الكتاب: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة المؤلف: د. محمد مصطفى الزحيلي.   عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة محمد مصطفى الزحيلي الكتاب: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة المؤلف: د. محمد مصطفى الزحيلي.   عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة المؤلف: د. محمد مصطفى الزحيلي. عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م عدد الأجزاء: 2 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 مقدمة الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وأتم لنا الدّين، وفتح أمامنا أبواب الهداية، وبصرنا طرق الاجتهاد، وإعمال العقل، وبذل الجهد، واعتبر ذلك عبادة وتفقهاً وذخراً ليوم الدين. والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين، البشير النذير، الهادي إلى الحق والصراط المستقيم، والباعث على التفكر والبحث وإعمال الذهن للوصول إلى اليقين. ورضي الله عن الآل والأصحاب، ورحم الله العلماء والفقهاء والدعاة، وجزى الله الجميع خيراً، وعوض المسلمين عنهم خيراً على الدوام. وبعد: فإن القواعد الفقهية من أهم العلوم الإسلامية، وهي مرحلة متطورة للتأليف في الفقه، وضبط فروعه، وإحكام ضوابطه، وحصر جزئياته، ولها فوائد جمة، ومنافع كثيرة، سوف نتطرق إليها بمشيئة الله تعالى. وقد وُجِدت البدور الأولى للقواعد الفقهية في القرآن والسنة، ثم اعتمد عليها ضمنياً الصحابة والعلماء والفقهاء والأئمة عند الاجتهاد والاستنباط، دون أن تكون مدونة، ثم تفطن العلماء لجمعها، وتحريرها، في القرن الرابع الهجري، وبدأت تنتشر وتشيع في المؤلفات الخاصة، وفي ثنايا كتب الفقه عامة، وعلم الخلاف (الفقه المقارن) خاصة، ثم ظهرت فيها المؤلفات، والمجلدات في المذاهب الفقهية، وكثر التأليف فيها من القرن السابع إلى القرن العاشر، وتم تحرير القواعد، وصياغتها. وجمعها مع فروعها في كتب خاصة، وسنذكر أهمها في ال تقديم التالي. ثم تبلورت مشخصة ومقننة لأول مرة في مجلة الأحكام العدلية التي وضعت سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 1286 هـ وطبقت فعلاً كقانون سنة 1293 هـ/ 1876 م، وتداولها القضاة والمحامون أولاً، ثم أولاها العلماء والفقهاء وشراح المجلة ثانياً، وأفردها الشيخ أحمد الزرقا بكتاب مستقل، ورعاها ابنه أستاذنا العلامة الشيخ مصطفى الزرقا (1999 م) في المدخل بدراسة متميزة مع تبويبها، وتصنيفها، والإشادة بها في كتابه القيم الفريد. (المدخل الفقهي العام) الذي ألفه سنة 1947 م، ثم نال عليه جائزة الملك فيصل العالمية. وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي، ومطلع القرن الخامس عشر الهجري، اتجهت الأنظار في العالم العربي والإسلامي للعناية الفائقة بالقواعد الفقهية، وظهرت فيها الأنشطة المتعددة، وتبوأت المكانة السامية في الرعاية والعناية، وتتجلى في النقاط التالية: 1 - تدريس القواعد الفقهية في المعاهد الدينية، أو المعاهد الإسلامية، أو الثانويات الشرعية، ثم في الكليات والجامعات، وأصبحت مادة القواعد الفقهية مساقاً مقرراً في كليات الشريعة، وصارت أحد المواد الفقهية المعتمدة للتدريس، وكانها علم مستقل. 2 - ونتج عما سبق ظهور التصانيف والمؤلفات العديدة، الكبيرة والصغيرة في القواعد الفقهية، وتم التعريف بعلم القواعد الفقهية، وبيان موضوعه، ومسائله، ومباحثه، وفوائده، والحاجة إليه، وأهدافه، وبيان نشأته، وضبط حدوده، والتفريق بينه وبين علم أصول الفقه وقواعده، وصلته بالأشباه والنظائر، وعلاقته بالفروق، وعلم الخلاف، وبيان الصلة بينه وبين الضوابط وما يمكن أن يشتبه به، وسنشير إلى بعضها لاحقاً في التقديم التالي. 3 - رافق الجهد السابق كشف الغطاء، وتسليط الأضواء على المؤلفات السابقة في القواعد الفقهية في تراث الفقه الإسلامي العظيم، وإن اختلفت العناوين: القواعد، القواعد الفقهية، الأشباه والنظائر، الفروق، وغير ذلك، وسنشير إليها باختصار في التقديم التالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 4 - نتج عما سبق تشمير السواعد لإحياء التراث الإسلامي في القواعد الفقهية. وإخراج الكتب القديمة إلى النور، بالدراسة والتحقيق، وتم نشر كتب كثيرة في القواعد الفقهية، سواء بجهد مستقل، أو في رسائل بنية الحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإسلامية، وتولت مراكز البحث العلمي وإإحياء التراث، ودور النشر المختلفة طباعة هذه الكنوز الفقهية، بعد التحقيق العلمي المتميز، والإخراج الفني الأصيل. 5 - رافق المرحلة السابقة جهود مباركة في التأليف والتصنيف في القواعد الفقهية، وبيان مناهج المؤلفين القدامى في ذلك، وكيفية ترتيبهم للقواعد، واختلاف طرقهم ومسالكهم فيها، وعرض جوانب من أعمالهم. 6 - ظهرت في هذه الفترة دراسات جانبية وبحوث مستقلة، بإفراد بعض القواعد بدراسة مستقلة، لشرحها وبيان معناها.، وأدلتها الشرعية، وعرض أهم الفروع الفقهية والمسائل الواقعية التي تندرج تحتها، مع دراسات عن أهمية القواعد، ومدى الاعتماد عليها في الاستدلال. 7 - قام بعض الباحثين باستقراء كتب الفقه في المذاهب لاستخراج القواعد الفقهية الموجودة فيها، والمبثوثة في جنباتها، وترتيبها، وشرحها، وبيان الفروع والأحكام الفقهية التي سيقت لأجلها، مثل القواعد الفقهية من (الأم) للشافعي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ومن (المغني) لابن قدامة، ومن (بدائع الصنائع) للكاساني، ومن (فتح القدير) للكمال بن الهمام، و (المدونة) للإمام مالك، و (المعيار) للونشريسي. و (زاد المعاد) لابن القيم، و (إعلام الموقعين) لابن القيم، وغير ذلك كثير. 8 - اتجه التأليف والتصنيف بعد ذلك لكتابة الموسوعات في القواعد الفقهية التي تجمع بين مختلف المذاهب، وتستمد مادتها من مجموع الكتب السابقة، منها (موسوعة القواعد الفقهية) للبورنو، و (جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية) للندوي. 9 - بلغ الاهتمام بالقواعد الفقهية الذروة والقمة بإنشاء معلمة القواعد الفقهية التي تبناها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لجمع كل النشأطات السابقة في أكبر موسوعة وعمل علمي دولي للقواعد، مع تحرير نصوص القواعد، والألفاظ المختلفة للقاعدة، والاستدلال لها، وبيان تطبيقاتها الفقهية، والتمثيل عليها بأمثلة عصرية، وذكر المستثنيات الفقهية لكل قاعدة من مختلف المذاهب، وبالاعتماد على الكتب الخاصة بالقواعد والأشباه والنظائر التراثية، ثم أمهات كتب الفقه في المذاهب. وكان لي شرف المساهمة في هذا الخصوص، فكتبت بحثاً عن القواعد الفقهية (في مجلة البحث العلمي، جامعة أم القرى، العدد الخامس سنة 1499 / 1979 م) ، ثم شاركت بمؤتمر في إسلام آباد (تشرين الأول/ أكتوبر 1998 م) عن القواعد الفقهية في المذهب الحنفي، وعرضت القواعد الفقهية باختصار في كتابي (النظريات الفقهية) . وشاركت باستخراج القواعد الفقهية من كتاب (الأم) للشافعي و (زاد المعاد) لابن القيم لمعلمة القواعد الفقهية، وألفت مرجعاً بعنوان. (القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي) لجامعة الكويت، وكلفت بتحكيم عدة بحوث علمية عن القواعد الفقهية. وأردت إكمال المشوار، وإتمام العمل بهذا الكتاب عن. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة) التزاماً بالخطة المذكورة في التقديم التالي، والمنهج المبين فيه، مع إضافة القواعد الكلية، والقواعد المختلف فيها في المذهبين المالكي والحنبلي، وبيان التطبيقات الفقهية في هذين المذهبين في القواعد الكلية الأساسية والقواعد الكلية المشتركة في المذاهب الأربعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ونتج عن هذا الجمع والمزج في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، نتج ما يشبه الفقه المقارن، لبيان القواعد المتفق عليها في المذاهب الأربعة. والتطبيقات الفقهية المتماثلة للقاعدة في المذاهب الأربعة، وتحررت القواعد التي انفرد فيها كل مذهب مع تطبيقاتها، وبيان الاختلاف في أدلة القواعد، وتعليل الأحكام، وتحرير محل النزاع، ولم يبق من منهج الفقه المقارن إلا مناقشة الأدلة والترجيح وهما مما وقف القلم عنهما، لأن ذلك يخرج عن دراسة القواعد وأسسها وتطبيقاتها. ونسال الله العون والتوفيق، ونرجو منه القبول والثواب، وندعوه أن ينفع به لكسب الأجر والثواب، وأن يدخره لنا ليوم الحساب والجزاء، وأن يُعيننا على إتمامه مع التمتع بالصحة والعافية، والرضا وحسن المآب، وأن يجزي الله زوجتي وأولادي الثواب على صبرهم علي بالتأليف، وأن ينفعهم بهذا العمل قبل غيرهم، وأن يحفظهم في دينهم وأهلهم وأولادهم. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الشارقة في 18 / 3 / 1426 هـ 17 / 4 / 2005 م أبو أيمن الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعه الشارقة وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية - جامعة دمشق - سابقاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 تقديم الحمد لله حق حمده، الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، الحمد لله رب العالمين الذي خلق الإنسان، علمه البيان، وقال: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) . وقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) . والصلاة والسلام على رسول اللهء، معلم الناس الخير، ومنقذ البشرية. وهادي الإنسانية، المبعوث رحمة للعالمين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، ومن الذين ورد فيهم قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) . وبعد: فإن علم الفقه من أشرف العلوم، وفيه معرفة الحلال والحرام، ويتبلور فيه تطبيق الشريعة، وأحكام الله تعالى في الحياة، ولذلك قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من يُردِ الله به خيراً يفقهه في الدين " (1) . ولذلك انكب عليه الصحابة والتابعون، ثم الأئمة المجتهدون، حتى نشأت المذاهب، وانتشرت، وشاعت، وكثر العلماء فيه، وانبرى المفتون للإفتاء في بيان حكم الله تعالى للناس في جغ شؤون الحياة، لتحقيق أهداف الشريعة ومقاصدها، وتأمين الخير والسعادة والراحة والعدل في الدنيا قبل الآخرة.   . (1) رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 94، 1/ 306، والبخاري 1/ 38، ومسلم 7/ 128 عن معاوية - رضي الله عنه - مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ومن ضمن التأليف في علم الفقه، والتحصيل فيه، والتخصص به، نشأ علم قواعد الفقه، وهو فن عظيم، تجمع فيه الأحكام الفرعية العديدة، والمسائل الجزئية المتناثرة في عبارات وجيزة، وجمل مصقولة، وتراكيب عامة وشاملة، تضبط علم الفقه، وتنسق أحكامه وعلله، وتقربه للأذهان، وتجعله سهل الحفظ والضبط، وتبعده عن النسيان، وتساعد في تكوين الملكة الفقهية، فكان الاعتناء بالقواعد الفقهية محل الإجلال والاحترام، بل والمنافسة في وجوه الخير، فصنفت فيه المؤلفات العدة في كل مذهب، وظهر مع مرور الأيام أهمية علم القواعد، والتأليف فيه، حتى تبوأ مرحلة التنظيم والتقنين، ثم تضافرت الجهود لإنشاء أعظم موسوعة للقواعد باسم " مَعْلَمة القواعد الفقهية "، وتقرر تدريس القواعد الفقهية في الكليات والدراسات العليا. مشكلة البحث إن وضع القواعد أولاً، والتأليف فيها ثانياً، ودراستها وتدريسها ثالثاً، وشرحها ووضع الأمثلة والتطبيقات لها، والاستثناءات رابعاً، كانت تعتمد على المنهج المذهبى، وتقتصر على نطاق مذهب واحد، من المذاهب الفقهية العديدة، وكنا نجد الصعوبة والمتاعب عند التدريس والاعتماد على كتاب ومذهب، وتكثر الأسئلة والاستفسارات عن قواعد المذهب الآخر، وفروعه وأحكامه. هدف البحث أردت أن أجمع بين أهم قواعد المذهب الحنفي، وأهم قواعد المذهب المالكي، وأهم قواعد المذهب الشافعي، وأهم قواعد المذهب الحنبلي، في كتاب واحد، فعزمت على تصنيف هذا الكتاب، لأضع القاعدة الفقهية، وبيان أحكامها وفروعها من المذاهب الأربعة، بقدر الإمكان، وهي المذاهب التي يكز انتشارها في البلاد العربية، ويكثر اجتماعها في معظم المدن والأقطار، وتكثر فيها المؤلفات في القواعد. وإن جمع التطبيقات من المذاهب يحقق منفعة مهمة للقاعدة، فيدل على عمومها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وشمولها وقبولها، مع بيان فروعها في كتب الفقه المتنوعة وأبوابه المختلفة في المذاهب الأربعة. واعتمدت في ذلك على الكتب القديمة، وهي كتب القواعد والأشباه والنظائر في المذاهب الأربعة، كما اعتمدت أولاً على عدة كتب معاصرة، وهي: 1 - شرح القواعد الفقهية، للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا. 2 - القواعد الفقهية، للأستاذ عزت عبيد الدعاس، وفيها ترتيب للقواعد. وتقسيمها إلى قواعد أساسية، وقواعد متفرعة عنها. وهذان مختصان بقواعد " مجلة الأحكام العدلية " المأخوذة من المذهب الحنفي. وعددها 99 قاعدة حصراً، مع أمثلتها وأحكامها ووردت فيهما بعض القواعد الكلية عَرَضاً في الشرح، فتضاف إلى القواعد السابقة، وهي في مجملها مستمدة من الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي. 3 - إيضاح القواعد الفقهية، للشيخ عبد الله بن سعيد محمد عبادي اللحجي الحضرمي الشحاري. وقد اقتبس اللحجي قواعده من كتاب "الأشباه والنظائر في الفقه الشافعي " للسيوطي، مع أمثلتها، وقام الفقيه عبد الله بن سليمان الجَرْهَزي اليمني الزبيدي (1201 هـ) وشرح منظومة في القواعد، فاعتمد اللحجي على كتاب السيوطي، وشرح الجَرْهَزي، وهو المقصود عنده باصطلاح الشارح، وذكر الأمثلة والأحكام والفروع والمسائل في المذهب الشافعي حصراً، وقمت بالجمع بين المذهبين، ونقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 العبارات مع التصرف، وزيادات قليلة، وتعديلات طفيفة إذا احتاج الأمر، ثم أضفت قواعد المذهب المالكية وقواعد المذهب الحنبلي. 4 - القواعد الفقهية من خلال كتاب الإشراف للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي، للدكتور محمد الروقي، وفيه كثير من القواعد الفقهية في المذهب المالكي. 5 - تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية، للأستاذ الدكتور الصادق بن عبد الرحمن الغرياني، الذي جمع معظم القواعد الفقهية، ثم بيّن تطبيقاتها الفقهية عند المالكية، ثم ألحق بها الضوابط وأمثلتها الفقهية. 6 - القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية، للأستاذ عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين، وهي في المذهب الحنبلي غالباً. 7 - إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، لأبي العباس أحمد بن يحى الونشريسي، (914 هـ) تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي. 8 - القواعد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري (758 هـ) تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الله بن حميد. 9 - تقرير القواعد وتحرير الفوائد - القواعد ل (ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795 هـ) تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. 15 - الفروق، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684 هـ) . 11 - القواعد الكلية، والضوابط الفقهية، ليوسف بن الحسن بن عبد الهادي الحنبلي. 12 - مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي، محمود بن أحمد الحموي، المعروف بابن خطيب الدهشة (834 هـ) . وغير ذلك من الكتب مثل موسوعة القواعد الفقهية لبورنو، وجمهرة القواعد الفقهية للندوي، والقواعد الفقهية للدكتور يعقوب الباحسين، وغيرها مما سيرد في الحواشي وقائمة المصادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 منهح البحث 1 - وضعت القاعدة الفقهية في الأول، ثم كتبت الألفاظ الأخرى إن وجدت، فإن اتفقت العبارة في إيراد القاعدة فقد حصل المقصود، ثم قمت بتوضيح معنى القاعدة، وبيان المقصود منها، وتحديد المراد من ألفاظها بشكل عام ومشترك، مع بيان الأدلة ومستند القاعدة، ثم ذكرت جميع الأمثلة الواردة في كتاب، أو اثنين، أو ثلاثة، ثم أثبتُ الاستثناء كذلك، مع بيان الرجع لكل فرع أو مسألة أو مثال من المصدر الذي أخذ منه لتحديد المذهب لكل فرع، ثم أضع مرجع القاعدة من سائر الكتب والمصادر. 2 - اقتصر غالباً على بعض الأمثلة والتطبيقات والأدلة، وأثبتُ في نهاية كل مثال المصدر الذي أخذ منه، وذلك في الصلب وليس في الهامش، لمساعدة القارئ في المتابعة حتى لا يتشتت نظره، وفي نهاية التوضيح والأمثلة، والتطبيقات والمستثنى أحدد مصادر الشرح والتطبيق والاستثناء أيضاً. 3 - نظراً لأثر "مجلة الأحكام العدلية" العظيم على تقنين القواعد وتنظيمها في مواد، حتى تبعها في ذلك عدد من القوانين المعاصرة، واختارت 99 قاعدة في 99 مادة، ولأن المجلة أول تقنين معاصر للفقه الإسلامي، فقد أحلنا إلى قواعد المجلة خاصة، ومواد المجلة عامة. ووضعنا الإحالة بين قوسين (م/. . .) . 4 - اكتفيت بعزو الآيات إلى السورة ورقمها، ورقم الآية، ثم بعزو الأحاديث إلى من خرجها من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، مع الإحالة التفصيلية للجزء والصفحة. 5 - إن القواعد الخمس الرئيسة متفقة بين المذاهب الأربعة، مع اختلاف أحياناً في الفروع والمسائل والجزئيات التي تدخل تحتها، ولذلك جاءت هذه القواعد في الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 6 - إن القواعد الكلية الأربعين عند السيوطي يتفق بعضها مع قواعد المجلة، وقواعد المذهبين المالكي والحنبلي، فكنت أجمع بينها في الشرح والتطبيق والاستثناء مع تحديد المرجع والمصدر، لتحديد الحكم من المذاهب الأربعة أو من بعضها. 7 - انفرد كل مذهب ببعض القواعد الفقهية الكلية، ولكن كثيراً من هذه القواعد تتفق في مضمونها ومدلولها ومعظم تطبيقاتها مع المذهب الثاني، وخاصة القواعد التي انفردت بها المجلة، مثل قاعدة " المرء مؤاخذ بإقراره " (م/ 79) ، وقاعدة "الثابت بالبرهان كالثابت بالبيان " (م/ 75) ، وقاعدة " البيِّنة على المدعي واليمين على من أنكر" (م/ 75) ، وقاعدة " البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة" (م/178، وقاعدة "البينة لإثبات خلاف ظاهر واليمين لإبقاء الأصل " (م/ 77) وقاعدة "لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم " (م/ 85) ، وقاعدة " جناية العجماء جُبار" (م/ 94) ، وقاعدة " الغُرْم بالغُنْم " (م/ 85) ، وقاعدة "إذا تعذر إعمال الكلام يهمل " وغيرها فإنها ثابتة في المذاهب الأخرى. وكذلك القواعد التي انفرد بها المذهب الشافعي تتفق في مضمونها وأحكامها مع المذهب الحنفي، ولذلك نص عليها ابن نجيم في "الأشباه والنظائر" وأشرت إليها، وكذلك مع المذهب المالكي والمذهب الحنبلي. ولذلك كانت دراسة بعض القواعد في مذهب واحد، مع أنها متفق عليها، تدل على الطابع الخاص لدراسة قواعد كل مذهب، فقواعد الحنفية - هنا - أكثرها من مجلة الأحكام العدلية المختصة بالمعاملات المالية والإثبات، أما قواعد الشافعية الخاصة فأكثرها في العبادات وبعضها في أبواب الفقه الأخرى، وبعضها مختلف فيه في التطبيقات والفروع في المذهب الشافعي نفسه، كما سترى، والقواعد عند المالكية والحنابلة متنوعة أيضاً. 8 - أثبتُ الفوائد والتنبيهات الواردة في نهاية القاعدة المتصلة بها، وذلك لأهميتها، وفائدتها، وما فيها من علم، ثم وضعت عناوين جانبية لكثير من التنبيهات والفوائد التي وردت بعد القواعد؛ ليعرف القارئ مضمون التنبيه من عنوانه. 9 - كنت أود حذف جميع الأمثلة التي تتعلق بالعبيد والرق والعتق، لعدم وجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 تطبيق عملي لها في الحياة، وإلغاء الرق عالمياً، ولكن اضطررت لذكر أقل قدر من ذلك لأنها واردة في المراجع السابقة من جهة، ولتعلق القاعدة بها من جهة ثانية، ولوجودها في كتب الفقه الأصلية من جهة ثالثة. خطة البحث وضعت تمهيداً لتعريف القواعد، ونشأتها، وأهميتها، ومصادرها، وأهم كتب القواعد في المذاهب الفقهية الأربعة، واهتمام المجلة والعلماء بالقواعد في عصرنا الحاضر. ثم خصصت القواعد الخمس بباب مستقل مع بيان القواعد المتفرعة عنها، ثم ذكرت القواعد الكلية المتفق عليها في المذاهب: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب الحنفي، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب المالكي حصراً، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب الشافعي حصراً، ثم القواعد الكلية الواردة في المذهب الحنبلي، ثم القواعد المختلف فيها في المذهب المالكي، ثم المذهب الشافعي، ثم المذهب الحنبلي، ولذلك جاء الكتاب في باب تمهيدي، وتسعة أبواب، كما يلي: الباب التمهيدي: في تعريف القواعد الفقهية وفوائدها وأهميتها وكتبها. الباب الأول. في القواعد الخمس الرئيسية الأساسية وما يتفرع عنها من قواعد. الباب الثاني: في القواعد الكلية المتفق عليها في المذاهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي. الباب الثالث: في القواعد الفقهية التي وردت في المذهب الحنفي. الباب الرابع: في القواعد الفقهية الكلية في المذهب المالكي. الباب الخامس: في القواعد الفقهية الكلية التي وردت في المذهب الشافعي. الباب السادس: القواعد الفقهية الكلية التي وردت في المذهب الحنبلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الباب الثامن: في القواعد المختلف فيها في المذهب الشافعي. الباب التاسع: في القواعد المختلف فيها في المذهب الحنبلي. الباب العاشر: في القواعد المختلف فيها في المذهب الحنفي. الخاتمة، والفهارس. وأسال الله تعالى أن يبارك لي في هذا العمل، وأن يكتب لي فيه الأجر والثواب، وأن يتقبله مني، ويجعله في ميزان الحسنات، وأن ينفع به، ليبقى ذكراً في الدنيا، وذخراً للآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الباب التمهيدي تعريف القواعد الفقهية وفوائدها وأهم كتبها أولاً: نبدة تاريخية عن ظهور القواعد الفقهية بدأ التشريع الإسلامي في العهد النبوي، ومع نزول القرآن الكريم، وبيانه في السنة النبوية، لمعرفة أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة. ثم بدأت الحركة الفقهية بالظهور بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام الصحابة والتابعون، ومن بعدهم الأئمة والمجتهدون والعلماء والفقهاء باستنباط الأحكام الفقهية من المصادر الشرعية. وشمروا عن سواعدهم لاستخراج حكم المسائل والقضايا من الكتاب الكريم. والسنة الشريفة، والاجتهاد بواسطة بقية المصادر، لاعتقادهم أن لكل قضية أو أمر من أمور الدنيا حكماً لله تعالى، وأنهم المكلفون ببيان هذه الأحكام، ومسؤولون أمام الله تعالى عن ذلك. فإذا حدث أمر، أو طرأت حادثة، أو أثيرت قضية، أو وقع نزاع، أو استجد بحث، رجع الناس والحكام إلى العلماء والفقهاء والمجتهدين لمعرفة حكم الله تعالى في ذلك، وأحسَّ العلماء بواجبهم نحو هذه الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، فنظروا في كتاب الله، فإن وجدوا فيه نصاً صريحاً بينوه للناس، وإن لم يجدوا رجعوا إلى السنة دراسة وبحثاً وسؤالاً، فإن وجدوا فيها ضالتهم المنشودة أعلنوها ووقفوا عندها، وإن لم يجدوا نصاً في كتاب ولا سنة شرعوا في الاجتهاد وبذل الجهد والنظر في الكتاب والسنة وما يتضمنان من قواعد مجملة، ومبادئ عامة، وأحكام أصيلة. ومن إحالة صريحة أو ضمنية إلى المصادر الشرعية الأخرى، ويعملون عقولهم في فهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 النصوص وتفسيرها، وتحقيق مقاصد الشريعة، وأهدافها العامة، ليصلوا من وراء ذلك إلى استنباط الأحكام الفقهية وبيان الحلال والحرام، ومعرفة حكم الله تعالى. وتكوَّن من عملهم مجموعة ضخمة من الأحكام الشرعية والفروع الفقهية، وقاموا بواجبهم أحسن قيام في مسايرة التطور، ومواكبة الفتوح، ورسم المنهج الإلهي في حياة الفرد والمجتمع والدولة، لتبقى مستظلة بالأحكام الشرعية في كل صغيرة أو كبيرة. ويظهر من ذلك أن الفقه الإسلامي بدأ من الفروع والجزئيات، واستمر على هذا المنوال طوال القرن الهجري الأول، وظهر خلال القرن الثاني عوامل جديدة، وطرق مختلفة، وتطورات ملموسة، منها ظهور الفقه الافتراضي الذي اتجه إلى مسابقة الزمن، واستباق الحوادث، وافتراض القضايا، وما يستجد من المسائل، لبيان أحكامها الشرعية، كما ظهر أئمة المذاهب الذين دونوا أحكامهم، وتميزت اجتهاداتهم. وتحددت قواعدهم وأصولهم في الاستنباط والاجتهاد، واستقل كل مذهب بمنهج معين في بيان الأحكام، معتمدين على القواعد والأصول التي يسيرون عليها. وهنا برزت للوجود ثلاثة أنواع من القواعد، وهي: 1 - قواعد الاستنباط والاجتهاد، وهي السبل التي يعتمد عليها المجتهد، ويستعين بها في معرفة الأحكام من المصادر، وهي قواعد علم أصول الفقه. 2 - قواعد التخريج، التي وضعها العلماء لرواية الأحاديث، وتدوين السنة، وضبط الروايات، وقبول الأسانيد، والحكم عليها بالصحة أو الضعف، والجرح والتعديل، للاعتماد على الصحيح في الاجتهاد والاستنباط، وترك الضعيف، وتجنب الواهي، والحذر من الموضوع، وهذه القواعد هي: مصطلح الحديث، أو أصول الحديث، أو قواعد التحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 3 - قواعد الأحكام، وهي القواعد التي صاغها العلماء، وبخاصة أتباع الأئمة ومجتهدو المذاهب، لجمع الأحكام المتماثلة، والمسائل المتناظرة، وبيان أوجه الشبه بينها، ثم ربطها في عقد منظوم، يجمع شتاتها، ويؤلف بين أجزائها، ويقيم صلة القربى في أطرافها، لتصبح عائلة واحدة، وأسرة متضامنة، وهي القواعد الكلية في الفقه الإسلامي، أو القواعد الفقهية. يحدثنا الإمام القرافي عن وجود هذه القواعد فيقول: "إن الشريعة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهي في غالب أمره ليس فيها إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم. . إلخ. والقسم الثاني: قواعد كلية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن كان يشار إليها هناك على سبيل الإجمال، ويبقى تفصيله لم يتحصل. . ". وهذه القواعد التي أشار إليها القرافي، وبيَّن نشأتها هي مناط البحث في هذه الدراسة لتعريفها، وبيان فائدتها، وأهم كتبها، وعرض أنواعها وما يتفرع عنها. ثانياً، تعريف القواعد الفقهية القواعد: جمع قاعدة، والقاعدة لغة: الأساس، ومنه قواعد البناء وأساسه. قال الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) . والقاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 جزئياته، فالقاعدة: قضية كلية يدخل تحتها جزئيات كثيرة، وتحيط بالفروع والمسائل من الأبواب المتفرقة. والقاعدة إما أن تطبق على جميع الفروع التي تدخل تحتها، كما سبق في التعريف. وإما أن تشمل غالبَ الجزئيات أو أكثرها، ويخرج عنها بعض الفروع والجزئيات التي تعتبر استثناءات، وقد تطبق عليها قاعدة أخرى، ولذلك عرفها الحموي في (حاشيته على الأشباه والنظائر) بأنها: "حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته ". وقد اخترنا التعريف الأول الذي يفيد انطباق القاعدة على جميع الجزئيات، لأن الأصل فيها أن تكون كذلك، وأن خروج بعض الفروع عنها لا يضر ولا يؤثر، وتكون استثناء من القاعدة، لأن كل قاعدة أو مبدأ أو أصل له استثناء، وهذا الاستثناء لا يغير من حقيقة الأصل أو المبدأ، وقد صرحت مجلة الأحكام العدلية بهذا فقالت في المادة الأولى منها: "ثم إن بعض هذه القواعد، وإن كان بحيث إذا انفرد يوجد من مشتملاته بعض المستثنيات، لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع، لما أن بعضها يخصص ويقيد بعضاً ". ثالثاً: الفرق بين القاعدة والضابط القاعدة: بمعنى الضابط في الأصل، لكن يميز العلماء بين القاعدة والضابط عملياً وفي القرون الأخيرة بأن القاعدة تحيط بالفروع والمسائل في أبواب فقهية مختلفة، مثل قاعدة " الأمور بمقاصدها" (م/ 2) فإنها تطبق على أبواب العبادات، والجنايات، والعقود، والجهاد، والأيمان، وغيرها من أبواب الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أما الضابط فإنه يجمع الفروع والمسائل من باب واحد من الفقه، مثل "لا تصوم المرأة تطوعاً إلا بإذن الزوج أو كان مسافراً " ومثل "أيما إهاب دُبغ فقد طَهُر" وهو نص حديث شريف، ومثل "كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور" ومثل "الكفار مخاطبون بفروع الشريعة" عند الشافعية. ومثل "الإسلام يجبُّ ما قبله في حقوق الله. دون ما تعلق به حق آدمي كالقصاص وضمان المال ". يقول السيوطي: " لأن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعَ بابِ واحد". ويقول أبو البقاء بعد تعريف القاعدة: "والضابط يجمع فروعاً من باب واحد". وإن هذا التفريق بين القاعدة والضابط عند معظم العلماء فقط، كما أنه ليس تفريقاً حتماً جازماً، فقد يذكر كثير من العلماء قواعد فقهية، وهي في حقيقتها مجرد ضابط، كما سيمر معنا. رابعاً: الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية رأينا أن العلماء وضعوا قواعد أصولية للاستنباط والاجتهاد، وكان تدوينها مبكراً وسابقاً على القواعد الفقهية، وأول من دونها وجمعها في كتاب مستقل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (ت 204 هـ) في كتا به (الرسالة) ثم تطورت وتوسعت وانتشرت وعمت المذاهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 كما وضع الأئمة والعلماء قواعد فقهية لجمع الأحكام المتشابهة، والمسائل المتناظرة، وكانت مبعثرة في الكتب والأبواب الفقهية، وتأخر تدوينها وجمعها بشكل مستقل، كما سنرى. وصرح القرافي بالنوعين السابقين، وميز بينهما، لكنه جمع في كتابه (الفروق) بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، وكذلك فحل السيوطي الشافعي، وابن نجيم الحنفي، وابن اللحام الحنبلي، في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) وغيرهم. ويمكن التمييز بين النوعين بما يلي: 1 - إن القواعد الأصولية ناشئة في أغلبها من الألفاظ العربية، والقواعد العربية، والنصوص العربية، كما صرح القرافي سابقاً، أما القواعد الفقهية فناشئة من الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية. 2 - إن القواعد الأصولية خاصة بالمجتهد، يستعملها عند استنباط الأحكام الفقهية، ومعرفة حكم الوقائع والمسائل المستجدة في المصادر الشرعية، أما القواعد الفقهية فإنها خاصة بالفقيه، أو المفتي، أو المتعلم الذي يرجع إليها لمعرفة الحكم الموجود للفروع، ويعتمد عليها بدلاً من الرجوع إلى الأبواب الفقهية المتفرقة. 3 - تتصف القواعد الأصولية بالعموم والشمول لجميع فروعها، أما القواعد الفقهية فإنها، وإن كانت عامة وشاملة، تكثر فيها الاستثناءات، وهذه الاستثناءات تشكل أحياناً قواعد مستقلة، أو قواعد فرعية، وهذا ما حدا بكثير من العلماء لاعتبار القواعد الفقهية قواعد أغلبية، وأنه لا يجوز الفتوى بمقتضاها. 4 - تتصف القواعد الأصولية بالثبات، فلا تتبدل ولا تتغير، أما القواعد الفقهية فليست ثابتة، وإنَّما تتغير - أحياناً - بتغير الأحكام المبنية على العرف، وسد الذرائع، والمصلحة وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 5 - إن القواعد الأصولية تسبق الأحكام الفقهية، وأما القواعد الفقهية فهي لاحقة وتابعة لوجود الفقه وأحكامه وفروعه. خامساً: الفرق بين القواعد والنطريات قلنا: إن الفقه الإسلامي بدأ بالفروع والجزئيات في التدوين، ثم انتقل إلى التقعيد بإقامة الضوابط الفقهية والقواعد الكلية. وهذه الضوابط والقواعد مرحلة ممهدة لجمع القواعد المتشابهة، والمبادئ العامة، لإقامة نظرية عامة في جانب من الجوانب الأساسية في الفقه، ولكن الظروف التي مرت بالأمة الإسلامية، وأحاطت بالاجتهاد والمجتهدين والعلماء، أوقفت العمل عند مرحلة القواعد، إلى أن ظهرت في هذا القرن النهضة الفقهية والدراسات المقارنة، وشرع العلماء في صياغة النظريات الأساسية في الفقه الإسلامي، مثل: نظرية العقد، ونظرية الملكية، ونظرية الأهلية، ونظرية الفساد، ونظرية البطلان، ونظرية الشروط المقترنة بالعقد، ونظرية العقد الموقوف، ونظرية الضرورة، ونظرية الضمان، ونظرية الإثبات، ونظام الحكم في الإسلام، ونظام المال في الإسلام، ونظرية التكافل الاجتماعي، ونظام الجهاد، وغيرهما، مما يتيح للباحث أو الدارس أن يحصل على منهج الإسلام العام، وآراء الفقهاء في كل جانب من جوانب التشريع الأساسي في الإسلام. والفرق بين القواعد الفقهية وبين النظريات أن القواعد إنما هي ضوابط وأصول فقهية تجمع الفروع والجزئيات، ويعتمد عليها الفقيه والمفتي في معرفة الأحكام الشرعية. أما النظريات الفقهية فهي دساتير ومفاهيم كبرى تشكل نظاماً متكاملاً في جانب كبير من جوانب الحياة والتشريع، وأن كل نظرية تشمل مجموعة من القواعد الفقهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 كما تقوم النظرية على أركان وشروط ومقومات أساسية، وكثيراً ما تخلو من بيان الأحكام الفقهية، أما القواعد فلا يوجد لها أركان وشروط، وتنطوي على عدد كبير من الأحكام الفقهية والفروع والمسائل. مثال القواعد " الفقهية " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني " التي تفسر صيغة العقد، وموضوعه، لتحديد الآثار المترتبة عليه. ومثال النظريات الفقهية (نظرية العقد) التي تتناول جميع العقود الشرعية في مختلف أحكامها وأطرافها من التعريف والأركان والشروط والآثار، وموقع العقد بين مصادر الالتزام الأخرى. والخلاصة: أن القواعد واسطة بين الفروع والأصول، أو هي واسطة بين الأحكام والنظريات. ونشير هنا إلى أهم تطور للفقه الإسلامي في العصر الحاضر، وذلك بتقنين أحكامه في قانون أو نظام في مجال معين، واختيار الآراء فيه من مختلف المذاهب الفقهية. والتزام القضاة العمل بموجبه، ويختلف ذلك سعة وضيقاً، وشمولاً وحصراً من بلد إلى آخر، وكان أقدم قانون (مجلة الأحكام العدلية) في الدولة العثمانية التي سنشير إليها، وآخرها قانون العقوبات في الفقه الإسلامي الذي صدر بالسودان، والتقنين مستمر. سادساً: فوائد القواعد الفقهية وأهميتها بيَّن لنا العلامة القرافي أهمية القواعد وفوائدها فقال: "وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، ومن جعل يخرّج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، واحتاج إلى حفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الجزئيات التي لا تتناهى، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد - عنده ما تناقض عند غيره، وتناسب ". وقال العلامة ابن نجيم مبيناً فوائد القواعد: "الأول: في معرفة القواعد التي تُردُّ إليها، وفرعوا الأحكام عليها، وهي أصل الفقه، وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد، ولو بالفتوى". وممكننا أن نلخص فوائد القواعد وأهميتها بما يلي: 1 - إن دراسة الفروع والجزئيات الفقهية يكاد يكون مستحيلاً، بينما يدرس الطالب والعالم قاعدة كلية تنطبق على فروع كثيرة لا حصر لها، ويتذكر القاعدة ليفرع عليها المسائل والفروع المتشابهة والمتناظرة، ولذلك سمي هذا العلم أيضاً: علم الأشباه والنظائر. يقول العلامة السيوطي: "اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على مرِّ الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر". فهي تسهل ضبط الأحكام الفقهية، وحصرها، وحفظ المسائل الفرعية وجمعها. 2 - إن دراسة الفروع والجزئيات، إن حفظت كلها أو أغلبها، فإنها سريعة النسيان، ويحتاج الرجوع إليها في كل مرة إلى جهد ومشقة وحرج. أما القاعدة الفقهية فهي سهلة الحفظ، بعيدة النسيان، لأنها صيغت بعبارة جامعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 سهلة تبين محتواها، ومتى ذكر أمام الفقيه فرع أو مسألة فإنه يتذكر القاعدة، مثل قاعدة " لا ضرر ولا ضرار"، أو "الضرر يزال "، أو " يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام "، أو "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة". 3 - إن الأحكام الجزئية قد يتعارض ظاهرها، ويبدو التناقض بين عللها، فيقع الطالب والباحث في الارتباك والخلط، وتشتبه عليه الأمور حتى يبذل الجهد والتتبع لمعرفة الحقيقة. أما القاعدة الفقهية فإنها تضبط المسائل الفقهية، وتنسق بين الأحكام المتشابهة، وترد الفروع إلى أصولها، وتسهل على الطالب إدراكها وأخذها وفهمها. 4 - إن القواعد الكلية تسهل على رجال التشريع غير المختصين بالشريعة فرصة الاطلاع على الفقه بروحه ومضمونه وأسسه وأهدافه، وتقدم العون لهم لاستمداد الأحكام منه، ومراعاة الحقوق والواجبات فيه، وهذا ما حققته القواعد الفقهية في مجلة الأحكام العدلية، والتي انتقلت إلى العديد من القوانين المعاصرة. 5 - تكوِّن القواعد الكلية عند الطالب ملكة فقهية تنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسع، ومعرفة الأحكام الشرعية في المسائل المعروضة عليه، واستنباط الحلول للوقائع المتجددة، والمشأكل المتكررة، والحوادث الجديدة. 6 - تساعد القواعد الكلية في إدراك مقاصد الشريعة، وأهدافها العامة؛ لأن مضمون القواعد الفقهية يعطي تصوراً واضحاً عن المقاصد والغايات، مثل "المشقة تجلب التيْسير"، أو "الرخص لا تناط بالمعاصي "، أو "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، وغير ذلك من الفوائد والمنافع الي تحصل من دراسة القواعد الفقهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 سابعاً: مصادر القواعد الفقهية إن القواعد الكلية في الفقه الإسلامي - بصيغتها الأخيرة - هي من وضع الفقهاء وصياغتهم وترتيبهم، وقد فعلوا ذلك على مر العصور، وحتى العصر الحاضر. أما أصلها ونشأتها فمستقاة من ثلاثة مصادر، هي: 1 - القرآن الكريم لقد جاء القرآن الكريم بمبادئ عامة، وقواعد كلية، وضوابط شرعية، في آياته ونصوصه، لتكون مناراً وهداية للعلماء في وضع التفاصيل التي تحقق أهداف الشريعة، وأغراضها العامة، وتتفق مع مصالح الناس، وتطور الأزمان، واختلاف الببئات. وقد حققت هذه المبادئ العامة في القرآن الكريم هدفين أساسيين. الأول: تأكيد الكمال في دين الله تعالى الذي ورد في قوله تعالى:. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) . والثاني: بيان ميزة المرونة في التشريع الإسلامي لمسايرة جميع العصور والبيئات، ليبقى صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان. وهذه المبادئ العامة في القرآن الكريم كانت مصدراً مباشراً للأئمة والفقهاء في صياغة القواعد الكلية في الفقه الإسلامي، وإرشادهم إلى المقاصد والغايات من الأحكام، والاستعانة بها لتشمل جميع الفروع التي تدخل تحتها، مثل قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) . فالآية تصف المؤمنين بالتشاور في جميع الأمور، سواء كانت عائلية أو اجتماعية أو إدارية أو سياسية، وتركت كيفية التنفيذ ووسائله بحسب الأحوال والأزمان، ومثل قوله تعالى:. (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 التي تحتبر قاعدة عامة لتحديد الحقوق والواجبات بين الزوجين. ومثل قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ، التي تقرر مبدأ التراضي في العقود والتصرفات، واحترام سلطان الإرادة. وسترد أمثلة أخرى، كما سترى أن كثيراً من القواعد الفقهية ترجع في أصلها إلى آيات الذكر الحكيم. 2 - السنة النبوية لقد أعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، وكان عليه الصلاة والسلام ينطق بالحكمة القصيرة التي تخرج مخرج المثل، وتكون قاعدة كلية. ومبدأ عاماً، ينطوي على الأحكام الكثيرة، والمسائل المتعددة، والفروع المتكررة. مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " المسلمون على شروطهم ". وقوله: "إنما الأعمال بالنيات ". وقوله: (الدين النصيحة "، وقوله: " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رَدّ "، وقوله: " الخَرَاج بالضَّمَان، وقوله عليه الصلاة والسلام: " الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وسترد أمثلة أخرى كثيرة، وسترى أن بعض القواعد الفقهية هي نص حديث نبوي شريف، وأن كثيراً من القواعد الفقهية ترجع في أصلها واستنباطها إلى الأحاديث الشريفة. 3 - الاجتهاد وذلك باستنباط القواعد الكلية من الأصول الشرعية السابقة، ومن مبادئ اللغة العربية، ومسلمات المنطق، ومقتضيات العقول، وتجميع الفروع الفقهية المتشابهة في علة الاستنباط، فالعالم الفقيه يرجع إلى هذه المصادر، ويبذل جهده فيها، ويجمع بين الأحكام المتماثلة، والمسائل المتناظرة، ويستخرج قاعدة كلية منها، تشمل كل ما يدخل تحتها أو أغلبه، وكما فعل علماء الأصول في وضع القواعد الأصولية، سار الفقهاء في القواعد الفقهية. مثل قاعدة "الأمور بمقاصدها" المأخوذة من مجموعة أحاديث في النية، أهمها حديث "إنما الأعمال بالنيات "، ومثل قاعدة "الضرر يزال " المأخوذة من حديث " لا ضرر ولا ضرار"، ومثل قاعدة "المرء مؤاخذ بإقراره " المأخوذة من قوله تعالى: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) . ومثل قاعدة "السؤال معاد في الجواب " المأخوذة من مبادئ اللغة العربية، ومثل قاعدة "الأصل في الكلام الحقيقة " المأخوذة من اللغة العربية، وقاعدة "التابع تابع " المأخوذة من مسلمات المنطق، ومثل قاعدة "إذا تعذر إعمال الكلام جهمل ". وقاعدة "إذا زال المانع عاد الممنوع " المأخوذة من لوازم التفكير ومبادئ العقل. ثامناً: أنواع القواعد الفقهية إن تعريف القاعدة السابقة يشمل جميع القواعد، ولكن القواعد الفقهية على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 درجات في العموم والشمول، والاتفاق عليها بين المذاهب الفقهية عامة، أو الاختلاف فيها بين المذاهب، ولكنها شاملة في المذهب الواحد، وبعضها قواعد مختلف فيها في المذهب الواحد، لذلك كانت القواعد الفقهية على أنواع هي: 1 - القواعد الفقهية الأساسية الكبرى، التي تدور معظم مسائل الفقه حولها، حتى رد بعض العلماء الفقه كله إليها، وهي متفق عليها بين جميع المذاهب، وهي: أ - الأمور بمقاصدها. ب - اليقين لا يزول بالشَّك. جـ - المشقة تجلب التيسير. د - الضرر يزال. هـ - العادة مُحكمة (1) . 2 - القواعد الكلية: وهي قواعد كلية مُسَلَّم بها في المذاهب، ولكنها أقل فروعاً من القواعد الأساسية، وأقل شمولاً من القواعد السابقة، مثل قاعدة: "الخراج بالضمان "، وقاعدة "الضرر الأشد يُدفَعُ بالضرر الأخف ". وكثير من هذه القواعد تدخل تحت القواعد الأساسية الخمس، أو تدخل تحت قاعدة أعم منها، ومعظمها نصت عليها مجلة الأحكام العدلية، وقد يدخل تحتها قواعد فرعية أيضاً، وأكثرها متفق عليها بين المذاهب. 3 - القواعد المذهبية: وهي قواعد كلية في بعض المذاهب دون بعض، وهي قسمان، الأول: قواعد مقررة ومتفق عليها في المذهب، والثاني: قواعد مختلف فيها   . (1) نظم بعض الشافعية القواعد الخمس الأساسية في أبيات من الشعر، فقال: خمس مقررة قواعدَ مذهب. . . للشافعي فكن بهن خبيرا ضَرَرٌ يُزالُ وعادة قد حُكمت. . . وكذا المشقةُ تَجْلِبُ التيسيرا والشكَ لا ترفع به مُتيقناً. . . والقصدَ أخلِص إنْ أردتَ أجورا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 في المذهب الواحد، مثل قاعدة "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني " فإنها أغلبية في المذهب الحنفي والمالكي، ولكنها قليلة التطبيق في المذهب الشافعي، وقاعدة " من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه " فهي كثيرة التطبيق في المذهب الحنفي والمالكي والحنبلي، نادرة التطبيق عند الشافعية. ومثل قاعدة " الزُخص لا تُنَاط بالمعاصي " فإنها شائعة عند الشافعية والحنابلة، دون الحنفية، وفيها تفصيل عند المالكية. 4 - القواعد المختلف فيها في المذهب الواحد، فتطبق في بعض الفروع دون بعض، وهي مختلف فيها في فروع المذهب الواحد. مثل: قاعدة "هل العبرة بالحال أو بالمآل "؟! فهي قاعدة مختلف فيها في المذهب الشافعي، ولها أمثلة كثيرة، ولذلك تبدأ غالباً بكلمة " هل؛ "، وقاعدة "هل النظر إلى المقصود أو إلى الموجود "؟! عند المالكية، وقاعدة "القسمة، هل هي إفراز، أم بيع؛ " عند الشافعية والحنابلة. وقد راعى العلماء هذا التنويع للقواعد في تقسيم الدراسة. وتصنيف القواعد. وسوف يكون هو المعيار الأساسي في تقسيم القواعد التي سندرسها إن شاء الله تعالى. تاسعاً: مؤلفات القواعد الفقهية بدأت صياغة القواعد الفقهية في عصر متقدم، وذلك منذ القرن الثاني الهجري، ولكنها لم تُفرد في التأليف والتصنيف والتدوين بشكل مستقل إلا بعد قرنين تقريباً. وكانت المذاهب الفقهية قد نضجت وتبلورت، فأخذ تأليف القواعد طابع المذاهب الفقهية، واتجه علماء كل مذهب لكتابة القواعد في مذهبه، ولكن جاءت صياغة القواعد غالباً عامة وواحدة ومشتركة بين المذاهب، وتختلف الفروع التي تدخل تحتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وأول من بدأ في تدوين القواعد - فيما وصلنا - أبو طاهر الدَّباس إمام الحنفية فيما وراء النهر، وردَّ قواعد مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة، وسافر إليه العلماء لأخذها عنه. ولما بلغ ذلك القاضي حسين إمام الشافعية في زمانه ردَّ جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد؛ ثم استمر التصنيف والإضافة والزيادة على هذه القواعد، وانتقل العمل إلى بقية المذاهب، وظهرت القواعد بعدة أسماء، مثل: كتب الأشباه والنظائر، وكتب الفروق، وكتب القواعد، وهذه إشارة لبعضها في كل مذهب. أ - كتب القواعد الفقهية في المذهب الحنفي 1 - أول من بدأ التصنيف في القواعد - فيما نعلم - أبو طاهر الدَّباس الذي جمع سبع عشرة قاعدة في الفقه الحنفي، وصار يكررها كل ليلة في مسجده، ويعيدها ويصقلها، ولم تذكر كتب التراجم تاريخ وفاته، ولكن كان ذلك في القرن الرابع الهجري. 2 - أخذ أبو الحسن الكرخي (المتوفى سنة 340 هـ) عن أبي طاهر الدباس، وكان معاصراً له، وزاد على قواعده، ودونها في رسالة (الأصول) التي جمع فيها فروع المذهب الحنفي. 3 - ثم جاء أبو زيد الدَّبُوسىِ (وهو عبيد الله بن عمر بن عسيى 430 هـ) وألف كتاب (تأسيس النظر في الأصول) وضمنه القواعد الكلية للفقه، مع الضوابط الفقهية، وبين أساس الاختلاف بين الأئمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 4 - ثم جاء بعد ذلك نجم الدين عمر النسفي (المتوفى سنة 537 هـ) وتناول قواعد الكرخي، وذكر الأمثلة والشواهد لكل قاعدة من القواعد، وما تشتمل من الفروع الفقهية، والأحكام المستنبطة على المذهب الحنفي. 5 - وصنف الإمام أبو المظفر أسعد بن محمد الكرابيسي (570 هـ) كتاب (الفروق) بحسب الأبواب الفقهية، ورتبه على بحوث، واشتمل كل بحث على مسألتين في الغالب، أو أكثر، وبين الفرق بين المسألتين أو المسائل المذكورة، ورد الخلاف في بعضها إلى الخلاف في القواعد الفقهية التي تندرج تحتها، فذكر القواعد الكلية عرضاً. 6 - وانتقلت هذه القواعد مع شواهدها وأمثلتها من كتاب إلى آخر، حتى جاء العلامة إبراهيم بن نجيم المصري (975 هـ) وألف كتابه (الأشباه والنظائر) الذي جمع فيه القواعد الكلية، ورتبها، وصنفها، وقسمها، وبين الفروع التي تشتمل عليها، ثم ذكر أصل القاعدة، والمسائل التي تستثنى منها، ورتب كتابه على سبعة فنون، الأول: في معرفة القواعد، وأنها أصل الفقه في الحقيقة، وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد، ولو في الفتوى، والثاني: فن الضوابط، وهو أنفع الأقسام للمدرس والمفتي والقاضي. إلخ. وصرح في مقدمة الكتاب أنه يريد أن يحاكي كتب الشافعية في القواعد، فقال "وإن المشايخ الكرام قد ألفوا لنا ما بين مختصر ومطَوَّل من متون وشروح وفتاوى، واجتهدوا في المذهب والفتوى، إلا أني لم أر لهم كتاباً يحاكي كتاب الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي، مشتملاً على فنون في الفقه. .. فألهمت أن أصنع كتاباً على النمط السابق ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 7 - مجامع الحقائق، للفقيه الحنفي أبي سعيد محمد الخادمي (1155 هـ) وهو في أصول الفقه؛ ولكن المؤلف ضمنه القواعد الفقهية في أربع وخمسين قاعدة في نهاية الكتاب، ثم جاء مصطفى محمد الكوز الحصاري، وشرح هذه القواعد في كتابه (منافع الدقائق) وسار الخادمي في كتابه على طريقة الزركشي الشافعي (794 هـ) في كتابه. 8 - ثم جاء مفى دمشق، في عهد السلطان عبد الحميد، الشيخ محمود حمزة الدمشقي الحنفي (1305 هـ) وألف كتاباً في القواعد باسم (الفوائد البهية في القواعد والفوائد الفقهية) وصنف القواعد بحسب أبواب الفقه، وذكر لكل قاعدة مصدرها الفقهي، وفروعها التي تدخل تحتها. أما القواعد الفقهية في (جملة الأحكام العدلية) فسوف نفصل الكلام عنها في فقرة مستقلة، مع بيان شروحها. 9 - وفي العصر الحاضر قام أستاذنا الجليل، العلامة المحقق المدقق، الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، بدراسة معمقة عن القواعد الفقهية في المذهب الحنفي في الباب السادس من كتابه القيم النافع الفريد (المدخل الفقهي العام) فعرض القواعد الفقهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الواردة في مجلة الأحكام العدلية، وصنفها تصنيفاً علمياً مفيداً، ورتبها ترتيباً مميزاً، وقسمها إلى أساسية وفرعية، فبلغت الأساسية أربعين قاعدة، واندرجت سائر القواعد التسع والتسعين تحت الأربعين، وقدم دراسة، لم يسبق إليها، عن تاريخ نشأة القواعد، وأطوار صياغتها، وقدم شرحاً موجزاً ومختصراً ومركزاً لمفاهيمها. وذكر أدلتها، وبعض الأمثلة الفقهية لكل قاعدة، ثم وضع فهرسة خاصة لقواعد المجلة مرتبة ترتيباً أبجدياً، وفهرسة خاصة للمصطلحات الفقهية الواردة في قواعد المجلة. ثم أردف ذلك بقواعد يحسن إلحاقها بالقواعد السابقة، جمعها من مناسباتها المختلفة في الكتب الفقهية، وبعضها عبارات مأثورة عن بعض الأئمة الفقهاء، وبلغت 31 قاعدة، ورتبها على حروف المعجم بحسب أوائل كلماتها. ب - كتب القواعد الفقهية في المذهب المالكي 1 - أصول الفتيا، لأبي عبد الله محمد بن حارث الخشني القيروافي (361هـ) ، وهو يتضمن أصولاً مالكية، ونظائر في الفروع، وبعض الكليات، ورتبه المؤلف على أبواب الفقه، ثم أضاف إليه أبواباً أخرى، وكان يفتتح غالب أبوابه بأصل فقهي من أصول المالكية، وهو كقاعدة فقهية، كقوله في باب حد الزنى: "من أصول هذا الباب قوله: "الحدود تُدْرَأ بالشبهات، ولا يقام مع الرجم شيء من الحدود ولا من القصاص ". 2 - الفروق، للقرافي شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري المالكي المتوفى سنة 684 هـ جمع فيه المؤلف القواعد الكلية والضوابط الفقهية، وقارن بينها، وذكر أوجه الشبه بين كل قاعدتين، أو ضابطين، أو أصلين، أو مصطلحين، وذكر أوجه الافتراق بين كل ذلك، وعليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 (تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية) للشيخ محمد علي بن الشيخ حسين، مفتي المالكية بمكة المكرمة. 3 - ادرار الشروق على أنواء الفروق، لأبي القاسم، قاسم بن عبد الله الأنصاري، المعروف بابن الشاط، المتوفى سنة 723 هـ، تعقب فيه القرافي في قواعده، ورجح بعض الأقوال، وصحح بعض الحالات، لكن الحق مع القرافي في كثير من المسائل. 4 - القواعد، للمَقَّري، أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد القرشي التلمساني، قاضي الجماعة بفاس، المتوفى سنة 758 هـ. واشتمل الكتاب على ألف ومئتي قاعدة. قال العلامة الشيخ محمد بن محمد مخلوف عنه: " وهو كتاب غزير مفيد، لم يسبق إليه أحد ". 5 - إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، للونشريسي، أبي العباس أحمد بن يحيى، المتوفى سنة 914 هـ، وهو كتاب قيم ومفيد، اشتمل على 118 قاعدة، وهي غير مرتبة، بدأها بقاعدة مختلف فيها وهي " الغالب هل هو كالمحقق "، وختمها بقاعدة " كل ما أدى إثباته إلى نفيه فنفيه أولى ". وهو أشهر ما ألف في قواعد المذهب المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 6 - شرح المنهج المنتخب، لأحمد بن علي المنجور المالكي (995 هـ) ، حققه الشيخ محمد بن الشيخ محمد الأمين، ونشرته دار عبد الله الشنقيطي، وهو شرح لمنظومة (المنهج المنتخب) لأبي الحسن علي بن قاسم الزفاق المالكي (912 هـ) وبلغ عدد أبياتها. (443) بيتاً، مرتبة على الأبواب الفقهية، واستخلص القواعد من كتب السابقين من علماء المالكية، وخاصة من قواعد المقري (758 هـ) ، وجاء شرح المنهج المنتخب للمنجور مطولاً، ونال شهرة عند المالكية، وصنفت كتب كثيرة حول المنظومة والشرح، منها (الإسعاف بالطلب مختصر شرح المنهج على قواعد المذهب) ، لأبي القاسم بن محمد بن أحمد التواني من علماء المالكية المعاصرين، وطبع للمرة الأولى في المطبعة الأهلية في بنغازي سنة 1395 ص/1975 م. جـ (كتب القواعد الفقهية في المذهب الشافعي) قلنا: إن القواعد بدأت بالظهور في القرن الثاني الهجري، وكانت على قسمين " أصولية، وقواعد فقهية، وكان الإمام الشافعي أول من وضع القواعد الأصولية ودونها، أما القواعد الفقهية فسبق فيها علماء الحنفية، وإن أقدم من وضع القواعد الفقهية وصاغها ودونها في الفقه الشافعي - فيما نعلم - القاضي حسين (المتوفى سنة 462 هـ) وكان إماماً كبيراً، وصاحب وجه في المذهب، وصنف في الأصول والفروع والخلاف، وإذا أطلق لفظإ القاضي " في الفقه الشافعي فهو المراد. ثم صار مذهب الشافعية أكثر المذاهب اهتماماً وتأليفاً في القواعد الفقهية. وصنفت كتب مستقلة بذلك على المذهب الشافعي، منها: 1 - الفروق، لوالد إمام الحرمين، أبي محمد الجويني، عبد الله بن يوسف بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ابن حيوية (438 هـ) ، أظهر الفرق بين المسائل بتعمق، ورتبه على أبواب الفقه، ووضع كل مجموعة من المسائل بعنوان تندرج تحته. 2 - قواعد في فروع الشافعية، للجاجرمي، معين الدين، أبي حامد محمد بن إبراهيم الشافعي المتوفى سنة 613 هـ، وقد أكثر الناس من الاشتغال بها في عصره، كما يقول العلامة ملاجلبي. 3 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام أبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (660 هـ) . وتسمى القواعد الكبرى في فروع الشافعية، وله القواعد الصغرى، وكان من تلامذته القرافي المالكي صاحب (الفروق) ، واعتبر العز أن الأحكام كلها ترجع إلى قاعدة واحدة، وهي "جلب المصالح ودرء المفاسد" أو إلى "درء المفاسد" فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 4 - الأشباه والنظائر، لابن الوكيل، صدر الدين محمد بن عمر بن الوكيل الشافعي المتوفى سنة 716 هـ، جمع فيه قواعد المذاهب الشافعي، وذكر معظم مسائله من كتاب (فتح العزيز) للرافعي (ت 623 هـ) شيخ الشافعية، ومحقق المذهب مع النَّووي، لكن الكتاب غير مرتب، لأن مؤلفه مات قبل أن ينقحه، ويحتوي على قواعد فقهية وأصولية وضوابط فقهية، ثم جاء ابن أخيه زين الدين بن المُرَحِّل (738 هـ) فنقحه، وتبعه العلماء في تنقيحه. 5 - المجموع المُذْهَبُ في قواعد المذهب الشافعي، للعلائي، صلاح الدين بن خليل كَيْكَلدي العلائي الشافعي الحافظ الدمشقي المتوفى سنة 761 هـ) وقال عنه ملاجلبي: "وهي أجود القواعد، اختصرها الشيخ محمد بن عبد الله الصرخدي المتوفى سنة 792 هـ) ، وفيه أحاديث كثيرة وقواعد أصولية عديدة أيضاً. 6 - الأشباه والنظائر، لابن السبكي، تاج الدين، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 771 هـ) وهو الكتاب المشهور الذي اعتمد عليه السيوطي في (الأشباه والنظائر) ، وأراد ابن نجيم أن يحاكيه بوضع كتاب مثله في المذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الحنفي، وهو من أحسن الكتب لما يمتاز به مؤلفه من دقة واحاطة بالفقه والأصول وغيرهما، مع حسن الترتيب. 7 - الأشباه والنظائر، للأسنوي، جمال الدين عبد الرحيم بن حسن الإسنوي الشافعي المتوفى سنة 772 هـ) ولكن ابن السبكي يقول عنه: " فيه أوهام كثيرة، لأنه مات عن مسودة ". 8 - القواعد في الفقه، أو المنثور في القواعد، للزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، المتوفى سنة 794 هـ) وهو كتاب فريد في منهجه، عميق في أسلوبه، رتبه على حروف المعجم، وشرحه سراج الدين العبادي في مجلدين، واختصر الأصل الشيخ عبد الوهاب الشعراني المتوفى سنة 973 هـ في مجلد. 9 - القواعد، للغزي، شرف الدين علي بن عثمان الغزي المتوفى سنة 799 هـ) وصنفه على طريقة ذكر القاعدة، وما يستثنى منها، ثم أدخل الألغاز فيها. 10 - نواظر النظائر، لابن المُلَقن، سراج الدين عمر بن علي، المعروف بابن الملقن الشافعي المتوفى سنة 804 هـ) وهو مختصر الأشباه والنظائر لابن السبكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 11 - الأشباه والنظائر، للسيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي، المتوفى سنة 911 هـ) وهو من أحسن كتب القواعد، وأجمعها، وأشلها، استفاد السيوطي ممن قبله، وبخاصة التاج السبكي والحافظ العلائي والزركشي، وأحال على السبكي والزركشي دون العلائي، وأضاف إلى ذلك خلاصة علمه ودرايته في الفقه والأصول والعربية، ورتبه على سبعة كتب، أهمها الأول في شرح القواعد الخمس، والثاني في قواعد كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية، والثالث في القواعد المختلف فيها. وقال السيوطي: " أول من فتح هذا الباب شيخ الإسلام ابن عبد السلام في. (قواعده الكبرى) ، فتبعه الزركشي في (القواعد) وابن الوكيل في (أشباهه) وقد قصد ابن السبكي بكتابه تحرير كتاب ابن الوكيل، وذلك بإشارة والده ". 12 - الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية والضوابط والقواعد الكلية. للسقاف، السيد علوي بن أحمد السقاف، ثم اختصره المؤلف في كتابه (مختصر الفوائد المكية) . د - (كتب القواعد الفقهية في المذهب الحنبلي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 يقول الشيخ محمد حسن الشطي الحنبلي الدمشقي المتوفى سنة 1307 هـ في مقدمة (توفيق المواد النظامية لأحكام الشريعة المحمدية) : "إن المحققين من الفقهاء قد أرجعوا المسائل الفقهية إلى قواعد كلية، كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة، وقد أوصلها فقهاء الحنابلة إلى نحو ثمان مئة قاعدة ". وإن أهم كتب القواعد على المذهب الحنبلي - التي وصلت إلى علمنا - هي 1 - الفروق، للسامري، أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي، المعروف بابن سُنَيْنة، مجتهد المذهب (616 هـ) ، ذكر فيه المسائل المشتبهة صورة، المختلفة أحكامها وأدلتها وعللها، وسبب الفرق من حديث أو من القواعد الأصولية ". 2 - الرياض النواضر في الأشباه والنظائر، للصرصري، سليمان بن عبد القوي ابن عبد الكريم الطوفي (المتوفى سنة 710 هـ وقيل 716 هـ) ، ويسمى كتابه (القواعد الكبرى في فروع الحنابلة) . وللمؤلف (القواعد الصغرى) أيضاً. 3 - القواعد النورانية الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، المتوفى سنة 728 هـ، وهي قواعد موزعة على أبواب العبادات ثم المعاملات، ويورد في أثناء البحث بعض القواعد الفقهية، ويمتاز بالمقارنة مع بقية المذاهب، مثل القاعدة الثالثة في العقود، والشروط فيها، فيما يحل منها ويحرم، وما صح منها ويفسد، ومسائل هذه القاعدة كثيرة جداً، والذي يمكن ضبطه فيها قولان: أحدهما: أن يقال: الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك: " الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته. . "، ويطنب ابن تيمية رحمه الله تعالى في ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 كعادته، ويبحث الموضوع من مختلف جوانبه، والواقع أن هذه القاعدة أقرب إلى النظرية العامة في الشروط أكثر من القواعد الكلية. 4 - القواعد، لابن قاضي الجبل، أحمد بن الحسن بن عمر المقدسي، المتوفى سنة 771 هـ، وهو من تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية. 5 - القواعد، ل (ابن رجب، الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ، وسماها المؤلف (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) لكنه مشهور باسم (القواعد) في الفقه الإسلامي، قال ملاجلبي عنه: "وهو كتاب نافع من عجائب الدهر ". ويتألف الكتاب من مئة وستين قاعدة، وإحدى وعشرين مسألة، تتضمن فوائد فقهية جمة، وأحكاماً شرعية كثيرة، وفيها القواعد الفقهية والضوابط، والقواعد الأصولية، وفروع فقهية، ولكن بأسلوب خاص، ومنهج يقرب من الفقه أكثر من القواعد. 6 - القواعد والفوائد الأصولية، وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية، لابن اللحام علي بن عباس البعلي الحنبلي المتوفى سنة 803 هـ) وهذا الكتاب يحتوي على القواعد الأصولية، وما يتفرع عنها من فروع فقهية، مع المقارنة بين المذاهب، ويضم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 بين دفتيه بعض القواعد الفقهية مع ذكر الضوابط والمسائل والأحكام الشرعية التي تدخل تحتها. 7 - كتاب القواعد الكلية والضوابط الفقهية، تصنيف الإمام العلامة جمال الدين يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي الحنبلي (909 هـ) حققه وعلق عليه جاسم ابن سليمان الفُهيد الذوسري، وطبعته دار البشائر الإسلامية، بيروت - ط 1، 1415 هـ / 1994 م) وهذا الكتاب لا يتضمن القواعد الفقهية الكلية إلا نادراً. وأغلبه ضوابط مختصة بابواب محدّدة، وأحكام فرعية جزئية على صيغة حكم عام. 8 - رسالة في القواعد الفقهية، تأليف عبد الرحمن السعدي، أبي عبد الله عبد الرحمن بن ناصر عبد الله السعدي الحنبلي، ولد بعنيزة سنة 1357) وصار عالم القصيم، وتوفى سنة 1376 هـ) ، وهي منظومة من 47 بيتاً، ثم شرحها المؤلف شرحاً وجيزاً، دون أن يذكر لذلك الفروع الفقهية الي تندرج تحتها إلا في بعض الأمثلة الإجمالية. وللمؤلف كتاب بعنوان (الرياض الناضرة) ذكر فيه فصلاً عن "التنبيه على أصول وقواعد وضوابط جامعة نافعة" ذكر تحته 74 قاعدة وضابطاً. هـ - (القواعد الكلية في مجلة الأحكام العدلية) سارت القواعد الفقهية شوطاً ممتازاً، وتقدمت خطوة جيدة في العصر الحديث، وذلك من حيث الصياغة والتطبيق والشهرة، والاعتماد عليها في الإطار التشريعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 والقضائي، فقد رأت اللجنة المكلفة بوضع مجلة الأحكام العدلية في المعاملات المالية من الأحكام الشرعية في الخلافة العثمانية، رأت اللجنة أن تتوج عملها بوضع مقدمة لمواد المجلة بذكر القواعد الكلية، في أولها، للرجوع إليها، والاعتماد عليها، فأخذت القواعد التي جمعها ابن نجيم، وأضافت إليها بعض القواعد الأخرى، وعدلت في الصياغة والأسلوب. وصدرت المجلة عام 1286 هـ، وبدأ العمل بها عام 1293 هـ / 1876 م، وفي أولها تسع وتسعون قاعدة، كل قاعدة في مادة مستقلة، من المادة الثانية إلى المادة المئة، ولكنها جاءت غير مرتبة، بحسب الحروف أو الأبواب الفقهية، وإنما ذكرت بشكل عشوائي. ونصت على الهدف والغرض من القواعد الكلية في نهاية المادة الأولى، فقالت: "إلا أن المحققين من الفقهاء قد أرجعوا المسائل الفقهية إلى قواعد كلية، كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة، وتلك القواعد مسلمة، معتبرة في الكتب الفقهية، تتخذ أدلة لإثبات المسائل وتفهمها في بادئ الأمر، فذكرها يوجب الاستئناس بالمسائل، ويكون وسيلة لتقررها في الأذهان، فلذا جُمعَ تسعٌ وتسعون قاعدةً فقهية. . ". ثم قالت: "ثم إن بعض هذه القواعد، وإن كان بحيث إذا انفرد يوجد من مشتملاته بعض المستثنيات، لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع، كما أن بعضها يخصص ويقيد بعضاً". وتولى شراح المجلة البدء بشرح هذه القواعد، وبيان أهميتها، ودلالاتها، والفروع الفقهية التي تدخل تحتها، والمسائل الجزئية التي تتناولها، والمستثنيات التي تخرج منها، وكثير من هذه الشروح باللغة التركية، وترجم بعضها أحياناً، ووضعت شروح مستقلة باللغة العربية، منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 1 - شرح المجلة، للشيخ محمد خالد الأتاسي، والشيخ محمد طاهر الأتاسي، والشرح مكون من ستة أجزاء، وخصص الجزء الأول منها للقواعد الكلية. 2 - درر الحكام شرح مجلة الأحكام، تأليف علي حيدر، وتعريب فهمي الحسيني، جزءان. 3 - شرح المجلة، سليم رستم باز اللبناني، وهو مجلد ضخم يقع في 1288 صفحة، ومطبوع في جزأين أيضاً، وفي أوله شرح القواعد الفقهية. 4 - مرآة المجلة، يوسف آصاف، جزءان. 5 - شرح مجلة الأحكام العدلية، للأستاذ محمد سعيد المحاسني، ثلاثة أجزاء. 6 - شرح القواعد الفقهية، للشيخ أحمد بن محمد الزرقا الحلبي (ت 1357 هـ) . وهو شرح خاص بالقواعد الفقهية الواردة في مجلة الأحكام العدلية، بمنهج سديد، وذلك بتوضيح معنى القاعدة لغة، مع شرح مصطلحاتها، وبيان معناها والمراد منها. ثم ذكر المسائل التطبيقية لها من فروع الحنفية حصراً، ثم بيان المستثنيات من القاعدة، وإضافة الفوائد الفقهية، والتنبيهات الضرورية التي لها صلة بالقاعدة، مع نسبة الآراء والأقوال والنصوص إلى الكتب المقتبسة منها، لكن المؤلف لم يرتب هذه القواعد، بل عرضها كما جاءت في المجلة بدون ترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 7 - القواعد الفقهية، مع الشرح الموجز، للأستاذ الشيخ عزت عبيد الدعاس، وهو كتاب صغير في 90 صفحة، فيه مقدمة عن القواعد الفقهية، ثم عرض لقواعد المجلة، مع ترتيبها وتقسيمها إلى قواعد أساسية، وقواعد متفرعة عنها، وهو شرح موجز كما رحمه المؤلف لتوضيح معنى القاعدة باختصار، وبيان أصلها أحياناً. وذكر بعض الفروع التطبيقية، وإيراد بعض المستثنيات. ويحسن الإشارة هنا إلى أن مجلة الأحكام العدلية كانت تمثل القانون المدني للمعاملات في ظل الدولة العثمانية، وكانت تطبق عل جميع الأقطار التي كانت تظلها الدولة العثمانية، ثم ألغيت المجلة بالتدريج في تركية وسورية والعراق والكويت، ولم تطبق أصلاً في مصر، ووضع مكانها القوانين المدنية الأجنبية المستمدة من القانون المدني الفرنسي (قانون نابليون) وغيره، مع تطعيمها بالفقه الإسلامي أحياناً، وظلت المجلة مطبقة إلى عهد قريب في الأردن وفلسطين المحتلة وبعض الإمارات العربية، ثم صدر في الأردن قانون مدني مستمد من الفقه الإسلامي المحض، وهو أول قانون مدني إسلامي، ثم حذا حذوه قانون المعاملات في الإمارات العربية والسودان واليمن، وكانت جميع هذه القوانين متوجة في أولها بالقواعد الفقهية السابقة، كما اعتمدت هذه القواعد، وهذه القوانين على أنها أوراق عمل أصلية، في مشروع القانون المدني الموحد في إطار الجامعة العربية، ولكنه لم يصدر حتى الآن، كما وُضعت هذه القواعد سابقاً في صدر القانون المدني العراقي. أما - المملكة العربية السعودية فإنها تعتمد في المعاملات المدنية، والمالية والقضائية على القول المعتمد في المذهب الحنبلي في المحاكم الشرعية، وعلى الأنظمة الخاصة بالمجالات المتعددة الأخرى. ونضيف لما سبق أربعة أمور ظهرت حديثاً قبل نهاية القرن العشرين وفي مطلع القرن الخاص عر الهجري، وهي: 1 - القواعد الفقهية، مفهومها، نشأتها، تطورها، دراسة مؤلفاتها، أدلتها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 مهمتها، تطبيقاتهاً، لعلي أحمد الندوي، وهي رسالة حصل بها المؤلف على شهادة الماجستير في الفقه الإسلامي، وهي دراسة قيمة ونافعة ومفيدة عن القواعد الفقهية. 2 - كثر الاهتمام بتحقيق كتب. القواعد الفقهية، وكتب الأشباه والنظائر في مختلف المذاهب، وتقرر تدريسها في المعاهد الدينية، وكليات الشريعة، والدراسات العليا، ثم اتجهت الأنظار إلى استخراج القواعد الفقهية المبثوثة في كتب الفقه المذهبي، أو كتب الفقه العام، منها رسالة. (القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية) للطالب سعيد جمعة، في المعهد العالي لأصول الدين بمدينة الجزائر، ونوقشت في أيار (مايو) 1996 م، للحصول على الماجستير، ثم رسالة السيد علي أحمد الندوي، السابق، عن استخراج القواعد الفقهية من كتاب (التحرير) للحصيري في الفقه الحنفي، وحصل بها على شهادة الدكتوراه، ومثل ذلك كثير والحمد لله، ولا تزال الجهود متجهة للعناية بالقواعد الفقهية والاستفادة منها. 3 - مَعْلَمَة القواعد الفقهية: وهو مشروع مهم وكبير يقوم به مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وهو خطوة جبارة وشاملة لجمع القواعد الفقهية من أمهات كتب الفقه الإسلامي في المذاهب الثمانية، مع القواعد الفقهية الموجودة في كتب القواعد. ويشارك في هذا العمل عدد من العلماء من مختلف البلاد العربية والإسلامية. وقد كلفت شخصياً باستخراج القواعد الفقهية من كتاب (الأم) للإمام الشافعي، وأنجزت العمل وسلمته في صيف 1996 م، كما تم استخراج القواعد الفقهية من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 كتاب (المغني) لابن قدامة، و (المبسوط) للسرخسي، وغيرها، ونأمل إنجاز هذا العمل المبارك الخير، لجمع أكبر موسوعة في القواعد الفقهية، ليعود النفع للناس جميعاً، ثم كلفت بمراجعة وتتبع القواعد والضوابط التي استخرجها أحد الباحثين من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن قيم الجوزية (751 هـ) والتي بلغت 183 قاعدة وضابطاً، وأكملت العمل واستخرجت زيادة عما سبق 163 قاعدة وضابطاً في نهاية سنة 2003 م، مع شرح كل قاعدة، وبيان دليلها وتطبيقاتها والاستثناءات منها. 4 - ظهرت حديثاً عدة كتب في القواعد، وتحرك التأليف والتصنيف في ذلك في مختلف المذاهب، إما للحصول على شهادة علمية كالماجستير والدكتوراه، وإما لمجرد المشاركة في هذا المجال المهم، فمن ذلك: أ - القواعد الفقهية من خلال كتاب (الإشراف) للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي، بقلم الدكتور محمد الروقي، أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط - المغرب، ونشرتها دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي، في سلسلة الدراسات الفقهية رقم 10، الطبعة الأولى 1424 هـ / 2003 م. ونال المؤلف بها درجة دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية (الماجستير) عام 1989 م من جامعة محمد الخامس بالرباط، المغرب، وتقع في 458 صفحة. ب - تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية من خلال كتابي (إيضاح المسالك) للونشريسي، و (شرح المنهج المنتخب) للمنجور، إعداد الأستاذ الدكتور الصادق بن عبد الرحمن الغِرياني، ونثرتها دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي، في سلسلة الدراسات الأصولية رقم 7، الطبعة الأولى 1423 هـ / 2002 م) وتقع في 567 صفحة، وقسمها الباحث إلى قسمين، الأول: القواعد (132 قاعدة) ، والثاني: الضوابط (14 ضابطا) ، ثم الفهارس، وإن كثيراً من القواعد هي مجرد ضوابط فقهية لباب فقهي خاص. جـ - القواعد الفقهية، المبادئ - المقومات - المصادر - الدليلية - التطور، دراسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 نظرية، تحليلية، تأصيلية، تاريخية، للدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، الأستاذ بجامعة الإمام - محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، طبعتها مكتبة الرشد، وشركة الرياض، بالرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ / 1998 م، وذلك في سبعة فصول وخاتمة وفهارس في 479 صفحة. د - القواعد الفقهية الكبرى، وما تفرع عنها، للدكتور صالح بن غانم السدلان، أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ونشرتها دار بلنسية بالرياض، الطبعة الثانية 1420 هـ / 1999 م، ورتب المؤلف القواعد ترتيباً ألفبائياً، وترتيباً موضوعياً تضمن القواعد الكلية الكبرى وما يندرج تحت كل منها من قواعد فرعية، والقواعد الكلية غير الكبرى، ويقع الكتاب في 557 صفحة. هـ - القواعد الكلية والضوابط الفقهية، تصنيف جمال الدين يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي الحنبلي (909 هـ) تحقيق وتعليق جاسم بن سليمان الفُهيد الدوسري، نشرتها دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ / 1994 م، وتتضمن مقدمة التحقيق (5 - 42) ثم الكتاب (43 - 111) ثم فهرس الموضوعات (113 - 117) وبلغت القواعد مئة، ولكن معظمها ضوابط فقهية. وأحكام عامة، وعناوين فقهية. و الفروق الفقهية، للقاضي عبد الوهاب المالكي وعلاقته بفروق الدمشقي، تحقيق ودراسة محمود سلامة الغرياني، نشر دار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء التراث - دبي، سلسلة الدراسات الفقهية رقم 12، الطبعة الأولى 1424 هـ / 2003 م، ويقع في 215 صفحة، وهو بيان للفرق بين كل مسألتين متشابهتين، وموزع على أبواب الفقه. ز - الفروق، للقاضي عبد الوهاب المالكي البغدادي، بعناية جلال القذافي الجهاني، نشر دار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء الزاث، دبي، سلسلة الدراسات الفقهية رقم 11، الطبعة الأولى 1424 هـ /2003 م، ويقع في 121 صفحة، وهو الكتاب السابق نفسه، ومقسم على أبواب الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ح - الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية، للأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1، 1422 هـ / 2001 م، ويتضمن مئة قاعدة، أكئرها من قواعد مجلة الأحكام العدلية، ويبين الباحث معنى القاعدة. ثم يعرض أهم الفروع والتطبيقات الفقهية لها، ويقع الكتاب في 232 صفحة. ط - جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية، للدكتور علي أحمد الندوي، ونشرتها شركة الراجحي المصرفية للاستثمار بالرياض - الطبعة الأولى 1421 هـ / 2000 م، في ثلاثة مجلدات، خصص المؤلف الجزء الثالث لفهرس القواعد الفقهية الواردة في القسم الثاني من (الجمهرة) ورتبه حسب جذور المصطلحات والألفاظ الأساسية التي وردت في القواعد. ي - موسوعة القواعد، تأليف وجمع وترتيب وبيان الشيخ الدكتور محمد صديق بن أحمد البورنو، أبو الحارث الغزي، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم - بريدة، بالسعودية، طبع مكتبة التوبة، الرياض، الطبعة الثانية 1418 هـ / 1997 م، ومنهجه ترتيب القواعد ترتيباً ألفبائياً بحسب الحرف الذي تبدأ به القاعدة، ثم شرح القاعدة، ثم الأمثلة لها، وظهر من الموسوعة أربعة مجلدات، الأول في المقدمات وبعض القواعد المبدوءة بحرف الهمزة، والثاني في تتمة القواعد المبدوءة بحرف الهمزة، والثالث والرابع في القواعد المبدوءة بحرف الباء، والتاء، والثاء، وقال الباحث في آخر الجزء الرابع: "ويتلوه قريباً إن شاء الله تعالى القسم الثالث، ويشمل قواعد حروف الجيم، والحاء، والخاء، والدال، والذال، والراء والزاي ". ك - القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية، جمع ودراسة عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين، من الإحساء بالسعودية، نشر دار التأصيل - القاهرة، الطبعة الأولى 1422 هـ / 2002 م، مجلدان، يقع الأول في 552 صفحة. ويقع الثاني في 512 صفحة، وهما للحصول على درجة الماجستير في أصول الفقه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وأشار في المقدمة لبحث الدكتور ناصر بن عبد الله الميمان، للحصول على درجة الماجستير بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بعنوان (القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الطهارة والصلاة) وطبعت من قبل مركز الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى سنة 1416 هـ / 1997 م. عاشراً: فوائد هذه فوائد أخرى من كتاب (الأشباه والنظائر) للسيوطي، ومن غيره، رأينا إثباتها مع تصرف يسير. الفائدة الأولى: نشأة القواعد الفقهية قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى: حكى القاضي أبو سعيد الهروي: أن بعض أئمة الحنفية بهراة بلغه أن الإمام أبا طاهر الدباس إمام الحنفية بما وراء النهر ردَّ جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة، فسافر إليه، وكان أبو طاهر ضريراً أعمى، وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه، فالتفَّ الهروي بحصير، وخرج الناس، وأغلق أبو طاهر المسجد، وسرد من تلك القواعد سبعاً، فحصلت للهروي سعلة، فأحس به أبو طاهر، فضربه، وأخرجه من المسجد، ثم لم يكررها فيه بعد ذلك، فرجع الهروي إلى أصحابه، وتلا عليهم تلك السبع. قال أبو سعيد: فلما بلغ القاضي حسيناً ذلك ردَّ جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد: الأولى: اليقين لا يزول بالشك. الثانية: المشقة تجلب التيسير. الثالثة: الضرر يزال. الرابعة: العادة محكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 قال بعض المتأخرين: في كون هذه الأربع دعائم الفقه كله، نظر، فإن غالبه لا يرجع إليها إلا بواسطة تكلف. وضمَّ بعض الفضلاء إلى هذه قاعدة خامسة، وهي "الأمور بمقاصدها" لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات ". وقال: (بُني الإسلام على خمس " والفقه على خمس. قال العلائي: وهو حسن جداً، فقد قال الإمام الشافعي: " يدخل في هذا الحديث ثلث العلم " يعني حديث "إنما الأعمال بالنيات ". وقال الشيخ تاج الدين السبكي: (التحقيق عندي أنه إن أريد رجوع الفقه إلى خمس بتعسف وتكلف وقول جملي (غير تفصيلي) فالخامسة داخلة في الأولى، بل رجع الشيخ عز الدين بن عبد السلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد، بل قد يرجع الكل إلى اعتبار المصالح، فإن درء المفاسد من جملتها، ويقال على هذا: واحدة من هؤلاء الخمس كافية، والأشبه أنها الثالثة، وإن أريد الرجوع بوضوح فإنها تربو على الخمسين، بل على المئتين ". الفائدة الثانية: طرق وضع القواعد للعلماء في وضع القواعد طريقتان: الأولى: أن يضع القواعد التي تعين المجتهد على استنباط الأحكام من مصادرها، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهذا هو المسمى: بأصول الفقه. وكان أول من وضع خطة البحث فيه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فصنف كتابه (الرسالة) وتبعه كل من جاء بعده من علماء المذاهب الأخرى. الطريقة الثانية: استخراج القواعد العامة الفقهية لكل باب من أبواب الفقه ومناقشتها وتطبيق الفروع عليها، فيستنتج أي يستنبط قواعد البيع العامة مثلاً، ويبين مسلك التطبيق عليها، وهي الضوابط، ثم عمم ذلك على مختلف العقود، فصارت قواعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الفائدة الثالثه: تاريخ القواعد الفقهية عند الشافعية أول من فتح هذا الباب سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام حيث رجع الفقه كله إلى قاعدة واحدة، وهي اعتبار المصالح ودرء المفاسد، وألف في ذلك كتابين يدعى أحدهما بالقواعد الصغرى، والآخر بالقواعد الكبرى، كما قاله السيوطي في (الأشباه والنظائر النحوية) . ثم جاء العلامة بدر الدين محمد الزركشي فتبعه في (القواعد) وألف كتاباً ضمنه القواعد الفقهية، وقبله كان الشيخ صدر الدين محمد بن عمر المعروف بابن الوكيل المتوفى سنة 716 هـ رحمه الله تعالى ألف كتاباً في. (الأشباه والنظائر) تبع فيه ابن عبد السلام. ثم جاء التاج السبكي فحرر كتاب ابن الوكيل في ذلك بإشارة من والده التقي السبكي، وجمع أقسام الفقه وأنواعه، ولم يجتمع ذلك في كتاب سواه. ثم جاء العلامة سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى سنة 804 هـ) فألف كتاباً في (الأشباه والنظائر) ، والتقطه خفية من كتاب التاج السبكي رحمه الله تعالى. ثم جاء الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي فنقح جملة من القواعد في كتابه (شوارد الفوائد في الضوابط والقواعد) ثم عَمد إلى كتاب أوسع يضم جملة من العلوم الفقهية، يقال لمجموعها (الأشباه والنظائر) . الفائدة الرابعة: المبادئ العشرة لعلم لمقواعد الفقهية ينبغي لكل طالب في أي علم أن يتصوره حتى يكون على بصيرة ما في تطلبه، أو على بصيرة تامة، وذلك بمعرفة مبادئه العشرة التي نظمها العلامة الصبان في قوله: إن مبادي كل فن عشرةْ. . . الحَدُّ والموضوع ثم الثمرة وفضله ونسبةٌ والواضعْ. . . والاسمُ، الاستمدادُ؛ حكمُ الشارعْ مسائل، والبعض بالبعض اكتفى. . . ومن درى الجميع حاز الشرفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 1 - فحدُّ هذا العلم: قانون تعرف به أحكام الحوادث التي لا نص عليها في كتاب أو سنة أو إجماع. 2 - وموضوعه: القواعد، والفقه من حيث استخراجه من القواعد. 3 - وثمرته: السهولة في معرفة أحكام الوقائع الحادثة التي لا نص فيها، وإمكان الإحاطة بالفروع المنتشرة في أقرب وقت، وأسهل طريق على وجه يؤمن معه التشويش والاضطراب. 4 - وفضله: أنه أشرف العلوم بعد علم التوحيد، كما شهد به - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " ومعنى ذلك: التفقه في الفروع المحتاج إليها. وبالقواعد، إذ التفقه في الفروع كلها من لدن بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر الزمان عسير جداً، حيث إن الوقائع تتجدد بتجدد الزمان كما لا يخفى، فالمراد إذن التفقه ببعض الفروع، والإحاطة بالقواعد. 5 - ونسبته: أنه نوع من أنواع الفقه، وفرع من علم التوحيد، وبقية العلوم المباينة. 6 - وواضعه: الراسخون في الفروع، إلا أنه كان منتشراً خلال الأسفار (الكتب) وعلى أفواه الرجال، حتى جاء الإمام أبو طاهر الدَّباس، والقاضي حسين، فاعتنيا به، وأشاعاه، وابن عبد السلام فألف فيه. 7 - واسمه: علم القواعد الفقهية، وعلم الأشباه والنظائر. 8 - واستمداده: من الكتاب والسنة وآثار الصحابة وأقوال المجتهدين. 9 - وحكمه: الوجوب الكفائي على أهل كل بلدة، والعيني على من ينتصب للقضاء. 10 - ومسائله: وهي قضاياه أي القواعد الباحثة عن أحوال الفروع من حيث التطبيق والاستثمار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الفائدة الخامسة: القواعد والضوابط وا، ررارك قال التاج السبكي في (قواعده) : القاعدة: الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها، ومنها ما لا يختص بباب، كقولنا: "اليقين لا يزول بالشك "، ومنها ما يختص، كقولنا: "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور ". والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى: ضابطاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وإن شئت قلت: ما عمَّ صوراً فإن كان المقصود من ذكره القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم فهو المُدرَك، وإلا فإن كان القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط من غير نظر إلى مأخذها فهو الضابط، وإلا فهو القاعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الباب الأول القواعد الفقهية الأساسية إن بعض القواعد الفقهية أعم وأكل من بعضها الآخر، وإن قسماً منها يدخل تحت قاعدة أخرى، ولذلك تقسم القواعد إلى صنفين: قواعد أصلية، وقواعد فرعية تنضوي تحت القواعد الأصلية. والقواعد الأصلية قسمان: الأول: قواعد أساسية بالنسبة إلى غيرها لعمومها وشمولها، وأهميتها. وحاول بعض الفقهاء إرجاع جميع الفروع إليها، وتبناها جميع الفقهاء في مختلف المذاهب ووضعوها في كتبهم المذهبية، وهي: 1 - الأمور بمقاصدها. 2 - اليقين لا يزول بالشك. 3 - المشقة تجلب التيسير. 4 - الضرر يزال. 5 - العادة محكمة. والقسم الثاني: قواعد أصلية كلية تأتي في الدرجة الثانية بعد الخمس الأولى. ونبدأ بالقواعد الفقهية الأساسية، ونخصص لها هذا الباب، ونذكر تحت كل قاعدة ما يتفرع عنها من قواعد كلية عامة، وقواعد مختلف فيها، ليكون الموضوع متكاملاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 القاعدة الأساسية الأولى: الأمور بمقاصدها الألفاظ الأخرى - الأعمال بالنيات. - العبرة بالقصد والمعنى لا اللفظ والمبنى. - لا ثواب إلا بنية. - كل ما كان له أصل فلا ينتقل عن أصله بمجرد النية. - الأيمان مبنية على الألفاظ والمقاصد. - مقاصد اللفظ على نية اللافظ. - إدارة الأمور في الأحكام على قصدها. - المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات. التوضيح الأمور: جمع أمر، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، ومنه قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، وقوله تعالى: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) . وقوله تعالى: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) . أي ما هو عليه من قول أو فعل. والكلام على تقدير مقتضى، أي أحكام الأمور بمقاصدها، لأن علم الفقه إنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها، ولذا فسرت المجلة القاعدة بقولها: "يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر. فالأمور بمقاصدها أي الشؤون مرتبطة بنيّاتها، وأن الحكم الذي يترتب على فعل المكلف ينظر فيه إلى مقصده فعلى حسبه يترتب الحكم تملكاً وعدمه، ثواباً وعدمه، عقاباً وعدمه، مؤاخذة وعدمها، ضماناً وعدمه ". والأصل في هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات " وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتواتر النقل عن الأئمة في تعظيم حديث النية، وأنه لا شيء أجمع، وأغنى، وأكثر فائدة منه، وأنه ثلث العلم، ويدخل في سبعين باباً في الفقه. والنية محلها القلب في كل موضع، وحقيقتها: قصد الشيء مقترناً بفعله، ووقتها في أول العبادة غالباً، والفعل عامة، وتختلف كيقيتها باختلاف الأبواب، ويشترط فيها: التمييز، والعلم بالمنوي مطابقاً للواقع، وعدم المنافي، ويزيد في النية العبادات الإسلامية، ويعتبر المقصد والنية على نية اللافظ في اليمين، والاعتكاف، والنذر، والحج، ونحوها إلا في اليمين الواجبة عند القاضي فتكون على نية القاضي. وقال العلماء: "مقاصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 اللفظ على نية اللافظ إلا في موضع واحد، وهو الحَلِف، فإنه على نية المستحلِف ". وقال ابن خطيب الدهشة: "المقصود الأعظم بالنية الإخلاص. .، والإخلاص إنما يكون بلإفراد العبادة لله وحده ". التطبيقات هذه القاعدة تجري في المعاوضات والتمليكات المالية، والإبراء، والوكالات، وإحراز المباحات، والضمانات والأمانات والعقوبات. 1 - أما المعاوضات والتمليكات المالية: كالبيع والشراء والإجارة والصلح والهبة، فإنها كلها عند إطلاقها - أي إذا لم يقترن بها ما يقصد به إخراجها عن إفادة ما وضعت له - تفيد حكمها، وهو الأثر المترتب عليها في التمليك والتملك. لكن إن اقترن بهذه المعاوضات ما يخرجها عن إفادة هذا الحكم كالهزل. والاستهزاء، والمواضعة، والتلجئة، فإنه يسلبها إفادة حكمها المذكور. وإذا أراد بألفاظها النكاح مثلاً كانت نكاحاً، لكن يشترط في الإجارة أو الصلح أن تكون المرأة بدلاً ليكون نكاحاً، فلو كانت في الإجارة معقوداً عليها لا تكون نكاحاً، وفي الصلح لو كانت مصالحاً عنها، بأن ادعى عليها النكاح، فأنكرت، ثم صالحت المدعي على مال دفعته له ليكف عنها، صح وكان خلعاً، ومن باع أو شرى وهو هازل فإنه لا يترتب على عقده تمليك ولا تملك. 2 - أما الإبراء: فكما لو قال الطالب للكفيل، أو قال المحال للمحتال عليه: برئت من المال الذي كفلت به، أو المال الذي أحلت به عليك، أو قال: برئت إلي منه، وكان الطالب أو المحال حاضراً، فإنه يرجع إليه في بيان قصده من هذا اللفظ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فإن كان قصد براءة القبض والاستيفاء منه، كان للكفيل أن يرجع على المكفول عنه لو كانت الكفالة بالأمر، وكان للمحال عليه أن يرجع على المحيل لو لم يكن للمحيل دين عليه، وإن كان قصد من ذلك براءة الإسقاط فلا رجوع لواحد منهما. أما إن كان الطالب أو المحال غير حاضر، ففي قوله: "برئتَ إليَّ " لا نزاع في أنه يحمل على براءة الاستيفاء، وكذلك في قوله: "برئتَ " عند أبي يوسف، فإنه جعله كالأول، وهو المرجح. 3 - أما الوكالات: فلو وكل إنسان غيره بشراء فرس معين، أو نحوه، فاشترى الوكيل فرساً، ففيه تفصيل، إن كان نوى شراءه للموكل، أو أضاف العقد إلى دراهم الموكل، فيقع الشراء للموكل، وإن نوى الشراء لنفسه، أو أضاف العقد إلى دراهم نفسه، فيقع الشراء لنفسه، وكذا لو أضاف العقد إلى دراهم مطلقة، فإذا نوى بها دراهم الموكل يقع الشراء للموكل، وإن نوى بها دراهم نفسه يقع لنفسه، وإن تكاذبا في النيَّة يحكَّم النقد، فيحكم بالفرس لمن وقع نقد الثمن من ماله، لأن في النقد من أحد المالين دلالة ظاهرة على أنه أراد الشراء لصاحبه. 4 - أما الإحرازات: وهي استملاك الأشياء المباحة، فإن النية والقصد شرط في إفادتها الملك، فلو وضع إنسان وعاءً في مكان، فاجتمع فيه ماء المطر، ينظر: فإن كان وضعه خصيصاً لجمع الماء يكون ما اجتمع فيه ملكه، كان وضعه بغير هذا القصد، هما اجتمع فيه لا يكون ملكه، ولغيره حينئذ أن يتملكه بالأخذ، لأن الحكم وهو الملك لا يضاف إلى السبب الصالح إلا بالقصد. وكذلك الصيد، فلو وقع الصيد في شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر: فإن كان نشر الشبكة أو حفر الحفرة لأجل الاصطياد بهما فإن الصيد ملكه، وليس لأحد أن يأخذه، وإن كان نشر الشبكة لتجفيفها، أو حفر الحفرة لا لأجل الاصطياد، فإنه لا يملكه، ولغيره أن يستملكه بالأخذ (م/1303) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 5 - وأما الضمانات والأمانات فمسائلها كثيرة: أ - منها اللقطة: فإن التقطها ملتقط بنية حفظها لمالكها كانت أمانة، لا تضمن إلا بالتعدي، وإن التقطها بنية أخذها لنفسه كان تلفها عليه، والقول للملتقط بيمينه في النية لو اختلفا. وكذا لو التقطها ثم ردها إلى مكانها، فإن كان التقطها للتعريف لم يضمن بردها لمكانها، سواء ردها قبل أن يذهب بها أو بعده، وسواء خاف بإعادتها هلاكها أو لا. وإن كان التقطها لنفسه لا يبرأ بإعادتها لمكانها ما لم يردها لمالكها. ب - ومنها الوديعة، فإن المودع إذا استعملها ثم تركها بنية العود إلى استعمالها لا يبرأ عن ضمانها، لأن تعديه باق، وإن كان تركها بنية عدم العود إلى استعمالها يبرأ، ولكن لا يصدق في ذلك إلا ببينة، لأنه أقر بموجب الضمان، ثم ادعى البراء. وهذا إذا كان تعديه عليها بغير الحجر أو المنع عن المالك، فإن كان بأحد هذين، فإنه لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك، وإن أزال تعديه بالاعتراف بها. وكذلك كل أمين من قبل المالك إذا تعدى ثم أزال التعدي بنيته (ألا يعود إليه) فإنه يبرأ عن الضمان، فلو لم يكن مسلطاً من قبل المالك أصلاً، أو كان مسلطاً في مدة معينة وانتهت ثم تعدى ثم أزال تعديه وعاد إلى الحفظ لا يبرأ، كما لو كان مأموراً بحفظ شهر، فمضى شهر، ثم استعمل الوديعة ثم ترك الاستعمال، وعاد إلى الحفظ لا يبرأ. جـ - الوكيل بالبيع لو خالف بأن استعمله، أو دفع الثوب إلى قصار ليقصره حتى صار ضامناً، فلو عاد إلى الوفاق يبرأ كمودع، والوكالة باقية في بيعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 واستثنوا من الأمناء: المستعير لأجل الانتفاع، والمستأجر، والأجير، فإن كلاً منهما لو عاد إلى الوفاق لا يبرأ، فإذا تعدوا على العين المستعارة أو المستأجرة، ثم تركوا التعدي بنية عدم العود إليه لا يبرؤون عن الضمان إلا بالرد على المالك، ومثل ذلك كل أمين كانت يده يد استحفاظ من المالك، كوارث المودع، ومن ألقت الريح ثوباً في داره. 6 - وأما العقوبات، فكالقصاص، فإنه يتوقف على قصد القاتل، وتقام الآلة المفرقة للأجزاء مقام قصد القتل، لأن هذا القصد لا يمكن الوقوف عليه، ودليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه، ويتوقف على أن يقصد قتل نفس المقتول لا غير، فلو لم يقصد القتل أصلاً، أو قصد القتل، ولكن أراد غير المقتول، فأصاب المقتول، فإنه لا يقتص منه في شيء من ذلك، بل تجب الدية، ويكون القتل خطأ. سواء كان ما قصده مباحاً، كما لو أراد قتل صيد، أو إنسان مباح الدم، فأصاب آخر محترم الدم، أو كان ما قصده محظوراً، كما لو أراد قتل شخص محترم الدم فأصاب آخر مثله. 7 - من قال: خذ هذه الدراهم، فإن نوى التبرع بها كان هبة، وإلا كان قرضاً واجب الإعادة. 8 - من قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، ينظر إلى نيته، فإن نوى الظهار فمظاهر، وإن نوى الكرامة، كانت كرامة، وإن نوى الطلاق كان طلاقاً؛ لأن اللفظ يحتمل كل ذلك. 9 - العبادات، والنية أساس فيها للتقرب، ولتمييز العبادات من العادات، وتمييز رتب العبادات، كالوضوء أو الغسل يتردد بين التنظيف والتبرد والعبادة، والإمساك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي، أو لعدم الحاجة إليها، أو لفقدان الطعام، والجلوس في المسجد قد يكون للاستراحة، فشرعت النية لتمييز العبادة والقربة من غيرها، ولذلك قال العلماء: " لا ثواب ولا عقاب إلا بنية". والوضوء، والغسل، والصوم، ونحوها قد يكون فرضاً ونذراً ونفلاً، والتيمم قد يكون عند الحدث، أو الجنابة، والصورة واحدة، فشرعت النية لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض. 10 - قال لزوجته: أنت عليَّ حرام وبنوي الطلاق والظِّهار، فالأصح أنه يخير بينهما هما اختاره ثبت. 11 - أحيا أرضاً بنية جعلها مسجداً فإنها تصير مسجداً بمجرد النية. 12 - حلف ألا يسلم على زيد، فسلم على قوم هو فيهم، واستثناه بالنية، فإنه لا يحنث. 13 - المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كان نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها، والأحاديث الصحيحة تدل لذلك. 14 - إن الرجل إذا اشترى أو استأجر، أو اقترض، ونوى أن ذلك لموكله، أو لموليه، كان له، وإن لم يتكلم به في العقد، وإن لم ينوه له وقع الملك للعاقد، وكذا لو تملك المباحات من الصيد والحشيش وغير ذلك، ونوى أنه لموكله وقع الملك له عند أكثر الفقهاء، فإذا كان القول والفعل الواحد، يوجب الملك لمالكين مختلفين عند تغير النية، ثبت أن للنية تأثيراً في التصرفات.. (ابن تيمية، الحصين 359/1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 15 - لو قضى عن غيره ديناً، أو أنفق عليه نفقة واجبة، ونحو ذلك، ينوي التبرع والهبة لم يملك الرجوع بالبدل، وإن لم ينو فله الرجوع إن كان قد عمل بإذنه وفاقاً، وبغير إذنه على خلاف فيه، فصورة الفعل واحدة، وإنَّما اختلفا، هل هو من باب المعاوضات، أو من باب التبرعات بالنية؛.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 359) . 16 - إن الله سبحانه حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالاً ربوياً بمثله على وجه البيع، إلا أن يتقابضا، وجوّز الدفع على وجه القرض، وقد اشتركا في أن هذا يقبض دراهم، ثم يعطي مثلها بعد العقد، وإنَّما فُرق بينهما للمقاصد، فإن مقصود المقرض إرفاق المقترض ونفعه، وليس مقصوده المعاوضة والربح (.. (ابن تيمية، الحصين 359/1) . 17 - لو باعه درهماً بدرهمين كان رباً محرماً، ولو باعه درهماً بدرهم، ووهبه درهماً هبة مطلقة، لا تعلق لها بالبيع ظاهراً ولا باطناً، كان ذلك جائزاً، فالذي يميز بين هذا التصرف وهذا، هو القصد والنية، فلولا مقاصد العباد ونياتهم لما اختلفت هذه الأحكام.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 360) . 18 - عقود المكرَه وأقواله مثل بيعه، وقرضه، ورهنه، ونكاحه، وطلاقه. ورجعته، ويمينه، ونذره، وشهادته، وحكمه، وإقراره، وردته، وغير ذلك من أقواله، فإن هذه الأقوال كلها منه ملغاة مهدرة بالإجماع، فالمكرَه أتى باللفظ المقتضي للحكم، ولم يثبت حكم اللفظ؛ لأنه لم يقصده، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه. فصار عدم الحكم لحدم قصده وإرادته بذلك اللفظ، وكونه إنما قصد به شيئاً آخر غير حكمه، فعلم أن نفس اللفظ ليس مقتضياً للحكم إلا بالنية والقصد، فالأسماء تتبع المقاصد، فإذا اختلفت المقاصد اختلفت أحكام الأسماء.. (ابن تيمية، الحصين 1 /361) . 19 - إن المقاصد معتبرة في التصرفات من العقود وغيرها، وهذا إبطال للحيل التي يراد بها التوصل إلى المحرمات؛ لأن المحتال لا يقصد بالتصرف مقصوده الذي جعل لأجله، بل يقصد به استحلال محرم، أو إسقاط واجب، أو نحو ذلك.. (ابن تيمية، الحصين 366/1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 20 - إن الهدية إذا كانت مقبوضة بسبب من الأسباب كانت مقبوضة بحكم ذلك السبب، فإذا أهدى العامل في المضاربة إلى المالك شيئاً، فالمالك مخير بين الرد، وبين القبول والمكافأة عليها بالمثل، وبين أن يحسبها له من نصيبه؛ لأنه إنما أهداه لأجل المعاملة التي بينهما، وليس مقصوده التبرع، وإذا وهب واهب لأحد شيئاً يقصد بذلك العوض ولم يحصل له فله الرجوع على من وهبه، وإذا أهدى المقترض إلى المقرض شيئاً قبل الوفاء، لم يحل له قبولها، إلا أن يحتسبها من الدين؛ لأنه إنما أهدى إليه لأجل ما بينهما من المعاملة، ولكي يُؤخر الاقتضاء.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 366) . 21 - إذا كان الابن في حضانة أمه، فأنفقت عليه تنوي بذلك الرجوع على الأب، فلها أن ترجع على الأب في أظهر قولي العلماء.. (ابن تيمية، الحصين 368/1) . 22 - لا يجوز البيع لمن يستعين به على المنكر، كالبيع في أعياد النصارى أو غيرهم، للمسلمين الذين يعلم أنهم يستعينون بهذا الشراء على مشابهة الكفار في العيد، وكذلك لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم، لا لحماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دانة، ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم.. (ابن تيمية، الحصين 368/1) . 23 - إذا علم المشتري أن العين المبيعة مغصوبة، وأراد أن يشتريها، فإن قصد بشرائها تملكها لم يجز له ذلك، وإن قصد استنقاذها لتصرف في مصارفها الشرعية، فتعاد إلى صاحبها إن أمكن، وإلا صرفت في مصارف المسلمين، جاز له الشراء.. (ابن تيمية، الحصين 368/1) . 24 - إذا أعطى الرجل زوجته مالاً زائداً عن النفقة، فإن كان على وجه التمليك لها فقد ملكته، وليس له إن طلقها هو ابتداء أن يطالبها بذلك، وإن كان قد أعطاها لتتجمل به، لا على وجه التمليك للعين، فهو باق على ملكه، فله أن يرجع فيه متى شاء، سواء طلقها أولم يطلقها.. (ابن تيمية، الحصين 368/1) . 25 - إذا عمل أحد الشركاء أكثر من غيره، فإن عمل ذلك تبرعاً فهم سواء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الأجر والربح، وإن لم ينو التبرع بذلك فله حق المطالبة، إما بما زاد في العمل، وإما بإعطائه زيادة في الأجر أو الربح بقدر عمله.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 369) . 26 - النبات الذي ينبت بغير فعل الآدمي، كالكلأ ينبته الله في ملك الإنسان ونحوه. لا يجوز بيعه في أحد قولي العلماء، لكن إن قصد صاحب الأرض تركها بغير زرع، لينبت فيها الكلأ، فبيع هذا أسهل؛ لأنه بمنزلة استنباته (.. (ابن تيمية، الحصين 369/1) . المستثنى 1 - إن هذه القاعدة لا تجري بين أمرين مباحين، لا تختلف بالقصد صفتهما، كما لو وقع الخلاف في كون المبيع صدر هزلاً، أو مواضعة مثلاً، لأن اختلاف القصد بين الهزل والمواضعة لا يترتب عليه ثمرة؛ إذ كل منهما لا يفيد تمليكاً ولا تملكاً. بل تجري القاعدة بين أمرين مباحين تختلف صفتهما بالقصد، كما لو دار الأمر بين البيع المراد حكمه، وبين بيع المواضعة ونحوه، وتجري بين مباح ومحظور، كاللقطة بنية حفظها لمالكها مباح، وبنية أخذها لنفسه محظور، ولبس ثوب الوديعة ثم نزعه، فإن العود إلى لبسه محظور، وعدم العود إلى لبسه مطلوب. 2 - لا تشترط النية في عبادة لا تكون عادة، أو لا تلتبس بغيرها، كالإيمان باللَّه تعالى، والخوف، والرجاء، والنية، وقراءة القرآن، والأذكار، لأنها متميزة بصورتها. (اللحجي، ص 14، السدلان، ص 54، 90) . 3 - لا تشترط النية في التروك، كالزنى، وشرب الخمر، والسرقة، وغيرها، فإن الترك لا يحتاج إلى نية لحصول المقصود منها، وهو اجتناب المنهي عنه بكونه لم يوجد، وإن لم يكن نية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 لكن الترك يحتاج إلى نية في حصول الثواب المترتب على الترك.. (اللحجي. ص 14) ، لأنه لا ثواب ولا عقاب إلا بنية. (السدلان، ص 69) القرافي 118/1) . 4 - الخطأ في النية لا يَضر أحياناً، وضابطه: ما يجب التعرض له في النية جملة، ولا يشترط تعيينه، فإن عينه فلا يضر، كما لو نوى رفع حدث النوم مثلاً، وكان حدثه غيره كمس المرأة، أو نوى رفع جنابة الجماع، وجنابته باحتلام وعكسه، أو رفع حدث الحيض وحدثها الجنابة أو عكسه، خطأ، لم يضر، وصح الوضوء والغسل في الأصح. (اللحجي، ص 15، السدلان، ص 62) . وسبب الاستثناء والخروج على القاعدة أن النية في الوضوء والغسل ليست للقربة، بل للتمييز بين العبادة والعادة، ولأن الأحداث وإن تعددت أسبابها. فالمقصود منها واحد، وهو المنع من الصلاة، ولا أثر لأسبابها من نوم أو غيره.. (اللحجي، ص 15) . 5 - نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غلطاً ظاناً أنه جنب صح وضوءُه. (اللحجي، ص 15) . 6 - ذبح أضحية لله تعالى، وللصنم، فتحرم الذبيحة بانضمام النية للصنم، لأنه تشريك في نية عبادة مع ما ليس بعبادة فيبطلها، ولا يضر التشريك في النية في صور كثيرة كما لو نوى الوضوء أو الغسل والتبرد صح الوضوء والغسل، أو نوى الصوم والحمية أو التداوي صح صومه، أو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته، أو نوى الطواف وملازمة غريمه أو السعي خلفه صح طوافه، أو قرأ في الصلاة آية وقصد بها القراءة والتفهيم فإنها لا تبطل، ولو قال له إنسان: صَل الظهر ولك دينار، فصلى بهذه النية تجزئه صلاته، ولا يستحق الدينار. (اللحجي، ص 16) . 7 - كبَّر المسبوق، والإمام راكع، تكبيرة واحدة، ونوى بها التحرم والهوي إلى الركوع لم تنعقد الصلاة أصلاً للتشريك، وكذا إذا نوى بصلاته الفرض والراتبة لم تنعقد أصلاً. (اللحجي، ص 17) . 8 - لا تكفي النية أحياناً، ويشترط معها التلفظ باللسان بالمنوي، فلو نوى أصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الطلاق، أو عدداً منه، ولم يتلفظ بذلك فلا وقوع، ولو نوى النذر بقلبه ولم يتلفظ به لم ينعقد، ومن اشترى شاة بنية الأضحية، أو الإهداء للحرم، فلا تصير أضحية ولا هدياً على الصحيح حتى يتلفظ بذلك، وإذا باع سلعة بألف، وفي البلد نقود لا غالب فيها، فقبل المشتري، ونويا نوعاً لم يصح في الأصح حتى يبيناه لفظاً. ولو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن شاء الله، لم يقبل حتى يتلفظ بذلك، ومن همَّ بقول معصية ولم يتلفظ به لم يأثم ما لم يقل، فإن قال بعد الهم أثم بها أيضاً. (اللحجي، ص 19) . 9 - لا تؤثر نية قطع العبادات أحياناً، لمن نوى قطع الفاتحة، ولم يسكت لا تبطل صلاته، ومن نوى الإقامة وقطع السفر، فإن كان سائراً لم يؤثر؛ لأن السير يكذبها. ولو نوى بمال القُنْية التجارة لم يؤثر في الأصح، ولا تجب زكاة التجارة إلا إذا شرع بها في هذه الحالة، ومن نوى قطع الصوم والاعتكاف لم يبطلا في الأصح، ومن نوى الأكل والجماع في الصوم لم يضره، ومن نوى فِعْل منافِ في الصلاة كالأكل والعمل الكثير لم تبطل قبل الشروع فيه، ومن نوى قطع الحج والعمرة لم يبطلا بلا خلاف، لأنه لا يخرج منهما بالفساد. ومن نوى الخيانة في الوديعة لم يضمن على الصحيح. إلا أن يتصل به نقل من الحرز. (اللحجي، ص 23) . 10 - تصح النية مع التردد والتعليق في صور، كمن اشتبه عليه ماء وماء ورد لا يجتهد ويتوضأ بكل مرة، ويغتفر التردد في النية للضرورة كمن عليه صلاة من الخمس فنسيها، فصلى الخمس ثم تذكرها، لا تجب الإعادة، ومن عليه صوم واجب لا يدري هل هو من رمضان أو نذر أو كفارة، فنوى صوماً واجباً أجزأه، ويُعْذَرُ في عدم جزم النية للضرورة. ومن صور التعليق: ما إذا علق إحرامه على إحرام صاحبه، كأن يقول: إن كان زيد محرماً فقد أحرمتُ، فإن تبين إحرام صاحبه انعقد إحرامه، وإلا فلا، ولو أحرم ليلة الثلاثين من رمضان وهو شاك، فقال: إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة، وإن كان من شوال فإحرامي بحج، فكان من شوال صح، ومن شك في قصر إمامه، فقال: إن قصر قصرت، وإلا أتممت، فبان قاصراً قصر، وإن اختلط موتى مسلمون بكفار، أو شهداء، وصلى على كل واحد منهم بنية الصلاة عليه إن كان مسلماً أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 غير شهيد صح، ومن عليه فائتة وشك في أدائها، فقال: أصلي عنها إن كانت، وإلا فنافلة، فتبين أنها عليه، أجزأه، ومن نوى زكاة ماله الغائب إن كان باقياً لم يتلف، وإلا فعن الحاضر، فبان باقياً أجزأه عنه، أو تالفاً أجزأه عن الحاضر، ومن أحرم بصلاة الجمعة في آخر وقتها، فقال: إن كان باقياً فجمعة، وإلا فظهر، فبان بقاؤه، صحت الجمعة. (اللحجي، ص 24) . 11 - ذهب جمهور الفقهاء إلى لزوم نكاح الهازل وطلاقه ورجعته وعتقه مع أنه لا يقصد ذلك، وأجاز بعض الفقهاء تصرفاته المالية، لأنه أتى بالقول وإن لم ينو الالتزام بحكمه، لأن ترتيب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد (الروقي، ص 264) .. (ابن تيمية، الحصين 1/ 361) . 12 - يدخل في الاستثناءات ما تشمله القاعدة التي وضعها. (ابن رجب رحمه الله تعالى عند الحنابلة بقوله: "النية تعمُّ الخاص، وتخصِّص العام بغير خلاف فيهما، وهل تقيد المطلق، أو تكون استثناء من النص؟ على وجهين فيهما، فهذه أربعة أقسام " وعرض صوراً كثيرة لكل قسم. فرع 1: ضوابط ما يحتاج إلى نية من الأعمال وما لا يحتاج عند المالكية: 1 - كل ما تمحض للتعبد، أو غلبت عليه شائبته، فإنه يفتقر إلى النية، كالصلاة والتيمم، وما تمحض للمعقولية، أو غلبت عليه شائبته، فلا يفتقر، كقضاء الدين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فإن استوت الشائبتان فقيل كالأول يلحق بحكم العبادة، وقيل كالثاني يلحق بحكم الأصل، وإعمال الشائبتين أرجح من إلغاء إحداهما، كالدليلين. (الغرياني، ص 447، المقري 1/ 265) . 2 - كل ما كانت صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته فإنه لا يفتقر إلى نية، كغسل النجاسة. (الغرياني، ص 447) . 3 - القربات التي لا لبس فيها، كالذكر والنية، لا تفتقر إلى نية. (الغرياني. ص 447، المقري 1/ 1266. 4 - النيَّة في العبادات للتمييز والتقرب، وفي غيرها للتمييز. (الغرياني، ص 447) . 5 - ما يطلب الكف عنه فتركه يُخرج من عهدته، وإن لم يقصد المكلف ولم يشعر به. (الغرياني، ص 447) . 6 - الفعل إن اشتمل على مصلحة مع قطع النظر عن فاعله صحت فيه النيابة، ولم تشترط فيه النية، وإن لم يشتمل إلا مع النظر إلى فاعله لم تصح، واشترطت. (الغرياني، ص 447) . 7 - كل ما تصح فيه النيابة لا تشترط فيه النية. (الغرياني، ص 448) . 8 - كل ما تشترط فيه النية لا تصح فيه الاستنابة. (الغرياني، ص 448) . التطبيقات 1 - قضاء الديون، وردّ الودائع، والغصوب، وإزالة النجاسة، ونفقات الزوجات، والأقارب، وعلف الدواب، كل ذلك لا تشترط فيه النية، فلو فعله إنسان دون أن يشعر به، غافلاً عن التقرب، لأجزأه، ولا يفتقر إلى إعادته، ويجوز أن ينيب غيره ليفعله عنه، لأن صورته كافية في تحصيل مصلحته، واستحضار النية فيه يعظم الأجر. (الغرياني، ص 449) . 2 - الصلاة والوضوء والغسل والصيام، وكل ما كان عبادة محضة، لا يقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 النيابة، والنية شرط في صحته، لأن صورته وحدها غير كافية في تحصيل مصلحته، بل حتى ينضم إليها الخضوع لله تعالى والذلّة والاستكانة. (الغرياني، ص 449) . 3 - ما كان فيه شبه بكل من القسمين السابقين، كالزكاة والكفارات والطهارة، تجوز فيه النيابة، واختلف في اشتراط النية في صحته، والصحيح اشتراطها؛ لأن جانب التعبد فيه أظهر. (الغرياني، ص 449) . 4 - ترك المنكرات كترك الغيبة والنميمة والكف عن أذى الناس، وترك المعاصى بأنواعها، لا تحتاج من المكلف إلى نية، فلو تركها دون أن يشعر لكان ممتثلاً خارجاً من عهدتها، ولكن إذا نوى بتركها التقرب إلى الله تعالى كان مأجوراً. (الغرياني، ص 450) . المستثنى 1 - الحج عبادة تفتقر إلى النية، وجازت فيه النيابة للعاجز على خلاف القاعدة، رخصة ورفقاً بالعباد، لورود حديث الخثعمية بالحج عن أبيها. (الغرياني، ص 450) . 2 - تشرع النية في غير المأمور به على خلاف العادة، كالمباحات، إذا قصد به التقوي على أمر مطلوب، كمن يقصد بالنوم التقوي على قيام الليل، وبالأكل التقوي للطاعة، وتشرع له النية، ويثاب عليه. (الغرياني، ص 451) . فرع:2 ضوابط ما يحتاج إلى نية عند الحنابلة تدخل النية في العبادات جميعها، ومنها: الوضوء والتيمم والغسل، والصلاة: فرضها ونفلها، عينها وكفايتها، والزكاة، والصيام، والاعتكاف، والحج؛ فرضه ونفله، والأضحية والهدي والنذور، والكفارات والجهاد والعتق والتدبير والكتابة. بمعنى أن حصول الثواب في هذه المسائل الأربعة الأخيرة يتوقف على قصد التقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 إلى الله تعالى، وشري هذا إلى سائر المباحات، إذا قصد بها التقوّي على طاعة الله سبحانه وتعالى، أو التوصل إليها، كالأكل والنوم، واكتساب المال، والنكاح، والوطء فيه، وفي الأمة إذا قُصد به الإعفاف، أو تحصيل الولد الصالح، أو تكثير الأمة، أما التروك فلا تحتاج إلى نية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 فوائد الفائدة الأولى: التشريك في النية أقسام القسم الأول: أن ينوي مع العبادة ما ليس بعبادة، فقد يبطلها، كما إذا ذبح الأضحية لله وللصنم، فانضمام الصنم يوجب حرمة الذبيحة، وقد لا يبطلها. وفيها صور: 1 - لو نوى الوضوء أو الغسل مع التبرد، صح الوضوء والغسل. 2 - لو نوى الصوم والحمية أو التداوي، صح صومه. 3 - لو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته. 4 - لو نوى الطواف وملازمة غريمه، أو السعي خلفه، صح طوافه إذا أفرده بنية، ولا ينسحب حكم النية في أصل النسك عليه، لوجود الصارف، وهو قصد ملازمة الغريم. 5 - إذا قرأ في الصلاة آية، وقصد بها القراءة والتفهيم، فإنها لا تبطل. 6 - من قال له إنسان: صَل الظهر، ولك دينار، فصلى بهذه النية، فإنه تجزئه صلاته، ولا يستحق الدينار، ولم يَحْكِ النووي فيها خلافاً. وما صححوه من الصحة في هذه الصور هو بالنسبة إلى الإجزاء، وأما الثواب فصرح ابن الصباغ بعدم حصوله في مسألة التبرد، ومسألة الصلاة والطواف أولى بذلك. القسم الثاني: أن ينوي مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مندوبة، وفيه صور: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 1 - ما لا يقتضي البطلان، ويحصلان معاً، كمن أحرم بصلاة ونوى بها الفرض والتحية، صحت، وحصلا معاً، قال النووي في (شرح المهذب) : "اتفق عليه أصحابنا، ولم أر فيه خلافاً بعد البحث الشديد سنين ". قال الشمس الرملي: "السنن التي تندرج (تدخل) مع غيرها: تحية السجد. وركعتا الوضوء والطواف، والإحرام، وسنة الغفلة، والاستخارة، وصلاة الحاجة، وركعتا القدوم من السفر، وركعتا الخروج له ". ومنه: نوى بغسله الجنابة والجمعة حصلا جميعاً على الصحيح، ومن نوى بسلامه الخروج من الصلاة والسلام على الحاضرين، حصلا، ومن نوى حج الفرض وقرنه بعمرة تطوع أو عكسه حصلا، ومن نوى بصلاته الفرض وتعليم الناس جاز للحديث. 2 - ما يحصل الفرض فقط، كمن نوى بحجه الفرض والتطوع، وقع فرضاً، لأنه لو نوى التطوع انصرف إلى الفرض، عند الشافعية. 3 - ما يحصل النفل فقط، كمن أخرج خمسة دراهم، ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع، لم تقع زكاة، ووقعت صدقة تطوع بلا خلاف، ومن عجز عن القراءة فأنتقل إلى الذكر، فأتى بالتعوذ ودعاء الاستفتاح قاصداً به السنة والبدلية، لم يحسب عنه الفرض، كما جزم به الرافعي، ومن خطب بقصد الجمعة والكسوف لم يصح للجمعة، لأنه تشريك بين فرض ونفل، - جم به الرافعي. 4 - ما يقتضي البطلان في الكل، كمن كبر، وهو مسبوق والإمام راكع، تكبيرة واحدة، ونوى بها التحرم والهوي إلى الركوع، لم تنعقد الصلاة أصلاً للتشريك، ومن نوى بصلاته الفرض والراتبة، لم تنعقد أصلاً. القسم الثالث: أن ينوي مع المفروضة فرضاً آخر، قال ابن السبكي: "لا يجزئ ذلك إلا في الحج والعمرة" وقال السيوطي: "بل لهما نظير آخر، وهو أن ينوي الغسل والوضوء معاً، فإنهما يحصلان على الأصح ". القسم الرابع: أن ينوي مع النفل نفلاً آخر، فيحصلان من ذلك، كما لو نوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الغسل للجمعة والعيد، فإنهما يحصلان، ومنه ما لو نوى صوم يوم عرفة والاثنين مثلاً، فيصح، لأنهما سنتان. القسم الخامس: أن ينوي مع غير العبادة شيئاً آخر غيرها، وهما مختلفان في الحكم، ومن فروعه: أن يقول لزوجته: أنت عليَّ حرام، وينوي الطلاق والظهار، فالأصح أنه يخير بينهما، هما اختاره ثبت، وقيل: يثبت الطلاق لقوته، وقيل: الظهار، لأن الأصل بقاء النكاح. الفائدة الثانية، محل النية محل النية القلب في كل موضع، وفي ذلك أصلان: الأول: لا يكفي التلفظ باللسان دون القلب، ويتفرع عليه أنه لو اختلف اللسان والقلب، فالعبرة بما في القلب، فلو نوى بقلبه الظهر، وبلسانه العصر، أو بقلبه الحج، وبلسانه العمرة، أو عكسه، صح له ما في القلب، ومنها أنه إن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد، فلا تنعقد، ولا تتعلق به كفارة. الثاني: لا يشترط مع القلب التلفظ، ومن فروعه: مسائل العبادات كلها، ومنها إذا أحيا أرضاً بنية جَعْلها مسجداً، فإنها تصير مسجداً بمجرد النية، ومنها: لو حلف لا يسلم على زيد، فسلم على قوم هو فيهم، واستثناه بالنية، فإنه لا يحنث. وخرج على هذا الأصل صور، يشترط فيها التلفظ بالمنوي، منها: الطلاق، فلو نوى أصل الطلاق، أو عدداً منه، ولم يتلفظ بذلك فلا وقوع، ومنها: النذر، فلو نواه بقلبه ولم يتلفظ به لم ينعقد، ومنها: أن يشتري شاة بنية الأضحية أو الإهداء للحرم، فلا تصير أضحية ولا هدياً على الصحيح حتى يتلفظ بذلك، ومنها: إذا باع سلعة بألف، وفي البلد نقود لا غالب فيها، فقبل ونويا نوعاً لم يصح في الأصح حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 يبيناه لفظاً، ومنها: لو قال: أنت طالق، ثم قال: "أردت إن شاء الله " لم يقبل حتى يتلفظ بذلك، قال الرافعي: والمشهور أنه لا يُديَّن، ومنها: من همَّ بقول معصية، ولم يتلفظ به، لم يأثم ما لم يقل، فإن قال بعد الهمِّ أثم بها أيضاً. الفائدة الثالثة: زمن النية أي وقتها، فهو أول العبادات ونحوها، ففي الوضوء عند غسل الوجه، وفي الصلاة بالهمزة من التحرم، ويستمر إلى تمام التحرم، والمختار أنه تكفي المقارنة العرفية بأن يُوجد النية كلها، أو بعضها في أول التكبير، أو آخره، بحيث يعد مستحضراً للصلاة، قال السبكي: ومن لم يقل به وقع في الوسواس المذموم. وخرج عن ذلك صور لا تجب فيها مقارنة النية لأول العبادة، أي فتصح النية قبل الشروع في العبادة. 1 - الصوم: يجوز تقديم نيته على الفجر لعسر مراقبته، ثم سرى ذلك إلى أن وجب، فلو نوى مع الفجر لم يصح في الأصح. قال الزركشي: "ليس لنا ما يمتنع مقارنته، ويجب تقديمه إلا الصوم، والصحيح أنه عَزْم قام مقام النية ". 2 - الزكاة: تصح نيتها قبل الشروع في الدفع للفقراء في الأصح للعسر قياساً على الصوم، وكذلك الكفارة، والفرق بينهما وبين الصلاة حيث لا تجزئ إلا في أولها. أنه يجوز تقديمها عن وقت وجوبها، فجاز تقديم نيتهما بخلاف الصلاة. 3 - جمع الصلاتين في السفر؛ حيث تكون نية الجمع في أولاهما، ولو كانت في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أول العبادة لكانت في أول الصلاة الثانية، لأنها المجموعة، وإن جعلت الأولى أول العبادة فهو مما جاز فيه التأخير عن أولها، لأن الأظهر جواز نية الجمع في أثنائها، ومع التحلل منها. 4 - الأضحية: يجوز نية التضحية بالشاة مثلاً قبل الشروع في ذبحها، ولا يجب اقترانها به في الأصح، وتجوز عند الدفع إلى الوكيل في الأصح. وفي زمن "طية تنبيهان التنبيه الأول: ما أوله من العبادات ذِكْرٌ وجب اقترانها بكل اللفظ، وقيل: يكفي بأوله: 1 - فمن ذلك الصلاة، ومعنى اقترانها بكل التكبير أن يوجد جميع النية المعتبرة عند كل حرف منه، ومعنى الاكتفاء باوله أنه لا يجب استصحابها إلى آخره. ونظير ذلك نية كناية الطلاق فإنه يشترط مقارنة النية لجميع اللفظ على خلاف فيه. 2 - من ذلك الإحرام: فينبغي أن يقال بمقارنة النية للتلبية، وهو ظاهر. 3 - ومن ذلك الخُطْبة إن أوجبنا نيتها، والظاهر وجوب اقترانها بقوله: "الحمد لله " لأنه أول الأركان " التنبيه الثاني: قد يكون للعبادة أول حقيقي وأول نسبي، فيجب اقتران النية بهما. 1 - من ذلك التيمم، فيجب اقتران نيته بالنقل، لأنه أول المفعول من أركانه، وبمسح الوجه، لأنه أول الأركان المقصودة، والنقل وسيلة إليه. 2 - ومن ذلك: الوضوء والغسل، فيجب للصحة اقتران نيتهما بأول مغسول من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الوجه والبدن، ويجب للثواب اقترانها بأول السنن السابقة ليثاب عليها، فلو لم يفعل لم يثب عليها في الأصح، لأنه لم ينوها. 3 - وفي نظيره من نفل الصوم، لو نوى في أثناء النهار حصل له ثواب الصوم من أوله. وقرر المقري المالكي قاعدتين عند المالكية في ذلك، وهما: الأولى: شرط النية اقتران ذكرها بأول المنوي، فلا يضر ما لا يقطع ذلك من تقدمها عليه، وهو المعبر عنه بالتقدم اليسير؛ لأن فائدتها تخصيصه بالجهة المرادة. الثانية: الأصل مقارنة النية للفعل إلا أن يتعذر أو يتعسر، كما في الصوم فتتقدم، ولا تتأخر. وأضاف المقري قاعدتين أيضاً تتعلقان بالنية: الأولى: الأصل استصحاب ذكر النية، نتكون مصاحبة للفعل كالصلاة من أولها إلى آخرها، والوضوء من أوله إلى آخره. الثانية: تعين الوقت لا يفني عن تعين وصف النية، فلا بدَّ في رمضان من نية الفرض عند مالك والشافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الفائدة الرابعة، كيفية النية تختلف النية باختلاف الأبواب: 1 - نية الوضوء: فإنها "قصد رفع الحرمة الناشئة من الحدث، وفي اشتراط مقصد الفعل (وهو الفعل الخصوص ويعني: قصد غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين) خلاف بين الأصحاب، رجح الشيخ ابن حجر في (حاشيته على فتح الجواد) الاشتراط، وهو مشكل، وفي بعض كتب الأئمة من أصحابنا عدم اشتراط قصد الفعل في الطهارة، فالمنقول خلاف ما بحثه. 2 - نية الصلاة، فإنها: "قصد أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير، مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة ". 3 - نية الحج، فإنها: "قصد الدخول في شيء معنوي يقتضي قصد الدخول فيه تحريم أشياء كانت حلالاً قبل "، وهناك تعريفات أخرى مدخولة. 4 - نية الصيام، فإنها "قصد إمساك مخصوص ". 5 - نية الزكاة، فمانها "قصد إخراج شيء مخصوص عن مال مخصوص على وجه مخصوص ". 6 - الظاهر من مذهب مالك أن الموَسْوس في الوضوء أو الصلاة يلغي الشك، ويرجع إلى الأصل. الفائدة الخامسة، شروط النية، أربعة: الشرط الأول - الإسلام، ومن ثم لا تصح العبادات من الكافر، أصلياً كان أو مرتداً على الراجح، حتى في غسله على الراجح أيضاً، وخرج عن ذلك صور: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 1 - الذمية تحت المسلم: يصح غسلها من الحيض ليحل لحليلها وطؤها بلا خلاف للضرورة، ويشترط نيتها، فإن امتنعت أجبرها عليه واستباحها، وإن لم تنو للضرورة، كما تجبر المسلمة المجنونة. 2 - الكفارة: تصح من الكافر، ويشترط منه نيتها، لأن المغلب فيها جانب الغرامات، والنية فيها للتمييز، لا للقربة. 3 - الزكاة: إذا أخرجها المرتد حال ردته، فتصح وتجزئه. 4 - إذا نوى سفر القصر، وهو كافر، اعتبرت نيته، فإذا أسلم في أثناء المسافة قصر على الأرجح. 5 - إذا أسلم الكافر مع طلوع الفجر، ووافق آخر إسلامه الطلوع، فهو مسلم حقيقة، ويصح منه صوم النفل، وأما الفرض فلا يصح منه والحالة هذه، لأن التبييت شرط. الشرط الثاني - التمييز: فلا تصح عبادة صبي لا يميز، ولا عبادة مجنون. الشرط الثالث - العلم بالمنوي مطابقاً للواقع، فلو اعتقد أن الوضوء أو الصلاة سنة لم يصح، ولو اعتقد أن فيهما فروضأ وسنناً، ولم يميز، صح حتى من العالم. ولو أتى بالأفعال، ولم يعتقد شيئاً، وكان يخفى عليه مثل ذلك، فالقياس الصحة. وإن كان قولهم: لا يجوز الإقدام على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، يقتضي خلافه. الشرط الرابع - عدم المنافي: بألا يأتي بما ينافيها دواماً وابتداء، أي في أثناء العبادة وفي أولها، فلو ارتد في أثناء الصلاة، أو عند تحرمها لم تصح، وكذا لو ارتد في أثناء الصوم أم الحج أو التيمم بطل أيضاً، أو في أثناء الوضوء أو الغسل لم يبطلا، لأن أفعالهما غير مرتبطة ببعضها، ولكن لا يحسب المغسول في زمن الردة. ويحتاج إلى استئناف النية، ولو ارتد بعد الفراغ فالأصح أنه لا يبطل الوضوء والغسل، ويبطل التيمم لضعفه، ولو وقعت الردة بعد فراغ الصلاة أو الصوم أو الحج أو أداء الزكاة لم تجب عليه الإعادة، وأما الأجر فإن لم يعد إلى الإسلام فلا يحصل له؛ لأن الردة تحبط العمل، وإن عاد إلى الإسلام فظاهر النص أنها تحبط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أيضاً، والذي في كلام الرافعي وغيره أنها إنما تحبط العمل إذا اتصلت بالموت، لقوله تعالى: (فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) . وهذا هو المعتمد. ومن المنافي نية القطع، وفي ذلك فروع، وهي قسمان: القسم الأول: يؤثر فيه نية القطع، وهي: 1 - نوى قطع الإيمان، والعياذ بالله تعالى من ذلك، صار مرتداً في الحال. 2 - نوى قطع الصلاة في أثنائها، بطلت بلا خلاف، لأنها شبيهة بالإيمان. 3 - نوى قطع الجماعة، بطلت، وفي الصلاة قولان، أصحهما لا تبطل. 4 - نوى قطع الفاتحة، فإن كان مع سكوت يسير بطلت القراءة في الأصح، وإلا فلا. 5 - نوى الإقامة وقطع السفر، فإن كان سائراً لم يؤثر، لأن السير يكذبها، وإن كان نازلاً انقطع. 6 - نوى الإتمام في أثناء الصلاة امتنع عليه القصر. 7 - نوى بمال التجارة القنية انقطع حول التجارة، ولو نوى بمال القنية التجارة لم يؤثر في الأصح حتى يبدأ بالتجارة فعلاً. 8 - نوى بالحلي المحرم استعمالاً مباحاً بطل الحول، ونوى بالحلي المباح محرماً أو كنراً ابتدأ حول الزكاة. القسم الثاني: المنافي الذي لا يؤثر فيه نية القطع، وفيه صور: 1 - نوى قطع الطهارة في أثنائها لم يبطل ما مضى، لكن يجب تجديد النية لما بقي. 2 - نوى قطع الصوم والاعتكاف لم يبطلا في الأصح، والفرق بينهما وبين الصلاة أن الصلاة أشد احتياطاً من غيرها، وهي مخصوصة من بين سائر العبادات بجوه من الربط ومناجاة العبد ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 قال الشارح: " وكان القياس أن التيمم يبطل بنية القطع، ولم أر فيه نقلاً". 3 - نوى الأكل والجماع في الصوم لم يضر. 4 - نوى فِعل منافٍ في الصلاة كالأكل والعمل الكثير، لم تبطل قبل الشروع فيه. 5 - نوى قطع الحج والعمرة، لم يبطلا بلا خوف، لأنه لا يخرج منها بالفساد. 6 - نوى الخيانة في الوديعة لم يضمن على الصحيح، إلا أن يتصل به نقل من الحرز، كما في قطع القراءة مع السكوت. ومن المنافي عدم القدرة على المنوي إما عقلاً وإما شرعاً، فمن الأول: نوى بوضوئه أن يصلي صلاة، وألا يصليها، لم يصح لتناقضه. ومن الثاني: نوى به الصلاة في مكان نجس لم يصح الوضوء لعدم قدرته شرعاً، وإن قال بعضهم: الظاهر الصحة. ومن المنافي التردد وعدم الجزم، وفيه فروع: 1 - تردد هل يقطع الصلاة أم لا؟ أو علق إبطالها على شيء، بطلت، وكذا في الإيمان. 2 - تردد في أنه نوى القصر أو لا، وهل يتُم أو لا؟ لم يقصر. 3 - تيقن الطهارة، وشك في الحدث، فاحتاط وتطهر، ثم بأن أنه محدث، لم يصح، وعليه الإعادة في الأصح. 4 - نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غدٍ عن رمضان إن كان منه، فكان منه، لم يقع عنه، بخلاف ما لو وقع ذلك ليلة الثلاثين من رمضان لاستصحاب الأصل. 5 - عليه فائتة فشك: هل قضاها أو لا؟ فقضاها ثم تيقنها، لم تجزئه. 6 - هَجَم، فتوضأ بأحد الإناءين، لم يصح وضوءُه، وإن بأن أنه توضأ بالطاهر. 7 - شك في جواز المسح على الخف، فمسح، ثم بأن جوازه، وجب إعادة المسح، وقضى ما صلى به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 8 - تيمم أو صلى أو صام شاكاً في دخول الوقت، فبان في الوقت، لم تصح. 9 - تيمم بلا طلب للماء، ثم بانَ أن لا ماء، لم يصح. 10 - صلى إلى جهة شاكاً أنها القبلة، فإذا هي هي، لم تصح. 11 - قصر شاكاً في جواز القصر، لم يصح، وإن بأن جوازه. 12 - صلى على ميت شاكاً أنه من أهل الصلاة عليه، فبان أنه من أهلها، لم تصح. 13 - صلى خلف خنثى، فبان رجلاً، لم يسقط القضاء في الأظهر. 14 - قال: هذه زكاة أو صدقة، لم تقع زكاة للتردد. 15 - قال: أصوم غداً إن شاء زيد، لم يصح وإن شاء زيد، أو قال: أصوم غداً إن نشطت، لم يصح. وخرج عن ذلك صور يصح فيها النية مع التردد أو التعليق. فمن صور التردد: 1 - اشتبه عليه ماء وماء ورد لا يجتهد، بل يتوضأ بكل مرة، ويغتفر التردد في النية للضرورة. 2 - من عليه صلاة من الخمس، فنسيها، فصلى الخمس، ثم تذكرها، لا تجب الإعادة. 3 - من عليه صوم واجب، لا يدري هل هو من رمضان أو نذر أو كفارة، فنوى صوماً واجباً، أجزأه، كمن نسي صلاة من الخمس، ويعذر في عدم جزم النية للضرورة. ومن صور التعليق: 1 - إذا علق إحرامه على إحرام صاحبه، كان يقول: إن كان زيد محرماً فقد أحرمت، فإن تبين إحرام صاحبه انعقد إحرامه، وإلا فلا. 2 - لو أحرم ليلة الثلاثين من رمضان، وهو شاك، فقال: إن كان من رمضان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فإحرامي بعمرة، أو من شوال فإحرامي بحج، فكان من شوال، صح، كما نقله، في (شرح المهذب) . 3 - شك في قصر إمامه، فقال: إن قصر قصرت، وإلا أتممت، فبان قاصراً قصر. 4 - اختلط موتى مسلمون بكفار، أو شهداء، وصلى على كل واحد منهم بنية الصلاة عليه إن كان مسلماً أو غير شهيد، صح. 5 - عليه فائتة، وشك في أدائها، فقال: أصلى عنها إن كانت، وإلا فنافلة، فتبين أنها عليه، أجزأه، نقله في (شرح المهذب) عن الدارمي. 6 - نوى زكاة ماله الغائب إن كان باقياً لم يتلف، وإلا فعن الحاضر، فبان باقياً أجزأه عنه، أو تالفاً أجزأه عن الحاضر. 7 - أحرم بصلاة الجمعة في آخر وقتها، فقال: إن كان باقياً فجمعة، وإلا فظهر، فبان بقاؤه، صحت الجمعة على ما اعتمده الشهاب الرملي وتبعه ولده الجمال الرملي رحمهما الله تعالى. الفائدة السادسة: النية ركن أم شرط اختلف أصحابنا الشافعية، هل النية ركن في العبادة أو شرط؟ فاختار الأكثر أنها ركن، لأنها داخل العبادة، وذلك شأن الأركان، واختار القاضي أبو الطيب وابن الصباغ أنها شرط وإلا لافتقرت إلى نية أخرى. والشيخان الرافعي والنووي عداها في الصلاة ركناً، وقالا في الصوم: النية شرط الصوم، والمعتمد الأول، أي أنها ركن لا شرط. نعم أجرى العلماء النية مجرى الشروط في المسألة، وهي ما لو شك بعد الصلاة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 تركها أو ترك الطهارة، فإنه تجب الإعادة، بخلاف ما لو شك في ترك ركن، قال في (شرح المهذب) والفرق أن الشك في الأركان يكثر لكثرتها بخلاف الشروط. الفائدة السابعة: مقاصد اللفظ قال العلماء: مقاصد اللفظ على نية اللافظ، والمعنى أن مقاصد اللفظ كاليمين. (كمن حلف لا يدخل دار زيد، فإنه يحنث بدخول ما يسكنها بملك، لا بإعارة وإجارة وغصب، إلا أن يريد مسكنه، فيحنث بالمعار وغيره، ويحنث بما يملكه ولا يسكنه إلا أن يريد مسكنه فلا يحنث بما لا يسكنه) والاعتكاف (كان يقول أَعتكفُ، ويطلق، ثم يخرج من المسجد، فهل يجدد النية إذا عاد أم لا؟ فإن كان خروجه بعد العزم على العود فلا يجب التجديد، وإن كان بدون العزم على العود فيجب التجديد) والنذر (كأن يقول: نذرت لله لأفعلن كذا، فإن نوى اليمين يلزمه إن حنث كفارة يمين) والحج (كأن يحرم مطلقاً في أشهر الحج، فإنه يصرفه قبل العمل بالنية إلى ما شاء من حج وعمرة، وقِران) ونحوها من الصلاة وغيرها (كالطلاق والعتق بأن يقول لزوجته، واسها طالق، أو أمته، واسمها حرة؛ يا طالق أو يا حرة. فإن قصد الطلاق أوالعتق حصلا، أو النداء باسمها فلا) . فكل تلك محمولة على نية اللافظ أي أنه لا يعتبر في النية إلا نية صاحبها المتلفظ بمضمونها إلا في صورة واحدة، وهي: اليمين عند من له ولاية التحليف كالقاضي والمحكَم فإنها على نية القاضي ونحوه، دون الحالف فلا تعتبر نيته، وإلا ضاعت الحقوق، سواء كان موافقاً للقاضي في مذهبه أم لا، فإذا ادعى حنفي على شافعي شفعة الجوار، والقاضي حنفي يعتقد إثباتها، فليس للمدعى عليه أن يحلف على عدم استحقاقها عليه عملاً باعتقاده، فلو حلف أثم، اعتباراً بنية القاضي، ومحله ما إذا صدق المدعي في دعواه. دون ما إذا كذب بأن ادعى بدين قد أبرأ منه، أو أداه، ولا بيِّنة مثلاً، فإنه في هذه الحالة تنفع التورية من المدعى عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وهذه الفائدة نص قاعدة مستقلة، وإنَّما عرضناها ثانية للتوضيح والأمثلة والشرح. الفائدة الثامنة، النفل والفرض إن النفل لا يقوم مقام الفرض، ولا يجزئ عنه، وخرج عن هذا الأصل صور يتأدى فيها الفرض بنية النفل، وهي: 1 - أغفل المتطهر لمعة، وانغمست بنية التكرار في الثانية أو الثالثة أجزأه في الأصح، بخلاف ما لو انغمست في التجديد. 2 - لو تذكر في قيامه ترك سجدة، وكان جلس بنية الاستراحة، كفاه عن جلوس الركن في الأصح. 3 - لو جلس للتشهد الأخير، وهو يظنه الأول، ثم تذكر أجزأه. 4 - لو نوى الحج أو العمرة أو الطواف تطوعاً، وعليه الفرض، انصرف إليه بلا خلاف. تنبيه: المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كانت نيته حضورها لولا العذر، يحصل له ثوابها، قال السيوطي: "والأحاديث تدل لذلك ". الفائدة التاسعة، الأعمال بالنيات إن الأعمال لا يترتب عليها ثواب أو عقاب إلا على حسب نية الفاعل وقصده. وهذا يشمل أمرين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الأمر الأول - العمل تابع للنية والقصد: وبناء عليها يوزن العمل، وعلى أساسها تكون الديانة والقضاء في الفتوى والحكم، ويكون العمل عبادة أو غير عبادة. ويكون طاعة أو معصية، ويكون حلالاً أو حراماً، ويكون صحيحاً أو فاسداً، ويكون إيماناً أو كفراً، سواء كان العمل فعلاً أو قولاً. والأدلة على كون الفعل تابعاً للنية قوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) ، فإذا قصد الرجل بالرجعة الصلاح جازت، وإن قصد بها الضرار لم تجز، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) . فالفعل واحد وهو ارتجاع الرجل زوجته التي طلقها، ولكن يختلف الحكم فيه بحسب النية والقصد، وقوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) ، فصورة الصلاة والإنفاق واحدة، ولكن الحكم يختلف بحسب النية والقصد، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ". فالقتال في كل الحالات واحد، ولكن الجزاء يختلف باختلاف نية المقاتل وقصده. والأدلة على كون القول تابعاً للنية والقصد كثيرة، منها حديث ركانة الذي طلق امرأته ألبتة، فأتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "ما أردت؟! قال: واحدة، قال: "آلله! قال: آلله. قال: "هو ما أردت ". فالحكم يختلف باختلاف نية المتلفظ بها أو قصده. وحلف ركانة الذي تلفظ بكلمة "ألبتة" أنه قصد منها طلقة واحدة، وليس ثلاثة، فردَّ له - صلى الله عليه وسلم - زوجته بناء على هذا القصد والاعتقاد، لا على العبارة التي تلفظ بها. الأمر الثاني: الأعمال العارية عن القصد لا يتعلق بها تكليف، ولا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، ولذلك يسقط التكليف عن النائم والغافل والناسي والمجنون والمغمى عليه والجاهل والمخطئ والمكره، وأدلة ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 (إِلَّا مَنْ أُكْرِه وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يكبر". فالمدار في الأقوال والأفعال على المقاصد والنيات، لا على ذات الألفاظ، لذلك فإن الأقوال والأفعال إذا عريت عن القصد لم يترتب على صاحبها العقاب، وإن الأقوال والأفعال الموجبة للثواب إذا عريت عن القصد لم يكتب لصاحبها الثواب. الفائدة العاشرة، فائدة النية إن النية شرعت لأجل التمييز بين ما هو عبادة وما هو عادة من الأقوال والأفعال، والتفريق في العبادات بين ما هو واجب وما هو غير واجب، وفي العادات بين الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح والصحيح والفاسد. والحلال والحرام. الفائدة الحادية عشرة، تعاقب النيتين إن العمل الواحد إذا تعاقب عليه نيتان، فإن الحكم للأولى، وهو المراد من قاعدة: "كل ما كان له أصل فلا ينتقل عن أصله بمجرد النية" فمن اشترى عَرَضاً بنية القنية، ثم نوى بهها التجارة من بعد، فلا زكاة عليه عند المالكية والشافعية، لأن إيجاب الزكاة بنية مستأنفة يعني إيجاب الزكاة بخية مجردة، وذلك غير جائز، كالذهب والفضة إذا نوى الرجل أن يجعلهما حلياً لزوجته للبس فلا يكفي مجرد النية، ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أمثلته: أن من سلَّم في الظهر من اثنتين ظاناً أنه أتم، فتنفل بعدهما بركعتين، ثم تذكر أنه لم يتم، فإنهما تجزياه عن ركعتي الفريضة على مذهب مالك. الفائدة الثانية عشر: التخصيص والتقييد بالنية إن النية تخصص العام وتقيّد المطلق، وأكثر ما يكون ذلك في الطلاق والعتق واليمين، كان ينشئ طلاقاً أو يميناً بلفظ عام، ويقصد بقلبه قصره على بعض أفراده. مثل أن يقول: نسائى طوالق، وينوي استثناء واحدة منهن، أو ينشئ شيئاً من ذلك بلفظ مطلق، ويقصد بقلبه تقييده بصفة أو شرط، مثل أن يقول لزوجته: أنت طالق، وهو ينوي أنها طالق إن خرجت من داره، فهذا مقبول ديانة عملاً بقاعدة "الأعمال بالنيات " أما من جهة القضاء والحكم فمنعه المالكية والشافعية وبعض الأحناف، والحنابلة في إحدى الروايات، وأجازه البعض الآخر من الأحناف والحنابلة في الرواية الثانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 القاعدة الأساسية الثانية: اليقين لا يزول بالشك (م/4) الألفاظ الأخرى - اليقين لا يزال بالشك. - من شك هل فعل شيئاً أو لا، فالأصل أنه لم يفعله. - من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير عمل على القليل، لأنه المتيقن. - الثابت باليقين لا ينتقض إلا بيقين مثله. - اليقين لا يرفع بالشك. - ما ثبت بيقين لا يرفع إلا بيقين. - ما ثبت بيقين فلا يزول إلا بيقين مثله. - لا يرفع يقين بشك. التوضيح اليقين لغة: العلم الذي لا تردد معه، أي الاستقرار، وهذا هو المراد من القاعدة، وليس ما يقوله علماء المعقول بأنه الاعتقاد الجازم، المطابق للواقع. الثابت، لأن الأحكام الفقهية إنما تبنى على الظاهر، وقد يكون الأمر في نظر الشارع يقيناً لا يزول بالشك في حين أن العقل يجيز أن يكون الواقع خلافه، وذلك كالأمر الثابت بالبينة الشرعية، فإنه في نظر الشرع يقين كالثابت بالعيان، ويحكم به القاضي. مع أن شهادة الشهود هي مجرد خبر آحاد يجيز العقل فيها السهو والكذب، ومع ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فإن هذا الاحتمال الضعيف لا يخرج ذلك عن كونه يقيناً، لأنه لقوة ضعفه قد طرح أمام قوة مقابله، ولم يبق له اعتبار في نظر الناظر، فاليقين هو الجزم بوقوع الشيء أو عدم وقوعه. والشك: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر، أو هو التردد في وقوع الشيء وعدم وقوعه على السواء، وبينه وبين اليقين الظن، أو الظن الغالب. وهو ترجيح أحد الطرفين على الآخر بدليل ظاهر يبني عليه العاقل أموره، لكن لم يطرح الاحتمال الآخر، ويقابل الظنَّ الوهمُ، وهو الجانب المرجوح لدليل أقوى منه، والفقهاء يريدون بالشك مطلق التردد سواء كان الطرفان سواء أو أحدهما راجحاً، وعلماء الأصول يفرقون بين الشك والظن. ومعنى القاعدة: أن الأمر المتيقن بثبوته لا يرتفع بمجرد طروء الشك، ولا يحكم بزواله بمجرد الشك؛ لأن الأمر اليقيني لا يعقل أن يزيله ما هو أضعف منه، ولا يعارضه إلا إذا كان مثله أو أقوى، فاليقين لا يُرفع حكمه بالشك أي بالتردد باستواء أو رجحان (أي بالظن) ، وهذا ما يؤيده العقل؛ لأن الأصل بقاء المتحقق. ومستند هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه. أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخْرُجَنَّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فالمتوضئ إذا شك في انتقاض وضوئه فهو على وضوئه السابق المتيقن، وتصح به صلاته حتى يتحقق ما ينقضه، ولا عبرة بذلك الشك. وأخرج الحديث أيضاً ابن ماجة والترمذي. وقوله على عن عبد الله بن زيد قال: شُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يُخيل إليه أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يجدُ الشيء في الصلاة؛ قال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والدارمي والنسائي وابن ماجة وأحمد. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أو أربعاً؛ فليطرح الشك، وليَبْن على ما استيقن " أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. التطبيقات إن هذه القاعدة من أمهات القواعد التي عليها مدار الأحكام الفقهية، وتدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها من عبادات ومعاملات وغيرها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر، ويتفرع عنها أو يندرج تحتها عدة قواعد فقهية، ستأتي. وجميع الفروع الفقهية والأمثلة التطبيقية للقواعد الفرعية تدخل غالباً في هذه القاعدة الأساسية الرئيسة، ونذكر التطبيقات المباشرة لها: 1 - المفقود: وهو الذي غاب عن بلده، ولا يحرف خبره أنه حي أو ميت، تجري عليه أحكام الأحياء فيما كان له، فلا يُورث، ولا تبين زوجته؛ لأن حياته حين تغيبه متيقنة، وموته قبل المدة المضروبة شرعاً، بموت جميع أقرانه، مشكوك، فيدخل تحت قاعدة "اليقين لا يزول بالشك ". (الدعاس ص 11، السدلان ص 106،.. (ابن تيمية، الحصين 53/2) . 2 - من تيقن الطهارة، وشك في الحدث، فهو متطهر، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث. (الدعاس ص 11، اللحجي ص 28، السدلان ص 104، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الفتوحي 4/ 441،.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 52،.. (ابن عبد الهادي ص 109) وخالف المالكية فقالوا: من تيقن الطهارة وشك في الحدث فالمشهور أنه يعيد الوضوء مع تفصيل فيه. (الروقي ص 274 - 275) . 3 - الخنثى: عدم نقض الوضوء بمس الخنثى، أو لمسه. (اللحجي ص 28) . 4 - العقد: إذا ثبت عقد بين اثنين ووقع الشك في فسخه فالعقد قائم. (الدعاس ص 12) . 5 - الدَّيْن: إذا تحقق الدين على شخص ثم مات، وشككنا في وفائه، فالدين باق. (الدعاس ص 12) . 6 - الوديعة: إذا هلكت الوديعة عند الوديع، وشككنا في أنها هلكت بتعديه عليها أو تقصيره، أو قضاء وقدراً، فهو غير ضامن، لأن صفة الأمانة هي المتيقنة عند العقد، فلا تزول بالشك في حصول التعدي أو التقصير. (الدعاس ص 12) . 7 - النفقة: تعاشر الزوجان مدة مديدة ثم ادعت الزوجة عدم الكسوة والنفقة. فالقول قولها؛ لأن الأصل بقاؤها في ذمته وهو يقين، وعدم أدائها. (اللحجي ص 28) . 8 - الماء: اشترى ماءً، ثم ادعى نجاسته ليرده، فالقول قول البائع، لأن الأصل المتيقن طهارة الماء. (اللحجي ص 28) . 9 - الطهر: ادعت المطلقة الرجعية امتداد الطهر، وعدم انقضاء العدة، صدقت، ولها النفقة؛ لأن الأصل المتيقن بقاؤها. (اللحجي ص 28) . 10 - الدَّيْن: إذا كان إنسان يعلم أن زيداً مدين لعمرو بألف مثلاً، فإنه يجوز له أن يشهد على زيد بالألف، وإن خامره الشك في وفائها أو في إبراء الدائن له منها، إذ لا عبرة للشك في جانب اليقين السابق. (الزرقا ص 82) . 11 - الملك: إذا كان الشخص يعلم أن العين الفلانية كانت ملك زيد، ثم نازعه فيها أحد، فإنه يجوز أن يشهد لزيد بأن العين ملكه، وإن كان يحتمل أنه باعها لمن ينازعه. (الزرقا ص 82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 12 - الإبراء: لو ادعى زيد على عمرو ألفاً مثلاً، فأقام عمرو بينة على الأداء أو الإبراء، فأقام زيد أيضاً بينة على أن له عليه ألفاً، فإن بينة زيد هذه لا تقبل من غير أن يبرهن أن الألف المشهود عليها هي غير تلك الألف التي ادعى عمرو أداءها أو الإبراء عنها، لأن فراغ ذمة عمرو بعد البينة التي أقامها أصبح يقيناً، والألف التي أقام زيد عليها البينة مطلقة، فيحتمل أن تكون هي المرادة أو المبروء عنها، فلا تشغل ذمة عمرو بمجرد الشك، بعد التيقن بفراغها، ولأن الموجب والمسقط إذا اجتمعا يعتبر المسقط متأخراً، إذ السقوط بعد الوجوب. (الزرقا ص 83) . 13 - الإقرار: لو أقر شخص أنه لا حق له فيما بيد فلان، ثم برهن على شيء في يد فلان أنه غصبه منه، لم يقبل حتى يشهد بغصبه بعد إقراره؛ لأن الإبراء يعمل فيما قبله لا فيما بعده، ولا يعمل فيما بعده إلا في مسألة، وهي: إذا شرط البائع في البيع البراءة من كل عيب في المبيع دخل العيب القديم والحادث بعد البيع قبل القبض عند الحنفية. (الزرقا ص 83) . 14 - العيب: لو اشترى أحد شيئاً، ثم ادعى أن به عيباً، وأراد رده، واختلف التجار أهل الخبرة، فقال بعضهم: هو عيب، وقال بعضهم: ليس بعيب، فليس للمشتري الردُّ؛ لأن السلامة هي الأصل المتيقن، فلا يثبت العيب بالشك، وكذا لو وجد العيب عند البائع ثم عند المشتري، لكن اشتبه فلم يُدر أنه عين الأول أو غيره، فإنه لا يُردُّ. (الزرقا ص 83) . 15 - الغصب: لو ردَّ الغاصب العين المغصوبة على من في عيال المالك، فإنه لا يبرأ، لأن الردّ على من في عياله ردّ من وجه دون وجه، والضمان كان واجباً بيقين، فلا يبرأ بشك. (الزرقا ص 83) . 16 - الرضاع: لو طلق الرجل زوجته، وكانت ذات لبن، وتزوجت بآخر بعد عدتها، فحملت منه، وأرضعت طفلاً في مدة الحمل، فإن لبنها لم يزل معتبراً من الزوج الأول، فتثبت به حرمة الرضاع بالنسبة له؛ لأنه كان متيقناً أن اللبن منه، فلا نحكم بأنه من الثاني بمجرد الشك الحاصل بسبب حبلها من الزوج الثاني، فإذا ولدت يحكم حينئذ بأن اللبن بعد الولادة من الثاني. (الزرقا ص 84) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 17 - من شك هل طلق امرأته، أو لا، فلا يقع الطلاق؛ لأن الأصل أنه لم يفعله. (اللحجي ص 29، الروقي ص 277، القرافي 2/ 223، الفتوحي 4/ 1 44) . 18 - - الماء: إذا تيقن طهارة الماء، وشك في نجاسته، أو تيقن نجاسته، وشك في طهارته، فالتيقن لا يزول بالشك.. (ابن عبد الهادي ص 109، السدلان ص 104) . 19 - الوقت: إذا شك في دخول الوقت في الصلاة والصوم، أو إذا شك في خروجه، فاليقين لا يزول بالشك.. (ابن عبد الهادي ص 109) . 20 - العدد: إذا شك في عدد الطواف بنى على اليقين. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. وإذا شك في عدد الطلاق أخذ باليقين وهو الأقل.. (ابن عبد الهادي ص 109) . 21 - الطلاق: إذا تيقن الزوجية وشك في الطلاق، أو تيقن الطلاق وشك في الحِل، بنى على اليقين.. (ابن عبد الهادي ص 110) . وقال المالكية: من شك هل طلق زوجته أم لا؟ يحكم ببقاء زوجته في عصمته، ومن شك هل طلق إحدى زوجاته أم لا؟ فإنهم يحكمون ببقاء جميع زوجاته في عصمته، لكن إن تيقن أنه طلق زوجته، وشك هل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثة؟ فإنهم يعتبرونه قد طلقها ثلاثاً، وكذلك لو تيقن طلاق إحدى نسائه وشك في عينها، فنساؤه كلهن طوالق، للاحتياط الشرعي. (الروقي ص 277 - 278، القرافي 2/ 23 2) . 22 - النجاسة: إذا استيقن في ثوب نجاسة، بحيث لا يدري مكان النجاسة. يغسل الثوب كله، لأن الشك لا يرفع المتيقن قبله ابن نجيم ص هـ 6، السدلان ص 103) ، وكذلك إذا تيقن نجاسة الماء. ثم شك هل زالت أم لا؟ بنى على يقين النجاسة. (السدلان ص 104) . 23 - لو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، وهو منفرد، بنى على اليقين، إذ الأصل بقاء الصلاة في ذمته. (السدلان ص 104) . وكذلك إذا شك هل طاف ستاً أو سبعاً، أو رمى ست حصيات أو سبعاً، بنى على اليقين. (السدلان ص 104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وكذلك إذا شك في عدد الرضعات بنى على اليقين. (السدلان ص 105) . وكذلك زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: " أجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام ". (السدلان ص 105 عن الإجماع ص 61) . 24 - لو شك الصائم في غروب الشمس، لم يجز له الفطر، اعتباراً بالأصل المتيقن، وهو بقاء النهار، ولو شك في طلوع الفجر جاز له الأكل؛ لأن الأصل بقاء الليل. (السدلان ص 104، ابن نجيم ص 63، السيوطي ص 52) . 25 - لو شك في امرأة هل تزوجها، أم لا؟ لم يكن له وطؤها، استصحاباً لحكم التحريم إلى أن يتحقق تزوجه بها اتفاقاً (الفتوحي 4/ 441) . 26 - لو شك: هل طلق واحدة أو ثلاثاً؟ الأصل الحل (الفتوحي 4/ 441) . 27 - لو شك في طهارة الماء أو نجاسته، أو أنه متطهر أو محدث، أو شك في عدد الركعات أو الطواف، أو غير ذلك مما لا يحصر، فلا يلتفت إلى الشك (الفتوحي 4/ 1 44،. (ابن رجب 97/1) . 28 - إذا شك في خلق الجنين وقت موت مورّثه، بنى على اليقين، وهو العدم ابن تيمية، (الحصين 53/2) . 29 - لو حلف على شيء أنه كذا، فلم يتبين له كيف هو؟ لم يحنث بمجرد الشك.. (ابن تيمية، الحصين: 2/ 53) . 30 - الأصل في العقود الحل والإباحة، ما لم يرد عن الشارع نص في حرمة شيء منها، أو لم تشتمل على شيء مما حرمه الشارع، ولا يحل لأحد أن يحرم منها شيئاً بالظن، وبلا دليل من كتاب الله وسنة نبيه لمج.. (ابن تيمية، الحصين 57/2) . 31 - الشروط الأصل فيها الصحة والإباحة، فيجوز لكل من المتعاقدين أن يشترطا في العقد ما يرانه محققاً لمصلحته، ما لم يكن محلاً لحرام، أو محرماً لمباح. ويستصحب المسلم هذين الأصلين ما لم يرد عن الشارع نص بخصوصه، ولا ينتقل عن ذلك إلا بيقين آخر.. (ابن تيمية، الحصين 57/2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 32 - الأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكاً له، فهذا أصل متيقن، فلا يزال عنه إلا بيقين مثله، ولا يجب على المشتري أن يسأل البائع عما في يده، هل هو ملك له، أو هل هو مغصوب أو مسروق، سواء كان هذا البائع برّاً أم فاجراً.. (ابن تيمية، الحصين 57/2) . 33 - كل احتمال لا يستند إلى أمارة شرعية لم يلتفت إليه، كالشبهة التي تعرض للمسلم في بيعه وشرائه، والاحتمالات النادرة لا يلتفت إليها، فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.. (ابن تيمية، الحصين 58/2) . 34 - الأصل صحة تصرف المكلف، وأنه غير محجور عليه، ولا سفيه، فمتى صدرت منه معاملة في بيع أو شراء، ونحو ذلك من التصرفات المالية، تم ادَّعى عدم صحة تصرفه لحجر عليه أو سفه أو نحوهما مما لا دليل عليه، فالأصل صحة تصرفه ونفوذه، ولزومه، ما لم يقم دليل يفيد خلاف ذلك.. (ابن تيمية، الحصين 58/2) . فائدة، عموم هده القاعدة قال ابن النجار الفتوحي الحنبلي رحمه الله تعالى: "ولا تختص هذه القاعدة بالفقه. بل الأصل في كل حادث عدمُه حتى يتحقق، كما نقول: الأصل: انتفاء الأحكام عن المكلفين حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك، والأصل في الألفاظ أنها للحقيقة، وفي الأوامر أنها للوجوب، وفي النواهي أنها للتحريم، والأصل بقاء العموم حتى يُتحقق ورود المخصص، والأصل بقاء حكم النص حتى يرد الناسخ ". ثم قال: " ولأجل هذه القاعدة كان الاستصحاب حجة" ثم قال: "ومما ينبني على هذه القاعدة ألا يطالبَ بالدليل، لأنه مستند إلى الاستصحاب، كما أن المدّعى عليها في باب الدعاوى لا يطالب بحجة على براءة ذمته، بل القول في الإنكار قولُه بيمينه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 المستثنى يستثنى من قاعدة "اليقين لا يزول بالشك " أمور، يزول حكم اليقين فيها بالشك. وهي: 1 - دفع الثمن: إذا ادعى المشتري عيباً في المبيع موجباً لردّه على البائع، بعد قبضه المبيع، فإنه لا يجبر على دفع الثمن للبائع حتى تنتهي الخصومة في العيب، فدفع الثمن يقين، وزال ها هنا للحال، بمجرد الشك في أصل العيب، وقدم العيب، المحتملين الثبوت وعدمه، فقد يكون الشيء الذي يزعمه المشتري عيباً ليس بعيب بالنسبة لهذا المبيع، فالواجب عند ادعاء العيب إثبات كونه عيباً أولاً، ثم الانتقال إلى البحث في قِدمه كما هو معلوم، فإن ثبت أصل العيب، وثبت قدمه عند البائع يفسخ القاضي البيع، فإن عجز المشتري عن الإثبات يجبر على دفع الثمن حينثذ. (الزرقا ص 185) . 2 - شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا؟ فيحكم بانقضاء المدة بهذا الشك. (اللحجي ص 35) . 3 - شك هل مسح في الحضر أم في السفر؛ يحكم بانقضاء المدة للحفر. (اللحجي ص 35،. (ابن رجب 2/ 12) . 4 - شك مسافر: أوصل بلده أم لا؟ فلا يجوز له الترخيص بالقصر والجمع وغيرهما. (اللحجي ص 35) . 5 - شك هل نوى الإقامة أم لا؟ يحكم عليه بالإقامة، ولا يجوز له الترخص. (اللحجي ص 35) 6 - أحرم المسافر بنية القصر خلف من لا يدري أمسافر هو أم مقيم؟ لم يجز له القصر لهذا الشك. (اللحجي ص 35) . 7 - بال حيوان في ماء كثير، ثم وجده متغيراً. ولم يدر أتغير بالبول أم بغيره؟ فهو نجس لهذا الشك. (اللحجي ص 35) . 8 - المستحاضة المتميزة يلزمها الغسل عند كل صلاة شكت في انقطاع الدم قبلها. (اللحجي ص 35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 9 - تيمم ثم رأى شيئاً لا يدري أسراب هو أم ماء؟ بطل تيممه، وإن بانَ سراباً. (اللحجي ص 35) . 10 - رمى صيداً فجرحه، ثم غاب، فوجده ميتاً، وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أم غيره؟ لم مجل أكله، وكذا لو أرسل عليه كلباً. (اللحجي ص 35) . 11 - من أصابته نحاسة في ثوبه أو بدنه، وجهل موضعها، يجب غسل كله. (اللحجي ص 35) . 12 - المستحاضة أو سلس البول إذا توضأ. ثم شك هل انقطع حدثه أم لا؟ فصلى بطهارته لم تصح صلاته. (اللحجي ص 35) . 13 - إذا شك الناس في انقضاء وقت الجمعة فإنهم لا يصلون الجمعة، وإن كان الأصل بقاء الوقت. (اللحجي ص 35) . 14 - إذا توضأ وشك: هل مسح رأسه أم لا؟ فيه وجهان، الأصح صحة وضوئه، ولا يقال: الأصل عدم المسح. (اللحجي ص 35) ، وفي الوجه الثاني يعتبر الشك ولا يصح وضوءُه. 15 - لو سلم من صلاته، وشك: هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ الأظهر أن صلاته مضت على الصحة. (اللحجي ص 35) ، وفي القول الآخر يعمل بالشك وأنه صلى ثلاثاً، ويعيد. 16 - الأصل أن الهرة فمها نجس، فترك لاحتمال ولوغها في ماء كثير، وهو شك. (اللحجي ص 35) . 17 - من رأى منياً في ثوبه، أو فراشه الذي لا ينام فيه غيره، ولم يذكر احتلاماً لزمه الغسل في الأصح، مع أن الأصل عدمه. (اللحجي ص 36) . 18 - من شك بعد صوم يوم من الكفارة، هل نوى؟ لم يؤثر على الصحيح، مع أن الأصل عدم النية، والشك فيها، فيقدم الشك على الأصل. (اللحجي ص 36) . 19 - من عليه فائتة، شك في قضائها، لم يلزمه مع أن الأصل بقاؤها. (اللحجي ص 36) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 20 - عند المالكية: من تيقن أنه طلق زوجته، وشك هل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثة؛ فإنهم يعتبرونه قد طلقها ثلاثاً، وكذلك لو تيقن طلاق إحدى نسائه، وشك في عينها، فنساؤه كلهن طوالق، والحجة في ذلك هو الاحتياط الشرعي. (الروقي ص 278، القرافي 2/ 223) . 21 - إذا كان متطهراً وشك في الحدث بعد الطهارة فيجب الوضوء عند مالك فاعتبر الشك (القرافي 2/ 223) . 22 - لو توضأ شاكاً في الحدث، أو صلى مع غلبة الظن بدخول الوقت ونوى الفرض، إن كان محدثاً، أو الوقت قد دخل، وإلا فالتجديد، أو النفل، يجزئه ذلك؛ لأن هذا حكمه، ولو لم ينوه، فإذا نواه لم يضره. (ابن رجب 13/2) . 23 - لو كان له مال حاضر وغائب، فأدى زكاته، ونوى أنها عن الغائب إن كان سالماً، وإلا فتطوع، فبان سالماً، أجزأه. (ابن رجب 2/ 13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فوائد 1 - اليقين والظن من الأحكام سبق بيان المراد من اليقين والظن، وأن الظن معتبر شرعاً بمنزلة اليقين في بناء الأحكام عليه في أكثر المسائل إذا كان مستنداً إلى دليل معتبر، وذلك كما لو رأى إنسان عيناً في يد آخر يتصرف بها تصرفاً يغلب على ظن من يشاهده أنها ملكه، وكان مثله يملك مثلها، ولم يخبر الرائي عدلان بأنها ملك غيره، فإنه يجوز له أن يشهد لذي اليد بملكها. ولكن هناك بعض المسائل لا يعتبر فيها الظن أو غلبة الظن، ولابد فيها من اليقين فمن ذلك: أ - عقد النكاح على أختين؛ فلو عُقد لشخص عقد نكاح على أختين بعقدين متعاقبين فالأول صحيح، والمتأخر باطل، فلو نسي الأول منهما فإنه يفرق بينه وبين الأختين ويبطل العقدان، لأنه لا يجوز ترجيح الأولية لأحدهما دون الآخر بغلبة الظن، ولا بدَّ من العلم واليقين، لأن التحري لا يجري في مسائل الفروج، ولأن الأصل في الأبضاع التحريم. ب - طلاق إحدى نسائه: لو طلق رجل زوجة معينة من نسائه، ثم نسيها، فلا يجوز له أن يطأ واحدة منهن إلا بعد العلم بالمطلقة، ولا يكفي التحري وتغليب الظن، ولا يستطيع الحاكم أن يخلي بينه وبين نسائه حتى يتبين، لأن التحري إنما يجوز فيما يباح عند الضرورة والفروج لا تباح عند الضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 جـ - الحبل: لم يعتبر الفقهاء ظهور علامات الحبل دليلاً جازماً على وجود الحمل، ولم يرتبوا عليه الأحكام الجازمة، مع أنه يغلب على الظن أن المرأة حامل. ولذلك لا تصح الوصية للحمل أو الوقف عليه إلا إذا ولد لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية أو الوقف، حتى يتيقن وجوده وقتها فالولادة لأقل من ستة أشهر يقين على وجوده، ويأخذ حكم هذه الولادة لو كان الأب ميتاً قبل الوصية له والوقف. فيصحان ولو ولدت بعد مدة أطول، كما تشترط الولادة لأقل من ستة أشهر أو موت الأب لثبوت الشفعة له في البيع الذي يجري، وتشرع فيه الشفعة. لكن الفقهاء اعتبروا ظهور علامات الحبل أمارة ترجح قول المرأة أنها ولدت إذا أنكر الزوج الولادة، ووقفوا بعلامات الحبل الميراث للحمل. وإذا علم اليوم وجود الحمل قبل الوصية أو الوقف بأحد الوسائل العلمية الحديثة بالمشاهدة بواسطة التنظير، أو بواسطة الأشعة المخترعة حديثاً، المسماة "أشعة رونتجن " وكانت المشاهدة بطريق مشروع كالتداوي، ثم ولدته لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية أو الوقف أو الشفعة أو موت المورث، فالظاهر عدم اعتباره، ولا بد من الولادة لأقل من ستة أشهر، لا شكاً فيما أظهرته الأشعة، بل لأنها إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر ولا يتيقن حينئذ بأن المولود هو الحمل الذي شوهد بالأشعة. لجواز أن المشاهَد أسْقط، ثم حصل بعده حمل جديد،. (الزرقا ص 8) . وهذا إذا كان الحمل الثاني ممكناً، فإن لم يكن الحمل الثاني ممكناً، بأن ولدت بعد ثلاثة أشهر، أو أربعة، أو خمسة، فتعتبر أمارات الحمل السابق وعلاماته على وجود الحمل في عصرنا الحاضر. 2 - الظن الغالب يجري مجرى اليقين إن الأحكام الشرعية تبنى على الظاهر، وإن الوصول إلى اليقين يتعذر في كثير من الأحيان، لذلك جوَّز الشرع الاعتماد على الظن، واعتباره في الاجتهاد والعمل والتطبيق وقبول الأحكام. ولكن الظن على درجات، وقد ترتقي درجة الظن بكثرة الأدلة والأمارات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فيسمى الظن الغالب الذي يقرب من اليقين، وعرّفه المقّري فقال: "الظن الغالب: هو الذي تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب " وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بدَّ من يقين مثله أو ظن غالب، كمن سافر في سفينة مثلاً، وثبت غرقها، فيحكم بموت هذا الإنسان؛ لأن موته ظنّ غالب، والظن الغالب بمنزلة اليقين. أما إذا كانت غلبة الظن غير مستندة إلى دليل فلا كلام في عدم اعتبارها مطلقاً، وتكون مجرد وهْم، ولا عبرة للتوهم، كما لو غلب على ظن الغاصب حل العين المغصوبة له بناء على احتمال جعل المالك إياه في حل منها، وكما لو ظفر إنسان بمال الغير فأخذه بناء على احتمال أن مالكه أباحه لمن يأخذه، فإنه يكون ضامناً، ولا تعتبر غلبة الظن هذه مهما قويت، ولذلك وجدت أحكام اللقطة، ووجب التعريف سنة، لأن ظنه السابق غير مستند إلى دليل، لأنه من مجرد الوهم، ولا عبرة بالتوهم.. (م/ 74) . 3 - اليقين السابق والشك الطارئ الشك لا يؤثر على اليقين، ولا يزيله، سواء كان اليقين مقتضياً للحظر فلا يزول الحظر بالشك، أم كان اليقين السابق مقتضياً للإباحة، فلا يمنع بالشك، والعمدة على اليقين في كلتا الحالتين، ولا يلتفت إلى الشك فيهما. مثال القسم الأول: لو غاب إنسان غيبة منقطعة بحيث لا يعلم موته ولا حياته، فإن المعتبر اليقين السابق، وهو حياته، إلى أن يعلم موته بالبينة، أو بموت أقرانه، كان كان احتمال موته قائماً في كل لحظة، فلا يجوز قبل ذلك قسمة ماله بين الورثة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ولو كان له وديعة عند آخر فيجب على المستودع حفظها، فلو أعطاها للورثة يكون ضامناً.. (م/ 785) . (الزرقا ص 82) . ومثال القسم الثاني: الفروع المذكورة تطبيقات لقاعدة "اليقين لا يزول بالشك ". والشك الطارئ لا يؤئر على اليقين السابق، سواء طرأ على أصل محرم فيبقى محرماً، أم شك طرأ على أصل مباح فيبقى مباحاً، أو شك لا يعرف أصله فتبقى الإباحة الأصلية. مثال الأول: أن يجد المسلم شاة مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس، فلا تحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم، لأن أصلها حرام (بأن تؤكل حية) وشككنا في الذكاة المبيحة، فلو كان الغالب فيها المسلمون جاز الأكل عملاً بالغالب المفيد للظهور. ومثال الثاني: أن يجد الشخص ماءً متغيراً، واحتمل تغيره بنجاسة أو بطول المكث، فيجوز التطهر به عملاً بأصل الطهارة، ولا يغير الشك حكمه. ومثال الثالث: معاملة من أكثر مالِهِ حرامٌ، فتجوز معاملته، ولا تحرم، لإمكان الحلال، وعدم تحقق التحريم، لكن يكره خوفاً من الوقوع في الحرام. (اللحجي ص 36) . والثابت هو اليقين شرعاً وغير هـ شكٌ، ويعتبر اليقين سواء في براءة الذمة أو شغل الذمة، فالأصل براءة الذمة لأنه اليقين الثابت، حتى يثبت ما يشغلها، فإن ثبت ما يشغل الذمة صار يقيناً فلا تبرأ حتى يثبت الأداء والوفاء. وذكر فقهاء الشافعية بضع عشرة مسألة يزول فيها اليقين بالشك، كالشك في مدة المسح على الخفين، والشك في نية المسافر، والمستحاضة المتميزة، وسلس البول، والتيمم إذا رأى سراباً فظنه ماء، وفي الصيد، وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 4 - الظن والشك إن الظن والشك عند الفقهاء بمعنى واحد، وهذا باعتبار الغالب، ولذلك قال النووي: "اعلم أن مراد أصحابنا (الفقهاء) بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه، سواء كان الطرفان في التردد سواء، أو أحدهما راجحاً، فهذا معناه في استعمال الفقهاء وفي كتب الفقه. أما أصحاب الأصول فإنهم فرقوا بين ذلك، وقالوا: التردد إن كان على السواء فهو الشك، وإن كان أحدهما راجحاً فالراجح ظن. والمرجوح وهم ". 5 - الاستصحاب والأصل إن القواعد المتفرعة عن القاعدة الرئيسية "اليقين لا يزول بالشك " (م/ 4) يعبر عنها بالأصل، فيقال: الأصل بقاء ما كان على ما كان، الأصل في الأمور العارضة العدم، الأصل براءة الذمة، الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، الأصل في الكلام الحقيقة، الأصل في الأشياء الإباحة، الأصل العدم. ويعبر عن الأصل في جميع ذلك بالاستصحاب، وهو استصحاب الماضي إلى الحاضر، أي نقل الحكم الثابت في الماضي إلى الوقت الحاضر حتى يثبت غيره. نماذج عامة معتبرة للأصل 1 - الأصل بقاءما كان على ما كان. 2 - الأصل براءة الذمة. 3 - الأصل في الأشياء والأعيان الإباحة، إلا إن دل دليل للحظر فيعمل به. 4 - الأصل في الأبضاع التحريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 5 - الأصل في الصفات أو الأمور العارضة العدم. 6 - الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته. 7 - الأصل في العبادات الحظر، وفي العادات الإباحة. 8 - الأصل في الكلام الحقيقة. نماذج معتبرة للأصل عند المالكية 1 - الأصل في الأعيان الطهارة. 2 - الأصل البراءة قبل ثبوت التكليف وعمارة الذمة. 3 - الأصل عدم البراءة بعد ثبوت التكليف وعمارة الذمة. 4 - الأصل الإيسار حتى يثبت العدم. 5 - الأصل الصحة دون المرض. 6 - الأصل الطوع دون الإكراه. 7 - الأصل في العقود الصحة. 8 - الأصل في الناس الرشد. 9 - الأصل في الإقرارات ألاَّ يقبل الرجوع عنها؛ لأنها على خلاف الطبع. 10 - الأصل في الناس التجريح حتى تثبت العدالة. 11 - الأصل الحرية حتى يثبت الرق. 12 - الأصل الكفاءة. 13 - الأصل البلوغ. 14 - الأصل التساوي حتى يثبت الرجح. 15 - الأصل الظهور دون التأويل. 16 - الأصل الطهورية حتى يتحقق الناقل عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 17 - الأصل في العقود اللزوم. 18 - الأصل ألا يجمع للشخص بين العوضين. 19 - الأصل في المتبايعين المعرفة بالشيء حتى يثبت الجهل. 20 - الأصل عدم الإذن. 6 - الاستصحاب المعكوس أو المقلوب وأما استصحاب الحاضر إلى الماضي فهو الاستصحاب المقلوب أو المعكوس ولم يقل به الأصحاب في المذهب الشافعي إلا في مسألة واحدة، وهي: ما إذا اشترى شيئاً، فادعاه مُدَّعٍ، وانتزعه منه بحجة مطلقة، فإنهم أطبقوا على ثبوت الرجوع له على البائع بالثمن، بل لو باع المشتري أو وهب كان للمشتري الأول الرجوع أيضاً، فهذا استصحاب في الماضي، لأن البينة لا تنشئ الملك، ولكن تظهره، والملك سابق على إقامتها، ويحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي، ولكنهم استصحبوه مقلوباً، وهو عدم الانتقال فيما مضى. لكن قال بالاستصحاب المعكوس الحنفية في عدة مسائل، وله أمثلة كثيرة، منها: أ - لو كان للابن الغالب مال عند أبيه، فأنفق منه الأب على نفسه، ثم اختلفا، فقال الابن للأب: إنك أنفقت على نفسك منه وأنت موص، وقال الأب: أنفقت وأنا معسر، ولا بينة لأحدهما، فإنه يُحكَّم الحال، فلو كان حال الخصومة معسراً فالقول له، وإن كان موسراً، فالقول لابنه، ولو برهن كل من الأب والابن على دعواهما تقدم بينة الابن لأنه المدعي فجعل الإعسار أو اليسار القائم في الحاضر منسحباً مع الماضي، وإنما لم مجعل القول قول مدعي الإعسار مطلقاً مع أنه الصفة الأصلية في الإنسان، والأصل اعتبار بقائه، لأن بقاء ما كان على ما كان إنما هو عند عدم قيام دليل على خلافه، ولما كان قيام صفة اليسار حين الخصومة أمارة ظاهرة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تأييد كلام مدعيه طرح ذلك الأصل لقيام الدليل على خلافه، واعتبر القول لمدعي اليسار. (الزرقا ص 89) . ب - لو ادعى المستأجر سقوط الأجرة بزعم أن المأجور غصب منه ففات الانتفاع به، وأنكر المؤجر ذلك، فإنه يُحكَّم الحال وينظر، إن كان المأجور في يد الغاصب حين الخصومة فالقول للمستأجر، وإن لم يكن في يد غاصب فالقول للمؤجر، سواء كان في يد المستأجر الآن، أو ليس في يد أحد. (الزرقا ص 95) . جـ - لو باع الأب مال طفله ثم بلغ، فادعى - بعد بلوغه - على المشتري أن البيع كان بغبن فاحش، والمشتري ينكر ذلك، فإنه يُحكَّم الحال، بشرط أن تكون المدة بقدر ما لا يتبدل به السعر. (الزرقا ص 90) . د - إذا اختلف موجر الطاحون ومستأجرها في أصل انقطاع مائها، فإن يُحكَّم الحال (م/ 1776) وكذ! إذا اختلف شخصان في حدوث طريق الماء الذي يجري إلى دار إنسان وقدمه (م/ 1777) فيُحكَّم الحال. (الزرقا ص 90) . 7 - تعارض أصلين إذا تعارض أصلان رُجح الأقوى منهما، قال إمام الحرمين: "وليس المراد بتعارض الأصلين تقابلهما على وِزان واحد في الترجيح، فإن هذا كلام يتناقض، بل المراد التعارض بحيث يتخيل الناظر في ابتداء نظره تساويهما، فإذا حقق فكره رجح. ثم تارة يجزم بأحد الأصلين، وتارة يجري الخلاف، ويرجح بما عضده من ظاهر أو غيره " وقال ابن الرفعة: "لو كان في جهة أصل، وفي جهة أصلان جزم بذي الأصلين، ولم يجر الخلاف ". ومثال تعارض الأصلين مع الجزم بأحدهما: من نوى، وشك هل كانت نيته قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الفجر أو بعده؛ لم يصح صومه، لأن الأصل عدم النية قبل الفجر. قال النووي: "ويحتمل مجيء وجه أنه يصح؛ لأن الأصل بقاء الليل ". (اللحجي ص 34) . ومثال تعارض أصلين مع تعضيد أحدهما بظاهر: ما إذا ادعى العنين الوطء في المدة المضروبة من القاضي، وهو سليم الذكر والأنثيين، فالقول قوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح، فيرجح هذا الأصل على أصل عدم الوطء، لاعتضاد الأصل الأول بسلامة ذكره؛ لأن سليمه لا يكون عنيناً في الغالب. (اللحجي ص 34) . ومثال تعارض أصلين مع اعتضاد أحدهما بشيء غير ظاهر؛ ما لو وقعت في الماء نجاسة، وشك، هل هو قلتان أو أقل؛ فوجهان، أحدهما: يتنجس، وبه جزم الماوردي وآخرون، لتحقق النجاسة، والأصل عدم الكثرة، والوجه الثاني: أنه لا يتنجس، وصوبه النووي، لأن الأصل الطهارة، وشككنا في تنجسه، والأصل عدمه، ولا يلزم من النجاسة التنجس، ورجح السبكي مفالة النووي، وهو الأظهر عند الحنابلة. ومثال تعارض الأصلين مع الرجوع إلى باب الترجيح: إذا هلكت السلعة قبل القبض، ووقع النزاع بين المتبايعين، هل هلكت قبل القبض أو بعده؟ فمن جهة أن السلعة كانت موجودة قبل العقد، وسالمة من العيوب، فيكون الأصل المستصحب هو سلامتها إلى زمن تيقن الهلاك، وهو بعد العقد، ومن جهة أخرى فإن ذمة المشتري الأصل فيها أنها بريئة من الضمان إلى أن يرد دليل على انشغالها. (الروقي ص 290) قاعدة تعارض الأصلين عند المالكية وضع المالكية قاعدة فقهية في تعارض الأصلين، فقالوا: "إذا اختص الفرع بأصل أجري عليه إجماعاً، فإن دار بين أصلين حمل على الأولى منهما، وقد يختلف فيه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وفي لفظ آخر "إذا دار الفرع بين أصلين غلب أرجحهما إن تعذر الجمع، وقد يُختلف في ذلك "، لأن الفرع إذا لم يكن له إلا أصل واحد يرجع إليه، فالواجب إجراؤه على ذلك الأصل من غير خلاف؛ لأنه المتعين. فإن تجاذبته أصول متعددة، وقواعد مختلفة، فالواجب الجمع بينهما، وذلك بترجح الفرع إلى أحد الأصلين على وجه من الوجوه، وترجيعه إلى الأصل الآخر على وجه آخر، خروجاً من التعارض، والواجب إلحاق الفرع بأرجح الأصلين وأقواهما به شبهاً؛ لأن العمل بالراجح واجب، وقد تغلب الشائبتان في الفرع، فيبقى للأصلين أثر في الفرع، ويكون الترجيح محل اجتهاد. التطبيقات أ - حكم من تيقن الوضوء وشك في الحدث تجاذبه أصلان، الأول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأنه لا ينتقل عن الأصل - الذي هو الطهارة هنا - إلا بيقين أو ظن غالب، وعليه فلا يجب الوضوء على من شك في الحدث، وبهذا أخذ الجمهور وبعض المالكية. والأصل الثاني: هو أن عمارة الذمة بعد التكليف، وهي الصلاة هنا، ولا يُبرأ منها إلا بيقين، وأن الشك في الشرط، وهو الطهارة، شك في المشروط، وهو الصلاة، والذمة لا يُبرأ منها بالشك، فيجب الوضوء في الحدث، وهو المشهور عند المالكية. (الغرياني ص 443) . ب - عامل القراض له شبه بالشريك، وشبه بالأجير، فمن رجح شبهه بالشريك، قال بملك العامل لحصته بالظهور وتحقق الربح، وبوجوب الزكاة عليه حينئذ، بشرط أن تتحقق شروط الزكاة فيه وفي رب العمل، وترجح شبه العامل بالشريك عند القائلين بهذا القول بتساويه مع رب المال في زيادة الربح ونقصه، وبأن حقه يتعلق بعين المال، ولا يتعلق بذمة رب المال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ومن رجح إلحاق العامل بالأجير، قال: لا يملك العامل حصته إلا بالقسمة، ولا تجب الزكاة على العامل إلا إذا توفرت شروط الزكاة في حق رب المال وحده، دون نظر إلى العامل؛ لأنه أجير، وترجّح شبه العامل عندهم بالأجير، لاختصاص رب المال بالغرم، دون العامل إذا ضاع رأس المال، ولو كان شريكاً لغرم معه، ولأن القراض معاوضة على عمل، فهو كالإجارة. وأعمل ابن القاسم الشبهين، فقال بلزوم توفر شرط الزكاة في كليهما، للشبه بالشركة، وقال بسقوط الزكاة عن العامل إن سقطت عن رب المال، للشبه بالإجارة. (الغرياني ص 443) . جـ - من تردُّد الفرع بين أصلين أن الحر إذا قتل عبداً، فإن عليه قيمته وإن زادت على دية الحر، إلحاقاً له بالحر، لشبهه به في الإنسانية، وقيل عليه قيمته ما لم تزد على دية الحر، إلحاقاً له بالدابة والياقوتة في المالية والتصرف بالملك، والمشهور هو الأول. (الغرياني ص 444) . 8 - تعارض الأصل والظاهر حرر ابن الصلاح الضابط في ذلك، فقال: "إذا تعارض أصلان، أو أصل وظاهر، وجب النظر في الترجيح، كما في تعارض الدليلين، فإن تُرُدد في الراجح فهي مسائل القولين، وإن ترجح دليل الظاهر حكم به بلا خلاف، وإن ترجح دليل الأصل حكم به بلا خلاف " فالأقسام أربعة. الأول: ما يرجح فيه الأصل جزماً، كمن شك: أصلى ثلاثاً أم أربعاً، فإن الأصل عدم الزيادة، والظاهر أنها أربع لكثرة الركوع والسجود مثلاً وطول الزمن، بحيث إنه خالف عادة نفسه في فعلها، وكمن ظن طلاقاً أو عتقاً، فإن الأصل فيهما العدم، والظاهر المظنون وقوعهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الثاني: ما يرجح فيه الظاهر جزماً، وضابطه أن يستند إلى سبب منصوب شرعاً، أو سبب معروف عادة، أو يكون معه ما يعضد به. (اللحجي ص 32،. (ابن رجب 3/163) . ومثال السبب المنصوب شرعاً: الشهادة تعارض وضع اليد وبراءة الذمة، فيعمل بالشهادة، وإخبار الثقة بنجاسة الماء والأصل طهارته، وإخبار الثقة بدخول الوقت والأصل عدم دخوله، ونحو ذلك. ومثال السبب المعروف عادة: استعمال السرجين في أواني الفخار فيحكم بالنجاسة قطعاً، ومثله الماء الهارب من الحمام، لاطراد العادة بالبول فيه، فيحكم بالنجاسة، قاله الزركشي في " قواعده ". ومثال ما يعتضد به الظاهر: مسألة بول الظبية إذا بالت، ووجد الماء عقب بولها متغيراً فيحكم بنجاسته،. (اللحجي ص 33) . ويقدم الظاهر على الأصل، لأن الظاهر أمر عارض على الأصل ويدل على خلافه، ولأن الأصل إذا اعترض عليه دليل خلافه بطل، ولذلك أمثلة: أ - القضاء بالنكول: فإن اعتباره في القضاء ليس إلا رجوعاً إلى مجرد القرينة الظاهرة، فقدمت على أصل براءة الذمة. (الزرقا ص 110) . ب - مسألة العنّين: إذا ادعى الوصول إلى زوجته التي تزوجها بكراً، وأنكرت الوصول إليها، وقال النساء: إنها ثيب، فإن الوصول إليها من الأمور العارضة، فالأصل عدمه، لكن لما عارضه الظاهر، وهو الثيوبة، قُدم عليه، فكان القول للزوج. (الزرقا ص. 11) . جـ - إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر، فيكون مهر المثل شاهداً لقول الزوجة، ويكون الأصل، وهو عدم الزيادة التي تدعيها الزوجة، شاهداً للزوج، ولكن لما عارضه الظاهر، الذي هو شهادة مهر المثل المؤيدة لدعوى المرأة بالزيادة، قُدم عليه، فكان القول قولها. (الزرقا ص 110) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 د - لو أشهد المشتري أنه يشتري هذا الشيء لفلان، ثم بعد أن اشتراه ادعى فلان أن شراءه كان بأمره، وأراد أخذه، وأنكر المشتري كونه بأمره، فالقول لفلان، فإن الأصل عدم الأمر من فلان، ولكن رجحت دعواه الأمر حيث أيدها الظاهر، وهو إشهاد المشتري على أنه يشتري له. (الزرقا ص 110) . هـ - لو دفع الوكيل بشراء شيء غير معين الثمن من دراهم الموكل، أو أضاف العقد إليها، فإن كلاً منهما ظاهر في نية الشراء للموكل، فإن تكاذبا في النية يكون القول قول من يشهد له هذا الظاهر من بائع أو مشتر. (الزرقا ص 111) . و لو اشترى دابة ثم اطلع على عيب قديم فيها، فركبها وجاء ليردها، فقال البائع: ركبتها لحاجتك، وقال المشتري: بل ركبتها لأردها، فإن القول للمشتري، وذلك لأن الظاهر من حاله لما جاء وابتدأ ردها راكباً، أن يكون الركوب لأجل الرد. (الزرقا ص 111) . الثالث: ما يرجح فيه الأصل على الأصح، وأمثلته لا تكاد تنحصر، كالشيء الذي لا يقين بنجاسته، ولكن الغالب فيه النجاسة، كثياب الخمارين والجزارين والكفار المتدينين بالنجاسة، والطرق التي يغلب نجاستها، والمقبرة المنبوشة التي لا يستيقن بنجاستها، بأن يحصل النبش في أطرافها، والغالب على الظن انتشار النجاسة فيها، وفي جميع ذلك قولان، أصحهما الحكم بالطهارة في الكل استصحاباً للأصل. ونعلم أن الضعف هنا بالنسبة إلى قوة الأصل، وإلا فالظن الحاصل في هذه المسائل قوي من حيث هو.. (اللحجي ص 33) . الرابع: ما يرجح فيه الظاهر على الأصح، وذلك إذا كان سبباً قوياً منضبطاً، وفيه فروع: منها لو شك بعد السلام في ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام فإنه لا يؤثر على المشهور من القولين، لأن الظاهر مضيها على الصحة، والشرط كالركن على الأصح في عدم تأثير الشك فيه بعد السلام، أما الشك في النية وتكبيرة الإحرام فيؤثر على المعتمد أي فتلزمه إعادة الصلاة لشكه في أصل الانعقاد، ورجح بعضهم أن النية وغيرها سواء أي في عدم تأثير الشك بعد السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وإذا تعارض أصل وظاهر فللمالكية قولان في المقدم منهما، ويختلف الأمر باختلاف المسائل. تعارض الأصل والظاهر عند المالكية إذا تعارض أصل وظاهر فللمالكية في المقدم منهما قولان، ويتفق ذلك مع تعارض الأصل والغالب، وفيهما مسائل: أ - المشتري إذا وجد بالمبيع عيباً ظاهراً، وادّعى عدم العلم به وقت العقد، قُبل قوله في الرد بالعيب على قول مالك، تقديماً للأصل على الظاهر، لأن الأصل عدم العلم بالعيب، وقال ابن حبيب: لا يقبل قوله في الجهل بالعيب، تقديماً للظاهر على الأصل، لأن الغالب في العيب الظاهر أن يعلمه المشتري عند العقد، وعلمه به يُسقط حقه في الرد. (الغرياني ص 74) . ب - إذا تنازع بزاز ودباغ في جلد، أو قاض وجندي في رمح، أو عطار ونجار في مسك، أو حداد وعالم في كتاب، ولا بينة لواحد منهما على الآخر، قُضي بالجلد للدباغ، وبالرمح للجندي، وبالمسك للعطار، وبالكتاب للعالم، تقديماً للظاهر. وهل بيمين أو بلا يمين، فيه خلاف بناء على قاعدة "العادة هل هي كالشاهد أو كالشاهدين؟ " فإن عُدّت كالشاهد لزمت معها اليمين، وإلا فلا. (الغرياني ص 74) . جـ - الصلاة في المقبرة القديمة، فيها قولان، ففي قول تجوز بناء على تقديم الأصل وهو الطهارة، وفي قول لا تجوز، بناء على الظاهر؛ لاختلاط جثث الموتى بأجزاء الأرض. (المقري 1/ 264) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 9 - الأصل والظاهر إذا تنازع الخصمان اختلفت مزاعمهما نفياً وإثباتاً، ويحتاج القاضي في فصل الخصومة إلى مرجح يرجح به، في مبدأ الأمر، زعم أحدهما على زعم الآخر، وإن وجوه الترجيح الأولية كثيرة منها: الأصل والظاهر، وهذا يقتضي التوضيح والبيان لكل منهما: أولاً: الأصل الأصل في اللغة: أسفل الشيء، ويطلق في الاصطلاح على معان عدة. كالراجح، والدليل، وما يقابل الفرع، وبمعنى القاعدة التي تبنى عليها المسائل. والمراد هنا بالأصل القاعدة المستمرة أو الاستصحاب. والأصل له أنواع كثيرة، منها: براءة الذمة، وكون اليقين لا يزول بالشك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، والأصل فيما جهل قدمه وجدته أن يعتبر قديماً إذا كان في ملك خاص، وحادثاً إذا كان في ملك غيره، والأصل في الكلام الحقيقة، والأصل في الصفات العارضة العدم، وفي الصفات الوجودية الوجود، والأصل في البيع أن يكون باتاً قطعياً. والأصل في العقود - غير الزارعة بعد وجودها - أن تكون صحيحة، فلو اختلف العاقدان في صحة البيع أو فساده، فالقول لدعي الصحة، أما المزارعة فالقول فيها قبل المزراعة لمدعي الفساد، وبعدها لرب البذر، سواء ادعى الصحة أو الفساد، والبينة لمدعي الصحة. والأصل في الوكالة والعارية الخصوص، وفي المضاربة والشركة العموم. والأصل فيما لا يعلم إلا من جهة أحد الخصمين، أو كان أحدهما أدرى من الآخر، أن يقبل قوله فيه بيمينه، ولذا قبلوا قول المرأة في انقضاء عدتها، والمدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 تحتمل، أو عدم انقضائها، بيمينها، لكون ذلك لا يعلم إلا من جهتها، وقبلوا قول المملِّك في بيان جهة التمليك، وقول الدافع في بيان جهة الدفع، لأنهما أدرى بها ممن تلقى الملك أو القابض، فلو ادعى المملك القرض، وادعى الآخر الهبة مثلاً. فالقول قول المملِّك، وكذا لو كان عليه دينان، وبأحدهما رهن أو كفيل، فدفع له مبلغاً من المال، ثم اختلفا، فطلب الدافع ردَّ الرهن عليه بزعم أن ما دفعه عن دين الراهن، أو زعم براءة الكفيل، وأن ما دفعه إنما دفعه عن دين الكفالة، وزعم الدائن أنه عن الدين الآخر، فالقول قول الدافع بيمينه؛ لأن المملك والدافع أدرى بجهة التمليك والدفع. والأصل في البيع هو الجد لا الاستهزاء، فلو اختلف المتعاقدان فيهما فالقول لمدعي الجد، لأنه الأصل. والأصل في مطلق الشركة التنصيف، فلو أقر بأن هذا الشيء مشترك بيني وبين فلان، أو هو لي ولفلان، أو هو بيني وبينه، فهو على المناصفة، فيكون القول قول من يدعيها، لأنها الأصل، ومن يدعي خلافها فعليه البرهان، إلا إذا بين المقر خلاف المناصفة موصوفاً بإقراره، كقوله: هو مشترك بيني وبينه أثلاثاً، ثلثاه لي، وثلثه له مثلاً، صدق، والظاهر أنه يصدق بيمينه. والأصول يعسر استقصاؤها في كل عقد أو تصرف، أو عبارة، وإن هذه الأصول يتداخل بعضها في بعض، لأن بعضها فرع عن الآخر، كفرعية "بقاء ما كان على ما كان " وفرعية "اليقين لا يزول بالشك " وفرعية "براءة الذمة" عن "الأصل في الصفات العارضة العدم ". ومتى تنازع شخصان، وكان أحدهما يشهد له أصل من هذه الأصول يترجح قوله حتى يقوم دليل على خلافه، لقولهم: إن القول قول من يشهد له الأصل. ثانياً: الظاهر وهو الحالة القائمة التي تدل على أمر من الأمور، وهو قسمان: القسم الأول: هو ما لم يصل في الظهور إلى درجة اليقين، وهو قسيم الأصل، ويقع به الترجيح في الابتداء، وتحته نوعان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 النوع الأول: وهو تحكيم الحال الذي يتوصل به إلى الحكم بوجود أمر في الماضي، بأن يجعل ما في الحاضر منسحباً على الماضي، وهو الاستصحاب المعكوس. النوع الثاني: وهو دلالة الحال التي ليس فيها سحب ما في الحاضر على الماضي، بل يستأنس بها، ويعتمد عليها في ترجيح أحد الزعمين على الآخر، وهذه أمثلته: أ - وضع اليد: فلو ادعى شخصان ملك عين، وهي في يد أحدهما، فإن القول قول ذي اليد. ب - الحمولة على الجدار، واتصال التربيع فيه، فإنه يترجح به زعم من يشهد له أحدهما من الخصمين على الآخر. جـ - تأييد مهر المثل لقول أحد الزوجين، فيما لو اختلفا في مقدار المهر المسمى، فادعى الزوج الأقل، وادعت الزوجة الأكثر، فإن القول لمن يشهد له مهر المثل بيمينه، فإن كان كما قال أو أقل فالقول قوله، وإن كان كما قالت أو أكثر، فالقول قولها في الزيادة. د - تأييد نقصان الثمن المسمى عن ثمن المثل فيما لو تبايعا عقاراً، ولم ينصَّا على البتات، ثم اختلفا فادعى أحدهما أن البيع كان باتاً، والآخر أنه كان وفاءً، فإن القول لمدعي البتات، لأنه الأصل في البيع، إلا إذا كان الثمن المسمى ناقصاً عن ثمن المثل، فإن القول حينئذ لمدعي الوفاء، لأن الظاهر شاهد له. هـ - تأييد قرائن الحال فيما إذا كان رجلان في سفينة مشحونة بالدقيق، فادعى كل واحد السفينة وما فيها، وأحدهما يعرف ببيع الدقيق، والآخر يعرف بأنه ملاح، فإنه يحكم بالدقيق للذي يعرف ببيعه، وبالسفينة للذي يعرف بأنه ملاح، عملاً بالظاهر من الحال. و لو بعث الزوج إلى زوجته شيئاً، ثم اختلفا، فقالت: أرسلته هدية، وقال: أرسلته من المهر، فالقول قول الزوج بيمينه في غير المهيأ للأكل، لأن الهدية تبرع، والمهر واجب في ذمته، والظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب عن ذمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ويجري هذا الحكم بين كل دائن ومدين وقع بينهما نظير هذا الاختلاف، يؤيد ذلك أن المدين إذا كان له كفيل، وقد كفله بأمره، فدفع له الدين، فإن كان دفعه له على وجه قضاء الدين، ثم أراد استرداده منه فإنه ليس له ذلك؛ لأنه ملكه بالدفع. وإن كان دفعه له على وجه الرسالة، ليدفعه إلى الطالب. ثم أراد استرداده منه فله الاسترداد، لأنه أمانة في يد الكفيل، وإن أطلق المدين عند الدفع للكفيل ولم يبين أنه على وجه القضاء أو الرسالة، فإنه يقع عن القضاء فلا يملك استرداده، فقد حمل عند الإطلاق على جهة القضاء لما عيه من الدين، لكون القضاء فيه تفريغ الذمة. وإسقاط الواجب، والأليق بالمدين أن يكون ساعياً وراء ذلك. ز - ظهور الثيوبة أو البكارة، كما لو تزوج العنين بكراً، ثم طلبت التفريق بدعوى عدم وصوله إليها، وادعى هو الوصول، فأراها الحاكم للنساء، وقلن إنها ثيب أو بكر، فإن القول لأحدهما لمن يشهد له الحال من الثيوبة والبكارة. ح - اللقطة: يجب دفعها إلى واصفها، نص عليه أحمد، وإن وصفها اثنان فهي لهما، وقيل: يقرع بينهما. (ابن رجب 2/ 386) . ط - الأموال المغصوبة، والمنهوبة، والمسروقة، كالموجودة مع اللصوص وقطاع الطريق ونحوهم، يكتفى فيها بالصفة. (ابن رجب 2/ 386) . ي - تداعى الموجر والمستأجر دفناً في الدار، فهو لواصفه منهما. (ابن رجب 2/ 387) . ك - اللقيط: إذا تنازع اثنان أيهما التقطه، وليس في يد أحدهما، فمن وصفه منهم، فهو أحق به. (ابن رجب 387/2) . ل - من وجد ماله في الغنيمة قبل القسمة فإنه يستحقه بالوصف ونحوه مما يدل على أنه له. (ابن رجب 387/2) . م - الأصل في باب الخصومات، أو عند المنازعة، أن القول قول من يشهد له الظاهر (السرخسي 5 1/ 6 1، 88، 6 1/ 9 1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ن - إذا ادعى الأمين رد الوديعة على مودعها أو أنها تلفت عنده بغير تعد أو تقصير، وأنكر المودع الرد أو التلف، ولا بينة للمودع ولا الأمين، فالقول هنا للأمين مع يمينه، لأنه متمسك بأصل ظاهر وهو براءة ذمته من الضمان، والمودع يدعي شغل ذمته، فالظاهر شاهد للأمين، فيكون القول قوله (البورنو 2/ 50) . فهذه مقتضيات الترجيح الأولية التي يتقوى بها زعم أحد المتنازعين على الآخر، والتي يجمعها كلمتا: الأصل والظاهر. القسم الثاني: وجوه الترجيح الثانوية، غير اليقينية، وهي حجج الشرع الثلاث: البينة، والإقرار، والنكول عن اليمين، وكذا القرينة القاطعة المذكورة في المادة 1741 من المجلة، ويزاد عليها فرع العيب الذي لا يحدث مثله كالإصبع الزائدة والخَيَف، فهي من فروع الأمارة القاطعة التي ذكرت في هذه القاعدة. فإذا تعارض أحد هذه المرجحات الثانوية مع أحد المرجحات الأولية التي هي الأصل والظاهر، فإنه يتقدم عليها، ويترك الأصل والظاهر، لأن الترجيح بهما إنما كان استئناساً حتى يقوم دليل أقوى على خلافهما، فإذا قام عليه أحد الأدلة الأربعة القوية، التي هي في نظر الشرع تعتبر بمنزلة اليقين، يتبع ويحكم بمقتضاه دون الأصل والظاهر. وإذا وصل المرجح الظاهر في الظهور إلى درجة اليقين القطعي فإنه يترجح على البينة، حتى لا تقام على خلافه، وله أمثلة: أ - إذا ادعى الوصى أنه أنفق على اليتيم، أو على عقاره مبلغاً معيناً، فإن كان مبلغاً لا يكذبه فيه الظاهر، فالقول قوله بيمينه، وإن كان مبلغاً يكذبه فيه الظاهر فإنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 لا يقبل قوله فيه، ولو أراد أن يقيم على ذلك بينة لا تقبل بينته أيضاً. (الزرقا ص 112) . ب - لو ادعى رجل دابة في يد آخر، وذكر أنها ملكه، ومنتوجة عنده، وأقام بينة شهدت بذلك، وأرخت النتاج بتاريخ تنافيه سن الدابة وتكذبه، ترد الشهادة، وتترك الدابة في يد من هي في يده. ولو تنازع رجلان الدابة التي هي في يد ثالث، وكل منهما يدعي ملكه لها. ونتاجها عنده، وأقام كل منهما بينة شهدت له بالملك والنتاج، وأرخت البينتان النتاج بتاريخين مختلفين، وكانت سن الدابة توافق أحد التاريخين دون الآخر، يحكم بالدابة لمن وافقت سنها التاريخ الذي أيد بينته. وإن رد الشهادة المخالفة لسن الدابة لما أرخته البينة دليل على أنه لو بئين المدعي في دعواه تاريخاً للنتاج، وظهر مخالفة سن الدابة للتاريخ الذي ذكره ترد دعواه من أصلها، ولا يكلف إقامة البينة. (الزرقا ص 112) . ص - لو أقر شخص بنسب ولد مجهول النسب وهو في سنه، أو أكبر منه، أو في سن قريبة منه، فلا يقبل هذا الإقرار ولا يثبت به النسب، لأن ظاهر الحال يكذبه، فلا يولد مثله لمثل المقر، فيبطل الإقرار، ولا تقبل عليه البينة بالأولى، لأن الإقرار قد بطل، مع أنه أقوى من البينة، حتى لو أقر الخصم في دعوى، بعد إقامة البينة، فقضى الحاكم عليه، يعتبر القضاء قضاء بإقراره لا بالبينة، إلا في سبع مسائل يقضي فيها بالبينة دون الإقرار، ستمر في قاعدة "لا ضرر ولا ضرار ". (م/ 19) . (الزرقا ص 113) . ولذلك يقول الفقهاء: "إن البينات تقام لإثبات خلاف الظاهر" والمراد من الظاهر النوع الأول الذي يعتبر قسيم الأصل، ويقع به الترجيح في الابتداء حتى يثبت خلافه، ولا يراد النوع الثاني الذي وصل في الظهور إلى درجة يطرح معها احتمال خلافه. وإن ترجيح زعم أحد المتخاصمين على زعم الآخر في الابتداء يكون بشهادة الأصل أو الظاهر حتى يقوم دليل من المرجحات الثانوية على خلافه، فإذا كان الأصل شاهداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 لجهة، والظاهر لجهة يرجح زعم من يشهد له الظاهر غالباً، وإذا عارض الأصلَ أو الظاهرَ شيءٌ من المرجحات الثانوية يقدم عليهما، وهذا في النوع الأول من الظاهر، أما النوع الثاني فإنه لا تقام بينة على خلافه، لأن احتمال خلافه معدوم. وبهذا يظهر أن القول الراجح هو قول من يتمسك ببراءة ذمته؛ لأنه يشهد له الأصل، وهو عدم شغلها، حتى يقوم دليل على خلافه. (الزرقا ص 113) . وكل ذلك يدخل تحت القاعدة الفقهية "الأصل براءة الذمة". (م/8) وهي متفرعة عن القاعدة الرئيسية "اليقين لا يزول بالشك " (م/ 4) والبراءة الأصلية يقين مبدئياً حتى يثبت خلافه بدليل. 10 - تعارض الأصل والغالب الأصل هو القاعدة المستمرة أو الاستصحاب، كما سبق. والغالب: هو رجحان الظن بما يخالف الأصل، وقد يُعبر عنه بالظاهر. فإذا تعارض الأصل، وهو البراءة الأصلية مع الغالب، وهو رجحان الظن بما يخالف الأصل، فأحياناً يقدم الأصل على الغالب بالإجماع، كما في دعوى الدَّين. فمن ادعى ديناً، دعوى مجردة عن بينة، فلا تقبل دعواه، ولو كان أصلح أهل زمانه مع أن الغالب صدقه، لأن الأصل براءة ذمة المدين، فلا ينقل عن البراءة الأصلية إلا بدليل، ويدل لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بينتك أو يمينه، ليس لك منه إلا ذلك ". وأحياناً يقدم الغالب بإجماع، كما في العمل بالبينة إذا شهدت، فإن الغالب صدقها، والأصل براءة ذمة المشهود عليه، فمن كان له بينة حكم له بها على خلاف البراءة الأصلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وأحياناً يكون التعارض بين الأصل والغالب محل اجتهاد، فيغلّب الأصل تارة، لترجّحه بالظواهر وقرائن الأحوال، وتارة يقدم الغالب لقواعد أخرى في الشريعة، كاعتبار العادة بشاهدين في قول، فيقدم الغالب على الأصل، وقاعدة الغالب كالمحقق في قول، فيقدم على الأصل، كما في القول بنجاسة لباس الكافر وغير المصلي، تغليباً على الأصل بطهارتهما. 11 - أقسام الاشتباه الاشتباه ثلاثة أقسام: الأول: يوجب المنع من الكل، فيما إذا اشتبهت الميتة بالمذكاة، والطاهر بالنجس، والمباح نكاحها بالمحرَّم، والطاهر من المآكل بالنجس. الثاني: ما يوجب استعمال الكل، وهو: فيما إذا اشتبه الطاهر بالطهور. والثياب الطاهرة بالنجسة. الثالث: ما يوجب التحري والاجتهاد، وهو فيما إذا اشتبهت القبلة، وإذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة وكثر عدد النجس. وقال المالكية: الحكم عند الاشتباه التحري، ما لم يتيسر اليقين على الأصح، فإذا تيسر اليقين امتنع التحري، بأن كان معه ما تتيقن طهارته، أو كان قريباً من شط نهر، فلا يجوز له التحري حينئذ، فإن تعذر التحري فطلب البراءة ما لم يعارض ساقط الحرج على الأصح، وفي التيمم للوقت عند الاشتباه في الأواني. واشترط قوم في التحري نفي البدل، واشترط آخرون غلبة المجزئ. ويتفرع على القاعدة الأساسية عدة قواعد فرعية، وهي القواعد الآتية، وعددها خمس عشرة قاعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 القاعدة: [3] 1 - الأصل بقاء ما كان على ما كان (م/5) الألفاظ الأخرى - القديم يترك على قدمه. - الأصل عدم المسقط والأصل بقاء ما وجب. - ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه. التوضيح سبق البيان أن الأصل في اللغة: أسفل الشيء، ويطلق في الاصطلاح على معان كثيرة، منها أنه يستعمل بما يقابل الفرع، وبمعنى الراجح، وبمعنى المستصحب، وبمعنى الدليل، وبمعنى القاعدة التي تبنى عليها المسائل، والمنطبقة على جزئياتها. وهذا المعنى الأخير هو المراد هنا. وتعني القاعدة: أن الواقع أو الحكم الذي ثبت في الزمان الماضي، ثبوتاً أو نفياً، يبقى على حاله، ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره، أو أن الأس والمعيار في الأمور المتأخرة أن تبنى على الأمور المتقدمة، فإذا جهل في وقت الخصومة حال الشيء، وليس هناك دليل يُحكم بمقتضاه، وكان لذلك الشيء حال سابقة معهودة، فإن الأصل في ذلك أن يحكم ببقائه واستمراره على تلك الحال المعهودة التي كان عليها حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، فيصار حينئذ إليه (1) .   . (1) قال ابن خطيب الدهشة رحمه الله تعالى: "استصحاب الحال حجة على الصحيح". مختصر من قواعد العلائي والإسنوي 2/ 432، 451، 29 اً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ويعتمد الدليل المخالف على أحد أربعة أشياء: البينة، والإقرار، والنكول. والأمارة الظاهرة، إلا أن النكول يرجع إلى مجرد القرينة الظاهرة. وهذه القاعدة مع القواعد الآتية من فروع القاعدة الرئيسية "اليقين لا يزول بالشك " وداخلات تحتها، وتدخل فروعها في اليقين والشك. كما تشير هذه القاعدة إلى مبدأ الاستصحاب، وهو دليل شرعي مختلف في حجيته كما قرر علماء الأصول. التطبيقات أ - من تيقن الطهارة، وشك في الحدث فهو متطهر، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة، فهو محدث، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. (اللحجي ص 28) . خلافاً للمالكية الذين قالوا: من تيقن الطهارة وشك في الحدث، فالمشهور أنه يعيد الوضوء. (الروقي ص 274، الغرياني ص 483) . 2 - إذا مس الرجل الخنثى، او لمسه، فلا ينتقض وضوءُه، لأنه كان متطهراً، والأصل بقاء ما كان على ما كان. (اللحجي ص 28) . 3 - أحرم بالعمرة، ثم بالحج، وشك هل كان أحرم بالحج قبل طواف العمرة فيكون صحيحاً، أم بعده فيكون باطلاً؟ حكم بصحة إحرامه، وكذا إذا أحرم بالحج، وشك هل كان في أشهر الحج أم قبلها؟ كان حجاً. (اللحجي ص 28) . 4 - أكل آخر النهار بلا اجتهاد، وشك في الغروب، بطل صومه، لأن الأصل بقاء النهار، ولو أكل آخر الليل، وشك في طلوع الفجر، صح صومه، لأن الأصل بقاء الليل، ولو نوى الصوم. وشك هل طلع الفجر أم لا؟ صح صومه بلا خلاف.. (اللحجي ص 28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 5 - تعاشر الزوجان مدة مديدة، ثم ادعت عدم الكسوة والنفقة، فالقول قولها، لأن الأصل بقاؤهما في ذمته وعدم أدائهما. (اللحجي ص 28، الزرقا ص 88) . 6 - اشترى ماء، وادعى نجاسته، ليرده، فالقول قول البائع، لأن الأصل طهارة الماء. (اللحجي ص 28، الغرياني ص 482) . 7 - ادعت الرجعية امتداد الطهر، وعدم انقضاء العدة، صدقت، ولها النفقة، لأن الأصل بقاؤها. (اللحجي ص 28، الزرقا ص 88) . 8 - المفقود، وهو الغائب غيبة منقطعة، أي انقطع خبره، ولا تعلم حياته ولا موته، فإنه يعتبر حياً إلى أن يثبت موته حقيقة بالبينة، أو حكماً بأن يقضي القاضي بموته بعد موت جميع أقرانه، أو بلوغه التسعين سنة من عمره، وإلا يحكم أنه حي بحكم هذا الأصل، فلا يقسم، قبل ذلك، ماله بين ورثته، ولا تفسخ إجارته، ولا تؤخذ وديعته من مودعه. ولا تتزوج امرأته بآخر. (الزرقا ص 91، الدعاس ص 13) . 9 - ولو مات مسلم، وله امرأة نصرانية، فجاءت مسلمة بعد موته، وقالت: أسلمت قبل موته، وقال الورثة: أسلمت بعد موته، فالقول قول الورثة عملاً بالاستصحاب إلا أن تثبت إسلامها قبل موته بالبينة.. (الدعاس ص 13، الزرقا ص 91) ويشهد لهم ظاهر الحدوث أيضاً، حيث يضيفون إسلامها الحادث لأقرب أوقاته. 10 - المدين: لو ادعى المستقرض دفع الدَّيْن إلى المقرض، أو ادعى المشتري دفع الثمن إلى البائع، أو ادعى المستأجر دفع بدل الإجارة إلى المؤجر، وأنكر المقرض والبائع والمؤجر القبض، فالقول قولهم، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان وهو مبلغ القرض، والثمن، والأجرة، بعد ثبوتها في الذمة. (الزرقا ص 88، الدعاس ص 13) . لأن هذه الديون تعتبر باقية في ذمم الملتزمين بها، ما لم يثبتوا الدفع، لأنها كانت مستحقة بيقين، ولهم تحليف أصحابها اليمين على عدم القبض، فإذا حلفوا قضي لهم. (الدعاس ص 13) . 11 - لو باع إنسان شيئين صفقة واحدة، فهلك أحدهما عند المشتري، وجاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 بالآخر ليرده بعيب فيه على البائع بحصته من الثمن، فاختلفا في قيمة الهالك، فالقول للبائع، لأن الثمن جميعه ثابت في ذمة المشتري، فالأصل بقاء القدر المختلف فيه في ذمته، حتى يبرهن على دعواه. (الزرقا ص 88) . 12 - يوافق قاعدة الاستصحاب ما ذكره الأصوليون "أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نص بخلافه ". (الدعاس ص 14) . 13 - إذا اختلف المتبايعان في قبض الثمن. فالقول قول البائع أنه لم يقبض؛ لأنه متمسك بالأصل. وإذا اختلف المتبايعان في قبض المبيع، فالقول قول المشتري؛ لأنه متمسك بالأصل، إلا أن تكون هناك عادة فيعمل بها. وإذا اختلفا في انقضاء أجل الخيار فالقول لمشترط الخيار، لترجح جانبه بأنه الطالب له، والأصل الاستمرار والبقاء على الخيار. (الغرياني ص 355، الونشريسي ص 386) . 14 - إذا اختلف المتبايعان في تاريخ انعقاد البيع، وادعى المشتري أن العيب بالمبيع قديم قبل العقد، وخالفه البائع، فادعى أنه حادث بعد العقد، فقيل القول للمشتري، استصحاباً لحال عدم انعقاد البيع، لأن الأصل عدمه، وقيل القول للبائع، استصحاباً لكون البيع منعقداً، فلا ينقض بالدعوى. (الغرياني ص ا35) 15 - من اشترى سلعة على رؤية متقدمة، فادعى أن المبيع قد تغير عن حالته التي رآه عليها، وأن البيع منحل، فقال ابن القاسم: القول قول البائع؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وقال أشهب: القول قول المشتري، لأن الأصل براءة ذمته من الثمن. (الغرياني ص ا35، الونشريسي ص 388) . 16 - من ادُّعي عليه بشيء من غير بيِّنة لا يلزمه، لأن الأصل براءة الذمة. (الغرياني ص 482) . المستثنى 1 - لو مات نصراني مثلاً، فجاءت امرأته مسلمة: وقالت: أسلمت بعد موته، فلي الميراث، اعتماداً على القاعدة: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فكانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 نصرانية، وتبقى كذلك حتى الموت، فترث، ثم أسلمت، فلا يقبل قولها، لأن الورثة يقولون: أسلمت قبل موته، فلا ميراث لها، فالقول قول الورثة لا المرأة. فالمرأة تريد التمسك بالاستصحاب الحقيقي، وهو استمرارها إلى ما بعد موت زوجها على دينه الذي كانت تدين به، فهذا الاستصحاب لا يكفي حجة للاستحقاق، والورثة يدفعونها عن استحقاق الإرث، لقاعدة: "يضاف الحادث إلى أقرب أوقاته". (م/ 10) ويتمسكون بالاستصحاب المعكوس، وهو انسحاب مانع الإرث القائم بالمرأة حين الخصومة، يعني؛ إسلامها، إلى ما قبل موت الزوج، والاستصحاب يكفي حجة للدفع، فكان القول قولهم. (الزرقا ص 91) . 2 - إن المفقود لا يستحق الميراث من غيره، ولا يستصحب حال حياته، بل يعتبر ميتاً في جانب الاستحقاق من غيره، لأن استصحاب حياته السابقة لا يكفي حجة للاستحقاق، فلا يرث من غيره، بل يوقف نصيبه من المورث، فإن ظهر حياً أخذه. وإن ثبت موته حقيقة أو حكماً أعيد النصيب إلى ورثة ذلك المورث.. (الزرقا ص 91) . وفي المثالين السابقين تمسك الحنفية بمبدأ أن الاستصحاب يصلح حجة للدفع، لا للاستحقاق، وإنَّما كان الاستصحاب غير حجة في الاستحقاق؛ لأنه من قبيل الظاهر، ومجرد الظاهر لا ينتهض حجة في إلزام الغير، ولما كان الاستحقاق على الغير إلزاماً له لم يكتف فيه بالظاهر، ولذلك قال الكرخي في " أصوله ": "الأصل أن الظاهر يدفع الاستحقاق، ولا يوجب الاستحقاق " وقال النسفي في شرح ذلك: "من مسائل هذا الأصل أن من كان في يده دار، فجاء رجل يدعيها، فظاهر يده يدفع استحقاق المدعي، حتى لا يقضى له إلا بالبينة، ولو بيعت دار لجنب هذه الدار فأراد أخذ الدار المبيعة بالشفعة بسبب الجوار لهذه الدار، فأنكر المدعى عليه أن تكون هذه الدار الي في يده مملوكة له، فإنه بظاهر يَدِه لا يستحق الشفعة ما لم يثبت أن هذه الدار ملكه ". (الزرقا ص 92) . 3 - إذا ادعى المودَع عنده ردّ الوديعة، أو هلاكها، والمالك ينكر، فالقول للمودع عنده، مع أن الأصل بقاؤها عنده، وذلك لأن كل أمين ادعى رد الأمانة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 مستحقها فالقول قوله بيمينه، لأن الاصل براءة الذمة، وعدم التعدي والتقصير. (الزرقا ص 93) . 4 - لو ادعت المرأة مضي عدتها في مدة تحتمل ذلك، صدقت بيمينها، مع أن الأصل بقاء العدة بعد وجوبها، وذلك لأن مضي العدة من الأمور التي لا تعلم إلا منها، فإذا لم يقبل قولها في مضيها لا يمكن ثبوت مضيها أصلاً، فقبل قولها في ذلك ضرورة. (الزرقا ص 93) . 5 - المفقود الذي رئى في المعترك، فالأصل بقاء حياته، والغالب فيه موته بسبب القتال والقتل، ويحكم بموته. (الروقي ص 290) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 القاعدة: [4] 2 - ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه (م/10) الألفاظ الأخرى - ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه. - القديم يترك على قدمه. التوضح إن وجود الشيء في الماضي يعتبر باقياً باستصحاب الحال، سواء كان ثبوت الملك الماضي بالبينة أو بإقرار المدعى عليه، ويعتبر ذلك أصلاً يعتد به، ما لم يوجد ما يغيره، فإذا وجد ما يغيره فهو اعتراض على الأصل ودليل على خلافه فيبطله، ويعمل بالثاني. وهذه القاعدة قريبة من قاعدة "الأصل بقاء ما كان على ما كان" (م/ 5) حتى يثبت ما يغيره ويزيله، فيحكم بما ثبت خلافاً للأصل. والأخذ بالقاعدة يفيد في استقرار الأمور وثبوتها حتى يثبت ما يغيرها ويزيلها. التطبيقات أ - إذا ثبت في زمان ملك شيء لأحد، يحكم ببقاء الملك له ما لم يوجد ما يزيله، سواء كان ثبوت الملك الماضي بالبينة أو بإقرار المدعى عليه. (الزرقا ص 121) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 2 - تقبل الشهادة بالملك المنقضي، أي الماضي، ويقبل الإقرار به أيضاً. (الزرقا ص 121) . 3 - ادعى أحد ديناً في ذمة حي أو ميت، وشهد به الشهود، يكفي ولا حاجة أن يُتبينوا أن هذا الدين باق في ذمته إلى حين وفاته. (الدعاس ص 14) ، وتقبل الشهادة، ويحكم بها. (الزرقا ص 122، المجلة م/ 1694) . 4 - ادعى اثنان عيناً، مالاً أو عقاراً، وأقام كل واحد منهما بينة أنها ملكه، وقد أرخا تاريخاً، ينظر إلى الأسبق تاريخاً، فمن كان أسبق تاريخاً ترجحت بينته؛ لأنها أظهرت له الملك في وقت لا ينازعه فيه الخصم، فيحكم ببقاء الملك له إلى أن يثبت الخصم سبباً مزيلاً ليحكم له. (الدعاس ص 14) . 5 - أن يدعي شخص ملكاً خالياً عن الأسناد إلى الماضى، بأن يقول: العين التى بيد المدعى عليه هي ملكي، سواء بين سبباً للملك أو لا، ويشهد الشهود له بالملك في الماضي، فيقولون: إنها كانت ملكه، أي في صورة ما إذا أطلق المدعي الملك، أو يقولون: إنها كانت ملكه بالسبب الذي ادعاه، أي في صورة ما إذا بيِّن المدعي سبباً للملك، فتصح الدعوى من المدعي، وتقبل من الشهود، ويحكم القاضى للمدعي بالملك؛ لأنه لما ثبت ملكه في الزمن الماضى فالأصل أن يحكم ببقائه، حيث لم يقم دليل على خلافه إلى أن يوجد ما يزيله. كأن يقيم المدعى عليه بينة على الشراء منه مثلاً. (الزرقا ص ا12) . المستثنى 1 - أن يدّعي شخص ملكاً ماضياً، فيقول: إنها كانت ملكي، ويشهد الشهود بالملك المطلق الآن، فإن الدعوى غير صحيحة، وشهادة الشهود المترتبة عليها غير مقبولة أيضاً، لأن إسناد المدعي ملكه إلى الماضي يدل على نفي الملك في الحال؛ إذ لا فائدة للمدعي في إسناده مع قيام ملكه في الحال، بخلاف الشاهدين لو أسندا ملكه إلى الماضي؛ لأن إسنادهما لا يدل على النفي في الحال؛ لأنهما قد لا يعرفان بقاءه إلا بالاستصحاب. (الزرقا ص 121 - 122) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 2 - أن يدعي شخص ملكاً ماضياً، ويشهد الشهود بالماضي أيضاً. فلا يحكم له؛ لأن دعوى المدعي غير صحيحة، وشهادة الشهود المترتبة عليها غير مقبولة أيضاً، لأنه أثبت ملكه في الماضي. وهذا يدل على نفي ملكه في الحال. (الزرقا ص 121) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 القاعدة: [5] 3 - الأصل في الصفات العارضة العدم (م/9) الألفاظ الأخرى - الأصل في الأمور العارضة العدم. - الأصل في الصفات العارضة العدم. كما أن الأصل في الصفات الأصلية الوجود حتى يقوم الدليل على خلافه. - الأصل في الصفات أو الأمور العارضة العدم. - الأصل العدم. التوضيح الصفات بالنسبة إلى الوجود والعدم على قسمين: الأول: الصفات التي يكون وجودها في الشيء طارئاً وعارضاً، بمعنى أن الشيء بطبيعته يكون خالياً عنها غالباً، وهذه تسمى الصفات العارضة، والأصل فيها العدم، ومثل هذه الصفات غيرها من الأمور التي توجد بعد العدم كسائر العقود والأفعال، فما كان عدمه هو الحالة الأصلية أو الغالبة، فيكون أمراً عارضاً، ويكون العدم هو المتيقن، لأنه هو الحالة الطبيعية، ويكون تغيره إلى الوجود عارضاً مشكوكاً فيه. الثاني: الصفات التي يكون وجودها في الشيء مقارناً لوجوده، فهو مشتمل عليها بطبيعته غالباً، وتسمى الصفات الأصلية، والأصل فيها الوجود والبقاء حتى يثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 إزالتها، كالبكارة، وسلامة المبيع من العيوب، والصحة في العقود بعد انعقادها. ويلحق بالصفات الأصلية الصفات العارضة التي ثبت وجودها في وقت ما، فإن الأصل فيها حينئذٍ البقاء بعد ثبوت وجودها. التطبيقات 1 - اختلف العاقدان في سلامة المبيع من العيوب وعدم سلامته كالمرض، أو في صحة البيع مثلاً وفساده، فالقول لمن يتمسك بسلامة المبيع، وصحة العقد، لأنه يشهد له الأصل، بخلاف ما لو اختلف المتعاقدان في صحة البيع وبطلانه، فإن القول قول من يتمسك بالبطلان، لأن الباطل غير منعقد، فهو ينكر وجود العقد، والأصل عدمه. (الزرقا ص 117، الدعاس ص 15) . 2 - لو اختلف شريكا المضاربة في حصول الربح وعدمه، فالقول قول المضارب بيمينه، والبينة على رب المال لإثبات الربح. (الدعاس ص 15، الزرقا ص 118، ابن نجيم ص 83، السدلان ص 143) . والمضاربة: عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين والعمل في الجانب الآخر، والمضارب: من يستحق الربح بعمله وتعبه. 3 - لو زعم ورثة عاقد أن مورثهم كان حين التعاقد مجنوناً فاقداً لأهلية الأداء، فعقده باطل، وأنكر الخصم، اعتبر العاقد عاقلاً حتى يثبت جنونه، لأن الجنون آفة عارضة، والفطرة الأصلية الغالبة هي العقل السليم. (الدعاس ص 15) . 4 - لو قال الوصى: لم أتجر في مال اليتيم، أو اتجرت ولم أربح أصلاً، أو ما ربحت إلا كذا، فالقول قوله؛ لأن الأصل العدم. (الزرقا ص 118) . 5 - لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم الرضيع، ولم يعلم هل دخل اللبن في حلقه أو لا، فإن النكاح لا يحرم؛ لأن الأصل عدم المانع الذي هو دخول اللبن.. (الزرقا ص 118) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 6 - لو اختلف البائع والمشتري في قبض المبيع أو الثمن، أو اختلف المؤجر والمستأجر في قبض المأجور أو بدل الإجارة، فالقول لمنكر القبض في جميع ذلك؛ لأن الأصل عدمه. (الزرقا ص 118) . 7 - لو اختلف البائع والمشتري في شرط الخيار، فالقول لمنكره، لأنه صفة عارضة. (الزرقا ص 118) . 8 - لو دفع إنسان لآخر شيئاً، ثم أراد استرداده مدعياً أنه دفعه له عارية، وقال القابض: إنك كنت بعتني إياه، أو وهبتني إياه، فالقول للدافع في كونه عارية؛ لأن الأصل عدم البيع والهبة. (الزرقا ص 119) . 9 - لو قال رجل لامرأته: إن لم أدفع لك نفقتك اليوم فأنت طالق، ثم مضى اليوم، فاختلفا، فقال: دفعتها لك، وقالت: لم تدفعها لي، فالقول قولها، ويترتب عليه وقوع الطلاق. بخلاف ما لو قال لها: إن لم أدخل الدار اليوم فأنت طالق، ثم اختلفا، فقال: دخلتُ، وقالت: لم تدخل، فإن القول قوله، وإن كان الأصل عدم الدخول، وذلك لأن الشرط المعلق عليه إذا كان مما يصح التنازع فيه لذاته بقطع النظر عن التعليق، كوصول النفقة وعدمه، فينظر حينئذ إلى صورة التنازع، فيكون القول قول منكره. وهو هنا الزوجة، لأن الأصل عدم وصول النفقة إليها، وأما إذا كان الشرط مما لا يصح التنازع فيه لذاته، كدخول الدار وعدمه، فإنه لا ينظر إلى صورة التنازع، لأنه غير يمكن، بل ينظر فيه إلى المقصود منه، وهو وقوع الطلاق أو عدمه، ولما كان مقصود الزوج بدعواه الدخول إنكار وقوع الطلاق، كان القول قوله؛ لأن الأصل عدم الوقوع، وأمثلة ذلك كثيرة في الفروع. (الزرقا ص 119) . وإذا قام دليل على خلاف ذلك الأصل، بأن كان الظاهر معارضاً له، فإن الأصل يترك، ويترجح جانب الظاهر، كما قالوا في زوجة العنين لو ادعت عليه عدم وصوله إليها، وادعى هو الوصول، وكانت بكراً حين العقد، فإن الحاكم يريها حين الخصومة للنساء، فإن قلن إنها بكر فالقول قولها، وإن قلن إنها ثيب فالقول قوله في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الوصول إليها، مع أن الأصل عدم الوصول، لأن ظهور ثيوبتها مؤيد لدعواه، فترك به الأصل، وهذا من تعارض الأصل والظاهر، وترجيح الظاهر. (الزرقا ص 119) . 15 - إذا نوى ليلة الشك إن كان غداً من رمضان فهو فرض، وإلا فهو نفل، لم يجزئه؛ لأنه لم يجزم بالتعيين، مع اشتراط نية التعيين لرمضان في المشهور. (ابن رجب 2/ 14) . المستثنى 1 - لو تصرف الزوج في غلات زوجته، ثم ماتت، فادعى أن تصرفه كان بإذنها، وأنكر الورثة، فإن القول قوله بيمينه، مع أن الأصل عدم الإذن. (الزرقا ص 120) . 2 - لو أراد الواهب الرجوع في هبته، فادعى الموهوب له هلاك الموهوب، فالقول قوله، ولا يمين عليه؛ لأنه حكى أمراً يملك استئنافه. (الزرقا ص 120) ، وهو هلاك الموهوب، مع أنه أمر طارئ،. (السدلان ص 140) . 3 - لو اختلف الزوجان في هبة المهر، فقالت الزوجة: وهبته لك بشرط ألا تطلقني، وقال الزوج: بغير شرط، فالقول قولها، مع أن الشرط من العوارض، والأصل عدمه. (الزرقا ص 120) . 4 - لو جاء المضارب بمبلغ، وقال: هو أصل وربح، وقال رب المال: كله أصل، فالقول قول المضارب، مع أن الأصل عدم الربح. (الزرقا ص 120) . والربح أمر طارئ، والأصل عدمه، ومع ذلك يقبل هنا. 5 - لو طلبت المرأة نفقة أولادها الصغار بعد أن فرضها القاضي لهم، فادعى الأب أنه أنفق عليهم، فالقول قوله مع اليمين، مع أن الأصل عدم الإنفاق. (الزرقا ص 120) ، وهو أمر طارئ، فيستثنى من القاعدة، لأن العادة أن ينفق الأب على أولاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 القاعدة: [6] 4 - الأصل براءة الذمة (م/8) الألفاظ الأخرى - الأصل البراءة قبل التكليف وعمارة الذمة. التوضيح الذمة لغة: العهد، واصطلاحاً: وصف يصير الشخص به أهلاً للإيجاب له أو عليه، والإنسان يولد، وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه. والأصل أن يولد الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء عليه، وكونه مشغول الذمة بحق خلاف الأصل، حتى يثبت ذلك بدليل مقبول، لأن الذمم خلقت بريئة غير مشغولة بحق من حقوق الغير. ويرجح قول من يتمسك ببراءة ذمته، لأن يشهد له الأصل، وهو عدم شغلها، حتى يقوم دليل على خلافه، فالقاعدة المستقرة في الذمم عدم اشتغالها بشيء حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك. ومستند هذه القاعدة أنها مأخوذة من الحديث الثريف الذي رواه البخاري ومسلم "ولكن اليمين على المدعى عليه " وفي رواية البيهقي الأكثر صراحة ودلالة هنا " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فإذا ثبت شغل الذمة فلا تبرأ إلا بالأداء، أو الإبراء، وإذا شغلت الذمة بيقين فلا تبرأ إلا بيقين، وهو ما عبر عنه الونشريسي بقوله: "الذمة إذا عُمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين " كالشك في قضاء الدَّين الثابت، والشك في أداء الزكاة على الغني، فإن انشغال الذمة بذلك متيقن، لذلك فلا تفرغ منه إلا بيقين. التطبيقات يتفرع على هذه القاعدة مسائل شتى من أبواب متنوعة، كالبيع، والإجارة. والعارية، والوديعة والضمانات، والغصب، والقرض، والإقرار، وغير ذلك، ولها أمثلة كثيرة، وهي قاعدة مطردة. 1 - اختلف البائع والمشتري في مقدار الثمن بعد هلاك المبيع، أو خروجه عن ملكه مثلاً، أو اختلف المؤجر والمستأجر في مقدار بدل الإجارة بعد استيفاء المنفعة. فإن القول قول المشتري والمستأجر، والبينة على البائع والمؤجر، لإثبات الزيادة، أما لو كان اختلافهما قبل هلاك المبيع أو خروجه عن ملكه مثلاً في البيع، وقبل استيفاء المنفعة في الإجارة، ولا بينة لأحدهما، فإنهما يتحالفان (المادة/ 778 1، 779 1 من المجلة) لما ورد في السنة: "إذا اختلف المتبايعان، والسلعة قائمة، تحالفا وترادا". (الزرقا ص 114،.. (ابن تيمية، الحصين 167/2) . 2 - إذا ادعى المستعير رد العارية، فإن القول قوله؛ إذ الأصل براءة ذمته، وكذا لو ادعى الوديع ردَّ الوديعة. (الزرقا ص 114) . 3 - إذا أتلف إنسان مال آخر، واختلفا في مقداره، فإن القول للمتلف بيمينه، لأنه ينكر ثبوت الزيادة في ذمته، والأصل براءة الذمة، والبينة على صاحب المال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 لإثبات الزيادة، وكذا لو غصب إنسان شيئاً وهلك في يده، ثم اختلف المالك والغاصب في قيمة المغصوب، فالقول للغاصب، وعلى المالك إثبات الزيادة، وكذلك لو جاء الغاصب ليردَّ عين المغصوب، فاختلف هو والمالك في مقداره، فالقول للغاصب. (الزرقا ص 114، الدعاس ص 116) . 4 - لو أقر إنسان لآخر بمجهول، بأن قال: لفلان علي شيء أو حق، فإنه يصح ويلزمه تفسيره، أي بيانه، ويقبل منه أن يبينه بما له قيمة، وبما يتفق مع عبارته السابقة، فلو بينه وادعى المقَر له أكثر مما بينه المقِر، فإن القول للمقر، وعلى المدعي إثبات الزيادة، أما لو بينه بما لا قيمة له فلا يقبل بيانه، لأنه بقوله: "له عليَّ " أخبر عن الوجوب في ذمته، وما لا قيمة له لا يجب في الذمة، فيكون بيانه رجوعاً عن الإقرار، والرجوع عنه لا يصح، إلا في الحدود باعتباره شبهة. (الزرقا ص 114) . قال الشافعي رحمه الله تعالى: "أصل ما أبني عليه الإقرار أني اعمل اليقين. وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة" وهذه قاعدة مطردة في الإقرار، ومرجعها إلى أن الأصل "براءة الذمة ". 5 - إذا اختلف الموكل مع الوكيل بالبيع، في بيعه قبل علمه بالعزل أو بعده، فالقول قول الوكيل، لأن الأصل براءة ذمته. (الزرقا ص 115) . 6 - وهكذا، كل من ادعى على غيره التزاماً، أو حقاً بدين أو بعمل، مهما كان سببه من عقد أو إتلاف، أو أي سبب آخر من أسباب الضمان، فعليه هو الإثبات، إذا أنكر الخصم، لأن هذا الخصم يتمسك بحالة أصلية، فيكون ظاهر الحال شاهداً له ما لم يثبت خلافه. (الدعاس ص 16، الغرياني ص 482،.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 67) . 7 - اختلف شخصان في قيمة المتلَف، حيث تجب قيمته على مُتْلِفه، كالمستعير، والمستام، والغاصب، والمودع المعتدي، فالقول قول الغارم، لأن الأصل براءة ذمته مما زاد. (اللحجي ص 29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 8 - توجهت اليمين على المدعى عليه، فنكل، فلا يقضى بمجرد نكوله؛ لأن الأصل براءة ذمته، بل تعرض على المدعي، وهي اليمين المردودة عند الشافعية. (اللحجي ص 29) . 9 - إذا اختلف شخصان في القرض، بأن قال أحدهما: مَلَّكتكه على أن ترد بدله، ثم اختلفا في ذكر البدل، فالقول قول الآخذ، لأن الأصل براءة ذمته. (اللحجي ص 29) . 10 - لو قال الجاني: هكذا أوضحت، وقال المجني عليه: أوضحت موضحتين، وأنا رفعت الحاجز بينهما، صدق الجاني، لأن الأصل براءة ذمته. (اللحجي ص 29) . 11 - من قتل صيداً خطأ وهو محرم فلا فدية عليه؛ لأن الله حض المتعمد بإيجاب الجزاء بقوله: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) . وهذا يقتضي أن المخطئ لا جزاء عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته، والنص أوجب على المتعمد، فبقي المخطئ على الأصل.. (ابن تيمية، الحصين 65/2) . 12 - من اتهم بقتل أو سرقة، وليس ثمة بينة، لم يحكم عليه بشيء؛ لأن الأصل براءة الذمة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 66) . 13 - إذا ثبت شغل الذمة بحق، واختلف في مقدار ما شغلت به من دين أو قيمة متلف، أو غير ذلك، فالقول قول من ينكر الزيادة بيمينه؛ لأن الأصل براءة الذمة مما زاد، فلا ينتقل عنه إلا بدليل.. (ابن تيمية، الحصين 67/2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 القاعدة: [7] 5 - الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته (م/11) الألفاظ الأخرى - الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن. - إنما يحال بالحادث على أقرب الأوقات. التوضيح الأصل في الصفات العارضة العدم، فإذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر فإنه ينسب إلى أقرب الأوقات حتى يثبت الأبعد، فإن ثبتت نسبته إلى الزمن البعيد يحكم بذلك، لأن الوقت الأقرب قد اتفق الطرفان على وجود الحادث فيه، وانفرد أحدهما بزعم وجوده قبل ذلك، فوجود الأقرب متيقن وفي الأبعد مشكوك، واليقين لا يزول بالشك. هذا إذا كان الحدوث متفقاً عليه، وإنما وقع الاختلاف في تاريخ حدوثه، أما إذا كان الحدوث غير متفق عليه، بأن كان الاختلاف في أصل حدوث الشيء وقدمه، كما لو كان في ملك أحد مسيل لآخر، ووقع بينهما اختلاف في الحدوث والقدم، فادعى صاحب الدار حدوثه، وطلب رفعه، وادعى صاحب المسيل قدمه، فإن القول لمدعي القدم، والقديم يترك على قدمه، فإن أقام مدعي الحدوث بيِّنة قبت (م/ 1768) لأن بينته تثبت ولاية النقص، وهي أولى من بينة مدعي القدم إن قدم بينة. لأن مدعي القدم منكر، ومتمسك بالأصل، والبينة تقدم على الأصل والظاهر. واعتبار هذه القاعدة مقيَّد بألاَّ يؤدي إلى نقض ما هو ثابت مقرر، لأن الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 بحدوثها لأقرب ما ظهر ثابت باستصحاب الحال، لا بدليل أوجب الحدوث للحال، والثابت باستصحاب الحال لا يصلح لنقض ما هو ثابت، كما سيظهر من مستثنيات هذه القاعدة. التطبيقات 1 - ماتت امرأة بعد أن وهبت مهرها لزوجها، فقال الزوج: وهبت حال صحتها، وقال الورثة: حال مرضها، فالقول للورثة، لأن الهبة حادثة، فتضاف لأقرب الأوقات من الموت، وهو حال المرض. (الدعاس ص 116) . 2 - لو تبين في المبيع عيب بعد القبض، وأراد المشتري رده مدعياً أنه كان موجوداً فيه عند البائع، وزعم البائع أنه حدث بعد القبض عند المشتري، وكان العيب مما يحدث مثله، فإن القول قول البائع، ويعتبر العيب حادثاً عند المشتري، وليس له الفسخ حتى يثبت أنه قديم عند البائع، لأن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته. (الزرقا ص 128، الدعاس ص 17، الروقي ص 288. السدلان ص 149) . أما إذا كان العيب مما لا يحدث مثله كالإصبع الزائدة في العبد، والخَيَف في الفرس، وهو أن تكون إحدى عينيها سوداء، والأخرى زرقاء، فإن البائع يلزم به. (الزرقا ص 128) . 3 - إذا طلق رجل زوجته طلاقاً بائناً، ثم مات قبل أن تنقضي عدتها، فادعت الزوجة أنه أبانها، وهو في مرضه، فصار بذلك فاراً فترث هي منه، وقال الورثة: إنه أبانها في صحته، فلم يكن فاراً فلا ترث، فإن القول قول الزوجة، والبينة على الورثة، لأن الزوجة تضيف الحادث، وهو الطلاق، إلى أقرب الأوقات من الحال، وهو زمن المرض. (الزرقا ص 126، ابن نجيم ص 64، السدلان ص 149) . 4 - لو مات رجل مسلم، وله امرأة نصرانية، فجاءت امرأته بعد موته مسلمة، وقالت: أسلمت قبل موته، فأنا وارثة منه، وقال الورثة: إنك أسلمت بعد موته فلا ترثين منه لاختلاف دينيكما عند موته، فالقول للورثة، والبينة على الزوجة، ويتفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ذلك مع قاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان (م/5) حتى يثبت ما يغيره، وهو الاستصحاب للحال الأولى. (الزرقا ص 126، السدلان ص 148) . 5 - لو أقر الإنسان لأحد ورثته بعين أو دين، ثم مات، فاختلف المقر له مع الورثة، فقال المقر له: أقر لي في صحته، فالإقرار نافذ، وقال الورثة: أقر لك في مرضه، فالإقرار غير نافذ، فإن القول للورثة، والبينة على المقر. (الزرقا ص 126) . وكذا الحكم فيما لو وهب إنسان شيئاً لأحد ورثته ثم مات، فاختلف الموهوب له وبقية الورثة، فتضاف الهبة الحادثة إلى أقرب الأوقات، وهو مرض الموت. (الزرقا ص 127) . 6 - اشترى إنسان شيئاً بالخيار، ثم بعد مضي المدة للخيار، جاء المشتري ليرده على البائع، قائلاً: إنه فسخ قبل مضي مدة الخيار، وقال البائع: فسخت بعد مضي مدة الخيار فلا يصح فسخك، فإن القول قول البائع، لإضافة الفسخ إلى أقرب أوقاته من الحال. (الزرقا ص 127) . 7 - باع الأب مال ابنه بحكم الولاية، ثم اختلف المشتري والابن، فقال المشتري: كان ذلك قبل بلوغك، والبيع نافذ، وقال الابن: كان بعد بلوغي، فالبيع غير نافذ، فإن القول للابن على الأصح. (الزرقا ص 127) . وكذا لو قال المحجور: بعت وتصرفت بعد الحجر علي، فتصرفي غير صحيح، وقال الخصم: قبل الحجر، فالقول للمحجور، والبينة على الخصم، ولو أطلق من حجره فاختلف مع المشتري، فقال المحجور: بعت منك قبل فك الحجر، وقال المشتري: بعده، فالقول للمشتري. (الزرقا ص 127) . 8 - لو قال الوكيل بالبيع بعد عزله: بعت وسلمت قبل العزل، وقال موكله: إنك بعت وسلمت بعد العزل، وكان المبيع قائماً غير مستهلك، فإن القول للموكل الذي يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته، وأما إذا كان المبيع مستهلكاً، فإن القول للوكيل استثناء كما سيأتي. (الزرقا ص 127) . 9 - رأى في ثوبه منياً، ولم يذكر احتلاماً لزمه الغسل على الصحيح، ولا يعيد إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 من آخر نومة نامها، نص عليه في (الأم) لأن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته. (اللحجي ص.3، السدلان ص 148) . 10 - ضرب بطن حامل فانفصل الولد حياً، وبقي زماناً بلا ألم، ثم مات، فلا ضمان، لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر، ويضاف الموت إلى أقرب أوقاته. (اللحجي ص 30، السيوطي ص 59، السدلان ص 148) . 11 - فتح قفصاً عن طائر، فطار في الحال ضمنه، وإن وقف ثم طار، فلا يضمن، إحالة إلى اختيار الطائر. (اللحجي ص 30) . 12 - إذا ادَّعى المحجور عليه أو وصيه أن عقد البيع الذي أجراه المحجور قد حصل بعد صدور الحكم بحجره، وطلب فسخ البيع، وادّعى المشتري حصول البيع قبل تاريخ الحجر، فالقول للمحجور أو وصيه، لأن وقوع البيع بعد الحجر أقرب زمناً مما يدعيه المشتري، وعلى المشتري إثبات خلاف الأصل، وهو حصول البيع له قبل صدور الحكم بالحجر. (السيوطي 59، السدلان ص 149) . 13 - لو باع الأب مال ولده، وادعى الولد على والده أنه باع ماله بعد بلوغه، وأن البيع غير صحيح لهذا السبب، وأنكر الأب وقوع البيع منه بعد البلوغ، وادّعى حصوله قبل البلوغ، فبما أن البلوغ أقرب زمناً من قبل البلوغ، فالقول للابن، وعلى الأب إثبات خلاف الأصل. (درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية ص 25، السدلان ص. 15) . 14 - لو اشترى شخص شيئاً على أنه بالخيار مدة معينة، ثم جاء برده بعد انقضاء مدة الخيار زاعماً أنه قد فسخ البيع قبل انقضائها، وزعم البائع أن المدة قد انقضت وهو ساكت ولَزِم البيع، وأنه قد فُسخ بعد انقضائها، فالمعتبر في هذا قول البائع، ولا يحق للمشتري الرد ما لم يثبت للمشتري. بالبينة حصول الفسخ في مدة الخيار، فيحكم له بموجب البينة؛ لأنه حينئذ يكون قد أثبت خلاف الأصل. (المدخل الفقهي العام 2/ 972، السدلان ص. 15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 15 - إذا ادعت المرأة أن زوجها أبانها في مرضه، وادعى الورثة أنه أبانها في صحته، أضفنا الطلاق إلى أقرب أوقاته، وهو وقت المرض، لأنه محل اتفاق بين الطرفين (المطلقة والورثة) فهو متيقن، أما قبل المرض فهو مشكوك فيه، لذلك يصار إلى المتيقن، وإلى أقرب الأوقات، حتى يرد دليل خلافه. (الروقي ص 288) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل تقيدها بألا تؤدي هذه الإضافة إلى نقض أمر ثابت، فلا يعمل بها، فمن ذلك: أ - لو قال الوكيل بالبيع بعد عزله: بعت وسلمت قبل العزل، وقال موكله: إنك بعت وسلمت بعد العزل، وكان المبيع مستهلكاً، فإن القول قول الوكيل، بخلاف ما لو كان المبيع قائماً فالقول للموكل. والفرق بين الحالتين أنه في حالة هلاك المبيع يكون مقصود الموكل إيجاب الضمان في ذمة الوكيل، والوكيل ينكر الضمان، فالقول قوله، لأن الأصل براءة الذمة. وأما في حالة قيام المبيع فإن إرادة التضمين غير ممكنة، وإنَّما يدعي الوكيل حينئذ انتقال العين من ملك الموكل إلى ملك الآخر المشتري، والموكل ينكر الانتقال، فالقول قوله، لأن الانتقال من الأمور العارضة، فالأصل عدمها، ويضاف الحادث الى أقرب أوقاته. (الزرقا ص 127 - 128) . 2 - ادعى الأجير على الحفظ أن العين هلكت بعد تمام المدة المعقود عليها. فيستحق كل الأجرة، وقال المستأجر: هلكت قبل تمام المدة بكذا أياماً، فالقول للمستأجر بيمينه، وذلك لأن من المقرر الثابت فراغ ذمة المستأجر على الحفظ من الأجرة، وإنما تثبت الأجرة في ذمته بمقدار المدة التي يوجد فيها الحفظ من الأجير فعلاً، فلو جُعل القول للأجير في حدوث هلاك العين بعد تمام المدة بناء على إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته يلزم منه نقض الأمر الثابت المتقرر، وهو فراغ ذمة المستأجر، لأنه لم يثبت بالمقدار الزائد الذي يدعيه الأجير، وإضافة الحادث إلى أقرب أوقاته إنما تعتبر إذا لم يؤد اعتبارها إلى نقض ما هو ثابت، فكان القول قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 المستأجر، ولأن إضافة الحادث، وهو الهلاك هنا، إلى أقرب الأوقات من قبيل الظاهر، والظاهر لا يكفي حجة للاستحقاق. (الزرقا ص 128) . 3 - لو اشترى إنسان شيئاً ثم جاء ليرده على البائع بعيب فيه، بعد أن استعمله استعمالاً يفيد الرضا به معيباً، فقال البائع له: إنك استعملته بعد اطلاعك على العيب، فسقط حقك في الرد، وقال المشتري: استعملته قبل الاطلاع على العيب، فالقول للمشتري بيمينه. ووجه كون القول للمشتري في أن استعماله كان قبل الاطلاع على العيب لا بعده أن خيار العيب في الصورة المذكورة قد ثبت للمشتري حين الشراء لا محالة، فيتقرر بقاؤه إلى أن يوجد المسقط يقيناً؛ لأن ما ثبت بزمان فالأصل بقاؤه حتى يقوم الدليل على خلافه، فدعوى البائع سقوط الخيار الثابت للمشتري تكون على خلاف الأصل المتقرر، فلو حكمنا بأن القول قوله بناء على إضافة الحادث لأقرب أوقاته يلزم منه نقض ذلك الأمر الثابت الذي لم نتيقن بإزالته، فلذلك كان القول للمشتري في بقاء خياره. ولا يقضى للمشتري بالرد بالعيب إلا بعد أن يحلفه الحاكم أنه لم يرضَ بالعيب قولاً أو دلالة، وهو قول أبي يوسف المفتى به، وإن لم يدَّع عليه البائع أنه رضي به، ولم يطلب تحليفه (م/1746) . وهذه الاستثناءات تدل على أن قاعدة "إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته " إذا تعارضت مع قاعدة "الأصل براءة الذمة" أو "الأصل بقاء ما كان على ما كان " تترك قاعدة "إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته " ويعمل بهاتين القاعدتين دونها، لأنهما أقوى. (الزرقا ص 129) . فإنهما تعتمدان على أصل ثابت، وهو براءة الذمة. واستصحاب الحال. 4 - اشثرى انسان شيئاً ثم جاء ليردّه على البائع بخيار الرؤية، فقال البائع له: إنك رضيت بالمبيع بعدما رأيته، فسقط خيارك، وقال المشتري: رضيت قبل أن أراه، فلم يسقط خياري، فالقول للمشتري. (الزرقا ص.13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 5 - لو مات ذمي فجاءت امرأته مسلمة، وقالت: إنني أسلمت بعد موته فأرثه، وقال الورثة: إنك أسلمت قبل موته فلا إرث لك، فالقول لهم، مع أن إسلام الزوجة أمر حادث، وهي تضيفه إلى أقرب أوقاته، وهو ما بعد موت الزوج، وذلك لأنها اعترفت بسبب الحرمان من الإرث، وهو اختلاف الدين، وتمسكت بالظاهر الذي هو إضافته إلى أقرب الأوقات، لكي تستحق الإرث بذلك، والظاهر لا يكفي حجة للاستحقاق. (الزرقا ص.13، السدلان ص 151) . ولا يرد على هذا ما سبق: أن امراة الميت إذا ادعت أنه أبانها في مرض موته، وقال الورثة: في صحته، فالقول قول الزوجة وتستحق الإرث، فلا يقال: كيف استحقت الإرث هنا بالظاهر، وهو إضافتها البينونة الحادثة إلى أقرب الأوقات الذي هو زمن المرض؟ والجواب أن بينهما فرقاً، وذلك أن امرأة الذمي اعترفت باختلاف الدينين. واختلاف الدين مانع من الإرث، ولا يجتمع معه في حال بيقين، فتمسكها بالظاهر، وهو إضافته إلى ما بعد الموت، يلزم منه نقض ذلك اليقين الثابت، وأما مسألة المبانة فعلى العكس، لأن إرثها بسبب الزوجية ثابت بيقين، والبينونة لا تجانب الإرث في جميع الأحوال، بل تجتمع معه في حال دون حال، فإن إبانة الزوج زوجته في مرض موته لا يمنع الزوجة من الإرث، وهي إنما اعترفت بوجود البينونة التي لا تمنع من الإرث، لحصولها في المرض. وأما احتمال كون البينونة صدرت من الزوج في زمن الصحة الأبعد فليس إلا مجرد شك، وارثها بالزوجية ثابت بيقين، فلا يزول بهذا الشك، بل يبقى إلى أن يقوم دليل أقوى على خلافه. (الزرقا ص.13) . 6 - لو تزوج رجل بامرأة، ثم جاءت بولد، واختلفا، فقال الزوج: إنك ولدت قبل أن يتم لعقد النكاح ستة أشهر، فالولد ليس بثابت النسب مني، وقالت الزوجة: ولدت بعد أن تم للعقد ستة أشهر فالولد ثابت النسب منك، فالقول قول الزوجة بيمينها، ولو أراد الزوج أن يقيم بينة على دعواه لا تقبل أيضاً، لأن بينته تقوم في المعنى على النفي، وهو عدم تمام ستة أشهر من حين العقد إلى حين الولادة، والبينة على النفي لا تقبل. (الزرقا ص 131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 7 - لو اشترى داراً، فاستحقت عَرَصَتها، ونقض البناء، فادعى بقيمته على بائعه، فاختلفا فيه، فقال البائع: بعتها مبنية، وقال المشتري: أنا بنيتها - أي بعد الشراء - ولي الرجوع، فالقول للبائع، فجعل القول قول البائع مع أنه يضيف الحادث، وهو البناء، إلى أبعد الأوقات، وهو ما قبل البيع. (الزرقا ص 131) . 8 - لو دفع لآخر ألفاً مثلاً ليشتري له شيئاً بعينه، فاشتراه، وهلكت الدراهم في يده، ثم اختلفا، فقال الآخر: هلكت قبل الشراء، أي وبطلت الوكالة بهلاكها، فوقع الشراء للوكيل، وقال المأمور: هلكت بعد الشراء أي فيكون الشراء للآمر، ويكون للمأمور الرجوع عليه بمثلها. فالقول للآمِر بيمينه. (الزرقا ص 131) . 9 - لو ادَّعى شخص على حاكم معزول أنه أخذ منه بعد عزله مبلغاً من المال، قدره كذا، جَبْراً، ولكن المدعى عليه إذعى أنه أخذ منه ذلك المبلغ في أثناء ما كان حاكماً بعد أن أجرى محاكمته، وأنه أعطى المبلغ للمحكوم له، فإذا كان المبلغ المدفوع تلف في يد المدفوع إليه فالقول للحاكم المدعى عليه؛ لأنه يضيف فعله لزمن منافٍ للضمان، ويدّعي براءة ذمته. (ابن نجيم ص 65، السدلان ص 151) . 10 - لو قال شخص لغيره: قطعت يدك وأنا صغير، فقال المقَر له: بل قطعتها وأنت كبير، كان القول للمقِر؛ لأنه ينفي الضمان، مع أن المقَر له يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته. (درر الحكام شرح المجلة ص 26، السدلان ص 152) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 القاعدة [8] 6 - لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح (م/13) الألفاظ الأخرى - اعتبار الصريح أولى من اعتبار الدلالة عند تعارضهما. التوضيح الدلالة بفتح الدال في المعقولات، وبكسرها في المحسوسات، وهي كون الشيء بحال يفيد الغير علماً، ودلالة التصريح يقينية، ودلالة الحال والقرائن محل الشك، واليقين لا يزول بالشك، والتصريح أقوى من الدلالة، فإذا تعارض التصريح مع الدلالة فلا عبرة بالدلالة مقابل التصريح، لأنها دونه في الإفادة وهو فوقها، فيقدم الأقوى. ولا يدخل بالدلالة هنا الدلالة اللفظية، وهي دلالة الألفاظ على ما وضعت له، لأنها تصريح، ولا يدخل الدلالة العقلية كدلالة اللفظ على وجود اللافظ، ودلالة المصنوعات على وجود الصانع، لأنه يوجد تلازم بين الدلالة العقلية ومدلولها. والمراد بالدلالة ثلاثة أمور، وهي: 1 - الدلالة اللفظية الطبيعية، كما إذا قبل الرجل التهنئة بعد تزويج الفضولي له، فيكون ذلك إجازة منه للعقد طبعاً، ولكن إذا وقع ردّه قبل ذلك صريحاً ارتد. 2 - الدلالة غير اللفظية الوضعية، مثل المحاريب، والأعلام، والأميال، والحفر، والأغلاق، والستور التي تتخذ وتنصب بإزاء ملك الغير من أرض أو بستان أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 حانوت لتدل على الإذن بالدخول، أو على عدم الإذن، فإنها تعتبر، ويعتمد عليها، ولكن إذا وجد التصريح بخلافها تلغى تلك الدلالة. 3 - الدلالة الطبيعية غير اللفظية، كدلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجع، ومثل دلالة ضحك البكر بلا استهزاء عندما بلغها خبر تزويج الولي، فإنه يعتبر إجازة، لكن إذا وجد قبله أو معه تصريح بالرد فتلغى تلك الدلالة. وعند عدم التعارض يعمل بالدلالة لأنها في حكم التصريح، فإذا وجد التصريح يعمل به بشرط يأتي قبل عمل الدلالة، فإذا جاء التصريح بعد أن عملت الدلالة عملها فتعتبر الدلالة دون التصريح، كما لو قام أحد العاقدين من المجلس قبل القبول فيبطل الإيجاب، لأن القيام دليل الرجوع، وتعمل الدلالة عمل الصريح، فإن قال بعد القيام: قبلت: ووجد الصريح فلا يعتبر، لأنه وجد بعد عمل الدلالة عملها، فلا يعارضها. التطبيقات 1 - إذا دخل إنسان دار آخر بإذنه ليشرب من إنائه، فوقع الإناء من يده، وهو يشرب فلا ضمان عليه؛ لأن المالك لم يصرح بالنهي عن الشرب، فهو مأذون شرعاً بالدلالة، والجواز الشرعي ينافي الضمان، بخلاف إذا نهاه صاحب الدار عن الشرب، ثم أخذه ليشرب به، فوقع من يده فانكسر فإنه يضمن قيمته، ففي التصريح بالنهي تنعدم الدلالة، فلا حكم لها في مقابلته. (الدعاس ص 17، السدلان ص 175) . 2 - يحق للبائع حبس المبيع لقبض الثمن، فلو قبضه المشتري، ورآه البائع. وسكت، كان سكوته إذناً بالقبض دلالة، فيسقط حقه في الحبس، ولو نهاه عن القبض فلا يسقط، لأن التصريح أقوى من الدلالة. (الدعاس ص 17، الزرقا ص 142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 3 - يستدل على مصارف الوقف بتعامل القوَّام السابقين، ولكن إذا وجد كتاب الواقف الموثوق به، فلا عبرة لتعامل القوام على خلافه. (الزرقا ص 142) . 4 - إذا باع عقاراً بيعاً صحيحاً شرعياً، ثم ادعى أن البيع كان وفاء، وقال المشتري: إنه بات قطعي، ينظر، فإن كان هناك دلالة على الوفاء ككون الثمن دون ثمن المثل بغَبْن فاحش، تسمع دعوى الوفاء من البائع، ويكون القول قوله. (الزرقا ص 142) . ولكن إذا وجد التصريح بالبتات فلا يعمل بتلك الدلالة، ولا تسمع دعوى الوفاء حينئذ (م/1658) . 5 - إذا قبض الموهوب له الهبة بحضرة الواهب، ولم ينهه صح قبضه وتمت الهبة، ولا يملك الاسترداد منه بدون قضاء أو رضاء، ولو نهاه صريحاً لم يصح قبضه، وله استرداده (م/ 57) . (الزرقا ص 143، السدلان ص 178) . 6 - لو زوج الأب ابنه الصغير، وضمن عنه المهر، ثم دفعه عنه، أو كان دفعه بلا ضمان، فإنه لا يرجع على الصغير إلا إذا أشهد عند الضمان أو عند الدفع أنه يدفع ليرجع، وعلة عدم الرجوع في الأولى إنما هو لجريان العادة بأن يتحمل الأب مهر ابنه الصغير، بلا طمع في الرجوع، فيكون متبرعاً دلالة، ولكن إذا شرط الرجوع صريحاً تنتفي الدلالة؛ لأن الصريح يفوقها. (الزرقا ص 143) . 7 - لو اشترى إنسان حماراً، ثم جاء ليردَّه بطريق الإقالة، فصرَّح البائع له بأنه لا يقبله، واستعمل البائعُ الحمارَ أياماً، فطالبه المشتري، بردّ الثمن، فامتنع عن ردّه، وعن قبول الإقالة، كان له ذلك، لأنه لما رفض الإقالة صريحاً بطل كلام المشتري فلا تتم الإقالة باستعماله إياه، فقد لَغَتْ دلالة استعمال البانع للحمار على الإقالة في مقابلة تصريحه برفضها. (الزرقا ص 143) . 8 - لو وضع شخص الدراهم وأخذ المبيع، وذهب به، والبائع يصيح: لا أعطيها بهذا الثمن، وكان معلوماً أن مراده تطييب قلب المشتري بذلك، لا عدم الرضا، فإنه لا ينعقد البيع. (الزرقا ص 143) . 9 - لو عقد على أختين متعاقباً، وني العقد الأول، ثم دخل على إحداهما، اعتبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 دخوله بها بياناً لكونها هي السابق نكاحها، فإذا صرح بعد دخوله بها أن تلك الأخرى هي السابق نكاحها يعتبر تصريحه بذلك؛ إذ الدلالة لا تعارض التصريح. وقد يبدو أن التصريح بعد أن عملت الدلالة عملها، والحقيقة أن تبين ذات النكاح السابق أمر تابع للواقع ونفس الأمر، لا للبيان، فوطء الزوج لإحداهما لا يجعلها هي ذات النكاح السابق في نفس الأمر، بل يجعل بياناً ضرورة حمل فعله على الصلاح، فإذا صرح بعده بأن الأخرى هي السابق نكاحها كان تصريحه فوق البيان الذي صير إليه ضرورة، وأقوى من الدلالة على الواقع ونفس الأمر. (الزرقا ص 144 - 145) . 10 - لو تنازع شخصان شيئاً في يد أحدهما، وكل منهما يزعم ملكه بالشراء من شخص ثالث، ولم يذكرا تاريخاً للشراء، أو ذكره أحدهما فقط، وأقام كل منهما البينة على دعواه، ترجح بينة ذي اليد، لأن تمكنه من قبضه دليل على سبق شرائه. لكن لو ادعى الخارج أن شراءه قبل شراء ذي اليد، وأقام بينة شهدت له بذلك يحكم له، لأن تصريح الشهود يفوق دلالة اليد على سبق الشراء. (الزرقا ص 144) . 11 - لو تنازع رجلان في امرأة، فكل منهما يدير أنها زوجته، وأقاما بينتين على ذلك، ولم يبينا تاريخاً للنكاح، ينظر: فإن لم يكن أحدهما دخل بها، أو نقلها إلى منزله، ترد البينتان، لعدم إمكان الاشتراك في النكاح، ويحكم بنكاحها لمن تصدقه هي منهما، وإن كانت في بيت أحدهما، أو كان دخل بها تُرجح بينته، ولا يلتفت إلى تصديقها لخصمه الآخر، لأن تمكنه من نقلها أو الدخول بها هو دلالة على سبق عقده، إلا إذا برهن الآخر على أنه تزوجها قبله، فيكون حينئذٍ هو أولى بها؛ لأن التصريح يفوق الدلالة. (الزرقا ص 144) . وإذا كانت المدعى نكاحها ميتة، وأقام كل منهما البينة، ولم يؤرخا، أو أرخا تاريخاً متحداً، فإنه يقضى بالنكاح بينهما، وعلى كل منهما نصف المهر، ويرثان منها ميراث زوج واحد، لأن المقصود من دعوى النكاح بعد موتها هو الإرث، فكانت الدعوى دعوى مال، ولا مانع من اشتراكهما في المال، لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني. (الزرقا ص 65، 144) ، كما سيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 12 - لو قبض الأب مهر ابنته البالغة من الزوج فسكتت كان سكوتها إذناً بالقبض دلالة، ويبرأ الزوج؛ لأن ما كان السكوت فيه كالنطق فهو من قبيل الدلالة، ولو صرحت بالنهي لا يجوز قبض الأب عليها، ولا يبرأ الزوج. (السدلان ص 178) . المستثنى 1 - قد تكون الدلالة في بعض الأوقات أقوى من التصريح، فيثبت بها ما لا يثبت به في مسألة منصوص عليها، وهي أن الحاكم ليس له أن يستنيب آخر عنه إلا إذا كان مفوضاً له بالاستنابة صراحة، كـ "وَلِّ من شئت " ونحوه، أو مفوضاً له دلالة: كـ جعلناك قاضي القضاء، فإذا كان التفويض له صريحاً بما ذكر فإنه يملك الاستنابة. ولا يملك عزل النائب، أما إذا كان التفويض له دلالة فإنه يملك الاستنابة والعزل، فعملت الدلالة ههنا ما لا يحمله الصريح، ويثبت بها ما لا يثبت به. (الرزقا ص 145) . 2 - اشترى شيئاً ثم اطلع على عيب فيه، فاستعمله استعمالاً يدل على الرضا بالعيب، وهو يصرح بعدم الرضا به، فإنه يلزمه المبيع، ولا يقبل منه تصريحه بعدم الرضا. (الزرقا ص 146) . 3 - لو بنى المتولي، في عقار الوقف، أو غرس فيه، ولم يشهد أنه لنفسه، ثم اختلف مع المستحقين، فقال: فعلته لنفسي، وقالوا: بل للوقف، فالقول قولهم، ترجيحاً للدلالة بكونه متولياً، وبناؤه وغرسه لنفسه غير جائز، ويعدُّ خيانة منه، والأصل عدمه، فتقدم الدلالة على تصريحه بأنه فعل لنفسه. (الزرقا ص 146) . 4 - لو اشترى إنسان حيواناً، ثم قال لمن يساومه عليه: اشتره فلا عيب به، ولم يتم بينهما البيع، ثم وجد به عيباً، فله رده على بائعه، ولا يمنعه إقراره السابق لمن ساومه بأنه لا عيب فيه، لأن كلامه ذلك مجاز عن الترويج، لظهور أنه لا يخلو عن عيب، فيتيقن بأن ظاهر إقراره غير مراد، إلا إذا كان عين نوع العيب، فقال: لا شلل به، أو لا عور مثلاً، فإنه لا يردّه بعد ذلك بهذا العيب الذي نفاه، لأنه يحيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 العلم به فيعتبر إقراره، ويحكم بأن هذا العيب حدث عنده بعد إقراره بعدمه. (الزرقا ص 146) . 5 - إن دلالة الشرع أقوى من صريح كلام الإنسان، فيعمل بدلالة الشرع في أن الولد للفراش، وهي أقوى في ثبوت النسب من صريح منكر جماع المطلقة رجعياً، أو أنه راجعها في العدة، بقوله: لم أجامعها، أو لم أراجعها، فيعمل بدلالة الشرع لعدم احتمالها الكذب، وينسب الولد إليه إذا أتت به لستة أشهر أو أقل، ويبطل صريح إقراره بعدم الوطء؛ لأن دلالة الشرع أقوى من صريح كلام العبد.. (السدلان ص 179) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 القاعدة: [9] 7 - لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان. (م/67) الألفاظ الأخرى - لا ينسب لساكت قول. - لا ينسب إلى ساكت قَوْل، ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان. - السكوت في معرض الحاجة إقرار وبيان. التوضيح هذه القاعدة مكونة من قسمين مختلفين، ولكل قسم تطبيقاته، ومستثنياته. وشرحه. أولاً: لا ينسب إلى ساكت قول والمراد من الساكت هنا القادر على التكلم، وليس كائناً في معرض الحاجة إلى بيان، ولا مستعملاً الإشارة لتفسير لفظ مبهم في كلامه، فلا يقال لهذا الساكت إنه قال كذا، أما غير القادر على التكلم، والمستعين بالإشارة فيأتي حكمهما في قاعدة "الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان" (م/ 70) كما سيأتي، وإن كان الشخص في معرض الحاجة إلى بيان فسيأتي في الشطر الثاني من هذه القاعدة الذي سنشرحه، وبالتالي فإن أكثر المعاملات المرتبطة بالألفاظ الصريحة والعقود لا يعد السكوت فيها قولاً، وهذا القسم من القاعدة هو عبارة الشافعي رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 تطبيقات القسم الأول 1 - سكتت زوجة العنين سنين، فلا يكون سكوتها رضاً مسقطاً حقها في التفريق القضائي بينها وبين زوجها. (الزرقا ص 238، الدعاس ص 18، السدلان ص 185) . 2 - لو سكن أحد داراً غير معدَّة للإيجار، وصاحب الدار ساكت، فلا يعدَّ سكوته إيجاراً فليس له حق في طلب الأجرة. (الدعاس ص 18، السدلان ص 185. 3 - لو رأى أجنبياً يبيع ماله فسكت، لا يكون سكوته إجازة، بخلاف ما لو قبضه المشتري بعد ذلك بحضرته، وهو ساكت، فإنه يكون إجازة كما سيأتي في الشطر الثاني. (الزرقا ص 337، السدلان ص 184) . 4 - لو رأى القاضي الصبي أو المعتوه يبيع ويشتري، فسكت، لا يكون سكوته إذناً بالتجارة، ولو لم يكن لهما ولي. (السيوطي ص 142، السدلان ص 185) . 5 - لو رأى غيره يتلف ماله، فسكت، لا يكون سكوته إذناً بإتلافه. (الزرقا ص 337، السدلان ص 185) . 6 - لو تزوجت المرأة غير كفء، فسكت وليها عن طلب التفريق، لا يكون سكوته رضاً على ظاهر المذهب ما لم تلد، فلو ولدت فليس للولي التفريق، حفظاً للولد عن التشتت من الزوج. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن العقد لا يجوز. وعلى روايته الفتوى. (الزرقا ص 1338) . 7 - لو سكت السيد عن وطء أمته لا يسقط المهر. (اللحجي ص 174. 8 - لو سكت الشخص عن تطع عضو منه، أو إتلاف شيء من ماله، مع القدرة على الدفع، لم يسقط ضمانه بلا خلاف، بخلاف ما لو أذن في ذلك صراحة. (اللحجي ص 74، السمدلان ص 186) . 9 - لو سكتت الئيب عند الاستئذان في النكاح، لم يقم سكوتها مقام الإذن قطعاً، لأنه لا ينسب للساكت قول. (اللحجي ص 74، السدلان ص 186) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 10 - لو علم البائع بوطء المشتري الجارية في مدة الخيار. لا يكون إجازة في الأصح. (اللحجي ص 74) . 11 - لو حُمل البائع من مجلس الخيار، ولم يمنع من الكلام، لم يبطل خياره في الأصح، لأنه لا ينسب للساكت قول. (اللحجي ص 74) . قال ابن نجيم رحمه الله: "وخرج عن هذه القاعدة " القسم الأول " مسائل كثيرة يكون السكوت فيها كالنطق " أي ينطبق عليها القسم الثاني من القاعدة، وعدَّد سبعاً وثلاثين مسألة. ثانياً: السكوت في معرض الحاجة بيان إن السكوت من القادر على التكلم في معرض الحاجة إلى الكلام كلام وبيان، بشرط أن يكون هناك دلالة عرفية من حال المتكلم، أو يكون هناك ضرورة لدفع الغرر والضرر، يعني أن السكوت فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان، وهذا القسم الثاني يعتبر بمثابة قيد واستثناء للقسم الأول. تطبيقات القسم الثانى وهي نوعان: أ - يتفرع على دلاللا حال المهحلم مسائل: 1 - لو سكتت الفتاة البكر عند استئذان وليها بالتزويج، أو زوجها الولي دون استئذانها، ثم بلغها العقد، فسكتت، اعتبر سكوتها إذناً وإجازة لدلالة الحال، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفتاة البكر البالغة إذا استاذنها وليها في عقد نكاحها: "إذنها صماتها" أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن. لأن حالتها (وهي استحياؤها من إظهار الرغبة في الرجال، لا من إظهار عدمها) تدل على أن سكوتها مع إمكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 تصريحها بالرد والحياءُ يمنعها، بيان وإفصاح، ففي الأولى: يكون العقد لازماً، وفي الثانية: ينبرم ويلزم بعد وجوده موقوفاً. (الزرقا ص 338، الدعاس ص 19، اللحجي ص 74،.. (ابن عبد الهادي ص 08 1، السدلان ص 88 1) . 2 - لو باع شيئاً فاسداً، وسلمه للمشتري، ثم عتب البائع المبيع، ينفسخ العقد، ويصير بتعييبه له مسترداً، حتى لو هلك عند المشتري من غير أن يمنعه عن البائع، هلك على حساب البائع، لأن العقد الفاسد معصية يجب على كل من العاقدين رفعُها بالفسخ، فاللائق بحال البائع أن يكون ساعياً وراء رفعها، فاعتبر فعله التعييب استيلاء على المبيع واختياراً لفسخ العقد، رفعاً للمصلحة، فإن المبيع الفاسد إذا وصل إلى البائع من جهة المشتري بأي وجه، يعتبر فسخاً. (الزرقا ص 338) . 3 - إن سكوت المالك عند قبض الموهوب له، والمتصدَّق عليه، والمرتهن. والمشتري قبل نقد الثمن، إذن؛ لأن حالته من إقدامه على العقد الموضوع لإفادته حكمه، ثم سكوته عند القبض، مع قدرته على النهي، تدل، كصريح القول، على الإذن، وهذا بالنسبة إلى الشراء مقيد بأن يكون البيع باتاً، أما لو كان البيع وفاء، وهو البيع الجائز في بعض الكتب، فلا يكون القبض قبل نقد الثمن جائزاً قياساً واستحساناً، حتى كان له أن يسترده. (الزرقا ص 339) . ومثله يقال في سكوت أحد المتبايعين في بيع التلجئة إذا قال لصاحبه: قد بدا لي أن أجعله بيعاً صحيحاً فإنه يصير كما قال. (الزرقا ص 339) . 4 - ومن ذلك عقود التعاطي، وسكوت الساكن عند قول المالك: فرِّغها، وإلا فأجرتها كل يوم كذا، فسكت الساكن، فهذه دلالة حال على قبوله الإجارة والأجرة.. (الزرقا ص 339،.. (ابن عبد الهادي ص 108) . 5 - إذا سئل المزكي عن الشاهد، فسكت، فهو تعديل إذا كان المزكي عالماً؛ لأن حالته الدينية تدل على أنه لو لم يكن عدلاً لما سكت عنه. (الزرقا ص 339) . 6 - لو اشترت الأم للصغير ما لا يحتاج إليه فلا ينفذ عليه إلا إذا اشترت له من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أبيه أو منه ومن أجنبي، فإن إقدام الأب على البيع، أو اشتراكه في البيع مع أجنبي، إذن للأم بالشراء من الأجنبي. (الزرقا ص 339) . 7 - لو اشترى سلعة من فضولي، وقبض المشتري المبيع بحضرة صاحب السلعة فسكت، يكون رضاً. (الزرقا ص 339) . 8 - لو سئل شخص عن مجهول النسب: هل هو ابنه؛ فأشار بالإقرار به ثبت نسبه؛ لأن إشارته هذه مع حرصه على صيانة النسب، وتمكنه من النفي، يقوم مقام القول. (الزرقا ص 354) . 9 - إذا دفعت الأم في جهاز بنتها أشياء من أمتعة الأب، والأب يعلم ذلك وهو ساكت، فليس له الاسترداد من بنته. (الزرقا ص. 34) . 10 - إن إنفاق الأم في جهاز بنتها من مال الأب ما هو معتاد، والأب ساكت، إذن منه، ولا تضمن الأم. (الزرقا ص. 34) . 11 - لو قبض المشتري السلعة بحضرة البائع. وسكت البائع، فيكون إذناً بالقبض. (السيوطي ص 142، السدلان ص 188) . 12 - سكوت المأموم لاستماع قراءة الإمام يقوم له مقام القراءة. (ابن عبد الهادي ص 108) . فائدة: ضوابط الاعتداد بالسكوت يمكن وضع ضوابط للتصرفات التي يعتد فيها بالسكوت في الحالات التالية: 1 - الحالات التي تمحض فيها السكوت لمنفعة من وُجّه إليه، ويدخل في ذلك سكوت المتصدَّق عليه، وسكوت المفوَّض، وسكوت الموقوف عليه، وسكوت الموصى له، وسكوت المكفول له، وسكوت المدين عند إبراء الدائن له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 2 - الحالات التي يتوافر فيها تعامل سابق بين المتعاقدين، ويتصل الإيجاب بهذا التعامل. وقد يكون هذا التعامل السابق عقداً سابقاً لم يترتب عليه أثر كالرهن والهبة اللفظيين اللذين لم يفترق فيهما الطرفان بالقبض، فإذا قبض المرتهن المرهون بعد العقد، واقترن هذا القبض بسكوت الراهن، اعتبر هذا السكوت إذناً بالقبض، وكذا الحال في الهبة. وقد يكون التعامل السابق عقداً ولَّد أثراً، كالبيع الذي يملك البائع فيه حق الحبس على الشيء المبيع، فإذا قبض المشتري بعد ذلك، وسكت البائع، اعتبر سكوته إذناً بالقبض. ويدخل في هذه الحالات أيضاً سكوت أحد المتبايعين في بيع التلجئة عن الاعتراض على تصحيح الآخر بقوله: قد بدا لي أن أجعل هذا العقد صحيحاً. 3 - الحالات التي يستلزم فيها مبدأ العدالة اعتبار السكوت رضاً، كسكوت المولى حين يرى عبده يبيع ويشتري، فإنه يجعل إذناً له في التجارة، دفعاً للضرر عمن يعامل العبد. 4 - الحالات التي يستلزم فيها العرف اعتبار السكوت رضاً، كحالة سكوت البكر قبولاً للخاطب. ب - يتفرع على ضرورة دفع الغرر والضرر مسائل 1 - لو سال القاضى المدعى عليه عما يقول في دعوى المدعي، فاصر على السكوت، فإنه يعتبر منكراً للدعوى، ويكلف المدعي الإثبات، دفعاً للضرر عن المدعي. (الزرقا ص 354، الدعاس ص 18، السدلان ص 188) . 2 - إذا عجز المدعي عن الإثبات، وطلب التحليف، فعرضت اليمين على المدعى عليه، فسكت دون أن يحلف أو ينكل، اعتبر نأكلاً عن اليمين، ويقضى عليه بالنكول عند الحنفية والحنابلة، وبرد اليمين عند الشافعية والمالكية؛ لأن توقف سير المحاكمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 على كلامه يضر المدَّعي (م/ 1822) . (الزرقا ص 340، الدعاس ص 18، اللحجي ص 74. ابن عبد الهادي ص 108) . 3 - إذا سكت الشفيع حين علم بالبيع، فإنه تسليم للشفعة، لأنه إذا لم يجعل تسليماً كان تغريراً للمشتري وإضراراً به، إما بامتناعه عن التصرف، أو بنقض الشفيع تصرفه إذا تصرف. (الزرقا ص. 34، السدلان ص 188) . 4 - إذا وضع رجل متاعه عند رجل وهو يراه، فسكت، صار مودعاً، دفعاً للضرر (الرزقا ص 340) . 5 - إذا اشثرى ما يتسارع إليه الفساد، وغاب قبل القبض، ولم ينقد الثمن، وأبطأ، فللبائع بيعه، لرضاه بالفسخ دلالة، ولدفع الضرر عن البائع، لأنه يتلف عليه، وإذا نقص الثمن لا يرجع على المشتري. (الزرقا ص. 34) . 6 - لو اطلع على عيب في المبيع فقبضه، أو دفع ثمنه، فإن ذلك إسقاط منه لحق الرد بخيار العيب. (الزرقا ص ا34) . 7 - لو آجر الأرض للزراعة، ولم يبين ما يزرع فيها، فالعقد فاسد، فإذا زرع المستأجر فيها وعلم المؤجر بما زرعه، وسكت، انقلب العقد صحيحاً، ولزمت الإجارة، ولم يبق للمؤجر حق الفسخ. (الزرقا ص 341) . 8 - لو نقض بعض أهل الذمة العهد، ولم ينكر الباقون بقول أو فعل، بل سكتوا، انتقض فيهم أيضاً. (اللحجي ص 74) . 9 - لو رأى السيد عبده يتلف ما لغيره، وسكت عنه ضمنه، والصغير والمجنون كالعبد في ذلك. (اللحجي ص 74) . 10 - إذا سكت المحرم على حلق الحلال لرأسه مثلاً، مع القدرة على منعه، لزمه الفدية في الأصح؛ لأن الشعر في يده بمنزلة الوديعة، فيلزمه دفع مهلكاتها. (اللحجي ص 74) . 11 - لو باع رجل العبد البالغ وهو ساكت، صح البيع، ولا يشترط أن يعترف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 بأن البائع سيده في الأصح؛ لأن السكوت في معرض الحاجة إلى بيانٍ بيانٌ. (اللحجي ص 74) . 12 - القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح. قال إمام الحرمين: بشرط أن لو عرض من القارئ تصحيف أو تحريف لرده. (اللحجي ص 75) . 13 - ذكر القاضي جلال الدين البلقيني مسائل أُخَر، أكثرها مبني على القول الضعيف، وبعضها اقترن به فعل قام مقام النطق، وبعضها فيه نظر. (اللحجي ص 75) . 14 - جمع العلامة الجعبري شيئاً في هذه المسألة في منظومته، منها قوله: قاعدة سكوتُ ذي التكليف. . . ليس رضاً في شرعنا الشريف فيما سوى مسائل فمنها. . . صَمْتُ رسول الله عن أن يَنْهى عما جرى يا ذا النهى بحضرته. . . والمجمعين بعده من أمته والبكر في التكاح حين تُجْبَرُ. . . فإذْنُها صماتها لا يُنْكَرُ كذا التي ليست بذي إجبارِ. . . سكوتها رِضاً على المختارِ فأضاف إلى أن اعتبار السكوت بيان أمرين: سكوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر صدر أمامه فلم ينكر عليه، فيكون سكوته إقراراً، وهو السنة التقريرية، وسكوت علماء الأمة في الإجماع، وهو المعروف بالإجماع السكوتي، فهو حجة عند الجمهور. وليس بحجة عند الشافعي رحمه الله تعالى، وكما لا ينسب إلى ساكت قول، فلا ينسب له فعل أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 15 - لو باع المالك العين المغصوبة من الغاصب، وهي في يده، يكون بيعها له مسقطاً لحق حبسها بالثمن، فليس له استردادها ليحبسها بالثمن. (الزرقا ص 341) . 16 - إذا سكتت البكر عند قبض المزوِّج لها - أباً كان أو غيره - مهرَها، كان ذلك إذناً منها بقبضه ما لم تنهه. (الزرقا ص 341، السدلان ص 184) . المستثنى يستثنى من هذه القاعدة في الشطر الثاني، ويعتبر تطبيقاً للشطر الأول من القاعدة: 1 - إن الزوجين لو شرطا في عقد النكاح تأجيل كل المهر، ولم يشترطا الدخول قبل حلول الأجل، فللزوجة أن تمنع نفسها على الزوج إلى أن تقبض المهر استحساناً، وبه يفتى، وعلته أن الزوج لما طلب تأجيل كل المهر رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع. فعذوه مسقطاً حقه في الاستمتاع بدون قول منه. (الزرقا ص 341) . 2 - إذا سكت القريب أو أحد الزوجين إذا رأى قريبه أو زوجه يبيع شيئاً، فإنه اعتراف منه بأنه لا حق له فيه مع أنه ليس هناك دلالة من الحال، ولا ضرورة لدفع الغرر والضرر، وهذا هو الاستحسان، قطعاً للتزوير اليمكن بين الأقارب أكثر من غيرهم، فهو تطبيق للجملة الثانية، والقياس فيه ألا يكون السكوت اعترافاً، وهو تطبيق وتفريع للجملة الأولى. (الزرقا ص 344) . 3 - قد ينسب إلى الساكت قول في غير معرض الحاجة للبيان، أو ضرورة دفع الضرر والغرر، وذلك فيما يبنى من الأحكام على العرف، كمسائل الأيمان. فمن ذلك: ما لو حلف: لا يظهر سرَّ فلان، أو ليكتمنه، أو حلف: لا يدل على فلان، فسئل: هل كان سرُّه كذا؟ أو هل فلان بمكان كذا؟ فأشار برأسه - أي: نعم - حنث في يمينه. وكذا لو حلف: لا يستخدم فلاناً، فأشار إليه بشيء من الخدمة، حنث في يمينه، سواء خدمه أو لم يخدمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 والحنث في جميع ذلك لأن الأيمان تبنى على العرف، وهو في العرف يكون بذلك مفشياً سرَّ فلان، ومُعْلِماً به، ومستخدماً له. (الزرقا ص 344) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 القاعدة: [10] 8 - لا عبرة للتوهم (م/74) التوضيح التوهم: هو إدراك الطرف المرجوح من طرفي أمر متردد فيه. والمراد من التوهم: الاحتمال العقلي البعيد النادر الحصول، وهذا لا يبنى عليه حكم شرعي، ولا يمنع القضاء، ولا يؤخر الحكم، لأن الأمر الموهوم يكون نادر الوقوع، ولذلك لا يعمل به في تأخير صاحب حق؛ لأن الثابت قطعاً ويقيناً أو ظاهراً لا يُؤخر لأمر موهوم. ولا تكرار بين هذه القاعدة وقاعدة "لا عبرة بالظن البيق خطؤه " (م/ 72) ؛ لأن الظن هو إدراك الطرف الراجح، والوهم: إدراك المرجوح، ولكن يمكن أن يقال: إن حكم هذه القاعدة يفهم من تلك بالأَوْلى، وليس كذلك؛ لأن قاعدة "لا عبرة بالظن البيّن خطؤه " موضوعة فيما إذا تبين خطأ الظن، فجزم بعكسه، فلا يفيد حكم الوهم بالأَوْلى. ولا عبرة للتوهم في الأحكام بخلاف المتوقع، فإنه كثير الوقوع، فيعمل بتأخير الحكم، كما جوزوا للحاكم تأخير الحكم للمدعي بعد استكمال أسبابه لرجاء الصلح بين الأقارب، لأن ذلك متوقع بخلاف غيرهم، وإذا ادعى شخص ديناً على ميت بمواجهة أحد الورثة فأقرَّ الوارث، او ادعى ديناً بوكالة أو وصاية، فأقرَّ المدعى عليه بالوكالة أو الوصاية، أو ادعى المستحق على المشتري العين المبيعة أنها ملكه، فأقرَّ المشتري له بالملك، جاز تأخير الحكم إلى إقامة البينة، دفعاً للضرر المتوقع بإنكار الوكل الوكالة، أو الوارث الوصاية، ولأجل التعدي في الإقرار على المدعى عليه من المدينين، ولأجل التعدي في الإقرار لبقية الورثة في دعوى الدين على الميت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وللتعدي للبائع وتمكن المشتري من الرجوع عليه في دعوى الاستحقاق، لأن الإنكار متوقع. ويقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى عند الحنابلة "ينزل المجهول منزلة المعدوم " كما سيأتي. التطبيقات 1 - لو أثبت الورثة إرثهم بشهود، وانحصار الإرث بهم، وقالوا: لا نعلم له وارثاً غيرهم، فيقضى لهم بالإرث، ولا عبرة لاحتمال ظهور وارث آخر يزاحمهم؛ لأن ذلك موهوم فلا يعوق القضاء. (الزرقا ص 363، الدعاس ص 19، الروقي ص 289، السدلان ص 92 1،. (ابن رجب 2/ 432) . 2 - إذا شهد الشهود الثقات المعدلون على أحد بحق وجب الحكم بشهادتهم فوراً، ويفسق الحاكم بتأخيره، ولا عبرة لاحتمال خطئهم أو كذبهم؛ لأنه من المحتمل كذب الشهود والمعدلين. لأن هذا الاحتمال مجرد توهم لا دليل عليه. (الزرقا ص 364، الدعاس ص 9 1، الروقي ص 289، السدلان 195) . 3 - لو اشتبهت عليه القبلة، فصلى إلى جهة بدون تحرٍ واجتهاد، لا تصح صلاته، لابتنائها على مجرد الوهم، بخلاف ما لو تحرى وصلى مع غلبة الظن فإنه تصح صلاته وإن أخطأ القبلة. (الدعاس ص 19، السدلان ص 193) . 4 - لو أثبت الغرماء ديونهم بشهود قالوا: لا نعلم له غريماً غيرهم، فإنه يقضى لهم في الحال، ولا عبرة لما عسى أن يظهر من الديون، لأنه وهم مجرد. (الزرقا ص 363) . 5 - لو كان للدار المبيعة شفيعان، غائب وحاضر، وطلب الحاضر الشفعة، فإنه يقضى له بها عند تحققها، ولا يتأخر حقه لما عسى أن يحدث من طلب الشفيع الآخر عند حضوره؛ لأنه موهوم.. (الزرقا ص 363، السدلان ص 193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 6 - لو كان لزيد جدار ملاصق لدار جاره، فأراد أن يفتح فيه كوة فوق قامة الرجل، فله ذلك، وليس لجاره منعه عن فتحها بحجة أنه يطل على مقر نسائه إذا استعلى على شيء، لأنه موهوم. (الزرقا ص 363) . 7 - لا يجوز الرهن بالدَّرك؛ لأن استحقاق المبيع أمر موهوم، بخلاف الرهن بالدين الموعود، فإنه صحيح، ويضمن ضمان الرهن، لأن الدَّين الموعود ليس موهوماً بل متوقع الحصول، وكذلك المشتري بخيار لو أعطى الثمن رهناً جاز؛ لأن الإجازة متوقعة الحصول لا متوهمة. (الزرقا ص 363) . 8 - يكتفى في تعريف المشهود عليه إن كان غائباً عن مجلس الحكم بذكر اسمه واسم أبيه وجده، واحتمال مشاركة سواه في اسمه واسم أبيه وجده مجرد توهم لا عبرة له. (الزرقا ص 364) . 9 - لو دفع ماله مضاربة لرجل جاهل جاز أخذ ربحه ما لم يعلم أنه اكتسب الحرام. (الزرقا ص 356) . 10 - لو ادعى ثمنين، أوثلاثة أثمان، بسبب بيع هذا الشيء منه، لا يجب إلا ثمن واحد، وإن احتمل أنه باع، فإنه لا يعتبر هذا الاحتمال. (الزرقا ص 356) . 11 - إذا توفي المفلس تباع أمواله، وتقسم بين الغرماء، وإن تُوهم أنه ربما ظهر غريم آخر جديد، والواجب ألا تقسم محافظة على حقوق ذلك الدائن المجهول، ولكن لا اعتبار للتوهم، وتقسم الأموال على الغرماء، فإن ظهر غريم جديد يأخذ حقه منهم حسب الأصول الشرعية. (السدلان ص 192) . 12 - إذا كان لدار شخص نافذة على أخرى لجاره تزيد على طول الإنسان، فجاء الجار طالباً سدَّ تلك النافذة بداعي أنه من اليمكن أن يأتي صاحب النافذة بسُلّم، ويشرف على مقر النساء، فلا يلتفت لطلبه، وكذا لا يلتفت لطلبه إذا وضع جاره في غرفة مجاورة له تبناً، وطلب رفعه بداعي أنه فمن المحتمل أن تعلق به النار فتحترق داره. (السدلان ص 193) . 13 - إذا جرح شخص آخر، ثم شفي المجروح من جرحه تماماً وعاش مدة ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 توفي، فادعى ورثته بأنه من الجائز أن يكون والدهم مات بتأثير الجرح فلا تسمع دعواهم. (السدلان ص 193) . 14 - إذا غاب الشهود أو ماتوا بعد أداء الشهادة في المعاملات، فللحاكم أن يزكيهم ويحكم بشهادتهم، ولا يؤخر الحكم لتوهم رجوعهم عن شهادتهم. (السدلان ص 193) . 15 - إذا ولدت المرأة ونفست، ثم طهرت قبل الأربعين، اغتسلت وصلت بناء على الظاهر؛ لأن معاودة الدم موهوم، فلا يترك المعلوم بالموهوم. (السدلان ص 194) . 16 - لو أقرَّ المريض بدين لوارثه، فخاصمه الوارث في ذلك، أمره القاضي بأن يوفيه حقه؛ لأن السبب الموجب للمال عليه ظاهر، والمبطل له وهو موته من مرضه موهوم، والموهوم لا يعارض المعلوم. (السرخسي 25/ 50) . المستثنى خرج عن القاعدة مسائل: 1 - لو استأجر مُبَانتَه لإرضاع ولده منها، ثم تزوجها، لا تبطل الإجارة، وإن كانت لم يبق لها فائدة متيقنة، وذلك لأن حكم العقد، وهو هنا لزوم الأجر للمستأجر، وإن كان لا يثبت ابتداء بوهم ثبوت فائدة لها، لكنه يبقى ما بقي توهم الفائدة، وتوهم الفائدة هنا ثابت بأن يطلقها بعد ذلك، فتظهر فائدتها. (الزرقا ص 365) . 2 - لو انهدم بناء الدار المأجورة كله فإن الإجارة لا تبطل وإن سقطت الأجرة؛ لأن توهم الفائدة بإعادة البناء ثابت، حتى لو بناها المؤجر والمدة باقية لم تنقض بعد ظهور فائدتها، ولزمت المستأجر الأجرة لما بقي من المدة. (الزرقا ص 356) . ويتفرع عليها لو آجر مشاعاً فإنه لا يصح سواء كان يقبل القسمة أو لا، ولكن لو طرأ الشيوع بعد العقد بأن آجر عقاراً بتمامه، ثم استُحِق جزء منه شائع، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 تفاسخ العاقدان الإجارة في بعض شائع منه، تبقى الإجارة في الباقي، وإن كان شائعاً. (الزرقا ص 366) وهذا يدخل في قاعدة "يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء " (م/ 53) . 3 - لو دفع المشتري من الفضولي الثمن له على رجاء إجارة المالك، ثم أراد استرداده منه لم يملك استرداده قبل أن يفسخ المالك البيع، فيمنع من استرداد الثمن مع أن الإجازة موهومة الحصول. (الزرقا ص 366) . 4 - يمنع أن يرجع الباعة بعضهم على بعض الثمن إذا ظهر المبيع مستحقاً، قبل أن يفسخ المستحق البيع، أو يقضي القاضي بالرجوع بالثمن؛ لأنه بالاستحقاق ظهر أن عقود الباعة كانت بالفضول، وأنها تقبل الإجازة، وفي عقد الفضولي لو دفع المشتري الثمن له لا يملك الاسترداد قبل انفساخ العقد، هما لم ينتف احتمال الإجازة بفسخ المستحق أو بقضاء القاضي بالرجوع لا يرجع الباعة بالثمن، وإجازة البيع توهم واحتمال بعيد. (الزرقا ص 366) . 5 - لو دفع المدين الدَّين إلى فضولي على رجاء أن يجيز المالك، فليس له أن يسترده منه لاحتمال الإجازة، لأن الفضولي قبض فضولاً عن الدائن رجاء الإجازة منه لقبضه، ولم يقبض بطريق الوكالة عن المديون ليدفع إلى الدائن، ولو كان قبضه بطريق الوكالة عنه لم يكن فضولياً، فحيث كان قبضه عن الدائن رجاء الإجازة لم يكن للدافع حق استرداد ما دفع إليه. (الزرقا ص 366) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 القاعدة: [11] 9 - لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل (م/73) الألفاظ الأخرى - لا حجة مع الاحتمال. التوضيح لا حجة أي لا برهان مقبول، ولا احتجاج مسموع، مع قيام الاحتمال وانتصابه على أن ما قامت عليه الحجة ليس خالياً من التهمة، فإن التهمة إذا تمكنت من فعل الفاعل حكم بفساد فعله، بشرط أن يكون هذا الاحتمال ناشئاً عن دليل. أما إذا لم يكن ذلك الاحتمال ناشئاً ولا منبعثاً عن دليل، بل عن مجرد توهم وحدس، فلا يقاوم الحجة، ولا يقوى على معارضتها؛ إذ لا عبرة بالاحتمال إذا لم يكن ناشئاً عن دليل، لأنه توهم، ولا عبرة بالتوهم (م/ 74) كما إذا كان الإقرار لأحد الورثة واقعاً في حال الصحة، فإنه يجوز، واحتمال إرادة المقر حرمان سائر الورثة حينئذ من حيث إنه احتمال مجرد ونوع من التوهم، فلا يمنع حجية الإقرار. التطبيقات 1 - لا تقبل شهادة الزوجين، وشهادة الأصول والفروع بعضهم لبعض لاحتمال الميل الناشئ عن القرابة، ولا تقبل شهادة الأجير الخاص لمستأجره، لتمكن التهمة الناشئة عن علاقة قد تدفع إلى تحزب مريب يجب أن تتجرد الشهادة عنه. (الدعاس ص. 2، السدلان ص 210) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 2 - لو كان رجلان في سفينة بها دقيق، فادعى كل واحد السفينة وما فيها. وأحدهما يعرف ببيع الدقيق، والآخر يعرف بأنه ملاح، فالدقيق للذي يعرف ببيعه، والسفينة لمن يعرف بأنه ملاح، عملاً بالظاهر. (الدعاس ص 20) . 3 - لو أقر أحد لأحد الورثة بدين أو عين، فإن كان في مرض موته فلا يصح ما لم يصدقه باقي الورثة، ولو في حياة المورث، أو يجيزوه بعد موته، وذلك لأن احتمال كون المريض قصد بهذا الإقرار حرمان سائر الورثة مستند إلى دليل، وهو كونه في المرض. (الزرقا ص 361) . 4 - لو وكل آخر بشراء شيء، فشراه، ولم يبين أنه شراه لنفسه أو لموكله، ثم بعد أن تلف المشري بيده، أو حدث به عيب قال: إني ذريته لموكلي، فلا يصدق، لوجود احتمال صرفه لموكله وهذا الاحتمال ناشئ عن دليل، وهو الإتلاف، أو العيب. (الزرقا ص ا36) . 5 - لو باع الوكيل بالشراء ماله لموكله، أو اشترى الوكيل بالبيع مال موكله لنفسه، لا يصح فيهما، وهو بيع النائب لنفسه، لوجود احتمال الغبن، ومستند إلى ميل الإنسان لنفسه. (الزرقا ص 361) . 6 - لو باع الوكيل مال موكله، ولو بثمن المثل، ممن لا تقبل شهادتهم له كأبويه وأولاده وزوجته بدون تفويض من الموكل لا يصح كذلك. (م 486 1، 488 1، 496 1، 497 1 من المجلة) . وكل ذلك لتمكن احتمال التهمة في فعل الوكيل، وقيام الدليل على ذلك الاحتمال، وهو أن يكون الحامل له في المثال الرابع على طرحه على الموكل هلاك المبيع أو تعيبه، وفي بقية الأمثلة بحب الأثرة الحامل على المحاباة لنفسه، أو لمن لا تقبل شهادته له. (الزرقا ص ا36 - 362) . 7 - لو باع المريض مرض الموت ماله من وارثه، ولو بأضعاف قيمته، لم يجز عند أبي حنيفة إلا أن يجيز الورثة، لأنه متهم، لجواز أنه أراد إيثاره على سائر الورثة بعين من أعيان ماله. (الزرقا ص 362) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 8 - لو أقر المريض لامرأته بأنه كان طلقها في صحته، وانقضت عدتها، وصدقته المرأة، ثم أوصى لها بوصية، أو أقر لها بدين، ثم مات، فلها الأقل من الميراث ومبلغ الوصية أو الدين المقر به عند أبي حنيفة، لاحتمال التهمة في إقراره. (الزرقا ص 362) . 9 - لو باع شيئاً وسلمه، وقبل أن يقبض ثمنه اشتراه من لا تقبل شهادته له من المشتري بأقل من الثمن الأول، لا يجوز شراؤه عند إب حنيفة، لقيام دليل التهمة في ذلك. (الزرقا ص 362) . 10 - لو شهد الوصى الوارث الكبير بدين على الميت لا تقبل شهادته عند أبي حنيفة لمكان التهمة (الرزقا ص 362) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 القاعدة: [12] 10 - لا عبرة بالظن البينِّ خطؤه (م/72) التوضيح "لا عبرة" أي لا اكتراث، ولا مبالاة "بالظن البين خطؤه " بل يلغى، ويجعل كأن لم يكن، سواء أكان الخطأ ظاهراً ومبيناً للحال، أم كان خفياً ثم ظهر بعد، فإذا بني حكم أو استحقاق عن ظن، ض تبين خطؤه، كان باطلاً، ويجب الرجوع إلى حكم الشرع، لأن الظن اليجوز للعمل إذا بأن خلافه باليقين بطل ذلك العمل، وصار غير معتد به غالباً، لأنه صار باطلاً، وكل ما بني على باطل فهو باطل، بخلاف ما إذا أخلف الظن إلى أكثر منه فلا يبطل ذلك العمل. التطبيقات 1 - لو دفع المدين الدين، ثم دفعه عنه وكيله، أو كفيله، جاهلاً أداء الأصيل، وكذا العكس، يسترد الدافع الثاني ما ادفع، وإذا كل من دفع شيئاً على ظن وجوبه. أو صالح عن حق مدعى به عليه، ثم تبين أن لا حق عليه، ولم يكن أقرَّ به، فله استرداد ما دفع، أما إذا كان الدفع لا على ظن الوجوب بل بقصد التبرع والصدقة، فإنه يجري عليه حكم الهبة والصدقة، ولو كان الدفع لا على سبيل التمليك كان وديعة فيسترد، لأن الأمور بمقاصدها (م/ 2) . فكل من دفع ما ليس بواجب عليه على ظن وجوبه، فله استرداده قائماً، أو اسزداد مثله أو قيمته هالكاً كالأمثلة السابقة، وكذا لو دفع الكفيل الدَّين، ثم تبين له فساد الكفالة فإنه يرجع بما دفع، وذلك كما لو كان لاثنين على آخر دين مشترك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 فكفل أحدهما لصاحبه نصيبه من الدين لم تجز تلك الكفالة، فلو دفع نصيب صاحبه فإنه يرجع عليه، وكذا لو كفل وكيل البيع الثمن لموكله لم تجز تلك الكفالة، فلو دفع الثمن لموكله، رجع عليه به. (الزرقا ص 358، الدعاس ص 21، الروقي ص 289) . 2 - لو أقر بالطلاق بناء على إفتاء المفتي له بالوقوع. ثم تبين عدمه، لم يقع ديانة. (الزرقا ص 357) . 3 - لو تكلمت زوجته، فقال: هذا كفر، وحرمت عليَّ، ثم تبين أن ذلك اللفظ ليس بكفر لا تحرم. (الزرقا ص 357) . 4 - لو ادعى أن له عليه ديناً أو حقاً فصالحه عنه على بدل، ثم تبين أن الدين لم يكن عليه، أو أن الحق لم يكن ثابتاً، كان له أن يسترد البدل، ولكن يشترط في ذلك أن يكون الصلح لا عن إقرار، وأن يكون تبيَّن عدم ثبوت الدين أو الحق بغير إقرار المدعي قبل الصلح، بأنه لا حق له قبله، فلو كان الصلح عن إقرار، أو أثبت المدعى عليه أن المدعي كان أقر قبل العقد (الصلح) أنه ليس له على المدعى عليه دين أو حق، فإنه لا يبطل الصلح، ولا يسترد المدعى عليه البدل، لأنه يحتمل أنه لم يكن موجوداً عند الإقرار، ثم وجد وصولح عنه، ويطبق عليه هنا قاعدة: "اليقين لا يزول بالشك، (م/ 4) . (الزرقا ص 357) . 5 - لو ظن أن للآخر عليه ديناً فقضاه إياه، ثم تبين له عدمه، رجع بما دفع. (الزرقا ص 358) . 6 - لو دفع نفقة فرضها القاضي عليه، ثم تبين عدم وجوبها، رجع بها. (الزرقا ص 358) . ولو أنفق على البائن ظاناً حملها فبانت حائلاً استرد. (اللحجي ص 188) وفي رواية عند الحنابلة كذلك. (ابن رجب 368/2) . 7 - لو ادعى عليه ألفاً مثلاً، فقال المدعى عليه للمدعي: إن حلفت أنها لك عليَّ أدَّيتها لك، فحلف، فأداها له المدعى عليه ظناً منه أنها لزمته بحلف المدعي استردها منه. (الزرقا ص 358، السدلان ص 1203. 8 - لو أتلف مال غيره يظنه ماله ضمنه (م 914) . (الزرقا ص 358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 9 - لو دفع القصار إلى المالك ثوب غيره، فأخذه على ظن أنه له، ضمن، لأن من أخذ ثوباً بلا أمر ربه ضمنه، والجهل فيه ليس بعذر، وكذا لو طلب ثوبه من قصار، فقال: دفعت ثوبك إلى رجل ظننت أنه ثوبه، ضمن القصار، كثيابي حمام سلم إليه رجل ثيابه ليحفظها، فقال الثيابي: خرج رجل، ولبس ثيابك، فظننت أنها له، ضمنه. (الزرقا ص 359) . 10 - لو ظن المكلف في الواجب الوسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت تضيق عليه الوقت، فلو لم يفعله، ثم عاش وفعله، فأداء على الصحيح. (اللحجي ص 88، السدلان ص 201) . 11 - لو صلى بالاجتهاد في الوقت، أو الماء، أو القبلة، ثم تبين الخطأ، لم تصح صلاته. (اللحجي ص 88) . 12 - لو ظن أن إمامه مسلم، أو رجل، أو قارئ، فبان كافراً، أو امرأة، أو أمياً، لم تصح الصلاة. (اللحجي ص 88) . 13 - لو ظن بقاء الليل، أو ظن غروب الشمس، فأكل، ثم بأن خلافه، بطل صومه. (اللحجي ص 88، السدلان ص ا20) . 14 - لو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها، فبان خلافه، لم تحز. (اللحجي ص 88) ولو ظنه ليس من أهلها ثم تبين له أنه من أهلها أجزأه استثناء من القاعدة. (السدلان ص 251) وسيرد رأي الحنابلة. 15 - لو رأوا سواداً فظنوه عدواً، فصلوا صلاة شدة الخوف، فبان خلافه، قضوا في الأظهر. (اللحجي ص 88) . 16 - لو استناب على الحج ظاناً أنه لا يرجى برؤه فبرئ لم يسقط الفرض عليه، ووجب عليه الحج بنفسه. (اللحجي ص 88، السدلان ص 201) خلافاً للحنابلة. فإنه يجزئه على المذهب، لأنه فعل الواجب عليه في وقته. (ابن رجب 36/1) . 17 - إذا حكم الحاكم بشهادة عدلين في الظاهر، ثم تبين فسقهما، ففي النقض روايتان، والمشهور النقض، لتعلق حق الغير به، وهذا تطبيق للقاعدة، والرواية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الثانية استثناء من القاعدة فلا ينقض حكمه لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، لكن حكمه في الباطن غير نافذ بالاتفاق. (ابن رجب 1/522) . 18 - لو باع شخص ملك أبيه الغائب بغير إذنه، ثم تبين أن أباه كان قد مات قبل ذلك، ولا وارث له سواه، ففي صحة تصرفه وجهان. وقيل: روايتان. (ابن رجب 1/522) 19 - لو طلق امرأة يظنها أجنبية، فتبينت زوجته، ففي وقوع الطلاق روايتان، والمذهب أن الطلاق واقع، لأنه واجهها بالطلاق وهو استثناء، وفي الرواية الأخرى لا تطلق لعدم العبرة بالظن. (ابن رجب 1/522) . 20 - لو أبرأه من مئة درهم مثلاً معتقداً أنه لا شيء له عليه، ثم تبين أنه كان له في ذمته مئة درهم، وفيها وجهان. (ابن رجب 1/523) . 21 - لو جرحه جرحاً لا قصاص فيه، فعفا عن القصاص وسرايته، ثم سرى إلى نفسه، ففي سقوط القصاص وجهان. (ابن رجب 1/523) . 22 - لو تزوج امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر، ثم تبين أنه كان ميتاً قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العدة، أو أنه طلقها قبل تلك المدة، ففي صحة النكاح وجهان، ورجح ابن قدامة عدم الصحة هنا، لفقد شرط النكاح في الابتداء، كما لو تزوجت المرتابة قبل زوال الريبة. (ابن رجب 1/ 524) . 23 - إذا نادى امرأة له، فاجابته امرأته الأخرى، فطلقها ينوي المناداة، فإنها تطلق المناداة وحدها، ولا تطلق المواجهة، في الباطن أي ديانة، وفي الظاهر روايتان. (ابن رجب 1/ 525) . والرواية الثانية في المسائل السابقة يعمل بالظن، ويكون استثناء من القاعدة. كالمسائل التالية في المستثنى. 24 - إذا وهب الغاصب المغصوب من مالكه، وأقبضه إياه، ظاناً براءته منه، فالمشهور لا يبرأ، لأنه يحمل منته، وربما كافأه عليه، وفي قول يبرأ، فإن قدمه إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فأكله، فلا يبرأ باتفاق، لأنه أباحه له، ولم يملكه إياه، فلم يعده إلى سلطنته وتصرفه. (ابن رجب 2/6) . 25 - أن يشهد شاهدان بموت زيد، فيقسم ماله بين ورثته، ثم تبين بطلان الشهادة بقدومه حياً، فنص أحمد: أنهما يضمنان المال، ويحتمل أن يغرم الورثة، ولا ضمان على الحاكم، لأنه ملجأ إلى الحكم من جهة الشهود.. (ابن رجب 359/2) وعدم ضمان الحاكم استثناء من القاعدة. 26 - لو حكم الحاكم بمال، ثم رجع الشهود وصرحوا بالخطأ أو التعمد بشهادة الزور، فإن الضمان يختص بهم لاعترافهم، أخذاً بالقاعدة، ولا ينقض الحاكم بمجرد ذلك، ولا يرجع على المحكوم له بشيء. استثناء من القاعدة. (ابن رجب 2/360) . 27 - لو دفع زكاة ماله، أو كفارته، إلى من يظنه فقيراً، فبان أنه غني، فالأصح عند الحنابلة أن لا ضمان، وفي رواية: يجب الضمان عليه، وكذلك لو كان الدافع هو العامل، أما الإمام فلا يضمن بغير خلاف، لأنه أمين، ولم يفرط، لأن هذا لم يمكن الاحتراز منه. (ابن رجب 2/368) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة صور ومسائل: 1 - لو صلى خلف من يظنه متطهراً فبان حدثه صحت صلاته. (اللحجي ص 88) . 2 - لو رأى المتيمم ركباً فظن أن معهم ماءً توجه عليه الطلب، وبطل تيممه. (اللحجي ص 88) . 3 - لو خاطب امرأته بالطلاق، وهو يظنها أجنبية وقع الطلاق، أو خاطب عبده بالعتق وهو يظنه لغيره، نفذ العتق. (اللحجي ص 88) وهو المذهب عند الحنابلة عملاً بالظن، وفي رواية لا تطلق. (ابن رجب 1/ 522) . 4 - لو وطئ حرة يظنها زوجته الرقيقة فالأصح أنها تعتد بقرأين اعتباراً بظنه، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وطئ أمة يظنها زوجته الحرة فالأصح أنها تعتد بثلاثة أقراء اعتباراً بظنه أيضاً. (اللحجي ص 88) . 5 - دخل رجل الحمام، وقال للحمامي: احفظ الثياب، فخرج ولم يجد ثيابه، فقال الحمامي: إني رأيت أحداً رفع ثيابك إلا أني ظننت أن الرافع أنت، لا يضمن، إذ لم يترك الحفظ لما ظن أن الرافع هو، وهو قول مرجوح، والأصح أن عليه الضمان. (الزرقا ص 359) . 6 - إذا اشترى شخص منقولاً، فجاءه آخر وطلبه بالشفعة، وظن المشتري أن الشفعة تجري في المنقول فدفعه له، وقبض الثمن، ثم علم أن الشفعة لا تجري في المنقول لا يملك استرداده، وانعقد بيعاً بالتعاطي. (الزرقا ص 359) . 7 - لو أعطى زكاته من ظنه مصرفاً لها، ثج تبين أنه غني، أو ابنه، أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد، ولم يجزئه عند أبي يوسف، ولكن لو تبين انه عبده أو مكاتبه أو حربي لم يجزئه اتفاقاً ابن نجيم ص 161) . 8 - لو خاطب امرأته بالطلاق، وهو يظنها أجنبية، لا يقع عليها الطلاق، نفذ طلاقه، ولا عبرة بخطأ ظنه. (السدلان ص 205) . 9 - إذا أدى زكاته إلى من يظنه فقيراً، فبان أنه غني، فإنها تسقط على أصح الروايتين عند الحنابلة. (ابن رجب 37/1) . 10 - إذا صلى المسافر بالاجتهاد إلى القبلة، ثم تبين خطؤه، فإنه لا إعادة عل الصحيح. (ابن رجب 37/1) . 11 - إذا كفر العاجز عن الصيام بالإطعام للإياس من برئه، ثم عوفي، فإنه لا يلزمه قضاء الصوم. (ابن رجب 37/1) . 12 - إذا ارتفع حيضها، ولا تدري ما رفعه، فإنها تعتد عندنا سنة، فإذا اعتدت سنة، ثم رأت الحيض، لم يلزمها الاعتداد به. (ابن رجب 37/1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 13 - إذا صلى الظهر من لا جمعة عليه لأجل العذر، ثم زال العذر قبل تجميع الإمام، فإنه لا يلزمه إعادة الجمعة مع الإمام. (ابن رجب 37/1) . 14 - لو تصرف شخص مستنداً إلى سبب ظنه صحيحاً، ثم تبين خطؤه، فالتصرف صحيح، مثل أن يتطهر من حدث يظنه ريحاً، ثم تبين أنه نوم، أو استدل على القبلة بنجم يظنه الجدي، ثم تبين له أنه نجم آخر. (ابن رجب 2/ 5) . 15 - اشترى شيئاً ثم تصرف فيه، ثم تبين أن الشراء كان فاسداً، وأنه ورث تلك العين، فهو صحيح. (ابن رجب 2/ 5) . 16 - لو باع عيناً، أو وهبها، أو أقر بها لرجل، شم أقر بها بعد ذلك لآخر، فإنه لا يقبل إقراره على الأول، ويضمن للثاني.. (ابن رجب 2/ 360) . 17 - إذا وصى إلى رجل بتفريق ثلثه، ففعل، ثم تبين أن عليه ديناً مستغرقاً للتركة، ففي ضمانه روايتان، رواية يضمن تطبيقاً للقاعدة، وفي رواية لا يضمن استثناء من القاعدة.. (ابن رجب 2/ 362) . 18 - لو وصى لشخص بشيء، فلم يُعرف الموصى له، وصرفه الوصي أو الحاكم فيما يراه من أبواب البر، فإن جاء الموصى له وأثبت ذلك، ففي رواية يضمن المفرق، والأظهر: لا ضمان عليه. (ابن رجب 2/ 362) . 19 - إذا دفع القصار ثوب رجل إلى غيره خطأ، فتصرف فيه المدفوع إليه، ففي رواية يضمن، وفي ظاهر كلام أحمد أنه لا يضمن. (ابن رجب 2/ 364) . 20 - لو دفع الوديعة إلى من يظنه صاحبها، ثم تبين الخطأ، فقال الأصحاب: يضمن لتفريطه، ولو دفع الملتقط اللقطة إلى واصفها، ثم أقام غيره البينة أنها له، فإن كان الدفع بحكم الحاكم فلا ضمان على الدافع، وإن كان بدونه ففي وجه عليه الضمان، وفي وجه لا ضمان لوجوب الدفع عليه، فلا ينسب إلى تفريط.. (ابن رجب 2/ 366) . 21 - لو قبضت المطلقة البائن النفقة، يظن أنها حامل، ثم بانت حائلاً، ففي الرجوع عليها روايتان. (ابن رجب 2/ 368) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 22 - لو غاب الزوج، فأنفقت الزوجة من ماله، ثم تبين موته، ففي الرجوع عليها بما أنفقته بعد موته روايتان. (ابن رجب 368/2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 القاعدة: [13] 11 - من شك هل فعل شيئًا أولا فالأصل أنه لم يفعله التوضيح هذه القاعدة فرع عن قاعدة "اليقين لا يزول بالشك " (م/ 4) ؛ لأن الأمر المتيقن ثابت، والشك لا يزيله، ولا يؤثر عليه، فيبقى الشيء في ذمة الإنسان، ويعتبر أنه لم يفعله وعليه أداؤه وفعله. التطبيقات 1 - من شك في طلاق امرأته، هل طلق أم لا، فلا يقع الطلاق؛ لأن الأصل أنه لم يفعله. (اللحجي ص 29 هامش) . 2 - شك في ترك مأمور به في الصلاة كالقنوت، سجد للسهو، أو شك في ارتكاب منهي عنه كركوع زائد، فلا يسجد؛ لأن الأصل عدم فعلهما. (اللحجي ص 29) . 3 - من سها وشك: هل سجد للسهو؛ يسجد. (اللحجي ص 29) . 4 - من شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن وجبت إعادته. (اللحجي ص 29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 القاعدة: [14] 12 - من تيقن الفعل، وشك في القليل أو الكثير، عمل على القليل، لأنه المتيقن الألفاظ الأخرى - ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين. التوضيح إن اليقين يبقى معمولاً به، ويبقى ثابتاً ولازماً، فمن شك في عمل القليل منه أو الكثير، فالقليل هو المتيقن فيعمل به، وهذه القاعدة فرع عن قاعدة " اليقين لا يزول بالشك " (م/ 4) وتعتمد القاعدتان على نفس الأدلة والمستندات، ومتى شغلت الذمة بالأصل، فلا تبرأ إلا بيقين. التطبيقات 1 - شك المتوضئ هل غسل ثنتين أو ثلاثاً، بنى على الأقل، وأتى بالثالثة. (اللحجي ص 29) . 2 - شك المصلي: هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ بنى على الأقل. (اللحجي ص 29) . 3 - شك هل طلق واحدة أو أكثر؛ بنى على الأقل، ولا يخفى الورع. (اللحجي ص 29) . 4 - من كان عليه دين، وشك في قدره، لزمه إخراج القدر المتيقن، ويبقى الورع والاحتياط بإخراج الأكثر. (اللحجي ص 29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 5 - من ثبت عليه دين، وانشغلت ذمته به، وشك في مقدار الأداء، فلا يبرأ إلا بما تيقن أداءَه. (اللحجي ص 29) . 6 - من نسي صلاة من الصلوات الخمس، ولم يتيقن عينها، فتلزمه الصلوات الخمس لتبرأ ذمته بيقين من الصلاة التي نسيها، والباقي نوافل. (اللحجي ص 29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 القاعدة: [15] 13 - الأصل العدم التوضيح إن الأصل الثابت في الحقوق العدم، ولا يلزم الشخص بشيء للغير؛ لأن الأصل براءة الذمة (م/8) . التطبيقات 1 - القول قول عامل القراض (المضاربة) في قوله: لم أربح، لأن الأصل عدم الربح، أو لم أربح إلا كذا، لأن الأصل عدم الزائد، وفي قوله: لم تنهني عن شراء كذا، لأن الأصل عدم النهي، والقول قول عامل القراض في قدر رأس المال، لأن الأصل عدم دفع الزيادة. (اللحجي ص 30) . 2 - لو ثبت على شخص دين بإقرار أو بينة، فادعى الأداء أو الإبراء، فالقول قول غريمه؛ لأن الأصل عدم ذلك. (اللحجي ص 30) . 3 - لو اختلف الجاني والولي في مضي زمن يمكن فيه الاندمال، فالمصدق الجاني، لأن الأصل عدم المضي. (اللحجي ص 35) . 4 - أكل طعام غيره، وقال: كنتَ أبحته لي، وأنكر المالك، صُدق المالك، لأن الأصل عدم الإباحة. (اللحجي ص 30) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 القاعدة: [16] 14 - الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم عند الجمهور، وعند أبي حنيفة: الأصل فيها التحريم حتى يدل الدليل على الإباحة الألفاظ الأخرى - الحلال عند الشافعي ومالك وأحمد ما لم يدل الدليل على تحريمه، وعند أبي حنيفة: الحلال ما دل الدليل على حله، وقال كثير من علماء الحنفية: الأصل في الأشياء الحل. - الأصل في الأشياء الإباحة أو التحريم أو الوقف - الأصل في الأشياء الإباحة. التوضيح إن الله تعالى أباح أشياء كثيرة، وحرَّم بعض الأشياء، وهذا متفق عليه، وسكت الشارع عن أشياء فلم يرد نص بإباحتها ولا تحريمها، وظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه، فعلى قول الجمهور " هو من الحلال "، وعلى قول أبي حنيفة "هو من الحرام ". ويعضد قول الجمهور ويقويه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ما أحل الله فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً ". أخرجه البزار والطبراني والبيهقي من حديث أبي الدرداء بسند حسن، وروى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 الطبراني أيضاً من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: "إنَّ الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها. (فلا تفعلوها) ، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء، من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" وفي لفظ: "وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها، رحمة لكم فاقبلوها" وروى الترمذي وابن ماجة من حديث سلمان أنه على سئل عن الجبن والسمن والفراء، فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ". وفصل الزركشي هذه القاعدة فيإ قواعده " فقال: "الأصل في الأشياء الإباحة، أو التحريم، أو الوقف، أقوال بناها الأصوليون على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، على تقدير التنزل لبيان هدم القاعدة بالأدلة السمعية، وحينئذ فلا يستقيم تخريج فروع الأحكام على قاعدة ممنوعة في الشرع ". التطبيقات يخرج على هذه القاعدة كثير من المسائل المشكل حالها: 1 - الحيوان المشكل أمره، وفيه وجهان، أصحهما الحل كما قال الرافعي. (اللحجي ص 31، السدلان ص 133) . 2 - النبات المجهول تسميته فالأقرب للمحكي عن الشافعي في التي قبلها الحل. (اللحجي ص 31) . 3 - المكولات والمشروبات والملبوسات والتصرفات مما لم يرد فيه دليل يحل أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 دليل يحرم، فمن قال الأصل الإباحة اكتفى فأحل، ومن قال الأصل التحريم اكتفى فحرم، ومن قال بالوقف توقف (البورنو 2/ 116) . 4 - الفيل والزرافة حيث لم يرد عن الله تعالى، ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - حكم نصي فيهما، فحكم أكلهما حسب الأقوال السابقة (البورنو 2/ 116) . المستثنى الأصل في الأبضاع التحريم، وهو نص قاعدة أخرى ستأتي بعد هذه القاعدة. والأصل في العبادات التوقيف، والأصل في العقود الصحة إلا ما أبطله الله ورسوله، والأصل في المائعات الطهارة، والأصل في الحيوانات التحريم، والأصل في الأطعمة الإباحة ما لم يرد التحريم، والأصل في الذبائح التحريم، والأصل في اللهو واللعب الإباحة عند الشافعي، خلافاً لمالك، إلا ما قام الدليل على حرمته. والأصل في الماء الطهارة، والأصل في الثوب الطهارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 القاعدة: [17] 15 - الأصل في الأبضاع التحريم الألفاظ الأخرى - الأصل تحريم الأبضاع التوضيح إن حفظ العرض أحد الضروريات الخمس التي حرص الشارع على إقامتها. وبيان الأحكام لرعايتها، وتأمين الحماية لها، ومنع الاعتداء عليها، والعرض هو ما يمدح به الإنسان ويُذم، ومحله المرأة، فهي في الأصل محرَّمة على الرجال في الوطء والاستمتاع إلا بعقد النكاح أو ملك اليمين. ومستند هذه القاعدة: قوله تعالى في آيات التحريم:. (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) . فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة، ولذلك تطبيقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 التطبيقات 1 - إذا اختلطت محرمة بنسوة محصورات، فيحرمن، وبمتنع الاجتهاد، لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه. (اللحجي ص 31، (ابن رجب 2/ 445) 2 - وكل إنسان شخصاً في شراء جارية، ووصفها، فاشترى الوكيل جارية بالصفة، ومات قبل أن يسممها للموكل، لم يحل للموكل وطؤها، لاحتمال أن الوكيل اشتراها لنفسه، وإن كان شراء الوكيل الجارية بالصفات المذكورة ظاهراً في الحل، ولكن الأصل التحريم حتى يُتيقن سببُ الحل. (اللحجي ص 31) . 3 - المعتمد في الإماء المجلوبات من الحبشة إن علم أنهن من غنيمة خمست، سباهن مسلم أو كافر، ولم يسلمن في بلادهن، الحل، وإن لم يعلم فالعبرة باليد، أي يد من هي في يده، أو علم عدم التخميس، فالحرمة. (اللحجي ص 32) . 4 - إذا طلق إحدى نسائه بعينها ثلاثاً، ثم نسيها، يتوقف حتى يتبين، وعند أحمد قولان، الأول: أنها تعين بالقرعة، ويحل له البواقي؛ لأن القرعة قامت مقام الشاهد والخبر للضرورة، والثاني: لا يقرع، بل يتوقف حتى يتبين، واختار ابن قدامة الثاني، وجمهور الحنابلة الأول. (السدلان ص 139، ابن رجب 3/ 222) . المستثنى اختلطت محرمة بنسوة غير محصورات، فيجوز النكاح منهن، رخصة من الله ئعالى، لئلا يَنْسَدَّ عليه باب النكاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 القاعدة: [18] 16 - الذمة إذا عمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين التوضيح هذه القاعدة فرع عن قاعدة "اليقين لا يزول بالشك " (م/ 4) ؛ لأن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، ولأن اليقين ثابت فلا يلغى إلا بمثله، ومن ذلك إذا شغلت الذمة بيقين في مقتضى حكم شرعي، أو بحق من الحقوق، فلا تبرأ من ذلك إلا بيقين يثبت براءة الذمة، وهو ما سبق تقريره والاستدلال عليه في القاعدة الأصلية، والقواعد المتفرعة عنها، وهي مماثلة لقاعدة الشافعية السابقة "من تيقن الفعل، وشك في القليل أو الكثير، عمل على القليل، لأنه المتيقن "، وتتفق مع بقية القواعد. التطبيقات وردت هذه القاعدة والتطبيقات عليها في فروع المالكية، وهي: 1 - من شك في عدد ركعات ما صلى، أو في عدد الأشواط في الطواف، أو السعي، بنى على الأقل، طرحاً للشك، واستصحاباً لليقين في تعمير الذمة، لأن المعتد به في إتمام العبادة هو اليقين، أو الظن الغالب الذي تسكن إليه النفس ويطمئن إليه القلب، فلا تبرأ الذمة مما عمّرت به إلا بيقين. (الغرياني ص 93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 2 - من شك في إخراج ما عليه من الزكاة، أو الكفارات، أو قضاء رمضان، أو الهدي، أو أداء ما عليه من الصلاة، أو الدَّين، فالواجب عليه الأداء، وطرح الشك، لأن ذمته عمرت بهذه المأمورات بيقين، فلا تبرأ منها إلا بيقين، ويلغى الشك استصحاباً للحال. (الغرياني ص 93) . 