل هذه الأمور على شريعته، فلا يجوز له أن يقول أن إهلاك كل ذي حياة غير أهل السفينة في طوفان نوح عليه السلام، وإهلاك أهل سادوم وعامورة ونواحيهما في عهد لوط عليه السلام، وإهلاك كل ولد أكبر من أولاد الإنسان والبهيمة من أهل مصر، ليلة خروج بني إسرائيل عنها في عهد موسى عليه السلام، كان ظلماً سيما إهلاك ألوف في حادثة الطوفان، وإهلاك ألوف في الحادثتين الأخيرتين من أولاد الإنسان الصغار، وأولاد البهيمة التي هي ما كانت مدنسة بذنب من الذنوب. وكذا لا يجوز أن يقول أن قتل الأمم السبعة كلها بحيث لا تبقى منهم بقية ما سيما قتل أولادهم الصغار الذين ما كانوا اقترفوا ذنباً ظلم، أو أن يقول أن قتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال من غير الأمم السبعة، أو أن قتل ذكور المديانيين كلهم حتى الطفل الرضيع، وكذا قتل نسائهم الثيبات كلها وإبقاء الأبكار لأجل أنفسهم، ونهب الأموال والدواب ظلم، أو أن يقول أن جهادات داود عليه السلام، وجهادات سائر الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، أو أن ذبح إيليا عليه السلام أربعمائة وخمسين رجلاً من أنبياء بعل، أو أن قتل عيسى عليه السلام بعد نزوله الدجال وعسكره ظلم، لا يجوز العقل أن يفعل الله أو يأمر أحداً بأمثال هذا الظلم، وكذا لا يجوز أن يقول أن قتل الذابح للأوثان، وكذا قتل من يرغب إلى عبادة غير الله، وكذا قتل أهل القرية كلها إذا ثبت منهم الترغيب، وكذا قتل موسى عليه السلام ثلاثة وعشرين ألفاً من عبدة العجل، وكذا قتل موسى عليه السلام أربعة وعشرين ألفاً من الذين زنوا ببنات مواب وسجدوا لآلهتهن ظلم شنيع، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1272 وفي هذه الأحكام إجبار بأن يثبت الإنسان على الشريعة الموسوية لأجل خوف القتل والرجم، وظاهر أن الإيمان القلبي لا يمكن أن يحصل بالإجبار بل يستحيل أن يحصل للإنسان محبة الله أيضاً بالإجبار. فأمثال هذه الأحكام لا تكون من جانب الله، نعم من لا يكون معتقداً بالنبوة والشرائع، ويكون ملحداً وزنديقاً وينكر أمثال هذه الأمور لم تستبعد منه، لكنا لا كلام لنا معه في هذا الكتاب، بل كلامنا فيه مع المسيحيين عموماً وعلماء بروتستنت خصوصاً. (الأمر الرابع) أن علماء بروتستنت يدعون كذباً أن دين الإسلام شاع بالسيف، وهذا الادعاء غير صحيح كما علمت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، وأفعالهم غير أقوالهم، فإنهم وكذا أسلافهم من أهل التثليث إذا تسلطوا تسلطاً تاماً، اجتهدوا في إمحاء المخالفين، وأنا أنقل بعض الحالات من كتبهم ورسائلهم فأنقل حالهم بالنسبة إلى اليهود من كتاب كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل الذي عرفته في بيان الأمر الثاني فأقول: قال صاحبه في الصفحة 27: (القسطنطين الأعظم الذي كان قبل الهجرة بثلثمائة سنة تقريباً أمر بقطع آذان اليهود وإجلائهم إلى أقاليم مختلفة، ثم أمر ملك الملوك الرومي في القرن الخامس من القرون المسيحية، بإخراجهم من البلدة السكندرية التي كانت مأمنهم من مدة، وكانوا يجيئون إليها من كل جانب، فيستريحون فيها. وأمر بهدم كنائسهم ومنع عبادتهم، وعدم قبول شهادتهم وعدم نفاذ الوصية أن أوصى أحد منهم لأحد في ماله، ولما ظهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1273 منهم بغاوة ما لأجل هذه الأحكام نهب جميع أموالهم وقتل كثيراً منهم، وسفك الدماء بظلم ارتعد به جميع يهود هذا الإقليم. ثم قال في الصفحة 28: (أن يهود البلد انطيوح لما أسروا بعد ما صاروا مغلوبين، قطع أعضاء البعض، وقتل البعض، وأجلى الباقين منهم كلهم، وظلم ملك الملوك في جميع مملكته هؤلاء المشاركين بأنواع الظلم، ثم أجلاهم من مملكته آخر الأمر. وهيج ولاة الممالك الأخرى على أن يعاملوا اليهود هذه المعاملة، فكان حالهم أنهم تحملوا الظلم من آسيا إلى أقصى حد أوربا، ثم بعد مدة قليلة كلفوا في مملكة اسبنيول لقبول شرط من الشروط الثلاثة: أن يقبلوا الملة المسيحية فإن أبوا عن قبولها يكونون محبوسين، وإن أبوا عن كليهما يجلون من أوطانهم، وصار مثل هذه المعاملة معهم في ديار فرانس. فهؤلاء المساكين كانوا ينتقلون من إقليم إلى إقليم ولا يحصل لهم موضع القرار، ولم يحصل لهم الأمن في آسيا الكبير أيضاً بل قتلوا في كثير من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1274 الأوقات كما قتلوا في ممالك الفرنج. ثم قال في الصفحة 29: (أن أهل ملة كتلك كانوا يظلمونهم باعتقاد أنهم كفار وعظماء هذه الملة عقدوا مجلساً للمشورة، وأجروا عليهم عدة أحكام: (الأول) : من حمى يهودياً على ضد مسيحي يكون ذا خطأ، ويخرج عن الملة. (والثاني) : أنه لا يعطى يهودي منصباً في دولة من الدول. (والثالث) : لو كان مسيحي عبد يهودي فهو حر. (والرابع) : لا يأكل أحد مع اليهودي، ولا يعامله. (والخامس) : أن ينزع الأولاد منهم وتربى في الملة المسيحية، وهكذا كان أحكام أخر) . أقول لا شك أن الحكم الخامس أشد أنواع الإكراه. ثم قال: (كانت عادة أهل البلدة ثولوس من إقليم فرانس أنهم كانوا يلطمون وجوه اليهود في عيد الفصح، وكان رسم البلدة بزيرس أن أهلها من أول يوم الأحد من أيام العيد إلى يوم العيد، كانوا يرمون اليهود بالحجارة، وكان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1275 يكثر القتل أيضاً في هذا الرمي، وكان حاكم البلدة المسيحي المذهب يهيج أهلها على هذا الفعل. ثم قال في الصفحة 30 و 31: (دبر سلاطين فرانس في حق اليهود أمراً، وهو أنهم كانوا يتركون اليهود إلى أن يصيروا متمولين بالكسب والتجارة، ثم يسلبون أموالهم، وبلغ هذا الظلم لأجل الطمع غايته، ثم لما صار فلب أوك سطس سلطاناً في فرانس، أخذ أولاً الخمس من ديون اليهود التي كانت على المسيحيين، وأبرأ من الباقي ذمة المسيحيين، وما أعطى اليهود حبة، ثم أجلى اليهود كلهم من مملكته، ثم جلس على سرير السلطنة سنط لوئيس وهو يطلب اليهود مرتين في مملكته وأجلاهم مرتين، ثم أجلى جرلس السادس اليهود من مملكة فرانس، وقد ثبت من التواريخ، أن اليهود أجلوا من مملكة فرانسا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1276 سبع مرات، وعدد اليهود الذين أخرجوا من مملكة اسبنيول لو فرض في جانب القلة، لا يكون أقل من ألف وسبعين ألف بيت، وفي مملكة نمسا قتل كثير منهم ونهب كثير منهم ونجا منهم قليل وهم الذين تنصروا، ومات كثير منهم بأن سدوا أولاً أبوابهم، ثم أهلكوا أنفسهم وأولادهم وأزواجهم وأموالهم، إما بالإغراق في البحر أو بالإحراق بالنار، وقتل غير المحصورين منهم في الجهاد المقدس، وكان الإنكليز اتفقوا على أن يظلموا اليهود، فلما حصل اليأس العظيم ليهود البلدة يرك بسبب الظلم، قتل بعضهم بعضاً فقتل ألف وخمسمائة من الرجال والنساء والأطفال، وصاروا أذلاء في هذه المملكة بحيث إذا بغى الأمراء على السلطان قتلوا سبعمائة يهودي ونهبوا أموالهم، لأجل أن يظهروا شوكتهم على الناس، وسلب رجار دوجان وهنري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1277 الثالث من سلاطين إنكلترة مراراً، أموال اليهود ظلماً سيما هنري الثالث، فإنه كانت عادته أنه كان ينهب اليهود بكل طريق على وجه الظلم، وعدم الرحم، وكان جعل أغنيائهم الكبار فقراء وظلمهم بحيث رضوا على الجلاء، واستجازوا أن يخرجوا من مملكته، لكنه ما قبل هذا الأمر منهم أيضاً. ولما جلس ادورد الأول على سرير السلطنة، ختم الأمر بأن نهب أموالهم كلها ثم أجلاهم من مملكته، فأجلى أزيد من خمسة عشر ألف يهودي في غاية العسر) . ثم قال في الصفحة 32: (نقل مسافر اسمه سوتي أنه كان حال قوم برتكال قبل خمسين عاماً، أنهم كانوا يأخذون اليهودي ويحرقونه بالنار، ويجتمع رجالهم ونساؤهم يوم إحراقه كاجتماع يوم العيد، وكانوا يفرحون وكانت النساء يصحن وقت إحراقه لأجل الفرح) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1278 ثم قال في الصفحة 33: (أن البابا الذي هو عظيم فرقة كاتلك قرر عدة قوانين شديدة في حق اليهود) . انتهى كلام كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل. وقال صاحب سير المتقدمين: (أن السلطان السادس من قسطنطين الأول، أمر بمشورة أمرائه في سنة 379 أن يتنصر كل من هو في السلطنة الرومية ويقتل من لم يتنصر) انتهى. وأي إكراه أزيد من هذا. ولطامس نيوتن تفسير على الإخبار عن الحوادث المستقبلة المندرجة في الكتب المقدسة. وطبع هذا التفسير سنة 1803 في البلد لندن. ففي الصفحة 65 من المجلد الثاني في بيان تسلط أهل التثليث على أورشليم هكذا: (فتحوا أورشليم في الخامس عشر من شهور تموز الرومي سنة 1099 بعد ما حاصروا خمس أسبوعات وقتلوا غير المسيحيين، فقتلوا أزيد من سبعين ألفاً من المسلمين وجمعوا اليهود وأحرقوهم ووجدوا في المساجد غنائم عظيمة) انتهى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1279 وإذا عرفت حال ظلمهم في حق اليهود خصوصاً، وفي حق رعية السلطنة عموماً، وما فعلوا عند تسلطهم على أورشليم، فالآن أذكر نبذاً مما فعل كاتلك بالنسبة إلى غيرهم من المسيحيين، وأنقل هذه الحالات عن كتاب الثلاث عشرة رسالة الذي طبع في بيروت سنة 1849، من الميلاد باللسان العربي فأقول: قال في الصفحة 15 و 16: (أما الكنيسة الرومانية فقد استعملت مرات كثيرة الاضطهادات والطرد المزعج ضد البروتستانت، أي الشهود أو بالحري الشهداء، وذلك في ممالك أوربا. ويظن أنها أحرقت في النار أقل ما يكون مائتين وثلاثين ألفاً من الذين آمنوا بيسوع دون البابا، واتخذوا الكتب المقدسة وحدها هدى وإرشاداً لإيمانهم وأعمالهم، وقد قتلت أيضاً منهم ألوف وربوات بحد السيف والحبوس والكلبتين، وهي آلة لتخليع المفاصل بالجذب، وأفظع العذابات المتنوعة. ففي فرنسا قتل في يوم واحد ثلاثون ألف رجل وذلك في اليوم الملقب بيوم ماريرثو لماوس، وعلى هذا الأسلوب أذيالها مختضبة بدماء القديسين) انتهى كلامه بلفظه. وفي الصفحة 338 في الرسالة الثانية عشر من الكتاب المذكور: (يوجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1280 قانون وضع في المجمع الملتم في توليد وفي سبانيا يقول أننا نضع قانوناً: أن كل من يقبل إلى هذه المملكة فيما بعد، لا تأذن له أن يصعد إلى الكرسي إن لم يحلف أولاً أنه لا يترك أحداً غير كاثوليكي يعيش في مملكته، وإن كان بعد ما أخذ الحكم يخالف هذا العهد فليكن محروماً، فدام الإله السرمدي وليصر كالحطب للنار الأبدية) . مجموع المجامع من كارتراوجه 404 (والمجمع اللاتراني يقول أن جميع الملوك والولاة وأرباب السلطنة فليحلفوا أنهم بكل جهدهم وقلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة، ولا يتركون أحداً منهم في نواحيهم، وأن كانوا لا يحفظون هذه اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1281 رأس 3 (وهذا القانون قد ثبت أيضاً في مجمع قسطنطيا) جلسة 45 (ومن رسم البابا مرتينوس الخامس) عن ضلال فيكل. (وفي اليمين التي حلفت بها الأساقفة تحت رياسة البابا بولينوس الثالث سنة 1551 يوجد هذا الكلام: أن الأراتقة وأهل الانشقاق والعصاة على سيدنا البابا وخلفائه هؤلاء بكل قوتي أطردهم وأبيدهم) . والمجمع اللاتراني ومجمع قسطنطيا يقولون: (أن الذي يمسك الأراتقة له إذن وسلطة أن يأخذ منهم كل ما لهم ويستعمله لنفسه من غير مانع) مجمع لا تراني 4 مجلد 2 فصل 1 وجه 152 ومجمع قسطنطيا جلسة 45 مجلد 7 (والبابا اينوشنيسوس الثالث يقول أن هذا القصاص على الأراتقة نحن نأمر به كل الملوك والحكام ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية) رسم 7 كتاب 5. وفي سنة 1724 وضع الملك لويس الحادي عشر ثمانية عشر قانوناً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1282 أولها: أننا نأمر أن الديانة الكاتوليكية وحدها، مأذونة في مملكتنا، وأما الذين يتمسكون بديانة أخرى فليذهبوا إلى الاعتقال طول حياتهم، والنساء فلتقطع شعورهن ويحبسن إلى الموت. وثانيها: أننا نأمر أن جميع الواعظين الذي جمعوا جماعات على غير العقائد الكاتوليكية، والذين علموا أو مارسوا عبادة مخالفة لها يعاقبون بالموت. وفي مخاطبة الأساقفة في سبانيا للملك سنة 1765 يقولون له أعط الرسوم كل قوتها، والديانة كل مجدها، لكن تسبب هذه المقالة منا تجديد قوانين سنة 1724 المذكورة: (وكان من جملة رسوم إنكلترا تحت رياسة البابا أن كل من يقول أنه لا يجوز أن يسجد للايفونات يحبس في السجن الشديد حتى يحلف أنه يسجد لها، والأسقف أو القاضي الكنايسي له سلطان أن يحضر إليه، أو يحبس كل من يقع عليه الشبهة أنه أراتيكي، والأراتيكي العنيد فليحرق بالنار قدام الشعب، وجميع الحكام فليحلفوا أنهم يعينون هذا القاضي على استئصال الأراتقة الذين عندما تظهر أرتقتهم تسلب أموالهم ويسلمون إليه، وتمحى خطاياهم بلهيب النار) . كوك فرائض عدد 3 وجه 40 و 41 وأيضاً عدد 4 وجه 15 (وبارونيوس يقول أن الملك كارلوس الخامس، كان يظن برأيه الباطل، أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1283 يستأصل الأراتقة ليس بالسيف بل بالكلام، وفي فهرس الكتاب المقدس المطبوع في رومية باللاتيني والعربي تحت حرف الهاء يوجد هذا التعليم: أن الأراتقة ينبغي لنا أن نهلكهم ويورد الإثبات على ذلك أن الملك ياهو قتل الكهنة الكذبة وإيليا ذبح كهنة باعل، وغير ذلك. فإذن هكذا ينبغي لأولاد الكنيسة أن يهلكوا الأراتقة) . ثم في الصفحة 347 و 348: (المؤرخ منتوان المتقدم في رياسة الكرمليين مع غيره من المؤرخين، يخبرنا عن كاروز بالإنجيل معتبر يقال له ثوما من رودن، أحرقه البابا بالنار لأنه كرز ضد فسادات الكنيسة الرومانية، والمؤرخون يدعونه قديساً وشهيداً حقيقياً للمسيح) . وفي الصفحة 350 إلى 355: (في سنة 1194 أمر الديفونسو ملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1284 اراغون في إسبانيا بنفي الواضيين من بلاده، لأنهم أراتقة.. وفي سنة 1206 رغماً عن الأمير رايمون وإلى مدينة ثولوس، أرسل البابا قضاة بيت التفتيش إلى تلك المدينة، لأن الأمير المذكور كان قد أبى أن ينفي هؤلاء الواضيين، ثم بعد قليل أرسل ملك فرنسا بطلب البابا إلى تلك المدينة ونواحيها عسكراً، عدده ثلثمائة ألف، فحاصر الأمير رايمون في مدينته لأجل المحاماة عن نفسه، ولكي يدفع القوة بالقوة، فانذبح في ذلك القتال ألف ألف، وانكسر أهل رايمون وأحاط بهم