الكتاب: توجيهات إسلامية لعبد الله بن حميد المؤلف: عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن حميد (المتوفى: 1402هـ)   [الكتاب مرقم آليا] ---------- توجيهات إسلامية لعبد الله بن حميد عبد الله بن حميد الكتاب: توجيهات إسلامية لعبد الله بن حميد المؤلف: عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن حميد (المتوفى: 1402هـ)   [الكتاب مرقم آليا] توجيهات إسلامية بقلم فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد (رحمه الله) بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الدعوة إلى الله طريقة الرسل ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. هذا أمر من الله جل شأنه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة وهو أمر للأمة وقد أمر الله رسوله بأن يدعو الناس كافة إلى سبيله وبأن تكون الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن فرتب الدعوة على حسب مراتب الخلق والدعوة إلى سبيله مستلزمة لبيان السبيل للمدعو إليه وقد بان هذا السبيل بالوحي الإلهي ما وضح قواعد الدين الاعتقادية والعملية فما قام دين من الأديان ولا مذهب من المذاهب ولا ثبت مبدأ من المبادئ إلا بالدعوة إليه ولا تداعت أركان ملة بعد قيامها ولا انتكث فل شريعة بعد إحكامها ولا درست رسوم طريقة بعد ارتفاع أعلامها إلا وسببه ترك الدعوة. فيا أيها العلماء وحماة الدين ما لنا نرى الحق بدت معالمه تتضاءل وآثاره تعفو وتندرس ومذاهب الباطل تموه بالدعوة ويعم انتشارها. إن الإسلام بدأ يضعف منذ اقتنع أهله بالترف والنعيم وأهملوا العناية بالدعوة إليه فوالله لو بقي للعلماء سؤر من الغيرة على دينهم لنفروا خفافا وثقالا للإرشاد والدعوة. فإن الأمة الإسلامية في مبدإ نشأتها قامت بالدعوة إلى دينها مُبينة للأمم سماحته شارحة حكمه موضحة محاسنه فقد أعطيت أمثل التعاليم وهديت إلى صراط مستقيم وبذلك امتد سلطانها واتسعت ممالكها وأخضعت من سواها لأوامر القرآن ونواهيه، ثم ما لبثت أن حرفت فانحرفت وتمزقت بعد ما اجتمعت. حرفت التعاليم الحقة واشتبه عليها الحق بالباطل وتبعت السبل فتفرقت بها عن سبيل الحق. فأصبحت اليوم شيعا متفرقة لما أضاعت الحق والدعوة إليه ضاعت وهانت وصارت غثاء كغثاء السيل فلو أن الأمة الإسلامية تمسكت بدينها وعملت بكتاب ربها واتبعت سنة نبيها لكانت أرقى الأمم وأسعد الناس والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وظيفة العلماء لا شك أن العلماء هم ورثة الأنبياء وواجب عليهم من الدعوة والإرشاد وتبصير الأمة ما لا يجب على غيرهم لأنهم خلف لهم في وظيفتهم كما قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) فما كان من سنن العلماء أن ينزلوا في بيوتهم ويقتصروا على مساجدهم وتعليم العدد اليسير من تلاميذهم؛ بل يلزمهم أن يتعرضوا للناس ويسعون وراءهم لتذكيرهم ووعظهم وغرس العقيدة الحقة في نفوسهم كما فعل موسى عليه السلام حيث ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الله، وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي القبائل في منازلهم وقريشا في أنديتها فيدعوهم إلى التوحيد الذي هو مدلول كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) ، وينهاهم عن عبادة ما سواه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فعلى هذا جرت سنة الأنبياء والمرسلين والسلف الصالح رضوان الله عليهم بدعوة الناس إلى الخير وإرشادهم إلى طريق الهدى بالجد والاجتهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان محوطا بالأشواك والمكاره غير هيابين ولا وجلين، متدرعين بالصبر واثقين من الله بالأجر، فإن الإمام مالك لما قيل له: أتدخل على السلطان وهو يظلم ويجور؟ فقال: يرحمك الله، فأين يكون الكلام في الحق. وكان أبو الحسن الأشعري يذهب إلى مجالس المعتزلة ويقول إنهم الورياسة فمنهم الوالي والقاضي ولرياستهم لا ينزلون إلي فإذا لم أسر إليهم فكيف يظهر الحق ويعلمون أن لأهل السنة ناصرا للحجة فحق من قال للعلماء قوموا بواجبكم نحو أمتكم دلوهم إلى الخير ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، أدوا الأمانة العليمة التي في أعناقكم والتي أخذ الله عليكم الميثاق في بيانها وإرشاد الناس إليها فإن "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما أتى الله عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق لا يكتمه وقال أيضا رضي الله عنه ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا محق من يوجه سهام اللوم نحو العلماء في تخليهم عن تذكير الأمة ودعوتهم إلى الحق حتى قام به الجهلة وتقدم إليه الأدعياء ممن لا يحسنون هداية الناس وإرشادهم وتهذيب أخلاقهم وتثقيف عقولهم بل هؤلاء في حاجة ماسة إلى إصلاح أنفسهم وأحكام دينهم على وفق الكتاب والسنة وتصحيح عقائدهم بالهداة والمرشدين. محق من قال للعلماء أتنم رعاة الأمة والمسئولون عنها في إصلاح أوضاع دينها وتقويم أخلاقها وتهذيب نفوسها وتبصرها بطريق الرشاد فكل راع مسئول عن رعيته. ومن رعى غنما في أرض مسبعة ... ... ... ... ... ... ونام عنها تولى رعيها الأسد وحين قصر