3 - الأب إذا قتل ابنه لا يقتص منه؛ لأن شرط القصاص القتل العمد العدوان، والعداوة في قتل الأب مشكوك فيها، لما جُبل عليه الأب من الرأفة والشفقة، فحصل الشك في الشرط فلا يترتب المشروط. (الغرياني ص 94) . 4 - من شك في شاة هل هي ميتة أو مذكاة، لا تحرم عليه بالشك، لأن الشك في المانع لا تأثير له. (الغرياني ص 94) . 5 - من شك هل سها في صلاته أو لا، طرح الشك، ولا يلزمه سجود. استصحاباً للأصل. (الغرياني ص 94) . 6 - من شك هل طلق أو ظاهر من امرأته، لا يلزمه الطلاق ولا الظهار، لأنهما مانعان من الحل، والشك في المانع لا تأثير له. (الغرياني ص 94) . 7 - من شك في دخول الوقت لا تجب عليه الصلاة. استصحاباً للحال الأول. (الغرياني ص 95) . 8 - من شك في رضاعه مع امرأته، لا تحرم عليه؛ لأن الرضاع مانع، والمانع لا يثبت بالشك. (الغرياني ص 95) . المستثنى 1 - من شك في الحدث وجبت عليه الطهارة في المشهور عند المالكية استثناء من القاعدة، وقال بعضهم: لا يجب الوضوء، تطبيقاً للقاعدة؛ لأنه شك في المانع من الصلاة فلا تأثير له. (الغرياني ص 97، 94) . 2 - من شك في نجاسة ثوبه أو حصيره الذي يصلي عليه، وجب عليه أن ينضحه بالماء، لحديث أنس رضي الله عنه قال: "فقمت إلى حصير لنا، قد اسودَّ من طول ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 لُبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله على. . . فصلى لنا ركعتين ". وذلك إعمال للشك في نجاسته. (الغرياني ص 95) . 3 - يعتد بالشك في باب المنهيات، احتياطاً للتحريم، لمن كان سالم الخاطر غير موسوس، خصوصاً إذا استند إلى سبب وأصل، فمن حلف ألا يفعل شيئاً، وشك هل فعله أو لا، كفر احتياطاً على أحد القولين. (الغرياني ص 95) .. ومن طلق وشك في عدد الطلاق لزمه الثلاث على مذهب المدونة، فاعتد بالمشكوك فيه من الطلاق احتياطاً للتحريم. (الغرياني ص 95) 4 - الشك في الزيادة في عقود الصرف، وما يجري فيه الربا، كتحقق الزيادة، فاعتدوا بالشك فيها، احتياطاً للتحريم، ولذا قالوا فِى باب الربا: "الشك في التماثل كتحقق التفاضل ". (الغرياني ص 96) . 5 - من شك هل غسل أعضاء وضوئه ثلاثاً أو اثنتين، المشهور أنه يبني على الأكثر، ولا يزيد غسلة؛ لأن الزيادة إما أن تكون مندوبة إن كانت في الواقع هي الغسلة الثالثة، وإما أن تكون مكروهة إن كانت في الواقع هي الرابعة، والمكروه يقدم على المندوب عند التعارض لقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ". (الغرياني ص 96) . 6 - من شك في أداء ما عليه من الدَّين، له أن يحلِّف رب الدين أنه ما قبض دينه، وذلك بناء على ما قام في نفسه من الشك؛ لأن الشك في الأداء شبهة تبرر تحليف الدائن، وقيل: ليس له تحليفه. (الغرياني ص 96) . 7 - تحريم الواجب غير المعين بالشك، فالميتة محرمة، والأخت من الرضاع محرمة، فإذا اختلطت الميتة بشاة مذكاة، أو اختلطت الأخت بأجنبية، أو طلق الرجل إحدى نسائه ولم يعينها، أو قال لنسائه: الطلاق يلزمني، ولم يعين واحدة منهن، أو قال: الأيمان تلزمني، ولم يعين طلاقاً، فالأصل أن الذي يجب عليه هو اجتناب واحدة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 النساء في الطلاق، وواحدة من المرأتين في الرضاع، وواحدة من الشاتين، وواحد من أيمان الطلاق، لكن بالشك فيها لكونها غير معينة يجب عليه اجتناب الجميع في المحرم، وتجب الأيمان كلها في الحلف، فعم المنع احتياطاً للتحريم. (الغرياني ص 98) . 8 - من شك في جهة القبلة، وجب عليه أن يصلي إلى الجهات كلها، ومن شك في صلاة من خمس صلوات لا يعلمها على التعيين، فإنه يصلي خمس صلوات، وسبب ذلك هو الشك. (الغرياني ص 99) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 القاعدة الأساسية الثالثة: [19] لا ضرر ولا ضرار (م/19) التوضيح الضرر: إلحاق مفسدة بالغير، والضرار مقابلة الضرر بالضرر، فلا يجوز لأحد أن يلحق ضرراً ولا ضراراً بآخر، وسبق ذلك بأسلوب نفي الجنس ليكون أبلغ في النهي والزجر. وهذه القاعدة لفظ حديث شريف حسن، رواه ابن ماجة والدارقطني وأحمد والحاكم مسنداً، ورواه مالك في (الموطأ) مرسلاً، بلفظ "لا ضرر ولا إضرار" وتكملته في المستدرك: "من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه ". واستغراق النفي في الحديث الشريف يفيد تحريم سائر أنواع الضرر في الشرع، لأنه نوع من الظلم، ونفي الضرر يفيد دفعه قبل وقوعه بطريق الوقاية الممكنة، ورفعه بعد وقوعه بما يمكن من التدابير التي تزيله، وتمنع تكراره، كما يفيد الحديث اختيار أهون الشرين لدفع أعظمهما، لأن في ذلك تخفيفا للضرر عندما لا يمكن منعه منعاً باتاً. لكن هذه القاعدة مقيدة إجماعاً بغير ما ثبت بالشرع، كالقصاص والحدود ومعاقبة المجرمين، وسائر العقوبات والتعازير، وإن ترتب عليها ضرر بهم، لأن فيها عدلاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ودفعاً لضرر أعم وأعظم، ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأنها لم تشرع في الحقيقة إلا لدفع الضرر أيضاً. والمقصود بمنع الضرار هو نفي الازدياد في الضرر الذي لا يفيد سوى التوسع في دائرته، لأن الإضرار، ولو على سبيل المقابلة، لا يجوز أن يكون هدفاً مقصوداً، وطريقاً عاماً، وإنما يلجأ إليه اضطراراً عندما لا يكون غيره من طرق التلافي والقمع أنفع منه، وقد ثبتت فروع فقهية كثيرة وشرعت توقياً من وقوع الضرر. شمول هذه القاعدة لأبواب الفقه يشمل تطبيق هذه القاعدة، أو هذا المبدأ، كثيراً من أبواب الفقه، أهمها: 1 - الرد بالعيب، لإزالة الضرر عن المشتري. 2 - الخيارات، كخيار الشرط، واختلاف الوصف المشروط، والتغرير، وإفلاس المشتري. 3 - الحجر بأنواعه، للمحافظة على مال غير القادر على التصرف السليم، ولحماية الغرماء. 4 - الشفعة التي شرعت للشريك لدفع ضرر القسمة، وللجار لدفع ضرر الجار السوء. 5 - القصاص، لدفع الضرر عن أولياء القتيل. 6 - الحدود، لدفع الضرر عن المجتمع، وعمن لحق به الضرر. 7 - الكفارات، لإزالة سبب العصية. 8 - ضمان المتلف، لإزالة الضرر اللاحق بمن أتلف له. 9 - القسمة، لرفع الضرر عن أحد الشريكين أو كليهما. 10 - نصب الأئمة والقضاة، لمغ الضرر عن الأمة، ليقيموا الحدود، ويمنعوا الجرائم، ويستأصلوا شأفة الفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 11 - دفع الصائل عن النفس والعرض والمال، لإبعاد ضرره. 12 - قتال المشركين، لنشر الدعوة وإظهار الحق، ودحر فتنة الباطل، وصدّ الدعاة. 13 - فسخ النكاح بالعيوب، أو الإعسار، أو الإضرار، لإزالة الضرر عن الزوج أو الزوجة. وفروع هذه الأبواب والمسائل كثيرة، ونذكر بعض التطبيقات لها. التطبيقات 1 - من أتلف مال غيره مثلاً لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله، لأن ذلك توسيع للضرر بلا منفعة، وأفضل منه تضمين المتلِف قيمة المتلَف، فإنه فيه نفعاً بتعويض المضرور، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي. (الدعاس ص 23) . لأن مقابلة الإتلاف بالإتلاف لا تنفع المعتدى عليه، ولا تعوض عليه قيمة ضرره، وفي الوقت نفسه لا ترح المعتدي، لأنه سيان عنده إتلاف ماله أو إعطاؤه للمضرور لترميم الضرر الأول، فأصبحت مقابلة الضرر بالضرر، والإتلاف بالإتلاف مجرد حماقة ليس إلا.. (الدعاس ص 23) . 2 - لو أعار أرضاً للزراعة، أو آجرها لها، فزرعها المستعير أو المستأجر، ثم رجع المعير، أو انتهت مدة الإجارة، قبل أن يستحصد الزرع، فإنها تترك في يد المستعير أو المستأجر بأجر المثل إلى أن يستحصد الزرع، توقياً من تضرره بقلع الزرع قبل أوانه، وهو بقل. (الزرقا ص 167، الدعاس ص 24، السدلان ص 503،. (ابن رجب 2/ 106) . 3 - لو باع لآخر شيئاً مما يسرع إليه الفساد كالفواكه مثلاً، وغاب المشتري قبل قبضه وقبل نقد الثمن، وأبطأ وخيف فساد المبيع، فللبائع أن يفسخ البيع، ويبيع من غيره توقياً من تضرره بفساده، دفعاً لضرره، ولا يرجع على المشتري بشيء لو نقص الثمن الثاني عن الأول. (الزرقا ص 167، الدعاس 24، السدلان 503) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 4 - يجوز حبس المشهورين بالدعارة والفساد، حتى تظهر توبتهم، ولو لم يثبت عليهم جرم معين قضائياً، دفعاً لشرهم، لأنهم قد يحتاطون ويتحفظون، فيملؤون الأرض فساداً، ولا يمكن إثبات شيء عليهم بطريق القضاء. (الدعاس ص 24، الزرقا 173) دفعاً لضررهم عن العباد بعد استفاضة دعارتهم. 5 - اتخاذ السجون، وجعلها مضجرة، حتى يعلم أهل الفساد والدعارة أن مثل هذا السجن واقف لهم بالمرصاد، فيرتدعوا، ويكفوا عن أذى الناس، كما أن السجن يقي المجرم من إضرار الحاكم به إذا عاقبه في وقت غضبه من جرمه، فيرفعه إلى الحبس ريثما يسكن غضبه فيعاقبه حينئذٍ بما يستحقه من العدل (الزرقا ص 166) . 6 - شرع خيار الشرط وخيار الرؤية، لدفع الضرر عن المشتري وحاجته إلى التروي لئلا يقع في ضرر الغبن، أو بدفع الضرر بدخول ما لا يلائمه في ملكه. (الزرقا 166، السدلان ص 502، الندوي 1/ 156) . 7 - شرع الحجر توقياً من وقوع الضرر العائد تارة لذات المحجور، وتارة لغيره، فإن من وجب حجره إذا ترك بدون حجر يضر بنفسه، وقد يضر بغيره. (الزرقا ص 167، السدلان ص 502) . 8 - شرعت الشفعة توقياً من ضرر جار السوء. (الزرقا ص 167، السدلان ص 502 (الحصين 189/1. الندوي 1/ 152) . 9 - يجبر الشريك على العمارة إذا كان وصي يتيم، أو متولي وقف، وعند ضرورة تعذر القسمة، توقياً من تضرر الصغير والوقف والشريك عند تداعي العقار للخراب. (الزرقا 167) . 10 - يحبس الموسر إذا امتنع عن الإنفاق على أولاده أو قريبه المحرم، ويجوز ضربه في الحبس إذا أصر على الامتناع، توقياً من وقوع الضرر بأولاده أو قريبه الفقراء، ببقائهم بلا نفقة. (الزرقا ص 167) . 11 - تمنع الظئر من فسخ الإجارة ولو حدث لها في أثناء مدة الإجارة عذر يسوغ لها فسخ الإجارة، إذا كان الصغير لم يعد يأخذ ثدي غيرها، ولم يستغن بالطعام، توقياً من حصول ضرر للصغير. (الزرقا ص 167) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وكذا إذا انتهت مدة الإجارة للظئر، والصغير لا يأخذ ثدي غيرها، ولم يستغن بالطعام، فإنها تجبر على إرضاعه بأجر المثل توقياً من ضرر الصغير. (الزرقا ص 168) . 12 - مشروعية الخيار للبائع في فسخ البيع إذا كان يتضرر في غير ما باعه، كما لو باع جذعاً مثلاً من سقف، أو باع حصة شائعة من زرع مملوك له غير مستحصد، وطالبه المشتري بالقسمة قبل استحصاد الزرع توقياً من تضرره فيما لم يبعه، وهو بقية الزرع، إذ لا تمكن القسمة إلا بقلع الكل. (الزرقا ص 168، السدلان ص 502، الندوي 153/1، 156) . 13 - لو اشترى شيئاً فآجره، ثم اطلع على عيب قديم فيه، فله نقض الإجارة ليرده بالعيب، لأن الإجارة تفسخ بالأعذار. (الزرقا ص 169) . 14 - لو أعار شيئاً ليرهنه المستعير، فرهنه بدين عليه، ثم أراد المعير استرداده، فله أن يدفع الدين للمرتهن ويأخذ العين المرهونة، ولا يعد متبرعاً، بل يرجع بما دفع على الراهن المستعير، وكذا لو رهن الأب بدين عليه مال ولده الصغير الذي تحت ولايته، فبلغ الصغير، فله أن يقضي دين أبيه، ويفك الرهن، ولا يكون متبرعاً، بل يرجع على أبيه بجميع ما قضاه عنه. (الزرقا ص 169) ، لدفع ضرر حبس ملكه عنه. 15 - لو باع الموجر المأجور من أجنبي بإذن المستأجر، وغاب البائع، فأدى المشتري من الثمن بدل الإجارة للمستأجر ليسلم له المبيع المستأجر، لا يكون المشتري متبرعاً، لأنه مضطر للأداء في حال غيبته، لتخليص ملكه. (الزرقا ص 169) . 16 - إذا وجد المستأجر بالمأجور عيباً قديماً، أو حدث فيه عيب وهو في يده، فإنه يستقل بفسخ الإجارة إذا أراد، بلا حاجة إلى رضا المؤجر أو قضاء القاضي، سواء في ذلك أكان قبل قبض المأجور أم بعده، لأنه لو كلف انتظار رضا المؤجر أو قضاء القاضي لتفرر بجريان الأجرة عليه في أثناء ذلك. (الزرقا ص 170) فدفعاً للضرر عنه كان له الانفراد بالفسخ. 17 - لو أمر غيره بشراء شيء معلوم بألف مثلاً، فشراه ولم يقبضه ولم يدفع الثمن إلى البائع حتى أعطى الآخر الثمن للمأمور ليدفعه إلى البائع، فأتلف المأمور الثمن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وهو معسر، فللبائع أن يحبس المبيع إلى أن يأخذ الثمن، فإذا دفع الآخر الثمن إلى البائع كان عليه أن يسلمه المبيع، وللآخر أن يرجع على المأمور بالثمن، لأنه مضطر في قضائه، فهو كمصير الرهن. (الزرقا ص 170) . 18 - لو اشترى اثنان شيئاً قيمياً، وغاب أحدهما، فللحاضر دفع كل ثمنه وقبضه وحبسه عن شريكه إذا حضر حتى ينقد له الثمن لحصته؛ لأنه مضطر، ويجبر البائع على قبول كل الثمن من الحاضر، ودفع كل المبيع له، لدفع ضرر حبس ملكه عنه. (الزرقا ص 170) . أما إذا كان المبيع مثلياً كالبرِّ ونحوه مما يمكن قسمته فلا جبر على دفع الكل، بل يقسم ويأخذ الحاضر حصته منه. (الزرقا ص 170) . 19 - إذا استقرض بالمرابحة إلى أجل معلوم، ثم حل الذين بموت المدين، أو وفاة المديون قبل حلول الأجل، فليس للدائن من المرابحة إلا بقدر ما مضى من الأيام. (الزرقا ص 171) . 20 - يبطل إقرار ذي اليد لشخص ثالث بالعين المدعى بها قبل الحكم بعد أن أقام المدعي شاهداً واحداً أو شاهدين، ويبطل بيعه العين المدعى بها من شخص ثالث بعد أن برهن عليه المدعي قبل أن يحكم له، وذلك دفعاً لضرر هذا الإقرار، وضرر هذا البيع من ذي اليد على المدعي. (الزرقا ص 171) . 21 - إذا أحدث الغاصب في العين المغصوبة ما يقطع حق المالك في استردادها، كما لو كان المغصُوب قماشاً فقطعه وخاطه ثوباً، أو كان حديداً فصنعه سلاحاً مثلاً، أو كان نحاساً فصنعه آنية، ثم مات الغاصب، أو حجر عليه، وكان له غرماء، فإن المالك يجعل أحق بالعين المغصوبة من سائر الغرماء حتى يأخذ حقه منها. وإذا هلكت هذه العين المحبوسة لحق المغصوب منه، قبل أن يستوفي منها حقه فتكون مضمونة على الغاصب، ولا تكون مضمونة على المغصوب منه ضمان الرهن، وإن كانت محبوسة لحقه، دفعاً للضرر عن المغصوب منه. (الزرقا ص 171) . 22 - إذا قال لآخر: بايع فلاناً، وما بعته فعلي، كان كفيلاً بثمن ما يبيعه إياه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ولكن له أن يرجع عن هذه الكفالة قبل أن يبايعه، فإذا قال للمكفول له: رجعت عن كفالتي، بطلت، وذلك لما عساه يلحقه من الضرر من هذه الكفالة، إذ المرء لا يجبر على تحمل الضرر، وإن رضي به، وليس في رجوعه قبل المبايعة ضرر على المكفول له. (الزرقا ص 171) . 23 - لا يحق للوكيل بشراء شيء معين أن يشتريه لنفسه من غير أن يُعلم الموكل بأنه يريد أن يشتريه لنفسه، وذلك دفعاً للضرر عن الموكل، إذ عساه أن يتضرر من عدم الحصول على مقصوده، ليسد حاجته. (الزرقا ص 172) . 24 - يمنع شراء الحبوب صهاخراجها من بلدة يضر بأهلها، لأن أهل البلدة يمنعون من الشراء للحكرة، وهذا أولى. (الزرقا ص 172) . 25 - لا تجوز شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة دنيوية، ويجب فسخ حكم الحاكم إذا كان بين المحكوم عليه والحاكم، أو بينه وبين ابنه، أو بينه وبين أبويه، عداوة دنيوية بينة، لئلا يصل إلى المشهود عليه، أو المحكوم عليه، ضرر من هذه العداوة، لأنها تحمل الشاهد على المجازفة في شهادته، وتحمل الحاكم على التحامل عليه غالباً. (الزرقا ص 172) . 26 - إن المدعي إذا انكشف للحاكم أنه مبطل في دعواه، أي يعمد البُطل فيها، فإنه يؤدبه، وأقل ذلك الحبس، ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد. (الزرقا ص 173) . 27 - لا يصح عزل الوكيل ببيع الرهن، فيما لو وكله ببيعه وإيفاء الدين من ثمنه إذا لم يؤدّ الدين عند حلول الأجل، ولا يصح عزل وكيل الخصومة إذا كان توكيله بطلب المدعي عند إرادة المدعى عليه السفر، لأن عزل الوكيل في الصورتين يضر بحق المرتهن، وبحق المدعي، ومثله إذا اشترى شيئاً بخيار للمشتري، وأخذ وكيلاً من البائع ليردَّ عليه المبيع بحكم الخيار إذا غاب البائع، فلا يملك الموكل عزله؛ لأن عزله يضر بالمشتري. (الزرقا ص 173) . 28 - لو كانت الفلوس (وهي المتخذة من غير النقدين، وجرى الاصطلاح على استعمالها استعمال النقدين) النافقة ثمناً في البيع، أو كانت قرضاً. (مما يثبت بالذمة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فغلت أو رخصت بعد عقد البيع، أو بعد دفع مبلغ القرض، فعد أبي يوسف تجب عليه قيمتها يوم عقد البيع، ويوم دفع مبلغ القرض، ورجحه الكثيرون، دفعاً للضرر عن المشتري والمستقرض، وأوجبوا قيمتها كذلك في صورة ما إذا كسدت، دفعاً للضرر على البائع والمقرض. ويظهر أن الورق النقدي معتبر من الفلوس الرائجة، وما قيل فيها من الأحكام السابقة، يقال فيه، ومن يدعي تخصيص الفلوس النافقة بالمتخذ من المعادن فعليه البيان. (الزرقا ص 174) . أما لو كانت الفلوس النافقة معقوداً عليها ومدفوعة في عقد تعتبر فيه أمانة في يد القابض كالمضاربة، فالمضارب يسترد مثل رأس ماله لا غير، من غير نظر إلى غلاء أو رخص، أو يأخذ قيمة رأس ماله عند القسمة بقيمته يوم القسمة لا يوم الدفع. (الزرقا ص 174 - 175) . 29 - لا يجوز تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري بدون القيمة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 185) . 30 - ليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس (الذي ينقص الثمن) بسعر، ويبيعوا المسترسل الذي لا يماكس، أو من هو جاهل بالسعر، بأكثر من ذلك السعر، لما فيه من ضرر المشترين.. (ابن تيمية، الحصين 186/1) . 31 - الاحتكار لما يحتاج الناس إليه محرم، وذلك أن المحتكر يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام، فيحبسه عنهم، ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين، مضار لهم.. (ابن تيمية، الحصين 186/1) . 32 - لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه، والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، لمنع الضرر.. (ابن تيمية، الحصين: 1/ 186) . 33 - إذا احتاج الناس إلى صناعة، مثل أن يحتاجوا إلى فلاحة قوم، أو نساجتهم، أو بنايتهم، فإنه يصير هذا العمل واجباً عليهم، ويجبرهم ولي الأمر عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يُمكِّن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم، وهذا من التسعير الواجب، لمنع الضرر.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 187) . 34 - تثبت الشفعة فيما يقبل قسمة الإجبار (وهو ما يمكن قسمته دون ضرر) باتفاق الأئمة، وكذلك تئبت فيما لا يقبل القسمة على القول الصحيح؛ لأن الشفعة شرعت لتكميل الملك على الشفيع، لما في الشركة من الضرر، فإذا ثبتت فيما يقبل القسمة، فما لا يقبل القسمة أولى بثبوت الشفعة فيه، لأن الضرر فيما يقبل القسمة يمكن رفعه بالمقاسمة، وما لا يمكن فيه القسمة يكون ضرر المشاركة فيه أشد، فتشرع الشفعة لرفع الضرر.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 189، الندوي 1/ 152، عن المازري المالكي) . 35 - قسمة العين المشتركة إذا لم يكن تفريقها وتبعيضها مضراً بأحد الشركاء فهي قابلة للقسمة، ولا تجري القسمة (الجبرية) في العين المشتركة إذا كان تبعيضها وقسمتها يضر بكل واحد من الشركاء (الندوي 2/ 154 عن مجلة الأحكام العدلية، وعن الباجي المالكي) . المستثنى يجوز معاقبة المجرمين، وإن ترتب على العقوبة ضرر بهم، لأن فيها عدلاً، ودفعاً لضرر أعم وأعظم.. (الزرقا ص 175، الدعاس ص 23) . ولذلك يرد قيد على القاعدة وهو نفي الضرر إن كان بغير حق. ويتفرع عن هذه القاعدة قواعد فرعية أخرى، تبلغ إحدى عشرة قاعدة وهي الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 القاعدة: [20] 1 - الضرر يدفع بقدر الإمكان (م/31) التوضيح الضرر لا يقره الشرع نهائياً، ويجب دفعه قبل وقوعه ما أمكن، لأن الوقاية خير من العلاج، كما يدفع الضرر بقدر الإمكان كلياً إن أمكن، وإلا فبقدر ما يمكن، بأن كان يجبر بعوض فيجبر به، أما إذا لم يمكن دفعه بالكلية، ولا جبره فإنه يترك على حاله. التطبيقات 1 - شرع الإسلام الجهاد لمقاومة الأعداء، ودفع الضرر منهم. (الدعاس ص 25) . 2 - أوجب الشرع العقوبة على الجاني لقمع الإجرام، فيكون عبرة لغيره. (الدعاس ص 25) . 3 - أقر الشرع حق الشفعة منعاً لضرر الجار أو الشريك. (الدعاس ص 25) 4 - عفا بعض أولياء القتيل عن القصاص فينقلب نصيب الباقين دية لدفع الضرر عنهم. (الزرقا ص 207) . 5 - يجب ردّ المغصوب عيناً إذا كان سليماً لدفع الضرر عن المالك، فإن ذهبت عينه يجبر الضرر برد مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً، سواء كان ذهاب العين حقيقياً كالطعام إذا أكله الغاصب، أو حكمياً كما إذا كان شاة فذبحها وطبخها، أو حنطة فطحنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وإن كان المغصُوب غير سليم وأصابه عيب فاحش فوت بعض منافعه فإن لم يكن المال ربوياً فيتخير المالك في جبر الضرر بين أخذه وتضمين الغاصب ما نقص بالعيب، أو طرحه عليه وتضمينه القيمة، وإن كان ربوياً يتخير بين أخذه معيباً بلا ضمان النقصان، أو طرحه عليه وتضمينه مثله أو قيمته من خلاف جنسه، وإن كان العيب غير فاحش، وهو ما فوت الجودة ونقص المالية كالحرق اليسير فإن جبر الضرر يتعين بأخذه، وتضمين النقصان إلا في الربوي فيكون حكمه ما سبق. (الزرقا ص 257) . 6 - الحجر على المفلس، منعاً للضرر عن الدائنين. (السدلان ص 510) . 7 - لو امتنع الأب عن الإنفاق على ولده القاصر أو العاجز يحبس لدفع ضرر الهلاك عن الولد. (السدلان ص 510) . 8 - منع القاضي للمدين من السفر بناء على طلب الدائن أو يوكل وكيلاً بالخصومة. (السدلان ص 511) .. المستثنى إذا لم يمكن دفع الضرر بالكلية، ولا جبره فإنه يترك على حاله، كما إذا أخرج المشتري المبيع عن ملكه، ولم يكن حدث عنده ما يمنع الرد، ثم اطلع على عيب قديم فيه فإنه لا يرجع بنقصان العيب، للقاعدة الفقهية الأخرى " تبدل سبب الملك كتبدل الذات " (م/97) . أما لو هلك بيده أو وقفه فإنه يرجع بنقصان العيب. (الزرقا ص 257 - 208) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 القاعدة: [21] 2 - الضرر يُزال (م/30) الألفاظ الأخرى - الضرر المُزَال. التوضيح الضرر يجب إزالته، لأن الأخبار في كلام الفقهاء للوجوب، فيجب رفع الضرر بعد وقوعه، وهذه إحدى) لقواعد بشأن الضرر، من حظر وقوعه، ووجوب إزالته بعد الوقوع. وأصل هذه القاعدة أنها استنبطت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ضرر ولا ضرار" وهو حديث حسن. قال السيوطي: "اعلم أن هذه القاعدة يبنى عليها كثير من أبواب الفقه. . ويتعلق بها قواعد". التطبيقات 1 - من سلط ميزابه على الطريق العام بحيث يضر بالمارين فإنه يزال، ويضمن المتلف عوض ما أتلف للضرر الذي أحدثه. (الدعاس ص 25) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 2 - لو استقرض من الفلوس النافقة مبلغاً، فكسدت، فعليه قيمتها عند الصاحبين، ورجح قولهما، ثم إنهما اختلفا، فقال محمد: عليه قيمتها في آخر أيام رواجها، وقال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم القبض، وعليه الفتوى، وبأنه أنظر للمقرض من قول محمد، وأيسر، لأن ضبط قيمته يوم الانقطاع عسر، وكما رجحوا قول أبي يوسف في كساد الفلوس رجحوا قوله أيضاً فيما لو غلت أو رخصت بأنه تحب قيمتها يوم البيع لو كانت ثمناً ويوم القبض لو كانت قرضاً. (الزرقا ص 179) . 3 - لو استقرض طعاماً بالعراق، فأخذه المقرض بمكة مثلاً، وقيمة الطعام فيها أغلى أو أرخص، فعليه قيمة الطعام يوم القرض في بلد المقرض عند أبي يوسف، وقوله الراجح. فإيجاب قيمة الفلوس يوم صيرورتها ديناً في الذمة بالقبض أو بالبيع، وإيجاب قيمة الطعام في بلد القرض مع أنهما مثليان أيضاً، إزالة للضرر عن المقرض والبائع فيما إذا رخصا، وعن المستقرض والمشتري فيما إذا غلوا. (الزرقا ص 180) . 4 - مشروعية خيار التغرير القولي في البيع إذا كان معه غبن فاحش، سواء كان التغرير من البائع للمشتري، أو من المشتري للبائع، أو كان من الدلال لأحدهما، فإن المغرور يخير بين إمضاء البيع أو فسخه واسترداد ماله من مبيع أو ثمن. (الزرقا ص 180) . 5 - مشروعية ضمان التغرير، فإن الغار يضمن للمغرور ما تضرر بسبب تغريره له، وذلك في ثلاث مسائل: أ - أن يكون التفرير واقعاً في ضمن عقد المعاوضة، ولو كان فاسداً، أو كان غير مالي كعقد النكاح، فلو باع مال غيره فضولاً، وقبض ثمنه، فهلك في يده ولم يجز المالك بيعه، وكان المشري حين دفع الثمن له لا يعلم أنه فضولي، فإنه يضمن له الثمن. وكذا لو زوجه امرأة على أنها حرة، فولدت منه، ثمَّ ظهرت أمة، واستحقت، وضمنه المستحق قيمة الولد، لأن ولد المغرور حر بالقيمة، رجع على المزوِّج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وكذا لو قال رجل لآخر: "بايع ابني هذا"، أي أضافه لنفسه، وأمره بمبايعته، " فقد أذنت له بالتجارة! فبايعه، ثم ظهر أنه ابن الغير، فإن المأمور يرجع على الآمر بثمن ما باعه. وكما لو اشترى داراً مثلاً، ثم بنى فيها، ثم استحقت، وقلع بناءه، فإن له أن يسلم النقض لبائعه ويرجع عليه بقيمة البناء مبنياً يوم تسليمه، سواء كانت أكثر من قيمته يوم بناه، أو أقل، وقولهم: "شرى داراً ثم بنى فيها. . " للاحتراز عما إذا بنى الدار، ثم اشترى أرضها، فاستحقت، فإنه لا يرجع والحالة هذه بقيمة البناء، لكون البناء قبل الشراء، فلم يكن في ضمن المعاوضة. ثم إذا رجع المشتري المغرور على البائع الغارّ بقيمة البناء إذا سلمه النقض، فإنما يرجع بما يمكن نقضه وتسليمه، وله قيمة، فلا يرجع بما لا قيمة له بعد النقض كتطيينها، وكما لا يرجع في ذلك لا يرجع فيما غرمه المستحق لقاء منفعة استوفاها. كما لو نقصت الأرض المستحقة بزراعة لها، وضمّنه المستحق نقصانها، فإنه لا يرجع على بائعه بما ضَمِنه لنقصانها، وكما لو ظهرت الدابة المشتراة وقفاً، أو ليتيم أو معدة للاستغلال، فضمّنه المستحق بدل منفعتها عن المدة الماضية عنده، فإنه لا يرجع على بائعه بما ضمِنه من البدل، لأنه كان لقاء منفعة استوفاها، بالزراعة في الأولى، وبالسكنى بالفعل، أو بالتمكن منها، في الثانية. ب - أن يكون التغرير في ضمن قبض يرجع نفعه إلى الدافع، كوديعة وإجارة، فلو هلكت الوديعة أو العين المأجورة، ثم استحقت، وضمن المستحق الوديع أو المستأجر رجع بما ضمنه على الدافع من مودِع أو مؤجر. ومثل الوديعة والإجارة المذكورين الرهنُ، فلو رهنه عيناً، ثم هلكت في يده ثم استحقت وضمنها المستحق للمرتهن، رجع على الدافع، وهو الراهن، بما ضمن. جـ - إذا ضمن الغار للمغرور صفة السلامة نصاً، كما إذا قال لآخر: "اسلك هذا الطريق، فإنه آمن، وإن سلكته وأخذ مالك فأنا ضامن " فسلكه وأُخذ مالُه فإنه يضمن. (الزرقا ص 180 - 182) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وإن ضمان التغرير ليس محصوراً في المسائل الثلاث المذكورات. وهناك مسائل أخر، منها: أ - إذا أعار لغيره أرضاً مدة معلومة للبناء أو للغراس، فبنى المستعير فيها أو غرس، ثم رجع المعير قبل انتهاء المدة المضروبة، فإن له أن يكلفه قلع البناء والغرس، ويضمن المعير للمستعير ما نقص البناء والغرس بالقلع، وذلك بأن يُقوَّم قائماً إلى نهاية المدة، ويقوَّم مقلوعاً - أي مستحقاً للقلع في الحال - فيضمن فرق ما بينهما بسبب تغريره له بالتوقيت، ثم رجوعه قبل انتهاء الوقت، فلو قُوِّم مستحق القلع بخمسة مثلاً، وقوم مستحق البقاء إلى نهاية المدة بعشرة، يضمن للمستعير فرق ما بينهما وهو خمسة. (الزرقا ص 182) . ب - لو أمر غيره بالحفر في جدار دار، وهو ساكن فيها، وهي لغيره، فحفر، فضمّن المالك الحافر، فإنه يرجع بما ضمن على الآمر إذا كان لا يعلم أن الدار لغيره، لأنه غرَّه، وكذا يرجع عليه لو لم يكن ساكناً في الدار، ولكن قال له: احفر لي، فإنه يعدّ مغروراً من قبله، فيرجع عليه. (الزرقا ص 182) . ص - إن شهود القيمة أو القسمة إذا قوموا أموال اليتامى والأوقاف بغبن فاحش، وهم يعلمون، أو غبنوا الوقف في الاستبدال، أو أخبروا بوجود المسوغ، ولم يكن هناك مسوغ، وهم عالمون بذلك، فإنهم يضمنون النقص. وكون المال المقوم وقفاً أو ليتيم غير قيد، بل خرج مخرج الغالب المعتاد من التساهل في مالهما، وإلا فغير الوقف ومال اليتيم كذلك. وعرف الحنفية الغبن الفاحش بأنه: ما لا يدخل تحت تقويم المقومين من أهل الخبرة، فلو قوّم السلعة أحدهما بمئة درهم، وقومها الثاني بخمسة وتسعين، وقومها الثالث بتسعين مثلاً، فبيعها بما بين التسعين والمئة فيه غبن يسير، وبالتسعين مما دونها غبن فاحش للبائع، وبالمئة فما فوقها غبن فاحش للمشتري، ثم حدد المتأخرون من الفقهاء الغبن الفاحش، للتيسير في الفتوى والقضاء والتطبيق بأنه ما بلغ خمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 القيمة في العقار، وعشرها في الحيوان، ونصف العشر في العروض وسائر المنقولات، وأخذت بهذا مجلة الأحكام العدلية (م/ 165) . (الزرقا ص 182) . 6 - لو قال الطحان لرب البُرِّ: اجعل البُرَّ في الدلو، فجعله فيه، فذهب من الثقب إلى الماء، والطحان عالم به، يضمن، إذ غره في ضمن العقد، وهو يقتضي السلامة. وهذا يفيد أن الغرور الموجب للرجوع في ضمن عقد المعاوضة لا يشترط فيه أن يكون في صلب العقد، بل يكفي أن يكون مترتباً عليه. (الزرقا ص 183) " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 القاعدة: [22] 3 - الضرر لا يزال بمثله (م/25) الألفاظ الأخرى - الضرر لا يزال بالضرر - زوال الضرر بلا ضرر التوضيح هذه القاعدة قيد لقاعدة "الضرر يزال" (م/ 20) أي أن الضرر يزال في الشرع إلا إذا كانت إزالته لا تتيسر إلا بإدخال ضرر مثله على الغير، فحينئذ لا يرفع ولا يزال بضرر مثله، ولا بما هو فوقه بالأوْلى، ولا بما هو دونه، فلا يزال ضرر امرئ بارتكاب ضرر امرئ آخر، لأن الخلق كلهم عيال الله، فساوى بينهم في الاحترام. وفي هذه الحالة يجبر الضرر بقدر الإمكان، فإن لم يمكن جبره فإنه يترك على حاله، فيجب إزالة الضرر شرعاً من غير أن يلحق بإزالته ضرر آخر. التطبيقات 1 - لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره. (الدعاس ص 25) . 2 - لا يجوز للإنسان أن يحفظ ماله بإتلاف مال غيره. (الدعاس ص 25) . 3 - لا يجوز للمضطر أن يتناول طعام مضطر آخر، ولا أن يأكل بدن آدمي (الدعاس ص 25، الزرقا ص 196، اللحجي ص 44، السدلان ص 512) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 4 - إذ اطلع المشتري على عيب قديم، وقد تعيب البيع عنده امتنع الرد، ورجع المشتري على بائعه بما يقابل الثمن، إلا إذا رضي البائع بأخذه معيباً، فيأخذه، ويرجع جميع الثمن. (الزرقا ص 195، السدلان ص 512) . 5 - إذا انهدم البناء، وأراد صاحب العلو بناء السفل المهدم ليضع عليه علوه، وأي الآخر، فلا يجبر الآبي على العمارة، ولكن ينفق صاحب العلو من ماله على البناء، وبمنع صاحبه من الانتفاع إلى أن يدفع له ما أنفقه على البناء إن كان بناه بإذنه، أو بإذن الحاكم، وإلا فحتى يدفع له قيمة البناء يوم بناه. (الزرقا 195) . 6 - إذا امتنع الراهن عن الإنفاق على العين المرهونة، فإنه لا يجبر على الإنفاق، لأن الإنسان لا يجبر على الإنفاق على ملكه، ولكن الحاكم ياذن للمرضهن بالإنفاق عليها، ليكون ما ينفقه ديناً على الراهن، لأن حق المرتهن تعلق بمالية المرهون وحبس عينه، ولا يمكن ذلك بدون الإنفاق عليه لتبقى العين. (الزرقا 195) . 7 - إذا تعسرت ولادة المرأة، والولد حي يضطرب في بطنها، وخيف على الأم، فإنه يمنع تقطيع الولد لإخراجه، لأن موت الأم به أمر موهوم. (الزرقا ص 196) . 8 - عدم وجوب العمارة على الشريك في الجديد. (اللحجي ص 44) . 9 - عدم إجبار الجار على وضع الجذوع لجاره. (اللحجي ص 44) . 10 - عدم إجبار السيد على نكاح الأمة التي لا تحل له. (اللحجي ص 44) . 11 - لا يجوز للمضطر أن يقتل ولده أو عبده ليأكله، ولا يجوز له أن يقطع فلذة من نفسه إن كان الخوف من القطع كالخوف من ترك الأكل أو أكثر. (اللحجي ص 44) . 12 - لا يجوز قطع السَّلعة الخوفة من الرأس. (اللحجي ص 44) . 13 - لو سقط إنسان على جريح، فإن استمر قتله، وإن انتقل قتله، كفاه أن يستمر، لأن الضرر لا يزال بالضرر. (اللحجي ص 44) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 14 - لو كانت الزوجة ضيّقة الفرج لا يمكن وطؤها إلا بإفضائها، فليس له الوطء. (اللحجي ص 44) . 15 - لا يحوز لمن أكره على القتل بالقتل أن يقتل، إذ كان قتله مسلماً بغير وجه حق. (السدلان ص 512، (ابن تيمية، الحصين 195/1) . 16 - الطلول التي يجني منها النحلُ العسل، لا يحق لصاحب الأرض أن يأخذ عليها مالاً، لكن إن كان لصاحب الأرض نحل، فنحله أحق به، وإذا كان جني تلك النحل يضر به فله المنع من ذلك؛ لأن الضرر الواقع على صاحب النحل لعدم السماح لنحله بالجني من الطلول لا يزال بإحداث ضرر على صاحب الأرض.. (ابن تيمية، الحصين 196/1) . 17 - من استأجر أرضاً، وغرس فيها غراساً وأثمر، وانتهت مدة الإيجار، فليس لأهل الأرض قلع الغراس، بل لهم المطالبة بأجر المثل، أو تملك الغراس بقيمته، أو ضمان نقصه إذا قلع، وما دام باقياً فعلى صاحبه أجرة مثله، لأن الضرر الواقع عليه ببقاء زرعه في أرضه لا يزال بإحداث ضرر على المستأجر بإفساد زرعه.. (ابن تيمية، الحصين 196/1) . 18 - نص أحمد في فسخ البائع أنه لا ينفذ بدون رد الثمن. واختار ابن تيمية ذلك، وقد يتخرج مثله في سائر المسائل؛ لأن التسليط على انتزاع الأموال قهراً - إن لم يقترن به دفع العرض، وإلا حصل به ضرورةً - فسادٌ، وأصل الانتزاع القهري إنما شرع لدفع الضرر، والضرر لا يزال بالضرر. (ابن رجب 1/ 360، ابن تيمية، الحصين 197/1) . المستثنى يستثنى من القاعدة ما لو كان أحدهما أعظم ضرراً، ولا بدَّ من فعل أحدهما، فإنه يرتكب أخف الضررين، وله فروع: 1 - شرع القصاص، والحدود، وقتال البغاة، وقاطع الطريق، ودفع الصائل، لأن الضرر الواقع خاص، وأخف بكثير من الضرر العام. (اللحجي ص 44) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 2 - يجوز شق جوف المرأة الميتة إذا رُجي حياة الجنين. (اللحجي ص 44) . 3 - يجوز النكاح والوطء على ضرر إزالة البكارة. (اللحجي ص 44) . 4 - شرع الفسخ بعيب المبيع، وبالإعسار عن دفع الثمن. (اللحجي ص 44) . 5 - يجوز إجبار المدين على قضاء الديون. (اللحجي ص 44) . فائدة: شمول هذه القاعدة وأهميتها قال ابن النجار الفتوحي الحنبلي رحمه الله تعالى: "وهذه القاعدة "زوال الضرر بلا ضرر" فيها من الفقه ما لا حصر له، ولعلها تتضمن نصفه. فإن الأحكام إما لجلب المنافع أو لدفع المضار، فيدخل فيها دفع الضروريات الخمس التي هي حفظ الدين والنفس والنسب والمال والعرض " ثم قال: "وهذه القاعدة ترجع إلى تحصيل المقاصد وتقريرها بدفع المفاسد أو تخفيفها لا ثم قال: "ومما يدخل في هذه القاعدة "الضرورات تبيح المحظورات " ثم عرض الأمثلة التطبيقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 القاعدة: [23] 4 - الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف (م/27) الألفاظ الأخرى - يختار أهون الشرين (م/ 29) . - يختار أهون الشرين أو أخف الضررين. - يدفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما. - إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر الأكبر. - يدفع شر الشرين. التوضيح إن الضرر ليس على درجة واحدة، وإنما يتفاوت في ذاته، وفي آثاره، والضرر يجب رفعه لقاعدة: الضرر يزال (م/ 19) وقاعدة: لا ضرر ولا ضرار. (م/ 18) ولكن إذا لم يمكن إزالة الضرر نهائياً، وكان بعضه أشد من بعض، ولا بدَّ من ارتكاب أحدهما، فتأتي هذه القاعدة: الضرر الأشد يزال ويرفع ويتجنب بارتكاب الضرر الأخف. وذلك لعظم الأول على الثاني، وشدته في نفسه، أو لأن الضرر الأول عام يعمُّ أثره، والضرر الثاني خاص وينحصر أثره، فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة (1) .   . (1) قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: " فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بقدر الإمكان، ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً (مجموع الفتاوى 23/343) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 والأدلة على ذلك كثيرة كقوله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) . والقتال في المسجد الحرام [البقرة: 217/2] وقتال الفئة الباغية حتى ترجع [الحجرات: 49/ 9] وحديث بول الأعرابي في المسجد والأمر بتركه ثم إلقاء الماء عليه. التطبيقات 1 - الطلاق فيه ضرر، ومع ذلك يرتكب وتطلق الزوجة للضرر والإعسار؛ لأنه ضرر أشد. (الدعاس ص 25) . 2 - يجوز للمضطر تناول الميتة، مع أن أكل الميتة فيه ضرر، ولكن ضرر الهلاك أشد. (الدعاس 26، الونشريسي ص 230) . 3 - يجوز للمضطر أكل مال الغير بدون إذنه، لأن ضرر الهلاك أشد من ضرر الغير بأكل ماله، لكنه يضمن. (الدعاس 26) . 4 - إذا عجز مريد الصلاة عن ستر العورة أو استقبال القبلة، فإنه يصلي كما قَدِرَ.. (الدعاس 26) . 5 - تجب النفقة في مال الموسرين لأصولهم وفروعهم، لكن لا يشترط في نفقة الأبوين اليسار، بل إذا كان كسوباً ضمهما إليه، كما تجب نفقة الأرحام المحارم من النسب المحتاجين. (الزرقا ص 199، السدلان ص 532) . 6 - يحبس من وجبت عليه النفقة إذا امتنع عن أدائها، ولو نفقة ابنه، ويجوز ضربه في الحبس إذا امتنع عن الإنفاق. (الزرقا ص 119) . 7 - إذا بنى شخص بناء، أو غرس في العرصة لسبب شرعي، كما لو ورث إنسان أرضاً فبنى فيها، أو غرس، ثم استحفت فإنه ينظر إلى قيمة البناء أو الغراس مع قيمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 العرصة، فأيهما كان أكثر قيمة يتملك صاحبه الآخر بقيمته جبراً على مالكه. (الزرقا ص 119، السدلان ص 531، (ابن رجب 119/2) . 8 - البيع الفاسد يجب رذُه درءاً للفساد، فإذا فات بالتصرف فيه، أو بيعه، أو تغيره، وجب إمضاؤه بالقيمة، وصار له حكم آخر، ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص 159) . 9 - المحتكر الذي يجمع السلع من السوق وقت قلتها، ليبيعها وتت الغلاء، تؤخذ منه السلع جبراً، وتباع للناس، ويعطى رأس ماله فقط، ارتكاباً لأصغر الضررين بدفع أعظمهما. (الغرياني ص 159، الونشريسي ص 370) . 10 - يجبر جار المسجد، وجار الطريق، وصاحب ممر الماء، على بيع أرضه أو داره، إذ ضاق المسجد، أو انهدمت الطريق، أو ممر الماء، لتوسعة المسجد والطريق وإصلاح ممر الماء، إذا تعين ولم يوجد غيره، تحصيلاً للمصلحة العامة، ودفعاً للضرر الأكبر بارتكاب أخف الضررين. (الغرياني ص 159، الونشريسي ص 357) . 11 - يجبر صاحب الماء على بيع الماء لمن به عطش يخاف الموت إذا كان معه ثمن، وإلا بذله مجاناً، ارتكاباً لأخف الضررين، وكذلك بيعه لمن له زرع تعطلت بئره ويخاف هلاكه ومعه الثمن. (الغرياني ص 160، الونشريسي ص 370) . 12 - يجوز للحكمين في الإصلاح بين الزوجين أن يحكما بخلع تدفعه المرأة إلى الزوج ليطلقها؛ إذا كانت الإساءة منها، أو كانت مشتركة، وعجزا عن الإصلاح، ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص 165، الونشريسي ص 371) . 13 - يجبر من كان له أسير كافر على بيعه، أو فدائه بأسير مسلم في يد الكفار، إذا شرطوه لإطلاق سراح المسلم الذي بأيديهم، لأن ضرر بقاء المسلم أسيراً لدى الكفار، أعظم من ضرر جبر المسلم على بيع ما تحت يده من أسارى الكفار، لما في الأول من المذلّة للمسلمين، والضرر في الدِّين. (الغرياني ص هـ 16، الونشريسي ص 371) . 14 - إذا وقع دينار في محبرة غير صاحب الدينار، ولم يمكن استخراجه إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 بكسرها، فإن صاحب القيمة الأقل منهما يجبر على البيع لصاحب القيمة الأكثر، ارتكاباً لأخف الضررين، ومثله لو لقطت دجاجة فصّاً لغير مالكها، أو ثور تعرضت قرونه بين غصني شجرة لمالك آخر، ولم يمكن تخليصه إلا بذبحه أو قطع الغصنين، فإنه ينظر إلى صاحب الأقل قيمة، فيجبر على البيع، وقيل: إن كانت قيمة الثور أقل ذبح، ومصيبته على صاحبه، وإن كانت قيمة الغصنين أقل قطعا، وعلى صاحب الثور قيمتهما. (الغرياني ص. 6 1، الونشريسي ص 371، (ابن رجب 2/ 119) . 15 - لو أن كبشاً أدخل رأسه في قِدْر لغير صاحبه، لا لسبب من أحد مالكيهما، لم يضمن أحدهما شيئاً، وهو من جُرح العجماء، إلا أن تكون قيمة أحدهما أكبر من الآخر، فيجبر صاحب القليل على البيع لصاحب القيمة الأكبر، ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص 161، الونشريسي ص 371، (ابن رجب 2/ 119) . 16 - لو أن جملين اجتمعا في مكان ضيق، ولم يمكن نجاة أحدهما إلا بعقر الآخر، فإنه ينحر أقلهما قيمة، ويشترك صاحبهما في القيمة، ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص ا16، الونشريسي ص 371) . 17 - لو تعين نجاة من في السفينة بإلقاء بعض ما فيها من المتاع في البحر، فإنه يرمى منها ما تكون به نجاتها، ارتكاباً لأخف الضررين، ويتقاعه أصحابها بقيمة ما معهم من المتاع. (الغرياني ص ا16، الونشريسي ص 371) . 18 - لو كان بالدار حيوان صغير فكبر، أو خوابي وأزيار، ولم يقدر بائع الدار على إخراجها إلا بكسر الباب، قال ابن عبد الحكم: لا يجبر صاحب الدار المشتري لها على كلسر بابه، ويذبح البائع حيوانه، ويكسر جراره، وقالط أبو عمران الفاسي: القياس أن يهدم الباب، وبناؤه على بائع الدار صاحب الحيوان. (الغرياني ص 163، (ابن رجب 2/ 119) . 19 - من غصب خيطاً لربط جرح، أو دواء لعلاج مريض، كان للمالك رده إن كان لا يستلزم إتلاف عضو آدمي محترم، أو حدوث مرض مخوف، بسبب ردّه، فإن استلزم ذلك أجبر على أخذ القيمة، ارتكاباً لأخف الضررين، فإن استلزم تأخير البرء دون إتلاف عضو مختلف فيه. (الغرياني ص 162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 20 - إذا أمكن لإنسان ألا يُقدّم مُظهِراً للمنكر في الإمامة وجب ذلك، لكن إذا ولاّه غيره، ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان هو لا يتمكن من صرفه إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهره من المنكر، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 209) . 21 - إذا لم يمكن منع المظهر للبدعة رالفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته، لم يجز ذلك، بل يصلي خلفه ما لا يمكنه فعلها إلا خلفه، كالجمع والعيدين والجماعة إذا لم يكن هناك إمام غيره، فإن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بإمامٍ فاجر، لاسيما إذا كان التخلف عنهما لا يدفع فجوره.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 209) 22 - لم تكن من عادة السلف على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام، كما يفعله كثير من الناس. .، والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم خير القرون. وينبغي للمطاع ألا يقر ذلك مع أصحابة، بحيث إذا رأوه لم يقوموا له، إلا في اللقاء المعتاد، ولكن إذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام له، لأن ذلك إصلاح لذات البين، وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس له في ترك ذلك إيذاء له، وجماع ذلك الذي يصلح اتباع عادات السلف وأخلاقهم، والاجتهاد عليه بحسب الإمكان، فمن لم يعتقد ذلك، ولم يعرف أنه العادة، وكان في ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 210) . 23 - العقوبة إذا أمكن ألا يُتعدى بها الجاني كان ذلك هو الواجب، ومع هذا فإن كان الفساد في ترك عقوبة الجاني أعظم من الفساد في عقوبة من لم يجن، دُفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، وهذا معنى قول السلف: لئن أخطئ في العفو، أحب إلي من أن أخطئ في الظلم.. (ابن تيمية، الحصين 211/1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 24 - بيع الغرر نهي عنه لما فيه من الميسر والقمار المتضمن لأكل المال بالباطل. فإذا كان في بعض الصور من فوات الأموال وفسادها ونقصها على أصحابها بتحريم البيع أعظم مما فيه من حله، لم يجز دفع الفساد القليل بالتزام الفساد الكثير.. ومن أمثلة ذلك بيع المغيبات في الأرض كالجزر واللفت، وبيع المقاثي كالبطيخ فيجوز مع الغرر؛ لأن الضرر فيه أخف من منعه.. (ابن تيمية، الحصين 218/1) . 25 - إذا كان الناس قد التزموا ألا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون، لا تُباع السلعُ إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلو باع ذلك غيرهم منع، فهاهنا يجب التسعير عليهم لما في ذلك من الفساد، ويجبرون على البيع بقيمة المثل، والشراء بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد العلماء.. (ابن تيمية، الحصين 222/1) . 26 - من كان في ماله شبهة، أو في بعض موارده شيء محرم، أو مشتبه بمحرم، فإنه يجعل الحلال الطيب لأكله وشربه، ثم الذي يليه للناس، ثم الذي يليه لعلف الجمال والدواب، لأن الله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . فعلى كل إنسان أن يتقي الله ما استطاع، وما لم يمكن إزالته من الشَّر يخفف بحسب الإمكان.. (ابن تيمية، الحصين 223/1) . 27 - لو وضعت مظلمة على أهل قرية أو درب أو سوق أو مدينة، فتوسط رجل منهم محسن في الدفع عنهم بغاية الإمكان، وقسطها بينهم على قدر طاقتهم، من غير محاباة لنفسه ولا لغيره، ولا ارتشاء، بل توكل لهم في الدفع عنهم والإعطاء كان محسناً؛ لأن ما لا يمكن إزالته من الشر يخفف بقدر الإمكان.. (ابن تيمية، الحصين 1/224) . 28 - لو باع داراً فيها ناقة لم تخرج من الباب إلا بهدمه، فإنه يهدم، ويضمن للمشتري النقص. (ابن رجب 118/2) . 29 - لو حمل السيل إلى أرضه غرس غيره، فنبت فيها، فقلعه مالكه، فعليه تسوية حفره. (ابن رجب 2/ 119) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 المستثنى 1 - لو غصب إنسان أرضاً فبنى فيها أو غرس، ثم طلبها مالكها فإن الغاصب يؤمر بقلع البناء أو الغرس مهما بلغت قيمته، ولو كان الضرر أشد عليه، إلا إذا كان قلعهما يضر بالأرض، فإن المالك يتملكهما بقيمتها مستحقين للقلع (م/906) . (الزرقا ص 119) .. (ابن تيمية، الحصين 1/196، (ابن رجب 2/109) . 2 - من غصب حجراً، أو خشبة وبنى عليها بناء، أو لوحاً وسمَّره في سفية، فقيل: يخير المغصوب منه بين نقض البناء وأخذ حجره أو خشبه، وبين أن يتركه ويأخذ قيمته، لأن الآخر غاصب، وهو أحق بالتشديد عليه، استثناء من القاعدة. وقيل: يجبر المغصوب منه على أخذ القيمة ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص 162) . 3 - لو غصب فصيلاً وأدخله داره، وكبر وتعذر إخراجه بدون هدمها، فإنها تهدم من غير ضمان لتفريطه، وكذلك إذا غصب غراساً وغرسه في أرضه، فإنه يقلع ولا يضمن حفره. (ابن رجب 2/ 119) . 4 - لو غصب ثوباً فصبغه، ثم طلب قلع صبغه، فعليه ضمان نقص الثوب بذلك، كما لو غرس الأرض التي غصبها، ثم قلع غرسه. (ابن رجب 2/ 119) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 القاعدة: [24] 5 - يُختار أهون الشَّرين (م/19) الآلفاظ الأخرى - الضرر الأشد، يزال بالضرر الأخف (م/ 27) . - يدفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما. - إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (م/ 28) . - تحتمل أخف المفسدتين لدفع أعظمهما. - إذا اجتمع مكروهان، أو محظوران، أو ضرران، ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما. التوضيح إن الشريعة جاءت لمنع المفاسد، فإذا وقعت المفاسد فيجب دفعها ما أمكن، وإذا تعذر درء الجميع لزم دفع الأكثر فساداً فالأكثر، لأن القصد تعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فإذا اضطر إنسان لارتكاب أحد الفعلين الضارين، دون تعيين أحدهما، مع تفاوتهما في الضرر أو المفسدة، لزمه أن يختار أخفهما ضرراً ومفسدة. لأن مباشرة المحظور لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة، والضرورة تقدر بقدرها. ومراعاة أعظم الضررين بإزالته، لأن المفاسد تراعى نفياً، والمصالح تراعى إثباتاً. ومستند هذه القاعدة قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فبين الله تعالى أن مفسدة أهل الشرك في الكفر بالله، والصد عن هداه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنة أهله، أكبر عند الله، وأعظم مفسدة من قتالهم في الشهر الحرام، فاحتملت أخف المفسدتين لدفع أشدهما وأعظمهما. وكذلك في صلح الحديبية فإن ما فيه من ضيم على المسلمين، استشكله عمر رضي الله عنه، أخفُّ ضرراً ومفسدة من قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا متخفين بدينهم في مكة، ولا يعرفهم أكثر الصحابة، وفي قتلهم مَعَرَّة عظيمة على المؤمنين، فاقتضت المصلحة احتمال أخف الضررين لدفع أشدهما، وهو ما أشار إليه قوله عز وجل:. (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) . التطبيقات 1 - جواز أخذ الأجرة على ما دعت إليه الضرورة من الطاعات، كالأذان. والإمامة وتعليم القرآن والفقه. (الزرقا ص 251) . 2 - جواز السكوت عن إنكار المنكر إذا كان يترتب على إنكاره ضرر أعظم. (الزرقا ص 201، الدعاس ص 26، السدلان ص 532) . 3 - جواز طاعة الأمير الجاثر، إذا كان يترتب على الخروج عليه شر أعظم. (الزرقا ص 201) . 4 - جواز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته. (الزرقا ص 202، الدعاس ص 26، الغرياني ص 158، السدلان ص 351) . 5 - إذا وقع إنسان بين أمرين: أحدهما أهون من الآخر، كما إذا هُدد بالقتل على أن يرمي نفسه من مكان مرتفع عن الأرض مقدار ثلاثة أمتار، يجب عليه رمي نفسه لاحتمال النجاة، فيختار أهون الأمرين. (الدعاس ص 26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 6 - إذا هدد شخص بالقتل على أن يرمي نفسه من مكان عالٍ كالمنارة فله الخيار، لكون المفسدتين متساويتين. (الدعاس ص 26) . 7 - إذا اجتمع مصلون عراة في الضوء ليس لهم ما يستر عوراتهم، قيل؛ يصلون جلوساً بالإيماء، تقليلاً لمفسدة النظر إلى العورات ما أمكن، بمقتضى القاعدة. وقيل: يصلون بالقيام ويغضون أبصارهم. تحصيلاً لمصلحة أداء الصلاة على وجهها. (الغرياني ص 158، الونشريسي ص 235) . 8 - إذا ماتت الأم، وفي بطنها جنين ترجى حياته، أو مال نفيس، جاز بقر بطنها، فارتكبت مفسدة انتهاك حرمة الميت تحصيلاً لمصلحة أعظم. (الغرياني ص 158) . 9 - المضطر إذا لم يجد ما يأكله إلا ميتة الآدمي، وخاف الموت المحقق إذا لم يأكل، جاز له أن يأكل ما يمنعه من الموت، ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص 158، الونشريسي ص 236) . 10 - صحح المالكية نكاح الزوج الثاني إذا بنى بالمرأة التي وكلت وكيلين، وعقدا لها معاً، دون أن يعلم أحدهما بإنكاح الآخر؛ لأن إمضاء النكاح الذي صحبه الدخول أو التلذذ بالمرأة أقل مفسدة من إمضاء النكاح الذي لم يصحبه دخول. (الغرياني ص 158) . 11 - تصحيح النكاح الذي فسد صداقه - لكونه خمراً أو مجهولاً - بصداق المثل إذا حصل معه دخول، ارتكاباً لأخف الضررين. (الغرياني ص 159) . 12 - يفسخ نكاح المرأة الشريفة، التي يتولى نكاحها بالولاية العامة أحد المسلمين مع وجود قريب لها غير مجبر كالأخ، قبل الدخول، فإذا حصل دخول، وطال الأمر كمضي ثلاث سنين أو ولادة ولدين، أقر النكاح ارتكاباً لأخف الضررين ما داء صواباً. (الغرياني ص 159، الونشريسي ص 236) . 13 - امتنع القصاص من الأب في قتل ابنه، لأن شرط القصاص في قتل العمد أن يكون عدواناً، وهذا الشرط منتف في حق الأب، لما جبل عليه طبعه من الشفقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 والمحبة المغروزة فيه خلقةً، إلا إذا أفصح عن ذلك بأن أضجعه وذبحه بالسكين، وفيما سوى ذلك من ضروب العمد في جانب الأب فهو محمول على التأديب، لا على العدوان، الذي هو شرط القصاص، وبانتفائه ينتفي المشروط، وهو القصاص. (الغرياني ص 163) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 القاعدة: [25] 6 - إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما (م/28) الألفاظ الأخرى: - إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (م/28) - إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران، ولم يمكن الخروج عنهما، وجب ارتكاب أخفهما. - تحتمل أخف المفسدتين لدفع أعظمهما. - يختار أهون الشرين (م/ 29) . - ارتكاب إحدى المفسدتين لدفع أعلاهما (1) . - تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة ولا تترك لها. - دفع أعلى المفاسد بأدناها التوضيح جاءت الشريعة لتحقيق مصالح الناس بجلب النفع لهم، ودرء المفسدة عنهم.   . (1) قال (ابن رجب رحمه الله تعالى: "القاعدة الثانية عشر بعد المئة: إذا اجنمع للمضطر محرمان، كل منهما لا يباح بدون الضرورة، وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضرراً؛ لأن الزيادة لا ضرورة إليها. فلا تباح" تقرير القواعد، له 2/ 463. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فيجب دفع المفاسد كلها ما أمكن، فإن عرضت المفاسد، ولا يمكن دفعها كلها، فيجب اختيار المفسدة الأخف، وارتكابها، ودفع المفسدة الأعظم والأشد، ومراعاة أعظم المفسدتين تكون بإزالته، لأن المفاسد تراعى نفياً، والمصالح تراعى إثباتاً، لأن مقصود الشريعة تعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، واختيار المفسدة الأخف ضرراً تساعد على تجنب الأشد ضرراً، لأن مباشرة المحظور لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة. قال ابن النجار الفتوحي: "فدرء العليا منهما أولى من درء غيرها، وهذا واضح، يقبله كل عاقل، واتفق عليه أولو العلم ". ومستند هذه القاعدة قوله تعالى:. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) . فبين تعالى أن مفسدة أهل الشرك من الكفر بالله، وسبيل هداه، والصد عن المسجد الحرام، وإخراج أهله منه، وفتنة المؤمنين بالسعي لإرجاعهم إلى الشرك، أعظم من مفسدة قتال المشركين في الشهر الحرام، فاحتملت أخف المفسدتين لدفع أعظمهما، كقاعدة "يختار أهون الشرين " (م/ 29) ، فيجوز ارتكاب إحدى المفسدتين لدفع أعلاهما. ودليلها أيضاً حديث بول الأعرابي في المسجد، ونهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُزْرموه، لأن ذلك ضرر أعظم من تطهير محل البول. التطبيقات نفس تطبيقات قاعدة " يختار أهون الشرين " (م/ 29) وهي كثيرة، منها: 1 - جواز أخذ الأجرة على ما دعت إليه الضرورة من الطاعات كالأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه. (الزرقا ص 201) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 2 - جواز السكوت على المنكر إذا كان يترتب على إنكاره ضرر أعظم. (الزرقا 251، الدعاس ص 26) . 3 - جواز طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب على الخروج عليه شر أعظم. (الزرقا ص 201) . 4 - جواز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته. (الزرقا ص 202، الدعاس ص 26، الغرياني ص 158، المقري 2/ 457) . 5 - إذا طرأ فسق السلطان فلا يخرج عليه؛ لأن في الخروج شراً أعظم. (اللحجي ص 44) . 6 - إذا سَعّر الإمام فإنه ينفذ ويرتكب التسعير، ولا يخالف الإمام، لأن الخلاف أعظم ضرراً. (اللحجي ص 44) . 7 - يجوز التزوج من الأمة مع عدم الطول إذا خاف الزنا ابن عبد الهادي ص. 10، (ابن رجب 3/ 465) . 8 - يجوز الاستمناء باليد إذا عجز عن الزواج، ونكاح الأمة، وخاف الزنا.. (ابن عبد الهادي ص 100، (ابن رجب 3/ 465) . 9 - جواز الوطء للزوجة في صوم رمضان إذا خاف من الشَّبَق أن يشق أنثييه.. (ابن عبد الهادي ص 100) فيباح له الفطر لشبقه، وعدم إمكانه الاستمناء، واضطراره إلى الجماع في الفرج، فله ذلك. (ابن رجب 3/ 465) . 10 - جواز الخروج للمعتكف إذا خاف من الوقوع في فتنة. (ابن عبد الهادي ص 100) (1) . 11 - إذا وجد المحرِم صيداً وميتة، فإنه يأكل الميتة، نص عليه أحمد؛ لأن في أكل   . (1) قال ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى: "وهذه القاعدة يطَّرد فيها أكثر من ألف فرع من فروع الفقه" القواعد الكلية، له ص 100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الصيد ثلاث جنايات: صيده، وذبحه، وأكله، وأكل الميتة فيها جناية واحدة. (ابن رجب ص 464) . 12 - إذا ألقي في السفينة نار، واستوى الأمران في الهلاك: المقام في النار، وإلقاء النفوس في الماء، فيجوز له إلقاء النفوس في الماء أو لزوم المقام على روايتين، يصنع كيف شاء. (ابن رجب 468/3) . 13 - يجوز شق بطن الميت رجاء الولد، أو المال النفيس (المقري 2/ 457) . 14 - يجوز للمضطر أكل ميتة الآدمي (المقري 2/ 457) . 15 - القطط إذا عميت، وفرغ من منفعتها، وكذلك الحيوانات الصغيرة إذا قل طعام أمهاتها، يجوز ذبحها، وكذلك كل ما أيس من منفعته من الحيوان لكبر أو عيب، أو كان بسبب ضرراً، جاز ذبحه بارتكاب أخف الضررين. (الغرياني ص 162) . 16 - إذا كان بالبلد دواب اشتهرت بالعدو في زروع الناس وإفسادها، فإنها تباع على أصحابها بموضع لا زرع يخاف عليه منها، لنفي الضرر الأكبر بالضرر الأصغر. فإن تعذر طلب من أصحابها أن يتولوا حفظها، وإلا ضمنوا ما أفسدته. (الغرياني ص 162) . 17 - ينبغي للإمام أن يمنع من عرف بإصابة العين من مخالطة الناس، وأن يلزمه بيته، ويكف أذاه عنهم، وإن كان فقيراً أجرى عليه ما يكفيه، لأن ضرره أشد من ضرر آكل الثوم الذي منع من المسجد، ومن ضرر الدواب العادية في الزرع التي أمر بتغريبها وبيعها. (الغرياني ص 163) . 18 - مشروعية القصاص، والحدود، وقتال البغاة، وقاطع الطريق، ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله، ففي هذه الأمرر شرع الإسلام ارتكاب أخف المفسدتين. (السدلان ص 533) . 19 - الشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع، لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك، وهذه قاعدة الشريعة، وهي تحصيل أعظم المصلحتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما.. (ابن تيمية، الحصين 1/529) 20 - الاحتكار والتسعير مع تقدير الظروف والملابسات فيهما، فيجبر المحتكر على البيع بثمن المثل، وهو التسعير الخاص والعام عند الحاجة (الندوي 1/ 165) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 القاعدة: [26] 7 - يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام (م/26) التوضيح يجب رفع الضرر، لقاعدة: الضرر يزال (م/ 19) وقاعدة: لا ضرر ولا ضرار (م/ 18) . ولكن قد يصعب رفع الضرر نهائياً. وهنا يتفاوت الضرران قطعاً، ويكون أحد الضررين لا يماثل الآخر، في حقيقته، أو في آثاره، فيزال الأعلى بالأدق. وقد يكون عدم المماثلة لخصوص أحدهما، وعموم الآخر، فيرتكب الضرر الخاص، ويتحمله صاحبه، لدفع الضرر العام الذي يؤثر على المصلحة العامة؛ لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. التطبيقات 1 - يُحجر على الطبيب الجاهل، والمفتي الماجن، والمكاري المفلس، وإن تضرروا بذلك لدفع ضررهم على الجماعة في أرواحها ودينها ومالها (الزرقا ص 198، الدعاس ص 26، السدلان ص 535) . 2 - تزال الغرفة الوطية البارزة، والجناح الداني، والمسيل المضر، إذا كان في طريق العامة وإن كانت قديمة. (الزرقا ص 197، الغرياني ص 159) . 3 - يجب نقض الحائط المتوهن على صاحبه إذا كان في الطريق، دفعاً للضرر العام. (الزرقا ص 197) . 4 - يجب قتل قاطع الطريق إذا قتل بأي كيفية كانت بدون قبول عفو عنه من ولي القتيل، دفعاً للضرر العام. (الزرقا ص 197) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 5 - يجب حبس العائن، وقتل الساحر إذا أُخذا قبل التوبة، وقتل الخَنَّاق إذا تكرر منه ذلك، ويجب قتل كل مؤذٍ لا يندفع أذاه إلا بالقتل. (الزرقا ص 197) . 6 - يجوز التسعير إذا تعدى أرباب القوت في بيعه بالغبن الفاحش. (وفُسر هنا بضعف القيمة) وهذا مفرع على مقابل الصحيح؛ لأن الغبن الفاحش ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، كالخمس. (الزرقا ص 198، الغرياني ص 159، السدلان ص 535) . 7 - يجوز بيع الفاضل من طعام المحتكر عن قوته وقوت عياله إلى وقت السعة. (الزرقا ص 198، السدلان ص 535) . 8 - يمنع الشخص من اتخاذ حانوت للطبخ أو للحدادة مثلاً بين البزازين. (الزرقا ص 198) . 9 - يجوز تخريب العقارات المجاورة للحريق لمنع السريان بإذن الإمام. (م/ 919) فلو هدمها بغير إذن الإمام ضمن قيمتها معرضة للحريق. 10 - يجوز المرور في ملك الغير لإصلاح النهر العام كالفرات، لأن فيه دفع الضرر العام بارتكاب الضرر الخاص. (الزرقا ص 198) . 11 - يجبر صاحب الملك في أعلى الجبل على بيعه إذا احتاج الناس إليه لأمنهم، أو لمصلحة أخرى للأمة، وكذلك صاحب الجارية، أو الفرس يحتاج إليهما السلطان العادل، فيؤمر ببيعها، ويجبر على البيع إن أبى؛ لأن الضرر على الأمة بمنع السلطان أشد من الضرر الخاص الواقع على البائع. (الغرياني ص 160) . 12 - العراف، والضارب على الحظ، والساحر الذي لم تتوفر في حقه من البينة ما يقام به عليه الحد، يؤدبون ويعاقبون بالحبس، أو بالنفي إلى مكان لا يقدرون فيه على خداع الناس، حماية للعامة من أذاهم. (الغرياني ص 163) . 13 - جواز الرمي إلى كفار تترسوا بأسارى المسلمين، إذ المفسدة الحاصلة عن قتل عدد معين محصور من المسلمين أقل من الضرر الذي ينتج عن تقوية الكافرين وانتصارهم وقتلهم عدداً أكثر من المسلمين إن لم يكن جميعهم. (السدلان ص 536) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 14 - تقطع يد السارق، وتقطع أعضاء الجناة، ويقتلون، ويصلبون، ويعزرون، ويعاقبون، ويتم جرح الشهود عند الحكام؛ لأنه تترجح في ذلك المصلحة العامة، ويدفع الضرر عن الجماعة، وإن لَحِقَ الأذى والضرر الأفراد. (السدلان ص 536) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 القاعدة: [27] 8 - درء المفاسد أولى من جلب المنافع (م/30) الألفاظ الأخرى - درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. - عناية الشرع بدرء المفاسد أشد من عنايته بجلب المصالح. التوضيح الأصل أن الشريعة جاءت لجلب المنافع، ودرء المفاسد، فإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم دفع المفسدة غالباً؛ لأن الشرع حريص بدفع الفساد، ويعتني بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات. والأصل في هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " رواه الإمام النووي في (الأربعين) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " رواه البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ويشترط في تقديم درء المفسدة ألا يؤدي إلى مفسدة أخرى، فيلغى التقديم (1) . التطبيقات 1 - لا يجوز للمالك أن يتصرف بملكه بما يضر الغير كاتخاذ معصرة أو فرن يؤذيان الجيران. (الزرقا ص 225، الدعاس ص 27) . 2 - يمنع الشخص من الاتجار بالمحرمات من خمر ومخدرات ولو أدت إلى ربح. (الدعاس ص 27، السدلان ص 522) . 3 - يمنع الاحتكار والتعدي في الأسعار، ولوكان فيها مصلحة لصاحبها. (الدعاس ص 27) . 4 - يمنع الشخص أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره ضرراً بيناً، كاتخاذ داره طاحوناً مثلاً يوهن البناء، أو فرناً يمنع السكنى بالرائحة والدخان، أو أن يفتح كوة تشرف على مقر نساء جاره، أو أن يتخذ كنيفاً أو بالوعة أو ملقى قمامات يضر بالجدار، فلصاحب الجدار أن يكلفه إزالة الضرر (م/ 1200) وإذا كان الضرر لا يزول إلا برفعه بالمرة، فإنه يرفع (م/ 1212) . وإن كان لمحدثه منفعة في إبقائه، لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع. (الزرقا ص 205) . 5 - يمنع الشخص من اتخاذ حانوت للطبخ أو الحدادة بين البزازين (م/ 25) . 6 - إذا كانت المفسدة عائدة على الغير فتمنع كمسألة العلو والسفل إذا تهدم البناء، فلا يجبر صاحب السفل على البناء، ولو كانت المنفعة تربو كثيراً على المفسدة. (الزرقا ص 206) . 7 - يشرع التخلف عن الجماعة والجمعة بسبب المرض والخوف وتمريض الضائع ونحو ذلك. (اللحجي ص 45) .   . (1) عبر ابن تيمية رحمه الله تعالى عن ذلك فقال: "الشريعة مبناها على تحصيل الصالح وتكميلها، وتعطيل المفاشد وتقليلها، بحسب الإمكان" وكررها كثيراً في مواطن عدة، انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية 1/139) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 8 - تكرره الغسلة الثالثة في الوضوء إذا شك بأنها رابعة، تقديماً للمكروه، وهي كونها رابعة، على المندوب بأنها ثالثة. (الغرياني ص 133) . 9 - يُكره صوم يوم عرفة إذا شك فيه بأنه عيد، تقديماً للنهي عن صوم يوم العيد. (الغرياني ص 133) . 10 - الصدقة على القريب أفضل من الصدقة على البعيد، وهي مندوب إليها، لكن يقابل ذلك أن في إعطاء القريب زكاته إلى قريبه اتهامه بأنه يوفر بها ماله، حتى لا يعطي قريبه الفقير تطوعاً، فيحابيه بها ليعود عليه نفعها، ولو بالمدح والثناء، لذاكره. المالكية إعطاء الزكاة للقريب، تقديماً للمكروه على المندوب. (الغرياني ص 133) . 11 - كره المالكية القصد إلى قراءة آية السجدة في الصلاة للإمام خوف التشويش على المأموم، ثم كرهوها للمنفرد حسماً للباب، تقديماً للمكروه على المندوب، والحق تقديم المندوب، للحديث، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة السجدة في صبح الجمعة. (الغرياني ص 133) . 12 - يكره صلاة التراويح في البيوت إذا أدت إلى تعطيل المساجد، تقديماً لدرء المفسدة، وهي تعطيل المساجد على تحصيل المصلحة وهي صلاتها في البيوت. (الغرياني ص 133) . 13 - يُكره ترك العمل يوم الجمعة، لئلا يُعظّم تعظيم اليهود للسبت درءاً للمفسدة. (الغرياني ص 134) . 14 - كره المالكية إظهار إتباع رمضان بصيام ست من شوال متصلة ممن يقتدى به، وإن صح به الخبر، خشية اعتقاد العامة وجوبها، وأنها من رمضان، والحق ندب صيامها، لما جاء في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صيامها مع رمضان يعدل صيام الدهر. (الغرياني ص 137) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 15 - من لم يجد سترة ترك الاستنجاء، ولو على شط نهر؛ لأن النهي عن كشف العورة راجح على الأمر بإزالة النجاسة. (السدلان ص 523) . 16 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق مسنونة، وتكره للصائم تقديماً لدرء مفسدة إفساد الصيام على جلب مصلحة سنية المضمضة والاستنشاق. (السدلان ص 523) . 17 - إذا وجب الغسل على المرأة، ولم تجد سترة من الرجال، تؤخر الغسل؛ لأن في كشف المرأة على الرجال مفسدة وأي مفسدة. (ابن نجيم ص 90، السدلان ص 524) . 18 - لو اشتبهت مَحْرمة بأجنبيات عصورات لم يحل الزواج بإحداهن. (ابن نجيم ص 90، السدلان ص 524) . 19 - قطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة بقطعها. (ابن نجيم ص 91، السدلان ص 524) . المستثنى يجوز تقديم المصلحة على المفسدة إذا كانت المصلحة أعظم. ولها أمثلة كثيرة (1) : 1 - يجوز الكذب بين المتعادين للإصلاح، فهو تقديم للمنفعة حين تربو على المفسدة وكانت المفسدة تعود على نفس الفاعل. (الزرقا ص 206، اللحجي ص 45) . 2 - يجوز الكذب على الزوجة لإصلاحها، وهذان الاستثناءان يرجعان إلى ارتكاب أخف المفسدتين في الحقيقة. (اللحجي ص 45) . 3 - التلفظ بكلمة الكفر مفسدة محرمة، لكنه جائز بالحكاية والإكراه إذا كان قلب   . (1) عدَّ العز بن عبد السلام رحمه الله تعال ثلاثة وستين مرضعاً، وكلها ترجح يخها جلب المصالح على درء المفاسد (القواعد الكبرى 1/ 136 محققة حماد، ضميرية، طبع دار القلم 421 اص/ 0 0 20 م) وبعضها يباح، وبعضها يجب، وبعضها يستحب، وبعضها مختلف فيه. وقال المقري: " عناية الشارع بدرء المفاسد أشد من عنايته بجلب المصالح" القواعد، له. 2/ 443) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 المكره مطمئناً بالإيمان؛ لأن حفظ النفس أكمل مصلحة من مفسدة التلفظ بكلمة الكفر التي لا يعتقدها الجنان. (السدلان ص 525) . 4 - الصلاة إلى غير القبلة مفسدة محرمة، فإن تعذر استقبال القبلة بصَلْب أو عجز أو إكراه، وجب عليه على الأصح أن يصلي إلى الجهة التي حُوّل وجهه إليها، لئلا تفوت مقاصد الصلاة بفوات شرط لا تتناسب مصلحته مع مصالح مقاصدها. (السدلان ص 525) . 5 - نبش القبور مفسدة محرمة لما فيه من انتهاك حرمة الأموات، لكنه واجب إذا دفنوا بغير غسل، أو وُجّهوا إلى غير "القبلة، بشرط ألا تمضي مدة تتغير فيها أجسادهم، لأن مصلحة غسلهم وتوجيههم إلى القبلة أعظم من توفيرهم بترك النبش. (السدلان ص 525) . 6 - الحجر على المفلس مفسدة في حقه، لكنه ثبت تقديماً لمصلحة الغرماء على مفسدة الحجر. (السدلان ص 525) . 7 - إذا اختلط موتى المسلمين والكفار وجب غسل الجميع والصلاة عليهم، مع أن غسل الكافر والصلاة عليه محرم.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 241) . 8 - يحرم على المرأة ستر الوجه في الإحرام، ولا يمكن إلا بكشف شيء من الرأس، وستر الرأس واجب في الصلاة، فإذا صلّت راعت مصلحة الواجب (ابن تيمية، الحصين 241/1) . 9 - لو أسلمت المرأة وجب عليها الهجرة إلى دار الإسلام، ولو سافرت وحدها، كان كان سفرها وحدها حراماً.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 241) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فرع: تحقيق المصالح ودرء المفاسد إن مقاصد الشريعة العامة تنحصر في تحقيق المصالح ودرء المفاسد. وذلك بجلب النفع للناس، ودفع الضرر عنهم، حتى اعتبر العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى وغيره أن الأحكام الشرعية كلها تنحصر في هذه القاعدة "تحقيق المصالح ودرء المفاسد" لأن كل حكم فرعي فرع أصلاً إما لجلب مصلحة، أو لدرء مفسدة على الإنسان، وهذا ما تؤكده النصوص الشرعية في القرآن والسنة، ويبينه العلماء في الاستصلاح، وفي مقاصد الشريعة، وأن اعتبار المصالح من الأدلة الشرعية الكلية والفرعية ضمن ضوابط دقيقة وقواعد محكمة، سواء كانت المصالح ضرورية، أو حاجية، أو تحسينية، أو تكميلية، أو مجرد منافع وزينة. وإن كثيراً من القواعد الفقهية وضعت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، ونكتفي بالإشارة لها هنا، ونذكر توضيحها، وتطبيقاتها، وأمثلتها في مكانها، فمن ذلك: 1 - إذا ضاق الأمر اتسع، أو الأمر إذا ضاق اتسع. 2 - إذا اتسع الأمر ضاق، وكان هذه القاعدة تكملة وتتمة للسابقة، أو استدراك لها. 3 - الضرورات تبيح المحظورات. 4 - الميسور لا يسقط بالمعسور. وجاء ابن تيمية رحمه الله تعالى وأكد ما قاله العز، وأن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، وتكررت عباراته وأمثلته لهذه القاعدة المهمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 القاعدة: [28] 9 - إذا تعارض المانع والمقتضي يُقدَّم المانع (م/ 41) الألفاظ الأخرى - إذا تعارض المقتَضِي والمانع قُدّم المانع. التوضيح إذا كان للشيء الواحد، أو العمل الواحد، محاذير تستلزم منعه، وكان له دواع تقتضي تسويغه، فقد تعارضا، ويرجح منعه، لما فيه من درء المفسدة، ودرء المفسدة مقدم على جلب المنافع، لأن حرص الشارع على منع المنهيات أكثر من حرصه على تحقيق المأمورات، واعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات. ومستند هذه القاعدة ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " رواه النووي في (الأربعين) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " رواه البخاري، ومسلم. والمراد من تقديم المانع على المقتضي رعايته والعمل به دون المقتضي، فهو مقدم في الرتبة والاعتبار لا في الزمن، ولا يصح أن يلاحظ ذلك التقديم والتأخير بينهما في الزمن، وُيرَجَّح اعتبار قيام المانع وانتفاء المقتضي ولو كان وجود المقتضي أسبق زمناً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 من المانع، كما لو وقعت شهادة بنكاح المرأة، وبينة بالطلاق أو الخلع قبل الموت، والرجل ميت، وتطلب المرأة الإرث، فيرجح اعتبار الطلاق، أو الخلع قائماً عند وفاة الزوج، وهذا مانع للإرث، على بينة النكاح المقتضي لثبوت الإرث، مع أن النكاح أسبق زمناً من الطلاق، أو الخلع، المانع للإرث. ولا فرق في تقديم المانع على المقتضي بين أن يجيئا معاً، كأكثر الفروع والتطبيقات، أو أن يطرأ المانع على المقتضي قبل حصول المقصود من المقتضي، فإنه يقدم المانع، كما لو شهد لامرأة أجنبية عنه، ثم تزوجها قبل القضاء بشهادته، أو شهد وليس بأجير، ثم صار أجيراً خاصاً قبل القضاء بشهادته، بطلت شهادته في المسألتين. ويستثنى من ذلك إذا كان جانب المصلحة أعظم (المقتضي) فإنه يقدم، كما لو تعارض واجب وحرام فتقدم مصلحة الواجب. وتجري القاعدة في العبادات والمعاملات وغيرها، ويتفرع عليها مسائل كثيرة. التطبيقات 1 - تمنع شرعاً التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وغير ذلك، ولو أن فيها ربحاً. (الدعاس ص 27) . 2 - يمنع صاحب الدار من اتخاذ فرن أو محرك يؤذيان الجيران بالدخان أو اهتزاز الجدران، أو تشويش في الأصوات، ويمنع صاحب الدار من اتخاذ نوافذ تطل على جاره، ولو كان فيه منفعة، وهو يوافق النظرية المعروفة "منع التعسف في استعمال الحق ". (الدعاس ص 28) . 3 - يحجر على الطبيب الجاهل، والمفتي الماجن، ويمنع الاحتكار، والتعدي في الأسعار. (الدعاس ص 28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 4 - تمنع النساء من المساجد لصلاة الجماعة إذا حصلت مفسدة. (الدعاس ص 28) . 5 - إذا استشهد الجُنُبُ فالأصح أنه لا يغسل، لأن الشهادة تمنع الغسل، والجنابة توجبه، فيقدم المانع. (اللحجي ص 57) . 6 - لو ضاق الماء أو الوقت عن سنن الطهارة حرم فعلها. (اللحجي ص 57) . 7 - جرح الجاني جرحين عمداً وخطأ، أو مضموناً وهدراً، ومات بهما، فلا قصاص، لأن الخطأ والهدر يمنعان القصاص. (اللحجي ص 57) . 8 - لو كان ابن الجاني ابن عم لم يعقل، فلا يشارك في دفع الدية. (اللحجي ص 57) . 9 - يمنع الزوج من قربان زوجته الحائض، فالحيض يمنع، والزوجية القائمة تقتضي الإتيان، فيقدم المانع (الدعاص ص 28) . 10 - يمنع الراهن من بيع الرهن ما دام في يد المرتهن، لأن ملكية الراهن تقتضي نفاذ بيع الرهن، وتعلق حق المرتهن يمنع نفاذ البيع بدون رضا المرتهن، وقد تعارضا، فيقدم المانع. (الدعاس ص 28) . 11 - يمنع أحد صاحبي الطوابق السفل أو العلو في الأبنية من عمل يضر بالآخر دون إذنه، لأن حقه التصرف بملكه، وهو مقتضٍ، وتعلق حق الجار مانع، فيقدم. (الدعاس ص 28، الزرقا ص 244) . 12 - أقر المريض مرض الموت لوارثه ولأجنبي بدين أو عين مشتركاً على الشيوع بطل فيهما. (الزرقا ص 244) . 13 - لو ضمَّ ما لا يحل بيحه كالخنزير إلى ما يحل بيعه في صفقة واحدة يفسد البيع (الزرقا ص 224) . 14 - يمنع الموجر من التصرف في العين المأجورة بما يمسُّ حق التاجر، تقديماً للمانع، وهو حق المستأجر. (الزرقا ص 244) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 15 - بطلان كل القضاء وكل الشهادة إذا بطل بعضهما، كما لو قضى القاضي، أو شهد الشاهد، لمن تقبل شهادته له، ولمن لا تقبل، بطل في كليهما. (الزرقا ص 244) . 16 - لو حطَّ البائع كل الثمن عن المشتري فإنه يصح حطُّه، ولكن لا يلتحق بأصل العقد، بل يعتبر بمنزلة هبة مبتدأة، وذلك تقديماً للمانع عن التحاقه به، وهو تأديته إلى بطلان العقد، لفقد ركنه بخلو العقد حينئذ عن الثمن، على المقتضي للإلحاق، وهو المحطوط ثمناً، وهو من متعلقات البيع وناشئ عنه. (الزرقا ص 244) . وهذا بخلاف ما لو حطَّ البائع بعض الثمن، فإنه يلتحق بالحط بالعقد، لعدم المانع حينئذ من التحاقه، ولو باعه بعد الحط مرابحة فتقع على ما بقي من الثمن بعد الحط، ويأخذ به الشفيع أيضاً. (الزرقا ص 244) . 17 - لو تصارفا ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، ثم حطَّ أحدهما عن الآخر بعض البدل، أو زاده في البدل وقبل الآخر، فإنَ الحطَّ يصح عند محمد، ولا يلتحق بالعقد، بل يجعل كهبة مبتدأة، والزيادة تبطل عند الإمام أبي حنيفة، تقديماً للمانع، لأن التحاق الحط، وتصحيح الزيادة، يؤديان إلى فساد العقد لعدم التساوي في البدلين، على المقتضي، وهو كون المتصرف بالحط والزيادة يتصرف في خالص ملكه. وظاهر كلام بعضهم يفيد ترجيح قول محمد، حيث علله ووجهه ولم يوجه قول غيره. (الزرقا ص 245) . 18 - لا تنعقد الهبة بالبيع بلا ثمن، ولا العارية بالإجارة بلا بدل، تقديماً للمانع على المقتصي، وذلك لأن الأمر فيهما دائر بين البيع والإجارة الفاسدين، وذلك مانع، وبين الهبة والإعارة الصحيحتين، وهو مقتضي، فقدم المانع. (الزرقا ص 245) . 19 - إذا تعارض الجرح للشاهد وتعديله، فإنه يقدم الجرح على التعديل. (الزرقا ص 246) . 25 - تقدم بينة الطلاق قبل الموت على بينة أنه مات وهي امرأته، وتقدم بينة الخلع على بينة النكاح. (الزرقا ص 245) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 المستثنى 1 - إذا سكن أحد الشريكين العقار المشترك في غيبة شريكه فإنه يجوز، وللشريك الغائب أن يسكن بعد عودته نظير ما سكن شريكه. (الزرقا ص 247) . 2 - اختلط موتى المسلمين بالكفار أو الشهداء بغيرهم، فيجب غسل الجميع والصلاة، وإن كانت الصلاة على الكفار والشهداء حراماً، ودليله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فسلَّم عليهم. (اللحجي ص 58، ابن تيمية، الحصين 1/ 241) . 3 - يجوز للمستأجر على العمل في عين أن يستأجر غيره للعمل فيها، ويدفعها له، وللمستعير أن يعير لغيره، ويدفع العين له فيما لا يختلف استعماله، مع أن العين وديعة في أيديهما، والمودع لا يوح لغير من في عياله أو من يحفظ به ماله، وهذا مانع ولم يعمل عمله هنا، بل قُدّم المقتضي، وهو كون المستعير ملك المنافع، فملك تمليكها، وكون المستأجر للعمل يعمل بنفسه وبأجيره، وذلك لأن الإيداع ثبت ضمناً لا قصداً. (الزرقا ص 247) . 4 - لو كان كرم مشترك بين حاضر وغائب، أو بالغ ويتيم، فأدرك ثمره، فباعه وأخذ حصته، ووقف حصة الغاثب يسعه ذلك. (الزرقا ص 247) . 5 - يحرم على المرأة ستر جزء من وجهها في الإحرام، ويجب ستر جزء منه مع الرأس للصلاة، فتجب مراعاة الصلاة. (اللحجي ص 58 (الحصين 1/ 241) . 6 - يجوز لأحد الشريكين تعمير البناء المشترك بدون إذن الشريك وبدون إذن القاضي، ويرجع بقيمة البناء عند تعذر قسمته وامتناع الجبر على العمارة، كحمام، ورحى، وجدار لا يقسم، فهنا قُدّم المقتضي على المانع، كما هو ظاهر. (الزرقا ص 247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 7 - لو ادعى رجل على ذي اليد أن العين التي في يده كانت ملك فلان الغائب، وأنه كان اشتراها منه، وأنه ملكها بذلك الشراء، وأقام الحجة على ذلك على الرغم من إنكار المدعى عليه، قضي له بذلك، وكان حكماً على الغائب بالبيع، فلو حضر وأنكر البيع لا يسمع منه، فهنا قُدّم المقتضي، وهو دعوى المدعي وبينته القائمة. وإحياء حقه، على المانع، وهو كون المالك الأول المقضي عليه بالبيع غائباً، مع أنه لا يقضى على غائب ولا له إلا بحضور نائب عنه. (الزرقا ص 247) . 8 - لو أقام شخص بينة على آخر أنه اشترى هذه الدار من فلان الغائب، وأنه شفيعها، فقضي له بذلك، صار المالك الأول مقضياً عليه بالبيع، وإن كان غائباً، فلو حضر وأنكر لا يعتبر إنكاره. (الزرقا ص 248) . 9 - لو أقام الكفيل بالأمر بينته على الأصيل أنه أوفى الطالب دينه، والطالب غائب، يقضى له، ويصير الطالبُ مقضياً عليه بالاستيفاء، ولو حضر وأنكر الإيفاء لا يسمع منه، ولا حاجة إلى إعادة البينة بمواجهته في جميع ذلك. (الزرقا ص 248) . 10 - قد يتعارض المانع والمقتضي، ولا يقدم أحدهما على الآخر، بل يعمل في كل منهما بما يقتضيه، كما لو قال رجل لامرأته: إن لم أطلقك اليوم ثلاثاً فأنت طالق، ثم أراد ألا يطلقها ولا يصير حانثاً، فالحيلة أن يقول لامرأته في اليوم: أنت طالق ثلاثاً على ألف درهم، فتقول المرأة: لا أقبل، فإذا مضى اليوم كان الزوج باراً بيمينه ولا يقع الطلاق، لأنه طلقها في اليوم ثلاثاً، وإنما لم يقع الطلاق لردِّ المرأة، وهذا لا يخرج كلام الزوج أن يكون تطليقاً، فعمل بالمقتضي، وهو اعتبار الزوج موقعاً للطلاق الثلاث عليها على ألف، فلذا لم يحنث في يمينه، وعمل بالمانع من وقوع الثلاث، وهو رد المرأة وعدم قبولها. (الزرقا ص 250) . 11 - إنما يقدم المانع على المقتض إذا وردا على محل واحد، أما إذا لم يردا على محل واحد، فإنه يعطى كلّ منهما حكمه، كما لو جمع بين من تحل له ومن لا تحل له في عقد واحد صح في الحل وبطل في الأخرى، وكما لو جمع بين وقف وملك وباعهما صفقة واحدة: صح في الملك بحصته من الثمن، وكما لو جمع بين ماله ومال غيره وباعهما صفقة واحدة، فإنه يصح في ماله، ويتوقف في مال الغير على إجازة المالك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وكما لو أوصى لأجنبي ووارث، أو لأجنبي وقاتل، فللأجنبي نصفها وتبطل في حق الآخر على تقدير عدم الإجازة، لأنه لا تعارض بين المانع والمقتضي، ويمكن مراعاة المقتضي بدون أن يلزم المانع. (الزرقا ص 246) . 12 - الهجرة على المرأة من بلاد الكفر واجبة، وإن كان سفرها وحدها حراماً، فتجب الهجرة إذا أمنت على نفسها أو كان خوف الطريق دون خوف الإقامة. (اللحجي ص 58، ابن تيمية، الحصين 1/ 241) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 القاعدة: [29] 10 - القديم يُترك على قدمه (م/6) التوضيح القديم هو الذي لا يوجد مَنْ يعرف أوله (م/ 166) ويكون له وجه شرعي، فإنه يترك على قدمه إلا إذا قام الدليل على خلافه (م/ 1224) ، فإذا كان التنازع فيه قديماً فتراعى حالته التي هو عليها من القديم، بلا زيادة ولا نقص، ولا تغيير ولا تحويل. ولا يجوز تغييره عن حاله أو رفعه إلا بإذن صاحبه؛ لأنه لما كان من الزمن القديم على هذه الحالة المشاهدة فالأصل بقاؤه على ما كان عليه، ولغلبة الظن بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي، لحسن الظن بالمسلمين، وعلى هذا صا كان في أيدي الناس وتصرفاتهم قديماً من أشياء ومنافع ومرافق مشروعة في أصلها، يبقى لهم كما هو، ويعتبر قدمه دليلاً على أنه حق موضوع بطريق مشروع، فلا ينزع شيء من يد أحد إلا بحق ثابت معروف. ولو ادعى أحد الخصمين الحدوث، وادعى الآخر القدم، فالقول قول من يدعي القدم، والبينة بينة من يدعي الحدوث، والمراد بالقديم الشيء المشروع، أما القديم غير المشروع، فإنه يزال حسب القاعدة الأخرى "الضرر لا يكون قديماً" (م/7) . التطبيقات 1 - لو كان لدار أحدٍ ميزاب على دار غيره، أو كان لداره مسيل ماء، أو بالوعة أقذار في أرض الغير، أو كان له ممر إلى داره مثلاً في أرض الغير، أوكان بعض غرف بيته راكبة على جدران جاره من القديم، ولا يعرف أحد من الحاضرين مبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 لحدوثه، أو كان لأحد جناح في داره ممدود على أرض الغير، فأراد صاحب الدار أن يمنع الميزاب، أو المسيل، أو البالوعة، أو المرور في أرضه، أو يغير ركوب الغرف، أو يحول المسيل أو الممر عن حاله القديم، فليس له ذلك إلا بإذن صاحبه، بل يحق لصاحبه إبقاؤه ولو لم يعرف بأي وجه وضع، لأن قدمه دليل مشروعية وضعه، إما بطريق القسمة، أو لقاء عوض، أو بإذن المالك القديم، تحسيناً للظن بالمسلمين، فمنعه ضرر لصاحبه لا مسوِّغ له، ولو ساغ ذلك لأدى إلى إهدار معظم الحقوق بعد تقادم عهدها. (الزرقا ص 95، الدعاس ص 29) . 2 - ليس لصاحب الحق القديم نفسه أن يحوّله من جهة إلى جهة، أو يصرف الممر مثلاً إلى دار أخرى له، إلا إذا أذن له الآخر، وللآذن ولورثته من بعده الرجوع عن هذا الإذن، وتكليف صاحب الحق بإعادته إلى الحالة الأولى. (الزرقا ص 96) . 3 - لو كان لرجل نهر يجري في أرض غيره لسقي أراضيه، وهو في يده يكريه ويغرس في حافتيه الأشجار مثلاً، فأراد صاحب الأرض ألا يجري النهر في أرضه فليس له ذلك، بل يترك على حاله؛ لأن من هو في يده يستعمله بإجراء مائه ونحوه. فعند الاختلاف القولُ قولُه، فلو لم يكن في يده، ولم يكن جارياً وقتَ الخصومة، فإن كان يدعي رقبة النهر فعليه أن يثبت أنه له، وإن كان يدعي حق الإجراء في النهر فعليه أن يثبت أنه كان يجري من القديم لسقي أراضيه، فيحكم له حينئذ بملك رقبة النهر في الصورة الأولى، وبحق الإجراء في الصورة الثانية. المستثنى إذا كان الشيء غير مشروع، وفيه ضرر، فإنه يزال؛ لأن الضرر لا يكون قديماً (م/7) ولا فرق بين قديم وحديث؛ إذ العلة الضرر ولا عبرة لقدمها. (الدعاس ص 29) . 1 - كان للدار ميزاب، أو مجرى أقذار على الطريق يضر بالعامة، يزال مهما تقادم، لأنه غير مشروع الأصل، إذ الشرع لا يقر لأحد بوجه ما حقاً يضر بالأمة، والطريق العام هو الذي ليس مملوك الرقبة لقوم، وللعامة فيه حق، والسكة المختطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 من الأصل فحكمها حكم طريق العامة، ولو غير نافذة، إذ هي ملك العامة، بدليل أنه يحق للناس أن يدخلوها عند الزحام. (الزرقا ص 97، الدعاس ص 29) . 2 - إذا كان لأحد أدوات مدفأة بارزة على المارة، وتلحق بهم الأضرار، أو كان لأحد نافذة وطيئة تطل على مقر نساء جاره، فإنها تزال ولو كانت قديمة، إلا أن تكون دار الجار هي المحدثة تحت المُطل. (الدعاس ص 30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 القاعدة: [30] 11 - الضرر لا يكون قديمًا (م/7) الألفاظ الأخرى - القديم المخالف للشرع لا اعتبار له. (م/ 1224) . التوضيح الشرع لا يقرّ الضرر، ويوجب رفعه تأكيداً للقاعدة الفقهية "الضرر يزال " (م/ 25) ، وقاعدة "الضرر لا يكون قديماً" قيد واستثناء لقاعدة "القديم يترك على قدمه " (م/ 6) فالضرر القديم كالضرر الجديد في الحكم، فلا يراعى قدم الضرر. ولا يعتبر، بل يجب إزالته، لأن العلة الضرر، ولا عبرة لقدمها. لأن القديم إنما اعتبر لغلبة الظن بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي، فإذا كان مُضراً فيكون ضرره دليلاً على أنه لم يوضع بوجه شرعي؛ لأن الشرع لا يجيز الإضرار بالغير. ومستند هذه القاعدة ما ورد من أدلة تمنع الإضرار مطلقاً، كالحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني مسنداً، ومالك مرسلاً، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار". وهو حديث حسن، ويجب إزالة الضرر سواء كان عاماً أم خاصاً، متى كان الضرر بيّناً فاحشاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 التطبيقات 1 - كان للدار مسيل ماء أو أقذار على الطريق العام يضر بالعامة المارين، أو غرفة بارزة وطيئة تمنع الناس من المرور تحتها لتسفلها، فإن ذلك الضرر يزال مهما كان قديماً، لأنه غير مشروع الأصل؛ إذ الشرع لا يقر لأحد بوجه ما حقاً يضر بالأمة. (الزرقا ص 101، الدعاس ص 29) . 2 - إذا كان لأحد أدوات مدفأة بارزة على المارة، وتلحق بهم الضرر، أو كان لأحد نافذة وطيئة تطل على مقر نساء جاره، فإنها تزال ولو كانت قديمة. (الدعاس ص 30) . 3 - إذا كان لرجل مسيل ماء أو أقذار يجري في دار آخر من القديم، وكان يوهن بناء الدار، أو ينجس ماء برْها، فإن لصاحب الدار أن يكلف الرجل بإزالة هذا الضرر بصورة تحفظ البناء من التوهين والماء من التنجيس بأي وجه كان. (الزرقا ص 102) . 4 - بالوعة لرجل على شفة نهر يدخل في سكة غير نافذة فإن صاحبها يؤمر برفعها، ولا عبرة للقديم والحديث في هذا، فإن لم يرفعها طلب من قاضي الحسبة أن يأمره برفعها. (الزرقا ص 102) . 5 - إذا كان داران قديمتان، ولإحداهما مطل أو شباك من القديم على مقر الناس في الدار الأخرى، فإن صاحب المطل أو الشباك يجبر على إزالة هذا الضرر، فلو كانت الدار التي فيها المطل أو الشباك هي القديمة فجاء آخر فأحدث بجانبها داراً بحيث صار المطل أو الشباك مشرفاً على مقرِّ النساء فيها، فإن صاحب الدار الحديثة هو الذي يكلف حينئذ بإزالة هذا الضرر عن نفسه، لأنه هو مُحْدِثُه، والمتعرض له. (م/ 1207) (الزرقا ص 102) . المستثنى 1 - إذا كان الضرر الخاص غير فاحش، بأن كان يمكن أن يستحق على الغير بوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 من الوجوه الشرعية، فيراعى القدم، كما لو كان لدار رجل حق إلقاء القمامات، والثلوج، أو حق التسييل في أرض الغير، أو في طريق خاص، فإذا كان من القديم فيعتبر قدمه، ويراعى، ولا يجوز تغييره أو تبديله بغير رضا صاحب الحق؛ لأن القديم يترك على قدمه (م/6) لأنه يمكن لصاحبه أن يكون مستحقاً لذلك بوجه من الوجوه الشرعية. 2 - حق المرور والمسيل في أرض الغير، وحق وضع الجِذْع على جدار الغير، ومدّ الجناح أو الغرفة البارزين الواطئين في ملك الغير والطريق الخاص، فلا يزال هذا الضرر، لأنه يمكن أن يستحقه الإنسان على الغير بوجه شرعي، كاقتسام الدار الشائعة على هذه الصورة بشرط بقاء الحقوق المذكورة له، أو باعها صاحبها واشترط المشتري إبقاء هذه الحفوق له في الدار المبيعة على الأخرى. (الزرقا ص 153) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 القاعدة الأساسية الرابعة: [31] المشقة تجلب التيسير (م/17) التوضيح إن المشقة تجلب التيسير لأن فيها حرجاً وإحراجاً للمكلف، والحرج مرفوع شرعاً بالنص، وممنوع عن المكلف. والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ، وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وفي لفظ " رُفع عن أمتي " رواه (بن ماجة عن ابن عباس، وقال عليه الصلاة والسلام: " بُعثت بالحنيفية السمحة" أي السهلة، أخرجه الإمام أحمد، وقال أيضاً: "إنما بُعثتم مُيَشرين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين " رواه البخاري وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة وغيره، وقال أيضاً: " إن دين الله يسر ثلاثاً" رواه الإمام أحمد وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما خُير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً " رواه البخاري ومسلم. والأحاديث في ذلك كثيرة. ويشترط في المشقة التي تجلب التيسير أمور، وهي: 1 - ألا تكون مصادمة لنص شرعي، فإذا صادمت نصاً روعي دونها. 2 - أن تكون المشقة زائدة عن الحدود العادية، أما المشقة العادية فلا مانع منها لتأدية التكاليف الشرعية، كمشقة العمل، واكتساب المعيشة. 3 - ألا تكون المشقة مما لا تنفك عنها العبادة غالباً كمشقة البرد في الوضوء، والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر في الحج. 4 - ألا تكون المشقة مما لا تنفك عنها التكاليف الشرعية كمشقة الجهاد، وألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل البغاة والمفسدين والجناة. فهذه المشقات الأربع: لا أثر لها في جلب التيسير ولا التخفيف، لأن التخفيف عندئذ إهمال وتضييع للشرع. وهذه القاعدة تعتبر من القواعد الكبرى المتفق عليها في كل المذاهب، ولذلك قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته. وقال السيوطي: "فقد بان أن هذه القاعدة يرجع إليها غالب أبواب الفقه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 التطبيقات إن أسباب التخفيف في المشقة التي تجلب التيسير سبعة أنواع، نذكر كل نوع وبعض الأمثلة له. أولاً السفر، وتيسيراته كثيرة، منها: 1 - جواز تحميل الشهادة للغير في غير حد ولا قود. (الزرقا ص 157) . 2 - جواز بيع الإنسان مال رفيقه وحفظ ثمنه لورثته بدون ولاية ولا وصاية إذا مات في السفر ولا قاضي ثمة. (الزرقا ص 157) . 3 - جواز فسخ الإجارة بعذر السفر. (الزرقا ص 157) . 4 - جواز تزويج الولي الأبعد للصغيرة عند عدم انتظار الكفء الخاطب استطلاع رأي الولي الأقرب المسافر. (الزرقا ص 158) . 5 - جواز إنفاق المضارب على نفسه في السفر من مال المضاربة. (الزرقا ص 158) . 6 - جواز كتابة القاضى إلى القاضي في بلد المدعى عليه شهادة شهود المدعي عنده. (الزرقا ص 158) . 7 - جواز الإفطار في رمضان للمسافر. (الدعاس ص 31، اللحجي ص 37) . 8 - سقوط صلاة الجمعة عن المسافر. (الدعاس ص 31، اللحجي ص 38) . 9 - قلة عدالة الشهود وقبول الأمثل فالأمثل في السفر. (الدعاس ص 31) . 10 - جواز قصر الصلاة الرباعية في السفر. (اللحجي ص 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 11 - جواز المسح على الخفين أكثر من يوم وليلة في السفر. (اللحجي ص 37) . 12 - جواز أكل الميتة للضرورة في السفر. (اللحجي ص 38) . 13 - جواز الجمع بين الصلاتين في السفر. (اللحجي ص 38، الفتوحي 4/ 447) . 14 - جواز التنفل على الدابة في السفر. (اللحجي ص 38) . 15 - جواز التيمم للصلاة في السفر عند فقد الماء. (اللحجي ص 38، الفتوحي 4 / 446) ثانياً: المرض، وتيسيراته كثيرة، منها: 1 - جواز تحميل الشهادة، كما مر في السفر. (الزرقا ص 158) . 2 - تأخير إتامة الحد على المريض إلى أن يبرأ، غير حد الرجم. (الزرقا ص 158) . 3 - عدم صحة الخلوة مع قيام المرض المانع من الوطء، سواء كان في الزوج أم في الزوجة. (الزرقا ص 158) . 4 - جواز تأخير الصيام في شهر رمضان للمرض. (الدعاس ص 31، اللحجي ص 38) . 5 - قلة عدالة الشهود، وقبول الأمثل فالأمثل بسبب المرض. (الدعاس ص 31) . 6 - جواز التيمم عند مشقة استعمال الماء. (اللحجي ص 38) . 7 - عدم الكراهة في الاستعانة بمن يصب عليه أو يغسل أعضاءه. (اللحجي ص 38) . 8 - جواز القعود في صلاة الفرض وخطبة الجمعة وفي النافلة مطلقاً. (اللحجي ص 38، الفتوحي 4/ 447) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 9 - جواز الاضطجاع في الصلاة والإيماء فيها والجمع بين الصلاتين في وجه اختاره المحققون (اللحجي ص 38) . 10 - جواز التخلف عن الجمعة، والجماعة، مع حصول الفضيلة. (اللحجي ص 38، الفتوحي 4/ 447) . 11 - جواز الخروج من المعتكف، وقطع التتابع المشروط في الاعتكاف. (اللحجي ص 38) . 12 - جواز الاستنابة في الحج، وفي رمي الجمار، وإباحة محظورات الإحرام مع الفدية. (اللحجي ص 38) . 13 - جواز التداوي بالنجاسات، وإباحة النظر للعلاج حتى للعورة والسوءتين. (اللحجي ص 38، الفتوحي 4/ 444) . ثالثاً: الإكراه، وهو التهديد ممن هو قادر على الإيقاع بضرب مبرح، أو بإتلاف نفس أو عضو، أو بحبس أو قيد مَدِيدَين مطلقاً، أو بما دون ذلك لذي جاه، ويسمى إكراهاً ملجئاً، وبما يوجب غماً يعدم الرضا، وما كان بغير ذلك يسمى غير ملجئ. وهو بقسميه إما أن يكون في العقود، أو في الإسقاطات، أو في المنهيات. والعقود والإسقاطات إما أن يؤثر فيها الهزل أو لا، والمنهيات إما أن تكون مما يباح عند الضرورة أو لا، وما لا يباح عند الضرورة إما أن يكون جناية على الغير كقتل محقون الدم، أو قطع عضو محترم، أو لا يكون جناية على الغير كالردة، ويكون تأثير الإكراه كما فى: 1 - العقود والإسقاطات التي يؤثر فيها الهزل، كالبيع والإجارة والرهن والهبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 والإقرار والإبراء يؤثر فيها الإكراه، فإذا أكره عليها بملجئ أو بغير ملجئ ففعلها، ثم زال الإكراه، فله الخيار، إن شاء فسخ وإن شاء أمضى. (الزرقا ص 158) . 2 - العقود والإسقاطات التي لا يؤثر فيها الهزل، كالنكاح والطلاق والعفو عن دم العمد، فلا تأثير للإكراه فيها، فلا خيار للمكرَه بعد زوال الإكراه، بل هي ماضية على الصحة، ولكن له أن يرجع على المكرِه له على الطلاق، فلو كانت الزوجة هي المكرِهة سقط المهر عن الزوج. (الزرقا ص 158) . 3 - المنهيات التي تباح عند الضرورة، كإتلاف مال الغير، وشرب المسكر، فإنها تحلّ بل تجب بالملجئ، لا بغير الملجئ، وضمان المال المتلف على المكرِه. (الزرقا ص 159، اللحجي ص 38) . 4 - المنهيات التي لا تباح عند الضرورة، وهي جناية على الغير كالزنى والقتل، فإنها لا تحل حتى بالإكراه الملجئ، ولو فعلها فموجبها القصاص على المكرِه بالكسر. (الزرقا ص 159، اللحجي ص 38) . 5 - المنهيات التي ليست جناية على الغير، وليست في معنى الجناية، وهي الردة، فإنه يرخص له أن يجري كلمتها على لسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، وُيوَرِّي وجوباً إن خطر بباله التورية، فإن لم يُورِّ يكفر وتبين زوجته. (الزرقا ص 159، اللحجي ص 38) . رابعاً: النسيان، وهو عدم تذكر الشيء عند الحاجة إليه، واتفق الفقهاء على أنه مسقط للعقاب والإثم، للحديث السابق، وهو مشقة تجلب التيسير، فمن ذلك: 1 - إذا وقع النسيان فيما يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها. (الزرقا ص 159) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 2 - إذا نسي المدين الدَّين حتى مات، والدين ثمن مبيع أو قرض، لم يؤاخذ به، بخلاف ما لو كان غصباً. (الزرقا ص 159) . 3 - من جامع في نهار رمضان ناسياً للصوم فلا كفارة عليه، ولا يبطل صومه. (اللحجي ص 38) . 4 - من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم عامداً لظنه إكمال الصلاة فلا تبطل صلاته. (اللحجي ص 38) . خامساً: الجهل؛ وهو عدم العلم ممن شأنه أن يعلم، وهو قد يجلب التيسير. ويسقط الإثم، ومن تيسيراته: 1 - لو جهل الشفيع بالبيع فإنه يعذر في تأخير طلب الشفعة. (الزرقا ص 160) . 2 - لو جهل الوكيل أو القاضى بالعزل، أو المحجور بالحجر، فإن تصرفهم صحيح إلى أن يعلموا بذلك. (الزرقا ص 160) . 3 - لو باع الأب أو الوصي مال اليتيم، ثم ادعى أن البيع وقع بغبن فاحش. وقال: لم أعلم، تقبل دعواه. (الزرقا ص 160) . 4 - لو جهلت الزوجة الكبيرة أن إرضاعها لضرتها الصغيرة مفسد للنكاح، فلا نضمن المهر. (الزرقا ص 160) . 5 - إذا قضى الوكيل بقضاء الدين بعد ما وهب الدائن الدين من المديون، جاهلاً بالهبة، لا يضمن. (الزرقا ص 160) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 6 - لو أجاز الورثة الوصية، ولم يعلموا ما أوصى به الميت، لا تصح إجازتهم. (الزرقا ص 160) . 7 - لو كان في المبيع ما يشتبه على الناس كونه عيباً، واشتراه المشتري عالماً به، ولم يعلم أنه عيب، ثم علم أنه عيب، فإن له ردّه، ولا يُعَدُّ اطّلاعه عليه حين الشراء رضاً بالعيب. (الزرقا ص 160) . 8 - العفو عن التناقض في الدعوى فيما كان سبجه خفياً، كالتناقض في النسب والطلاق، كما لو ادعى أحد على آخر أنه أبوه، فقال المدعى عليه: إنه ليس ابني، ثم قال: هو ابني، يثبت النسب، لأن سبب البنوة العلوق منه، وهو خفي. (الزرقا ص 160) . 9 - لو اختلعت المرأة من زوجها على بدل، ثم ادَّعت أنه كان طلقها ثلاثاً قبل الخلع، وبرهنت، فإنها تسترد البدل، ويغتفر تناقضها الواقع في إقدامها على الاختلاع، ثم دعواها الطلاق، لأن الطلاق فعل الغير، فإن الزوج يستبد به بدون علمها، فكانت معذورة. (الزرقا ص 160) . 10 - من أسلم في دار الحرب، ولم تبلغه أحكام الشريعة، فتناول المحرمات جاهلاً حرمتها، فهو معذور. (الزرقا ص 160) . 11 - من أتى بمفسد للعبادة جاهلاً كالأكل في الصلاة والصوم فلا تفسد العبادة. (اللحجي ص 38) . 12 - إذا فعل ما ينافي الصلاة من كلام قليل وغيره جاهلاً بالحكم لم تفسد صلاته. (اللحجي ص 38) . 13 - إذا فعل ما ينافي الصوم كالجماع جاهلاً بالحكم لم يفسد صومه. (اللحجي ص 38) . 14 - من ابتدأ صيام شهرين يجب تتابعهما، ككفارة الظهار أو القتل، تتخللهما أيام الأضحى جاهلاً أن تخلل أيام الأضحى يفسد التتابع، فإنه يفطرها ويقضيها متصلة بصومه في الصحيح عند المالكية. (الغرياني ص 138) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 سادساً: العسر وعموم البلوى، والعسر أي عسر تجنب الشيء (1) ، وله تيسيرات 1 - تجويز بيع الوفاء والمزارعة والمساقاة والسلم والإجارة على منفعة غير مقصودة، لعدم تحقق العسر والبلوى. (الزرقا ص 161) . 2 - إباحة نظر الطبيب، والشاهد، والخاطب، للأجنبية. (الزرقا ص 161) . 3 - العفو عما يدخل بين الوزنين في الربويات. (الزرقا ص 161) . 4 - جواز الصلاة مع النجاسة المعفو عنها كدم القروح والدماميل والبراغيث والقيح والصديد وطين الشارع. (اللحجي ص 38) . 5 - العفو عن أثر نجاسة عَسُر زواله. (اللحجي ص 39) . 6 - العفو عن زَرْق الطيور إذا عم في المساجد والمطاف. (اللحجي ص 39) . 7 - العفو عما لا يدركه الطرف، وما لا نفس له سائلة، وريق النائم. (اللحجي ص 39) . ومن أمثلة اليسر والتخفيف بسبب العسر وعموم البلوى ما يلي: 1 - جواز كثير من العقود؛ لأن لزومها يشق، ويكون سبباً لعدم تعاطيها. (اللحجي ص 39) . 2 - إباحة النظر عند الخطبة والتعليم، وعند الإشهاد والمعاملة. (اللحجي ص 39) . 3 - إباحة نكاح أربع نسوة تيسيراً على الرجال والنساء أيضاً لكثرتهن. (اللحجي ص 39) .   . (1) البلوى: هي الاختبار بالخير أو الشر، وعموم البلوى هو الحرج الذي لا قدرة للإنسان في التخلص منه، وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 86، المجموع المذهب 1/ 352، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، القواعد الفقهية، الروقي ص 295) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 4 - مشروعية الطلاق، لما في البقاء على الزوجية من المشقة عند التنافر. (اللحجي ص 39) . 5 - مشروعية الكفارة في الظهار واليمين تيسيراً على المكلفين. (اللحجي ص 39) . 6 - مشروعية التخيير بين القصاص والدية تيسيراً على هذه الأمة. (اللحجي ص 39) . 7 - مشروعية الكتابة ليتخلص العبد من الرق. (اللحجي ص 39) . 8 - مشروعية الوصية عند الموت ليتدارك الإنسان ما فرط منه في حالة الحياة. (اللحجي ص 39) . 9 - إسقاط الإثم عن المجتهدين في الخطأ والتيسير عليهم بالاكتفاء بالظن. (اللحجي ص 39) . سابعاً: النقص؛ وهو ضد الكمال، فإنه نوع من المشقة يتسبب عنها التخفيف، إذ النفس مجبولة على حب الكمال وكراهة النقص، فشرع التخفيف في التكاليف عند وجود النقص كعدم تكليف الصبي، والمجنون، وعدم تكليف النساء بكثير مما يجب على الرجال، وفيه أمثلة: 1 - الصغر والجنون يجلبان التخفيف لعدم تكليفهما أصلاً فيما يرجع إلى خطاب التكليف في الوجوب والحرمة. (الزرقا ص 161، اللحجي ص 39) . 2 - الأنوثة سبب للتخفيف، بعدم تكليف النساء بكثير مما كلف به الرجال، كالجهاد، والجزية، وتحمل الدية إذا كان القاتل غيرها، والجمعة، وإباحة لبس الحرير، وحلي الذهب. (الزرقا ص 161، اللحجي ص 39) . 3 - عدم تكليف الأرقاء بكثير مما على الأحرار، ككونه على النصف من الحر في الحدود والعدة. (اللحجي ص 39) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ثامناً: الاضطرار: كأكل الميتة عند من اضطره الجوع إليها، وشرب جرعة من الخمر عند الغصة، وسيرد المزيد من الأمثلة في قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات". المستثنى 1 - لا تأثير للنسيان على الحنث في التعليق، فلو علق على فعل شيء، ثم فعله ناسياً التعليق فإنه يقع، كما لو علق الطلاق على دخوله بيتاً، فدخله ناسياً فإنه يقع. (الزرقا ص 159) . 2 - إن التخفيف بسبب النقص لا يؤثر في خطاب الوضع، وهو خطاب الله تعالى المتعلق بكون الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً، ولذلك يجب العشر والخراج فيما خرج من أرض الصغير والمجنون، وتجب نفقة الزوجية والأقارب، وضمان المتلفات في مالهما، إلا ما قبضاه قرضاً أو وديعة أو عيناً اشترياها وتسلماها بدون إذن وليهما. فإنهما لا تلزمهما في الجميع، لأنه مسلطان عليها بإذن المالك، وكذلك تجب عليهما الدية في القتل، وإقامة التعزير، وهذا في السبب، والقتل يمنع من الميراث، ولو كان من غير مكلف عند الشافعية. وكذا في الشرط كما إذا عقد الصغير مع مثله عقداً فاقداً لشرط الصحة، فإنه يعتبر فاسداً، ويجب على الحاكم فسخه عليهما إن لم يفسخاه. (الزرقا ص 161 - 162) . 3 - ويستثنى من كون العقود جائزة، لأن لزومها يشق، ما لو تقاسم الورثة التركة، ثم ادعى أحدهم أنها ملكه، وأراد نقض القسمة، لا تسمع دعواه. (الدعاس ص 31) . وكذاً لو باع شيئاً أو اشترى، ثم ادَّعى أنه كان فضولياً عن شخص آخر، ولم يقبل بعقده، لا يسمع منه هذا الادعاء، لأن في ذلك نقضاً لما تمَّ. (الدعاس ص 31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 4 - ويستثنى من القاعدة ما له مساس بحق قاصر، أو وقف، أو بحقوق الجماعة، فالغبن الفاحش مثلاً في بيع مال القاصر، أو إيجار عقار الوقف لا ينفذ، فلو باع الأب أو الوصي مال القاصر، أو أجر المتولي عقار الوقف، ثم ادّعوا وقوع غبن فاحش فيه تسمع الدعوى منهم. وكذا لو اشترى شخص أرضاً، ثم ادعى بأن بائعها كان وقفها مسجداً أو مقبرة، تسمع دعواه، صيانةً لحقوق القاصرين والجماعة، وإذا ثبت ذلك ينقض العقد. وهذا استثناء من قاعدة أخرى "من سعى في نقض ما تمّ من جهته فسعيه مردود عليه ". (م/99) . فوائد مهمة الفائدة الأولى: في ضبط المشاق المقتضية للتخفيف قال السيوطي: المشاق على قسمين: القسم الأول: مشقة لا تنفك عنها العبادة غالباً، كمشقة البرد في الوضوء. والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، ومشقة ألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل الجناة، فلا أثر لهذه في إسقاط العبادات والأحكام في كل الأوقات. القسم الثاني: المشقة الي تنفك عنها العبادات غالباً، وهي على مراتب: الأولى: مشقة عظيمة فادحة (شديدة) كمشقة الخوف على النفوس، والأطراف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ومنافع الأعضاء، فهي موجبة للتخفيف والترخيص قطعاً، لأن حفظ النفوس، والأطراف، لإقامة مصالح الدين، أولى من تعريضها للفوات في عبادة، أو عبادات يفوت بها أمثالها. الثانية: مشقة خفيفة لا وقوع لها، كأدنى وجع في إصبع، وأدنى صداع في الرأس، أو سوء مزاج خفيف، فهذه لا أثر لها، ولا التفات إليها؛ لأن تحصيل مصالح العباد أولى من دفع هذه المفسدة التي لا أثر لها. الثالثة: متوسطة بين هاتين المرتبتين، فمما دنا من المرتبة العليا، أوجب التخفيف، أو من الدنيا، لم يوجبه، كحمى خفيفة، ووجع الضرس اليسير، وما تردد في إلحاقه بأيهما اختلف فيه، ولا ضبط لهذه المراتب إلا بالتقريب. وأشار الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى أن الأوْلى في ضبط مشاق العبادات: أن تضبط مشقة كل عبادة بأدنى المشاق المعتبرة في تخفيف تلك العبادة، فإن كانت مثلها أو أزيد، ثبتت الرخصة. الفائدة الثانية: أنواع تخفيفات الشرع قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: تخفيفات الشرع ستة أنواع: الأول: تخفيف إسقاط، كإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد بالأعذار. الثاني: تخفيف تنقيص، أي نقص من الواجب الأصلي، كالقصر في السفر، بناء على أن الفرض أربع ركعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الثالث: تخفيف إبدال، كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، وكإبدال القيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع والإيماء، وكإبدال الصيام بالإطعام. الرابع: تخفيف تقديم، كجمع التقديم في السفر والمطر مطلقاً إذا لم يتخذ عادة عند جمع من المجتهدين وغيرهم، وكتقديم الزكاة على الحول، وزكاة الفطر في رمضان، والكفارة على الحنث. الخامس: تخفيف تأخير، كجمع التأخير في السفر، وتأخير رمضان للمريض والمسافر، وتأخير الصلاة في حق مشتغل بإنقاذ غريق، أو نحوه من أعذار الصلاة. السادس: تخفيف ترخيص، كصلاة المستجمر مع بقية النجو، وشرب الخمر للغصة، وأكل النجاسة للتداوي، وإباحة اليتة للضرورة للترخيص في الأمور التي كانت صعبة ثم سهلها الشارع. السابع: استدركه العلائي، وهو تخفيف تغيير، كتغيير نظم الصلاة في الخوف. وقد يقال: هو داخل في النقص، لأنه نقص عن نظمها الأصلي، أو داخل في الترخيص، وحينئذ فلا زيادة. قال ابن النجار الفتوحي رحمه الله تعالى: "ومن التخفيفات أيضاً أعذار الجمعة والجماعة، وتعجيل الزكاة، والتخفيفات في العبادات والمعاملات والمناكحات والجنايات، ومن التخفيفات المطلقة فروض الكفاية، وسننها، والعمل بالظنون لمشقة الاطلاع على اليقين ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الفائدة الثالثة، الرخص أقسام الأول: ما يجب فعلها، كأكل الميتة للمضطر الذي غلب على ظنه الهلاك. وكالفطر لمن خاف الهلاك بغلبة الجوع والعطش وإن كان مقيماً صحيحاً، وكإساغة الغُضة بالخمر. الثاني: ما يندب، كالقصر في السفر إذا بلغ ثلاث مراحل، وكالفطر لمن يشق عليه الصوم، في سفر أو مرض، وكالإبراد بالظهر، وكالنظر إلى الخطوبة. الثالث: ما يباح، كالسَّلم، والصلح، والإجارة، باعتبار أصولها، لا باعتبار ما يطرأ عليها، فإنها قد تكون واجبة كإجارة القاضي أموال المفلس. الرابع: ما الأولى تركها، كالمسح على الخف، والجمع، والفطر لمن لا يتضرر، وكالتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل وهو قادر عليه. الخامس: ما يكره فعلها، كالقصر في أقل من ثلاث مراحل خروجاً من خلاف أبي حنيفة. قال المقري: "لا يُكره الأخذ بالرّخص الشرعية كالتعجيل في يومين، كما لا تكون أفضل من غيرها من حيث هي رخص، لكن يُكره تتبعها له، لئلا يؤدي إلى ترك العزائم، ويستحب تركها حيث قيل في محالِّها بالتحريم، خشية الرعي حول الحمى، ويجب فعلها، ويُندب إليه جث دلّ الدليل عليه ". ويتفرع عن هذه القاعدة الأساسية الرابعة عدة قواعد فرعية، وهي القواعد الآتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 القاعدة: [32] 1 - الأمر إذا ضاق اتَّسع (م/ ما) الألفاظ الأخرى - إذا ضاق الأمر اتَّسع. - إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق. - كل ما تجاوز عن حده انعكس إلى ضده. التوضيح إذا ظهرت مشقة في أمر فإنه يرخص فيه ويوسع، وهذه القاعدة قريبة المعنى من قاعدة: المشقة تجلب التيسير (م/ 17) ومتفرعة عنها. والأصل فيها قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه. فإذا حصلت ضرورة عارضة للشخص أو الجماعة، وأصبح معها الحكم الأصلي محرجاً ومرهقاً حتى يجعل المكلف في حرج وضيق فإنه يخفف ويوسع عليه حتى يسهل. وإذا دعت الضرورة والمشقة إلى اتساع الأمر فإنه يتسع إلى غاية اندفاع الضرورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 والمشقة، فإذا اندفعت الضرورة الداعية عاد الأمر إلى ما كان عليه قبل نزوله، وهو معنى الشق الثاني " وإذا اتسع ضاق "، ويجمع بين القاعدتين بقول (كل ما تجاوز عن حده انعكس إلى ضده) . وهذه القاعدة في معنى القاعدة الأخرى " الضرورات تبيح المحظورات". (م/ 21) وتقرب من القاعدة الأخرى "الضرورة تقدر بقدرها " (المادة/ 22) . وهذه القاعدة من عبارات الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وأشار عز الدين بن عبد السلام إليها فقال: "هذه الشريعة مبنية على أن الأشياء إذا ضاقت اتسعت ". التطبيقات هذه القاعدة من جزئيات القاعدة "المشقة تجلب التيسير" (م/17) ويجتمع تحتها من مسائلها كل ما كان التيسير فيه مؤقتاً. ويتفرع عنها فروع أخرى: 1 - جواز دفع السارق والباغي ما أمكن إلى أن يندفع شره ولو بالقتل، فإن اندفع فلا يجوز الاعتداء عليه؛ لأن الأمر إذا اتسع ضاق، ولذا قال سيدنا علي، كرم الله وجهه: لا تتبعوا مولياً، ولا تجهزوا على جريح؛ لأن القصد من القتال كان دفع الضرر، وقد حصل بهربه أو جرحه، فلا يجوز الزيادة عليه، لأن " ما جاز لعذر امتنع بزواله " (م/ 23) . (الزرقا ص 163، السدلان ص 5 27) . 2 - جواز طعن المزكي في الشهود، وطعن المحدث في الرواة. (الزرقا ص 164) . 4 - جواز قبول شهادة الأمثل فالأمثل، والأحسن فالأحسن، عند عدم وجود الشهود العدول، وعند فقد العدالة أو ندرتها. (الزرقا ص 164، الدعاس ص 32) . 5 - عدم وجوب الخروج على الإمام الجائر إذا كان متغلباً، وفي الخروج عليه مفسدة. (الزرقا ص 164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 6 - يباح للمتوفى عنها زوجها الخروج من بيتها أيام عدتها إذا اضطرت للاكتساب. (الدعاس ص 32، السدلان ص 270) . 7 - يجوز الإجارة على الطاعات كتعليم القرآن والأذان حفظاً للشعائر الدينية من الضياع، كما أفتى به المتأخرون، فإن وجد المتبرع لذلك منع الاستئجار، لأن الأمر إذا اتسع ضاق. (الدعاس ص 32، السدلان ص 270) . 8 - يجوز كل الميتة، أو من مال الغير عند الاضطرار، على أن يضمنه، حفظاً للحياة. (الدعاس ص 32) . 9 - إذا فقدت المرأة وليها في سفر، فولت أمرها رجلاً فذلك يجوز. (اللحجي ص 41) . 10 - يجوز الوضوء في أواني الخزف المعمولة بالسرجين. (اللحجي ص 41) . 11 - يعفى عما يحمله الذباب على رجله من النجاسة. (اللحجي ص 41) . 12 - يسامح في قليل العمل في الصلاة لما كان يشق اجتنابه. لكن كثيره لم يسامح به لما لم يكن به حاجة، لأن الأمر إذا ضاق اتسع. وإذا اتسع ضاق، وكل ما تجاوز عن حدّه انعكس إلى ضده. (اللحجي ص 41 - 42) . 13 - إذا كان المدين معسراً، ولا كفيل له بالمال، يترك إلى وقت الميسرة، وإذا لم يقدر على إيفاء الدَّين جملة يساعد على تاديته مقسطاً. (السدلان ص 270) . 14 - الأعذار الموجبة لفسخ الإجارة دفعاً للضرر عن المستأجر أو المؤجر. (السدلان ص. 127. 15 - يتسامح في قليل من النجاسات والدم مما يشق الاحتراز عنه. (السدلان ص 270) . 16 - قبول شهادة القابلة وحدها على الولادة عند الحنفية ضرورة حفظ الولد ونسبه. (السدلان ص 270) . 17 - اعتبار عرف الناس في كثير من المواطن، ما دام لا يصادم أسس الشريعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 لأن في عدم رعاية العرف وعدم اعتبار سلطانه حرجاً عظيماً على الناس. (السدلان ص 271) . 18 - تغير مياه الأبار بروث الأنعام في البادية، لو حكمنا بفساده لضاق الأمر على أهل البادية، وما ضاق أمره اتسع حكمه. (دراش 234) 19 - قبول شهادة النساء والصبيان في الحمامات والمواضع التي لا يحضرها الرجال، دفعاً لحرج ضياع الحقوق (دراش 238) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 القاعدة: [33] 2 - الضرورات تبيح المحظورات (م/21) التوضيح هذه القاعدة من فروع قاعدة "المشقة تجلب التيسير" (م/ 17) وقاعدة "إذا ضاق الأمر اتسع " (م/ 18) وقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" (م/ 19) . لأن ما تفرع على هذه القاعدة يمكن أن يتفرع على القواعد الثلاث الأخرى، كما تتفرع هذه القاعدة عن قاعدة "الضرر يزال " (م/ 25) . والضرورة هي بلوغ الحد الذي إذا لم يتناول معه الممنوع حصل الهلاك للمضطر أو قريب منه، كفقد عضو أو حاسة من الحواس، فهذه هي الضرورة الشرعية (1) . ويشترط في هذه القاعدة نقصان المحظورات عن الضرورات، فإن لم ينقص المحظور فلا يباح. والأصل في هذه القاعدة ما ورد في القرآن الكريم من استثناء حالات الاضطرار الطارئة في ظروف استئنائية، كقوله تعالى بعد تعداد طائفة من المحرمات: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ، وقال تعالى أيضاً: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) .   . (1) عبر ابن تيمية رحمه الله تعالى عن ذلك بعدة عبارات، منها: الواجب بالشرع قد يرخص عند الحاجة، الواجبات الشرعية تسقط بالعذر، الواجبات تسقط للحاجة، الواجبات كلها تسقط بالعجز. المحظورات لا تباح إلا في حال الاضطرار، انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية 1/ 513) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 التطبيقات 1 - جواز إتلاف مال الغير إذا أكره عليه بملجئ. (الزرقا ص 185) كما تقدم. 2 - جواز أخذ الدائن مال المدين الممتنع عن الأداء إذا ظفر به. وإن كان من خلاف جنس حقه في زماننا. (الزرقا ص 185) . 3 - يجوز كشف الطبيب عورات الأشخاص إذا توقفت عليه مداواتهم. (الدعاس ص 33 الغرياني ص 321) . 4 - يجوز للمضطر أكل الميتة ولحم الخنزير دفعاً للهلاك. (الدعاس ص 33، الغرياني ص 321) . 5 - يجوز أكل الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر، ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله. (اللحجي ص 42، الغرياني ص 321، الفتوحي 4/ 444) . 6 - يجوز إتلاف شجر الكفار وبنائهم لحاجة القتال وللظفر بهم، وكذا الحيوان الذي يقاتلون عليه. (اللحجي ص 42، الغرياني ص 321) . 7 - يجوز نبش الميت بعد دفنه للضرورة، بأن دفن بلا غسل. أو لغير القبلة، أو في أرض أو ثوب مغصوبين. (اللحجي ص 42، الغرياني ص 321) . 8 - يجوز غصب الخيط لخياطة جرح حيوان محترم. (اللحجي ص 42) . 9 - يجوز أكل مال الغير للمضطر. (الغرياني ص 321) . 10 - اختلف في التلفظ بكلمة الكفر للمكرَه. (الغرياني ص 321) . 11 - التداوي بالنجاسة للمضطر (الغرياني ص 321) . 12 - اختلف علماء المالكية في إباحة الضرورة للربا، من ذلك مسألة المسافر يأتي إلى دار الضرب، فيعطي ذهباً تبراً (غير مصنَّع) ، ويأخذ وزنه دنانير مضروبة، ويزيد أجرة الضرب، فهذه الصورة في التعامل من صور الربا؛ لأنها من استبدال الذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 بالمذهب متفاضلاً، ولكن اختلفوا في إباحتها للمسافر المضطر الذي لا يقدر على الانتظار حتى يتم تصنيع ذهبه وضربه دنانير، والراجح المنع. (الغرياني ص 322) . 13 - السفاتج، وهي أن يتسلف الرجل في بلد، ويكتب لوكيله في بلد آخر، ليدفع للمقرض دينه في البلد الآخر لخوف الطريق، الصحيح فيها الجواز، لأن المنفعة ليست للمقرض وحده، وإنما للمقترض أيضاً. (الغرياني ص 322) . 14 - جواز دخول المنازل بغير إذن أصحابها في حالات الضرورة، كالدخول لقتال العدو، أو لأخذ متاع ساقط فيها، أو لإصلاح مجرى ماء له حق في إمراره منها، أو لإلقاء القبض على المفسدين أو المجرمين المختفين فيها، وذلك إذا لم تكن هناك سلطة منصفة. (السدلان ص 263) . 15 - جواز دفع الصأكل حيواناً كان أو إنساناً إذا هجم على الشخص، حتى ولو أدى إلى قتله. (السدلان ص 263) . 16 - جواز إتلاف شجر الأعداء، وتخريب ديارهم، وتحريقهم، وتغريقهم، وضربهم بوسائل القتل الثقيلة إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة الحربية لذلك، لدفع عدوانهم أو الظفر بهم. (السدلان ص 263) . 17 - جواز اتخاذ وسائل منع الحمل لتنظيم النسل، وذلك من أجل المحافظة على حياة الأم وصحتها، أو عدم إهمال تربية الأولاد وعدم العناية بهم، ويكون ذلك بعد الرجوع إلى أهل العلم الشرعي، واستشارة ذوي الاختصاص من الأطباء، ورضا الزوجين بذلك. (السدلان ص 263) . 18 - جواز إساغة اللقمة بالخمر وبالبول عند الضرورة. (الفتوحي 4/ 444) . 19 - جواز قتل المحرم الصيد دفعاً عن نفسه إذا صال عليه، ولا يضمن (الفتوحي 4/ 444) . 20 - العفو عن أثر الاستجمار (الفتوحي 4/ 444) . 21 - يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم، لأن الواجب فعل المقدور، والمعجوز عنه ساقط الوجوب.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 527) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 22 - إذا اضطر الناس إلى شراء نوع من الطعام أو اللباس أو السلاح ونحو ذلك، وامتنع التجار، أو من توفرت عنده هذه السلع من بيعهم، جاز لهم أخذها منهم بالثمن بلا رضاهم، ويجب على السلطان إجبارهم على البيع، أو بيعها عليهم. (ابن تيمية، الحصين 1/ 534) . 23 - الاضطرار إلى منفعة مال الغير، فإنه يجب بذلها، ويجبر على ذلك إذا امتنع.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 534) . المستثنى يستثنى من القاعدة ما ورد قيداً عليها، بألا تنقص الضرورة عن المحظور، فإذا نقصت فإنه لا يباح المحظور، وبعبارة أخرى: بشرط نقصان المحظور عن الضرورات، ولذلك يخرج على القاعدة فروع: أ - إذا دار الأمر بين السنة والبدعة فتركه أولى، وإذا دار بين الواجب والبدعة ففعله أولى. (الزرقا ص 185) . 2 - لو دفن الميت بلا كفن فلا ينبش؛ لأن هتك حرمته أشد من تركه بلا كفن، وقام الستر بالتراب مكانه. (الزرقا ص 185، اللحجي ص 42 - 43) . 3 - لو كان الميت نبياً فإنه لا يحل أكله للمضطر، لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر. (اللحجي ص 42) . 4 - لو أكره شخص على القتل أو الزنا فلا يباح واحد منهما بالإكراه، كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 تقدم، لما فيهما من المفسدة التي تقابل حفظ مهجة المكره، أو تزيد عليه. (اللحجي ص 42، الروقي ص 301) . ويؤيد هذه المستثنيات القواعد التالية: 1 - إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما. (م/ 28) . 2 - يجوز اختيار أهون الشرين (م/ 29) . 3 - درء المفاسد أولى من جلب المصالح (م/ 35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 القاعدة: [34] 3 - الضرورات تَقَدَّر بقَدْرِها (م/33) الألفاظ الأخرى: - ما أبيح للضرورة يُقدرُ بقَدْرِها. - ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها. - ما ثبت للضرورة يقدر بقدرها. - الضرورة تقدر بقدرها. - الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة. التوضيح هذه القاعدة قيد لقاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " (م/ 21) للتنبيه على أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظور إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فحسب. فإذا اضطر الإنسان لمحظور فليس له أن يتوسع في المحظور. بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط. فالاضطرار إنما يبيح المحظورات بمقدار ما يدفع الخطر. ولا يجوز الاسترسال، ومتى زال الخطر عاد الحظر. وأصل هذه القاعدة ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى: "كل ما أحل من محرّم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة. فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 مثلاً: الميتة المحرَّمة في الأصل المحلَّة للمضطر، فإذا زالت الضرورة عادت إلى أصل التحريم ". وهذا يؤكد القاعدة السابقة: "إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق " وذلك يتفرع أيضاً عن قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " وكل هذه القواعد تدخل تحت القاعدة الأساسية "المشقة تجلب التيسير" وتدخل معظم الفروع المذكورة فيها تحت كل منها. ووضع المالكية قاعدة مماثلة فقالوا: "الأصل ألا تكون الإباحة في ثابت المنع عند الحاجة إليه إلا على قدر المبيح إلا بدليل ". التطبيقات 1 - إذا احتاج الإنسان لمداواة العورة فيكشف الطبيب بمقدار ما يحتاج إلى كشفه فقط. (الدعاس ص 33) . 2 - إن مداوة عورة المرأة لا يجوز أن يطلع عليه رجل إذا وجدت امرأة تحسن ذلك، لأن اطلاع الجنس على جنسه أخف محظوراً. (الدعاس ص 23) . 3 - إن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سدّ الرمق، ولا يشبع إلا إذا كانت لديه مسافة بعيدة لا يقطعها إلا بالشبع فلا بأس. (اللحجي ص 43) . هذا في المذهب الشافعي، وفي المذهب المالكي قولان في الحد الأدنى، فقيل: هو سد الرمق، وقيل يجوز بقدر الشبع، والقول الثاني استحسنه الإمام مالك قال: "إن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى الشبع، ويتزود منها، فإن وجد عنها غنى طرحها" قال في (الموطأ) : "وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة". (الموطأ ص 309 ط الشعب، الإشراف 2/ 257، القواعد الفقهية، الروقي ص 310. المقري 1/ 331) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 4 - متى استشير الإنسان في خاطب، واكتفى بالتعريض، كقوله: "لا يصلح لك " لم يعدل إلى التصريح. (اللحجي ص 43) . 5 - يجوز أخذ نبات الحرم لعلف البهائم، ولا يجوز أخذه لبيعه لمن يعلف. (اللحجي ص 43) . 6 - يعفى عن محل استجمار الإنسان، ولو حمل المصلي مستجمراً بطلت الصلاة. (اللحجي ص 43) . 7 - يعفى عن ميت لا نفس له سائلة، فإن طرح قصداً ضر. (اللحجي ص 43) . 8 - لا يجوز تزوبج المجنون أكثر من واحدة لاندفاع الحاجة بها. (اللحجي ص 43) . 9 - عند القول بجواز تعدد الجمعة لعسر الاجتماع في مكان واحد لم يجز إلا بقدر ما يندفع، فلو اندفع بجمعتين لم يجز ثالثة. (اللحجي ص 43) . 10 - إن المشتري إذا ادعى بالمبيع عيباً لا يطلع عليه إلا النساء، فإنه يقبل فيه، لأجل توجيه الخصومة فقط، قول الواحدة العدل، واثنتان أحوط، فإن قالت واحدة أو ثنتان؛ إن العيب المدعى به قائم، يحلف البائع، ولا يثبت حق الرد بشهادة النساء وحدهن؛ لأن ثبوت العيب بشهادتهن ضروري، ومن ضرورته ثبوت توجيه الخصومة دون الرد، فيحلف البائع، فإن نكل تايدت شهادتهن بنكوله، فيثبت الرد. (الزرقا ص 187) . 11 - إن من اضطر لأكل مال الغير، فإن الضرورة تقتصر على إباحة إقدامه على أكل ما يدفع به الضرورة بلا إثم فقط، ولكن لا تدفع عنه الضمان، لقاعدة أخرى "الاضطرار لا يبطل حق الغير" (م/33) . (الزرقا ص 188) . 12 - من أكره على اليمين الكاذبة فإنه يباح له الإقدام على التلفظ مع وجوب التورية والتعريض فيها إن خطرت على باله التورية والتعريض، فإن في المعارضة مندوحة. (الزرقا ص 188) . 13 - للخاطب أن ينظر لخطوبته بقدر الحاجة. (السدلان ص 277) . 14 - يجب على المدافع عن نفسه، أن يستخدم من وسائل الدفاع الأخف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فالأخف، فيبدأ بالوعيد والتهديد، ثم بالضرب العادي، ثم بالجرح، ثم بالقتل حسب جسامة الخطر ومقدار التعدي، وبما يكفي لصدّ العدوان. (السدلان ص 278) . 15 - يحكم القاضي بسد المنافذ المطلة على مقر نساء الجار بقدر ما يمنع الضرر وأذى النظر عنه بوضع حاجز خشي ونحوه، لا بسدّ النافذة كلياً. (السدلان ص 278) . 16 - يباع من مال المدين جبراً عنه بواسطة القاضي بقدر ما يفي بالديون الحالة إذا كان له مال ظاهر من جنس الدَّين باتفاق الفقهاء (السدلان ص 278) . 17 - يجوز لولي اليتيم أن يأخذ من مال اليتيم عند الحاجة بقدر عمله، إلا أن يفرض له الحاكم شيئاً فيجوز له أخذه كاملاً. (السدلان ص 279) . 18 - لا يتيمم المصلي قبل الوقت، ولا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد (المقري 1/ 331) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة صور، ويباح فيها المحظور بأكثر من مقدار الضرورة. 1 - العرايا: أبيحت في الأصل للفقراء للضرورة، ثم جازت للأغنياء في الأصح. (اللحجي ص 43) . 2 - الخلع: فإنه أبيح مع المرأة على سبيل الرخصة، ثم جاز مع الأجنبي. (اللحجي ص 43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 3 - اللعان: إنما جوز حيث تعسرت إقامة البيِّنة على زناها، ثم جاز حيث تمكن على الأصح. (اللحجي ص 43) فائدة: مراتب المصالح إن مراتب المصالح خمس: ضرورة، وحاجة، ومنفعة، وزينة، وفضول. فالضرورة: بلوغه حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، وهذا يبيح المحرم كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو ترك هلك أو تلف منه عضو. والحاجة: وصوله إلى حالة بحيث لو لم يأخذ الممنوع لم يهلك، كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح الحرام، ويبيح الفطر في الصوم. والمنفعة: وهي ما كان اشتهاء، كمن يشتهي خبز البُرِّ، ولحم الغنم، والطعام الدسم. والزينة: وهي ما كان القصد به التفكه، كالمشتهي الحلوى المتخذ من اللوز والسكر، والثوب المنسوج من حرير وكتان. والفُضُول: بضم الفاء والضاد المعجمتين، وهو التوسع بأكل الحرام، أو الشبهة، كمن يريد استعمال أواني الذهب والفضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 القاعدة: [35] 4 - الاضطرار لا يبطل حق الغير (م/33) التوضيح هذه القاعدة قيد على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات" (م/ 21) وتؤيد قاعدة " الضرورات تقدر بقدرها" (م/ 22) . وذلك أن الاضطرار، وإن كان يقتضي تغيير الحكم من الحرمة إلى الإباحة والترخيص، فإنه لا يبطل حق الغير، وإنما هو عذر في إسقاط الإثم، سواء أكان الاضطرار بأمر سماوي كالمجاعة والحيوان الصائل، أم غير سماوي كالإكراه الملجئ، لكن في صورة الإكراه الملجئ يقع الضمان على المكرِه، وفي غير الملجئ فالضمان على الفاعل، ولا ضرورة لإبطال حق الغير، لأن الضرر لا يزال بالضرر، فيحافظ المضطر على حياته مثلاً لكنه يضمن المال لصاحبه، لأن أموال الناس مصونة شرعاً. التطبيقات 1 - يجوز للمضطر أدن يأكل من مال الغير ما يدفع به الهلاك عن نفسه جوعاً، ويدفع الصائل بما أمكن ولو بالقتل، ويضمن في المحلين، وإن كان مضطراً، فإن الاضطرار يظهر في حل الإقدام، لا في رفع الضمان وإبطال حق الغير، ولو لم يضمن لكان من قبيل إزالة الضرر بالضرر، وهذا منافٍ وغير جائز، ويتعارض مع قاعدة "الضرر لا يزال بمثله " (م/ 5 2) . (الزرقا ص 213، الدعاس ص 33) . 2 - إذا ورد الإكراه الملجئ على إتلاف مال الغير، فإن المكرِه (بالكسر) يضمنه، أما الإكراه غير الملجئ، فإنه لا يبيح الإقدام على الإتلاف، ولو أقدم فإن الضمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 يقع على الفاعل، لا على المكرِه؛ لأن الاضطرار لا يتحقق في غير الملجئ بالنسبة لمال الغير. (الزرقا ص 213) . والظاهر أن ضمان المكرِه (بالكسر) لا يختص بما إذا كان المكرَه على إتلافه مال الغير، بل مثله ما إذا كان مال المكرَه (بالفتح) ، بدليل ما نصوا عليه من أنه لو أكره على أكل طعام نفسه، وكان غير جائع، فإن المكرِه يضمنه. (الزرقا ص 213) . 3 - لو انتهت مدة الإجارة أو العارية، والزرعُ بَقْل لم يُحْصَد بعد، فإنه يبقى إلى أن يستحصد، ولكن بأجر المثل؛ لأن اضطرار المستأجر والمستعير لإبقائه لا يبطل حق المالك، فتلزم الأجرة. (الزرقا ص 214) . 4 - لو انتهت مدة إجارة الظئر، وقد صار الرضيع لا يأخذ ثدي غيرها، ولم يستغن بالطعام، فإنها تجبر على إرضاعه، ولكن بأجر المثل. (الزرقا ص 214) . 5 - لو علق طلاق زوجته على فعل نفسه الذي لا بدَّ منه، وكان التعليق في الصحة، والشرط في المرض، يكون فاراً وترث، لأن اضطراره إلى فعل ما لا بدَّ منه لا يبطل حق زوجته في الإرث، فترث. (الزرقا ص 214) . 6 - لو أشرفت سفينة على الغرق، فالقى الملاح متاع غيره ليخفف حمولتها ضمنه. (السدلان ص 358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 القاعدة: [36] 5 - الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة. (م/32) الألفاظ الأخرى - الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة في إباحة المحظور. - الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس. التوضيح الضرورة هي الحالة الملجئة إلى ما لا بدَّ منه، والضرورة أشدُّ درجات الحاجة للإنسان، ويترتب على عصيانها خطر، كخشية الهلاك جوعاً، والإكراه الملجئ، والمحتاج إذا لم يصل إلى حاجته لا يهلك، ولا يفقد عضواً من أعضائه، ولكنه يكون بسبب فقدها في جهد ومشقة شديدة. والحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة، وإن الحكم الثابت لأجلها مستمر. والثابت للضرورة مؤقت، ويترتب على عدم الاستجابة إلى الحاجة عسر وصعوبة. والحاجة تتنزَّل، فيما يحظره ظاهر الشرع، منزلة الضرورة، عامة كانت أم خاصة، وتنزيلها منزلة الضرورة في كونها تثبت حكماً، وإن افترقا في كون حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الحاجة مستمراً، وحكم الضرورة مؤقتاً بمدة قيام الضرورة؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها" (م/ 22) . ومعنى كونها عامة: أن يكون الاحتياج شاملاً جميع الأمة. ومعنى كونها خاصة: أن يكون الاحتياج لطائفة منهم، كأهل بلد، أو حرفة، وليس المراد من كونها خاصة أن تكون فردية إلا نادراً. وكيفما كانت الحاجة فالحكم الثابت بسببها يكون عاماً بخلاف الحكم الثابت بالعرف والعادة، فإنه يكون مقتصراً وخاصاً بمن تعارفوه، وتعاملوا عليه. واعتادوه؛ وذلك لأن الحاجة إذا مست إلى إثبات حكم تسهيلاً على قوم لا يمنع ذلك من التسهيل على آخرين، ولا يضر، بخلاف الحكم الئابت بالعرف والعادة، فإنه يقتصر على أهل ذلك العرف؛ إذ ليس من الحكمةِ إلزام قوم بعرف آخرين وعادتهم ومؤاخذتهم بها. ومعنى هذه القاعدة أن التسهيلات الاستثنائية في الشرع لا تقتصر على حالات الضرورة الملجئة، بل تشمل التسهيلات حاجات الجماعة أيضاً مما دون الضرورة. ولكن إنما يضاف الحكم إلى الحاجة فيما يظهر إذا كان تجويزه مخالفاً للقياس، وإلا كانت إضافته للقياس أولى، ويدخل تحت الأصل والحكم العام. والظاهر أن ما يجوز للحاجة إنما يظهر فيما ورد فيه نص يجوزه، أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وجعل ما ورد في نظيره وارداً فيه. كما في بيع الوفاء، فإن مقتضاه عدم الجواز؛ لأنه إما من قبيل الربا؛ لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة، كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز ذلك على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة وثمر الشجرة، والرهن على هذه الكيفية جائز. أو كان الفعل لم يرد فيه نص يجوِّزه، أو تعامل، ولم يرد فيه نص يمنعه، ولم يكن له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 نظير جائز في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه منفعة ومصلحة، كما وقع في الصدر الأول من تدوين الدواوين، وضرب الدراهم، والعهد بالخلافة، وغير ذلك مما لم يأمر به الشرع، ولم يَنْهَ عنه، ولم يكن له نظير قبل، فإنه دعت إليه الحاجة، وسَوَّغته المصلحة، بخلاف الضرورة؛ فإن ما يجوز لأجلها لا يعتمد شيئاً من ذلك. أما ما لم يرد فيه نص يسوِّغه، ولا تعاملت عليه الأمة، ولم يكن له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وليس فيه مصلحة عملية ظاهرة، فإن الذي يظهر عندئذ عدم جوازه، جرياً على ظواهر الشرع، لأن ما يتصور فيه أنه حاجة، والحالة هذه، يكون غير منطبق على مقاصد الشرع، وقد ذكر ابن الهمام أن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي. وأما ما ورد فيه نص يمنعه بخصوصه فعدم الجواز فيه واضح، ولو ظُنت فيه مصلحة؛ لأنها حينئذ وهم. والفرق بين الحاجة والضرورة في الأحكام أمران: 1 - إن الضرورة تبيح المحظور سواء كان الاضطرار للفرد أو للجماعة، والحاجة لا تبيح المحظور إلا للجماعة، والحاجة إذا عمَّت كانت كالضرورة. 2 - الحكم الثابت بالضرورة ينتهي بانتهاء الاضطرار؛ بخلاف الحكم الثابت بالحاجة، فهي تثبت بصورة دائمة، يستفيد منها المحتاج وغيره، وهي لا تصادم النص، إنما تخالف القواعد العامة والقياس. التطبيقات 1 - تجويز الإجارة، فإنها جوزت بالنص على خلاف القياس، للحاجة إليها؛ لأن عقد الإجارة يرد على المنافع، وهي معدومة، وتمليك المعدوم قبل وجوده يستحيل، ولا يمكن جعل العقد فيها مضافاً إلى زمن وجود المنفعة؛ لأنَّ التمليكات لا تقبل الإضافة. (الزرقا ص 211، اللحجي ص 45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 2 - تجويز السلم، وهو بيع معدوم، وإن جُوِّزَ بالنص على خلاف القياس لحاجة الكثير إليه. (الزرقا ص 211، الدعاس ص 34) . 3 - تجويز الجعالة، وهو عقد مع غير معلوم، ففيه جهالة، وجوزت للحاجة إليه (اللحجي ص 45) . 4 - تجويز الحوالة، وهو بيع الدين بالدين، وجوّزت لعموم الحاجة إلى ذلك. (اللحجي ص 45) . 5 - تجويز ضمان الدَرَك (1) ، فإنه جوّز با لإجماع، على خلاف القياس؛ وذلك لأن الكفالة من جهة المطلوب، وهو المكفول عنه، بمنزلة الطلاق والعتاق لا تتوقف على قبوله، ومن جهة الطالب، وهو المكفول له، بمنزلة البيع؛ لأنها تملكه حق مطالبة الكفيل، فتستدير التنجيز كسائر التمليكات، وضمان الدرك عبارة عن ضمان الثمن للمشتري عند استحقاق المبيع، فهو كفالة مضافة، والقياس يأباها؛ لأنها تمليك للطالب كما ذكرنا، والتمليكات لا تقبل الإضافة، لكنها جوِّزت بالإجماع، لمكان التعامل، ولقوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) .. (الزرقا ص 211) . 6 - تجويز استئجار السمسار على أن له في كل مئة كذا، فإن القياس يمنعه. ويوجب له أجر المثل، ولكن جوَّزوه للتعامل لحاجة الناس إليه. (الزرقا ص 211) . 7 - تجويز استئجار الظئر للإرضاع، على القول بأن العقد يرد على اللبن، والخدمة تثبت تبعاً، فإنه جوز للحاجة، بالتعامل، وبقوله تعالى:. (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ، وإلا فالقياس يأباه، لأنه وارد على استهلاك العين. والإجارة إذا وردت على استهلاك العين مقصوداً لا تجوز. (الزرقا ص 211) . 8 - تجويز الاستصناع فيما فيه التعامل، على الصحيح، من أن الاستصناع بيع.   . (1) وهو أن يضمن البائع المبيع للمشتري إذا أدركه آخر وطالب باستحقاق المبيع، فيرد البائع الثمن للمشتري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 لا عِدَة، فإن القياس يأباه؛ لأنه بيع المعدوم، لكن جوَّزوه استحساناً بالإجماع للحاجة بسبب تعامل الناس عليه، وما فيه من الخلاف فليس في أصل جوازه، بل في أنه بيع أو عدة. (الزرقا ص 212) . 9 - تجويز دخول الحمام بأجر، فمقتضى القياس عدم جوازه، لأنه وارد على استهلاك الأعيان وهو الماء الحار، ومع ذلك فإن ما يستوفيه كل من الآخر مجهول، لكنه جوّز لحاجة الناس، بالتعامل، مع جهالة المدة، وكمية الماء، للحاجة، وله نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وهو جواز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها، فإن ما يستوفيه كل من المؤجر والمستأجر من صاحبه مجهول، وهذا النظير (يعني استئجار الظئر بطعامها وكسوتها) هو من السوابق الشائعة من صدر الإسلام بلا نكير. وجوازه مروي عن أبي حنيفة نفسه. (الزرقا ص 212، الدعاس ص 35) . 10 - تجويز الوصية، فإن القياس يأباها؛ لأنها تمليك مضاف لما بعد الموت. والتمليكات لا تقبل الإضافة، وأيضاً بالموت ينتقل الملك إلى الوارث، فلم يبق للمورث بعد الموت حتى يملك تمليكه، ولكن جوزت بنص الكتاب العزيز، للحاجة. (الزرقا ص 212) . 11 - بيع الثمار التي تتلاحق في الظهور متى بدأ بعضها، نظراً للحاجة. (الدعاس ص 35) . 12 - بيع الوفاء (1) ، جاز للحاجة، ولتعامل الناس به كما سبق، وينطبق عليه قاعدة "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني " (م/3) . (الدعاس ص 35) . 13 - تضبيب الإناء (1) بالفضة يجوز للحاجة، ولا يعتبر العجز عن التضبيب   . (1) بيع الوفاء: أن يبيع شخص عقاراً لآخر، ويشترط عليه أنه إذا أعاد له الثمن ووفاه، فيفسخ البيع، ويسترد العقار.. (2) التضبيب: هو وضع الضُبَّة وهي القطعة لإصلاح الإناء ولحمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بغير النقدين، فإن العجز يبيح إصلاح الإناء منهما قطعاً، بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى الزينة كإصلاح موضع الكسر، وكالشذ والتوثق، وهذا مثال للحاجة الخاصة.. (اللحجي ص 45) . 14 - جواز لبس الحرير لحاجة دفع القمل والحكة، فيجوز لبسه لذلك بنص الحديث الشريف، وهذا مثال آخر للحاجة الخاصة. 15 - إذا عمَّ الحرام بلداً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً، فإنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الحرام للضرورة؛ لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، ولا يتوسع في الحرام من احتاج إليه، ولا يتبسط فيه كما يتوسع في الحلال، من وثير المركوب والمفروش، والأثاث والملبس، والتنعم بفواكه الطعام ولذائذه، لأن الضرورة أو الحاجة التي تنزل مترلتها تقدر بقدرها. (الغرياني ص 321) . 16 - جواز الصلح مع أن الصلح إنقاص للحق، ويترتب عليه أخذ مال الغير بدون وجه مشروع، إلا أنه أجيز بنصوص شرعية للإصلاح بين المتنازعين، وتسوية الخلاف، ولما يترتب عليه من مسامحة وتطييب النفوس. (السدلان ص 293) . 17 - جواز طائفة من الخيارات في العقد، وهو أن يكون للمتعاقد الحق أو الاختيار بين إمضاء العقد وفسخه وإبطاله، ويكون العقد غير لازم، مع أن الأصل في العقود أن تكون لازمة لا يجوز فسخها، وأجيز الخيار للحاجة الماسة حتى لا يطغى أحد على مصلحة أحد بدون تحقق رضاه، ولا يستغل عاقد حسن نية العاقد الآخر فيغبنه، وليتمكن كل عاقد من تفحص المعقود عليه، أو اكتشافه أثناء الخبرة والتجربة، أو ليتهيا له فرصة للتروي والتثبت والمشورة لموازنة حقه مع التزامه. (السدلان ص 294) . 18 - يجوز للجنب والحائض وكل حامل لنجاسة دخول المسجد بدون كراهة إذا كانت هناك حاجة أو عذر يقضي بذلك، وهي حاجة خاصة. (السدلان ص 295) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 19 - يدخل في هذه القاعدة جميع الأحكام التي قرر الفقهاء تبديلها لتغير الزمان أو فساده، فتقرّر الأحكام الجديدة وتتبدل تبعاً للحاجة، واعتبار العرف عاماً كان أو خاصاً استجابة لداعي الحاجة. (السدلان ص 295) . 20 - جواز المعاملات وضروب الشركات التي تحدث بين الناس، وتقتضيها تجارتهم، إذا قام البرهان، ودل الاستقراء على أنها صارت حاجياً للناس بحيث ينالهم الحرج والضيق إذا حرّمت عليهم، فتباح لهم، وإن كان فيها مجهول، أو معدوم، أو محظور، بمقدار ما يرفع الحرج عنهم.. (السدلان ص 294) . 21 - جميع واجبات الصلاة تسقط عند العجز عن فعلها، كالقيام، والقراءة، والجماعة، والاصطفاف، وغير ذلك من واجبات الصلاة.. (ابن تيمية، الحصين 1/256) 22 - يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم؛ لأن الواجب إنما هو فعل المقدور.. (ابن تيمية، الحصين 1/257) . 23 - إذا تعذر ضرب المحدود في القذف أو الزنا أو غير ذلك مفرقاً، لمرضه أو ضعفه، فإنه يجوز ضربه ضرباً مجموعاً غير مفرق.. (ابن تيمية، الحصين 1/257) . 24 - يفرق فيما يحرِّم من الرضاعة بين أن يقصد رضاعة أو تغذية، فمتى كان المقصود الثاني لم يحرِّم إلا ما كان قبل الفطام، وهذا هو إرضاع عامة الناس، وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم، وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها. (ابن تيمية، الحصين 1/257) . 25 - العرايا (وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر كيلاً) يلحق بها ما كان في معناها، لعموم الحاجة إلى ذلك، وحسب القاعدة السابقة "ما حرم لسدّ الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة ".. (ابن تيمية، الحصين 1/ 531) . 26 - ما يحتاج إلى بيعه يجوز بيعه وإن كان معدوماً إذا لم يمكن بيعه إلا على تلك الحال، فيجوز بيع المقاثي كالبطيخ والخيار والقثاء دفعة واحدة في البستان، وإن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 بعضها معدوماً لم يوجد بعد؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ويتعذر أو يتعسر بيعها لَقْطة لَقْطة.. (ابن تيمية، الحصين 1/531) . 27 - يجوز استئجار الأرض المشتملة على أشجار وأرض تصلح للزراعة، بأجرة معلومة، فيزرعها المستأجر، ويسقيها، وينتفع بثمرتها، ويعطي المؤجر أجرة معلومة في الشهر أو السنة، سواء أكان الشجر كثيراً يزيد عن الثلث، والباقي أرض بيضاء، أم كان قليلاً؛ لأن الحاجة داعية إلى مثل هذه المعاملة، ولا يمكن استئجار الأرض المشتملة على أشجار إلا باستئجار الشجر معها.. (ابن تيمية، الحصين 1/532) . 