كل صنف من الإهانات والعذابات، وكان البابا في حركة هذه الحروب يقول لقومه: إننا نعظمكم ونحتم عليكم أن تجتهدوا في ملاشاة هذه الأرتقة الخبيثة أرتقة الألبجيين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1285 أي الواضيين وتطردوهم بيد قوية أشد مما يكون ضد الساراجين أي المسلمين.. وفي سنة 1400 في آخر شهر كانون الأول، قام أهل البابا بغتة على الواضيين في أوديابيت مونت بلاد ملك سردينيا، فهربوا من وجوههم بلا قتال، ولكن قتل كثيرون بالسيف وكثيرون ماتوا بالثلج، ثم أن البابا بعد ذلك بسبع وثمانين سنة، كلف البرتوس ارشيديا كونوس في مدينة كريمونا أن يحارب الواضيين في النواحي القبلية من فرنسا، وفي أوديابيت مونت، حيث بقي البعض منهم من الذين رجعوا بعد الحرب في سنة 1400، وهذا الرجل المذكور تقدم حالاً ومعه ثمانية عشر ألف محارب، وأقام تلك الحرب التي استمرت نحو ثلاثين سنة على المسيحيين الذين قالوا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1286 نحن في كل وقت نكرم الملك ونؤدي الجزية، ولكن أرضنا وديانتنا التي ورثناها من الله ومن آبائنا لا نريد أن نتركها، وفي كالابريا من بلاد إيطاليا سنة 1560 قتل ألوف ألوف، من البروتستنتيين، بعضهم قتل من العسكر وبعضهم من محكمة بيت التفتيش. قال أحد المعلمين الرومانيين: إنني أرتعد كلما أفتكر بذلك الجلاد والخنجر الدموي بين أسنانه والمنديل يقطر دماً بيده وهو متلطخ بيديه إلى الأكارع، يسحب واحداً بعد واحد من السجن، كما يفعل الجزار بالغنم.. وفي سنة 1601 نفى دوك السافوي خمسمائة عيلة من الواضيين.. وأيضاً سنة 1655 وسنة 1676 تجددت الاضطهادات عليهم في أوديابيد مونت، لأن الملك لويس الرابع عشر بإشارة من البابا تقدم إليهم بجيشه، وهم في بيوتهم بغاية الطمأنينة، فذبح العسكر خلقاً كثيراً منهم، ووضعوا في الحبس أكثر من عشرة آلاف، فمات كثير منهم من الزحام والجوع، والذين سلموا أخرجوهم لكي ينزحوا من تلك البلاد، وكان ذلك اليوم شديد البرد والأرض مغطاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1287 بالثلج. والجليد، فكان كثير من الأمهات وأولادهن في أحضانهن موتى على جانب الطريق من البرد.. وكارلوس الخامس سنة 1521، أخرج أمراً في طرد البروتستنتيين في بلاد فلامنك عن رأي البابا، وبسبب ذلك قتل خمسمائة ألف نفر.. وبعد كارلوس تولى ابنه فيلبس، ولما ذهب إلى إسبانيا سنة 1559، استخلف الأمير ألفاً على طرد البروتستنتيين، والمذكور في أشهر قليلة قتل على يد الجلاد الملوكي الشرعي ثمانية عشر ألفاً، وبعد ذلك كان يفتخر بأنه قتل في كل المملكة ستة وثلاثين ألفاً، والقتيل الذي يذكره المعلم كين في عيد ماربرثولماس، كان في 24 آب سنة 1572 في وقت السلامة الكاملة وكان (الملك ملك فرنسا قد وعد بأخته لأمير نافار وهو من علماء البروتستنتيين وأشرافهم، ثم اجتمع هو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1288 وأصدقاء أعيان كنيستهم في باريس لأجل استتمام الوعد بالزواج، ولما ضربت النواقيس لأجل الصلاة الصباحية، قاموا بغتة حسب اتفاقهم السابق على الأمير وأصحابه، وعلى جميع البروتستنتيين في باريس، فذبحوا منهم للوقت عشرة آلاف نفر، وهكذا جرى أيضاً في روين وليون وأكثر المدن في تلك البلاد، حتى قال البعض من المؤرخين أنه قتل نحو ستين ألفاً، واستمر هذا الاضطهاد مدة ثلاثين سنة، لأن البروتستنتيين مسكوا سلاحهم لكي يدفعوا القوة بالقوة، ومات في هذا الحرب منهم تسعمائة ألف، ولما سمع في رومية فعل ملك فرنسا في عيد ماربرثولماوس أطلقوا المدافع من الأبراج، وذهب البابا مع الكرديناليين ليرتل مزمور الشكر في كنيسة ماربطرس، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1289 وكتب شكراً وتعظيماً للملك على الخير والجميل الذي صنعه مع الكنيسة الرومانية بهذا العمل، فلما جلس الملك هنري الرابع على كرسي فرنسا قطع هذا الاضطهاد سنة 1593. ولكن يظن أنه قتل لأجل عدم تسليمه بالاغتصاب في أمر الدين. ثم إنه في سنة 1675 تجدد الاضطهاد وبعد ما قتل خلق كثير يقول المؤرخون أن خمسين ألفاً اضطروا أن يتركوا بلادهم لكي ينجوا من الموت) انتهى كلامه، ونقلت عبارة هذا الكتاب بألفاظها من الرسالة الثانية عشر. وإذا عرفت حال ظلم فرقة كاتلك، فاعلم أن حال ظلم فرقة بروتستنت قريب منه، وأنقل هذا الحال عن كتاب مرآة الصدق الذي ترجمه القسيس طامس انكلس من علماء كاتلك، من اللسان الإنكليزي إلى أردو، وطبع سنة 1851 من الميلاد. ويوجد هذا الكتاب عند أهل هذه الفرقة في الهند كثيراً. في الصفحة 41 و 42: (سلب بروتستنت في ابتداء أمرهم ستمائة وخمسة وأربعين رباطاً، وتسعين مدرسة، وألفين وثلثمائة وستة وسبعين كنيسة، ومائة وعشر مارستانات من ملاكها، فباعوا بثمن بخس وقاسمها الأمراء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1290 فيما بينهم، وأخرجوا ألوفاً من المساكين المفلوكين عريانين من هذه الأمكنة) . ثم قال في الصفحة 54: (امتد طمعهم أنهم ما تركوا الأموات أيضاً آذوا أجسادهم في نوم العدم وسلبوا أكفانهم) . ثم قال في الصفحة 48 و 49: (وضاعت في هذه الغنائم كتبخانات ذكرها جيء بيل متحسراً بهذه الألفاظ: إنهم سلبوا كتباً واستعملوا أوراقها في الشواء، وفي تطهير الشمعدانات والنعال، وباعوا بعض الكتب على العطارين وباعة الصابون، وباعوا كثيراً منها ما وراء البحر على أيدي المجلدين، وما كانت هذه الكتب مائة أو خمسين، بل المراكب كانت مملوءة منها، وأضاعوها بحيث تعجب الأقوام الأجنبية، وإني أعلم تاجر اشترى كتبخانتين كلا منهما بعشرين ربية. وبعد هذه المظالم ما تركوا من خزائن الكنائس إلا جداراً عريانة، ثم ظنوا أنفسهم من أهل الوقار وملؤوا الكنائس من أناس من أهل ملتهم) . ثم قال في الصفحة الثانية والخمسين إلى الصفحة السادسة والخمسين: (فلنلاحظ الآن أفعال الجور التي فعلها بروتستنت في حق فرقة كاتلك إلى هذا الحين، أنهم قرروا أزيد من مائة قانون كلها خلاف العدل والرحمة، لأجل الظلم، ونحن نذكر عدة من هذه القوانين الجورية: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1291 [1] لا يرث كاتلك تركة أبويه. [2] لا يشتري واحد منهم أرضاً بعد ما يجاوز عمره ثماني عشر سنة إلا أن يصير بروتستنت. [3] لا يكون لهم مكتب. [4] لا يشتغل أحد منهم بالتعليم ومن خالف هذا الحكم يحبس دائماً. [5] من كان من هذه الملة يؤدي ضعف الخراج. [6] إن صلى أحد من قسوسهم فعليه أداء ثلثمائة وثلاثين ربية من ماله، وإن صلى أحد منهم ولا يكون قسيساً فعليه أداء ربية ويسجن سنة. [7] إن أرسل أحد منهم ولده خارج إنكلترا للتعليم، يقتل هو وولده ويسلب أمواله ومواشيه كلها. [8] لا يعطى لهم منصب من الدولة. [9] من لم يحضر منهم يوم الأحد أو العيد في كنيسة بروتستنت، تؤخذ منه مائتا ربية في كل شهر، ويكون خارجاً عن الجماعة، ولا يعطى له منصب. [10] من ذهب منهم بعيداً من لندن مسافة خمسة أميال، يؤخذ منه ألف ربية مصادرة. [11] لا يسمع استغاثة أحد منهم عند الحكام بحسب القانون. [12] ما كان أحد منهم يسافر أزيد من خمسة أميال، مخافة أن ينهب ماله ومتاعه، وكذا ما كان أحد منهم يقدر على الاستغاثة في أمر عند الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1292 الحكام، مخافة أن يؤخذ منه ألف ربية مصادرة. [13] لا تنفذ أنكحتهم ولا تجهيز موتاهم ولا تكفين الموتى ولا تعميد أولادهم، إلا إذا كانت هذه الأمور على طريقة كنيسة إنكلترا. [14] إن تزوجت إحدى نساء هذه الملة، تأخذ الدولة من جهازها ثلثين، ولا ترث من تركة زوجها، ولا يوصي زوجها لها من تركته بشيء، ونساؤهم كن يحبسن إلى أن يعطي أزواجهن عشر ربيات في كل شهر أو يعطوا ثلث أراضيهم إلى الدولة. [15] ثم صدر الحكم عاقبة الأمر إن لم يصر كلهم بروتستنت يسجنون ثم يجلون من أوطانهم مدة حياتهم، وإن أبوا عن الحكم أو رجعوا من الجلاء بدون الأمر كانوا ملزمين بإلزام عظيم. [16] لا يحضر القسيس عند قتلهم ولا عند تجهيزهم وتكفينهم. [17] لا يكون السلاح في بيت أحد منهم. [18] لا يركب أحد منهم على حصان يكون ثمنه أزيد من خمسين ربية. [19] إن أدى قسيس منهم أمراً من الخدمات المتعلقة به يسجن دائماً. [20] القسيس الذي يكون مولده إنكلترا، ولا يكون من ملة بروتستنت، إن أقام أزيد من ثلاثة أيام في إنكلترا يتصور أنه غدار ويقتل. [21] من أنزل القسيس المذكور على مكانه يقتل. [22] لا تقبل شهادة كاتلك في العدالة.. وقتل على هذه القوانين الجورية في عهد الملكة اليصابت مائتان وأربعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1293 أشخاص. كان مائة وأربعة منهم قسيسين والباقون من أهل الغنى، وما كان ذنبهم غير أنهم أقروا أنهم من ملة كاتلك، ومات تسعون قسيساً وكبار آخرون في السجن، وأجلى مائة وخمسة أشخاص مدة حياتهم، وضرب كثيراً منهم بالسياط وصودروا وحرموا من أموالهم، حتى هلك عشيرتهم، وقتلت ميري المشهورة ملكة أسكات، وكانت بنت الخالة للملكة اليصابت، لأجل كونها من ملة كاتلك) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1294 ثم قال في الصفحة الحادية والستين إلى السادسة والستين: (حمل كثير من رهبانهم وعلمائهم بأمر الملكة اليصابت في المراكب، ثم أغرقوا في البحر. جاء عساكرها إلى إيرلاند ليدخلوا أهل ملة كاتلك في ملة بروتستنت، فأحرقوا كنائس كاتلك وقتلوا علماءهم، وكان يصطادونهم كاصطياد الوحوش البرية، وكانوا لا يؤمنون أحداً وإن أمنوا أحد قتلوه أيضاً بعد الأمان، وذبحوا العسكر الذي كان في حصن سمروك وأحرقوا القرى والبلاد، وأفسدوا الحبوب والمواشي وأجلوا أهلها بلا امتياز المنزلة والعمر. ثم أرسل بارلمنت سنة 1643 وسنة 1644 الباشوات ليسلبوا جميع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1295 أموال كاتلك وأراضيهم بلا امتياز بينهم، وبقي أنواع الظلم إلى زمن الملك جيمس الأول وحصل التخفيف في الظلم في عهده ثم رحمهم الملك سنة 1778، لكن البروتستنتيين سخطوا عليه وقدموا عرضحال إلى السلطان من جانب أربعة وأربعين ألفاً من فرقة بروتستنت في ثاني حزيران سنة 1780، واستدعوا أن يبقى بارلمنت القوانين الجورية في حق ملة كاتلك كما كانت. لكن بارلمنت ما التفتوا إليه فاجتمع مائة ألف من بروتستنت في لندن وأحرقوا الكنائس وهدموا أمكنة كاتلك. وكان الحريق يرى من موضع واحد في ستة وثلاثين مكاناً، وكانت هذه الفتنة قائمة إلى ستة أيام، ثم أوجد الملك قانوناً آخر سنة 1791 وأعطى ملة كاتلك حقوقاً هي حاصلة لهم إلى هذا الحين. ثم قال في الصفحة 73 و 74: (ما سمعتم حال جارتراسكول الذي هو في ايرلاند هذا الأمر محقق، أن بروتستنت يجمعون في كل سنة مقدار مائتي ألف وخمسين ألف ربية، وكراء أكثر المكانات الكبيرة، ويشترون بها أولاد فرقة كاتلك الذين هم من المساكين المفلوكين. ويرسلوا بهم في العربيات إلى إقليم آخر بالخفية، لئلا يرى آباؤهم وأمهاتهم، ويقع كثيراً أن هؤلاء الأشقياء إذا رجعوا إلى أوطانهم، تزوجوا بأخواتهم أو إخوتهم أو آبائهم أو أمهاتهم للجهل وعدم الامتياز) انتهى كلامه. والظلم الذي صدر عن بعض فرق بروتستنت بالنسبة إلى بعض آخر، لا أنقله حذراً من التطويل، وأكتفي على هذا القدر، وأقول: انظروا إلى هؤلاء الطاعنين على الملة المحمدية إنهم كيف أشاعوا ملتهم بالجور والظلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1296 (الأمر الخامس) أن حكم الجهاد في الشريعة المحمدية هكذا يدعى الكفار أولاً بالموعظة الحسنة إلى الإسلام، فإن قبلوه فبها ويكونون كأمثالنا، وإن لم يقبلوا فإن كانوا من مشركي العرب فحكمهم القتل، كما كان هذا الحكم في الشريعة الموسوية في حق الأمم السبعة والمرتد والذابح للأوثان والداعي إلى عبادتها، وإن كانوا من غيرهم يدعون إلى الصلح بقبول الجزية والإطاعة، فإن قبلوا صارت دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا، وإن لم يقبلوا فيحاربون، مع مراعاة الشروط التي هي مصرح بها في كتب الفقه. كما كان مثله في الشريعة الموسوية في حق غير الأمم السبعة. والخرافات الني نقلها علماء بروتستنت في بيان هذه المسألة بعضها مفتريات وبعضها هذيانات. وأنقل كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى رئيس عسكر فارس وكتاب الأمان من عمر رضي الله عنه لنصارى الشام ليظهر الحال على الناظر اللبيب. أما الأول فصورته هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم من خالد ابن الوليد إلى رستم ومهران في ملأ فارس. سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإنا ندعوكم إلى الإسلام فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله، كما يحب فارس الخمر. والسلام على من اتبع الهدى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1297 وأما الثاني فصورته هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أماناً لأنفسهم وكنائسهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1298 وصلبانهم سقيمها وبرها وسائر ملتها، أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من صلبانهم ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن إيلياء أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وعلى صليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء رجع إلى أرضه وأنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد على ذلك من الصحابة رضي الله عنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1299 ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه) وكل الناس يعترفون أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان شديداً في الإسلام في غاية الشدة، وكان جهاد الشام من أعظم جهاداته وكان جاء بنفسه الشريف عند محاصرة إيلياء، ولما تسلط على إيلياء وقبل المسيحيون الجزية ما قتل أحداً ولا أكره على الإيمان وأعطاهم شروطاً حسنة، وقد اعترف به مؤرخوهم ومفسروهم أيضاً، كما عرفت من كلام طامس نيوتن في الفصل الثالث من الباب الأول، وقد عرفت في الأمر الرابع من هذا المبحث من كلام المفسر المذكور ما فعل المسيحيون في حق المسلمين واليهود إذ تسلطوا على إيلياء. والفرق بين الشريعة المحمدية والموسوية في مسألة الجهاد أن الشريعة المحمدية أن يدعى الكافر فيها: أولاً: بالموعظة الحسنة إلى الإسلام بخلاف الشريعة الموسوية وظاهر أنه لا قبح في هذه الدعوة، والامتناع بعد الإيمان عن القتل عين الإنصاف.. في الآية الحادية عشر من الباب الثالث والثلاثين من كتاب حزقيال: (يقول الرب الإله لست أريد موت المنافق بل أن يتوت المنافق من طريقه) . والآية السابعة من الباب الخامس والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1300 (فليترك المنافق طريقه ورجل السوء أفكاره، وليرجع إلى الرب فيرحمه وإلى آلهنا لأنه كثير الغفران) . والثاني: أنه كان حكم قتل النساء والصبيان إذا كانوا من الأمم السبعة في الشريعة الموسوية، بخلاف الشريعة المحمدية، فإن هؤلاء لا يقتلون وإن كانوا من مشركي العرب، كما كانوا لا يقتلون في الشريعة الموسوية أيضاً إذا كانوا من غير الأقوام السبعة. فإذا تمهدت هذه الأمور الخمسة أقول لا شناعة في مسألة الجهاد الإسلامي نقلاً وعقلاً. أما نقلاً فلما عرفته في الأمور المذكورة وأما عقلاً فلأنه قد ثبت بالبرهان الصحيح أن إصلاح القوة النظرية مقدم على إصلاح القوة العملية فإصلاح العقائد مقدم على إصلاح الأعمال، وهذه مقدمة مسلمة عند كافة الملبين، ولذلك لا تفيد الأعمال الصالحة بدون الإيمان عندهم. ولا يعاندنا المسيحيون أيضاً في هذا الباب لأن الأعمال الصالحة بدون الإيمان بالمسيح لا تنجي عندهم أيضاً. وأن الجواد الحليم المتواضع الكافر بعيسى عليه السلام أشر عندهم من البخيل الغضوب المتكبر المؤمن بعيسى عليه السلام. وكذا قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن الإنسان قد تنبه على خطأه وقبحه بتنبيه الغير، وكذا قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن الإنسان لا يطيع الحق غالباً لأجل وجاهة قومه وشوكتهم، ولا يصغي إلى قول رجل من صنف آخر بل يأنف من سماع كلامه، سيما إذا كان هذا القول مخالفاً لطبائع صنفه وأصولهم، ويكون في قبوله لزوم المشقة في أداء العبادات البدنية والمالية بخلاف ما إذا انكسرت وجاهة قومه وشوكتهم فلا يأنف من الإصغاء،. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1301 وكذا قد ثبت بالتجربة أن العدو إذا رأى أن مخالفه مائل إلى الدعة والسكون يطمع في التسلط على مملكته، وهذا هو السبب الأغلبي في زوال الدول القديمة وبعد تسلطه تحصل المضرة العظيمة للدين والديانة ولذلك أضطر المسيحيون كافة إلى ما يخالف إنجيلهم المتداول: فقال أهل ملة كاتلك: أن الكنيسة الرومانية لها سلطان حقيقي على كل مسيحي بواسطة العماد، لكون كل معتمد خاضعاً للكنيسة الرومانية ومرؤوساً منها وهي ملتزمة بقصاص العصاة بالعقوبات الكنائسية، وبأن تسلم المصرين على ضلالهم والمضرين للجمهور، إلى ذوي الولاية ليعاقبوهم بالموت، وبالتالي يمكنها إلزامهم بحفظ الإيمان الكاتلكي والشرائع الكنائسية تحت أي قصاص كان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1302 وقد نقل قولهم هذا إسحاق برد كان من علماء بروتستنت، في كتابه المسمى بكتاب الثلاث عشرة رسالة في الرسالة الثانية عشر في الصفحة 360 من النسخة المطبوعة سنة 1849 في بيروت. وقال علماء بروتستنت من أهل إنكلترا سعادة الملك له الحكم الأعلى في مملكة إنكلترا هذه وفي ولاياته الأخر، وله السلطنة الأولى على جميع متعلقات هذه المملكة سواء كانت كنائسية أو مدنية في كل حال، وما هي خاضعة بل لا يصح أن تخضع لحاكم أجنبي، ويجوز للمسيحيين أن يتقلدوا السلاح بأمر الحكام ويباشروا الحروب. كما هو مصرح به في العقيدة السابعة والثلاثين من عقائد دينهم، فترك كلا الفريقين ظاهر أقوال عيسى عليه السلام أعني (لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين من سألك فأعطه) . فإن هذه الأقوال تخالف ما مهدوه ولو عملوا على هذه الأقوال لا أقوال أزيد من هذا، إن سلطنة الإنكليز تزول من الهند في أيام معدودة ويخرجهم أهل الهند بلا كلفة. ولذلك قال بعض الظرفاء الأذكياء أطال الله حياته قادحاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1303 على هذه الأقوال إلزاماً: (تكليف للإنسان بما ليس في وسعه، ولا يمكن لدولة ما أن تعمل به، ولا يمكن إلزام أحد به إلا بعض الصيادين الذين لا رداء لهم فيؤخذ منهم ولا يعبؤون بإضاعة الوقت) انتهى كلامه. ثم قال: (وذلك كله غير مذكور في مرقص ويوحنا مع أن النصارى كافة على إلقائهم العمل بهذه الأحكام ما زالوا يحتجون بها وبها يستدلون على أفضلية مذهبهم، فكيف ساغ إذا لمرقس ويوحنا أن يهملا ذلك ويتواطآ معاً على قصة حل الجحش. فهل من دأب المؤرخين أن يذكروا الخسيس من الأمور ويسكتوا عن الجليل، ولا سيما أنهم هم المخاطبون به ويمكن أن يقال أن من ذكره فإنما نظر إلى تكليف غيره، ومن سكت عنه فإنما خشي تكليف نفسه) انتهى كلامه بلفظه. وقال بعض الملاحدة: إن هذه الأحكام التي يفخر بها المسيحيون لا تخلوا إما أن تكون مستحبة نظراً إلى بعض الحالات أو واجبة. فإن كانت مستحبة فلا بأس بها. لكنها لا تختص بالملة المسيحية فإن هذا الاستحباب نظراً إلى بعض الحالات يوجد في غير ملتهم أيضاً، وإن كانت واجبة فلا شك أنها منابع المفاسد والشرور وأسباب زوال الدول والراحة والاطمئنان والسرور وإذ ثبت ما ذكرت فلا شك في استحسان الجهاد عقلاً إذا كان جامعاً للشروط المذكورة في الشريعة المحمدية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1304 وتذكرت حكاية مناسبة للمقام: جاء بعض القسيسين في محكمة المفتي من محكمات الدولة الإنكليزية في الهند فقال: يا جناب المفتي لي سؤال على المسلمين أمهل المجيب إلى سنة لأداء جوابه. فأشار المفتي إلى ناظر المحكمة وكان رجلاً ظريفاً فقال: أي سؤال هذا قال القسيس: إن نبيكم ادعى أنه مأمور بالجهاد وما كان موسى مأمور به ولا عيسى. فقال الناظر: [ص 359] أهذا هو السؤال الذي تمهلنا إلى سنة لنتفكر في جوابه. قال القسيس: نعم. قال الناظر: لا نستمهلك، وأجيبك الآن لسببين: أما أولاً فلأنا متعلقون بالدولة الإنكليزية ولا فرصة لنا إلا في أيام التعطيل فمن يمهلنا إلى سنة. وأما ثانياً فلأن هذا السؤال لا يحتاج في جوابه إلى تأمل.. ماذا تقول في حق لجج (يعني الحاكم الإنكليزي الذي يكون بمنزلة القاضي في الشرع) أيجوز له بحسب القوانين الإنكليزية أن يقتل القاتل قصاصاً إذا ثبت القتل عليه عنده، قال القسيس: لا، لأنه ليس بمأمور بهذا، بل منصبه أن يرسل هذا القاتل إلى شيشن جج (يعني الحاكم الكبير منه) . قال: أيجوز لهذا الحاكم الكبير بحسب القوانين أن يقتله إذا ثبت القتل عنده. قال القسيس: لا، لأنه ليس بمأمور أيضاً، بل منصبه أن يحقق الأمر ثانياً ويخبر الحاكم الذي هو أعلى منه حتى يصدر حكم القتل عن هذا الأعلى ثم يحكم هذا الكبير بقتله. فقال الناظر: أهؤلاء الحكام الثلاثة ليسوا بمتعلقين بالدولة الواحدة الإنكليزية. قال القسيس: بلى لكن اختلاف الاقتدار لأجل مناصبهم. فقال الناظر: الآن ظهر الجواب من كلامك، فلا بد أن تعلم أن موسى وعيسى عليهما السلام بمنزلة الحاكمين الأولين ونبينا بمنزلة الحاكم الثالث الأعلى، فكما لا يلزم من عدم اقتدار الحاكمين الأولين عدم اقتدار الثالث فكذا لا يلزم من عدم اقتدار موسى وعيسى عليه السلام عدم اقتدار محمد صلى الله عليه وسلم. فسكت القسيس وخرج خائباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1305 فمن نظر إلى ما ذكرت بنظر الإنصاف، وتجنب عن العناد والاعتساف، علم يقيناً أن التشدد في مسألة الجهاد، وقتل المرتد والمرغب إلى عبادة الأوثان في الشريعة الموسوية، أشد وأكثر من التشدد الذي فيها في الشريعة المحمدية، وأن طعن المسيحيين خلاف الإنصاف جداً، وأتعجب من حالهم أنهم لا ينظرون إلى أن أسلافهم كيف أشاعوا ملتهم بالظلم وكيف قرروا القوانين الجورية لمخالفيهم. ولما طال هذا البحث لا أتعرض لهوساتهم المندرجة في رسائلهم. وفيما ذكرت كفاية لذفع هذه الهوسات وبالله التوفيق. (المطعن الثاني) عدم ظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم من شروط النبوة ظهور المعجزات على يد من يدعيها وما ظهرت معجزة على يد محمد صلى الله عليه وسلم. كما يدل عليه ما وقع في سورة الأنعام: {ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق، وهو خير الفاصلين} . وكذا ما وقع في تلك السورة: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، قل إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) . وكذا ما وقع في سورة بني إسرائيل: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، أو تأتي بالله، والملائكة قبيلاً، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً} . وكذا بعض الآيات الأخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1306 (والجواب) أن الأمور الثلاثة التي ذكرها السائل تغليطات. أما الأول: فلأن صدور المعجزة ليس من شروط النبوة على حكم هذا الإنجيل المتعارف، فعدم صدورها لا يدل على عدم النبوة.. في الآية الحادية والأربعين من الباب العاشر من إنجيل يوحنا هكذا: (فأتى إليه كثيرون، وقالوا إن يوحنا لم يفعل آية واحدة) .. وفي الآية السابعة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا: (يوحنا عند الجميع نبي) .. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1835 (كلهم يحسبون يحيى نبياً) . وقد وقع في الباب الحادي عشر من إنجيل متى قول عيسى عليه السلام في حقه: (إنه أفضل من نبي) . فهذا الأفضل من الأنبياء لم تصدر عنه معجزة من المعجزات على شهادة كثيرين مع أن نبوته مسلمة عند المسيحيين. وأما الأمر الثاني: فغلط بحت كما عرفت في الفصل الأول. والأمر الثالث: إما غلط منهم أو تغليط. لأن المراد بما في قوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1307 تعالى ما تستعجلون به الواقع في الآية الأولى، العذاب الذي استعجلوه بقولهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب أليم} ، ومعنى الآية {ما عندي ما تستعجلون به} أي العذاب الذي تستعجلون به {إن الحكم إلا لله} في تعجيل العذاب، وتأخيره {يقص الحق} أي يقضي القضاء الحق من تعجيل وتأخير، {وهو خير الفاصلين} أي القاضين. فحاصل الآية أن العذاب ينزل عليكم في الوقت الذي أراد الله إنزاله، ولا قدرة لي على تقدمه، أو تأخيره. وقد نزل عليهم يوم بدر وما بعده فلا تدل هذه الآية على أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم تصدر عنه معجزة. وأما الآية الثانية فمعناها {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} مصدر في موضع الحال {لئن جاءتهم آية} من مقترحاتهم {ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله} هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء {وما يشعركم} استفهام إنكار {أنها} أي الآية المقترحة {إذا جاءت لا يؤمنون} أي لا تدرون أنهم لا يؤمنون بها، وهذا القول يدل على أنه تعالى إنما لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون. وأما الآية الثالثة فمعناها {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض} أي أرض مكة {ينبوعاً} أي عيناً غزيرة لا ينضب ماؤها {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً} يعنون قوله تعالى: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء} ، {أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً} أي شاهداً على صحة ما تدعيه ضامناً لدركه {أو يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1308 لك بيت من زخرف} أي من ذهب {أو ترقى في السماء} أي في معارجها {ولن نؤمن لرقيك} وحده {حتى تنزل علينا كتاباً} من السماء فيه تصديقك. عن ابن عباس: قال عبد الله بن أبي أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلماً، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول {نقرؤه قل سبحان ربي} تعجباً من اقتراحاتهم {هل كنت إلا بشراً رسولاً} كسائر الرسل. وما كان مقصودهم بهذه الاقتراحات إلا العناد، واللجاج، ولو جاءتهم كل آية لقالوا هذا سحر. كما قال الله عز وجل: {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس} ، {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء} ، وكذا حال بعض آيات أخر، يفهم منه في الظاهر نفي إظهار الآية، لكن المقصود به نفي المعجزة المقترحة، ولا يلزم من هذا النفي، نفي المعجزات مطلقاً، ولا يلزم على الأنبياء أن يظهروا معجزة كلما طلبها المنكرون، بل هم لا يظهرون إذا طلب المنكرون عناداً أو امتحاناً أو استهزاء، وأورد لهذا الأمر شواهد من العهد الجديد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1309 (الأول) في الباب الثامن من إنجيل مرقس هكذا: 11 (فخرج الفريسيون وابتدؤوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه) 12 (فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية الحق، أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية، فالفريسيون طلبوا معجزة من عيسى عليه السلام على سبيل الامتحان، فما أظهر معجزة، ولا أحال في ذلك الوقت إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل، ولا وعد بإظهارها فيما بعد أيضاً، بل قوله لن يعطى هذا الجيل آية، يدل على أن المعجزة لا تصدر عنه فيما بعد هذا البتة، لأن لفظ الجيل يشمل الجميع الذين كانوا في زمانه. (الثاني) في الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: 8 (وأما هيردوس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة، وترجى أن يرى آية تصنع منه) 9 (وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء) 10 (ووقف رؤوساء الكهنة، والكتبة يشتكون عليه باشتداده) 11 (فاحتقره هيردوس مع عسكره واستهزأ به، وألبسه لباساً لامعاً ورده إلى بيلاطس) فعيسى عليه السلام ما أظهر معجزة في ذلك الوقت، وقد كان هيردوس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1310 يترجى أن يرى منه آية، والأغلب أنه لو رأى لألزم اليهود على اشتكائهم ولما احتقر مع عسكره ولما استهزأ. (الثالث) في الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: 63 (والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزؤون به وهم يجلدونه) 64 (وغطوه، وكانوا يضربون وجهه، ويسألونه قائلين تنبأ من هو الذي ضربك، وأشياء أخر كثيرة، كانوا يقولون عليه