رجال العلم عن واجبهم وتخلوا عن وظيفتهم ورضوا بالانزواء في بيوتهم تصدى لإرشاد الأمة وتعليم الشبيبة غير الأكفاء من الجهلة وأولي الأهواء ممن فسدت عقيدتهم فكانت النتيجة ما ترى مما يحتاج الى جهود جبارة في ازمنة عقيدتهم فكانت النتيجة ما ترى مما يحتاج إلى جهود جبارة في أزمنة طويلة يتصدى لها جمع كثير من أولي الدين والرأي والغيرة والشجاعة لإعزاز دين الله وإعلاء كلمته وغرس العقيدة الصحيحة لا عزاز دين الله واعلا كلمته وغرس العقيدة الصحيحة في قلوب النشئ بالوسائل المؤثرة والأساليب المقنعة بعد إعداد كامل العدة والحصول على الذخيرة التامة مع مراعاة الرفق واللين وسعة في الصدر ومع صدق في النية وإخلاص في العمل والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 دعوة المرسلين يقول الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فقد بين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة الحكمة في خلق الجن والإنس وهي أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، ومن المعلوم أن من عبد الله ولكن عَبَدَ معه غيره أنه لم يعبد الله وحده بل أشرك معه في عبادته، فالإشراك في عبادة الله مفسدة لها كما يفسد الحدث الطهارة. فإن الله سبحانه وتعالى أمر بعبادته وحده ولذلك يقول ابن عباس كل ما ورد في القرآن "اعبدون" فالمراد وحِّدون، والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة وهو معنى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، فإن لا نافية للجنس، فقد نفت جنس الإله أن يكون أحد منهم يستحق التأله بحق أو يصرف شيء من العبادة له، ثم أثبت بقوله إلا الله العبادة لله وحده لا شريك له في ألوهيته كما أنه ليس له شريك في ربوبيته وهذا هو قول الخليل عليه السلام (إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) فاستثنى من المعبودين ربه وتبرأ مما سواه فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لانفصام لها، وهذا المعنى في القرآن والسنة كثيرجدا وهو حقيقة ما دعت الرسل إليه أممهم قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ، (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) إذا عرفت هذا علمت أن من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك بالله والشرك مبطل للعمل فمن أنواع العبادة التي أمر الله بها ولا يجوز صرفها لغيره الدعاء والاستعانة والاستغاثة والذبح والنذر والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والمحبة والخشية والرغبة والرهبة والتأله والخشوع. فمن دعا أحدا غير الله من الرسل أو الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أو غيرهم من سائر المخلوقات. فقد أشرك بالله ودخل في وعيد الله بقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) قال تعالى: (ادعوني أستجب لكم) الآية فقد سمى الله الدعاء عبادة بل هو العبادة كما في الحديث الصحيح. ونهى سبحانه أن يدعى معه أحد كائنا من كان. قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وكذلك من ذبح لغير الله فقد أشرك في عبادة الله غيره قال الله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) وقد فسر العلماء النسك بالذبح. وكذلك النذر لا يجوز أن ينذر لغير الله ومن نذر لغير الله حرم عليه الوفاء به. وإنما الذي يجب الوفاء به هو إذا كان لله كما قال تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) ويقول تعالى: (أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) ، (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) ، (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) ، (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) ، (أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) ، (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) ، (فلا تخشوا الناس واخشوني) ، (إنهم كانوا يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) ، (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) . إذا عرفت حقيقة التوحيد وما دعت إليه الرسل أممهم علمت أن من فعل ما نهى الله عنه أو رسوله أو ترك شيئا مما أمر الله به ورسوله فقد حصل عليه من الخلل والنقص في دينه بحسب ما فعل من المنهي عنه أو بحسب ما ترك من المأمور به فقد يخرج من الإسلام وهو لا يشعر وقد ينقص توحيده وهو لا يعلم ومن ذلك ما يفعله بعض المنتسبين للإسلام من دعاء الأموات والغائبين ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن أن يملك ذلك لغيره وسواء كان المدعو رسولا أو نبيا أو مَلَكا أو وليا أو شمسا أو قمرا أوغير ذلك من سائر المخلوقات. وإن كان الداعي يعلم أن الله هو الخالق الرازق وأن بيده الأمر كله ولكنه يطلب ممن يدعو أن يشفع له عند الله فإن ذلك مناف للتوحيد كما قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من البناء على القبور وتجصيصها واتخاذ السرج عليها. كل ذلك خوفا من أن يكون وسيلة إلى الصلاة عندها ودعاء الميت والاستغاثة به فمما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك ما ثبت في الصحيحين والسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البناء على القبور وأمر بهدمها كما قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته) ، وساق بسنده عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص على القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه) ، وساق عن ثمامة قال كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها) . وقال الترمذي: باب ما جاء في القبور: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن وائل أن عليا رضي الله عنه قال لأبي الهياج الأسدي ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته) ، وقال في الباب عن جابر رضي الله عنه وقال ابن ماجة في باب ما جاء في النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها: حدثنا زهير بن مروان حدثنا عبد الرزاق عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور) ، حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا حفص بن عثمان عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب على القبور شيء) . حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا وهب حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن القاسم ابن مخيمرة عن أبي سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور) . وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم: قال الشافعي في الأم: (رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى) ، ويؤيد الهدم قوله: (ولا قبرا مشرفا إلا سويته) ، وقال الأذرعي في قوت المحتاج: ثبت في صحيح مسلم النهي عن التجصيص والبناء. وفي الترمذي وغيره النهي عن الكتابة. وقال القاضي ابن كج: ولا يجوز أن يبنى عليها قباب ولا غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 والوصية باطلة: قال الأذرعي: (والوجه في تحريم البناء على القبور المباهاة والمضاهاة بالجبابرة والكفار، والتحريم يثبت بدون ذلك. وأما بطلان الوصية ببناء القبور وغيرها من الأبنية العظيمة في إنفاق الأموال الكثيرة عليه فلا ريب في تحريمه والعجب كل العجب ممن يلزم ذلك الورثة من حكام العصر ويعمل بالوصية بذلك) .اهـ كلام الأذرعي رحمه الله. وقد روى أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر أو يكتب عليه أو يزاد عليه) و (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكتابة عليها) كما تقدم في صحيح مسلم وقال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: (باب ما جاء في تجصيص القبور والكتابة عليها حدثنا عبد الرحمن بن الأسود حدثنا محمد بن ربيعة عن بن جريح عن أبي الزبير قال نهى رسول الله أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ) هذا حديث حسن صحيح وقال أبو داوود: (باب البناء على القبور) حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريج قال حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يقعد على القبر وأن يجصص وأن يبنى عليه) اهـ إذا تبين ذلك فهذه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة لا مطعن فيها ولا مغمز شاهدة على أن وضع القباب والبناء على القبر والكتابة عليها وتجصيصها واتخاذها وإسراجها أمر تقرر في الشرع منعه. تحذيرا لنا أن نسلك سنن من قبلنا. وإذا تأمل الناظر أعيان ما صح فيه النهي من الشارع في هذا الباب (عرف حقيقة ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم: قال النووي وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى أو للكعبة ونحو ذلك وكل ذلك حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أويهوديا، نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله والعبادة له كان ذلك كفرا فإن كان الذابح قبل ذلك مسلما صار بالذبح مرتدا، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) قال القرطبي رحمه الله وإنما صوروا تلك الصور ليتأسوا بهم ويعملوا أعمالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدون الله عند قبورهم، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ذكر ما يفعله المشركون عند القبور فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة في صلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها لأنها أوقات يقصد فيها المشركون الصلاة للشمس فنهى أمته عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد ما قصده المشركون سدا للذريعة. وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالإضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم. أن الصلاة عند القبور منهي عنها وأنه صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذها مساجد فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة للسنة الصحيحة الصريحة وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك. اهـ. وروى مسلم عن جندب ابن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم ـ كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) . قال ابن القيم رحمه الله: وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي بصيغة لاتفعلوا وأني أنهاكم عن ذلك ليس لأجل النجاسة بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة لمن عصاه وارتكب ما عنه نهاه ولم يخش ربه ومولاه. وقل نصيبه أو عدم من لا إله إلا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ـ وقال رحمه الله يجب هدم القباب التي بنيت على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من الأبنية منهم ابن الجميزي والظهير الترمذي وغيرهما قال الإمام الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد بعد أن ذكر فصولا نافعة بين منها أقسام التوحيد وأنواع العبادات (فصل) الاعتقاد في غير الله شرك: قد عرفت من هذا كله أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به إلى أن قال: واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فضلا عن من ينذر بماله وولده لميت أو حي أو يطلب من ذلك الميت ما لا يطلب إلا الله تعالى من الحاجات من عافية مريضه أو قدوم غائبه أو نيله لأي مطلب من مطالب فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما وفعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا فالأسماء لا أثر لها ولا تغير المعنى ضرورية لغوية وعقلية وشرعية. فإن من شرب الخمر وسماها ماءً ما شرب إلا خمرا وعقابه عقاب شارب الخمر ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية إلى أن قال وكذلك تسمية القبر مشهدا ومن يعتقدون فيه وليا لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأ صنام ويطوفون بها طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونها استلام أركان البيت ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية من قولهم على الله وعليك ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها. قال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح الصدور بتحريم رفع القبور: اعلم أنه قد اتفق سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لفاعلها كما يأتي بيانه ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين اهـ. قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم على حديث جندب رضي الله عنه: قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره واتخاذ قبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية وقال الشيخ محمد صديق حسن القنوجي البخاري في كتابه الدين الخالص: وأما فتنة القبور فقد أدت إلى الشرك بالله في صفاته الخاصة به عز وجل وطال ذيولها وسالت سيولها وأولدت فتنا كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى إلى أن هجرت عبادة الرب وجعلوه معطلا وصارت العبادة كلها للأموات واعتقدوا فيهم ما لا يجوز اعتقاده إلا في خالق الكائنات وابتدعوا لهم أنواع التصرفات في العالم وابتلي بذلك كل جاهل في الدنيا والعالم وصارت القبور قبلة الحاجات وكعبة المرادات واستراحوا في الاستغاثة لغير رب الأرباب وجعلوا للموتى المشاهد وبنوا لهم ألوانا من القباب ولم يعلموا أن هذه الافتعالات مضادة للشريعة الحقة ماحية للسنن الصادقة فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولا شك أن أصل شرك العالم طلب الحوائج من الموتى والاستعانة بهم والتوجه إليهم فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا فضلا عمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه يقول تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) والله لم يجعل سؤال غيره سببا لإذنه وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد. ولذلك لما قال أبو هريرة رضي الله عنه من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه" وجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن وهو جعله وساطة بينه وبين الله من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا والميت محتاج إلى من يدعو له كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة وجعلو قبورهم أوثانا تعبد فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى التنقص للأموات وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص بأنهم ظنوا أو يعتقدون أنهم راضون عنهم بهذا وأنهم أمروهم به وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان وما أكثر المستعجبين لهم؟ ومن جمع بين معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وعرف ما أمر به صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وعلم ما عليه أصحابه والسلف الصالح ورأى ما عليه أكثر الناس اليوم رأى بينهما فرقا عظيما ومخالفة صريحة لسننه صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها مساجد وهؤلاء يبنون عليها المساجد. ونهى عن تسريجها وهؤلاء يوقفون الأوقاف على إضاءتها ونهى أن تتخذ أعيادا وهؤلاء يتخذونها أعيادا وأمر بتسويتها كما في صحيح مسلم عن جابر ونهى عن الكتابة عليها كما رواه الترمذي عن جابر ونهى أن لا يزاد عليها غير ترابها كما رواه أبو داود عن جابر وهؤلاء يتخذون عليها القباب ويكتبون عليها القرآن ويزيدون على ترابها بالجص والآجر والأحجار وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال إلى أن شرعوا للقبور حجا. وانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وما شرعه هؤلاء ونحن لا ننكر ما لأولياء الله من الفضل العظيم عند الله، قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) ولكن لا يلزم من هذا دعاؤهم والاستعانة بهم والتوجه إليهم في طلب الحوائج وكشف الشدائد بل هذا لله وحده وإنما ينبغي الاقتداء بأفعالهم والاهتداء بأقوالهم ما داموا متبعين للكتاب والسنة لا يأمرون ولا ينهون إلا وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 من محاسن الإسلام لا شك أن الدين الإسلامي دين سماوي لم يكن لأمة من الأمم مثله ولا نزل على نبي من الأنبياء نظيره إذ هو دين عام مبين لأحوال المجتمع الإسلامي بل البشرية عامة وبه كمل نظام العالم فهو جامع شامل للمصالح الاجتماعية والأخلاقية. فإنه بين الأحوال الشخصية التي بين العبد وبين ربه من صلاة وزكاة وصوم وحج. وشرع نظافة البدن فأمر بغسل الجنابة والجمعة والعيدين. أو بعضا كالوضوء عند كل فريضة من الفرائض الخمس. وشرع أمور الفطرة من ختان وقص شارب وتقليم أظافرونتف إبط والسواك وحلق العانة. كما أرشدنا الإسلام إلى تجميل الثياب وأن تكون على أحسن هيئة وأكملها. كما سن ذلك في العيدين والجمعة وهذب الأخلاق فأمر بالصدق في المعاملات والوفاء بالعقود والعهود والمواعيد. وأوجب ترك الذنوب من زنى وخمر وغيبة وقذف وسعاية وشهادة زور وانحراف في الأحكام وتحريف لما أباح الله وحَرَّم تَغْييرَ الأحكام عن وجهها وما أريد بها، إلى غير ذلك. وبالجملة فإن الدين الإسلامي جامع لروابط الأمة الإسلامية بل هو حياتها تدوم بدوامه وتنعدم بانعدامه وهو مفخرة من مفاخرها العظيمة ومن خصائصها. حيث لم يكن لأمة من الأمم قبلنا مثله فلو أن المسلمين تمسكوا بأحكام الإسلام وتعاليم دينهم كما كان آباؤهم الأماجد لكانوا أرقى الأمم وأسعد الناس ولكن لما انحرفوا وحرفوا تعاليم دينهم تنكبوا عن الصراط السوي. وقد جعل الإسلام للفقراء حظا في مال الأغنياء بالزكوات والكفارات لطفا بهم وإحسانا إليهم ورحمة بالأغنياء وتكرمة لهم وتحصينا لأموالهم وشرع الإسلام الحج ليشهدوا منافع لهم فتتوافد إليه سائر الأمم الإسلامية ليحصل اجتماع عام لسائر الأمم التي تدين به لينتفع بعضهم من بعض من علومهم وأحوالهم ويحصل بذلك التعارف والتعاون والتآخي ولما في ذلك من إعانة أهل الحرمين الشريفين ليكونا مركزين عظيمين للإسلام وهذا بعض من مقاصد الحج. كما قد شرع الإسلام اجتماعات أخرى أصغر وأيسر في الجمع والأعياد. وبين أحكام المعاملات من بيع وربا ورهن وقرض وإجارة وشركات ووكالات وحوالة وعارية وغيرها من المعاملات المالية التي تقتضيها القاعدة التي عليها مبنى علم الاجتماع البشري. وبيَّن الإسلام كيف تقام البيوتات وتؤسس العائلات فندب الى الزواج وحث عليه ورغب فيه. وبين العقود التي تعتبر زواجا ووضح شروطها من رضا وولي وشهود وغيرها وما خالف ذلك فهو سفاح أو قريب منه وأمر بسدل الحجاب للنساء صيانة للنسل وإبعادا للمظنة. وراحة لكل ضمير. وبين أحكام الجنايات كالقصاص في النفس والطرف وما يشترط لذلك كما بين ما يلزم لحفظ المجتمع العام من نصب إمام وشروط استحقاقه للإمامة وما يجب له من طاعة وما يجب عليه من المشورة والعمل بالشريعة وإقامة العدل بين أصناف الرعية. ثم إن الإسلام قسم السلطة فجعلها خططا منها القضاء فحدد للقاضي خطته من فصل الخصومات والنظر في أموال غير المرشد والحجر على من يستوجب إلى غير ذلك وبين خطة الشاهد كيف تحمل الشهادة وأدائها وممن تقبل وعلى من ترد وأمر بإثباتها وعدم كتمانها. كما بين خطة المحتسب ثم بقية الخطط. وبين حكم من خرج عن طاعة الإمام بأن يقاتل حتى يفيء إلى أمر الله. وبين كيف نعامل الأمم الأجنبية فيما إذا وقع الحرب معها. وفي حالة مسالمتها. وأمر بتحسين الجوار. وإقامة الحدود على من أخاف السبيل وخالف ما أمرت به الشريعة. وبالجملة فقد استقصى هذا الدين الإسلامي العظيم جميع الشئون الاجتماعية وبينها أحسن بيان مما يعجز عن مثله عقلاء البشر حتى دخل مع الرجل في بيته وحكم بينه وبين امرأته وبين ماله عليها من الحقوق ومالهاعليه من مثل ذلك. وبين ما عسى أن يقع بينهما من خلاف في المستقبل. كما حكم الإسلام بين الرجل وبين ولده وبينه وبين نفسه في حياته وبعد وفاته كأوقافه ووصاياه وما يصح منها وما لا يصح. وقسم مواريثه وبين أحكام تغسيله وتكفينه ودفنه كل هذا لأجل أن تنتظم الحياة انتظاما كاملا ويعيش المسلم عيشة هنيئة منتظمة ليتمكن معها لإعداد الزاد ليوم المعاد والتأهب لما بعد الموت فالدين الإسلامي نظام عادل للمجتمع البشري الإسلامي، فإنه تام الأحكام ثابت المباني. دين سماوي لم يدع شاذة ولا فاذة إلا بينها أحسن بيان. ووضحها أتم إيضاح وما دخلت الأمم الكثيرة في الإسلام أفواجا أفواجا واتسعت دائرة الإسلام فانتشرت الأمة الإسلامية مَادَّةً جناحها من نهر الفاتح في الهند شرقا إلى أفريقيا ثم أوربا في زمن قليل إلا باحترام الحقوق والعمل بقواعدالإسلام والتسوية بين طبقات المسلمين ملكهم وصعلوكهم وصغيرهم وكبيرهم فيه على السواء: فالأمة الإسلامية لا حياة لها ولا استقامة