28 - جواز شراء وبيع أسهم الشركات التي تقترض بربا، أو تودع جزءاً من أموالها في بنوك ربوية، إذا كانت في أصل تعاملها قائمة على الحلال، وذلك أن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات لاستثمار مدخراتهم التي لا يستطيعون استثمارها وحدهم، وهم غير قادرين على منع هذه الشركات من مثل هذه المعاملات، وفي المنع من المشاركة فيها لأجل هذا القليل من الحرام من الضيق والحرج ما لا تأتي به هذه الشريعة الكاملة، ويتحرى المساهم بإخراج هذا المال المحرم والتخلص منه حين يستلم أرباحه (الحصين 1/533) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 القاعدة: [37] 6 - كل رخصة أبيحت للضرورة والحاجة لم تستبح قبل وجودها التوضيح إن الضرورات والحاجات التي تبيح الأحكام لتكون من الرخص والتخفيفات، إنما تكون مباحة للمكلف عند قيام الضرورة وانتهاضها عذراً شرعياً، أما قبل ذلك فلا. التطبيقات 1 - إن كل الميتة إنما يجوز عند قيام العذر المبيح، وهو الجوع وانعدام الطعام. (الروقي ص 311) . 2 - إن التيمم عند وجود العذر إنما يكون عند دخول وقت الصلاة أما قبلها فلا، عند المالكية والشافعية، لأنه قبل دخول الوقت مستغن عن التيمم، وينبني على ذلك وجوب التيمم لكل فرض. (الروقي ص 311) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 القاعدة: [38] 7 - يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها هذه القاعدة متفرعة عن قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات " فإن الأمور المحظورة فرعاً تجوز حالة الضرورة، ولا تجوز عند عدم الضرورة. وهناك حالات تباح للضرورة ولا تباح للحاجة، وذلك عندما يكون الإقدام على المحرم بلا ضرورة أضر من تركه، ولكن حال الضرورة يزيد ضرر ترك المحرم على ضرر الإقدام عليه، والميزان في ذلك كله ميزان الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد، والموازنة بين المصالح والمفاسد، فيرجح أعظمهما نفعاً، ويدفع أعظمهما شراً. التطبيقات 1 - يجوز تسليم اللقطة لصاحبها عند ظهوره من غير إقامة بينة على ذلك عند المالكية، لأن البينات تترتب في الأصل على حسب الأحوال المشهود فيها وما تدعو الحاجة إليه، وفي هذا الموضع تدعو الضرورة إلى ذلك؛ لأن البينة لا تقوى على ما يضيع، ولا على صفة أموالهم في كل حال، فلو كلفناهم البينة لأدى إلى ترك انتفاع الناس بأموالهم. (الروقي ص 309) . 2 - الحائض لا تمنع مما يمنع منه الجنب مع حاجتها إليه، ولهذا لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه، ولا من الطواف.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 527) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 القاعدة الأساسية الخامسة: [39] العادة مُحَكَّمة (م/36) التوضيح إن القاعدة تعني أن العادة عامة كانت أم خاصة تُجعل حكماً لإثبات حكم شرعي لم يُنص على خلافه بخصوصه، فلو لم يرد نص يخالفها أصلاً، أو ورد ولكن عاماً، فإن العادة تعتبر. وأصل هذه القاعدة قول ابن مسعود، رضي الله عنه: "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح " وهو حديث موقوف حسن، وإنه وإن كان موقوفاً عليه فله حكم المرفوع، لأنه لا مدخل للرأي فيه. ورواه الإمام أحمد في (كتاب السنة) وأخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في (الحلية) والبيهقي في (الاعتقاد) عن ابن مسعود أيضاً. وعقد الإمام البخاري في كتاب البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن، وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة، وقال شريح للغزالين: سنتكم بينكم ربحاً. وقال عبد الوهاب عن أيوب عن محمد: لا بأس، العشرة بأحد عشر ويأخذ للنفقة ربحاً، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". وقال تعالى: (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ) ، واكترى الحسن من عبد الله بن مرداس حماراً، فقال: بكَم؟ قال: بدانقين، فركبه، ثم جاء مرة أخرى، فقال: الحمارَ الحمارَ، فركبه ولم يشارطه، فبعث إليه بنصف درهم أي كالأجرة السابقة التي تعارفا عليها) . وساق البخاري رحمه الله تعالى ثلاثة أحاديث في ذلك، وعقب عليها ابن حجر رحمه الله تعالى فقال: (مقصوده بهذه الترجمة إثباته الاعتماد على العرف، وأنه يُقضى به على ظواهر الألفاظ". وقال النووي رحمه الله تعالى في فوائد حديث هند رضي الله عنها. "ومنها اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي ". وحدد ابن النجار الفتوحي رحمه الله تعالى الضابط للرجوع إلى العرف والعادة، فقال: وضابطه: كل فعل رُتب عليه الحكم، ولا ضابط له في الشرع، ولا في اللغة، كإحياء الموات، والحرز في السرقة، والأكل من بيت الصديق، وما يُعدُّ قبضاً، وإيداعاً، وإعطاء، وهدية، وغصباً، والمعروف في المعاشرة، وانتفاع المستأجر بما جرت به العادة، وأمثال هذه كثيرة لا تنحصر". والعادة في اللغة مأخوذة من المعاودة، بمعنى التكرار، فهي بتكرارها ومعاودتها مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة في النفرس والعقول، متلقاة بالقبول من غير علاقة ولا قرينة حتى صارت حقيقة عرفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 والعادة أيضاً: هي الاستمرار على شيء مقبول للطبع السليم، والمعاودة إليه مرة بعد أخرى، وهي المرادة بالعرف العملي. والمراد بها حينئذ ما لا يكون مغايراً لما عليه أهل الدين والعقل المستقيم، ولا منكراً في نظرهم، والمراد من كونها عامة: أن تكون مطردة أو غالبة في جميع البلدان. ومن كونها خاصة: أن تكون كذلك في بعضها، فالاطراد والغلبة شرط لاعتبارها سواء كانت عامة أو خاصة، وهو ما جاء في القاعدة: "إنما تعتبر العادة إذا اطَّردت أو غلبت" (م/ 41) وقاعدة "العبرةُ للغالب الشائع لا النادر" (م/ 42) . وإذا لم يرد نص مخالف يشملها فلا كلام في اعتبارها، فقد نقل ابن عابدين أن العادة إحدى حجج الشرع فيما لا نص فيه، ونقل أيضاً أن البناء على العادة الظاهرة واجب، وهو ما قرره السرخسي والحصيري الحنفيان. أما إذا ورد فإما أن يكون نصاً في مخالفتها فلا كلام في اعتباره دونها مطلقاً، عامة كانت أم خاصة، لأن النص أقوى من العرف، فالعمل بها حينئذ عبارة عن ردّ النص ورفضه للعادة، وهو لا يجوز، كتعارف الناس الكثير من المحرمات كشرب الخمر، والربا، وسفور المرأة وغيرها. وإما أن يكون عاماً، ويكون المعتاد جزئياً من جزئياته، وهنا يفرق بين حالتين، إما أن تكون عامة فتصلح أن تكون مخصصة لعمومه اتفاقاً، عملية كانت أم قولية. وإما أن تكون خاصة، واختلف في أنها هل تصلح مخصصة للنص العام بالنسبة لمن اعتادها أم لا، والمذهب أنها لا تصلح، وعليه مشى أبو بكر البلخي وأبو جعفر الحنفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ولكن أفتى كثير من مشايخ الحنفية في بلخ باعتبارها مخصصة بالنسبة لمن اعتادها، وعليه فروع كثيرة أفتوا بجوازها، كشراء الكتاب على شرط أن يَشْرُزَه، والقفل على أن يسمره، أو الفروة على أن يخيط بها الظهارة، أو القبقاب على أن يضع له سَيْراً، أو النعل على أن يُشرِكه، فىِ محل تعارفوا فيه ذلك، وغير ما ذكر مما لا يحصى من الفروع. وإذا كان الشرع يقتضي الخصوص، واللفظ يقتضي العموم، فالمعتبر الخصوص، فلو أوصى لأقاربه، لا يدخل الوارث اعتباراً لخصوص الشرع، لكن هذا ليس بظاهر، لأنه من قبيل مصادمة العمل للنص المخالف له بخصوصه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "لا وصية لوارث ". وإنما تعتبر العادة إذا كانت سابقة، فلا عبرة بالعرف الطارئ. وعليه فلو كان الوقف سابقاً على ما تعورف من البطالة في الأشهر الثلاثة لا يعتبر ذلك العرف. وكذلك لو كان التعليق سابقاً على العرف فلا يقيد العرف لفظ التعليق المطلق. وللعادات والأعراف سلطان على النفوس، وتحكم في العقول، لهذا اعتبرت من ضروريات الحياة، ولهذا قالوا: "العادة طبيعة ثانية" وفي نزع الناس من عاداتهم حرج شديد. والعرف قسمان: عام، وخاص. والعرف الخاص: هو ما كان مخصوصاً ببلد، أو مكان دون مكان آخر، أو بين فئة من الناس دون أخرى، كعرف التجار فيما يُعَدّ عيباً، وكعرفهم في بعض البلاد أن يكون ثمن البضاعة مقسطاً إلى عدد معلوم من الأقساط، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 والعرف العام: هو ما كان فاشياً في جيع البلاد بين الناس كالاستصناع في كثير من الحاجات واللوازم، وكتأجيل جانب من مهور النساء في البلاد الإسلامية، وغير ذلك. والعرف إن صادم النص من كل الوجوه فهو العرف المردود كما سبق، وإن لم يخالفه من كل وجه كان له تأثير في بناء الأحكام الشرعية عليه، فيترك به القياس، ويخصص به العام كدخول الحمام، والاستصناع، وغيرهما من المسائل الفقهية الكثيرة، ولذلك قال ابن عابدين: والعرف في الشرع له اعتبارُ. . . لذا عليه الحكمُ قد يُدار والقاعدة المذكورة من جملة القواعد الخمس الأساسية، ويتفرع عليها قواعد كثيرة، وإن اعتبار العرف والعادة رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعدّ كثرة، وتعسر الإحاطة بها. التطبيقات 1 - لو بعثه إلى ماشيته، فركب المبعوث دابة الباعث، برئ لو كان بينهما انبساط، وإلا ضمن. (الزرقا ص 221) . 2 - يجوز التقاط الثمار التي يتسارع إليها الفساد من البساتين والرساتيق، على المعتمد، ما لم توجد دلالة المنع. (الزرقا ص 221) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 3 - اعتبار الكيل أو الوزن فيما تعورف كيله أو وزنه، مما لا نص فيه من الأمور الربوية، كالزيتون وغيره، وأما ما نص عليه فلا اعتبار للعرف فيه عند الطرفين. (الزرقا ص 221) . 4 - اعتبار عرف الحالف أو الناذر إذا كان العرف مساوياً للفظ أو أخص، فلو حلف لا يأكل رأساً، أو لا يركب دابة، أو لا يجلس على بساط، لا يحنث برأس عصفور، ولا بركوب إنسان، ولا بجلوسه على الأرض؛ لأن العرف خص الرأس بما يباع للأكل في الأسواق، والدابة بما يركب عادة، والبساط بالمنسوج المعروف الذي يفرش ويجلس عليه. (الزرقا ص 221) .. (ابن تيمية، الحصين 2/ 131، (ابن رجب 2/ 557) . 5 - أقل الحيض والنفاس والطهر، وغالبها وأكثرها حسب العرف وعادة النساء، (اللحجي ص 45،.. (ابن عبد الهادي ص 99) . 6 - يجوز استعمال الذهب أو الفضة في الضئة إذا كانت قليلة، وتحرم الكثيرة، والضابط في القلة والكثرة العادة والعرف. (اللحجي ص 45) . 7 - الأفعال المنافية للصلاة إذا كانت قليلة فلا تؤثر، وإن كانت كثيرة فتبطلها، والعبرة في ذلك العادة والعرف. (اللحجي ص 45) . 8 - يُعفى عن النجاسات القليلة دون الكثيرة، والعبرة في ذلك العرف والعادة (اللحجي ص 45) . 9 - يجوز البناء في الصلاة في الجمع لفاصل قليل، ويمنع الكثير، وكذا في الخطبة، والجمعة، والعبرة في ذلك العرف والعادة.. (اللحجي ص 46، (ابن رجب 2/ 409) . 10 - لا يؤثر الفاصل القليل بين الإيجاب والقبول، ويؤثر الكثير، والعبرة للعادة (اللحجي ص 46) . 11 - لا قطع في السرقة إلا إذا أخذ المال من الحرز، والعبرة في حرز المال العرف والعادة (اللحجي ص 46) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 12 - إن العبرة في ردّ ظرف الهدية وعدمه للعرف والعادة. (اللحجي ص 46) . 13 - العبرة في الأموال الربوية بالوزن أو الكيل، فيما جهل حاله في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يراعى فيه عادة بلد البيع في الأصح. (اللحجي ص 46) . 14 - لا يجوز صوم يوم الشك إلا لمن كان له عادة في صوم مثله، وذلك بحسب العادة. (اللحجي ص 46) . 15 - يحرم قبول القاضي للهدية، إلا ممن له عادة في إهدائه. (اللحجي ص 46) . 16 - إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الحق، فالقول قول المرتهن إلى قيمة الرهن عند المالكية، وقال أبو حنيفة والشافعي: القول قول الراهن من كل وجه، واستند المالكية إلى قاعدة العرف والعادة، بأن العرف يرجع إليه في التخاصم إذا لم يكن هناك ما هو أولى منه، والعرف جار بأن الناس لا يرهنون إلا ما يساوي ديونهم أو يقاربها، فمن ادعى خلاف ذلك فقد خرج عن العرف. (الروقي ص 317) . 17 - إذا اختلف الواهب والموهوب له في الهبة، هل هي للثواب؟. (للمقابلة والعوض) فادّعى الواهب أنها للثواب، وادّعى الموهوب له أنها ليست للثواب، فيرجع حينئذ للفصل بينهما إلى العرف الجاري عندهم. (الروقي ص 318) . 18 - اختلاف الزوجين في قبض المهر أو عدم قبضه، فيحسم هذا الخلاف بالرجوع إلى العرف الجاري في بلدهما في هذه المسألة، فإن كان العرف جارياً بأن الزوج ينقد الصداق قبل الدخول، ثم اختلفا في قبضه بعد الدخول، فالقول للزوج احتكاماً للعرف. (الروقي ص 318) . 19 - الأجرة في دخول الحمام حسب العادة.. (ابن عبد الهادي ص 99) . 20 - العادة في ركوب سفينة الملاح أنها بأجرة، وكذا العادة في أجرة الدابة (ابن عبد الهادي ص 99) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 21 - هدية المقترض جائزة إذا كانت العادة بها، فإن كانت بعد الوفاء فهي جائزة على الأصح، وإن كانت قبل الوفاء لم تجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض. (ابن عبد الهادي ص 99) . 22 - يلزم حفظ الوديعة فيما تحفظ فيه عادة.. (ابن عبد الهادي ص 99) . 23 - الاستصناع؛ أجازه جمهور الفقهاء، لأنه تعارفه الناس، وجرى عليه التعامل فجاز استحساناً مبنياً على العرف. (السدلان ص 378) . 24 - بيع الوفاء: أجازه التأخرون من الحنفية من باب الاستحسان اعتباراً للعرف ولحاجة الناس إليه فراراً من الربا، ومنعه الجمهور. (السدلان ص 380) . 25 - هدايا الخطبة التي يقدمها الرجل لخطيبته من الهدايا العينية وغير العينية، المستهلكة وغير المستهلكة، ثم يقع العدول عن الخطبة لسبب ما، فقال بعض الفقهاء في أحكام الهدايا بالرجوع إلى العرف والعادة، فإن كان العدول من الرجل فيمنع من استرداد ما أهداه إليها، وإن كان العدول منها فله حق استرداد ما طدمه إليها إن كان قائماً بعينه، فإن كان مستهلكاً استرد مثله أو قيمته، ويرجع في ذلك إلى العرف، ويتبع عادة الناس ما لم يكن هناك شرط. (السدلان ص 383) . 26 - جواز وقف المنقول مستقلاً عن العقار إن جرى العرف بوقفه. (السدلان ص 386) . 27 - الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد، ولا ينقطع بالتفرق اليسير، كالوضوء، والصلاة، والسفر، والطواف، والأكل، والرضاع، والإخراج من الحرز. وسيأتي تفصيل ذلك في قاعدة كلية خاصة عند الحنابلة. (ابن رجب 2/406) . 28 - إن جواب السؤال يجري على حسب ما تعارف كل قوم في مكانهم، كما أن السؤال والجواب يمضي على ما عمَّ وغلب، لا على ما شذ وندر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 المستثننى 1 - العرف الزائد على اللفظ لا عبرة به، كما لو قال لأجنبية: إن دخلتُ بكِ فأنتِ كذا، فنكحها ودخل بها لا تطلق، وإن كان يراد في العرف من هذا اللفظ دخوله بها عن ملك النكاح؛ لأن هذه زيادة على اللفظ بالعرف، والعرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً، فقد قال الإمام محمد رحمه الله تعالى: "بالعرف يخصّ، ولا يُزاد". (الزرقا ص 222) . لكن هذا إذا لم يجعل اللفظ في العرف مجازاً عن معنى آخر، ولم يهجر المعنى الأصلي، فإن هجرت حقيقته، واستعمل في معناه المجازي، كمسألة وضع القدم، ففي مثلها يعتبر المعنى العرفي دون الحقيقي اللفظي. (الزرقا ص 222) . 2 - الموصي والواقف يحمل كلام كل على لغته وعرفه، وإن خالف لغة الشرع وعرفه، إلا في مسائل استثناها ابن نجيم في (الأشباه) فالعمل فيها على عرف الشرع. وهي: لو حلف لا يصلي، أو لا يصوم، أو لا ينكح فلانة وهي أجنبية، فإنه لا يحنث إلا بالصلاة والصوم الشرعيين، وفي النكاح بالعقد، وهذا في الحقيقة لا استثناء فيه، فإن العرف فيها موافق للشرع. (الزرقا ص 222) . 3 - قال الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى: لم يعتبر الشافعي العادة في صورتين: الأولى: استصناع الصناع الذين جرت عادتهم بأنهم لا يعملون إلا بأجرة. قال الشافعي: إذا لم يجر استئجار لهم لا يستحقون شيئاً. (اللحجي ص 46) . الثانية: عدم صحة البيع بالمعاطاة على المنصوص، وإن جرت العادة بعد الشافعي بفعل المعاطاة، وإن كان المختار خلافه في الصورتين. (اللحجي ص 46) . فالمعاطاة على أصل المذهب لا يصح البيع بها، ولو اعتبرت، ولكن النووي قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 المختار الراجح دليلاً الصحة؛ لأنه لم يصح في الشرع اعتبار لفظ، فوجب الرجوع إلى العرف كغيره. ومن أمثلة الحالة الأولى: أن يدفع ثوباً إلى خياط ليخيطه، أو قصار ليقصره، أو جلس بين يدي حلاق فحلق رأسه، أو دخل سفينة بإذن، وسار إلى الساحل، فلا يستحقون شيئاً إذا لم يشرط عليه شيئاً من المال، وإن جرت عادتهم بالعمل بالأجرة. والمختار خلافه كما قاله الشارح رحمه الله تعالى. (اللحجي ص 46، 50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فوائد يتعلق بقاعدة "العادة مُحكَّمة) (م/ 36) عدة مباحث، وهي: المبحث الأول: فيما تثبت به العادة وذلك يختلف، فتارة تثبت بمرة، كما في الاستحاضة، وكما في زنى المبيع وإباقه وسرقته، وكما في العادة في الإهداء للقاضي قبل الولاية. وتارة تثبت العادة بثلاث كالقائف. وتارة لا بدَّ من تكرار يغلب على الظن أنه عادة، كالجارحة في الصيد لا بدَّ من تكراره حتى يحصل غلبة الظن بالتعليم، وكاختبار الديك للأوقات، كما قال الزركشي، وكاختبار حال الصبي قبل البلوغ بالمماكسة في البيع ونحوه، فيختبر حتى يغلب على الظن رشده. المبحث الثانى في اطراد العادة إنما تعتبر العادة إذا اطَّردت، فإن اضطربت فلا، وفي ذلك فروع، منها: باع دراهم وأطلق، نزل على النقد الغالب؛ فلو اضطربت العادة في البلد وجب البيان، وإلا يبطل البيع. ومنها: إذا غلبت المعاملة بجنس من العروض، أو نوع منه. انصرف الثمن إليه عند الإطلاق في الأصح كالنقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 المبحق الثالث في تعارض العرف مع الشرع والمراد بالعرف عرف الاستعمال من الناس لشيء، والمراد بالشرع لفظه، بأنه ورد في الكتاب أو السنة ذلك الشيء فيه، وتعارضهما على نوعين: أحدهما: ألا يتعلق باللفظ الشرعي حكم، فيقدم عليه عرف الاستعمال، فلو حلف لا يأكل لحماً، لم يحنث بالسمك، وإن عاه الله لحماً، أو حلف لا يجلس على بساط، أو تحت سقف، أو في ضوء سراج، لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها الله بساطاً، ولا تحت السماء، وإن سماها الله سقفاً، ولا في الشمس وإن سماها الله سراجاً، أو حلف لا يضع رأسه على وتد، لم يحنث بوضعه على جبل، وإن سماه الله وتداً، أو حلف ألا يأكل ميتة أو دماَ، لم يحنث بالسمك والجراد، والكبد والطحال. فقد سماها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ميتتان ودمان. فقدم العرف في جميع ذلك؛ لأنها استعملت في الشرع تسمية بلا تعلق حكم وتكليف. النوع الثاني: أن يتعلق به حكم، فيقدم على عرف الاستعمال، فلو حلف لا يصلي، لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود، أو حلف لا يصوم لم يحنث بمطلق الإمساك، أو حلف لا ينكح، حنث بالعقد لا بالوطء، أو قال: إن رأيتِ الهلال فأنت طالق، فرآه غيرها، وعلمت به طلقت حملاً له على الشرع، فإنها فيه بمعنى العلم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتموه فصوموا ". ولو كان اللفظ يقتضي العموم، والشرع يقتضي التخصيص اعتبر خصوص الشرع في الأصح، فلو حلف لا يأكل لحماً لم يحنث بالميتة، أو أوصى لأقاربه لم تدخل ورثته، عملاً بخصوص الشرع، إذ "لا وصية لوارث ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 المبحث الرايع في تعارض العرف مع اللغة نقل السيوطي وجهين في المقدَّم منهما: أحدهما: المقدم الحقيقة اللفظية، عملاً بالوضع اللغوي، وإليه ذهب القاضي حسين. والثاني: المقدم الدلالة العرفية؛ لأن العرف يحكم في التصرفات لا سيما الأيمان، وعليه البغوي، فلو دخل دار صديقه، فقدم إليه طعاماً، فامتنع، فقال: إن لم تأكل فامرأتي طالق، فخرج ولم يأكل، ثم قدم في اليوم الثاني، فقدم إليه ذلك الطعام فأكل، فعلى الأول لا يحنث، وعلى الثاني يحنث. ونقل عن الرافعي في "الطلاق ": إن تطابق العرف والوضع فذاك، وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى الوضع، فإمام الحرمين والغزالي يريان اعتبار العرف، وقال في " الأيمان " ما معناه: إن عمت اللغة قدمت على العرف. وقال غيره: إن كان العرف ليس له في اللغة وجه ألبتّة فالمعتبرُ اللغة، وإن كان له فيه استعمال ففيه خلاف، وإن هجرت اللغة حتى صارت نسياً منسياً قُدِّم العرف. ومن الفروع المخرجة على ذلك: ما لو حلف لا يسكن بيتاً، فإن كان بدوياً حنث بالمبني وغيره؛ لأنه قد تظاهر فيه العرف واللغة؛ لأن الكل يسمونه بيتاً، وإن كان من أهل القرى فوجهان، بناءً على الأصل المذكور، فإن اعتبرنا العرف لم يحنث، والأصح الحنث. ومنها: لو حلف لا يشرب ماء، حنث بالمالح، وإن لم يُعتد شربه، اعتباراً بالإطلاق والاستعمال اللغوي. ومنها: حلف لا يأكل الخبز، حنث بأكل خبز الأرز، وإن كان من قوم لا يتعارفون ذلك؛ لإطلاق الاسم عليه لغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 تنبيه أول نقل السيوطي عن الشيخ أبي زيد المروزي (371 هـ) : لا أدري على ماذا بنى الشافعي رحمه الله تعالى مسائل الأيمان، إن اتبع العرف فأهل القرى لا يعدون الخيام بيوتاً. قال الرافعي: الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة، وذلك عند ظهورها وشمولها. وهو الأصل، وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد. وقال العزُّ بن عبد السلام: قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب، فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة. تنبيه ثانٍ إنما يتجاذب الوضع اللغوي والعرف في العربي، أما العجمي فيعتبر عرفه قطعاً؛ إذ لا وضع يحمل عليه، فلو حلف على البيت بالفارسية لم يحنث ببيت الشعر، ولو أوصى لأقاربه لم يدخل قرابة الأم في وصية العرب، ويدخل في وصية العجم. المبحث الخامس في تعارض العرف العام والعرف الخاص والضابط: أنه إن كان الخصوص محصوراً لم يؤثر، كما لو كانت عادة امرأة في الحيض أقل من عادة النساء، كيوم دون ليلة، ردَّت إلى الغالب في الأصح، وقيل: تعتبر عادتها، وإن كان الخصوص غير محصور اعتبر، كما لو جرت عادة أهل بلد بحفظ مواشيهم نهاراً، وإرسالها ليلاً، فهل العبرة بالعرف الخاص أم بالغالب؟ الأصح الأول، وينزل ذلك منزلة العرف العام، خلافاً للقفال، ويقال مثل ذلك على حفظ السيارات اليوم بحسب البلدان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 المبحث السادس: العادة المطَّردة هل تنزل العادة المطردة في ناحية منزلة الشرط أم لا؟ وغالب الترجيح في الفروع أنها لا تنزل منزلة الشرط، وفي ذلك صور: 1 - لو جرت عادة قوم بقطع الحصرم قبل النضج، فهل تنزل عادتهم منزلة الشرط حتى يصح بيعه من غير شرط القطع؛ الأصح لا. وقال القفال: نعم. 2 - لو عمَّ في الناس اعتياد إباحة منافع الرهن للمرتهن، فهل ينزل منزلة شرطه حتى يفسد الرهن؛ قال الجمهور: لا، وقال القفال: نعم. 3 - لو جرت عادة المقترض بردّ زيادة مما اقترض، فهل ينزل منزلة الشرط. فيحرم إقراضه؟! الأصح لا. 4 - لو بارز كافر مسلماً، وشرط الأمان، لم يجز للمسلمين إعانة المسلم، فلو لم يشرط، ولكن اطردت العادة بالمبارزة بالأمان، فهل هو كالمشروط؛ الأصح نعم، فهذه صورة مستثناة. 5 - ومثلها الأوقات، فإن العادة فيها تنزل منزلة الشرط، كما إذا اعتيد البطالة من المدرسين في الأشهر الثلاثة والأعياد، أو اعتيد الاستنجاء والوضوء من المال المسبل للشرب. المبحث السابع: العرف المقارن والسابق العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق للتصرف، دون المتأخر، أي أن المعتبر هو العرف المقارن، أي الذي كان موجوداً حال تكلم المتكلم، حتى ينزل كلامه عليه، إذ كان مأخذه سابقاً على وقت اللفظ، دون العرف المتأخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ومن الفروع المخرجة على ذلك ما تقدم في مسألة البطالة، فإذا استمر عرفُ وقف بها في أشهر مخصوصة حمل عليه ما بعد ذلك، لا ما وقف قبل هذه العادة. المبحث الثامن: ضبط الأحكام في العرف والشرع قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقاً، ولا ضابط له فيه، ولا في اللغة؛ يُرْجَع فيه إلى العرف، وذلك كالحرز في السرقة، والتفرق في البيع لخيار المجلس إلى التفرق بالأبدان، والقبض في العقود، وإحياء الموات، والتعريف في اللقطة، والمسافة بين الإمام والمأموم. وقالوا في الأيمان: إنها تبنى أولاً على اللغة، ثم على العرف، وخَرَّجوا عن ذلك في مواضع لم يعتبروا فيها العرف، مع أنها لا ضابط لها في الشرع، ولا في اللغة. 1 - منها المعاطاة: فعلى أصل المذهب لا يصح البيع بها ولو اعتيدت، ولكن النووي قال: المختار الراجح دليلاً الصحة؛ لأنه لم يصح في الشرع اعتبار لفظ، فوجب الرجوع إلى العرف كغيره. 2 - ومن أمثلة ذلك: أن يدفع ثوباً إلى خياط ليخيطه، أو قصار ليقصره، أو جلس بين يدي حلاق فحلق رأسه، أو دخل سفينة بإذن وسار إلى الساحل، فلا يستحقون شيئاً إذا لم يشترط عليهم شيئاً من المال، وإن جرت عادتهم بالعمل بالأجرة، والمختار خلافه. ويتفرع عن هذه القاعدة الخامسة الأساسية عدة قواعد فرعية، وهي القواعد الثلاث عشرة الآتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 القاعدة: [40] 1 - كل اسم ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى العرف الألفاظ الأخرى - ما لم يقدره الشارع فإنه يرجع فيه إلى العرف. - ما أطلقه الشارع يعمل بمقتضى مسماه ووجوده. ولم يَجْرِ تقديره وتحديده بمدة. التوضيح. إن الله تعالى أنزل شرعه في الحلال والحرام بنصوص اللغة العربية ومفرداتها. وبعض الأسماء والكلمات لها دلالة لغوية محددة كالشمس والقمر والسماء والأرض والبر والبحر، ويقف العلماء عند دلالتها اللغوية، وبعضها حدد الشرع لها معنى ودلالة خاصة، وهي الألفاظ الشرعية أو المصطلحات الشرعية كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والأيمان، والإسلام، والتقوى، والكفر، والنفاق، وهذا ما بينه الله ورسوله فيجب الالتزام بدلالتها الشرعية، وبعض الألفاظ والكلمات يرجع الناس في دلالتها إلى العادة والعرف، كالبيع، والنكاح، والقبض، والدرهم، والدينار، فليس لها حدّ في الشرع، ولا حد واحد في اللغة، ويختلف الناس في قدرها وصفتها باختلاف عاداتهم في الزمان والمكان، ولذلك تبقى دلالتها بحسب العرف والعادة، ويرجع في تحديد معناها إلى العرف الذي هو عادة جمهور قوم في قول أو فعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 والدليل على ذلك هو الأدلة الواردة في القاعدة الأصلية "العادة محكمة" مما يؤكد الاعتماد عليها من القرآن والسنة. التطبيقات 1 - الأذى، والسب، والشتم، يرجع فيه إلى العرف، فما عدَّه أهل العرف سبًّا وانتقاصاً، أو عيباً أو طعناً، ونحو ذلك فهو من السب.. (ابن تيمية، الحصين 2/106) . 2 - عموم الولايات وخصوصها، وما يستفيده المتولي بالولاية، يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حد في الشرع، ولا في اللغة، فقد يدخل في ولاية القضاء في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحرب، أو وزارة أخرى، في زمان ومكان آخر، وبالعكس، وكذلك الحسبة، وولاية المال، وإثبات الأهلة، والنظارة على الوقف.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 156) . 3 - تنعقد العقود بما دل على مقصودها من قول أو فعل، فما عدّه الناس بيعاً فهو بيع، وما عدُّوه إجارة فهو إجارة، وما عدوه هبة فهو هبة، وما عدُّوه وقفاً فهو وقف، وما عدُّوه ضماناً فهو ضمان، ولا يعتبر في ذلك لفظ معين، وليس له حد مستمر في الشرع ولا في اللغة، بل يتنوع بحسب عادات الناس وعرفهم، وينعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه من الصيغ والأفعال، وهذا عام في جميع العقود، لأن الشارع لم يحد في ألفاظ العقود حداً معيناً، بل ذكرها مطلقة، وليس لها حد في اللغة منضبط، فيرجع في تحديدها إلى عرف الناس وعاداتهم.. (ابن تيمية، الحصين 2/110) . 4 - المرجع في الأجور والأثمان إلى العرف، فيجوز البيع بثمن المثل، وبما يبيع به الناس، ويجوز الشراء بالعوض المعروف، والاستئجار بالعوض المعروف، دون تحديد سعر معين، ويرجع في تقدير العوض إلى العرف، وذلك لأن الله لم يشترط في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 البيع إلا التراضي، ولم يحد له حداً يرجع الناس إليه، فكان مرجع ذلك إلى عرف الناس، وغالب الناس يرضون بالسعر العام، وبما يبيع به عموم الناس (ابن تيمية، الحصين 2/ 111) . 5 - أجرة المثل ليست شيئاً محدداً، كانما هي ما يساوي الشيء في نفوس أهل الرغبة، وهي تختلف باختلاف الأحوال، والبلدان، والعادات، والمهن، والأعمال.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 111) . 6 - القبض في العقود يرجع في تحديده إلى عرف الناس، فما عدّه الناس قبضاً فهو قبض، وما لم يعدوه قبضاً فليس بقبض.. (ابن تيمية، الحصين 113/2) . 7 - العقد المطلق يحمل على عرف الناس وعاداتهم، ويرجع في موجَبه إلى العرف إذا لم يكن هناك تحديد لفظي من الطرفين، كالالتزامات الناشئة عن العقد، يرجع في تحديدها، ومن تجب عليه إلى العرف، كنفقة المضارب، وأجرة السمسار، وكتابة الصك، وأجرة إخراج البضاعة المبيعة من مستودعها، وأجرة كيلها أو وزنها من أجل تسليمها، كل ذلك يرجع إلى عرف المتبايعين إذا لم يكن هناك تحديد لفظي من قبلهما، والعقد المطلق يقتضي السلامة من العيوب في الثمن والمثمن بحسب العرف، فإذا اكتشف أحد المتبايعين في نصيبه عيباً كان له الحق في الرجوع على صاحبه. (ابن تيمية، الحصين 2/ 112) . 8 - الجائحة التي ينفسخ العقد بحدوثها يرجع في تقديرها إلى عرف الناس وعاداتهم كالجراد، أو ما يأكله الطير من الزرع.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 113) . 9 - رؤية المبيع، ليس من شرط المبيع أن يرى جميعه، بل ما جرت العادة برؤيته، مما يتعرف به على المبيع، - بحيث يتمكن المشتري من تصور المعقود عليه تصوراً سليماً، ويرجع في ذلك إلى العرف.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 113) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 القاعدة: [41] 2 - العقد العرفي كالعقد اللفطي الألفاظ الأخرى - العقد المطلق يحمل على عرف الناس وعادتهم. - العقد المطلق يرجع في موجبه إلى العرف. التوضيح إن العقد العرفي عقد مطلق من كل قيد أو شرط، فيحمل على عرف الناس، لأن العقد المتعارف عليه يعقد بناء على أمر تقرر عند الطرفين العلمُ به، بحيث يعرف كل منهما مقصود صاحبه من العقد، وأنه ليس بمطلق، بل مقيد بأشياء متعارف عليها في هذا العقد، فتكون في قوة المنطوق في تحديد المراد به، فإن العرف كاللفظ، ويتقيد العقد بما جرى عليه العرف. وهذه القاعدة فرع عن قاعدة "تنعقد العقود بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل " وتلتقي جزئياً مع القاعدة الآتية "العروف عرفاً كالمشروط شرطاً". وهذا يدل على سلطان العرف والعادة في تحديد موجبات العقود، والرجوع لهما عند عدم النص المخالف، وعند الاختلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 التطبيقات 1 - إذا ضارب شخص بمال شخص آخر، ثم أهدى العامل لمالك المال هدية، أو عمل له عملاً آخر - غير ما اتفقا عليه من المضاربة - بلا أجر، أو بأجرة زهيدة لا تساوي قيمة العمل (وهو ما يجري كثيراً اليوم) فإن هذا العقد يكون رباً، ويكون عقد المضاربة محرماً، لأنه اشتمل على عقدين في عقد واحد، وهما وإن لم يصرحا بذلك، لكن العامل إنما أهدى الهدية لأجل المال الذي عنده، وقبل الآخر بذلك. والعقد العرفي كالعقد اللفظي.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 217) . 2 - يجوز بيع الشيء بقيمته وبسعره الذي استقر عليه وبرقمه (وهو السعر المكتوب عليه) وإن لم يعلمه المشتري حال الشراء، لأن العقد العرفي كاللفظي، وموجب العقد المطلق في العرف البيع بثمن المثل، فإن الناس في العادة يرضون به، وإذا حصل غبن في ثمن المبيع كان له الخيار في الفسخ والإمضاء.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 217) . 3 - إذا قدم شخص لأحد الأكابر هدية، والعادة جارية أنه إذا قدم يُعطى ثمنه أو نظير الثمن، والعادة جارية على التعويض، وإنما أعطاه على هذا الشرط، فإنه يستحق أحد الأمرين: إما التعويض، وإما الرجوع في الموهوب.. (ابن تيمية، الحصين 2/218) . 4 - الإجارة المطلقة تحمل على المنفعة المعتادة، هما تناوله لفظ الإجارة، أو العرف المعتاد كان للمستأجر؛ لأن العقد العرفي كاللفظي، فإذا تعارفا على شيء، وعقدا العقد مطلقاً من قيد أو شرط، تقيد بالمتعارف بينهم، كإجارة الأرض لينتفع بها انتفاع مثله بمثلها.. (ابن تيمية، الحصين 2/218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 القاعدة: [42] 3 - الممتنع عادة كالمتنع حقيقة (م/38) التوضيح الممتنع حقيقة: هو الذي لا يمكن وقوعه، كاجتماع النقيضين، فهذا لا يقبل الادعاء به، ولا تسمع الدعوى فيه، ولا تقام البينة عليه، بل يرد، للتيقن بكذب مدعيه، كمن ادعى لمن يساويه سناً أنه ابنه أو أبوه، وكقوله لمن لا يولد مثله لمثله: هذا ابني. والممتنع عادة: هو الذي لا يعهد وقوعه، وإن كان فيه احتمال عقلي بعيد. كدعوى معروف بالفقر على آخر أموالاً جسيمة لا يعرف أنه أصاب مثلها بإرث أو غيره، فلا تسمع دعواه، ولا تقبل بينته، ما لم يثبت مصدراً لهذا المال. التطبيقات يدخل في هذه القاعدة كل شيء مستبعد في العادة، وهو كثير، ومنه: 1 - لو ادعى المتولي أو الوصي أنه أنفق أموالاً عظيمة على عقار الوقف، أو القاصر، كذبه فيها ظاهر الحال، فلا يصدق ولا تقبل بينته. (الزرقا ص هـ 22، الدعاس ص 21) . 2 - إذا ادَّعت الزوجة بعد الدخول بها بأنها لم تقبض المشروط تعجيله من المهر فلا تصدق؛ لأن العادة أنها لا تُسلم نفسها قبل قبضه. (الدعاس ص 21) . 3 - إذا ادَّعى المدعي إقرار المدّعى عليه بعد أن طالت الخصومة بينهما فلا تقبل دعواه (الزرقا ص 225) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 4 - لو ادَّعى القريب أو أحد الزوجين ملك ما باعه وسلمه الآخر باطلاعه، أو أن له حصة فيه، فلا تقبل دعواه. (الزرقا ص 225) . 5 - لو ادَّعى الأجنبي على المشتري أن المبيع ملكه، أو أن له فيه حصة بعدما رآه يتصرف في المبيع تصرف الملاك في أملاكهم بالهدم أو البناء أو الغراس، فلا تسمع دعواه. (الزرقا ص 225) . 6 - لو ادعى الولد الذي في عائلة أبيه، وصنعتهما واحدة أن الذي تحت يد والده ملكه أو له فيه حصة فلا يسمع له. (الزرقا ص 225) . فكل ذلك، وكذا تكذيب التواتر، لا تسمع الدعوى بشيء منه، ولا تقام البينة عليه.. (الزرقا ص 226) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 القاعدة: [43] 4 - استعمال الناس حجَّة يجب العمل بها (م/37) التوضيح الظاهر أن المراد باستعمال الناس هو نفس المراد من العادة، وهو أحد قولين في تفسير الاستعمال، ومعناه: أن عادةَ الناس إذا لم تكن مخالفة للشرع حجةٌ ودليل يجب العمل بها؛ لأن العادة مُحكَّمة (م/36) . وقيل: الاستعمال: هو نقل اللفظ عن موضعه الأصلي إلى معناه المجازي شرعاً وغلبة استعماله فيه، ولا تظهر إرادته هنا، لأنه لا يتصثى إلا على قول الصاحبين المرجوح من أنه إذا كانت الحقيقة مستعملة، والمجاز أكثر استعمالاً منها، يراد باللفظ معنى أعم يشمل الحقيقة والمجاز، ولم يرجح قولهما، لقاعدة "الأصل في الكلام الحقيقة" (م/ 12) . وإذا لم يرجح يكون المعمول به قول الإمام، وحملها على المرجوح بدون داع إليه غير موافق. وإذا أريد بالاستعمال العرف العملي يكون موضوع القاعدة غير داخل تحت الخلاف وهو أولى، وحينئذٍ فتكون القاعدة المذكورة تأكيداً لقاعدة "العادة محكمة" (م/36) وما قيل في تلك يقال في هذه. وإذا تعارض العرف مع الشرع قدم عرف الاستعمال خصوصاً في الأيمان، لأن مبنى الأيمان على العرف والعادة، لا على نفس إطلاق الاسم، كالفراش والبساط والبيت، مع أن الله سمى الكعبة والمسجد بيتاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 التطبيقات 1 - لو قال شخص لأحد من أهل ااصنالع: اصنع لي الشيء الفلاني بكذا قرشاً، وقبل الصانع ذلك، انعقد البيع استصناعاً. (الدعاس ص 36) . 2 - لو تقاول مع نجار لصنع زورق، وبين الطول والعرض وباقي الأوصاف، وقبل النجار، انعقد ذلك استصناعاً. (الدعاس ص 37) . 3 - لو استأجر أجيراً يعمل له مدة معينة، حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره بلا خلاف. (ابن رجب 2/ 570) . 4 - لو استعان شخص بآخر على شراء عقار أو سيارة، وبعد وقوع البيع طلب المستعان به من المستعين أجرة، فينظر إلى تعامل الناس، فإن كان معتاداً في مثل هذه الحال أخذ الأجرة فللمستعان به أخذ أجرة المثل وإلا فلا. (السدلان ص 359) . 5 - إعطاء الأجرة لأصحاب المكاتب العقارية من السماسرة والدلالين والسعاة، فقد جرى العرف والعادة في بعض البلاد على إلزام البائع بالأجرة، وفي بعض البلاد يلتزم المشتري بدفع الأجرة، وفي بعض البلاد تؤخذ من الطرفين. وقد يختلف العرف والعادة بحسب المبيع في بلاد أخرى. فيعمل بما جرت عليه عادة الناس. (السدلان ص 395) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 القاعدة: [44] 5 - إنما تُعتبر العادة إذا اطردت أو غَلَبت (م/41) الألفاظ الأخرى - تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت. - إنما تعتبر العادة إذا اطردت، فإذا اضطربت فلا. التوضيح هذه القاعدة قيد لقاعدة "العادة محكَّمة" (م/ 36) وقيد لقاعدة "استعمال الناس حجّة يجب العمل بها" (م/37) لأن ظاهر القاعدتين أن العادة مرعية على الإطلاق، فجاءت هذه القاعدة لتفيد التقييد بما إذا اطردت العادة أو غلبت، أما إذا ساوت أو ندرت فلا تراعى. فالعادة المعتبرة التي تبنى عليها الأحكام الشرعية إنما هي المطردة أو الغالبة، وإن الشيوع في الأكثر كافٍ؛ إذ لا عبرة للأقل، والعادة المعتبرة تنزل منزلة الشرط، وقد يعبر عن الاطراد بالعموم والشيوع بين الناس، ولو بالأغلبية، ولا يضر انخراقها أحياناً. ولا تراعى العادة النادرة؛ لذلك أفتى الأكابر من فقهاء الحنفية بفساد الإجارة المتعارفة عند خواص أهل بخارى فيما لو استقرض ألفاً مثلاً، واستأجر المقرض لحفظ ملعقة أو ما شاكلها مدة معلومة بأجرة تزيد على قيمة الملعقة، توصلاً لحل المرابحة في القرض، وذكر بعضهم أن فسادها هو الصواب، وعلله بأن هذا الشيء لم تعرفه عامتهم، بل تعارفه خواصهم، والعرف لا يثبت بهذا القدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ولهذا قال السيوطي رحمه الله تعالى: "إنما تعتبر العادة إذا اطردت، فإذا اضطربت فلا". التطبيقات أ - لو باع بدراهم، أو بدنانير، وكانت مختلفة في المالية والرواج، ينصرف البيع إلى أغلبها رواجاً، وإذا كانت متساوية في الرواج، والمسألة بحالها، فسد العقد؛ لأنه يؤدي إلى التنازع. (الزرقا ص 223) . 2 - لو باع التاجر في السوق شيئاً بثمن، ولم يصرح بحلول أو تأجيل، وكان المتعارف قيما بينهم أن البائع يأخذ الثمن كل جمعة قدراً معلوماً، انصرف إليه بلا بيان، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. (الدعاس ص 37) . 3 - لو جهز الأب ابنته جهازاً ودفعه لها، ثم ادعى أنه عارية، ولا بينة، فإن كان العرف أن الأب يدفع ذلك ملكاً لا عارية، لم يقبل قوله. (الدعاس ص 37) . 4 - من أوقف على درس الحديث، ولم يعرف مراد الواقف، هل هو من يدرس مصطلح الحديث، أو يقرأ الحديث، فيتبع اصطلاح البلد وعُرْفه. (الدعاس ص 38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 القاعدة: [45] 6 - العبرة للغالب الشائع لا للنادر (م/43) الألفاظ الأخرى - للأكثر حكم الكل. - الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب دون النادر. - الأقل يتبع الأكثر. - الحكم للأغلب. - إذا دار الشيء بين الغالب والنادر فإنه يلحق بالغالب. - الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر. - العبرة بالغالب الشائع، لا بالقليل النادر. التوضيح إذا بني حكم شرعي على أمر غالب وشائع فإنه يبنى عاماً للجميع، ولا يؤثر على عمومه واطراده تخلف ذلك الأمر في بعض الأفراد، أو في بعض الأوقات، وهذه القاعدة وثيقة الصلة بالقاعدة السابقة "إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت" ولأن الأصل اعتبار الغالب في الفقه الإسلامي. ولا تبنى الأحكام على الشيء النادر القليل، بل تبنى على الغالب الشائع الكثير، إلا في بعض الحالات استثناء، وسيرد الخلاف عند الشافعية والمالكية في حكم النادر، فهل يلحق يحنسه أو بنفسه، وهل يلحق بالغالب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 التطبيقات 1 - إن قصر الصلاة في السفر هو رخصة مشروعة، والحكمة في ذلك دفع مشقة السفر، ولكنها لم تنضبط لاختلافها بحسب الأشخاص والأحوال والأزمان، فأقيم السفر علة مقامها بحيث متى وجد السفر وجد القصر؛ لأن السفر يلازم المشقة غالباً، وتخلفها في بعض المترفين لا عبرة له؛ لأن الحكم يراعى في الجنس لا الأفراد، فيجوز قصر الصلاة في حقهم؛ لأن العبرة للغالب الشائع لا للنادر. (الدعاس ص 38) . 2 - جوّز المتأخرون للدائن في هذا الزمن استيفاء دينه من غير نجس حقه، لغلبة العقوق وأكل الحقوق. (الزرقا ص 235) . 3 - ليس للزوج أن يجبر زوجته على السفر من وطنها إذا كان نكحها فيه، وإن أوفاها معجل مهرها، لغلبة الإضرار في الأزواج، في العصور المتأخرة. (الزرقا ص 235) . 4 - قال المتأخرون: ليس للقاضي أن يقضي بعلمه، لفساد حال القضاة غالباٌ. (الزرقا ص 235) . 5 - صحح المتأخرون الاستئجار على الإمامة والأذان والتعليم، لتكاسل الناس عن القيام بها مجاناً غالباٌ. (الزرقا ص 235) . 6 - قدر الفقهاء في الحضانة استغناء الصبي بالسبع، وحد الشهوة للأنثى بالتسع، لأنه الغالب. (الزرقا ص 235) . وأصبح الغالب في عصرنا التقدير بأكثر من ذلك. 7 - منع العلماء من سماع دعوى الزوجة بكل المهر المعجل على زوجها بعد الدخول بها، بل يقال لها: إما أن تقري بما تعجلت، وإلا قضينا عليك بالمتعارف تعجيله، والقول للورثة في قدر ذلك، والقول للزوجة فيما زاد على المعجل إلى تمام مهر مثلها، وذلك لأنها لا تسلم نفسها عادة من غير أن تقبض. (الزرقا ص 235) . وقد تغيرت هذه العادة في عصرنا فيجب مراعاة ما استقر وشاع في ذلك. 8 - قدّر الفقهاء مدة الإياس من الحيض للمرأة بخمس وخمسين سنة لأجل أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 تعتد؛ لأن المرأة إذا بلغت هذه السن ففي الغالب ينقطع حيضها. (الزرقا ص 236) . وعند الشافعية الأشهر أن سن الياس اثنتان وستون سنة، والراجح الأظهر أنه يعتبر أقصى يأس نساء العالم، وإليه ميل الأكثرين، وقيل: يعتبر إياس أقاربها. وجعل الفقهاء كلل ذلك أحكاماً عامة، مع أنه لا شك لا التخلف في بعض الأفراد وفي بعض الأوقات، ولكن لم ينظروا له، وجعلوا العبرة للكثير الغالب. (الزرقا: ص 236) . 9 - إن الغالب على الأطفال عدم جودة الصرف، فلا يصح منهم التصرف، وإن وجد من بعضهم جودة التصرف فهو نادر. (السدلان ص 401) . 10 - إن سباع البهائم الغالب فيها الناب، وما وجد منها لا ناب له فهو نادر. (السدلان ص 401) . 11 - إن الغالب على الناس أن من منع الطعام والشراب عشرة أيام يموت، وما وجد بخلاف ذلك فهو نادر. (السدلان ص 401) . 12 - إن سن البلوغ كما قدره الفقهاء خمس عشرة سنة للذكر، وتسع سين للأنثى؛ لأنها السن الذي يبلغ الأولاد فيها غالباً، فمن شذ منهم عن هذه السن كان نادراً لا عبرة له. (السدلان ص 401) . 13 - قدر الفقهاء سنّ الإياس من الحيض للمرأة خمسين سنة، أو ستة وخمسين سنة، لأجل أن تعتد، لأن المرأة إذا بلغت هذه السنّ ففي الغالب ينقطع عنها الحيض عند الحنابلة. (السدلان ص 402) . 14 - يحكم بموت المفقود لمرور تسعين سنة من عمره، لأنه الشائع الغالب بين الناس، مع أن البعض يعيش أكثر من ذلك إلا أنه نادر، والنادر لا حكم له. (السدلان ص 402) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 15 - لو باع بدراهم وأطلق حمل على النقد الغالب، ولو اضطربت العادة في البلدة وتعددت النقود وجب البيان، وإلا بطل البيع. (السدلان ص 402) . 16 - يصح الاستئجار على الأذان والإمامة وتعليم القرآن لقعود همم الناس عن القيام بها مجاناً في الغالب الشائع، مع وجود من يقوم بها محتسباً، لكنه نادر، والنادر لا حكم له عند الحنابلة. (السدلان ص 403) . 17 - يعمل بغلبة الظن في الحكم بطهارة الماء الساقط من بيوت المسلمين. (الغرياني ص 382) . 18 - تحمل عقود المسلمين على الصحة؛ لأن الغالب فيها كذلك. (الغرياني ص 382) . 19 - الغالب في السفر المشقة، فتقصر فيه الصلاة، ويفطر الصائم في السفر، عملاً بالغالب، دون الالتفات إلى النادر كسفر الملك المرفه. (الغرياني ص 382) . 20 - ترد شهادة العدو على عدوه، والصديق الملاطف لصديقه؛ لأن الغالب في الأول الحَيْف وعدم الإنصاف، وفي الثاني الميل والمحاباة، وقد لا يكون في شهادة العدو حيف، ولا في شهادة الصديق ميل، لكن ألغي لندرته وعمل بالغالب. (الغرياني ص 383) . 21 - إذا نُظم الحلي بالجواهر، وكان في نزعه فساد، فالمشهور من مذهب مالك أن الأقل يتبع الأكثر، والزكاة بحسب الأكثر بزكاة النقد أو عروض التجارة، وقيل لكل حكم نفسه. (المقري 2/ 511) . 22 - المرأة إذا وُجدت حبلى، ولم يكن لها زوج، ولم تدّع شبهة، فاحتمال أن تكون حملت مكرهة، أو بوطء شبهة، احتمالات نادرة، واحتمال أن تكون حبلت بزقً هو الأغلب والأكثر، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب، دون النادر، فيحكم عليها بالحد.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 92) . 23 - المستحاضة إذا لم يكن لها عادة، ولا تمييز، فإنها تجلس كالب عادة النساء ستة أيام، أو سبعة، لأن الست أو السبع أغلب الحيض، فيلحق المشتبه به بالغالب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 إذ الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب، دون النادر.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 92) . 24 - إذا اختلف الزوجان في قبض المهر، فالمتوجه إن كانت العادة الغالبة جارية بحصول القبض في هذه الديون أو الأعيان، كما كان في سابق الأيام، فالقول قول من يوافق العادة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 92) . 25 - يغتفر ما قد يوجد في المعاملة من كرر يسير، إذا كان الغالب فيها السلامة من ذلك، لأن علة تحريم الغرر هو ما قد ينشأ عنه من نزاع وخصام، وأكل للمال بالباطل، فإذا كان الغرر يسيراً فاحتمال وقوع النزاع نادر، فيجري الحكم على الأغلب؛ لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب دون النادر، كما سنفصله في المثالين التاليين.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 95) . 26 - جواز بيع ثمر النخل إذا بدا صلاح بعضه، فإنه بعد بدو الصلاح يأمن من العاهة في الغالب، وإن كان احتمال إصابته بالعاهة وارداً، لكنه نادر، فيبنى الحكم على الأعم الأغلب دون النادر.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 95) . - 27 - يجوز بيع المغيبات في الأرض، كالجزر واللفت وغيره، وإن كان باطنها لا يرى؛ لأن أهل الخبرة يستدلون بظاهرها على باطنها، وصدق هذا الاستدلال غالب، واحتمال عدم التوافق بين الظاهر والباطن نادر، فيلحق الفرد بالأعم الأغلب.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 95) . 28 - جواز اقتراض ما سوى المكيل والموزون من الحيوان ونحوه، ويثبت في الذمة مثله تقريباً، فوجود مثل الحيوان من كل وجه متعذر، لكن الاتفاق في أكثر الصفات يمكن، وهو الغالب، واحتمال وجود حيوان لا مثيل له نادر، فيلحق الحكم بالأعم الغالب دون النادر.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 96) . 29 - يجوز بيع الأعيان الغائبة بالصفة، إذا وصفت وصفاً كافياً مشتملاً على ما تختلف القيمة باختلافه، وذلك أن المعتبر في معرفة المعقود عليه هو التقريب، واحتمال عدم القدرة على إعطاء الوصف المطلوب نادر، فبلحق الحكم بالأغلب.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 30 - الأصل فيما بيد المسلم أنه ملكه، وأنه حلال، وهذا بناء على أن الغالب كذلك، والا فقد يوجد بيد المسلم ما ليس ملكاً له، وما ليس بحلال، لكن ذلك نادر، رالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 96) . 31 - الغالب في أموال المسلمين أنها حلال، والحرام الموجود فيها من مغصوب أو رباً، أو نحو ذلك فهو قليل، لذلك يجوز البيع والشراء دون حاجة إلى بحث وسؤال، هل هذا المال مأخوذ بطريق حلال، أو أنه مأخوذ بطريق محرمة لأن الغالب في الأموال الحل، والحرام قليل، فيبنى الحكم على الأعم الأغلب. وتجوز معاملة من في ماله حلال وحرام، إذا كان الغالب على أمواله الحل، وإن كان الورع ترك معاملته.. (ابن تيمية، الحصين 97/2) . المستثنى قد يقدم النادر على الغالب في الفقه لأمر يقتضي ذلك، كطلب التيسير على العباد، أو الرحمة بهم، أو التخفيف عليهم، ودفعاً للمشقة ورفع العنت، أو إبقاءً لمصالحهم وحفظاً على حقوقهم، أو صوناً لكرامتهم وحفظاً لأنسابهم، أو لدفع الرعب عن نفوسهم، أو أخذاً باليقين وعدم اعتبار الأمر الطارئ لقلته، أو عدم إمكان التحرز وهذا يعني أن العمل بالنادر أحياناً لا يتم جزافاً، ولا يكون مصادفة، وليس هو مما يوكل إلى رغبة الإنسان ويساير هواه، بل وفق قواعد شرعية معتبرة وضوابط معروفة، فمن ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 1 - تصح صلاة من يمشي حافياً أو لابساً خفاً أو منتعلاً، مع أنه يغلب على الطرقات مصادفة النجاسات، فيقدم النادر، وهو الطهارة، على الغالب، وهو النجاسة. (السدلان 406) . 2 - رجح أكثر العلماء جواز صلاة من حمل صبياً، مع أن الصبيان الصغار لا يتحرزون عن النجاسات، والغالب على ملابسهم ملامسة النجاسات، ويندر أن تسلم منها. (السدلان ص 406) . 3 - اتفق العلماء على صحة صلاة من أصاب ثوبه أو بدنه شيء من وحل الشوارع إذا كان يسيراً يعفى عنه، مع أن الغالب على هذا الوحل النجاسة، إذ الشوارع تدوسها الدواب، ويلعب فيها الأطفال، وذلك توسعة ورحمة بالعباد فتجوز الصلاة عن غير غسل الثوب أو البدن. 4 - يباح استعمال أواني الكفار التي يستعملونها، مع أن الغالب عدم تحرزهم عن النجاسات وكثرة مخالطتهم لها. ورجح أكثر العلماء استعمال أوانيهم، والصلاة في ثيابهم التي يستعملونهما. وتصل للمسلمين عن طريق التبرعات بواسطة هيئة الإغاثة الدولية، أو عن طريق الغنائم، أو عن طريق الشراء من الأسواق، والنادر طهارتها، إلا إذا علمت نجاستها فلا تصح الصلاة فيها. ويلحق بذلك حكم الصلاة في ثياب الفساق من المسلمين كشاربي الخمر، ما لم يعلم إصابة الخمر لثيابهم. (السدلان ص 457) . 5 - أجاز الشارع كل طعام أهل الكتاب توسعة على العباد ورحمة، إذ يندر طهارة ما يصنعونه بأيديهم وفي أوانيهم، ويغلب عليهم ملابسة النجاسات من الخمر والخنزير والميتة. ويلحق بهذا جواز أكل طعام وذبائح بعض المسلمين الذين لا يحتاطون عن ملامسة النجاسات والقاذورات، ويغلب عليهم عدم التحفظ منها كالصبي والمجنون والسكران على الراجح من قولي العلماء. (السدلان ص 459) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 6 - إذا أقام رجل صالح دعوى على رجل فاجر، فإن القاضي يطالب المعروف بالصلاح بالبينة، ويكتفي من الفاجر باليمين، مع أن الغالب صدق الصالح، وكذب الفاجر. (السدلان ص. 41) . 7 - طلب الشرع الزواج بقصد الإنجاب والذرية مع أن الغالب على الأولاد الجهل بالله تعالى والإقدام على المعاصي، والنادر صلاحهم. (السدلان ص 416) . 8 - منع جمهور الفقهاء إقامة الحد على السارق بناء على القرائن وشواهد الأحوال دون الإقرار الصحيح أو البيِّنة المعتبرة، مع أن الغالب مصادفة القرائن للصواب والنادر مخالفتها له، صوناً للأعراض والأطراف عن القطع (القرافي 4/ 110) . والأمثلة على ذلك كثيرة. 9 - الغالب على المرأة أن تلد بعد تسعة أشهر، فإذا ولدت المرأة بعد الطلاق بخمس سنين على أقصى تقدير، أو ولدت بعد زواجها بستة أشهر، جاز أن يكون الولد من زنا، وهو الغالب، أو من وطء الزوج، وهو نادر، فألغي الغالب، وألحق الولد بالزوج، رحمة بالعباد، تحصيلاً للستر، وصوناً للأعراض من الهتك.. (الغرياني ص 383، القرافي 3/ 3 5 2، 4/ 4 0 1) . 10 - الطين ومياه الطرقات المختلطة التي تصيب الثياب والنعال، الغالب نجاستها، لما يصيبها من أرواث الدواب ومياه المراحيض، والنادر سلامتها، فألغي الغالب، وحكم بطهارتها، رفعاً للحرج. (الغرياني ص 383، القرافي 4/ 105) . 11 - لباس الصبيان، وما يصنعه الكفار من الثياب والأطعمة، وكذلك ما يصنعه المسلمون الذي لا يصلون، والحصر والبسط التي قد اسودت من طول ما لُبِست وابتذلت، الغالب فيها النجاسة؛ لأن الصبيان والكفار والذين لا يصلون لا يتوقون النجاسة، ولا يحسنون التطهر، والنادر سلامتها من النجاسة، فحكم بطهارتها تغليباً للنادر، توسعة ورحمة بالعباد، أما ما يلبسه الكافر وغير المصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فلا تجوز الصلاة فيه، لما جاء في قاعدة "هل الغالب كالمحقق ". (الغرياني ص 384، القرافي 4 / 105، 106) 12 - المتهمون ممن اشتهروا بالسرقة والإجرام، لا يجوز أخذهم بالتهمة دون بينة أو إقرار، مع أن الغالب صواب اتهامهم، والنادر عدمه، فألغي الغالب صوناً للأعراض والدماء. (الغرياني ص 384) . 13 - ليس للحاكم أن يحكم لمن أتاه متظلماً باكياً شاكياً من خصم مشهور بالفساد والظلم دون بينة، مع أن الغالب في حاله الصدق، فألغي الغالب سداً لباب التهاون في الأحكام دون بينات، ولا يضر الحاكم ضياع حق لا بينة عليه. (الغرياني ص 384) . 14 - الغالب على من وجد مع امرأة متجرداً في لحاف واحد أنه قد أولج، والنادر عدمه، وألغي الغالب، فلا يثبت الزنا. بمجرد ذلك، بل لا بدَّ من رؤية الإيلاج، حفاظاً على الأعراض. (الغرياني ص 358) . 15 - الاشتغال بالعلم مأمور به، مع أن الغالب في الناس الرياء، والنادر الإخلاص، ومقتضى الغالب النهي، لأن وسيلة المعصية معصية، فلم يعتبر الشارع الغالب، وأثبت حكم النادر. (الغرياني ص 358، القرافي 4/ 106) . 16 - المتداعيان أحدهما كاذب قطعاً، والغالب أن أحدهما يعلم كذب نفسه، والنادر أن يكون قد وقعت له شبهة فلا يعلم، وعلى التقدير الأول يكون تحليف أحدهما لصاحبه سعياً في يمين فاجرة، فيكون حراماً، وقد ألغي هذا الغالب، فجاز تحليفه عملاً بالنادر، لطفاً بالعباد في تخليص حقوقهم، وهذا مثال استثنائي لقاعدة " ما حرم فعله حرم طلبه ". (الغرياني ص 358، القرافي 4/ 107) . 17 - شهادة العدل لنفسه، أو لولده، أو والده، أو على خصمه، أو حكم الحاكم العدل بعلمه، أو شهادته على فعل نفسه بعد عزله، الغالب في ذلك كله الصدق. وقد ألغاه الشارع احتياطاً للحقوق، وسداً لباب التساهل في الأحكام. (الغرياني ص 386) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 18 - أهمل الغالب والنادر معاً، فلم يؤخذ بهما في كثير من مسائل الشهادة والرواية، ومنها شهادة الصبيان في الأموال، وشهادة الجمع الكثير من النساء في الحدود، وشهادة الجمع الكثير من الفسقة في الأموال وغيرها، وشهادة ثلاثة عدول في الزنا، ومنها عدم قبول رواية الحديث من الجمع الكثير الذي لم يبلغ حد التواتر ممن يغلب على الظن صدقهم، وعدم استحلالهم الكذب إما تديُّناً كالرهبان المعتقدين لتحريم الكذب، وإما طبعاً كالفسقة والعصاة الذين رأسهم أقوامهم وعرفوا بتوقيهم الكذب عادة، فلم تقبل شهادةُ ولا رواية مَنْ ذكر، مع أن الغالب عليهم الصدق، والنادر الكذب، سدّاً لباب قبول المجروحين في الشهادة والرواية، حفظاً للشريعة، ورحمة بالعباد أن تنالهم دعاوى الكذَّابين، وقد ألغي النادر هنا أيضاً، ولو عمل به لحكم على من ذكر بأنه شاهد زور، ويؤدب، لكن ألغيت شهادتهم وروايتهم دون الحكم عليهم بذلك، فهو من إلغاء الغالب والنادر معاً، وجلد الثلاثة في شهادة الزنا ليس لأنهم شهود زور، وإنما للقذف.. (الغرياني ص 385، القرافي 4/ 109) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 القاعدة: [46] 7 - الحقيقة تترك بدلالة العادة (م/40) الألفاظ الأخرى - يحمل كلام الناس على ما جرت به عادتهم في خطابهم. - تخصيص العموم بالعرف. - يخص العموم بالعادة. التوضيح إن الأصل في الكلام الحقيقة، والمجاز خلف عنه، وعند عدم القرينة ينصرف اللفظ إلى معناه الحقيقي، إلا إذا تعذر إرادة المعنى الحقيقي، أو كان مهجوراً عادة وعرفاً فيأخذ حكم المتعذر، فتترك الحقيقة ويصار إلى العرف والعادة. والحقيقة اللغوية تترك بدلالة العادة والعرف؛ لأن الاستعمال والتعارف يجعل إطلاق اللفظ على ما تعورف استعماله فيه حقيقة بالنسبة إلى المستعملين، ويجعل إطلاقه على معناه الوضعي الأصلي في نظرهم مجازاً. ومن المعلوم أن الأمر إذا دار بين الحقيقة والمجاز تترجح الحقيقة، وهي هنا العرف والعادة، ويترك المجاز، وهو المعنى الوضعي الأصلي، لقولهم: "مطلق الكلام محمول على المعتاد". وفائدة هذه القاعدة، بعد قاعدة " العادة محكمة" (م/ 36) وقاعدة "استعمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الناس حجّة يجب العمل بها" (م/37) دفع ما عساه يتوهم من أن تحكيم العادة. والعمل باستعمال الناس إنما يكونان حيث لم تعارضهما الحقيقة، وذلك بأن لم يكن بإزائهما حقيقة أصلاً، كمسألة التقاط الثمار الساقطة، المتقدمة تحت قاعدة "استعمال الناس حجة "، أو كان بإزائهما حقيقة، ولكنها كانت موافقة لهما، وأما إذا كانت مصادمة لهما فلا يكونان معتبرين، فنبه العلماء بهذه القاعدة على أن تحكيم العادة والعمل باستعمال الناس لا تقوى الحقيقة اللغوية على معارضتها، بل يعمل بهما دونها، وذلك كمسألة وضع القدم، ومسألة ما لو حلف لا يأكل رأساً، ولا يركب دابة، الواردتين في قاعدة "استعمال الناس حجة". فظهر بهذا أن المراد بالحقيقة المذكورة في لفظ هذه القاعدة الحقيقة المهجورة، وإلا فإن الحقيقة المستعملة هي المعتبرة عند الإمام أبي حنيفة دون المجاز، وإن كان استعماله أكثر من استعمالها، ورأيه هو الراجح، ولذلك تعتبر هذه القاعدة مكملة لقاعدة "استعمال الناس حجّة " (م/ 37) . التطبيقات 1 - حلف لا يأكل من هذه الشجرة، فينصرف إلى ثمرها إن كان لها ثمر، وإلا فلثمنها، صوناً لكلام العاقل عن الإلغاء؛ لأنه يتعذر إرادة المعنى الحقيقي (الدعاس ص 38) . 2 - لو حلف ألاَّ يضع قدمه في دار فلان، فينصرف إلى الدخول بأي وجه كان، راكباً، أو ماشياً، أو حافياً أو منتعلاً؛ لأنه هو المتعارف لا المعنى الحقيقي، وهو مباشرة القدم، دخل أم لم يدخل؛ لأنه مهجور عرفاً، والعرف قاضٍ على الوضع حتى لو تكلف ووضع قدمه ولم يدخل لا يُعدّ شيئاً، ولا يحنث؛ لأنه لم يتعذر المعنى الحقيقي هنا، لكنه مهجور عرفاً وعادة، فيأخذ حكم المتعذر، وتترك الحقيقة، ويصار إلى العرف والعادة. (الدعاس ص 38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 3 - كتبت شخص على قرطاس بخطه أن الدين الذي لي على فلان أبرأته منه، فيقبل ويسقط الدين؛ لأن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان (م/ 1606) . 4 - أمر شخص آخر بكتابة سند بدين عليه لفلان بكذا، وأمضاه وختمه، كان ذلك حجة عليه عند الحاكم، لأنه من قبيل الإقرار بالكتابة، والأمر بكتابة الإقرار إقرار حكماً. (م/ 1607) . 5 - القيود التي هي في دفاتر التجار المعتد بها هي من قبيل الإقرار بالكتابة، فلو كتب التاجر في دفتره أنه مدين لفلان بكذا، فتعتبر كتابته كإقراره الشفاهي (م/ 1608) . 6 - إن سند الدين الذي يكتبه الرجل، أو يستكتبه، ويعطيه لآخر ممضىً بإمضائه أو مختوماً بختمه يعتبر إقراراً بالكتابة، ويكون معتبراً ومرعياً كتقريره الشفاهي (م/ 1609) . 7 - من كتب سنداً، أو استكتبه، وأعطاه ممضى، أو مختوماً، إذا أقر بأنه له، ولكنه أنكر الدين الذي حواه فلا يعتبر إنكاره، ويلزمه أداء ذلك الدين (م/ 1610) . 8 - إذا أعطى إنسان سند دين، ثم توفي، يلزم ورثته قضاء الدين من التركة إذا أقروا بأن السند للمتوفى، لأنه حجة عليه (م/ 1611) . 9 - إذا ظهر في تركة المتوفى كيس مملوء بالنقود، وقد كتب علبه بخط الميت: إن هذا الكيس مال فلان، وهو عندي أمانة، يأخذه ذلك الرجل من التركة، ولا يحتاج إلى الإثبات بوجه آخر (م/ 1612) . (الزرقا: ص 349) . 10 - الأيمان تنصرف إلى ما يعرفه الخاطب بلغته، وإن كان اللفظ يستعمل في غيره حقيقة أيضاً، كما إذا حلف؛ لا يأكل الرؤوس، فإما أن يراد رؤوس الأنعام، أو رؤوس الغنم، أو الرأس الذي يؤكل في العادة، وكذلك لفظ البيض الذي يعرفونه. فأما رأس النمل والبراغيث ونحو ذلك فلا يدخل في اللفظ، ولا يدخل بيض السمك، في اليمين.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 131، (ابن رجب 2/ 555، 558) . 11 - إذا تزوج امرأة على ألف دينار، وكانت العادة جارية بتنصيف الصداق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وجعل بعضه معجلاً، وباقيه مؤخراً، فإنه يحمل كلامهم على ما جرت به عادتهم، فيجوز للزوج أن يؤخر نصف الصداق (1) .. (ابن تيمية، الحصين 2/ 132) . 12 - البيع بعشرة دراهم أو دنانير، ينصرف عند الإطلاق إلى ما يعرفه الناس من مسمى الدرهم، أو الدينار.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 137) . 13 - إذا شرط الواقف للناظر أو غيره ستة، والريع مئة، فإن العادة إذا زاد ريع وإيراد الوقف أن تزيد أجرة الناظر، ويحمل كلامه على ما جرت به عادة الناس. (ابن تيمية، الحصين 2/ 137) . 14 - إذا وكله بشراء دابة، وكان معروفاً بينهم أنه الفرس، أو ذات الحوافر، لم ينصرف هذا المطلق إلا إلى المتعارف بينهم.. (ابن تيمية، الحصين 137/2) . 15 - حلف ألا يأكل شواء، اختصت يمينه باللحم المشوي دون البيض وغيره مما يشوى، وكذا لفظ الدابة والسراج والوتد. (ابن رجب 2/ 555) . 16 - حلف لا يأكل اللحم، فأكل لحم سمك، فلا يحنث. (ابن رجب 2/ 559) . 17 - حلف لا يتكلم، فقرأ، أو سبح، فالمشهور أنه لا يحنث. (ابن رجب 2/ 562) 18 - لو استأجر أجيراً يعمل له مدة معينة حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره بلا خلاف. (ابن رجب 2/ 570) .   . (1) يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: " من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب عل اختلاف عرفهم وعوائدهم، وأزمنتهم وأمكنتهم، وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم، على اختلاف بلادهم وعوائدهم، وأزمنتهم وطبائعهم. بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل أضَّر على أديان الناس وأبدانهم " أعلام الموقعين 3/ 89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 القاعدة: [47] 8 - الكتابُ كالخطاب (م/69) الألفاظ الأخرى - البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان. - البيان بالكتاب كالبيان باللسان. التوضيح إن الكتابة بين الغائبين كالنطق بين الحاضرين؛ لأن القلم أحد اللسانين، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - مأموراً بتبليغ الرسالة إلى الناس كافة، وبلغهم مرة بالكتاب، ومرة بالخطاب، والقرآن أصل الذين، وقد وصل إلينا بالكتاب. ويشترط في الكتابة حتى تثبت بها الأحكام شرطان: أ - أن تكون الكتابة مستبينة، أي مكتوبة على شيء تظهر وتثبت عليه، فلا عبرة بالكتابة على سطح الماء أو في الهواء، ونحو ذلك. ب - أن تكون الكتابة مرسومة، أي مكتوبة بالطريقة المعتادة بين الناس في الخط والخطوط عليه، ليخرج غيرها. أما الطريقة المعتادة في الخط فبان يكون مُعَنْوناً ومُصَدَّراً باسم المرسل والمرسَل إليه، كقوله: من فلان ابن فلان إلى فلان ابن فلان، وأن يكون مختوماً أو موقعاً عليه من المرسِل المتكلم، والظاهر في زماننا أنه يكفي أن يكون مذيلاً بإمضائه أو ختمه، كما تفيده المجلة (م/1609) وأن ذلك يغني عن تصديره بقوله: من فلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وأما الطريقة المعتادة في الخطوط عليه فبأن يكون كاغداً، فلو كتب على الجدار أو ورق الشجر، أو على الكاغد لا على وجه الرسم، فإنه لا يكون حجة إلا بالإشهاد عليه أو الإملاء على الغير ليكتبه، وفي زماننا أن تكون الكتابة على قرطاس وورق كتابة، لا على نحو ألواح عظام، أو ورق شجر ونحوها. والتقييد بالغائب لإخراج الحاضر، فإن كتابته لا حكم لها، إلا لحاجة كالأخرس، ويختلف أثر الكتابة وتحديد وقتها بحسب العقود والتصرفات. التطبيقات 1 - إذا كانت الكتابة في العقود التي تتوقف على علم الآخر ورضاه، كالبيع والإجارة والشركة والزواج، فلا تأخذ الكتابة مفعولها من بدء الكتابة، بل من بدء وصول الكتاب، وعقد قراءته، وعندها يعتبر الموجب والقابل، فيعتبر مجلس بلوغ الكتاب، ولا يظهر أثر الخط إلا على القبول. (الزرقا ص 349، الدعاس ص 39) . 2 - وكذا الحكم في الكتابة في التفويض بالطلاق، فإنه يقتصر على المجلس، وبعتبر فيه مجلس بلوغ الكتاب (الزرقا ص 349) . 3 - إذا كان التصرف يتوقف على العلم فقط كالوكالة فلا يظهر تقييده بالمجلس، ويكفي فيه الاطلاع على ما في الكتاب. (الزرقا ص 349) . 4 - إن التصرفات التي لا تفتقر إلى إطْلاع الطرف الثاني، مما يستقل به الإنسان كالاقرار، والطلاق، والعتاق، والإبراء، كما إذا كتب: امرأته طالق، أو عبده حر (بالإضافة إلى ياء المتكلم فيهما) فإنه لا حاجة في ذلك إلى الإطلاع، بل ولا إلى الإرسال، ولا يتقيد بالغيبة، ويقع الطلاق، والعتاق، والإبراء، والإقرار، بمجرد الكتابة نوى أو لم ينو، إذا كان الخط مرسوماً، وكذلك لو كتب: إنَّ الدَّين الذي لي على فلان ابن فلان أبرأته عنه صح، وسقط الدين، وظاهره أنه يسقط بمجرد الكتابة أيضاً. (الزرقا ص " 35، الدعاس ص 40) . 5 - من أراد أن يخطب امرأة وبتزوجها فكتب إليها بالخطبة والزواج، فإذا بلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 المرأة الكتاب، وأحضرت الشهود، وقرأته عليهم، وقالت: زوجت نفسي منه، انعقد النكاح وصح (الدعاس ص 40) . 6 - إن القاضي يعمل بما وجده في أيدي القضاة الماضين، وله رسوم في دواوينهم أي سجلات. (الدعاس ص 40) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 القاعدة: [48] 9 - الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان (م/70) الألفاظ الأخرى - الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان. - إشارة الأخرس كعبارة الناطق. - إشارة الأخرس المفهمة كالنطق. - إشارة الأخرس أقيمت مقام العبارة. التوضيح إن الإشارة المعهودة أي المعلومة المعتادة للأخرس الأصلي، بعضو من أعضائه، كيده، أو رأسه، أو عينه، أو حاجبه، معتبرة كالبيان باللسان، وهي بمنزلة نطقه فتعتبر. وهذا استحسان ضرورة، كما أن الشرع اعتبر ذلك منه في العبادات، فإذا حرك لسانه بالتكبير والقراءة ونحوها كان صحيحا، ولو لم يعتبر ذلك منه مات جوعاً وعطشاً، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بالإشارة بقوله: " الشهر هكذا وهكذا . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وهكذا، وخنس إصبعه في الثالثة، يعني تسعاً وعشرين، وثلاثين " أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد. ويشترط لصحة اعتبار إشارة الأخرس أن تكون مفهومة ومعهودة يفهمها كل من وقف عليها كالتحريك برأسه طولاً للموافقة وعرضاً للرفض. ولا يشترط لاعتبار إشارة الأخرس عدم علمه بالكتابة على المعتمد، فإذا كان عالماً بالكتابة ولم يشهد، أو أشار ولم يكتب، فإنه يكون معتبراً، ولكن شرطوا لإيقاعه الطلاق أن يكون مقروناً منه بتصويت. والاحتراز بالأخرس عن القادر عن التكلم، فإن إشارته لا تعتبر إذا كانت مستقلة، إلا في مسائل: منها: الإسلام، والكفر، والنسب، والإفتاء، وأما إذا لم تكن مستقلة بأن استعان بها على تفسير لفظ مبهم في كلامه فتعتبر، كما لو قال لزوجته: أنت طالق هكذا (وأشار بثلاث مثلاً) . فيقعن بخلاف ما لو قال: أنت طالق (وأشار بثلاث) فإنه يقع واحدة. والاحتراز بالأخرس الأصلي عن العارض، وهو معتقل اللسان، فإنه لا تعتبر إشارته إلا إذا اتصل بعقلته الموت، أو دامت سنة، فحينئذ تعتبر إشارته المعهودة، وإلا فلا. التطبيقات 1 - إشارة الأخرس في النكاح، والطلاق، والعتاق، والبيع، والإجارة، والهبة، والرهن، والإبراء، والإقرار، والنكول، والقصاص في إحدى الروايتين معتبرة. (الزرقا ص 351، الدعاس ص 40) . 2 - تصح إشارة الأخرس في الحلف، وكيفية تحليفه أن يقول له القاضي: عليك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 عهد الله وميثاقه إن كان كذا، فإذا أومأ برأسه: نعم، يصير حالفاً، ولا يقول له: بالله إن كان كذا؛ لأنه لو أشار برأسه بنعم يكون مقرًّا بالله، لا حالفاً به، والظاهر أنه لا بدَّ في تحليفه من إشارة مع اللفظ من القاضي، أو جلوازه، تُفْهِمه أن ذلك تحليف. (الزرقا ص 351) . المستثنى 1 - لا تقبل إشارة الأخرس في الحدود؛ لأنها تدرأ بالشبهات. (الزرقا ص 351) . 2 - لا تقبل إشارة الأخرس في الشهادة؛ لأنها تعتمد على لفظ أشهد. (الزرقا ص 351) . 3 - لا تقبل إشارة الأخرس في القصاص في إحدى الروايتين. (الزرقا ص 351) . 4 - يشترط لقبول إشارة الأخرس في الطلاق أن تكون مقرونة منه بتصويت. (الزرقا ص 351) . 5 - لا بدَّ في تحليف الأخرس من إشارة مع اللفظ من القاضي أو جلوازه، تفهمه أن ذلك تحليف. (الزرقا ص 351) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 القاعدة: [49] 10 - المعروف عرفًا كالمشروط شرعًا (م/43) الألفاظ الأخرى - المشروط عرفاً كالمشروط شرعاً. - العرف كالشرط. - التعيين بالعرف كالتعيين بالنص. - الإذن العرفي كالإذن اللفظي. - كل ما دل على الإذن فهو إذن. - الثابت بدلالة العرف كالثابت بدلالة النص. - الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو بالشرط. - الثابت بالعادة كالثابت بالنص. - الثابت عرفاً كالثابت شرطاً. - المعلوم بالعادة كالمشروط بالنص. التوضيح إن المعروف المعتاد بين الناس، وإن لم يذكر صريحاً، فهو بمنزلة الصريح لدلالة العرف عليه، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرعاً، وفي كل محل يعتبر ويراعى فيه، شرعاً صريح الشرط المتعارف، وذلك بألَّا يكون مصادماً للنص بخصوصه، إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 تعارفه الناس، واعتادوا التعامل عليه بدون اشتراط صريح، فهو مرعي، ويعتبر بمنزلة الاشتراط الصريح؛ لأن العادة محكمة (م/ 36) . وهذا رأي الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة. أما إذا كان الشرط المتعارف الصريح غير معتبر شرعاً، وذلك بأن كان مصادماً للنص بخصوصه، فلا يكون معتبراً إذا تعارف الناس العمل عليه بدون اشتراط، فلو تعارف الناس مثلاً تضمين المستعير والمستأجر ما تلف من العين المعارة أو المأجورة بدون تعدٍ ولا تقصير منه، لا يعتبر ذلك التعارف ولا يراعى، لأنه مضادّ للشارع. وإنَّما قيد الشرط بالمتعارف، لأن غير المتعارف لا يعتبر إلا إذا كان شرطاً يقتضيه العقد، كاشتراط حبس المبيع لاستيفاء الثمن، أو يلائمه، كاشتراط كفيل حاضر ورهن معلوم، فهو غير ما نحن فيه. التطبيقات 1 - إن توابع العقود التي لا ذكر لها في العقود تحمل على عادة كل بلد، كالإجارة ونحوها. (الدعاس ص 41) . 2 - لا تسمع الدعوى بخلاف ما تعورف واعتيد العمل به بدون شرط، كما لا تسمع الدعوى بخلاف ما شرط صريحاً مما تعورف، ولذا قالوا: لو ادَّعى نازل الخان، وداخل الحمام، وساكنُ المعَدِّ للاستغلال، الغصب، ولم يكن معروفاً به، لم يصدق في ذلك، ويلزمه الأجر، كما لو استخدم صانعاً في صنعة معروف بها، وبها قوام حاله ومعيشته، ولم يعين له أجرة، ثم طالبه بالأجر، فادعى أنه استعان به مثلاً، فإنه لا يسمع منه، ويلزمه أجر مثله. (الزرقا ص 237) . 3 - لو جهز الأب ابنته بجهاز، ودفعه لها، ثم ادعى أنه عارية، ولا بيِّنة، فإنه ينظر إن كان العرف مستمراً أن مثل ذلك الأب يدفع ذلك الجهاز عارية أو ملكاً، فإنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 يتبع، ويكون القولُ قولَ من يشهد له العرف، والبينة بينة الآخر، وإن كان العرف مشتركاً فالقول قول الأب، والبينة بينة البنت. (الزرقا ص 238) . 4 - لو اختلف البائع والمشتري في دخول البرذعة، أو الإكاف في البيع، فإنه يُحكم العرف. (الزرقا ص 238) ويقال مثل ذلك فيما يدخل مع السيارة عند بيعها اليوم. 5 - لو دفع الأب ابنه إلى الأستاذ مدة معلومة ليعلمه الحرفة، ثم اختلفا، فطلب كل منهما من الآخر الأجر، فإنه يحكم بالأجر لمن شهد له عرف البلدة. (الزرقا ص 238) . 6 - يعتبر العرف في أن الحمال يُدخِل المحمول إلى داخل الباب أو لا. (الزرقا ص 238) . 7 - لو أجر رجل عاملاً عنده من غير تحديد الأجرة فيجبر صاحب العمل على دفع الأجرة المتعارف عليها. (السدلان ص 456) . 8 - لو سكن رجل داراً معدَّة للإيجار من غير أن يتفق مع صاحبها على أجرة، فيجب عليه دفع الأجرة المماثلة المتعارف عليها. (السدلان ص 456) . وكذا لو ركب سيارة أجرة، أو باصاً، أو قطاراً، فيجب عليه دفع الأجرة المتعارف عليها. 9 - لو استأجر رجل دابة للحمل فإن له تحميلها النوع والقدر المعتاد مما لا ضرر عليها منه، ولا يجوز أن يحملها أكثر من طاقتها المعتادة، وكذا لو استأجر سيارة شحن فليس له أن يزيد في الحمولة عما هو مقرر معتاد، وكذا سيارة الركوب تستعمل بحسب العرف، وإلا كان معتدياً وضامناً. (السدلان ص 456) . 10 - عقود التعاطي، والشراء من الجمعيات، والدكاكين التي تضع السلع مسعرة، وعليها الثمن، ثم يدفع المشتري ذلك عن طريق الصندوق والمحاسب بحسب ما تعارف الناس عليه. (السدلان ص 457) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ولا يأخذ الشافعية بهذه القاعدة، وذكر السيوطي رحمه الله تعالى أن الأصح في رأيه تنزيل العادة منزلة الشرط، وهو الموافق لرأي الجمهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 القاعدة: [50] 11 - التعيين بالعرف كالتعيين بالنص (م/45) الألفاظ الأخرى - المعلوم بالعادة كالمشروط بالنص. - الثابت عرفاً كالثابت نصاً أو نطقاً أو ذكراً. - الثابت بالعادة كالثابت بالنص. التوضيح المراد من النص نص القرآن أو الحديث، ويعرف النص في أصول الفقه: بأنه هو اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره، ويطلق في الفقه الشافعي على ما نصَّ عليه الشافعىِ في كتبه، وفي الفقه الحنبلي ما نص عليه الإمام أحمد. ومعنى هذه القاعدة أن أي حكم يترتب على التعيين بمريح النص، يترتب على التعيين بالعرف والعادة، وهذه القاعدة بمعنى قاعدة "الممتنع عادة كالممتنع حقيقة" (م/38) وقاعدة "استعمال الناس حجة يجب العمل بها " (م/37) وقاعدة " المعروف عرفاً كالمشروط شرطأ" (م/ 43) وقاعدة "المعروف بين التجار كالمشروط بينهم " (م/ 44) . وتنطبق الأمثلة نفسها في هذه القواعد. التطبيقات 1 - من قال: عليَّ الطلاق، قد أصبح هذا اللفظ في حقه: كأنتِ طالق؛ لأن العرف سوى بينهما في الاستعمال. (الدعاس ص 41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 2 - من حلف: لا يأكل لحماً، لا يحنث بأكل السمك، إذا كان اللحم المتعارف عليه في بلده هو لحم الضأن. (الدعاس ص 41) . 3 - لو استأجر داراً أو حانوتاً بلا بيان من يسكن، أو بلا بيان ما يعمل فيه، فله أن ينتفع بجميع أنواع الانتفاع، غير أنه لا يسكن، ولا يُسكن حداداً ولا قصاراً، ولا طحاناً، من غير إذن المؤجر. (الزرقا ص 241) . 4 - لو استأجر حانوتاً في سوق البزازين مثلاً، فليس له أن يتخذه للحدادة أو الطبخ أو نحو ذلك مما يؤذي جيرانه. (الزرقا ص 241) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 القاعدة: [51] 12 - المعروف بين التجار كالمشروط بينهم (م/44) التوضيح هذه القاعدة في معنى القاعدة "المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً (م/43) ولا تفترق عنها إلا أن تلك القاعدة في مطلق العرف، وهذه خاصة في عرف التجار، كما أن هذه القاعدة دَاخلة في قاعدة "التعيين بالعرف كالتعيين بالنص " (م/ 45) ولكن العلماء ذكروا هذه القاعدة للاهتمام بشأن المعاملات التجارية، هما يقع بين التجار من المعاملات والعقود ينصرف عند الإطلاق إلى العرف والعادة عندهم، ما دام هذا العرف لا يصادم نصًّا شرعياً، فإن صادمه كان العرف لاغياً. فإذا وقع التعارف والاستعمال بين التجار على شيء غير مصادم للنص فإنه يتبع وينصرف إليه عند الإطلاق، ولا تسمع دعوى إرادة خلافه. التطبيقات 1 - لو تبايع تاجران شيئاً، ولم يصرحا في صلب العقد أن الثمن نقد أو نسيئة، فلو تعارفوا تأدية الثمن بعد أسبوع، أو غيره، لا يلزم المشتري أداء الثمن حالاً، وينصرف إلى عرفهم وعادتهم. (الدعاس ص 42) . 2 - لو باع التاجر شيئاً، وقد جرى العرف على أن يكون بعض معلوم القدر من الثمن حالاً، أو على أن دفع كل الثمن يكون منجماً على نجوم معلومة، يكون ذلك العرف مرعياً بمنزلة الشرط الصريح، ولا تسمع دعوى إرادة خلافه. (الزرقا ص 239) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 3 - لو اشترى رجل بضاعة مثلاً من بلد أجنبى على أن تشحن له إلى ميناء معين، ولم يوضح في العقد على من تكون أجرة الشحن، فيُتَبع العرف المشهور بين التجار، ويُحكّم كأنه شرط متفق عليه سلفاً. (السدلان ص 460) . 4 - العمل بالسفتجة، والحوالات المصرفية، والسند المعروف بين التجار. والشيكات وغير ذلك، فيجرى بينهم على عرفهم. (السدلان ص 461) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 القاعدة: [52] 13 - لا يُنكر تغيُّر الأحكام بتغير الأزمان (م/39) التوضيح قد يكون بعض الأحكام الشرعية يبنى على عرف الناس وعاداتهم، فإذا اختلفت العادة عن زمان قبله، تتغير كيفية العمل بمقتضى الحكم، وأما ما أصله على غير ذلك فلا تتغير.. فالأحكام الشرعية الاجتهادية تنظم ما أوجبه الشرع الذي يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية، فكم من حكم كان تدبيراً نافعاً لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو يفضي إلى عكسه، وعلى هذا أفتى كثير من الفقهاء في شتى المذاهب الفقهية في كثير من المسائل بعكس ما أفتى به أئمة مذاهبهم الأولون. قال ابن عابدين: كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله لحدوث ضرورة أو لفساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان أولاً، للزم المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد، ولهذا نرى مشايخ المذهب (الحنفي) خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه، لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به، أخذاً من قواعد مذهبه. أهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 فلا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، أي بتغير عرف أهلها وعادتهم، فإذا كان عرفهم وعادتهم يستدعيان حكماً ثم تغيرا إلى عرف وعادة أخرى فإن الحكم يتغير إلى ما يوافق ما انتقل إليه عرفهم وعادتهم. وإن ذلك مقرر ومسلم وثابت في الشرع، وهو سنة الله سبحانه في تشريعه لعباده، فإنه تعالى حين بدأ خلق الإنسان، وكان الحال ضيقاً لقلة عدد الذرية أباح نكاح الأخت لأخيها، ووسع في أشياء كثيرة، وبقي ذلك إلى أن حصل الاتساع، وكثرت الذرية، فحرم ذلك في زمن بني إسرائيل، وحَرّم عليهم السبت والشحوم ولحوم الإبل وأموراً كثيرة، وكانت توبة الإنسان بقتله، وإزالة النجاسة بقطعها، إلى غير ذلك من التشديدات، ثم لما جاء آخر الزمن، وضعف التحمل، وقلّ الجلد، لطف الله سبحانه بعباده، وخفف عنهم بإحلال تلك المحرمات، ورفع تلك التكليفات وقبول التوبات، كل ذلك بحسب اختلاف الأحوال والأزمان، سنة الله الجارية في خلقه. وقيل: تغير الأحكام إحداثها وابتداء سنّها بعد أن لم تكن، كما فعل عمر بن عبد العزيز، فإنه قال: ستحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. وإذا ادُّعي اختلاف الأحوال إلى تغير بعض الأحكام، أو إثبات أحكام، فلا بدَّ أن تكون تلك الأحكام المسنونة بحال تشهد لها قواعد الشرع بالاعتبار، أو تكون بحال إذا لم تشهد لها بالاعتبار لا تشهد عليها بالإبطال، كان تكون من المصالح المرسلة، وهي التي لم يشهد الشرع باعتبارها ولا بإلغائها، ولوحظ فيها جهة منفعة، فإنها يجوز العمل بها، وإن لم يتقدمها نظير في الشرع يشهد باعتبارها، كما وقع لسيدنا الصديق في توليته عهد الخلافة لعمر رضي الله عنهما، وكترك الخلافة شورى بين ستة، وكتدوين الدواوين، وضرب السكة، واتخاذ السجون، وغير ذلك كثير مما دعا إلى سنّه تغير الأحوال والأزمان، ولم يتقدم فيه أمر من الشرع، وليس له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 نظير يلحق به، ولوحظ فيه جهة مصلحة، كما تقتضي القاعدة الأخرى "الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة" (م/ 32) . ولكن ما الأحكام التي يجب تغييرها بتغير الزمان؟ وما الأحكام التي لا يجوز تغييرها بتغير الزمان؟ والجواب: أنه اتفقت كلمة المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية التي بُنيت على القياس ودواعي المصلحة. فإذا أصبحت لا تتلاءم وأوضاع الزمان ومصلحة الناس وجب تغييرها، وإلا كانت عبثاً وضرراً، والشريعة منزهة عن ذلك، ولا عبث فيها. أما الأخكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنى، والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال. ولكن وسائل تحقيقها، وأساليب تطبيقها، قد تتبدل باختلاف الأزمنة والمحدثات، فوسيلة حماية الحقوق مثلاً، وهو القضاء كانت محاكمه تقوم على أسلوب القاضي الفرد، وقضاؤه على درجة واحدة قطعية، فيمكن أن تتبدل إلى أسلوب محكمة الجماعة، وتعدد الدرجات للاحتياط، فالتبدل في الحقيقة في مثل هذه الأحكام، ما هو إلا تبدل الوسائل للوصول إلى الحق، والحق ثابت لا يتغير. والحقيقة أن الأحكام الشرعية التي تتبدل بتبدل الزمان، المبدأ الشرعي فيها واحد، وهو إحقاق الحق، وجلب المصالح، ودرء المفاسد، وليس تبدل الأحكام إلا تبدل الوسائل والأساليب الموصلة إلى غاية الشارع، فإن تلك الوسائل والأساليب في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الغالب لم تحددها الشريعة الإسلامية، بل تركتها مطلقة لكي يختار منها في كل زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجاً، وأنجح في التقويم علاجاً. والضابط في هذه القاعدة أن الأحكام المبنية على المصلحة والعرف تتغير بتغير مصالح الناس وأعرافهم وعوائدهم مع تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال. التطبيقات أ - لما كان لون السواد في زمن الإمام أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، يعدّ عيباً قال بان الغاسب إذا صبغ الثوب بالسواد يكون قد عيبه، ثم بعد ذلك لما تغير عرف الناس، وصاروا يعدونه زيادة، قال الصاحبان: إنه زيادة. (الزرقا ص 227) . 2 - لما كانت الدور تبنى بيوتها على نمط واحد، قال المتقدمون غير زفر: يكفي لسقوط خيار الرؤية رؤية بيت منها، ولما تبدلت الأزمان، وصارت بيوت الدور تبنى على كيفيات مختلفة، واختلف طراز الإنشآءات وصارت الدار يختلف بعض بيوتها عن بعض بحسب عادتهم رجح المتأخرون قول زفر من أنه لا بدَّ من رؤية كل البيوت ليسقط الخيار، فهذا ليس اختلاف حجة وبرهان، بل اختلاف عصر وزمان. (الزرقا ص 227، الدعاس ص 43) . 3 - قال المتقدمون: إن الدائن ليس له استيفاء دينه من مال المدين حال غيبته إلا إذا كان من جنس حقه، لما كان في زمانهم من انقياد الناس إلى الحقوق، ثم لما انتقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 عادة الناس إلى الجحود، قال الفقهاء: للدائن استيفاء دينه ولو من غير جنس حقه. (الزرقا ص 227) . 3 - قال المتقدمون: على الزوجة أن تتابع زوجها بعد الفائه لها معجل مهرها حيث أحبّ، لما كان في زمانهم من المودة والوفاء، ثم لما انتقلت عادة الناس إلى العقوق والإضرار، قال المتأخرون: لا تجبر الزوجة على متابعة الزوج إلى غير وطنها الذي نكحها فيه، وإن أوفاها معجل مهرها لتغير حال الناس إلى العقوق. (الزرقا ص 227) . 4 - لما ندرت العدالة، وعزت في هذه الأزمان المتأخرة قالوا بقبول شهادة الأمثل فالأمثل، والأقل فجوراً فالأقل. (الزرقا ص 229) . فالشهود الذين يقضى بشهادتهم في الحوادث يجب أن يكونوا عدولاً، أي ثقات، وهي المحافظة على الواجبات الدينية والمعرفة بالصدق والأمانة، إلا أن الكثير من الفقهاء المتأخرين لاحظوا ندرة العدالة الكاملة لكزة الفساد وضعف الذمم والوازع الديني، فإذا تطلب القضاة دائماً العدالة الشرعية في الشهود ضاعت الحقوق لامتناع الإثبات، فلذا أفتوا بقبول شهادة الأمثل فالأمثل من القوم، حيث تقل العدالة، ومعنى الأمثل فالأمثل أي الأحسن فالأحسن حالاً من الموجودين، ولو كان في ذاته غير كامل العدالة بحدها الشرعي. أي أنهم تنازلوا عن اشتراط العدالة المطلقة إلى العدالة النسجية. (الدعاس ص 44) . 5 - وقالوا مثل ذلك في القضاة وغيرهم، إذا لم يوجد العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجوراً، لئلا تضيع المصالح، وتتعطل الحقوق والأحكام، فقد حسن ما كان قبيحاً، واتسع ما كان ضيقاً، واختلفت الأحكام باختلاف الأزمان، فإن خيار زماننا هم أراذل أهل العصر الأول، وولاية الأراذل فسوق. (الزرقا ص 229) . 6 - جوز الفقهاء تحليف الشهود عند إلحاح الخصم، وكذا إذا رأى الحاكم ذلك لفساد الزمان. (الزرقا ص 229) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 7 - جوزوا أيضاً إحداث أحكام سياسية لقمع الدعار وأرباب الجرائم عند كثرة فساد الزمان، وأول من فعله عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، فإنه قال: ستحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. (الزرقا ص 229) . 8 - ومما يتفرع على القاعدة: منع عمر بن عبد العزيز عماله عن القتل إلا بعد إعلامه وإذنه به بعد أن كان مطلقاً لهم، لما رأى من تغير حالهم. (الزرقا ص 229) . 9 - القيام بالواجبات الدينية، لا يجوز أخذ الأجر عليها، كالإمامة وخطبة الجمعة، وتعليم القرآن. . إلخ. بل على المقتدر أن يقوم بذلك مجاناً، لأنه واجب شرعي، غير أن المتأخرين من الفقهاء لاحظوا قعود الهمم عن هذه الواجبات. فأفتوا بجواز أخذ الأجرة عليها حرصاً على تعليم القرآن ونشر العلم، وإقامة الشعائر الدينية بين الناس. (الدعاس ص 43) . 15 - إن المدين - في أصل المذهب الحنفي - تنفذ تصرفاته في أمواله بالهبة والوقف وسائر وجوه التبرع، ولو كانت ديونه مستغرقة أمواله كلها، باعتبار أن الديون تتعلق بذمته، فتبقى أعيان أمواله حرة، فينفذ فيها تصرفه، وهذا مقتضى القواعد القياسية. ثم لما فسدت ذمم الناس، وكثر الطمع وقلَّ الورع، وأصبح المدينون يعمدون إلى تهريب أموالهم من وجه الدائنين عن طريق وقفها أو هبتها لمن يثقون به من قريب أو صديق، أفتى المتأخرون من فقهاء المذهبين الحنفي والحنبلي بعدم نفاذ هذه التصرفات من المدين إلا فيما يزيد عن وفاء الدين من أمواله. (الدعاس ص 44) . 11 - ورد في "صحيح البخاري " وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ضالة الإبل: هل يلتقطها من يراها لتعريفها وردّها على صاحبها متى ظهر؛ (كضالة الغنم ونحوها من الأشياء الصغيرة التي يخشى عليها) فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التقاطها؛ لأنها لا يخشى عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ما يخشى على غيرها من الضياع، وأمر بتركها ترد الماء، وترعى الكلأ حتى يلقاها ربها، فاستثنى الإبل من حكم التقاط الضالة. فلما كان عهد عثمان بن عفان أمر بالتقاط ضوال الإبل وبيعها، كبقية الضوال، على خلاف ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - واستثناه، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها. وروى ذلك مالك عن ابن شهاب الزهري؛ لأن عثمان رأى أن الناس قد دبَّ إليهم فساد الأخلاق والذمم، وامتدت أيديهم إلى الحرام، فهذا التدبير أصون لضالة الإبل، وأحفظ لحق صاحبها، خوفاً من أن تنالها يد سارق أو طامع. فهو بذلك - وإن خالف أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر - إنما هو موافق لمقصوده. إذ لو بقي العمل على موجب ذلك الأمر بعد فساد الزمان لآل إلى عكس مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيانة الأموال، وكانت نتيجته ضرراً. (الدعاس ص 46) . 12 - ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن كتابة أحاديثه، وقال لأصحابه: "من كتب عني غير القرآن فليمحه ". إلا ما ثبت استثناء من كتابة بعض الصحابة. واستمر الصحابة والتابعون غالباً يتناقلون السنة النبوية حفظاً وشفاهاً لا يكتبونها حتى آخر القرن الهجري عملاً بهذا النهي. ثم انصرف العلماء في مطلع القرن الثاني إلى تدوين السنة النبوية بأمر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ لأنهم خافوا ضياعهم بموت حفظتها، ورأوا أن سبب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتابتها إنما هو خشية أن تختلط بالقرآن، إذ كان الصحابة يكتبون ما ينزل منه على رقاع، فلما عَمَّ القرآن، وشاع حفظاً وكتابة ولم يبق هناك خشية في اختلاطه بالحديث النبوي، لم يبق موجب لعدم كتابة السنة، بل أصبحت كتابتها واجبة، لأنها الطريقة الوحيدة لصيانتها من الضياع، والحكم يدور مع علته ثبوتاً وانتفاءً. (الدعاس ص 46) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ويمكن أن يقال مثل ذلك في حفظ السنة الآن وتدوينها وجمعها بالحاسوب. والطباعة الحديثة، وأجهزة التسجيل، ونشرها بأجهزة الإعلام حتى التلفاز والإنترنت. 13 - جواز إغلاق أبواب المساجد في غير أوقات الصلاة في زماننا وذلك صيانة للمسجد عن العبث والسرقة؛ لأن وظيفة معظم المساجد اليوم اقتصرت على الصلاة، وغابت عنها وظائف المسجد ورسالته المقررة شرعاً. (السدلان ص 436) . 14 - الأصل أن تنفذ تصرفات المدين بالهبة والوقف وسائر وجوه التبرع، ولو كانت ديونه مستغرقة أمواله كلها، ما دام لم يحجر عليه؛ لأن الديون تتعلق بذمته، وتبقى أعيان أمواله حرة فينفذ فيها تصرفه. ولكن لما فسد الزمان، وخربت الذمم، وكثر الطمع، وقل الورع، وأصبح المدينون يعمدون إلى تهريب أموالهم من وجه الدائنين عن طريق وقفها، أو هبتها لمن يثقون به ليعيدها فيما بعد، أفتى المتأخرون من فقهاء الحنفية، والحنابلة في وجه عندهم، وهو ظاهر مذهب المالكية بعدم جواز وعدم نفاد هذه التصرفات من المدين إلا فيما يزيد عن وفاء الدين من أمواله. (السدلان ص 437) . 15 - ومن الأمثلة على تطور الزمان اختلاف بناء الدور والبيوت والفلل والعمارات، واختلاف الأعراف في الحجرات والمرافق والكسوة، فتبع ذلك اختلاف كيفية رؤية المبيع، والحاجة لرؤية جميع المبيع اليوم، لأن رؤية البعض لا يكون دليلاً على المقصود. (السدلان ص 1438. 16 - وجوب تسجيل النكاح لدى المأذون وتوثيقه من القاضي أو نائبه في المحكمة وضبطه في السجلات لتغير أعراف الناس، وأحوالهم، وتطور أساليب حياتهم، وحفظاً على الأعراض ونسب الأولاد، وحقوق الزوجين. (السدلان ص 439) . 17 - وجوب تسجيل السيارات، وعمل ترخيص لها، والتأمين الشرعي عليها، لتحقيق مقاصد عديدة، والحفاظ على المصالح المتجددة. (السدلان ص 439) . 18 - إنشاء المدارس، ومراحل التعليم، وفتح الجامعات، ومنح الشهادات المتنوعة لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 يترتب على كل منها من حقوق، وكذلك فتح المحاكم على درجات، وتجدد أحكام القضاة وأصول المحاكمات بما يحقق مصالح الناس، وينظم أمورهم. (السدلان ص 440) . تنبيه: الأصل في الشريعة ثبات الأحكام: إن لفظ الأحكام الوارد في القاعدة ليس عاماً، ولذلك تعتبر القاعدة خاصة واستثناء، مع التذكير بما يلي: 1 - إن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنى والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم، وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال، وتتغير وسائلها فقط. 2 - إن أركان الإسلام، وما علم من الدين بالضرورة، لا يتغير ولا يتبدل. ويبقى ثابتاً كما ورد، وكما كان في العصر الأول، لأنها لا تقبل التبديل والتغيير. 3 - إن جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير ولا التبدل بتبدل الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص. 4 - إن أمور العقيدة أيضاً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها ومن عهد الأنبياء والرسل السابقين، حتى تقوم الساعة، ولا تتغير بتغير الأزمان. وإلى هنا تتثهي القواعد الفقهية الأساسية الخمس، وهي متفق عليها بين المذاهب، وألحقنا بها القواعد الفقهية المتفرعة عنها ليكتمل الموضوع، ولتكون واضحة في مكان واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الباب الثاني: القواعد الكلية المتفق عليها وهي القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية. ويدخل تحت بعضها قواعد فقهية أخرى، تُذكَر بعدها، ليكون الموضوع متكاملاً في مكان واحد. وهذه القواعد الكلية بعضها متفق عليه بين المذاهب، وبعضها - مختلف فيه، لذلك نحدد مصادر الفروع والجزئيات والمسائل المتفرعة من القاعدة، وبحسب المذهب المعين. ونخصص هذا الباب للقواعد الكلية المتفق عليها بين المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، مع ذكر الفروع والمسائل لها. ثم نضيف القواعد المتفرعة عنها. سواء كانت القواعد المتفرعة متفقاً عليها أم لا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 القاعدة: [53] إعمال الكلام أولى من إهماله (م/60) التوضيح إن إعمال الكلام بما يمكن إعماله بحمله على معنى أولى من إهماله، لأن المهمل لغو، وكلام العاقل يصان عنه، فيجب حمله ما أمكن على أقرب وأولى وجه يجعله معمولاً به من حقيقة ممكنة، وإلا فمجاز، طالما يمكن استعماله في معنى يناسبه؛ لأن الكلام الصادر من العاقل يحمل على الحقيقة ما أمكن، فإذا تعذرت يصار إلى المجاز، لتصحيح كلامه إلا إذا تعذر فيلغو. ومحل هذه القاعدة أن يستوي الإعمال والإهمال بالنسبة إلى الكلام، أما إذا بعد الإعمال عن اللفظ، وصار بالنسبة إليه كاللغز الخفي، فلا يصير راجحاً بل الإهمال مقدم. ويتفرع عن هذه القاعدة عدة قواعد، سنذكرها لاحقاً. التطبيقات 1 - لو وقف أحد على أولاده، أو أوصى لأولاده، فيتناول أولاده الصلبية فقط إن كانوا، لأنه الحقيقة، فإن لم يكن له أولاد من الصلب تناول أولادهم حملاً عليهم بطريق المجاز، صوناً للفظ عن سقوطه؛ لأن إعمال الكلام أولى من إهماله. (الزرقا ص 315، الدعاس ص 48، اللحجي ص 67) . 2 - كذلك لو أوصى أو وقف على مواليه الأعلين أو الأسفلين، فإن كان له موالٍ استحقوا، وإلا فلموالي مواليه. (الزرقا ص 315) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 3 - لو حلف لا يأكل من هذه النخلة فأكل من ثمرها، أو الدبس الذي يستخرج منها، فإنه يحنث؛ لأن النخلة لا يتاق أكل عينها، فحُمِل على ما تولَّد منها. (الدعاس ص 48) . 4 - لو قال لزوجته وحمار: أحدكما طالق، فإنها تطلق، بخلاف ما إذا قال ذلك لها ولأجنبية، وقصد الأجنبيية، يقبل في الأصح لكون الأجنبية قابلة في الجملة. (اللحجي ص 67) . 5 - لو أوصى بطبل، وله طبل حرب، وطبل لهو، فتصح الوصية على طبل الحرب لجواز استعماله، وإعمال الكلام فيه. (اللحجي ص 67) . المستثنى 1 - لو قال لزوجته الثابت نسبها من غيره: هذه بنتي، فهذا لغو، لأنه تعذر حمله على الحقيقة. (الدعاس ص 48) . 2 - لو أوصى بعود من عيدانه، وله عيدان لهو، وعيدان قسي، فالأصح بطلان الوصية تنزيلاً على عيدان اللهو، لأن اسم العود عند الإطلاق ينصرف له، واستعماله في غيره مرجوح، وليس كالطبل لوقوعه على الجميع وقوعاً واحداً، كذا فرق الأصحاب بين المسألتين. (اللحجي ص 67) . 3 - لو قال: زَوَّجْتُك فاطمة، ولم يقل بنتي، لم يصح على الأصح لكثرة الفواطم. (اللحجي ص 67) . ويتفرع عن هذه القاعدة عدة قواعد فقهية، وهي ثمانية قواعد، وسترد الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 القاعدة: [54] 1 - الأصل في الكلام الحقيقة (م/13) الألفاظ الأخرى - الأصل في الألفاظ الحقيقة عند الإطلاق. - الأصل في الإطلاق الحقيقة، وقد يصرف إلى المجاز بالنية. التوضيح الحقيقة لغة: من حقّ الشيء إذا ثبت، وهو ما وضعت له ولم تتجاوزه، وفي الاصطلاح: اللفظ المستعمل فيما وضع له، أي تعين له بحيث يدل عليه بغير قرينة، سواء أكان التعيين من جهة واضع اللغة أو غيره في الشرع أو العرف أو الاصطلاح. مثال الحقيقة اللغوية: كالأسد للحيوان المفترس، والحقيقة الشرعية: كالصلاة للعبادة المخصوصة، والحقيقة العرفية كالدابة لما يركب. والحقيقة الاصطلاحية كالكلمة للفظ المفرد عند النحاة. ويقابل الحقيقة المجاز، وهو الكلمة المستعملة في غير ما وضحت له لعلاقة مع قرينة مانعة عن إرادة المعنى الموضوع له. ولا يصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجازي إلا عند عدم الإمكان، بأن تعذرت الحقيقة، أو تعسرت، أو هجرت، فيصار إلى المجاز، ويحمل الكلام على المعنى المجازي ضرورة عدم إهمال كلام العاقل، وتطبق قاعدة "إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز". (م/ 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فهذه القاعدة فرع عن قاعدة لا إعمال الكلام أولى من إهماله " (م/ 60) وفرع عن قاعدة " اليقين لا يزول بالشك" (م/ 4) لأن الحقيقة يقين، والمجاز شك، واليقين لا يزول بالشك إلا لسبب أو علة. والحقيقة أصل في الكلام، والمجاز فرع فيه وخلف عنها، ولكونها أصلاً قدمت على المجاز، وكان العمل بها أولى من العمل به، ما لم يوجد مرجح له فيصار إليه. والمراد بهذه القاعدة أنه إذا كان للفظ معنيان متساوٍ استعمالهما، معنى حقيقي، ومعنى مجازي، وورد مجرداً عن مرجح يرجح أحد المعنيين على الآخر، فيراد به حينئذ المعنى الحقيقي لا المجازي؛ لأن المجاز خلف عن الحقيقة، فترجح هي عليه في نفسها. وهذه القاعدة تكملها قاعدة "إذا تعذَّرت الحقيقة يُصار إلى المجاز" (م/ 61) وقاعدة: " إذا تعذَّر إعمال الكلام يُهمل " (م/ 62) . التطبيقات 1 - لو وقف على أولاده، أو أوصى لهم، لا يدخل في ذلك ولد الولد في الأصح، إن كان له ولد لصلبه، لأن المعنى الحقيقي للولد هو الولد الصلبي. (الدعاس ص 49، اللحجي ص 32) . 2 - لو قال لآخر: وهبتك هذا الشيء، فأخذه الخاطب، ثم ادَّعى الواهب أنه أراد بالهبة البيع مجازاً، وطلب الثمن، لا يقبل قوله، لأن الأصل في الكلام الحقيقة، وحقيقة الهبة تمليك بلا عوض، بخلاف ما إذا قال: وهبتك بدينار، فإن ذلك قرينة على إرادة المجاز، ولا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة (م/ 61) . (الدعاس ص 49، الروقي ص 289) . 3 - لو حلف لا يبيع، أو لا يشتري، أو لا يضرب عبده، فوكّل في ذلك لم يحنث، حملاً للفظ على حقيقته. (اللحجي ص 32) . 4 - لو قال؛ وقفت على حفّاظ القرآن لم يدخل فيه من كان حافظاً ونسيه؛ لأنه لا يطلق عليه حافظ إلا مجازاً باعتبار ما كان. (اللحجي ص 32) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 5 - لو وقف على ورثة زيد، وهو حي، لم يصح، لأن الحي لا ورثة له. (اللحجي ص 32) . 6 - لو أوصى أو وقف على أولاده، دخل أولاد البنات على الراجح، لأن ولد بنت الإنسان ولد ولده حقيقة. (الزرقا ص 136) . 7 - لو خلف بطلاق زوجته ألا يفعل الشيء الفلاني، فوكل غيره، ففعله الوكيل، لا يحنث إذا كان فعل ذلك الشيء لا يقبل التوكيل به أصلاً، أو كان يقبل التوكيل، ولكنه كان من الأفعال التي لا يلزم الوكيل حين فعله لها أن يُضيفها إلى الموكل. (الزرقا ص 136) . وما لا يقبل التوكيل كالأفعال الحسية كالأكل والشرب والدخول والخروج والنوم وما شاكلها، وما يقبل التوكيل ولا يلزم الوكيل حين فعلها أن يضيفها إلى الموكل سبعة، وهي: البيع، والشراء، والإيجار، والاستئجار، والقسمة، والخصومة، والصلح عن مال بمال. (الزرقا ص 136) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 القاعدة: [55] 3 - إذا تعذَّرت الحقيقة يُصار إلى المجاز (م/61) التوضيح إن المجاز خلف عن الحقيقة، فإذا تعذرت الحقيقة، أو تعسرت، أو هجرت. يصار إلى المجاز، لأنه عندئذ يتعين طريقاً لإعمال الكلام واجتناب إهماله، وهذه القاعدة فرع عن القاعدة السابقة. التطبيقات 1 - إن تعذر الحقيقة يكون لعدم إمكانها أصلاً، لعدم وجود فرع لها في الخارج، كما لو وقف على أولاده، وليس له إلا أحفاد، انصرف الوقف إليهم، لتعذر الحقيقة، ولأن الحفدة يُسمون أولاداً مجازاً. (الزرقا ص 317، الدعاس ص 50) . 2 - وإن تعذُّر الحقيقة يكون لعدم إمكانها شرعاً، كالوكالة بالخصومة، فإن الخصومة هي التنازع، وهو محظور شرعاً، قال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا) . فتحمل على المعنى المجازي لها، وهو إعطاء الجواب إقراراً وإنكاراً. (الزرقا ص 317) . 3 - وإن تعسر الحقيقة يكون بعدم إمكانها إلا بمشقة، كما لو حلف: لا يأكل من هذا القِدْر، أو من هذه الشجرة، أو هذا البُر، فإن الحقيقة، وهي الأكل من عينها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ممكنة، ولكن بمشقة، فيصار إلى الأكل من ثمرة الشجرة إن كان، وإلا فمن ثمنها، أو الأكل مما في القدر، أو مما يتخذ من البرّ. (الزرقا ص 317) . 4 - وكذا لو حلف لياكُلَنَّ من هذه الشجرة، كان المراد من ثمرها، لا من عين خشبها، لتعذر ذلك. (الدعاس ص 50) . 5 - وإن هَجَرَ الحقيقة مثل أن يحلف: لا يضع قدمه في هذه الدار، فإن الحقيقة ممكنة فيه، ولكنها مهجورة، والمراد من ذلك في العرف: الدخول، فلو وضع قدمه فيها بدون دخول لا يحنث، ولو دخلها راكباً حنث. (الزرقا ص 317) . 6 - ومثله لو قال له: أشعل القنديل، الفنار، فإنه مصروف إلى الشمعة فيه عرفاً، فلو أشعله نفسه فاحترق، يضمن. (الزرقا ص 317) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 القاعدة: [56] 3 - إذا تعذر إعمال الكلام يُهمل (م/62) التوضيح إذا تعذر إعمال الكلام، بأن كان لا يمكن حمله على معنى حقيقي له يمكن، لتعذر الحقيقة بوجه من وجوه التعذر، أو لتزاحم المتنافيين من الحقائق تحتها ولا مرجح، ولا يمكن حمله على معنى مجازي مستعمل، أو كان يكذبه الظاهر من حس أو ما في حكمه من نحو العادة، فإنه يهمل حينئذ، أي يُلغى ولا يعمل به، وكذلك إذا تعذر إعمال الكلام شرعاً. وهذه القاعدة قيد على قاعدة "إعمال الكلام أولى من إهماله " (م/ 65) وقاعدة "إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز" (م/ 61) . أي يعمل بالكلام ما أمكن حقيقة أو مجازاً، فإن تعذر ذلك فإنه يُهمل، ولذلك جمع بعضهم بين القاعدتين الأخيرتين بقوله: إعمال الكلام أولى من إهماله ما لم يتعذر. التطبيقات 1 - مثال تزاحم المتنافيين كما لو أوصى لمواليه، أو وقف عليهم، وكان له موالٍ مُعْتَقون، وموال مُعْتِقون، فإن الوصية والوقف لغو. (الزرقا ص 319) . 2 - وكذا إذا كفل بالعهدة، فإن الكفالة لا تصح؛ لأن العهدة اسم مشترك يقع على الصك القديم، وعلى العقد، وعلى حقوق العقد، وعلى الدرك، وعلى خيار الشرط. (الزرقا ص 319) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 3 - وكذا لو كفل، ولم يعلم أنها كفالة نفس أو مال، فإنها لا تصح. (الزرقا ص 319) . 4 - ومن هذا: ما لو قال لرجل: ادفعوا هذه الدار والثياب لفلان، ولم يقل: فإنها له، ولا قال: هي وصية، قالوا: هذا باطل، إذ ليس بإقرار ولا وصية.. (الزرقا ص 319) . 5 - ومثال لتعذر الحقيقة وعدم إمكان الحمل على المعنى المجازي لكونه غير مستعمل، كما لو قال لمعروف النسب: هذا ابني، فإنه كما لا يصح إرادة الحقيقة منه لثبوت نسبة من الغير، لا تصح أيضاً إرادة المجاز، وهو الإيصاء له بإحلاله محل الابن في أخذ مثل نصيبه من التركة، لأن ذلك المجاز غير مستعمل، والحقيقة إذا لم تكن مستعملة لا يصار إليها، فالمجاز أولى. (الزرقا ص 319 - 320) . 6 - ومثال لتكذيب الحسّ: كدعوى قتل المورث، وهو حي، أو قطع العضو، وهو قائم، وكدعوى الدخول بالزوجة وهو مجبوب. (الزرقا ص 320) . 7 - ومثال لما في حكم الحسّ: كدعوى البلوغ ممن لا يحتمله سنّه أو جسمه، وكدعوى صرف المتولي أو الوصي على الوقف أو الصغير مبلغاً لا يحتمله الظاهر، فإن كل ذلك يلغى، ولا يعتبر، ولا يعمل به، وإن أقيمت عليه البيِّنة. (الزرقا ص 320) . 8 - لو أوصى لأولاد خالد مثلاً بشيء من الأموال، ثم تبين أنه ليس لخالد المذكور أولاد، ولا أولاد أولاد، فهنا تعذرت الحقيقة والمجاز، فلذا يُعَدّ الكلام ملغى، وتبطل الوصية هذه. (الدعاس ص 54) . 9 - لو ادعى أحد في حق من هو أكبر منه سناً، أو معروف النسب من الغير، أنه ابنه فهو لغو، لظهور كذبه عقلاً. (الدعاس ص 54) . 10 - إذا قال لإحدى زوجتيه: أنت طالق أربعاً، فقالت: الثلاث تكفيني. فقال: أوقعت الزيادة على فلانة - زوجته الأخرى - فلا يقع على الأخرى شيء؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 لأنه لمّا لم تصح الرابعة على "الأولى"، أصبحت لغواً، فلم تقع على "الأخرى"؛ لأن الشرع لم يوقع الطلاق بأكثر من الثلاث. (السدلان ص 171) . 11 - من ادَّعى على إنسان أنه قطع يده، وهي سليمة غير مقطوعة، أو اعترف بأنه قطع يد غيره، وإذا باليد في الحالتين قائمة مشهودة، فهنا تعذر صحة الكلام حساً. (السدلان ص 171) . 12 - من أقر بأن أخته ترث ضعفي حصته من تركة أبيه، فهذا متعذر شرعاً، فيلغى، بخلاف ما لو اعترف لها أنها تستحق مقداراً من المال في التركة مساوياً لحصته أو أكثر منها، ولم يعين أنه من طريق الإرث، فهذا إقرار صحيح ملزم، لأن الأخت قد تستحق ما أقر لها به باسباب كثيرة مشروعة كالإقراض لوالدها. (السدلان ص 172) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 القاعدة: [57] 4 - ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله (م/63) الألفاظ الأخرى - ما لا يتجزأ فوجود بعضه كوجود كله. - ما لا يقبل التبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كله، وإسقاط بعضه كإسقاط كله. - ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله. التوضيح إن ذكر بعض ما لا يتجزأ على وجه الشيوع كنصفه مثلاً، كذكر كله، لأنا إذا لم نقل بذلك، والموضوع أن المحدَّث عنه لا يتجزأ، يلزم إهمال الكلام بالمرة، والحال أن إعمال الكلام ما أمكن إعماله أولى من إهماله. التطبيقات 1 - لو قال لامرأة: تزوجت نصفك، صح العقد على المفتى به عند الحنفية. (الزرقا ص 321) . 2 - لو طلق ثلث امرأته، أو نصفها، طلقت كلها، أو طلقها نصف طلقة، أو ربع طلقة، وقع عليها طلقة كاملة رجعية؛ لأنها مما لا يتجزأ. (الزرقا ص 321، الدعاس ص 51، السيوطي 178) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 3 - لو أضاف كفيل النفس الكفالة إلى جزء شائع من المكفول، كربع الشخص، أو نصفه مثلاً، كان كفيلاً بالنفس؛ لعدم التجزئة. (الزرقا ص 221، الدعاس ص 951) . 4 - لو قال وليُّ القتيل: عفوت عن ربع القصاص، أو خمسه مثلاً. سقط كله. (الزرقا ص 221) . 5 - لو سلم الشفيع حقه عن نصف الشفعة مثلاً سقطت كلها. (الزرقا ص 221) .. 6 - لو ألزم نفسه بركعة لزمه ركعتان؛ لأن ذلك لا يتبعض، فذكر إحداهما كذكر كليهما، وهذا عند الحنفية؛ لأن أقل الصلاة عندهم ركعتان، ويكفي ركعة عند الشافعية كالوتر بواحدة. (الدعاس ص 51) . المستثنى 1 - إنما قيد ذكر بعض ما لا يتجزأ بأن يكون على وجه الشيوع احترازاً عما إذا لم يكن كذلك، بأن كان على وجه التعيين، كما لو أضاف الطلاق إلى عضو من أعضاء المرأة، فإن كان عضواً يعبر به عن كلها كالرأس والرقبة، وأضافه إليها وقع الطلاق، تطبيقاً للقاعدة، فلو لم يضفه إليها، بأن قال الرأس منك، أو الرقبة منك، طالق، أو كان عضواً لا يعبر به عن الكل كالظفر والشعر، لم يقع فيهما. (الزرقا ص 221) . 2 - لو قال رجل لدائن آخر: كفل لك نصفي أو ثلثي مثلاً لم يكن كفيلاً. (الزرقا ص 322) .. 3 - لو قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن شئت، فقالت: شئت نصف واحدة، لم يقع شيء. (الزرقا ص 322) . 4 - الكفالة بالمال، فلو كفل يحزء من الدين، كنصفه، أو خمسه، لم يكن كفيلاً بأكثر، لأنه مما يتجزأ. (الدعاس ص 51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 5 - لو أبرأ الدائن مدينه عن جزء فقط من الدين برئ عن ذلك الجزء فقط، لأنه مما يتجزأ. (الدعاس ص 51) . وسيأتي مزيد من التطبيقات لذلك في القاعدة رقم 200 عند الشافعية، وهي ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله. ملاحظة: ذكر الكل والجزء قد يزيد حكم البعض على الكل في مسائل: 1 - ما لو خَتَنَ صبياً بإذن وليه، فقطع حشفته، فإن مات فعليه نصف الدية، وإلا فعليه الدية كلها. (الزرقا ص 322) . 2 - لو خرج رأس المولود، فقطع إنسان أنفه، فخرج حياً وعاش، فعليه الدية، ولو قطع رأسه والحالة هذه فعليه الغرّة، لأنه لم تثبت حياته إلا بولادته جماملاً، أو أكثره،. (الزرقا ص 322) . 3 - لو قطع الإصبعين عيبان، فيضمن العيبين، ولو قطع الأصابع مع الكف عيب واحد يلزمه ضمان عيب واحد. (الزرقا ص 322) . 4 - إذا قال: أنت علي كظهر أمي فإنه ظهار صريح، ولو قال: أنت علي كأمي فهو ظهار غير صريح، وهنا زاد البعض على الكل. (السيوطي ص 179، ابن نجيم ص 189) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 القاعدة: [58] 5 - المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة (م/64) التوضيح المطلق: هو ما دل على الماهية بلا قيد، أي الماهية المستحضرة في الذهن بلا قيد وجودها في ضمن الأفراد، فهو على هذا مرادف لعلم الجنس. أو هو: ما دل على شائعٍ في جنسه، أو اللفظ الشائع في جنسه بلا شمول ولا تعيين، مثل: (أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) فيصدق على أي بقرة، فهذا مرادف للنكرة، وهذا الذي اختاره الكمال ابن الهمام، وجرى عليه السعد في "حواشي التلويح" وأيده البناني، بأن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالماهية باعتبار وجودها في ضمن الأفراد، لا باعتبار أنها مفهومات كلية وأمور عقلية كما يفيد التعريف الأول. والمقيد: هو اللفظ الدال على الذات بصفة زائدة، إما نصاً أي لفظاً، بأن يكون مقروناً بنحو صفة، أو حال، أو إضافة، أو مفعول، أو نهي، أو شرط، أو استثناء. وإما دلالة بما يدل عليه ظاهر الحال، أو العرف والعادة. ولا فرق بين إطلاق المطلق والنكرة على الفرد الشائع، إلا أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه، فيجتمعان في مثل (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وتنفرد النكرة عن المطلق إذا كانت عامّة في سياق نفي أو غيره، وينفرد المطلق عنها إذا كان مقروناً باللام المراد بها الجنس في ضمن فرد ما من الحقيقة، فهو نكرة معنى، معرفة لفظاً نحو "ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 التطبيقات 1 - لو وكّل شخص آخر بشراء فرس، فاشتراها له حمراء، فقال الموكل: إنما أردت بيضاء، يُلزم بما اشتراه الوكيل؛ لأن كلامه مطلق، فيجري على إطلاقه،. (الدعاس ص 50) . 2 - لو قال له: اشتر فرساً حمراء، أو ثوباً هروياً، أو فرساً عربياً ونحو ذلك، فهذا تقييد للمطلق بالنص صفة، فيجب الالتزام به. (الزرقا ص 323، (الدعاس ص 50) . 3 - لو قال شخص لآخر: بع هذا بكذا وكذا قبضاً، أو إن دخلت البلد راكباً مثلاً فكذا وكذا، فهذا تقييد للمطلق بالنص حالاً. (الزرقا ص 323، (الدعاس ص 50) . 4 - لو قال للوكيل: اشتر لي فرس بكر مثلاً، فلا يصح شراء سواها، وهذا تقييد للمطلق بالنص إضافة. (الزرقا ص 323) . 5 - لو قال شخص لآخر: بعه من فلان، فلا يبيع غير الفرس المعين، وهذا تقييد للمطلق بالنص مفعولاً. (الزرقا ص 323) . 6 - لو قال شخص لوكيله: لا تبعه في سوق كذا، فإن باعه في هذا السوق لا يصح، وهذا تقييد للمطلق بالنص نهياً. (الزرقا ص 323) . 7 - لو قال رجل لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق، فلا تطلق إلا إذا دخلت، فإن دخلت الدار وقع الطلاق، وهذا تقييد للمطلق بالنص شرطاً. (الزرقا ص 323) فهو طلاق معلق. 8 - قال شخص: إن شفى الله مريضي صمت يوماً، فلا يجب عليه الصوم إلا إذا شفي المريض، وهذا تقييد للمطلق بالنص شرطاً، فهو نذر معلق. (الزرقا ص 324) . 9 - قال شخص: لك يئ مئة إلا عشرة، أو قال: كفلت لك بمئة إلا خمسة مثلاً، أو قال لزوجته: إن خرجت إلا بإذني فأنت كذا، وكل استثناء يقع في الأقارير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 والعقود والتعاليق، فلا يقع الحكم إلا بعد الاستثناء، وكل ذلك تقييد لفظي يعمل عمله. (الزرقا ص 324) . 10 - لو قال شخص فقير، أو متوسط الحال لآخر: اشتر لي بغلاً، أو بغلة، أو داراً أو سيارة، فاشترى له بغلة أو سيارة أو داراً، تصلح للأمراء أو الأغنياء، فلا ينفذ هذا الشراء على الموكل، وإن كان اللفظ مطلقاً، لأن حالته ودلالة الحال تنبئ أن المراد دار متواضعة، وسيارة رخيصة، تتفق مع حاله. (الزرقا ص 324، الدعاس ص 50) . 11 - إذا قدم شخص بلدة، فقال لغيره: استأجر لي داراً، فاستأجرها له بعد سنة مثلاً، فإنه لا ينفذ فعل المأمور على الآمر؛ لأن الأمر يتقيد بدار يسدّ بها حاجته القائمة في الحال بالدلالة. (الزرقا ص 324) . 12 - لو جاءت امرأة بغزلها إلى السوق، وأمرت رجلاً ببيعه، فباعه نسيئة، لم ينفذ عليها، وذلك لتقييده بالنقد حالاً بدلالة الحاجة. (الزرقا ص 324) . 13 - لو كلف شخص غيره شراء أضحية، فاشتراها له بعد انقضاء العيد، فلا ينفذ الشراء عليه؛ لأن دلالة الحال تقضي شراءها قبل العيد أو في العيد. (الدعاس ص 51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 القاعدة: [59] 6 - الوصف في الحاضر لَغو، وفي الغائب معتبر (م/65) الألفاظ الأخرى - الوصف في الحاضر لَغو. التوضيح الوصف: هو أن تصف الشيء بصفة تميزه عن غيره، والصفة؛ هي الحالة القائمة بذات الموصوف، واللغو: ذكره وعدمه سيان. والوصف في الشيء الحاضر المشار إليه في المجلس لغو، أي ساقط الاعتبار، لأن المقصود من الوصف التعريف وإزالة الاشتباه والاشتراك، وقد حصل في ذلك بالإشارة إلبه ما هو أعلى وأبلغ، فإن الإشارة تقطع الاشتراك بالكلية، والوصف يقلله، فإذا وجدت يُلْغَى معها ما هو دونها من الوصف الذي يقلل الاشتراك ولا يقطعه. وهذا إذا كان المشار إليه من جنس المسمى الموصوف فالوصف في الحاضر لغو، إذا وصفه وهو مشار إليه، ووصفه غائباً معتبر، فإن لم يكن من جنسه، فلا عبرة للإشارة، بل للتسمية والوصف، والعبرة للجنس مطلقاً حاضراً مشاراً إليه أو غائباً، وهذا استثناء من القاعدة. وأما إذا لم توجد الإشارة، بل كان التعريف بالتسمية والوصف فقط، فإن الوصف معتبر حينئذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 التطبيقات 1 - لو أراد البائع بيع فرس أشهب (أشقر بصفرة) حاضر في المجلس. وقال في إيجابه: بعتك هذا الفرس الأدهم (الأسود) ، وقبل المشتري، صح البيع، ولغا وصف الأدهم، للقاعدة.. (الزرقا ص 331، الدعاس ص 52) . 2 - لو حلف لا يدخل هذه الدار، فدخلها بعدما انهدمت وصارت صحراء، يحنث، لأن الدار هي العرصة، والبناء وصف فيها، ففي حال الإشارة إليها يلغو الوصف لعدم إفادته، بخلاف ما لو حلف: لا يدخل داراً، فدخل داراً منهدمة، فإنه لا يحنث، لأنها عند عدم الإشارة من قبيل الغائب، فيعتبر فيها الوصف، كالأيمان. (الزرقا ص 332) . 3 - لو باع فرساً كائباً، وذكر أنه أشهب، والحال أنه أدهم، لا ينعقد البيع لازماً، بل موقوفاً على رضا المشتري بالبيع. (الزرقا ص 331، الدعاس ص 52) . المستثنى 1 - إذا باع فصاً حاضراً، وأشار إليه على أنه ياقوت، فإذا هو زجاج، لا ينعقد البيع (م/ 258) ؛ لأن المبيع من غير جنس المشار إليه، فلا عبرة للإشارة، بل للتسمية والوصف. (الزرقا ص 331) . 2 - لو قال: بعتك هذا الحجر من الألماس بكذا، وقبل المشتري، ثم تبين أنه زجاج، فالبيع باطل، لظهور أن المشار إليه من جنس آخر، فلا عبرة للإشارة حينئذ. بل للجنس المعتبر، إذ العقد يتعلق بما سمَّاه، لا بما أشار إليه، بخلاف الغائب فلا تتأتى فيه الإشارة. (الدعاس ص 52) . 3 - لو ادعى ثوباً، وبين طوله كذا، وبرهن بحضرة الثوب طبق مدعاه، فذرع الثوب، فظهر أن ذرعه أنقص مما بيّن، أو أزيد، لا تقبل بينته لظهور كذبها، لأن الوصف في الإشارة لغو في البيع والأثمان، لا في الدعوى والشهادة، ففي الشهادة إذا شهدوا بوصف، فظهر بخلاف ما شهدوا لا تقبل. (الزرقا ص 332) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 4 - وكذا لو ادعى دابة، وقال هذه الدابة التي سنها أربع سنين ملكي، وشهدوا كذلك، فظهر أنها أزيد أو أنقص، لا تقبل لظهور كذبهم، لأن الشهادة تختل بالكذب. (الزرقا ص 332) . 5 - وكذا لو ادعى دابة، ووصفها بأنها مشقوقة الأذن، أو مكوية في المحل الفلاني، أو لونها كذا، فظهرت سليمة الأذن، أو لا كيَّ بها، أو أن لونها مخالف لما وصف مخالفة واضحة، وبين اللونين بعد ظاهر، لا تسمع، وكذلك الشهود، لو وقع مثل ذلك في شهادتهم، ترد. (الزرقا ص 333) . 6 - لو استحضر المدعى به، فوجده مخالفاً لما وصفه به المدعي، ولكن لما أحضر قال: أدّعي هذا، ولم يقل: هذا الذي أدعيه، تسمع، كما لو ادعى قناً تركياً، وبين صفاته وطلب إحضاره، ليبرهن، فأحضر قناً خالف بعض صفاته بعض ما وصفه. فقال المدعي: هذا ملكي، ولم يزد عليه، فتسمع دعواه، ويجعل كأنه ادعاه ابتداء. فأما لو قال: هذا هو القن الذي ادّعيته أولاً، لا تسمع، للتناقض. (الزرقا ص 333) . 7 - لو حلف ألا يأكل من هذا البُسْر، فأكله بعدما صار رطباً لا يحنث؛ لأن صفة البُشرِية داعية إلى اليمين على عدم أكله، وهذا تقييد قولهم "الوصف في الحاضر لغواً " بما إذا لم يكن الوصف المذكور في الكلام هو الباعث على الالتزام، كاليمين مثلاً.. (الزرقا ص 333) وهذا استثناء من القاعدة. 8 - وكذا لو حلف: لا يأكل من هذا الحصرم، فأكله بعدما صار عنباً، لأن صفة الحصرمية داعية إلى اليمين على عدم أكله. (الزرقا ص 333) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 القاعدة: [60] 7 - السؤال مُعاد في الجواب (م/66) التوضيح إذا طرح سؤال مفصل، وورد الجواب بإحدى الأدوات المجملة، كنعم، وبلى، فيعتبر الجواب مشتملاً على ما في السؤال من تفصيل، لأن مدلول هذه الأدوات يعتمد على ما قبلها، ويكون جميع ما ورد في السؤال موجوداً في الجواب ولو لم يكرره. والفرق بين نعم، وبلى، أن الجواب بنعم تصديق لما قبلها إثباتاً ونفياً، فإذا قيل: قام زيد؛ فتصديقه نعم، وتكذيبه: بلا، فبلى في جواب النفي للإثبات، كقوله تعالى:. (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ) . ونقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في جواب قوله تعالى:. (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) ، لو قالوا: نعم لكفروا، أي لأن " نعم " لتصديق الكلام مثبتاً أو منفياً، و " بلى " لإيجاب ما بعد النفي استفهاماً كان أو خبراً. لكن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر. خصوصاً وأن العامة لا تدرك دقائق العربية. ومثل السؤال غيره من ألفاظ الإنشاء، فيكون الجواب شاملاً لما ورد قبله. التطبيقات 1 - قال تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) . فجاءت "بلى" لإيجاب ما بعد النفي. (الدعاس ص 53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 2 - قال تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) . فجاءت "بلى" لإيجاب ما بعد النفي أي يبعث الله من يموت،. (الدعاس ص 53) . 3 - قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ) ، فجاءت " بلى " لإيجاب ما بعد النفي أي تأتي. (الدعاس ص 53) . 4 - إذا سئل إنسان: هل لفلان عليك كذا وكذا بسبب كذا؛ فأجاب: نعم، كان مقرًّا بكل ما ورد في السؤال. (الدعاس ص 53) . 5 - إذا سُئل إنسان؛ أليس له عليك كذا؛ فأجاب: بلى، كان مقرأ بجميع ما ورد في السؤال، ولو لم يكرره. (الدعاس ص 53) . 6 - لو قيل لآخر: طلقت امرأتك؛ أو هل لفلان عليك كذا؛ إشارة لدين حماه، أو هل أوصيت بكذا؛ أو هل بعت الشيء الفلاني من فلان؛ أو هل آجرته دارك مثلاً؛ أو هل قتلت فلاناً؛ فقال مجيباً بنعم، فإنه يكون مقرًّا بما سئل عنه (الزرقا ص 353) . 7 - ومثل السؤال غيره من ألفاظ الإنشاء، كما لو قالت له امرأته: أنا طالق، فقال: نعم، طلقت، أو قال آخر: امرأة فلان طالق، إن دخل هذه الدار، أو قال: عليه المشي إلى بيت الله الحرام إن دخل هذه الدار، فقال فلان: نعم، كان حالفاً وناذراً، وكذا لو قال لآخر: أسرج لي دابتي هذه، أو جصص لي داري هذه، فقال: نعم، كان إقراراً منه بالدابة والدار له. (الزرقا ص 353) . 8 - لو قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك، وقع الطلاق بالألف، وإن لم يذكر المال في الأصح؛ لأن السؤال معاد في الجواب. (اللحجي ص 73) . 9 - لو قال: بعتك بألف، فقال: اشتريت، صح بألف في الأصح. (اللحجي ص 73) . 10 - لو قيل له على وجه الاستفهام: أطلقت زوجتك؛ فقال: نعم، كان إقراراً به، يؤخذ به في الظاهر، ولو كان كاذباً، ولو قيل ذلك على وجه التماس الإنشاء، فاقتصر على قوله: نعم، ففولان، أحدهما: أنه كناية لا يقع إلا بالنية، والثاني: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 صريح، وهو الأصح، لأن السؤال معاد في الجواب، فكأنه قال: طلقتها. (اللحجي ص 73) . 11 - مسائل الإقرار: فإذا قال: لي عندك كذا؛ فقال: نعم، أو قال: ليس لي عليك كذا؛ فقال: بلى، أو قال: أجل في الصورتين، فهو إقرار بما سأله عنه. (اللحجي ص 73) . المستثنى 1 - إذا قال: زوَّجتك بنتي، فقال: قبلت، لم يصح، حتى يقول: قبلت نكاحها أو تزويجها، لأن السؤال غير معاد في الجواب في باب النكاح، وهذا بخلاف ما لو قال: زوجتكها بألف فقال: قبلت نكاحها، فإنه يصح لكنه بمهر المثل. قال العلامة الخطيب الشربيني: "وهذه حيلة فيمن لم يزوجها وليها إلا بأكثر من مهر المثل ". وهنا يصح النكاح لأنه صرح بقوله: قبلت نكاحها، ولكن لا تثبت الألف، لأنه لم يذكرها، تطبيقاً للاستثناء أن هذه القاعدة لا تنطبق في باب النكاح. (اللحجي ص 73) . 2 - قال الزركشي: "لهذه القاعدة قيد، وهو ألا يقصد بالجواب الابتداء، ولهذا لو قال المشتري: لم أقصد بقولي "اشتريت " جوابك، فالظاهر القبول، أي قبول قول المشتري، فلا يلزمه الألف، ولا يصح البيع ". (اللحجي ص 74) . 3 - قال إمام الحرمين: لو قال: طلقتك، بعد قولها: طلقني بألف، ثم قال: أردت ابتداء طلاقها قُبل منه، وله الرجعة، ولها تحليفه على أنه لم يرد جوابها. قال الخطيب الشربيني: لو سكت عن التفسير فالظاهر أنه يجعل جواباً. (اللحجي ص 74) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 القاعدة: [61] 8 - التأسيس أولى من التأكيد الألفاظ الأخرى - التأسيس خير من التأكيد. - إذا دار الأمر بين التأسيس والتأكيد تعين الحمل على التأسيس. التوضيح الأصل في الكلام أن يفيد فائدة مستأنفة غير ما أفاده سابقة، لأن الاستئناف تأسيس، وإفادة ما أفاده الكلام السابق تأكيد، والتأسيس أولى من التأكيد، فإذا دار اللفظ بينهما تعين حمله على التأسيس؛ لأن فيه حمل الكلام على فائدة جديدة، وهو خير من حمله على فائدة الأول. وهذه القاعدة تدخل تحت قاعدة "إعمال الكلام أولى من إهماله " (م/ 65) ، ويراد بالإهمال في القاعدة ما هو أعم من الإلغاء بالمرة، وإلغاء الفائدة المستأنفة بجعله مؤكداً، فيكون الإعمال مقدماً على الإلغاء الكامل، ومقدماً على التأكيد، ويكون إعمالاً جديداً بالتأسيس لمعنى جديد، أو حكم زائد. التطبيقات 1 - لو أقر بألف في صك، ولم يبين سببها، ثم أقر بألف كذلك، فإنه يطالب بالألفين ليكون الإقرار الثاني تأسيساً وإقراراً جديداً، وليس تأكيداً للإقرار السابق. (الزرقا ص 351) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 2 - لو قال لزوجته المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، ولم ينو شيئاً من التأسيس أو التأكيد، فالأصح الحمل على الاستئناف، ويقع طلقتان. (اللحجي ص 67) . 3 - لو قال لزوجته المدخول بها: أنت طالق، طالق، طالق، وقع ثلاثاً قضاء، فإن ادَّعى أنه نوى التأكيد، فإنه يُديَّن (بتشديد الياء الثانية، من التديين أي ترك الأمر إلى نيته في حكم الديانة، وهو المعروف بالحكم الدياني، بمقابل الحكم القضائي) وأنه أراد بالتكرار التأكيد لا التأسيس، أي تعدد الطلقات، وعندئذ يقع طلقة رجعية فقط، وله مراجعتها ديانة، أي فيما بينه وبين الله، أما في حكم القضاء الذي يبنى على الظاهر فإنه إذا رفع الأمر إلى القاضي فإنه يقضي عليه بوقوع ثلاث طلقات والبينونة الكبرى، ويحمل اللفظ على التكرار على قصد التأسيس، عملاً بالظاهر. لأن الأصل في الكلام إعماله، بإفادة فائدة جديدة، وهذا معنى التأسيس. (الزرقا ص 316) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 القاعدة: [62] الاجتهاد لا ينقض بمثله (م/16) الألفاظ الأخرى - الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. - الظن هل ينقض بالظن؟ التوضيح إن اجتهاد المجتهد في المسائل الظنية التي لم يرد فيها دليل قاطع لا ينقض باجتهاد مثله إجماعاً، أي في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد، لأنه لو نقض الأول بالثاني لجاز أن ينقض الثاني بالثالث، لأنه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير، وذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويلزم التسلسل. فالاجتهاد السابق لا تنقض أحكامه الماضية بالاجتهاد اللاحق، فيصح ما فعله بالاجتهاد الأول وتبرأ به ذمته. فإذا اجتهد مجتهد في حادثة لإيجاد حكم لها، فأفتى أو قضى، ثم وقعت حادثة أخرى مثلها فتبدل اجتهاده إلى حكم مخالف، فلا تنقض فتواه، أو قضاؤه السابقان. فلو جاز إبطال العمل في الفتاوى والأحكام الاجتهادية كلما تبدل اجتهاد المجتهد فيها لما استقر حكم في حادثة، لأن الاجتهاد عرضة للتبدل دائماً بتبدل وجهات النظر في الأدلة. وهذا في حق الماضي، فلو كان قضى قاض في حادثة باجتهاده، ثم تبدل اجتهاده فرفع إليه نظيرها، فقضى فيها باجتهاده الثاني، فلا ينقض الأول، ويكفي أن يُغير الحكم في المستقبل، لانتفاء الترجيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 والأصل في هذه القاعدة إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما نقله ابن الصباغ، وأن أبا بكر حكم في مسائل خالفه فيها عمر بن الخطاب، ولم ينقض حكمه، وعمر حكم في المشَّركة بعدم المشاركة ثم حكم فيها بالمشاركة بخلاف ما قضى في نظيرها قبلاً، ولم ينقض قضاءه الأول، وقال: "تلك على ما قضينا، وهذه على ما نقضي "، وقضى في الجد قضايا مختلفة. وعلته أنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول، فيصح ما فعله بالاجتهاد الأول، ويغير الحكم في المستقبل، وإلا فإنه يؤدي إلى ألا يستقر حكم، وذلك مشقة شديدة، فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض، وهلم جراً. وهذا مبدأ قانوني أيضاً في محاكم النقض والإبرام والتمييز إذا تغير اجتهادها لا يسري ذلك على الأحكام السابقة، ويسمى في اصطلاحهم "بعدم رجعية القوانين ". وكذلك لا ينقض اجتهاد مجتهد بمجتهد آخر، بل كل مجتهد عليه أن يحترم اجتهاد الآخر لعدم المرجح بعد أن يستكمل المجتهد رتبة الاجتهاد في كل منهما. وكذلك لو كان بين قاضيين، بأن قضى شافعي مثلاً في حادثة مجتهداً فيها بمذهبه، ثم رفعت لآخر حنفي مثلاً يرى فيها غير ذلك، لا يجوز له نقض قضاء الأول، بل يجب عليه تنفيذه، ويحكم في غيرها بما يراه. وهذا، أي عدم جواز مخالفة قضاء القاضي السابق، فيما هو محل النزاع الذي ورد عليه القضاء، أما فيما هو من توابعه فلا يتقيد بمذهب الأول، فلو قضى شافعي بالبيع في عقار، فللقاضي الحنفي أن يقضي فيه بالشفعة للجار، وإن كان القاضي الأول لا يراها، وكذلك لو حكم قاض بصحة الوقف لا يكون حكماً بالشروط. فلو وقع التنازع في شيء من الشروط عند من يخالف فيها، فله أن يحكم فيها بمذهبه، لأن ذلك ليس محل النزاع لدى القاضي الأول، كما لو حكم بالوقف ثم وقع التنازع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 في رجوع الشرط المتأخر للجملة المتقدمة مثلاً كما هو مذهب الحنفية، أو للأخيرة كما هو مذهب الشافعي، فإنه يقفبي القاضي الحنفي بمذهبه، ويقصي القاضي الشافعي بمذهبه. كذلك لو كان مقلد المجتهد في عمل، فاستفتى فأفتى فيها بمذهب مجتهد آخر يخالف اجتهاد المجتهد الأول، لا ينقض عمله السابق. أما في حق المستقبل فلا يتقيد باجتهاده واستفتائه السابق أصلاً. التطبيقات 1 - لو تغير اجتهاد المصلي في القبلة عمل بالثاني، ولو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته ولا قضاء عليه. (الدعاس ص 55، اللحجي ص 51) وعند المالكية قولان، والصحيح أنه لا يعيد بعد الوقت. ويعيد في الوقت. (الغرَياني ص 34) وبعد الوقت تستحب الإعادة. (الغرياني ص 41) . 2 - لو اجتهد فظن طهارة أحد الإناءين فاستعمله وترك الآخر، ثم تغير ظنه، لم يعمل بالثاني، بل يُتمم. (اللحجي ص 51، الغرياني ص 34) . 3 - لو ألحق القائف الولد بأحد المتداعيين، ثم رجع وألحقه بالآخر لم يقبل. (اللحجي ص 51) . 4 - لو حكم الحاكم بشيء، ثم تغير اجتهاده، لم ينقض الأول، وإن كان الثاني أقوى، غير أنه في واقعة جديدة لا يحكم فيها إلا بالثاني. (اللحجي ص 51، الغرياني ص 34) . 5 - إذا حكم الحاكم في المسائل المجتهد فيها، فلا ينقض حكمه، مثل الحكم ببطلان خيار المجلس، والعرايا، ومنع القصاص في المثقل، وصحة النكاح بلا ولي، وثبوت الرضاع بعد حولين، وصحة نكاح الشغار، ونكاح المتعة، وجريان التوارث بين المسلم والكافر، وقتل الوالد بالولد، والحر بالعبد، فلا ينقض الحكم على ما صححه في أصل "الروضة " في الجميع. (اللحجي ص 51 - 52) . 6 - إذا اجتهد المصلي باختيار أحد أثواب بعضها نجس، فإنه إذا صلى وتغير اجتهاده في الطاهر منها، ففي إعادته قولان عند المالكية. (الغرياني ص 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 المستثنى 1 - للإمام الحمى، وهو منع الرعي في قطعة من الأرض، ولو أراد من بعده نقضه، فله ذلك في الأصح، لأنه قد يرى المصلحة في نقضه. ولو حمى الخلفاء الأربعة فإنه يجوز نقضه، خلافاً لما في "الروضة" وكذا حمى سيدنا عمر رضي الله عنه خلافاً للأذرعي. ومنع إمام الحرمين استثناء هذه الصورة، واعتمده المحققون المتأخرون، إذ المتبع هو المصلحة فلا نقض. (اللحجي ص 52) . 2 - إذا قسم القاسم بين الشركاء قسمة إجبار، كقسمة المتشابهات، ثم قامت بينة بغلطه، أو حيفه وظلمه، انتقضت مع أن القاسم قسم باجتهاده. (اللحجي ص 52) . 3 - إذا قوَّم المقومون، ثم اطلع على صفة نقص أو زيادة ككون الدابة حاملاً، أو كون الزجاجة ليست زجاجة، بل جوهرة مثلاً، بطل التقويم الأول. قال السيوطي: "لكن هذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا بالاجتهاد". 4 - لو أقام الخارج بينة، وحكم له بها وصارت الدار في يده، ثم أقام الداخل بينة، حكم له بها، ونقض الحكم الأول، لأنه إنما قضى للخارج لعدم حجة صاحب اليد، هذا هو الأصح، عند الرافعي. قال ابن حجر: لكنه لا يكون من باب نقض الاجتهاد بالاجتهاد، لأن الحكم إنما وقع بناء على أن لا معارض، فإذا ظهر عمل به، وكأنه استثنى من الحكم. 5 - إن عدم نقض قضاء القاضي في الماضي، والعمل بالاجتهاد الجديد في المستقبل، إنما هو في القاضي المجتهد، أما القاضي المقلد الذي تقلد القضاء مقيداً بمذهب معين، فإنه يتقيد به، فلو حكم في المستقبل بخلافه ينقض حكمه، وإن وافق أصلاً مجتهداً فيه، ولذا لو أخطأ في تطبيق الحادثة على الحكم الشرعي، ثم ظهر أن النقل الشرعي بخلافه، فإن حكمه ينقض. (الزرقا ص 156) . 6 - القاضي إذا قضى بالجور ثم ظهر له الحق، فإن كان قضى خطأ، فإما أن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 التدارك ممكناً، أو لا، فإن أمكن، كما إذا قضى بمال أو طلاق، ثم ظهر أن الشهود محدودون في قذف مثلاً، بطل القضاء، وعادت المرأة إلى زوجها، ورد المال إلى من أخذ منه، وإن لم يمكن التدارك كالقصاص إذا نفذ لا يقتل المقضي له بل تجب الدية في ماله. هذا إذا ظهر خطؤه بالبينة أو بالإقرار من المقضي له، فلو كان ذلك بإقرار القاضي فلا يظهر أثره في حق المقضي له، حتى لا يبطل القضاء في حقه. كل ذلك في حق الجد، أما في حق المولى سبحانه وتعالى، كحد الزنى والسرقة والشرب، إذا نفذ ثم ظهر خطؤه، فالضمان في بيت المال. وإن كان القاضي قضى بالجور عمداً، وأقر به، فالضمان في ماله في الوجوه كلها، ويعزرَ، ويعزل عن القضاء. (الزرقا ص 156) . 7 - ينقض قضاء القاضي إذا خالف نصاً أو إجماعاً، أو قياساً جلياً. قال القرافي: أو خالف القواعد الكلية (1) . وقال ابن حجر: أو كان حكماً لا دليل عليه قطعاً. قال السبكي: وما خالف شرط الواقف، فهو مخالف للنص، وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصاً أو ظاهراً، كان وقف على مسجد أرضاً، فلا يجوز نقل غلتها لمسجد آخر. (اللحجي ص 52، الغرياني ص 34، 36) .   . (1) مثال مخالفة النص: الحكم بعدم إقامة الحد على شارب النبيذ، وقبول شهادته، فإنه ينقض ويقام عليه الحد وترد شهادته، لتضافر النص والقياس على تحريمه (الغرياني ص 34) وكذلك الحكم بالشفعة للجار فإنه ينقض؛ لأن الحديث جعل الشفعة للشريك دون الجار. (الغرياني ص 35) . ومثال مخالفة الإجماع: الحكم بحرمان الجد من الميراث وجعل الميراث كله للإخوة، لأن الأمة على قولين بجعل الميراث كله للجد، أو مقاحمته للإخوة، ولم يقل أحد بجعل الميراث كله للإخوة، فمتى حكم به حاكم نقض حكمه، ومن أفتى به لا يقلد في فتواه. (الغرياني ص 35) . ومثال مخالفة القياس: قبول شهادة النصراني، فمن حكم بشهادته نقض حكمه، لأن الفاسق لا تقبل شهادته، والكافر أشد منه فسوقاً، وأبعد عن المناصب الرعة في مقتضى القياس. (الغرياني ص 35) . ومثال مخالفة القواعدت المسألة السريجة نسبة لابن سريج الشافعي (306 هـ) وهي أن يقول الرجل لزوجته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، فلا يلزمه شيء، فهذا مخالف للقواعد، فمتى حكم حاكم بتقرير النكاح في حقه فينقض حكمه، لأنه يلزمه طلقة، ويتمم عليه الثلاث أو المعلق، فإذا ماتت أو مات، وحكم حاكم بالتوراث بينهما نقض حكمه. (الغرياني ص 35، 381) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 8 - يجوز مخالفة نص الواقف في حالة الضرورة في مسائل، منها: إذا فضل من غلة الموقوف على عمارته، ولم تتوقع العمارة عن قرب، فإنه يتعين أن يشتري به عقاراً، ومنها ما لو وقف أرضاً فتعذرت، وانحصر النفع في الغرس، أو البناء، فعل الناظر أحدهما، أو أجرها لذلك، وكذا يجوز مخالفة شرط الواقف المخالف للشرع، كشرط العزوبة في سكان المدرسة، فلا يصح، كما أفتى به البلقيني، وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع من الحض على التزوج. (اللحجي ص 53) . 9 - من التبست عليه القبلة، فاجتهد وصلى إلى إحدى الجهات، ظاناً أنها القبلة، ثم تغير اجتهاده بعد الصلاة، فهل يعيد الصلاة أم لا؟ قولان عند المالكية. والصحيح: أنه يعيد في الوقت. (الغرياني ص 34) . فائدة قال السبكي: وما خالف المذاهب الأربعة فهو كالمخالف للإجماع، وإنما ينقضه حكم الحاكم لتبين خطئه، والخطأ قد يكون في نفس الحكم بكونه خالف نصاً أو شيئاً مما تقدم، وقد يكون الخطأ في السبب، كان يحكم ببينة مزورة، ثم يتبين خلافه، فيكون الخطأ في السبب، لا في الحكم، وقد يكون الخطأ في الطريق، كما إذا حكم ببينة ثم بأن فسقها، وفي هذه الثلاثة ينقض الحكم بمعنى أنا تبينا بطلانه. (اللحجي ص 53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 القاعدة: [63] ما جاز لعذر بطل بزواله (م/23) الألفاظ الأخرى - ما جاز لعذر بطل عند زواله. - ما ثبت لعذر يزول بزواله. التوضيح أي إن الحكم الذي شرع لعذر معين، فإذا زال العذر امتنع الحكم؛ لأن جوازه كان بسبب العذر، فهو خَلَف عن الأصل المتعذر، فإذا زال العذر، وأمكن العمل بالأصل، لا يعمل بالخلف، ومعنى البطلان: سقوط اعتباره، فيصير في حكم العدم. وهذه القاعدة قريبة من قاعدة " ما أبيح للضرورة يُقَدر بقدْرها، أو "الضرورة تقدر بقدرها" (م/ 22) ، فهي بقوة التقييد لها؛ لأن إباحة المحظور للضرورة مقيدة بمدة قيام الضرورة، أو إنها في قوة التعليل لها. التطبيقات 1 - التيمم يبطل بوجود الماء؛ لأن التيمم جاز لفقد الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم. (الدعاس ص 58، اللحجي ص 44) وعند المالكية والشافعية والحنابلة يبطل التيمم بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة، وعند الحنفية يبطل التيمم بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة، أو في أثناء الصلاة. 2 - لبس الحرير حرام على الرجال، وأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن به حِكَّة، فإذا زالت الحكَّة بطل الجواز، وعاد مُحرَّماً. (الدعاس ص 58) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 3 - عذر السفر المؤدي إلى إباحة الفطر، وقصر الصلاة، وترك الجمعة، وأعذار الصغر والجنون والعته، فإذا زال العذر يرتفع ذلك عن الجميع. (الدعاس ص 58) . 4 - المتوفى عنها زوجها يجوز لها الخروج من بيتها في العدة، إذا لم يكن لها نفقة، فإن توافرت النفقة بطل جواز الخروج. (الدعاس ص 58) . 5 - لو وقع حريق في دار المودع عنده، ولديه أمانات في داره، فأخرجها وسلمها للجيران، أو لأجنبي، بسبب الحريق، لا يضمن إذا تلفت، فإذا فرغ من الحريق، ولم يستردها بعد الحريق، وهلك منها شيء، كان مقصِّراً ويضمن، إذ يجب عليه الاسترداد، لأن الإيداع عقد غير لازم، فكان لدوامه حكم الابتداء. (الزرقا ص 189، الدعاس ص 59) . 6 - لو آلى من زوجته وهو مريض، فإن فيئه إليها بالقول، ولكن إذا مرضت الزوجة ثم برئ، وبقيت مريضة، فإن فيئه بالوطء، لا باللسان؛ لأن تبدل أسباب الرخصة يمنع من الاحتساب بالرخصة الأولى. (الزرقا ص 189) . 7 - يجوز تحميل الشهادة للغير بعذر السفر أو المرض، فإذا زال العذر قبل أداء الفرع للشهادة بطل الجواز. (الزرقا ص 189، اللحجي ص 44) . 8 - لو اشترى شيئاً فآجره، ثم اطلع على عيب قديم فيه. فله فسخ الإجارة بعذر الرد بالعيب. فإذا زال العيب امتنع حق الفسخ. (الزرقا ص 189) . 9 - تجوز الشهادة على الشهادة لمرض وسفر، فإذا زال العذر، وحضر الأصل عند الحاكم قبل الحكم تبطل. (اللحجي ص 44) . 10 - يجوز للمستأجر فسخ الإجارة لعيب حادث، فهذا عذر لِحَقِّهِ بالفسخ، فإذا أزال المؤجر العيب الحادث قبل فسخ المستأجر الإجارة، لا يبقى للمستأجر حق الفسخ لزوال السبب، فلم يوجد العيب فيها بعد فسقط الخيار (م/517) . (الزرقا ص 189) . 11 - من اضطره الجوع إلى أكل الميتة، جاز له ذلك؛ فإن وجد طعاماً حلالاً صار أكل الميتة في حقه حراماً. (الروقي ص 310) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 12 - من لم يجد ماء ولا صعيداً لا يصلي حتى يجد واحداً منهما، فإذا وجده لم يعد مضطراً إلى ألا يصلي. (الروقي ص 351) . 13 - القادر على استعمال الماء لكنه لم يجده، فإنه يتيمم إلى أن يجده، فإن وجده زال عذره في التيمم. (الروقي ص 311) . 14 - من أبيح له الفطر في رمضان بسبب السفر أو المرض ثم زال السبب، وجب عليه الصوم. (السدلان ص 284) . 15 - من جاز له استعمال الرخص الشرعية كقصر الصلاة وترك الجمعة والجماعة بسبب السفر أو المرض، ثم زال العذر، عاد إلى العزيمة لإتمام الصلاة، وأداء الجمعة والجماعة. (السدلان ص 284) . 16 - من أذن له في إخراج الفدية عن رمضان بسبب الهرم أو العلة المزمنة، ثم زال السبب وجب عليه الصيام. (السدلان ص 284) . 17 - من أبيح له التناول من المحظورات للاضطرار، ثم زال، حرمت عليه. (السدلان ص 284) . 18 - من قبلت إشارته في المعاملات بسبب الخرس، ثم نطق، فلا تقبل. (السدلان ص 284) . 19 - تنتهي الوكالة، وتبطل بمجرد علم الوكيل بعزل الموكل له. (السدلان ص 285) . 25 - يمتنع على المعتدة التي جاز لها الخروج في أثناء العدة ضرورة الكسب أن تخرج متى صار لها مال تستغني به عن الخروج. (السدلان ص 285) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 القاعدة: [64] ما حرم أخذه حرم إعطاؤه (م/ 34) الألفاظ الأخرى - ما حرم على الآخذ أخذه حرم على المعطي إعطاؤه. التوضيح إن الشيء المحرم الذي لا يجوز لأحد أن يأخذه ويستفيد منه يحرم عليه أيضاً أن يقدمه لغيره ويعطيه إياه، سواء أكان على سبيل المنحة ابتداء، أم على سبيل المقابلة، كما حرم الأخذ والإعطاء حرم الأمر بالأخذ، إذ الحرام لا يجوز فعله، ولا الأمر بفعله، وذلك لأن الإعطاء تشجيع على أخذ المحرم، فيكون المعطي شريك الآخذ في الإثم، ولأن إعطاءه الغير عندئذ يكون من قبيل الدعوة إلى المحرم، أو الإعانة والتشجيع عليه، ومن المقرر شرعاً أنه كما لا يجوز فعل الحرام لا يجوز الإعانة والتشجيع عليه، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . ويتفرع على هذه القاعدة قواعد أخرى "ما حرم فعله حرم طلبه " (م/ 35) "ما حرم استعماله حرم اتخاذه". التطبيقات 1 - كما يحرم أخذ الربا يحرم إعطاؤه. (الزرقا ص 215، الدعاس ص 59، اللحجي ص 82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 2 - وكذلك الرشوة، ولا تملك بالقبض، ويجب ردُّها ولو كانت بغير طلب المرتشي. (الزرقا ص 215، الدعاس ص 59، اللحجي ص 82) . 3 - وكذلك: حلوان الكاهن، وأجرة المغني، والزامر، والنائحة، والواشمة، ومهر البغي، والواشرة، والمتوسطة لعقد النكاح، والمصلح بين المتخاصمين، وعسب التيس، وعلى سائر أموال الفسق، وأصحاب المعازف، والقرّاد، والمسخرة. والقَصَّاص ولو بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان مشروطاً. (الزرقا ص 215، الدعاس ص 59، اللحجي ص 82) . المستثنى 1 - ما يدفع للشاعر والهجائين ونحوهم للتخلص من هجوهم وشرهم عند عدم السلطان الوازع. (الزرقا ص 216، الدعاس ص 59، اللحجي ص 82) فيجوز البذل ويحرم الأخذ. 2 - ما يدفعه المستقرض بالربا إذا كان محتاجاً. (الزرقا ص 216) . 3 - ما يدفعه الوصي من بعض مال اليتيم لتخليص الباقي إذا لم يمكن تخليصه إلا بذلك للضرورة. (الزرقا ص 216، الدعاس ص 59، اللحجي ص 82) . 4 - ما يدفعه الإنسان لتسوية أمره عند السلطان أو الأمير. (الزرقا ص 216) . 5 - الرشوة للحاكم ليصل إلى حقه، فيجوز البذل، ويحرم الأخذ. (اللحجي ص 82) . 6 - المال لفك المحبوس، فإذا بذل الشخص لمن يتكلم له عند الأمير في خلاصه مالاً حرم الأخذ، وجاز البذل عند الأكثر، وقال بعضهم إن الأخذ حلال على أنه جُعالة، كقول من حبس ظلماً لمن يقدر على خلاصه، وإن تعين عليه على المعتمد إن خلصتني فلك كذا بشرط أن يكون في ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفاً. (اللحجي ص 82) . ومثله في قول جواز البذل لمن يتحدث له في أمر جائز يقابل بأجرة عند ذي سلطان، وإن كان المتحدث مترصداً لها، وعلى هذا القول: إن من يرى عدم جواز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 الأخذ على شفاعة واجبة، وكذا مباحة بشرط عوض إن جعل جزاء لها، فهو ضعيف. (اللحجي ص 82) . 