مجدفين) . ولما كان سؤالهم استهزاء وتوهيناً، ما أجابهم عيسى عليه السلام. (الرابع) في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: 39 (وكان المجتازون يجدفون عليه، وهم يهزؤن رؤوسهم) 40 (قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خلص نفسك إن كنت ابن الله فانزل الآن عن الصليب) 41 (وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزؤون مع الكتبة والشيوخ قالوا خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به) 43 (قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده لأنه قال أنا ابن الله) 44 (وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صلبا معه ليعيرانه) فما خلص نفسه عيسى عليه السلام في هذا الوقت، وما نزل عن الصليب وإن عيره المجتازون، ورؤساء الكهنة، والكتبة، والشيوخ، واللصان. ورؤساء الكهنة، والكتبة، والشيوخ كانوا يقولون إنه إن نزل عن الصليب نؤمن به، فكان عليه لدفع العار، ولإلزام الحجة أن ينزل مرة عن الصليب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1311 ثم يصعد.. ولكنهم لما كان مقصودهم العناد، والاستهزاء، ما أجابهم عيسى عليه السلام. (الخامس) في الباب الثاني عشر من إنجيل متى هكذا: 38 (حينئذ أجاب قوم من الكتبة، والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية) 39 (فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي) 40 (لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام، وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام، وثلاث ليال) فطلب الكتبة والفريسيون معجزة، فما أظهرها عيسى عليه السلام في هذا الوقت، وما أحالهم إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل هذا السؤال، بل سبهم وأطلق عليهم لفظ الفاسق والشرير، ووعد بالمعجزة التي لم تصدر عنه، لأن قوله كما كان يونان في بطن الحوت الخ، غلط بلا شبهة كما علمت في الفصل الثالث من الباب الأول وإن قطعنا النظر عن كونه غلطاً فمطلق قيامه لم ير الكتبة، والفريسيون بأعينهم، ولو قام عيسى عليه السلام من الأموات، كان عليه أن يظهر نفسه على هؤلاء المنكرين الطالبين آية ليصير حجة عليهم، ووفاء بالوعد. وهو ما أظهر نفسه عليهم، ولا على اليهود الآخرين، ولو مرة واحدة، ولذلك لا يعتقدون هذا القيام، بل هم يقولون من ذاك العهد إلى هذا الحين، أن تلاميذه سرقوا جثته من القبر ليلاً. (السادس) في الباب الرابع من إنجيل متى هكذا: (فتقدم إليه المجرب، وقال له إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً) 4 (فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان بل بكل كلمة تخرج من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1312 فم الله) 5 (ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل) 6 (وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى الأسفل لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لا تصدم بحجر رجلك) 7 (قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك) . فطلب إبليس على سبيل الامتحان من عيسى عليه السلام معجزتين، فما أجاب بواحدة منهما، واعترف في المرة الثانية أنه لا يليق بالمربوب أن يجرب ربه، بل مقتضى العبودية مراعاة الأدب وعدم التجربة. (السابع) في الباب السادس من إنجيل يوحنا هكذا: 29 (أجاب يسوع وقال لهم هذا هو عمل الله لن تؤمنوا بالذي هو أرسله) 30 (فقالوا له: فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك) 31 (ماذا تعمل آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا) . فاليهود طلبوا معجزة فما أظهرها عيسى عليه السلام، ولا أحال إلى معجزة فعلها قبل هذا السؤال، بل تكلم بكلام مجمل، لم يفهمه أكثر السامعين بل ارتد كثير من تلاميذه بسببه. كما هو مصرح به في الآية السادسة والستين من الباب المذكور وهي في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (ومن هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1313 وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1835: (ومن ثم ارتد كثير من تلاميذه على أعقابهم ولم يماشوه بعد ذلك أبداً) . (الثامن) في الباب الأول من الرسالة إلى أهل قورنيثوس هكذا: 22 (فإن اليهود يسألون معجزة واليونانيون يطلبون حكمة) 23 (ونحن نكرز بالمسيح المصلوب وذلك معثرة لليهود وحماقة لليونانيين) . فاليهود كما كانوا يطلبون المعجزة من المسيح عليه السلام كانوا يطلبونها من الحواريين أيضاً، وأقر مقدسهم بولس بأنهم يطلبون المعجزة ونحن نكرز بالمسيح المصلوب. فظهر من هذه العبارات المنقولة أن عيسى عليه السلام والحواريين ما أظهروا معجزة بين أيدي الطالبين في الأوقات التي طلبوا المعجزات فيها، ولا أحالوا المنكرين إلى معجزة فعلوها قبل هذه الأوقات، فلو استدل أحد بالآيات المذكورة على أن عيسى عليه السلام والحواريين، ما كان لهم قدرة على إظهار أمر خارق للعادات، وإلا لصدر عنهم في الأوقات المذكورة وأحالوا المنكرين إلى أمر خارق صدر عنهم قبل هذه الأوقات. فلما لم يظهر منهم أحد الأمرين ثبت أنهم ما كان لهم قدرة على إظهاره، يكون هذا الاستدلال عند القديسين محمولاً على الاعتساف ويكون قوله خلاف الإنصاف، فكذا قول القسيسين عندنا بالتمسك ببعض الآيات القرآنية التي عرفت حالها خلاف الإنصاف وعين الاعتساف، كيف لا وأن المعجزات المحمدية مصرح بها في القرآن والأحاديث الصحيحة، كما عرفت في الفصل الأول وجاء ذكرها إجمالاً أيضاً في مواضع متعددة من القرآن: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1314 1- في سورة الصافات: {وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين) .. في الكشاف {وإذا رأوا آية} من آيات الله البينة كانشقاق القمر ونحوه {يستسخرون} يبالغون في السخرية أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.. وفي التفسير الكبير: (والرابع من الأمور التي حكاها الله تعالى عنهم أنهم قالوا إن هذا إلا سحر مبين، يعني أنهم إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها، والسبب في تلك السخرية اعتقادهم أنها من باب السحر، وقوله مبين: معناه أن كونه سحراً أمر بين لا شبهة لأحد فيه) انتهى كلامه.. وفي البيضاوي: {وإذا رأوا آية} تدل على صدق القائل {يستسخرون} يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها {وقالوا إن هذا} يعنون ما يرونه {إلا سحر مبين} ظاهر سحريته انتهى.. وفي الجلالين {وإذا رأوا آية} كانشقاق القمر {يستسخرون} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1315 يستهزؤون بها {وقالوا} فيها {إن} ما {هذا إلا سحر مبين} بين. انتهى، ومثله في الحسيني. 2- وفي سورة القمر: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} وقد عرفتها في الفصل الأول. 3- وفي سورة آل عمران: {كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات} .. في الكشاف في تفسير قوله (البينات) الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوّة. انتهى كلامه، ولفظ البينات إذا كان موصوفه مقدراً فيستعمل في القرآن غالباً بمعنى المعجزات، واستعماله في غيرها في تلك الصورة قليل جداً فلا يحمل على المعنى القليل، بدون القرينة القوية في سورة البقرة: {وآتينا عيسى بن مريم البينات} ، وفي سورة النساء: {ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات} ، وفي سورة المائدة: {إذ جئتهم بالبينات} ، وفي سورة الأعراف: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} وفي سورة يونس: {وجاءتهم رسلهم بالبينات} ، ثم في تلك السورة: {فجاؤوهم بالبينات} ، وفي سورة النحل: {بالبينات والزبر} ، وفي سورة طه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1316 {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} ، وفي سورة المؤمن: {وقد جاءكم بالبينات من ربكم} ، وفي سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} ، وفي سورة التغابن: {ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} وكذا في غير هذه المواضع. 4- في سورة الأنعام: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون} .. في البيضاوي: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً} كقولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله {أو كذب بآياته} كأن كذبوا بالقرآن والمعجزات وسموها سحراً، وإنما ذكر أو وهم جمعوا بين الأمرين تنبيهاً على أن كلاً منها وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس انتهى. .. وفي الكشاف جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله وكذبوا بما ثبت بالحجة والبينة والبرهان الصحيح، حيث قالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، وقالوا والله أمرنا بها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1317 وقالوا الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا بالقرآن والمعجزات، وسموها سحراً ولم يؤمنوا بالرسول، انتهى. .. وفي التفسير الكبير والنوع الثاني من خسارتهم تكذيبهم بآيات الله والمراد منه قدحهم في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وطعنهم فيها، وإنكارهم كون القرآن معجزة باهرة بينة، انتهى. .. وفي تلك السورة أيضاً: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته، سيصيب الذين أجرموا صغار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1318 عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون} . ..وفي التفسير الكبير في تفسير قوله: {وإذا جاءتهم} أنهم متى ظهرت لهم معجزة باهرة. انتهى. والبابا الكزندر كان يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صاحب الإلهام، وإن لم يكن ذلك الإلهام عنده واجب التسليم، وقع في المجلد الخامس من كتابه المسمى بدنيد هي هذه الفقرة (يا محمد إن الحمامة عند أذنك) ونقلت هذه الفقرة عن المجلد المطبوع سنة 1897 وسنة 1806 في لندن، لكنها في النسخة الأولى في الصفحة 267، وفي النسخة الثانية في الصفحة 303، ولعل البابا أسند إلهام محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحمامة، لأن الإلهام عند المسيحيين يكون بواسطة روح القدس، وقد نزل روح القدس على عيسى عليه السلام بعد ما فرغ من الاصطباغ على صورة الحمامة. كما هو مصرح به في الباب الثالث من إنجيل متى، فظن أن إلهام محمد صلى الله عليه وسلم يكون بواسطة الحمامة. (المطعن الثالث) باعتبار النساء وهو على خمسة أوجه: (الأول) أن المسلمين لا يجوز لهم أزيد من أربع زوجات، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1319 يكتف بها بل أخذ تسعاً لنفسه، وأظهر حكم الله في حقه أن الله أجازني لأن أتزوج بأزيد من أربع. (والثاني) أن المسلمين يجب العدل عليهم بين نسائهم، وأظهر حكم الله في حقه أن هذا العدل ليس بواجب عليه. (والثالث) أنه دخل بيت زيد بن حارثة رضي الله عنه، فلما رفع الستر وقع نظره على زينب بنت جحش زوجة زيد رضي الله عنهما، فوقعت في نفسه وقال سبحان الله. فلما اطلع زيد على هذا الأمر طلقها فتزوج بها، وأظهر أن الله أجازني للتزويج. (والرابع) أنه خلا بمارية القبطية رضي الله عنها، في بيت حفصة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1320 رضي الله عنها. في يوم نوبتها، فغضبت حفصة رضي الله عنها، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: حرمت مارية على نفسي، ثم لم يقدر أن يبقى على التحريم. فأظهر أن الله أجازه لإبطال اليمين بأداء الكفارة. (والخامس) أنه يجوز في حق متبعيه، إن مات أحد منهم أن يتزوج الآخر زوجته، بعد انقضاء عدتها، وأظهر حكم الله في حقه أنه لا يجوز لأحد أن يتزوج زوجة من زوجاته بعد مماته. وهذه الوجوه الخمسة منتهى جهدهم في المطعن باعتبار النساء. وتوجد هذه الوجوه كلها أو بعضها في أكثر رسائلهم مثل ميزان الحق، وتحقيق الدين الحق، ودافع البهتان، ودلائل إثبات رسالة المسيح، ودلائل النبوة، ورد اللغو وغيرها. وأنا أمهد أموراً ثمانية يظهر منها جواب هذه الوجوه كلها فأقول: (الأمر الأول) أن تزوج أكثر من امرأة واحدة كان جائزاً في الشرائع السابقة: لأن إبراهيم عليه السلام تزوج بسارة ثم بهاجر في حياة سارة، وهو كان خليل الله، وكان الله يوحي إليه ويرشده إلى أمور الخير، فلو لم يكن النكاح الثاني جائزاً لما أبقاه عليه بل أمره بفسخه وحرمته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1321 ولأن يعقوب عليه السلام تزوج بأربع نسوة، ليا وراحيل وبلها وزلفا، فالأوليان منهما أختان ابتنا لابان خاله، والأخريان جاريتان. والجمع بين الأختين حرام قطعي في شريعة موسى عليه السلام، كما علمت في الباب الثالث. فلو كان التزوج بأكثر من امرأة واحدة حراماً، لزم أن يكون أولاده من تلك الأزواج، أولاد حرام والعياذ بالله، وكان الله يوحي إليه ويرشده إلى أمور الخير، فكيف يتصور أن يرشده في أمور خسيسة، ولا يرشده في هذا الأمر العظيم. فإبقاء الله يعقوب عليه السلام على نكاح تلك الأربعة سيما الأختين دليل بين على جواز مثل هذا التزوج في شريعته. ولأن جدعون بن يواش تزوج نساء كثيرة في الباب الثامن من سفر القضاة هكذا: 30 (وكان له سبعون ابناً خرجوا من صلبه لأن كانت له نساء كثيرة) 31 (وسريته التي كانت له في شخيم ولدت له ابناً اسمه ابيمالك) . ونبوته ظاهرة من الباب السادس والسابع من السفر المذكور، ومن الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1322 ولأن داود عليه السلام تزوج نساء كثيرة. تزوج أولاً ميخال بنت شاوول، وكان بدل المهر مائة غلفة من غلف الفلسطانيين، وأعطاه داود عليه السلام مائتي غلفة من غلفهم، فأعطى شاوول داود عليه السلام ابنته ميخال.. الآية السابعة والعشرون من الباب الثامن عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (فمضت أيام قليلة وقام داود عليه السلام وانطلق هو ورجاله وقتل من الفلسطانيين مائتي رجل وأتى داود عليه السلام بغلفهم إلى الملك ودفعها للملك بالتمام ليكون له ختناً فأعطى شاوول ميخال ابنته له امرأة) . والملاحدة يستهزؤون بهذا البدل من المهر، ويقولون أكان شاوول يريد أن يسوي من هذه الغلف حميلاً ويعيطه بنته في الجهاز، أم كان غرضه شيئاً آخر. لكني أقطع النظر عن استهزائهم وأقول: لما بغى داود عليه السلام على شاوول، أعطى شاوول ميخال فلطى بن ليس الذي هو من جليم، كما هو مصرح به في آخر الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور. وتزوج داود عليه السلام بست نساء أخرى - احينعام الازراعايلية 1 بيغال 2 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1323 ومعهما ابنة تلمى ملك جاشور 3 وحجبت 4 وابيطل 5 وعجلا 6 - كما هو مصرح به في الباب الثالث من سفر صموئيل الثاني. ومع كون هذه الست، ما زالت محبة ميخال عن قلبه الشريف، وإن كانت في فراش الغير فلذلك لما قتل شاوول، طلب داود من اسباسوت بن شاوول زوجته ميخال، وقال له: رد على امرأتي ميخال التي خطبتها بمائة غلفة من غلف أهل فلسطين. فأخذها أسباسوت قهراً من فلطى بن ليس وأرسلها إلى داود، فجاء هذا فلطى باكياً خلفها إلى بحوريم ثم رجع. كما هو مصرح به في الباب المذكور. فبعد ما وصلت ميخال إلى داود عليه السلام مرة أخرى صارت له زوجة، وكمل عدد الزوجات السبع، ثم أخذ داود نساء أخرى، وسراري لم يصرح بعددها في كتبهم المقدسة.. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1324 الآية الثالثة عشر من الباب الخامس من سفر صموئيل الثاني هكذا: (وأخذ داود أيضاً نساء وسراري من أورشليم من بعد أن أتى من هارون وولد لداود أيضاً بنون وبنات) . .. ثم زنى بامرأة أوريا وقتل زوجها بالحيلة، ثم أخذها. فعاتبه الله على هذا الزنا كما علمت في أول هذا الفصل. وداود عليه السلام، وإن كان خاطئاً في هذا الزنا والتزويج بتلك الامرأة، لكنه لم يكن عاصياً في تزوج جم غفير من نساء أخرى، وإلا لعاتبه الله على تزوجهن كما عاتبه على تزوج امرأة أوريا، فعاتبه الله على تزوجها. بل أظهر رضاه على هذا التزوج، ونسب إعطاءها إلى نفسه وقال: وإذا كانت هذه قليلة أزيد مثلهن ومثلهن، وقول الله تعالى في حق داود عليه السلام على لسان ناثان النبي عليه السلام.. في الآية الثامنة من الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1822 وسنة 1831 وسنة 1844 في لندن على النسخة المطبوعة في رومية العظمى سنة 1671 هكذا: (ووهبت لك بيت مولاك ونساء سيدك اضطجعت في حضنك ووهبت لك بيت إسرائيل ويهوذا وإذا كانت هذه قليلة فأزيدك مثلهن ومثلهن) . فقوله وهبت على صيغة المتكلم في الموضعين، وقوله إذا كانت هذه قليلة فأزيدك مثلهن ومثلهن يدلان على ما قلت. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 الجملة الأخيرة هكذا: (فإذا كانت عندك قليلة كان ينبغي لك أن تقول فأزيد مثلهن ومثلهن) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1325 . وتزوج في آخر عمره شابة عذراء أخرى اسمها أبى شاغ الشونامية وكانت جميلة جداً، كما هو مصرح به في الباب الأول من سفر السلاطين الأول. ولأن سليمان عليه السلام، تزوج بألف امرأة، سبعمائة منهن حرات من بنات السلاطين وثلثمائة جوار. وارتد بإغوائهن في آخر عمره وبنى المعابد للأصنام، كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول. ولا يفهم من موضع من مواضع التوراة، حرمة التزوج بأزيد من امراة واحدة، ولو كان حراماً لصرح موسى عليه السلام بحرمته، كما صرح بسائر المحرمات وشدد في إظهار تحريمها، بل يفهم جوازه من مواضع. لأنك قد علمت في جواب الطعن الأول أن الأبكار التي كانت من غنيمة المديانيين، كانت اثنتين وثلاثين ألفاً وقسمت على بني إسرائيل، سواء كانوا ذوي زوجات أو لم يكونوا، ولا يوجد فيه تخصيص العزب. وفي الباب الحادي والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: 10 (وإذا خرجت إلى القتال مع أعدائك وأسلمهم الرب إلهك في يدك وسبيتهم) 11 (ورأيت في جملة المسبيين امرأة حسنة وأحببتها، وأردت أن تتخذها لك امرأة) 12 (فأدخلها إلى بيتك وهي تحلق رأسها وتقص أظفارها) 13 (وتنزع عنها الرداء الذي سبيت به وتجلس في بيتك وتبكي على أبيها وأمها مدة شهر ثم تدخل إليها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1326 وترقد معها ولتكن لك امرأة) 14 (فإن كانت بعد ذلك لا تهواها نفسك فسرحها حرة ولا تستطيع أن تبيعها بثمن ولا تقهرها أنك قد ذليتها) 15 (وإن كان لرجل امرأتان الواحدة محبوبة والأخرى مبغوضة ويكون لهما منه بنون وكان ابن المبغوضة بكراً) 16 (وأراد أن يقسم رزقه بين أولاده فلا يستطيع يعمل ابن المحبوبة بكراً ويقدمه على ابن المبغوضة) 17 (ولكنه يعرف ابن المبغوضة أنه هو البكر ويعيطه من كل ما كان له الضعف من أجل أنه هو أول بنيه ولهذا تجب البكورية) . فقوله ورأيت في جملة المسبيين الخ. لا تختص بمخاطب لا تكون له زوجة بل أعم، سواء كانت له زوجة أو لم تكن، ولا يوجد فيه التصريح أيضاً بأن هذا الحكم يختص بمسبية واحدة فقط، بل الظاهر أنه إذا رأى المخاطب أزيد من واحدة، وأراد أن يتخذها نساء كان له جائزاً، فجاز لكل إسرائيلي أخذ نساء كثيرة. ودلالة قوله وإن كان لرجل امرأتان الواحدة محبوبة والأخرى مبغوضة الخ. على ما ادعينا ظاهرة غير محتاجة إلى البيان. فثبت أن كثرة الأزواج ما كانت محرمة في شريعة موسى، فلذلك أخذ جدعون وداود وغيرهما من صالحي الأمة الموسوية نساء. (الأمر الثاني) الصحيح في قصة زينب رضي الله عنها، أنها بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عند مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه ثم طلقها زيد ولما انقضت عدتها تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا أنقل بعض آيات سورة الأحزاب المتعلقة بهذه القصة مع عبارة التفسير الكبير وهي هكذا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1327 {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} وهو زيد، أنعم الله عليه بالإسلام {وأنعمت عليه} بالتحرير والإعتاق {أمسك عليك زوجك} همَّ زيد بطلاق زينب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك، أي لا تطلقها {واتق الله} قيل في الطلاق وقيل في الشكوى من زينب فإن زيد قال فيها إنها تتكبر علي بسبب النسب وعدم الكفاءة {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} من أنك تريد التزوج بزينب {وتخشى الناس} من أن يقولوا أخذ زوجة الغير أو الابن {والله أحق أن تخشاه} . ليس إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، خشي الناس ولم يخش الله، بل المعنى الله أحق أن تخشاه وحده ولا تخش أحداً معه، وأنت تخشاه وتخشى الناس أيضاً، فاجعل الخشية له وحده كما قال تعالى: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله} ثم قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} أي لما طلقها زيد وانقضت عدتها، وذلك لأن الزوجة ما دامت في نكاح الزوج فهي تدفع حاجته، وهو محتاج إليها فلم يقض منها الوطر بالكلية ولم يستغن، وكذلك إذا كانت في العدة، له بها تعلق لإمكان شغل الرحم، فلم يقض منها بعد وطره، وأما إذا طلق وانقضت عدتها استغنى عنها، ولم يبق له معها تعلق فيقضي منها الوطر. وهذا موافق لما في الشرع لأن التزوج بزوجة الغير أو بمعتدته لا يجوز، فلهذا قال: فلما قضى. وكذلك قوله: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً} أي إذا طلقوهن وانقضت عدتهن، وفيه إشارة إلى أن التزويج من النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لقضاء شهوة النبي عليه السلام بل لبيان الشريعة بفعله، فإن الشرع يستفاد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم {وكان أمر الله مفعولاً} أي مقضياً ما قضاه كائن. ثم بين أن تزوجه عليه السلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1328 بها، مع أنه كان مبيناً لشرع مشتمل على فائدة، كان خالياً عن المفاسد، انتهى كلامه بلفظه. فظهر أن زينب رضي الله عنها، كانت تتكبر على زيد بسبب النسب وعدم الكفاءة، وهذا الأمر كان سبب عدم المحبة بينهما، فأراد زيد رضي الله عنه أن يطلقها، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه طلقها آخر الأمر. فلما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبيان الشريعة لا لأجل قضاء الشهوة. وكان قبل نزول الحكم مخفياً لهذا الأمر لأجل عادة العرب، ولا بأس فيه كما ستعرف في الأمر الثالث إن شاء الله تعالى. والرواية التي وقعت في البيضاوي، ضعيفة عند محققي أهل الحديث. كما صرح به المحقق المحدث الشيخ عبد الحق الدهلوي في بعض تصنيفاته وفي شرح المواقف: (وما يقال أنه أحبها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1329 حين رآها فما يجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثله) انتهى. (الأمر الثالث) أن الأمور الشرعية، لا يجب أن تكون متحدة في جميع الشرائع، أو مطابقة لعادات الأقوام وآرائهم. أما الأول فقد عرفت بما لا مزيد عليه في الباب الثالث، وقد عرفت فيه أن سارة زوجة إبراهيم عليه السلام كانت أختاً علانية له، وأن يعقوب عليه السلام جمع بين الأختين، وأن عمران أبا موسى عليه السلام تزوج بعمته، وهذه الزوجات الثلاث محرمة في الشريعة الموسوية والعيسوية والمحمدية، وبمنزلة الزنا سيما نكاح الأخت العلانية والعمة، وهذه الزوجات أقبح القبائح عند علماء مشركي الهند، فهم يشنعون تشنيعاً بليغاً ويستهزؤون بهؤلاء المتزوجين غاية الاستهزاء، وينسبون أولادهم إلى أشد أنواع الزنا. وفي الباب الخامس من إنجيل لوقا هكذا: 29 (والذين كانوا متكئين معه كانوا جمعاً كثيراً من عشارين وآخرين) 30 (فتذمر كتبتهم والفريسيون على تلاميذه قائلين لماذا تأكلون وتشربون مع عشارين وخطاة) 33 (وقالوا لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيراً ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضاً وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون فالكتبة والفريسيون الذين من أعظم فرق اليهود وأشرفها كانوا يشنعون على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1330 تلاميذ عيسى عليه السلام بأنهم يأكلون ويشربون مع الخطاة والعشارين وأنهم لا يصومون) . وفي الباب الخامس عشر من إنجيل لوقا هكذا: 1 (وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه) 2 (فتذمر الفريسيون، والكتبة قائلين هذا يقبل الخطاة ويأكل معهم) فالفريسيون كانوا يشنعون على عيسى عليه السلام أنه يأكل مع الخطاة ويقبلهم. وفي الباب الحادي عشر من كتاب الأعمال: 2 (ولما صعد بطرس إلى أورشليم خاصمه الذين من أهل الختان) 3 (قائلين إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة وأكلت معهم) . وفي الباب السادس من إنجيل مرقس هكذا: 1 (واجتمع إليه الفريسيون وقوم من الكتبة قادمين من أورشليم) 2 (ولما رأوا بعضاً من تلاميذه يأكلون خبزاً بأيد دنسة أي غير مغسولة لاموا) 3 (لأن الفريسيين وكل اليهود إن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون متمسكين بتقليد الشيوخ) 4 (ومن السوق إن لم يغتسلوا لا يأكلون، وأشياء أخر كثيرة تسلموها للتمسك بها من غسل كؤوس وأباريق، وآنية نحاس، وأسرة) 5 (ثم سأله الفريسيون، والكتبة لماذا لا يسلك تلاميذك حسب تقاليد الشيوخ بل يأكلون خبزاً بأيد غير مغسولة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1331 وفي ملة براهمة الهند، وغيرهم من أقوام مشركي الهند تشددات عظيمة، وعندهم لو أكل أحد منهم مع المسلم أو اليهودي والنصراني خرج عن ملته، ونكاح زوجة المتبنى بعد الطلاق، كان قبيحاً عند مشركي العرب. ولما كان زيد بن حارثة رضي الله عنه متبنى محمد صلى الله عليه وسلم، كان محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً يخاف أولاً من طعن عوام المشركين في نكاح زينب رضي الله عنها، فلما أمره الله تزوج بها لبيان الشريعة، ولم يبال بعادة المشركين. (الأمر الرابع) أن الطاعنين من علماء بروتستنت، لا يستحيون ولا ينظرون إلى بضاعات كتبهم المقدسة من الاختلافات، والأغلاط، والأحكام التي عرفت نبذاً منها في الباب الأول، والفصل الثاني والثالث من الباب الخامس. ومن ذنوب الأنبياء وعشائرهم وأصحابهم التي قد عرفتها في ابتداء هذا الفصل. وأريد أن لا أترك هذا الموضع أيضاً خالياً عن ذكر بعض الأمور المندرجة في التوراة، وإن حصل للناظر إطلاع على أمور كثيرة فيما سبق: 1 - في الباب الثلاثين من سفر التكوين هكذا: 37 (فأخذ يعقوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1332 عصياً خضرة من حور، ولوز، ومن دلب، وكشف من بياضها والخضرة ظاهرة فيها فظهرت العصي المقشرة بلقاء، وبيضاء) 38 (ووتد العصى في مساقي الماء لكي إذا جاءت الغنم لتشرب تتوحم الغنم على العصى، وفي نظرها إليها تحمل) 39 (وصار أنه في حمية التوحم، النعاج تتبصر بالعصى، وتنتج منقطة ومتمرة مختلفة اللون) 40 (وعزل يعقوب القطيع، ووضع القضبان في المساقي أمام الكباش فكانت البيض، والسود كلها للابان، والباقي ليعقوب، والقطعان مفترقة بعضها عن بعض) 41 (فكان في كل عام ما حمل من الغنم أولاً جعل يعقوب القضبان قدام الغنم في المساقي ليتوحم الغنم على العصى) 42 (وما حمل منها أخيراً لم يجعلها فصار آخر نتاج الغنم للابان، وأوله ليعقوب) 43 (فاستغنى الرجل جداً جداً، وصارت له مواشي كثيرة، وإماء، وعبيد، وإبل، وحمير) . وهذا عجيب أيضاً، فإن الأولاد بحسب جرى العادة، غالباً تكون على شبه ألوان أصولهم، وأما كونهم على شبه ما يرونه من العصى وغيرها، فلا يتوهمه أحد من العقلاء أصلاً، وإلا يلزم أن يكون الأولاد المتولدة في الربيع خضراً كلهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1333 2- في الباب الثالث عشر من سفر الأحبار هكذا: 46 (وإن كان في رداء أو في ثوب ضربة البرص من الصوف كان الثوب أو من الكتان) 47 (في السدا أو في اللحمة أو في جلدة أو في عمل أديم) 48 (فإن كانت الضربة بيضاء أو حمراء في الرداء أو في الجلد في السداء أو في اللحمة، أو في كل جلود الأديم فإنها ضربة برص فليروه) 49 (فينظر الحبر إلى الضربة ويحجز الحبر عليها سبعة أيام) 50 (وينظر إليها في اليوم السابع فإن رآها قد مشت في الرداء أو في السدا أو اللحمة أو في أديم أو في كل أدم يصنع الصنعة فإنها ضربة برص مر وهو نجس) 51 (فليحرق الحبر الرداء أو السدا أو لفافة الصوفة أو الكتان أو كل أديم من جلد يكون فيه ضربة من أجل أنه برص فيحرقونه بالنار) 52 (وإن رأى الحبر أن الضربة لم تفش في الثوب أو في السدا أو في اللحمة أو في كل أديم من جلود) 53 (فليأمر الحبر فليغسل ما فيه الضربة، ويحجز عليه الحبر سبعة أيام أخر) 54 (وينظر الحبر إلى الضربة من بعد ما غسلوها فإن لم تكن تغير لونها، والضربة لم تتغير فإنه خبيث أحرقوه بالنار فإنها ضربة في جدته أو في بلاه) 55 (وإن رأى الحبر أنها قد استوت من بعد ما غسلت فليأمر الحبر فليلقط من الرداء أو من الجلد أو من السدا أو من اللحمة) 56 (فإن رأى أيضاً في الرداء أو في السدا أو في اللحمة أو في كل جلود الأدم جميع ما يستعمل من الجلود، فألقوه في النار فإن الضربة قد كثرت فيه) 57 (وكل رداء أو سدا أو لحمة أو أديم يذهب منه إذا غسل، فيغسل مرتين فيطهر) 58 (هذه سنة البرص في رداء الصوف أو الكتان أو السدا أو اللحمة أو كل جلود الأدم يطهره أو ينجسه) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1334 فانظروا إلى هذه الأحكام فإنها ثمرات الأوهام، أيليق إحراق الجلود والثياب بأمثال هذه الوساوس. 