بدون التمسك بدينها والعمل بأوامره ونواهيه فهي دائمة بدوام دينها مضمحلة باضمحلاله ساقطة إذا أهملت تعاليم دينها القويم كما قال بعض أعداء المسلمين. فقد كانت الأمم تقتبس من قواعده وأصوله وتختاره على كثير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 قوانينها الوضيعة فأنصف الإسلام كثير من عقلائهم واعترفوا أن مدنية أوربا الحديثة لم تكن إلا بتعاليم الإسلام والأخذ بقواعده ومبانيه قال بعض حكماء أوربا ممن أنصف أن نشأة مدنيتها الحديثة إنما كانت رشاشا من نور الإسلام في الأندلس ومن صفحات الكتب التي أخذوها في حروبهم مع المسلمين في الغرب والشرق وفق الله المسلمين للتمسك بدينهم، والله الموفق والهادي الى سواء السبيل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ... أيها المسلم الكريم قف معي قليلا لنفكر سويا في ماضي أمتنا المسلمة وما كانوا عليه من عزة وهناء وما كان لهم من ملك واسع وعدل شامل ومنعة ونفوذ ومهابة لا مثيل لها في جميع أنحاء المعمورة دون أن تكون لهم جيوش مؤلفة أو أساطيل قوية تمخر البحار أو دبابات تجوب البراري والقفار أو طيارات سابحة في الفضاء أوصواريخ تقذف بعيدة المدى، وما نحن فيه اليوم ويا للأسف من ذل وفرقة ومهانة وعزلة رغم كثرة عددنا وعظم قوتنا وكل ذلك نتيجة لما حصل بين المسلمين من تنافر وتطاحن وتهاجر وتشاحن وإعراض عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الأمة الإسلامية لو رجعت إلى قول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) فالإسلام حين سطع نوره في مكة المكرمة وارتفع صوته من المدينة المنورة بعد أن هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد القبلتين العظيمتين اللتين رفعتا لواء الإسلام ونصرتا رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقتين فجمعهم الله بهداه بعد فرقتهم وبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام لا يقوم على العنصرية أو الشعوبية ولا على القومية والجنسية ولا يقوم على تفرق في العقيدة أوالرأي أو الوجهة فإن الدعوة المشوبة بذلك يكون مالها الفشل ومصيرها الفناء وبين النبي صلى الله عليه وسلم الطريق السوي لسعادة الدارين وعرفهم أن دين الإسلام بني على التعاون على الحق ومحو فرقة الجنسية وتلى عليهم قول الله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وجاء (كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي إلا بتقوى الله) وبين لهم أن الله واحد وأن نبي الإسلام واحد وأن القبلة واحدة وأن كتاب الله واحد لا يجوز العمل بغير هداه فعلى هذا يجب أن تكون كلمة المسلمين واحدة فجمع الله شملهم ووحد كلمتهم وقضى على الفرقة التي كانت بينهم وأصبحوا إخوة متحابين ورجالا مؤمنين كلمتهم واحدة ووجهتهم واحدة تحت راية الإسلام القوية التي لا تفضل أحدا على أحد إلا بتقوى الله عز وجل، فقد رفع الإسلام أقواما كانوا في ذلة ومهانة، ووضع أقواما كانوا في أعلى قمة المجد ومنتهى السؤدد فلما لم يؤمنوا بالإسلام وضعهم الله فكانوا في أسفل سافلين ورحم الله القائل: (لقد رفع الإسلام سلمان فارس كما وضع الشرك الشقي أبا لهب) أخي المسلم إذا اتحدت قلوب الأمة على الحق وتألفت نفوسها على الخير وطهرت مجتمعها من الرذيلة وتعاون أفرادها وجماعاتها على البر والتقوى نالوا الخير العظيم والسعادة الأبدية وفازوا بالرقي المحمود وشيدوا بناء مستقبلهم على أساس من الدين ونور من رب العالمين، أما إذا سادت دعوة القومية والعصبية والشعوبية والعنصرية وحصل الشقاق ووجد التفرقة والتناحر كانت المصيبة العظمى والطامة الكبرى التي تهدم بنيا ن الأمم المشيد وتقضي على حضارتها وتحكم على مستقبلها بالذل والتقهقر وتنذرها بوخامة العاقبة وسوء المصير، فمن أجل ذلك نهى الله الأمة الإسلامية عن التناحر والإختلاف وحذرها من التفرقة والإنحراف وتوعدها بالفشل والإتلاف فقال تعالى: (أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) هكذا أيها المسلم الكريم يرشدك ربك إلى ما هو في صلاحك دينا ودنيا، فقف معي قليلا لنرجع إلى سيرة أسلافنا الكرام وما كانوا عليه من شرف رفيع وعز منيع وقوة قاهرة قهرت كل جبابرة العالم والتي سقط أمامها عروش الظلم والطغيان وأوكار الإستبداد والعصيان ومعاقل الكبرياء الجوفاء والعز الموهوم، فقد تمكن أولئك الأسلاف الأمجاد من نشر لواء الإسلام في جميع أصقاع المعمورة وبسطوا لواء العدل والمساواة بين أفراد الأمة ولم يكن ذلك كما قدمنا بكثرة العدد ولا بقوة العدة ولكنه والله يعلم إنما كان بسبب اتصافهم بالإيمان وتمسكهم بدينهم القويم وتحاكمهم إلى القرآن مع صدق في الأقوال والأفعال ووفاء بالوعود والعهود وحب بعضهم لبعض وإخاء في الله واتحاد كامل في جميع ميادين الحياة "يأهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 أخي السلم إذا نظرنا إلى الفجوة السحيقة التي تردى فيها بعض أبناء المجتمع الإسلامي اليوم توضح مدى ما وصلوا إليه من المخالفة الصريحة لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدلائل على ذلك بارزة يلمسها كل من رزق أدنى مقدار من الإيمان وأكبر دليل على ما تقدم هو وجود