7 - إن للقاضي بذل المال على التولية، ويحرم على السلطان أخذه. ولذلك قالوا: ولا يؤثر في العدالة وصحة التولية بذل مال على الطلب أي طلب القضاء إن تعين عليه، أو ندب، لكن الأخذ ظلم، فإن لم يتعين، ولا ندب له، حرم عليه بذله ابتداءً، لا دواماً لئلا ينعزل. (اللحجي ص 82 - 183. ففي جميع هذه الاستثناءات فإن ما دفع في هذه الوجوه يحرم على الآخذ، دون المعطي. (الزرقا ص 216) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 القاعدة: [65] ما حرم فعله حرم طلبه (م/35) الألفاظ الأخرى - يحرم طلب ما يحرم على المطلوب منه فعله. التوضيح إن ما حرم أخذه حرم الأمر بالأخذ، إذ الحرام لا يجوز، ولا يجوز الأمر بفعله، وكذا ما يكره فعله يكره طلبه؛ لأن السكوت على الحرام أو المكروه، والتمكين منه، حرام ومكروه، ولا شك أن طلبه فوق السكوت عليه والتمكين منه، فيكون مثله في أصل الحرمة بالأولى، وإن تفاوتت الحرمتان بالقوة. وهذه القاعدة قريبة من قاعدة "ما حرم أخذه حرم إعطاوْه " (م/ 34) . التطبيقات 1 - الرشوة يحرم أخذها، وإعطاؤها، ويحرم أيضاً طلبها من غيره إذا كانت لإحقاق باطل، أو إبطال حق. (الزرقا ص 217، الدعاس ص 59، اللحجي صر، 83) . 2 - كذلك شهادة الزور، واليمين الكاذبة، والظلم، وما شاكل ذلك يحرم الفعل، والتوسط، والطلب. (الدعاس ص 59) 3 - كذلك لا يجوز غش الغير، ولا خديعته، ولا خيانته، ولا إتلاف ماله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 ولا سرقته، ولا غصبه، ولا فعل ما يوجب حداً أو تعزيراً أو إساءة، ولا يجوز طلب شيء منها أن يفعله الغير. (الزرقا ص 217) . المستثنى 1 - لو ادعى دعوى صادقة، فأنكر الخصم، فيجوز طلب تحليفه اليمين، مع علمه بكذبه فيها، والعلة في هذا الجواز رجاء نكول المدعى عليه، فلا يحرم الطلب، وإن حرم الفعل، وفي الحقيقة لا استثناء في ذلك، لأن طلب اليمين لا لذاتها، وإنما لرجاء ظهور الحق بإقرار الخصم، أو بنكوله عن اليمين الكاذبة، لا رجاء الإقدام عليها. (الرزقا ص 217، الدعاس ص 60، اللحجي ص 83) . 2 - إذا غصب أحد مال صبي، ولا بينة لوصيه عليه، ويعلم الوصي أن الغاصب يحلف كاذباً، فيجوز للوصي دفع شيء له من مال الصبي لاسترداد المغصوب، فالحرمة على الآخذ، لا المعطي والطالب للضرورة. (الدعاس ص 60) . 3 - الجزية يجوز طلبها من الذمي مع أنه يحرم عليه إعطاؤها، لأنه متمكن من إزالة الكفر بالإسلام فإعطاؤه إياها إنما هو على استمراره على الكفر وهو حرام. (اللحجي ص 83، ابن نجيم ص 183) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 القاعدة: [66] العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني (م/3) الألفاظ الأخرى العبرة في التصرفات للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني. هل العبرة بصيغ العقود أي بألفاظها، أو بمعانيها؟. الأصل في العقود بناؤها على قول أربابها. المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات. الاعتبار في العقود بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها. الاعتبار في العقود بمعانيها. الاعتبار بحقيقة العقود ومقاصدها التي تؤول إليها. الاعتبار في العقود بالمعاني والمقاصد لا بمجرد اللفظ. الاعتبار بمقاصد العقود وحقائقها لا باللفظ وحده. التوضيح العقود جمع عقد، والمراد أن جميع العقود، العبرة والعمل لمعانيها المقصودة منها. وإنَّ تبدل الألفاظ لا يصرفها عن المقاصد التي وضعت لها بالوضع الشرعي. والمراد من المقاصد والمعاني: ما يشمل المقاصد التي تعينها القرائن اللفظية التي توجد في عقد، فتكسبه حكم عقد آخر كانعقاد الكفالة بلفظ الحوالة، وانعقاد الحوالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 بلفظ الكفالة إذا اشترط فيها براءة المدين عن المطالبة، أو عدم براءته، وما يشمل المقاصد العرفية المرادة للناس في اصطلاح تخاطبهم، فإنها معتبرة في تعيين جهة العقود، لتصريح الفقهاء بأنه يحمل كلام كل إنسان على لغته وعرفه، وإن خالفت لغة الشرع وعرفه، فتنعقد بعض العقود بألفاظ غير الألفاظ الموضوعة لها، مما يفيد معنى تلك العقود في العرف، كانعقاد البيع والشراء بلفظ الأخذ والعطاء (م/ 169، 172) ، وانعقاد شراء الثمار على الأشجار بلفظ "الضمان" في العرف الحاضر. فالاعتبار في الكلام بمعناه لا بلفظه. واختلاف الألفاظ والعبارات لا يؤثر في انعقاد العقد إذا كان المعنى المقصود ظاهراً، لأن المقصود هو فهم مراد المتكلم. وتعتبر هذه القاعدة كالجزئي من الكلي من قاعدة " الأمور بمقاصدها" (م/ 2) . فتلك عامة، وهذه خاصة، وتصلح أن تكون فرعاً منها. ولفظ "العقود" في القاعدة جرياً على الغالب، ولا تفيد الحصر، فتجري القاعدة في غير العقود كالدعاوى وسائر التصرفات كما جاء في اللفظ الآخر. ويمكن التعرف على القصد بالعرف والقرائن والأحوال المصاحبة للعقد أو السابقة له، أو بالألفاظ المقارنة للعقد. وأخذ بهذه القاعدة جمهور الفقهاء من المذهب الحنفي والمالكي والحنبلي. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الألفاظ إذا اختلفت عباراتها، والمعنى واحد، كان حكمها واحداً، ولو اتفقت ألفاظها، واختلفت معانيها. كان حكمها مختلفاً. وكذلك الأعمال، لو اختلفت صورها، واتفقت مقاصدها، كان حكمها واحداً في حصول الثواب في الآخرة، والأحكام في الدنيا". ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "إياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته. . .، فتجني عليه، وعلى الشريعة، وتنسب إليها ما هي بريئة منه. . .، ففقيه النفس يقول: ما أردتَ؟ ونصف الفقيه يقول: ما قلت؟ ". واعتبر ابن رجب رحمه الله تعالى هذه القاعدة مختلفاً فيها، ووضع قاعدة بصيغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الاستفهام الذي يشعر بالخلاف، فقال: "فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها، فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؛؟ فيه خلاف يلتفت إلى أن المغلب هل هو اللفظ أو المعنى" وعند الشافعية اختلاف في القاعدة، ولذلك وضعوها في صيغة الاستفهام. واختلف الترجيح في الفروع، وأن الأصح عندهم أن العبرة بصيغ العقود غالباً، وفي خلاف الغالب العبرة بمعانيها، لذلك ستأتي أمثلة الشافعية في الاستثناء من القاعدة، وهذا قول لأصحاب الإمام أحمد. التطبيقات 1 - الهبة إذا اشترط فيها العوض أخذت حكم البيع، مع تفصيل في ذلك، فإن قال الواهب: وهبتك هذا الكتاب بكذا درهم مثلاً، فالهبة بيع ابتداءً وانتهاءً، فيشترط فيها شروط البيع وأركانه، وتأخذ حكم البيع، فيرد الموهوب بالعيب إذا ظهر، ويثبت خيار الرؤية، وتؤخذ بالشفعة، ويشترط كون العوض معلوماً. (م/855) . وإن قال الواهب: وهبتك، بشرط التعويض، فتصح، وتعتبر هبة ابتداءً، وبيعاً انتهاء، فبالنظر لكونها هبة يشترط لصحتها شروط الهبة، فلا تصح من الصغير، ولا من وليه، ولو بعوض ما، ولا تصح في مشاع يحتمل القسمة، ولا فيما هو متصل بغيره اتصال الأجزاء أو مشغول بغيره، كما لو وهب الزرع دون الأرض، أو الأرض دون الزرع، أو الثمر دون الشجر، أو الشجر دون الثمر، لأن ذلك في المشاع، إلى غير ذلك من شروط الهبة. وبالنظر إلى كونها بيعاً انتهاء لا يصح الرجوع فيها، ويجري فيها الرد بالعيب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وخيار الرؤية، وتؤخذ بالشفعة، ويشترط كون العوض معلوماً (م/ 855) . (الزرقا ص 61، الدعاس ص 10) . 2 - إن هبة المنفعة بشرط العوض إجارة. (الزرقا ص 61) . 3 - تعتبر الهبة إقالة، كما إذا وهب المشتري المبيع المنقول من البائع قبل قبضه منه، فإذا قبل البائع الهبة كانت إقالة، ويسترد المشتري منه الثمن، لأن تصرف المشتري في المنقول قبل قبضه من البائع لا يجوز، فلا يمكن تصحيح الهبة، بل تعتبر مجازاً عن الإقالة، وكما لو وهب رب السلم المسلم فيه من المسلم إليه، وقبل الهبة. كانت الهبة إقالة، لأن تصرف رب السلم في المسلم فيه قبل قبضه لا يصح، فكان مجازاً عن الإقالة. (الزرقا ص 62) . 4 - يكون الشراء هبة، فإن اشترت الأم لطفلها على ألا ترجع عليه بالثمن جاز،وهو كالهبة استحساناً، وتكون الأم مشترية لنفسها ثم يصير هبة منها لولدها الصغير وصلة، وليس لها أن تمنع المشريّ عن ولدها الصغير. (الزرقا ص 62) . 5 - تكون العارية إجارة، كما لو قال: أعرتك هذه الدار كل شهر بكذا، ويترتب عليها أحكام الإجارة. (الدعاس ص 10، الزرقا ص 63، (ابن رجب 1/ 267) . 6 - تكون العارية بيعاً، كما لو قال: أعطيتك الدار بكذا، فهي بيع، ويترتب عليها أحكام البيع. (الدعاس ص 10) . 7 - تكون الكفالة حوالة، لأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة، فإذا اشترط فيها براءة المديون عن المطالبة، فتعتبر حوالة، ويشترط فيها حينئذٍ ما يشترط في الحوالة، ولا يطالب الدائن إلا الكفيل فقط، ولا يرجع على المكفول عنه إلا إذا تَوِي المال، أي هلك عند الكفيل، وذلك بأن يجحد الكفالة مع عجز الدائن عن إثباتها. ويحلف عند تكليف الحاكم له اليمين، أو يموت الكفيل مفلساً، أو يفلسه الحاكم، فحينئذٍ يرجع الدائن على المدين المكفول. (الزرقا ص 60، الدعاس ص 10) . 8 - تكون الحوالة كفالة؛ لأن الحوالة نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فإذا اشترط فيها عدم البراءة للمحيل عن المطالبة تعتبر كفالة، فيشترط فيها ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 يشترط في الكفالة، وُيطالب المحال كلاً من المحيل والمحال عليه (م/148، 149) وكذا إذا ادعى كفالة، وأقام شاهدين، شهد أحدهما بالكفالة، وشهد الآخر بالحوالة، فتقبل الدعوى، وتثبت الكفالة، لأنها أقل، وجُعل اللفظان كلفظ واحد. (الزرقا ص 61، الدعاس ص 10) . 9 - تعتبر القسمة هبة، كما لو أمر أولاده أن يقتسموا أرضه الفلانية بينهم، وأراد به التمليك، فاقتسموها وتراضوا على هذه القسمة، فيثبت لهم الملك، ولا حاجة أن يقول لهم جملة: ملكتكم هذه الأراضي، ولا أن يقول لكل منهم ملكتك هذا النصيب المفرز، وكما لو اقتسم الورثة التركة ذكوراً وإناثاً على السوية صح بطريق الهبة، لا الإرث. (الزرقا ص 62) . 10 - المضاربة تعتبر قرضاً إذا شرط فيها أن يكون كل الربح للمضارب، فإذا تلف المال في يد المضارب يكون مضموناً عليه، وإذا شرط فيها أن يكون كل الربح لرب المال تعتبر بضاعة، وهي أن يكون المال وربحه لواحد، والعمل من الآخر، وبكون المال حينئذ في يد القابض أمانة. (الزرقا ص 62، (ابن رجب 1/ 269) . 11 - يعتبر الصلح باقرب العقود عليه بحسب الشروط والاتفاق، فإن كان المدعى عليه مقرًّا، ووقع الصلح عن مال بمال يدفعه الدعى عليه فيعتبر الصلح بيعاً، فيجري في المدعى به الرد بالعيب، ويؤخذ بالشفعة إن كان عقاراً، وإن وقع الصلح عن مال بمنفعة يعتبر إجارة، وإن كان الصلح عن دعوى النكاح يعتبر خلعاً فتجري عليه أحكام الخلع. وإن كان المدعى عليه منكراً، ثم تصالحا على بدل يدفعه المدعى عليه يكون ذلك في حقه صلحاً محضاً لقطع المنازعة، فلا يمكنه بعد عقد الصلح أن يرد المدعى به، أي المصالح عنه، بالعيب، ولا يؤخذ بالشفعة لو كان عقاراً، ويكون الصلح في حق المدعى عليه المنكر، وهو الذي قبض بدل الصلح، بيعاً، وسواء رجع عن إنكاره وصدق المدعي، أو لم يرجع، ولكن برهن المدعي على دعواه، وتترتب عليه أحكام البيع من الرد بخيار الرؤبة والعيب والأخذ بالشفعة لو كان البدل عقاراً، وتطبق الأحكام بينهما كل بحسب زعمه، وبالنسبة للأجانب يعتبر كل واحد منهما بزعمه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الشفعة، وإن دفع المدعي البدلَ كان صلحاً محضاً لقطع المنازعة. (الزرقا ص 62، 66) . 12 - العارية والقرض: تعتبر العارية لفظاً؛ قرضاً حقيقة، كما إذا أعاره ما يجوز قرضه كالنقود والمثليات، ويعتبر القرض لفظاً؛ عارية حقيقة في كل ما لا يجوز قرضه كالقيمي، فيكون عارية ويجب رد عينه، لكن يملك بالقبض، ويكون مضموناً كالقرض المحض. (الزرقا ص 63) . 13 - الإقالة والبيع: تكون الإقالة بيعاً، كما لو باع الموهوب له العين الموهوبة من آخر، ثم تقايل معه البيع، وعادت العين الموهوبة إلى يده، فليس للواهب الرجوع في الهبة، لأن تقايل الموهوب له البيع مع المشتري منه بمنزلة البيع الجديد، فكأنه اشتراه من مشتريه. (الزرقا ص 63) . 14 - تعتبر الشفعة بيعاً، كما إذا اشترى منقولاً، فجاء آخر وطلبه بالشفعة، وظن المشتري أن الشفعة تجري في المنقولى، فدفعه له، وقبض منه الئمن، ثم علم أن الشفعة لا تجري في المنقول، فلا يملك استرداده، وانعقد بيعاً بالتعاطي. (الزرقا ص 64، 359) . 15 - الإقرار يعتبر بيعاً، كالإقرار المقرون بالعوض فهو تمليك ابتداء، بأن قال لآخر: أقر لي بهذا، لشيء في يده، حتى أعطيك مئة مثلاً، فأقر كان بيعاً، حتى لو قال: إلى الحصاد، لم يجز، لأن البيع يفسد لتأجيل الثمن إلى أجل مجهول. (الزرقا ص 64) . 16 - بيع الوفاء الذي جُوز للضرورة عند الحنفية، وهو بيع بشرط أن البائع متى ردَّ الثمن يردّ المشتري إليه المبيع، فهذا بيع، ولكنه في حكم الرهن، لأن ذلك هو مقصود العاقدين في بيع الوفاء، والدليل على أنه في حكم الرهن أن المشتري لا يستطيع أن يبيع ما اشتراه، فهو كالمرهون عنده. (الدعاس ص 10، الزرقا ص 6 - 60، 76 - 78) . 17 - التعليق يعتبر حلفاً ويميناً عند الشافعية في الأصح، كما لو قال: إذا دخلتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 الدارَ فأنتِ طالق، فهو حلف نظراً للمعنى، لأنه تعلق به منع، وفي وجه ليس بحلف نظراً للفظ، لكون "إذا، ليست من ألفاظ الحلف، لما فيه من التوقيت، بخلاف "إن ". (اللحجي ص 99) . 18 - لو وقف على تبيلة غير منحصرة كبني تميم مثلاً، وأوصى لهم، فالأصح الصحة عند الشافعية اعتباراً للمعنى، ويكون المقصود الجهة لا الاستيعاب كالفقراء والمساكين، وفي قول: لا يصح اعتباراً باللفظ، فإنه تمليك لمجهول. (اللحجي ص 99) . 19 - إن المودع عنده إذا طولب برد الوديعة، فقال: ردَدْتها عليك، فقال المودع: لم تردها، فالقول قول قابل الوديعة، مع أنه يدعي خلاف الظاهر بقوله: رددت. وذلك لأن المقصود هو الضمان، وهو منكر له، فكان القول قوله، لأن الأصل أن يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة، دون الظاهر. (الزرقا ص 64) . 20 - إن المودع عنده المأمور بدفع الوديعة لفلان، إذا قال: دفعتها له، وقال فلان: ما دفعها إليَّ، فالقول قول المودع في براءة نفسه، لا في إيجاب الضمان على فلان بالقبض، لأنه يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظاهر. (الزرقا ص 64) . 21 - إذا ادعى رجلان نكاح امرأة ميتة، وأقام كل منهما البينة، ولم يؤرخا، أو أرخا تاريخاً متحداً، فإنه يقضى بالنكاح بينهما، وعلى كل منهما نصف المهر، ويرثان منها ميراث زوج واحد، لأن المقصود من دعوى النكاح بعد موتها الإرث، فكانت الدعوى دعوى مال، ولا مانع من اشتراكهما في المال. (الزرقا ص 65) . أما لو كانت حية، وأقام كل منهما البينة، ولا مرجح لإحدى البينتين بسبق تاريخ، أو دخوله بالمرأة، أو غيره من المرجحات، فإنه لا يقضى لأحد منهما، وتسقط البينتان، لأن المقصود حينئذ نفس النكاح، ولا تكون فيه الشركة. (الزرقا ص هـ 6، 144) وسبقت المسألة في قاعدة "لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح ". (م/ 13) ، القاعدة 8. 22 - لو ادَّعى اثنان عيناً، كل يدعي أن كلها رهن عنده من فلان بدينه، وفلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ميت، وبرهنا، فإنه يقضى لكل منهما بنصفها رهناً عنده، سواء كانت في أيديهما أو في يد غيرهما، لأن دعواهما الرهن، والراهن ميت، يكون المقصود منه الاستيفاء من ثمن العين بالبيع، والشائع يقبله، بخلاف ما إذا كان الراهن حياً فإن المقصود حينئذٍ حكم الرهن، وهو حبس العين، والشائع لا يقبله. (الزرقا ص 65) . 23 - لو ادَّعى المتولي دفع الغلة للمستحقين من ذرية الواقف، وهم ينكرون، فالقول للمتولي مع أنه يدعي خلاف الظاهر، لأنه يدعي براءة ذمته، والأصل براءة الذمة. (الزرقا ص 65) . 24 - لو قال الوكيل بالبيع بعد علمه بالعزل، والمبيع مستهلك: بعت وسلمت قبل العزل، وقال الموكل: بعد العزل، فالقول قول الوكيل مع أنه يدعي خلاف الظاهر بإضافة الحادث إلى أبعد أوقاته، لأن المقصود من الدعوى بعد هلاك العين تضمينه، وهو ينكر سبب الضمان. (الزرقا ص 65) . 25 - سائر مستثنيات القاعدة الفقهية "الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته " (م/ 11) تعتبر فرعاً لقاعدة " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني ". (م/3) ، لاعتبار المقصود من الدعوى فيها، دون اللفظ والمبنى. (الزرقا ص 65.128 - 131) . 26 - تجوز المزارعة التي هي إجارة الأرض ببعض الخارج منها، سواء كان البذر من العامل أو من رب الأرض، وسواء عقدت بلفظ الإجارة أو الزارعة إذا كان المقصود واحداً.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 205، (ابن رجب 1/ 271) . 27 - يجوز بيع ما في الذمة حالاً بلفظ البيع أو السلم، إذا كان في ملكه؛ لأن العبرة في العقود بمعانيها، وقد تبين أن المراد هو بيع الشيء في الذمة حالاً، فيجوز بأي لفظ كان.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 205) . 28 - الهدية إذا كانت بسبب ألحقت به، فإذا أقرضه مبلغاً من المال، ثم أعطى المقترضُ المقرضَ هدية، ولم يكن جرى بينهما تبادل للهدايا، كان ذلك رباً؛ لأنه لم يقصد بالهدية إلا أن يؤخر عنه موعد السداد، أو نحو ذلك، والعبرة في العقود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 بمقاصدها التي تؤول إليها، هإذا أهدى لولي الأمر، ليفعل معه ما لا يجوز، كان حراماً على المهدي والمهدى إليه، وهذه هي الرشوة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 205) . 29 - العبرة للمعنى دون اللفظ في عقد البيع وغيره من العقود، وألفاظ الطلاق. (ابن رجب 1/ 64) . 30 - إذا قال: أنت علي حرام، أعني به الطلاق، وقلنا: الحرام صريح في الظهار، فهل يلغو تفسيره ويكون ظهاراً، أو يصح ويكون طلاقاً؛ على روايتين. والصحيح أنه على ما نوى فيكون طلاقاً لا ظهاراً. (ابن رجب 1/ 272) . 31 - لو قال له في دَيْن السَّلم: صالحني منه على مثل الثمن؛ فيصح ويكون إقالة في قول، وفي قول: لا يجوز بيع الدَّين في الغريم بمثله، لأنه نفس حقه، فيخرج في المسألة وجهان، التفاتاً إلى اللفظ أو العنى. (ابن رجب 1/ 273) . المستثنى - 1 - البيع بلا ثمن باطل، ولا ينعقد هبة، بلا خلاف عند الحنفية. (الزرقا ص 76) . 2 - الإجارة بلا بدل لا تنعقد عارية في الأصح عند الحنفية إلا على قول عندهم. (الزرقا ص 76) . ووجه عدم الانعقاد في الفرعين السابقين أن الأمر فيهما دار بين عقد محظور. وهو البيع بلا ثمن، والإجارة بلا بدل، وكلاهما فاسد، وهو محظور، وبين عقد مباح، وهو الهبة والعارية، فغلب الحظر، بخلاف التطبيقات السابقة على القاعدة، فإن الأمر دار في جميعها بين أمرين مباحين، فاعتبر فيهما القصد والمعنى. (الزرقا ص 76) . 3 - إذا قال: استأجرتك لتتعهد نخلي بكذا من ثمرها، فالأصح أنه إجارة فاسدة عند الشافعية، نظراً إلى اللفظ، وعدم وجود شرط الإجارة، وفي قول يصح مساقاة نظراً للمعنى. (اللحجي ص 98) . 4 - لو تعاقدا في الإجارة بلفظ المساقاة، فقال: ساقيتك على هذه النخيل مدة كذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 بدراهم معلومة، فالأصح أنه مساقاة فاسدة نظراً للفظ عند الشافعية، ولعدم وجود شرط المساقاة، إذ من شرطها ألا تكون بدراهم، وفي قول ثان تصح إجارة نظراً إلى المعنى. (اللحجي ص 98) . 5 - لو عقد الإجارة بلفظ البيع، فقال: بعتك منفعة هذه الدار شهراً، فالأصح أنه لا ينعقد، نظراً إلى اللفظ عند الشافعية، وقيل: ينعقد نظراً إلى المعنى. (اللحجي ص 98) . 6 - إذا قال: قارضتك على أن كل الربح لك، فالأصح عند الشافعية أنه قراض فاسد رعاية للفظ، وفي قول: قراض صحيح رعاية للمعنى. (اللحجي ص 98) ومثل ذلك عند الحنابلة. (ابن رجب 1/ 1269) . 7 - البيع من البائع قبل القبض لا يصح في الأصح عند الشافعية نظراً إلى اللفظ، وقيل: يكون فسخاً اعتباراً بالمعنى. (اللحجي ص 98) . 8 - إذا قال: وهبتك هذا بكذا، فالأرجح أنه هبة نظراً للفظ عند الشافعية، وقيل: هو بيع نظراً للمعنى. (اللحجي ص 99) . 9 - قد يعتبر المقصد والمعنى في بعض العقود، ويحصل من اعتبارهما فيه فائدة من غير أن يكتسب العقد صفة عقد آخر، كما إذا أعطى الغاصب المغصوب منه رهناً بعين المغصوب، ثم تلفت العين المغصوبة في يد الغاصب، فإن الرهن يكون حينئذ ببدلها من مثل أو قيمة، وكما إذا أعطى المسلم إليه لرب السلم رهناً بعين المسلم فيه، ثم انفسخ عقد السلم بوجه ما، فإن الرهن يصير رهناً برأس المال الذي قبضه المسلم إليه، ولو هلك الرهن، والحالة هذه، في يد رب السلم يهلك بالمسلم فيه، فعلى رب السلم رد مثل المسلم فيه، وأخذ رأس ماله، وما ذاك إلا لأن المقصد من هذا الرهن توثق المغصوب منه ورب السلم لسلامة حقهما وأمنه مما يلحقه من الضرر بهذا الغصب وعقد السلم. (الزرقا ص 971) . 10 - إن اعتبار المقاصد والمعاني في العقود مقيد بما إذا لم يعارضه مانع شرعي يمنع اعتبار المقصد والمعنى، ويصرفه إلى جهة أخرى، فلو عارضه تعتبر تلك الجهة وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قصد غيرها، كالمشتري شراء فاسداً لو رد المبيع على بائعه انفسخ البيع السابق على أي وجه كان ردّه، سواء كان ببيع جديد، أو بهبة أو صدقة، أو عارية، أو وديعة. لأن فسخ البيع الفاسد ورد المبيع واجب شرعاً، فعلى أي وجه ردّه يقع عن الواجب، ويبرأ عن ضمانه، فقد ألغي القصد في هذه التصرفات، واعتبر تسليم المبيع للباخ رداً بحكم الفسخ للعقد الفاسد السابق. (الزرقا ص 73) . ومثل ذلك لو كان المهر ديناً في ذمة الزوج كالدراهم والدنانير، فوهبته الزوجة كله أو نصفه قبل أن تقبضه منه، أو كان المهر عرضاً معيناً، فوهبته منه، ولو بعد قبضها له، ثم طلقها الزوج قبل الدخول، فإنه لا يرجع عليها بشيء، ويجعل ما وصل إليه بالهبة واصلاً إليه بحكم استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول، وغاية الأمر أنه اختلف سبب وصوله إليه، ولا يبالي باختلاف الأسباب بعد سلامة القصد. (الزرقا ص 73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 القاعدة: [67] من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه (م/99) الألفاظ الأخرى - من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه. - من استعجل شيئاً قبل أوانه ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه. - من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. - المعاملة بنقيض المقصود الفاسد. - من تعجل حقه، أو ما أبيح له، قبل وقته، على وجه محرم، عوقب بحرمانه. - المعارضة بنقيض المقصود. - من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده. التوضيح إن الذي يستعجل الشيء الذي وضع له سبب عام مطرد، وطلب الحصول عليه قبل أوانه، أي وقت حلول سببه العام، ولم يستسلم إلى ذلك السب الموضوع، بل عدل عنه، وقصد تحصيل ذلك الشيء بغير ذلك السبب قبل ذلك الأوان، فإنه يعاقب بحرمانه، ويحرم من النفع الذي يأتي منه عقاباً له، لأنه افتات وتجاوز، فيكون باستعجاله هذا أقدم على تحصيله بسبب محظور فيعاقب بحرمانه ثمرة عمله التي قصد تحصيلها بذلك السبب الخاص المحظور، وكذلك من احتال على تحليل الحرام أو تحريم الحلال، فإنه يعامل بنقيض قصده عقوبة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وهذه القاعدة كثيرة الفروع والمسائل في المذهب الحنفي والمالكي والحنبلي، وقليلة الفروع عند الشافعية حتى قالوا: إن الصورَ الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها، بل في الحقيقة لم يدخل فيها غير حرمان القاتل من الميراث، ولذلك زاد بعض الشافعية في القاعدة لفظاً لا يحتاج معه إلى الاستثناء، فقالوا: " من استعجل شيئاً قبل أوانه، ولم تكن المصلحة في ثبوته، عوقب بحرمانه". وقال الحنابلة بمضمون القاعدة قي أمثلة محصورة. وهذه القاعدة من باب السياسة الشرعية في القمع وسد الذرائع وتحريم الحيل. والأصل في هذه القاعدة أن الله تعالى لما حرَّم على اليهود الصيد يوم السبت. وضعوا الشباك وأخذوا الصيد يوم الأحد، فسمَّى الله هذا العمل اعتداءً وجازاهم بنقيض قصدهم، بأن عاقبهم، قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرُّم عليهم شحوم الميتة جمَّلوه، ثم باعوه، ثم أكلوا ثمنه ". ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحلل والمحلَّل له، وسماه بالتيس المستعار، وما ذاك إلا أنه نوى بقصد النكاح التحليل، فاحتال على تحليل الحرام، ولذلك استحق اللعنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومثله المحلل له. وقرَّر أهل العلم تحريم الحيل وعدُّوها تجرؤاً على الله، وإبطالاً لأحكام القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 والسنة، فالمحتال بالباطل يعامل بنقيض قصده شرعاً وقدراً، وأن من احتال على الشرع فأبطل الحقوق، وأحل الحرام، وحرم الحلال، فإنه يعامل بنقيض نيته وقصده جزاءً وفاقاً. التطبيقات 1 - لو قتل إنسان مورثه، فيحرم القاتل من الميراث. (الزرقا ص 472، الدعاس ص 60، اللحجي ص 85،.. (ابن عبد الهادي ص 158، الروقي ص 411،. (ابن رجب 2/ 2 5 4، 4 0 4، الغرياني ص 273، السدلان ص 60) . 2 - لو قتل الموصى له الموصي يحرم من الوصية عند الحنفية والحنابلة. (الزرقا ص 472، الدعاس ص 60،. (ابن عبد الهادي ص 158،. (ابن رجب 2/ 2 0 4، 4 0 4، الغرياني ص 278) خلافاً للشافعية كما سيأتي، وعند المالكية تفصيل في ذلك. 3 - لو طلق الزوج زوجته طلاقاً بائناً بلا رضاها، وهو في مرض موته، ثم مات وهي في العدة، فإنها ترثه في الاجتهاد الحنفي والمالكي والحنبلي، لدلالة مرض الموت على أن قصده حرمانها من الإرث، فيرد قصده عليه، وهذا يسمى: طلاق الضرار، أو طلاق الفارّ، رداً لعمله، فإن السبب العام الذي يمنع أحد الزوجين، لا على التعيين، من إرثه من الآخر هو تقدم موته، وهذا يحتمل وقوعه عليه أو عليها، فلما أراد الزوج التنصل من هذا السبب الموضوع بوجه عام، والخروج من دائرة احتمال وقوعه عليه دونها، وعمل على حصر عدم الإرث من جانبها بهذا السبب الخاص المحظور استعماله لمثل هذا المقصد السيئ، عوقب برد عمله عليه، وحرمانه ثمرته بتوريثها منه. (الزرقا ص 472، الدعاس ص 60، الروقي 411، الغرياني ص 273. السدلان ص 60، (ابن رجب 2/ 401) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 4 - نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أفتى في المرأة التي يطلقها زوجها، فتزوج غيره قبل انقضاء عدتها، بأنها تحرم على هذا الزوج الثاني إن دخل بها حرمة مؤبدة، معاملة لها بنقيض مقصودها، بمقتضى السياسة الشرعية في المصالح المرسلة. (الدعاس ص 60، (ابن رجب 2/ 404، الغرياني 277) . 5 - لو جاءت الفرقة من قبل الزوجة بسبب ردتها، فليس لها أن تتزوج بعد توبتها بغير زوجها، وبه يفتى، وتجبر على تجديد العقد على زوجها بمهر يسير، وعليه الفتوى، وذلك لرد عملها عليها، فإن السبب الموضوع لحل عقدة النكاح بالوجه العام منوط بالزوج الذي هو قوَّام عليها، والذي هو أحرى أن يكون مظنة استعمال الروية والحكمة وتوخي الصواب فيه، فلما استحصلت على حل هذه العقدة بهذا السبب الخاص المحظور، وهو المروق من الدين، عوقبت برد عملها هذا عليها بحرمانها ثمرته الخبيثة بما ذكرنا، حتى إن بعض مشايخ الحنفية قالوا: بعدم وقوع الفرقة أصلاً بردتها زجراً لها، وقال بعضهم: هو أولى، ثم لو ماتت في الردة فعلى القول الأول بوقوع الفرقة يرثها الزوج إذا كانت ردتها في المرض، وماتت وهي في العدة لكونها فارة، فإن الضرار يتحقق من الزوجة كما يتحقق من الزوج، وعلى القول الثاني يرثها مطلقاً بلا قيد. (الزرقا ص 471، السدلان ص 64) وسيأتي قريب من ذلك عند المالكية. 6 - من صارت ثيياً بالزنا بقصد ألا تجبر على الزواج، فإنها تجبر عليه، معاملة لها بنقيض قصدها. (الروقي ص 412، الغرياني ص 274) . 7 - إذا قتل المدبَّر سيده بطل تدبيره.. (ابن عبد الهادي ص 108، الغرياني ص 278) خلافاً للشافعية، كما سيأتي. 8 - الغال من الغنيمة يحرم أسهمه منها على إحدى الروايتين. (ابن رجب 2/404) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 9 - من تزوجت بعبدها فإنه يحرم عليها على التأبيد، كما روي عن عمر رضي الله عنه، نص عليه أحمد في رواية عبد الله. (ابن رجب 2/ 454) . 10 - من اصطاد صيداً قبل أن يحل من إحرامه، لم يحل له وإن تحلل، حتى يرسله ويطلقه. (ابن رجب 2/ 405) . 11 - إذا قتل الغريم غريمه فلا يحل له دينه في وجه. (ابن رجب 2/ 405) . 12 - المرأة إذا ملكت زوجها، فسخ نكاحها، لتنافي أحكام سيادتها عليه، مع أحكام كونها زوجاً له، فإذا كان الزوج مملوكاً لغيرها، واشترته قاصدة فسخ نكاحها، عوملت بنقيض مقصودها، وثبت النكاح. (الغرياني ص 274) . 13 - من حلف على زوجته بالطلاق ألا تخرج، فخرجت قاصدة إحناثه، قال أشهب: لا تطلق عليه معاملة بنقيفمقصودها. (الغرياني ص 274) . 14 - منع الوصية للوارث، والوصية بازيد من الثلث، للنهي عن ذلك، وإذا حصلت تجعل ميراثاً للورثة، معاملة للموصي بنقيض مقصوده. (الغرياني ص 274) . 15 - من عقد بيعاً فاسداً، وخاف أن يُردّ منه البيع، فقصد إلى تفويته، فباعه لغيره بيعاً صحيحاً بعد القيام عليه بردّه، فهو معتد ببيعه؛ لأن الواجب في البيع الفاسد أن يرد، ولذا قال عياضْ يجب أن يعامل بنقيض مقصوده، فلا يعتد ببيعه الصحيح، ولا يعد مفوّتاً. (الغرياني ص 274) . 16 - من اشترى شراء صحيحاً فاستَغْلاه، وأبى البائع أن يقيله، فأراد تحويله إلى فاسد، فإنه يعامل بنقيض مقصوده، ويصحح البيع، كمن اشترى قصيلاً، أو ثمراً لم يبدُ صلاحه على الجذاذ، فاستغلاه، وأبى البائع إقالته، فترك القصيل حتى صار حباً، أو ترك الثمر ولم يقطعه قاصداً إفساد العقد لاشتماله على الغرر حينئذ، فإنه يعامل بنقيض مقصوده ولا يفسد البيع. (الغرياني ص 275) . 17 - تأخير رأس مال السلم كثيراً إن كان عروضأ أو طعاماً أو حيواناً معيناً يفسد البيع إن كان التأخير مشروطاً، وإن كان التأخير غير مشروط، وإنما هروب من أحدهما من تتميم البيع، فالبيع ماض، وكرهه مالك. (الغرياني ص 275) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 18 - المشتري إذا أقال في السلم ثم ندم على الإقالة، فهرب قبل قبض رأس المال، ليبقى السلم إلى أجله، ويفوز به، فإنه يعامل بنقيض مقصوده، ويردّ إليه رأس المال. (الغرياني ص 275) . 19 - من كانت له ماشية فخاف وجوب الزكاة فيها، فباعها قبل الحول بقليل ْكشهر ونحوه، واشترى بها ماشية أخرى فراراً من الزكاة، فإن الزكاة تجب عليه، وتؤخذ من المبدلة، ويعامل بنقيض مقصوده. (الغرياني ص 275) . 20 - من وجبت عليه الدية ضمن العاقلة، فارتحل عنها إلى مكان آخر فراراً من الدية، أخذت منه حيثما كان معاملة له بنقيض مقصوده. (الغرياني ص 275) . 21 - من باع قلادة ذهب بها خرز بدراهم، فلم ينقد المشتري الثمن حتى فصلت وحسب ما فيها من الخرز، وباع المذهب، فاستغلى المشتري الصفقة وأراد فسخها بحجة تأخير النقد في الصرف، فلا يجاب إلى ذلك، ويعامل بنقيض مقصوده؛ لأن البائع باع بالنقد ولم يرضَ بالتأخير. فهو مغلوب على أمره. (الغرياني ص 276) . 22 - من تُصدق عليه بصدقة، فطالب بحوزها، فمنعه المتصدق من الحوز. فخاصمه المتصدق عليه، ولم يتم الحوز حتى مات المتصدق أو أفلس، فالصدقة صحيحة، ويقوم الخصام عليها مقام حوزها معاملة للمتصدق بنقيض مقصوده حيث أراد إبطالها بالمماطلة. (الغرياني ص 276) . 23 - من تحايل على سرقة قدر النصاب في مرات، وهو يقدر على إخراجه دفعة واحدة حتى لا يقطع، عومل بنقيض مقصوده، وأقيم عليه الحد. (الغرياني ص 276) . 24 - من لم تقدر على الخلاص من زوجها، فارتدت عن الإسلام قاصدة فسخ النكاح، فإنها تعامل بنقيض المقصود، ويثبت نكاحها، وتضرب ضرباً موجعاً، وترد إليه أحبت أم كرهت، وإنما تفارقه وتملك نفسها إذا ارتدت كراهية في الإسلام، وحرصاً على الدين الذي دخلت فيه. وقيل: الردة تزيل العصمة كيفما كانت. (الغرياني ص 276) . ونقل ذلك عن الإمام أحمد (السدلان ص 64) . 25 - من ارتد في مرضه، وعُلم أنه قصد بذلك حرمان الورثة، لما عُرف من بغضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 إياهم، فإنه يُعامل بنقيض مقصوده، ويبقى ماله لورثته، وليس هناك أخسر منه. (الغرياني ص 277) . 26 - من طلق امرأته في الحيض مستعجلاً لفراقها، قاصداً إضرارها، عومل بنقيض مقصوده، وأجْبر على ترجيعها، كما دل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه. (الغرياني ص 277) . 27 - من خبَّب امرأة على زوجها - أي أفسدها عليه - حتى طلقها ليتزوجها، منع من زواجها، معاملة له بنقيض مقصوده. (الغرياني ص 278) . 28 - الفار من الزكاة قبل تمام بتنقيص النصاب أو إخراجه عن ملكه، تجب عليه الزكاة، ولو أكثر صرف أمواله في تملك ما لا زكاة فيه كالعقار والحلي، فعلى وجهين في تنزيله منزلة الفار عند الحنابلة. (ابن رجب 2/ 401) . 29 - السكران بشرب الخمر عمداً يجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه في المشهور من المذهب الحنبلي، بخلاف من سكر من بنج ونحوه، أو أزال عقله بأن ضرب رأسه فجنّ، فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص؛ لأن ذلك مما لا تدعو النفوس إليه، بل في الطبع وازع عنه، ولذلك لا يجب عليه قضاء الصلاة إذا جنّ في الحالة على الصحيح. (ابن رجب 2/ 402) . 30- تخليل الخمر لا يفيد حلّه ولا طهارته على المذهب الصحيح. (ابن رجب 2/ 402) . 31 - ذبح الصيد في حق المحرم لا يبيحه بالكلية، وذبح الحلال للمحرم لا يبيحه للمحرم المذبوح له، وفي حله لغيره من المحرمين وجهان. (ابن رجب 2/ 452) . 32 - إذا ذبح الغاصب والسارق، فلا يترتب عليه الإباحة لهما، فإنه باق على ملك المالك، ولا إباحة بدون إذنه. (ابن رجب 2/ 452) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 33 - الغال من الغنيمة يحرم أسهمه منها على إحدى الروايتين. (ابن رجب 2/ 404) . 34 - من اصطاد صيداً قبل أن يحل من إحرامه، لم يحل له وإن تحلل، حتى يرسله ويطلقه. (ابن رجب 2/ 405) . المستثنى يستثنى من هذه القاعدة، ويخرج منها مسائل كثيرة عند الشافعية، وقليل عند الحنفية والمالكية والحنابلة، منها: 1 - لو قتلت أم الولد سيدها عتقت قطعاً لئلا تختل قاعدة أن أم الولد تعتق بالموت. (اللحجي ص 85) . 2 - لو قتل المدبر سيده يعتق كذلك. (اللحجي ص 85) خلافاً للحنابلة والمالكية. 3 - لو قتل صاحب الدين المؤجل المدين حل في الأصح. (اللحجي ص 85، الزرقاص 474، (ابن رجب 2/ 405) . 4 - لو قتل الموصى له الموصي استحق الموصى به في الأصح عند الشافعية. (اللحجي ص 85) . 5 - لو أمسك زوجته مسيئاً عشرتها لأجل إرثها، ورثها في الأصح. (اللحجي ص 85، الغرياني ص 281) . 6 - لو أمسك زوجته مسيئاً عشرتها لأجل الخلع، نفذ في الأصح. (اللحجي ص 85، الغرياني ص 281) . 7 - لو ضربت دواء فحاضت، لم يجب عليها قضاء الصلاة قطعاً، وكذا لو نفست به. (اللحجي ص 85) . 8 - لو رمى نفسه من شاهق ليصلي قاعداً، لا يجب القضاء في الأصح. (اللحجي ص 85) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 9 - لو طلق امرأته في مرض موته فراراً من إرثها نفذ الطلاق، ولا ترث في المذهب الجديد للشافعي لئلا يلزم التوريث بلا سبب ولا نسب. (اللحجي ص 85) . 10 - لو باع المال قبل الحول فراراً من الزكاة صح جزماً، ولم تجب الزكاة لئلا يلزم إيجابها في مال لم يَحُلْ عليه الحول في ملكه، فتختل قاعدة الزكاة عند الشافعية. (اللحجي ص 85) . 11 - لو شرب شيئاً ليمرض قبل الفجر، فأصبح مريضاً، جاز له الفطر، أو أفطر بالأكل متعمداً ليجامع، فلا كفارة. (اللحجي ص 85) . 12 - لو جبَّت ذكر زوجها ثبت لها الخيار في الأصح. (اللحجي ص 85) . 13 - لو هدم المستأجر الدار المستأجرة ثبت له الخيار. (اللحجي ص 85) .. 14 - لو خلل الخمر بغير طرح شيء فيها كنقلها من الشمس إلى الظل وعكسه طهرت في الأصح. (اللحجي ص 85) . 15 - لو قتلت الحرة نفسها قبل الدخول استقر لها المهر في الأصح. (اللحجي ص 85) . 16 - إذا قتل الغريم غريمه فإنه يحل له دينه، كما لو مات، ولا يتهم بأنه قتله ليتعجل دينه. (ابن رجب ص 0405، الغرياني ص 280) . 17 - من تصدق بجميع ماله لإسقاط الحج، فإنه يسقط عنه الفرض، ولا يعامل بنقيض مقصوده، لأن وقت الحج موسع. (الغرياني ص 278) . 18 - من قصد السفر في رمضان لأجل الفطر، جاز له الفطر، ولا يعامل بنقيض مقصوده. (الغرياني ص 279) . 19 - من أخّر الصلاة إلى أن يبدأ في السفر ليقصرها، أو أخرتها المرأة إلى نزول الحيض، لتسقط عنها، جاز ذلك، لأن الوقت موسع فهو مخيّر فيه. (الغرياني ص 279) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 20 - من أخر قبض دينه فرأراً من الزكاة، لا تجب عليه الزكاة؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان من عدم الزكاة حتى يقبض المال. (الغرياني ص 279) . 21 - من باع الماشية بعد الحول وقبل إخراج زكاتها، فراراً من زكاة عينها، زكى ثمنها في حينه، ولا شيء عليه؛ لأنه أدى الزكاة، وفعل ما يجوز له. (الغرياني ص 279) . 22 - من صاغت الدنانير والدراهم حلياً للزينة سقطت زكاتها؛ لأنها فعلت ما يجوز لها. (الغرياني ص 279) . 23 - المرأة ذات الزوج تتصدق بثلث مالها قاصدة الإضرار بزوجها في إمضاء صدقتها خلاف، والمشهور أنه ليس للزوج ردها. (الغرياني ص 279) . 24 - لو قتلت المرأة نفسها، أو قتلت زوجها قبل الدخول، المشهور أنه يتكمل لها الصداق لضعف التهمة. (الغرياني ص 280) . قال السيوطي: "الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من الداخلة فيها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 القاعدة: [68] يُغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء (م/55) الألفامد الأخرى - يعتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. - الدوام على الشيء هل هو كابتدائه، أو لا؟ - يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً. التوضيح "يغتفر" أي قد يتسامح ويتساهل في "البقاء" أي في خلال الأمر وفي أثنائه، ما لا يغتفر في الابتداء عند إنشائه، وذلك لأن "البقاء أسهل من الابتداء". (م/56) . وبتعبير آخر: ما لا يجوز في الابتداء يجوز بقاءً، أو ما لا يثبت قصداً وبالذات. يجوز ثبوته ضمناً وتبعاً، لأن وجود الشيء ابتداء لا يخلو من شروط، وربما لا تبقى إلى الانتهاء لانعدامها، أو عرض ما ينافيها. ولذلك كان الاستصحاب يكفي حجة للدفع، لا للاستحقاق، لأن الدفع عبارة عن استبقاء وتقرير ما كان على ما كان عليه، والاستحقاق: نزع وابتداء، ورفع الأول أسهل، فاكتفي فيه بالاستصحاب حجَّة، بخلاف الثاني فإنه أهملا فلا بد فيه من البينة، فقد قال أبو يوسف رحمه الله في كتاب " الخراج ": "لا ينزع الشيء من يد أحد إلا بحق ثابت معروف ". وهذه القاعدة فرع لقاعدة "البقاء أسهل من الابتداء" (م/ 56) . وتنطبق الأمثلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 فيهما على كل منهما، وهذه القاعدة عكس قاعدة "يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام ". وهذه القاعدة مختلف فيها عند المالكية، ولذلك وضعوها بصيغة الاستفهام "الدوام على الشيء، هل هو كابتدائه، أو لا؟. وفيها قولان عندهم بأن الدوام كالابتداء إذا كان ممنوعاً أو مفسداً للعمل، كابتداء الصلاة بالنجاسة وطروء النجاسة على المصلي في أثناء الصلاة كل منهما ممنوع ومفسد للعمل، والابتداء المسبب للكفارة أو الحنث، والدوام عليه سواء، ويشهد لقاعدة "الدوام كالابتداء" حديث خلع النبي - صلى الله عليه وسلم - نعليه في الصلاة حين أعلمه جبريل أن بهما قذراً. وفي قول لا يكون الدوام كالابتداء، ويختلف الترجيح من مسألة إلى أخرى. وكذلك يختلف الأمر عند الحنابلة. وقال (ابن رجب رحمه الله تعالى: "من تلبس بعبادة، ثم وجد قبل فراغها ما لو كان واجداً له قبل الشروع لكان هو الواجب، دون ما تلبس به، هل يلزمه الانتقال إليه، أم يمضي ويجزئه؟ - هذا على ضربين: أحدهما: أن يكون المتلبس به رخصة عامة شرعت تيسيراً على المكلف، وتسهيلاً عليه، مع إمكان إتيانه بالأصل على ضرب من المشقة والتكلف، نهذا لا يجب عليه الانتقال منه بوجود الأصل، كالمتمتع إذا عدم الهدي فإنه رخص له في الصيام رخصة عامة، حتى لو قدر على الشراء بثمن في ذمته، وهو موسر في بلده لم يلزمه، الضرب الثاني: أن يكون المتلبس به إنما شرع ضرورة للعجز عن الأصل وتعذره بالكلية. فهذا يلزمه الانتقال إلى الأصل عند القدرة عليه ولو في أثناء التلبس بالبدل، كالعدة بالأشهر فإنها لا تعتبر بحال مع القدرة على الاعتداد بالحيض، ولهذا تؤمر من ارتفع حيضها لعارض معلوم أن تنتظر زواله ولو طالت المدة، وإنما جوِّز لمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه أن تعتد بالأشهر، لأن حيضها غير معلوم، ولا مظنون، وسواء كانت هذه المعتدة مكلفة قبل هذا بالاعتداد بالحيض، كمن ارتفع حيضها لا تدري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ما رفعه فاعتدت بالأشهر، ثم حاضت في أثنائها، أو لم تكن مكلفة به، كالصغيرة إذا حاضت في أثناء العدة بالأشهر. التطبيقات 1 - لو وهب حصة شائعة قابلة للقسمة فإنه لا يصح، ولكن إذا وهب عيناً بتمامها ثم استحق جزء شائع منها، أو رجع الواهب في جزء منها شائع، لا تفسد الهبة في الباقي، وإن كان شائعاً يقبل القسمة. (الزرقا ص 293) . ويرى بعض الحنفية أن الشيوع بالاستحقاق شيوع طارئ، ولذا لا يؤثر، ويرى آخرون أنه شيوع مقارن يفسد الهبة، فالظاهر أن في المسألة روايتين. (الزرقا ص 295) . 2 - لو آجر مشاعاً فإنه لا يصح، سواء كان يقبل القسمة أو لا، ولكن لو طرأ الشيوع بعد العقد بأن آجر عقاراً بتمامه، ثم استحق جزء منه شائع، أو تفاسخ العاقدان الإجارة في بعض شائع منه تبقى الإجارة في الباقي، وإن كان شائعاً. (الزرقا ص 293) . 3 - إن الوكيل بالبيع لا يملك التوكيل بدون إذن موكله أو تفويضه، ولكن إذا باع فضولي عنه فبلغه فأجاز جاز، مع أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة، ولا يرد الوكيل بالشراء حيث لا تصح إجازته لشراء الفضولي؛ لأن الشراء لا يتوقف، فإنه إذا لم يجد نفاذاً على المعقود له نفذ على العاقد، وبعد نفاذه على العاقد، وهو هنا الفضولي، ملكه، فلا ينتقل ملكه بإجازة الوكيل. (الزرقا ص 294) . 4 - لو اعترفت المرأة بالعدة، فإنها تمنع عن التزوج، أما لو تزوجت ثم ادعت العدة فإنها لا يلتفت إليها، ويكون الفول قول الزوج. (الزرقا ص 294) . 5 - لو طرأت العدة على المرأة بعد النكاح، كما لو وطئت بشبهة، لا يبطل نكاحها، بخلاف ما لو عقد عليها وهي معتدة فإن النكاح لا يصح. (الزرقا ص 294) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 6 - لو أبق العبد بعد البيع، نإن البيع لا يفسد، بخلاف ما لو باعه وهو آبق، فإن العقد حينئذٍ غير صحيح. (الزرقا ص 294) . 7 - لو اشترى داراً بخيار له، فدام على السكنى فيها لا يبطل خياره، ولو ابتدأ السكنى فيها بطل خياره. (الزرقا ص 294) . 8 - إن البيع بالحصة ابتدأء لا يصح، أما بعد تمام العقد، فإنه يصح. (الزرقا ص 294) . 9 - لو عقد البيع بثمن مؤجل إلى أجل مجهول جهالة يسيرة كالحصاد والدياس لا يصح، ولو عقد خالياً عن الأجل، ثم أجله بعد العقد إلى الحصاد أو الدياس يصح (الزرقا ص 294) . 10 - إن الزوجة لا تملك حط المهر عن الزوج في ابتداء العقد، فلو عقدت معه النكاح على أن لا مهر لها لم يصح الحط، ووجب مهر المثل، ولو حطت المهر عن الزوج بعد العقد صح حطها، وبرئ الزوج عن المهر. (الزرقا ص 294) . 11 - ما لو عقد المتبايعان البيع ابتداء بلا ثمن فسد البيع، ولو تعاقدا بثمن، ثم حط البائع عن المشتري صح حطه، ولا يفسد البيع. (الزرقا ص 294) . 12 - من أحدث وهو يغتسل قبل تمام غسله وبعد تمام وضوئه، احتاج إلى نية جديدة في غسل أعضاء وضوئه في قول، بناء على أن الدوام كالابتداء، وفي قول لا يحتاج إلى نية جديدة، لأن الدوام ليس كالابتداء. (الغرياني ص 51) . 13 - من حلف: لا أدخل الدار، وهو فيها، أو قال لزوجته: إذا حملت، أو حضت، أو طهرت، فأنت طالق، فوُجدت على الحال التي حلف عليها، ففي قول يحنث؛ لأن الدوام كالابتداء، وعلى قول - وهو المشهور - لا يحنث، لأن الدوام ليس كالابتداء، إلا بحصول ما حلف عليه مرة أخرى. (الغرياني ص 51) . 14 - من حلف لا يركب الدابة وهو عليها، أو لا يلبس الثوب وهو لابسه، ففيه قولان، والمشهور أن عليه أن ينزل عن الدابة، ويترع الثوب، وإلا حنث؛ لأن الدوام فيها كالابتداء. (الغرياني ص 51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 15 - لو اقتدى مريض بمثله من جلوس، فصح المقتدي في أثناء الصلاة، قيل: يتم صلاته قائماً مأموماً، بناء على أن الدوام ليس كالابتداء، وقيل: مجب أن ينفرد ويتم صلاته فذًّا، بناء على أن الدوام كالابتداء. (الغرياني ص 51) . 16 - من فاته الوقوف بعرفة بسبب خطأ في العدد أو مرض، أو خطأ الطريق، ولم يتحلل بعمرة، فإن بقي محرماً إلى أشهر الحج من قابل، فالواجب عليه ألا يتحلل، فإن تحلل، فعلى أن الدوام كالابتداء لا يمضي تحلله، لأن من أحرم في الموسم لا يتحلل من إحرامه بغير عذر، وعلى أن الدوام ليس كالابتداء يمضي تحلله. والقول الثالث: أنه يمضي تحلله، ويعدّ متمتعاً. (الغرياني ص 52) . 17 - من شرع في صيام كفارة ظهار أويمين، أو غيرهما، ثم وجد الرقبة، فالمذهب لا يلزمه الانتقال، لأن ذلك رخصة عامة، فهو كصيام المتمتع، وفيه وجه يلزمه الانتقال (ويكون استثناء من القاعدة) ، لأن الكفارات مشروعة للرح والزجر. وفيها من التغليظ ما ينافي الرخصة المطلقة، ولهذا يلزمه شراء الرقبة بثمن في الذمة إذا كان ماله غائباً، ولو لم يجد من يبيعه رقبة بالدين وماله غائب، فهل يلزمه الانتظار، أو يجوز له العدول إلى الصيام للمشقة، أو يفرق بين الظهار وغيره؛ على أوجه ابن رجب 1/ 40) . 18 - المتيمم إذا شرع في الصلاة، ثم وجد الماء، ففي بطلانها روايتان، لأن التيمم من حيث كونه رخصة عامة، فهو كصيام المتمتع، ويكون حسب القاعدة فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ومن حيث كونه ضرورة يشبه العدة بالأشهر، فتبطل الصلاة في الصحيح، وهذا استثناء من القاعدة، وبيان الضرورة أنه تستباح معه الصلاة بالحدث، فإنه غير رافع له على المذهب، فلا يجوز إتمام الصلاة محدثاً مع وجود الماء الرافع له. (ابن رجب 2/ 41) . 19 - إذا نكح المعسر الخائف للعنت أمة، ثم زال أحد الشرطين، فهل ينفسخ نكاحه؛ على روايتين، والنكاح فيه شوب عبادة، والصواب أنه لا ينفسخ، وذلك تطبيقاً للقاعدة، وفي رواية ينفسخ استثناء من القاعدة. (ابن رجب 1/ 42) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 25 - شهادة النساء بالولادة يثبت بها النسب، ولا يثبت النسب بشهادتهن استقلالاً. (ابن رجب 3/ 15) . 21 - شهادة النساء على إسقاط الجنين بالفربة يوجب الغرة إن سقط ميتاً، والدية إن سقط حياً. (ابن رجب 3/ 15) . 22 - شهادة امرأة على الرضاع تقبل على المذهب، ويترتب على ذلك انفساخ الطلاق. (ابن رجب 3/ 15) . 23 - لو شهد واحد برؤية هلال رمضان، ثم أكملوا العدة، ولم يروا الهلال، فهل يفطرون أم لا؟ على وجهين، أشهرهما: لا يفطرون لئلا يؤدي إلى الفطر بقول واحد، والثاني: بلى، ويثبت الفطر تبعاً للصوم. (ابن رجب 3/ 15) . 24 - لو أخبر واحد بغروب الشمس جاز الفطر؛ لأن وقت الفطر تابع لوقت صلاة المغرب. (ابن رجب 3/ 16) . 25 - صلاة التراويح ليلة الغيم تبعاً للصيام على أحد الوجهين، واحتمال ثبوت سائر الأحكام المعلقة بالشهر من وقوع الطلاق المعلق به، وحلول آجل الديون، وهو ضعيف. (ابن رجب 3/ 16) . 26 - لو حلف بالطلاق على حديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله، فرواه واحد، يثبت الحديث به، وقع الطلاق، وإن كان الطلاق لا يثبت بخبر واحد. (ابن رجب 3/16) . 27 - لو حلف بالطلاق أنه ما غصب شيئاً، ثم ثبت الغصب بشاهد ويمين، أو برجل وامرأتين، ففيه روايتان، بالوقوع وعدم الوقوع. (ابن رجب 3/ 17) . 28 - لو علق الطلاق بالولادة، فشهد بها النساء حيث لم يقبل قول المرأة في ولادتها، فالمشهور وقوع الطلاق، ونص أحمد: إذا قال لها: إذا حضت فأنت وضرتك طالق، فشهد النساء بحيضها. تطلقان جميعاً، وفي وجه لا تطلق. (ابن رجب 3/ 17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 29 - إذا وقف وقفاً معلقاً بموته، فإنه يصح على المنصوص، وفي قول لا يصح، والأول أصح، لأنها وصية، والوصايا تقبل التعليق. (ابن رجب 3/ 18) . وكذا البراءة المعلقة بموت المبرئ تصح أيضاً لدخولها ضمناً في الوصية، وكذلك إبراء المجروح للجاني من دمه، أو تحليله منه يكون وصية معلقة بموته، وقيل: هي وصية للقاتل، والمذهب: ليست وصية، لأن الإبراء والعفو ليس وصية. (ابن رجب 3/ 18) . 35 - صلاة الحاج مع غيره ركعتي الطواف تحصل تبعاً وضمناً للحج. (ابن رجب 3/ 18) . 31 - إن الوكيل ووصي اليتيم لهما أن يبتاعا بزيادة على ثمن المثل ما يتغابن بمثلها عادة، ولا يجوز لهما هبة ذلك القدر ابتداءً واستقلالاً. (ابن رجب 3/ 20) . 32 - لو طلق واحدة معينة من نسائه، ثم مات ولم يُعلم عينها، أقرع بينهن، وأخرجت المطلقة بالقرعة، ولم يجب عليها عدة الوفاة، بل تحسب لها عدة الطلاق من حينه، لأن الطلاق لما ثبت بالقرعة تبعه لوازمه من العدة وغيرها. (ابن رجب 3/ 22) . المستثنى يستئنى من هذه القاعدة مسائل اغتفر فيها في الابتداء ما لم يغتفر في البقاء. ولذلك جاء في التوضيح "قد يغتفر" إشارة إلى أنَّ هذه القاعدة ليست مطردة، فالاستثناء تجوّز. 1 - إن الشيوع الطارئ في الرهن يفسده كالمقارن، ولم يغتفروا فيه في البقاء كما اغتفروا في الهبة والإجارة. (الزرقا ص 295) . 2 - لو فوّض طلاق امرأته لعاقل، فجن، فطلق، لم يقع، ولو فوّض إليه مجنوناً فطلق وقع. (الزرقا ص 295) . 3 - لو وكل عاقلاً في البيع، فجنَّ جنوناً يعقل معه البيع والشراء، فباع، لم ينفذ، ولو وكله، وهو بهذه الحالة من الجنون، فباع نفذ. (الزرقا ص 295) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 4 - لو ولى السلطان قاضياً عدلاً ففسق، انعزل على قول، ولو ولاه فاسقاً صح. (الزرقا ص 295) . 5 - لو أذن لعبده في التجارة فأبق، انحجر، ولو أذن له، وهو آبق، صح. (الزرقا ص 295) . 6 - لو ارتد المسلم فإن وقفه الذي وقفه حال إسلامه يبطل، وأما لو وقف المرتد عقاره ابتداء في حال ردته، فإن كان امرأة صح وقفها، لأنها لا تقتل بالردة، وإن كان رجلاً يتوقف وقفه، فإن عاد مسلماً صح، وإن قتل أو مات بطل. (الزرقا ص 296) . 7 - لو وقف على ولده، وليس له ولد، وله ولد ولد، صرف إلى ولد ولده، ولو كان له ولد وقت الوقف ثم مات، يصرف إلى الفقراء لا إلى ولد الولد. فاغتفر في هذا الفرع في الابتداء فصرف إلى ولد الولد عند عدم الولد، ما لم يغتفر في البقاء، إذ لم يصرف إلى ولد الولد عند موت الولد. (الزرقا ص 296) . 8 - من طرأ عليه الحدث في الصلاة يجب أن يقطع ولا يبني عند الجمهور، ولا يجري فيه الخلاف بأن الدوام ليس كالابتداء، ويبني عند أبي حنيفة، وهو جار على أن الدوام كالابتداء. (الغرياني ص 54) . 9 - من طرأ عليه الخبث في الصلاة غير الرعاف، يجب أن يقطع ولا يبني على المشهور عند المالكية، ويجوز له القطع والبناء في الرعاف، لأن الدوام ليس كالابتداء، لأنه رخصة، ولو جعلوه كالابتداء لألزموه بالقطع وعدم البناء. (الغرياني ص 54) . 10 - من ألقت الريح الطيب عليه وهو محرم، وتراخى في إزالته، وجبت عليه الفدية قولاً واحداً؛ لأن الدوام كالابتداء في حقه. (الغرياني ص 54) . 11 - من رأى مصحفاً في قذر ولم يرفعه فهو ردة باتفاق، لأن الدوام في حقه كالابتداء. (الغرياني ص 54) . 12 - إذا أخذ الفقير الزكاة، ثم استغنى، فلا يجب عليه ردها باتفاق، لأن الدوام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 ليس كالابتداء، ولو جعل الدوام كالابتداء لوجب عليه ردها. (الغرياني ص 55) . 13 - من عجل زكاته قبل الحول بكثير، وبقيت في يد الفقير إلى حلول الحول، فلا تجزئ في المذهب المالكي باتفاق، ولم يجعلوا الدوام كالابتداء، ولو جعلوا الدوام كالابتداء فيها لأجزأت. (الغرياني ص 55) . 14 - من أخذ الزكاة ليغزو بها في الجهاد، فجلس ولم يغزُ، فإنها تؤخذ منه، لأن الغزو في معنى المعاوضة، فإذا لم يوفِ به ردّت منه، لأن الدوام كالابتداء، وكذا من أخذ الزكاة بصفته ابن السبيل، لتحمله إلى بلده، فلم يفعل وأقام، فإنها ترد منه، لأن الدوام كالابتداء. (الغرياني ص 55) . 15 - من احتاج إلى ركوب الهدي لمرض أو تعب، ثم زال العذر، فيلزمه النزول على أن الدوام كالابتداء، ولا يلزمه النزول على أن الدوام ليس كا لابتداء. (الغرياني ص 52) . 16 - من تزوج أمة، لأنه لا يجد طولاً أن ينكح حرة، ثم وجد بعد النكاح، فيجب عليه أن يفارق الأمة بناء على أن الدوام كالابتداء، ولا يجب عليه فراقها بناء على أن الدوام ليس كالابتداء. (الغرياني ص 52) . 17 - من وجد الماء بعد التيمم، بطل تيممه بناء على أن الدوام كالابتداء، ولا يبطل على أنه ليس كالابتداء، وقيل: يبطل ما لم يضق الوقت، فإن ضاق الوقت صلى بالتيمم. (الغرياني ص 52) . 18 - من أحرم وفي يده صيد، وجب عليه إرساله بناء على أن الدوام كالابتداء، ويزول ملكه عنه، وهو مذهب المدونة، ولا يجب عليه إرساله على أنه ليس كالابتداء، ولا يزول ملكه عنه، وهو قول الأبهري وابن القصار. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا أتلفه أحد عليه، فلا ضمان عليه على القول الأول، لأن المحرم زال ملكة عنه، وعليه الضمان على القول الثاني، أما لو أحرم وفي بيته صيد فلا يزول عنه ملكه اتفاقاً. (الغرياني ص 53) . 19 - ضمان المغصوب، وقيل: يضمن بأعلى قيمة يقوم بها، بناء على أن الدوام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 كالابتداء، لأنه في كل حين كالمبتدئ للغصب، والمشهور أنه يضمن بقيمته يوم الغصب، بناء على أن الدوام ليس كالابتداء. (الغرياني ص 53) . 20 - من أسلم وتحته مجوسية أو أمة كتابية، فيجب عليه فراقها بناء على أن الدوام كالابتداء، ولا يقر عليها؛ لأنه لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية ولا الأمة الكتابية. وفي قول يقر عليها بناء أن الدوام ليس كالابتداء. (الغرياني ص 53) . 21 - إذا أخذ الغريم الزكاة، ثم استغنى قبل أدائها لأصحاب الديون، فقيل: تنزع منه بناء على أن الدوام كالابتداء، وقيل: لا تنزع منه، لأن في ردها إشكال، وبناء على أن الدوام ليس كالابتداء. (الغرياني ص 53) . 22 - إن تطبيقات قاعدة "يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام" هي مستثنيات لهذه القاعدة.. (اللحجي ص 116) وستأتي إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 القاعدة: [69] التابع تابع (م/47) الألفاظ الأخرى - التابع ينسحب عليه حكم المتبوع. التوضيح إن الشيء التابع لغيره في الوجود يتبعه في الحكم، فيسري عليه ما يسري على متبوعه، ولا ينفرد في الحكم، بل يدخل في الحكم مع متبوعه. والتابع هو ما كان جزءاً من غيره، ويضره التبعيض، كالجلد من الحيوان، أو كالجزء في الاتصال الخَلْقي كالجنين، والعضو من الحيوان، والفصّ للخاتم، أو كان وصفاً فيه، كالشجر والبناء القائمين في الأرض، أو كان من ضروراته، كالطريق للدار، وكالعجول للبقر الحلوب، والمفتاح للقفل، وكالجفن والحمائل للسيف. فالشيء الذي جُعل تابعاً لشيءآخر لا بدَّ أن يكون تابعاً له في الحكم. وقال بعض الشافعية: " والذي يظهر أن التعبير بأن: " التابع ينسحب عليه حكم المتبوع " أولى من " التابع تابع " لما لا يخفى على الفطن أن في قوله: "التابع تابع " إخبار عن الشيء بنفسه" وعند الحنابلة اختلاف فيمن ثبت له ملك عين ببينة أو إقرار، ففي قول يتبعها ما يتصل بها، أو يتولد منها، وفي قول لا يتبعها، كالشجر مع الأرض، والعين في دار مستأجرة في التنازع بين المؤجر والمستأجر، والظرف مع المظروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وعند المالكية تفصيل واختلاف، ووضعوا قاعدتين مختلفاً في كل منهما، الأولى: اختلف المالكية في قاعدة "الأتباع هل تُعطى حكم أنفسها، أو حكم متبوعها؟ " كمالين أحدهما معدّ للتجارة، وآخر غير متخذ للتجارة، وأحدهما أكثر من الآخر، ففيه ثلاثة أقوال: الأول: العبرة للأكثر، والأقل تابع، وهو قول ابن الماجشون. والثاني: إن كان الأكثر للتجارة زكي الجميع زكاة التجارة، وإن كان الأكثر ليس للتجارة زكي مال التجارة فقط كل عام، وهو قول ابن القاسم، والثالث: يزكى كل مال على حكمه، قال ابن رشد: وهذا هو القياس، وكبيع السيف المحلّى بالذهب (إذا كانت حليته تبعاً) بالنسيئة. فالمشهور منعه، ويشترط التقابض، وأجازه سحنون. وقيل: يستحب فيه النقد ويمضي التأجيل بالعقد. والثانية: "الأتباع هل لها قسط من الثمن أو لا في الاستحقاق وغيره؟ " كبيع الحلي الممزوج بصنف التابع، فيه روايتان عن مالك، وكبيع السيف الذي حليته تبع بنوعها ففيه الأقوال الثلاثة السابقة. ويدخل في هذه القاعدة عدة قواعد تنطبق أمثلتها وتطبيقاتها عليها. وسنذكر بعضها، بعد التطبيقات. التطبيقات 1 - لو أقر شخص بخاتم، دخل فصُّه في الإقرار. (الزرقا ص 253) . 2 - لو أقر شخص بسيف، دخل جفنه وحمائله فيه. (الزرقا ص 253) . 3 - لو بيعت أمة في بطنها جنين، يدخل الجنين في بيع الأم تبعاً، ولو لم ينص عليه. (الزرقا ص 253، الدعاس ص 62) . 4 - إذا بيعت الدابة، وفي بطنها حمل، يدخل في البيع تبعاً لأمه، ولا يجوز إفراده في البيع. (الدعاس ص 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 5 - كل ما كان من ضروريات الشيء كالمفتاح للقفل فلا يفرد عن متبوعه، بل يدخل تابعاً له في المبيع بلا ذكر. (الزرقا ص 253، الدعاس ص 63) . 6 - إذا بيعت شاة، دخل الصوف في البيع، ودخل اللبن في الضرع بالبيع. (الدعاس ص 63) . 7 - إذا ضرب بطن امرأة فماتت، ثم بعد موتهها ألقت جنيناً ميتاً، فعلى الضارب دية الأم، ولا غرّة في الجنين، فقد اعتبرت غرته داخلة في دية الأم، لكونه تبعاً لها. (الزرقا ص 253) . 8 - إذا بيعت الأرض، دخل الطريق في السكة غير النافذة الموصلة للطريق العام، في بيع الأرض، تبعاً وإن لم ينص عليه، بخلاف الطريق إذا كان في ملك الغير فإنه لا يدخل بلا تنصيص عليه أو على الحقوق والمرافق عند الحنفية. (الزرقا ص 253) وتدخل الحقوق والمرافق عند الشافعية تبعاً. 9 - لو بيعت الأرض، دخل البناء في البيع تبعاً. (الزرقا ص 253) . 10 - إذا بيعت الأرض، تدخل الأشجار التي غرست للقرار، مثمرة كانت أو من غير ذات الثمر، صغيرة أو كبيرة، أما المثمرة فلا كلام في دخولها، وأما التي لا تثمر فتدخل لا الأصح بلا تفصيل بين الصغيرة والكبيرة. (الزرقا ص 254، ابن رجب 2/ 149، 151) . وأما الأشجار التي غرست لا للقرار، بل لتقطع بعد كبرها، كالحور ونحوه، فقد وقع فيها اضطراب، والأرجح أنها إذا كانت تقطع في كل ثلاث سنين، وكانت تقطع مع الأصل، فتدخل في البيع تبعاً، ولو كانت تقطع من وجه الأرض فلا تدخل، لأنها بمنزلة الثمرة، وكذلك تدخل في الوقف إذا كانت تقطع بعد عامين أو أكثر فإنها تدخل تبعاً، والمراد من "ثلاث سنين " استكمال سنتين ودخولها في الثالثة. (الزرقا ص 254) . 11 - إن ما يدخل مما ذكر في البيع تبعاً يدخل في الرهن تبعاً للأصل، وتدخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 زوائد الرهن بالرهن كالولد والمرة، واللبن والصوف، وتكون رهناً. (الزرقا ص 254) . 12 - إن زوائد المبيع إذا حدثت قبل القبض تدخل في المبيع وتكون للمشتري. (الزرقا ص 254) . 13 - إن زوائد المغصوب تكون للمغصوب منه تبعاً لماله. (الزرقا ص 255) . 14 - لو باع جداراً دخلت أرضه في البيع، وكذا لو اشترى نخلهَ دخلت أرضها عند الإمام محمد، وهو موافق للعرف إذا كان بيع الجدار للقرار، لا للنقض وأخذ الأبنية، وخالف أبو يوسف في دخول الأرض في بيع الجدار، وأنها لا تدخل. (الزرقا ص 255) . 15 - المردود بالعيب إذا كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن، وتعلم صناعة، فالمشهور أن الزيادة للبائع تبعاً لأصلها، ولا يستحق المشتري عليه شيئاً. (ابن رجب 2/ 153) . 16 - المبيع إذا أفلس مشتريه قبل نقد الثمن، ووجده البائع قد نما نماء متصلاً، يرجع به، لأنه تابع، ولا شيء للمفلس. (ابن رجب 2/ 155) . 17 - الموصى به إذا نما نماء متصلاً بعد الموت، وقبل القبول، فإنه يتبع العين إذا احتمله الثلث، وني قول: لا تحسب عليه؛ لأنها نماء ملكه عند القول بانتقال الملك من حين الموت (2/ 171) . 18 - المستأجر، يكون النماء في يده أمانة كاصله، وليس له الانتفاع به؛ لأنه غير داخل في العقد، وله إمساكه بغير اسسّذان مالكه تبعاً لأصله، جعلاً للإذن في إمساك أصله إذناً في إمساك نمائه، في وجه، وفي وجه يحتاج للإذن. (ابن رجب 2/ 187) . 19 - الإقالة، إذا قلنا: هي فسخ، وهو الراجح، فالنماء للبائع في وجه ويرده مع أصله. (ابن رجب 2/ 191) . 20 - إذا فسخ البائع لإفلاس المشتري بالثمن، فالنماء المنفصل يتبع المبيع لأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 تابع له، في الرواية الراجحة. (ابن رجب 2/ 193) وهكذا أحكام النماء في اللقطة. (ابن رجب 2/ 194) ، ورجوع الأب فيما وهبه لولده إذا نما نماء منفصلاً فيرده في وجه. (ابن رجب 2/ 195) ، ومن وجد عين ماله الذي استولى عليه الكفار في المغنم قبل القسمة، وقد نما نماء منفصلاً، وقلنا لم يملكه الكفار، فهو له بنمائه، وإن قلنا: ملكوه، فيرجع إليه بنمائه في وجه. (ابن رجب 2/ 251) وتركة من عليه دين إذا تعلق بها حق الغرماء بموته، فإن قلنا: هي باقية على حكم ملك الميت، تعلق حق الغرماء بالنماء أيضاً كالمرهون. (ابن رجب 2/ 253) ، والأمانات إذا تعدى فيها، ثم نمت. فإن النماء يتبعها في الضمان. (ابن رجب 2/ 206) وصيد الحرم والإحرام، يضمن نماؤه المنفصل إذا دخل تحت اليد الحسية، تبعاً لضمان الصيد. (ابن رجب 2/ 207) . 21 - إذا انتقل الملك عن النخل بعقد أو فسخ تتبع فيه الزيادة المتصلة دون المنفصلة، كالطلع غير المؤبر. (ابن رجب 2/ 212) . ويدخل تحت القاعدة السابقة عدة قواعد، وهي الآتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 القاعدة: [70] 1 - من ملك شيئًا ملك ما هو من ضروراته (م/49) التوضيح إن من ملك شيئاً، سواء كان ملك عين أو تصرف، ملك ما هو من ضروراته. والمراد بالضرورة هنا الضرورة العقلية التي تحرك الفكر لإدراك الحكم للشيء بدون ذكر، لا الضرورة بمعنى الاضطرار. التطبيقات 1 - إذا اشترى رجل داراً ملك الطريق الموصل إليها، بدون تنصيص عليه، ما لم يكن في ملك خاص. (الزرقا ص 261، الدعاس ص 63) . 2 - لو اشترى رحى مبنية دخل المجرى الأعلى، أو قفلاً دخل مفتاحه، أو بقرة حلوبة لأجل اللبن، دخل عِجَّوْلُها. (الزرقا ص 261) . 3 - من ملك أرضاً استتبع ملكه ملك ما فوقها وما تحتها، فيحفر الأعماق. ويبني فوقها الطباق. (الدعاس ص 63) . 4 - من اشترى داراً واقعة في سكة غير نافذة مشتركة بين عدة دور يملك بحكم التبعية حصة الدار من الطريق في هذه السكة، ولو لم ينص عليها في العقد، وكل ذلك أمثلة على ملك العين. (الدعاس ص 63) . 5 - ومثال التصرف: لو عرض الدلال على رب الدكان متاعاً، وتركه عنده فهرب رب الدكان، وذهب به لم يضمن الدلال على الصحيح، لأنه أمر لا بدَّ منه في البيع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 فقد ملك الدلال تركه عند رب الدكان، لأنه من ضرورات الييع، ولا بدَّ منه فيه، فكان مأموراً به، بخلاف ما لو أخذه وكيل الشراء على سوم الشراء، فهلك في يده، وقد بين الثمن، فإنه يضمن ولا يرجع على موكله إذا لم يكن أمره بالأخذ على سوم الشراء، إذ الأمر بالشراء لم يكن أمراً بالقبض على سوم الشراء (الزرقا ص 261) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 القاعدة: [71] 2 - التابع لا يفرد بالحكم (م/48) الألفاظ الأخرى - التابع لا يفرد بالحكم ما لم يَصِرْ مقصوداً. - التابع لا يفرد بالحكم، لأنه إنما جعل تابعاً. التوضيح المراد من التابع هنا التابع الذي هو من قبيل الجزء، أو كالجزء من غيره. كالصوف على الغنم، لا يصلح أن يكون محلاً للعقود، بل وجوده تبع لوجود متبوعه، وكالجنين في بطن الحيوان. ومن حيث تعلق الأحكام ينزل التابع منزلة المعدوم في عدم جواز إفراده بالحكم، فلا يصح بيع الجنين في بطن أمه منفرداً، ولا يجوز بيع عضو من الحيوان، وهو حي، ولو أمكن فصله بعد الذبح. أما إذا صار التابع مقصوداً فإنه يُفرد بالحكم، وذلك كزوائد المغصوب المنفصلة المتولدة فإنها أمانة في يد الغاصب غير مضمونة عليه إلا بالتعدي عليها، أو منعها بعد الطلب، فإنه يضمنها حينئذ، لأنها صارت مقصودة. التطبيقات 1 - الجنين الذي في بطن أمه لا يباع منفرداً عن أمه، ولا يرهن، كما لا يستثنى من البيع ولا من الرهن، واستثناؤه من بيع أمه يعتبر شرطاً مفسداً للبيع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 لأن ما لا يصح المراد العقد عليه منفرداً لا يصح استثناؤه من العقد، ولو استثني فسد البيع أو الرهن. وكذلك لا يفرد بهبة، ولا يستثنى عن الهبة، ولو استثني صحت الهبة وبطل الاستثناء. وكذا لو استثني في الصدقة، أو المهر، أو النكاح، أو بدل الخلع، أو بدل الصلح عن دم العمد، صحت وبطل الاستثناء. (الزرقا ص 257، الدعاس ص 64) . 2 - ومثل الجنين في الأحكام السابقة: كل ما كان اتصاله خلقة، كاللبن في الضرع، واللؤلؤ في الصدف، والصوف على ظهر الغنم، والجلد على الحيوان، والنوى في الثمر. (الزرقا ص 257، الدعاس ص 64) . 3 - لو أحيا شيئاً له حريم ملك الحريم في الأصح تبعاً، فلو باع الحريم دون الملك لم يصح. (اللحجي ص 60) . 4 - الحمل يدخل في بيع الأم تبعاً، فلا يفرد بالبيع. (اللحجي ص 60) . 5 - الدود المتولد من الفاكهة يجوز أكله معها تبعاً لا مفرداً في الأصح. (اللحجي ص 60) . 6 - زوائد الرهن المنفصلة المتولدة تكون رهناً تبعاً، ولا يقابلها شيء من الدين، فلو هلكت لا يسقط شيء من الدَّين، ولكن إذا صارت مقصودة بالفكاك، بأن بقيت بعد هلاك الأصل تُفك بحصتها من الدين، فينقسم الدين على قيمتها يوم الفكاك. وقيمة الأصل يوم القبض، ويسقط من الدين حصة الأجل، وتفتك الزوائد بحصتها. (الزرقا ص 258) . 7 - زوائد المبيع المنفصلة المتولدة إذا حدثت قبل القبض تكون تبعاً للمبيع، ولا يقابلها شيء من الثمن لو تلفت، ولكن لو أتلفها البائع سقطت حصتها من الثمن، فيقسم الثمن على قيمة الأصل يوم العقد، وعلى قيمة الزيادة يوم الاستهلاك. (الزرقا ص 258) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 8 - المرهون، نماؤه المنفصل كله رهن معه، لأنه تبع له فلا يفرد بالحكم، سواء كان متولداً من عينه، كالثمرة والولد، أو من كسبه، كالأجرة، أو بدلاً عنه كالأرش والعوض، وهو داخل في عقد الرهن، فيملك الوكيل في بيع الرهن بيعه معه، وإن كان حادثاً بعد العقد والتوكيل. (ابن رجب 2/ 187) . 9 - الأجير، كالراعي ونحوه، يكون النماء في يده أمانة كاصله فيتبعه في الحكم، لكن لا يلزمه رعي سخال الغنم المعينة في عقد الرعي، لأنها غير داخلة فيه، بخلاف ما إذا كان الاستئجار على رعي غير معين، فإن عليه رعي سخالها، لأن عليه أن يرعى ما جرى العرف به مع الإطلاق. (ابن رجب 2/ 187) .. 10 - الوديعة، يكون نماؤها وديعة في وجه، وفي وجه؛ أمانة محضة. (ابن رجب 2/ 187) . 11 - المقبوضة على السوم إذا ولدت في يد القابض، فالولد حكمه حكم أصله، وفي ضمانه وجهان، ففي وجه أنه مضمون إن قلنا إن المقبوض على السوم مضمون، وفي وجه ليس بمضمون لولد العارية؛ لأن أمه إنما ضمنت لقبفتها بسبب الضمان والتمليك، والولد لم يحصل قبضه على هذا الوجه، وهنا يكون الحكم استثناءً من القاعدة. (ابن رجب 2/ 189) . 12 - البيع في مدة الخيار إذا نما نماءً منفصلاً، تم فسخ البيع، ففي وجه راجح: يرجع، لأن الفسخ بالخيار فسخ للعقد من أصله، لأنه لم يرض فيه بلزوم البيع، فيرجع بالنماء المنفصل في الخيار، بخلاف العيب. (ابن رجب 2/ 191) . 13 - الحمل تابعٌ لأمه ويتبعها قبل انفصاله في أحكام، في عدم وجوب إخراج الفطرة عن الحمل في قول. (ابن رجب 2/ 226) . المستثنى 1 - لو ضرب بطن امرأة حامل فاسقطت جنيناً ميتاً، يضمن الضارب ديته التي تسمى (غُرّة) أي ما يعادل خمسين ديناراً، أي نصف عشر الدية، ولو كان تابعاً لأمه. (الدعاس ص 64) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 2 - يجوز بيع المفتاح دون القفل، والرسن دون الدابة، وهكذا في كل تابع لا يكون جزءاً أو كالجزء. (الدعاس ص 64) . 3 - إن الجنين يورث فتكون غرته بين ورثته. (الزرقا ص 258) . 4 - يصح الايصاء بالجنين، وللجنين، إذا ولد لأقل مدة الحمل وقت الوصية، ويصح الإقرار له بالشرط المذكور، إذا بيَّن سبباً صالحاً لملك الحمل للمقَرِّ به، كإرث أو وصية، ويصح الإقرار به بدون أمه بالشرط نفسه، وإن لم يبين المقر سبباً صالحاً. والفرق بين الإقرار له، والإقرار به، حيث يشترط لصحة الأول أن يبين المقر سبباً صالحاً دون الثاني، فإن المقر له في الثاني أهل للتملك على الإطلاق بخلافه في الأول، فإن الحمل ليس بأهل للتملك على الإطلاق، وإذا بين سبباً صالحاً يصح. (الزرقا ص 258) . 5 - لو أبطل المديون الأجل صح، وحل الدَّين، مع أن الأجل صفة له، والصفة تابعة للموصوف. (الزرقا ص 258) . 6 - إن الدابة المبيعة إذا استحقت بالبينة، وكانت قد ولدت في يد المشتري، فإن ولدها يتبعها في الاستحقاق، وإن لم يدّعه المستحق، ولكن بشرط القضاء به، وهذا إذا سكت الشهود عنه، أما إذا بينوا أنه لذي اليد، أو سئلوا فقالوا: لا ندري، فلا يتبعها. (الزرقا ص 258) . 7 - العارية: لا يرد عقد الإعارة على ولدها التابع لها، وليس للمستعير الانتفاع به، وهو مضمون، لأنه تابع لأصله في وجه، وفي وجه ليس بمضمون، لأن أصله إنما ضمن لإمساكه للانتفاع به، والنماء ممسوك لحفظه على المالك، فيكون أمانة. (ابن رجب 2/ 188) . 8 - المقبوض بعقد فاسد مضمون بالأجرة، وفي ضمان زيادته وجهان، وأكد القاضي الفراء سقوط الضمان، بأنه إنما دخل على ضمان العين دون نمائها، وهو منتقض بتضمينه الأجرة. (ابن رجب 2/ 189) .. 9 - من حلف ألا يأكل مما اشتراه فلان، فأكل من لبنه أو بيضه، لم يحنث، لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 العقد لم يتعلق به، بخلاف ما لو حلف لا يأكل من هذه الشاة، فإنه يحنث بأكل لبنها، لأنه لا يؤكل منها في الحياة عادة إلا اللبن، فأما نتاجها ففيه نظر. (ابن رجب 2/ 189) . 10 - إذا عجل الزكاة، ثم هلك المال، وقلنا: له الرجوع بها، فإنه يرجع جها، ولا يرجع بزيادتها المتصلة على الأظهر، وفي وجه يرجع. (ابن رجب 2/ 190) . 11 - المبيع المعيب، إذا نما نماء منفصلاً، ثم فسخ البيع، ففي وجه راجح وهو الأشهر لا يرجع النماء كالكسب، وفي وجه يرجع. (ابن رجب 2/ 191) . 12 - الإقالة: إذا قلنا: هي فسخ وهو الراجح، فالنماء للمشتري، ولا يرد مع المبيع. (ابن رجب 2/ 191) . 13 - إذا عاد الصداق إلى الزوج، أو نصفه قبل الدخول، أو فسخ، وقد نما عند الزوجة نماءً منفصلاً، فلا يرجع به في المذهب، وفي قول: يرجع بالنصف (ابن رجب 2 / 196) . 14 - الحمل تابع لأمه، والصحيح من المذهب أن له أحكاماً مستقلة، وله أحكام كثيرة بالاتفاق، كالميراث، وصحة الوصية له، ووجوب الغرة بقتله، وتأخير إقامة الحدود واستيفاء القصاص من أمه حتى تضع، وإباحة الفطر لها إذا خشيت عليه، ووجوب النفقة لها إذا كانت بائناً، وإباحة طلاقها وإن كانت موطوءة في ذلك الطهر قبل ظهوره. (ابن رجب 2/ 226) وفي وجوب النفقة للحمل على الأب، وإن كانت أمه لا نفقة لها كالبائن بالاتفاق. (ابن رجب 2/ 230) وفي وجوب نفقة الأقارب على الحمل من ماله. (ابن رجب 2/ 234) . 15 - الحمل تابع لأمه، ولكن إذا ماتت كافرة، وفي بطنها حمل محكوم بإسلامه، لم تدفن في مقابر الكفار لحرمة الحمل. (ابن رجب 2/ 226) ، وكذا في استحباب إخراج الفطرة عنه قولاً واحداً، وفي القول بوجوب إخراج الفطرة. (ابن رجب 2/ 226) وفي وجوب القضاء والكفارة على الحامل إذا أفطرت عند الخوف على جنينها من الصوم. (ابن رجب 2/ 226) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 16 - المنفعة تابعة للعين، ولكن قد يثبت ملك العين لشخص، ولا تتبعه المنفعة، وبالعكس، كالوصية بالمنافع لواحد، وبالرقبة لواحد، أو ترك العين للورثة، وملك المنفعة دون العين بالوصية بالمنافع، والوقف، والأرض الخراجية المقرّة في يد من هي في يده، والإجارة، ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة، والعارية. (ابن رجب 2/ 284 - 287) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 القاعدة: [72] 3 - يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع (م/54) الألفاظ الأخرى - يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها. - يُغتفر في الشيء ضمناً ما لا يُغتفر فيه قصداً. - يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. التوضيح "يغتفر" أي يتسامح ويتساهل "في التابع "، أي ما اشتمل عليه غيره، سواء كان من حقوق المتبوع المشتمل، أو لوازمه، أو عقداً، أو فسخاً متضمَّناً له (بفتح الميم) أو من حقوق عقد متعلق به، فيغتفر فيها ما دامت تابعة ما لا يغتفر فيها إذا صارت متبوعة، أي أصلاً معقوداً. أي أن الشرائط الشرعية المطلوبة في محل التصرفات يجب توافرها جميعاً في المحل الأصلي، ويتساهل بها في توابعه، ولذلك ورد ما يقرب من ذلك بقاعدة ة التابع لا يفرد بالحكم " (م/48) . وتقرب من قاعدة: "يغتفر في الشيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً". التطبيقات 1 - لو باع عقاراً يدخل فيه غير ما كان في ملك خاص، أما ما كان تابعاً له في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ملك خاص فلا بدَّ من التنصيص عليه بخصوصه، أو على الحقوق والمرافق، ولو أورد العقد عليها قصداً لا يصح. (الزرقا ص 291) . 2 - يشترط في الوقف أن يكون الموقوف مالاً ثابتاً، أي عقاراً، ولا يصح وقف المنقولات، إلا إذا تعورف، كوقف الكتب وأدوات الجنازة، لكن لو وقف عقاراً كقرية أو داراً بما فيها من منقولات صح الوقف في هذه المنقولات أيضاً تبعاً للعقار؛ إذ يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. ولو وقف العقار ببقره وأَكَرته يصح، ويغتفر دخول البقر والأكَّارين تبعاً، لأنهما من حوائج المتبوع ولوازمه، وعليه الفتوى، ولو ورد الوقف عليها منفردة لا يصح إلا عند محمد رحمه الله تعالى إذا كان فيها تعامل. (الزرقا ص 291، الدعاس ص 64) . 3 - لو أعتق أحد الشريكين حصته من العبد المشترك، ثم اشترى حصة شريكه الساكت، فإنه لا يصح، ولا يملك الساكت نقل ملكه إلى أحد، ولكن إذا أدى المعتق الضمان لشريكه الساكت ملكه، واغتفر التمليك والتملاث، لأنه وجد ضمناً وتبعاً. (الزرقا ص 292) . 4 - لو زوجه فضولي امرأة، ثم أراد الفضولي فسخ النكاح فإنه لا ينفسخ، ولكن لو وكل الرجلُ الفضولي أن يزوجه امرأة فزوجه إياها أو أختها انفسخ العقد الأول ضمناً. (الزرقا ص 292) . 5 - لو وكل المشتري البائع في قبض المبيع فقبضه لا يصح قبضه عنه؛ لأن الواحد لا يصلح مسلماً ومتسلماً، حتى لو هلك في يده والحالة هذه، يهلك عليه لا على المشتري، أما لو أعطى البائع جوالقاً ليكيل ويضع فيه الطعام المبيع، فقبل صح التوكيل في ضمن الأمر بالكيل والوضع في الجوالق تبعاً، وكان ذلك قبضاً من المشتري. (الزرقا ص 292) . 6 - إن من حقوق العقد المتعلق بالمتبوع أيضاً الوكيل بقبض المبيع إذا رآه فأسقط خيار رؤية موكله قبل أن يقبضه أو بعدما قبضه لا يسقط، ولكن لو قبضه وهو يراه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 سقط خيار موكله عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تبعاً لصحة القبض، خلافاً لهما. (الزرقا ص 292) . 7 - الجنين في بطن أمه المذبوحة جاز أكله لتبعيته لها في الذبح. (الدعاس ص 965) . 8 - الرمي على المسلمين للتوصل إلى المقصود، كما إذا تترس الكفار بهم، يجوز، مع أنه حرام قصداً، ويجوز تبعاً. (الدعاس ص 65) . 9 - لو حلف لا يشتري صوفاً، فاشترى غنمة عليها صوف، جاز ولا يحنث، لأن الصوف دخل في البيع تبعاً للشاة لا قصداً، فاغتفر فيه، فإن دخل مقصوداً يحنث. (الدعاس ص 65) . 10 - لو حلف لا يشتري خشباً أوآجراً، فاشترى داراً لم يحنث، لأن البناء يدخل تبعاً دون تسميته، فلم يكن مقصوداً في العقد. (الدعاس ص 65) . 11 - حريم المسجد ليس له حكم المسجد في حرمة اللبث فيه للجنب. (اللحجي ص 61) وهذا الحكم لم يذكره السيوطي في هذه القاعدة. بل ذكر عكسه في قاعدة " الحريم له حكم ما هو حريم له " فقال: " وحريم المسجد له حكم المسجد، ولا يجوز الجلوس فيه للبيع ولا للجنب. . ". 12 - تثبت الشفعة في المنقول تبعاً للأرض. (اللحجي ص 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 القاعدة: [73] 4 - إذا سقط الأصل سقط الفرع (م/50) الألفاظ الأخرى - الفرع يسقط إذا سقط الأصل. - الفرع يسقط بسقوط الأصل. - التابع يسقط بسقوط المتبوع. - هل ينتفي الفرع بانتفاء الأصل، أم لا (1) ؟ التوضيح إن الشيء الذي يكون وجوده أصلاً لوجود شيء آخر يتبعه في الوجود يكون ذلك الفرع مبتنىً عليه، فإذا سقط الأصل سقط الفرع المبني عليه، ولا عكس، فلا يلزم من سقوط الفرع سقوط الأصل. التطبيقات 1 - إن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل، فلو أبرأ الدائن ذمة مديونه الأصيل برئ الكفيل بالمال عن الكفالة تبعاً، بخلاف ما إذا أبرأ الكفيل فإنه لا يبرأ الأصيل ولا يسقط الدين. (الزرقا ص 263، الدعاس ص 60، اللحجي ص 60) .   . (1) هذه القاعدة مختلف فيها عند المالكية، انظر: تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية ص 427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 2 - لو أبرأ المرتهن الراهن عن الدين، أو وهبه له سقط ضمان الرهن، وانقلب أمانة، فإذا هلك في يد مرتهنه بلا حبسه يهلك أمانة، بخلاف ما بعد إيفاء الدين فإنه مضمون، وذلك لأنه بالإيفاء لم يسقط الدين؛ لأن الديون تقضى بأمثالها. (الزرقا ص 263) . 3 - لو حلف ليقضين دينه غداً مثلاً، فابرأه الدائن عن الدين قبل مضي الغد، أو حلف ليشربن من ماء هذا الكوز اليوم، وكان فيه ماء، فصُبّ قبل مضي اليوم، بطلت اليمين، لكون بقائها فرعاً عن بقاء الدين وبقاء الماء. (الزرقا ص 263) . 4 - إذا كان كفيل النفس قد كفل بنفس المدين وتسليمه للدائن لأجل هذا الدين فقط، ثم أبرأ الدائن المدين، أو أوفاه المدين الدين، فالظاهر سقوط الكفالة حينئذٍ. (الزرقا ص 264) . 5 - من كانت عنده مئة دينار ذهباً، ربح منها نصاباً، عشرين ديناراً، وعليه مئة مدين بها، وليس له ما يقابلها من الأصول يبيعه ويسدد به، فلا زكاة عليه في المئة التي في يده؛ لأنه مدين بمثلها، فتسقط عنه الزكاة فيها، وتجب عليه الزكاة في العشرين التي ربحها منها، وهو المشهور، وقيل: لا تجب؛ لأنه لما سقطت الزكاة في أصلها سقطت الزكاة فيها، لأنها فرعها. (الغرياني ص 427) . 6 - عامل القراض، ربحه فرع من ربح رب المال، فهل تسقط عنه الزكاة إذا سقطت الزكاة عن رب المال لدين عليه، أو لكفر؛ لأن الفرع ينتفي بانتفاء الأصل، أو لا تسقط عن العامل بسقوطها عن رب المال، وهو المشهور، لأنه مالك للنصاب، وهو مبني على قاعدة أخرى: أن العامل يملك حصته بالظهور، لا بقسمة المال، كما هو مشهور. (الغرياني ص 428) . المستثنى 1 - خرج عن هذه القاعدة مسألة سقط فيها الأصل ولم يسقط الفرع، وهي: ما إذا كفل بنفس المدين فأبرأه الطالب عن الدين يسقط الدين، وتبقى كفالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 النفس، فيطالب الكفيل بإحضاره، إلا إذا قال الطالب: لا حق لي قِبَلَه - أي المدين - ولا لموكل لي، ولا لصغيرٍ أنا وليه أو وصيه، ولا لوقف أنا متوليه، فحينئذٍ يبرأ كفيل النفس. (الزرقا ص 263، اللحجي ص 60) . 2 - كما يخرج عنها مسائل هي تطبيقات لقاعدة "قد يثبت الفرع دون الأصل ". (م/ 81) الآتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 القاعدة: [74] 5 - قد يثبت الفرع دون الأصل (م/81) الألفاظ الأخرى - قد يثبت تبعاً ما لا يثبت مقصوداً. - الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعاً وحكماً وإن كان يبطل قصداً. - قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل. التوضيح هذه القاعدة قد تبدو غريبة، غير معقولة في بادئ الأمر، لأنها تنافي السنن الطبيعية، ولكن الأمور الحقيقية تؤثر فيها عوامل تختلف عن العوامل الطبيعية، فهذه القاعدة تعبر عن إثبات الحقوق أمام القضاء ولا تبحث عن نشوئها في الواقع. فوجود الفرع يستلزم في الواقع وجود الأصل الذي تفرع عنه، ولكن إثبات المسؤوليات الحقوقية قد تُفْقَد وسائله المثبِتة في حق الأصول، وتتوافر في حق الفروع. فقد يوجد ويبقى الفرع مع عدم وجود الأصل، لأنه لا تلازم بين الأصل والفرع في الوجود، وقد يوجد الأصل بدون وجود الفرع، كالمدين إذا لم يكن له كفيل. وهذا ظاهر، لأنه ليس كل أصل له فرع، وأما وجود الفرع بدون الأصل فله أمثلة كثيرة، وهي تطبيقات للقاعدة. وكما لا تلازم بين الأصل والفرع في الوجود فلا تلازم بينهما في السقوط بعد الوجود، لأن عدم سقوط الأصل بسقوط الفرع فذلك أمر ظاهر، إذ لا يلزم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 إبراء كفيل المال والنفس مثلاً براءة الأصيل، وأما عدم سقوط الفرع بسقوط الأصل فهو كالفرع المستثنى من القاعدة الأخرى "إذا سقط الأصل، سقط الفرع " (م/ 50) وقاعدة "إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه " (م/52) . وكما لا تلازم بين الأصل والفرع في الوجود فلا تلازم بينهما في الصلاحية والسلطة، فكثير ما يملك الأصل ما لا يملكه الفرع، وذلك ظاهر، كالموكل يملك ما لا يملكه وكيله، وقد يملك الفرع ما لا يملكه الأصل، كالمريض إذا صار مديناً بما يحيط بماله، إذا باع في مرض موته وحابى فيه، ولو قليلاً، فإن محاباته لا تجوز وإن قلت، بينما يحق للدائن أن يقبل هذه المحاباة من المريض البائع، كما أن المشتري من المريض المدين الذي حاباه إذا لم يجز الدائن المحاباة، له الخيار، بأن يوفي الثمن إلى تمام القيمة، وإن شاء فسخ، وأما وصي المريض المدين بعد موته إذا باع تركته لقضاء ديونه، وحابى قدر ما يتغابن فيه، صح بيعه، ويجعل عفواً، فقد ملك الفرع (الوصي) ما لا يملكه الأصل في هذا. التطبيقات 1 - لو ادعى شخص على اثنين أن أحدهما استقرض منه مبلغا من المال، وأن الثاني قد كفله، فاعترف الكفيل، وأنكر الآخر، وعجز المدعي عن إثبات القرض عليه، يؤخذ من الكفيل، لأن المرء مؤاخذ بإقراره، فقد ثبت الفرع، ولم يثبت الأصل. (الزرقا ص 411، الدعاس 66، اللحجي ص 60) . 2 - لو غصب إنسان شيئاً فباعه، ثم تداولته الأيدي بالبيع والشراء، فأجاز المالك أحد العقود، جاز ذلك العقد الذي أجازه خاصة، لا ما قبله، ولا ما بعده. (الزرقا ص 411) . 3 - لو ادعى الزوج بدل الخلع على المرأة فأنكرت، بانت منه ولا يلزم المال الذي هو الأصل. (الزرقا ص 411، اللحجي ص 60) . 4 - لو أقامت المرأة البينة على النكاح، والزوج غائب، يقضى بالنفقة لا بالنكاح، كما هو مذهب زفر المفتى به. (الزرقا ص 412) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 5 - لو أوقع على إحدى زوجتيه طلاقاً مبهماً، ثم ماتت إحداهما قبل البيان تتعين الأخرى للطلاق، فلو قال: كنت عَنيت بالطلاق التي ماتت، لا يعتبر قوله، ولكنه يحرم بسببه الميراث. (الزرقا ص 412) . 6 - إن الوكيل بقبض العين لو طلبها من ذي اليد فأقام ذو اليد البينة على أنها ملكه بالشراء أو الهبة من موكله، أو أنها رهن عنده منه، تسمع بينته، فتقصر يد الوكيل بدون أن يقضي بالشراء أو الهبة أو الرهن إلا إذا أُحضر الموكِل وأقيمت البينة بمواجهته. (الزرقا ص 412) . 7 - إن الوكيل بنقل الزوجة أو العبد، إذا أقامت الزوجة أو العبد البينة على الطلاق، أو العتاق، تقصر يد الوكيل، ولا يقضى بأحدهما، فقد قضي بقصر يد الوكيل الذي هو فرع من غير أن يقضى بالمدعى به الذي هو الأصل. (الزرقا ص 412) . 8 - لو ادعى مجهول النسب على آخر أنه ابنه، وبرهن، فأقام الآخر البينة على أن المدعي هو ابن فلان الآخر، تقبل في دفع بينة المدعي، لا في إثبات نسبه من فلان الآخر. (الزرقا ص 412) . 9 - لو ولدت الأمة المتزوجة فادعى مولاها نسب ولدها فإنها لا تصح دعواه، بل يثبت النسب من الزوج، لكن يصير الولد حراً، وتصير الأمة أم ولد للمولى. (الزرقا ص 413) . 10 - لو أقر شخص لأحد مجهول النسب أنه أخوه، فهذا الإقرار يمس حقوق الأب، لأن فيه تحميلاً للنسب على الأب، فإذا أنكر الأب بنوته، ولم يمكن إثباتها بالبينة لا تثبت بنوته للأب، لكن يؤاخذ المقر بإقراره أنه أخوه، فيقاسم ذلك الشخص حصته من ميراث الأب. (الدعاس ص 66) . 11 - قال: بعت عبدي من زيد، وأعتقه زيد، فأنكر زيد، أو قال: بعته من نفسه، فأنكر العبد، عتق في المسألتين، ولم يثبت العوض. (اللحجي ص 60 - 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 12 - ادَّعت المرأة الإصابة قبل الطلاق، وأنكر، فيجب عليها العدة في الأصح. (اللحجي ص 61) . 13 - قال لزوجته المجهولة النسب: أنت أختي، وكذبته، انفسخ نكاحها في الأصح. (اللحجي ص 61) . 14 - الجنين في بطن الذبيحة إذا كان تام الخلق، وخرج ميتاً بعد ذبح أمه، جاز أكله عند الأئمة الأربعة وغيرهم رضي الله عنهم، لتبعيته لأمه في الذبح، لأن ذكاة أمه ذكاة له، مع أنه لا يجوز أكله بدون ذبح لو ولدته حياً، أو أخرج من بطنها بعد ذبحها وهو حي. (البورنو 2/ 41) . المستثنى يستثنى من هذه القاعدة جميع الفروع التي تدخل في قاعدة: " إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه " (م/52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 القاعدة: [75] 6 - إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه (م/53) الألفاظ الأخرى - المبني على الفاسد فاسد. - إذا بطل المتضمِّن بطل المتضمَّن. - الفرع يسقط إذا سقط الأصل. التوضيح إذا بطل الشيء من التصرفات غير العقود، أو فسد الشيء من العقود، فإنه يبطل ما يدخل فيه، وهو بمعنى قولهم: " إذا بطل المتضمِّن (بكسر الميم) بطل المتضمَّن (بفتحها) . التطبيقات 1 - الصلاة المشتملة على واجبات وسنن إذا بطلت بطل جميع ما تضمنته. (الدعاس ص 66) . 2 - إذا بطل عفد بطل ما تضمنه من شروط والتزامات، لأنها تبع له. (الدعاس ص 67) . 3 - إذا بطل مضمون العفد يبطل أيضاً ما يبنى عليه، فلو تبايعا وتم التقابض في المبيع والثمن، فأبرأ كل منهما الآخر عن كل حق ودعوى تتعلق بهذا البيع، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 استحق المبيع من يد المشتري، فإنه يرجع بالثمن على البائع، لأنه لما بطل البيع باستحقاق المبيع بطل الإبراء المبني عليه. (الدعاس ص 67) . 4 - لو أكره غير المسلم على الإقرار بالإسلام لا يحكم بإسلامه؛ لأن الإكراه يمنع الصحة. (الدعاس ص 67) . 5 - لو أقر إنسان لآخر، أو أبرأه عاماً، وكان الإقرار أو الإبراء مترتباً على عقد كبيع أو صلح، ثم انتقض البيع أو الصلح بوجه ما، بطل الإقرار والإبراء، وذلك كما إذا اشترى شيئاً من آخر، فإن شراءه منه يتضمن إقراره له بالملك، أو شراه منه وأقر له بوجوب الثمن في ذمته، ثم ظهر أن المبيع مستحق للغير، ولم يجز المستحق البيع، بطل البيع وبطل ما تضمنه أو ترتب عليه من الإقرار بالملك، أو بوجوب الثمن، ورجع المشتري على البائع بالثمن إذا كان دفعه له، ولا يمنعه إقراره من ذلك، لأنه بطل ببطلان البيع الذي تضمنه. (الزرقا ص 273) . 6 - إذا صالح البائع المشتري عن دعوى العيب على مال دفعه له، ثم برأ المبيع بدون معالجة المشتري، بطل الصلح، ورجع البائع على المشتري بما دفعه له.. (الزرقا ص 274) . 7 - لو صالح المدعى عليه المنكرُ المدعيَ على مال دفعه له، ثم اعترف المدعي بعد الصلح بأنه لم يكن له عليه شيء، بطل الصلح ورجع الدعى عليه على المدعي بما دفعه له من البدل، ولا يمنعه من الرجوع ما تضمن عقد الصلح من اعتراف المدعى عليه بالمال المدعى به، لبطلانه ببطلان الصلح. (الزرقا ص 274) . 8 - لو اشترى شيئاً، ثم أكره على البيع، وتصرف فيه المشتري تصرفاً يقبل النقض، ثم زال الإكراه، فالبائع له نقض تصرفات المشتري. (الزرقا ص 274) . 9 - لو باع بيعاً فاسداً بغير إكراه، ثم سلم البائع المبيع للمشتري، وسلم المشتري الثمن للبائع، لا ينعقد هذا بينهما بيعاً بالتعاطي. وكذا لو اشترى ثوباً مثلاً شراء فاسداً، ثم لقي البائع بعد، فقال: قد بعتني ثوبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 هذا بكذا؛ فقال البائع: بلى، فخذه، فقال: قد أخذته، فهو فاسد ما لم يكونا تتاركا الأول. وذلك لأنه في الصورتين مبني ومترتب على عقد فاسد، أما إذا كان فساده بالإكراه، ثم سلَّمه بعد زواله نفذ البيع. (الزرقا ص 274 - 275) . 10 - لو قال لآخر: بعتك دمي بكذا، فقتله، وجب القصاص، ولو اشترى من خصمه اليمين التي توجهت عليه بمال، لم يلزم المال، وكان للخصم أن يستحلفه. لأنه لما بطل العقد في الصورتين بطل ما في ضمنه من الإذن بالقتل وإسقاط اليمين، بخلاف ما لو أمره بقتله، أو صالحه عن طلب اليمين على مال، أو افتداه منه به، حيث يسقط القصاص في الأولى. واليمين في الثانية، ويلزم فيها المال. (الزرقا ص 275) . 11 - لو استأجر الأرض ليترك الزرع قائماً عليها إلى أن يدرك، فسد العقد، ولم يطب له ما زاد الزرع، لفساد الإذن بإبقائه فيها لفساد عقد الإجارة، بخلاف ما لو استأجر الشجر لإبقاء الثمر. (الزرقا ص 275) . 12 - لو كان له على آخر دين مؤجل، فاشترى منه به شيئاً، فإن الأجل يسقط، فإذا رده الدائن على البائع المدين بخيار عيب بحكم الحاكم انفسخ البيع، وعاد الدين مؤجلاً كما كان. والظاهر أن هذا فيما إذا قبض المشتري المبيع، لأنه حينئذ يحتاج إلى القضاء ليكون فسخاً، ولو كان ذلك قبل القبض لا يحتاج إلى القضاء، بل يستقل المشتري به، ويكون فسخاً بدونه، كما نصوا عليه في خيار العيب. والظاهر أنه حينئذٍ يعود الأجل أيضاً، بخلاف ما إذا رده بعد القبض بالتراضي فإن الأجل لا يعود، وبخلاف ما لو رده بالإقالة فإنه لا يعود. (الزرقا ص 275) . 13 - لو كانت النفقة المتراكمة على الزوج غير مستدانة بأمر القاضي، فأبان الزوجة لا بقصد إسقاط النفقة، بل بسبب آخر، أو مات عنها، فإن النفقة المتراكمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 عليه تسقط عن ذمته، كما نصوا عليه في النفقات، لأنه لما بطل النكاح بطل ما ترتب عليه من النفقة. (الزرقا ص 276) . ثم لا فرق في بطلان المتضمَّن (بفتح الميم) بين أن يكون متضمناً حقيقة للباطل، كمسألة بيع الإنسان دمه لآخر، ومسألة شرائه اليمين من خصمه، وبين أن يكون مترتباً عليه ترتباً بأن أفرده بذكره معه وقرنه به، كالإبراء والإقرار بعد عقد فاسد، وكتصرفات المشتري من المكره على البيع. (الزرقا ص 276) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل، منها: 1 - لو صالح الشفيع عن شفعته أو اشتراها منه بمال لم يصح الصلح، ولم يلزم المال، وسقطت شفعته، بخلاف ما لو صالحه عن دعوى الشفعة، فإنه يصح، ويلزم المال. (الزرقا ص 276) . 2 - لو صالح الزرج زوجته الخيرة على مال لتختاره، ففعلت، واختارت زوجها لم يصح الصلح، ولم يلزم المال، وسقط خيارها. (الزرقا ص 276) . 3 - لو جعل الكفيل بالنفس مالاً للمكفول له ليسقط عنه الكفالة، فأسقطها، سقطت، ولم يلزم المال. (الزرقا ص 276) . 4 - لو اشترى ثمراً غير مدرك، ثم استأجر الأشجار ليبقى الثمر عليها إلى وقت الإدراك، فالإجارة باطلة، ولا يبطل ما في ضمنها من الإذن بإبقاء الثمر، فإذا أبقاه فزاد طابت لى الزيادة. (الزرقا ص 267) . 5 - لو اشترى داراً، وقبل أن يراها بيعت دار بجانبها، فأخذها بالشفعة، ثم ردَّ الأولى بخيار الرؤية، تبقى الثانية التي أخذها بالشفعة له، فقد بطل شراؤه الذي ترتب عليه الأخذ بالشفعة، ولم يبطل الأخذ بها. (الزرقا ص 276) . 6 - لو طلق إحدى زوجتيه طلاقاً مبهماً، ثم ماتت إحداهما قبل البيان، تتعين الأخرى الحية للطلاق، فلو قال: كنت قد عَنيت المتوفاة بالطلاق لا يعتبر قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 ذلك، ولكن يحرم بسببه الميراث، فلم يعمل قوله عمله، ولكن لم يبطل ما ترتب عليه من حرمان الإرث. (الزرقا ص 277) . 7 - لو طلق زوجته غير المدخول بها ثنتين، ثم قال: كنت طلقتها قبل ذلك واحدة، لا يبطل عنه الثنتان، ويلزم بالتي أقر بها، ولا تحل له إلا من بعد زوج آخر. فقد بطل هنا المتضمن والإقرار بالطلقة السابقة، ولم يبطل ما في ضمنه من الحرمة المغلظة. (الزرقا ص 277) . 8 - لو كان له على آخر دين مؤجل، فشرى به منه شيئاً، فإن الأجل يسقط، فإذا تقايلا عقد البيع انفسخ البيع، ولا يعود الأجل، وصار دينه حالاً، فقد بطل المتضمن، وهو عقد البيع، ولم يبطل ما وقع في ضمنه، وهو سقوط الأجل وحلول الدين، لأن الإقالة لا تصح إلا بثمن حال قدره قدر الثمن الأول، لأنها فسخ في حق المتعاقدين، والفسخ يقتضي رفع البيع السابق بجميع صفاته، ولما كان الثمن في البيع الأول حالاً فيبقى حالاً بعد الإقالة أيضاً. (الزرقا ص 277) . 9 - لو أقر الوكيل بالخصومة على موكله في غير مجلس الحاكم، فإن إقراره لا يعتبر ولكن ينعزل به عن الوكالة (م/1517) فقد بطل الإقرار هاهنا ولم يبطل ما تضمنه من أنه لا يحق له مخاصمة المدعي فيما يدعي على موكله. (الزرقا ص 277) . 10 - لو أقر متولي الوقف المدعي ملكية الموقوف، فإن إقراره لا يسري على الوقف، ولكن يخرج به عن الخصومة، لما صرحوا به من أن من أقر بشيء لغيره فكما لا يملك أن يدعيه لنفسه لا يملك أن يدعيه لغيره. (الزرقا ص 277) . 11 - إذاً باع سلعة، وقبض ثمنها، ثم سلمها للمشتري، ثم وجد الثمن زيوفاً - أي مغشوشة وغشه مغلوب - فإنه ليس له استرداد السلعة وحبسها بالثمن، بل له رد الزيوف على المشتري، ومطالبته بالجيد فقط. فقد ارتفع قبض البائع بردّ الزيوف ولم يبطل ما تضمنه من الإذن للمشتري بقبض المبيع، بخلاف ما لو وجد الثمن ستوقة - أي رصاصاً - فإنه يسترد السلعة ويحبسها بالثمن، لأنها ليست بدراهم أصلاً. (الزرقا ص 278) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 12 - لو باع عقاراً بيعاً فاسداً، وسلمه للمشتري، فبنى فيه أو غرس، فإنه ينقطع حق الفسخ ولا يؤمر بنقض البناء أو قلع الغرس، لأنه كان بتسلط البائع، فقد فسد العقد، ولم يبطل ما تضمنه من التسليط على البناء والغرس. (الزرقا ص 278) . 13 - لو اشترى شيئاً، وأعطى بثمنه رهناً، ثم ظهر أن البيع باطل، كما إذا كان المبيع شاة مذبوحة مثلاً، فظهر أنها ميتة، فإنه لا يبطل الرهن، بل يبقى على الصحة، ويكون مضموناً على البائع ضمان الرهن، فإذا هلك في يده يدفع للراهن قيمته إن كانت أقل من قدر الثمن، وبدفع له قدر الثمن إن كانت قيمته مثله أو أكثر. (الزرقا ص 278) . 14 - لو دخل بالزوجة بعد نكاح فاسد قد سمَّى لها فيه مهراً، فإنه يجب لها مهر المثل لا يتجاوز به المسمى، لرضا الزوجة بالمسمى. ومثله ما لو استوفى المنفعة في الإجارة الفاسدة فإنه يجب عليه أجر المثل لا يتجاوز به المسمى لو كان هناك مسمى، لرضا المؤجر بالمسمى أيضاً. فقد فسد المتضمِّن، وهو النكاح والإجارة، ولم يفسد المتضمَّن، وهو الرضا بالمسمى فيهما الذي تضمنه العقد. أما في البيع الفاسد فلا يعتبر المسمى أصلاً، بل يجب على المشتري فاسداً قيمة المبيع بالغة ما بلغت إذا قبضه وهلك في يده، أو استهلكه من غير أن يقيدوه بألاَّ يتجاوز الثمن المسمى في العقد. وبيان الفرق أن المهر في النكاح والبدل في الإجارة لم يجبا بمقابلة بدل مالي متقوم قياساً حتى تعتبر قيمته بالغة ما بلغت، فإن منفعة البضع التي هي حل الاستمتاع به، ومنفعة العين المأجورة ليست مالاً متقوماً، بل المنفعتان معدومتان حين العقد تحدثان بعده آناً فآناً، ومقابلة المعدوم ببدل باطل قياساً لاستحالته، وإنما جوز في النكاح والإجارة إظهاراً لخطر الفروج في الأول، ولحاجة الناس في الثاني، فاعتبر المسمى. إذ المعقود عليه فيهما ليس مالاً متقوماً حتى تعتبر قيمته بالغة ما بلغت، بخلاف المبيع فاسداً فإنه مال متقوم قياساً فاعتبرت قيمته. (الزرقا ص 287) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 15 - لو برهن أنه ابن عم الميت، وذكر النسب، فقبل أن يقضى له برهن خصمه أنه ابن عم فلان الآخر، أو أن جد الميت فلان غير ما بينه المدعي، يقبل في حق المدعي لا في إثبات النسب من الآخر، فقد بطل المتضمن هنا، وهو الشهادة بالنسب، فلم يقض به، ولكن لم يبطل المتضمَّن، وهو دفع دعوى المدعي، وعلة عدم القضاء بالنسب في هذا بأنه ليس بخصم في إثباته على الغير، ولو برهن الخصم بعد أن قضى القاضي فلا يقضى بشيء بالبينة الثانية. (الزرقا ص 279) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 القاعدة: [76] 7 - التابع يسقط بسقوط المتبوع الألفاظ الأخرى - إذا فات المتبوع فات التابع. التوضيح التابع هو ما يعتبر من قبيل الجزء كالعضو، أو كالجزء من غيره كالصوف، فإذا سقط المتبوع، وهو الأصل، سقط التابع، وهو الفرع، لأن التابع لا يفرد بالحكم (م/14) . وهذ القاعدة فرع عن القاعدة الأصلية "التابع تابع " (م/47) فالتابع يتبع في الحكم ما يكون تابعاً له في الوجود، ويقرب من هذه القاعدة قاعدة "إذا سقط الأصل سقط الفرع " (م/ 50) . التطبيقات 1 - من فاتته صلاة في أيام الجنون لا يستحب قضاء رواتبها، لأن الفرض سقط، فكذا تابعه، بخلاف ما إذا لم يسقط المتبوع بأن فُعل، فإنه يستحب قضاء تابعه، كالفرائض إذا فعلت، ولو كانت جمعة، وفاتت رواتبها، فإنه يستحب قضاؤها.. (اللحجي ص 60) . 2 - من فاته الحج، فتحلل بالطواف والسعي والحلق، لا يتحلل بالرمي والمبيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 لأنها من توابع الوقوف، فإذا فات الأصل، وهو الوقوف، سقط التابع، وهو الرمي والمبيت. (اللحجي ص 60) . المستثنى 1 - محل التحجيل في الوضوء في نحو اليد. فإنه يستحب غسله إذا قطع محل الفرض. (اللحجي ص 60) . 2 - الغرّة إذا تعذر غسل الوجه لعلة به مثلاً، وكان ما جاوره صحيحاً، فإنه يستحب الإتيان بها على المعتمد عند ابن حجر. (اللحجي ص 60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 القاعدة: [77] 8 - التابع لا يتقدَّم على المتبوع التوضيح التابع لشيء بأن يكون جزءاً منه، أو كالجزء منه كالصوف، لا يتقدم على متبوعه الأصلي في الحكم؛ لأن التابع يتبع متبوعه، والفرع يتبع الأصل. وهذه القاعدة فرع عن قاعدة "التابع تابع " (م/ 47) . التطبيقات 1 - المزارعة على البياض بين النخل والعنب جائزة تبعاً للمساقاة بشروط: منها: أن يتقدم لفظ المساقاة، فلو قدم لفظ المزارعة، فقال: زارعتك على البياض، وساقيتك على النخل على كذا، لم يصح، لأن التابع لا يتقدم على المتبوع. (اللحجي ص 61) . 2 - لو باع بشرط الرهن، فقدم لفظ الرهن على لفظ البيع، لم يصح؛ لأن الرهن تبع للبيع، ولا يتقدم التابع على المتبوع. (اللحجي ص 61) . 3 - لا يصح تقدم المأموم على إمامه في الموقف، ولا في تكبيرة الإحرام، لأن المأموم تابع للإمام، ولا يتقدم التابع على المتبوع. (اللحجي ص 61) . 4 - لو كان بين المأموم وبين الإمام شخص يحصل به الاتصال، ولولا هو لم تصح قدوته، ويقال له: الرابطة، لم يصح للمأموم أن يحرم قبل الرابطة، لأنه تابع له، كما أنه تابع لإمامه. (اللحجي ص 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 المستثنى 1 - لو حضر الجمعة من لا تنعقد به كالمسافر والعبد والمرأة، فإنه يصح إحرامهم قبل إحرام من تنعقد به الجمعة على الأصح عند المحققين. (اللحجي ص 61) . 2 - الغُرّة والتحجيل يصح فعلهما فبل غسل محل الفرض على الأصح عند ابن حجر، كان خالفه غيره؛ لأن ما قارب الشيء يُعطى حكمه. (اللحجي ص 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 القاعدة: [78] 9 - يدخل تبعًا ما لا يدخل استقلالاً الألفاظ الأخرى - لا يشترط في التابع ما يشترط في المتبوع. - يدخل في الفرد والعقود تبعاً ما لا يدخل استقلالاً. - يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً. التوضيح هذه القاعدة أوردها الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكررها في الفتاوى. ومنهاج السنة النبوية، وغيرها، وتعتبر فرعاً متمماً للقاعدة الكلية "التابع تابع ". وأكدها ابن رجب رحمه الله، وذكر أمثلتها، وغالبها تطبيق لقاعدة " التابع تابع " وقاعدة "يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ". وتبين القاعدة أن المسائل والصور إذا كانت تابعة لغيرها فإنه يشملها حكم متبوعها، ولا تفرد بحكم خاص، وتدخل فيه تبعاً، لأنها غير مقصودة بذاتها، بل المقصود غيرها، وهي تابعة لذلك الغير، فما كان تابعاً وغير مقصود فإنه يأخذ حكم المقصود. ودليل هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 يشترط المبتاع"، فالأصل أنه لا يجوز بيع الثمر المؤبر قبل أن يبدو صلاحه، ولكن إذا باع شخص نخلاً مؤبراً، واشترط المبتاع أن يشتري الثمر الذي على الشجر، فيجوز؛ لأنه تبع للشجر، وهو غير مقصود لذاته. التطبيقات 1 - من أدرك ركعة من الجمعة، فإنه لا يجهر فيما يقضيه من الركعة الثانية، وإن كانت صلاة الجمعة يعتبر فيها الجهر، وذلك أنه مدرك للجمعة ضمناً وتبعاً، ولا يشترط في التابع ما يشترط في المتبوع.. (ابن تيمية، الحصين 8/2) . 2 - شهادة النساء بالولادة يثبت بها النسب تبعاً، ولا يثبت النسب بشهادتهن استقلالاً.. (ابن تيمية، الحصين 8/2، (ابن رجب 3/ 15) . 3 - شهادة النساء على إسقاط الجنين بالضربة يوجب الغرة إن سقط ميتاً، والدية إن سقط حياً. (ابن رجب 3/ 15) . 4 - شهادة امرأة على الرضاع تقبل على المذهب، ويترتب على ذلك انفساخ النكاح. (ابن رجب 3/ 15) . 5 - لو شهد واحد برربة هلال رمضان، ثم أكملوا العدة ولم يروا الهلال، فهل يفطرون أم لا؟ على وجهين: أشهرهما: لا يفطرون لئلا يؤدي إلى الفطر بقول واحد، ويكون هذا استثناء من القاعدة، وعلى الوجه الثاني: بلى، ويثبت الفطر تبعاً للصوم. (ابن رجب 3/ 15) . 6 - لو أخبر واحد بغروب الشمس جاز الفطر؛ لأن وقت الفطر تابع لوقت صلاة المغرب. (ابن رجب 3/ 16) . 7 - صلاة التراويح ليلة الغيم تبعاً للصيام على أحد الوجهين. وذكر القاضي أبو يعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 احتمالاً بثبوت سائر الأحكام المعلقة بالشهر من وقوع الطلاق المطلق به وحلول آجال الديون. (ابن رجب 3/ 16) . 8 - إن شهد واحد برؤية هلال رمضان ثبت به الشهر، وترتبت عليه الأحكام المعلقة بالشهر تبعاً، وإن كانت لا تثبت بشهادة واحد ابتداء. (ابن رجب 3/ 16) . 9 - لو علق الطلاق بالولادة، فشهد بها النساء حيث لم يقبل قول المرأة نفسِها في ولادتها، فالمشهور وقوع الطلاق، ومثله: إذا قال: إذا حضتِ، فأنت وضرتك طالق، فشهد النساء بحيضها، تطلقان جميعاً تبعاً، مع أنه لا تقبل شهادة النساء في الطلاق. (ابن رجب 3/ 17) . 10 - إذا وقف وقفاً معلقاً بموته، فإنه يصح تبعاً للوصية في الأصح، والوصايا تقبل التعليق، أما الوقف فلا يقبل التعليق. (ابن رجب 3/ 18) . 11 - صلاة الحاج عن غيره ركعتي الطواف تحصل تبعاً وضمناً للحج، وإن كانت الصلاة لا تقبل النيابة استقلالاً. (ابن رجب 3/ 20) . 12 - إن الوكيل ووصي اليتيم لهما أن يبتاعا بزيادة على ثمن المثل ما يتغابن بمثله عادة، تبعاً للبيع، ولا يجوز لهما هبة ذلك القدر ابتداء. (ابن رجب 3/ 25) . 13 - لو طلق واحدة معينة من نسائه، ومات لم يُعلم عينها، أقرع بينهن. وأخرجت المطلقة بالقرعة، ولم يجب عليها عدة الوفاة، بل تحسب لها عدة الطلاق من حينه تبعاً، وعلى البواقي عدة الوفاة، لأن الطلاق لما ثبت بالقرعة لزمه توابعه من العدة وغيرها. (ابن رجب 3/ 22) . 14 - لو حلف بالطلاق أنه ما غصب شيئاً، ثم ثبت عليه الغصب بشاهد ويمين، أو برجل وامرأتين، فيقع عليه الطلاق في وجه تبعاً، مع أن الطلاق في الأصل لا يثبت بذلك، وفي وجه لا يقع ويكون هذا الوجه استثناء من القاعدة. (ابن رجب 3/ 17) . 15 - يجوز من الغرر اليسير ضمناً وتبعاً ما لا يجوز من غيره، فيجوز بيع العقار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 جملة وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس، ويجوز بيع الحيوان الحامل أو المرضع؛ وإن لم يعلم مقدار الحمل أو اللبن لأنه تبع.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 10) . 16 - يجوز بيع ثمر البستان المشتمل على عدد من أجناس الثمار إذا بدا صلاح بعض الأنواع، ولو لم يبدُ صلاح الجميع، فيجوز بيع الجميع، لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 10) . 17 - يجوز بيع ربوي بجنسه، ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه، إذا كان المقصود غير ربوي مع ربوي، فيدخل المال الربوي ضمناً وتبعاً.. (ابن تيمية، الحصين 2/11) 18 - يجوز استئجار الأرض المشتملة على أشجار، ويدخل الشجر تبعاً، ولا يكون بيعاً للثمر قبل أن يخلق، لأنه لا يمكن استئجار الأرض إلا بشجرها. (ابن تيمية، الحصين 2/11) . 19 - يجبر الشريك على البيع مع شريكه إذا كان في التفريق ضرر على الشريك، مع أنه لو كان وحده لم يجبر على ذلك.. (ابن تيمية، الحصين 1/11) 20 - يجوز تداول أسهم الشركات بيعاً وشراء إذا كانت هذه الشركات قائمة في أصل تعاملها على الحلال، وإن اشتملت هذه الشركات على نقود، أو كان عليها ديون في ذمم الغير، لأن هذه الأشياء تابعة وليست مقصودة بذاتها (الحصين 2/ 11) . 21 - يجوز بيع سهم أو شراؤه في شركة ألجأتها الحاجة إلى الاقتراض بربا، أو أودعت جزءاً من فائض أموالها في بنك ربوي للحاجة، وذلك أن هذا الجزء لا يساوي من قيمة السهم إلا شيئاً يسيراً يتعسر، أو يتعذر فصله ومعرفته، وهو ليس مقصوداً أصلاً، ولكنه وجد تبعاً لغيره. (الحصين 2/ 12) . 22 - إذا مسح على الخف، ثم خلعه، فإنه يجزئه غسل قدميه على إحدى الروايتين، ولو فاتت الموالاة، لأن الغسل هنا تبع فيتساهل به، وإذا وجد ما يكفي لغسل بعض أعضاء الحدث الأصغر، فاستعمله فيها، ثم تيمم للباقي، ثم وجد الماء بعد فوات الموالاة، لم يلزمه إلا كسل باقي الأعضاء. (ابن رجب 3 / 73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 القاعدة: [79] الخراج بالضمان (م/85) التوضيح خراج الشيء: هو الغَلة التي تحصل من الشيء إذا كانت منفصلة عنه، وغير متولدة منه، ككسب العبد، وسكنى الدار، وأجرة الدابة، ومنافع الشيء. والضمان: هو التزام بتعويض مالي عن ضرر للغير، و"الخراج بالضمان " أي بمقابلة دخوله في ضمان من سلم له خراجه، هما لم يدخل في ضمانه لم يسلم له خراجه، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن، رواه الطبراني عن حكيم بن حزام رضي الله عنه؛ ورمز السيوطي إلى حسنه. وهذه القاعدة نص حديث نبوي صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي بعض طرقه ذكر السبب. وهو أن رجلاً ابتاع عبداً فأقام عنده (مدة) ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيباً، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فردّه عليه، فقال الرجل: يا رسول الله، قد استعمل غلامي؟ فقال: "الخراج بالضمان "، لأنه لو كان تلف في يده، قبل الرد، لكان من ماله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 قال أبو عبيد: " الخراج في هذا الحديث غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زماناً، ثم يعثر منه على عيب دلسه (أخفاه) البائع، فيرده، ويأخذ جميع الثمن، ويفوز بغلته كلها، لأنه كان في ضمانه، ولو هلك هلك من ماله "، وكذا قال الفقهاء: "معناه ما خرج من الشيء من غَلة ومنفعة وعين فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك، فإنه لو تلف المبيع كان من ضمانه، فالغَلة له، ليكون الغنم (المصلحة) في مقابلة الضمان ". فخراج الشيء يستحقه من يكون هلاك ذلك الشيء على ضمانه، وحسابه، في مقابلة الضمان، وستأتي قاعدة "الغُرْم بالغنم " (م/ 87) . التطبيقات 1 - لو رد المشتري المبيع بعد قبضه بخيار العيب، وكان قد استعمله مدة، لا يلزمه أجرته؛ لأنه لو كان قد تلف في يده قبل الرد لكان يتلف من ماله. (الزرقا ص 429، اللحجي ص 68، الروقي 330،. (ابن رجب 2/ 191) . 2 - لو اشترى المبيع، وآجره، فإن الأجرة تطيب للمشتري ولو ردَّ المبيع بعد ذلك. (الزرقا ص 429، اللحجي ص 68، (ابن رجب 1/ 166) . 3 - لو اشترى شخص شاة، وولدت عنده، ثم ردها للبائع بعيب، فالولد للمشتري. (اللحجي ص 68، (ابن رجب 2/ 191) . 4 - لو وجد شخص ركازاً، واستعمله، أو آجره، ثم ظهر صاحبه، فلا ضمان على الواجد. (اللحجي ص 68) . 5 - لو وهب شخص لآخر عيناً فاستعملها، أو استغلها وأجرها، بعد قبوله وقبضه، ثم رجع الواهب عن هبته، فالغلة والخراج والثمرة للموهوب له. (اللحجي ص 68) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 6 - لو شرطا في شركة الوجوه مناصفة المشتري، أو مثالثته، وشرطا الربح على خلاف ذلك، فالشرط باطل. (الزرقا ص 430) 7 - لو استأجر داراً مثلاً ببدل، ثم آجرها بأكثر منه من جنس ذلك البدل، فإن الزيادة لا تطيب له إلا إذا أصلحها بإحداث ما تشاهد عينه فيها، كبناء وتجصيص، وجعل الخصاف كري النهر من ذلك، بخلاف كنس الدار وإلقاء التراب من الأرض ولو تيسرت الزراعة فيها. (الزرقا ص 430) 8 - من فروع هذه القاعدة عند المالكية أن المبيع المتعين المتميز إذ ضاع قبل القبض فهو من ضمان المشتري، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي اللذين أوجبا الضمان على البائع، قال القاضي عبد الوهاب المالكي: "سائر المبيعات التي ليس القبض من شروط صحة بيعها، كالعبيد والعروض وغيرهما مما يكال أو يوزن إذا كانت متعينة ومتميزة ليس فيها حق توفية، فضمانها من المشتري قبل القبض. وقال أبو حنيفة والشافعي: ضمانها من البائع حتى يقبضها، فدليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الخراج بالضمان " فجعل الخراج لمن يكون ضمانه منه، وقد ثبت أن خراج هذا المبيع قبل القبض يكون للمشتري، فيجب أن يكون ضمانه منه، ولأنه مبيع متعين، لا يتعين به حق توفية، فخراجه للمشتري، فكان تلفه منه، أصله إذا قبض ". 9 - المفلس إذا اتَّجر بالعروض من أمواله، بعد الحجر عليه من الغرماء، فإن الربح له؛ لأن ضمانها عليه. (الغرياني ص 440) . 15 - الغاصب إذا اتّجر بالمال المغصوب يكون ربحه له، لأنه في ضمانه، والخراج بالضمان. (الغرياني ص 440) . 11 - المودع إذا اتجر بالمال المودع عنده يكون ربحه له؛ لأنه ضامن للمال بالتصرف فيه. (الغرياني ص 440) . 12 - غَلة الرهن للراهن؛ لأن الضمان عليه. (الغرياني ص 441) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 13 - تكون الغلة للمشتري في أربعة مواضع إذا رُدَّ منه المبيع؛ لأن ضمانه كان عليه، وهي: أ - لا يرد المشتري الغلة إذا رد المبيع لفساد العقد، أو لعيب فيه إذا أزهت الثمرة؛ لأن الضمان عليه، ويردها قبل ذلك. (الغرياني ص 441) . ب - لا يرد المشتري الغلة للشفيع مع الشقص إذا يبست الثمرة؛ لأن الضمان كان عليه، ويردها قبل ذلك. (الغرياني ص 441) . جـ - لا يرد المشتري الغلة إذا استحق منه المبيع إن يبست الثمرة؛ لأن الضمان كان عليه، ويردها قبل ذلك. (الغرياني ص 414) . د - لا يرد المشتري الغلة إذا أفلس البائع، وأخذ منه المبيع إذا جذ الثمرة، وترد منه قبل ذلك. (الغرياني ص 441) . 14 - يجوز للمستأجر أن يوجر العين بأكثر مما استأجرها به؛ لأن المنافع مضمونة على المستأجر، بمعنى أنه إذا سلَّم إليه العين المؤجرة، ولم ينتفع بالعين تلفت على ملكه، بخلاف ما إذا تلفت العين المؤجرة، فإن هذا بمنزلة تلف الثمر قبل صلاحه. (ابن تيمية، الحصين 2/ 261) . 15 - إذا وهب رجل لآخر فرساً، وبعد مدة طلب الواهب أجرتها، فعرض الموهوب له ردّها، فامتنع الواهب من أخذها إلا مع الأجرة، فإن ردها الموهوب له فلا شيء غير ذلك، وليس للواهب المطالبة بالأجرة، لأن الموهوب له كان ضامناً لها، وكان يطعمها بانتفاعه بها مقابل ذلك.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 262) . 16 - إذا اشترى طعاماً، ومكنه البائع من قبضه، بأن ميّزه وأفرزه، ولم يقبضه المشتري، فهلك، فهو من ضمان المشتري، لأن خراجه له، فيكون ضمانه عليه. (ابن تيمية، الحصين 2/ 265) . 17 - المردود بالعيب إذا كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صناعة، ففي رواية: الزيادة للمشتري، تطبيقاً للقاعدة، والمشهور أن الزيادة للبائع تبعاً لأصلها، ولا يستحق المشتري عليه شيئاً، وهذا استثناء من القاعدة ". (ابن رجب 2 / 153، 192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 18 - الإقالة، إذا قلنا: هي فسخ، وهو الراجح، فالنماء للمشتري في الراجح، مقابل الضمان، وفي وجه: أنه يرده مع أصله، فيكون ذلك استثناء. (ابن رجب 2/ 191) . المستثنى 1 - اختلف الفقهاء في المبيع قبل القبض إذا حدثت الزيادة المنفصلة غير المتولدة ثم رُدّ بالعيب، فعند محمد هي للمشتري بلا ثمن، وعندهما: هي للبائع، واتفقوا على أنها لا تطيب لمن هي له، لأن طيبها إنما يكون بالملك والضمان، وقبل القبض لم يجتمعا في أحدهما، بل الملك للمشتري، والضمان على البائع، حتى لو هلك المبيع. والحالة هذه يهلك من ماله، فعلى قول محمد فالمثال استثناء، وعلى قول الشيخين فالمثال تطبيق القاعدة. 2 - لو أعتقت المرأة عبداً، فإن ولاءه (ميراثه) يكون لابنها، ولو جنى العبد جناية خطأ فالعقل (الدية) على عصبتها دونه، وقد يجيء مثله في بعض العصبات يعقل ولا يرث،. (اللحجي ص 68) . 3 - يستثنى من هذه القاعدة عند المالكية ما ثبت بالنص في المصراة، وهي الشاة أو الناقة التي يجمع في ضرعها اللبن إيهاماً للمشتري أنها حلوب وكثيرة اللبن، فإذا ردّت للبائع فإنها تردّ مع صاع من تمر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تصرّواً الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعاً من تمر". وهذا الاستثناء محصور بالتصرية للحديث، دون سائر العيوب فيها. (الروقي ص 338) . 4 - مستأجر العين الذي يفرط فيها، فتضيع، فإنه يضمنها. (الروقي ص 339) . 5 - يضمن الغاصب الغلة المتولدة من الشيء المغصوب إذا كانت على هيئته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وصورته، كنسل الحيوان. (الغرياني ص 441) ، ويضمن العين المغصوبة مطلقاً ابن رجب 3/ 334) . 6 - المار بغنمه على زرع غيره فتفسده، وهو معها، فإنه يضمنه. (الروقي ص 339) . 7 - المبيع إذا أفلس مشتريه قبل نقد الثمن، ووجده البائع قد نما نماء متصلاً فيرجع به، ولا شيء للمفلس. (ابن رجب 2 / 155) . فائدة 1: ما لا يضمن بالاتلاف قال ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى: "ما لا يضمن بالإتلاف أشياء: الخمر، وآلة اللهو، وألة الخمر إذا لم ينتفع بها في غيره،. (ونص أحمد على إحراق بيت الخمر) وكتب السحر والتنجيم والكلب ". فائدة 2: أسباب الضمان عند المالكية إن ضمان المتلفات عند المالكية يكون بأحد الأسباب الثلاثة، وهي: 1 - التفويت المباشر: كقتل الحيوان، وإحراق الثوب، وهدم الدار، وأكل الطعام، وغير ذلك من صور إتلاف الأموال، لأنها اعتداء على مال الغير. 2 - التسبب للإتلاف: كحفر الطريق العامة التي يمر بها الحيوان، ووضع السم في الطعام، وايقاد النار قريباً من زرع الغير، وإغراء الظالم بسلب مال الغير، وتمزيق وثيقة تثبت حقاً مالياً أو غيره، أو غير ذلك من صور التسبب في إتلاف مال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الغير "، ويدخل هنا التفريط الذي هو موضوع القاعدة؛ لأن المفرط في الشيء متسبب في إتلافه. 3 - وضع اليد: سواء كان ذلك بالاعتداء كالسرقة والغصب والاختلاس، أو بغير اعتداء كقبض العين المبيعة، والمرهونة، والمقترضة، وغير ذلك. فائدة 3: أسباب الضمان عند الشافعية يجب الضمان بأربعة أشياء: اليد، والمباشرة، والتسبب، والشرط. 1 - الضمان باليد، كالغصب والأيدي الضامنة من غير كسب. 2 - الضمان بالمباشرة وهي إيجاد علة الهلاك، كالذبح والإحراق والإغراق وإيجاد السموم المذففة والحبس مع المنع من الطعام والشراب، والجراحات السارية. 3 - الضمان بالتسبب، وهو إيجاد علة المباشرة، كالإكراه على القتل، فالضمان على المكرِه، وشهادة الزور للقتل، والحكم الجائر بالقتل. 4 - الضمان بالشرط، وهو إيجاد ما يتوقف عليه الإتلاف، وليس بمباشرة ولا تسبب، كالممسك مع المباشر أو المتسبب، لأنه لم يصدر منه شيء من أجزاء القتل، وإنما هو ممكِّن للقاتل من القتل، ومثل تقديم الطعام المسموم إلى الضيف، وتقديم الطعام المغصوب للضيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 فائدة 4: أسباب الضمان عند الحنابلة أسباب الضمان ثلاثة: عقد، ويد، وإتلاف. 1 - الضمان بالعقد، كعقد البيع يُضمن به، وعقد الضمان، والكفالة يضمن بهما، وعقد الإجارة، وعقد العارية، وتسمى عقود الضمان. 2 - الضمان باليد، كاستيلاء الغاصب والسارق وغيرهما من الأيدي الضامنة بخيانة أو تفريط. 3 - الضمان بالإتلات في الأنفس والأموال، إما بفعل آدمي بأن يباشر الإتلاف بسبب يقتضيه، كالقتل والإحراق، أو ينصب سبباً عدواناً فيحصل به الإتلاف كحفر بئر في غير ملكه عدواناً، أو تأجيج نار في يوم ريح عاصف فيتعدى إلى إتلاف مال الغير، أو إزالة احتباس الماء، أو الزلق بما رماه، أو العثور بما وضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 القاعدة: [80] إذا اجتمع المباشر والمتسبب يُضاف الحكم إلى المباشر (م/90) الألفاظ الأخرى - إذا اجتمع السبب والمباشرة، أو الغرور والمباشرة قُدمت المباشرة. - إذا اجتمع السبب والمباشرة سقط حكم السبب. - إذا اجتمع إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى مباشرة وسبب تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب. التوضيح المباشر: هو الذي حصل التلف مثلاً بفعله بلا واسطة، والمتسبب: هو الذي لم يحصل التلف بمباشرته وفعله، بل كان فعله سبباً مفضياً إلى التلف. وإذا اجتمع المباشر للفعل أي الفاعل له بالذات، والمتسبب له، أي المفضي والموصل إلى وقوعه، فيضاف الحكم إلى المباشر، لأن الفاعل هو العلة المؤثرة، والأصل في الأحكام أن تضاف إلى عللها المؤثرة لا إلى أسبابها الموصلة، لأن تلك أقوى وأقرب، إذ المتسبب هو الذي تخلل بين فعله والأثر المترتب عليه، من تلف أو غيره، فعل فاعل مختار، والمباشر هو الذي يحصل الأثر بفعله من غير أن يتخلل بينهما فعل فاعل مختار، فكان أقرب لإضافة الحكم إليه من المتسبب، لأنه إذا اجتمع المباشر والمتسبب فالمباشر مقدم، كالعلة وعلة الحلة، والحكم يضاف إلى العلة، لا إلى علة العلة، والسبب هو ما يضاف إليه الحكم أي يعتمد عليه ويستند إليه الحكم للتعلق به من حيث إنه معرف للحكم. والغرور: إبداء ما ظاهره السلامة، ثم تخلف. ولذلك قال بعض الفقهاء: "الإضافة إلى المباشرة حقيقة، وإلى المسبِّب مجاز". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 التطبيقات 1 - لو حفر رجل بئراً أو حفرة في الطريق العام، بدون إذن ولي الأمر، فألقى أحد حيوان شخص في البئر أو الحفرة، ضمن الذي ألقى الحيوان؛ لأنه العلة المؤثرة، ولم يتخلل بين فعله والتلف فعل فاعل مختار، دون حافر البئر، فيكون الملقي هو الضامن دون الحافر، لأن الملقي هو المباشر، فيضاف الفعل إليه لأنه ألصق به وأقوى من المتسبب السابق الذي كان فعله مفضياً وموصلاً إلى التلف، إلا أن التلف لم يحصل بفعله، بل تخلل بين فعله والتلف فعل فاعل مختار، وهو مباشر الإلقاء بلا واسطة، فكان الضمان عليه، حتى لو لم يتخلل بين فعله والتلف فعل فاعل مختار بأن تدهور فيه الحيوان بلا صنع أحد ضمن الحافر إذا كان معدياً بأن كان حفره بغير إذن ولي الأمر (م/ 922، 924، 925) ، أما في الحالة الأولى فالملقي هو الضامن دون الحافر، لأن الملقي هو المباشر فيضاف الفعل إليه. (الزرقا ص 447، الدعاس ص 80، (ابن رجب 2/ 598) . 2 - لو دل إنسان سارقاً على مال لآخر، فسرقه، أو دل كل القتل، أو قطع الطريق، ففعل، فلا ضمان على الدال، بل على السارق والقاتل وقاطع الطريق، لأنه المباشر، ولأنه فعل من مكلف مختار يصح إضافة الحكم إليه (الزرقا ص 448، الدعاس ص 80، الروفي ص 341) . 3 - لو دفع سكيناً إلى صبي مميز ليمسكها له، فقتل الصبي بها نفسه، فلا ضمان على الدافع المتسبب، لأنه تخلل بين فعله والتلف فعل فاعل مختار، وهو الصبي، لأنه ضرب نفسه باختياره، فلو لم يحصل التلف باختياره، بأن وقع السكين من يد الصبي، فجرحه، ضمن الدافع. (الزرقا ص 448) . 4 - لو أكل المالك طعامه المغصوب جاهلاً به، فلا ضمان على الغاصب في الأظهر، وكذا لو قدَّمه الغاصب للمالك على أنه ضيافة فأكله، فإن الغاصب يبرأ. (اللحجي ص 93) . 5 - لو حفر بئراً فرداه فيها آخر، أو أمسكه فقتله آخر، أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر، فقدَّه، فالقصاص على المردي، والقاتل، والقاد فقط. (اللحجي ص 94) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 6 - لو غُرَّ بامرأة معيبة أو رقيقة، ووطا، وفسخ نكاحها، فإذا غرم المهر لم يرجع على الغار. (اللحجي ص 94) . 7 - إذا تعاون شخص مع ظالم ودلّه على آخر فقتله، أو حسّن له ظلم رجل، فالضمان على المباشر دون المتسبب المتعاون.. (ابن عبد الهادي ص 99) . 8 - إذا قال لرجل يعرف تحريم القتل؛ اقتل فلاناً، فقتله، فالضمان على المباشر. (ابن عبد الهادي ص 99) . 9 - إذا أعاره سيفاً أو سكيناً أو نحو ذلك، فقتل به، فالضمان على المباشر (ابن عبد الهادي ص 99) . 10 - إذا دلّ شخص سارقاً على مال فسرقه، كان الضمان على السارق؛ لأنه مباشر، أما الدال فهو متسبب. (الروقي ص 341) . 11 - إذا حرّض شخص إنساناً على غَصْب مال غيره كان الضمان على الغاصب؛ لأنه مباشر، أما المحرض فهو متسبب. (الروقي ص 341) . 12 - لو فتح قفصاً عن طائر، فاستقر بعد فتحه، فجاء آخره فنفره، فالضمان على المنفِّر وحده. (ابن رجب 2/ 598) . 13 - لو رمى معصوماً من شاهق، فتلقاه آخر بسيف، فقدّه به، فالقاتل هو الثاني دون الأول. (ابن رجب 2/ 598) . المستثنى 1 - إذا كان السبب يعمل في الإتلاف إذا انفرد عن المباشر، كالسوق مع الركوب، فإن المباشر والمتسبب يشتركان حيئذ في ضمان ما تتلفه الدابة، لأن السائق، وإن كان متسبباً، والراكب وإن كان مباشراً، فإن السبب هاهنا، وهو السوق، يعمل في الإتلاف إذا انفرد عن الركوب فيضمنان بالسوية. أما الضمان على المباشر وحده دون السبب فهو إذا كان السبب لا يعمل في الإتلاف إذا انفرد عن المباشرة، كحفر البئر، فإنه بانفراده لا يوجب التلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ما لم يوجد الدفع الذي هو المباشرة، وإن كان لولا الحفر لا يتلف بالدفع. (الزرقا ص 448) . 2 - لو حفر شخص حفرة، فسقط فيها حيوان من تلقاء نفسه، ولم يلقه أحد، فإن الحافر يضمن، لأنه انفرد بالسبب. (الدعاس ص 80) . 3 - لو دل المودع نفسُه السارق على الوديعة فسرقها، فإنه يضمن لترك الحفظ، إلا إذا منعه حين الأخذ، فأخذها كرهاً فلا يضمن، بخلاف وارث المودع إذا دلّ السارق عليها فإنه لا يضمن، لأنها في يده أمانة محضة لم يلتزم الحفظ فيها. (الزرقا ص 448) . ويظهر أن مثل وارث المودع في عدم الضمان ما لو ألقت الريح ثوب الجار في داره، فدل السارق عليه، لتصريحهم بأنه أمانة محضة، لا التزام للحفظ فيها. (الزرقا ص 448) . 4 - إذا غصب شاة، وأمر قصّاباً بذبحها، وهو جاهل بالحال، - فقرار الضمان على الغاصب قطعاً. (اللحجي ص 94) . 5 - إذا استأجره لحمل طعام فسلمه زائداً، فحمله المؤجر جاهلاً، فتلفت الدابة، ضمنها المستأجر الذي هو الغار، لأن يد المباشرة، والحالة هذه، كيد الغار، لأنه نائب عنه. (اللحجي ص 94) . 6 - إذا أفتاه أهل الفتوى بإتلاف، ثم تبين خطؤه، فالضمان على المفتي، فإن لم يكن المفتي أهلاً فلا يضمن، لأن المستفتي مقصر. وقال بعضهم: والمقرر في الفروع عدم الضمان مطلقاً لا على المجتهد، ولا على المفتي وإن لم يكن عالماً، لأن المباشرة مقدمة على السبب، وعبارة "الروض وشرحه ": "وإن تلف بفتواه ما استفتاه فيه، ثم بان أنه خالف القاطع، أو نص إمامه، لم يغرم من أفتاه، ولو كان أهلاً للفتوى، إذ ليس فيها إلزام ". (اللحجي ص 94) . 7 - إذا قتل الجلاد شخصاً بأمر الإمام ظلماً، وهو جاهل، فالضمان على الإمام، بخلاف ما إذا كان عالماً بظلمه أو خطئه، فالضمان عليه. (اللحجي ص 94) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 8 - لو وقف ضيعة على قوم، فصرفت غلتها إليهم، فخرجت مستحقة، ضمن الواقف لتغريره. (اللحجي ص 94) . 9 - إذا شهد الشهود عمداً عند الحاكم بالقتل فقتل، ثم رجع الشهود، فالضمان على الشهود (1) ، لأنهم متسببون في القتل، دون الحاكم المباشر (ابن عبد الهادي ص 98، الروقي ص 342، (ابن رجب 2/ 599) وكذلك إذا شهدوا عمداً، وثبتت شهادة الزور عليهم. (الروقي ص 341) لأن التسبب أقوى من المباشرة فيغلب عليها. والشاهد أولى بالضمان (القرافي 2/ 258) . 10 - إذا قال: أعتق عبدَك، وعليَّ ثمنه، ففعل، فالضمان والعتق على المسبب، وليس المباشر.. (ابن عبد الهادي ص 98) . 11 - إذا دلّ المحرِمُ المحرِمَ على الصيد، أو أشار إليه، أو أعاره سكيناً ونحوها، فالضمان على المباشر والمتسبب معاً.. (ابن عبد الهادي ص 99) . 12 - إذا كره شخص آخر على قتل غيره، فإن القصاص عند المالكية على المكرِه والمكرَه، لأن التسبب هنا له قوة المباشرة أو أكثر، فيعطى حكمها (الروقي 341) . 13 - لو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً وفيه حياة غير مستقرة، ففربه آخر فمات، فالقاتل هو الأول، وعليه الغرة، ويعزر الثاني؛ لأن الضارب الأول ليس متسبباً فحسب، بل هو مباشر للقتل، فلذلك لزمه الضمان. (ابن رجب 2/599) . 14 - لو رمى صيداً فأصاب مقتله، ثم رماه آخر فمات، فالقاتل هو الأول، فيباح الصيد بذلك، والثاني جانٍ عليه، فيضمن ما خرق من جلده، وهذا قول الأكثرين. وفي قول: يضمن الثاني قيمته كاملة. (ابن رجب 2/599) . 15 - إذا قدَّم إليه طعاماً مسموماً عالماً به، فأكله وهو لا يعلم بالحال، فالقاتل هو المقدِّم؛ لأنه متسبب، وعليه القصاص والدية، مع أن الآكل هو المباشر. (ابن رجب 2/599)   . (1) قال الشافعية والحنابلة ورواية عند المالكية: يقتل الشهود، وقال الحنفية ورواية عند المالكية: لا يقتلون، وتلزمهم الدية (القواعد الفقهية، الروقي ص 342، تقرير القواعد 2/ 599) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 16 - المكرَه على إتلاف مال الغير، ففي الضمان وجهان، الأول: استثناء من القاعدة وهو على المكرِه وحده، لكن للمستحق مطالبة المتلف ويرجع به على المكرِه، لأن معذور في ذلك الفعل، فلم يلزمه الضمان، بخلاف المكرَه على القتل فإنه غير معذور فلهذا شاركه في الضمان. والوجه الثاني: الضمان عليهما كالدية لاشتراكهما في الإثم، فالإكراه لا يبيح إتلاف مال الغير. (ابن رجب 2/ 602) . 17 - المكرَه على القتل، المذهب اشتراك المكرِه والمكرَه في القَوَد والضمان، لأن الإكراه ليس بعذر في القتل، وفي قول إن القود على المكرَه المباشر، تطبيقاً للقاعدة. (ابن رجب 2/ 656) . 18 - لو حفر بئراً عدواناً في الطريق، فوضع آخر حجراً إلى جانبها، ففي رواية الضمان على الواضع حسب القاعدة، وفي رواية يشتركان فيه كالممسك والقاتل. لكن لو كان الحافر غير متعد، فالضمان على الواضع وحده، لأنه المباشر تطبيقاً للقاعدة. (ابن رجب 2/ 657) . 19 - لو دلّ المودع لصاً على الوديعة، فسرقها، فالضمان عليهما، كما لو دلّ المحرم محرماً آخر على صيد فقتله، ولو دلّ حلالاً، فالضمان على المحرم وحده. (ابن رجب 2/ 607) . 20 - لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد، وتمكن من إرساله، فلم يفعل حتى قتله محرم آخر، فالضمان عليهما، على الأول باليد، وعلى الثاني بالمباشرة في رواية، وفي رواية: الضمان على القاتل؛ لأن مباشر، والأول متسبب غير ملجئ، تطبيقاً للقاعدة. (ابن رجب 2/ 607) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 القاعدة: [81] الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة (م/59) التوضيح الولاية - بالفتح - لغة: النصرة، وبالكسر: السلطة والتمكن. واستعملت الثانية شرعاً في نفوذ التصرف على الغير شاء أو أبى. وتكون الولاية عامة أو خاصة. فالولاية العامة: هي سلطة على إلزام الغير، وإنفاذ التصرف عليه بدون تفويض منه، وتكون في الدِّين، والدنيا، والنفس، والمال، وتتعلق بمرافق الحياة وشؤونها. من أجل جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها، والولاية العامة لها مراتب واختصاصات تتفاوت فيما بينها وتتدرج، من ولاية الإمام الأعظم إلى ولاية نوابه وولاته وقضاته، فإنه يلي على الجميع كتجهيز الجيوش، وسد الثغور، وجباية الأموال من حلها، وصرفها في محلها، وتعيين القضاة والولاة، وإقامة الحج والجماعات، وإقامة الحدود والتعازير، وقمع البغاة والمفسدين، وحماية بيضة الدين، وفصل الخصومات وقطع المنازعات، ونصب الأوصياء والمتولين ومحاسبتهم، وتزويج الصغار والصغائر الذين لا ولي لهم. وغير ذلك من صوالح الأمور. وأما الولاية الخاصة فتكون في النفس والمال معاً، وفي المال فقط. والولاية على النفس والمال معاً تتفاوت قوة وضعفاً، وتكون أربع مراتب: 1 - قوية في المال والنفس: مثل ولاية الأب، ثم الجد أب الأب، وإن علا. فإنهما يملكان تزويج الصغار على هذا الترتيب، ومداواتهم، والتصرف في أموالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 بشرط حرية وتكليف واتحاد في الدين، وغير الإسلام من الأديان بمنزلة دين واحد. 2 - ضعيفة في المال والنفس: مثل ولاية من كان الصغير في حجره من الأجانب، أو من الأقارب، وكان هناك أقرب منه له، فإن البعيد يلي على نفس الصغير وماله ولاية ضعيفة، فإنه يملك تأديبه وإيجاره ودفعه في حرفة تليق بأمثاله، ويشتري له ما لا بدَّ له منه، ويقبض له الهبة والصدقة ويحفظ له ماله. 3 - قوية في النفس ضعيفة في المال: مثل ولاية غير الأب والجد من العصبات وذوي الأرحام، فإنهم يملكون من التصرف في نفس الصغير والمجنون والمعتوه بالشروط السابقة ما يملكه الأب والجد عند عدمهما، وبشرط الكفاءة ومهر المثل في النكاح بالنسبة لغير الابن، أما الابن فلا يتقيد بالكفاءة ومهر المثل، لأن ولايته في النفس كولاية الأب والجد، بل هو مقدم عليهما، وإن كانت في المال ضعيفة بمنزلة غيره من الأقارب. ومملك هؤلاء الأولياء وأوصياؤهم شراء ما لا بد للصغير منه، وقبض الهبة والصدقة له، وحفظ ماله دون التصرففيه، ولو موروثاً من قبل موصيهم. 4 - قوية في المال ضعيفة في النفس: مثل ولاية وصى الأب أو الجد أو القاضي على الصغار فإنه يتصرف في مالهم تصرفاً قوياً، ولكن تصرفه في أنفسهم ضعيف، كتصرف من كان الصغير في حجره من الأجانب. وأما ولاية المال فقط فولاية متولي الوقف، وولاية الوصي في مال الكبير الغائب، فإنه يلي بيع غير العقار من التركة مطلقاً، وبيع العقار لدين أو وصية لا وفاء لهما إلا ببيعه، فيبيعه عليه ولو كان حاضراً إذا امتنع عن وفاء الدين. وهذه الولاية ليست ناشئة عن نقص أهلية، ولا علاقة لها بالنفس أصلاً، وإنما هي ولاية مالية محضة، يُفؤَض صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على إبقائه صالحاً بحسب شرط الوقف. ويضاف لذلك السلطة التي جعلها الشرع بيد أهل القتيل في استيفاء القصاص من قاتله، أو العفو عنه إلى الدية، أو مطلقاً ومجاناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وهذه الولاية الخاصة للأهل والأولياء والأوصياء والنظار تنتقل إلى السلطان بمقتضى ولايته العامة عند عدمهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " السلطان ولي من لا ولي له " فيمارسها السلطان بنفسه أو بواسطة أحد نوابه من ولاة وقضاة ونحوهم لمصلحة المولىَّ عليه. وإن اجتمعت الولايتان الخاصة والعامة فإن الولاية الخاصة مقدمة على الولاية العامة، ولا تأثير للولاية العامة عند وجود الخاصة، وإن تصرف الولي العام عند وجود الولي الخاص فتصرفه غير نافذ، لأن كل ما كان أقل اشتراكاً كان أقوى تأثيراً أو امتلاكاً، أي تمكناً، وكلما كانت الولاية مرتبطة بشيء أخص مما فوقها بسبب ارتباطها به وحده، كانت أقوى تأثيراً في ذلك الشيء مما فوقها من العموم، وتكون الولاية العامة كأنها انفكت عما خُصصت له الولاية الخاصة، ولم يبق لها إلا الإشراف، إذ القوة بحسب الخصوصية لا الرتبة. فمثلاً: متولي الوقف، ووصي اليتيم، وولي الصغير، ولايتهم خاصة، وولاية القاضي بالنسبة إليهم عامة، وأعم منها ولاية إمام المسلمين، فولاية المتولي وما عطف عليه أقوى من ولاية القاضي، وولاية القاضي أقوى من ولاية الإمام. وهذا ما نقضي به الأصول المقررة في علم الإدارة والقوانين الإدارية الحديثة اليوم، وفقاً لقاعدة توزيع الصلاحيات والمسؤوليات ومبدأ التدرج. فليس للموظف الرئيس أن يقوم هو بالعمل أو التوقيع العائد لمرؤوسه، ولكن إذا تمرد هذا الموظف المرؤوس عن عمله دون مسوّغ، يعزل، وينصب غيره، ليقوم بالعمل العائد إليه. التطبيقات 1 - إن القاضي لا يملك التصرف في الوقف مع وجرد متولٍ عليه، ولو من قبله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 حتى لو تصرف بإيجار أو قبض أو صرف لا ينفذ. (الزرقا ص 313، الدعاس ص 81) . 2 - إن القاضي لا ولاية له مع وجود الأب والجد. (اللحجي ص 86) . 3 - إن القاضي لا يملك التصرف في مال الصغير مع وجود وصي الأب، أو وصي الجد، أو وصي القاضي، أما مع وصي غير من ذكر كوصي الأم ومن شاكلها ممن كانت ولايته ضعيفة في المال من الأقارب فإنه يملك التصرف. (الزرقا ص 113، الدعاس ص 81) . 4 - إن القاضي لا يملك تزويج الصغار مع وجود الولي إلا بعد عضله. (الزرقا ص 313) . 5 - لو أذنت للقاضي أن يزوجها بغير كفء، ففعل لم يصح على الأصح، ولو زوجها الولي الخاص صح. (اللحجي ص 86) . 6 - يحق للولي الخاص استيفاء القصاص، والعفو عن الدية، والعفو مجاناً، وليس للإمام العفو مجاناً. (اللحجي ص 86) . 7 - لو زوج الإمام لغيبة الولي، وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد، وثبت ذلك بالبينة، قدم الولي، لأن الأصح في هذه الحالة أن تزويج الحاكم كان بالنيابة عن الولي الغائب، بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد. وقيل إنه بطريق الولاية. (اللحجي ص 86) . المستثنى 1 - إذا وجد القاضي صاحب الولاية العامة خيانة أو تقصيراً من صاحب الولاية الخاصة، فللقاضي حق العزل، ويتصرف مكانه، لأن ولاية القاضي عامة، وصيانة هذه الأموال من الحق العام، فله التقدير فيه بمقتضى النظر العام، وإن كان ليس له أن يباشر العقود عنهم مع وجودهم أي الأولياء والأوصياء) . (الدعاس ص 81) . 2 - أخرج بعضهم من القاعدة المذكورة ما نصوا عليه من أن الوصي لا يملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 استيفاء القصاص إذا قتل مورث الصغير الذي تحت ولايته، مع أن القاضي يملك استيفاءه، فتكون الولاية العامة هنا أقوى من الولاية الخاصة. وفي الحقيقة لا استثناء؛ لأن ولاية استيفاء القصاص عن الصغير تابعة للولاية عن نفسه، ولا ولاية على نفسه للوصي، وما له من الولاية المتقدمة ضعيفة ولا تزيد على ولاية الأجنبى إذا كان الصغير في حجره. (الزرقا ص 313) . 3 - إن المتولي لا يملك العزل والنصب لأرباب الجهات بدون أن يشترط الواقف ذلك له، وبملكه القاضي بدون شرط. (الزرقا ص 313) . 4 - يملك القاضي إقراض مال الصغير، دون الأب والوصي. (الزرقا ص 313) . 5 - يملك القاضي الاستقراض للوقف واستبداله بشروطه، وإيجاره مدة طويلة عند مسيس الحاجة إلى تعميره، ولا يملك المتولي ذلك. (الزرقا ص 313) . 6 - يحق للقاضي التدخل مع الولي، والوصي، بالسبب العام، فإنه يحاسب الأوصياء والأولياء والمتولين، ويعزل الخائن، وإن شرط الموصي أو الواقف عدم مداخلته. (الزرقا ص 313) . 7 - يملك القاضي بالسبب العام إيجار عقار الوقف من المتولي، أو ممن لا تقبل شهادته للمتولي ولو لم يكن هناك خيرية، ولا يصح ذلك من المتولي نفسه. (الزرقا ص 314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 فوائد الفائدة الأولى: ضابط الولاية الولي قد يكون ولياً في المال والنكاح كالأب والجد، وقد يكون ولياً في النكاح فقط كسائر العصبة غير الأب والجد، وكالأب فيمن طرأ سفهها فإنه لا ولاية له إلا على البُضع على الأصح، وأما المال فالولاية فيه للقاضي، والجد كالأب في ذلك. وقد يكون في المال فقط كالوصي، فلو أوصى إليه بأن يزوج بطلت الوصية. الفائدة الثانية: مراتب الولاية الولاية أربع مراتب: الأولى: العليا: وهي ولاية الأب والجد، وهي عامة وثابتة شرعاً، بمعنى أن الشارع فوض فيها التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما، وذلك وصف ذاتي لهما. فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بإجماع، لأن المقتضي للولاية الأبوة والجدودة، وهي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها، لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي. وهكذا ولاية النكاح لسائر العصبات. الثانية: السفلى: وهي الوكالة، فالوكيل تصرفه مستفاد من الإذن، مقيد بامتثال أمر الموكل، فلكل منهما العزل، وحقيقته: أنه فسخ عقد الوكالة أو قطعه، والوكالة عقد من العقود قابل للفسخ. الثالثة: بين المرتبتين، وهي الوصاية، فإنها من جهة كونها تفويضاً تشبه الوكالة، ومن جهة كون الموصي لا يملك التصرف بعد موته، وإنما جوزت وصيته للحاجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 لشفقته على الأولاد وعلمه بمن هو أشفق عليهم تشبه الولاية، وأبو حنيفة لاحظ الثاني، فلم يجوز له عزل نفسه، والشافعي لاحظ الأول، فجوز له عزل نفسه على المشهور من مذهبه. الرابعة: ناظر الوقف: يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتفويض، ويشبه الأب من جهة أنه ليس لغيره تسلط على عزله، والوصي يتسلط الموصي على عزله في حياته بعد التفويض بالرجوع عن الوصية، ومن جهة أنه يتصرف في مال الله تعالى. فالتفويض أصله أن يكون منه، ولكنه أذن فيه للواقف، فهي ولاية شرعية، ومن جهة أنه إما منوط بصفة كالرشد ونحوه، وهي مستمرة كالأبوة، وإما منوط بذاته كشرط النظر لزيد، وهو مستمر فلا يفيد العزل، كما لا يفيد في الأب، بخلاف الوكيل والوصي، فإنه يقطع ذلك العقد، أو يرفعه، كذا نقله السيوطي عن السبكي رحمهما الله تعالى آمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 القاعدة: [82] التصرف على الرعية منوط بالمصلحة (م/78) الألفاظ الأخرى - تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. - منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم. التوضيح إن نفاذ تصرف الراعي على الرعية، ولزومه عليهم شاؤوا أو أبوا معلق ومتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن تصرفه، دينية كانت أو دنيوية، فإن تضمن منفعة ما وجب عليهم تنفيذه، وإلا ردّ، لأن الراعي ناظر، وتصرفه حينئذٍ متردد بين الضرر والعبث وكلاهما ليس من النظر في شيء. والمراد من الراعي: كل من ولي أمراً من أمور العامة، عاماً كان كالسلطان الأعظم، أو خاصاً كمن دونه من العمال، فإن نفاذ تصرفات كل منهم على العامة مترتب على وجود المنفعة في ضمنها، لأنه مأمور من قبل الشارع - - صلى الله عليه وسلم - أن يحوطهم بالنصح، ومتوعد من قبله على ترك ذلك بأعظم وعيد. وهذه القاعدة ترسم حدود الإدارات العامة والسياسة الشرعية في سلطان الولاة وتصرفاتهم على الرعية، فتفيد أن أعمال الولاة النافذة على الرعية يجب أن تبنى على المصلحة للجماعة وخيرها، لأن الولاة من الخليفة فمن دونه ليسوا عمالاً لأنفسهم،وإنما هم وكلاء عن الأمة في القيام بأصلح التدابير لإقامة العدل، ودفع الظلم، وصيانة الحقوق والأخلاق، وضبط الأمن، ونشر العلم، وتطهير المجتمع من الفساد، وتحقيق كل خير للأمة بأفضل الوسائل، مما يعبر عنه بالمصلحة العامة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 فكل عمل أو تصرف من الولاة على خلاف هذه المصلحة مما يقصد به استثمار أو استبداد، أو يؤدي إلى ضرر أو فساد، هو غير جائز. والأصل في هذه القاعدة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية، يموت وهو غاش رعيته، إلا حرم الله تعالى عليه الجنة" رواه البخاري ومسلم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه، إلا لم يدخل معهم الجنة" رواه مسلم والطبراني. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من استعمل رجلاً من عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين " رواه الحاكم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " رواه أحمد والحاكم. ونص على هذه القاعدة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقال: "منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم " وأصل ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور في "سننه " عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه قال: "أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن احتجت أخذت منه، وإن أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت ". التطبيقات 1 - لو عفا السلطان عن قاتل من لا ولي له لا يصح عفوه ولا يسقط القصاص، لأن الحق للعامة، والإمام نائب عنهم فيما هو أنظر لهم، وليس من النظر إسقاط حقهم مجاناً، وإنما له القصاص أو الصلح. (الزرقا ص 309، الدعاس ص 82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 2 - على الإمام أن يسوي في العطاء، فإذا فاضل فإنه يفاضل على حسب الغَنَاء، وهو النفع للدين والمسلمين، لا على حسب الهوى. (الزرقا ص 310) . 3 - ليس لمتولي الوقف، ولا للقاضي إحداث وظيفة في الوقف بغير شرط الواقف، وإن كان في الغَلة فضلة، فلو قرر فراشاً لم يشترطه الواقف لا يحل له الأخذ، لإمكان استئجار فراش بلا تقرير. (الزرقا ص 310) . 4 - لو آجر المتولي عقار الوقف بغبن فاحش لا يصح. (الزرقا ص 310) . 5 - لو زوّج القاضي الصغيرة من غير كفء، أو قضى بخلاف شرط الواقف، أو أبرأ عن حق من حقوق العامة، أو أجل الدين على الغريم بدون رضا الدائن لم يجز. (الزرقا ص 310) . 6 - لو صالح الولي أو الوصي عن الصغير صلحاً مضراً به لا يصح، كما لو صالح الخصم قبل أن ينوي رد دعواه بالبينة، أو قَبِل الحوالة بدين الصغير على من ليس بأملأ - أي أغنى - من المحيل لا يصح. (الزرقا ص 310) . 7 - لو دفع للوصي بمال اليتيم ألفاً، ودفع آخر ألفاً ومئة، والأول أملأ، يبيع الوصي من الأول، وكذا الإجارة يؤاجر بثمانية للأملأ، لا بعشرة لغيره، وكذا متولي الوقف. (الزرقا ص 310) . 8 - ليس لولي الأمر أن يعفو عن عقوبات الحدود مطلقاً، ولا عن غيرها من الجرائم أو العقوبات إذا كان في ذلك تشجيع على الإجرام واستخفاف بنتائجه، ولا أن يهدر الحقوق الشخصية للمجني عليهم بحال من الأحوال، ولا أن يبطل أقضية القضاة. (الدعاس ص 82) . 9 - ليس لإمام أو أمير أو قاض أن يمنع محاسبة من تحت أيديهم أموال العامة أو القاصرين كالأوصياء والمتولين، ولا أن يسمح بشيء من المفاسد المحرمة شرعاً، كالفسق والخمر والقمار، ولو بحجة جباية الأموال والضرائب منها، ولا أن يولي غير أمين أو غير كفء عملاً من الأعمال العامة. (الدعاس ص 82) . 