3- في الباب الرابع عشر من سفر الأحبار هكذا: 34 (إذا دخلتم أرض كنعان التي أعطيكم ميراثاً إن كان ضربة برص في بيت) 35 (يخبر رب البيت الكاهن ويقول له إن ظهر في بيتي ضربة كأنها برص) 36 (يأمرهم الكاهن فيفرغون البيت قبل أن يدخل البيت لينظر إليه لئلا يتنجس كل ما في البيت ثم يدخل الكاهن لينظر ضربة البيت) 37 (فإن كان ضربة في حيطان البيت قشوراً صفراء أو حمراء ومنظرها أغمق من الحائط) 38 (فليخرج الكاهن خارجاً من البيت، وليقم بابه، ويحجز على ذلك البيت سبعة أيام) 39 (ثم يرجع في اليوم السابع فينظر، فإن رأى الضربة قد فشت في حيطان البيت) 40 (فليأمر الكاهن بالحجارة التي فيها الضربة فتنقض، وتلقى خارجاً من القرية في موضع نجس) 41 (ويقشر ذلك البيت من داخل باستدارته، ويلقي التراب الذي قشر خارجاً من القرية في موضع نجس) 42 (تدخل حجارة أخرى في مكان تلك الحجارة، ويأخذون تراباً غير ذلك ويطلون به ويطين) 43 (فإن فشت الضربة، وكثرت في البيت من بعد ما قشر البيت وطين) 44 (فيدخل الكاهن وينظر إن كانت الضربة قد فشت في البيت، فليعلم أن في البيت برصاً مراً وهو نجس) 45 (ولساعته يهدمونه، ويلقون حجارته، وخشبه، وطينه بأسرها خارجة من القرية في موضع نجس) 46 (ومن دخل ذلك البيت وهو محجوز عليه يكون نجساً إلى الليل) 47 (ومن رقد فيه أو أكل فيه شيئاً فليغسل كسوته) 48 (وإن دخل الكاهن، ورأى البرص لم يفش في البيت بعد ما طين ثانياً فليطهره الكاهن من أجل أنه قد برئ من ضربته) . فهذه الأحكام أيضاً من ثمرات الأوهام، أتهدم البيوت بمثل هذه الأوهام، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1335 التي هي أوهن من نسج العنكبوت، أيعتقد عقلاء أوربا أن يكون الثوب، أو الجلد، أو البيت، أبرص قابلاً للإحراق أو الهدم. 4- في الباب الخامس عشر من سفر الأحبار هكذا: 12 (وأي إناء من فخار مسه من يقطر زرعه فليكسر، وإن كان إناء من خشب أو نحاس فليغسل بالماء) 16 (وأيما رجل جنب أو خرجت منه جنابة يغسل جسده كله بالماء، ويكون نجساً إلى الليل) 23 (ومن مس ثوباً جلست عليه امرأة، وهي طامث يغسل ثيابه، ويستحم بالماء، ويكون نجساً إلى الليل) 24 (وإن اضطجع معها رجل فأصابه من حيضتها فإنه يكون جنباً سبعة أيام، وكل مضطجع يضطجع فإنه يكون نجساً) . ففي الحكم الأول بالنسبة إلى إناء الفخار إضاعة المال، وظاهر أنه لا يسري شيء بمجرد المس فيه وإن توهم سريان شيء فيه، فَلِمَ لَمْ يكتف فيه بغسله بالماء، كما اكتفى في إناء الخشب، والنحاس. وفي الحكم الثاني ما معنى كونه نجساً إلى الليل بعد ما غسل الجسد كله بالماء. وفي الحكم الثالث أيضاً نظر لأن الظاهر أنه لا يسري شيء بمجرد مس الثوب، الذي جلست عليه الحائض في جسد الماس، وإن توهم سريان شيء، كان غسل العضو الذي به مس الثوب كافياً، وإن توهم سريان شيء بمجرد المس في سائر جسده، فما معنى كونه نجساً إلى الليل، بعد ما غسل الثياب، والجسد كلها، والعجب أن الرجل إذا جامع، أو احتلم، وصار جنباً، لا يجب عليه غسل الثياب بل يكفي غسل الجسد. وههنا بمجرد مس الثوب يلزم غسل الثياب أيضاً. والحكم الرابع أعجب من الثلاثة فإن الرجل بمجرد إصابة شيء من الحيض بم صار حكمه حكم الحائض، فكما هي تكون نجسة إلى سبعة أيام يكون هو أيضاً نجساً إلى سبعة أيام، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1336 وفي أحكام الحائض والمستحاضة أيضاً، تشددات عجيبة مذكورة في هذا الباب. وبالنظر إلى هذه الأحكام نجد النصارى كلهم أنجس الناس لأنهم لا يراعونها مطلقاً. 5- في الباب السادس عشر من سفر الأحبار هكذا: 7 (ثم يأخذ الجديين ويقيمهما أمام الرب مذبوحين في باب قبة الزمان) 8 (ويقترع عليهما قرعتين قرعة واحدة للرب وقرعة أخرى لعزرائيل) 9 (ويقرب هارون الجدي الذي أصابته قرعة الرب ويصيره قرباناً بدل الخطيئة) 10 (والجدي الذي وقعت قرعة عزرائيل يقوم حياً أمام الرب ليستغفر عليه ويسرحه لعزرائيل إلى القفر) . وهذا الحكم عجيب أيضاً، وما معنى القربان لعزرائيل وتسريحه إلى القفر، ولا ريب إنه لقربان لغير الله، ورأيت مشركي الهند أنهم يتركون الثيران على أسماء آلهتهم، لكنهم يتركونها في الأسواق لا في القفر حتى تموت جوعاً وعطشاً. 6- في الباب الخامس والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: 5 (إذا سكن أخوة جميعاً فمات أحدهم وليس له ولد فلا تتزوج امرأة الميت برجل غريب، ولكن يأخذها أخوه ويقيم زرع أخيه) 6 (والولد البكر الذي يكون منها فليسمه باسم أخيه لئلا يبطل اسمه من إسرائيل) 7 (فإن لم يرض أن يأخذ امرأة أخيه التي تحق له بالسنة فتذهب المرأة إلى باب القرية إلى المشيخة وتقول لهم أن أخا زوجي لا يريد أن يقيم اسم أخيه في إسرائيل ولا يريد أن يأخذني له زوجة) 8 (ولوقتهم يطلبونه ويسألونه فإن أجاب وقال لا أريد أن أتزوجها) 9 (فتدنو المرأة منه قدام المشايخ وتخلع الخف من رجله وتبصق في وجهه وتقول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1337 هكذا يفعل بكل رجل لا يعمر بيت أخيه) 10 (ويدعي اسمه في إسرائيل بيت مخلوع الخلف) . وهذا الحكم عجيب أيضاً، لأن امرأة الميت، قد تكون عوراء، أو عمياء، أو عرجاء، أو شوهاء قبيحة الصورة، أو غير عفيفة، أو معيبة بعيب آخر، فكيف يرضى بها الرجل، وهذه الإقامة لزرع أخيه أيضاً عجيبة، وأعجب منها أن علماء بروتستنت تركوا هذا الحكم العظيم الشأن وقالوا: (لا يحل للرجل أن يتزوج زوجة أخيه) . كما هو مصرح به في جدول القرابة والنسب، من كتاب الصلاة العامة، وغيرها من رسوم الكنيسة وطقوسها، على موجب استعمال الكنيسة الإنكليزية والأرلندية المطبوع سنة 1840 في قالته، مع أن بيان المحرمات، لا يوجد في الإنجيل، وما أخذوها إلا من التوراة. (الأمر الخامس) أن المتقشف، إذا كان جل همته الاعتساف، يعترض بأمثال اعتراضاتهم على المسيح عليه السلام والحواريين. في الباب السابع من إنجيل لوقا هكذا: 33 (جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً فتقولون به شيطان) 34 (وجاء ابن الإنسان يأكل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1338 ويشرب فتقولون هو ذا إنسان أكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة) 36 (وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بيت الفريسي واتكأ) 37 (وإذا امراة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت أنه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب) 38 (ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب) 39 (فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلاً لو كان هذا نبياً لعلم مَنْ هذه الامرأة التي تلمسه وما هي إنها خاطئة) 44 (ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان انتظر هذه المرأة أني دخلت بيتك وماء لأجل رجلي لم تعط وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها) 45 (قبلة لم تقبلني وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي) 46 (بزيت لم تدهن رأسي وأما هي فقد دهنت بالطيب رجلي) 47 (من أجل ذلك أقول قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً والذي يغفر له قليل يحب قليلاً) 48 (ثم قال لها مغفور لك خطاياك) 49 (فابتدأ المتكؤون معه يقولون في أنفسهم من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً) 50 (فقال للمراة إيمانك قد خلصك اذهبي بسلام) . وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 1 (وكان إنسان مريضاً وهو لعازر من بيت عيناً قرية مريم ومرثا أختها) 2 (وكانت مريم التي كان لعازر أخوها هي التي دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرها) 5 (وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1339 فهذه المحبوبة مريم هي التي كانت دهنت ومسحت رجلي عيسى عليه السلام. وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنا: 21 (لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم أن واحداً منكم سيسلمني) 22 (فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون فيمن قال عنه) 23 (وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه) 24 (فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه) 25 (فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو) . ووقع في حق التلميذ، في الآية السادسة والعشرين من الباب التاسع عشر، والآية الثانية من الباب العشرين، والآية السابعة والآية العشرين من الباب الحادي والعشرينمن إنجيل يوحنا، أن يسوع كان يحبه. وفي الباب الثامن من إنجيل لوقا هكذا: 1 (وعلى أثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله ومعه الاثنا عشر) 2 (وبعض نساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض مريم التي تدعي المجدلية التي خرج منها سبعة شاطين) 3 (وبونا امرأة خوزي وكيل هيرودس وسوسنة وأخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1340 وظاهر أن الخمر أم الخبائث وقبيحة عند الله وسبب للضلال والكفر والهلاك ولا يناسب شربها للأتقياء وإزالة العقل من خواصها اللازمة سواء كان الشارب نبياً أو غير نبي ولذلك حرم الله شربها على هارون وأولاده إذا أرادوا الدخول في قبة الشهادة لأجل الخدمة وجعلها سبب الموت وجعل حرمتها عهداً أبدياً معهم. في الباب العاشر من سفر الأخبار هكذا: 8 (وقال الرب لهارون) 9 (لا تشربوا خمراً ولا شيئاً آخر يسكر لا أنت ولا بنوك إذا أردتم الدخول في قبة الشهادة لئلا تموتوا ويكون هذا عهداً لكم إلى الأبد في أجيالكم) . ولذلك منع ملك الرب، زوجة ما نوح من شرب الخمر، وشرب كل مسكر وقت حملها، ليكون ولدها من الأتقياء، ولا يسري خبث المسكرات في هذا الولد التقي، وأكد على زوجها أيضاً، في هذا الباب في الباب الثالث عشر من سفر القضاء هكذا: 4 (إياك من شرب الخمر والمسكر ولا تأكلي شيئاً نجساً) 13 (فقال ملاك الرب لمنوح فليحذر عن جميع ما قلت لامرأتك) 14 (ولا تأكل شيئاً مما يخرج من الكرم ولا تشرب خمراً ولا مسكراً ولا تأكل شيئاً نجساً وتحفظ بكل ما أمرتها به وتفعل ما قلت لها) ولذلك لما بشر الملك زكريا، بولادة يحيى عليهما السلام، بين من أوصاف تقوى يحيى، أنه لا يشرب خمراً ولا مسكراً آخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1341 الآية الخامسة عشر من الباب الأول من إنجيل لوقا هكذا: (لأنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب) . ولذلك أشعيا عليه السلام، ذم شارب المسكر، وشهد أن الأنبياء والكهنة، ضلوا بسبب شرب الخمر والمسكرات. الآية الثانية والعشرون من الباب الخامس من كتاب أشعيا هكذا: (الويل للأقوياء منكم على شرب الخمر والمقتدرين أن يمزجوا المسكرة) . والآية السابعة من الباب الثامن والعشرين من كتابه هكذا: (وهؤلاء أيضاً لم يفهموا بسبب الخمر وضلوا من المسكر الكاهن والنبي لم يعلموا للمسكر غرقوا في الخمر تاهوا من المسكر لم يعلموا الرؤيا ولم يفهموا القضاء) . وقد عرفت في أول هذا الفصل، أن نوحاً عليه السلام، شرب الخمر، وزال عقله، وصار عرياناً. وأن لوطاً شرب الخمر، وزال عقله، وفعل بابنتيه ما فعل، بحيث لم يسمع مثله من المولعين بشربها. وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها) . وقال اللوذعي الألمعي الظريف فارس مضمار البلاغة أطال الله بقاءه إلزاماً هكذا: (هذا يوهم أن عيسى عليه السلام وقتئذ كان قد سرت فيه الخمرة حتى لم يكن يدري ما يفعل، فإن غسل الأقدام لا يوجب التجرد عن الثياب) انتهى كلامه بلفظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1342 وقال سليمان الحكيم النبي عليه السلام في ذم الشراب في كتابه سفر الأمثال في الباب الثالث والعشرين هكذا: 31 (لا تنظر إلى الخمر إذا اصفر وإذا شعشع لونه في الزجاج ويدخل لذيذاً) 32 (وفي نهاية أمره يلدغ كالحية ومثل ملك الحيات يسكب سمومه) . وكذا اختلاط النساء الشواب الأجنبيات مع الرجال الشبان، آفة شديدة لا ترجى العصمة، سيما إذا كان الرجل شاباً عزباً شارب الخمر، والمرأة فاحشة محبوبة وهي تدور معه وتخدمه بمالها ونفسها. وقد عرفت حال داود عليه السلام، أن نظراً واحداً إلى الامرأة الأجنبية، بلغه إلى ما بلغ، مع أنه كان كثير الأزواج وجاوز الخمسين. وكذا قد عرفت حال سليمان عليه السلام، أن النساء قد أزلن عقله وجعلناه مرتداً وثنياً في شيخوخته، بعد ما كان نبياً صالحاً في شبابه، ولما حصل له التجربة الكاملة من حال أبيه وأمه، ومن حال أخيه وأخته أمنون وثامار، ومن حال أسلافه مثل روبيل ويهودا، سيما من حال نفسه. شدد في هذا الباب تشديداً بليغاً في سفر الأمثال فقال: في الباب الخامس: (لا تصغ إلى مكر الامرأة) 3 (لأن شفتي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1343 الامرأة الأجنبية تسكبان عسلاً، وحنجرتها ألطف من الدهن) 4 (ثم عاقبتها مرة كالعلقم، ومرهفة كسيف ذي فمين) 5 (رجلاها تنحدران إلى الموت وخطوتها تنفذ إلى الجحيم) 6 (تسلك أنت سبيل الحيات لأن طرقها ضالة لا تدرك) 7 (والآن يا ابني اسمع مني، ولا تبعد عن أقوال فمي أجعل طريقك منها بعيداً، ولا تدن إلى أبواب منزلها) 20 (لماذا تضلك يا ابني الامرأة الغريبة وتحاضنك أجنبية) . ثم