هذه التناحرات التي مني بها العالم الإسلامي من الدعوة إلى القومية والوقوف إلى جانبها ونبذ الدعوة الإسلامية ومعاداة من دعا إليها وهي الأساس لهذا الدين الحنيف والرمز لمحاسن الشرع الشريف والعنوان لمجد الإسلام المنيف. إن المجتمع الإسلامي قد أصيب بتشعب الآراء وتباين مذاهب الناس وتغيرت وجهات الأمة وأصبح العالم الإسلامي يتأرجح ذات اليمين وذات الشمال لا يدري ما الله صانع فيه، وإن الذي يضمن السعادة والنجاح ويحقق الفوز والفلاح هو الرجوع إلى الله والسير على هدى كتاب الله الذي أنزله نورا وبرهانا والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) ، وقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والتزام تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والرجوع إليهما فيما شجر بين الأمة من اختلاف في الرأي أو الوجهة عملا بقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ولا يتحقق ذلك إلا بفرض القوانين الوضعية المستوردة من الخارج والدخيلة على ديننا وأمتنا وبلادنا والتي مصدرها آراء الملاحدة ومفكروا أعداء الإسلام ذلك لأن شريعتنا الغراء كاملة لا تحتاج إلى سواها وفيها ما يغنينا عن غيرها إن نحن رجعنا إليها وحكمناها في جميع شئوننا فإن الله تعالى يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) هذا ونسأل الله أن يوفق قادة الأمة وزعماءها إلى الإحتكام إليها في جميع ميادين الحياة إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو الهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 من أحكام الحج وبعد: فلما كان في السنة العاشرة من الهجرة النبوية نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بعزمه على الحج وأعلم الناس بذلك كي يتأهبوا للحج معه صلى الله عليه وسلم ويتعلموا المناسك والأحكام ويشاهدوا أحواله وأفعاله ويستمعوا إلى أقواله وتشيع دعوة الإسلام وتبلغ الرسالة القريب والبعيد ويبلغ الشاهد الغائب ما رأى وما سمع من أفعال وأقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس الاقتداء والاهتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة وخرج معه أصحابه الكرام وعددهم ينوف على المائة ألف حتى إذا كان بالبيداء استوت به ناقته والناس عن يمينه وشماله ومن خلفه وأمامه وهو يتوسطهم أهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بإهلاله قال جابر أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. وأصبح ما ورد أنه عليه الصلاة والسلام أهل بالحج والعمرة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من ربى في هذا الوادي المبارك وقال قل عمرة في حجة) وهذا من أدلة إدخال الحج على العمرة ولا عكس. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة وبات بذي طوى واغتسل فيها ثم سار ودخل البيت من ثنية كداء من أعلى مكة وهي الثنية العليا بالحجون حتى أتى البيت واستلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا والرَّمَلُ مشروع للرجال وهو المشي السريع مع تقارب الخطى ويقال له الخبب ويكون في الجهات الثلاث من البيت الشرقية والشامية والغربية وشرع لإغاظة الكفار حيث قالوا يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى فأطلع الله نبيه بما قاله المشركون فأمر أصحابه بالرمل وقعد المشركون على جبل قعيقعان ولما نظروا إليهم قالوا والله ما بهم من بأس وإن هم إلا كالغزلان. ويضطبع الطائف في طواف القدوم وهو أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر ومنكبه الأيمن مكشوف ثم نفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين قرأ بعد الفاتحة في الأولى بقل يا أيها الكافرون. وفي الثانية بعد الفاتحة بقل هو الله أحد. ويجوز للطائف أن يصلي ركعتي الطواف في أي جزء من أجزاء الحرم. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه فخرج من باب الصفا فلما دنا منه قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى شديدا حتى صعدتا فمشى ولا يشرع السعي للنساء حتى أتى المروة ففعل عليها كما فعل على الصفا وكان آخر طوافه على المروة وقال عليه الصلاة والسلام أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة) فحل الناس ولم يبقى على إحرامه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي وقال لهم (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) ثم مكث رسول الله ومن معه بمكة حتى اليوم السابع فخطب الناس بعد صلاة الظهر بها وأخبرهم بمناسكهم وأمور حجهم وأمر الناس بالغدو من الغد إلى منى ولما كان اليوم الثامن وهو يوم التروية توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. وأداء هذه الصلوات الخمس والبيتوية في هذه الليلة في منى سنة بالاتفاق وليس على من ترك ذلك شيء ثم مكث حتى طلعت الشمس ثم ركب راحلته وأمر بقبة له من شعر تضرب بنمرة لينزل بها فسار ولم يقف بالمشعر الحرام ثم واصل سيره قاصدا عرفة فوجد القبة قد ضربت بنمرة وهي ليست من عرفة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر براحلته القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس خطبته المشهورة التي جمع فيها أحكام الحج وبينت المناسك وما يجب للناس وما عليهم وبينت ما للمسلمين من حرمة في دمائهم وأعراضهم وأموالهم ووضع كل أمر كان في الجاهلية ووضع دماءها وأنه لا قصاص في قتلها وأول دم وضعه دم قريب له هو دم ربيعة بن الحارث كان مستعرضا في بني سعد وأبطل أفعال الجاهلية وبيوعها (التي لم يتصل بها قبض) وأبطل الربا الذي كان المشركون يتعاملوا به وأول ربا وضعه ربا عمه العباس بن عبد المطلب وأوصى بالنساء ما لهن وما عليهن وأوصى أمته بالتزام كتاب الله وسنته وأن من تمسك بهما هدي إلى صراط مستقيم ومن اهتدى بهما فلن يضل ومن احتكم إليهما فاز بالسعادة الأبدية ومن استضاء بنورهما قادتاه إلى رضوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الله ومن طلب الهدى من غيرهما فقد تنكب عن سواء السبيل ثم أذن مؤذنه صلى الله عليه وسلم ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر جمعا وقصرا ولم ينتقل بينهما ثم ركب ناقته حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة واستمر واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة وقال وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرفة وصعود الجبل غير مشروع ولا أصل له ويمتد وقت الوقوف إلى طلوع فجر اليوم العاشر بدليل ما رواه عبد الرحمن الديلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات ليلا أونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) ولما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج) ولما غاب القرص وذهبت الصفرة دفع الرسول صلى الله عليه وسلم مردفا أسامة خلفه وتوجه إلى المزدلفة يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ويقول للناس عليكم بالسكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين جمعا وقصرا ولم يسبح بينهما ثم نام حتى طلع الفجر فقام وصلى ثم سار حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا ربه وقال هذا الموقف وكل المزدلفة موقف وفي أي جزء من أجزاء المزدلفة بات الحاج أجزأه ثم دفع طلوع الشمس وأردف الفضل بن عباس وسار حتى أتى بطن محسر فحرك راحلته وأسرع في المشي فيه واستمر في المشي حتى أتى الجمرة الكبرى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم انصرف إلى المنحر فنحر بدنه وجميع بدنه مائة ناقة منها ثلاث وستون بدنه ساقها معه من المدينة ونحرها بيده الشريفة وسبع وثلاثون بدنة جاء بها علي من اليمن ووكله النبي صلى الله عليه وسلم في نحرها وأشركه في هديه وأكلا من لحمها وشربا من مرقها وقال نحرت ها هنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ثم حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة وقال: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء) ثم وقف عليه الصلاة والسلام فجعل الناس يسألونه فقال رجل لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وجاء آخر وقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج والأمور المتعلقة بيوم النحر أربعة رمي الجمرة الكبرى ونحر الهدي للإبل وذبحه لغيرها والحلق أو التقصير والطواف وترتيب هذه الوظائف على هذا النحو سنة لفعله صلى الله عليه وسلم ومن عكس ناسيا أوجاهلا أو متعمدا فلا حرج وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر خطبة قال فيها (أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى. قال أي شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذي الحجة؟ قلنا بلى. قال أي بلد هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. قال أليس البلد الحرام؟ قلنا بلى. قال فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم. ألا هل بلغت؟ قالوا نعم. قال اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ثم توجه إلى البيت العتيق فطاف طواف الإفاضة وأتى زمزم فشرب ثم عاد إلى منى للمبيت بها لوجوبه إلا السقاة والرعاة ومن في حكمهم فقد رخص لهم في البيوتة وأن يجمعوا الرمي في اليوم الثالث ليومهم واليوم الذي فاتهم الرمي فيه وهو اليوم الثاني. ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار بعد زوال الشمس وعرض عليه بناء يظله من الشمس فقال لا إنما هو مناخ لمن سبق إليه ولا بد من حصول الحجر في المرمى فلو لم يحصل فيه لم يجزه الرمي ولا بد من الترتيب في الرمي حيث يبدأ الرامي في الجمرة الأولى ثم الوسطى ثم الكبرى التي هي في منى وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني أيام التشريق خطبة علم فيها أصحابه حكم التعجيل والتأخير وتوديع البيت ونفر رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرا ونزل في المحصب وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد في المحصب وهو خيف بني كنانة والمعروف اليوم بالأبطح ثم ركب حتى أتى البيت الحرام فطاف به مودعا وهو واجب على من أراد السفر والخروج من مكة إلى وطنه عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وفق الله المسلمين لما يرضيه وتقبل منا ومنهم بمنه وكرمه آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14