10 - لا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماماً للصلوات فاسقاً، وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 صححنا الصلاة خلفه، لأنها مكروهة، وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة، ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه. (اللحجي ص 62) . 11 - إذا تخير الإمام في الأسرى بين القتل والرق والمن والفداء لم يكن له ذلك بالتشهي، بل بالمصلحة، حتى إذا لم يظهر وجه المصلحة يحبسهم إلى أن يظهر. (اللحجي ص 62) . 12 - لو زوج بالغة بغير كفء برضاها لم يصح، لأن حق الكفاءة للمسلمين، وهو كالنائب عنهم فلا يقدر على إسقاطه في المعتمد، وخالف بعض الشافعية في ذلك. (اللحجي ص 62) . المستثنى 1 - لو سلم مال الصغير قبل قبض ثمنه، لا يسترده للثمن، بخلاف تسليم الصغيرة في باب النكاح. (الزرقا ص 310) . 2 - إن الأب أو الجد إذا لم يكن سكراناً، ولم يكن معلوماً بسوء الاختيار ينفذ تزويجه للصغير والصغيرة من غير كفء، ولو بغبن فاحش. (الزرقا ص 310) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 الباب الثالث القواعد الكلية في المذهب الحنفي نعرض في هذا الباب القواعد الكلية في المذهب الحنفي، ومعظمها من قواعد. (مجلة الأحكام العدلية) ومن الأشباه والنظائر لابن نجيم. وهذه القواعد معظمها تتقق فيها الذاهب الأخرى أيضاً، ولهذه المذاهب فروعها الخاصة، ومسائلها، وتطبيقاتها على هذه القواعد، ونص عليها السيوطي في (الأشباه والنظائر) والزركشي في (المنثور في القواعد) وغيرهما من كتب الفقه الشافعي، كما نص عليها المالكية والحنابلة كما سنبينه إن شاء الله تعالى. وإنما وضعناها باسم المذهب الحنفي لأنها الغالب والشائع عندهم في الصياغة والفروع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 القاعدة: [83] لا مساغ للاجتهاد في مورد النص (م/14) الألفاظ الأخرى - لا اجتهاد في مورد النص. التوضيح إن المراد بالنص هو القرآن والسنة الثابتة والإجماع، عموماً، والمراد بالنص الذي لا مساغ للاجتهاد معه هو المفسر والمحكم من القرآن والسنة. وأما غيرهما من الظاهر والنص فلا يخلو من احتمال التأويل. وبيان ذلك أن أقسام الدليل اللفظي بحسب الإفضاء إلى الأحكام، أربعة أنواع عند الحنفية، وهي: 1 - الظاهر: وهو ما ظهر المراد منه بصيغته، مع احتمال التأويل. 2 - النص: وهو ما ازداد وضوحاً على الظاهر، بمعنى سيق له الكلام لأجله، لا من نفس الصيغة، مع احتمال التأويل أيضاً. 3 - المفسَّر: وهو ما ازداد وضوحاً على النص على وجه لا يبقى معه احتمال التأويل، لكنه يحتمل النسخ. 4 - المحكم: وهو ما أحكم المراد منه من غير احتمال تأويل ولا نسخ. فحيث كان الأولان لا يخلوان عن احتمال التأويل يكون مساغ للاجتهاد وموجود معهما، دون الثالث والرابع، فلا يجوز الاجتهاد في مقابلة المفسر والمحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 والاجتهاد نوعان: الأول: اجتهاد الفقهاء في فهم النص التشريعي في القرآن والسنة، وهو بذل الوسع في معرفة الحكم من دليل. الثاني: اجتهاد الفقهاء في قياس حكم لم يرد فيه نص على حكم منصوص عليه. والاجتهاد بنوعيه لازم وضروري، ولا يجتهد في القياس إلا عند عدم النص. فيأتي قياس النظير على النظير، ولا يجتهد في فهم النص إلا إذا كان غامضاً ومحتملاً لوجوه مختلفة في تفسيره، ويراد تطبيقه. فإذا كان النص واضحاً فلا لزوم للاجتهاد فيه، ويكون معنى القاعدة "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص" أن الحكم الشرعي حاصل بالنص، فلا حاجة لبذل الوسع في تحصيله؛ لأنه حاصل؛ ولأن الاجتهاد ظني والحكم الحاصل به حاصل بظني. بخلاف الحاصل بالتص فإنه يقيني، ولا يترك اليقيني للظني. وهناك شروط للمجتهد، وشروط للقياس تعرف في كتب أصول الفقه. ومثل لفظ الكتاب والسنة لفظ الواقف ولفظ الموصي، فإنهما كنص الشارع لا المفهوم والدلالة ووجوب العمل به، ما لم يكن فيه تغيير لحكم الشرع، فلو كان، كما لو شرط أن المتولي أو الوصي لا يحاسب، فإن شرطه لا يراعى. التطبيقات 1 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "البيِّنة على المدعي، واليمين على من أنكر" رواه البيهقي. فهو نص صريح واضح في توزيع البيِّنة واليمين على الطرفين المتخاصمين لأجل الإثبات. فلا يجوز الاجتهاد لصرف الحديث عن هذا التوزيع. (الدعاس ص 55) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 2 - يبطل القول بحل المطلقة ثلاثاً للأول بمجرد عقد الثاني عليها بلا وطء. لمخالفته للنص الشرعي في الحديث الشريف. (الزرقا ص 148) . 3 - يبطل القول بحل نكاح المتعة، لمخالفته لنص الحديث الشريف. (الزرقا ص 148) . 4 - يبطل القول بسقوط الدَّين بمضي سنين بلا مطالبة. (الزرقا ص 148) . 5 - يبطل القول بالقصاص بتعيين الولي واحداً من أهل المحلة، وحلفه أيماناً على أنه هو القاتل. (الزرقا ص 148) . 6 - يبطل القول بأن لا دخل للنساء في العفو عن دم العمد. (الزرقا ص 148) . 7 - يبطل القول ببطلان إقرار المرأة، وبطلان وصيتها بغير رضاء زوجها، وكل ذلك لعدم استنادها إلى دليل معتبر، ولمخالفتها للنصوص الشرعية التي لا تحتمل التأويل. (الزرقا ص 148) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 القاعدة: [84] ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس (م/15) الألفاظ الأخرى - ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه. التوضيح القياس: هو جعل الحكم في المقيس مثل الحكم في المقيس عليه، بعلة واحدة فيهما، وهو حجة عند الفقهاء والمتكلمين بقوله سبحانه وتعالى:. (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) . لأن الاعتبار هو النظر الثابت لأي معنى ثبت. وإلحاق نظيره به، وهو القياس بعينه. وشرط الاستدلال بالقياس عدم وجود النص في المقيس عليه؛ لأن القياس إنما يصار إليه ضرورة خلو الفرع عن حكم ثبت له بطريق التنصيص، فإذا وجد التنصيص على الحكم فلا قياس. والاستدلال في بعض المسائل بالنص والقياس معاً إنما هو لأجل أن الخصم إن طعن في النص بأنه منسوخ أو غير متواتر، أو غير مشهور، أو مؤوَّل، يبقى القياس سالماً لا مطعن فيه، لا لأنه دليل على تقدير سلامة النص من الطعن. وليس القياس عملاً بالظن، كما يقول البعض، بل هو عمل بغالب الظن وأكبر الرأي، والعمل بغالب الظن واجب، وإن بقي معه ضرب احتمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 والمماثلة بين المقيس والمقيس عليه من جميع الوجوه غير واجبة لصحة القياس، بل الواجب المماثلة في علة الحكم فقط. ومعنى القاعدة: أن الحكم الشرعي إذا كان ثابتاً بنص القرآن أو السنة أو الإجماع، ووارداً معدولاً به عن سنن القياس، لا يجوز أن يقاس عليه غيره، بأن يثبت مثل ذلك الحكم للغير لعلة جامعة بينهما، وذلك لوجود اعتبارات تشريعية خاصة بها، فغير هذه الأحكام لا يقاس عليها، لأنها وردت على خلاف القواعد العامة الثابتة في الشريعة. التطبيقات قد ثبت على خلاف القياس أحكام شرعية كثيرة، تفوق الحصر، فيقتصر فيها على مورد النص، ولا يقاس عليها غيرها، منها: 1 - شهادة خزيمة: فقد قبلها الرسول عليه الصلاة والسلام من خريمة وحده، مع أن نصاب الشهادة اثنان، وقد روى أبو داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى ناقة منأعرابب، وقال: هَلُم شهيداً، فقال: من يشهد لي، ولم يحضرني أحد، فقال خريمة: أنا أشهد، يا رسول الله أنك أوفيت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: كيف تشهد لي، ولم تحضرتي؟ فقال: يا رسول الله، إنا نصدقك فيما تأتينا به من خبر السماء، أفلا نصدقك فيما تخبر به من ثمن الناقة، فقال عليه الصلاة والسلام: "من شهد له خزيمة فهو حسبه ". فلا تقبل شهادة مسلم واحد بمفرده، ولو كان مثل خريمة أو أفضل منه. (الدعاس ص 56) . 2 - كفارة الأعرابي: في الإفطار التي رواها الستة إلا النسائي، وخلاصتها أن أعرابياً واقع أهله في رمضان، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعرض عليه عتق رقبة، فأظهر العجز، ثم عرض عليه صيام ستين يوماً، فأظهر العجز، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - تمراً يتصدق به، فقال الأعرابي: "ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا". فقال له: "أطعمه أهلك" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 فلا يقاس على الأعرابي مسلم آخر بإطعام كفارته لأهله. (الدعاس ص 56) . 3 - بيع السلم: فقد ورد مخالفاً للحديث "لا تبع ما ليس عندك " رواه أصحاب السنن. لكن ورد فيما يثبته " من أسلم فليسلم في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم " فلا يقاس عليه غيره في بيع المعدوم. (الدعاس ص 57) . 4 - الإجارة: وهي بيع المنافع، وهي معدومة عند العقد، وبيع المعدوم باطل، فهي على خلاف القياس، وجوزت للضرورة، وهي الحاجة إليها، فلا يقاس عليها. فإن المعتمد في المذهب أن القياس يترك فيما فيه ضرورة، ولكن يقتصر فيها على موضع الحاجة، ولا يقاس عليها ما لا حاجة فيه، فلا يجوز إيجار متحدي المنفعة مقايضة، كسكنى دار أو حانوت بسكنى نظيره، لعدم الحاجة إليها. (الزرقا ص 152، الدعاس ص 57) . 5 - الوصية: فإنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وهي حالة تنقطع فيها حقوق الإنسان في أمواله، وتتعلق حقوق الورثة، وقد شرعت ليتدارك الإنسان ما فاته من أعمال البر في حياته، فلا يجوز أن يقاس عليها تجويز إضافة غيرها من التصرفات إلى ما بعد الموت، كالبيع والإجارة والإعارة بأن يعقدها الشخص في حال حياته مضافة لما بعد الموت. (الدعاس ص 57، الزرقا ص 152) . 6 - المزارعة والمساقاة: فإن القيالس عدم جوازهما، لأنهما استئجار للمزارع والمساقي ببعض الخارج من عملهما، وهو منهي عنه، ولكنهما جوزتا لورود الأثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 فيهما، فلا يقاس عليهما غيرهما مما فيه استئجار ببعض الخارج من العمل، كعصر الزيتون والسمسم وغزل القطن بجزء من زيته، أو شيرجه، أو غزله مثلاً. (الزرقا ص 152) . 7 - التحالف: وهو اليمين من المدعي والمدعى عليه، فإنه ثبت على خلاف القياس إذا كان المبيع مقبوضاً، فلا يقاس عليه النكاح مثلاً، أما قبل قبض المبيع فهو على القياس، لأن كلاً من البائع والمشتري مدعٍ ومدعى عليه. (الزرقا ص 152) . 8 - السلم والاستصناع، فهما على خلاف القياس في بيع المعدوم عند العقد، فلا يقاس عليهما. (الزرقا ص 152) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 القاعدة: [85] إذا زال المانع عاد الممنوع (م/24) ألفاظ أخرى - إذا زال المانع زال الممتنع لأجله. التوضيح المانع: كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره. ومعنى القاعدة: أن كل حكم إذا كان جوازه لمانع فإذا زال المانع عاد الممنوع، وهو عدم الجواز، وكذلك إذا كان الحكم حراماً لمانع، فإذا زال المانع عاد الحكم مباحاً أو مندوباً أو واجباً. والمراد بلفظ "عاد" من قولهم: "عاد الممنوع ": ظهر أو حصل، ليشمل ما وجد في أصله ممتنعاً بمانع ثم زال. وهذه القاعدة تفيد عكس ما تفيد القاعدة الأخرى "ما جاز لعذر بطل بزواله " (م/123. التي تفيد حكم ما جاز بسبب ثم زال، وهذه القاعدة تفيد حكم ما امتنع لسبب ثم زال السبب المانع. التطبيقات 1 - لو أوصى لوارث، ثم امتنع إرثه بمانع، صحت، كما لو أوصى لأخيه ثم ولد له ابن ثم مات الموصي. (الزرقا ص 191) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 2 - لو وهب حصة شائعة قابلة للقسمة، ثم قسم وسلمها صحت الهبة. (الزرقا ص 191) . 3 - لو وهب عيناً لآخر، فزاد الموهوب له فيها زيادة متصلة غير متولدة حتى امتنع حق الرجوع، فإذا زالت تلك الزيادة عاد حق الرجوع. (الزرقا ص 191) . 4 - لو عوَّض الموهوب له الواهب عن هبته امتنع حق الرجوع، فإذا استحق العوض عاد حق الرجوع. (الزرقا ص 192) . 5 - لو انهدمت الدار المأجورة سقطت الأجرة، فإذا بناها المؤجر في المدة قبل أن يفسخ المستأجر الإجارة عادت في المستقبل. (الزرقا ص 192) . 6 - لو اطلع المشتري على عيب قديم في المبيع فله ردُّه، ولكن إذا حدث عنده عيب آخر امتنع الرد، فإذا زال العيب الحادث، ولو بمداواة المشتري، عاد حق الرد. فالعيب الجديد مانع من حق الرد بخيار العيب، فإذا زال الانع عاد حق الرد وهو الممنوع. (الزرقا ص 192، الدعاس ص 58) . 7 - الصغر مانع لأداء الشهادة، فإذا تحمل الصبي المميز شهادة، ثم بلغ قبلت منه. (الدعاس ص 58) . 8 - الأم التي من أهل الحضانة إذا سقط حقها من حضانة الولد لمانع، كان تزوجت من أجنبي مثلاً، ثم طلقها الزوج، أو مات عنها. عاد حقها لزوال المانع. (الزرقا ص 194، الدعاس ص 58) . 9 - لو رهن المشتري المبيع فاسداً امتنع حق الفسخ، فإذا افتكه عاد الفسخ لو لم يكن قضي على المشتري بقيمته، فالأصل أن المانع إذا زال بما هو فسخ من كل وجه كفك الرهن، والرجوع في الهبة، ورد المبيع على المشتري (الذي هو البائع الثاني) بعيب بعد قبضه بقضاء، فللبائع فاسداً حق الفسخ لو لم يقض بقيمته، ولو زال المانع بسبب هو بمنزلة عقد جديد في حق الغير، كان رد على المشتري بعد القبض بعيب بتراض بطل حق البائع في الردّ، كأنه اشتراه ثانياً، ولو فضي بقيمته بطل حق الاسترداد في الوجوه كلها. (الزرقا ص 192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 10 - لو اشتراه فرهنه، ثم اطلع على عيب قديم عند البائع، يمتنع الرد، فإذا افتكّه فله رده. (الزرقا ص 192) . 11 - لو شهد وهو صبي، أو أعمى، وقد تحملها بصيراً، فردت، ثم بلغ الصبي أو أبصر الأعمى، فشهد بها تقبل، والأصل: أنه إذا ردت شهادته لتهمة فزالت ثم شهد لا تقبل، وإن ردت لشبهة فزالت، ثم شهد بها تقبل. (الزرقا ص 192) . 12 - لو تناقض المدعي في دعواه، ثم ارتفع التناقض بتصديق الخصم، أو بتكذيب الحاكم، فإن دعواه تسمع (م/ 653 1، 654 1) . (الزرقا ص 192) . 13 - لو أقر لآخر بعين في يد غيره، فإن إقراره لا يعمل عمله، ولكن إذا ملكها المقر يوماً ما فإن المقر له يطالبه بموجب إقراره. (الزرقا ص 192) . 14 - لو أذن الراهن للمرتهن باستعمال الرهن أو إعارته، فاستعمله أو أعاره، فإنه يخرج من ضمانه، فلو هلك في أئناء ذلك يهلك أمانة، فإذا انتهى العمل عاد رهناً. (الزرقا ص 193) . 15 - لو زال سبب الفساد في المجلس فإنه ينقلب البيع صحيحاً في بعض المفسدات. (الزرقا ص 193) . 16 - لو شرى شيئاً بعقد فاسد، فتعيب عنده، لا بفعل البائع، ثم فسخ البيع بسبب الفساد، وأخذ البائع المبيع ونقصان العيب، ثم زال العيب يسترد المشتري من البائع ما دفعه له من نقصان العيب. (الزرقا ص 193) . 17 - لو أذن المستأجر للمؤجر ببيع المأجور فباعه حتى انفسخت الإجارة، ثم ردّ المشتري العين المبيعة بطريق هو فسخ (كما إذا ردها بعيب قبل القبض، أو بعده بقضاء) تعود الإجارة، وبه يفتى. (الزرقا ص 193) . 18 - لو آجر إجارة مضافة ثم باع المأجور أو وهبه قبل مجيء الوقت فإن الإجارة تبطل، (وهذا مبني على المعتمد في المذهب من عدم لزوم الإجارة المضافة، ولكن المجلة على خلافه) فلو رد عليه بعيب بقضاء أو رجع في الهبة قبل الوقت عادت الإجارة. (الزرقا ص 193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 19 - لو وكله ببيع شيء، ثم باعه الموكل، ثم ارتفع البيع بما هو فسخ من كل وجه (كأن رد عليه بعيب قضاءً) فإن الوكيل لو باع والحالة هذه يصح. (الزرقا ص 193) . 20 - لو نشزت الزوجة، ثم عادت إلى بيت زوجها، فإنه يعود إليها استحقاق النفقة، لزوال المانع وهو النشوز. (الزرقا ص 194) . وقد يتوهم أن حق حضانة الأم إذا تزوجت، والزوجة إذا نشزت، أنهما قد سقط فيهما الحق ثم عاد على سبيل الاستثناء من قاعدة "الساقط لا يعود" (م/ 51) . لكن نص العلماء على أن هذا من قييل زوال المانع، وعودة الممنوع، لأن الحق فيهما لا يسقط. (الزرقا ص 194) . 21 - الحائض والنفساء ممنوعتان من الصلاة بسبب وجود الحيض والنفاس. وقيام ذلك مانعاً، فإن طهرتا زال المانع، ووجبت عليهما الصلاة. (الروقي ص 409) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 القاعدة: [86] ليس للمظلوم أن يظلم غيره (م/931) التوضيح الظلم حرام وممنوع في الشريعة، ولا تقره في حال من الأحوال، والشروع في الظلم والابتداء به حرام، ولصاحبه إثم كبير في الدنيا والآخرة، فإن وقع منه ظلم، فليس للمظلوم أن يظلم الظالم ولا غيره، أصلاً، بل له أن يتخلص من ظلمه، ويأخذ الحق منه، ويسعى وراء ردعه عن الظلم بما يكفي رداعاً لأمثاله عن المعاودة، كما يعلم ذلك من أحكام التعزير، أما ما زاد عن ذلك فلا يجوز، قال الله تعالى:. (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) . ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " اتقوا الظلم فإن الظلم ظُلُمات يوم القيامة" رواه مسلم وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. . . بمنعه (الظالم) عن ظلمه ". فالقاعدة بإطلاقها شاملة للظالم والمظلوم، وهي بمعنى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" (م/ 19) . التطبيقات 1 - لا يُجوِّز الشرع لأحد الاعتداء على حق أحد، ولو كان غاصباً، فلو غصب أرضاً مثلاً، وزرعها فجاء ربُّها، فإما أن يكون الزرع قد نبت أو لا، فإن كان نبت واستحصد فهو للغاصب، وللمالك أن يرجع بنقصان أرضه، وإن كان نبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 ولم يستحصد فللمالك أن يأمر الغاصب بقلعه وتفريغ ملكله، فإن أبى يقلعه بنفسه، أو يرفع الأمر للحاكم ليقلعه، وإن كان لم ينبت فالمالك مخير إن شاء تركها حتى ينبت فيأمره بقلعه، وإن شاء أعطاه ما زاد البذر في الأرض، فتقوّم مبذورة ببذر يجب قلعه إذا نبت، وتقوم غير مبذورة، فيعطى فضل ما بينهما، وهو الأصح. وعن أبي يوسف: أنه يعطيه مثل بذره، وهو المختار. فحفظ الشارع حق الغاصب، ولم يتساهل فيه، بل أوجب له ما زاد بذره في قيمة الأرض، على ما هو الأصح، أو أوجب له مثل بذره على ما هو المختار، مع كونه ألقاه باختياره في أرض الغير بلا حق يسوِّغ له ذلك، لأن فعله لا يخرج البذر عن كونه ملكاً له محترماً، فلا يجوز ظلمه بتفويته عليه بلا عوض، وذلك غير ناف لوجوب ردعه عن ظلمه بما يكفي زاجراً له عن العود إلى مثله. (الزرقا ص 176) . 2 - من غصب ثوباً فصبغه، فالمالك مخير بين ترك الثوب له وأخذ قيمته منه غير مصبوغ، وبين أخذه مصبوغاً ويعطي للغاصب ما زاد الصبغ فيه. (الزرقا ص 177) . 3 - لا يجوِّز الشرع مجاوزة الحد في تضمين الغاصب غير ما تناوله فعله وورد عليه مباشرة، ولذا كانت زوائد المغصوب أمانة عنده لا تضمن بغير تعدٍ أو منع لها عن المالك، فلو غصب بقرة مثلاً فولدت عنده، فهلك الولد في يده بغير تعدٍ، ولا منع له عن المالك، أو غصب كرماً مثلاً فاثمر في يده، ثم هلك الثمر كذلك بلا تعدٍ، ولا منع له عن المالك، يهلك أمانة، لأنه لم يرد عليه الغصب مباشرة. (الزرقا ص 177) . 4 - من أتلف لغيره مثلياً، ثم التقيا في بلد آخر، وكانت قيمة المتلف من المثلي فيه أكثر من قيمته في بلد الغصب، فالغاصب مخير بين إعطاء مثله وإعطاء قيمته المعتبرة في بلد الغصب، ما لم يرض المالك بتأخير المطالبة بالمثل إلى بلد الغصب، فلم يوجب الشرع المثل في الصورة المذكورة على الغاصب حتماً، بل خيره وسوَّغ له دفع القيمة. مع أن المثلي مضمون بمثله، ولم يجوِّز إضراره وإن كان ظالماً، ولذا يشترط في دعوى الغصب للمثلي غير النقدين ذكر مكان الغصب، ليعلم هل للمدعي حق المطالبة. (الزرقا ص 177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 القاعدة: [87] من سعى في نقض ما تمَّ من جهته فسعيه مردود عليه (م/105) التوضيح إن من أبرم أمراً بإرادته واختياره، ثم أراد نقض ما تمَّ، فلا يقبل، ويكون سعيه مردوداً عليه، لأنه والحالة هذه يكون متناقضاً في سعيه بذلك مع ما كان أتمه وأبرمه. والدعوى المتناقضة لا تسمع، لما فيها من التعارض والمنافاة هنا بين الشيء الذي تم من قبله وبين سعيه الأخير في نقضه. ولا فرق بين ما تمَّ من جهة المرء بين أن يكون تم من جهته حقيقة، كما إذا فعل ذلك بنفسه، أو يكون تمَّ من جهته حكماً، كما إذا كان ذلك بواسطة وكيله، أو صدر من مورثه فيما يدعيه بحكم الوراثة، فإن السعي في نقضه لا يسمع منه، لأن الوكيل مع الموكِل، والمورِّث مع الوارث، بمنزلة شخص واحد. التطبيقات 1 - لو أقر، ثم ادعى الخطأ في الإقرار، وأراد أن يرجع عن إقراره السابق، فإنه لا يسمع منه ولا يصح. (الزرقا ص 475، الدعاس ص 61) . 2 - إذا ضمن شخص الدَرَك لمشتري الدار، ثم ادَّعى شفعة فيها أو ملكاً لها، فإنه لا يسمع منه، لأن ضمان الدرك للمشتري يتضمن بلا شك تقرير سلامة المبيع له، ودعواه الشفعة أو الملك فيها تنقضه، فلا تسمع. (الزرقا ص 475) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 3 - لو بادر شخص إلى اقتسام التركة مع الورثة، ثم ادعى بعد القسمة أن المقسوم ماله، فإنه لا تسمع دعواه (م/ 1656) . لأن إقدامه على القسمة فيه اعتراف منه بأن المقسوم مشترك للورثة. (الزرقا ص 475) . 4 - وكذلك لو تقاسم الورثة التركة، ثم ادعى أحدهم أنها ملكه، وأراد نقض القسمة، لا تسمع دعواه؛ لأن إقدامه على المقاحمة هو إقرار ضمني بحقوق من قاسمهم فيها. (الدعاس ص 61) . 5 - إذا باع شخص أو اشترى، ثم ادعى أنه كان فضولياً عن شخص آخر، وأن المالك أو المشتري لم يُجز العقد، لم يسمع منه ذلك الادعاء. (الزرقا ص 475، الدعاس ص 61) . 6 - لو تراكمت نفقة الزوجة المقضيُّ بها، أو المتراضى عليها، ولم تكن مستدانة بامر القاضي، فطلقها بائناً لتسقط النفقة المتراكمة في ذمته، لا لذنب منها، فإنه يرد قصده، ويرد سعيه عليه. والأمر ظاهر في هذا الفرع في صورة ما إذا كانت النفقة متراضىً عليها، وأما إذا كانت مقضياً بها فيمكن أن يقال: إنها تمت من جهته بعقد النكاح، فإن النفقة تجب بالعقد إذا لم تمنع نفسها عنه. (الزرقا ص 476) . 7 - لو باع أحد الشريكين في كرم حصته من شريكه بيعاً جائزاً أي بيعاً بالوفاء) ثم باعه من آخر باتاً حتى توقف على إجازة شريكه المشتري وفاءً، فأجاز شريكه، فهل لشريكه حق الشفعة؛ فعلى قول: ليس له ذلك، وذلك أن عدم ثبوت الشفعة له لكونه بدعوى الشفعة يكون ساعياً في نقض ملك المشتري الذي تم من جهته بالإجازة، فلا تسمع منه. (الزرقا ص 476) . المستثنى 1 - إذا كان العقد الذي تم من جهته له مساس بحق قاصر، أو وقف، فيجوز له نقضه، كما إذا باع الأب أو الوصي أو المتولي مال الصغير القاصر أو الوقف، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 ادعى وقوع غبن فاحش فيه، فإن دعواه تسمع. (الزرقا ص 477، الدعاس ص 61) . 2 - إذا اشترى شخص أرضاً، ثم ادعى أن بائعها كان جعلها مقبرة أو مسجداً، فإنه يقبل، لأن ذلك يمسُّ حقوق الجماعة. (الزرقا ص 477) . 3 - إذا اشترى الأب داراً لابنه الصغير، والأب شفيعها، كان للأب أن يأخذها بالشفعة عند الحنفية، مع أن إجازة مشتري الوفاء للبيع البات ليست بأقوى من مباشرة الأب الشراء لابنه الصغير لنفسه، مع أن الشريك المجيز ليس له الشفعة. والفرق أن المشتري بتاتاً في مسألة الشريك يتملك العقار بعد إجازة مشتري الوفاء بالاستناد إلى العقد السابق الحاصل قبل الإجازة، وبالإجازة يكون قد رضي بتملك ذلك المشترى، وبهذه الإجازة أسقط حقه بالشفعة. أما في مسألة الأب فإن حق الشفعة إنما يثبت له مع فراغه من إجراء عقد الشراء لابنه، فإذا طلب الشفعة مع تمام العقد بلا فاصل فلا يكون قد حصل منه رضاً بتسليم الشفعة بعد ثبوتها، وأما رضاه المستفاد من إقدامه على الشراء فلا عبرة به، لأنه إنما كان قبل ثبوت حق الشفعة، والحق قبل ثبوته لا يقبل الإسقاط. أو يقال: إن كلاً من إجازة الشريك وإقدام الأب على الشراء لابنه يفيد الرضا المسقط للشفعة، ولكن إجازة الشريك تفيد رضاه بعد ثبوت حق الشفعة له، لأن المشتري يملك المبيع بعد الإجازة بالعقد السابق. أما رضا الأب المستفاد من إقدامه على الشراء لابنه فإنما كان قبل ثبوت حق الشفعة له، لأن الشفعة تثبت بعد العقد. والحق لا يقبل الإسقاط قبل ثبوته، ولذا اشترطوا أن يكون طلب الأب للشفعة إثر الشراء بلا فاصل، فيقول: اشتريت وأخذت بالشفعة. (الزرقا ص 476) . 3 - لو اشترى العين المأجورة، أو العين المرهونة بدون إذن المستأجر أو المرتهن عالماً بأنها مأجورة، أو بأنها مرهونة، فإنه يبقى على خياره، كما هو الصحيح الذي عليه الفتوى، إن شاء فسخ البيع، وإن شاء انتظر انتهاء مدة الإجارة، أو فكاك الرهن، فهو في صورة اختياره فسخ البيع ساعٍ في نقض ما تمَّ من جهته، ولم يردّ عليه سعيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 والظاهر أن وجهه: أن الخيار - والحالة هذه - لم يجب بتملك البائع إياه لخيار الشرط، حيث يسقط بمفيد الرضا، بل وجب بإيجاب الشرع له كخيار الرؤية، ولذا لا يسقط بالإسقاط الصريح. (الزرقا ص 477) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 القاعدة: [88] البقاء أسْهَل من الابتداء (م/56) التوضيح البقاء: هو بقاء الحكم في خلال تنفيذه أو في أثنائه، والابتداء عند إنشاء الحكم وإيجاده، وإن بقاء الحكم هو استصحاب لوجوده وإنشائه، فيكون الأمر فيه أسهل من إيجاده لأول مرة. وهذه القاعدة هي أصل لقاعدة "يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء" (م/ 55) . وتجري الفروع والأحكام معاً فيهما، وقد تعتبر هذه القاعدة بمثابة تعليل للقاعدة المذكورة. التطبيقات 1 - إن هبة الحصة المشاعة فيما يحتمل القسمة كأرض وبستان لا تصح، لكن إذا وهب رجل أرضاً أو بستاناً من آخر، فاستحق من تلك الهبة حصهّ شائعة، لا تبطل الهبة في حق الباقي، مع أنه صار بعد الاستحقاق حصة شائعة، لأن البقاء أسهل من الابتداء، فيغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء. (الدعاس ص 62، الزرقا ص 293) . 2 - إن القضاء يتخصص بالزمان والمكان، فالحاكم المأذون بالحكم في مدة معينة لو حكم قبلها لا ينفذ حكمه، لكن لو أجاز ذلك الحكم في المدة المأذون فيها صح. (الدعاس ص 62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 3 - إن الوكيل بالبيع ليس له أن يوكل، لكنه لو باع فضولي، فأجازه صح ذلك. (الدعاس ص 62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 القاعدة: [89] إذا بطل الأصل يصار إلى البدل (م/53) الألفاظ الأخرى - بدل الشيء يقوم مقامه. - إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل. - البدل يسد مسد الأصل ويحل محله. - لا يجتمع البدل والمبدل منه. - الأصل لا يجتمع مع البدل. التوضيح إذا بطل الأصل بأن صار متعذراً فإنه يصار إلى البدل، لأنه يجب أداء الأصل ما دام ممكناً، ولا يصار إلى البدل، فيجب رد عين المغصوب إذا كان قائماً في يد الغاصب، لأنه تسليم عين الواجب، وهو الأصل على الراجح، لأنه ردّ صورةً ومعنى، وتسليم البدل رد معنى فقط، وهو مخلِّص وخلف عن الواجب، والخلف لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأصل. فإذا تعذر إيفاء الأصل بالفوات، أو التفويت فإنه يصار إلى البدل، وستأتي القاعدة مرة ثانية عند المالكية بلفظ "الأصل لا يجتمع مع البدل " أو "الأصل والبدل لايجتمعان ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 التطبيقات 1 - من غصب شيئاً فيجب رد عين المغصوب على الوجه الذي ورد عليه دون نقص أو تغيير، ما دامت العين قائمة، فإذا هلك المغصوب، أو تعذر رد الأصل بان كان هالكاً أو مستهلكاً فيجب حينئذ رد بدله من مثل أو قيمة (م/ 891) . (الزرقا ص 287، الدعاس ص 67، الندوي 7/551) . 2 - وكذا كل ما هلك من الوديعة والعارية، وما شأكل ذلك، بالتعدي أو التقصير، فإنه يرد بدله من مثل أو قيمة، لأنه لما تعذر الأصل صير إلى البدل. (الدعاس ص 67) . 3 - لو عقد الإجارة على شهر، فإن وقع العقد في ابتداء الشهر اعتبر الهلال، إذ هو الأصل، وإن عقد في أثناء الشهر تعذر اعتبار الأصل، وهو الهلال، فيصار إلى البدل وهو الأيام. 4 - لو باع بالوكالة عن المالك، وكان للمشتري دين على الموكل ودين على الوكيل، تقع المقاصة بدين الموكل دون دين الوكيل، فإذا لم يكن له دين على الموكل، بل كان دينه على الوكيل فقط، وقعت المقاصة به، ويضمن الوكيل للموكل، لأنه قضى دينه بماله. (الزرقا ص 287) . 5 - إن الغاصب إذا أعطى للمغصوب منه رهناً بعين المغصوب، ثم تلفت العين المغصوبة في يد الغاصب، فإن الرهن يكون حينئذ رهناً ببدلها من مثل أو قيمة. (الزرقا ص 288) . 6 - لو أعطى المسلم إليه لرب السلم رهناً بعين المسلم فيه، ثم انفسخ عقد السلم بوجه ما، فإن الرهن يصير رهناً برأس مال السلم الذي قبضه المسلم إليه. (الزرقا ص 288، الندوي 1/ 557) . 7 - يجب تسليم عين بدل الإجارة إذا كان عَرَضاً، فإذا هلك العَرَضُ قبل تسليمه يجب أجر المثل بالغاً ما بلغ. (الزرقا ص 288) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 8 - لو ادعى داراً، فقال ذو اليد: إنه وقف على الفقراء، وأنا متولٍّ عليه، صح إقراره، ويكون وقفاً، فلو أراد المدعي تحليفه ليأخذ الدار لو نكل لا يحلَّف اتفاقاً. ولو أراد تحليفه ليأخذ القيمة فعلى قياس قول محمد يحلفه، وإن نكل يأخذ منه القيمة، ويفتى بقول محمد. (الزرقا ص 288) . 9 - لو أقر بالدار لابنه الصغير، فإنه يستحلف لأخذ قيمتها منه. (الزرقا ص 288) . 10 - لو ادعى على الورثة عيناً كان وقفها مورثهم في صحته، فأقروا له، ضمنوا قيمة العين من التركة، ولا يبطل الوقف بإقرارهم، ولو أنكروا فله تحليفهم لأخذ القيمة، أما لو أراد تحليفهم لأخذ الوقف، فلا يمين له عليهم. والوجه في هذا أن الورثة إذا كان إقرارهم للمدعي بالملكية لا يكفي لأن يلغو الوقف، ويأخذ المدعي العين الموقوفة، فإن نكولهم عن اليمين لا يكفي لأخذ الوقف بطريق الأولية، إذ النكول عن اليمين ليس أقوى من الإقرار، فلا بدَّ للحكم ببطلان الوقف من أن يثبت المدعي دعواه الملكيهَ بالبيِّنة، وفقاً للقاعدة في دعاوى الاستحقاق. (الزرقا ص 288) . 11 - لو كان رأس مال السلم قيمياً كالحيوان، فقبضه المسلم إليه فهلك في يده ثم تقايلا، أو تقايلا ثم هلك، صحت الإقالة، وعليه قيمته لرب السلم. ففي هذه المسائل صير فيها إلى البدل عند عدم إمكان الأصل. (الزرقا ص 289) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 القاعدة: [90] الساقط لا يعود كما أنَّ المعدوم لا يعود (م/51) التوضيح إن كل الحقوق والواجبات التي تقبل السقوط بسبب مسقط للحق، فإنه لا يعود بعد سقوطه، ويصبح معدوماً، فلا يعود كما لا يعود المعدوم. لكن هناك حقوقاً غير قابلة للسقوط أصلاً، فتبقى كما هي، كحق الفسخ للعقد الفاسد، وحق الرجوع في الهبة، وحق الاستحقاق في الوقف، وحق الوكيل في القيام بما وكل به، وحق المستعير في الانتفاع بالعارية، وحق الإدخال والإخراج في الوقف لمن شرط له من واقف أو غيره، وحق خيار الرؤية، وحق تحليف اليمين المتوجهة على أحد المتداعيين. التطبيقات 1 - لو كان الثمن غير مؤجل، وسلم البائع المبيع قبل قبض الثمن، فإنه يسقط حقه في حبس المبيع، لأجل استيفاء الثمن، وليس له استرداده بعد ذلك وحبسه ليستوفي الثمن، وإنما له ملاحقة المشتري بالثمن. وكذلك لو قبضه المشتري، والحالة هذه، بمرأى من البائع، ولم ينهه، والبيع بات، فإنه يسقط حقه في الحبس للمبيع، أما لو كان البيع وفاءً فلا يسقط حق الحبس قياساً واستحساناً وله أن يسترده ليحبسه بالثمن. (الزرقا ص 265، الدعاس ص 68) . 2 - لو أبرأ الدائن مدينه من الدين، فقبل أو سكت، ولم يرد، سقط الدين، فلا يمكن استعادته إذا ندم الدائن، ولا تسمع دعواه، وإن أقر به المدين بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 لكن لو ادعى المدين الإبراء، وأنكره الدائن، وقال: إنك أقررت بالدين بعد التاريخ الذي ادّعيت الإبراء فيه، تسمع دعواه بإقرار المدين. (الزرقا ص 266، الدعاس ص 68) . 3 - إذا تنجست الأرض، ثم جفت فطهرت، ثم نام عليها إنسان وعرق بدنه اللاصق جها لا يتنجس، وكذا إذا بلت بالماء لا تعود النجاسة، لأنها سقطت بالجفاف، والساقط لا يعود. (الدعاس ص 68) . 4 - إن الورثة إذا أجازوا الزائد على الثلث سقط حقهم المتعلق بالزائد. (الدعاس ص 68) . 5 - إذا كان الأجير له حق حبس العين، بأن كان لعمله أثر فيها. (والأثر ما كان عيناً قائمة) كالخياط والصباغ، إذا سلمها حقيقة. أو سلمها حكماً بأن عمل في بيت استأجره، سقط حقه في الحبس. (الزرقا ص 266) . 6 - حق المرتهن في حبسه الرهن إذا أسقطه يسقط. (الزرقا ص 266) . 7 - من كان له خيار الرؤية إذا تصرف بالمبيع تصرفاً يوجب حقاً للغير، كالإجارة والبيع بدون رضاء له، وكالهبة والرهن مع التسليم، فإن خياره يسقط، وإن كان ذلك قبل الرؤية عند أبي يوسف، وهو الأصح. وكذلك لو كان أرضاً بيعت بخيار فاذن للأكار بزرعها، ولو بطريق العارية. فزرعها سقط خياره. وأما ما لا يوجب حقاً للغير، كهبة ورهن بلا تسليم، وبيع وإجارة بخيار له. وعرض المبيع للبيع، وإعارته، وطلب الشفعة به، فإنه يسقط الخيار بعد الرؤية لا قبلها، كقبضه ونقد الثمن. (الزرقا ص 266) . 8 - من كان له حق المرور أو التسييل في ملك الغير فأسقطه صريحاً، أو أذن لمالك الرقبة أن يبني في الممر أو المسيل فإنه يسقط حقه، بخلاف ما إذا كان مالكاً لرقبة الممر أو المسيل، وأسقط حقه عنه، فإنه لا يسقط. (الزرقا ص 266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 9 - لو ردت شهادته لعلة غير العمى والصغر والكفر والرق، ثم زالت العلة فأعادها لا تسمع. (الزرقا ص 266) . 10 - الموصى له بالمنفعة إذا أسقط حقه منها سقط ولا يعود. (الزرقا ص 266) . 11 - من كان له حق الشفعة، أو خيار الشرط، أو خيار العيب، أو حق القصاص، إذ أسقط حقه سقط. (الزرقا ص 267) . 12 - لو كان لشخص على آخر دين مؤجل، فاشترى منه به شيئاً، فإن الأجل يسقط، ومتى سقط شيء من جميع ما سبق لا يعود. (الزرقا ص 267) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 القاعدة: [91] لا يتم التبرع إلا بالقبض (م/57) التوضيح إن التبرع كالهبة، والهدية، والصدقة، وما أشبه ذلك لا بدَّ فيه من القبض، حتى يتم التبرع، فلو رجع الواهب مثلاً قبل القبض لم تلزم الهبة، وله ذلك، ولو توفي الواهب أو الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة. والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجوز الهبة إلا مقبوضة ". ولما روي عن السادات أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا تتم الصدقة إلا بالقبض، ولأن عقد التبرع لو تمَّ بدون قبض لثبت للمتبرع عليه مطالبة التبرع بالتسليم فيصير عقد ضمان، وهو تغيير للمشروع، ولأن التبرع بدون مقابل، ولا عوض. ولا فرق في اشتراط القبض لتمام التبرع بين ما كان تبرعاً ابتداء وانتهاء كالهدية والصدقة. (والفرق بين الصدقة والهبة أن الهبة يشترط لها ألا تكون شائعة قابلة للقسمهَ، وفي الصدقة لا يشترط ذلك إذا كانت بين اثنين، كما لو تصدق على اثنين مشاعاً) والهبة بلا شرط عوض، وبين ما كان تبرعاً ابتداء معاوضة انتهاءً، كالهبة بشرط العوض، والقرض، والرهن، فإن القبض شرط لتمام جميعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 فإذا وجد القبض مستوفياً شروط صحته تمت تلك العقود التبرعية، وإلا فلا. وشروط القبض ما يلي: 1 - أن يكون القبض بإذن المالك صريحاً، نحو: اقبضه، أو أذنت لك بالقبض، أو رضيت، وما شاكل ذلك، فيجوز قبضه ولو بعد الافتراق، أو يكون القبض بإذن المالك دلالة، وذلك أن يقبض العين في المجلس ولا ينهاه، إذا كانت العين لا تحتاج إلى الفصل عن غيرها، فلو كانت تحتاج إلى الفصل عن غيرها كالثمر على الشجر، والصوف على الغنم، والحلية على السيف، والقفيز من الصبرة، ففصلها وقبضها بدون إذنه الصريح، لم يجز القبض، سواء كان الفصل والقبض بحضرة المالك أو لا. 2 - أن يكون المقبوض غير مشغول وقت القبض بغيره، وإن كان شاغلاً يصح، كما لو وهب الحِمْل على الدابة، أو الحنطة في الجوالق، ونحو ذلك، فلو وهب دابة عليها حمل، أو داراً فيها متاع الواهب، وسلمها مع الشاغل لم يجز القبض، بخلاف متاع غير الواهب، فإنه لا يمنع صحة القبض. 3 - ألاَّ يكون المقبوض متصلاً بغيره اتصال الأجزاء، لأنه حيئذ في معنى المشاع. فلو وهب الزرع دون الأرض، أو الأرض دون الزرع، أو الثمر دون الشجر، أو الشجر دون الثمر، وسلمها جميعها لم يجز القبض. 4 - أن يكون المقبوض محلاً للقبض، فلو وهب ما في بطن غنمه، أو ضرعها، أو سمناً في اللبن، أو حلاً (شيرجاً) في سمسم، أو زيتاً في زيتون، أو دقيقاً في حنطة، لم يجز القبض، وإن سلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك. 5 - أن يكون القابض أهلاً، فلا يجوز قبض المجنون والصغير الذي لا يعقل. 6 - أن يكون هناك ولاية لمن يقبض بطريق النيابة، فيقبض للصغير أبوه، أو وصيه، أو جده أبو أبيه، أو وصي جده، سواء كان الصغير في عيالهم أو لا، ويجوز قبض غير هؤلاء مع وجود واحد منهم إن كان الصغير في عيال من يريد القبض، ولو زوجاً لصغيرة، ولا يجوز قبض من ليس الصغير في عياله، ولو ذا رحم محرم منه. على ما عليه الفتوى من قولين مصححين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 التطبيقات مرت التطبيقات في التوضيح والشروط. (الزرقا ص 299 - 330، الدعاس ص 68) . المستثنى الوصية: فإنها تبرع، وتتم بدون قبض. (الزرقا ص 307) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 القاعدة: [92] تبدل سبب الملك كتبدل الذات الألفاظ الأخرى - تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات (م/98) . - تبدل الملك كتبدل العين. - اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان. التوضيح إن "تبدل سبب الملك " أي علته "قائم مقام تبدل الذات " ويعمل عمله، فإن تبدل السبب يعني تبدل الشيء المملوك. والأصل في ذلك ما ورد صحيحاً في لحم أهدته بريرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: إنه تُصدق به عليها، فقال: "هو عليها صدقة، ولنا هدية " فأقام - صلى الله عليه وسلم - تبدل سبب الملك من التصدق إلى الإهداء، فيما هو محظور عليه، وهو الصدقة، مقام تبدل العين. وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوماً على بريرة مُعتَقة عائشة رضي الله عنها، فقدمت إليه تمراً، وكان القِدر يغلي من اللحم، فقال عليه الصلاة والسلام: "ألا تجعلين لي نصيباً من اللحم؟ " فقالت: يا رسول الله، إنه لحم تصدق به عليَّ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لك صدقة، ولنا هدية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 يعني إذا أخذتِهِ من المالك كان صدقة عليكِ، وإذا أعطيتِهِ إيانا يصير هدية لنا، فعلم أن تبدل الملك يوجب تبدلاً في العين. التطبيقات 1 - لو اشترى من آخر عيناً، ثم باعها من غيره، ثم اشتراها من ذلك الغير، ثم اطلع على عيب قديم فيها كان عند البائع الأول، فليس له أن يردها عليه، لأن هذا الملك الآن غير مستفاد من جانبه، فإن تبدل سبب الملك الجديد بالشراء الثاني جعله كأنه غير المبيع الأول. (الزرقا ص 467، الدعاس ص 69) . 2 - لو وهب لغيره العين الموهوبة له، ثم عادت إليه بسبب جديد بأن باعها منه، أو تصدق بها عليه، فأراد الواهب أن يرجع بهبته، لا يملك ذلك. (الزرقا ص 69) . 3 - لو باع عقاراً لغيره، وكان له شفيع، فسلم الشفيع الشفعة للمشتري، ثم تقايل البائع مع المشتري البيع، فللشفيع أن يأخذ العقار من البائع بالشفعة، حيث كان عوده إليه بسبب جديد، وهو الإقالة، لأنها بيع جديد في حق ثالث، والشفيع هنا ثالثهما. (الزرقا ص 469) . وكذلك لو اشتراه البائع من المشتري كان للشفيع أخذه بالأولى. (الزرقا ص 469) . 4 - لو تصدق رجل على قريبه، فمات المتصدق عليه، وعادت الصدقة إليه بالوراثة، ملكها، وما ضاع ثوابه. (الدعاس ص 69) . 5 - لو قبل الفقير الزكاة، وأخذها، ثم وهبها لغني، حل له ذلك المال. (الدعاس ص 69) . المستثنى لو اشترى رجل من رجل داراً وقبضها، ثم باعها من غيره، ثم اشتراها منه ئانياً، ثم استحقت الدار من يد المشتري، فإن له أن يرجع على البائع الأول بالثمن. (الزرقا ص 467) . لكن ورد استشكال على هذا الاستثناء من وجهين، حاصل الأول: أن ظاهر الرواية أنه إذا استحق المبيع لا يرجع أحد من الباعة على بائعه بالثمن ما لم يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 عليه، فكيف يرجع هنا على بائعه، ولم يرجع عليه المشتري منه. وحاصل الثاني: أنه نقل في فرع الرد بالعيب تعليل، وهو: بأنه لو رده عليه كان للمردود عليه أن يرده عليه ثانية، لأنه اشتراه منه فلا يفيد الرد، وليس له أن يرده على البائع الأول أيضاً، لأن هذا الملك غير مستفاد من جهته، وأنه ينبغي على قياس هذا أن يكون الحكم في فصل الاستحقاق كالحكم في فصل الرد بالعيب، ويجوز أن يكون بين الاستحقاق وبين الرد بالعيب فرق. ولعل الفرق هو أنه بالاستحقاق ظهر أن البائع باع وسلم ما ليس ملكاً له، وهذا البيع والتسليم له شبهان، فهو يشبه من جهته بيع الفضولي بدليل ما نصوا عليه في باب الاستحقاق من أنه بالقضاء للمستحق لا تنفسخ البياعات على الأصح ما لم يفسخ المستحق، أو يُقضى على البائع بالثمن للمشتري، أو يرض البائع برد الثمن له. وعللوه بأنه بيع فضولي يحتمل الإجازة، وهو يشبه من جهة أخرى الغصب، بدليل ما نصوا عليه في باب الغصب من أن البيع والتسليم يوجب الضمان ولو كان المبيع عقاراً على الأصح، ومن جهة كونه غصباً يكون المشتري بمنزلةْ غاصب الغاصب. ويكون المبيع واجب الرد، وإذا كان واجب الرد شرعاً فبأي جهة وقع الرد يكون أداءً لذلك الواجب، كالمبيع فاسداً والمغصوب، إذا باعه المشتري من بائعه، أو باعه الغاصب من مالكه، أو وهبه إياه، يكون رداً بحكم الفساد الواجب عليه رفعه. وغاصب الغاصب يبرأ برد العين المغصوبة على الغاصب، أو برد بدلها عليه إذا هلكت، كما يبرأ بالرد على المغصوب منه، وعليه فيكون بيع المشتري الأخير المبيع للمشتري الأول يعتبر بعد ظهور كونه مستحقاً رداً على الغاصب، لا بيعاً، لما له من شبهة الغصب، وإذا كان رداً لم يكن مستفيداً للملك من جهة غير البائِع، فيرجع عليه بالثمن، بخلاف الرد بالعيب فإن شراء المشتري فيه للمبيع المعيب ثانيا من مشتريه هو شراء محض، والمبيع ليس له شبه الغصب حتى يمكن اعتباره رداً، فافترقا. (الزرقا ص 467 - 468) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 القاعدة: [93] المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط (م/83) التوضيح التعليق: هو التزام أمر لم يوجد في أمر يمكن وجوده في المستقبل، أو هو: ربط حصول مضمون جملة بحصول جملة أخرى، سواء كان الربط بإحدى أدوات الشرط، نحو: إن، " إذا، وإذ ما، وكلّ، ومتى، وكلما، ومتى ما، ولو، أو بما يقوم مقامها في إفادة الربط المذكور من نحو ظرف، أو حرف جر، غير لام التعليل، أو استثناء "بإلإ، أنَّ " إذا تقدمه ما لا يحتمل التوقيت، كالطلاق. كما لو قال: امرأته طالق إلا أن يقدم زيد مثلاً، فإنه يحمل على الشرط، فيصير كأنه قال: إن لم يقدم زيد فامرأته طالق. أما ما يحتمل التأقيت، كالأمر باليد، فإنه يكون للغاية، لا للشرط. ويشترط لصحة التعليق: كون الشرط المعلق عليه معدوماً في الحال، ممكن الوجود عادة في المستقبل، فالتعليق بالمحقق الوجود في الحال كإن كانت السماء فوقنا: تنجيز. وكذا التعليق باليمكن عقلاً، لا عادة، كإن لم أصعد السماء، وإن لم أقلب هذا الحجر ذهباً، فإنه تنجيز يحنث به للحال. والتعليق بالمستحيل الوجود، كإن دخل الجمل في سَمِّ الخياط، لغو وباطل والأمور التي يرد عليها التعليق بالشرط ثلاثة أنواع: الأول: ما يصح تعليقه بمطلق الشرط، ملائماً أو غير ملائم، وهي الإسقاطات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 المحضة التي يحلف بها، كالطلاق والعتاق، فإن كلاً منهما يصح تعليقه بالشرط مطلقاً ملائماً كان، كقوله لزوجته: إن أسات إليَّ فأنت طالق، أو غير ملائم، كما إذا علق طلاقها بدخول الدار مثلاً، فإن المعلق في كل ذلك ينزل، ويثبت عند ثبوت الشرط. وتقييد الإسقاطات "بالمحضة " لإخراج غير المحضة، وهي ما فيها تمليك من وجه كالإبراء، فإن التعليق بالشرط يبطله. وتقييد الإسقاطات "بالتي يحلف بها" لإخراج ما لا يحلف به منها، وذلك كإسقاط الشفعة ولو بعد ثبوتها، فلو علقه بغير كائن لا يصح تعليقه، ويبقى على شفعته. الثاني: ما يصح تعليقه بالشرط الملائم فقط، وهو ما يؤكد موجب العقد، وذلك كالإطلاقات والولايات. فالإطلاقاث: كالإذن بالتجارة، والإذن بالخروج فيما لو حلف على زوجته ألا تخرج إلا بإذنه، والإذن من قبل البائع للمشتري إذا باعه الموجود من الثمر، وأذن له بأكل ما لم يظهر.. والولايات: كالقضاء، والإمارة، فإن كلاً منهما يصح تعليقه بالملائم من الشروط، كقول الرجل لابنه: إن بلغت رشيداً فقد أذنت لك بالتجارة، وكقول الحالف لزوجته: كلما خرجت أذنت، وكقول بائع الثمر للمشتري بعد أن أذن له بأكل ما سيظهر من الثمر إذا خاف المشتري أن يرجع عن الإذن: كلما رجعت عن الإذن فأنت مأذون بالأكل، لكن مشت المجلة (م/ 207) ع لى قول الحلواني في هذه المسألة، من أن البيع صحيح في المعدوم تبعاً للموجود، وكقول الإمام: إن شغرت الولاية الفلانية فقد وليتك إياها. ومما يصح تعليقه بالملائم: الكفالة والإبراء، كقوله: إن استحق المبيع فأنا كفيل بالثمن، وقوله: إن غاب المدين أو مات ولم يدع شيئاً فأنا كفيله، وقوله: إن قدم فأنا كفيله، وكقوله: إن وفيت به غداً فأنت بريء. والثالث: ما لا يصح تعليقه بالشرط مطلقاً، وهو المعاوضات المالية، كالبيع والشراء والإجارة والقسمة والصلح عن مال بمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وكذا التمليكات، كالهبة. فالمعلق بالشرط من الأمور السابقة التي يصح تعليقها بالشرط يجب ثبوته ووجود المعلق عند ثبوت الشرط ووجوده، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون عند شروطهم " أو "على شروطهم " وفي رواية "المؤمنون عند شروطهم ". التطبيقات 1 - لو قال شخص لشخص دائن: إن سافر مدينك اليوم، أو إن لم يعد من سفره اليوم، فأنا كفيل بدينك الذي لك عليه، فإنَّ سفر المدين، أو عدم عودته من سفره. يصبح شرطاً لثبوت الكفالة على القائل، فلا يعتبز كفيلاً ملتزماً بأداء الدين ما لم يتحقق ذلك الشرط الذي شرطه للكفالة. (الدعاس ص 70) . 2 - لو قال شخص: إن استحق المبيع فأنا كفيل بالثمن، أو قال: إن غاب المدين أو مات، ولم يدع شيئاً فأنا كفيله، أو قال: إن قدم فأنا كفيله، أو قال: إن وفيت به كداً فأنت بريء، فإذا تحقق الشرط يثبت المشروط. (الزرقا ص 417) . المستثنى الوصية إذا علقت بالموت فإنها تصح، على خلاف القياس في عدم صحة تعليق المعاوضات المالية بالشرط مطلقاً. (الزرقا ص 417) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 القاعدة: [94] المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة (م/84) التوضيح الأصل في الوعد أنه لا يُلزم صاحبه قضاء، وإنما كان الوفاء به مطلوباً ديانة، فلو وعد شخص آخر بقرض أو ببيع أو بهبة. . إلخ، فليس للموعود أن يجبر الواعد على تنفيذ وعده بقوة القضاء. غير أن الفقهاء لحظوا أن الوعد إذا صدر معلقاً على شرط فإنه يخرج عن معنى الوعد المجرد، ويكتسي ثوب الالتزام والتعهد، فيصبح عندئذ ملزماً لصاحبه، وذلك فيما يظهر اجتناباً لتغرير الموعود بعدما خرج الوعد مخرج التعهد، ولذلك قال ابن نجيم: "لا يلزم الوعد إلا إذا كان معلقاً". فالمواعيد تصدر من الإنسان فيما يمكن ويصح الالتزام له شرعاً، فإذا صدرت منه بصورة التعليق أي بأن كانت مصحوبة بادوات التعليق الدالة على الحمل أو المنع، تكون لازمة، لحاجة الناس إليها. وهذه القاعدة فرع عن قاعدة "المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط " (م/ 82) . وإذا صدرت بغير صورة التعليق لا تكون لازمة لعدم وجود ما يدل على الحمل والمنع، بل تكون مجرد وعد، وهو لا يجب الوفاء به قضاء. ولا فرق في لزوم الوعد المعلق المذكور بين أن يصدر في مجلس العقد المذكور أو بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 التطبيقات 1 - لو قال شخص لآخر: بع هذا الشيء لفلان، وإن لم يعطك ثمنه، فأنا أعطيه لك، فباعه منه، ثم طالبه بالثمن فلم يعط المشتري للبائع بعد المطالبة له، بأن امتنع من الدفع، أو لم يمتنع، ولكن أخذ في المماطلة، لزم على القاثل أداء الثمن المذكور للبائع، بناء على وعده المعلق، أما قبل المطالبة فلا يلزم القائلَ شيء، والظاهر أن تقدم قوله: بيع هذا الشيء لفلان، وما أشبهه، ليس بشرط لصحة الالتزام، فلو قال: إن لم يعطك فلان مطلوبك فأنا أعطيك كان كفيلاً (م/623) . ولم يشترط فيه أن يقول؛ أقرضه مثلاً. (الزرقا ص 425، الدعاس ص 70) . 2 - لو قال كفيل النفس: إن لم أوافك بمدينك فلان غداً فأنا أدفع لك دينه، فلم يوافه به لزمه الدين، إلا إذا عجز عن الموافاة بغير موت المدين أو جنونه، أما لو عجز بأحدهما عن الموافاة به فالكفالة لازمة له. (الزرقا ص 426) . 3 - لو قال للمعير أو المودِع (بالكسر) : إن أضاع أو استهلك المستعير أو الوديع العارية أو الوديعة، فأنا أؤدي ضمانها، فأضاعها أو استهلكها لزمه الضمان، بناء على وعده المعلق. (الزرقا ص 426) . 4 - لو باع العقار بغبن فاحش، ثم وعد المشتري البائع بأنه إن أوفى له مثل الثمن يفسخ معه البيع، صح ولزم الوفاء بالوعد. (الزرقا ص 426) . المستثنى 1 - إذا كان الوعد "فيما يمكن ويصح التزامه له شرعاً بصورة التعليق " يكون لازماً، وخرج ما لا يصح التزامه شرعاً، كضمان الخُسران، كما إذا قال: اشتر هذا المال، وإن خسرت فيه، فأنا أؤدي لك ما تخسره، فاشتراه وخسر، فإنه لا يرجع عليه بشيء. (الزرقا ص 426) . 2 - لو تبايعا بثمن المثل بيعاً باتاً، ثم بعد ذلك أشهد المشتري أنه، أي البائع، إن دفع له نظير الثمن بعد مدة كذا يكن بيعه مردوداً عليه ومُقالاً منه، فإن الإشهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 المذكور وعد من المشتري فلا يجبر عليه حيث كان البيع بثمن المثل، مع أنه كما ترى معلق بالشرط. وذلك لأن ظاهر هذه القاعدة أنها مطلقة عامة في كل وعد أتى بصورة التعليق. والظاهر خلافه، فإنهم لم يفرعوا عليها غير مسألتي البيع والكفالة المتقدمتين، ولم يظهر بعد التتبع ثالث لهما. (الزرقا ص 426) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 القاعدة: [95] يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان (م/83) التوضيح يلزم مراعاة الشرط الجائز بالوفاء به، بقدر الإمكان أي بقدر الاستطاعة، ولا يلزم ما فوق الاستطاعة، فلو قال المودِع للمودع عنده: أمسكها بيدك ولا تضعها ليلاً ولا نهاراً، فوضعها في بيته، فهلكت لم يضمنها، لأن ما شرط عليه ليس في وسعه عادة. وإنما تكون الشروط معتبرة بقدر الإمكان إن لم تخالف قواعد الشريعة في نظام العقود، بأن يكون من مقتضى العقد، أو مؤيداً لمقتضاه، أو كان متعارفاً عليه، فإن خالفت الشروط قواعد الشريعة كانت فاسدة أو ملغاة. والأصل في مراعاة الشروط قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً أحلَّ حراماً، أو حرَّم حلالاً" وورد في الحديث عن أنس وعائشة رضي الله تعالى عنهما، عنه - - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك ". والمراد بالشرط هنا المقيد به، المعرف بأنه: التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة، لا المعلق عليه الذي هو: التزام أمر لم يوجد في أمر يمكن وجوده في المستقبل، والفرق بينهما أن المعلق بالشرط عُدِم قبل وجود الشرط، لأن ما توقف حصوله على حصول لشيء يتأخر بالطبع عنه، بخلاف المقيد بالشرط فإن تقييده لا يوجب تأخره في الوجود عن القيد، بل سبقه عليه، كما هو ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 التطبيقات 1 - لو قال المودِح للمودع عند الوديعة: بشرط ألا تخرج بها من بلدك، فهو شرط مقيد، ويمكن، فإن خرج بها إلى بلد آخر كان ضامناً. (الدعاس ص 71) . 2 - باع شخص بشرط أن يحبس المبيع إلى أن يقبض الثمن، فهذا شرط يوافق مقتضى العقد، فيصح ويلزم مراعاته. (الدعاس ص 71، الزرقا ص 419) . 3 - باع شخص بشرط أن يرهن المشتري عند البائع شيئاً معلوماً، أو أن يكقل له بالثمن هذا الرجل، صح البيع والشرط، لأن الشرط يلائم مقتضى العقد. (الدعاس ص 71، الزرقا ص 419) . 4 - اشترى ثريا كهرباء بشرط أن يعلقها البائع في مكانها، أو بشرط أن تكون معها صحونها أو بلوراتها، صح الشراء والشرط، لأنه شرط متعارف عليه. (الدعاس ص 71) . 5 - اشترى منه فرساً بشرط: أصله كذا مما يرجع إلى صفة المبكل، أو باع بشرط أن تكون الدراهم بيضاً أو معجلة أو مؤجلة، مما يرجع إلى صفة البدل، أو بشرط أن يحيل المشتري البائع على غيره، مما يرجع إلى التوثيق كالرهن والكفالة، فالعقد صحيح والشرط لازم، لأنه يلائم العقد. (الزرقا ص 419 - 420) . 6 - اشترى نعلاً بشرط أن يشركها البائع، صح الشراء والشرط، لأن الشرط جرى به العرف. (الزرقا ص 420) . 7 - اشترى بشرط خيار الشرط ونحوه من الخيارات، فالشرط صحيح، لأنه ورد الشرع بجوازه، ويجب مراعاة الشروط السابقة. (الزرقا ص 420) . المستثنى 1 - لو قال المودِع للمودع عنده: أمسك الوديعة بيدك، ولا تضعها ليلاً ولا نهاراً، فوضعها في بيته، فهلكت لم يضمنها، لأن ما شرطه عليه ليس في وسعه عادة. (الدعاس ص 71) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 2 - باع دابة وشرط أن يركبها شهراً مثلاً، أو آجر العقار بكذا بشرط أن يقرضه المستأجر كذا، كان الشرط فاسداً ومفسداً للعقد، لأنه ليس من مقتضياته، وفيه نفع لأحد المتعاقدين، وضابط الشرط المفسد: هو ما تضمن منفعة زائدة على مقتضى العقد في المعاوضات المالية. (الدعاس ص 72، الزرقا ص 420) . 3 - لو قال: بعتك هذا المتاع على ألا تبيعه لأحد، صح البيع، ولغا الشرط لأنه مخالف لمقتضى البيع. (الدعاس ص 72) . 4 - لو قال: تزوجتك على ألا يكون لك مهر، صح النكاح وبطل الشرط ووجب مهر المثل، وإنما صح العقد لأنه ليس فيه نفع لأحد المتعاقدين على حساب الآخر، ولغا الشرط لأنه مخالف للشرع. (الدعاس ص 72) . 5 - لو شرط في عقد النكاح تأجيل كل المهر، ولم يشترط الدخول بالزوجة قبل القبض، فللزوجة أن تمنع نفسها عن الزوج حتى تقبض المهر في رواية عن أبي يوسف استحساناً، وبه يفتى، وهو استثناء من صفة البدل المؤجلة (الزرقا ص 423) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 القاعدة: [96] الجواز الشرعي ينافي الضمان (م/91) التوضيح إن كل ما جاز للإنسان أن يفعله شرعاً، فإذا ترتب على فعله ضرر أو خسائر، لا يضمن للمنافاة بين الجواز الشرعي والضمان. وإن الجواز الشرعي يفيد كون الأمر مباحاً، سواء أكان فعلاً أو تركاً، فلا ضمان بسبب التلف الحاصل بذلك الأمر. ولكن يشترط ألا يكون ذلك الأمر الجائز مقيداً بشرط السلامة. وألا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه، لأن الضمان يستدعي سبق التعدي، والجواز الشرعي ياب وجوده فتنافيا، فالجواز الشرعي إذا كان مطلقاً فإنه ينافي الضمان، وإلا فلا مانع من الضمان. وهذه القاعدة تشبه قاعدة الشافعية الآتية "الرضا بالشيء رضاً بما يتولد عنه ". التطبيقات 1 - لو حفر إنسان بئراً في ملكه الخاص به، أو في طريق العامة ولكن بإذن ولي الأمر، فوقع فيها حيوانُ رجل، أو وقع فيها إنسان فهلك، لا يضمن حافر البئر شيئاً، فحفر البئر فعل مباح. (الزرقا ص 449، الدعاس ص 72) . 2 - لو خالف في حفظ الوديعة، أو استعمال المأجور إلى ما هو مساوِ، كما إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 قال: احفظها في البيت الفلاني من دارك، فحفظها في بيت آخر مثله فسها، أو استأجر الدابة ليحملها كراً معيناً من حنطة مثلاً، فحملها كراً من حنطة أخرى. أو خالف إلى ما هو خير، كما إذا حفظ الوديعة في بيت أحصن من الذي عينه، أو استأجر الدابة ليحملها كر حنطة فحملها كر شعير أوسمسم، فتلفت الوديعة أو العين المستأجرة، فلا ضمان عليه في شيء من ذلك. (م/ 5 0 6، 784، 923) وهذا فعل مباح أيضاً. (الزرقا ص 449، الدعاس ص 72) . فإن حملها أكثر من المعتاد فإنه يضمن لأنه غير جائز شرعاً. 3 - لو أخذ الوكيل بالبيع رهناً بثمن ما باعه فهلك الرهن لا يضمن للموكل، وسقط الدين عن المشتري إذا كان مثل الثمن (م/ 1555) وهذا فعل مباح. (الزرقا ص 450) . 4 - لو حبس الأجير العين التي لعمله فيها أثر لأجل الأجرة فهلكت في يده، لا يضمن العين، وسقط الأجر لهلاكها قبل التسليم للمستأجر. (الزرقا ص 450) . 5 - لو فسخت الإجارة، فحبس المستأجر العين المأجورة لقبض ما كان عجله من الأجرة، فهلكت العين في يده، لا يضمن، ولا يسقط ما عجله. (الزرقا ص 450) . 6 - لو أنفق الملتقط بأمر القاضي ليرجع بما أنفق على صاحبها، ثم طلبها ربها فمنعها منه ليأخذ النفقة فهلكت بعد منعه لا يضمن، ولا تسقط النفقة على المعتمد. وذلك لأن كل ما ذكر فعل من الأعمال الجائزة، والجواز الشرعي ينافي الضمان. (الزرقا ص 4505، الدعاس ص 72) . 7 - إذا امتنع الوكيل بالبيع أو الشراء عن فحل ما وكل به حتى هلك في يده المبيع أو الثمن، أو امتنع المضارب عن العمل في رأس مال المضاربة بعد أن قبضه حتى هلك في يده، أو أخر إنسان عنده المال المدفوع إليه ليوصله إل آخر، أو ليقضي به دين الدافع حتى هلك عنده، فإنه لا ضمان عليهم، لأن امتناع من ذكر جائز، وهو المباح بالترك. والجواز الشرعي ينافي الضمان. (الزرقا ص 450) . 8 - لو تلف بمروره بالطريق العام شيء، أو أتلفت دابته بالطربق العام شيئاً بيدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 أو همها، وهو راكبها، أو سائقها، أو قائدها، فيضمنه، لأن مروره ذلك وإن كان مباحاً لكنه مقيد بشرط السلامة، ولم يتحقق الشرط (م/ 6 92، 923، 933) . (الزرقا ص 450) . 9 - يضمن المضطر لأكل طعام الغير، قيمة طعام الغير، إذا أكله لدفع الهلاك عن نفسه، لقاعدة "الاضطرار لا يبطل حق الغيردا (م/33) . مع أن أكله جائز، بل واجب، لأنه يشترط ألا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه. (الزرقا ص 450، الدعاس ص 72) . 10 - لو هدم شخص دار جاره وقت الحرق لمنع سريان الحريق، بغير إذن ولي الأمر، وبغير إذن صاحبها، فإنه يجوز له ذلك، ويضمن قيمتها معرضة للهلاك (م/ 919) ، لأنه فعل ذلك الهدم لأجل نفسه. (الزرقا ص 451) . المستثنى خرج عن القاعدة مسائل، منها: 1 - أن الوكيل بالشراء له حبس المبيع عن موكله، حتى يقبض منه الثمن، ولكن لو هلك المبيع في يده، والحالة هذه، يلزم الوكيل الثمن (م/ 1492) . (الزرقا ص 452) . 2 - لو استغل أحد الشريكين في الكرم أثماره، وباعها حين غيبة شريكه فإن عمله هذا جائز، ولكن إذا حضر شريكه فهو مخير بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، وبين أن يضمنه حصته (م/1086) . (الزرقا ص 452) . 3 - لو مات رفيقه في السفر ولا قاضي، فله بيع أمتعته وحفظ ثمنها لورثته. والورثة بالخيار بين أن يجيزوا البيع ويأخذوا الثمن، أو أن يأخذوا ما وجدوا. ويضمنوا ما لم يجدوا. (الزرقا ص 452) . 4 - لو تصدق الملتقط باللقطة بعد تعريفها زمناً كافياً، ثم جاء صاحبها، فهو بالخيار بين أن يجيز تصدقه أو يضمنه. (الزرقا ص 452) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 5 - لو وقع حريق في محلة، فهدم رجل بيت جاره لمنع ص يان الحريق بلا إذن الجار أو ولي الأمر، ثم انقطع الحريق، ضمن قيمتها، وهي في حالة الحريق، لا كاملة. ولا يكون آثماً في فعله على كل حال (المادة/919) . (الزرقا ص 452) . وأسباب الضمان أربعة: عقد، ويد، وإتلاف، وحيلولة، والضمان له أحكام كثيرة، وكتبت فيه نظريات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 القاعدة: [97] الغُرْمُ بالغُنْم (م/87) الألفاظ الأخرى - من له الغنم عليه الغرم. - الغنم بالغرم. التوضيح الغرم: هو ما يلزم المرء لقاء شيء، من مال أو نفس. والغنم: هو ما يحصل له من مرغوبه من ذلك الشيء. وأفادت هذه القاعدة عكس القاعدة الأخرى "الخراج بالضمان، (م/ 85) . أي أن التكاليف والخسارة التي تحصل من الشيء تكون على من يستفيد منه شرعاً. ولا فرق في الغرم بين أن يكون مشروعاً كما سيرد في التطبيقات. أو أن يكون غير مشروع، كالتكاليف الأميرية التي تطرح على الأملاك، فإنها على أربابها بمقابلة سلامة أنفسهم، ولا شيء من هذه على النساء والصبيان، لأنه لا يتعرض لهم. التطبيقات 1 - إن نفقة رد العارية إلى المعير يلتزم بها المستعير؛ لأن منفعة العارية له، فيغرم نفقة ردها. (الدعاس ص 73) . 2 - إن كلفة رد الوديعة على المودع، لأن الإيداع لمصلحته. (الدعاس ص 74) . 3 - إن أجرة كتابة صك المبايعة والحجج على المشتري، لأنها توثيق لانتقال الملكية إليه وانتفاعه بها. (الدعاس ص 74، الزرقا ص 438) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 4 - إن نفقة ومؤونة تعمير الملك المشترك وترميمه على الشركاء بنسبة حصصهم، بمقابلة انتفاعهم به انتفاع الملاك. (الزرقا ص 437، الدعاس ص 74) . 5 - يتحمل بيت المال نفقة اللقيط، وهو الطفل المنبوذ المجهول النسب، لأنه تعود تركته إلى بيت المال إذا مات. (الدعاس ص 74) . 6 - إن مؤونة تعمير من يرغب من الموقوف عليهم في سكنى العقار الموقوف لسكناهم، فإنها عليهم بمقابلة سكناهم فيه. (الزرقا ص 437) . 7 - إن مؤونة كري النهر المشترك، وتعمير حافاته، وتطهير مائه، على الشركاء فيه، بمقابل انتفاعهم بحق الشرب. (الزرقا ص 437) . 8 - إن مؤونة كري السياق المالح المشترك، على الشركاء بمقابلة انتفاعهم بحق التسييل. (الزرقا ص 437) . 9 - إن إيجاب ضمان العين المرهونة على المرتهن لقاء تمكنه من استيفاء دينه منها، وإيجاب أجرة بيت حفظها، وأجرة حافظها فإنها عليه لقاء استحقاقه حبسها بدينه. (الزرقا ص 437) . 10 - لو باع الوصي عيناً من التركة ليقضي دين الغرماء، أو لم يكن دين فباعها لأجل الورثة، وهم كبار، وقبض ثمنها، فضاع الثمن منه، وتلفت العين المبيعة قبل تسليمها، رجع المشتري على الوصي بالثمن، وهو يرجع على من كان البيع لأجله من الغرماء أو الورثة الكبار. (الزرقا ص 438) . 11 - إذا اتفق ركاب السفينة على إلقاء الأمتعة المحمولة فيها في البحر، إذا أشرفت على الغرق من ثقلها، فإن قيمة المتلفات على الركاب بمقابل سلامة أنفسهم. (الزرقا ص 438) . 12 - إن أجرة القسام والكيل والوزن تقع على الشركاء، لأن نفع ذلك عائد لهم. (الزرقا ص 438) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 القاعدة: [98] النعمة بقدر النقمة، والنقمة بقدر النعمة (م/ 88) التوضيح الجملة الأولى من هذه القاعدة ترادف قاعدة "الخراج بالضمان " (م/ 85) . والجملة الثانية منها ترادف القاعدة الأخرى "الغرم بالغنم " (م/ 87) . وحينئذ فمما تفرع على كل من القاعدتين السابقتين المذكورتين يمكن أن يفرع على مرادفتها من جملتي هذه القاعدة. ويمكن أن يضاف: أن المراد من القاعدتين السابقتين المذكورتين هو إفادة أصل المقابلة، وهو كون الخراج لقاء الضمان، وكون الغرم لقاء الغنم، بقطع النظر عن كون أحدهما بقدر الآخر. والمراد من هذه القاعدة أن أحدهما يكون بقدر الآخر فيما يمكن فيه محافظة التقدير، وذلك فيما تكون فيه القسمة على حسب الأنصباء، وهي في جميع الحالات، إلا سبعة حالات تكون القسمة فيها على عد الرؤوس، وهي: الساحة، والشفعة، والنوائب المطلقة، وأجرة القسام، وما ألقي من السفن خشية الغرق، والطريق، والعقل (الدية) ، وهذا التفسير للقاعدة، كما تشعر به لفظة (بقدر) في الجملتين، أولى من إخلائها من الفائدة، وجعلها تكراراً محضاً. وبذلك فكل نعمة يجدها الإنسان من شيء فعلى قدرها تكون كلفته ومشقته. التطبيقات 1 - تعمير الملك المشترك بين اثنين يكون على قدر الحصص. (الدعاس ص 74) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 2 - إذا كان حيوان مشترك بين اثنين، وأبى أحدهما عن تربيته، وراجع الآخر الحاكم، يجبره الحاكم على البيع، أو على التربية، لأن النعمة بقدر النقمة. (الدعاس ص 74) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 القاعدة: [99] الأجر والضمان لا يجتمعان (م/86) التوضيح الأجر: هو بدل المنفعة عن مدة ما، والضمان: هو الغرامة لقيمة العين المنتفع بها أو نقصانها، ولا يجتمع الأجر والضمان في محل واحد من أجل سبب واحد في اتحاد الجهة، لأن الضمان يقتضي التملك، والمالك لا أجر عليه، والأجر يقتضي عدم التملك، وبينهما منافاة. والأصل في هذا أن كل موضع لا يصير ضامناً فالأجر واجب، وفي كل موضع يصير ضامناً، فلا أجر عليه. وهذه القاعدة تشهد لمذهب الحنفية فقط، وعند غيرهم من الأئمة لا اعتبار لهذه القاعدة، ويجتمع الأجر والضمان، كالغاصب الذي انتفع بالمغصوب وهلك، فإنه يضمنه وعليه الأجرة. أما عند الحنفية فالضمان يكون بسبب التعدي، والتعدي على مال الغير غصب له، أو كالغصب، ومنافع المغصوب عندهم غير مضمونة، لأن المنافع معدومة، وعند وجودها فهي أعراض غير باقية، وإنما تقوَّم بعقد الإجارة على خلاف القياس لمكان الحاجة الضرورية إليها، وعقد الإجارة لا يبقى مع صيرورة المستأجر ضامناً، بل يرتفع، إذ لا يمكن اعتباره مستأجراً أميناً، وغاصباً ضميناً في آن واحد، لتنافي الحالتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 التطبيقات إن الصور الممكنة التي تدور عليها القاعدة المذكورة عشر، وذلك لأن التعدي الذي هو سبب الضمان إما أن يكون بعد استيفاء المنفعة المعقود عليها كلها، أو يكون بعد استيفاء بعضها، أو يكون قبل استيفاء شيء من المنفعة، وفي الوجهين الأخيرين إما أن يستوفي بعد التعدي المنفعة المعقود عليها أو لا، وفي الصور الخمس إما أن تسلم العين المأجورة أو تتلف، فتلك عشرة كاملة من ضرب اثنين في خمسة. ويجب الأجر في كل صورة استوفيت فيها المنفعة المعقود عليها كلها أو بعضها قبل التعدي وسلمت العين المأجورة، ولكن عند استيفاء كلها يجب الأجر كاملاً، وفي استيفاء بعضها يجب بحسابه، ولا يجب الأجر لما بعد التعدي، وأما أجر ما استوفاه من النفعة بعد التعدي وصيرورته ضامناً فإنه ساقط. وهذه هي الصور العشر، مع تطبيقات أخرى لها: 1 - استأجر دابة، وتعدى إلى مكان آخر، ولم ينتفع مطلقاً، وسلمت الدابة، فلا أجر عليه، لأنه في معرض الضمان كالغاصب. (الزرقا ص 434، الدعاس ص 75) . 2 - استأجر دابة، وتعدى، ثم انتفع، وسلمت الدابة، فهو في معرض الضمان، ولا أجر عليه، (الزرقا ص 434) لأنه استقرت عليه بالأجر. 3 - استأجر دابة، وانتفع كاملاً، ثم تعدى بتجاوز المكان أو المدة، وسلمت الدابة، يجب الأجر كله (الزرقا ص 434) لأنه استقر في ذمته، مع الإثم للمخالفة. (الدعاس ص 75) . 4 - استأجر دابة، واستوفى المنفعة كلها، وتعدى في أثنائها. وسلمت الدابة، فيجب الأجر لما قبل التعدي فقط. (الزرقا ص 434) . 5 - استأجر دابة، واستوفى بعض المنفعة، ثم تعدى، ولم ينتفع بعد ذلك، وسلمت الدابة فيجب الأجر لما قبل التعدي بحسابه فقط. (الزرقا ص 434) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 6 - استأجر دابة، وتعدى ولم ينتفع مطلقاً، وتلفت الدابة، فهو ضامن بالفعل لقيمتها، ولا أجر عليه. (الزرقا ص 434، الدعاس ص 75) . 7 - استأجر دابة، وتعدى، ثم انتفع، وتلفت الدابة. فهو ضامن، ولا أجر عليه. (الزرقا ص 434) . 8 - استأجر دابة، وانتفع بها ثم تعدى، وتلفت الدابة. فيضمن قيمتها، ولا أجر عليه (الزرقا ص 434) لأن ضمان المنافع بالأجرة، اندمج في ضمان الأصل الدعاس ص 75) . 9 - استأجر دابة، واستوفى المنفعة كلها، وتعدى في أثنائها، وتلفت الدابة، يضمن قيمتها، ولا أجر عليه. (الزرقا ص 434) . 15 - أستأجر دابة، واستوفى بعض المنفعة، ثم تعدى، ولم ينتفع بعد ذلك، وتلفت الدابة، يضمن قيمتها، ولا أجر. (الزرقا ص 434) . 11 - استأجر دابة لركوب، فركبها وأردف وراءه آخر ليستمسك بنفسه، وكانت الدابة لا تطيق حمل الاثنين، ضمن كل قيمتها، ولا أجر عليه، لصيرورته غاصباً. (الزرقا ص 413) . 12 - استأجره من الكوفة إلى البصرة ذاهباً وجائياً، فجاوز به البصرة، وعاد سليماً إلى الكوفة فعليه نصف الأجر المسمى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، إذ غصب بالمجاوزة، فلا يبرأ إلا بالرد. (الزرقا ص 432) ، لأن الفتوى على أن المستأجر لا يبرأ بالعود إلى الوفاق بعد التعدي، وإذا لم يبرأ فلا أجر عليه كما بعد التعدي. (الزرقا ص 432) . 13 - استأجر دابة إلى مكان ذاهباً وجائياً على أن يرجع في يومه، ورجع في الغد، فعليه نصف الأجر للذهاب، لا للرجوع، إذ خالف فيه. (الزرقا ص 432 - 433) . فإن هلكت العين المأجورة بعد التعدي فإنه لا أجر عليه لما قبل التعدي، ولا لما بعده. (الزرقا ص 433) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 14 - وكذا إذا استأجره قروي ليحمل عليه بُرًّا إلى المدينة، ففعل، ووضع عليه في الرجوع إلى بيته قفيز ملح بلا إذن، فمرض، فمات، ضمن، لغصبه ولا أجر، إذ لا يجتمعان، ولو سلم الحمار فله أجر ما عى فقط، إذ لا أجر للغصب. (الزرقا ص 433) . 15 - استأجر حماراً لحمل متاعه في طريق معين، فحمله في طريق آخر مخوف، أو ليحمله على دابة معينة، فحمله في البحر فتلف، فإنه يضمنه، وإن أوصله سليماً وجب كل الأجر. (الزرقا ص 433) ، لأن المعقود عليه إيصال المستأجَر (بفتح الجيم) مال المستأجِر (بكسر الجيم) وقد حصل، ولكن مع المخالفة في كيفية الإيصال المشروطة، ولا عبرة بالخلاف عند حصول المقصود. (الزرقا ص 433) . 16 - إذا استأجر دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم بُرّ مثلاً، فحمل عليها أكثر دفعة واحدة، فتلفت، وكانت لا تطيق ما حملها، ضمن كل قيمتها، ولا أجر عليه، لصيرورته غاصباً. (الزرقا ص 431) . المستثنى 1 - لو استأجر دابة لركوبه، فركبها، وأردف وراءه آخر ليستمسك بنفسه، وكانت الدابة تطيق حمل الاثنين، فعطبت بعد بلوغ المقصد، فعليه كل الأجر، ويضمن نصف قيمتها، وذلك لعدم اتحاد جهة الأجر، وجهة الضمان. (الزرقا ص 431) . 2 - استأجر حماراً ليحمل عليه اثنى عشر وقراً من التراب إلى أرضه بدرهم، وله في أرضه لَبِن، فصار كلما عاد يحمل عليه اللبن، فإذا سلم الحمار في هذه الصورة يجب عليه كل الأجر، ولا مانع من وجوب الأجر مع المخالفة، وهذا خلاف ما عليه الفتوى. (الزرقا ص 434) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 القاعدة: [100] لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذنه (م/96) التوضيح التصرف في ملك الغير إما فعلي، وهو الاستهلاك، بأخذ أو إعطاء، فهذا يعتبر بلا إذن تعدياً، والمتصرف في حكم الغاصب، فهو ضامن للضرر. وإما قولي بطريق التعاقد كبيع ملك الغير، أو هبته، أو إجارته، فإن أعقبه من المتصرف تسليم أصبح فعلياً، وأخذ حكم الغصب، وإن بقي في حيز القول كان فضولياً، وعقد الفضولي يتوقف على إجازة المالك، فإن أجازه صح، وإن لم يجزه بطل. والإجازة تلحق الأفعال كما تلحق الأقوال، فالتصرف الفعلي بلا إذن المالك إذا أجازه المالك انقلب مأذوناً. ومثل إذن المالك إذن من له حق الإذن من ولي أو وصى أو وكيل أو متولي، أو حاكم. وإذا تصرف الشخص ثم ادعى أن تصرفه كان بالإذن، وأنكر المالك فالقول للمالك، إلا في الزوج إذا كان قد تصرف في مال زوجته حال حياتها، ثم اختلف مع ورثتها بعد موتها، فادعى أنه كان بإذنها، وأنكر الورثة فالقول للزوج. ثم الإذن قد يكون صريحاً، وذلك ظاهر، وقد يكون دلالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 التطبيقات 1 - غصب شخص مال آخر بوضع اليد عليه بدون إذن ولا توكيل، فهذا محظور، ويجب عليه رد العين، وإذا تلفت وجب الضمان. (الزرقا ص 461) . 2 - تصرف شخص بالبيع أو الإجارة أو الهبة من مال غيره فإن تصرفه موقوف، فإن لحقته الإجازة من المالك نفذ التصرف، لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. (الزرقا ص 461، الدعاس ص 76) . 3 - أتلف شخص مال غيره بالأكل، أو الحرق، أو الإلقاء في النار، أو في البحر، فإنه يضمن؛ لأنه لا يجوز له أن يتصرف في ملك غيره بلا إذنه. (الزرقا ص 461) . 4 - حفر شخص في ملك الغير بلا إذنه، فيضمنه المالك النفصان، ولا يجبر الحافر على الطم عند أبي حنيفة وأبي يوسف. (الزرقا ص 461) .. 5 - إذا حفر شخص في ملك غيره بلا إذنه، ثم وقع حيوان في الحفرة فتلف، ضمن الحافر، لأنه متسبب متعد، إلا إذا كان الحفر في ملك الغير ورضي المالك قبل وقوع الحيوان، فإنه يسقط الضمان حينئذ، ويصير كأنه حفر بإذن المالك ابتداء، حتى إنه لو أراد الحافر أن يطم ما حفر فليس له الطم. (الزرقا ص 461) . 6 - إذا أتلف شخص ملك غيره فإنه ضامن بكل حال، سواء أجازه المالك أم لا، لأن الإجازة لا تلحق الإتلاف. (الزرقا ص 462) . 7 - تصرف شخص في ملك غيره تصرفاً قولياً، كالبيع، والهبة، والإجارة، فهو فضولي، فإن أعقبه التسليم كان غاصباً بالتسليم، وضامناً، وعقده موقوف، فإذا لحقته إجازة المالك بشروطها لزم، وشرطها: بقاء المالك، والعين المتصرف فيها، والمتعاقدين، ويزاد في البيع: قيام الثمن لو كان من غير نقد، بأن كان الثمن من غير النقود، ويكون البيع حينئذٍ مقايضة بين أعيان، فيكون كل من العوضين مبيعاً من وجه، وثمناً من وجه. (الزرقا ص 462) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 8 - لو مرضت الشاة مع الراعي المستأجر في المرعى مرضاً لا ترجى حياتها معه، فذبحها، فإنه لا يضمنها؛ لأن ذلك مأذون فيه دلالة. (الزرقا ص 462) . 9 - لو مات شخص في السفر، فباع رفقاؤه تركته، وهم في موضع ليس فيه قاضٍ. قال محمد: جاز بيعهم، وللمشتري الانتفاع بما اشتراه، ثم الوارث إن شاء أجاز البيع، وإن شاء أخذ ما وجد من المتاع، وضمن ما لم يجد، فقد صحح الإجازة مع هلاك المبيع، لأن التبايعين مأذونان هنا دلالة. (الزرقا ص 463) . 10 - إذا غاب أحد الشريكين في الكرم المشترك قام الشريك الحاضر مقامه عليه، فإذا أدركت الثمرة يبيعها، ويأخذ حصته، ويقف حصة الغائب، فإذا قدم الغائب أجاز البيع أو ضمن البائع (م/ 1086) فتصح الإجازة مع أن العنب مثلاً من الأثمار التي لا تبقى، وذلك لأن الحاضر مأذون بالبيع وحفظ الثمن، دلالة من شريكه الغائب الذي لا يرضى أن تترك حصته حتى تتلف. (الزرقا ص 463) . 11 - من بيده مال، أو في ذمته دين، يعرف مالكه، ولكنه غائب يرجى قدومه، فليس له التصرف فيه بدون إذن الحاكم، إلا أن يكون تافهاً، فله الصدقة به عنه. (ابن رجب 2/ 378) . 12 - الغائب الذي أيس من قدومه بأن مضت عليه مدة، يجوز فيها أن تتزوج امرأته، ويقسم ماله، فإن كان ليس له وارث، فيجوز التصرف في ماله بدون إذن الحاكم، والمنصوص جواز التصدق به دون إذن الحاكم، وإن لم يعرف مالكه، بشرط الضمان إن كان بدون إذن الحاكم. وفي رواية: يتوقف على إذن الحاكم حسب القاعدة. والأولى أصح وهو استثناء من القاعدة. (ابن رجب 2 / 378، 381) . 13 - المودع لا ينفق على زوجة المستودع وأهله في غيبته إلا بإذن الحاكم (ابن رجب 2/ 380) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل يجوز التصرف فيها بمال الغير ديانة أو ديانة وقضاء، بلا إذنه، منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 1 - يجوز للولد والوالد شراء ما يحتاجه الأب، أو الابن المريض بلا إذنه، ولا يجوز في المتاع. (الزرقا ص 463) . 2 - يجوز للرفقة في السفر إذا مات أحدهم أو مرض أو أغمي عليه أن ينفقوا عليه من ماله، وكذا لو أنفق بعض أهل المحلة على مسجد لا متولي له من غلته لحصير ونحوه، أو أنفق الورثة الكبار على الصغار الذين لا وصي لهم، ففي جميع ذلك لا يضمن المنفقون ديانة، أما في القضاء فهم متطوعون. (الزرقا ص 464) . 3 - المدين إذا مات دائنه، وعليه دين لآخر مثله، لم يقبضه، فقضاه المدين، أو مات رب الوديعة وعليه مثلها دين لآخر، لم يقضه، فقضاه المودع، أو عرف الوصي ديناً على الميت فقضاه، فجميع تصرفاتهم هذه جائزة ديانة، ولكنهم متطوعون حكماً، أي قضاء. (الزرقا ص 464) . لكن في "جامع الفصولين " قوله: "لو قضى المودع دين مودِعه بالوديعة ضمن على الصحيح " وهذا بإطلاقه يفيد ضعف القول بالجواز ديانة في خصوص المودع، واحتمال كودط مقابله قولاً بعدم الضمان قضاء احتمال بعيد، لأنه قال في فرع الوصي: إذا عرف ديناً فقضاه، لو أنكر الورثة الدين فأقام الوصي بينة على الدين تقبل، وإذا عجز عن البينة فله تحليف الورثة. (الزرقا ص 464) . 4 - لو امتنع من وفاء دينه، وله مال، فباع الحاكم ماله ووفاه عنه، صح، وبرئ منه، ولا ضمان. (ابن رجب 2/ 370) . 5 - أن تكون العين ملكاً لمن وجب عليه الأداء، وقد تعلق بها حق الغير، فإن كان المتصرف له ولاية التصرف وقع الموقع ولا ضمان، ولو كان الواجب ديناً، ولم يكن له ولاية، فإن كانت العين متميزة بنفسها فلا ضمان، ويجزئ، وإن لم تكن متميزة من بقية ماله ضمن ولم يجزئ (تطبيقاً للقاعدة) ، إلا أن يجيز المالك التصرف. وتقف عقود الفضولي على الإجازة، تطبيقاً للقاعدة. (ابن رجب 2/ 370) . 6 - لو امتنع عن أداء الزكاة، فأخذها الإمام منه قهراً، فإنها تجزئ عنه ظاهراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وباطناً في أصح الروايتين، وهو ظاهر كلام أحمد، لأن للإمام ولاية على الممتنع، وهذا حق تدخله النيابة، فوقع موقعه. (ابن رجب 2/ 370) . 7 - لو تعذر اسئذان من وجبت عليه الزكاة لغيبة، أو حبس، فأخذ الساعي الزكاة من ماله، سقطت عنه. (ابن رجب 2/ 371) . 8 - ولي الصبي والمجنون يخرج عنهما الزكاة، ويجزئ، كما يؤدي عنهما سائر الواجبات المالية من النفقات والغرامات. (ابن رجب 2/ 371) . 9 - إذا عين أضحية، فذبحها غيره عنه بغير إذنه، أجزأت عن صاحبها، ولم يضمن الذابح شيئاً، نص عليه، لأنها متعينة للذبح ما لم يبدلها، وإراقة دمها واجب، فالذابح قد عجل الواجب، فوقع موقعه. (ابن رجب 2/ 371) . 10 - لو أحرم، وفي يده المشاهدة صيد، فأطلقه غيره بغير إذنه، فقال الأكثرون: لا يضمن، لأنه فعل الواجب عليه، كما لو أدى عنه دينه في هذه الحال. وفي قول: يضمن، لأن ملكه لم يزل عنه، وإرسال الصيد إتلاف يوجب الضمان، فهو كقتله. اللهم إلا أن يكون المرسل حاكماً أو ولي صبي، فلا ضمان للولاية. (ابن رجب 2/ 372) . 11 - لو نذر الصدقة بمال معين، فتصدق به عنه غيره ففي وجه لا ضمان عليه كالأضحية، وفي وجه عليه الضمان. (ابن رجب 2/ 373) . 12 - الغُصُوب والودائع إذا أداها أجنبي إلى المالك أجزأت ولا ضمان ابن رجب 2/ 376) . 13 - إذا اصطاد المحرم صيداً في إحرامه، فأرسله غيره من يده، فلا ضمان (ابن رجب 2/ 376) . 14 - إذا دفع أجنبي عيناً موصىً بها إلى مستحق معين، لم يضمن ووقعت موقعها. وكذا لو كانت الوصية بمال غير معين بل مقدر، أما إن كانت لغير معين ففي الضمان وجهان. (ابن رجب 2/ 377) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 15 - اللقطة التي لا تملك إذا أجزنا الصدقة بها، أو التي يخشى فسادها، إذا أراد التصدق بها، فالمنصوص جواز الصدقة بها من غير حاكم. (ابن رجب 2/ 379) . 16 - اللقيط إذا وجد معه مال، فإنه ينفق عليه منه بدون إذن حاكم. (ابن رجب 2/ 380) . 17 - الرهون التي لا يعرف أهلها، نص أحمد على جواز التصدق بها. (ابن رجب 2/ 380) . 18 - الودائع الي جُهل ملاكها يجوز التصدق بها بدون إذن الحاكم. (ابن رجب 2/ 381) . 19 - الغُصوب التي جهل ربُّها، يتصدق بها وكذلك حكم المسروق ونحوه، نصّ عليه، ولو مات المالك ولا وارث له يعلم يتصدق عنه. (ابن رجب 2/ 383) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 القاعدة: [101] الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل (م/95) التوضيح الأمر: مصدر أمر، والغير: أي غير الآمر، وباطل: أي لا حكم له، فإذا كان المأمور عاقلاً بالغاً، ولم يكن الآمر مجبراً للمأمور، ولم يصح أمر الآمر في زعم المأمور، فتكون العهدة فيه حينئذ على المأمور المتصرف، لأنه العلة المؤثرة، والآمر سبب، والأصل الإضافة إلى العلل المؤثرة لا إلى الأسباب المفضية الموصلة، ولأن أمر الآمر إذا كان كذلك لا يجوز أن يكون مشورة، وهي غير ملزمة للمأمور، ولا تصلح مستنداً له لتسويغ عمله. فالملك هو ما يملكه الإنسان، وقد أثبت الشرع لصاحبه فقط قدرته على التصرف به، أما غير المالك فلا يجوز له التصرف به، وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لا يملك التصرف لا يملك الأمر به، وهذا فرع لقاعدة "لا يجوز التصرف في ملك الغير بلا إذنه " (م/ 96) . فإن تصرف في هذه الحالة فتكون المسؤولية على المأمور، لقاعدة "يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبراً " (م/89) . التطبيقات 1 - أودع رجل ماله عند آخر، وقال له: إن مت فادفعه لابني، فمات فدفعه إليه، وله وارث غيره ضمن المودَع نصيب الثاني، لأنه تصرف في ملك الوارث بغير إذنه. والأمر بالتصرف في ملك الغير باطل، فالمودِع أمر بالتصرف بملك الوارث الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 يملك التركة بمجرد الموت، ولا يلزم بطلان الأمر بالتصرف في ملك الغير أن يكون ملك ذلك الغير قائماً حين الأمر، بل يكفي أن يكون قائماً حين التصرف (الزرقا ص 459) . 2 - لو قال رجل آخر: إن مت فادفع هذا المال الذي أملكه، إلى فلان، وهو غير وارث، فدفعه إليه، ضمن الدافع كذلك. (الزرقا ص 459) . 3 - إذا أخبر شخص عن نفسه أنه وصي الميت، ولم يضع يده على التركة، ولكن أمر الخبَرَ أن يعمل جها بطريق المضاربة، ففعل، وضاع المال، ثم لم تثبت وصايته. فالذي عمل بالمال ضامن، لعدم صحة الأمر، وعدم نفاذه في ملك الغير، ولا يضمن الآمر، لأنه لم يضع يده على المال، إلا إذا أوهم المأمور فيرجع عليه الضامن لتغريره. (الزرقا ص 460) . 4 - أمر شخص غيره بأن يأخذ مال آخر، أو يلقيه في البحر، أو يحرقه، أو أن يذبح شاته فلا عبرة لأمره، والضمان على الفاعل. (الدعاس ص 76) لأن المأمور عالم بان المال لغير الآمر. 5 - إذا لم يكن المأمور عالماً بأن المال لغير الآمر، وأوهمه الآمر أنه له، كما لو قال له: اذبح لي شاتي هذه (بياء المتكلم) فإن لصاحب المال تضمين المأمور، وللمأمور أن يرجع على الآمر بما ضمن لتغريره إياه. (الدعاس ص 76) . المستثنى إذا أكره شخص غيره إكراهاً ملجئاً بأن يتلف مال آخر، أو يلقيه في البحر. فيضمن المجبِر. (الدعاس ص 76) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 القاعدة: [102] لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي (م/97) التوضيح لا يجوز لأحد ما، ولو كان والداً أو ولداً أو زوجاً، أن يأخذ جاداً أو لاعباً مال أحد ما ولو لولده، أو والده، أو زوجته، بلا سبب شرعي يسوغ له الأخذ، لأن حقوق العباد محترمة، فإن أخذه كان ضامناً. والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: " على اليد ما أخذت حتى تردَّه " ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بطيبِ نفسِهِ ". أما إذا كان الأخذ بحق ثابت فيجوز ولو دون رضا صاحب المال. إما مباشرة أو بعد القضاء، وذلك لأن السبب الشرعي قد يكون قوياً فلا يحتاج في تجويز الأخذ إلى قضاء القاضي، وذلك هو الكثير الغالب، وقد يكون السبب ضعيفاً فلا يجوز الأخذ معه بدون رضا من عليه الحق إلا بقضاء القاضي. التطبيقات 1 - يجوز للشخص أن يأخذ ثمن البياعات، ومثل القرض، وبدل المغصوب، وبدل الإجارة إذا صار ديناً في الذمة، كما إذا شرط تعجيله أو مضت مرحلة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 إجارة الدابة للسفر، أو يوم للسكنى، أو فرغ الأجير من العمل، ويجوز أخذ المال المكفول به، والمال الموروث، ونفقة الزوجة والأولاد والأبوين وأمثال ذلك، فيجوز أخذه شرعاً بلا قضاء القاضي، وإن لم يرض من عليه الحق، لأن له سبباً قوياً شرعياً يبيح الأخذ. (الزرقا ص 1466. 2 - لا يجوز استرداد العين الموهوبة من الموهوب له بدون رضا من عليه الحق، إلا بقضاء القاضي بالرجوع في الهبة، لأن السبب ضعيف. (الزرقا ص 466) . 3 - لا يجوز أخذ نفقة غير الزوجة والأولاد والأبوين من الأقارب بدون رضا من عليه النفقة، إلا بقضاء القاضي بالنفقة، لأن السبب ضعيف. (الزرقا ص 466) . 4 - لا يجوز لأولاد البنات أن يتناولوا من غلة الوقف على الأولاد، وعند وجود أولاد البنين، إلا بقضاء القاضي بدخول أولاد البنات في الوقف. (الزرقا ص 466) . 5 - لا يجوز للمشتري أن يأخذ من بائعه ما دفعه له من ثمن المبيع الذي ظهر له أنه ملك الغير إلا برضا البائع أو بقضاء القاضي بالاستحقاق الموجب للرجوع بالثمن بشروط. (الزرقا ص 466) . 6 - لا يجوز للمشتري أن يأخذ من البائع ما دفعه له من ثمن مبيع ظهر بعد القبض معيباً إلا برضا البائع، أو بقضاء القاضي بالرد بالعيب. (الزرقا ص 466) . 7 - لا يجوز للشفيع أخذ العقار المبيع بالشفعة إلا برضا المشتري أو بقضاء القاضي بالشفعة. (الزرقا ص 466) . 8 - لا يجوز للدائن أن يأخذ دينه من غير جنسه في المذهب إلا برضا المدين، أو بقضاء القاضي ببيع مال المدين وصيرورته من جنس الدين. ولكن الفتوى في العصور الأخيرة على جواز الأخذ لدينه من غير جنسه إذا ظفر الدائن بغير جنس حقه من مال الدين من غير حاجة إلى أن يبيعه القاضي بجنس الدين، لكثرة العقوق. (الزرقا ص 466، الدعاس ص 77) . ويجوز أخذ الدائن حقه الثابت من مال المدين المماطل والجاحد. (من جهة الديانة) إذا دخل في يده، ولو بدون علم المدين. ومن غير جنس دين الدائن، وبدون القضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 له به لفساد الذمم، وهذا ما أفتى به المتأخرون، كان كان نظام القضاء في الشريعة لا يقر هذا الأخذ، وهذا مما يختلف فيه حكم الديانة عن القضاء. (الدعاس ص 77) . 9 - من أخذ لقطة لنفسه كان غاصباً ضامتاً، بل يجب عليه أن يلتقطها بقصد حفظها وتعريفها، وردها إلى صاحبها متى ظهر، وإن لم يظهر فسبيلها الصدقة. (الدعاس ص 77) . المستثنى 1 - إذا كان السبب شرعياً في الظاهر، ولكن لم يكن في الواقع ونفس الأمر حقيقياً، كالصلح عن دعوى كاذبة على بدل، فإن بدل ذلك الصلح يقضى له به، ولكن لا يحل له، ويجب عليه ديانة ردُّه إن أخذه، وإن كان السبب في الحكم الظاهر شرعياً وقضى به القاضي، لأنه - والحالة هذه - رشوة، أخذه لقاء كف ظلمه وتعديه بهذه الدعوى الكاذبة التي لا تسوغ له أخذ البدل فيما بينه وبين ربه سبحانه، وهذه يختلف فيها حكم القضاء عن حكم الديانة بعكس الأولى، لما رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك وأحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، فلعل بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها". وفي رواية "أن المتخاصمين بكيا، وقال كل واحد منهما: حقي لصاحبي، فقال: اذهبا فتوخيا، ثم استهما، ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه ". ((الزرقا ص 465، الدعاس ص 77) . 2 - لو اعترف بعد الصلح بكونه مبطلاً في الدعوى، وأنه لم يكن له على المدعي شيء، بطل الصلح، ويسترد المدعى عليه البدل. (الزرقا ص 465) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 القاعدة: [103] يُضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مُجْبِرًا (م/89) التوضيح يضاف الفعل أي ينسب حكمه، لأن الشرع يبحث عن أفعال المكلفين من حيث أحكامها، لا من حيث ذواتها، إلى الفاعل ويقتصر عليه إذا كان بالغاً عاقلاً، ولم يصح أمر الآمر في زعمه، لأن الفاعل هو العلة للفعل، ولا ينسب الفعل إلى الآمر به، لأن الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل (م/ 95) ومتى بطل الأمر لم يضمن الآمر، ولأن الأمر قد يكون سبباً، والفاعل علة، والأصل في المعاملات أن تضاف إلى عللها، لأنها المؤثرة فيها، لا إلى أسبابها، لأنها الموصلة إليها في الجملة، والموصل دون المؤثر. ولأن القاعدة في الشرع أنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" فالعاقل المكلف إذا أمره غيره بإتلاف مال أحد مثلاً أو قتله مباشرة أو تسبباً، كان أمره باطلاً، لوجوب مخالفته، والباطل في حكم العدم، فعلى هذا: فالفعل وما يترتب عليه يضاف إلى الفاعل، لا إلى الآمر. ثم إنما ينسب حكم الفعل إلى الفاعل دون الآمر ما لم يكن الآمر مجبِراً أي مكرِهاً للفاعل على الفعل بالإكراه الملجئ، فإذا كان مكرهاً له عليه فحينثذ ينسب ما يمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 نسبته من حكم الفعل إلى الآمر، لا إلى الفاعل، لأن الفاعل بالإكراه صار كالآلة في يد المكرِه. التطبيقات 1 - لو أمر إنسان غيره بإتلاف مال، أو تعييبه، أو بقطع عضو محترم، أو بقتل نفس، أو بحفر حفرة بالطريق العام، فوقع فيها حيوان، أو بارتكاب جريمة، كقتل نفس معصومة، ففعل المأمور ذلك، فالضمان والقصاص على الفاعل، لا على الآمر، لأن المأمور هو المباشر والمؤاخذ والضامن، لأنه هو الفاعل دون الآمر، إلا إذا كان الآمر مجبِراً ومكرِها للفاعل على الفعل، فالضمان والقصاص يكون على الآمر إذا كان إكراهه له بملجئ (م/ 949) ولا عبرة لغير الملجئ في مثل هذا، لأنه من التصرفات الفعلية (م/1007) . ومن الإكراه المعتبر ها هنا أيضاً ما إذا كان المغيره الآمر سلطاناً، فإن أمره إكراه. (الزرقا ص 443 - 444، الدعاس ص 78) . 2 - إذا أمره بحفر باب في حائط الغير غرم الحافر، ورجع على الآمر. (الزرقا ص 444) . 3 - لو قال: احفر لي، أو قال: احفر في حائطي، أو كان ساكناً في تلك الدار، أو استأجره على ذلك، غرم الحافر، ورجع على المالك، لأن ذلك كله من علامات الملك، وإلا فلا يرجع، لأن الأمر لم يصح بزعم المأمور. (الزرقا ص 444) . 4 - لو أمر غيره أن يذبح له هذه الشاة، وكانت لجاره، ضمن الذابح، علم أو لا، لكن إذا علم لا يكون له حق الرجوع، وإلا رجع، وقوله "يذبح له" يصحح أمر الآمر بزعم المأمور، لأن علامات الملك إنما تنفع إذا لم يعلم المأمور أنه للغير، أما إذا علم فإنها لا تنفع. (الزرقا ص 444) . 5 - . لو قال رجل لأهل السوق: بايعوا ابني هذا فقد أذنت له بالتجارة، فبايعوه، ثم ظهر أنه ابن الغير، رجعوا على الرجل، لأن الأمر بقوله "بايعوا" والإضافة بقوله:: ابني " يصححان أمر الآمر في زعم المأمور، ويجعلانه مغروراً من قبل الآمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 فلا يقتصر فعل هؤلاء: من الحفر، والذبح، والمبايعة عليهم، بل يرجعون بما تضرروا به على الآمر. (الزرقا ص 445) . المستثنى 1 - لو أمره بقضاء ديونه عليه، أو بالإنفاق عليه، أو ببناء داره مثلاً، فالمأمور يكون وكيلاً يرجع على الآمر بما أنفق. لأنه يشترط كون الآمر مجبراً لأجل إضافة حكم الفعل إليه إذا لم يكن أمره للغير يتضمن الأمر بالضمان، ولم يكن أمره له بدفع مال عنه لقاء واجب دنيوي عليه يطالب به بالحبس والملازمة، أو لقاء سلامة الآمر، أما إذا كان شيء من ذلك فلا يشترط لإضافة حكم الفعل إليه والرجوع عليه كونه مجبراً، فقضاء الدين واجب دنيوي على الآمر يطالب به بالحبس والملازمة، وكذا الإنفاق على نفسه أو على بناء داره، لأن ما أنفقه المأمور كان لقاء ما أدخله بواسطة إنفاقه في ملك الآمر من الطعام والكسوة والبناء. (الزرقا ص 445، الدعاس ص 78) . 2 - لو أمر الأسير غيره بفدائه، ففعل، رجع عليه، لأن ما دفعه المأمور على الآمر بلا اشتراط، وهو القول المصحح، وفي قول مصحح آخر على عدم الرجوع بلا اشتراط، وهذا هو الأصح وعليه الفتوى. (الزرقا ص 445) . 3 - لو كان المأمور أجيراً خاصاً للآمر، فتلف بعمله شيء من غير أن يجاوز المعتاد، فالضمان على أستاذه الآمر له، فلو تخرق الثوب من دقه، أو غرقت السفينة من مده، فالضمان على أستاذه الآمر. (الزرقا ص 446) . 4 - لو أمره برش الماء في فنان دكانه، فرش، فما تولد منه فضمانه على الآمر، وإن بغير أمره فالضمان على الراشّ. وفصل في "جامع الفصولين " في مسألة ما لو أمره برش الطريق: بين تلف الدابة فيضمنه مطلقاً، وبين تلف الآدمي فيضمنه إذا رش كل الطريق ولم يترك ممراً. (الزرقا ص 446) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 5 - إذا كان المأمور غير عاقل، أو كان صبياً، فإن الفعل يضاف إلى المأمور، ويضمن المال الذي أتلفه، ودية العضو أو النفس، لأن المحجورين يضمنون الضرر الذي نشأ من فعلهم، ولكن لا يقتصر الضمان عليهم، بل يرجعون بما ضمنوه على الآمر إذا كان أمره معتبراً بأن كان بالغاً عاقلاً، أما إذا كان صغيراً أو غير عاقل فلا يرجع إليه. (الزرقا ص 444) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 القاعدة: [104] المباشر ضامن وإن لم يَتَعَمَّد (م/92) التوضيح المباشر هو الذي يحصل الضرر بفعله، ويحصل الأثر بفعله من غير أن يتخلل بينهما فعل فاعل مختار، فالمباشر ضامن لما تلف بفعله إذا كان متعدياً فيه، ويكفي أن يكون متعدياً أن يتصل فعله في غير ملكة بما لا مسوغ له فيه، سواء كان نفس الفعل سائغاً، كمن رمى صيداً، أو سقط على شيء، أو كان غير سائغ كما لو ضرب معصوماً فأصاب آخر نظيره. فإنه يضمن حينئذٍ، وإن لم يتعمد الإتلاف، لأن الخطأ يرفع عنه إثم مباشرة الإتلاف، ولا يرفع عنه ضمان المتلف بعد أن كان متعدياً، ولأن المباشرة علة صالحة وسبب مستقل للإتلاف، فلا يصلح عدم التعمد أن يكون عذراً مسقطاً للحكم وهو الضمان عن المباشر المتعدي. التطبيقات 1 - رمى صيداً فأصاب رجلاً، فإنه ضامن وإن لم يتعمد. (الدعاس ص 78) . 2 - لو زلق إنسان فوقع على مال آخر فأتلفه، أو أتلف إنسان مال إنسان يظنه مال نفسه، فإنه يضمن في الصورتين (م/913، 914) . (الزرقا ص 453، الدعاس ص 78، الروقي ص 344) . 3 - لو سقط من ظهر الحمال شيء فأتلف مال أحد ضمن الحمال. (الزرقا ص 453) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 4 - لو طرق الحداد الحديدة المحماة فطار شررها فأحرق ثوب إنسان مار في الطريق ضمنه الحداد. (الزرقا ص 453، الدعاس ص 79) . 5 - لو انقلب النائم، أو الصغير، ولولا يعقل أصلاً، على مال لغيره فأتلفه، أو شخص فقتله، فإنه يضمن وإن لم يتحمد. (الزرقا ص 454 الدعاس ص 79) . وكل هذه الأفعال لا توصف بالحظر، ولا إثم فيها، وقد حكم على فاعليها بالضمان بما اتصلت به مما له مسوغ. (الزرقا ص 454، الدعاس ص 79) . المستثنى 1 - لو قتل الإنسان من جاء ليقتله، أو ليأخذ ماله، وكان لا يمكن دفعه إلا بالقتل، فإنه لا يضمن، مع أنه مباشر للفعل، وذلك لكونه غير متعد، وله فيه مسوغ، ولذلك يقيد المباشر الضامن بما إذا كان متعدياً، ليخرج من القاعدة غير المتعدي، فلا يضمن، لعدم مساعدة الإيجاب الشرعي بالدفاع دخوله فيه. 2 - لو كان المباشر للإتلاف في ملكه، ولكن اتصل به مسوغ له، كما لو حفر في ملكه أو سقى أرضه سقياً معتاداً، نتلف بحفره، أو سقيه هذا شيء، فإنه لا يضمنه لكونه في ملكه، ولم يتجاوز فيه. (الزرقا ص 454) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 القاعدة: [105] المتسبب لا يضمن إلا بالتعمُّد (م/93) التوضيح المتسبب هو الذي يكون فعله مفضياً إلى الحكم دون مباشرة إليه، فيكون متسبباً للضرر بأن يفعل ما يفضي ويوصل إليه، فإنه لا يضمن ما أفضى إليه عمله من الضرر، بشرط ألا يكون متعدياً، لأنه بانفراده لا يصلح علة مستقلة للإتلاف إلا إذا كان متعدياً (م/ 924) . ويكفي في كونه متعدياً أن يتصل فعله في غير ملكه بما لا مسوغ له، وكان فعله مقروناً بالتعمد، لأن الحكم لا يضاف إلى السبب الصالح إلا بالقصد. ويعني بالتعمد: أن يقصد بالفعل الأثر المترتب عليه، ولا يشترط أن يقصد أيضاً ما يترتب على ذلك الأثر، فلو رمى بالبندقية، فخافت الدابة، فندّت وأتلفت شيئاً، فإنه يشترط لصيرورته ضامناً أن يكون قصد الإخافة فقط. (م/923) ولا يشترط لصيرورته ضامناً أكثر من ذلك، بأن يكون قصد الإخافة لأجل الإتلات، كما أنه يكفي لتضمينه بسوقها أن يكون قصد بالسوق أثره المترتب عليه وهو سيرها، ولا يشترط أن يكون قصد سيرها لتتلف. التطبيقات 1 - لو دفع السكين إلى صبي، فوقعت من يده، فجرحته، أو حفر في غير ما له حقُّ الحفر فيه، فتدهور في حفرته حيوان فهلك، أو سقى أرضه سقياً غير معتاد، فأضر بجاره، ضمن في الصور كلها لتعديه وتعمده. (الزرقا ص 455، الدعاس ص 79) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 2 - لو قعد إنسان في الطريق للبيع بغير إذن ولي الأمر فتلف بقعوده شيء يضمنه. أما لوكان قعوده بإذن ولي الأمر فإنه لا يضمن. (الزرقا ص 456) . 3 - إذا لم يتعد أصلاً، كما لو حفر في محل له حق الحفر فيه، أو سقى سقياً معتاداً فتلف بعمله شيء، أو تعدى ولكن لم يتعمد، كما لو رمى بالبندقية ولم يقصد إخافة الدابة، ولكن حصل خوفها، أو ساق دابة مخصوصة فانساقت أخرى بجانبها وأتلفت، لا يضمن في الكل، لعدم التعدي أم لعدم التعمد. (الزرقا ص 456) . 4 - لو حفر مثلاً حفرة في الطريق العام، أو حفر فيه بئراً، أو بأرض الغير، بدون إذن (ومثل ذلك إذا أذن له في العمل والحفر، ولكن قصر حيث أهمل بعض القيود، فلم يضع حواجز حول الحفرة) فوقع فيها حيوان أو شخص أعمى، فإن المتسبب، وهو الحافر، يضمن ضرر الأنفس والأموال، لكونه يعد متعدياً. (الدعاس ص 79) . 5 - لو قطع شخص حبل قنديل مُعلق، فسقط، أو شق زِقَّ سُمن فسال، أو فتح باب قفص، أو اصطبل، حتى فر الطائر، أو الدابة، فإنه يضمن في كل ذلك؛ لأنه متعمد ومتعدٍ. (الدعاص ص 79) . 6 - لو حفر بئراً أو حفرة في أرضه فدخل حيوان لجاره، وسقط فيه، أو حفر حفرة في الطريق العام بإذن ولي الأمر، وأحاطها بحاجز، فسقط فيها أعمى، أو حيوان، فلا ضمان عليه، لكونه غير متعمد في تسببه. (الدعاس ص 79) . 7 - لو حفر في ملك غيره، فتدهور في حفرته حيوان، فهلك. وكان المالك قد تقدم منه رضاً بالحفر قبل أن يقع الحيوان في الحفرة، سقط الضمان على الحافر؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذنه (م/96) والإذن إما أن يكون سابقاً، أو بالإجازة لاحقاً. (الزرقا ص 456، 461) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 القاعدة: [106] جناية العجماء جُبار (م/92) التوضيح العجماء: البهيمة، وجناية العجماء أي جرحها، وما تفعله من الأضرار بالنفس أو بالمال، وما يصدر عنها من ضرر، وجبار: أي هدر وباطل، ولا مؤاخذة فيه، ولا ضمان على صاحبه، إذا لم يكن منبعثاً عن فعل فاعل مختار، كسائق، أو قائد، أو راكب، أو ضارب، أو ناخس، أو فاعل للإخافة. وإن ما تفعله البهائم من تلقاء نفسها، لا ضمان عليه. وهذه القاعدة مأخوذة من حديث شريف صحيح، رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، والطبراني عن عمرو بن عوف رضي الله عنه، بلفظ: " العَجماءُ جُرحُها جُبار" وجرحها: ما يصدر عنها من ضرر. التطبيقات 1 - لو كان راكب الدابة يسير في ملكه، فنفحت برجلها، أو بذنبها، أو كدمت بفمها، أو ضربت بيدها، فلا ضمان عليه (م/ 930) ، بخلاف ما لو داست شيئاً وأتلفته، فإنه يضمن، وإن كان يسير في ملكه. لأنه جنايته، لا جنايتها. (الزرقا ص 457) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 2 - لو قطعت الدابة رباطها، وشردت، أو جفلت، أو نفحت برجلها، أو بذنبها، فأضرت أحداً، فلا ضمان على صاحبها. (الدعاس ص 80) . 3 - لو أغتالت هِزةُ شخص طائراً لغيره، فلا ضمان على صاحب الهرة. (الدعاس ص 80) . 4 - لو ربط اثنان دابتيهما في محلٍ لهما حق الربط فيه، فأتلفت إحداهما الأخرى، فلا ضمان على صاحبها (م/939) . المستثنى 1 - لو أتلفت العجماء شيئاً بنفسها، وكان صاحبها يراها، فلم يمنعها ضمن (م/ 929) والظاهر تقييده بما إذا كان قادراً على منعها. (الزرقا ص 458) . 2 - إذا كانت جناية العجماء منبعثة من الإنسان، أو تقصيره؛ كانت مضمونة، كما إذا أجفل الدابة، فضربت أحداً فإنه يضمن، وكذا لو استهلك حيوان مال أحد ورآه صاحبه ولم يمنعه يضمن، وكذا لو سيب دابته في الطريق العام، أو في ملك الغير يضمن الضرر الذي أحدثته. (الدعاس ص 81) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 القاعدة: [107] يقبل قول المترجم مُطلقاً (م/71) التوضيح المترجم: هو من يفسر لغة بأخرى، ويقبل قول المترجم الواحد في الدعاوى والبينات، وما يتعلق بها، مطلقاً أي في أي نوع كان منها، ولو في الحدود والقود. واتخاذ المترجم وقع قديماً في الجاهلية والإسلام، واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لما جاءه سلمان الفارسي رضي الله عنه ترجم يهودي كلامه فخان فيه، فنزل جبريل عليه السلام بذلك، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أن يتعلم العبرانية. فكان يترجم بها للنبى - صلى الله عليه وسلم -. والترجمان مؤتمن، وقوله حجة إذا توفرت شروطه، وشرائط المترجم هي: 1 - يشترط أن يكون المترجم في الحدود والقود رجلاً، فلو كان امرأة لا يقبل، زيادة في الاحتياط. 2 - يشترط أن يكون المترجم مطلقاً، ولو في غير الحدود، عدلاً، غير فاسق، فلو كان فاسقاً لا يقبل، لأن الفاسق غير مؤتمن، ولو كان أكثر من واحد، وكذا لو كان مستور الحال، فإن خبره - كخبر الفاسق - لا يقبل، وإن كان متعدداً إلا في عشر مسائل، يكتفى فيها بأحد شطري الشهادة: العدد والعدالة، فيقبل فيها خبر المستورين كفاسقين، وهي: عزل الوكيل، وعزل المتولي، وعزل القاضي، وحجر المأذون، وفسخ الشركة، وإخبار البكر بالنكاح، وإخبار الشفيع بالبيع، وإخبار المسلم الذي لم يهاجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 بالشرائع، وأخبار المشتري بالعيب، وإخبار السيد بجناية عبده، فلو أخبر يهذه واحد عدل، أو اثنان ولو فاسقين يقبل. 3 - أن يكون عارفاً باللغتين المترجم عنها، والمُترْجَم لها معرفة كافية؛ ليكون مأمون الخطأ والخلط. 4 - أن يكون الحاكم غير عالم بلغهَ الخصوم، أو الشاهدين لدى الاستشهاد، فلو كان الحاكم يعلم لغة الخصوم والشهود فلا يقبل قول المترجم. 5 - أن يكون المترجم بصيراً، لأنه لو كان أعمى لا يؤمن عليه اشتباه النغمات، فلا تفبل ترجمته عند أبي حنيفة، خلافاً لأبي يوسف. التطبيقات ومعنى الإطلاق الوارد في القاعدة أنه يقبل قول المترجم في جميع أنواع الدعاوى والبينات، رجلاً كان أو امرأة. (الدعاس ص 84) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 القاعدة: [108] المرء مؤاخذ بإقراره (م/97) التوضيح المرء يتحمل نتيجة إقراره، ويؤاخذ به، إذا كان كامل الأهلية؛ لأن المفروض أنه أعلم من غيره بما فعل من أسباب الالتزام، وبما عليه من حقوق، وله ولاية على نفسه بإنشاء العقود وغيرها، بل عليه شرعاً أن يكشف ما عليه من الالتزامات، لأن كتمان حقوق الناس وهضمها حرام، لذا يقول تعالى: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) ، فقد أمر المدين بالإملال، أي الإملاء، واعتبر ذلك توثيقاً للدين، وهذا معنى المؤاخذة بالإقرار، فلو لم يكن الإقرار حجة لما طلبه. ويشترط في الإقرار أن يكون المقر بالغاً عاقلاً طائعاً فيه، ولم يصر مكذَّباً فيه بحكم الحاكم، ولم يكن محالاً من كل وجه عقلاً أو شرعاً، ولم يكن محجوراً عليه، وألا يكون مما يكذبه ظاهر الحال، وألا يكون المقر له مجهولاً جهالة فاحشة (م/1573، 575 1، 577 1، 578 1 من المجلة) . التطبيقات 1 - لو أقر وهو صغير أو معتوه أو مكره لا يعتبر إقراره إلا في السارق إذاً أقر مكرهاً، فأفتى بعضهم بصحته. (الزرقا ص 401) . 2 - إذا صار المقر مكذباً بحكم الحاكم بطل إقراره (م/ 587 1، 4 5 6 1) كما إذا ادعى مشتري العقار أنه اشتراه بألف مثلاً، وأثبت البائع أن الشراء كان بألفين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 وقضي له، فإن الشفيع يأخذه بالفين، وإن كان المشتري أقر بالشراء بألف، لأنه لما قضي عليه بالبينة صار مكذباً بحكم الحاكم، وبطل إقراره. (الزرقا ص 401) . 3 - إذا كان المقر به محالاً من كل وجه عقلاً، كما إذا أقر له بأرش يده التي قطعها وهي قائمة، أو كان المقر به محالاً من كل وجه شرعاً، كما إذا أقر لوارث معه أنه يستحق بطريق الإرث أكثر من حصته الشرعية كان باطلاً. (الزرقا ص 402) . 4 - لو أقر بالدين بعد أن قبل إبراء الدائن منه كان باطلاً. (الزرقا ص 402) . 5 - لو أقرت المرأة أن المهر الذي لها على زوجها هو لفلان، أو لوالدها، فإنه لا يصح. (الزرقا ص 410) . 6 - لو أقر لزوجته بنفقة مدة ماضية كانت فيها ناشزة، فإنه لا يصح إقراره. (الزرقا ص 402) . 7 - إذا كان المقر به ليس محالاً من كل وجه، بأن يمكن ثبوته في الجملة، كما إذا أقر لصغير بقرض، أو ثمن مبيع باعه إياه، أو أقرضه، صح كان كان لا يتصور صدوره من الصغير، لأن المقر محل لثبوت الدين عليه للصغير في الجملة. (الزرقا ص 402) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 القاعدة: [109] دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقام الظاهر (م/ لملأ) الألفاظ الأخرى - دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه. التوضيح يعني أنه يحكم بالظاهر فيما يتعسر الاطلاع على حقيقته، فكثير من الأحكام الشرعية المعلومة التي لا تثبت إلا بثبوت عللها، قد تكون عللها خفية يعسر الاطلاع عليها، فأقام الشرع الأمارات الدالة عليها مقامها، وأثبت الحكم بثبوت الأمارات الدالة على العلة الحقيقية. ودليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه فيحال الحكم عليه، ويجعل وجود الدليل وثبوته بمنزلة وجود المدلول وثبوته، يعني أنه يحكم بالظاهر، وهو الدليل، فيما يتعسر الاطلاع عليه، وهو الأمر الباطني. والمراد من الدليل هنا: العلامة، كالنصب التي وضعت لتدل على الإذن بالدخول أو على عدمه، لا ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر؛ لأن ذلك ليس من الظاهر بل من القطعي الذي لا يتخلف. وهذه القاعدة لها صلة وثيقة بمبدأ القضاء بالقرائن. التطبيقات 1 - الرضا في العقود مثلاً من الأمور الباطنة، وهو خفي، ومن العسير أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 المستحيل الوقوف عليه فجعل الشرع الإيجاب والقبول دليله، وقائماً مقامه. (الدعاس ص 85) . 2 - تعمد القتل أمر خفي، فإن قصد القتل لا يوقف عليه، فجعل الشرع استعمال القاتل الآلة الجارحة المفرقة للأجزاء، أو المذهبة للارواح، دليلاً على التعمد والقصد. (الزرقا ص 346، الدعاس ص 85) . 3 - إن المشتري إذا اشترى ما لم ير فله الخيار عند الرؤية، ولكن إذا تصرف في المبيع تصرف الملاك سقط خياره، فقد جعل تصرفه دليل الرضا. (الدعاس ص 85) . 4 - إن المشتري إذا اطلع على عيب قديم في المبيع، فداواه، أو عرضه للبيع مثلاً، كان ذلك رضاً منه بالعيب. (الزرقا ص 354) فمداواته، أو عرضه للبيع دليل الرضا. 5 - إذا أوجب أحد المتعاقدين، فتشاغل الآخر بما يدل على الإعراض من قول أو عمل، بطل الإيجاب. (الزرقا ص 354) . 6 - إن الملتقط إذا أشهد حين الأخذ، وعرفها، كانت أمانة عنده لا تضمن، وإلا فهي غصب، لأن القصد لا يوقف عليه، فالإشهاد والتعريف دليل قصد الرد على المالك. وقال أبو يوسف: لو لم يُشهد أو لم يعرفها، فقال المالك: أخذتها لنفسك. وقال الآخذ: أخذتها لأردها، فالقول قول الآخذ بيمينه، وهو المعتمد. (الزرقا ص 345) . 7 - إن من رأى شيئاً في يد آخر يتصرف فيه تصرف الملاك بلا معارض، ولا منازع، وكان ممن يملك أمثاله مثله، جاز له أن يشهد له بأنه ملكه، لأن الملك من الأمور الخفية غير المشاهدة، وإنما تشاهد دلائله من وضع اليد والتصرف. (الزرقا ص 346) . 8 - عدم سماع الدعوى فيما إذا تركها المدعي مدة مرور الزمن المقدر ب (36) سنة في الوقف وب (15) سنة في غيره. (الزرقا ص 346) . لأن تركه الدعوى مدة مرور الزمن دليل عدم الحق الذي هو من الأمور الخفية. 9 - لو كان شخص حاضراً عقد البيع، ثم شاهد المشتري يتصرف بالمبيع تصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 الملاك في أملاكهم من هدم وبناء ونحوهما، وهو ساكت بلا عذر. وبعد ذلك جاء البائع يدعي بأن هذا المبيع ملكه، فإن دعواه لا تسمع، كان لم يمض عليها مرور الزمن (م/ 1159، 1665) لأن سكوته دليل عدم الحق الذي هو من الأمور الخفية. (الزرقا ص 346) . 10 - إقامة الخلوة بالزوجة مقام الوطء في التزام الزوج كيل المهر، لأن الوطء مما يخفى، والخلوة الصحيحة دليل عليه، فأقيمت مقامه. (الزرقا ص 346) . 11 - إن العمال والجباة والتابعين لبيت المال ومتولي الأوقاف وكتبتها إذا توسعوا في الأموال، وبنوا الأماكن، وظهرت عليهم مظاهر الغنى، وتعاطوا أنواع اللهو كان ذلك دليلاً على خيانتهم الباطنة وارتشائهم، ويجوز للحاكم عزلهم ومصادرة أموالهم، ما لم يثبتوا لها مصدراً، فإن عرف خيانة أرباب الأوقاف في وقف معين رد المال إليه، وإلا وضعه في بيت المال. وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان إذا استعمل عاملاً (موظفاً) كتب ماله، ثم إذا وجد عنده فضلاً ليس له مصدر صادره، أو شاطره إياه على حسب قوة التهمة، ووضعه في بيت المال، وقد مرّ ببناء يبنى بالحجارة والجص، فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين، فقال: "أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها" وشاطره ماله، وكان يقول: "لي على كل خائن أمينان: الماء والطين " وقد صادر الحارث بن وهب الليثي، وقال له: ما قِلاص وأعبد بعتها بمئة دينار؟ فقال: خرجت بنفقة لي فاتجرت فيها، قال: إنا والله ما بعثناك للتجارة، أدِّها، قال: أما والله لا أعمل لك بعدها، فقال عمر: إنا والله لا أستعملك بعدها، وقد شاطر عمرو بن العاص والي مصر ماله، رضي الله عنه وأرضاه. (الزرقا ص 346، الدعاس ص 85) . 12 - اختلاف الزوجين في متاع البيت هما يكون للرجل يجعل في يد الزوج، وما يكون للنساء يجعل في يدها. (الدعاس ص 86) . 13 - ردهم شهادة الأجيى الخاص لمستأجره، وشهادة الآباء للأبناء، والزوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 لزوجته، وعكسه، فأقاموا دليل الخيانة في الأموال من العمال. ودليل المحاباة في الشهادة، مقام الاطلاع على الخيانة والمحاباة، حيث كانت الخيانة والمحاباة من الأمور الباطنة. (الزرقا ص 347) . 14 - لو دخل رجل معروف بالدعارة على رجل في منزله، فبادره صاحب المترل فقتله، وقال: إنه دخل ليقتلني، لم يجب القصاص، حيث كان الداخل معروفاً بالدعارة. (الزرقا ص 347) . المستثنى لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم الرضيع. ولم يُدر أدخل اللبن في حلقه أم لا؟ فإنه لا يحرم. (الزرقا ص 347) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 القاعدة: [110] الثابت بالبرهان كالثابت بالعِيان (م/75) الألفاظ الأخرى - الثابت بالبينة كالثابت عياناً. - الثابت بالبينة بمنزلة المعلوم عند القاضي. - الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة. التوضيح المراد بالبرهان: الأدلة القضائية التي تسمى: البيّنات، أي أن ما ثبت لدى القاضي في مجلس القضاء بالبينة من الحوادث الشرعية يعتبر أمراً واقعاً كأنه محسوس شاهد بالعيان، فيقضي به اعتماداً على هذا الثبوت، وإن كان هناك احتمال خلافه بسبب من الأسباب، ككون الشهود كذبة متسترين بالصلاح، أو نحو ذلك من الاحتمالات؛ لأن كل هذه الاحتمالات تبقى فىِ حيز الموهومات بالنسبة للبينة الظاهرة، ومن القواعد الفقهية أنه "لا عبرة للتوهم " (م/ 74) وإن مهمة القضاء البناء على ما يظهر ويثبت، وليس القاضي مكلفاً باكتناه الحقائق من الواقع فإن هذا ليس في طاقته. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم لتختصمون إليَّ، وعسى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع. . . ". رواه البخاري ومسلم ومالك عن أم سلمة رضي الله عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 فكما أن الأمر المشاهد بحاسة البصر لا يسع الإنسان مخالفته فكذلك ما ثبت بالبينة المزكاة لا تسوغ مخالفته، لأن البينة كاسمها مبيِّنة. ويفترق ما ثبت بالبينة عما ثبت بالحس والمشاهدة في شيء واحد، وهو أن ما كان قائماً مشاهداً لا تسمع دعوى ما يخالفه، ولا تقام البينة عليه، ولا على الإقرار به، كما إذا ادعى على آخر أنه قتل مورثه، وهو حي، أو أنه قطع يده، وهي قائمة، بخلاف ما كان أمراً منقضياً وثبت بالبينة، فإنه تسمع دعوى ما يخالفه، كما إذا ادعى عليه ديناً، فاثبته بالبينة، فادعى عليه المدعى عليه أنه أقر بأن لا شيء عليه، تسمع. التطبيقات 1 - ثبت بالبينة إقرار المدعى عليه بالمدعى مثلاً، يحكم عليه بمنزلة ما إذا أقر بالحضرة والمشاهدة. (الزرقا ص 367) . 2 - إذا ثبت الدين المدعى، أو البيع، أو الكفالة، أو الغصب، أو الملك مثلاً، بالبينة، فإنه يحكم به بمنزلة ما إذا شوهد بالحس. (الزرقا ص 367) . المستثنى لو أنكر المدعى عليه المال، وحلف بالطلاق على ذلك، فأقام المدعي شاهدين شهدا بإقراضه له، لم يحنث، لأنه بالشهادة على الإقراض لم يتحقق قيام الدين حين الحلف. (الزرقا ص 367) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 القاعدة: [111] البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة (م/78) التوضيح إن البينة حجة متعدية أي متجاوزة إلى غير من قامت عليه، وملزمة له، لأن الثابت بالبينة والبرهان يعتبر كالواقع المحسوس، فإنه يعتبر ثابتاً، ويحتج به على غير المقضي عليه أيضاً. وإن الإقرار حجة قاصرة على نفس المقر لا تتجاوزه إلى غيره، لأن كونه حجة يبنى على زعمه، وزعمه ليس بحجة على غيره، ولأن المقر لا ولاية له إلا على نفسه، فله أن يلزم نفسه بما شاء، وليس له سلطة على إلزام غيره، وأيضاً يحتمل أن يكون المقر كاذباً في إقراره ومتواطئاً مع المفر له لإضاعة حق شخص ثالث. والبينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي، والإقرار أقوى من البينة لعدم التهمة فيه غالباً، ولأن الإقرار يعتمد الأهلية بالبلوغ والعقل فقط، ولا يعتمد الولاية على غير المقر، بخلاف الشهادة فإنها حجة متعدية، ولذا كانت تعتمد الولاية، فلا تقبل شهادة من لا ولاية له أصلاً، كالصغير، أو لا ولاية له على المشهود كغير المسلم إذا كان المشهود عليه مسلماً، وشهادة الفاسق والعبد، والمرأة أحياناً، ويقبل إقرارهم مطلقاً، فحيث كانت البينة متعدية وتعتمد الولاية تكون حجة على من قامت بمواجهته وعلى غيره. ويشترط لها حضور الخصم واتصال القضاء بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 التطبيقات 1 - إذا ثبت الدين على التركة بالبينة يثبت في حق جميع الورثة، سواء كان الثبوت بمواجهة الوصي، أو بمواجهة أحد الورثة. (الزرقا ص 396) . 2 - إذا ثبت الاستحقاق بالبينة فإنه يثبت في حق ذي اليد، وفي حق من تلقى ذو اليد الملك منه، فلا تسمع دعوى بائعه الملك على المستحق. (إلا دعوى النتاج، أو دعوى تلقي الملك منه مباشرة أو بالواسطة) لأنه صار مقضياً عليه، لكنه بشرط أن يكون المستحق عليه قد ادعى حين الخصومة قبل الحكم بالاستحقاق الملك بالتلقي منه. (الزرقا ص 396) . 3 - يصح الإقرار بلا وجود منازع ولا مواجهة خصم. (الزرقا ص 359) . 4 - يقتصر إقرار الوارث بدين على التركة على نفسه فقط. (الزرقا ص 359) . 5 - يقتصر إقرار المستحق عليه بالعين المستحقة على نفسه، فينفذ إقرار الوارث على نفسه بقدر حصته، ولا يرجع المستحق عليه على بائعه بالثمن، وتسمع دعوى بائعه بالملك المطلق على المستحق. (الزرقا ص 359) . 6 - يبطل إقرار الوصي والمتولي على التركة والوقف. (الزرقا ص 359) . 7 - لو أقر سعيد مثلاً أن لخالد ألفاً في ذمته ثبت، ولزم الألف، ولو قال: لخالد ألف أيضاً في ذمة عمرو لا يلزم شيء في ذمة عمرو لخالد؛ لأن الإقرار لا يتعدى المقر. (الدعاس ص 88) . 8 - إذا ادعى غريم ديناً على التركة بحضور أحد الورثة فإن أقر الوارث بدين المُوَرِّث يؤاخذ بإقراره، ولكن يكون إقراره مقصوراً على نفسه، فيأخذ المقر له من حصته فقط، ولا يأخذ من بقية الورثة، لأن إقرار رفيقهم لا يسري عليهم. (الدعاس ص 88) . 9 - لو أقر بدين مشترك عليه، وعلى غيره، فإن إقراره هذا ينفذ على نفسه فيؤاخذ به في ماله، ولا يسري على رفيقه، ما لم يصدقه. (الدعاس ص 88) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 10 - لو اشترى جارية فولدت عنده، لا منه، فاستحقها رجل ببيِّنة، فقضى القاضي بالأم، يتبعها ابنها، وإن أقر بها المشترى له، لا يتبعها ولدها، لأن الإقرار حجة قاصرة. (الدعاس ص 88) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل يتعدى فيها الإقرار على غير المقر، وهي: 1 - لو أقر المؤجر بدين لا وفاء له إلا ببيع العين المأجورة، فإن الإجارة تفسخ، ويباع المأجور لوفاء الدين. (الزرقا ص 396) . 2 - لو كان شيء في يد رجل، فادعاه اثنان بالشراء منه، كل على حدة، أو ادعى كل منهما أنه رهنه منه وسلمه إياه، أو ادعى أحدهما الشراء والآخر الرهن، أو ادعى أحدهما الإجارة والآخر الشراء، أو أحدهما الصدقة مع القبض والآخر الشراء، أو ادعى كل منهما الإجارة، ولا بينة في جميع ذلك، فأقرَّ ذو اليد لأحدهما. يمنع الآخر بمجرد إقراره للأول، ولا يستحلف له. (الزرقا ص 396) . 3 - لو أقر الأب على ابنته البكر البالغة بقبضه مهرها من زوجها، فإنه حجة عليها، وتبرأ به ذمة الزوج، وهذا مبني على أن للأب قبض مهر ابنته البالغة بحسب العرف والعادة، وأن من ملك حق القبض ملك الإقرار به. (الزرقا ص 397) . 4 - لو أقر اثنان من الورثة بولد للمتوفى، فإنه يثبت نسبه في حق غيرهم من الورثة، وفي حق الناس كافة، ولا يحتاج في ذلك للفظ الشهادة، ولا إلى مجلس القضاء - على الأصح. (الزرقا ص 397) . 5 - لو ادعى عيناً على آخر، وأراد تحليفه، فأقر به لابنه الصغير تندفع عنه اليمين، لأنه بعد أن أقر به لابنه الصغير لا يصح إقراره به لغيره، فلا يفيده تحليفه، لأن التحليف رجاء النكول، وهو كالإقرار. (الزرقا ص 397) . فقد تعدى الإقرار في هذه الصورة، لكن المفتى به قول محمد من أنه لو أراد تحليف الأب ليأخذ القيمة منه لو نكل، فإنه يحلف، ولو أراد تحليفه ليأخذ العين لا يحلف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وعليه فيحمل الكلام السابق على ما إذا طلب تحليفه ليأخذ العين لو نكل. (الزرقا ص 397) . 6 - وكيل البيع لو أقر بقبض موكله الثمن يبرأ المشتري، كما لو أقر بقبض نفسه، وعلى قياس هذه المسألة ينبغي أن يصح إقراره بقبض الطالب الدائن في مسألة الوكيل بقبض الدين، ويمكن الفرق بينهما بأن وكيل البيع أصيل في قبض الثمن وتعود الحقوق إليه، فله أن يوكل غيره بقبض ثمنه، فأقرَّ بما له تسليط فصح، بخلاف وكيل القبض إذليس له التوكيل فكان مقرَّا بما ليس له تسليطه فلغا، فكل منهما جنس لا تشابه بينهما فيما يظهر حتى يصح تخريج أحدهما على الآخر وقياسه عليه. ولكن يقيد الحكم بأن يكون الموكل سلم المبيع إلى وكيل البيع، وللموكل أن يحلف الوكيل على ما زعم من أنه، أي الموكل، قبض الثمن من المشتري، فإن حلف برئ هو أيضاً، وإن نكل ضمن الثمن للموكل. (الزرقا ص 398 - 399) . 7 - لو أنفق أجنبي على بعض الورثة، فقال: أنفقت بأمر الوصي، وأقر به الوصي، ولا يعلم ذلك إلا بقول الوصي بعد ما أنفق، يقبل قول الوصي، لو كان المنفق عليه صغيراً، فقد تعدى إقرار الوصي على الصغير. (الزرقا ص 399 - 400) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 القاعدة: [112] البينة لإثبات خلاف الظاهر، واليمين لإبقاء الأصل (م/77) التوضيح الأصل براءة ذمة المدعى عليه، فإذا أنكر فهو مستمسك بالحالة الأصلية، فيجب قبول قوله إلى أن يثبت شغل ذمته بسبب طارئ، ولكن لاحتمال كذبه في الإنكار يوثق قوله باليمين إذا طلب المدعي تحليفه عند عجزه عن الإثبات. وهذا مبدأ عام: إن من كان القول له فهو خاضع لليمين إلا في مستثنيات محدودة، لأن اليمين شرعت لإبقاء الأصل على ما كان عليه من عَدَم إن كان الأصل عدم المتنازع فيه، كالصفات العارضة، أو وجودٍ إن كان الأصل وجود المتنازع فيه، كالصفات الأصلية. فإذا تمسك أحد المتخاصمين بما هو الأصل، وعجز الآخر عن إقامة البينة على ما ادعاه من خلافه، يكون القول قول من يتمسك بالأصل مع يمينه. والبينة شرعت لإثبات خلاف الظاهر أي خلاف الأصل، فلا يحكم بخلاف الأصل إلا بالبينة. التطبيقات 1 - ادعى إضافة الحادث إلى أبعد أوقاته فعليه البينة؛ لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته. (الزرقا ص 391) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 2 - ادعى عدم بقاء ما كان، فعليه البينة، لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل بقاء ما كان على ما كان. (الزرقا ص 391) . 3 - ادعى وجود الصفات العارضة، فعليه البينة، لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل عدم وجود الصفات العارضة. (الزرقا ص 391) . 4 - ادعى شغل الذمة، فعليه البينة، لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل براءة الذمة، فلا يحكم بخلاف الأصل إلا بالبينة. (الزرقا ص 391) . 5 - لوكان الأصل في الأشياء الخصوص كالوكالة والعارية، فادعى العموم، فإنه لا يحكم فيها بخلاف الأصل إلا بالبينة. (الزرقا ص 391) . 6 - لو كان الأصل في العقود العموم كالمضاربة، والشركة، فادعى الخصوص، فإنه لا يحكم فيها بخلاف الأصل إلا بالبينة. (الزرقا ص 391) . 7 - تمسك أحد المتخاصمين بما هو الأصل، وعجز الآخر عن إقامة البينة على ما ادعاه من خلافه فيكون القول قول من يتمسك بالأصل مع يمينه. (الزرقا ص 391) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل، منها: 1 - لو رجع الواهب في هبته، وطالب القضاء له باستردادها، فزعم الموهوب له هلاك الهبة، فالقول له في الهلاك بلا يمين. (الدعاس ص 89) . 2 - لو ادعى المودع ردّ الوديعة أو هلاكها، فالقول قوله، مع أن كلاً من الرد والهلاك عارض، والأصل عدمه، وخرجت عن القاعدة؛ لأن مدعي الهلاك أو الرد إنما هو في الحقيقة منكر لما يدعيه المدعي من الضمان. (الزرقا ص 392) . 3 - لو اختلف في الصحة والمرض، فالقول قول من يدير المرض، والبينة بينة من يدعي الصحة (م/ 1766) مع أن المرض عارض، والأصل الصحة، وخرجت عن القاعدة لأنه إنما هو في الحقيقة منكر موجب عقد المريض. (الزرقا ص 392) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 4 - لو اختلف في العقل والجنون، فالقول قول من يدعي الجنون، والبينة بينة من يدعي العقل (م/1767) لأن مدعي الجنون إنما هو في الحقيقة منكر لما يدعيه المدعي من الضمان. (الزرقا ص 392) . 5 - لو اختلف في القدم والحدوث فالقول قول من يدعي القدم. والبينة بينة مدعي الحدوث (م/ 1768) لأن من يدعي القدم إنما هو في الحقيقة منكر حقَّ إزالة ما يدعي حدوثه (الزرقا ص 392) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 القاعدة: [113] البينة على المدعي واليمين على من أنكر (م/76) التوضيح والتطبيقات البينة هي ما يبيّن الحق ويظهره، وتطلق فقهاً على الشهادة، ويكلف بها المدعي. أما اليمين بالله تعالى فتكون من المنكر المدعى عليه. وهذه القاعدة بنصها لفظ حديث نبوي شريف ومشهور، ونصه "لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه " رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، وفي رواية الترمذي والبيهقي "ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر". والحكمة فيه أن جانب المدعي ضعيف، لأنه يدعي خلاف الظاهر، فكانت الحجة القوية واجبة عليه ليتقوى بها جانبه الضعيف، والحجة القوية هي البينة، وجانب المدعى عليه قوي، لأن الأصل عدم المدعى به، فاكتُفِيَ منه بالحجة الضعيفة، وهي اليمين. وهذا أصل لا يعدل عنه، حتى لو اصطلح المتخاصمان على أن المدعي لو حلف، فالمدعى عليه ضامن للمال، وحلف المدعي لم يضمن خصمه. وهذا عند الحنفية فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 وتحليف المدعي والشاهد أمر منسوخ لا يعمل به، لكن لما غلب الفسق في زماننا اختار القضاة استحلاف الشهود لتحصيل غلبة الظن، فلا ترد اليمين على مدعٍ، ولا يقضى بشاهد ويمين عند الحنفية، خلافاً للإمام الشافعي فيهما. ثم إن التحليف يكون بالله تعالى، ولكن يحلف النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، واليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار، فلا يحلف المسلم بالطلاق، ولا بالله ما هي زوجته إلا في مسألة واحدة. وهي: ما إذا ادعت امرأة على رجل نكاحها، وأنكر، فإنه يحلف بالله ما هي زوجة له، وإن كانت زوجة له فهي طالق بائن، وإنما حلفناه بالطلاق لجواز أن يكون كاذباً في الحلف، فلو لم يحلف بالطلاق تبقى المرأة معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة، فلا تتمكن من التزوج بآخر، لأن جحود النكاح ليس بطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 القاعدة: [114] لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم (م/80) الألفاظ الأخرى - لا حجة مع التناقض ولكن لا يختل معه حكم الحاكم. التوضيح التناقض المقصود في هذه القاعدة هو تناقض الشاهد في شهادته المثبتة للدعوى، فإذا وقع التناقض في شهادة الشاهد قبل القضاء بها انهدم الاحتجاج بشهادته، وامتنع القضاء بها، وأما إذا ظهر التناقض في البينة بعد القضاء بها، فإن القضاء الواقع لا يبطل، بل يضمن الشهود للمحكوم عليه ما حكم عليه، وإنما لا يختل حكم الحاكم لأن القضاء يصان عن الإلغاء. ويشترط في رجوع الشاهد أن يكون أمام القاضي، فلو أظهر الرجوع خارج مجلس القضاء فلا عبرة لرجوعه لا قبل الحكم ولا بعده. فلا حجة مع التناقض أي لا تعتبر الحجة، ولا يعمل بها مع قيام التناقض فيها، أو في دعوى المدعي، ولكن إذا وقع التناقض في الحجة، أي الشهادة، بعدما حكم بها القاضي فلا يختل معه حكم الحاكم. والتناقض. إما أن يكون في الدعوى فقط، أو في الشهادة فقط، أو بين الدعوى والشهادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 التطبيقات 1 - لو شهد شاهدان في دعوى الدين مثلاً أن الدين قرض، ثم قالا: إنه ثمن مبيع، انهدم الاحتجاج بالشهادة، وامتنع القضاء بها. (الدعاس ص 95) . 2 - لو رجع الشاهدان عن شهادتهما، لا تبقى شهادتهما حجة، لكن لو كان القاضي حكم بما شهدا به أولاً لا ينقض حكم ذلك الحاكم، وإنما يلزم على الشاهدين ضمان المحكوم به، وكذا لو اعترفا بما يكذب شهادتهما بعد القضاء. (الزرقا ص 415، (الدعاس ص 95) . 3 - لو أقر أحد بأنه استأجر داراً، ثم ادعى أنها ملكه، فإن دعواه لا تسمع، لأن التناقض وقع في الدعوى فترد ابتداء، ولا تسمع حتى يمكن التوصل لإقامة الحجة عليها، إلا إذا كان التناقض يمكن رفعه، مثل إذا دفعه، كان قال: كنت مستأجراً ثم اشتريتها تسمع دعواه. (م/ 1655، 1657) . (الزرقا ص 405) . 4 - قد يكون التناقض في الشهادة، بأن رجع الشهود، لكن يشترط أن يكون رجوعهم في مجلس حاكم، أي حاكم كان، فلو رجعوا خارج مجلس الحاكم لا يلتفت إلى رجوعهم مطلقاً، سواء كان قبل الحكم أو بعده. (م/ 1731) (الزرقا ص 405) . وأما لو رجعوا في حضوره، فإن كان قبل الحكم بشهادتهم ترد، لأنه لا يقضى بكلام متناقض، ويعزرون، ولا ضمان عليهم، لأنهم لم يتلفوا بشهادتهم شيئاً، وإن كان بعد الحكم بها لا ينقض حكم الحاكم الذي صدر قبل الرجوع، لأن كلامهم الثاني مثل كلامهم الأول في احتمال الصدق، فينظر فيما يرجح أحد الكلامين على الآخر، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به، والقضاء يصان عن الإلغاء ما أمكن، فلا ينقض برجوعهم هذا، ولكن يضمنون للمشهود عليه ما تلف بشهادتهم، لأنهم لما رجعوا بعد القضاء فقد أقروا على أنفسهم بالإتلاف، والإتلاف سبب للضمان. وكونهم متناقضين لا ينافي مؤاخذتهم، لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار، كما لو أنكر الخصم ثم أقر، فإنه يعمل بإقراره، لأنه ليس بمتهم فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 وكما يضمن الشهود بالرجوع بعد القضاء يضمنون إذا ذكروا في شهادتهم شيئاً لازماً للقضاء، وقضي به، ثم ظهر الأمر بخلافه، كما لو شهدوا لمن يحجب بغيره من الوراثة أنه وارث، ثم ظهر أنه غير وارث، وأن الوارث غيره، فإن الوارث مخير بين تضمين الشهود أو المشهود له، وكذلك لو شهدوا أن له عليه كذا، فقضي عليه، ثم برهن على إبراء الدائن، فإن المقضي عليه مخير في تضمين الشهود أو المشهود له. بخلاف ما لو شهدوا بقرض فقط فقصي عليه. ثم برهن على الإبراء، فإنه لا سبيل له على الشهود، وإنما يضمن المشهود له. (الزرقا ص 406) . 5 - لو ادعى على آخر ألفاً ثمن مبيع، فشهد الشهود بأنه قرض، أو ادعى ملك الشيء بالإرث من والده، فشهدوا أنه ملكه بالإرث من أمه، أو ادعى بألف قرش ذهباً، فوافق أحد الشهود وخالف الآخر فشهد أنها ألف فضة، ونحو ذلك، فإن البينة في جميع ذلك لا تعتبر (م/ 1711، 1712) للتناقض بين الشهادة ودعوى المدعي. (الزرقا ص 406) . 6 - ادعى على زيد أنه دفع له مالاً ليدفعه إلى غريمه وحلفه، ثم ادعاه على خالد، وزعم أن دعواه على زيد كانت ظناً، لا تقبل، لأن الحق الواحد كما لا يستوفى من اثنين لا يخاصم مع اثنين بوجه واحد، لأن الدافع هو المدعي، فكيف يشتبه عليه فعل نفسه؟ (م/ 1651) وهكذا كل ما كان فعل نفسه فإنه لا يعفى، لأنه ليس مما يشتبه. (الزرقا ص 408) . 7 - لو ادعى أن فلاناً غصب منه الشيء الفلاني، واستهلكه، وعجز عن إثباته، ثم ادعى على آخر أنه غصبه منه، فالظاهر أن دعواه الثانية لا تسمع، لأنه وإن كان فعل غيره لكنه غير مستقل، إذ إنه يدعي أنه غصبه منه، وأزال يده عنه فهو غير مجهول لديه، فلا يعفى. (الزرقا ص 408) . المستثنى 1 - لو استأجر داراً، ثم بعد الاستئجار علم أنها منتقلة إليه بالإرث، وادعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 بذلك، فإن دعواه تسمع، لأن هذا التناقض من محلات الخفاء (م/ 1655) . (الزرقا ص 408) . 2 - لو غاب له ثوب في المقصرة، فادعاه على أحد تلاميذ القصار، ثم ادعاه على آخر، تسمع ولا تناقض بينهما، لأن الحال متى كان يشتبه يعفى، وكذا كل ما كان من فعل غيره مستقلاً عنه، فهو من محلات الخفاء، لأنه مما يشتبه. (الزرقا ص 408) . 3 - لو اختلعت من زوجها على بدل دفعته له، ثم ادعت أنه كان طلقها قبل الخلع ثلاثاً مثلاً، فبرهنت على ذلك، تقبل بينتها، وتسترد البدل، وهذا بخلاف ما لو ادعى نكاحها، فأنكرت، فصالحها على بدل على أن تقر بالنكاح، ثم وجد بينة على النكاح الأولى المدعى. لا يرجع بالبدل، لأنه كزيادة في المهر. (الزرقا ص 408 - 409) . 4 - لو ادعى عيناً في يد آخر أنها ملكه، فأجاب المدعى عليه بقوله: إن العين كانت ملك فلان، دكاني اشتريتها منه، وأقام المدعي البينة على دعواه وحكم له بالعين، رجع المدعى عليه على بائعه بالثمن، لأن التناقض الذي وقع بين إقراره بكون العين للبائع، وبين رجوعه بالثمن بعد الحكم قد ارتفع بتكذيب الحاكم له في إقراره (م/ 1654) فالمتناقض إذا صار مكذباً شرعاً بتكذيب الحاكم له يرتفع تناقضه. (الزرقا ص 459) . ولكن هذا مقيد بما إذا كان المتناقض يجري في رجوعه عن تناقضه على ما قامت عليه البينة كالمثال المذكور، أما إذا كان يريد أن يجري على خلاف ما قامت عليه البينة، فإنه لا يسمع منه ذلك، ولا تقبل، ويرد للمتناقض حسب القاعدة. فلو ادعى على آخر ديناً، فأنكر المدعى عليه بقوله: ما كان لك عليَّ شيء قط ولا أعرفك، فبرهن المدعي على الدين، فبرهن المدعى عليه على الإيفاء، أو على الإبراء، لا تقبل، لأن البينة قامت على قيام الدين، وبدعواه الإيفاء يردُّ ما قامت عليه البينة فلا يقبل. وكذلك لو ادعى على آخر عيناً بالشراء منه، فأنكر البيع، فبرهن عليه المشتري، ثم وجد بالمبيع عيباً، فأراد رده عليه بالعيب، فبرهن البائع أنه برئ إليه من كل عيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 لا تقبل بينته، مع أنه صار مكذباً بالقضاء عليه، وذلك لأن البينة قامت على بيع مطلق موجب لتسليم المبيع سليماً، وبدعواه البراءة من العيوب يرد ما قامت عليه البينة، فلا تقبل، لكانه صار مكذباً بحكم الحاكم، لأنه والحالة هذه لا يجري على موجب حكم الحاكم. بخلاف ما سبق في فرع (المادة 1654) فإن المدعى عليه بعد تكذيب الحاكم له جار على موجب حكم الحاكم. (الزرقا ص 409 - 410) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 القاعدة: [115] الإسقاط قبل سبب الوجوب يكون لغوًا الألفاظ الأخرى - إسقاط ما ليس بواجب لا يتحقق. - الإسقاط قبل وجوب سبب الوجوب باطل. التوضيح الإسقاط: معناه الإبراء عن المستحق والعفو عنه وعدم المطالبة به، وصرح السرخسي الحنفي رحمه الله تعالى بهذه القاعدة، ويتفق عليها معظم الفقهاء والمذاهب، وأن الإبراء عن المستحق لا يتم ولا يتحقق قبل وجود سبب هذا الاستحقاق ووجوبه، وإلا كان الإبراء باطلاً غير متحقق؛ لأنَه إسقاط لما ليس بموجود، وهو مستحيل. التطبيقات 1 - إذا أبرأه عن ثمن المبيع قبل البيع، فلا يصح. 2 - إذا أسقط شفعته قبل الشراء، وقبل تحقق بيع المشفوع، فلا يصح الإسقاط، وله المطالبة بعد البيع والشراء. 3 - إذا أسقطت المرأة المهر قبل عقد النكاح، فلا يسقط. (السرخسي 14/ 105) . 4 - إذا أبرأه من الأجرة قبل استيفاء المنفعة فلا يبرأ. (السرخسي 15/ 112) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 القاعدة: [116] الإجازة اللاحقة كالوحالة السابقة (م/1453) الألفاظ الأخرى - الأصل أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. - الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء. - الأصل أن الإجازة تصح ثم تستند إلى وقت العقد. التوضيح إذا تصرف الإنسان فيما يملكه غيره ببيع أو هبة أو إعارة أو إجارة أو غير ذلك من التصرفات القولية؛ فإن تصرفه موقوف في نظر الحنفية، ويسمى المتصرف بالفضولي. والأصل أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره أو حقه بغير إذن، ويكون التصرف موقوفاً على إذن صاحب الحق، فإن أذن له مسبقاً كان التصرف صحيحاً باتفاق العلماء، فإن لم يسبق الإذن، ثم وقع التصرف، فأجازه صاحب الملك أو الحق فقال الحنفية: بصحة التصرف، وأن الإجازة أي الإذن) اللاحق يعتبر كالوكالة والإذن السابق، ويصح التصرف، وينتج أثره، وإلا اعتبر المتصرف غاصباً وبطل تصرفه وخالف الشافعية فقالوا لا تتوقف في المذهب الجديد، وعند أحمد رحمه الله روايتان في صحة بيع الفضولي، وأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 التطبيقات من عقد على مال غيره ببيع أو إجارة بغير أمره، أو زوّج امرأة بغير إذنها، ثم بلغهم خبر ذلك التصرف فأجازوه نفذ، وصار العاقد كأنه وكل بذلك العقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 القاعدة: [117] الاحتياط في باب العبادات واجب الألفاظ الأخرى - الأصل الاحتياط في العبادات. الاحتياط في العبادة ليؤديها بكمالها واجب. - الأخذ بالاحتياط في قضاء العبادات واجب. التوضيح الاحتياط يعني الأخذ بالثقة، والتأكد من الشيء للاطمئنان له، والقاعدة المستقرة في العبادات وجوب أدائها بكمالها، لتبرأ الذمة منها، فإن طرأ شك أو تردد في أدائها كاملة، أو في أداء بعض أركانها، فيجب على المكلف الأخذ والعمل بما هو أوثق وأحوط في دينه؛ لأن ذمته مشغولة بالعبادة المطلوبة يقيناً، فيجب أن تؤدى العبادة على وجه اليقين أو غلبة الظن لتبرأ الذمة؛ لأن الذمة إذا شغلت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله، لذلك كان الاحتياط في باب العبادات واجباً، سواء كان بالأداء أم بالقضاء، وهذا ما أكده السرخسي الحنفي رحمه الله تعالى. التطبيقات 1 - من تذكر فائتة من الصلوات، ولا يدري أيما هي من صلوات اليوم والليلة فعليه صلاة يوم وليلة احتياطاً، فيصلي خمس صلوات حتى يتيقن من براءة ذمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 2 - إخراج صاع من الحنطة في زكاة الفطر أخذاً بالاحتياط، للاختلاف في الآثار الواردة في مقدار الخرج، هل هو صاع أو نصف صاع؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 القاعدة: [118] الأكثر يقوم مقام الكل الألفاظ الأخرى - الأكثر ينزل منزلة الكمال. - للأكثر حكم الكمال أو حكم الكل. - الأقل يتبع الأكثر. - إقامة الأكثر مقام الكل أصل في الشرع. - الأقل تبع للأكثر، وللأكثر حكم الكل. التوضح هذه القاعدة بألفاظها المتعددة تؤدي معنى متحداً، وهو أن الحكم إذا تعلق بمتحدد، ووجد أكثر هذا المتعدد، فإن الحكم يطبق على الكل، ولا يضر ثبوتَ الحكم تخلف الأقل، أو عدم وجوده، وذلك عند الحنفية. وهذه قاعدة أغلبية، لا كلية، لأن من الأمور ما لا يجوز اعتباره إلا كاملاً، ولو وجد أكثره لا يكون صحيحاً، كالصلاة والطهارة وقراءة الفاتحة في الصلاة، ومقدار الحدود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 التطبيقات 1 - المطلوب في حل الذبيحة الاختيارية قطع الحلقوم والمريء والودجين، ولكن أجازوا قطع أكثرها، أو أكثر كل واحد منها، فتحل. (البورنو 2/ 255) . 2 - إذا باعوا أرضاً وذكروا لها ثلاثة حدود جاز البيع. ولو لم يذكر الحد الرابع. (البورنو 2/ 255) . 3 - إذا طاف عند الحنفية خمسة أشواط، أو ستة أجزأته. لأن للأكثر حكم الكل. (البورنو 2/ 255) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 الباب الرابع القواعد الفقهية الكلية عند المالكية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 القاعدة: [119] المفرط ضامن التوضيح إن من أتلف مال غيره عمداً فإنه يضمنه بأن يؤدي مثله إن كان مثلياً، أو قيمته إن كان قيمياً. أما إن ضاع منه ذلك قهراً، أو غلبة، أو بجائحة وقضاء وقدراً، ومن غير تفريط ولا إهمال منه فإنه لا يضمنه، إلا إذا كان معتدياً في وضع اليد فإنه يضمن كالغاصب. ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضمان على مؤتمن"؛ لأن الشأن والعادة فيمن يأتمنه الناس على أموالهم وودائعهم أن يحافظ عليها، فإن ضاعت فلا يضمنها، لعدم تفريطه، فإن ثبت تفريطه فإنه يضمن، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "على اليد ما أخذت حتى تؤديه". وروي عن أنس رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضمَّنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 وديعة كانت معه فسرقت أو ضاعت منه " وفسر ذلك بأنه ضمنها بتفريطه فيها. وهكذا في كل ما يتلفه الإنسان عمداً وتفريطاً، وبتسبب منه. التطبيقات 1 - المستعير إذا أهمل العارية، ولم يحفظها حتى ضاعت، أو أساء في استعمالها، فإنه يضمنها. (الروقي ص 339) . 2 - الوديع الذي يعرض الوديعة للهلاك، ولا يحفظها في المكان المناسب الذي يحفظ فيه ماله حتى هلكت، فإنه يضمنها. (الروقي ص 339) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 القاعدة: [120] ما يضمن بالعمد يضمن بالخطأ التوضيح إن من باشر إتلاف حق لغيره فإنه يضمنه، سواء أتلفه عمداً أو خطأ. قال ابن رشد رحمه الله تعالى: " الأموال تضمن عمداً أو خطأ". وعليه أكثر الفقهاء، وهو ما اعتمدته مجلة الأحكام العدلية في القاعدة 91، " المباشر ضامن وإن لم يتعمد" المادة/ 92، كما سبق. ووجه التسوية بين العمد والخطأ أن مجرد المباشرة للإتلاف يكفي أن يكون موجباً للضمان بغض النظر عن العمد والخطأ، فإذا صاحب ذلك تعمد ترتب على المباشرة حكمان: حكم على مباشرة الإتلاف، وحكم على تعمده، فيكون ضامناً من جهة القضاء، وآثماً ديانة أمام الله تعالى، أما في حالة الخطأ فليس عليه إلا الضمان؛ لأن الإثم يرتفع بالخطأ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". ولذلك كان جزاء القاتل عمداً وعدواناً: القصاص في الدنيا، والعقاب في الآخرة. بينما جزاء القاتل خطأ الكفارة والدية. التطبيقات 1 - من زلقت به رجله فسقط على مال غيره، وأتلفه. فإنه يضمنه. (الروقي ص 344) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 2 - من رمى بشرارة فأحرقت ثوب غيره فإنه يضمنه. (الروقي ص 344) . 3 - من كان يتدرب على الرمي بالرصاص فأصاب حيوان غيره فقتله، فإنه يضمنه. (الروقي ص 344) . 4 - من اجتهد في صرت زكاته، فاعطاها لمن يعتقد أنه فقير، ثم تبين أنه غني، فإنه يضمن تلك الزكاة، ولا تبرأ منها ذمته، لأنه باشر إتلاف حق الله تعالى بصرفه لمن لا يستحق. (الروقي ص 344) . المستثنى 1 - ما يتلفه الإنسان دفاعاً عن نفسه فإنه لا يضمنه، وهو ما يعرف عند الفقهاء بدفع صولة الصائل، أو دفع الصائل. (الروقي ص 344) . 2 - من لقي لصاً فناشده الله تعالى، فأبى الكف عنه، قاتله، فإن قتله فدمه هدر، ولا شيء عليه (الزوقا ص 344) لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل. فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؛ قال: " فلا تعطه مالك " قال: أرأيت إن قاتلني؛ قال: "قاتله " قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار" لأن نفس المسلم وماله وعرضه حرام على غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 القاعدة: [121] ما يوجب ضمان المنقول يوجب ضمان الأصول التوضيح هذه القاعدة متفرعة عن قاعدة "ما يضمن بالعمد يضمن بالخطأ. ومكملة لها. ومعناها أن الضمان بالعمد أو بالخطأ في المنقولات كالحيوانات والعروض وسائر ما ينقل، يوجب الضمان في الأصول أي العقارات كالدار والأرض والشجر وأنواع العقار. التطبيقات 1 - العقار يضمن بالغصب، كالدار المغصوبة مثلاً إذا انهدمت في يد الغاصب فإنه يضمنها عند الجمهور، ولا يضمنها عند أبي حنيفة، وسبب الاختلاف أن الجمهور اعتبروا يد الغاصب على العقار كيده على المنقول، وهي يد معتدية، بينما يرى أبو حنيفة أن ضياع العقار وهلاكه ليس باعتداء يد الغاصب، وإنما هو بشيء خارج عنها كانهدام الدار. (الروقي ص 354) . 2 - يتصل بالمسألة السابقة اختلافهم أيضاً في منافع المعين المغصوبة. فقال أبو حنيفة: لا تضمن، وقال الشافعي وأحمد تضمن. ونقل عن مالك روايتان، وفي المذهب أقوال، وأخذ كبار المالكية بالضمان؛ لأن المنافع كالأعيان في المالية والضمان؛ لأنها أخذ مال بغير حق. فيجب أن يرد. (الروقي ص 347) . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 القاعدة: [122] ما تصح إجارته فعلى متلفه الضمان الألفاظ الأخرى - ما أذن في اتخاذه فعلى متلفه الضمان. التوضيح هذان اللفظان مترادفان ومتحدان في الحكم، ومعناهما: أن الأعيان التي يجوز اتخاذها والانتفاع بها، وإيجارها للغير، يجب الضمان على من أتلفها لصاحبها. التطبيقات من قتل لغيره كلب صيد أو ماشية أو زرع، فعليه قيمته، سواء قلنا: بجواز بيعه أم لا، وخالف الشافعي في ذلك فلم يوجب الضمان. (الروقي ص 348) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 القاعدة: [123] كل ما لا يضمن من التلفات المأخوذة بغير إشهاد لا يضمن إذا أخذ بغير إشهاد التوضيح إن أموال الغير التي لا يضمنها واضع اليد شرعاً لأنها أمانة، حتى ولو كانت بإشهاد، كالوديعة والقراض والمساقاة وأشباه ذلك، فإنها لا تضمن كذلك إذا وضع يده عليها بغير إشهاد، كما إذا ضاعت قهراً من غير تفريط؛ لأن يده عليها يد أمان، وصاحب يد الأمان مؤتمن، فلا يضمن إلا بالتفريط أو التعدي أو التقصير. التطبيقات 1 - إذا تلفت اللقطة فلا ضمان على الملتقط، لأن يده يد أمان. (الروقي 348) لما روى زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة، فقال: "اعرف عفاصها، ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه " وخالف أبو حنيفة وزفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 في ذلك ففرقا بين الملتقط الذي يشهد على اللقطة حين أخذها ليردها، وبين الذي لا يشهد، فأوجبا الضمان على الذي لم يشهد، ولم يوجباه على من أشهد. 2 - إن الوديعة، ومال القراض، ومال المساقاة أمانة في اليد، وتؤخذ بغير إشهاد، ولا تضمن إذا تلفت بغير تعد ولا تقصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 القاعدة: [124] الزعيم غارم التوضيح الزعيم: هو الكفيل، قال تعالى على لسان يوسف: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) . أي كفيل. والكفيل يضمن كل ما تكفل به من حقوق الغير، فإذا كفل غيره في دين - مثلاً - ثم حصل للمدين ما يحول بين الدائن وبين استرداد دينه، بموت أو إفلاس، أو هرب، أو نحو ذلك، فإن الكفيل يضمن ذلك المال للدائن، لأنه متسبب بتفويته - بكفالته - إذ لولاه لما أعطى الدائن الدين للمكفول. وأصل هذه القاعدة ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدَّين مقضي، والزعيم غارم". فيجب أن ترد العارية لصاحبها، فإن ضاعت بتفريط المستعير ضمنها، والمنحة: هي ما يمنحه الرجل لصاحبه من أرض أو حيوان أو شجر بقصد استغلاله مدة، وهي مضمونة لأنها بحكم العارية، ويجب قضاء الدين، وضمانه على المدين. التطبيقات 1 - الكفيل في المال غارم. 2 - الكفيل في النفس غارم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 القاعدة: [125] إيجاب الأخذ يفيد إيجاب الدفع التوضيح إذا أوجب الله تعالى على إنسان أخذ شيء من إنسان آخر، فهذا الإيجاب يفيد إيجاب الدفع على المأخوذ منه، لأن الأخذ يكون بين شخصين، فإذا وجب على الآخذ الأخذ وجب على المأخوذ منه الدفع. مثال ذلك أن الإمام يجب عليه أخذ الزكاة من الأغنياء ليردها على الفقراء، لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) . ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوك لذلك للشهادتين ثم للصلاة، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ". وإذا كان أخذ الإمام أو سعاته واجباً؛ لأن الأمر يفيد الوجوب، فإن هذا يقتضي أن يكون دفعها إليهم ممن وجبت عليه واجباً أيضاً. التطبيقات المالك إذا فرق الزكاة بنفسه في الأموال الظاهرة، وهي الماشية والثمار والزروع، ثم جاء الساعي من الإمام العدل، فإنه يضمنها عند المالكية، وخالف الشافعية ذلك فلم يوجبوا عليه الضمان، لأنهم خيَّروا المزكي بين تفريقها بنفسه وإعطائها للإماء. (الروقي ص 350) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 القاعدة: [126] العقد على الأعيان كالعقد على منافعها التوضيح العقد هو ارتباط إيجاب بقبول على وجه يظهر أثره الشرعي، ويرد العقد على المعقود عليه الذي يسمى محل العقد، وقد يكون عيناً وهو الرقبة أو الجرم المادي. وقد يرد على المنفعة وهي الثمرة التي تقصد من العين. ويرد العقد عادة على الأعيان أو على المنافع، وينتج على العقد الآثار والنتائج نفسها، سواء ورد على العين أو المنفعة. التطبيقات 1 - إذا اختلف المتبايعان في مقدار الثمن بعد العقد وقبض المبيع، فإن القول قول المشتري مع يمينه لاحتمال تعذر الفسخ بفوات المبيع. كما هو الشأن في العقد على المنافع (الإجارة) فإن اختلف المستأجر والأجير في مقدار الأجرة بعد انتهاء مدة الإجارة، يكون القول فيهما للأجير مع يمينه لتعذر الفسخ بفوات المنفعة (الروقي ص 354) . 2 - إن اختلاف الفقهاء في ضمان المغصوب هو كاختلافهم في ضمان المنافع عند اغتصاب عينها، وسبق بيان ذلك فالعقار يضمن بالغصب عند الجمهور، ولا يضمن عند الحنفية، ومنافع المغصوب مضمونة عند الجمهور خلافاً للحنفية (الروقي ص 354، 355) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 القاعدة: [127] كل ما لم يمنع العقد على العين، لم يمنع العقد على منفعتها التوضيح يكون محل العقد إما على العين كما في البيع والهبة، وإما على المنافع كالإجارة. وكل عين يمكن أن تكون محلاً للعقد، يصح أن تكون منفعتها محلاً له، لأن المنفعة هي المقصود أصلاً من الأعيان، وهذه القاعدة مكملة للقاعدة السابقة أن العقد على الأعيان كالعقد على المنافع، وأكد ذلك الإمام مالك فقال: (كل شيء جاز بيعه فلا بأس أن يستأجر به ". التطبيقات يجوز للشريك أن يبيع نصيبه المشاع (وهو المال المشترك) ، فيجوز له أن يؤجره لأي إنسان، وخالف في ذلك أبو حنيفة، فلم يجز ذلك إلا من الشريك لشريكه. (الروقي ص 355) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 القاعدة: [128] كل عقد جاز أن يكون على القسمة، جاز أن يكون على المشاع التوضيح إن محل العقد إما أن يكون مفروزاً، ومملكه شخص واحد، وإما أن يكون مملوكاً على الشيوع بسبب الشركة فيه. وإن العقود التي ترد على المال المقسوم تجوز أن تكون على المآل المشاع المشترك. ولذلك قال الشافعية: كل ما جاز بيعه جاز رهنه. وقال الحنابلة: كل شيء جاز بيعها جاز رهنها. التطبيقات كما يجوز بيع المنقول أو العقار المقسوم، يجوز رهن كل منهما، وخالف في ذلك أبو حنيفة، فقال: يصح رهن المقسوم، ولا يصح رهن المشاع، ويشهد لمذهب المالكية في صحة رهن المشاع قوله تعالى: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) . فالآية مطلقة في كل مال، وتبقى على إطلاقها. (الروقي ص 355) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 القاعدة: [129] العقود لا تثبت في الذمم التوضيح الذمة: هي الوعاء المعنوي الذي تستقر به التزامات الإنسان، أو هي محل الالتزام في الإنسان، وتبدأ من حين تحقق وجوده في بطن أمه، وتستمر حتى انقضاء الالتزامات التي انعقدت أسبابها قبل موته. ولا يجوز للعاقدين أن يتعاقدا بذممهما، أي بما يثبت في ذمة كل منهما، مثل أن يقول الرجل لآخر: أسلفك ألف درهم على أن تزوجني ابنتك عليها، فالدراهم التزام في الذمة، ولا وجود لها، والتزويج التزام في الذمة. التطبيقات 1 - إن شركة الذمم، وهي اشتراك شخصين في شراء السلعة بالذمة، على أن يقتسما الربح، ويتحملا الخسارة حسب الاتفاق، ممنوعة عند المالكية، لأنها عقد في الذمة. (الروقي ص 356) . 2 - إذا قالت الأمة لسيدها: اعتقني على أن أتزوجك، ويكون عتقي صداقي، فأعتقها، فذهب مالك أن العتق واقع، وهي بالخيار إن شاءت تزوجته، وإن شاءت لم تتزوجه، ولا شيء عليها، وإن اختارت أن تتزوجه فلها صداقها من جديد، ولا يكفي أن يكون عتقها صداقها. (الروقي ص 356) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 القاعدة: [130] كل عقد فاسد مردود إلى صحيحه التوضيح إن العقد الصحيح هو الذي تتوفر فيه أركانه وشروطه، ثم تترتب عليه آثاره المقررة شرعاً واتفاقاً، فإذا اختل ركن من أركانه، أو شرط من شروطه كان فاسداً، ولا تترتب عليه آثاره، ويفسخ بين العاقدين، ويفصل بينهما كما لو كان ذلك العقد صحيحاً، فالبيع الفاسد - مثلاً - يفسخ، ويرد كل من المتبايعين ما بيده للآخر، فإن فات المبيع بيد المشتري رد قيمته للبائع، وفي الأنكحة أيضاً يفسخ النكاح الفاسد. ويعطى للزوجة مهر المثل إن كان الفسخ بعد الدخول، ويقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى، وهي "فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه ". التطبيقات 1 - شركة الذمم، وهي اشتراك شخصين في شراء السلعة بالذمة على أن يقتسما الربح ويتحملا الخسارة حسب الاتفاق، وهي ممنوعة وفاسدة عند المالكية، وإذا انعقدت بين شخصين يجهلان حكمها فإنها تفسخ، ويقتسمان الربح الناتج كما لو كان العقد صحيحاً. (الروقي ص 356) . 2 - القراض نوع من الشركة، وهي أن يشترك طرفان، أحدهما بالمال، والآخر بالعمل، على أساس أن يقتسما الربح حسب الاتفاق، وتكون الخسارة على المال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 ويسمى مضاربة أيضاً، فإذا اختل فيه ركن أو شرط صار فاسداً، ويفسخ، ويعطى العامل قراض المثل حسب الظاهر من مذهب مالك. وقيل: يفسخ القراض ويعطى العامل أجرة المثل. (الروقي ص 357) واستدل القاضي عبد الوهاب للقول الأول بقوله: "إن الأصول موضوعة على أن شبه كل عقد فاسد مردود إلى صحيحه، كالبيع والإجارة والنكاح وغير ذلك، وكذلك القراض، وليس في الأصول عقد يرد فاسده إلى صحيح غيره أو فاسده". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 القاعدة: [131] الشرط الباطل لا يؤثر في العقد التوضيح إن العقد إذا استجمع أركانه وشروطه الشرعية كان صحيحاً، ولا عبرة بما خرج عنه من الشروط الباطلة التي يشترطها المتعاقدان أو أحدهما؛ لأنها لاغية بالنسبة للشرع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحلَّ حراماً". فيلغى الشرط، ويبقى العقد صحيحاً. التطبيقات 1 - إذا كاتب الرجل أمته على شرط أن يطأها، فذهب الإمام مالك أن الكتابة صحيحة، والشرط باطل. وخالف أبو حنيفة والشافعي فقالا: إن الكتابة فاسدة. واحتج القاضي عبد الوهاب عليهما بقوله: "فدليلنا أن ذلك اشتراط منفعة من منافعها لا تؤدي إلى منع المقصود بالعقد. فإذا بطل لم يؤد إلى إبطال أصل الكتابة. أصله: لو كاتبها على أن يستخدمها أو يزوجها من غلامه ". والحديث السابق يشهد لمذهب الإمام مالك. ويشهد له أيضاً حديث عائشة أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 بريرة أتتها تسألها في كتابتها، ويكون الولاء لمن يملكها، فقالت لها عائشة: إن شئت أعطيت أهلك، ويكون الولاء لي، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت له ذلك، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: "ابتاعيها، فاعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؛ من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مئة شرط ". وهذا في الشرط المباح، ففي الشرط الحرام أولى وأحرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 القاعدة: [132] ما ليس بشرط في صحة العقد فليس بواجب أن يقترن به التوضيح يتوقف وجود العقد على وجود أركانه، وتوفر شروطه التي اشترطها الشرع، ويمكن للعاقدين أن يضيفا شروطاً أخرى بإرادتهما واتفاقهما، فإن كان الشرط إرادياً ولم يتفقا عليه، فلا يتوقف صحة العقد عليه، ولا يجب أن يقترن بالعقد، لأنه أمر زائد عنه ولا بدَّ من الاتفاق عليه عند العقد حتى يصبح ملزماً. التطبيقات 1 - إن رؤية المخطوبة ليست شرطاً في عقد النكاح، ويمكن الاكتفاء بوصفها، فإذا انعقد النكاح بدون الرؤية كان صحيحاً. (الروقي ص 359) . 2 - إذا كانت رؤية المبيع شاقة أو تحدث ضرراً بالمبيع كالسلع المستوردة في العلب والأكياس ونحوها بوصفها في الدفتر، فيجوز البيع بدون رؤيتها والاكتفاء برؤية البرنامج أو النموذج أو العينة أو المسطرة لها. (الروقي ص 1359. وهذا يتفق مع قاعدة عند الحنفية، ونصها "الأشياء التي تباع على مقتضى أنموذجها تكفي رؤية الأنموذج منها فقط ". 3 - يجوز بيع العين الغائبة إذا وصفت وصفاً يحصل به العلم بها، وخالف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 الشافعي في ذلك في أظهر قوليه فذهب إلى أن الأعيان لا تباع إلا على الرؤية، وهو المذهب الجديد. ويشهد لمذهب الإمام مالك حديث: "من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه، إن شاء أخذه، وإن شاء تركه" لكن البيهقي ضعف هذا الحديث ثم نقل عن ابن سيرين أنه كان يقول بخيار الرؤية، ونقل أيضاً عن جبير بن مطعم أنه حكم به لطلحة ابن عبيد الله على عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 القاعدة: [133] الإكراه يبطل العقد التوضيح العبرة في العقود بالنية والباعث والقصد من المكلف، فإذا انتفى ذلك بالإكراه فلا لزوم للعقد، ويكون فاسداً وباطلاً. غير أن الأحناف يخالفون ذلك في بعض الفروع، وهي العتق واليمين والنكاح والطلاق والرجعة، وقالوا: إن الإكراه لا يبطل هذه العقود، بل هي لازمة رغم كون عاقدها مكرهاً. ويرد عليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". وفي رواية: "رفع القلم عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". ولأن العقد الذي ينشأ بضغط الإكراه باطل لفقدانه أهم شيء يتكون منه وهو القصد والإرادة، فهما روحه وجوهره. التطبيقات تشمل هذه القاعدة جميع العقود، فإنها تبطل مع الإكراه، لفقدان الإرادة، وهي ركن من أركان العقد، ولذلك وردت قاعدة أخرى "العقود كلها تفسد بالإكراه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 القاعدة: [134] كل ما يصح تأبيده من عقود المعاوضات فلا يصح توقيته التوضيح إن عقود المعاوضات يتم فيها المبادلة من الطرفين، وبعضها يكون مؤبداً أي على الدوام بحسب طبيعته، ولذلك لا يصح توقيته بوقت محدد، فإن وقّت بطل. التطبيقات 1 - عقد البيع يصح تأبيده، فلا يصح توقيته، لذلك قال الفقهاء: البيع لا يتوقت، وأما قول الرجل للآخر: بعتك داري شهراً - مثلاً - فهذه إجارة وليست بيعاً. (الروقي ص 362) . 2 - عقد النكاح من المعاوضات، والأصل فيه التأبيد، فلا يصح توقيته، لذلك لا يجوز نكاح المتعة. (الروقي ص 362) وقد ثبت في الحديث عن علي رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح المتعة آخراً وهذا ناسخ لما ورد في تجويزه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 القاعدة: [135] كل ما كان لأحد المتعاقدين فسخه بوجه كان للآخر فسخه بمثل ذلك الوجه التوضيح إن الأصل في معظم العقود أن تكون لازمة، فلا يحق لأحد المتعاقدين فسخها بإرادته المنفردة، لأن العقد حين انعقد انعقد برضاهما وإرادتهما معاً، فلا يفسخ إلا برضاهما، فإن وجد سبب لفسخ العقد بعد انعقاده، فإنه يشترك فيه العاقدان معاً. ويقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى في المذهب الحنفي، وهي: "أحد المتعاوضين لا ينفرد بفسخ المعاوضة من غير رضا الآخر". وقاعدة أخرى: "أحد المتعاقدين لا ينفرد بتفريق الصفقة المجتمعة ". التطبيقات 1 - البيع لا يفسخ إلا بوجود سبب يهم البائعين معا كالعيب مثلاً. أو كان يجد المشتري المبيع على غير ما وصف له، وذلك في بيع العين الغائبة، فيحق فسخه ممن يرفض العيب. (الروقي ص 363) . 2 - عقد الإجارة لا يجوز فسخه بإرادة أحد العاقدين في مذهب الإمام مالك، وأجاز ذلك أبو حنيفة. (الروقي ص 364) ويشهد لمذهب المنع عموم قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) . وإن الإجارة عقد معاوضة كالبيع، فلا ينفسخ بإرادة أحد العاقدين وحدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 القاعدة: [136] ما هو موجَب العقد لا يحتاج إلى اشتراطه التوضيح إن موجَب العقد هو ما يترتب عليه أصالة، فهو تابع له، والشيء الذي هو تابع للمعقود عليه بالضرورة، أو هو جزء منه، لا يحتاج إلى النص على اشتراطه في العقد. وهذه القاعدة ترادف قاعدة أخرى، وهي "التابع تابع " أي التابع للشيء في وجوده تابع له في الحكم. وهذه القاعدة تشبه قاعدة ثانية عند الحنفية، وهي "التصريح بمقتضى العقد لا يزيده إلا وكادة". وقاعدة ثالثة عندهم: "تفسير موجب العقد لا يغير حكمه ". وقاعدة رابعة: "من ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته ". التطبيقات 1 - بيع السيارهَ - مثلاً - لا يحتاج فيه إلى النص على اشتراط مقاعدها (الروقي ص 364) . 2 - كراء الدار لا يحتاج إلى النص على وجوب إفراغها للمكتري من متاع المكري أو غيره. (الروقي ص 364) . 3 - المستعير للأرض إذا غرس فيها وبنى، ثم انتهت مدة الإعارة، فالمالك مختار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 بين أن يلزم المستعير بقلع البناء والغرس، وبين أن يعطيه قيمته مقلوعاً، وخالف الشافعي في ذلك، فذهب إلى أن المالك ليس له أن يطالب المستعير بذلك إلا إذا اشترط عليه ذلك في العقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 القاعدة: [137] ما حرم للاستعمال حرم للاتخاذ التوضيح إن الشيء الذي يحرم على المسلم أن يستعمله ويستخدمه، يحرم عليه ملكه واتخاذه، لأن اتخاذه يفضي إلى استعماله، وما يفضي إلى الحرام فهو حرام. وهذه القاعدة تشبه القاعدة الكلية عند الشافعية: " ما حرم استعماله حرم اتخاذه". التطبيقات 1 - يحرم شرب الخمر وأكل الخنزير واستعمال آلات اللهو، والحلي بالنسبة للرجال، فيحرم اتخاذها واقتناؤها. (الروقي ص 368) . 2 - يحرم استعمال أواني المذهب والفضة، فيحرم اتخاذها واقتناؤها. (الروقي ص 368) وكذلك سائر المحرمات التي نهى الشرع عن استعمالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 القاعدة: [138] ما حرم لذاته حرم ثمنه التوضيح إن الله تعالى حرَّم على المسلم أن يملك بعض الأشياء لذاتها، فيحرم عليه أن يملك ثمنها، وتشبه قاعدة المالكية الثانية "ما حرم في نفسه حرم عوضه" وقاعدة المالكية الثالثة "ما حرم نفعاً، فأولى أن يحرم عوضاً". وهذه القاعدة متفرعة عن قاعدة "ما حرم للاستعمال حرم للاتخاذ". وأصل هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح (يستضيء) بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها أجملوه اي أذابوه حتى يصير ودكاً) ثم باعوه فأكلوا ثمنه ". والضمير في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو حرام " يحتمل أن يكون عائداً على الانتفاع. ويحتمل أن يكون عائداً على البيع، فعلى الاحتمال الأول يكون الانتفاع بشحوم الميتة وما هو في حكمها حراماً. وعلى هذا جمهور الفقهاء، وإذا كان الانتفاع بذلك حراماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 فحرمة بيعه أولى وأحرى، وعلى الاحتمال الثاني يكون الانتفاع مباحاً والبيع محرماً، وهو ما ذهب إليه بعض الفقهاء. ويؤيد القاعدة ما رواه أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن ". التطبيقات 1 - جلد الميتة قبل دبغه يحرم لذاته، فيمنع بيعه عند الإمام مالك. (الروقي ص 370) . قال الزهري يجوز بيعه. 2 - الخمر حرام لذاتها، فيحرم بيعها وثمنها. (الروقي ص 369) . 3 - الخنزير يحرم لذاته، فيحرم بيعه وثمنه. (الروقي ص 369) . 4 - الأصنام تحرم لذاتها، فيحرم بيعها وأكل ثمنها. (الروقي ص 369) . المستثنى 1 - الميتة تحرم لذاتها، ولكن يجوز بيع جلدها قبل أن تدبغ عند الجمهور، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بشاة ميتة، فقال: "هلاّ استمتعتم بها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: " إنما حرم أكلها" فيجوز بيعها لجواز الاستمتاع بها؛ لأن كل ما يتفع به يصح بيعه. وما لا فلا. ونقل القاضي عبد الوهاب من مذهب الإمام مالك: المنع، طرداً مع القاعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 القاعدة: [139] ما صح إجارته صحَّ ملكه التوضيح الإجارة هي الانتفاع من العين بعوض، وتكون العين مملوكة للمؤجر، فإذا أجاز الشرع إجارة شيء، فهذا يدل على جواز تملكه. التطبيقات جواز اتخاذ الكلب للصيد، وحراسة الماشية، وحراسة الزرع، فيصح تملكه، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، وذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز اتخاذه لذلك. (الروقي ص 370) . ويشهد لمذهب مالك ما رواه ابن مغفل رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب، ثم قال: "ما لهم ولها؛ " فرخّص في كلب الصيد، وفي كلب الغنم. المستثنى المرضعة (الظئر) يجوز استئجارها للرضاعة، ولا يجوز تملكها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 القاعدة: [140] ما صح أن يملك بالأخذ صح أن يملك بالبيع التوضيح إن ما يجوز اتخاذه واقتناؤه للملك، يجوز بيعه، وهذه القاعدة متفرعة عن قاعدة "ما صحت إجارته صح ملكه" وتلتقي مع قاعدة "ما حرم للاستعمال حرم للاتخاذ". التطبيقات الكلب المأذون في اتخاذه للصيد والحراسة يجوز تملكه على الصحيح عند المالكية، لكونه مأذوناً في الانتفاع به. قال ابن العربي: "كل ما جاز اقتناؤه وانتفع به صار يجوز اقتناؤه. (الروقي ص 371) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 القاعدة: [141] كل ما صح أَن يملك إرثًا صح أن يملك هبة وابتياعًا التوضيح الإرث هو تملك ما تركه الميت المورِّث من مال، ولا ينتقل من المورث إلى الوارث إلا المال المملوك، فكل ما ينتقل بالإرث بعد الوفاة، يمكن أن ينقل المالك ملكه بالهبة، وهي تبرع بدون عوض، أو ينقله بالبيع، وهو نقل الملكية بعوض. التطبيقات جواز شراء الرجل صدقته - فرضاً كانت أو تطوعاً - لكن مع الكراهة في مذهب الإمام مالك. (الروقي ص 372) . وحكي عن أصحاب الشافعي أنه لا يصح شراء الصدقة من المتصدق، وذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة شراء الصدقة، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حملت على فرس عتيق في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه برخص؛ فسالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: " لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه". ولقاعدة: "ما حرم فعله حرم بيعه". قال القاضي عبد الوهاب رحمه الله تعالى: " يكره للرجل أن يبتاع صدقته لئلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 يكون ذريعة إلى إخراج القيمة في الزكاة أو إلى الرجوع في الهبة، وإن فعل صح. .. ودليلنا على جوازه أن كل ما صح أن تملكه إرثاً صح أن تملكله هبة وابتياعاً كسائر الأموال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 القاعدة: [142] كل تمليك في الحياة صح بعد الوفاة التوضيح يجوز للشخص أن يتبرع بماله في حياته على سبيل الصدقة. ويجوز أن يتبرع بحدود ثلث ماله بعد الوفاة على سبيل الوصية. وكل مال يجوز أن يتبرع به في حياته يجوز أن يوصي به بعد وفاته؛ لأن المالك إذا جاز له أن يعطي من ماله لجهة في حياته، جاز له أن يعطي لها لما بعد الموت. التطبيقات يجوز للمسلم أن يتبرع من ماله لمشرك سواء كان ذمياً أو حربياً، فيجوز له الوصية للمشركين، سواء كانوا من أهل الذمة أو من أهل الحرب. (الروقي ص 372) لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ، ولأن كل من جازت عطيته في الحياة جازت بعد الوفاة كالذمي. ولأن كل من صح تمليكه بغير وصية صح أن يملك بالوصية كالمعاهد والمستأمن، ولأن اختلاف الأديان والدار لا يؤثر في التمليك بالوصية كوصية الذمي للمسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 القاعدة: [143] الحقان المختلفان لا يتداخلان التوضيح إذا ترتب في ذمة المكلف حقان، يتعلق كل منهما بجهة معينة، سواء كانا من حقوق الله، أو من حقوق العباد، أو من النوعين معاً، فإن ذمته لا تبرأ إلا بأداء الحقين معاً، ولا يجزئه الاقتصار على واحد منهما. وهذا يشبه قاعدة أخرى عند الشافعية والحنابلة، وهي "حقوق الآدميين لا تتداخل ". وعبر السرخسي الحنفي عن هذه القاعدة بقوله: "الحقان إذا وجبا بسببين، فاستيفاء أحدهما لا يسقط الآخر". التطبيقات 1 - وجوب الدية والكفارة على القاتل خطأ، لأن الدية حق الآدمي يستحقه أولياء المقتول، والكفارة حق لله تعالى، فوجب الحقان معاً، ولم يصح دخول أحدهما في الآخر. (الروقي ص 376) . 2 - وجوب القضاء والكفارة على من أفطر في رمضان عمداً بجماع، وهو رأي جمهور الفقهاء، وفي قول لأصحاب الشافعي أن القضاء هنا داخل في الكفارة فهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 تجزئ عنه، والأليق بالصواب ما عليه الجمهور، لأن القضاء حق تعلق بذمة المكلف من جهة إفساده للصوم، والكفارة حق آخر تعلق بذمته من جهة انتهاكه حرمة رمضان المعظم، فلو كفَّر بالعتق أو بالإطعام لكان لزاماً عليه أن يقضي يومه الذي أفسده، فكان بذلك القضاء والكفارة حقين مختلفين، فوجب أداؤهما معاً. (الروقي ص 376) . 3 - إذا قتل المحرم صيداً مملوكاً فعليه القيمة والجزاء معاً، لأن القيمة حق للآدمي، والجزاء حق لله تعالى، فهما حقان وجب أداؤهما معاً. ولا يصح أن يدخل أحدهما في الآخر. (الروقي ص 376) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 القاعدة: [144] كل حق لم يسقط بتأخير الإقرار لم يسقط بتأخير الشهادة التوضيح تثبت الحقوق بالإقرار أو بالشهادة، وإن التأخير بالإقرار لا يؤثر عليه. ولا يمنع ثبوت المقر به، وكذلك الشهادة، فإن تأخير أداء الشهادة لا يمنع قبولها، كالإقرار؛ لأن الإقرار والشهادة من وسائل إثبات الحق، فإذا أقر شخص واعترف بأن عليه حقاً لله أو للعباد فإنه يؤخذ منه ولو كان إقراره متأخراً عن زمن ترتب ذلك الحق في ذمته، ومثل ذلك الشهِادة، فإنها تثبت الحق، ولو جاءت متأخرة عن وقت ترتبه، لعموم قوله تعإلى:. (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) . وقوله: (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) . التطبيقات 1 - من شهدت عليه البينة بالزنا بعد مدة طويلة من واقعة الزنا فعليه الحد. كالإقرار به (الروقي ص 377) . 2 - من شهدت عليه البينة بالقذف بعد مدة طويلة من واقعة القذف فعليه الحد، كالإقرار به. (الروقي ص 377) . 3 - من شهدت عليه البينة بالشرب بعد مدة طويلة من واقعة الشرب، فعليه الحد، كالإقرار به. (الروقي ص 377) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 القاعدة: [145] أخد الحق لا يتوقف إلا بدليل التوضيح إن من استحق شيئاً فله أخذه واستيفاؤه متى شاء؛ لأنه يملك حرية التصرف فيه بشكل كامل، إلا إذا دل نص على توقيته بوقت ما. فعليه حينئذ أن يطالب بحقه داخل الوقت المحدد بالنص ويلتزم بذلك. فإن خرج الوقت دون المطالبة فات ذلك الحق. التطبيقات 1 - حق الشفعة يثبت عند الإمام مالك على التراخي، ولصاحبه أخذه متى شاء؛ لأن كل من ثبت له حق فله أخذه وله تركه أي وقت شاء، إلا أن يقوم دليل على تعلقه بوقت يفوت بخروجه، ولأنه حق من جهة الاستيفاء، ما لم يكن فيه تفريط ولا تدليس، فلم تجب المطالبة فيه على الفور، كالمطالبة بالديون، وتطبيقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ضرر ولا ضرار" لذلك حدد هذا التراخي بسنة على الأكثر تبتدئ من يوم علم الشفيع بالبيع. (الروقي ص 378) . 2 - حق الرجعة في الطلاق الرجعي يثبت للمطلق على التراخي، وحددت نهايته بانتهاء العدة، وهي ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 القاعدة: [146] إذا اجتمع في المال حقان، أحدهما قد أخذ عوضه، والآخر لم يؤخد عوضه، قُدِّم ما أخذ عوضه عدما لم يؤخذ عوضه التوضيح إن الأموال التي بيد صاحبها إما أن تكون مقابل حق معين، وإما أن تكون مطلقة، ولا تقابل عوضاً معيناً، فإن اجتمع في مال واحد حقان، وكان أحدهما متعلقاً بهذا المال، فإنه يقدم في الاستيفاء والقضاء على الآخر لتعلق العوض به. التطبيقات 1 - التركة التي فيها دين اجتمع فيها حقان، حق الورثة، وحق الدائن، فيقدم حق الدائن؛ لأن هذا المال الموروث قد أخذ عوضه على سبيل الدين (الروقي ص 379) . 2 - المال الذي بلغ نصاب الزكاة، مع وجود دين على صاحبه، تعلق به حق الفقراء، وحق الدائن، فالدين يسقط زكاة النقود إلا إذا كان للمزكي عروض أو مقتنيات، فإنه يجعلها في مقابلة الدَّين. ويزكي على الباقي إن كان نصاباً. (الروقي ص 379) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 المستثنى زكاة الماشية والحرث مع وجود الدين، لا يسقط الدَّين الزكاة؛ لأنه الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن خلفائه الراشدين أنهم لم يكونوا يسألون أرباب الماشية والحرث عن الديون التي عليهم، ولم يكونوا يسقطونها بها، فدلت هذه السنة الفعلية على أن الدَّين لا يسقطها. (الروقي ص 379) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 القاعدة: [147] كل ما يفسد العبادة عمدًا يفسدها سهوًا التوضيح إن الدخول في العبادة يوجب الامتناع عما يخالفها أو يبطلها أو يفسدها إذا صدر الأمر من الإنسان عمداً بإرادته، أو سهواً بدون إرادته. التطبيقات 1 - ينتقض الوضوء بمس الذكر عمداً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مسَّ ذكره فلا يصل حتى يتوضا"، فينتقض بمسه سهواً؛ لأنه لما كان ينتقض بمسه عمداً، وجب أن ينتقض بمسه سهواً بجامع المس في كل من الحالتين. وفي رواية أخرى في المذهب المالكي لا توجب الوضوء بمسه سهواً، عملاً بقاعدة "ما لا يمكن الاحتراز منه معفو عنه" السابقة. (الروقي ص 387) . 2 - عدم صحة صوم من أفطر في رمضان نسياناً؛ لأن الأصل في الأكل والشرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 أنهما يفسدان الصوم، سواء كانا عمداً أو نسياناً، ومن القواعد المعروفة عند الفقهاء "أن النسيان لا يؤثر في طلب المأمورات" لذلك أوجب الإمام مالك على المفطر نسياناً القضاء، وكما أن المتلفات تضمن سواء أتلفت عمداً أو خطأ، فكذلك العبادات تجبر عند تفويتها عمداً أو سهواً. (الروقي ص 388) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 القاعدة: [148] لا قياس في العبادات يضر معقولة المعنى التوضيح ذهب جمهور العلماء إلى أن الأحكام الشرعية معللة بالمصالح والحِكم، ولكن بعضها معلل بعلة ظاهرة، وهي المعاملات غالباً، فيجوز القياس فيها، وبعضها معلل بعلل خفية لا يدركها العقل، فهي غير معقولة المعنى كالعبادات غالباً، وإن ظهر لها حِكَم ومصالح ظاهرة، ولكن علتها الحقيقة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولذلك لا يصح القياس فيها، ويجري القياس في العبادات التي يعقل معناها، ولا يجري فيما لا يعقل معناه. التطبيقات هيئة صلاة الكسوف عند المالكية والشافعية وغيرهم ركعتان. وفي كل ركعة منها ركوعان، لورود السنة الفعلية بذلك. ولأنها للتعبد غير معقولة المعنى. خلافاً للأحناف فهي ركعتان، وفي كل ركعة ركوع واحد. قياساً على سائر الصلوات. (الروقي ص 391) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 القاعدة: [149] التلبس بالعبادة يوجب إتمامها التوضيح تكون العبادة لله تعالى، فإذا بدأ المسلم بالعبادة، وتلبس بأحكامها وجب عليه إتمامها، دون أن يبطلها بدون سبب أو عذر، لقوله تعالى:. (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) . أي عبادتكم الخالصة لله تعالى، فإن أبطلها لعذر أو لغيره وجب قضاؤها. التطبيقات 1 - من أصبح في رمضان على نية الصيام، ثم سافر، ليس له أن يفطر عند الجمهور، وعليه إتمام العبادة، وذهب الإمام أحمد إلى أن له ذلك. (الروقي ص 391) . 2 - النفل في العبادة كالصلاة والصوم، والحج، والعمرة، والطواف. والائتمام، والاعتكاف، من تلبس بالنفل فيها فيجب فيها الإتمام على المتلبس بها. وإذا انصرف عنها ولم يتمها وجب عليه القضاء، وهو قول الحنفية والمالكية. (الروقي ص 391) . وخالف الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك، وقال: لا يجب الإتمام، وإذا قطعها لا يجب القضاء، إلا في الحج والعمرة لقوله تعالى:. (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 المستثنى إذا تلبس الشخص بنفل الطهارة فلا يجب عليه إتمامه بالشروع والتلبس. وكل ما عدا الصلاة والصوم والحج والعمرة والطواف والائتمام والاعتكاف (الروقي ص 391) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 القاعدة: [150] كل ما جاز في الحضر لعذر جاز في قصير السفر وطويله التوضيح إن الإسلام يسر، وما جعل الله فيه من حرج، وتخلو التكليفات من المشاق الصعبة غير المعتادة، فإن وقعت المشاق شرع الله الرخص لأسباب وأعذار سبق بيانها، وسواء وقعت هذه الأعذار والأسباب في الحضر أم في السفر، بل تزيد في السفر، لأنه أحد الأسباب التي تبيح بعض الأحكام. فما كان من عذر يوجب الإباحة والتخفيف والجواز فإنه يجوز في السفر، سواء كان السفر طويلاً يزيد عن مرحلتين أي 85 كيلو متراً، أم كان في قصير السفر، وهو مرحلة حوالي 42 كيلو متراً. التطبيقات يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر الطويل، لأن الصحابة ذكروا أن ذلك كان فعله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، ولم يقيدوه بالطويل. (الروقي ص 392) وهذا هو المشهور في المذهب، ومن المالكية من يشترط الطول في السفر لجواز الجمع، وهو القول المعتمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 عند الشافعية بعدم جواز الجمع إلا في سفر القصر، وهو السفر الطويل. وفي قول للشافعية يجوز في السفر القصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 القاعدة: [151] طهارة الأحداث لا تتوقف التوضيح إذا تطهر الإنسان من الحدث بالوضوء أو الاغتسال فإنه يبقى طاهراً ولا تتحدد الطهارة بوقت فتنقض بمضيه، ويبقى الشخص على تلك الطهارة إلى أن يحدث، ولا دخل للزمن في انتقاض طهارته. التطبيقات 1 - الوضوء لا ينتقض بخروج الوقت. 2 - الاغتسال لا يبطل بمضي الوقت. 3 - المسح على الخفين وما في معناها لا يحدد بزمان معين. بل يجوز للشخص إذا يستمر على المسح إلى أن يخلعهما. (الروقي ص 393) وهو قول الشافعي القديم. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن المسح محدد بيوم وليلة للحاضر. وثلاثة أيام ولياليها للمسافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 المستثنى التيمم للصلاة تنتهي الطهارة به بخروج الوقت عند الشافعية، ولا يجمع بتيمم واحد بين فريضتين ولو كانتا مشتركى الوقت كالظهر والعصر، والمغرب والعشاء. ويمكن أن يصلي بعد الفرض فقط ما شاء من النوافل عند المالكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 القاعدة: [152] كل قرض جرَّ نفعًا فهو حرام التوضيح القرض هو دفع مال لمن ينتفع به ثم يرد مثله دون زيادة، لأن الزيادة تصبح رباً محرماً، وهو ربا النسيئة أي الزيادة على أصل الدين مقابل التأخير، وكذلك إذا جرَّ القرض نفعاً فإنه رباً محرَّم، سواء كان النفع حسيا كالزيادة على أصل الدين، أو معنوياً كرد الجيد بدل الرديء عند القضاء. والمراد بالنفع العائد على المقرض. أما إذا كان عائداً على المقترض فليس حراماً؛ لأنه تبرع من المقرض للمقترض، وليس فيه شبهة الربا، وورد في الآثار ما يؤيد القاعدة بلفظ "كل قرض جر منفعة فهو رباً" "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قرض جر منفعة " وفي رواية موقوفة: " كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا". التطبيقات 1 - أن يهدي المقترض للمقرض شيئاً فهو حرام. (الروقي ص 399) . 2 - أن يستعير المقرض من المقترض شيئاً فهو حرام. (الروقي ص 399) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 المستثنى إن زيادة المقترض على أصل الدين عند الوفاء، وبدون شرط، فهي جائزة، لأنها من باب حسن القضاء الوارد في السنة. (الروقي ص 399) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 القاعدة: [153] الإطلاق محمول على العادة التوضيح إن اللفظ المطلق في استعمال الناس يجوز تقييده بالعرف والعادة عند المالكية. وكذلك اللفظ العام في استعمال الناس يخصص بالعرف والعادة، مما يدل على سلطان العرف والعادة. قال أبو عبد الله المقري رحمه الله تعالى: "العادة عند مالك كالشرط تقيد المطلق، وتخصص العام ". وهذه القاعدة تدخل تحت القاعدة الأساسية: " العادة محكَّمة". وعبر ابن قدامة رحمه الله تعالى عن القاعدة بلفظ: "الإطلاق يحمل على المعتاد". التطبيقات 1 - مثال تقييد المطلق بالعرف: شراء الثمر في رؤوس الأشجار، فإنه يقتضي عند المالكية التبقية، حملاً على العرف والعادة، بينما يقتضي عند الحنفية والشافعية القطع. واستدل القاضي عبد الوهاب المالكي لمذهبه فقال: "ودليلنا على أن الإطلاق يقتضي التبقية قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 ومنع الثمرة إنما يكون بجائحة، ومع ذلك إنما يخاف منه على ثمرة مبقاة، ولأن الإطلاق محمول على العادة، والعادة التبقية على ما بيناه، فوجب حمل الإطلاق عليها". (الروقي ص 324) . 2 - مثال تخصيص العام بالعرف: عدم وجوب إرضاع الأم ولدها إذا كان العرف أن مثلها لا ترضع لشرف قدرها، فهذا تخصيص لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) . لما في ذلك من المصلحة العرفية. (الروقي ص 325) . قال ابن العربي في شرحه لهذه الآية: "قال مالك: كل أمٍّ يلزمها رضاع ولدها بما أخبر الله تعالى من حكم الشريعة فيها، إلا أن مالكاً - دون فقهاء الأمصار - استثنى الحسيبة (ذات الشرف والحسب من النساء) ، فقال: لا يلزمها إرضاعه، فأخرجها من الآية، وخصها فيها بأصل من أصول الفقه هو العمل بالمصلحة، والأصل البديع فيه هو أن هذا الأمر كان في الجاهلية في ذوي الحسب، وجاء الإسلام عليه فلم يغيره، وتمادى ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة بدفع الرضعاء إلى المراضع إلى زمانه (زمن مالك) فقال به، وإلى زماننا فحققناه شرعاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 القاعدة: [154] ما لا يمكن الاحتراز عنه فهو معفو عنه التوضيح إن كل ما لا يستطيع المكلف التحفظ منه، والابتعاد عنه، من الأمور المطلوب منه تركها، لكونها تفسد عبادته ومعاملاته، يتجاوز عنه، ولا يؤاخذ به، لأنه خارج عن طاقته، والتكليف بما هو خارج عن حدود طاقة المكلف فيه حرج ومشقة، وهما مرفوعان عنه. التطبيقات 1 - صحة الصوم مع ابتلاع غبار الطريق. (الروقي ص 304) . 2 - صحة الصوم مع ابتلاع الدقيق عند غربلته. (الروقي ص 304) . 3 - صحة الصوم مع ابتلاع بقايا الماء في الفم عند المضمضة؛ لأن الصائم لا يستطيع التحرز عن هذه الأمور. (الروقي ص 354) . 4 - صحة الصلاة بيسير النجاسة التي يعسر التحرز منها، كفضلات النجو بعد الاستجمار، وبقايا الدم في الثوب أو البدن، وذلك خاص بيسير النجاسة. (الروقي ص 304) . 5 - جواز البيع مع ما قد يقع فيه من يسير الغرر الذي لا يمكن التحرز منه، كبيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 الفستق والبندق والرمان والبطيخ وسائر ما يباع في قشرته من الثمار والفواكه (الروقي ص 354) . 6 - عدم وجوب الوضوء بمس الذكر سهواً في رواية عن مالك. (الروقي ص 387) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 القاعدة: [155] الحدود تدرأ بالشبهات التوضيح وردت هذه القاعدة في القواعد الكلية عند الشافعية بلفظ "الحدود تسقط بالشبهات" وسنبين هناك تعريف الحدود وأنواع الشبهات، وأصل القاعدة، وأنه إذا وجد مخرج لإسقاط العقوبة عن المتهم فتسقط عنه، وذكرنا أمثلتها من الفقه الشافعي. وهذه القاعدة وردت عند المالكية، وذكروا لها فروعاً كثيرة، نذكر بعضها. ويشهد لهذه القاعدة قاعدة أخرى وهي " الأصل في الذمة البراءة ". فإن براءة المتهم ثابتة باليقين، لأنه خلق بريئاً، وأن انشغال ذمته بالاحتمال، فيرجح ما ثبت باليقين على ما ثبت بالاحتمال والشك. التطبيقات 1 - إذا أقر شخص بالجريمة ثم رجع عن إقراره بما يوجب الحد، فإنه يحتمل أن يكون صادقاً في رجوعه عن الإقرار، فيسقط عنه الحد بهذه الشبهة. (الروقي ص 401) . 2 - أن يشهد الشهود على شخص بجريمة تستوجب الحد، ثم يرجعوا عن شهادتهم، أو يرجع بعضهم بحيث ينقص نصاب الشهادة، فإن رجوعهم يعتبر شبهة تستوجب إسقاط الحد عن المتهم، لاحتمال أن يكونوا صادقين في رجوعهم (الروقي ص 401) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 القاعدة: [156] العبرة في الحدود بحال وجوبها لا حال استيفائها التوضيح إن الحد عقوبة على جريمة وقعت على مال أو نفس أو عرض، ويشترط لوجوب الحد وحكم القاضي به شروط كثيرة، ويجب أن تتوفر هذه الشروط عند وقوع الجريمة، وليس عند قضاء القاضي، وليس عند استيفاء الحد وتنفيذه، لأن الحد وجب وقت الجريمة. التطبيقات السارق إذا رفع أمره إلى الحاكم، وكان المسروق وقتذاك بالغاً النصاب، ولم يكن بالغاً النصاب يوم أُخذ من الحرز، فإنه لا تقطع يده، لأن العبرة في قيمة المسروق بيوم السرقة لا بيوم إيجاب الحكم. (الروقي ص 404) . فائدة إن سقوط الحد بالشبهة لا يعني ترك المتهم بالمرة، بل قد يعدل الحاكم معه إلى التعزير، كما لو سقط حد الزنا لشبهة أو فقدان شرط فإن الفاعل يعاقب بالتعزير على ما صدر منه، ومن أقر بالسرقة، ثم رجع عنها يحكم عليه بإعادة المسروق أو ضمان قيمته، وقد يعزر على الكذب، وكذلك الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 وقد يكون سقوط الحد مفضياً إلى إقامة حد آخر أخف منه، كرجوع الشهود عن شهادتهم بالزنا، فإنهم يحدون بذلك حد القذف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 القاعدة: [157] إعطاء الموجود حكم المعدوم، والمعدوم حكم الموجود التوضيح تعتمد هذه القاعدة على المصلحة التي تفوت بغير ذلك التقدير، وأن ذلك مقرر في كثير من الأحكام الشرعية، لرفع الحرج عن الناس، ولذلك يقدر الغرر اليسير في البيع والهثراء كالعدم حتى يجوز البيع والشراء، وإلا وقع الناس في حرج، ويقدر الشرع ملك المقتول خطأ للدية قبل زهوق روحه، حتى يتم له ملك الدية ثم لتورث عنه، لتعذر الملك بعد الموت. وتقدير العدم أو الوجود وارد في القرآن الكريم، قال تعالى:. (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) . فجعلت الآية الحياة مع الكفر موتاً، والإيمان بعد الكفر حياة، مع أن الحياة مع الكفر موجودة في الحس، لكنها مع الشرك صارت في حكم العدم، وتسمى هذه القاعدة بقاعدة التقديرات الشرعية. التطبيقات أ - القسم الأول من القاعدة: 1 - الغرر اليسير في العقود، نحو الجهل بأساس البناء، ورداءة بواطن الفواكه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 معفو عنه، ومعدود في حكم العدم، ولو لم يقدر كذلك لامتنع البيع والشراء، ووقع الناس في الحرج. (الغرياني ص 184) . 2 - النجاسات والأحداث المعفو عنها في الصلاة لتعذر الاحتراز منها، كصاحب السلس، والدمل، والجروح، معدودة كللها في حكم العدم، وإلا لما صحت الصلاة، ولوقع الناس في الحرج. (الغرياني ص 185) . 3 - منفوذ المقاتل من الحيوان تعتبر حياته في حكم العدم، لذا لا تفيد فيه الذكاة، ومنفوذ المقاتل من البشر معدود في حكم الموتى على ما صَوَّبه ابن يونس، ولو كان فيه بقية نفس، فلا يرث من مات من أهله، وهو بتلك الحياة المستعارة التي في حكم العدم، بل يكون هو الموروث. لأنه في عداد الموتى. (الغرياني ص 185) . ب - تطبيقات القسم الثاني 4 - من قتل خطأ يُقدر ملكه للدية قبل زهوق روحه، وتقدر الحياة الموجودة في حكم العدم، لأن الميت بعد زهوق الروح غير قابل للملك، فلا تكون الدية موروثة عنه، ولا يمكن تملكه لها قبل زهوق الروح؛ لأنه لا يزال حياً ومالكاً لنفسه، فلا يجمع له بين العِوض والمعوَّض، فيكون ملكة للدية تقديراً قبل زهوق الروح بالزمن الفرد الذي هو غاية في القلة واللطف ليصح الملك والتوريث. (الغرياني ص 185) . 5 - ربح مال التجارة حَوْله حول أصله، وبعضه لم يَحُل عليه الحول، فيقدر حصوله في رأس المال من أولى الحول، لتصح الزكاة، ومثله نتاج الماشية حوله حول أصله، فيقدر حصوله في الشياه من يوم الملك. (الغرياني ص 186) . 6 - الإمام الراتب إذا صلى وحده يقدر كأنه جماعة، فيحصل له فضلها، فلا يعيد لفضل الجماعة، ولا يُجمع في مسجده لتلك الصلاة بعد صلاته. (الغرياني ص 186) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 7 - الجماعة إذا قتلوا واحداً، وتمالؤوا عليه بحرابة أو غيرها، يقدر كل واحد منهم كأنه باشر قتله، ويقثص منهم جميعاً، وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود، حتى لا يكون تمالؤهم على القتل ذريعة للهروب من الحد أو القصاص. (الغرياني ص 186) . 8 - الحمل في بطن أمه يعطى حكم الموجود الحي، فلا يقسم مال مورثه حتى يولد، وإذا ضربت الحامل فأسقطت ثبتت الغرّة باعتباره حياً. (الغرياني ص 186) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 القاعدة: [158] كل ما أدى إثباته إلى نفيه، فنفيه أولى التوضيح إذا كان ثبوت الشيء متوقفاً على نفيه، لأنه لا يثبت إلا إذا انتفى، فإنه ينتفى من أصله، ولا يثبت، لأن ثبوته يترتب عليه امتناعه وبطلانه، فلا يعتد بثبوته، ويعتبر منفياً من أصله، حتى لا يؤدي ذلك إلى الدور والتسلسل، وعند الحنفية قاعدة قريبة من هذه القاعدة، وهي "الأصل أن الشيء يعتبر ما لم يعد على موضوعه بالنقض والإبطال " كالمحجور عليه لا يجوز له التصرف فيما حجر عليه. التطبيقات 1 - من زوج عبده من حرة بصداق ضمنه لها، ثم باع السيد العبد للزوجة بالصداق، فإن البيع يفسد، لأنه يزتب على صحته ملكها لزوجها، وبملكها له ينفسخ النكاح، ويترتب على فسخ النكاح سقوط المهر، وإذا سقط المهر بطل البيع، لأن المهر هو الثمن في عقد البيع، فيفسد البيع أصلاً. (الغرياني ص 380، الونشريسي ص 405) . 2 - من عدّله رجلان، فأراد العدَّل تجريح أحدهما بجرحة قديمة على تعديله، لا يقبل تجريحه؛ لأنه يترتب على قبول تجريحه سلب عدالته؛ لأن عدالته لما تثبت إلا عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 طريق من جرّحه، وإذا سلبت عدالته لم تقبل شهادته، فلا يقبل تجريحه أصلاً (الغرياني ص 381، الونشريسي 406) . 3 - إذا اشترى اثنان عقاراً دفعة واحدة، فلا شفعة لأحدهما على الآخر؛ لأنها لو وجبت لأحدهما لوجبت للآخر، فليس أحدهما أولى بالشفعة من صاحبه، ووجوبها لهما معاً يبطلها؛ لأن الشخص الواحد لا يمكن أن يكون آخذاً بالشفعة ومأخوذاً منه في الوقت نفسه. (الغرياني ص 381، الونشريسي 406) . المستثنى المسألة الملقبة بالسريجية، نسبة إلى ابن سريج الفقيه الشافعي، وهو أن يقول الرجل لزوجته: متى طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، فقال بعض الشافعية تطبيقاً للقاعدة: لا يلزمه شيء، لأنه لو وقع الطلاق لوقع مشروطه، وهو الثلاث قبل كلامه، ولو وقعت الثلاث لامتنع وقوع طلاقها بعده، فإثبات الطلاق يؤدي إلى نفيه، وما أدى إثباته إلى نفيه فنفيه أولى، ولكن الراجح عند الشافعية عدم وقوع الطلاق، وفي قول يقع طلقة، ثم طلقتان من الثلاث. وقال المالكية: يقع عليه الطلاق، استثناء من القاعدة، ويعدّ قوله "قبله " لغواً، فيقع عليه الطلاق الأول، ثم يتمم الثلاث من المعلق. (الغرياني ص 381، الونشريسي 407) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 القاعدة: [159] الربح يتبع المال الأصل، فيكون ملطا لمن له المال الأصل التوضيح الربح متولد من المال، لذا فهو تابع له، فمن كان أصل المال له كان الربح له، لأن " التابع تابع ". التطبيقات 1 - الوكيل إذا اتجر في مال موكله، فالربح للموكل. (الغرياني ص 387) . 2 - المرتهن إذا اتجر في الرهن، فالربح للراهن. (الغرياني ص 387) . 3 - الولي إذا اتجر في مال محجوره، فالملك للمحجور. (الغرياني ص 387) . المستثنى 1 - الغاصب يتجر بالمال المغصوب فربحه له، لأنه في ضمانه. وأصل المال لصاحبه. (الغرياني ص 387) . 2 - المودع يتجر في الوديعة، فالربح له، لأنها في ضمانه، والخراج بالضمان، وأصل المال للمودِع. (الغرياني ص 388) . 3 - إذا اتجر المفلس بعد الحجر عليه في المال الممنوع من التصرف فيه، وكان عيناً، فإن ربحه له، والمال للغرماء على خلاف القاعدة، وإن كان المال عرضاً فربحه له؛ لأن ضمان العرض عليه، وهو على القاعدة. (الغرياني ص 388) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 القاعدة: [160] من أثبت أولى ممن نفى التوضيح إذا حصل تعارض بين اثنين فالمثبت للشيء مقدم على النافي. لأن المثبت عنده زيادة علم ليست عند النافي، ومن عرف الشيء وعلمه حجة على من لم يعلمه، ولأن عدم العلم بالشيء لا يكون حجة تدفع به الحجة الثابتة التي علمت. التطبيقات 1 - من عدلته بينة، وجرحته أخرى، تقدم فيه بينة الجرح؛ لأنها مثبتة، وقيل: يقضى بأعدل البينتين. (الغرياني ص 392) . 2 - إذا شهدت البينة بأن فلاناً قتل فلاناً، وشهدت أخرى بأن القاتل لم يكن في ذلك المكان وقت وقوع القتل، فقيل: من أثبت القتل أولى ممن نفاه على القاعدة، وقيل: شهادة القتل ساقطة. (الغرياني ص 392) . 3 - إذا شهد الشهود بأن اليتيمة تزوجت قبل البلوغ، وشهد آخرون بأنها تزوجت بعد البلوغ، قيل بأن من أثبت البلوغ أولى ممن نفاه على القاعدة، وقيل: يتساقطان. (الغرياني ص 393) . 4 - إذا شهدت بينة بأن الميت أوصى وهو صحيح العقل، وشهدت أخرى بأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 كان مختل العقل، فقيل: من أثبت العقل أولى ممن نفاه على القاعدة. (الغرياني ص 393) . 5 - عند تعارض الموازين في الزكاة، مثل أن تجب الزكاة بميزان وتسقط بميزان آخر، فالذي أثبت الزكاة أولى ممن نفاه، وقيل: يقضى بأعدل البينتين. (الغرياني ص 393) . 6 - إذا شهدت بيِّنة بأن فلاناً أقر بحق لرجل، ونفته أخرى، فقيل: من أثبت الإقرار أولى ممن نفاه. (الغرياني ص 393) . 7 - إذا شهد أربعة بالزنا على امرأة، وشهد النِّساء بأنها رتقاء، أو لا تزال بكراً، فتقدم شهادة المثبتين للزنا، على القاعدة. (الغرياني ص 393) . 8 - إذا قوّم اثنان السرقة بربع دينار، وقوّمها آخرون بأنها أقل، فشهادة من قوَّمها بربع دينار أولى؛ لأنها مثبتة. (الغرياني ص 393) . 9 - إذا شهدت بيِّنة بثبوت العيب، وشهدت أخرى بعدمه، فالمثبتة أولى. (الغرياني ص 393) . المستثنى إذا شهدت البينة على وصية المقتول بقوله: دمي عند فلان، وشهدت أخرى تنفي عن فلان هذا القتل، لأنه لم يكن في مكان القتل وقت حدوثه، فالقول لبينة النفي، وتقدم على المثبتة للقتل على خلاف القاعدة، وذلك لضعف الوصية، بخلاف ما لو شهدت البينة على معاينة القتل كما سبق. (الغرياني ص 394) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 القاعدة: [161] الأصل لا يجتمع مع البدل الألفاظ الأخرى - لا يجتمع الأصل والبدل إلا بدليل. - البدل والمبدل لا يجتمعان في ملك رجل. - الأصل والبدل لا يجتمعان. - الأصل ألا يجتمع الحوضان لشخص واحد. - يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده. التوضيح من الأصول أن الأصل والبدل لا يجتمعان، إلا إذا ضعف الأصل ولم يسقط بالكلية فيقويه البدل، في رواية بعض المالكية ويجمع بين الأصل والبدل، ويؤيد الحنفية والحنابلة القاعدة، وأنه لا يجتمع البدل والمبدل منه. وإذا بطل الأصل يصار إلى البدل. وهو نص قاعدة مجلة الأحكام العدلية (م/ 53) ، وسبق بيانها. ومن ذلك ألا يجتمع العوضان لشخص واحد باتفاق كالثمن والمبيع. والأجرة والمنفعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 التطبيقات 1 - التيمم بدل عن الوضوء، فلا يجمع المصلي بينهما. (الغرياني ص 430) . 2 - المسح على الخف بدل عن غسل القدم، فلا يجمع المتوضئ بينهما. (الغرياني ص 430) . 3 - الصوم في كفارة اليمين بدل عن الإطعام، فلا يجمع صاحب الكفارة بينهما. (الغرياني ص 431) . المستثنى 1 - روى بعض المالكية أن من لم يجد إلا ماء مستعملاً، أو ماء به نجاسة، فإنه يتوضأ به ويتيمم احتياطاً، وذلك لضعف الأصل. (الغرياني ص 431، المقري 1/ 238) . 2 - إذا كان الخفُّ ممزقاً، أو غير ساتر لمحل الفرض، فإنه يجمع فيه بين الغسل والمسح، وهي رواية ضعيفة في المذهب لا دليل عليها. (الغرياني ص 431، المقري 1/ 238) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 القاعدة: [162] من أصول المالكية مراعاة الخلاف التوضيح إن مراعاة الخلاف يعني العمل بدليل المخالف في المسألة من المذاهب الفقهية المعتبرة، بما لا يبطل دليل المستدل بالكلية، وذلك لرجحان الدليل المراعى وقوته. وهذا يقرب بين المذاهب، ويمنع التعصب المذهبي، وقد يكون دليل المخالف أقوى فيعمل بالأرجح، وهو ما قرره الشافعية في قواعدهم بقولهم: "الخروج من الخلاف مستحب"، ولها تطبيقات كثيرة عندهم. التطبيقات 1 - النكاح المختلف في فساده يثبت به الميراث، ويُحتاج في فسخه إلى طلاق، مراعاة للخلاف. (الغرياني ص 435) . 2 - من دخل مع الإمام في الركوع، وكبر للركوع ناسياً تكبيره الإحرام، فإنه يتمادى ويكمل، وتصح صلاته، مراعاة لمن يقول: إن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام. (الغرياني ص 435) . 3 - من قام إلى ثالثة في النافلة، وعقدها، يضيف إليها رابعة، مراعاة لمن يجيز التنفل بأربع. (الغرياني ص 435) . 4 - يرجح قراءة البسملة في فاتحة الكتاب خروجاً من الخلاف في إبطال الصلاة بتركها عند الشافعي، وصحتها مع قراءتها عند مالك. (الونشريسي ص 157) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 القاعدة: [163] الأصل ألَّا يسقط الوجوب بالنسيان الألفاظ الأخرى - النسيان لا يجعل المتروك من المأمور به مفعولاً. التوضيح إن الواجب لا يسقط بالنسيان؛ لأن المأمورات لا تسقط بالنسيان الذي يرفع الإثم فقط، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". ولأن النسيان لا يرفع التكليف، فمن نسي صلاة فالواجب عليه قضاؤها متى ذكرها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك ". وكذلك من نسي شيئاً من الواجبات الأخرى كالطهارة للصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، وجب عليه الإتيان بما نسيه، ولا يسقط الواجب بالنسيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 التطبيقات 1 - من صلى بالتيمم لفقد الماء، ثم تذكر وهو في الصلاة أن الماء في رحله، وجب عليه الوضوء، ولا يعذر بالنسيان. (الغرياني ص 437) . 2 - من صلى ناسياً الحدث، أو لمعة في أعضاء وضوئه لم يغسلها، لم يعذر، وتجب عليه الإعادة. (الغرياني ص 437) . 3 - من عليه كفارة ظهار، ومعه رقبة يعتقها، فنسيها وصام عن ظهاره، ثم تذكر أنه يملك رقبة، لم يعذر؛ لأن كفارة الظهار على الترتيب، وهي من المأمورات. (الغرياني ص 437) . 4 - من كان عنده ثوب يستر عورته، فنسيه وصلى عرياناً لم يعذر، وتجب عليه الإعادة على الصحيح، وقيل: إنه يعذر. (الغرياني ص 438) . 5 - من أفطر ناسياً في صوم يجب تتابعه، قيل: لا يعذر بالنسيان، وينقطع تتابعه، بناءً على أن التتابع من المأمورات. وقيل: يعذر، وهو الصحيح، بناءً على أن قطع التتابع من المنهيات، والمنهيات يعذر فيها بالنسيان. (الغرياني ص 438) . المستثنى يسقط الوجوب بالنسيان في مسائل لضعف مأخذ الوجوب من الدليل، وهو ما يعبر عنه بما ضعف مدركه، وهي: 1 - إزالة النجاسة واجبة في الصلاة مع الذكر، والمشهور سقوطها مع النسيان. (الغرياني ص 438) . 2 - يجب نضح الثوب إذا شك في نجاسته، ويسقط الوجوب بالنسيان. (الغرياني ص 438) . 3 - تجب الموالاة في الوضوء، ويسقط الوجوب بالنسيان. (الغرياني ص 438) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 4 - يجب الترتيب بين الصلاتين الحاضرتين، وكذلك الفوائت القليلة، ويسقط الوجوب بالنسيان. (الغرياني ص 439) . 5 - تجب التسمية على الذبيحة، ومن في التسمية تؤكل ذبيحته. (الغرياني ص 439) . 6 - من أكل أو شرب ناسياً في رمضان لا تجب عليه الكفارة، وكذلك لا تجب الكفارة على من أفطر بالجماع ناسياً في رمضان على المشهور، لعذره بالنسيان. (الغرياني ص 439) . 7 - طواف القدوم واجب، يجب بتركه هدي. ولا شيء على من تركه ناسياً. (الغرياني ص 439) . 8 - من بدأ متطوعاً في صلاة أو صيام أو اعتكاف (1) ، ثم قطعه عمداً من غير عذر، يجب عليه قضاؤهُ، لمان كان لعذر، كنسيان أو غيره، لم يلزمه القضاء. (الغرياني ص 439) . 9 - من صلى ناسياً إلى غير القبلة يندب له الإعادة، ولا تجب، وهو من سقوط الوجوب بالنسيان. (الغرياني ص 439) .   . (1) يلزم التطوع بالشروع فيه في سبعة أمور، وهي الصلاة، والصيام، والاعتكاف، والحج، والعمرة، والطواف، والاقتداء بالإمام، بخلاف غيرها من التطرعات فلا تجب بالشروع، كغسل الجمعة. وتجديد الوضوء، والوقف كبناء قنطرة، فلا يلزم إتمام بنائها بالشروع، انظر: تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية ص 439. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 القاعدة: [164] كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة الألفاظ الأخرى - سقوط اعتبار المقصود يوجب سقوط اعتبار الوسيلة. - كل تصرف قاصر عن تحصيل مقصوده لا يُشرع. التوضح المقْصَد: هو الغاية والهدف من الحكم، والوسيلة: هي الطريق الموصل للهدف والغاية، فمتى سقط المقصَد لسبب من أسباب الفساد أو البطلان، للنهي عنه أو لضمور وجوده، فتسقط الوسيلة التي شرعت له، لأنها تصبح إما عبثاً لا قيمة لها، أو أنها وسيلة لفاسد أو باطل أو منهي عنه. ولذلك كانت قاعدة الوسائل متربطة غالباً بقاعدة المقاصد. قال القرافي رحمه الله تعالى: "وربما عُبِّر عن الوسائل بالذرائع، وهو اصطلاح أصحابنا، وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا، ولذلك يقولون سد الذرائع، ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعاً لها، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك في كثير من الصور". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 ثم قال: "وموارد الأحكام على قسمين مقاصد، وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل، غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة"، ثم يقول: "والوسائل أخفض رتبة من المقاصد. . " كالأذان والإقامة وسيلتان للصلاة، فهي أفضل. التطبيقات 1 - من باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر، فمالك يقول: هذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجل، توسلاً بإظهار البيع لذلك، فالمقصد حرام لأنه رباً، فتكون الوسيلة وهي البيع حراماً وباطلاً (القرافي 2/ 32) . 2 - القضاء بعلم القاضى وسيلة للقضاء بالباطل من قضاة السوء، فالمقصد حرام وساقط، فتسقط الوسيلة، ويحرم القضاء بعلم القاضي. (القرافي 2/ 32) . 3 - من وجد من الماء ما لا يكفيه فهو عذرفي الجميع، فلا يستعمله ويتيمم عند أبي حنيفة ومالك؛ لأن الماء وسيلة، فأسقطا استعماله لتعذر المقصود (المقري 1/ 329) . 4 - نكاح المحرم غير مشروع، لأنه قاصر عن تحصيل مقصوده (المقري 2/ 600) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 5 - لا يشرع تعزير من لا يفيده التعزير زجراً، لأنه قاصر عن تحصيل المقصود. (المقري 2/ 600) . 6 - شرع اللعان لنفي نسب الولد، فلا يشرع لعان من لا يولد له، لأنه قاصر عن تحصيل المقصود. (المقري 2/ 600) . المستثنى 1 - إزالة الشعر بالحلق أو التقصير مقصد للتحلل من الحج والعمرة، فمن كان لا شعر له، ومع ذلك يشرع إمرار الموسى على رأسه. (القرافي 2/ 33) وهذا عند الشافعي واستشكل أبو حنيفة ومالك إمرار الأصلع للموسى على رأسه حسب القاعدة. (المقري 329/1) . 2 - دفع المال للكفار حرام حتى لا ينتفعوا به ويتقوّوا على المسلمين، ومع ذلك يجوز دفع المال لهم لفداء أسرى المسلمين، فوسيلة المحرم هنا غير محرمة، لأنها أفضت إلى مصلحة راجحة. (القرافىِ 2/ 33) . 3 - دفع المال للمحارب حرام، لكن يجوز الدفع له حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى، لكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا، فالدفع وسيلة إلى المعصية، ومع ذلك فهو مأمور به لرجحان ما يحصل من المصلحة على هذه المفسدة. (القرافي 2/ 33) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 القاعدة: [165] مراعاة المقاصد مقدمة على رعاية الوسائل أبدًا التوضيح إذا تعارضت المقاصد والوسائل فيجب مراعاة المقاصد، وتقديمها على الوسائل، لأن المقاصد هي الغاية المطلوبة، والوسيلة مجرد معين لها. التطبيقات 1 - إذا وجد المصلي المتيمم الماء في أثناء الصلاة لم يقطع صلاته. لأن الماء وسيلة عند مالك. (المقري 1/ 335) . 2 - إذا خشي المصلي خروج الوقت فيما لو طلب الماء فالمشهور عند المالكية أنه يتيمم، مراعاة للمقاصد وهي الصلاة، ويترك الوضوء. لأنه وسيلة. (المقري 1/ 330) . المستثنى الأمة إذا بلغها العتق، وهي تصلِّي مكشوفة الرأس، فإنها تعيد الصلاة، لأنها صلت مكشوفة العورة، وسبب الاستثناء أنها لم تنتقل إلى بدل، كمسألة التيمم، فقد انتقل من الوضوء إلى التيمم. (المقري 1/ 331) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة أ. د. محمد مصطفى الزحيلي عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة الجزء الثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 الباب الخامس القواعد الكلية في المذهب الشافعي هذه بعض القواعد الكلية في المذهب الشافعي مع بعض فروعها وتطبيقاتها، وإن كثيراً منها يتفق مع القواعد الكلية في المذهب الحنفي والمالكي مما نص عليه ابن نجيم في كتابه (الأشباه والنظائر) وأفردناها لبيان الطابع الخاص لها في المذهب الشافعي. وكثير منها في العبادات، وبعضها في سائر أبواب الفقه، واعتبارها من المذهب الشافعي لأن علماء الشافعية نصوا عليها، وصرحوا بها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 القاعدة: [166] ما حرم استعماله حرم اتخاذه التوضيح كل ما حرمه الشرع في الاستعمال، يحرم اقتناؤه واتخاذه قنية في البيت، والملك، لأنه قد يكون مدعاة لاستعماله المحرم، أو يعتبر تعطيلاً للمال مع عدم استعماله. التطبيقات 1 - يحرم اتخاذ آلات الملاهي، لأنه يحرم استعمالها فيحرم اتخاذها. (اللحجي ص 81) . 2 - يحرم اتخاذ أواني النقدين من المذهب والفضة، لأنه يحرم استعمالها كما ثبت في الحديث. (اللحجي ص 81) . 3 - يحرم اتخاذ الكلب لمن لا يصيد، ولغير الحراسة، لأنه نجس ويحرم استعماله إلا في الصيد والحراسة للضرورة. (اللحجي ص 81) . 4 - يحرم اتخاذ الخنزير والفواسق، لأنه يحرم استعمالها وأكلها والانتفاع بها. فيحرم اتخاذها. (اللحجي ص 81) . 5 - يحرم اتخاذ الخمر واقتناؤه، لأنه يحرم شربه واستعماله، فيحرم اتخاذه. (اللحجي ص 81) . 6 - يحرم اتخاذ واقتناء الحرير والحلي للرجال، لأنه يحرم استعماله كما ثبت في الحديث الصحيح. (اللحجي ص 81) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 المستثنى 1 - مسألة: الباب (في الجدار) ممن لا ممر له من أصحاب الدور، فإنه يحرم استعماله، ومع ذلك فإن الأصح أن له فتح الباب إذا سمره. وعلة الاستثناء بأن أهل الدرب يمنعونه من الاستعمال، فإن ماتوا فورثتهم، أما متخذ الإناء ونحوه فليس عنده من يمنعه، فربما جره اتخاذه إلى استعماله. قال الشارح: وفي هذا الفرق توقف، والأحسن الفرق بأن هذا ليس ممنوعاً من الفتح ابتداء لأن له نقض الجدار كله، فأولى بعضه فهو متصرف في ملكه، فإبقاؤه على هذه الصورة استصحاب لمباح بخلاف الأواني، لأن صورتها محرمة لذاتها، فلا أصل فيها يستصحب اهـ.. (اللحجي ص 181) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 القاعدة: [167] يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد التوضيح الأحكام الشرعية بعضها مقاصد، أي مقصودة لذاتها، وبعضها وسائل لغيرها، ولذلك يتم التساهل في الوسائل أكثر من التساهل في المقاصد. التطبيقات 1 - جزم العلماء بمنع توقيت الضمان، وجرى في الكفالة خلاف، وإن كان الأصح منع توقيتها، لأن الضمان التزام للمقصود وهو المال، والكفالة التزام للوسيلة، وهي: إحضار المكفول الذي هو وسيلة لأداء الحق، ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد. (اللحجي ص 90) . 2 - لم نَحتلف الأمة في إيجاب النية في الصلاة، واختلفوا فِى الوضوء. (اللحجي ص 91) . 3 - عدم حرمة السفر ليلة الجمعة، لأن السفر ليلة الجمعة وسيلة لترك الجمعة، ويغتفر فِى الوسائل ما لا لِغتفر في الممَاصد. (اللحجي ص 91) . 4 - عدم حرمة بيع مال الزكاة قبل الحول، لأن البيع وسيلة لترك الزكاة فاغتفر فيه. (اللحجي ص 91) . 5 - عدم حرمة حيلة بطلان الشفعة، لأنها وسيلهَ، فاغتفر فيها. (اللحجي ص 91) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 6 - عدم حرمة الحيلة الخلصة من الربا، إلا أنها مكروهة في ساثر أنواع الربا، كما قاله ابن حجر. (اللحجي ص 91) . 7 - عدم وجوب قبول ثمن الماء في الطهارة، ولو من أصله وفرعه، لأن الثمن وسيلة، والمقصود هو الماء، فإذا وهب له وجب قبوله، لا قبول ثمنه. (اللحجي ص 91) . المستثنى 1 - تحريم التثليث في الوضوء عند ضيق الوقت مع جواز الاشتغال بالسنن في الصلاة إذا شرع فيها، وقد بقي من الوقت ما يسعها فقط. (اللحجي ص 91) . 2 - وجوب استعارة الدلو والرشا للماء، ووجوب فعل النزح للماء، أي استقاؤه من البئر، وكلها وسائل، ولا يغتفر تركها إذا ضاق الوقت عن طلب الماء، لأنه حينئذ يعد واجداً للماء. (اللحجي ص 91) . 3 - تحريم أكل نحو ثوم بقصد إسقاط الجمعة. (اللحجي ص 91) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 القاعدة: [168] يغتفر في الشيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصدًا الألفاظ الأخرى - يغتفر في العقود الضمنية، ما لا يغتفر في الاستقلال. التوضيح يغتفر ويتسامح ويتساهل في الأمور الثابتة ضمناً وداخلاً لشىٍء آخر ما لا يتسامح في الأمر المقصود أصلاً، لأنه يشترط توافر جميع الشروط الشرعية فيما قصده العاقد أو الشرع أصلاً. أما الأمور الضمنية فلا مانع من التساهل فيها، لأنها ليست مقصوداً شرعاً، أو عقداً، أو تصرفاً. وهذه القاعدة قريبة من قاعدة "يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في المتبوع " (م/ 54) . وكلتا القاعدتين تدخلان في قاعدة "التابع تابع " (م/47) . التطبيقات 1 - إن نضح المسجد بالماء المستعمل حرام، وفي الوضوء يجوز. (اللحجي ص 61) . 2 - يثبت رمضان بعدل، ويتبعه شوال من حيث الفطر، فيثبت بعدل، لأن الفطر ضمناً لثبوت شوال وهو المراد قصداً، ولا بد فيه من عدلين. (اللحجي ص 61) . 3 - البيع الضمني يغتفر فيه ترك الإيجاب والقبول، ولا يغتفر ذلك في البيع المستقل. (اللحجي ص 61) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 4 - الوقف على نفسه لا يصح، ولو وقف على الفقراء، ثم صار منهم استحق في الأصح تبعاً. (اللحجي ص 62) . 5 - لا يثبت النسب بشهادة النساء، فلو شهدن بالولادة على الفراش ثبت النسب تبعاً. (السيوطي ص 134) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 القاعدة: [169] يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل الألفاظ الأخرى - يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. التوضيح يغتفر ويتسامح ويتساهل فيما يأتي ثانياً أكثر مما يأتي أولاً، فلا يغتفر في الأوائل؛ لأنها مقصودة أصلاً، أما الثواني فقصودة تبعاً. وقد يعبر عن هذه القاعدة بقولهم: "أوائل العقود تؤكد بما لا يؤكد به أواخرها" قال السيوطي: "والعبارة الأولى أحسن وأعم " ويقصد "يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره". وهذه القاعدة تدخل في قاعدة "يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع " (م/ 54) . وكلتاهما تدخلان في قاعدة "التابع تابع " (م/47) . التطبيقات 1 - لو حضر القتال أعمى لم يُسْهَم له بسهم في الغنيمة، فإن عمي في أثنائه أُسِهم له. (اللحجي ص 62) . 2 - إن نكاح المحرم لا يصح، وتصح رجعته. (اللحجي ص 62) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 3 - من تزوج أمة بشرطه فيجب توافر الشروط فيه، وإن فُقد شرط بعد ذلك فلا يضر. (اللحجي ص 162) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 القاعدة: [170] يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام الألفاظ الأخرى - يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في البقاء. التوضيح قد يتسامح ويتساهل في ابتداء الأمر وعند إنشائه، ما لا يتسامح في بقائه ودوامه وخلاله. وهذه القاعدة عكس قاعدة "يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" (م/ 55) . التطبيقات 1 - الجنون لا يمنع ابتداء الأجل، فيجوز لوليه أن يشتري له شيئاً بثمن مؤجل، ويمنع الجنون دوامه، على قول صححه في "الروضة" فيحل عليه الدين المؤجل إذا جُن، ولكن المعتمد خلافه. (اللحجي ص 116) . 2 - إذا طلع الفجر، وهو مجامع، فنزع في الحال صح صومه، ولو وقع مثل ذلك في أثناء الصوم أبطله. (اللحجي ص 116) . 3 - الفطرة لا يباع فيها المسكن والخادم، قال الأصحاب: هذا في الابتداء، فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمه ومسكنه فيها، لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون. (اللحجي ص 116) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 4 - إذا مات للمحرم قريب، وفي ملكه صيد، ورثه على الأصح، ثم يزول ملكه عنه على الفور. (اللحجي ص 116) . 5 - الوصية بملك الغير، الراجح صحتها، حتى إذا ملكه بعد ذلك أخذه الموصى له، ولو أوصى بما يملكه، ثم أزال الملك فيه بطلت الوصية، كذا جزموا به. قال الإسنوي: "وكان القياس أن تبقى الوصية بحالها، فإن عاد إلى ملكه أعطيناه الموصى له، كما لو لم يكن في ملكه حال الوصية، بل الصحة هنا أولى" وعلى ما جزموا به قد اغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام. (اللحجي ص 116) . 6 - إذا حلف بالطلاق: لا يجامع زوجته، لم يمنع من إيلاج الحشفة على الصحيح، ويمنع من الاستمرار لأنها صارت أجنبية. (اللحجي ص 116) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 القاعدة: [171] إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب الحرام الألفاظ الأخرى - إذا اجتمع حظر وإباحة غُلِّب جانب الحظر. - إذا اجتمع جانب الحلال والحرام، أو المبيح والمحرّم غُلِّب جانب الحرام. - إذا اجتمع الحظر والإباحة كان الحكم للحظر. التوضيح الحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرمه الله تعالى، فإذا اجتمع الحلال والحرام في شيء واحد يرجح جانب التحريم، لأنه محظور، ولأن الحرام ممنوع في جميع حالاته، ويمكن تحصيل الحلال من مصدر آخر. والأصل في هذه القاعدة حديث شريف، ولفظه: "ما اجتمع الحلالُ والحرامُ إلا غلب الحرامُ الحلال " قال الحافظ العراقي: "ولا أصل له " وقال السبكي في (الأشباه والنظائر) نقلاً عن البيهقي: "هو حديث " رواه جابر الجعفي رجل ضعيف عن الشعبي عن ابن مسعود، وهو منقطع. قال السيوطي: "وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق في "مصنفه " وهو موقوف عن ابن مسعود لا مرفوع " ثم قال السبكي: "غير أن القاعدة في نفسها صحيحة" قال الجويني في (السلسلة) : "لم يخرج عنها إلا ما ندر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 التطبيقات 1 - إذا نعارض دليلان أحدهما يقتضي التحريم، والآخر يقتضي الإباحة، قدم التحريم في الأصح، ومن ثم قال عثمان لما سُئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين: "أحَلتهما آية، وحرمتهما آية، والتحريم أحب إلينا " وكذلك حديث: "لك من الحائض ما فوق الإزار" وحديث: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فإن الأول يقتضي تحريم ما يين السرة والرغبة. والثاني يقتضي إباحة ما عدا الوطء. فيرجح التحريم احتياطاً. (اللحجي ص 54) . 2 - لو اشتبهت محرم باجنبيات محصورات لم تحل. (اللحجي ص 54) . 3 - قاعدة مُدّ عَجْوة ودرهم، وهو أن يبيع مدَّ عجوة ودرهم بدرهم، أو أن يبيع درهماً بمدّ عجوة ودرهم، فاجتمع البيع الحلال، والزيادة كرباً حرام، فيحرم. (اللحجي ص 54) . 4 - من أحد أبويها كتابب والآخر مجوسي أو وثني، لا يحل نكاحها ولا ذبيحتها تغليباً لجانب التحريم. (اللحجي ص 54) . 5 - عدم جواز وطء الجارية المشتركة. (اللحجي ص 54) . 6 - لو اشتبه لحم مُذكى بلحم ميتة، أو لبن بقر بلن أتان، أو ماء وبول، لم يجز تناول شيء منها. (اللحجي ص 54) . المستثنى خرج عن هذه القاعدة فروع منها: 1 - الاجتهاد في الأواني والثياب المتنجس بعضها، فإنه يجوز، ولا يجب اجتنابها. (اللحجي ص 54) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 2 - الثوب المنسوج من حرير وغيره يحل إن كان الحرير أقل وزناً، وكذا إن استويا في الأصح، بخلاف ما إذا زاد وزناً. (اللحجي ص 54) . 3 - لو رمى سهماً إلى طائر، فجرحه ووقع على الأرض فمات، فإنه يحل إن لم يصبه شيء عند سقوطه على الأرض، وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض، لأن ذلك لا بدَّ منه فعفي عنه. (اللحجي ص 54) . 4 - معاملة من أكثر ماله حرام باعتبار عقيدة المعامل، فإنها لا تحرم على الأصح إذا لم يعرف عين الحرام، لكن يكره. (اللحجي ص 54) . 5 - الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام في يده، قال في (شرح المهذب) : "إن المشهور فيه الكراهة لا التحريم خلافاً للغزالي ". (اللحجي ص 54) . 6 - لو اعتلفت الشاة مثلاً علفاً حراماً لم يحرم لبنها ولحمها. ولكن تركه ورع. (اللحجي ص 54) . 7 - أن يكون الحرام مستهلكاً أو قريباً منه، وتحته صور: أ - لو أكل المحرِم شيئاً قد استهلك فيه الطيب، فلا فدية. ب - لو مزج لبن امرأة بحيث استهلك فيه، بأن زالت أوصافه الثلاثة من ريح وطعم ولون لم يُحَرَّم إن شرب البعض، لا إن شرب الكل، وكان يمكن أن يُسقى من اللبن خمس رضعات، وقد انفصل في خمس مرات فإنه يُحَرم. جـ - لو اختلطت محرمة بعدد غير محصور، كنسوة قرية كبيرة، فله النكاح منهن إلى أن يبقى محصوراً. د - لو اختلط حَمَامٌ مملوك بمباح غير محصور، جاز الاصطياد، ولو كان المملوك غير محصور أيضاً في الأصح. (اللحجي ص 54) . 8 - تفريق الصفقة (المبيع) : وهي بأن يجمع في عقد واحد بين حرام وحلال، ويجري في أبواب، وفيها غالباً قولان أو وجهان، أصحهما: الصحة في الحلال، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 والبطلان في الحرام، واختلف في علته، والصحيح أنها الجمع بين الحلال والحرام فغلب الحرام في قسمه، وبقي الحلال صحيحاً. ومن أمثلة ذلك: أن يبيع خلاً وخمراً، أو شاة وخنزيراً، أو عبداً وحراً، أو عبده وعبد غيره، أو مشتركاً بغير إذن شريكه، والأظهر الصحة في القدر المملوك بحصته من المسمى باعتبار قيمتها، وفي النكاح أن يجمع من لا تحل له الأمة بين حرة وأمة في عقد فالأظهر صحة النكاح في الحرة، وكذا لو جمع في عقد بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومَحرَم، أو خلية ومعتدة أو مُزَوَّجة. (اللحجي ص 55) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 فوائد الفائدة الأولى: ضبط العدد المحصور من المهم ضبط العدد المحصور، فإنه يتكرر في أبواب الفقه، وقل من بيَّنه، قال في (زوائد الروضة) : "قال الغزالي: وإنما يضبط بالتقريب، فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظرين عدُّه بمجرد النظر كألف ونحوه، فهو غير محصور، وما سهل كالعشرة والعشرين محصور، وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن، وما وقع فيه الشك استُفْتيَ فيه القلب،، وفي (التحفة) : إن المئة عدد محصور. الفائدة الثانية: شروط تفريق الصفقة ذكروا لجريان الخلاف في تفريق الصفقة ثمانية شروط: الأول: ألا يكون التفريق في العبادات، فإن كان فيها صح قطعاً، فلو عجل زكاة عامين، صح لعام واحد قطعاً، ولو نوى حجتين، انعقدت واحدة قطعاً، ويستثنى من هذا الشرط صور، منها: 1 - لو نوى في رمضان صوم جميع الشهر، بطل فيما عدا اليوم الأول. وفيه وجهان أصحهما: الصحة. 2 - ادعى على الخارص الغلط بما يبعد، لم يقبل فيما زاد على القدر المحتمل، وفي المحتمل وجهان، أصحهما القبول فيه. 3 - مسح على الخف، وهو ضعيف، ووصل البلل إلى الأسفل القوي. وقصدهما، لم يصح في الأعلى، وفي الأسفل وجهان، أصحهما: الصحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 الشرط الثاني: ألا يكون مبنياً على السراية والتغليب، فإن كان كالطلاق والعتق بأن طلق زوجته وغيرها، أو طلقها أربعاً، أو أعتق عبده وغيره، نفذ فيما يملكه إجماعاً. الشرط الثالث: أن يكون الذي يبطل فيه معيناً بالشخص أو الجزئية، مثال المعين بالشخص: الخمر والخنزير والحر، ومثال المعين بالجزئية: العبد المشترك إذا بيع بغير إذن الشريك. وخرج بهذا الشرط ما إذا لشرط الخيار أربعة أيام، فإنه يبطل في الكل، ولم يقل أحد بأنه يصح في ثلاثة، وغلط نجم الدين البرلسي في (شرح التنبيه) حيث خرجها على القولين. وخرج به أيضاً ما إذا عقد على خمس نسوة، أو أختين معاً، فإنه يبطل في الجميع، ولم يقل أحد بالصحة في البعض، وكلط صاحب (الذخائر) مُجَلى بن جميع بتخريجها، ولو جمع من تحل له الأمة بين حرة وأمة في عقد فإنه يبطل في الأمة قطعاً، كما في (التحفة) ويصح في الحرة، وفرق بأن الحرة أقوى، بخلاف إحدى الأختين ليس فيهما أقوى. الشرط الرابع: إمكان التوزيع، ليخرج ما لو باع أرضاً مع بذر أو زرع لا يفرد بالببع فإنه بيطل في الجميع على المذهب. الشرط الخاص: ألا يخالف الإذن، ليخرج ما لو استعار شيئاً ليرهنه بعشرة. فرهنه بأكثر، فالمذهب البطلان في الحال، لمخالفة الإذن، ولو أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين، بطل الكل على الصحيح. الشرط السادس: أن يورد على الجملة، ليخرج ما لو قال: أجرتك كل شهر بدرهم، فإنه لا يصح في سائر الشهور قطعاً، ولا في الشهر الأول على الأصح. الشرط السابع: أن يكون المضموم إلى الجائز مما يقبل العقد في الجملة، فلو قال: زوجتك بنتي وابني، أو بنتي وفرسي، صح نكاح البنت على المذهب، لأن المضموم لا يقبل النكاح فلغا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 القاعدة: [172] إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر وجانب السفر غُلِّب جانب الحضر التوضيح تدخل هذه القاعدة في قاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ". لأنه اجتمع في العبادة المبيح للرخصة والمحرِّم لها، فغلب المحرِّم، ويغلب جانب الحضر لأنه الأصل. التطبيقات 1 - لو مسح حضراً ثم سافر، أو عكس، أتم مسح مقيم. (اللحجي ص 57) . 2 - لو أحرم قاصراً، فبلغت سفينته دار إقامته، أتم. (اللحجي ص 57) . 3 - لو قضى فائتة سفر في الحضر، أو عكسه، امتنع القصر. (اللحجي ص 57) . 4 - لو أصبح صائماً في الإقامة، فمسافر في أثناء النهار، أو في السفر فأقام أثناءه، حرم الفطر على ألصحيح. (اللحجي ص 57) . 5 - لو أقام بين الصلاتين بطل الجمع، أو قبل فراغهما في جمع التأخير، صارت الأولى قضاء. (اللحجي ص 57) . وخالف الحنفية في ذلك، فقال ابن نجيم: "وليس من القاعدة ما إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر وجانب السفر، فإننا لا نغلب جانب الحضر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 القاعدة: [173] الحرام لا يُحَرِّمُ الحلال التوضيح هذه القاعدة عكس قاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب الحرام " فإذا اجتمع حرام وحلال، فالحرام لا يحرم الحلال، ويبقى حلالاً. وهذه القاعدة لفظ حديث أخرجه ابن ماجة عن ابن عمر بن الخطاب مرفوعاً، ورواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها. التطبيقات 1 - من اشتبه عليه درهم حلال بدرهم حرام، حل له الاجتهاد. (اللحجي ص 58) . 2 - لو ملك أختين فوطئ واحدة، حرمت عليه الأخرى، فلو وطئ الثانية لم تحرم عليه الأولى، لأن الحرام لا يحرم الحلال. وفي وجه: إذا أحبل الثانية حلت، وحرمت الأولى. قال في (الروضة) : وهو غريب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 القاعدة: [174] الإيثار في القُرَبِ مكروه التوضيح إن اختيار الغير وتقديمه على النفس في الأمور المتقرب بها إلى الله تعالى مكروه، وقد يستدل لها بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى". أما غير القرب فالإيثار بها محبوب. قال الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) . قال سلطان العلماء الشيخ عز الدين: "لا إيثار في القربات. . لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الله وتعظيمه ". وقال الخطيب البغدادي في (الجامع) : "والإيثار بالقرب مكروه. . " وقد جزم بذلك النووي في (شرح المهذب) وقال في (شرح مسلم) : "الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى، وإنما يستحب في حظوظ النفس وأمور الدنيا" وقال الزركشي: "وكلام الإمام ووالده أبي محمد الجويني رحمهما الله تعالى يقتضي أن الإيثار بالقرب حرام " فحصل ثلاثة أوجه: الكراهة، وخلاف الأولى، والحرمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 وذكر السيوطي تفصيلاً حسناً حاصله "أن الإيثار إن أدى إلى ترك واجب كماء الطهارة وساتر العورة، ومكان الجماعة، الذي لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد، ولا تنتهي النوبة لآخرهم إلا بعد خروج الوقت، وأشباه ذلك، فهو حرام، وإن أدى إلى ترك السنة، أو ارتكاب مكروه، فهو مكروه، مثال ترك السنة: الإيثار بسد فرجة في الصف الأول، ومثله الإيثار بالصف الأول بالقيام منه لغيره، كذا قالوه، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الأفضل وغيره، ومثال ارتكاب المكروه: التطهر بالماء المشمس، ويؤثر غيره بغير المشمس، وإن أدى إلى ارتكاب خلاف الأولى، مما ليس فيه نهي مخصوص، فخلاف الأولى، قال: وبهذا يرتفع الخلاف". التطبيقات 1 - لا إيثار بماء الطهارة، ولا بستر العورة، ولا بالصف الأول. (اللحجي ص 58) . 2 - يكره إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة، لأن قراءة العلم والمسارعة إليه قربة، والإيثار بالقرب مكروه. (اللحجي ص 58) . المستثنى من جاء ولم يجد في الصف فرجة فإنه يجر شخصاً بعد الإحرام، ويندب للمجرور أن يساعده، وهذا يفوت على نفسه قربة، وهي أجر الصف الأول. وسبب الاستثناء: أن فضيلة المعاونة على البر جبرت نقص فوات الصف الأول، كما أشار إليه ابن حجر في (فتح الجواد) حيث قال: "يسن للمجرور مساعدته لينال فضيلة المعاونة على البر والتقوى، وذلك يعدل فضل ما فاته من الصف الأول "، وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 (التحفة) : "وليساعده المجرور ندباً، لأن فيه إعانة على البر، مع حصول ثواب صنعه، لأنه لم يخرج منه إلا لعذر". (اللحجي ص 59) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 القاعدة: [175] الحدود تسقط بالشبهات الألفاظ الأخرى - الحدود تدرأ بالشبهات. التوضيح الحدود: جمع حد، وهو عقوبة مقدرة شرعاً حقاً لله تعالى. ويضاف الحد إلى سببه، كحد الزنى، وحد السرقة، وحد الخمر، وحد الحرابة، وحد القذف، وحد الردة، وحد البغي. والشبهات: جمع شبهة، وهي ما يشبه الثابت وليس بثابت، فإذا طرأت شبهة على الحد فإنه يسقط، ولا يقام، ويمكن معاقبة الفاعل تعزيراً. وأصل هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود بالشبهات " أي ادفعوا، أخرجه ابن عدي في جزء له من حديث ابن عمر. وأخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة "ادفعوا الحدود ما استطعتم " وأخرج الترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث عائشة "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة،. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 والشبهة ثلاثة أنواع: 1 - شبهة الفاعل: كمن وطئ امرأة ظنها حليلته. 2 - شبهة المحل: بأن يكون للواطئ فيها ملك أو شبهة، كالأمة المشتركة. والمكاتبة، وأمة ولده، ومملوكته المحرَم. 3 - شبهة الطريق: وهي الجهة التي أباح بها مجتهد، أي أن يكون حلالاً عند قوم حراماً عند آخرين، كنكاح المتعة، وكالنكاح بلا ولي ولا شهود، كما في (الروضة) واعتمده جمع محققون كابن زياد وغيره، وإن خالفهم الشيخ ابن حجر حيث قال في (التحفة) : بوجوب الحد في النكاح بلا ولي ولا شهود. وكذا كل نكاح مختلف فيه، كالنكاح بلا ولي، وكالنكاح بلا شهود لشبهة خلاف أبي حنيفة في الأولى، وشبهة خلاف مالك في الثانية. والشبهة بأنواعها الثلاثة تسقط الحد، ونقل ابن نجيم الإجماع على ذلك فقال: "أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات. والحديث المروي في ذلك متفق عليه، وتلقته الأمة بالقبول ". التطبيقات 1 - يسقط الحد بقذف من شهد أربعة بزناها، وأربع أنها عذراء، لاحتمال صدق بينة الزنى، واحتمال أنها عذراء لم تزل بكارتها بالزنى، وسقط عنها الحد لشبهة الشهادة بالبكارة. (اللحجي ص 63) . 2 - لا قطع بسرقة مالِ أصلهِ وفرعه وسيده، وأصل سيده وفرعه، لشبهة استحقاق النفقة. (اللحجي ص 63) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 3 - لا قطع بسرقة ما ظنه ملكه، أو ملك أبيه، أو ابنه، ولو ادعى كون المسروق ملكه سقط القطع، نص عليه، للشبهة، وهو اللص الظريف، لكن الشبهة لا تسقط التعزير. (اللحجي ص 63) . 4 - تسقط الكفارة لو جامع ناسياً في الصوم، أو الحج، فلا كفارة للشبهة. (اللحجي ص 64) . 5 - لو وطئ على ظن أن الشمس غربت، أو أن الليل باق، وبان خلافه، فإنه يفطر ولا كفارة، قاله القفال. (اللحجي ص 64) . 6 - يسقط الإثم والتحريم إن كانت الشبهة في الفاعل، دون المحل. (اللحجي ص 64) . المستثنى 1 - لا تسقط الفدية بالشبهة، لأنها تضمنت غرامة بخلاف الكفارة، فإنها تضمنت عقوبة، فالتحقت في الإسقاط بالحد. (اللحجي ص 64) . 2 - الشبهة تسقط الحد إذا كانت قوية، وإلا فلا أثر لها. قال التاج السبكي: "ونعني بالقوة ما يوجب وقوت الذهن عندها، وتعلق ذي الفطنة بسبيلها، لا انتهاض الحجة، فإن الحجة لو انتهضت بها لما كنا مخالفين لها". ولهذا يحد بوطء أمة أباحها السيد، ولا يراعى خلاف عطاء في إباحة الجواري للوطء، ومن شرب النبيذ يحد، ولا يراعى خلاف أبي حنيفة. (اللحجي ص 64) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 القاعدة: [176] الحر لا يدخل تحت اليد الألفاظ الأخرى - الحر لا يدخل تحت اليد والاستيلاء. التوضح الحر هو الإنسان غير المملوك، واليد: قرينة على الملك، أو السلطة على التصرف. فالحر لا يدخل في ملك آخر، ولا يقع تحت سلطته وتمرفه، بخلاف العبد فيكون تحت اليد والملك. التطبيقات 1 - لو حبس شخص حراً شهراً فلا يضمن منفعته بالفوات، بل بالتفويت. بخلاف العبد، فإنه تضمن منافعه بفواتها. 2 - لو وطئ حرة بشبهة فأحبلها، وماتت بالولادة، لم تجب ديتها في الأصح، ولو كانت أمة وجبت القيمة. 3 - لو نام عبد على بعير، فقاده آخر وأخرجه عن القافلة قطع، أو حر فلا في الأصح. 4 - لو وضع صبياً حراً في مسبعة فأكله السبع فلا ضمان في الأصح، بخلاف ما لو كان عبداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 5 - لو كانت امرأة تحت رجل، وادعى آخر أنها زوجته، فالصحيح أن هذه الدعوى عليها لا على الرجل، لأن الحرة لا تدخل تحت اليد، ولو أقام كل بينة أنها زوجته لم تقدم بينة من هي تحته، لما ذكرنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 القاعدة: [177] الحريم له حكم ما هو حريم له التوضيح الحريم: هو ما يحيط بالشيء ويتبعه، ويتوقف انتفاع الشيء به، ولذلك يأخذ الحريم حكم ما هو حريم وتابع له. والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس، فن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يُوشك أن يرتع فيه. . " الحديث، أخرجه الشيخان البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما. قال الزركشي: "الحريم يدخل في الواجب والحرام والمكروه". وكل محرم له حريم يحيط به، والحريم هو المحيط بالحرام، كالفخذين فإنهما حريم للعورة الكبرى، وحريم الواجب ما لا يتم الواجب إلا به، ومن ثمَ وجب غُسل جزء من الرقبة والرأس، مع الوجه ليتحقق غسله، وغسل جزء من العضد مع الذراع، وجزء من الساق مع الكعب، وستر جزء من السرة والركبة مع العورة، وجزء من الوجه مع الرأس للمرأة، وحرم الاستمتاع بما بين السرة والركبة في الحيض لحرمة الفرج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 التطبيقات 1 - حريم المعمور فهو مملوك لمالك المعمور في الأصح، ولا يملك بالإحياء قطعاً. (اللحجي ص 65) . 2 - حريم المسجد حكمه حكم المسجد، ولا يجوز الجلوس فيه للبيع ولا للجنب على ما قاله السيوطي. وقال ابن حجر وغيره: "إن حريم المسجد، وهو ما يهيأ لإلقاء نحو همامته، ليس كالمسجد، وهو المعتمد، وأما الرَحَبة - بفتحتين - فالجمهور على عدَّها من المسجد، وهي ما حجر عليه لأجله، أي تبنى لأجل المسجد، ويحوط عليها، وتتصل بالمسجد مع التحويط، سواء علم وقفيتها مسجداً، أم جهل أمرها، عملاً بالظاهر، وهو التحويط عليها". (اللحجي ص 65) . المستثنى كل محرم فحريمه حرام إلا حريم دبر الزوجة، وهو ما يكون بين إليتيها، فإنه لا يحرم التلذذ به، كما لا يحرم التلذذ بظاهر الدبر، وإن حرم الوطء في الدبر، كما في (التحفة) و (فتح الجواد) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 القاعدة: [178] إذا اجتمع أمران من جنس واحد، ولم يختلف مقصودهما. دخل أحدهما في الآخر غالبًا التوضيح إن بعض العبادات المتعددة تكون من جنس واحد، وكذلك بعض الأفعال المتنوعة تكون من جنس واحد، فإذا كانت الأمور المتعددة من جنس واحد، وكان القصد منها واحداً، فيدخل حكم أحدهما في الآخر غالباً. التطبيقات 1 - اجتمع حدث وجنابة كفى الغسل على المذهب، كما لو اجتمع جنابة وحيض، فيكتفى بنية الجنابة عن الحيض والجنابة، وعكسه. 2 - اجتمع غسل جمعة وعيد، فيكتفى بنية غسل العيد عن نية غسل الجمعة. (اللحجي ص 65) . 3 - لو باشر المُحْرِم فيما دون الفرج لزمته الفدية، فلو جامع بعد ذلك، دخلت في كفارة الجماع على الأصح. (اللحجي ص 65) . 4 - لو اجتمع حدث ونجاسة حكمية كفت لهما غسلة واحدة في الأصح عند النووي. (اللحجي ص 66) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 5 - لو دخل المسجد وصلى الفرض، دخلت فيه التحية. (اللحجي ص 66، ابن نجيم ص 147) . 6 - لو طاف القادم عن فرض أو نذر، دخل فيه طواف القدوم، بخلاف ما لو طاف للإفاضة لا يدخل فيه طواف الوداع، لأن كلاً منهما مقصود في نفسه، ومقصودهما مختلف، وبخلاف ما لو دخل المسجد الحرام فوجدهم يصلون جماعة فصلاها، فإنه لا يحصل له تحية البيت، وهو الطواف، لأنه ليس من جنس الصلاة. (اللحجي ص 66) . 7 - لو تعدد السهو في ألصلاة لم يتعدد السجود، بخلاف جبرانات الإحرام لا تتداخل، لأن القصد بسجود السهو رغم أنف الشيطان، وقد حصل بالسجدتين آخر الصلاة، والمقصود مجبرانات الإحرام: جبر هتك الحرمة، فلكل هتك جبر، فاختلف المقصود. (اللحجي ص 66) . 8 - لو زنى بكر مراراً؛ أو شرب خمراً مراراً، أو سرق مراراً، كفى حد واحد. ولو زق وسرق وضرب فلا تداخل لاختلاف الجنس. (اللحجي ص 66) . 9 - لو قذفه مرات كفى حد واحد أيضاً في الأصح. (اللحجي ص 66) . 10 - لو وطئ في نهار مضان مرتين لم يلزمه بالثاني كفارة، لأنه لم يصادف صوماً، بخلاف ما لو وطئ في الإحرام ثانياً، فإن عليه بدنة في الوطء الأول، وفي الثاني شاة، ولا تدخل في الكفارة، لمصادفته إحراماً لم يحل منه. (اللحجي ص 66) . 11 - لو لبس المحرِم ثوباً مطيباً، فرجح الرافعي لزوم فديتين، وصحح النووي واحدة، لاتحاد الفعل، وتبعية الطب. (اللحجي ص 66) . 12 - لو قتل المحرِم صيداً في احرء لزمه جزاء واحد، وتداخلت الحرمتان في حقه، لأنهما من جنس واحد، كالقارن إذا قتل صيداً لزمه جزاء واحد، وإن كان قد هتك حرمة الحج والعمرة. (اللحجي ص 66) . 13 - لو تكرر الوطء بشبهة واحدة تداخل المهر، بخلاف ما إذا تعدد جنس الشبهة، ولو وطئ بشبهة بكراً وجب أرش البكارة مع المهر، ولا تداخل، لاختلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 714 الجنس والمقصود، فإن أرش البكارة يجب إبلاً، والمهر نقداً، والأرش للجناية، والمهر للاستمتاع. (اللحجي ص 66) . ويظهر من الفروع الاحتراز بالقاعدة "من جنس واحد" ولم يختلف مقصودهما. وبكلمة "غالباً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 715 القاعدة: [179] الدفع أقوى من الرفع الألفاظ الأخرى - الدفع أقوى من الرفع غالباً. التوضيح دفع الشيء: منع التأثير بما يصلح له لولا ذلك الدافع، والرفع إزالة موجود لمانع، فالموجود يكون أقل تأثراً وأسهل إلغاء من التأثير الأولي للشيء. وقال الشيخ ابن حجر في "تحفته": "الدفع أقوى من الرفع غالباً" وخرج "بغالباً" ما يرد في الاستثناء. التطبيقات 1 - الماء المستعمل إذا بلغ قلتين في عوده طهوراً وجهان، وإن كان الأصح أنه طهور، ولو استعمل الشخص القلتين ابتداء لى يصر مستعملاً بلا خوف. والفرق أن الكزة في الابتداء دأفعة ة وفي الأثناء رافعة، والدفع أقوى من الرفع. (اللحجي ص 70) . 2 - وجود الماء قبل الصلاة للمتيمم يمنع الدخول فيها، وفي أثنائها لا يبطلها حيث تسقط به. (اللحجي ص 70) . 3 - اختلاف الدين المانع من النكاح يدفعه ابتداء ولا يرفعه في الأثناء فوراً، بل يوقف إلى انقضاء العدة. (اللحجي ص 70) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 716 4 - الفسق يمنع الإمامة ابتداء، ولو عرض في الأثناء لم ينعزل. (اللحجي ص 70) . المستثنى 1 - الطلاق يرفع النكاح ولا يدفعه لحل الرجعة، وعكسه: الإحرام، وعدة الشبهة، فالطلاق أقوى تأثيراً منهما، يعني أن الإحرام وعدة الشبهة لا يرفعان النكاح، وإنما يرفعان حل الاستمتاع. (اللحجي ص 70) . 2 - وهناك قسم ثالث يقال له فاعل الأمرين، بمعنى أنه يدفع ويرفع، وذلك كالرضاع، فإنه يدفع حل النكاح، ويرفعه إذا طرأ عليه، كما إذا تزوج برضيعة فأرضعتها زوجته الكبيرة فإنه ينفسخ النكاح. (اللحجي ص 70) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 717 القاعدة: [180] الخروج من الخلاف مستحب التوضيح المقصود من الخلاف هر الاختلاف الواقع بين المذاهب الفقهية، ومراعاته بترك قول المذهب، والأخذ بالمذهب الآخر، فإنه مستحب ويندب لأنه نيه عوناً على الجماعة وعدم التفرق. ولمراعاة الخلاف شروط، فإن لم تتوفر فلا يراعى الخلاف، وهذه الشروط هي: أحدها: ألا توقع مراعاته في خلاف آخر. الثاني: ألا يخالف سُنَّة ثابتة صحيحة أو حسنة. الثالث: أن يقوى مَدرَكُه أي دليله الذي استند إليه المجتهد. قال التاج السبكي: " فإن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدوداً من الهفوات والسقطات، لا من الخلافيات، ونعني بالقوة: وقوف الذهن عندها، وتعلق ذي الفطنة بسبيلها، لا انتهاض الحجة بها، فإن الحجة لو انتهضت لما كنا مخالفين لها"، وقد قال إمام الحرمين في هذه المسألة: "إن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل الظاهر وزناً" قاله السيوطي تبعاً للنووي التابع لإمام الحرمين، واعتمده ابن حجر الهيثمي رحمهم الله تعالى آمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 718 وتشتهر هذه القاعدة كثيراً في المذهب المالكي بعنوان "مراعاة الخلاف " أو "من أصول المالكية مراعاة الخلاف ". التطبيقات إن فروع هذه القاعدة كثيرة جداً لا تكاد تحصى، منها: 1 - استحباب الدلك في الطهارة، واستيعاب الرأس بالمسح، وغسل المني بالماء، والترتيب في قضاء الصلوات، وترك صلاة الأداء خلف القضاء، والقصر في سفر يبلغ ثلاث مراحل، وتركه فيما دون ذلك، وتركه للملاح الذي يسافر بأهله وأولاده، وترك الجمع، وكتابة العبد القوي الكسوب، ونية الإمامة، واجتناب استقبال القبلة واستدبارها مع الساتر حال قضاء الحاجة، وقطع المتيمم الصلاة إذا رأى الماء، خروجاً من خلاف من أوجب ذلك. (اللحجي ص 68) . 2 - كراهة الحيل في باب الربا، ونكاح المحلل خروجاً من خلاف من حرمه. (اللحجي ص 69) . 3 - كراهة صلاة المنفرد خلف الصف خروجاً من خلاف من أبطلها. (اللحجي ص 69) . 4 - كراهة مفارقة الإمام بلا عذر، والاقتداء في خلال الصلاة خروجاً من خلاف من لم يجز ذلك. (اللحجي ص 69) . المستثنى 1 - إن الفصل في الوتر أفضل من وصله، لحديث: "لا تشبهوا الوتر بالمغرب " ولم يراع خلاف أبي حنيفة القائل بمنع الفصل، لأن من العلماء من لا يجيز الوصل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 719 قال السيوطي، وقال التاج السبكي: "وبفرض تجويز كلهم يلزم منه ترك سنة". وكذا ما لو تقدم على إمامه بالفاتحة، أو التشهد، بأن فرغ من ذلك قبل شروع الإمام فيه لم يضره، ويجزئه، لكن تستحب إعادته خروجاً من خلاف من أوجبها، وقدمت مراعاة هذا الخلاف لقوته على مراعاة الخلاف في البطلان بتكرير الركن القولي، كما قال ابن حجر. وهذا الاستثناء يتفق مع الشرط الأول من شروط مراعاة الخلاف. وهو ألا يوقع مراعاته في خلاف آخر. (اللحجي ص 69) . 2 - يسن رفع اليدين في الصلاة، ولم يراع خلاف من قال بإبطال الصلاة من الحنفية، لأنه ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية نحو خمسين صحابياً، وهذا يتفق مع الشرط الثاني، وهو ألا يخالف سنة ثابتة صحيحة أو حسنة. (اللحجي ص 69) . 3 - الصوم في السفر أفضل لمن لم يتضرر به، ولم يراع قول داود الظاهري أنه لا يصح من المسافر، وهذا يتفق مع الشرط الثالث: أن يقوى مدركه أي دليله الذي استند إليه المجتهد. (اللحجي ص 69) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 720 القاعدة: [181] الرخص لا تناط بالمعاصي الألفاظ الأخرى - الرخص لا تستباح بالمعاصي التوضيح إن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع فعل الرخصة، وإلا فلا، وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر، والمعصية في السفر، فالعبد الآبق، والناشزة والمسافر للمكس ونحوه، عاص بالسفر، فالسفر نفسه معصية، والرخصة منوطة به، أي معلقة به، ومترتبة عليه ترتب المسبب على السبب، فلا تباح فيه الرخص، ومن سافر مباحاً فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي مرتكب المعصية في السفر المباح، فنفس السفر ليس معصية، ولا هو آثم به، فتباح فيه الرخص، لأنها منوطة بالسفر، وهو في نفسه مباح، ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف المحرم، لأن الرخصة منوطة باللبس، وهو للمحرم معصية، وفي المغصوب ليس معصية لذاته، أي لكونه لبساً، بل للاستيلاء على حق الغير، ولذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم قاله السيوطي، فعلم أن العاصي بسفره لا يستبيح شيئاً من رخص السفر كالقصر، والجمع، والفطر، والمسح ثلاثاً، والتنفل على الراحلة، وترك الجمعة وأكل الميتة. وطرد الاصطخري القاعدة في سائر الرخص، فقال: إن العاصي بالإقامة لا يستبيح شيئاً منها، لكن ذهب عامة أصحاب الشافعي إلى أن يستبيحها، وفرقوا بأنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 721 الإقامة نفسها ليست معصية، لأنها كف، وإنما الفعل الذي يوقعه في الإقامة معصية، بخلاف السفر فإنه في نفسه معصية. التطبيقات 1 - لو استنجى بمطعوم أو محقرم أي له حرمة، كالذي كتب عليه اسم معظم، أو علم شرعي، لا يجزئه الاستنجاء في الأصح، لأن الاقتصار على الحجر رخصة فلا يناط بمعصية. (اللحجي ص 71) . 2 - لو جُن المرتد وجب قضاء صلوات أيام الجنون، بخلاف ما إذا حاضت المرتدة لا تقضي صلوات أيام الحيض، لأن سقوط القضاء عن الحائض عزيمة، وعن المجنون رخصة، والمرتد ليس من أهل الرخصة. (اللحجي ص 72) . 3 - لو لبس المحرِم الخف، فليس له المسح، لأن المعصية هنا في نفس اللبس، ذكرها الإسنوي. (اللحجي ص 72) . فائدة: الاختلاف في قاعدة حكم الترخص في المعصية اختلف الفقهاء فيها فأقرها الشافعية والحنابلة، محتجين في ذلك بقوله تعالى:. (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) . فالرخصة لا يصحبها بغي ولا عدوان، فإن صحبها سقطت إلى أن يتوب، قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ومن خرج عاصياً لم يحل له شيء مما حرم الله عز وجل بحال؛ لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل ما حرّم بالضرورة، على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 722 وأبطل الحنفية هذه القاعدة بالمرة، ولم يروا مسوغاً للعمل بها، واحتجوا بقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) . قال الجصاص رحمه الله تعالى: "ومن امتنع عن المباح حتى مات كان قاتلاً نفسه، متلفاً لها عند جميع أهل العلم، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع، بل يكون امتناعه عند ذلك من الأكل زيادة على عصيانهاً، وأيد ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في رأي له في بعض الحالات. وفصل المالكية، فقالوا في الصحيح: إن كانت الرخصة يبيحها السفر، بأن كانت خاصة به، كالفطر والقصر فلا يجوز للعاصي الأخذ بها، وإن كانت الرخصة ليست خاصة بالسفر كالتيمم ومسح الخف وأكل الميتة للمضطر، جاز فعلها للعاصي. واختلف علماء المالكية، فمنهم من قال بمنع الترخص في المعصية، ومنهم من قال بالجواز، ومنهم من فصل. فالذين قالوا بالمنع احتجوا بنفس حجج الشافعية والحنابلة، وتحمس لهذا القول ابن العربي رحمه الله تعالى، فقال: "ولأجل ذلك لا يستبيح العاصي بسفره رخص السفر. .. والصحيح أنها لا تباح بحال؛ لأن الله تعالى أباح ذلك عوناً. والعاصي لا يحل له أن يعان، فإن أراد الأكل فليتب ويأكل، وعجباً ممن يبيح ذلك له مع التمادي على المعصية، وما أظن أحداً يقوله، فإن قاله فهو مخطئ قطعاً". وأجاز القرطي ذلك، وعقب على ابن العربي بقوله: "والصحيح خلاف هذا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 723 فإن إتلاف المر نفسه في سفر المعصية أثر معصية مما هو فيه، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، وهذا عام، ولعله يتوب في ثاني حال، فتمحو التوبة عنه ما كان". وفصل ابن خويز منداد المالكي في ذلك فأجاز الرخصة في الأكل للمضطر. والتيمم، وعدم الرخصة في الفطر والقصر، وقال: "فأما الأكل عند الاضطرار فالطائع والعاصي فيه سواء؛ لأن الميتة يجوز تناولها في السفر والحضر (للضرورة) وليس بخروج الخارج إلى المعاصي يسقط عنه حكم المقيم، بل أسوأ حالة من أن يكون مقيماً، وليس كذلك الفطر والقصر؛ لأنهما رخصتان متعلقتان بالسفر، فمتى كان السفر سفر معصية لم يجز أن يقصر فيه؛ لأن هذه الرخصة تختص بالسفر، ولذلك قلنا: إنه يتيمم إذا عدم الماء في سفر المعصية؛ لأن التيمم في الحضر والسفر سواء. وكيف يجوز منعه من أكل الميتة والتيمم لأجل معصية ارتكبها، وفي ترك الأكل تلف نفسه، وتلك أكبر المعاصي، وفي تركه التيمم إضاعة للصلاة، أيجوز أن يقال: ارتكبت معصية فارتكب أخرى؟! أيجوز أن يقال لشارب الخمر: ازن؟! وللزاني: اكفر، أو يقال لهما: ضيعا الصلاة" وهذا هو الذي قرره القاضي عبد الوهاب بكلام مثل هذا أو قريب منه، وهو المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى. وهذا ما أكده القرافي رحمه الله تعالى وحققه، مبيناً سبب الترخيص للعاصي في أكل الميتة، دون القصر والفطر، بكون المعصية سبباً للرخصة، وكونها مصاحبة لها، فقال: "فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص، ولذلك: العاصي بسفره لا يقصر. ولا يفطر؛ لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسبه الرخصة، لأن ترتيب الرخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها، وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمنع إجماعاً، كما يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 724 لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء، وهو رخصة، وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم، والجلوس إذا أضر به القيام، ويقارض وشحاقي، ونحو ذلك من الرخص. ولا تمنع المعاصي من ذلك، لأن أسباب هذه الأمور غير معصية، بل هي عجزه عن الصوم ونحوه، والعجز ليس معصية، فالمعصية هنا مقارنة للسبب لا سبب، وبهذا يبطل قول من قال: إن العاصى بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها، لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره ". وهذا قريب من تفريق الشافعية بين سفر المعصية، والمعصية في السفر، ويترتب على الرأي الأخير أن القصر والفطر يتعلقان بالعبادة، وعدم الأخذ بالرخصة فيهما لا يسبب ضرراً للعاصي، أما أكل الميتة فيتعلق بالعادات، وعدم الأخذ فيه بالرخصة يسبب ضرراً للعاصي. وينبني على هذا التفريق أن المسافر العاصي إذا قصر الصلاة، أو أفطر في رمضان، فعمله باطل، وعليه القضاء في الصلاة، والكفارة في الصيام، وإلا فلا معنى لهذا التفريق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 725 القاعدة: [182] الرخص لا تُناط بالشك التوضيح الرخصة هي ما خفف الشارع فعله من العزيمة لسبب وعذر، وهذا التخفيف لا يرتبط بالشك، بل لا بدَّ من كلبة الظن أو اليقين، وهذه القاعدة ذكرها الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى، وقررها أهل الفروع. التطبيقات 1 - وجوب غسل الرجلين لمن شك في جواز المسح. (اللحجي ص 72) . 2 - وجوب الإتمام لمن شك في جواز القصر، وذلك في صور متعددة. (اللحجي ص 72) . المستثنى خرج عن القاعدة مسائل، منها: 1 - الشك في نية إمامة القصر، إذا علق نية القصر على ما يفعله إمامه، فتصح نيته ويقصر المأموم إن قصر الإمام، كما تقدم في قاعدة "الأمور بمقاصدها" (م/ 2) . 2 - لو شك في المرحلتين اجتهد وقصر وجمع إذا ظن أنه القدر المحتبر في القصر، مع أن القصر رخصة، وهو شاك. (اللحجي ص 72) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 726 القاعدة: [183] الرضا بالشيء رضاً بما يتولد منه الألفاظ الأخرى - المتولد من مأذون فيه لا أثر له. التوضيح إن من يرضى بأمر يكون رضاؤه شاملاً لكل ما ينتج عنه، وإن الإذن بالشيء يفيد الإذن بالأمر الناشئ عنه، ولا يتحمل آثاره. وهذه القاعدة تشبه قاعدة الحنفية "الجواز الشرعي ينافي الضمان " (م/ 91) . التطبيقات 1 - رضي أحد الزوجين بعيب صاحبه، فزاد العيب، فلا خيار له على الصحيح، لأن الزائد ناشئ من أصل العيب، فلما رضي بالعيب صار راضياً بالزائد منه. (اللحجي ص 72) . 2 - أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون، فهلك بالضرب، فلا ضمان، لأنه تولد من مأذون فيه. (اللحجي ص 72) . 3 - إذا أذن المرتهن للراهن في الوطء، فحبلت، انفسخ الرهن، لتولده من مأذون فيه. (اللحجي ص 72) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 727 4 - لو سبق ماء المضمضة والاشنشاق إلى الجوف بلا مبالغة فلا يفطر، لأنه تولد من مأذون فيه بغير اختياره، بخلاف ما إذا جعل الماء في أنفه، أو في همه، لا لغرض، أو سبق ماء غسل تبرد، أو ماء المرة الرابعة من المضمضة والاستنشاق، أو بالغ فيهما، فإنه يفطر في جميع ذلك، لأنه غير مأمور به، بل منهي عنه في الرابعة، وفي غير المضمضة والاستنشاق. (اللحجي ص 72) . 5 - لو قُطع قصاصاً أو حداً، فسرى، فلا ضمان. (اللحجي ص 73) . 6 - قال مالك أمره: اقطع يدي، ففعل، فسرى، فهدر على الأظهر. (اللحجي ص 73) . المستثنى يستثنى من ذلك ما كان مشروطاً بسلامة العاقبة، منها: 1 - إذا ضرب الزوج زوجته ضرباً غير مبرح على امتناعها من التمكين، وأفضى إلى الهلاك، فإنه يضمن بدية شبه العمد. (اللحجي ص 73) . 2 - الوالي في التعزير إذا مات المعزَّر فيضمنه عاقلة الوالي. (اللحجي ص 73) . 3 - المعلم فإنه مأذون له في تأديب المتعلم منه، لكن بإذن ولي المحجور، وهو مشروط بسلامة العاقبة، فإذا تلف المتعلم ضمنه المعلم. (اللحجي ص 73) . قال الشبراملسي: "ومثل المعلم الذي له تأديب المتعلم الشيخ مع الطلبة، فله تأديب من حصل منه ما يقتضي تأديبه فيما يتعلق بالتعلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 728 القاعدة: [184] العمل المتعدي أفضل من القاصر الألفاظ الأخرى - المتعدي أفضل من القاصر التوضيح يتناسب الثواب مع شيوع الخير وانتشاره وكثرة المستفيدين منه، فإذا كان الفعل يتعدى صاحبه إلى غيره فيكون ثوابه أكثر من الفعل الذي يقتصر أثره على صاحبه فقط، ويعني بالمتعدي: الذي يعم نفعُه صاحبه وغيره. التطبيقات 1 - قال الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأبوه: "للقائم بفرض الكفاية مزية على فرض العين، لأنه أسقط الحرج عن الأمة". (اللحجي ص 77) . 2 - قال الشافعي: "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة". (اللحجي ص 77) . المستثنى أنكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا الإطلاق، وقال: "قد يكون القاصر أفضل كالإيمان وقد قدّم النبى - صلى الله عليه وسلم - التسبيح عقب الصلاة على الصدقة" وقال: "خير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 729 أعمالكم الصلاة، وسئل: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله، ثم جهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور ". وهذه كلها قاصرة. ثم اختار تبعاً لحجة الإسلام الغزالي في (الإحياء) أن أفضل الطاعات على قدر المصالح الناشئة عنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 730 القاعدة: [185] ما كان أكثر فعلاً كان أكثر فضلاً التوضيح الثواب والفضل في الدين بحسب الأفعال، وكلما كثرت الأفعال كان الثواب أكثر، وكان الفعل أفضل. وأصل هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: "أجْرُكِ على قدْرِ نَصَبِكِ ". ويؤيد الحنابلة هذه القاعدة، وأن العمل الأكثر فعلاً أفضل ويرجح. التطبيقات 1 - إن فصل الوتر أفضل من وصله، لزيادة النية ونكبيرة الإحرام والسلام. (اللححي ص 75) . 2 - صلاة النفل قاعداً على النصف من صلاة القائم، ومضطجعاً على النصف من القاعد. (اللححي ص 75) . 3 - إفراد النسكين: الحج والعمرة، أفضل من القران. (اللحجي ص 75) . 4 - صلاة طويلة بركعتين، وصلاة أربع ركعات في زمن واحد، فالمشهور أن الكثرة أفضل. (ابن رجب 1/ 131) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 731 5 - هدى بدنة عينة بعشرة، أو بدنتين بعشرة أو بأقل، فالثنتان أفضل. (ابن رجب 1/ 132) . 6 - رجل قرأ بتدبر وتفكر سورة، وآخر قرأ في تلك المدة سوراً عديدة سرداً، فالثاني إذا صور الحرف كاملاً أفضل، لأن أجر قراءة الحرف بعشر حسنات. (ابن رجب 133/1) واختار ابن تيمية تفضيل قراءة التفكر، لأن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وهو المنصوص صريحاً عن الصحابة والتابعين. (ابن رجب 1/ 135) . 7 - عتق رقبة نفيسة بمال، وعتق رقاب متعددة بنفس المال، فالرقاب أفضل (ابن رجب 1/ 140) . المستثنى 1 - القصر أفضل من الإتمام إذا كان السفر ثلاث مراحل فأكثر. (اللحجي ص 75) . 2 - الضحى أفضلها ثمان، وأكثرها اثنتا عشرة ركعة، والأول أفضل تأسياً بفعله - صلى الله عليه وسلم -.. (اللحجي ص 75) . 3 - قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من بعض سورة، وإن طال البعض، كما قاله المتولي لأنه المعهود من فعله - صلى الله عليه وسلم - غالباً، وقيل: السورة أفضل من البعض المساوي للسورة الكاملة. واعتمده الرملي في (النهاية) والشارح. 4 - الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمساً وعشرين مرة. كذا ذكره الزركشي في (قواعده) وتابعه عليه السيوطي. وضعفه الشيخ ابن حجر في (التحفة) فقال: "ولا يصح، لأن إعادة الصلاة لغير وقوع خلاف في صحتها لا يجوز". (اللحجي ص 75) . 5 - صلاة الصبح أفضل من سائر الصلوات غير العصر، مع أن الصبح أقصر من غيرها، قال في (التحفة) : "لعصر أفضل، ثم الصبح، ثم العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب". فيما يظهر من الأدلة، ونظمها الشيخ العلامة جمال الدين السيد محمد بن عبد الرحمن بن حسن عبد الباري الأهدل (ت 352 هـ) رحمه الله تعالى فقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 732 وأفضل من كل الفرائض جمعة. . . فعصر لها فالعصر للغير يا خلي فصبح عشاء ثم ظهر ومغرب. . . كذا رتبوا فاحفظ هديتك للكل 6 - ركعة الوتر إذا اقتصر عليها أفضل من ركعتي الفجر على الجديد، بل من التهجد في الليل وإن كثرت ركعاته، ذكره في (المطلب) . (اللحجي ص 76) . 7 - تخفيف ركعي الفجر أفضل من تطويلهما لما ورد في ذلك في السنة. (اللحجي ص 76) . 8 - صلاة العيد أفضل من صلاة الكسوف، مع كونها أشق وأكثر عملاً، لأن صلاة العيد فرض كفاية على قول بخلاف الكسوف. (اللحجي ص 76) . 9 - الجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات أفضل من الفصل بست غرفات، لورود التصريح بأفضلية الثلاث في رواية البخاري. وإنما فضل الجمع لصحة أحاديثه على أحاديث الفصل لعدم صحة أحاديثه، قاله في (التحفة) .. (اللحجي ص 76) . 10 - الفصل بغرفتين أفضل منه بست غرفات. (اللحجي ص 76) . 11 - التصدق بالأضحية بعد أكل لقم منها يتبرك بها أفضل من التصدق بجميعها. (اللحجي ص 76) . 12 - الإحرام من الميقات أفضل منه من دويرة أهله في الأظهر. (اللحجي ص 76) . 13 - الحج والوقوت راكباً أفضل منه ماشياً، تأسياً بفعله - صلى الله عليه وسلم - في الصورتين. (اللحجي ص 76) . 14 - تحية المسجد ركعتان أفضل من أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة. (اللحجي ص 76) . 15 - الاستعاذة بلفظ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أفضل من زبادة: كـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. (اللحجي ص 77) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 733 16 - قِسْ عليه كل ما دل الدليل على أفضلية القليل فيه على الكثير كصلاة في أحد المساجد الثلاثة أفضل من الكثير في غيرها. (اللحجي ص 77) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 734 القاعدة: [186] الفرض أفضل من النفل التوضيح الفرض هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، ويثاب فاعله ويعاقب تاركه. والنفل هو المندوب الذي طلب الشارع فعله طلباً غير جازم، ويثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، والفرائض هي الأساس والأهم في الدين، لذلك كان ثوابها أفضل من النوافل. والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكيه عن ربه: "وما تقرب إليَّ المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم. رواه البخاري. قال إمام الحرمين: "قال الأئمة: خص الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه، فإن ثواب الفرض يزيد على ثواب المندوبات بسبعين درجة، وتمسكوا بما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن رسول الله على قال في شهر رمضان: "من تقرَّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه " فقابل النفل فيه بالفرض في غيره، وقابل الفرض فيه بسبعين فرضاً في غيره، فأشعر الفحوى أن الفرض يزيد على النفل سبعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 735 التطبيقات قال التاج السبكي: "وهذا أصل مطرد لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور" فصلاة الفرض أفضل من صلاة النفل، وصيام رمضان أفضل من صيام غيره. والزكاة أفضل من الصدقة، وحج الفريضة أفضل من حج التطوع، وهكذا. (اللحجي ص 78) . المستثنى يستثنى من هذه القاعدة صور، وبعضها فيه نظر لبعض العلماء، منها: 1 - إبراء المعسر فإنه أفضل من إنظاره، وإنظاره واجب، وإبراؤه مستحب، ونظر فيه السبكي "بأنه لم يفضل مندوب واجباً، بل الإبراء مشتمل على الإنظار". وقرره الشيخ ابن حجر في (التحفة) في باب النفل. 2 - ابتداء السلام فإنه سنة، والرد واجب، والابتداء أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم - "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ". وقرر هذا الاستثناء الشيخ ابن حجر في (التحفة) في باب الأذان، لكن خالف ذلك في باب النفل، فقال: "وزعم أن المندوب قد يفضله كإبراء المعسر، وإنظاره. وابتداء السلام ورده، مردود بأن سبب الفضل في هذين اشتمال المندوب على مصلحة الواجب وزيادة، إذ بالإبرأء زال الإمهال، وبالابتداء حصل الأمن أكثر مما في الجواب، واعترضه ابن قاسم، ورده أبو قشير. (اللحجي ص 78) . 3 - الأذان، فإنه سنة على الأصح، وهو أفضل من الإمامة، وهي فرض كفاية أو عين، ونازع في ذلك الرافعي، وظاهر كلام ابن حجر في (التحفة) رد منازعته. (اللحجي ص 78) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 736 4 - الوضوء قبل الوقت سنة، وهو أفضل منه في الوقت، صرح به القُمُولي في (الجواهر) وإنما يجب الوضوء بعد دخول الوقت. (اللحجي ص 78) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 737 القاعدة: [187] الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المتعلقة بمكانها التوضيح ترتبط العبادات غالباً بأمكنة معينة، وأزمنة، وفيها أركان وشروط وأفعال للفضيلة فيها وزيادة الأجر، كما أن العبادة تكون في أماكن معينة، فالعمل الوارد في نفس العبادة أفضل من المكان الذي ارتبطت به العبادة. قال النووي رحمه الله في (شرح المهذب) : "هذه قاعدة مهمة صرح به جماعة من أصحابنا، وهي مفهومة من كلام الباقين "، ويتخرج عليها مسائل مشهورة. التطبيقات 1 - الصلاة في جوف الكعبة أفضل من الصلاة خارجها، فإن لم يرج فيها الجماعة، وكانت خارجها، فالجماعة خارجها أفضل. (اللحجي ص 78) . 2 - صلاة الفرض في المسجد أفضل منها في غيره، فلو كان مسجد لا جماعة فيه، وهناك جماعة في غيره، فصلاتها مع الجماعة خارجه أفضل من الانفراد في المسجد. (اللحجي ص 78) . 3 - الصلاة في الصف الأول في المسجد النبوي أفضل من الصلاة في الروضة الشريفة. (اللحجي ص 79) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 738 4 - صلاة النفل في البيت أفضل منها في المسجد، لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها، فإنها سبب لتمام الخشوع والإخلاص وأبعد من الرياء وشبهه، حتى إن صلاة النفل في بيته أفضل منها في المسجد النبوي لذلك. (اللحجي ص 79) . 5 - القرب من الكعبة في الطواف مستحب، والرَمَل مستحب، فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما ولم يمكنه الرمل مع القرب، وأمكنه مع البعد، فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة على القرب بلا رمل لذلك. (اللحجي ص 79) . المستثنى خرج عن القاعدة صور، منها: 1 - الجماعة القليلة في المسجد القريب أو البعيد إذا خشي التعطيل لو لم يحضر فيه أفضل من الجماعة الكثيرة في غيره. (اللحجي ص 79) . 2 - الجماعة في المسجد أفضل منها في غيره وإن كثرت، صرح به الماوردي، لأن اعتناء الشارع بكثرة إظهار شعار الجماعة في المساجد أكثر. (اللحجي ص 79) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 739 القاعدة: [188] الواجب لا يترك إلا لواجب الألفاظ الأخرى - الواجب لا يترك لسنة. - ما لا بدَّ منه لا يترك إلا لما لا بدَّ منه. - جواز ما لو لم يشرع لم يجز، دليل على وجوبه. - ما كان ممنوعاً إذا جاز وجب. التوضيح الواجب هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، ويثاب فاعله ويعاقب تاركه، فلا يجوز تركه، ولكنه يترك لواجب آخر، وهذا الترك مقيد بما إذا شرعا في محل واحد، فيتخير بينهما، كستر بعض عورته بيده، يتخير بينه وبين وضع يده حال السجود. التطبيقات 1 - ستر بعض عورته بيده يتخير بينه وبين وضع يده حال السجود. (اللحجي ص 79) . 2 - قطع اليد في السرقة لو لم يجب لكان حراماً. (اللحجي ص 79) . 3 - إقامة الحدود على ذوي الجرائم، وجوب أكل الميتة للمضطر. (اللحجي ص 79) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 740 4 - الختان لو لم مجب لكان حراماً لما فيه من قطع عضو، وكشف العورة والنظر إليها. (اللحجي ص 79) . 5 - العود من قيام الثالثة إلى التشهد الأول يجب لمتابعة الإمام لأنها واجبة، ولا يجوز للإمام والمنفرد، لأنه ترك فرض لسنة، وكذا العود إلى القنوت. (اللحجي ص 79) . 6 - التنحنح بحيث يظهر حرفان إن كان لأجل القراءة فعذر، لأنه لواجب، أو للجهر فلا، لأنه سنة. (اللحجي ص 79) . المستثنى 1 - سجود السهو وسجود التلاوة لا يجبان، ولو لم يشرعا لم يجوزا. (اللحجي ص 80) . 2 - النظر إلى المخطوبة لا يجب، ولو لم يشرع لم يجز. (اللحجي ص 80) . 3 - الكتابة لا تجب إذا طلبها الرقيق الكسوب، وقد كانت قبلها ممنوعة، لأن السيد لا يعامل عبده. (اللحجي ص 80) . 4 - رفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد، فإنها لا تبطل الصلاة على المعتمد عند الرملي تبعاً للسيوطي وغيره، خلافاً للشيخ ابن حجر في (تحفته) . (اللحجي ص 80) . 5 - قتل الحية مع توالي الضرب، ومع الانحناء في الصلاة لا تبطل به الصلاة لمشروعيته فيها، لو لم يشرع لكان مبطلاً للصلاة مع أنه ليس بواجب، بل سنة. (اللحجي ص 80) . 6 - زيادة ركوع في صلاة الكسوف لا يجب، ولو لم يشرع لم يجز. (اللحجي ص 80) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 741 القاعدة: [189] ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه، لا يوجب أهونهما بعمومه التوضيح إذا وجب حكم شرعي أعظم بسبب أمر مخصوص، فيدخل فيه الأمر العام. ويقتصر على الخاص. التطبيقات 1 - لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة، فإن أعظم الأمرين، وهو الحد، قد وجب فدخل فيه حكم الملامسة. (اللحجي ص 80) . 2 - زنى المحصن لم يوجب أهون الأمرين، وهو الجلد بعموم كونه زنى يوجب الرجم خلافاً لابن المنذر. (اللحجي ص 80) . 3 - خروج المني لا يوجب الوضوء على الصحيح بعموم كونه خارجاً، فإنه قد أوجب الغسل الذي هو أعظم الأمرين. (اللحجي ص 80) . 4 - الشين الحاصل بسبب الموضحة، فإنه لا يجب أرشه، لأن هذه الموضحة قد أوجبت أعظم الأمرين، وهو القصاص، فلا توجب الأرش الأهون. (اللحجي ص 80) . المستثنى 1 - الحيض والنفاس والولادة فإنها توجب الغسل، مع إيجابها الوضوء أيضاً. (اللحجي ص 80) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 742 2 - من اشترى فاسداً ووطئ لزمه المهر وأرش البكارة، ولا يندرج في المهر. (اللحجي ص 80) . 3 - لو شهدوا على محصن بالزنى، فرجم، ثم رجعوا اقتُصَّ منهم، ويُحَدُّون للقذف أولاً. (اللحجي ص 80) . 4 - من قاتل من أهل الكمال، وهو البالغ العاقل الحر، أكثر من غيره، حتى فعل نكاية لا العدو، فإنه يُرضخ له مع سهمه، ذكره الرافعي عن البغوي وغيره. (اللحجي ص 80) . 5 - الجماع في رمضان وفي الحج يوجب القضاء مع الكفارة. (اللحجي ص 80) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 743 القاعدة: [190] ما ثبت بالشرع مقدم عد ما ثبت بالشرط التوضيح إن الشرع. أوجب أحكاماً، وشرط شروطاً، فإذا أوجب الشخص على نفسه ما أوجبه الشرع فيقع بحسب ما أوجبه الشرع، وإن شرط شرطاً شرطه الشرع فيقع عن شرط الشرع ويلغو شرطه. التطبيقات 1 - لا يصح نذر الواجب كالجمعة والصلوات الخمس. (اللحجي ص 81) . 2 - لو قال: طلقتك بألف على أن لي عليك الرجعة، سقط قوله: بألف، ويقع رجعياً، لأن المال ثبت بالشرط، والرجعة ثبتت بالشرع، فكانت أقوى. (اللحجي ص 81) . 3 - لا يصح تدبير المستولدة، لأن عتقها بالموت ثابت بالشرع، فلا يحتاج معه إلى التدبير. (اللحجي ص 81) . 4 - لو اشترى قريبه، ونوى عتقه عن الكفارة، لا يقع عنها، لأن عتقه بالقرابة حكم قهري والعتق عن الكفارة يتعلق بإيقاعه واختياره. (اللحجي ص 81) . 5 - من لم يحج إذا أحرم بتطوع ونذر وقع عن حجة الإسلام، لأنه يتعلق بالشرع، ووقوعه عن التطوع والنذر متعلق بإيقاعه عنهما، والأول أقوى. (اللحجي ص 81) . 6 - لو نكح أمة موروثه، ثم قال: إذا مات سيدك فأنت طالق، فمات السيد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 744 والزوج يرثه، فالأصح أنه لا يقع الطلاق، لأنه اجتمع المقتضي للانفساخ ووقع الطلاق في حالة واحدة، والجمع بينهما ممتنع، فقدم أقواهما، وهو الانفساخ، لأنه حكم ثبت بالقهر شرعاً، ووقوع الطلاق حكم تعلق باختياره، والأول أقوى. (اللحجي ص 81) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 745 فائه ة: إسقاط ما هو حق الشرع باطل يقرب من هذه القاعدة ما قرره السرخسي الحنفي رحمه الله بقوله: "إسقاط ما هو حق الشرع باطل" لأنه حق لله تعالى، فلا يجوز لإنسان إسقاطه، ولا العفو عنه. لأن العباد لا يملكون حق إسقاط ما هو حق لله تعالى. وأمثلته كثيرة، وخاصة في الحدود كحد الزنا، وحد السرقة، وحد الشرب، وحد الردة، وكذلك حقوق الله في غير الحدود في الأحكام المقررة للشرع كحق السكنى للمطلقة، وحق المخالعة، فهما حقان للشرع، ولا يجوز للزوج أسقاطهما باشتراط ذلك على المرأة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 746 القاعدة: [191] المشغول لا يُشْغَل الألفاظ الأخرى - شغل المشغول لا يجوز، بخلاف شغل الفارغ. التوضيح إن العين أو الشيء المشغول بحكم، أي الذي يتعلق به حكم شرعي، لا يقبل أن يَرِدَ عليه حكم آخر من جنسه، أو يتنافى مع الأول، لأن المحل لا يحتمل حكمين من جنس واحد. قال السيوطي رحمه الله تعالى: "واعلم أن إيراد العقد على العقد ضربان: أحدهما: أن يكون قبل لزوم الأول وإتمامه، فهو إبطال للأول إن صدر من البائع، كما لو باع المبيع في زمن الخيار، أو أجره، أو أعتقه، فهو فسخ، أو إمضاء للأول إن صدر من المشتري بعد القبض. الثاني: أن يكون بعد لزومه، وهو ضربان: الأول: أن يكون مع غير العاقد الأول، فإن كان فيه إبطال لحق الأول لغا، كما لو رهن داره، ثم باعها بغير إذن المرتهن، أو أجرها مدة يحل الدين قبلها، وإن لم يكن فيها إبطال للأول صح، كما لو أجر داره، ثم باعها لآخر، فإنه يصح، لأن مورد البيع العين، ومورد الإجارة المنفعة، وكذا لو زوج أمته، ثم باعها. الثاني: أن يكون مع العاقد الأول، فإن اختلف المورد صح قطعاً، كما لو أجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 747 داره، ثم باعها من المستأجر، صح، ولا تنفسخ الإجارة في الأصح، بخلاف ما لو تزوج بأمة ثم اشتراها، فإنه يصح وينفسخ النكاح، لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح، فسقط الأضعف بالأقوى، وكذا عللوه، واستشكله الرافعي بأن هذا التعليل موجود في الإجارة، فالأولى أن يقال: إنما ينتقل إلى المشتري ما كان للبائع. والبائع حين البيع لا يملك المنفعة بخلاف النكاح، فإن السيد يملك منفعة بضع أمته المزوجة، بدليل أنها لو وطئت بشبهة كان المهر للسيد، لا للزوج. وقد يجاب بأن الإشكال لا يرد المنقول، ولو رهنه داراً ثم أجرها منه جاز ولا يبطل الرهن، جزم به الرافعي، قال: وهكذا لو أجرها ثم رهنها منه يجوز، لأن أحدهما ورد على محل غير الآخر، فإن الإجارة على المنفعة، والرهن على الرقبة. وإن اتحد المورد كما لو استأجر زوجته لإرضاع ولده، فقال العراقيون: لا يجوز، لأنه يستحق الانتفاع بها في تلك الحالة، فلا يجوز أن يعقد عليها عقداً آخر يمنع استيفاء الحق، والأصح أنه يجوز، ويكون الاستئجار من حين يترك الاستمتاع، ولو استأجر إنساناً للخدمة شهراً، لم يجز أن يستأجره تلك المدة لخياطة ثوب أو عمل آخر، ذكره الرافعي في (النفقات) . التطبيقات 1 - لو رهن رهناً بدين ثم رهنه بآخر لم يجز في الجديد. (اللحجي ص 83) . 2 - لا يجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى، لاشتغاله بالرمي والمبيت. (اللحجي ص 83) . 3 - لا يجوز إيراد عقدين على عين في محل واحد، كما لو رهن داره، ثم أجرها من غير المرتهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 748 القاعدة: [192] المُكبَّر لا يُكبَّرُ التوضيح إذا ورد حكم شرعي مشدداً لعلة معينة، فلا يزاد عليه شيء مما يمكن زيادته وتضعيفه على الأحكام العدلية. التطبيقات 1 - لا يشرع التثليث في غسلات نجاسة الكلب، وهذا ما اعتمده السيوطي تبعاً لجماعة، واعتمده المحقق جمال الدين محمد الرملي في "نهايته " وتبعهم الباجوري. وخالف المحقق الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي، فاعتمد سنية التثليث. وقال الزركشي: "إنه أقرب إلى القواعد" والتثليث المذكور يكون بزيادة غسلتين بعد الطهر بسبع، لأن السبع تحسب واحدة، وقيل: التثليث بزيادة سبعتين. قال بعضهم: وكل من القولين ضعيف، والمعتمد ما عليه الرملي هنا. (اللحجي ص 84) . 2 - لا يشرع التغليظ في أيمان القسامة، وهي خمسون يميناً، وتغليظ اليمين يكون باللفظ والزمان، والمكان. (اللحجي ص 74) . 3 - لا يشرع التغليظ في دية العمد، وشبهه، ولا الخطأ إذا غلظت بسبب، وتغليظ الدية يكون بالفورية، وبنوع الإبل: أربعون خَلِفَة، وثلاثون جَذَعة، وثلاثون حُقَّة، ولا يزاد التغليظ بسبب آخر ككونه في الحرم، ومن المحرم، وأشهر الحرم. (اللحجي ص 84) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 749 4 - إذا أخذت الجزية باسم زكاة، وضعفت، لا يضعف الجبران في الأصح، لأنا لو ضعفناه لكان ضعف الضعف، والزيادة على الضعف لا تجوز. (اللحجي 84) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 750 القاعدة: [193] النفل أوسع من الفرض التوضيح النفل: هو المندوب الذي طلبه الشارع طلباً غير جازم، ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، والفرض: هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، ويثاب فاعله ويعاقب تاركه، وهو الأهم، ولذلك يشترط نيه ما لا يشترط في النفل، وتجب به بعض الأحكام التي لا تجب في مثيله من النفل. التطبيقات 1 - لا يجب القيام في صلاة النفل، وتصح مع القعود ولو بدون عذر، والفرض لا يصح إلا بالقيام، ويجب فيه القيام إلا لعذر. (اللحجي ص 86) . 2 - لا يجب الاستقبال في صلاة النفل في السفر، ويجب في الفرض في السفر. (اللحجي ص 86) . 3 - لا يجب تجديد الاجتهاد في القبلة عند صلاة النفل أكثر من مرة، ويجب تجديد الاجتهاد عن كل فرض. (اللحجي ص 86) . 4 - لا يجب تكرير التيمم عند أداء نفل آخر، ويجب تكريره لكل فرض. (اللحجي ص 86) . 5 - لا يجب تبييت النية في صيام النفل من الليل، وتصح بعد الفجر، وبعد طلوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 751 الشمس حتى قبل الزوال، ويجب تبييت نية الصيام من الليل قبل الفجر في الفرض والنذر. (اللحجي ص 86) . 6 - لا يلزم النفل بالشروع، ويجوز تركه بعد الشروع، ولا يجب إتمامه، أما الفرض فيلزم بالشروع فيه ولا يجوز تركه بدون عذر، لقوله تعالى:. (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) .. (اللحجي ص 86) . المستثنى قد يضيق النفل عن الفرض في صور، ترجع إلى قاعدة "ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها " (م/ 22) . وله صور: 1 - وجوب الفرض على فاقد الطهورين، ولا يجوز له النفل. (اللحجي ص 86) . 2 - العاري يجب عليه صلاة الفرض فقط، ولا يصلي النفل. (اللحجي ص 86) . 3 - الجنب الذي لم يجد الطهورين لا يقرأ غير الفاتحة، فتجوز له قراءة الفاتحة لأنها فرض، ولا يقرأ سورة أو آية لأنها نفل. (اللحجي ص 86) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 752 القاعدة: [194] النية في اليمين تخصص اللفظ العام وتقصره على بعض أفراده، ولا تعمم الخاص من اللفظ التوضيح اللفظ العام يراد به جميع أفراده إلا إذا ورد ما يخصصه فيقصره على بعض الأفراد، والمخصصات كثيرة للألفاظ، منها التخصيص بالنية التي تقصر اللفظ العام، وتخصصه بحسب المنوي، ولكن النية لا تقلب اللفظ الخاص إلى عام، ويبقى اللفظ الخاص خاصا وإن نوى المتكلم التعميم، فلا يعمم. التطبيقات 1 - حلف وقال: والله لا أكلم أحداً، ونوى زيداً قصر اليمين عليه، فلا يحنث إلا بتكليم زيد لا بتكليم غيره، وهذا مثال للشطر الأول. (اللحجي ص 26) . 2 - مثال الشطر الثاني أن يمنَّ عليه رجل بما نال منه، فيقول: والله لا أشرب منه ماء من عَطَشي، فإن اليمين تنعقد على الماء من عطشي خاصة، ولا يحنث بطعامه ولا ثيابه. وإن نوى أنه لا ينتفع منه بشيء، وإن كانت المنازعة تقتضي ذلك، لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ ما نواه بجهة يتجوز بها، وخالف الإسنوي، وقال: "وفي ذلك نظر، لأن فيه جهة صحيحة، وهي إطلاق اسم البعض على الكل ". (اللحجي ص 26) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 753 القاعدة: [195] مقاصد اللفظ على نية اللافظ التوضيح إن مقاصد الألفاظ كاليمين، والاعتكاف، والنذر، والحج، والصلاة. والطلاق، والعتق وغيرها تحمل على نية اللافظ، أي أنه لا يعتبر في النية إلا نية صاحبها المتلفظ بمضمونها، ومستند ذلك الحديث المشهور: "إنما الأعمال بالنيات " أخرجه الأئمة الستة وغيرهم، ولذلك يجوز التورية في الكلام والأيمان، بأن يقصد المتكلم من كلامه غير المعنى المتبادر من الألفاظ، أو ينوي فيه خلاف الظاهر، أو يقصد تخصيص اللفظ العام، وقصره على بعض أفراده، ولما رواه سويد بن حنظلة أنه كان مع وائل بن حُجْر فأخذه عدو له، فحلف سويد: إنه أخي، فخلي عنه، فقال رسول الله: " أنت كنت أبرَّهم وأصدقهم، صدقت، المسلمُ أخو المسلم " أخرجه الحاكم وصححه، وأبو داود بسند صالح، وابن ماجة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -:. (إن في المعاريض لمندوحة من الكذب". أخرجه ابن عدي، والبيهقي، وعنون به البخاري في صحيحه. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اليمين على نية المستحلف" أي في القضاء واليمين الواجبة فقط، وعلى نية الحالف في غيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 754 التطبيقات 1 - حلف ألا يدخل دار زيد، فإنه يحنث بدخول ما يسكنها بملك، لا بإعارة وإجارة وغصب، إلا أن يريد مسكنه فيحنث بالمعار وغيره، ويحنث بما يملكه ولا يسكنه، إلا أن يريد مسكنه فلا يحنث بما لا يسكنه. (اللحجي ص 26) . 2 - نوى الاعتكاف وأطلق، ثم خرج من المسجد، فإن كان خروجه بعد العزم على العود فلا يجب التجديد، وإن كان بدون العزم على العود فيجب التجديد. (اللحجي ص 26) . 3 - نذر لله أن يفعل كذا، فإن نوى اليمين يلزمه إن حنث كفارة يمين. (اللحجي ص 26) . 4 - أحرم بالحج مطلقاً في أشهر الحج، فإنه يصرفه قبل العمل بالنية إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قِران. (اللحجي ص 26) . 5 - قال لزوجته: يا طالق، واسمها طالق، فإن قصد الطلاق حصل، وإن قصد النداء فلا. (اللحجي ص 26) . 6 - قال لأمته: يا حرة، واسمها حرة، فإن قصد العتق وقع، وإن قصد النداء فلا. (اللحجي ص 26) . المستثنى اليمين عند من له ولاية التحليف كالقاضي والمحكم، فإن النية على نية القاضي دون الحالف، فلا تعتبر نيته، وإلا ضاعت الحقوق، سواء أكان موافقاً للقاضي في مذهبه أم لا في شفعة الجوار والبراءة من الدين. (اللحجي ص 26) . لحديث " اليمين على نية المستحلف " وفي رواية "يمينك على ما يصدقك به صاحبك ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 755 القاعدة: [196] الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود التوضيح إن الأعمال والأحكام المطلوبة شرعاً لها مقاصد محددة، وأوقات خاصة أحياناً، فإن اشتغل الشخص بشيء غير مقصود شرعاً من الفعل، فهذا يدل على إعراضه عن المقصود المطلوب، ويتحمل نتائج تصرفه. التطبيقات 1 - لو حلف لا يسكن هذه الدار، ولا يقيم فيها، فتردد ساعة حنث، وإن اشتغل بجمع متاعه والتهيؤ لأسباب النقلة فلا. (اللحجي ص 89) . 2 - لو قال طالب الشفعة للمشتري عند لقائه: اشتريت رخيصاً، سقط حقه. (اللحجي ص 89) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 756 القاعدة: [197] لا ينكر المُخْتلف فيه، وإنما ينكر المُجمَع عليه الألفاظ الأخرى - لا ينكر إلا ما أجمع على منعه. التوضيح المختلف فيه هو ما يقع بين المذاهب لاختلاف الأدلة، فلا يجب إنكار المختلف فيه؛ لأنه يقوم على دليل، وإنما يجب إنكار فعل يخالف المجمع عليه، لأنه لا دليل عليه. وإن الإنكار المنفي في القاعدة مراد به: الإنكار الواجب فقط، وهو لا يكون إلا لما أجمع على تحريمه، وأما ما اختلف في تحريمه فلا يجب إنكاره على الفاعل لاحتمال أنه حينئذ قلد من يرى حله، أو جهل تحريمه، كذا في (التحفة) . وهذه قاعدة عظيمة متفرعة عن أصل عظيم، لأن نسبة المختلف فيه إلى المحرم ليست بأولى من نسبته إلى المحلل، وهذا باعتبار استصحاب العدم الأصلي، وباعتبار الإنكار الواجب. ويشترط في وجوب الإنكار أيضاً ألا يؤدي إلى فتنة، فإنه علم أنه يؤدي إلى فتنة لم يجب، بل ربما كان حراماً، بل يلزمه ألا يحضر المنكر، ويعتزل في بيته لئلا يراه، ولا يخرج إلا للضرورة، ولا يلزمه مفارقة تلك البلدة إلا إذا كان عرضة للفساد. قال في (التحفة) : "والكلام في غير المحتسب، أما هو فينكر وجوباً على من أخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 757 بشيء من الشعائر الظاهرة، ولو سنة، كصلاة العيد والأذان، فيلزمه الأمر بهما، ولكن لا يقاتلهم". التطبيقات كل ما يدخل تحت الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله. المستثنى 1 - أن يرفع الأمر لحاكم يرى التحريم، كما إذا رفع له حنفي شارب نبيذ، فإنه يحده، إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده. (اللحجي ص 89) . 2 - أن يكون للمنكِر فيه حق، كالزوج يمنع زوجته من شرب النبيذ إذا كانت تستحله هي، وكذلك الذمية على الصحيح. (اللحجي ص 89) . 3 - إذا كان مأخذ المجوِّز لهذا المنكر بعيداً، بجث ينقض فيه قضاء القاضي، فينكر حينئذ على الذاهب إليه وعلى مقلده، كوطء المرهونة، إذ يقول عطاء بحله، فيجب الحد على المرتهن إذا وطئها، ولا ينظر لذلك. (اللحجي ص 90) . 4 - أن يكون الفاعل معتقداً للحظر، أي المنع والتحريم لذلك الفعل كواطئ رجعيته، فيعزر. (اللحجي ص 90) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 758 القاعدة: [198] يدخل القوي على الضعيف، ولا عكس التوضح القوي: هو الفرض والواجب، والحكم الأصلي، والضعيف: هو المندوب والمباح والرخصة، فالقوي يدخل على الضعيف أحياناً، ولكن الضعيف لا يدخل على القوي إلا استثناء. التطبيقات 1 - يجوز إدخال الحج على العمرة قطعاً، لا عكسه على الأظهر، أي فلا تدخل العمرة على الحج، إذ لا يستفيد به شيئاً. (اللحجي ص 90) . 2 - لو وطئ أمة، ثم تزوج أختها ثبت نكاحها، وحرمت الأمة، لأن الوطء بفراش النكاح أقوى من ملك اليمين، إذ يتعلق بفراش النكاح الطلاقُ والظهار والإيلاء وغيرها، قال في (المغني) : "فلا يندفع الأقوى بالأضعف، بل يرفعه ". (اللحجي ص 90) . 3 - لو تقدم النكاح حرم عليه الوطء بالملك، لأنه أضعف الفراشين، قال علي الشبراملسي: "أي ما دام النكاح باقياً، فإن طلق المنكوحة حلت الأخرى" أي في الصورتين. (اللحجي ص 90) . المستثنى إذا نوى صوم نفل ثم أراد في أثنائه الفرض لم يصح، وهل يصح عكسه: وهو ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 759 لو نوى في أثناء شوال صوم غد عن القضاء، ثم في أثنائه شرك معه بنية صوم الست مثلاً؟ القياس: نعم، أي تصح، ويحصل كل من الفرض والنفل، بناء على ما اعتمده الشهاب الرملي، كغيره من أن الصوم في شوال لقضاء وغيره يحصل به ما نواه مع ست شوال أيضاً، قاله بعضهم. (اللحجي ص 90) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 760 القاعدة: [199] الميسور لا يسقط بالمعسور الألفاظ الأخرى - لا يسقط الميسور بالمعسور. - المتعذر يسقط اعتباره، واليمكن يستصحب فيه التكليف. التوضيح أي إن المأمور به إذا لم يتيسر فعله على الوجه المطلوب، بل تيسر فعل بعضه، لا يسقط بالمعسور، أي بعدم القدرة على فعل الكل، فيجب البعض المقدور عليه. قال التاج السبكي: "وهذه القاعدة من أشهر القواعد المستنبطة من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وذكر الإمام: "أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة". ويؤيد ذلك قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 761 وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وهذه القاعدة لها تطبيقات وفروع عند المالكية والحنابلة التطبيقات 1 - من قدر على الإيماء بالركوع والسجود وجب. (اللحجي ص 92) . 2 - من قدر على غسل بعض أعضاء الوضوء، كان قطع بعض الفرض من اليدين والرجلين، فإنه يجب غسل ما بقي منه. (اللحجي ص 92، (ابن رجب 49/1) . 3 - من قدر على نصف صاع في الفطرة وجب عليه إخراجه في الأصح. (اللحجي ص 92) ، وهو الأصح عند الحنابلة. (ابن رجب 49/1) . 4 - القادر على بعض الفاتحة ياتب به بلا خلاف. (اللحجي ص 92، (ابن رجب 1/ 48) . 5 - لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام، فلم يجد إلا طعام ثلاثين مسكيناً، فالأصح وجوب إطعامهم. (اللحجي ص 92) . 6 - من ملك نصاباً بعضه عنده، وبعضه غائب، فالأصح أنه يخرج عما في يده في الحال. (اللحجي ص 92) . 7 - العاجز عن المراءة في الصلاة يلزمه القيام، لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة، لكنه أيضاً مقصود في نفسه، وهو عبادة منفردة. (ابن رجب 48/1) . 8 - من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه الإتيان بما قدر منه؛ لأن تخفيف الجنابة مشروع ولو بغسل بعض أعضاء الوضوء. (ابن رجب 48/1) . 9 - من تعذرت عليه الطهار - بالماء للعدم أو للضرر في جميع الطهارة أو بعضها عدل إلى التيمم، ومن عجز عن سترة الصلاة الواجبة، أو عن الاستقبال، أو عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 762 توقي النجاسة، سقط عنه ما عجز عنه، وكذلك بقية شروط الصحلاة وأركانها وشروط الطهارة (السيوطي ص 159) . 10 - من عليه نفقة واجبة، وجب عليه ما يقدر عليه منها، وسقط عنه ما عجز عنه. (السدلان ص ا32) . 11 - إذا قدر المصلي على بعض السترة، فعليه ستر القدر اليمكن. المستثنى 1 - واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها، بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف. (اللحجي ص 92) ، لأن جزء الرقبة ليس في نفسه عبادة. (السدلان ص 321، ابن رجب 46/1) . 2 - القادر على صوم بعض يوم دون كله لا يلزمه إمساكه، لأنه ليس بصوم شرعي (اللحجي ص 92، السدلان ص 320، (ابن رجب 1/ 5 4) . 3 - إذا وجد الشفيع بعفثمن الشِقْص، لا يأخذ قسطه من الشِقْص. (اللحجي ص 92) . 4 - إذا أوصى بثلثه، يشترى به رقبة، فلم يف بها، لا يشترى شقص، بل تلغو الوصية، ويرجع المال للورثة. (اللحجي ص 92، السدلان ص 321) . 5 - إذا اطلع على عيب، ولم يتيسر له الرد، ولا الإشهاد، لا يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح. (اللحجي ص 92) . 6 - عند الحنابلة: إذا عجز المصلي عن وضع جبهته على الأرض، وقدر على وضع بقية أعضاء السجود، فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح؛ لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعاً للسجود على الوجه وتكميلاً له (السدلان ص 321) . 7 - إذا وجد الإنسان من الماء ما لا يكفيه، فهو عذر في الجميع، فلا يستعمله، ويتيمم في قول للشافعي، وعند مالك، وأبي حنيفة النعمان (المقري ص 329) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 763 وحقق أبو حنيفة ومالك كون الماء وسيلة فأسقطا استعماله لتعذر المقصود، ورآه الشافعي في الراجح عنده مقصوداً، ولو لاستباحة التيمم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 764 القاعدة: [200] ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله. وإسقاط بعضله كإسقاط كله التوضيح إن بعض الأحكام الشرعية لا تتبعض، فإما أن تقبل كلاً، وإما أن تسقط كلاً، لعدم إمكان التجزؤ. ولكن وقع خلاف في جعل اختيار البعض اختياراً للكل، هل هو بطريق السراية إلى الباقي عن ذلك البعض؛ بمعنى أنه يقع على الجزء، ثم يسري إلى باقي الأجزاء، أو لا يكون بطريق السراية، بل اختياره للبعض نفس اختياره للكل، بمعنى أنه عبر بالبعض عن الكل. ووقع خلاف مشهور في تبعيض الطلاق والعتق، فقال إمام الحرمين: "إنه من باب التعبير بالبعض عن الكل " وقضية كلام الرافعي "أنه من باب السراية" قال في (التحفة) : وهو الأصح. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا قالت: طلقني ثلاثاً بألف، فطلق واحدة ونصفاً، تقع ثنتان على القولين، ويستحق ثلثي الألف على قول الإمام، ويستحق نصفه على قول الرافعي، وهو الأصح، اعتباراً بما أوقعه، لا بما سرى عليه. قال السيد عمر البصري: "وقد يقال: ينبغي أن يكون محل الخلاف صورة الإطلاق. أما إذا أراد به حقيقته فن السراية قطعاً، أو الكل فمن التعبير بالبعض قطعاً، بخلاف ما إذا أطلق، فإن المتبادر الحقيقة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 765 وهذه القاعدة عند الشافعية تشبه القاعدة الكلية السابقة "ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كلِّه ". التطبيقات 1 - إذا قال: أنت طالق نصف طلقة، أو بعضُك طالق، طلقت طلقة. (اللحجي ص 92) . 2 - إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه، أو عفا بعض المستحقين، سقط كله. (اللحجي ص 92) . 3 - إذا عفا الشفيع عن بعض حقه، فالأصح سقوط كله. (اللحجي ص 92) . 4 - عتق بعض الرقبة، أو عتق بعض المالكين نصيبه، وهو موص، عتق كله. (اللحجي ص 92) . 