قال في الباب السادس: 24 (لنحفظك من امرأة رضية ومن لطافة لسان غريبة لا يشتهي قلبك جمالها ولا تقتنصك غمزاتها) 26 (فإن قيمة الزانية مقدارها خبزة واحدة وامرأة الرجل تصطاد النفس الكريمة) 27 (أيستطيع رجل أن يخفي في حجره ناراً وما تحترق ثيابه) 28 (أم يتمشى على جمر وما تحترق رجلاه) 29 (هكذا من يدخل إلى امرأة غريبة لا يتبرأ إذا لمسها) . ثم قال في الباب السابع: 24 (فالآن يا ابني استمعني وأصغ إلى أقوال فمي) 25 (لا تحنحن قلبك إلى طرقها ولا تضلن في مناهجها) 26 (فإنها قد طرحت كثيرين جرحى وهي قتلت كل قوي) 28 (بيتها هو طرق الجحيم محدرة إلى مطابق الموت) . ثم قال في الباب الثالث والعشرين: 33 (عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك يتكلم بالملتويات) 34 (وتكون كنائم في قلب البحر وكمدير راقد إذ تلفت الدفة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1344 وكذا اختلاط الأمارد آفة بل أخوف من اختلاط النساء وأشنع كما شهد به المجربون، وإذا عرفت هذا، أقول أن عيسى عليه السلام لما كان شارب الخمر، حتى كان معاصروه يقولون أنه أكول شريب خمر، وكان شاباً عزباً، فإذا بلت مريم قدميه بدموعها، ولم تكف عن تقبيلهما منذ دخلت، وكانت تمسحهما بشعر رأسها، وكانت في هذا الوقت فاحشة مشهورة. فكيف نسى عيسى عليه السلام حال أسلافه، يهوذا وداود وسليمان عليهما السلام، وكيف نسي أقوال سليمان عليه السلام، وكيف لم يعلم أن قيمتها مقدار خبزة واحدة، وأن من لمسها لا يتبرأ، كما لا يمكن أن يخفى رجل في حجره ناراً، وما تحترق ثيابه، أو يمشي على جمر النار، وما تحترق رجلاه. فكيف أجاز لها بهذه الأمور، حتى اعترض عليه الفريسي، وكيف يتصور أن هذه الأمور لم تكن من مقتضى الشهوات النفسانية، وكيف غفر خطاياها وذنوبها على هذا الفعل. أهذه الأمور هي اللائقة لذات الله العادل المقدس. ولذلك قال اللوذعي السابق ذكره: (وقد كانت وقتئذ بغياً مباحة، فهل يليق الآن بأحد مطارنة النصارى، إذا كان ضيفاً في بيت أحد معارفه، أن يأذن لقبيحة فاحشة في أن تغسل رجليه بمحضر ملأ من الناس، من غير أن تبدي أمارة التوبة من قبل، لا سراً ولا جهراً) انتهى كلامه. وكان يحب مريم، ويدور هو والاثنا عشر تلاميذه ومعهم نساء كثيرة يخدمنه من أموالهن. فكيف يتصور أنه لم تزل أقدامهم مع هذه المخالطة الشديدة، كما زل قدم روبيل، حتى زنى بزوجة أبيه، وقدم يهودا حتى زنى بكنته، وقدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1345 داود عليه السلام حتى زنى بامرأة أوريا، وقدم أمنون حتى زنى بأخته. ولذلك قال اللوذعي السابق ذكره: (وأغرب منه ما ذكره لوقا من أن عيسى وتلاميذه كانوا يجولون في القرى ومعهم نساء، منهن مريم هذه التي كان أمرها مشهوراً بالفجور والزنا، وأنت خبير بأنه لا يتأتى لكل واحد في البلاد الشرقية، وخصوصاً في القرى، أن يبيت وحده في محل مخصوص. فلا بد أن هؤلاء الأولياء كانوا يبيتون مع تلك الوليات معاً) انتهى كلامه بلفظه. واحتمال مزلة أقدام الحواريين أقوى، لأنهم ما كانوا كاملين في الإيمان، قبل صعود المسيح عليه السلام، على ما أقر علماؤهم. فلا يظن في حقهم العصمة من الزنا، ألا ترى أن الأساقفة والشمامسة من فرقة كاتلك، لا يتزوجون ويدعون أن هذا الأمر من العفاف، ويفعلون ما لا يفعله الفاسق الغني من أهل الدنيا، كأن كنائسهم بيوت الفاحشات الزانيات. في الصفحة 144 و 145 من كتاب الثلاث عشرة رسالة، في الرسالة الثانية هكذا: (القديس برنردوس يقول [1] وعظ عدد 66 في نشيد الإنشاد (نزعوا من الكنيسة الزواج المكرم والمضجع الذي هو بلا دنس فملؤوها بالزنا في المضاجع مع الذكور والأمهات والأخوات وبكل أنواع الأدناس) . والفاروس بيلاجيوس أسقف سلفا في بلاد البورتكال سنة 1300 يقول: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1346 يا ليت أن الأكليروسيين لم يكونوا نذروا العفة، ولا سيما أكليروس سبانيا، لأن أبناء الرعية هناك أكثر عدداً بيسير من أبناء الكهنوت. ويوحنا أسقف سالتزبرج في الجيل الخامس عشر، كتب: (أنه وجد قسوساً قلائل غير معتادين على نجاسة متكاثرة مع النساء، وأن أديرة الراهبات متدنسة مثل البيوت المخصوصة للزنا) انتهى كلامه بلفظه ملخصاً. وشهادة قدمائهم هذه، تكفي في حق عصمة هؤلاء القسوس التي ادعوها، فلا حاجة إلى أن أزيد على هذه، بل أترك ذكرهم وأقول: مثلهم حال فقراء مشركي الهند الذين يدعون العصمة، ويفهمون الزواج أنه أشد المعائب لفقرهم وطريقتهم، وهم أفجر الناس وأفسقهم، لا يحصل للأمراء الفساق ما يحصل لهم. وتذكرت حكاية: أن بعض المسافرين، لما وصل إلى قرية من قرى الهند، رأى جارية كاعبة تجيء من القرية، فسألها يا بنت أنت من بنات القرية أم من كناتها؟ فأجابت هذه اللاكعة: أيها السائل إني من بنات القرية، لكني أفضل من كناتها في قضاء الشهوة يحصل لي ما لم يحصل لإحداهن في الرؤيا والمنام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1347 فهؤلاء المجردون ذوو حظ جسيم من المتزوجين، فعند المنكرين كان عيسى عليه السلام، مستغنياً عن الزواج مطلقاً، وكان تلاميذه مستغنين إما عن الزواج مطلقاً، أو عن كثرة الأزواج مثل حضرات الشمامسة والقسوس من فرقة كاتلك، ومثل فقراء مشركي الهند. وكذا محبة عيسى عليه السلام لتلميذه، محل تهمة عند الذين ابتلوا بهذا الفحش القبيح. ولذلك قال الألمعي السابق ذكره، على قول الإنجيلي الرابع أعني، فاتكأ ذاك على صدر يسوع، هكذا: (كالمرأة التي تحاول شيئاً من عاشقها فتتغنج له) انتهى كلامه بلفظه. واعلم أني ما كتبت في هذا الأمر الخامس، كتبته إلزاماً، وإلا فإني أتبرأ من أمثال هذه التقريرات. ولا اعتقد أمراً منها في حق عيسى عليه السلام، ولا في حق حواريه الأمجاد، كما صرحت في مقدمة الكتاب، ومواضع متعددة. (الأمر السادس) في الجلالين في سورة التحريم هكذا: (من الإيمان تحريم الأمة) انتهى. فقول النبي صلى الله عليه وسلم حرمت مارية على نفسي يمين بهذا المعنى. (الأمر السابع) إذا قال النبي لا أفعل هذا الأمر ثم فعل، لأجل أنه كان جائزاً من الأصل، أو جاء إليه حكم الله، لا يقال أنه أذنب، بل في الصورة الثانية لو لم يفعل يكون عاصياً البتة. وعندهم يوجد مثله في حق الله في كتب العهد العتيق، فضلاً عن الأنبياء كما عرفت بما لا مزيد عليه، في أمثلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1348 القسم الثاني من الباب الثالث، وفي جواب الشبهة الخامسة من الفصل الرابع من الباب الخامس. ويوجد في العهد الجديد، في حق عيسى عليه السلام، في الباب الخامس عشر من إنجيل متى، أن امرأة كنعانية استغاثت لأجل شفاء بنتها، فأبى عيسى عليه السلام فأجابت جواباً حسناً استحسنه عيسى عليه السلام، ودعا لابنتها فشفيت. وفي الباب الثاني من إنجيل يوحنا أن أم عيسى عليه السلام استدعت منه في عرس قانا الجليلي، أن يحول الماء خمراً، وقال ما لي ولك يا امرأة لم تأت ساعتي، ثم حوله. (الأمر الثامن) لا بأس بأن يخصص أولياء الله بخصائص، ألا ترى أن هارون وأولاده كانوا مخصصين بأمور كثيرة، من خدمة قبة الشهادة، وما يتعلق بها، وما كانت هذه الأمور جائزة لبني لاوى الآخرين، فضلاً عن غيرهم من بني إسرائيل. وإذا عرفت الأمور الثمانية، ظهر لك جواب مطعنهم بالوجوه الخمسة، لكني أتعجب كل العجب من هؤلاء المعاندين، أنهم لو رأوا في شريعة الغير أمراً لا يكون حسناً في آرائهم، يقولون أن هذا الأمر لا يجوز أن يكون من جانب الله. المقدس الحكيم العادل، أو يقولون أن هذا ليس بلائق بمنصب النبوة. ولو وجد أمر أشنع منه في شرائعهم، يكون من جانب الله، أو لائقاً بمنصب النبوة. فأمر الله لحزقيال عليه السلام أن يحمل إثم آل إسرائيل وآل يهوذا على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1349 نفسه، وأن يأكل إلى ثلثمائة وتسعين يوماً، خبزاً ملطخاً ببراز الإنسان. وكذا أمر الله لأشعيا عليه السلام، أن يمشي مكشوف العورة الغليظة، وعرياناً بين النساء والرجال إلى ثلاث سنين، مع كونه في قيد العقل. وكذا أمره لهوشع أن يأخذ لنفسه زوجة زانية وأولاد الزنا، وأن يتعشق بامرأة فاسقة محبوبة لزوجها. يكون كلها عندهم أموراً من جانب الله الحكيم المقدس، ولائقاً بمناصب هؤلاء الأنبياء المقدسين. وإجازة نكاح زينب بعد طلاق زوجها وانقضاء عدتها لا يمكن أن يكون من جانب الله، ولا يكون لائقاً بمنصب نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وكذا لا يسقط عن درجة النبوة، يعقوب عليه السلام الذي هو ابن الله البكر بنص التوراة، بسبب أن تعشق راحيل، وخدم أباها أربع عشرة سنة، وأخذ أربع زوجات، وجمع بين الأختين، وكذا لا يسقط عنها داود ابن الله البكر الآخر، بنص الزبور، بسبب أن أخذ نساء كثيرة، وجواري كثيرة، قبل أن يزني بامرأة أوريا بل تكون هذه النساء كلها بهبة الله ورضاه، ويكون داود عليه السلام قابلاً لأن يقول الله في حقه: فإذا كانت عندك قليلة كان ينبغي لك أن تقول فأزيد مثلهن. ولا يصدر العتاب عليه على تكثير النساء، بل على أنه زنى بامرأة الغير، وقتل ذلك الغير بالحيلة، وأخذ تلك الامرأة. وكذا لا يسقط عنها سليمان عليه السلام، الذي هو ابن الله بشهادة كتبهم المقدسة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1350 بسبب أن أخذ ألف امرأة من الزوجات والجواري، وارتد في آخر عمره وعبد الأصنام، بل يبقى مسلم النبوة ويكون كتبه الثلاثة، أعني الأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد، كتباً إلهية. وكذا لا يسقط لوط عنها، بسبب الزنا بابنتيه. وكذا لا يسقط عنها ابن الله الوحيد وحواريه الأمجاد، بسبب حب الفاحشة، وبعض التلاميذ، والجولان مع النساء في قرى البلاد الشرقية. بل لا يتهمون أيضاً بشيء مع هذه المخالطة الشديدة وكونهم شاربي الخمر وشباناً. ويسقط محمد صلى الله عليه وسلم عن درجة النبوة بكثرة الأزواج، ونكاح زينب، وتحليل جاريته بعد تحريمها. لعل منشأ هذه الأمور أن الله لما كان واحداً حقيقياً، لا تكثر في ذاته بوجه من الوجوه عند أهل الإسلام، فذاته المقدسة لا تسع أمراً غير مناسب، وعندهم لما كان ذاته مشتملة على الأقانيم الثلاثة المتصف كل منهم بصفات الألوهية كلها، الممتاز كل منهم عن الآخر امتيازاً حقيقياً تسع أمراً غير مناسب. لأن الامتياز الحقيقي، لا يمكن أن يفارق التعدد، بل يستلزمه البتة وإن لم يقروا بحسب الظاهر به، كما عرفت في الباب الرابع والثلاثة أكثر من الواحد. فلعل إلههم في زعمهم أقوى من إله المسلمين، وكذلك لما لم تكن العصمة من ذنب من الذنوب، حتى الشرك وعبادة العجل والأصنام والزنا والسرقة والكذب حتى في تبليغ الوحي وغيرها من المعاصي، شرط للنبوة عندهم، كانت ساحة النبوة عندهم أوسع من ساحتها عند المسلمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1351 أو لعل. منشأها أن يعقوب وداود وسليمان وعيسى لما كانوا أبناء الله، فلهم أن يفعلوا في مملكة أبيهم ما يشاؤون، بخلاف محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لما كان عبد الله بن عبد الله، لا يجوز له أن يفعل في مملكة مالكه وسيده ما يشاء. نعوذ بالله من التعصب الباطل والاعتساف ومن المكابرة وعدم الإنصاف. (المطعن الرابع) أن محمد صلى الله عليه وسلم كان مذنبا ً، وكل مذنب لا يصح أن يكون شافعاً للمذنبين الآخرين. أما الصغرى فلما وقع: في سورة المؤمن: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار} . وفي سورة محمد: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} . وفي سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر} . وفي الحديث: (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) . ونحوه مما وقع في الأحاديث الأخرى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1352 (والجواب) أن الصغرى والكبرى كلتاهما غير صحيحتين، فالنتيجة كاذبة يقيناً، وأنا أمهد لتوضيح بطلانهما أموراً خمسة: (الأمر الأول) أن الله رب وخالق، والخلق كله مربوب ومخلوق، فكل ما صدر عن حضرة الرب الخالق في حق العبد المربوب المخلوق، من الخطاب والعتاب والاستعلاء فهو في محله ومقتضى المالكية والخالقية. وكذا كل ما يصدر عن العباد، من الأدعية والتضرعات إليه، فهو في موقعه أيضاً، ومقتضى المخلوقية والعبودية والأنبياء عباد الله المخلصون، فهم أحق من غيرهم، والحمل على المعنى الحقيقي في كل موضع، من أمثال هذه المواضع، في كلام الله وفي أدعية الأنبياء وتضرعاتهم خطأ وضلال وشواهده كثيرة في كتب العهدين، سيما الزبور. وأنا أنقل على سبيل الأنموذج بعضاً منها: [1] في الباب العاشر من إنجيل مرقس، والثامن عشر من إنجيل لوقا هكذا: 17 (وفيما هو خارج إلى الطريق، ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية) 18 (فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله) انتهى بعبارة مرقس. فأقر عيسى عليه السلام بأني لست صالحاً ولا صالح إلا الله وحده. [2] في الزبور الثاني والعشرين هكذا: 1 (إلهي إلهي انظر لماذا تركتني تباعد عني خلاصي بكلام جهلي) 2 (إلهي بالنهار أدعوك فلم تستجب لي وبالليل فلم تحفل بي) . ولما كان آيات هذا الزبور راجعة إلى عيسى عليه السلام، على زعم أهل التثليث، فكان القائل بها عندهم هو عيسى عليه السلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1353 [3] الآية السادسة والأربعون من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني) . [4] في الباب الأول من إنجيل مرقس هكذا: 4 (كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا) 5 (وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الأردن معترفين بخطاياهم) 9 (وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن) . وكانت هذه المعمودية، معمودية التوبة، بمغفرة الخطايا. كما صرح مرقس في الآية الرابعة والخامسة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1354 والآية الثالثة من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا: (فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودة التوبة لمغفرة الخطايا) . وفي الآية الحادية عشر من الباب الثالث من إنجيل متى هكذا: (أنا أعمدكم بماء للتوبة) الخ. وفي الآية الرابعة والعشرين من الباب الثالث عشر من كتاب الأعمال هكذا: (إذ سبق يوحنا فكرز قبل مجيئه بمعمودية التوبة لجميع شعب إسرائيل) . والآية الرابعة من الباب التاسع عشر من كتاب الأعمال هكذا: (فقال بولس أن يوحنا عمد بمعمودية التوبة) الخ. فهذه الآيات كلها، تدل على أن هذه المعمودية، كانت معمودية التوبة لمغفرة الخطايا، فمتى سلم اعتماد عيسى من يحيى عليهما السلام، لزم تسليم اعترافه بالخطايا والتوبة منهما أيضاً، لأن حقيقة هذا الاعتماد ليست غير ذلك. وفي الباب السادس من إنجيل متى في الصلاة التي علمها عيسى عليه السلام تلاميذه هكذا: (اغفر لنا ذنوبنا كما نحن نغفر أيضاً للمذنبين إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير) . والظاهر أن عيسى عليه السلام، كان يصلي تلك الصلاة التي علمها تلاميذه، ولم يثبت من موضع من مواضع الإنجيل أنه ما كان يصلي هذه الصلاة. وستعرف في الأمر الثاني أنه كان كثير الصلاة، فلزم أن يكون دعاؤه باغفر لنا ذنوبنا مرات كثيرة بلغت الآلاف. والعصمة من الذنوب، وإن لم تكن من شروط النبوة عند أهل التثليث، لكنهم يدعونها في حق عيسى عليه السلام، باعتبار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1355 الناسوت أيضاً. وكان عيسى عليه السلام بهذا الاعتبار أيضاً عندهم، صالحاً ومقبولاً لله لا متروكاً فهذه الجمل: [1] لماذا يدعوني صالحاً الخ. [2] إلهي إلهي لماذا تركتني. [3] تباعد عني خلاصي بكلام جهلي. [4] بالنهار أدعوك فلم تستجب لي. [5] ألفاظ التوبة والاعتراف بالخطايا عند الاعتماد. [6] اغفر لنا ذنوبنا. لا تكون محمولة على المعاني الحقيقية الظاهرية عند أهل التثليث، وإلا يلزم أنه لم يكن صالحاً، وكان متروكاً لله بعيداً عن الخلاص، بسبب كلام الجهل. غير مستجاب الدعاء، خاطئاً مذنباً. فلا بد أن يقال أن هذه التضرعات بمقتضى المخلوقية والمربوبية باعتبار الناسوت. وفي الزبور الثالث والخمسين هكذا: 3 (الرب من السماء اطلع على بني البشر لينظر هل من يفهم أو يطلب الله) 4 (كلهم قد زاغوا جميعاً والتطخوا وليس من يعمل صلاحاً حتى ولا أحد) . وفي الباب التاسع والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: 9 (فلذلك تباعد الحكم عنا ولا يدركنا العدل انتظرنا النور فيها الظلام انتظرنا الشعاع فها سرنا في الظلمة) 12 (من أجل أن آثامنا تكاثرت قدامك وخطايانا أجابتنا لأن فجورنا معنا وآثامنا عرفناها) 13 (أن نخطئ ونكذب على الرب واندبرنا إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1356 خلف حتى أن لا نسلك وراء إلهنا لنتكلم بالظلم والتعدي حبلنا وتكلمنا من القلب بكلام كاذب) . وفي الباب الرابع والستين من كتاب أشعيا هكذا: 6 (وصرنا جميعنا كالنجس وكخرقة الحائض كل براتنا وسقطنا مثل الورق نحن جميعاً وآثامنا كالريح ذرونا) 7 (ليس من يدعو باسمك ومن يقوم ويمسكك أخفيت وجهك عنا واطرحتنا بيد إثمنا) .. ولا شك أن كثيراً من الصلحاء كانوا موجودين في زمان داود عليه السلام، مثل ناثان النبي وغيره، ولو فرضنا أنهم لم يكونوا معصومين على زعم أهل التثليث، فلا ريب أنهم لم يكونوا مصداق الآية الرابعة من الزبور المذكور أيضاً، ووقعت في عبارتي أشعيا عليه السلام، صيغ التكلم مع الغير، وأشعيا وغيره من أنبياء عهده وصلحاء زمانه، وإن لم يكونوا معصومين لكنهم لم يكونوا مصاديق الأوصاف المصرحة، في العبارتين قطعاً أيضاً، فلا تكون عبارة الزبور وهاتان العبارتان محمولات على معانيها الحقيقية الظاهرية، بل لا بد فيها من الرجوع إلى أن تلك التضرعات بمقتضى العبودية. وكذا وقع في الباب التاسع من كتاب دانيال، والباب الثالث والخامس من مراثي أرمياء، والباب الرابع من الرسالة الأولى لبطرس. (الأمر الثاني) أن أفعال الأنبياء كثيراً ما تكون لتعليم الأمة، لتستن بهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1357 ولا يكونون محتاجين إلى هذه الأفعال لأجل أنفسهم. في الباب الرابع من إنجيل متى، أن عيسى عليه السلام صام أربعين نهاراً، أو أربعين ليلة. والآية الخامسة والثلاثون من الباب الأول من إنجيل مرقص هكذا: (وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك) . والآية السادسة عشر من الباب الخامس من إنجيل لوقا هكذا: (وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله) . ولما كان اتحاد المسيح بذات الله على زعم أهل التثليث، فلا حاجة له إلى هذه التكاليف الشديدة، فلا بد أن تكون هذه الأفعال لأجل التعليم. (الأمر الثالث) أن الألفاظ المستعملة في الكتب الشرعية، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والنكاح والطلاق وغيرها، يجب أن تحمل على معانيها الشرعية ما لم يمنع عنها مانع، ولفظ الذنب في هذا الاصطلاح الشرعي، إذا استعمل في حق ألأنبياء، يكون بمعنى الزلة. وهي عبارة عن أن يقصد معصوم عبادة أو أمراً مباحاً، ويقع بلا قصد وشعور في ذنب لمجاورة العبادة أو الأمر المباح بهذا الذنب، كما أن السالك يكون قصده قطع الطريق، لكنه قد يزل قدمه أو يعثر بسبب طين أو حجر واقع في ذلك الطريق، أو يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1358 بمعنى ترك الأولى. (الأمر الرابع) أن وقوع المجاز في كلام الله وكلام الأنبياء كثير، كما عرفت بما لا مزيد عليه، في مقدمة الباب الرابع. وقد عرفت أيضاً في جواب الشبهة الرابعة من الفصل الرابع من الباب الخامس، أن حذف المضاف كثير في كتبهم المقدسة. (الأمر الخامس) أن الدعاء قد يكون المقصود به محض التعبد كما في قوله تعالى: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} فإن إيتاء ذلك الشيء واجب، ومع ذلك أمرنا بطلبه. كقوله تعالى: {رب احكم بالحق) مع أنا نعلم أنه لا يحكم إلا بالحق. وإذا عرفت الأمور الخمسة، أقول أن الاستغفار طلب الغفران، والغفران الستر على القبيح، وهذا الستر يتصور على وجهين: الأول: بالعصمة منه لأن من عصم فقد ستر عليه قبائح الهوى. والثاني: بالستر بعد الوجود. فالغفران في الآيتين الأوليين بالوجه الأول، في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الثانية بالوجه الثاني في حق المؤمنين والمؤمنات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1359 قال الإمام الهمام الفخر الرازي قدس سره في ذيل تفسير الآية الثانية هكذا: (وفي هذه الآية لطيفة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له أحوال ثلاثة: حال مع الله، وحال مع نفسه، وحال مع غيره، فأما مع الله فوحده، وأما مع نفسه فاستغفر لذنبك واطلب العصمة من الله، وأما مع المؤمنين فاستغفر لهم، واطلب الغفران لهم من الله) انتهى كلامه بلفظه. أو أن المقصود من الأمر بالاستغفار في الآيتين محض التعبد كما في قوله تعالى: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} وكقوله: {رب احكم بالحق} كما عرفت في الأمر الخامس. أو أن المقصود من هذا الأمر أن يكون الاستغفار مسنوناً في أمته، فاستغفاره صلى الله عليه وسلم كان لتعليم الأمة.. في الجلالين ذيل تفسير الآية الثانية هكذا: (قيل له ذلك مع عصمته ليستن به أمته) انتهى. أو أن المضاف في الآيتين محذوف. والتقدير في الآية الأولى: (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنب أمتك) الآية. وفي الثانية: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنب أهل بيتك ولذنب المؤمنين والمؤمنات الذين ليسوا من أهل بيتك، فلا بعد في ذكر المؤمنين والمؤمنات) . وقد عرفت في الأمر الرابع، أن حذف المضاف كثير شائع في كتبهم، أو أن المراد بالذنب في الآيتين الزلة أو ترك الأفضل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1360 وسمعت من الأحباء، أن بعض من بلغ سن الخرافة من علماء بروتستنت، اعترض على هذا التوجيه في بعض تأليفه الجديد وقال: فرضنا أنه ما ظهر من محمد صلى الله عليه وسلم ذنب من الذنوب غير ترك الأولى، فترك الأولى أيضاً ذنب على ما يحكم به كلام الله أعني التوراة والإنجيل فيكون محمد صلى الله عليه وسلم مذنباً. قال يعقوب في الآية السابعة عشر من الباب الرابع من رسالته هكذا: (فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطيئة له) انتهى. أقول: هذا منشؤه خرافة السن، لأنه لا شك أن ترك شرب الخمر حسن، حتى مدح الله يحيى عليه السلام على هذا، وقال الأنبياء في حقها ما قالوا، وكذا لا شك أن عدم الإذن لفاحشة مباحة بغي في غسل الرجلين ومسحهما بشعر رأسها بمحضر ملأ من الناس حسن. وكذا ترك المخالفة الشديدة بالنساء الأجنبيات الشواب، والجولان معهن في القرى الشرقية حسن، سيما إذا كان الرجل المخالط شاباً عزباً. وما فعل هذه الأمور الحسنة عيسى عليه السلام، حتى أن المخالفين طعنوا عليه كما عرفت في جواب المطعن الثالث، فيلزم على رأيه أن يكون إلهه أيضاً مذنباً. على أن هذا المعترض زاد لفظ التوراة لأجل تغليط العوام، ولا يوجد هذا الحكم في التوراة، وهو ما أورد سنداً لهذا، إلا من رسالة يعقوب التي ليست إلهامية، على تحقيق العلماء الأعلام من فرقة بروستنت، سيما على تحقيق إمامه ومقتداه لوطر، كما عرفت في الفصل الرابع من الباب الأول. فكلام يعقوب على هؤلاء العلماء ليس بحجة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1361 فاعتراضه واه بلا شبهة. وأما الآية الثالثة فالمضاف محذوف، أو المراد بالذنب ترك الأفضل، أو المراد بالغفران العصمة. وقال الإمام السبكي وابن عطية: أن المقصود من هذه الآية، ليس إثبات صدور ذنب وغفرانه، بل المقصود منها تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه فقط. لأن الله أظهر تعظيمه وإحسانه في أول هذه السورة، فبشر أولاً بالفتح المبين، ثم جعل غاية هذا الفتح الغفران وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم وإعطاء النصر العزيز. فلو فرض صدور ذنب ما يكون مخلاً لبلاغة الكلام، فمقتضاها التكريم والتعظيم. كما أن السيد إذا رضي عن خادمه يقول تارة لإكرامه وإظهار رضاه: عفوت عنك خطيئاتك المتقدمة والمتأخرة، ولا أؤاخذك عليها وإن لم يصدر عن هذا الخادم خطيئات. وأما الدعاء المذكور في الحديث، فتوجيهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان أرفع الخلق عند الله درجة وأتمهم به معرفة، وكان حاله عند خلوص قلبه عن ملاحظة غير ربه، إقباله بكليته عليه أرفع حاليه، بالنسبة إلى غير ذلك كان يرى شغله بما سواه، وإن كان ضرورياً نقصاً وانحطاطاً من رفيع كماله، فكان يستغفر الله من ذلك طلباً للمقام الأعلى، فكان هذا الشغل الضروري أيضاً عنده، بمنزلة الذنب الذي لا بد أن يستغفر عنه بالنسبة إلى أعلى حاله، أو كان صدور مثل هذا الدعاء بمقتضى العبودية. كما أن عيسى عليه السلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1362 أيضاً بمقتضى العبودية، نفى الصلاح عن نفسه، واعترف بالخطايا عند الاعتماد، ودعا مراراً باغفر لنا ذنوبنا، وتفوه بهذه الجمل: 1 (إلهي إلهي لماذا تركتني) 2 (وتباعد عني خلاصي بكلام جهلي) 3 (إلهي بالنهار أدعوك فلم تستجب لي) أو كان هذا الدعاء لأجل التعبد المحض كما عرفت في الأمر الخامس 4 أو كان لأجل تعليم الأمة 5 وأن الذنب المذكور فيها بمعنى الزلة، وترك الأولى، كما عرفت في الأمر الثالث، وعلى كل تقدير لا يرد شيء، وهذه التوجيهات الخمسة تجري كلها أو بعضها في الأحاديث، التي تكون مثل الحديث المذكور. وإذا لم يثبت من الآيات والأحاديث المذكورة التي استدل بها المعترض، كون محمد صلى الله عليه وسلم مذنباً، ثبت كذب الصغرى. وأما كذب الكبرى، فلأن كليتها ممنوعة، لأنها إما أن يثبتها المعترض بعندية أهل التثليث، أو بالبرهان النقلي. فإذا كان الأول فعنديتهم هذه لا تتم علينا، كما لا تتم أكثر عندياتهم على ما عرفت في الفصل الثاني من الباب الخامس. وإن كان الثاني فعليهم بيان ذلك البرهان، وعلينا النظر في مقدماته، وأنى لهم ذلك ولا استبعاد في أن يغفر الله ذنوب واحد بلا واسطة، ثم يقبل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1363 شفاعته في حق الآخرين، على أن قبح الذنب عقلاً ما لم يغفر، فإذا غفر لا يبقى قبحه لوجه ما، وقد يوجد التصريح في الآية الثالثة التي نقلوها بزعمهم الفاسد، لإثبات الذنب بأن قال: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} . فإن صارت ذنوب محمد صلى الله عليه وسلم متقدمة كانت أو متأخرة مغفورة، في هذه الدار الدنيا، فما بقي شيء مانع في أن يكون شفيعاً للآخرين في الدار الأخرى. وإن كان الثالث فغلط يقيناً، ألا ترى أن بني إسرائيللما عبدوا العجل، أراد الله أن يهلك الكل، فشفع موسى عليه السلام لهم، فقبل الله شفاعته، وما أهلك. كما هو مصرح به في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج، ثم قال الرب لموسى: اذهب أنت وبنو إسرائيل إلى أرض كنعان وأنا لا أذهب معكم، فشفع موسى فقبل الله شفاعته، وقال: أنا أذهب معك. كما هو مصرح به في الباب الثالث والثلاثين من سفر الخروج. ثم لما عصوا أراد الله مرة أخرى أن يهلكهم، فشفع موسى وهارون عليهما السلام فقبل الله شفاعتهما. ثم لما عصوا مرة أخرى أرسل الله عليهم حيات تلدغهم، فجاؤوا إلى موسى مستشفعين، فشفع لهم فقبل الله شفاعته، كما هو مصرح به في الباب السادس عشر والباب الحادي والعشرين من سفر العدل. فلا استحالة عقلاً ولا نقلاً في كون محمد صلى الله عليه وسلم شفيع المذنبين، اللهم ابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وارزقنا شفاعته يوم القيامة. وليكن هذا آخر الباب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1364 وقد ابتدأت في تأليف هذا الكتاب، في اليوم السادس عشر من شهر رجب المنسلك في سنة ألف ومائتين وثمانين من هجرة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وفرغت منه في آخر ذي الحجة من السنة المذكورة، والحمد لله رب العالمين وصار تاريخ ختمه (تأييد الحق برحمة الله 1280) . فأعوذ بالله من الحاسد الذي لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلاً، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضاً، ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولاُ، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالاً. وأفوض أمري إلى اللطيف الخبير، إنه نعم المولى ونعم النصير. وأقول متضرعاً ومترجياً: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1365