5 - إذا قال: أحرمت بنصف نسكٍ، انعقد بنسك، كالطلاق، كما في "زوائد الروضة" ولا نظير لها في العبادات. (اللحجي ص 92) . 6 - إذا اشترى عبدين، فوجد بأحدهما عيباً لم يجُز إفراده بالرد، فلو قال: رددت المعيب منهما، فالأصح أنه لا يكون رداً لهما. (اللحجي ص 92) . المستثنى لا يزيد البعض عن الكل إلا في مسألة واحدة، وهي إذا قال: أنت علي كظهر أمي، فإنه صريح في الظهار، ولو قال: أنت علي كأمي، لم يكن صريحاً، بل كناية. فإن نوى أنها كظهر أمه في التحرير، كان ظهاراً، وإن قصد كرامة، فلا يكون ظهاراً، لأن مثل هذا اللفظ يستعمل في الكرامة والإعزاز. (اللحجي ص 92) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 766 الباب السادس القواعد الكلية في المذهب الحنبلي تكاد أن تكون القواعد الكلية الخاصة بالمذهب الخبلي قليلة، لأن المذهب الحنبلي يأخذ، ويطبق، ويعتمد القواعد الكلية الأساسية الخمسة التي قال بها سائر المذاهب، وذكرنا الفروع والتطبيقات من المذهب الحنبلي في هذه القواعد الأساسية، والقواعد المتفرعة عنها. كما يؤيد ويوافق ويعتمد - غالباً - القواعد الكلية المشتركة في المذاهب الأربعة. وأثبتنا الفروع الفقهية والتطبيقات العملية من المذهب الحنبلي في هذه القواعد. ويظهر فيها اهتمام الحنابلة بالعقود والتصرفات المالية، والتوسع فيها بالمقارنة مع بقية المذاهب. ونعرض في هذا الباب القواعد الكلية التي انفرد بها علماء المذهب الحنبلي. ونتبعها بالفروع والتطبيقات، والاستثناءات لها. ويظهر في قواعد الحنابلة ما يلفت النظر من الواقعية وفتح المجال أمام المستجدات والمسائل المستحدثة والأحوال الجديدة، وتطور الحياة، وخاصة في فكر ابن تيمية رحمه الله تعالى، وفي القواعد المبثوثة في كتبه. ومما يلفت النظر أن ابن النجار الفتوحي الحنبلي عقد فصلاً للقواعد الفقهية في كتابه الأصولي القيم (شرح الكوكب المنير) . وهذا مما انفرد به عن غيره من مصنفي كتب أصول الفقه. وكأنه اعتبرها شبه أدلة أو من الأدلة الكلية للفقه والمسائل الفقهية. فقال: "فوائد: تشتمل على جملة من قواعد الفقه، تشبه الأدلة، وليست الجزء: 2 ¦ الصفحة: 767 بأدلة، لكن ثبت مضمونها بالدليل، وصارت يقضى بها في جزئياتها، كأنها دليل على ذلك الجزئي، فلما كانت كذلك ناسب ذكرها في باب الاستدلال " ثم يقول مباشرة: "من أدلة الفقه ألا يرفع يقين بشك "، ثم يقول: "من أدلة الفقه أيضاً زوال الضرر بلا ضرر". ثم يقول: "من أدلة الفقه أيضاً قول الفقهاء: درء المفاسد أولى من جلب المصالح " وهكذاً. ويأتي بالأدلة على صحة القاعدة ومشروعيتها. ثم يذكر بعض الأمثلة والتطبيقات لكل منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 768 القاعدة: [201] الأصل في العبادات الحظر، وفي العادات الإباحة الألفاضل الأخرى - الأصل في العبادات التوقيف. - الأصل في العبادات البطلان. - الأصل في العادات الإباحة. التوضيح لا يكلف الإنسان بعبادة إلا بعد تشريعها من الله تعالى، وبيان كيفيتها، ولذلك يحظر القيام بعبادة إلا بعد بيانها من الشرع، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى ورسوله، ولذلك كانت العبادات توقيفية، أي يتوقف الإنسان فيها حتى يأتي البيان والكيفية من الشارع مباشرة، ولا يقاس عليها. والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي " وقوله عليه الصلاة والسلام: "خذوا عني مناسككم ". ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يتوقفون في أداء العبادات حتى يسألوا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه لا يشرع من العبادة إلا ما شرعه الله ورسوله. والإباحة هي الإطلاق والإذن، وشرعاً: تخيير المكلف: بين الفعل والترك. والعادة: هي الاستمرار على شيء مقبول للطبع السليم، والمعاودة إليه مرة بعد أخرى، وتصبح بتكرارها ومعاودتها معروفة مستقرة في النفوس والعقول، ومتلقاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 769 بالقبول، ويعتبر الأصل في العادات الإباحة إلا إذا خالفت نصاً، أو ورد عليها الحظر والمنع والإبطال، فتلغى. التطبيقات 1 - الصلوات المحدودة باوقاتها وأعدادها وهيئاتها، والزكاة المحدودة بأنواعها ونصابها ومقاديرها ومواقيتها، والصيام المحدود بزمانه وكيفينه، والحج كذلك، والأضاحي، والكفارات. ويلحق بذلك أحكام التوارث، والعقوبات المحددة المسمّاة بالحدود، وكل ما ورد فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة مما لا حظ للاجتهاد فيه، ولا في تبديله وتغييره مهما تغيرت الأحوال والعصور. وهذه الأمور التعبدية هي شعار العقيدة وعنوانها، وهي جديرة بأن تسمى تكاليف شرعية وشعائر إسلامية، ولا مجال لغرائز النفس واختيار العقل، لذا كان الأصل فيها الحظر، وهو المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد". ويعتبر ذلك ابتداعاً في الدِّين، وبدعة منهياً عنها. (السدلان ص 154، 156) . 2 - الأمور التي يعتادها الناس لتأمين مصالحهم وحاجاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، مما لا يتعارض مع الشرع، ويعتادون عليها، فالأصل فيها الإباحة، كعادات الطعام، والاحتفالات، والاجتماعات، والأفراح، والحفلات، والزيارات، وغيرها، وتصبح عادة خاصة، أو عرفاً عاماً، أو تعارفاً خاصاً في بلدة، أو فئة، أو تخصص. ولهذا قال ابن عابدين رحمه الله تعالى: والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار وهو المبسوط في قاعدة " العادة محكمة، وما يتفرع بها، ويرد في أحكام العرف والعادة. (السدلان ص 156) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 770 القاعدة: [202] جعل المعدوم كالموجود احتياطًا التوضيح إن الأشياء الموجودة يسبقها فترة تكون فيها معدومة، ويتوقع وجودها بعد ذلك، أو تكون على خطر الوجود، ولذلك وضع الشرع بعض الأحكام للأمور المعدومة، واعتبرها كالموجود احتياطاً، ورتب لها آثاراً. التطبيقات 1 - دية القتيل تورث عنه، وهي في الواقع تجب بموته، والتركة لا تورث عن الإنسان إلا إذا دخلت في ملكه قبل موته، فيقدر دخولها قبل موته، وتعتبر موجوداً في تركته احتياطاً، ليتم نقلها إلى ورثته. (الفتوحي 453/4) . 2 - إن الجنين تنفخ فيه الروح بعد ستة أسابيع، أو بعد ستة عشر أسبوعاً، وقبل ذلك لا توجد فيه روح، ومع ذلك يعتبر الجنين موجوداً، وإنساناً، لانتهاء العدة، والإرث والوصية له، والوقف عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 771 القاعدة: [203] يقدم عند التزاحم خير الخيرين، ويدفع شرُّ الشَّرين التوضيح هذه القاعدة ترشد إلى حل التعارض إذا وقع، فإن تعارض خير وخير وتزاحما، ولم يمكن الجمع بينهما، فيقدم خير الخيرين، أي أكثر الخير نفعاً ومصلحة للناس. وإذا تزاحم شران في مسألة فيدفع شر الشرين، أي أكثرهما ضرراً، وهذا الشطر الثاني يدخل في قاعدة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف " (م/ 27) وقاعدة "يختار أهون الشرين " (م/ 19) وقاعدة "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما" (م/ 28) وسبق بيان هذه القواعد، ولذلك نقتصر هنا على الشطر الأول من القاعدة التي تدخل في فقه الموازنات أولاً، ثم في فقه الأولويات لاختيار خير الخيرين، ودفع شر الشرين. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كاذ تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناها، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع". والأدلة الشرعية على هذه القاعدة كثيرة في القرآن والسنة، قال تعالى:. (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) . وقال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 772 التطبيقات 1 - يغزى مع كل أمير، براً كان أو فاجراً، إذا كان الغزو الذي يفعله جائزاً، فإذا قاتل الكفار أو المرتدين أو ناقضي العهد، أو الخوراج، قتالاً مشروعاً، قوتل معه.. والجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور، فإن لم يغز معهم لزم أن أهل الخير الأبرار لا يجاهدون، فتفتر عزمات أهل الدين عن الجهاد، فإما أن يتعطل، وإما أن ينفرد به الفجار، فيلزم من ذلك استيلاء الكفار، أو ظهور الفجار، وهو ضرر أشد ومعلوم أن شر الكفار والمرتدين والخوارج أعظم من شر الظالم.. (ابن تيمية، الحصين 1/207) . 2 - من العلم والعدل، المأمور به: الصبر على ظلم الأئمة وجورهم؛ لأن معهم أصل الدين المقصود، وهو توحيد الله وعبادته، ومعهم حسنات وترك سيئات كثيرة. وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ، أو غير سائغ، فلا يجوز لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس، تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم. (ابن تيمية، الحصين 1/208) 3 - إذا كانت الولاية غير واجبة، وهي مشتملة على ظلم، وتولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها، ودفع أكثره باحتمال أيسره، كان ذلك حسناً مع هذه النية، وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيداً. (ابن تيمية، الحصين 1/209) 4 - الواجب في كل ولاية: الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان، أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضرراً، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أميناً، فالواجب إنما هو الأرضى من الموجود، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 773 والغالب أنه لا يوجد كامل، فيفعل خير الخيرين، ويدفع شر الشرين. (ابن تيمية (الحصين 1/ 259) . 5 - يجب تقديم الذين المطالب به على صدقة التطوع، وتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين، وتقديم نفقة الوالدين عليه، وتقديم الجهاد على الحج، كما في الكتاب والسنة، متعين على متعين، ومستحب على مستحب، وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان، وذلك لتقديم خير الخيرين. (ابن تيمية، الحصين 1/ 215) . 6 - يستحب ترك المستحبات إذا كان في تركها تأليف للقلوب، لأن مصلحة تأليف القلوب أعظم من مصلحة هذه المستحبات.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 211) . 7 - الشارع لا يحرم ما يحتاج إليه الناس من البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك، كبيع القاثي والفجل والجزر في الأرض، وهذه قاعدة الشريعة، وهو تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما.. (ابن تيمية (الحصين 1/ 529) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 774 القاعدة: [204] إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قُدِّم أرجحهما الألفاظ الأخرى - الشارع يعتر المفاسد والمصالح، فإذا اجتمعا قدم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة. التوضيح على العالم والمجتهد والمفتي أن ينظر إلى المصلحة والمفسدة معاً في الأعمال والتصرفات، فينظر إلى ما في المحرم من مفسدة تقتضي تركه، وإلى ما في الواجب من مصلحة تقتضي فعله، ثم ينظر إلى الراجح منهما، ويجب ترجيح الراجح منها؛ لأن الأمر والنهي وإن كان متضمناً مصلحة ودفع مفسدة فيجب النظر إلى المعارض له. فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، كالصيام للمريض، والطهارة بالماء لمن يخاف عليه الموت؛ لأنه إذا كان في السيئة حسنة راجحة لم تكن سيئة، بل تكون حسنة، وإذا كان في العقوبة مفسدة راجحة على الجريمة لم تكن حسنة، بل تكون سيئة. فالعبد إذا تعين عليه فعل واجب، وكان هذا الواجب لا يمكن فعله إلا بارتكاب محرم، فينظر: إن كانت المفسدة الحاصلة بارتكاب المحرم أعظم من المصلحة الحاصلة بفعل الواجب فعليه الامتناع عن هذا المحرم، وإن تضمن ترك واجب، وإن كانت المصلحة الحاصلة بفعل الواجب أعظم من المفسدة الحاصلة بارتكاب المحرم وجب عليه فعل الواجب، وإن تضمن ارتكاب محرم، وهذا يؤكد أن الشريعة جاءت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 775 لتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها ما أمكن، وأنه يختلف ترجيح المصلحة على المفسدة، أو العكس بحسب الأحوال والوقائع. وهذه القاعدة تقابل القاعدة الكلية العامة السابقة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " وقد يكون تقديم الأرجح أكثر قبولاً واتفاقاً مع مقاصد الشريعة، ويكون ميزان التقدير للمصالح والمفاسد هو الكتاب والسنة والآثار العملية للفحل، فإن تساوت المصالح والمفاسدكان درء المفاسد أولى. والأدلة على صحة هذه القاعدة كثيرة في القرآن والسنة. فمن القرآن قوله تعالى:. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ، فالخمر والميسر فيهما منافع تحقق بعض المصالح للناس، وفيهما إثم كبير، وفساد عريض، ولذلك حرمهما الله تعالى لتقديم المفسدة الراجحة على المصلحة المرجوحة. وقال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) . فالقتال فيه قتل الأنفس وإزهاقها، وإتلاف المال، وهذا مفسدة، ولكن فيه خير كثير في نشر الدعوة، والدفاع عن الدِّين والنفس والأرض والعرض، فشرع لأن المصلحة الراجحة مقدمة على المفسدة المرجوحة، ومثل ذلك القتال في المسجد الحرام، والقتال في الشهر الحرام، ففيه مصلحة راجحة. ومن السنة أحاديث كثيرة، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والجلوس بالطرقات " قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: "إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حقه؟ قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ". فالجلوس بالطريق فيه أذى ومفسدة، ولكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 776 فيه مصلحة وحاجة للناس، فأباحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن المصلحة راجحة على المفسدة، مع الالتزام بآدابه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه أولاً إلى ترك الجلوس، مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق ". التطبيقات 1 - الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها، من جهاد العدو وقسم الفيء، وإقامة الحدود، وأمن السبيل، كان فعلها واجباً، فإذا كان ذلك مستلزماً لتولية بعض من لا يستحق، وأخذ بعض ما لا يحل، وإعطاء بعض ما لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك، صار هذا (مع المفسدة فيه) من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به، فيكون واجباً أو مستحباً، إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 248) 2 - الأمر أو النهي، وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة، ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد، أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته كثر من مصلحته، وعلى هذا: إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً، أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يأمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، وإن كان المنكر أغلب نهي عنه. وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما، ولم ينه عنهما.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 248، 257) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 777 3 - مقارنة الفجار ومجالستهم، إنما يفعلها المؤمن في موضعين. أحدهما: أن يكون مكرهاً عليها. والثاني: أن يكون في ذلك مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة، أو أن يكون في تركها مفسدة راجحة في دينه. فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصل المصلحة الراجحة باحتمال المفسدة المرجوحة.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 249) 4 - إذا كان لا يتأتى فعل الحسنة الراجحة إلا بسيئة دونها في العقاب، فإذا لم يمكن إلا ذلك فهنا لا يبقى سيئة؛ لأن ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به، فهو واجب أو مستحب، ثم إن كانت مفسدته دون تلك المصلحة لم يكن محظوراً، كأكل الميتة للمضطر، ونحو ذلك من الأمور المحظورة التي تبيحها الحاجات كلبس الحرير في البرد.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 250) . 5 - أجاز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 255) . 6 - إكراه الباعة البيع بقيمة المثل لما يحتاج الناس إليه من تلك المبيعات، فالإكراه مفسدة، ولكن مصلحة الناس بالبيع، وبقيمة المثل مصلحتان جليلتان. (ابن تيمية، الحصين 1/ 257) . 7 - التكسب من مال فيه شبهة أو دناءة كالحجامة مثلاً، خير من التورع عنه والبقاء عالة على الناس يستجديهم ويسألهم، ويضيِّع حقوقاً عليه واجبة لأمر مشتبه فيه، وجميع الخلق عليهم واجبات من نفقات أنفسهم وأقارجهم وقضاء ديونهم وغير ذلك، فإذا تركوها كانوا ظالمين ظلماً محققاً، وإذا فعلوها بشبهة لم يتحقق ظلمهم. فكيف يتورع المسلم عن ظلم محتمل بارتكاب ظلم محقق، ويجب أداء الواجبات، وان لم تحصل إلا بالشبهات.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 259) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 778 القاعدة: [205] جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه الألفاظ الأخرى - جنس ترك الواجبات أعظم من جنس فعل المحرمات. - أداء الواجب أعظم من ترك المحرم. - الطاعات الوجودية أعظم من الطاعات العدمية. - مصلحة أداء الواجب تغمر مفسدة المحرم. التوضيح الجنس هو ما له اسم خاص يشمل أنواعاً، فكل لفظ عم شيئين فصاعداً فهو جنس لما تحته، سواء اختلف نوعه أو اً يختلف، فالأمر جنس وتحته أنواع من الفرائض، والنهي جنس ويشمل أنواعاً من المحرمات، والإنسان جنس ويشمل الذكور والإناث. وإن الشارع اعتنى بفعل الأوامر وأداء الطاعات أشد من اعتنائه بترك المنهيات واجتناب المحرمات، فجنس الظلم مثلاً بترك الحقوق الواجبة أعظم من جنس الظلم بتعدي الحدود. وهذه القاعدة تعبر عن مرتبة من مراتب المصالح والمفاسد، إذ عند التعارض يقدم جنس فعل الواجب على جنس ترك المحرم. وهذا التفضيل في الجنس فقط، وهذا لا يمنع من وجود أفراد من المنهي عنه يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 779 تركها أفضل من فعل بعض المأمور به، كما إذا فضل الذكر على الأنثى، والإنسي على الملَك، فالمراد الجنس، لا عموم الأعيان. وهذه القاعدة محل اختلاف، فيرى آخرون أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح؛ لأن عناية الشارع بالمنهي عنه أعظم من عنايته بالمأمور به، كما سبق في شرح هذه القاعدة. ويستدل ابن تيمية على صحة القاعدة بأدلة كثيرة بلغت ثلاثين وجهاً، منها: 1 - إن أعظم الحسنات هو الإيمان بالله ورسوله، وأعظم السيئات الكفر. والإيمان أمر وجودي، ولا يكون الرجل مؤمناً حتى يقر بقلبه بذلك، فينتفي عنه الشك ظاهراً وباطناً، مع وجوب العمل الصالح. والكفر عدم الإيمان، سواء اعتقد الرجل نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم، والإيمان مأمور به ولو اقترن به فعل منهي عنه من التكذيب، أو لم يقترن به شيء، فكان جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه. 2 - إن ذنب إبليس ترك المأمور به، وهو السجود، وذنب آدم فعل المنهي عنه، وهو الأكل من الشجرة، فكان ذنب إبليس أكبر وأسبق. 3 - إن الحسنات التي هي فحل المأمور به، تذهب بعقوبة الذنوب والسيئات التي هي فعل المنهي عنه، وإن فاعل المنهي عنه يذهب إثمه بالتوبة، وهي حسنة مأمور بها، وبالأعمال الصالحة المقاومة، وهي حسنات مأمور بها، وبدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وبشفاعته. وبدعاء المؤمنين وشفاعتهم، وبالأعمال الصالحة التي تُهدى إليه، وكل ذلك من الحسنات المأمور بها، وما من سيئة هي فعل منهي عنها إلا ولها حسنة تذهبها، هي فعل مأمور به، حتى الكفر، سواء كان وجودياً أو عدمياً، فإن حسنة الإيمان تذهبه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 780 وأما الحسنات فلا تذهب السيئاتُ ثوابَها مطلقاً، ولذلك يثبت رجحان الحسنات المأمور بها على ترك السيئات المنهي عنها. 4 - إن مباني الإسلام الخمس المأمور بها، لكان كان ضرر تركها لا يتعدى صاحبها، فإنه يقتل بتركها في الجملة عند جماهير العلماء، ويكفر أيضاً عند كثير منهم أو أكثر السلف، وأما فعل المنهي عنه، الذي لا يتعدى ضرره صاحبه، فإنه لا يقتل به عند أحد من الأئمة، ولا يكفر به إلا إذا ناقض الإيمان لفوات الإيمان وكونه مرتداً أو زنديقاً، فثبت أن الكفر والقتل لزك المأمور به، أعظم منه لفعل المنهي عنه. 5 - إن فعل الحسنات يوجب ترك السيئات، وليس مجرد ترك السيئات يوجب فعل الحسنات، فصار فعل الحسنات يتضمن الأمرين فهو أشرف وأفضل. التطبيقات 1 - طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، فيشترط لصحتها النية، وطهارة الخبث من باب التروك، فلا يشترط لزوالها النية.. (ابن تيمية، الحصين 1/267) . 2 - إذا صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة عليه؛ لأن النجاسة ترك من باب المنهي عنه، وما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه.. (ابن تيمية، الحصين 1/267) . أما إذا ترك مأموراً به، ولو ناسياً أو جاهلاً كالركوع أو السجود، فتجب الإعادة. 3 - ما فعله العبد ناسياً أو مخطئاً من محظورات الصلاة والصيام والحج لا يبطل العبادة، كالكلام ناسياً، والأكل ناسياً، والطيب ناسياً.. (ابن تيمية، الحصين 1/267) أما لو ترك مأموراً به، ناسياً أو مخطئاً، بطلت العبادة، أو فسدت، أو نقصت واحتاجت إلى جبر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 781 4 - إذا تعارض واجب ومحرم، فإن مصلحة الواجب تغمر مفسدة المحرم، فيفعل الواجب، وإن أفضى إلى فعل محرم، هذا إذا لم تكن مفسدة المحرم أكثر من مصلحة الواجب فتطبق القاعدة السابقة في تعارض المصلحة والمفسدة وتقديم الأرجح. (ابن تيمية، الحصين 1 / 279) . 5 - قد يعرض الوجوب في المعاملات المالية، مثل إذا ترتب على ترك البيع والشراء والمتاجرة التقصير في نفقة واجبة، كنفقة الأولاد وتضييعهم وتركهم عالة يتكففون الناس، أو كان عليه دين لم يمكن أداؤه إلا بأن يسعى في الأرض بيعاً وشراء، أو ترتب على الترك سيطرة الكفار أو الفجار على أسواق المسلمين، وأن تكون التجارة بأيديهم، فيتسلطون بذلك على المسلمين، ويستضعفونهم، ويخضعونهم لما يريدون، فهنا يجب البيع والشراء، إما فرض عين أو فرض كفاية. فإذا كان في المعاملات شبهة، أو اختلطت بمحرم، ولم يمكن فعل الواجب إلا عن طريقها، ولم يكن ثمة طريق آخر سالم من الشبه، فإن مصلحة الواجب تغمر مفسدة المحرم، وفعل الواجب أعظم من ترك المحرم.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 279) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 782 القاعدة: [206] ما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة الألفاظ الأخرى - النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة. - ما كان منهياً عنه للذريعة فإنه يفعل للمصلحة الراجحة. - ما نهي عنه لسد الذريعة يباح للمصلحة الراجحة. التوضيح الذريعة: الوسيلة، أو السبب إلى الشيء، وهي في الشرع: ما كان وسيلة وطريقاً إلى الشيء، وصارت في عرف الفقهاء: عبارة عما أفضت إلى فعل محرم. وسد الذريعة: حسم وسائل الفساد عن طريق المنع منها، فهي في ظاهرها مباح، ولكنها وسيلة إلى فعل المحرم، أما إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلاً، كإفضاء شرب الخمر إلى السكر، وإفضاء الزنا إلى اختلاط الأنساب، أو كان الشيء نفسه فساداً كالقتل والظلم فهذا ليس من باب سد الذريعة، وإنما تحرم لكونها في نفسها فساداً، وهي ضرر لا منفعة فيه، أو منفعة ظاهراً وتفضي إلى ضرر أكثر منها فتحرم لذاتها. ودأب الشريعة تحريم الأفعال المفضية إلى مفاسد كثيرة، كالوقوع في المحرمات، أو إهمال بعض الواجبات، وإن كانت تلك الأفعال ليست ضارة بذاتها، أو فيها نفع مغمور في جانب ما تفضي إليه من الفساد، فإذا كان في شيء من هذه الأفعال مصلحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 783 ترجح على ما تففيى إليه من المفسدة فإن الشارع يبيح ذلك الفعل، ويأذن فيه، جلباً للمصلحة، وإذا تعذرت المصلحة إلا بالذريعة شرعت. التطبيقات 1 - يحرم النظر إلى الأجنبية، والخلوة بها، وسفرها بلا محرم، لما يفضي إليه ذلك من الفساد، فإذا كان في فعل شيء من ذلك تحقيق مصلحة، كأن ينظر الطبيب للمرأة لعلاجها، أو الخاطب ليكون أحرى لاستمرار العشرة بينهما، أو يخشى ضياع المرأة إذا لم تسافر إلا مع محرم، أو نحو ذلك، فإنه يباح ذلك كله، فيباح النظر والخلوة والسفر، لأن ما كان منهياً عنه سداً للذريعة يباح للمصلحة الراجحة. (ابن تيمية، الحصين 1 / 286) . 2 - تجوز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي، لأن النهي إنما كان لسد الذريعة، وما كان لسد الذريعة فإنه يفعل للمصلحة الراجحة، فالصلاة في نفسها من أفضل الأعمال وأعظم العبادات فليس فيها نفسها مفسدة تقتضي النهي، ولكن وقت الطلوع والغروب يقارن الشيطان الشمس، ويسجد لها الكفار حينئذ، فالمصلي يتشبه بهم في جنس الصلاة وإن لم يعبد الشمس، ولا يقصد مقصد الكفار، لكن يشبههم في الصورة، فنهي عن الصلاة في هذين الوقتين سداً للذريعة، حتى ينقطع التشبه بالكفار، وألا يتشبه بهم المسلم في شركهم، فإن توفرت المصلحة الراجحة كإعادة الصلاة مع الإمام، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة وغيرها فتصلى، وتكون مفسدة النهي ناشئة مما لا سبب له، فلا تفوت بالنهي عنها مصلحة راجحة من العبادة والطاعة وتحصيل الأجر والثواب، والمصلحة العظيمة في الدِّين.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 287) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 784 3 - حرّم بيع الغرر لما يفضي إليه من النزاع والخصام، والعداوة والبغضاء، وأكل المال بالباطل، كبيع الثمار قبل بدو الصلاح، فإن كانت الحاجة ماسة إلى بيع ما فيه غرر كبيع الباقلاء، والجزر، والجوز، واللوز، والحب في سنبله والمقاثي ونحو ذلك. فتباح؛ لأن الغرر يسير، والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر، ويترتب على تحريم هذه المعاملات ضرر على الناس، فتباح؛ لأن الشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 289) . 4 - إن بذل المال في المسابقة بالخيل والإبل والأقدام، والرمي بالسهام ونحوها، والمصارعة بالأيدي، محرم لا يجوز فعله، لأنه من اللهو، ومن تضييع المال في ما لا ينفع في الدين والدنيا، ولكن يجوز فعل ذلك لما فيه من تحقيق مصلحة شرعية من تدريب على الجهاد، والكر والفر، وإجادة الرماية، وتقوية البدن ونحو ذلك من الفوائد الشرعية.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 290) . 5 - تباح العرايا، وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بتمر كيلاً، استثناء من المزابنة الممنوعة (وهي شراء الثمر والحب بخرص، تحرزاً من الربا) لأن ما حرم سدًّا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة. ثم أجاز الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى العرايا في جميع الثمار والزرع، وهو قول القاضي الفراء، خلافاً للراجح في المذهب. (ابن تيمية، الحصين 1/ 295) . 6 - يجوز بيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، بالتحري والخرص عند الحاجة إلى ذلك، لأن ما حرم سدًّا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وتحريم ربا الفضل إنما حرّم سداً للذريعة إلى ربا النسيئة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 296) . 7 - يجوز بيع حلية الفضة بالدراهم، وبيع حلية الذهب بالدنانير، إذا لم يكن المقصود من الحلية الثمنية، بل ما فيها من الصناعة؛ لأن تحريم ربا الفضل إنما كان لسدّ الذريعة عن ربا النسيئة، وما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، لأن بيع الصوغ مما يحتاج إليه، ولا يمكن بيعه بوزنه من الأثمان، وإن كان الثمن أكثر منه تكون الزيادة في مقابلة الصنعة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 297) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 785 القاعدة: [207] المثل يجب في كل مضمون بحسب الإمكان الألفاظ الأخرى - الأصل في بدل المتلفات أن يكون من جنس المتلف. - جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان. - الواجب ضمان المتلف بالمثل بحسب الإمكان. التوضيح المثل لغة: المشابه والمماثل، والمثل ما جُعل مقداراً لغيره يحذى عليه، والمماثلة: التشابه بين الشيئين في الجنس والصفة، فهذا يساوي هذا. وفي الاصطلاح: هو تحديد الشيء الذي يمكن ضبط صفاته بحيث يمكن إيجاد مثل له لا تختلف قيمته عنه، فالمثل: هو ما يساوي غيره في قيمته وصفاته، ويتوفر في الأسواق، فإن اختلفت القيمة، أو الصفات، أو فقد من السوق فهو القيمي الذي تثبت قيمته عند الإتلاف. ويضبط المثلي بالكيل والوزن والمعدود المتقارب بشرط وجود مثله في السوق بدون تفاوت يعتد به، بأن تتماثل أفراده، وتتساوى قيمته، ويتوفر في السوق. والمضمون هو المال الذي يضمنه متلفه، ويتحمل تبعة هلاكه، وبالتالي فالأموال المثلية إذا أتلفت فيجب ضمانها بالمثل بحسب الإمكان، فن أتلف شيئاً لغيره، أو استهلكه، وجب عليه ضمان مثله لصاحبه إذا أمكن بأن يكون له مثل في السوق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 786 فإن تعذر يصار إلى ضمان قيمته، فيضمن المكيل بمثله، والموزون بمثله، والعددي المتقارب بمثله، وهو مذهب الأئمة الأربعة مع اختلاف في بعض الفروع والمسائل؛ لأن المثل أقرب إلى العدالة والمساواة وإعادة المال المثلي المتلف إلى صاحبه، لقوله تعالى فيمن قتل صيداً وهو محرم:. (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) . ولقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) ، وقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) . وقوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) . وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) . والقصاص: هو المساواة والمماثلة. وفي السنة وقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمثلة كثيرة بالحكم بالمثل والمساوي والمشابه. التطبيقات 1 - من هدم دار غيره، فإنه يعيد بناءها كما كانت؛ لأن المثل يجب في كل مضمون بحسب الإمكان، وإعادة البناء ممكنة، وهي أمثل وأقرب إلى حق المضمون له، فكانت أعدل.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 307) . 2 - المقرض يستحق مثل قرضه، فإذا أقرض حيواناً، وكان الواجب على المقترض أن يرد حيواناً مثله في الوصف والقيمة؛ لأن المثل يجب في كل مضمون بحسب الإمكان.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 313) . 3 - يجوز قرض المنافع، مثل أن يحصد معه يوماً، ويحصد الآخر معه يوماً، أو يسكنه داراً، ليسكنه داراً بدلها، لأن المثل يمكن في هذه الحالة فيجب. (ابن تيمية، الحصين 1/ 313) . ومثل ذلك اتفاق الزملاء أن يركبوا كل يوم في سيارة أحدهم للذهاب إلى العمل والعودة منه، ومثله اتفاقهم في جمعية جمع النقود، وإقراضها لأحدهم كل شهر، حتى يعم الجميع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 787 4 - إذا غصب ثوباً، أو آنية، أو حيواناً، فهلك في يده، فيجب عليه مثله من كل وجه، وإن تعذر نعليه مثله بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة، وهو أعدل من إيجاب قيمة مخالفة لجنس المتلف. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ويضمن المغصوب بمثله مكيلاً، أو موزوناً، أو غيرهما، حيث أمكن، والا فالقيمة ".. (ابن تيمية، الحصين 1/ 313) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 788 القاعدة: [208] الإرادة التي لا تطابق مقصود الشارع غير معتبرة الألفاظ الأخرى - كل ما خالف قصد الشارع فهو باطل. - من ابتغى في تكاليف الشريعة ما لم تشرع له فعمله باطل. التوضيح الإرادة هي طلب فعل الشيء والسعي في حصوله، والمراد بها هنا هو نفس المعنى للنية والقصد. ومقاصد الشريعة هي تحقيق مصالح العباد، ودفع المفاسد عنهم، والمؤمن يتحرك في الحياة بحسب الأوامر الإلهية لتحقيق المقاصد الشرعية، ولذلك يجب أن يقصد بفعله مراعاة مقاصد الشارع، وأن يكون قصده في العمل موافقاً لقصد الشارع في التشريع، وأن يتجنب ما يناقض ويضاد المقاصد الشرعية، فإن قصد بفعله ذلك كانت أعماله باطلة، فلا يتوصل بها إلى مقصوده المحرم. وهذه القاعدة فرع من قاعدة "الأعمال بالنيات ". ودليل ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) . فالإرادة التي تناقض مقصود الشارع في شرعه لأحكام ولا تطابقه، تعتبر. مشاقة ظاهرة للرسول من حيث قصد غير ما قصد، وطلب بشرعه غير ما شُرع له، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 789 وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" فإن أراد المكلف غير ما شرعت الشريعة، وخالف مقاصدها وناقضها، فقد عمل ما ليس عليه أمر الشارع، فيكون مردوداً على صاحبه، لأنه في الحقيقة يكون فاعلاً لما لم يؤمر به، تاركاً لما أمر به. التطبيقات 1 - من نكح بقصد تحليل المرأة لمطلقها ثلاثاً، فنكاحه باطل؛ لأنه لم يقصد النكاح الذي قصد الشارع من الألفة والسكن والمودة والرحمة والدوام والاستمرار، وإنما قصد أثر زوال النكاح وهو الحل للمطلق، فلا تتفق إرادة الشارع والمحلل على واحد من الأمرين، والإرادة التي لا تطابق مقصود الشارع غير معتبرة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 376) . 2 - من خالع بقصد أن تنحل يمينه لا يكون خلعه صحيحاً، بل باطلاً، لأن الشارع جعل الخلع موجباً للبينونة، ليحصل مقصود المرأة من الافتداء من زوجها، بأن تفارقه على وجه لا يكون له عليها سبيك، فإذا خالع ليفعل المحلوف عليه لم يكن قصدهما البينونة، بل حل اليمين، وحلّ اليمين إنما جاء تبعاً لحصول البينونة لا مقصوداً به، فتصير البينونة لأجل حل اليمين، وحل اليمين لأجل البينونة، فلا يصير واحد منهما مقصوداً، فلا يشرع، لأنه تصرف ليس بمقصود في نفسه، ولا مقصوداً لما هو مقصود في نفسه من الشارع، فيكون عبثاً وباطلاً.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 367) . 3 - بيع العينة باطل، لأن مقصود الشرع بالبيع أن يحصل ملك الثمن للبائع، ويحصل ملك البيع للمشتري لينتفع به، وبيع العينة يقصد منه المشتري ثمن السلعة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 790 ولم يكن مقصوده السلعة، لأنه احتاج إك دراهم، فاشترى سلعة بثمن مؤجل، ليبيعها ويستفيد من ثمنها، وكذلك البائع ل يكن قصده الانتفاع بالثمن، بل أن تعود إليه السلعة، وأن يدفع للمشتري ألفاً، لتعود له ألفاً وزيادة بعد سنة مثلاً، فلم يكن مقصودهما مطابقاً لمقصود الشارع من إباحة البيع والشراء، فيكون بيعهما باطلاً؛ لأن الإرادة التي لا تطابق مقصود الشارع غير معتبرة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 385) . 4 - يحرم الغش والخداع والتغرير والتلبيس في العقود، لأن مقصود الشارع فيها إقامة العدل بين الناس في التعامل، وقصد الغش وغيره لا يطابق مقصود الشارع، فلا تعتبر الإرادة التي لا تطابق مقصود الشارع، ويثبت لمن وقع عليه الغش وغيره الخيرة بين الإمضاء والرد.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 381) . 5 - القرض إذا جر نفعاً فهو حرام، لأن الشارع شرع القرض لمن قصد أن يسترجع مثل قرضه فقط، ولم يبحه لمن أراد الاستفضال، فإن أقرضه مالاً لأجل أن يحابيه في بيع، أو إجارة، أو ليعطيه هدية ونحو ذلك من أنواع الاستفادة بسبب القرض، فقد قصد بالعقد خلاف ما شرع الشارع له، فلا يوافق مقصوده، والإرادة التي لا تطابق مقصود الشارع غير معتبرة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 381) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 791 القاعدة: [209] كل حيلة تضمنت إسقاط حق أو استحلال محرم فهي محرمة التوضيح أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره، والحيلة ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية، وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما في تعاطيه حكمة. ومعناها العام اصطلاحاً ما يكون مَخْلصاً شرعاً لمن ابتلي بحادثة دينية، ومعناها الخاص هنا أن يقصد بها الشخص سقوط الواجب، أو حل الحرام بفعل لم يقصد به ما جعل ذلك الفعل له، أو ما شرع له، فصاحب الحيلة يباشر سبباً لا يقصد به ما جعل ذلك السبب له، وإنَّما يقصد به استحلال أمر آخر، وبذلك يغير الأحكام الشرعية، ويفعل الأسباب لما ينافي قصده قصد حكم السبب، فيصير بمنزلة من طلب ثمرة الفعل الشرعي ونتيجته، وهو لم يأت بقوامه وحقيقته، فهو خداع لله، واستهزاء بآيات الله، وتلاعب بحدود الله، فتصبح الحيلة محرمة، ويجب إبطال هذا القصود الفاسد على صاحبه، بألَّا تترتب على فعله ثمرته القررة شرعاً. ولكن ليس كل ما يسمى حيلة في اللغة، أو يسميه الناس حيلة حراماً، بل يعتريها بقية الأحكام، فالحيل منها ما هو محرم، ومنها ما هو جائز، بل واجب ومستحب أو مكروه ومباح، وتنحصر الحيلة المحرمة بما فيه إسقاط حق، أو استحلال محرم. ودليل ذلك قوله تعالى في ذم النافقين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) . وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . وندد القرآن الكريم بحيلة اليهود للصيد يوم السبت. (الأعراف: 163 - 166) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 792 وحديث "إنما الأعمال بالنيات" أصل في إبطال الحيل، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوا". والأدلة كثيرة التطبيقات 1 - يعدُّ الربا من أكثر المعاملات تحايلاً على استحلاله، والحيل التي يُتوسل بها إليه لها صورتان، الأولى: أن يضم المتعاقدان إلى أحد العوضين ما ليس بمقصود، مثل مسألة مد عجوة، وصورتها أن يبيع مالاً ربوياً بجنسه، ومعهما، أو مع أحدهما، ما ليس من جنسه، فالغرض بيع فضة بفضة مثلاً متفاضلاً، فيضم إلى الفضة القليلة عوضاً آخر، فيبيع مثلاً ألف دينار في منديل بألفي دينار، أو مد عجوة ودرهم بدرهم، وهو حرام عند مالك والشافعي وأحمد وكذلك قدماء الكوفيين، ويسوّغه من يجوّز الحيل من الكوفيين، كما يسوّغه مالك وأحمد إذا كان المقصود بيع غير ربوي مع غير ربوي، كبيع سيف فيه فضة يسيرة بسيف. الثانية: بيع العينة، وهو أن يبيع سلعة بثمن كبير إلى أجل، ثم يبتاعها بثمن أقل من ذلك نقداً، وهذا عين الربا، لأن القصد المال، وأظهر المعاملة حيلة، ومثله مسألة التورق، بأن يشتري سلعة إلى أجل، ثم يبيعها في السوق بأقل من قيمتها نقداً، فهنا مقصود المشتري الدراهم، وليس له غرض في السلعة إلا للتحايل على الربا، لأن غرضه الورِق لا السلعة، فهذا مذموم منهي عنه في أظهر قولي العلماء. ومثله أن يقرن بالقرض مثلاً محاباة في بيع أو إجارة أو مساقاة، كان يقرضه ألفاً، ويبيعه سلعة تساوي عشرة بمئتين، أو يكريه داراً تساوي ثلاثين بخمسة.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 446) . 2 - أن يدَّعي البائع أنه كان محجوراً عليه، لكي يفسخ البيع، فهذه حيلة محرمة بالوسيلة والمقصود، فالوسيلة كذب، والكذب حرام، والمقصود إبطال حق المشتري في نفوذ البيع ولزومه، وهذا حرام أيضاً.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 448) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 793 3 - الاحتيال على إسقاط حق الشريك في الشفعة، بأن يكون ثمن البيع ألفاً، فيتفق البائع مع المشتري على عقده بألفين، ثم يقبض منه تسع مئة، ويصارفه عن الألف ومئة بعشرة دنانير، فيتعذر على الشفيع الأخذ.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 448) . 4 - من سافر في الصيف ليتأخر عنه الصوم إلى الشتاء، لم يحصل له غرضه، بل يجب عليه الصوم في هذا السفر.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) . المستثنى إن الاحتيال قد يكون من واحد، وقد يكون من اثنين فأكثر، فيظهر الأثر والبطلان في جهة، ويبقى صحيحاً في جهة ثانية استثناء من القاعدة. 1 - أن ينوي التحليل ولا يظهره للزوجة، أو يهب ماله ضراراً لورثته، فتكون هذه العقود باطلة بالنسبة له وإلى من علم غرضه، وصحيحة لغيرهم، فلا يحل له وطء المرأة، ولا يرثها إن ماتت، أما الزوجة فلا إثم عليها، وترثه إن مات. (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) . 2 - إذا طلق المربض مرض الموت زوجته، صُحح الطلاق بزوال ملك البضع، فإن ماتت فلا يرثها، ولم يُصحح بالنسبة لها فترثه إن مات.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) . من وطن امرأة أبيه، او ابنه، ليفسخ نكاحه، فهذه الحيلة بمنزلة الإتلاف للملك بقتل أو غصب، فلا يمكن إبطالها، وتحرم المرأة لأن هذا حق لله. (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) . 4 - من قتل رجلاً ليتزوج امرأته، أو ليزوجه صديقاً له، فهنا تحل المرأة لغير من قصد تزوجها به، ولا تحل للقاتل، ولا لمن قصد تزوجها به، كمن يخلل الخمر بنقلها من موضع إلى موضع من غير أن يلقي فيها شيئاً، فالصحيح أنها لا تطهر. (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 794 5 - الحلال إذا صاد صيداً، وذبحه لمحرم، فإنه يحرم على ذلك المحرم، ويحل للحلال.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 442) . 6 - ذبح شخص شاة مغصوبة للغاصب، فهي حرام على الغاصب، حلال لغيره. (ابن تيمية، الحصين 1/ 443) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 795 القاعدة: [210] كل لفظ بغير قصد من المتكلم لا يترتب عليه حكم التوضيح القصد: هو النية القترنة بالتوجه العقلي نحو المراد، وهو إرادة المتكلم مع إدراك معنى الكلام وما يترتب عليه من التزامات، لأن الألفاظ تعبر وتدل على ما في النفس، لتترتب الأحكام عليها. فإذا لم يرد المتكلم معنى الألفاظ، أو لم يحط بها علماً، فلا يثبت الأثر والحكم المترتب على مجرد اللفظ، لأن الله تعالى تجاوز للأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به، وتجاوز عما تكلمت مخطئة أو ناسية أو مكرهة أو غير عالمة به حتى تكون مريدة لمعنى ما تكلمت به، وقاصدة إليه، فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم، وإلا كان اللفظ بغير قصد من المتكلم لا قيمة له، ولا يترتب عليه حكم، ولذلك كان كلام المجنون والطفل غير المميز لغواً في الشرع. وكذلك النائم إذا تكلم في منامه، فأقواله كلها لغو. وهذه القاعدة متفرعة على قاعدة "الأمور بمقاصدها" أو قاعدة "الأعمال بالنيات" وسبق بيانهما، ويتأكد الاستدلال على هذه القاعدة بقوله تعالى ". (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " لأن ما يصدر عنهم كان بغير قصد فلا يترتب عليه حكم. ويتأكد ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 796 "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق". لأن الإرادة والقصد من هؤلاء الثلاثة مفقود أو غير معتبر. التطبيقات 1 - من سبق لسانه بالطلاق الثلاث من غير قصد، وإنما قصد واحدة، لم يقع بها إلا واحدة، ولو أراد أن يقول طاهر، فسبق لسانه بطالق لم يقع به الطلاق فيما بينه وبين الله تعالى.. (ابن تيمية، الحصين 455/1) . 2 - من طلق في حالة الغضب الشديد، يحيث بلغ إلى الأمر ألا يعقل ما يقول، كالمجنون، لم يقع به شيء.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 455) . 3 - إذا طلق رجل زوجته طلاقاً رجعياً، وعندما حضر الشهود للشهادة قال له بعضهم، قل: طلقتها على درهم، فقال ذلك معتقداً أنه يقر بذلك الطلاق الأول، وأنه لا يريد إنشاء طلاق آخر، لم يقع به غير الطلاق الأول، ويكون رجعياً، لا بائناً. (ابن تيمية، الحصين 1 / 455) . 4 - السكران لا يترتب على تصرفاته القولية حكم، فلو باع أو اشترى أو وهب أو أعار، ونحو ذلك، فكل هذه التصرفات باطلة لا يترتب عليها حكم، ولا يقع طلاقه، لقوله تعالى: (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) . فإن لم يعلم ما يقول لم يكن صادراً عن القلب، ويجري مجرى اللغو.. (ابن تيمية، الحصين 1 / 459) . 5 - من سبق لسانه بلفظ البيع أو غيره، أو أخطأ في التعبير بأن أراد شيئاً، ونطق بغيره، فلا يلزمه شيء، ولا يترتب على ذلك صحة البيع ولا غيره، بل تكون ألفاظه لغواً.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 461) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 797 القاعدة: [211] دلالة الحال تغني عن السؤال الألفاظ الأخرى - دلالة الحال في الكنايات تجعلها صريحة، وتقوم مقام إظهار النية. - الكناية مع دلالة الحال كالصريح لا تفتقر إلى إظهار نية. - الكناية إذا اقترن بها دلالة الحال كانت صريحة في الظاهر. التوضيح إن دلالة الحال هي الأمارة والعلامة القائمة التي تصاحب الإنسان وتدل على أمر من الأمور، فتكون الأحوال والقرائن المصاحبة لتصرفات الإنسان من الأقوال والأفعال لها دلالة تمكن من معرفة قصد المتصرف أو المتحدث، ولو لم يصرح بنيته ومراده، وتجعل دلالة الحال اللفظ المجمل أو المشترك أو المبهم بيناً ظاهراً، فلا يُحتاج - مع هذه القرائن - لسؤال المتكلم عن مراده ومقصوده، حتى إن الأحوال والقرائن تدلان على المراد ولو لم يكن هناك لفظ، لا صريح ولا كنائي. لكن دلالة الحال تختلف قوة وضعفاً بحسب الأحوال المصاحبة، فتصل تارة إلى درجة اليقين وتارة إلى غلبة الظن، أو مجرد الظن أو دون ذلك، ويعمل بها كلها ما لم يوجد ما هو أقوى منها. ويؤيد ذلك ما ورد في قصة يوسف عليه السلام، قال تعالى:. (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 798 فأيقن السيد صدق يوسف من دلالة شق القميص. وكذلك ما ورد عن سليمان عليه السلام عندما اختصم إليه امرأتان في ادعاء الولد فطلب أن يشقه بينهما بالسكين، فقالت الصغرى: "لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى". فاستدل من شفقة الصغرى، وقسوة الكبرى التي وافقت على شقه، صدق الصغرى وحكم لها به. التطبيقات 1 - إذا ادعى خصم حقاً أمام القاضي، ولم يسألِ الحاكمَ سؤالَ المدعى عليه الجواب، فالصحيح أن الحاكم يسأل المدعى عليه، ولا يحتاج إلى السؤال من المدعي؛ لأن دلالة الحال تغني عن السؤال، فالمدعي إنما رفع دعواه لذلك (ابن تيمية، الحصين 1/467) . 2 - ينعقد النكاح بغير لفظ الإنكاح أو التزويج الصريحين في الدلالة على المراد؛ لأن دلالات الأحوال في النكاح معروفة من اجتماع الناس لذلك، والتحدث بما اجتمعوا له، فإن قال بعد ذلك: ملكتها لك بألف درهم، علم الحاضرون بالاضطرار أن المراد به الإنكاح.. (ابن تيمية، الحصين 1/467) . 3 - الرضا أو التراضي من الطرفين ركن العقود، والرضا أمر باطن، ولا بدَّ من شيء في الظاهر يدل عليه، ولا يقتصر على اللفظ وحده، بل الحالة التي يتم فيها العقد تدل على ذلك دلالة بينة قاطعة للتراع كالتعاطي.. (ابن تيمية، الحصين 1/475) . 4 - إن الأحوال المصاحبة لمن يريد الاحتيال بعقد من العقود على ما حرَّم الله، تدل دلالة واضحة على مراده من العقد، ولو لم يصرح بذلك، فيجب العمل بهذه الأحوال، دون حاجة إلى سؤاله عن مقصوده من العقد، كالقرض، مع البيع بثمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 799 بخس، فالمقترض إنما رضي بالبيع لأجل القرض، والمقرض إنما أراد بهذا البيع تحصيل ربح قرضه، ومثله إبطال نكاح التحليل، لأنه يظهر منه أن باطنه مخالف لظاهره، وخاصة من تيس من التيوس المعروف بكثرة التحليل، وهو من سقاط الناس ديناً وخلقاً ودنيا، مع صداق قليل لا يناسب المرأة، والتعجيل بالطلاق أو بالخلع، مما يعلم قطعاً وجود التحليل، فيكون باطلاً.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 470) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 800 القاعدة: [212] كل ما أمر الله به أو نهى عنه فإن طاعته فيه بحسب الإمكان الألفاظ الأخرى التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل. الحجة على العباد يقوم بالتمكن من العلم والقدرة على العمل به. الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل. التكليف مشروط بالتمكن من العلم والقدرة على الفعل. لا نكلَّف إلا بما نعلمه ونقدر عليه. الوجوب مشروط بالقدرة. مناط الوجوب هو القدرة. التكليف يتبع العلم. المجهول كالمعدوم. المعجوز عنه ساقط الوجوب، والمضطر إليه غير محظور. التوضيح التكليف هو الإلزام بمقتضى خطاب الشرع، أو هو الخطاب بأمر أو نهي. انظر ما سبق في قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 801 والتكليف الشرعي مشروط بالممكن من العلم والقدرة، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم كالمجنون والطفل، ولا على من يعجز كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد، أو العاجز والمريض في الطهارة والصلاة والصوم والحج وغيره، وتسقط عنه، أو تخفف، ولا يجب عليه إلا ما يقدر على فعله، وما يتمكن من معرفته، بدون مضرة راجحة، بشرط ألا يكون عدم التمكن من العلم، أو عدم القدرة عليه بسبب تفريط من العبد أوقعه في ذلك، لقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) . فيشترط عدم البغي وعدم العدوان. والأدلة على القاعدة كثيرة، منها قوله تعالى:. (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) . وقوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . وقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) . والأحاديث التعليمية كثيرة، منها حديث المسيء صلاته، وقال: "والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها، فعلمني، فعلمه ". وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . وغيرها كثير. التطبيقات يندرج تحت هذه القاعدة قواعد كثيرة وفروع عديدة في العقيدة والفقه في مختلف الأبواب، في الطهارة والعبادات والمعاملات، مما لا يحصى كثرة، وقد يقع الناس في المعاملات المالية في المحرم جهلاً، وقد يشق عليهم بعض الواجبات، أو يحتاجون إلى استباحة بعض المحرمات، ولذلك شرع الله أحكاماً خاصة بهذه الحالات، ولذلك يدخل تحت هذه القاعدة قواعد أخرى متفرعة عنها، منها التكليف يتبع العلم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 802 والمجهول كالمعدوم، لأنه لا يمكن تطبيق المجهول، والمعجوز عنه ساقط الوجوب لعدم الإمكان، والمضطر إليه غير محظور، لخروجه عن الإمكان، والأمثلة كثيرة، منها: 1 - من ترك واجباً من واجبات الصلاة لم يعلم وجوبه، أو فعل محظوراً لم يعلم أنه محظور، كمن ترك الطمأنينة في الصلاة، أو تكلم فيها، أو ترك الوضوء من لحم الإبل، أو كان يصلي في أعطان الإبل (مبارك الإبل) أو نحو ذلك، فلا إعادة عليه بعد تعلمه هذه الأحكام؛ لأن التكليف يتبع العلم، وهذا لم يكن عالماً حتى يثبت في حقه خطاب الشارع.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 499) . 2 - إذا لم يثبت دخول شهر رمضان إلا في أثناء النهار وجب الإمساك، ولا يجب القضاء سواء كان قد أكل قبل علمه بثبوت الشهر أو لا؛ لأن التكليف يتبع العلم، وهم لم يعلموا وجوب ذلك عليهم، فلا يؤمرون بالقضاء.. (ابن تيمية، الحصين 1/500) 3 - إذا عامل المسلم معاملة يعتقد جوازها بتأويل - اجتهاد أو تقليد - وكانت من المعاملات التي تنازع فيها المسلمون كالحيل الربوية، ثم تبين له الحق بعد ذلك، فإنه لا يحرم عليه ما قبضه في تلك المعاملة، ولا يجب عليه إخراج المال الذي كسبه بتأويل سائغ؛ لأن الحكم إنما يثبت مع التمكن من العلم، وهذا لا يعلم بالتحريم.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 501) . 4 - ما فعله المسلم من العقود المحرمة من رباً أو ميسر، والتي لم يبلغه تحريمها، ثم علم تحريمها، وتاب منها، فإنه يقر على ما قبضه منها، وتجوز معاملته فيها، لأنه لم يكن عالماً بالتحريم، والحكم إنما يثبت في حق العالم دون الجاهل.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 501) . 5 - الشريك، والوصى، والناظر على الوقف أو بيت المال، ونحو ذلك إذا احتاط في البيع والشراء، ثم ظهر غبن، أو عيب، لم يقصر فيه، فهو معذور. وكذا الناظر، أو الوصى، أو الإمام، أو القاضى، إذا باع أو أجر، أو زارع، أو ضارب، ثم تبين أنه بدون القيمة، بعد الاجتهاد، أو تصرف تصرفاً ثم تبين الخطأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 803 فيه، مثل أن يأمر بعمارة أو غرس ونحو ذلك، ثم تبين أن المصلحة كانت بخلافه، فكل واحد من هؤلاء مأمور بفعل الأصلح مما يعلمه، وما لا يعلمه فإنه لا يكلف فعله لتعذره عليه.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 501) . 6 - إذا تصرف الوكيل، بعد أن عزله الموكل، وقبل علمه بذلك، فلا ضمان عليه في تصرفه؛ لأن التكليف يتبع العلم، وهو لم يعلم بالعزل.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 502) . 7 - إذا اعتقد المشتري أن الذي مع البائع ملكه، فاشتراه منه على الظاهر، لم يكن عليه إثم في ذلك، وإن كان في الباطن قد سرقه البائع لم يكن على المشتري إثم ولا عقوبة، لا في الدنيا ولا في الآخرة، والضمان والدرك (التبعة) على الذي غرَّه وباعه، وإذا ظهر صاحب السلعة فيما بعد ردّت إليه سلعته، ورد على المشتري ثمنه،وعوقب البائع الظالم.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 502) . 8 - من غاب غيبة انقطع فيها خبره، فإنه يجعل كالمعدوم، فيجوز للحاكم أن يفرق بينه وبين زوجته، وأن تتزوج، ويعدُّ هذا تصرفاً نافذاً؛ لأن المجهول كالمعدوم، وهذا مجهول لا يعلم وجوده، فيصير في حكم المعدوم، فإذا حضر هذا الزوج الغائب فهو مخير بين إمساك زوجته، أو أن يأخذ تعويضاً عن المهر الذي دفعه لها. (ابن تيمية، الحصين 1/ 506) . 9 - إذا حصل قتال بين طائفتين، وجهل مقدار المال المتلف، أو عدد القتلى، فيجعل المجهول كالمعدوم.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 506) . 10 - ما قبضه الملوك ظلماً محضاً، إذا اختلط ببيت المال، وتعذر رده إلى صاحبه،فإنه يصرف في مصالح المسلمين؛ لأن المجهول كالمعدوم.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 506) . 11 - ما حصل بيد الإنسان من الأموال التي اكتسبها عن طريق ظلم الآخرين، بأن كان يغش في المعاملة، أو يجحد الودائع أو العواري، ثم تاب من ذلك، وجَهِل أصحاب هذه الأموال، فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 804 الشرعية، أو يسلمها إلى قاسم عادل يضعها في مصالح المسلمين، وذلك لأن المجهول كالمعدوم، وأصحاب هذه الأموال مجهولون، أو اختلطت أموالهم ولا يمكن التمييز بينها، فيجعل المجهول كالمعدوم، ثم إذا تبين أصحابها كان لهم الحق في مطالبة المتصرف فيها. (ابن تيمية، الحصين 1/ 509) . 12 - ما يوجد في السوق من الطعام والشراب والثياب ونحوها قد يكون في نفس الأمر مسروقاً، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك كان المجهول كالمعدوم، يجوز له أن يبيع ويشتري بلا حرج.. (ابن تيمية، الحصين 1/ 509) . 13 - تجوز معاملة الظالم الذي ئعلم بأن الأموال التي بيده تحضل عليها عن طريق الظلم، من غصب أو غيره، خصوصاً عند وجود الحاجة إلى ذلك، إذا كان أصحاب هذه الأموال لا يمكن معرفتهم، أو أن أموالهم اختلط بعضها ببعض، بحيث لا يمكن تمييزها؛ لأن المجهول كالمعدوم، ويبقى ضمان هذه الأموال على الظالم. (ابن تيمية، الحصين 1/ 509) . 14 - قد يجوز التصرف في حقوق الآخرين بالعقد والقبض، بما فيه مصلحة إذا جهل وجود المستحق، أو تعذر استئذانه، وذلك أن المجهول كالمعدوم. (ابن تيمية، الحصين 1/ 510) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 805 القاعدة: [213] الأصل إذا ما يحصل به المقصود قام بدله مقامه الألفاظ الأخرى - بدل الشيء يقوم مقامه ويسد مسده. - البدل يقوم مقام المبدل. - البدل قائم مقام المبدل. - الحاجة توجب الانتقال إلى البدل عند تعذر الأصل. - يقوم البدل مقام المبدل، ويس مسدَّه، ويبنى حكمه على حكمه. التوضيح إن هذه الشريعة مبنية على جلب المصالح، والموازنة بينها، وتقديم المصلحة العظمى على ما دونها، وتقوم على رفع الحرج، ودفع المشقة، وعدم تكليف ما لا يسع العبد فعله. فإذا تعذر فعل الأمر الأصلي، أو وجدت مشقة وجهد للقيام به، أو لا تتحقق المصلحة المرجوة من الأمر به، بحيث تقل أو تنعدم، فإن الشرع سوغ الانتقال منه إلى البدل الذي يقوم مقامه، ويسد مسده، ويحقق المصلحة المقصودة، ويبنى حكمه على حكم الأصل، فيقوم حكم البدل مقام المبدل منه، كالتيمم والوضوء، ومسح الخفين بدل غسل القدمين. ويكون الانتقال إلى البدل لوجود ضرورة أو حاجة، أو لوجود مصلحة راجحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 806 يتوفر فيها النفع الأكثر، أو الصلاح الأولى، ولذلك شرع الإسلام التيمم في الطهارة بدل الوضوء والاغتسال، وشرع الصيام في كفارة الحج بالعمرة بدل الهدي، وغير ذلك كثير. التطبيقات 1 - إذا تعذر استعمال الماء في الطهارة فيقوم التيمم بدله.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 16) . 2 - إذا تعذر وجود المأكول المذكى لسد الجوع في الخمصة فيسوغ الانتقال إلى الميتة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 17) . 3 - الظن يقوم مقام العلم عند تعذره، فيقوم الخرص في الزكاة مقام الكيل. وتقوم القرعة لتعيين الحق عندما يلتبس نصيب كل واحد بالآخر. (ابن تيمية، الحصين 2/ 17) . 4 - يجوز إخراج القيمة في الزكاة عند الحاجة، مثل أن يبيع ثمرة بستانه، أو زرعه، فيجزئه إخراج عُشر الدراهم، ولا يكلف أن يشتري تمراً أو حنطة، وإذا وجبت عليه شاة في زكاة خمس من الإبل، وليس عنده شاة، فيكفي إخراج القيمة، ولا يكلف السفر لشراء شاة، كما يجوز إخراج القيمة في الزكاة للمصلحة إذا طلب المستحقون القيمة لكونها أنفع لهم.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 17، 18) . 5 - إبدال الهدي والأضاحي بخير منه لأنه أنفع وأصلح. (ابن تيمية، الحصين 2/ 17، ابن رجب 3/ 75) . 6 - إذا بني مسجد في مكان، ثم انتقل الناس إلى مكان آخر هو أصلح لأهل البلد، فينقل المسجد.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 17) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 807 7 - إذا وقف داراً أو حانوتاً أو بستاناً، وانتاجه قليل، فله إبداله بما هو أنفع للوقف.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 18) . 8 - الخرص يقوم مقام الكيل في العرايا، وفي المقاسمة، لتعذر الكيل مع الحاجة للبيع والقسمة، فيقوم البدل مقام الأصل.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 23) . 9 - إذا تصرف الفاصب في العين المغصوبة بما أزال اسمها، أو أنزل قيمتها. فالمالك مخير بين أخذ العين وتضمين النقص، وبين المطالبة بالبدل لتعذر المبدل (ابن تيمية، الحصين 2/ 23) . 10 - إذا أتلف مالاً مثلياً كالعارية، وتعذر المثل وجبت القيمة وهي الدراهم والدنانير بدلاً من المثل.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 23) . 11 - تثبت الولاية على المعاوضة شرعاً عند الحاجة، كما لو مات شخص في موضع ليس فيه وارث ولا وصي ولا حاكم، فتثبت الولاية للرفقة في السفر، ويبيعون المال ويحفظونه دون التوقف على إجازة الورثة لثبوت الولاية الشرعية لهم عند الحاجة بدلاً من الورثة أو من ينيبه الإمام.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 23) . 12 - إذا مسح على الخف، ثم خلعه، فإنه يجزئه غسل قدميه على إحدى الروايتين، ولو فاتت الموالاة؛ لأن المسح كمّل الوضوء وأتمه وقام مقام غسل الرجلين إلى حين الخلع، فإذا وجد الخلع وتعقبه غسل القدمين فالوضوء كالمتواصل. (ابن رجب 3/ 73) . 13 - لو وجد ما يكفي لغسل بعض أعضاء الحدث الأصغر، فاستعمله، ثم تيمم للباقي، ثم وجد الماء بعد فوات الموالاة، لم يلزمه إلا غسل باقي الأعضاء. (ابن رجب 3/ 73) . 14 - إذا حضر الجمعة أربعون من أهل وجوبها، ثم تبدلوا في أثناء الخطبة أو الصلاة بمثلهم، انعقدت الجمعة وتمت بهم. (ابن رجب 3/ 74) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 808 15 - لو أبدل نصاباً من أموال الزكاة بنصاب من جنسه، بنى على حول الأول على المذهب، ولو أبدله من غير جنسه استأنف إلا في إبدال أحد النقدين بالآخر فإن فيه روايتين. (ابن رجب 3/ 74) . 16 - لو أبدل جلود الأضاحي بما ينتفع به في البيت من آلاته، جاز، نعق عليه، لأن ذلك يقوم مقام الانتفاع بالجلد نفسه في متاع البيت. (ابن رجب 3/ 75) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 809 القاعدة: [214] المعصية لا تكون سببًا للنعمة الألفاظ الأخرى - الفعل المحرم لا يكون سبباً للحل والإباحة. - لا تثبت النعمة بالفعل المحرم. - المعصية لا تكون سبباً للاستحقاق والحل. - المحرمات لا تكون سبباً محضاً للإكرام والإحسان. - الأصل في المعاصي أنها لا تكون سبباً لنعمة الله ورحمته. التوضيح سبق توضيح هذه القاعدة "الرخص لا تناط بالمعاصي "، لأن المعصية تكون سبباً للعقوبة، ولا تكون طريقاً إلى رحمة الله ونعمته وطيباته وفضله في الترخيص والتساهل وسائر نعمه. وهذه القاعدة شاملة لكل فعل يكون معصية، فلا تكون سبباً للنعمة سواء كانت هذه النعمة رخصة أو غيرها. التطبيقات 1 - الخمر إذا تخللت بفعل الله طهرت، أما إذا تخللت بفعل الآدمي لم تطهر، كما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 810 لو اقتنى الخمر بقصد التخليل؛ لأن اقتناء الخمر محرم، والفعل المحرم لا يكون سبباً للحل والإباحة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 32) . 2 - إذا ذكى الحيوان تذكية محرمة بالذبح في غير الحلق، مع قدرته على التذكية في الحلق، أو بأمر وثني بالتذكية، فإنه لا يباح؛ لأن حل الأكل نعمة، وهذه التذكية محرمة، والفعل المحرم لا يكون سبباً للنعمة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 28) . 3 - العقود المشتملة على ما حرم الله، كالغرر، والربا، لا تكون سبباً لإباحة الآثار المترتبة عليها؛ لأن المنهي عنه معصية، والمعاصي لا تكون سبباً لنعمة الله ورحمته، والإباحة نعمة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 35) . 4 - إذا تواطأ المتعاقدان على الربا في بيعتين، كالعينة، فإنه يحكم بفساد هذين العقدين، ولا يترتب عليهما الأثر في حل المال للبائع، لأن الحلال نعمة، والاحتيال على المحرم معصية، فلا تكون سبباً للنعمة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 35) . 5 - إذا دلس البائع في بيعه على المشتري، فباعه شيئاً معيباً، فالبيع غير نافذ ولا حلال، بل موقوف على إجازة المشتري ورضاه؛ لأن التدليس محرم، ونفاذ البيع نعمة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 35) . 6 - لا يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا بيع شيء يستعان به على معصية الله، ويكون البيع باطلاً؛ لأن إباحة البيع نعمة، وترتب آثار البيع نعم، فلا تثبت بالمعصية. (ابن تيمية، الحصين 2/ 35) . 7 - إذا باع شيئاً محرماً، واستوفى ثمنه، أو استؤجر على فعل محرم، كصناعة خمر أو غناء، ونحو ذلك، فالواجب عليه التصدق بهذا المال، ولا يعاد لصاحبه الذي أخذ منه؛ لأنه أخرجه في معصية الله، وقد استوفى العوض، فلا يعان على المعصية بإعادة الثمن إليه، فالمعصية لا تكون سبباً للنعمة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 36) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 811 القاعدة: [215] الأصل في العادات عدم التحريم الألفاظ الأخرى - الأصل في العادات ألا يحظر منها إلا ما حظره الله. - ما اعتاده الناس في دنياهم، الأصل فيه عدم الحظر. - العادات، الأصل فيها عدم الحظر. - الأفعال العادية، الأصل فيها عدم التحريم. التوضيح العادة هي ما اعتاده الناس مما يحتاجون إليه في حياتهم وتصرفاتهم في القول والفعل، والمأكل والمشرب، والملبس، والذهاب، والمجيء، والكلام، وغيره. فهذه العادات معفو عنها، ورفع الشارع الحرج عن المكلف في فعلها وتركها، ما لم يرد فيها دليل خاص بها، وإلا يستصحب الحل فيها، وللناس أن يتكلموا، ويأكلوا، ويشربوا، ويتبايعوا وشتاجروا كيف شاؤوا ما لم تحرم الشريعة، وعدم التحريم ليس تحليلاً؛ لأن التحليل يحتاج لدليل، وإنما هو عفو، واستصحاب للأصل. ولا يعمل بهذه القاعدة إلا بعد البحث التام في الأدلة ونصوص الشريعة للتأكد من عدم رفع هذا الأصل في الاستصحاب. وهذه القاعدة خاصة بالعادات من الأقوال والأفعال، أما القاعدة السابقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 812 "الأصل في الأشياء الإباحة" فهي عامة وتشمل الأقوال والأفعال والأعيان والمنافع والمضار وغيرها. ودليل ذلك ما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سئل رسول الله عن السمن والجبن والفراء، فقال: " الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه. وما سكت عنه فهو عفو". التطبيقات 1 - قصد الشارع في لباس النساء فرقه عن الرجال، وستر المرأة. وما وراء ذلك من عادات لباس النساء فالأصل فيه عدم التحريم. وإن اختلف عما كان في عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - أو اختلف من بلد إلى آخر.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 78) . 2 - عادات بعض البلدان في طريقة الأكل والشرب والليس - إذا خلت من المحرمات، وتوفرت الشروط الشرعية المعتبرة في مثلها - فهى على أصل الإباحة، فكل إنسان يطعم ما يجده في أرضه، ويلبس ما يجده في بلده، ويركب ما يجده مما أباحه الله.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 79) . 3 - الأصل في العقود هو الحل؛ لأن العقود من العادات التي يفعلها المسلم والكافر، فلا يحرم العقد ما لم يرد عن الشارع نص بتحريمه، أو يقاس قياساً صحيحاً على ما حرم.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 85) . 4 - الأصل في الشروط هو الحل ما لم ينافِ مقصود العقد بحل الحرام أو تحريم الحلال الثابتين بنص أو إجماع، لأن العقود والشروط من باب الأفعال العادية، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 813 والأصل في الشروط الصحة واللزوم، إلا ما دل الدليل على خلافه. (ابن تيمية، الحصين 2/ 85) . 5 - ألفاظ العقود، وهي كل ما اعتاده الناس من المصطلحات في البيع والشراء والاستئجار وغيرها من أنواع المعاملات يصح العقد بها، ولا يشترط فيها لفظ معين، لأن هذا من العادات، والأصل في العادات عدم التحريم، وكل لفظ دل على قصد المتكلم في المعاملات وغيرها فهو معتبر، وتصح العقود بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، فكل ما عدّه الناس بيعاً وإجارة فهو بيع وإجارة، وكذا الهبة، وتجهيز الزوجة، والركوب في السفن، وعلى الدواب، والدفع إلى غسال أو خياط يعمل بالأجرة، أو الدفع لطباخ أو شواء ليطبخ أو يشوي، فيصح؛ لأنها من العادات. والأصل فيها عدم التحريم. (ابن تيمية، الحصين 2/ 86) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 814 القاعدة: [216] الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة الألفاظ الأخرى - الأصل في العقود الإباحة. - الأصل في الشروط الصحة واللزوم. - الأصل جواز الشروط في العقود. التوضح إن الأصل في العقود والشروط التي يقوم بها الناس هو الإباحة والجواز والصحة، وأن المستصحب فيها الحل وعدم التحريم، وتكون صحيحة يترتب عليها أثرها، ولا يحرم منها، أو يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله بالنص أو بالقياس، وهذا يوجب البحث والتقصي عن الأدلة الشرعية، فإن ثبت دليل يحرم تغيَّر هذا الاستصحاب. وهذه القاعدة مختلف فيها على قولين. الأول: الأصل في العقود الحظر، وهو قول الجمهور. وهو ما صرح به ابن حزم، وتدل أصول أبي حنيفة وكثير من أصول الشافعي، وطائفة من أصحاب مالك وأحمد على ذلك، ويتوسع بعضهم أكثر من الآخر. والقول الثاني: الصحة، والجواز، وهو ما صرح به ابن تيمية وابن القيم. ويجري عليه أكثر أصول أحمد المنصوصة، وللإمام مالك ما يقرب منه، وظاهر كلام الشافعي، والجصاص الحنفي، والفخر الرازي الشافعي، والشاطبي المالكي، حتى نسبه ابن القيم للجمهور، ونسبه بعضهم للحنابلة خاصة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 815 والدليل على القاعدة النصوص العامة، مثل قوله تعالى:. (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وقوله تعالى: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) . وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) . وقوله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) ، وغيرها كثير، مع الأحاديث الواردة في صفات المنافق بنقض العهد. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحق الشروط أن يُوفى به: ما استحللتم به الفروج ". مع النهي عن نقض العهد، وعن الغدر والخيانة. ويتفرع قاعدة أخرى، وهي: "الأصل حمل العقود على الصحة ". وذلك عند اختلاف الطرفين في توفر الأركان والشروط أم لا. التطبيقات إن تطبيقات هذه القاعدة تنحصر في غير العقود والشروط التي ورد فيها نص في الكتاب والسنة، كالعقود الجديدة والشروط الجديدة، والمستجدات مع تطور الأحداث، وحاجة الناس إليها، فن ذلك: 1 - - يجوز بيع الثمار ذي الأجناس المختلفة إذا بدا صلاح بعضها لحاجة الناس إلى ذلك، ولعدم الدليل المحرم، والنهي عن بيع الثمر قبل بدوّ صلاحه ليس عاماً عموماً لفظياً في كل ثمرة في الأرض، ولكنه عام لكل ما عهده المخاطبون وما في معناه، وما عداه فيبقى على الحل.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 166) . 2 - تجوز المزارعة، وهي استئجار الأرض بمقدار شائع مما يخرج منها كالشطر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 816 والثلث ونحو ذلك؛ لأن الأصل في العقود الحل، ولير هناك ما يدل على التحريم. (ابن تيمية، الحصين 2/ 166) . 3 - إذا تصرف رجل في حق غيره بغير إذنه، أو عقد عقداً تتوقف صحته على وجود شرط، وهذا الشرط لا يوجد إلا في المستقبل، كأنه يشتري شيئاً لم يره، على أنه بالخيار إذا رآه، فيقع العقد صحيحاً وموقوفاً على إجازة من له الحق، وعلى تحقيق هذا الشرط، فإن أجازه، أو توفر الشرط، صح العقد، وإلا لم يصح، وهو وقف العقود على الإجازة، وهو متفق على جوازه مع الاختلات في حالاته. (ابن تيمية، الحصين 2/ 166) . 4 - يجوز لكل من أخرج عيناً من ملكه بمعاوضة كالبيع، والخلع، أو تبرع كالوقف، أن يستئني بعض منافعها، فإن كان مما لا يصلح فيه الغرر كالبيع فلا بدَّ من أن يكون المستثنى معلوماً، وإن لم يكن كذلك كالوقف فله أن يستثني غلة الوقف ما عاش الواقف.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 170) . 5 - الاستفادة من القاعدة عند استحداث معاملة لم تكن معروفة من قبل، وفي المعاملات الحديثة التي أوجدها غير المسلمين، فيقبل منها ما ليس فيه مصادمة للشرع نصاً أو قياساً، وقد يعدل بعضها، ويرفض بعضها عند المخالفة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 172) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 817 القاعدة: [217] الأصل في العقود رضا المتعاقدَين. وموجبها ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد الألفاظ الأخرى - العقود تتبع رضا المتعاقدين. - لا بد في صحة التصرف من رضا المتصرف وموافقة الشارع. - الأصل في العقود المالية بناؤها على التراضي. التوضيح إن المعتبر في حل العقد وجوازه، وفي نفوذه ولزومه، وفي انعقاده وشروطه، هو الرضا من الطرفين، لأن الشارع ربط حل المعاملة برضا المتعاقدين، ورغبتهما في إنشاء العقد، والالتزام بموجبه ومقتضاه، أي بآثاره والتزاماته ووصفه، وكل ذلك يتحدد بحسب ما تراضى عليه الطرفان، لأن لهما الحرية في تحديد ما يجب لكل منهما بحسب الشروط، وصدور الرضا منهما بذلك. وتتحدد آثار العقود أحياناً بالشرع فيما رتبه على العقد من آثار، وألزم بها المتعاقدين، ولا يجوز لهما الإخلال بها، كالإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان في عقد النكاح، ومثل سلامة المبيع والقدرة على تسليمه في عقد البيع، وأحياناً بألفاظ المتعاقدين بما يشترطانه في العقد، ويلتزمان به، فيلزمهما بناء على تراضيهما عليه. وأحياناً بالعرف وقرائن الأحوال المصاحبة للعقد، وكل ذلك بشرط ألا يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 818 التراضي والعرف على حل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، أو إسقاط ما أوجبه الله، وألا يكون مناقضاً ومخالفاً لمقصود العقد، وألا يوجد سبب قوي يقتضي إهدار رضا المتعاقدين. والدليل على هذه القاعدة قوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) . وقوله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا مجل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ". وأجمع العلماء على اشتراط الرضا. التطبيقات 1 - يجوز ضرط الخيار في كل العقود، ويعقد على وجه الجواز دون اللزوم؛ لأن موجَب العقد ومقتضاه ما تراضى به المتعاقدان، وهما قد رضيا بذلك. (ابن تيمية، الحصين 2/ 178) . 2 - تجوز المعاوضة بلا تقدير عوض، وتكون صحيحة، ثم إن تراضيا بعوض معلوم معين نفذت، وإلا تُردُّ السلعة، فإن فاتت العين وجبت قيمتها، كشراء سيارة دون تحديد ثمنها حال الشراء.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 178) . 3 - إذا لم يتحقق للعاقد شرطه الذي شرطه في العقد، أو لم يحصل له كما رضي به، فله فسخه، لأن الأصل في العقود الرضا، وهو لم يرض إلا بتحقق شرطه الذي وقع عليه التعاقد، فإذا فقد فقد الرضا.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 178) . 4 - لا يلزم في العقد أن يكون القبض عقبه مباشرة (إلا في الأموال الربوية) بل يجوز أن يكون متأخراً عنه، ويجوز أن يكون عقبه، كالبيع وقبض المبيع، فيجوز استثناء بعض منفعة المبيع مدة معينة، وإن تأخر بها القبض على الصحيح، ويجوز بيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 819 العين المؤجرة، ويجوز بيع الشجر واستثناء ثمره للبائع، وإن تأخر معه كمال القبض، ويجوز عقد الإجارة لمدة لا تلي العقد، لأن القبض هو موجَب العقد، فيجب في ذلك ما أوجبه المتعاقدان بحسب قصدهما الذي يظهر بلفظهما وعرفهما. (ابن تيمية، الحصين 2/ 179) . 5 - إذا كره البيعان على العقد فهو باطل، ولا يكون العقد لازماً؛ لأن الأصل في العقود رضا المتعاقدين، والمكره ليس براض.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 179) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 820 القاعدة: [218] الأصل في العقود جميعها العدل الألفاظ الأخرى - المعاملة مبناها على العدل. - المعاوضة مبناها على المعادلة والمساواة بين الجانبين. - الأصل في المعاوضات والمقابلات هو التعادل بين الجانبين. - المبايعة والمشاركة مبناها على العدل بين الجانبين. - المشاركة والمعاملة تقتضي العدل من الجانبين. التوضيح إن الله بعث الرسل وأنزل الكتب لإقامة العدل، فهو جماع الذين والحق والخير كله، وحرم الظلم قليله وكثيره، وحذر منه، لذلك قصد الشارع تحقيق العدل بين المتعاقدين في التعاقد، وفي التعامل بين أطراف المجتمع كله، فلا يبغي أحد على أحد ولا يظلمه، ولا يجعله على خطر في معاملته من حيث تحقق مقصوده وعدمه، ولذلك يجب مراعاة العدل في كل عقد، ويحكم على ما كان متضمناً للظلم بالتحريم، وما خلا عنه فهو حلال، فإن حصل في بعض العقود، هل هي من العدل أم لا؟ فيجب الرجوع إلى هذا الأصل. والدليل على هذه القاعدة ما ورد من آيات كثيرة تأمر بالعدل، وتحث عليه، وتنهى عن الظلم، وتحرمه، وترهب منه، وكذلك الأحاديث الشريفة، مع قول جرير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 821 رضي الله عنه: "بايعت النبى - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم ". والنصح يقتضي العدل. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من غشَّ فليس منا ". لأن الغش ظلم وينافي العدل. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ". فالصدق والبيان عدل، والكتمان للعيب والكذب ظلم. وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اهذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله. اشترى منه عبداً أو أمة، بيع المسلم للمسلم، لا داء، ولا غائلة، ولا خبثة" فبيان العيب عدل، وكتمانه ظلم، ولأن الشريعة مبناها على جلب المصالح وتكميلها. ودرء المفاسد وتقليلها، وهذا يحقق العدل. التطبيقات 1 - إذا ساقاه أو زارعه على أن نتاج جزء معين من الأرض له لم يجز؛ لأن المشاركة تقتضي العدل من الجانبين، فيشتركان في المغنم والمغرم، فإذا اشترط أحدهما زرعاً معيناً احتمل أن ينتج هذا، ولا ينتج هذا، أو العكس، فيحصل لأحدهما ربح دون الآخر، فيكون ظلماً.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 186) . 2 - لو اشترط في المضاربة مالاً معيناً لأحدهما، لم يجز، لأن مبنى المشاركات على العدل بين الشريكين، كالسابق، بخلاف ما إذا كان لكل منهما جزء شائع، فإنهما يشتركان في المغنم وفي المغرم، فإن حصل ربح اشتركا في المغنم، وإن لم يحصل اشتركا في الحرمان.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 186) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 822 3 - قريب مما سبق في الوقت الحاضر إصدار الأسهم الممتازة، والتي يكون لها أولوية في تحصيل الأرباح، أو ضمان لنسبة معينة من الربح، أو تقديمها على غيرها من الأسهم عند توزيع الأرباح أو عند التصفية، وأفتى مجمع الفقه - الإسلامي بعدم جواز إصدار أسهم ممتازة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 186) . 4 - يحرم بيع الغرر، وهو مجهول العاقبة، أو ما لا يقدر على تسليمه، سواء كان موجوداً أو معدوماً، لأنه متردد بين أن يحصل مقصوده بالبيع، وبين ألا يحصل، مع أنه يأخذ العوض على التقديرين، فإذا لم يحصل كان قد أكل ماله بالباطل، وكان هذا ظلماً، والعقود مبنية على العدل، فيحرم بيع ما هو غرر، أو ما يكون غرراً ابن تيمية (الحصين 2/ 187) . 5 - موجب العقد المطلق هو السلامة من العيوب، وأن يكون ظاهر المعقود عليه كباطنه، فلا يجوز لأحد المتعاقدين أن يكتم عن الآخر عيباً في السلعة، لو علمه لم يبايعه؛ إذ الأصل في المعاملات العدل، وهذا يقتضي الصدق من الجانبين، وكتمان العيب ليس صدقاً، إذا هو مخالف للظاهر، ولأن سكوته عليه دليل عدم وجود العيب، فكان سكوته كذباً، لا صدقاً، وفيه ظلم، والأصل في العقود العدل. (ابن تيمية، الحصين 2/ 187) . 6 - إذا امتنع التجار من البيع إلا بثمن يزيد عن ثمن المثل، أو امتنع العمال أو الصُنّاع من العمل والصناعة إلا بأجر يزيد عن أجر المثل، مع حاجة الناس إلى البيع والشراء، والاستئجار والصناعة، أو حاجة الدولة لذلك، فإنه مجب إلزامهم بالبيع والعمل، وإلزامهم بثمن المثل، وهو التسعير، بلا زيادة تضر بالمشتري، ولا نقص يضر بالتاجر، لأن الأصل في العقود العدل، والامتناع عن البيع والشراء، ورفع الثمن على المشتري ظلم، ولا غنى للأمة عن إ أسبيع والشراء، فيجب أن يلزموا بالعدل الذي يتضمن حفظ حقوق كل من البائع والمشتري.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 187) . 7 - إذا تلف المعقود عليه قبل التمكن من قبضه لم يجب على العاقد من مشترٍ أو مستأجر، ونحوهما، دفع الثمن أو الأجرة، وهذا ما يسمى بوضع الجوائح؛ لأن الأصل في العقود العدل من الجانبين، واستلام كل منهما ما عاقد عليه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 823 فإذا يحصل لأحدهما ما عاقد عليه لم يكن للآخر أن يأخذ منه العوض بلا مقابل. (ابن تيمية، الحصين 2/ 189) . 8 - إذا كان المشتري جاهلاً بقيمة المبيع، فإنه لا يجوز تغريره والتدليس عليه، مثل أن يسام سوماً كثيراً خارجاً عن العادة، ليبذل ما يقارب ذلك، بل يباع البيع المعروف غير المنكر؛ لأن استغلال جهل المشتري بالقيمة الحقيقية بزيادة سعرها عليه ظلم، وهو لا يجوز، بل الأصل في العقود العدل من الجانبين.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 189) . 9 - إذا كان المشتري مضطرأ إلى الشراء، ولا يجد حاجته إلا عند هذا البائع، فإنه لا يجوز للبائع أن يستغل حاجته، بل يجب أن يبيعه بالقيمة المعروفة، وكذلك إذا كان البالع مضطراً إلى البيع. فلا يجوز للمشتري استغلال هذه الضرورة ببخسه حقه. وأخذ السلعة منه بدون القيمة المعروفة؛ لأن ذلك كله ظلم، وهو محرم، والواجب العدل بين المتعاقدين.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 190) . 10 - إذا باع شيئاً إلى أجل، فإن الأجل يأخذ قسطاً من الثمن، فليس المبيع حالا كالمبيع المؤجل، بل تختلف قيمة هذا عن قيمة هذا، وهو البيع الموجل، أو البيع بالتقسيط، فيزاد في قيمة السلعة بنسبة معينة مقابل التأخير في سداد الثمن، أو دفعه على أقساط معلومة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 190) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 824 القاعدة: [219] الأصل حمل العقود على الصحة الألفاظ الأخرى - الظاهر حمل العقود على الصحة. - الأصل في العقود الصحة. - الأصل في عقود المسلمين الصحة. - إن مطلق العقود الشرعية محمول على الصحة. التوضيح إذا تم عقد بين المسلمين، ثم وقع خلاف بين المتعاقدين في صحته أو فساده. وليس ثمة ما يؤيد أصل القولين على الآخر، فإن الغالب، والظاهر، في عقود المسلمين جريانها على حكم الصحة، أما الفساد فهو طارئ على العقد، والأصل عدم وجوده، فيكون حمل العقد على الصحة أولى من حمله على الفساد، وهكذا في كل معاملة جارية بين المسلمين. وفرق هذه القاعدة عن قاعدة "الأصل في العقود الجواز والصحة"، أن هذه القاعدة عند عدم الخلاف والتنازع بين المتعاقدين. فإن حصل شك أن العقد ورد عن الشارع ما يدل على تحريمه أم لا، فهو صحيح جائز شرعاً، وبعد ذلك إن حصل خلاف في صحة العقد وفساده فإنه يحمل على الصحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 825 وهذه القاعدة نص عليها الحنابلة والشافعية. التطبيقات 1 - إذا ادعى الموجر فساد العقد، وأنكر المستأجر ذلك، فالقول قوله؛ لأن الأصل في عقود المسلمين الصحة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 193) . 2 - إذا ادَّعى أحد المتعاقدين أنه لم يكن رشيداً عند تصرفه، بل كان سفيهاً أو محجوراً عليه، وأنكر ذلك المتعاقد الآخر، ولا بينة لأحدهما، لم يقبل قول مدعي الفساد بمجرد دعواه إلا ببينة تشهد له؛ لأن الأصل صحة التصرف (ابن تيمية، الحصين 2/ 193) . 3 - يجوز بيع الدراهم التي تكون الفضة فيها نحو الثلثين، بدراهم تكون فضتها نحو الربع، أو أقل أو أكثر، إذا لم يكن المقصود بيع فضة بفضة متفاضلاً، وكان كل من الفضة والنحاس الوجود معها مقصودين للمتبايعين؛ لأن الأصل حمل العقود على الصحة، وقد جرى العمل بها من غير وجود مفسدة الربا.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 193) . 4 - إذا باع رجل قمحاً فبذره المشتري في الأرض، فتلف، فطلب المشتري من البائع ضمانه، فلا يقبل، ويستحق عليه جميع الثمن إلا إذا أثبت به عيباً أو تدليساً، لأن العقود تحمل على الصحة، والمشتري يدعي البطلان، فلا يقبل قوله. (ابن تيمية، الحصين 2/ 193) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 826 القاعدة: [220] تنعقد العقود بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل الألفاظ الأخرى - العقود تصح بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل. - العقود تنعقد بما دل على مقصودها من قول أو فعل. - كل لفظ دل على قصد المتكلم في المعاملات وغيرها معتبر. التوضيح لابد في العقد من رضا الطرفين مع القصد له وإدراك مقصوده، وهذا أمر باطني لا يمكن التعرف عليه إلا بدليل عليه في الظاهر من قول أو فعل، فكل ما دل على مقصود المتعاقدين من قول أو فعل فإنه يصلح أن ينعقد به العقد، ولا يشترط للدلالة على القصد لفظ معين، أو صيغة معينة، لا ينعقد العقد ولا يصح إلا بها، ولا مانع من اختلاف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، لأنه لا يوجد حد مستمر لا في الشرع ولا في اللغة. ويختلف العلماء في ذلك فقال الشافعية، وهو قول في مذهب أحمد: لا تصح العقود إلا بالصيغة بإيجاب وقبول، وقال الحنفية وهو قول في مذهب أحمد، ووجه في مذهب الشافعي: إنها تصح بالأفعال فيما كثر عقده بالأفعال، وأما الأموال الجليلة فلا يصح فيها، والغالب على أصول مالك وظاهر مذهب أحمد وهو قول عند الحنفية: أنها تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 827 ودليل القاعدة أن القرآن الكريم اكتفى بالتراضي في البيع، وبطيب النفس في التبرع، ولم يشترط لفظاً معيناً، ومن المعلوم ضرورة من عادات الناس في أقوالهم وأفعالهم أنهم يعلمون التراضي وطيب النفس بطرق متعددة، وهو مجرى الفطرة السليمة للناس، وعلق الله تعالى على التراضي وطيب المس أحكاماً شرعية، ولم يحدد لفظاً لذلك، فيرجع فيه للعرف، وإن العبادات حددها الشرع، أما العادات والمعاملات فهي بحسب ما اعتاده الناس، والأصل فيه عدم الحظر، فيتعاملون كما يشاؤون فيما لم تحرمه الشريعة، ويأكلون ويشربون كما يشاؤون فيما لم تحرم الشريعة، ورسول الله جَمرَز لم يأمر أصحابه بصيغة معينة. بل علق الأحكام على الأفعال. التطبيقات 1 - يجوز ركوب الدابة، ودخول الحمام، والشراء من البائع، دون تلفظ بالبيع أو الاستئجار أو تحديد للثمن، بل يتحدد كل ذلك بفعل كل واحد منهما، ويكون العرف القائم كافياً في تحديد الثمن والأجرة، ويكفي الفعل في الدلالة على رضا الطرفين، وهو المعاطاة، ولا يشترط لصحة ذلك لفظ معين؛ لأن العقود تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 213) . 2 - تنعقد الوصية بكل لفظ يدل على ذلك.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 213) . 3 - إظهار الصفات في المبيع وغيره بالأفعال بمنزلة إظهارها بالأقوال، ويلزم العقد بناء على هذه الصفات، وكان العاقد صرح بهذه الصفات، واشترطها في المبيع، فإذا فاتت على أحد المتعاقدين كان له الحق في الرجوع على من غزه ودلّس عليه بإظهار صفات ليست حقيقية، كمن اشترى شاة كبيرة الضرع، ثم تبين أنها ليست حلوباً، أو تحلب القليل، لأن البائع ربط ثديها ليدلس بها.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 213) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 828 القاعدة: [221] إذا حرّم الله الانتفاع بشيء حرم الاعتياض عن تلك المنفعة الألفاظ الأخرى - الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه. التوضيح إن الله تعالى إذا حرم الانتفاع بشيء من الأشياء، على وجه من الوجوه، فإنه لا يجوز أخذ مال في مقابلة هذا الشيء المحرم، أو المنفعة المحرمة، لا ببيع وشراء، ولا استئجار وكراء، ونحو ذلك من أنواع المعاوضة. وما يحرم الانتفاع به نوعان، أحدهما: ما يحرم الانتفاع به مطلقاً في جميع الحالات، أو الغالب فيه أنه لا ينتفع به إلا في المنفعة المحرمة كالأصنام، والخمر، والخنزير، فهذا لا يجوز أخذ ثمن في مقابله مطلقاً. والثاني: ما يحرم الانتفاع به في حال دون حال، وفي صورة دون صورة، فيجوز أخذ الثمن في مقابل المنفعة المباحة دون المنفعة المحرمة، مثل الحمر الأهلية، والطيور الجارحة التي يصاد بها. فيجوز بيعها للمنفعة المباحة دون المحرمة. والدليل على القاعدة ما رواه ابن عباس رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله جالساً عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء. فضحك، فقال: "لعن الله اليهود - ثلاثاً - إن الله حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا ثمنها، وإن الله إذا حرَّم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ". وفي رواية: "كان الله إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 829 ولأن البدل يقوم مقام المبدل ويسد مسده، فإذا حرم الله الانتفاع بشيء، فالانتفاع ببدله انتفاع بعين المحرم حقيقة، فلم يكن هناك فرق بين المحرم أو بدله، بل هما في الحكم سواء. التطبيقات 1 - لا يجوز بيع الحرير للرجال المسلمين، إذا علم البائع أو غلب على ظنه أن مشتريه سوف يلبسه هو، ولا يجوز أن يأخذ أجرة على خياطة ثوب من الحرير ليلبسه رجل، لكن يجوز بيعه للنساء وللكفار، ونسج ثياب الحرير كذلك لهم؛ لأن هذا ليس بمحرم الجنس، بل هو محرم على الذكور المسلمين، وما كان حلالاً في حال دون حال جاز بيعه لمن حل له.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 270) . 2 - لا يجوز بيع العصير لمن يتخذه، خمراً. سواء علم أنه سيتخذه كذلك أو ظنه. (ابن تيمية، الحصين 2/ 270) . 3 - لا يجوز أن يؤجر الإنسان نفسه لعمل محرم كالزنا، واللواط، والغناء، وحمل الخمر.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 270) 4 - لا يجوز عمل الصليب لا بأجرة، ولا بغير أجرة، ولا بيعه صليباً، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 270) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 830 القاعدة: [222] من أدى عن غيره واجباً رجع عليه وإن فعله بغير إذنه التوضح إذا قام الشخص باداء واجب مالي عن آخر، ولم يستأذنه في ذلك، وقد نوى الرجوع عليه ليستوفي منه ما دفعه عنه، كان له الحق في ذلك، ووجب على المدفوع عنه أن يؤدي إليه ما دفعه، وهذا ما يسمى في القانون "الإثراء على حساب الغير" وهو أحد مصادر الالتزام. ويشترط أن يكون المؤدَّى واجباً على الغير، وألا ينوي المؤدي عند أداء الواجب عن غيره التبرع، وأن يكون الواجب دنيوياً لا يحتاج فعله إلى نية كاداء الدَّين والإنفاق على دابة، وهذا رأي المالكية والحنابلة، ويشترط الحنفية والشافعية للرجوع أن يكون المؤدّي مضطراً للدفع عه وإلا فلا يرجع. والدليل على القاعدة قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) . وقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) . فأوجب الله أجرة المرضعة على المولود له بمجرد الإرضاع، ولم يشترط عقداً ولا إذناً، ويؤيد ذلك قوله تعالى:. (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) . فمن أحسن لآخر فعليه أن يكافئه بالإحسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 831 التطبيقات 1 - إذا كان الابن في حضانة أمه، فأنفقت عليه، تنوي بذلك الرجوع على الأب، فلها أن ترجع.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 296، 301) . 2 - من خلص مالاً من قطاع، أو من عسكر ظالم، أو متول ظالم، ولم يخلصه إلا بما أدى عنه، فإنه يرجع بذلك، وهو محسن إليه بذلك، ولو لم يكن مؤتمناً على ذلك المال، ولا مكرهاً على الأداء عنه، فإنه عسن إليه بذلك.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 301) . 3 - إذا أنفق المرتهن على الرهن نفقة واجبة على الرهن، كان يكون حيواناً فيطعمه ويسقيه، خشية أن يموت، ولم ينو التبرع، بل نوى الرجوع على الراهن، فإنه يرجع؛ لأنه أدى عنه واجباً، فإن استغل المرتهن الرهن في مقابل ما أنفق كان ذلك جائزاً، وقد استوفى حقه.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 301) . 4 - إذا افتدى شخص رجلاً من الأصل جاز له مطالبته بالفداء؛ لأن الافتداء من أيدي الكفار واجب، فإذا قام به غيره، ينوي الرجوع عليه، وجب أن يدفع إليه ما أداه عنه.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 302) . 5 - إذا توفي رجل في الجهاد، فجمع صاحبه تركته مدة طويلة، فإن عمل ما يجب غير متبرع فيجب له الأجر على الأظهر.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 302) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 832 القاعدة: [223] الأصل في الشروط الصحة واللزوم الألفاظ الأخرى - الأصل جواز الشروط في العقود. - اشتراط نفع أحد المتعاقدين في العقد قد يكون صحيحاً وقد يكون باطلاً. التوضيح إن الأصل الثابت والقاعدة المطردة في الشروط أنها جائزة، ويصح كل شرط لم يرد عن الشارع ما يدل على تحريمه، كما سبق في قاعدة "الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة". وإذا اشترط أحد المتعاقدين شرطاً فإنه يلزم تنفيذه من قِبَل من التزم به، ولا يجوز له مخالفته. والدليل على جواز الشروط ما سبق بيانه في قاعدة العقود، والدليل على لزوم الشروط آيات كثيرة تدل على وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق، وتحريم الغدر، فمن شرط شرطاً ثم نقضه فقد غدر، وقوله عليه الصلاة والسلام: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " وهذا يقتضي وجوب الوفاء بالشروط مطلقاً، لكن بعضها أهم وأحق من بعض كشروط النكاح أحق بالوفاء، وقول عمر هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، وسبق بيانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 833 رضي الله عنه دامقاطع الحقوق عند الشروط " فإن الحقوق تلزم عندما يكون هناك شرط بفعلها. ويتصل بهذه القاعدة قواعد غيرها. التطبيقات 1 - البيع المعلق على شرط في المستقبل، إذا قال: بعتك إن جئتني بكذا، أو إن رضي زيد، صح البيع والشرط.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 311) . 2 - لو باع سيارة، وشرط على المشتري إن باعها، فهو أحق بها بالثمن، صح البيع والشرط.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 311) . 3 - يجوز خيار الشرط في جميع العقود، بحيث يعقد العقد على أنه بالخيار، ولو طالت المدة.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 311) . فرع: الاشتراط لمنفعه إن القاعدة الأصلية ليست مطلقة، وإنما وردت قاعدة أخرى مقيدة لها، وهي "ااشتراط نفع أحد المتعاقدين في العقد قد يكون صحيحاً، وقد يكون باطلاً" فليس كل شرط في العقد صحيحاً، فإن كان الشرط استئجاراً، له مقابل بعوض، فيصح الشرط على ظاهر المذهب، كاشتراط المشتري على البائع خياطة الثوب، أو قصارته. أو حمل الحطب ونحوه، ولذلك يزداد الثمن. كان كان الشرط إلزاماً لما لا يلزمه بالعقد، بحيث يجعل له ذلك من مقتضى العقد ولوازمه مطلقاً، ولا يقابل بعوض، فلا يصح، وله أمثلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 834 835 1 - اشتراط مشتري الزرع القائم في الأرض حصاده على البائع، فلا يصح، ويفسد به العقد، لأن حصاد الزرع قد يتوهم أنه من تمام التسليم الواجب على البائع، وفي فساد الشرط وجهان. (ابن رجب 2/ 62) . 2 - اشتراط أحد المتعاقدين في المساقاة أو المزارعة على الآخر ما لا يلزمه بمقتضى العقد، فلا يصح، وفي فساد العقد به خلاف. قال (ابن رجب: "ويتخرج صحة هذه الشروط أيضاً من (صحة) الشروط في النكاح وغيرها، وهو ظاهر كلام أكثر المتأخرين، ولذلك استشكلوا مسألة حصاد الزرع (السابقة) ". (ابن رجب 2/ 63) . 3 - شرط إيفاء المسلَم فيه في غير مكان العقد، وفي صحته روايتان، والمنصوص عن أحمد فساده، لأن اشتراط ذكر مكان يوهم أن ذلك من جنس ذكر زمانه، وأنه مستحق بنفس العقد، بخلاف غيره من البيوع الي لا يذكر في عقودها شيء من ذلك. (ابن رجب 2/ 63) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 835 القاعدة: [224] كل شرط لا يرضي الرب ولا ينتفع به المخلوق فهو باطل في جميع العقود الألفاظ الأخرى - ما كان حراماً بدون الشرط فالشرط لا يبيحه. التوضيح إن الشرط لا يكون صحيحاً لازماً، كما جاء في القاعدة السابقة، إلا إذا كان مشتملاً على منفعة في الدين أو في الدنيا، وكان غير مناقض لما جاءت به الشريعة من أوامر أو نواه، فالشرط لا يبيح ما حزمه الله، ولا يحرم ما أباحه الله، وإلا كان باطلاً ولا يجب الوفاء به، بل قد يحرم الوفاء به، ويجب نقضه، ويبقى العقد صحيحاً. والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله. ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مئة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق " وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً، والمسلمون على شروطهم " ولأن بذل المال لا يجوز إلا لمنفعة في الدين أو الدنيا وإلا كان تضييعاً له وتبذيراً، فيكون الشرط باطلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 836 التطبيقات 1 - إذا استأجر عاملاً، وشرط عليه ألا يصلي الصلوات التي تتخلل فترة عمله، أو ألا يصوم شهر رمضان، حال قيامه بالعمل، فالشرط فاسد، لا يجب الوفاء به؛ لأنه يتضمن إسقاط ما أوجبه الله تعالى.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 317) . 2 - إذا باعه سلعة بشرط ألا يسلمها له، فالشرط باطل؛ لأن مقصود البيع تسليم العين المبيعة، فإذا شرط عليه عدم تسليمها، فقد شرط شرطاً ينافي مقصود العقد، فيكون باطلاً.. (ابن تيمية، الحصين 2/ 317) . 3 - إذا قيل للولي: تصرف كيفما تشاء، فإنه مقيد بما يكون في تصرفه مصلحة، وإلا كان شرطاً باطلاً، لمخالفته الشرع، إذ التصرف الذي لا مصلحة فيه لا يجوز فعله. (ابن تيمية، الحصين 2/ 317) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 837 القاعدة: [225] العبادات كلها لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها. ويجوز تقديمها قبل شرط الوجوب التوضيح السبب: هو ما ارتبط به غيره وجوداً وعدماً، فيلزم من وجوده وجود الحكم. ومن عدمه عدم الحكم، فالسبب هو الموجب للحكم، ولذلك لا تصح العبادات كلها، سواء كانت بدنية، أو مالية، أو مرغبة منهما، قبل وجود السبب، ولا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، فدخول الوقت سبب لوجوب الصلاة، فلا تصح قبل وقتها، وملك النصاب هو سبب وجوب الزكاة، فلا يصح تقديم الزكاة قبل أن يتم النصاب. والشرط: هو ما ارتبط به غيره عدماً لا وجوداً، فإذا عدم الشرط عدم الحكم، لكن إن وجد الشرط قد يوجد الحكم وقد لا يوجد، فالوضوء شرط للصلاة، فإذا عدم الوضوء عدمت الصلاة، ولكن إن وجد الوضوء فقد توجد الصلاة وقد لا توجد، ولذلك يجوز تقديم الشرط وهو الوضوء عن الصلاة، فيقدم الوضوء علي إرادة الصلاة، مع أن الوضوء لا يجب إلا بعد إرادة الصلاة لقوله تعالى:. (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، واليمين سبب للكفارة، والحنث شرط لها، فلا يصح تقديم الكفارة على الحلف، ويجوز تقديمها على الحنث، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير، أو: الذي هو خير، وكفرت عن يميني " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 838 وكذلك يجوز إخرات انزى ة بعد ملك النصاب، وقبل حولان الحول. التطبيقات 1 - الطهارة: سبب وجوبها الحدث، وشرط الوجوب فعل العبادة المشترط لها الطهارة، فيجوز تقديمها على العبادة، ولو بالزمن الطويل. (ابن رجب 1/ 25) . 2 - الصلاة: يجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر، وصلاة العشاء إلى وقت المغرب، لأن الشارع جعل الزوال سبباً لوجوب الصلاتين عند العذر دون عدمه، ولهذا لو أدرك جزءاً من وقت الزوال، ثم طرأ عليه عذر، لزمه قضاء الصلاتين على إحدى الروايتين، ولو زال العذر في آخر وقت العصر لزمه الصلاتان بلا خلاف عندنا، فعلم أن الوقتين قد صارا في حال العذر كالوقت الواحد، لكنه وقت جواز بالنسبة إلى إحداهما ووجوب بالنسبة إلى الأخرى. (ابن رجب 1/ 25) . 3 - صلاة الجمعة: فإن سببها اليوم، لأنها تضاف إليه، ووقتها بعد الزوال، فيجوز فعلها بعد زوال وقت النهي من أول اليوم، وإن كان الزوال هو وقت الوجوب. (ابن رجب 1/ 26) . 4 - زكاة المال: يجوز تقديمها من أول الحول بعد كمال النصاب. (ابن رجب 1/ 26) . 5 - كفارات الإحرام: إذا احتيج إليها للعذر، فإن العذر سببها، فيجوز تقديمها بعد العذر وقبل فعل المحظور. (ابن رجب 1/ 26) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 839 6 - صيام التمتع والقران، فإن سببه العمرة السابقة للحج في أشهره، فبالشروع في إحرام العمرة قد وجد السبب، فيجوز الصيام بعده، وإن كان وجوبه متأخراً عن ذلك. (ابن رجب 1/ 27) . 7 - كفارة أليمين: يجوز تقديمها على الحنث بعد عقد اليمين، مالية كانت أو بدنية، لكن أصح الروايتين لا يجوز تقديم الكفارة البدنية كالصيام. (ابن رجب 1/ 28) . 8 - إخراج كفارة القتل أو الصيد بعد الجرح، وقبل الزهوق. (ابن رجب 1/ 28) . 9 - النذر المطلق: نحو إن شفى الله مريضي، فلله عليَّ أن أتصدق بكذا، فله أن يتصدق في الحال. (ابن رجب 1/ 29) . 10 - تطبيقات أخرى من غير العبادات ويلحق بهذه القاعدة مما يجوز تقديمه على شرط وجوبه بعد وجود سببه من غير العبادات: الإبراء من الدية بين الجناية والموت، فالجناية سبب وجوب الدية، وشرطها الموت، وأما من القصاص ففيه روايتان، وكتوفية المضمون عنه للضامن الدين بين الضمان والأداء، وفيه وجهان، وكعفو الشفيع عند الشفعة قبل البيع. وفيه روايتان، فإن سبب الشفعة الملك وشرطها البيع، وأما إسقاط الورثة حقهم من وصية المورث في مرضه، فالمنصوص عن أحمد أنه لا يصح. (ابن رجب 1/ 29) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 840 القاعدة: [226] إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد تداخلت أفعالهما. واكتفي فيهما بفعل واحد التوضيح قد تجتمع عبادتان من جنس واحد في وقت واحد، دون أن تكون إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا عن طريق التبعية للأخرى في الوقت، فتتداخل أفعالهما، ويكتفى فحهما بفعل واحد، وأما بالنسبة لنية فهي على ضربين: الضرب الأول: أن يحصل للشخص بالفعل الواحد العبادتان جميعاً، فيشترط أن ينويهما معاً على المشهور، ولذلك صور وتطبيقات. الضرب الثاني: أن يحصل للشخص إحدى العبادتين بيتها، وتسقط الأخرى عنه، ولذلك أمثلة وتطبيقات. تطبيقات الضرب الأول 1 - إذا اجتمع حدئان أصغر وأكبر، فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين جميعاً جها، ولو كان عادماً للماء، فتيمم تيمماً واحداً ينوي به رفع الحدثين أجزأه عنهما بغير خلاف. (ابن رجب 1/ 143) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 841 2 - القارن إذا نوى الحج والعمرة، كفاه لهما طواف واحد، وسعي واحد على المذهب الصحيح. (ابن رجب 1/ 144) . 3 - إذا اجتمع كُسلا الجمعة والجنابة، أو غسل الجنابة والحيض، يكفى غسل واحد مع النية لهما. (ابن رجب 1/ 144. حاشية) . 4 - إذا نذر الحج من عليه حج الفرض، ثم حج حجة الإسلام بنية الفريضة، أجزأته عنهما في رواية، والمشهور: لا تجزئه إلا عن نية أحدهما، ولو قدم حج النذر صح. (ابن رجب 1/ 146) . 5 - إذا نذر صوم شهر يقدم فيه فلان، فقدم في أول رمضان، فصامه، أجزأه عنهما في رواية، إذا نواهما، والمشهور: لا يجزئه عنهما (1) . (ابن رجب 1/ 148) . 6 - لو نذر الصدقة بنصاب من المال وقت حلول الحول، فتجزئه الصدقة عن النذر والزكاة إذا نواهما. 7 - لو طاف عند خروجه من مكة طوافاً واحداً ينوي به طواف الزيارة الركن وطواف الوداع أجزأه عنهما إذا نواهما. (ابن رجب 1/ 149) . 8 - لو أدرك الإمام راكعاً، فكبّر تكبيرة ينوي بها تكبيرتي الإحرام والركوع، فتجزئه عنهما في رواية إذا نواهما لدخول تكبيرة الركوع وهي سنة، في تكبيرة الإحرام وهي واجب. (ابن رجب 1/ 151) . تطبيقات الضرب الثاني وهو أن يحصل للشخص إحدى العبادتين بنيتها، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة:   . (1) وقال المحقق: الصواب أنه يجزئه صوم رمضان عن النذر؛ لأنه صدق عليه أنه صام شهراً وقت فدومه، يجزئه عند النذر؛ لأن الإمام أحمد يراعي المعاني في مسائل الأيمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 842 1 - إذا دخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم، سقطت عنه التحية. (ابن رجب 1/ 153) . 2 - لو جمع سجدتين معاً، فيكتفي بواحدة في قول، قياساً على الاكتفاء بسجدة الصلاة عن سجدة التلاوة، وهنا أولى، والمنصوص أنه يسجد سجدتين. (ابن رجب 1/ 153) . 3 - إذا قدم المعتمر مكة فإنه يبدأ بطواف العمرة، ويسقط عنه طواف القدوم، وقياسه إذا أحرم بالحج من مكة ثم قدم يوم النحر أنه يجزئه طواف الزيارة عنه (1) . وكذا لو أحرم من الميقات ثم ذهب إلى منى، ثم عرفة، ثم مزدلفة، ثم منى، ثم دخل يوم العيد في طواف الإفاضة، فيجزئه طواف الإفاضة عن طواف القدوم. (ابن رجب 1/ 153) . 4 - إذا صلى عقب الطواف مكتوبة، فتسقط عنه ركعتا الطواف في رواية. والرواية الأقيس أنها لا تسقط. (ابن رجب 1/ 154) . 5 - لو أخر طواف الزيارة إلى وقت خروجه فطافه، فيسقط عنه طواف الوداع في رواية منصوصة. (ابن رجب 1/ 155) . 6 - إذا أدرك الإمام راكعاً، فكبر للإحرام، فتسقط عنه تكبيرة الإحرام في رواية، والمنصوص: تجزئه. (ابن رجب 1/ 155) . 7 - إذا اجتمع في يوم جمعة وعيد، فأيهما قدم أولاً في الفعل سقط به الثاني، ولم يجب حضوره مع الإمام في رواية، وفي رواية يشترط حضور الإمام حتى تنعقد الأولى. (ابن رجب 1/ 156) . 8 - إذا اجتمع عقيقة وأضحية، فتجزي الأضحية عن العقيقة في رواية، وكذا إذا   . (1) قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "والمنصوص ها هنا أنه يطوف قبله للقدوم، وخالف فيه صاحب المغني وهو الأصح"، تقرير القواعد 1/ 153، وانظر: المغني 3/ 228 رقم 2558. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 843 اجتمع هدي وأضحية، واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي. (ابن رجب 1/ 156) . 9 - اجتماع الأسباب التي تجب بها الكفارات وتتداخل في الأيمان والحج والصيام والظهار وغيرها، فإذا أخرج كفارة واحدة عن واحد منها معين، أجزأه، وسقطت سائر الكفارات وإن كان مبهماً، فإن كانت من جنس واحد أجزأه وجهاً واحداً. وفي قول: فيه وجهان، كان كانت من جنسين فوجهان في اعتبار النية. (ابن رجب 1/ 156) . 10 - إذا اجتمعت الأحداث الموجبة للطهارة من جنس أو من جنسين موجبهما واحد، فيتداخل موجبهما بالنية بغير إشكال، وإن نوى أحدهما فالمشهور أنه يرتفع الجميع. (ابن رجب 1/ 157) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 844 القاعدة: [227] إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب التوضيح شرع الله للواجبات أسباباً، فإذا وقع السبب وجب الحكم في الذمة، ولا يتوقف استقراره في الذمة على إمكان أداء الواجب على ظاهر المذهب، لأنه إذا وجب السبب وجب المسبب. التطبيقات 1 - الطهارة: إذا وصل عادم الماء إلى الماء، وقد ضاق الوقت، فعليه أن يتطهر ويصلي وإن خرج الوقت، وفي قول: يصلي بالتيمم. (ابن رجب 1/ 159) . 2 - الصلاة: إذا طرأ على المكلف ما يسقط تكليفه بعد الوقت، وقبل التمكن من الفعل، فقد استقرت الصلاة في ذمته، وعليه القضاء في المشهور. (ابن رجب 1/ 160) . 3 - الزكاة: إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء، فعليه أداء زكاته على المشهور، إلا المعشرات من الحبوب والثمار إذا تلفت بآفة سماوية، لكونها لم تدخل تحت يده، فهي كالدين الثاوي قبل قبضه، وفي وجه: تسقط مطلقاً (1) . (ابن رجب 1/160   . (1) قال المحقق: " والصحيح سقوط الزكاة مطلقاً شرط ألا يحصل تفريط من المالك بالمماطلة والتأخير". (تقرير القواعد. 1/160) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 845 4 - الصيام: إذا بلغ الصبي مفطراً في أثناء يوم من رمضان، أو أسلم فيه كافر، أو طهرت فيه حائض، لزمهم القضاء في أصح الروايتين (1) . (ابن رجب 1/ 161) . 5 - الحج: لا يشترط لثبوت وجوبه في الذمة التمكن من الأداء كالمريض، والمرأة بدون محرم، على أظهر الروايتين، وإنما يشترط لِلزُومِ أدأئه بنفسه. (ابن رجب 1/ 161) . المستثنى 1 - قضاء العبادات: اعتبر الأصحاب له إمكان الأداء، فمن أخر قضاء رمضان لعذر ثم مات قبل زواله، فإنه لا يُطعم عنه، وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء، أطعم عنه. (ابن رجب 1/ 162) . 2 - قضاء المنذورات: يشترط التمكن من الأداء في وجه، وفي وجه لا يشترط التمكن من الأداء، فلو نذر صياماً أو حجاً، ثم مات قبل التمكن منه، فيقضى عنه في وجه، ولا يقضى عنه في وجه. (ابن رجب 1/ 162) .   . (1) قال المحقق: الصحيح أن الصبي والكافر لا يلزمهما القضاء، ويلزمهما الإمساك فقط لتأخر وجود السبب، والمرأة يلزمها القضاء دون الإمساك، لأن الحيض مانع، والسافر إذا قدم فلا يلزمه الإمساك. (تقرير القواعد 1/ 161) حاشية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 846 القاعدة: [228] النماء المتولد من العين حكمه حكم الجزء، والمتولد من الكسب بخلافه على الصحيح التوضيح إذا نمت العين وزادت، فإن كان النماء من ذات العين فيُعدّ كالجزء منها، ويأخذ حكمها ويكون تابعاً لها، وأما المتولد بالكسب والسعي والعمل فلا يُعدُّ جزءاً من العين، ويأخذ حكماً مستقلاً. التطبيقات 1 - زكاة الأنعام: لو كان عنده دون النصاب من الأنعام، فكمل نصابه بنتاجه، ففيها روايتان، والصحيح أن ابتداء الحول من حين بلغت النصاب، وفي قول من تاريخ ملك الأمهات؛ لأن النتاج جزء من الأمهات، إلا أن تكون دخلت ملكه وهي حوامل فكأنها في حكم الموجود من تاريخ تملك الأمهات، فإن كانت حوائل ثم حملت بعد، فالصحيح أنه لا يعتبر، ويبدأ النصاب من تاريح الولادة. (ابن رجب 1/164) . 2 - زكاة النقد: لو كان له مئة وخسون درهماً، فاتجر بها حتى صارت مئتين، فحولُها من حين كملت بلا خلاف، لأن الكسب متولد من خارج، وهو رغبات الناس، لا من نفس العين. (ابن رجب 1/164) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 847 3 - تعجيل الزكاة: لو عجل الزكاة عن نماء النصاب قبل وجوده، ففيه ثلاثة أوجه، لا يجزئه، ويجزئه، والثالث يفرق بين كون النماء نصاباً فلا يجزئ، لاستقلاله بنفسه في الوجوب، وبين أن يكون دون نصاب فيجزئ لتبعيته للنصاب في الوجوب. (ابن رجب 1/ 165) . 4 - لو اشترى شيئاً، فاستغله ونما عنده، ثم رده بعيب، فإن كان نماؤه كسباً لم يرده معه بغير خلاف لقاعدة "الخراج بالضمان" وإن كان متولداً من عينه كالولد واللبن والصوف الحادث وثمر الشجر ففيه روايتان، والصحيح أنه للمشتري. (ابن رجب 1/ 166) . 5 - المقارضة: لو قارض المريض في مرض الموت، وسمى للعامل أكثر من تسمية مثله صح، ولم يحتسب من الثلث، ولو ساقى، وسمى للعامل أكثر من تسمية المثل فوجهان، أشهرهما أن تعتبر الزيادة على تسمية المثل من الثلث، لحدوث الثمر من عين ملكه. (ابن رجب 1/ 166) . 6 - لو فسخ المالك المضاربة قبل ظهور الربح، لم يستحق المضارب شيئاً، ولو فسخ المساقاة قبل ظهور الثمرة، استحق العامل أجرة المثل؛ لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه، وإنما يتولد من العمل، ولم يحصل بعمله ربح، والثمر متولد من عينالشجرة، وقد عمل على الشجر عملاً مؤثراً في الثمر، فكان لعمله تأثير في حصول الثمر، وظهوره بعد الفسخ. (ابن رجب 1/ 166) . 7 - المشاركة بين اثنين بمال أحدهما، وعمل الآخر، إن كانت المشاركة فيما ينمو من العمل كالربح جاز كالمضاربة، وكمن دفع دابته إلى من يعمل عليها بشيء من كسبه، فإنه يجوز على الأصح، وإن كانت المشاركة فيما يحدث من عين المال، كدر الحيوان ونسله ففيه روايتان، والأكثر على المنع، لأن العامل لا يثبت حقه في أصل العين، والمتولد من العين حكمه حكمها، واستثنى أبو الخطاب ثمر الشجر. وأما الإجارة المحضة فتجوز فيما يتتفع باستغلاله وإجارته من العقار وغيره، ولا يجوز فيما ينتفع بأعيانه إلا فيما استثني من ذلك للحاجة، كالظئر ونحوها، وقال الشيخ تقي الدين: إن الأعيان التي تستخلف شيئاً فشيئاً فحكمها حكم المنافع فيجوز استيفاؤها بعقد الإجارة، كما تستوفى بالوقف والوصية. (ابن رجب 1/ 168) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 848 القاعدة: [229] من أتلف شيئًا لدفع أذاه له لم يضمنه. وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه التوضيح إن ضمان المتلفات مقرر في الشرع، وكذلك دفع الأذى عن النفس والمال والعرض، فمن أتلف مالاً لدفع الأذى عنه لم يضمن، وإن أتلفه لحاجة أو مصلحة تعود عليه ضمن. التطبيقات 1 - لو صال عليه حيوانُ آدمي، أو بهيم، فدفعه عن نفسه بالقتل لم يضمنه، ولو قتل حيواناً لغيره في مخمصة ليحيى به نفسه ضمنه. (ابن رجب 1/ 106) . 2 - لو صال عليه صيد في إحرامه فقتله دفعاً عن نفسه لم يضمنه على الأصح، وإن أضطر لقتله في المخمصة ليحيى به نفسه ضمنه. (ابن رجب 1/ 107) . 3 - لو حلق المحرم رأسه لتأذيه بالقمل والوسخ، فداه؛ لأن الأذى من غير الشعر، ولو خرجت في عينه شعرة فقلعها أو نزل الشعر على عينيه فأزاله، لم يَفْدِه. (ابن رجب 1/ 107) . 4 - لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها ضمنه، ولو سقط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 849 عليه متاع غيره فخشي أن جهلكه، فدفعه فوقع في الماء لم يضمنه. (ابن رجب 1/ 107) . 5 - لو وقعت بيضة نعامة من شجرة في الحرم على عين إنسان، فدفعها فانكسرت، فلا ضمان عليه، بخلاف ما لو احتاج إلى أكلها لخمصة. (ابن رجب 1/ 108) . 6 - لو قلع شوك الحرم لأذاه لم يضمنه، ولو احتاج إلى إيقاد غصن شجرة ضمنه. والصواب جواز قطع الشوك في الحرم للنص عليه. (ابن رجب 1/ 108) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 850 القاعدة: [230] من أتلف نفساً، أو أفسد عبادة، لنفع يعود إلى نفسه، فلا ضمان عليه، وإن كان النفع يعود إلى غيره فعليه الضمان التوضيح إن حماية النفس والدفاع عنها، وحفظها من مقاصد الشريعة، فإذا تعرضت النفس لأذى، أو شغلت بعبادة ترتب عليها مشقة، فيرخص للشخص الفعل أو الترك ولا ضمان عليه، وإن كان النفع من الفعل يعود إلى غيره، فعليه الضمان. وهذه القاعدة قريبة من القاعدة السابقة. التطبيقات 1 - الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على أنفسهما فلا فدية عليهما، وإن أفطرتا خوفاً على ولديهما، فعليهما الفدية في المشهور. (ابن رجب 1/ 209) . 2 - لو نجَّى غريقاً في رمضان، فدخل الماء في حلقه، وقلنا: يفطر به، فعليه الفدية، وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر فلا فدية. (ابن رجب 1/210) . 3 - لو دفع صائلاً عليه بالقتل لم يضمنه، ولو دفعه عن غيره بالقتل ضمنه في قول. (ابن رجب 1/ 210) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 851 4 - لو أكره على الحلف بيمين لحقّ نفسه، فحلف دفعاً للظلم عنه لم ينعقد يمينه. ولو أكره على الحلف لدفع ظلم عن غيره فحلف، انعقدت يمينه في قول، والأظهر لا تنعقد. (ابن رجب 1/ 210) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 852 القاعدة: [231] كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده. والعكس بالعكس التوضيح إن العقد الصحيح إذا كان موجباً للضمان كالبيع والإجارة والنكاح، فالعقد الفاسد كذلك، وعقود الأمانات كالمضاربة والشركة والوكالة والوديعة وعقود التبرعات كالهبة، وكذلك الصدقة، فإنه لا يجب الضمان فيها مع الصحة، فكذلك مع الفساد. ولكن وقع خلاف في المذهب الحنبلي في حالة الضمان في العقد الفاسد، هل يضمن بما سمي فيه، أو بقيمة المثل؟. التطبيقات 1 - البيع الصحيح يجب فيه ضمان العين بالثمن، وكذلك المقبوض بالبيع الفاسد يجب فيه ضمان الثمن على المذهب. (ابن رجب 1/ 335) . 2 - الإجارة الصحيحة تجب فيها الأجرة بتسليم العين المعقود عليها سواء انتفع بها المستأجر أو لم ينتفع، وفي الإجارة الفاسدة روايتان، الأولى تجب الأجرة. والثانية لا تجب إلا بالانتفاع وهي الأشبه، وكذلك الأمر في ضمان منفعة المبيع. (ابن رجب 1/ 335) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 853 3 - النكاح الصحيح، يستقر فيه المهر بالخلوة بدون وطء، وفي النكاح الفاسد روايتان. (ابن رجب 1/ 336) . 4 - المبيع المقبوض بدون تسمية ثمن لا يضمن؛ لأنه على ملك البائع، والعمل في المذهب على خلافه. (ابن رجب 1/ 336) . 5 - المبيع في العقد الفاسد: المذهب ضمانه بالقيمة لا بالثمن المسمى فيه، وفي قول: يضمن بالمسمى واختاره الشيخ تقي الدين وقال: إنه قياس المذهب. (ابن رجب 1/ 337) . 6 - الإجارة الفاسدة؛ ضمانها بأجرة المثل في المذهب، وفي قول بالأجرة المسماة. (ابن رجب 1/ 339) . 7 - النكاح الفاسد: يستقر بالدخول فيه وجوب المهر المسمى في الرواية المشهورة عن أحمد، وهي المذهب، لأن النكاح مع فساده منعقد، ويترتب عليه أكثر أحكام النكاح الصحيح، من وقوع الطلاق ولزوم عدة الوفاة، والاعتداد بعد المفارقة، ووجود المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة، ولذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح؛ ولأن ضمان المهر في النكاح الفاسد ضمان عقد، كضمانه في الصحيح، بخلاف البيع، فضمان البيع الفاسد ضمان تلف، وفي البيع الصحيح ضمان عقد. وفي رواية؛ الواجب مهر المثل. (ابن رجب 1/ 340) . 8 - عقود المشاركات إذا فسدت، كالشركة والمضاربة، فيها خلاف في ضمان المسمى فيها، أو أجر المثل، وهذه العقود لا ضمان فيها على القابض وإنما يجب له فيها العوض بعمله، إما المسمى، أو أجرة المثل، على خلاف فيه. (ابن رجب 1/346) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 854 القاعدة: [232] كل من ملك شيئاً بعوض، مُلك عليه عوضه، في آن واحد التوضيح تتم المعاوضات بين الأطراف ليقوم كل طرف بتقويم العوض عما يحصل عليه، فإنْ مُلِك العوضُ بعقد ما فيترتب فوراً انتقال العوض المقابل للطرف الآخر في آن واحد، حتى لا يتم اجتماع البدلين، أو العوضين في طرف واحد، ويطرد ذلك في البيع والسلم والقرض والإجارة، أما التسليم فهو أثر من آثار العقد، وقد يتم بعد العقد، وقد يتأخر، وقد يكون مؤجلاً. وإذا كان أحد العوضين مؤجلاً فلا يمنع ذلك المطالبة بتسليم الآخر. وإن كانا حالين ففي البيع يجب إقباض البائع أولاً في المذهب، لأن حق المشتري تعلق بعين، فيقدم على ما تعلق بالذمة. ولا يجوز للبائع حبس المبيع عنده على الثمن على المنصوص؛ لأنه صار في يده أمانة، فوجب رده بالمطالبة كسائر الأمانات. وفي قول له الحبس حتى يقبض. وفي الإجارة لا يجب تسليم الأجرة في المذهب إلا بعد تسليم العمل العقود عليه، أو العين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 855 التطبيقات 1 - الإجارة: يملك المستأجر المنافع، ومملك المؤجر الأجرة بنفس العقد. (ابن رجب 1/347) . 2 - النكاح: يملك الزوج منفحة البُضع بالعقد، وتملك المرأة به الصداق كله في ظاهر المذهب. (ابن رجب 1/347) . وكذلك الخلع على مال. 3 - المعاوضات القهرية، كأخذ المضطر طعام الغير. فيثبت الضمان للمالك في آن واحد. (ابن رجب 1/347) . 4 - الشفعة: يأخذ الشفيع الشقص، ويثبت الثمن للمشتري في آن واحد. (ابن رجب 1/347) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 856 القاعدة: [232] الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد. ولا ينقطع بالتفرق اليسير التوضيح إذا طلب الشرع فعلاً ما، فقد يحتاج لبعض الوقت حتى يكتمل، فإن حصل انقطاع يسير في أثناء الفعل، وكان الاتصال معتاداً، فلا ينقطع بالتفرق اليسير، ويعتبر فعلاً واحداً. التطبيقات 1 - مكاثرة الماء القليل النجس بالماء الكثير، يعتبر له الاتصال المعتاد، دون صبِّ القلتين دفعة واحدة. (ابن رجب 2/ 406) . 2 - الموالاة في الوضوء لا يقطعها التفرق اليسير بحسب العرف أو جفاف الأعضاء. (ابن رجب 2/ 407) . 3 - الصلاة: يجوز البناء عليها إذا سلَّم منها ساهياً مع قرب الفصل، ولا تبطل بذلك. (ابن رجب 2/ 409) . 4 - المسافر: إذا أقام مدة يومين فهو سفر واحد، ينبني بعضه على بعض، وإن زاد لم يبن. (ابن رجب 2/ 409) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 857 5 - إذا ترك العمل في المعدن الترك المعتاد أو لعذر، ولم يقصد الاهمال، ثم عاد إلى الاستخراج ضم الثاني إلى الأول في النصاب للزكاة. (ابن رجب 2/ 409) . 6 - الطواف إذا تخلله صلاة مكتوبة أو جنازة يبني عليه، سواء قلنا: الموالاة فيه سنة، أو شرط على أشهر الطريقين للأصحاب. (ابن رجب 2/ 409) . 7 - لو حلف لا أكلت إلا أكلة واحدة في يومي هذا، فأكل متواصلاً، لم يحنث، وإن تفرق التفرق المعتاد على الأكلة الواحدة، ولو طال زمن الأكل، وإن قطع، ثم عاد بعد طول الفصل، حنث. (ابن رجب 2/ 410) . 8 - لو أخرج السارق من الحرز بعض النصاب، ثم دخل وأخرج باقيه، وكل منهما بانفراده لا يبلغ نصاباً، فإن لم يطل الفصل بينهما، قطع، وإن طال ففيه وجهان. (ابن رجب 2/ 410) . 9 - إذا ترك المرتضع الثدي بغير اختياره، ثم عاد إليه قبل طول الفصل، فهي رضعة واحدة، وكذا لو قطع باختياره لتنفس أو إعياء يلحقه، ثم عاد، ولم يطل الفصل، فهي رضعة واحدة، وإن انتقل من ثدي إلى آخر، ولم يطل الفصل فهي رضعة واحدة، وفي رواية تكون رضعتين في جميع ذلك. (ابن رجب 2/ 411) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 858 القاعدة: [234] ينزل المجهول منزلة المعدوم التوضيح إن الشيء إذا كان مجهولاً، أو أصبح مجهولاً، فإنه ينزل منزلة المعدوم، مع أنه كان الأصل بقاءه، وذلك متى يُئس من الوقوف عليه أو شق الوقوف عليه، لرفع الحرج والمشقة عن الناس، وهذه القاعدة قريبة من القاعدة السابقة "لا عبرة للتوهم (م/74) . التطبيقات 1 - الزائد على ما تجلسه المستحاضة من أقل الحيض، أو غالبه، إلى منتهى أكثره، حكمه حكم المعدوم، ويحكم للمرأة بأحكام الطهارات كلها؛ لأن مدة الاستحاضة تطول، ولا غاية لها تنتظر. (ابن رجب 2/ 432) . 2 - اللقطة بعد الحول، فإنها تملك لجهالة ربها وما لا يتملك منها يتصدق به عنه على الصحيح، وكذلك الودائع، والغصوب، ونحوها. (ابن رجب 2/ 432) . 3 - امرأة المفقود لغيبة ظاهرها الهلاك فيما بعد أربع سنين تباح للأزواج. وكذلك يقسم ماله بين ورثته، كالميت، ويحكم له بأحكام الموتى بعد المدة في الأظهر. (ابن رجب 2/ 433) . 4 - مال من لا يعلم له وارث، فإنه يوضع في بيت المال، كالضائع، مع أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 859 لا يخلو من بني عم أعلى عصبة له، إذ الناس كلهم لبني آدم، ولكنه مجهول، فلم يثبت له حكم، وجاز صرف ماله في المصالح. وفي رواية ينتقل إرثاً إلى بيت المال. ومثله مسألة اقتصاص الإمام من قتل من لا وارث له. (ابن رجب 2/ 433) . 5 - إذا طلق واحدة من نسائه، وأنسيها، فإنها تميز بالقرعة، ويحل له وطء البواقي على المذهب الصحيح المشهور. (ابن رجب 2/ 435) . 6 - إذا أحرم بنسكه، وأنسيه، ثم عينه بقران، فإنه يجزئه عن الحج، وفي إجزائه عن العمرة وجهان، أشهرهما لا يجزئه، لاحتمال أن يكون أحرم بحج أولاً، ثم أدخل عليه العمرة بنية القِران، فلا تصح عمرته، والثاني: تجزئه، لعدم العلم تنزيلاً للمجهول كالمعدوم، فكأنه ابتدأ بهما من حين التعيين. (ابن رجب 2/ 435) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 860 القاعدة: [235] المنع أسهل من الرفع التوضيح إن العمل الذي يمنع الحكم أسهل من رفع الحكم بعد وقوعه، وهذه القاعدة تشبه القاعدة السابقة عند الشافعية "الدفع أقوى من الرفع". وهو قريب من القاعدة الصحية "الوقاية خير من العلاج " وقاعدة "درهم وقاية خير من قنطار علاج " وهذا مشاهد في الحياة في جوانب عدة. وكان الشروع في الفعل يعَويه ويجعل نقضه صعباً. التطبيقات 1 - منع تخمر الخل ابتداءً، بأن يوضع فيها خل يمنع تخمرها، مشروع، وتخليلها بعد تخمرها ممنوع. (ابن رجب 3/ 23) . 2 - ذبح الحيوان المأكول يمنع نجاسة لحمه وجلده، وهو مشروع، ودبغ جلده بعد نجاسته بالموت لا يفيد طهارته على ظاهر المذهب. (ابن رجب 23/3) . 3 - السفر قبل الشروع في الصيام يبيح الفطر، ولو سافر في أثناء يوم من رمضان، ففي استباحة الفطر روايتان، والإتمام أفضل بكل حال. (ابن رجب 3/ 23) . 4 - إن الرجل يملك منع زوجته من حج النذر والنفل، فإن شرعت فيه بدون إذنه، ففي جواز تحليلها روايتان. (ابن رجب 3/ 24) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 861 5 - إن وجود الماء بعد التيمم، وقبل الشروع في الصلاة يمنع الدخول فيها بالتيمم، ولو دخل فيها بالتيمم ثم وجد الماء، ففي بطلانها روايتان، وكذلك الخلاف في القدرة على نكاح الحرة بعد نكاح الأمة، ففي بطلانها روايتان، ويمنع ابتداء قولاً واحداً، وكذا القدرة على كفارة الظهار بالعتق بعد الشروع في الصيام لا يوجب الانتقال على الصحيح، وفي رواية يوجبه، وقبله يجب. (ابن رجب 3/ 24) . 6 - إن المرأة تملك منع نفسها حتى تقبض صداقها، فإن سلمت نفسها ابتداءً قبل قبض الصداق ففي ذلك وجهان، وكذلك في البيع: إن البائع يملك الامتناع عن تسليم المبيع حتى يقبض ثمنه، فإذا سلَّمه، لم يملك استرجاعه، ومنع المشتري من التصرف فيه والحجر عليه مستند إلى هذه القاعدة. (ابن رجب 3/ 24) . 7 - اختلاف الدّين المانع من النكاح يمنعه ابتداء، ولا يفسخه في الدوام على الأشهَر، بل يقف الأمر على انقضاء العدة فيه. (ابن رجب 3/ 25) . 8 - الإسلام يمنع ابتداء الرق، ولا يرفعه بعد حصوله. (ابن رجب 3/ 25) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 862 الباب السابع القواعد المختلف فيها في فروع المذهب المالكي وردت معظم القواعد في المذهب المالكي مختلفاً فيها، ولذلك جاءت بصيغة الاستفهام، للإشارة إلى الاختلاف فيها، وهي قواعد كثيرة، وبعضها ضوابط في باب فقهي، ولذلك نختار أهم القواعد المختلف فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 863 القاعدة: [236] الغالب هل هو كالمحقق أم لا؟ الألفاظ الأخرى - الظن الغالب ينزل منزلة التحقيق. - الظن في الأحكام الشرعية كالقطع، وفي أسبابها لا. التوضيح المراد بذلك وجود الظن الغالب، وهو إدراك الطرف الراجح مع طرح مقابله وهو الوهم. والظن: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض. والظن الغالب أقوى من مجرد الظن. فالظن الغالب: إدراك الطرف الراجح مع طرح مقابله، وهو الوهم. وغالب الظن عند الفقهاء ملحق باليقين، وتبنى عليه الأحكام العملية، ويجب العمل به باتفاق إذا لم يوجد دليل قاطع من النصوص، ولا معارض له أرجح منه، كالظن الحاصل عند سماع البينات والمقومين والمفتين والرواة والأحاديث والأقيسة الشرعية، ومن لم يعمل بغلبة الظن عطَّل أكثر الأحكام، ولذلك ينزل الغالب منزلة المحقق في الرأي المشهور عند المالكية، ولا ينزل في رأي آخر، مع التنبيه لقاعدة العبرة للغالب الشائع لا للنادر، وما يرد فيها من تطبيقات واستثناءات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 865 التطبيقات 1 - سؤر ما عادته استعمال النجاسة إذا لم تر النجاسة في فيه ولم يعسر الاحتراز منه، كالطير والسباع والدجاج المخلاة، وكذلك سؤر الكافر وما أدخل يده فيه. وسؤر شارب الخمر، هل كل ذلك نجس لأن الغالب نجاسته، والغالب كالمحقق؛ أو لا يكون نجساً تغليباً للأصل، إذ الأصل أن كل حي طاهر. اختار ابن رشد الطهارة، والمشهور إراقة الماء دون الطعام، لجواز طرح الماء بالشك لسهولته على النفس، بخلاف الطعام فلا يطرح بالشك لحرمته. (الغرياني ص 14، المقري 1/ 241) . 2 - لباس الكافر وغير المصلي، المشهور أنه لا يصلى فيه، ويحمل على النجاسة، تقديماً للغالب وجعله كالمحقق. (الغرياني ص 14) . 3 - إذا اضطرب الكلب الجارح أو الصقر الجارح على صيد، وتحفز له، فأرسله الصائد دون أن يرى الصيد، فادركه منفوذ المقاتل، وظن أنه المقصود، فإنه يوكل بناء على أن الغالب كالمحقق، إذ الغالب أن الجارح إنما وقع على ما اضطرب عليه، لا على غيره. والقول الآخر أنه لا يؤكل إلا إذا تحقق الصاند أن الجارح وقع على ما اضطرب عليه. (الغرياني ص 14) . 4 - من علق طلاق امرأته على الحيض أو الحمل، فيقع الطلاق عليه ناجزاً في الحال، ولا يؤجل إلى وفوع الحمل أو الحيض، لأنه يغلب على الظن الوقوع إن كانت المرأة ممن تحيض وممن يتوقع منها الحمل وهو يطؤها تنزيلاً للغالب منزلة المحقق، وهو الراجح. وقال أشهب: لا ينجز عليه الطلاق إلى أن تحيض، وهو مبني على أن الغالب ليس كالمحقق. (الغرياني ص 15) . المستثنى 1 - لا يلتفت إلى غلبة الظن إذا أمكن اليقين، كالمكي الذي يقدر على استقبال عين الكعبة، فلا يصح منه الاجتهاد بغلبة الظن. (الغرياني ص 15) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 866 2 - لا تقبل غلبة الظن بالاجتهاد مع وجود الدليل القاطع. (الغرياني ص 15) . لأنه لا اجتهاد في مورد النص 3 - المشهور أنه لا يعمل الظان على ظنه في استباحة الصيد إذا اشترك جارح المعلم مع غيره، وظن أن المعلم هو القاتل، ويعمل بظنه في الصلاة إذا ظن الفراغ منها، لأن الظن في الصلاة تعلق بعين الحكم الشرعي فهو كالقطع، وفي الصيد تعلق بسببه فلا يعمل به. (الغرياني ص 16) . 4 - إذا أكل حيوان يستعمل النجاسة من طعام، أو أكل منه غير مسلم، فالمشهور أنه لا يعمل بقاعدة الغالب كالمحقق، فلا يطرح لحرمته بخلاف الماء. (الغرياني ص 16) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 867 القاعدة: [237] المعدوم شرعًا هل هو كالمعدوم حسًّا أم لا؟ الألفاظ الأخرى - النهي هل يصير المنهي عنه مضمحلاً كالعدم أم لا؟ - النهي هل يدل على فساد المنهي عنه أم لا؟ - المشهور من مذهب مالك أن المعدوم شرعاً كالمعدوم حقيقة. التوضيح الأمر إما أن يكون له وجود حسي وشرعي فهو سليم لا غبار عليه كالصلاة بشروطها وأركانها، والبيع بشروطه وأركانه، وإما أن يكون له وجود حسي في الخارج، ولكنه ليس له وجود شرعي لفقد الأركان والشروط، فلا يعتد به الشرع. ويعتبر غير موجود، وكانه معدوم حسًّا ولو كان ماثلاً للعيان، فهو كالعدم، وقد تختلف الأقوال فيه. التطبيقات 1 - من حلف ليطأن زوجته، فوطئها وهي حائض أو صائمة، هل يبر بوطئه أو لا؟ قولان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 868 وذلك أن الوطء في الحيض والصوم حرام، فهو معدوم شرعاً، فإن نزل منزلة المعدوم حسًّا لم يبرَّ، وإلا برَّ. (الغرياني ص 18) . 2 - وطء الزوجة وهي حائض لا يحلل المبتوتة، ولا يكون به الزوج محصناً، بل يجلد حدَّ البكر، ولا تحصل به الرجعة للمطلقة إن نوى به الزوج الترجيع في العدة، ولا تحصل به الفيئة من الزوج المولي، وكذلك لا تحصل الفيئة بنكاح المولي في الصوم، أو الإحرام على المشهور، لأن الوطء محرم شرعاً، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسًّا، فكأنه لم يكن. (الغرياني ص 18، القري 1/ 334) . 3 - الحاضر الصحيح إذا فقد الماء لا يتيمم للجمعة ولا للجنازة في المشهور عند المالكية، لكون الحاضر ممنوعاً من التيمم بالشرع، فصار كفاقد الطهورين الذي لم يجد ماء ولا تراباً، وفاقد الطهورين فيه خلاف، بأن تسقط عنه الصلاة، أو يصلي ولا يقضي، أو يصلي ويقضي، أو يقضي ولا يصلي، وبناء على القاعدة فإنه لا يصلي حتى يتطهر بالماء. (الغرياني ص 19) . 4 - من حلف: ليتزوجن، فتزوج زواجاً فاسداً، أو ليبيعن، فباع بيعاً فاسداً، أو ليأكلن الطعام، ففسد ثم أكله، أو حلف على معصية كشرب الخمر، وتجرأ وشرب. فلا يبر في ذلك كلِّه، لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حسًّا. (الغرياني ص 19) . 5 - من جار في القسم بين زوجاته، فأقام عند واحدة أكر من غيرها، وأراد أن يرجع إلى العدل، فلا يُحاسب من غاب عنها الأيام التي جار فيها عند الأخرى، لأن أيام الجور غير معتدٍّ بها شرعاً، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسًّا. (الغرياني ص 19، المقري 1/ 334) . 6 - المبيع بيعاً فاسداً لا ينقل ضمانه إلى المشتري إلا إذا قبضه المشتري على وجه يمكنه فيه الانتفاع به، فلو لم يقبضه أصلاً، أو قبضه على وجه الوديعة والأمانة وضاع، فلا ضمان عليه؛ لأن العقد الفاسد يعد معدوماً شرعاً فيكون كالمعدوم حقيقة، فلا يكون سبباً للضمان إلا إذا صحبه قبض ضمان. (الغرياني ص 20) . 7 - لو صاد محرم صيداً فهو ميتة لا يجوز أكله، لا للمحرم ولا لغيره، لأن الصيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 869 وقت الإحرام منهي عنه، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً. (الغرياني ص 20، المقري 1/ 334) . المستثنى من حلف لا يفعل كذا، فأكره عليه، فإنه إذا فعله بعد ذلك مختاراً حنث لعدم حنثه أولاً، فالمعدوم شرعاً ليس كالمعدوم حسًّا هنا؛ لأن صورة الفعل حصلت أولاً مع الإكراه، فانحل اليمين ولو أنه فعل غير معتد به. (الغرياني ص 20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 870 القاعدة: [238] الموجود شرعًا هل هو كالموجود حقيقة، أم لا؟ الألفاظ الأخرى - الموجود شرعاً كالموجود حقيقة. - الموجود حكماً هل هو كالموجود حقيقة، أم لا؟ التوضيح إن الاعتداد في الأمور إنما هو بالشرع لا بالحس، هما كان مشروعاً فهو موجود حقيقة، وإن لم يكن موجوداً حسًّا، وهي عكس القاعدة السابقة، فمن كان ضالاً فهو أعمى وإن كان يبصر، ومن اهتدى فهو بصير وإن كان لا ينظر، وهذا من تنزيل الموجود شرعاً كالموجود حقيقة، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حقيقة، مع الاختلاف في ذلك. التطبيقات 1 - إذا صلى الإمام الراتب وحده في المسجد كان له حكم الجماعة، فلا يعيد بعد ذلك في جماعة أخرى، ولا تعاد الجماعة بعده في مسجده، لأن صلاته وحده بمنزلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 871 الجماعة في تقدير الشرع، والموجود شرعاً كالموجود حقيقة، وإذا صلى الإمام وحده خارج المسجد ثم وجد جماعة أعاد، وتعاد الجماعة بعده في المسجد، لأن صلاته وحده ليست جماعة حسًّا. (الغرياني ص 22، المقري 2/ 455) . 2 - ما ترتب في الذمة من النقد لا يعرف بعينه، وكان حال الدفع كنقد مسكوك عند الغاصب، أو سبائك ذهب، يجوز للمغصوب منه أن يصارفه مع الغاصب وإن لم يكن الذهب حاضراً في مجلس العقد، لأنه موجود حكماً بوجوده حاضراً في الذمة. وقيل: لا يجوز لعدم وجوده حسًّا. (الغرياني ص 22) . 3 - صرف ما في الذمة من الدين هل يصح؛ لأنه موجود حكماً، أو لا لعدم حضور النقدين، أو أحدهما حسًّا في المجلس، كأن يكون لشخص في ذمة آخر ذهب أو فضة أو نقود من دين، فتصرفها منه بنقد آخر ناجز، فإن كان الدين الذي في الذمة حالاً كما في مسألة الغصب، فالمشهور الجواز، وقيل: لا يجوز لعدم التقابض الحسي، ووجه الجواز براءة الذمة وحلول ما فيها من الدين، وكأنه على الحقيقة حاضر، فقد حصل التناجز صورة ومعنى، فإن كان ما في الذمة من الدَّين غير حالٍّ. فالمشهور أنه لا يجوز صرفه؛ لأن ذمة المدين تبقى عامرة به إلى الأجل، وبصرفه إياه قبل الأجل يكون كالمسلف له نظير ما في ذمته، لأن من عجل ما أجَّل عدَّ مسلِّفاً. فإذا حل الأجل يقدر كأنه قبض من نفسه ما كان عجله، فيكون من الصرف المؤخر، ومن باب أولى في المنع إذا كان الدينان معاً مؤجلين، لأنه من الصرف المؤخر. (الغرياني ص 22) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 872 القاعدة: [239] انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا؟ الألفاظ الأخرى - استحالة الفاسد إلى فساد لا تنقل حكمه، وإلى صلاح تنقل، مع خلاف. - استحالة الفاسد إلى صلاح تنقل حكمه إلى طهارة. التوضيح إذا تحولت النجاسة إلى مادة جديدة عن طريق المعالجة الصناعية، أو تحولت بنفسها، بحيث زال عنها عنصر الاستقذار، بأن فقدت كل خصائصها الأولى ذات الخبث، واكتسبت خصائص جديدة لها صفة الطهورية، فهل هذا التحول يؤثر في حكمها، وتصير المادة المتحولة طاهرة، ولا يلتفت إلى ما كانت عليه قبل الاستحالة. أو لا تكتسب الطهارة بتحولها، ويبقى وصف النجاسة ملازماً لها، ولو ظاهر حالها الطهارة، نظراً لأصلها؛ فيه خلاف في المذهب المالكي، والراجح الأول، لأن الله تعالى إنما حرم الخبائث، وما تحول إلى طاهر لم يعدَّ من الخبائث، قال تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) ، ولأن المادة تحولت إلى غيرها، واستحالت إلى طاهر، وصارت من الطيبات. قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) . فاستحالت المادة إلى صلاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 873 التطبيقات 1 - لبن الحيوان الآكل للنجاسة (الجلالة) ولحمه وبوله وعرقه وبيضه يكون طاهراً، بناء على أن انقلاب أعراض النجاسة يؤثر في الأحكام. (الغرياني ص 24) . 2 - لبن المرأة الشاربة للخمر طاهر. (الغرياني ص 24) . 3 - الزروع والبقول والثمار التي تسقى بالنجاسة. (الغرياني ص 24) . 4 - عسل النحل الآكلة للعسل المتنجس. (الغرياني ص 24) . 5 - ما يتساقط من سقف الحمَّام من بخار، ولا يخلو أصله من أشياء نجسة، وذلك لما يوقد في تسخين مائه من الروث ودخانه، وكذلك قطرة الحَمام (الطير) وخرؤه إذا كان يأكل النجاسة. (الغرياني ص 24) . 6 - الخمر إذا تحولت إلى خلٍّ، أو تحجر فصار جامداً، وفقد صفة الإسكار. (الغرياني ص 24) . 7 - رماد الميتة والمزبلة بعد حرقها. (الغرياني ص 25) . هذه الأشياء كلُّها تعدُّ طاهرة بناء على أن انقلاب أعراض النجاسة يؤثر في الأحكام، وهو الراجح، لأنه استحال إلى صلاح وصار طيباً. وفي قول فهي باقية على أصل النجاسة بناء على عدم التأثير. أما إذا استحالت إلى فساد كالروث والبول، فهو نجس، لأنه باقٍ على الخبث. المستثنى المسك الذي تحول من دم فاسد نجس فهو طاهر بالإجماع، أي بدون خلافا. (الغرياني ص 25) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 874 القاعدة: [240] المخالط المغلوب هل تنقل عينه إلى عين الذي خالطه، أو لا تنقل، وإنما خفي عن الحسِّ فقط؟ الألفاظ الأخرى - استهلاك العين يسقط اعتبار الأجزاء. - المخلوط المغلوب تنقلب عينه إلى عين الذي خالطه. التوضيح إذا اختلط المائع أو الطعام بشيء آخر أكثر منه حتى غلب عليه، فهل يعدُّ المغلوب كالعدم لا حكم له، وتنقلب عينه، ويعطى الحكم للغالب، أو يبقى للمغلوب حكمه، ويعد موجوداً، وإنما خفي عن الحس فقط. اختلف العلماء في ذلك، والمشهور عند المالكية الثاني بأن يبقى للمغلوب حكمه. التطبيقات 1 - إذا خالطت النجاسة الماء ولم تغيره يبقى طاهراً؛ لأن الماء لا ينجسه شيء إلا إذا تغيرت أوصافه، لأنه باق على طهارته حيث لم يتغير، وهو المشهور، وإنما يكره استعماله استقذاراً. (الغرياني ص 27) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 875 2 - لبن الأم إذا اختلط بمائع آخر حتى غلب عليه، لا تنقلب عينه، ويبقى للبن الأم حكمه وإن خفي، فتنتشر به الحرمة. وهو قول أشهب من المالكية. وقال ابن القاسم: تنقل عينه إلى عين الذي خالطه، ويعد كالعدم، ولا تنتشر به الحرمة، ولا يصير من شرب منه أخاً من الرضاع. (الغرياني ص 27) . 3 - من حلف: لا يأكل سمناً، فأكله بعد أن استهلك بلته في سويق، حنث، لأنه يمكن استخلاصه بالماء. (الغرياني ص 27) . المستثنى 1 - إذا خالط قليل النجاصة لطعام كثير مائع انقلبت عينه إلى الذي خالطه. ويصير الطعام نجساً عند المالكية. (الغرياني ص 27) . 2 - من حلف: لا يأكل الخل، فأكل مرقاً طبخ بخلٍّ، فلا يحنث، إلا إذا أراد ألا يأكل طعاماً دخله الخلُّ. وفرق ابن القاسم بين السمن والخل، لأن السمن الملتوت بالسويق هو على حالته، وإنما ألزق بالسويق إلزاقاً، ويقدر على استخراجه بالماء الحار، لأنه يصعد فوقه فيجمع، ولا يقدر على استخراج الخل أبداً. (الغرياني ص 27) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 876 القاعدة: [241] العلة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها، أم لا؟ التوضيح إذا كاتَ العلة منصوصاً عليها من الشارع، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما نهيتكم من أجل الدافَّة التي دفَّت ". أو كانت مجمعاً عليها، كئحريم الخمر للإسكار، ولم تكن في أمر تعبدي صرف، فإن الحكم يزول بزوال العلة ويبقى ببقائها، كان كانت في أمري تعبدي صرف فقد تزول العلة ويبقى الحكم، كما في الرَّمَل في الطواف، زال سببه وهو إظهار قوة المسلمين للمشركين عند فتح مكة، فبقي حكم الرمل بالإجماع. فإن لم تكن العلة منصوصاً ولا مجمعاً عليها، فزوال الحكم بزوالها محل اجتهاد، وفيه قولان حسب هذه القاعدة الخلافية. التطبيقات 1 - الماء المتنجس إذا زال تغيره من عند نفسه دون إضافة ماء مطلق إليه، هل يصير طاهراً؛ مقتضى قول مالك: يصير طاهراً؛ لأن العلة في نجاسته تغيره بالنجاسة، وقد زالت، وفي قول: لا يصير طاهراً، لأن الأصل في إزالة النجاسة إنما يكون بالماء. وإزالة تغيره لم تكن بسبب إضافة الماء، فهو باقٍ على نجاسته. (الغرياني ص 29) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 877 2 - المريض مرضاً مخوفاً لا يصح نكاحه، ويفسخ إن وقع، والعلة في فسخه المرض. فإن صح المريض قبل أن يفسخ النكاح، فهل يصح النكاح، لأن علة فسخه هي المرض، وقد زالت فيزول الحكم بزوالها، أو يبقى العقد على فساده ولو زالت علته؛ خلاف مبني على هذه القاعدة، وبنى ابن الحاجب القولين على قاعدة أخرى، وهي أن الفساد هل هو لحق الورثة، فيصحح النكاح لشفاء الناكح، أو للعقد نفسه ووقوعه فاسداً، فلا ينقلب صحيحاً بعد ذلك، ولو صح الناكح.. (الغرياني ص 29) . 3 - - ضامن الوجه الذي يلتزم بإحضار الدين لدائنه عند الأجل، إذا تأخر في إحضاره حتى حكم عليه بالغرم، ثم أحفره قبل أن يغرم، فهل يلزمه الغرم؛ لأنه حكم مضى فيجب تنفيذه، أو لا يلزمه وعلى الدائن أن يتبع غريمه؛ لأن العلة في غرم الضامن عدم إحضار الدين، وقد زالت بإحضاره للدائن، فلا سبيل للدائن عليه. قولان، والمشهور أن الدائن مخير في اتباع أيهما شاء. (الغرياني ص 29) . 4 - المضطر إلى أكل الميتة، هل يقتصر في أكله على سدًا لرمق؛ لأن العلة في إباحتها هي الاضطرار وخوت الموت، وقد زال بسد الرمق، فلا يجوز له أكثر منه؛ لأن العلة إذا زالت زال الحكم بزوالها، أو له أن يأكل من الميتة حتى يشبع؛ قولان. والمشهور أن له الشبع؛ لأن الاضطرار صيَّرها مباحة في حقه، والمباح لا تقييد فيه. (الغرياني ص 30) . 5 - المحجور عليهم لأجل غيرهم، وهم المريض، والزوجة، والمفلس، والعبد، إذا تصرفوا في المال بما لا يجوز لهم، ولم يُطّلع على تصرفهم إلا بعد زوالط الحجر، فهل يصح تصرفهم؛ لأن العلة في رده الحجر، وقد زال، فيزول الحكم بزوالها، أو يكون تصرفهم باطلاً دواماً؛ لأنه وقع باطلاً ابتداء؛ المشهور إمضاء تصرفهم؛ لأن العلة في رده قد زالت. (الغرياني ص 30) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 878 6 - تسقط الشفعة ببيع الشريك الشقص الذي يستشفع به بعد علمه بيع شريكه؛ لأن موجب الشفعة هي الشركة في العقار، وقد زالت ببيع الشقص، فيزول الحق بزوالها. (الغرياني ص 30) . 7 - إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً، وأراد أن يرده، فلم يتم ذلك حتى زال العيب. فلا يجوز له الرد، ويمضي البيع؛ لأن العلة في الرد هو العيب قد زالت، وهذا محل اتفاق إذا كان العيب من العيوب التي لا ترجع عادة، كذهاب بياض العين في الحيوان، وموت الولد في بطن أمة اشتريت فوجدت حاملاً. (الغرياني ص 31) . واختلفوا في العبد يشتريه من لا يعلم نكاحه، وعند العلم بنكاحه ماتت الزوجة أو طلقت، هل يكون ذلك عيباً في العبد يرد به لوجود أصل النكاح أو لا يكون عيباً؛ لأن العلة في رده وجود امرأة في عصمته، وقد زالت بالموت أو بالطلاق؛. (الغرياني ص 31) . 8 - ركوب الهدي للعاجز عن المثي جائز للعذر، فإذا زال العذر بعد الركوب، وقدر الراكب على المشي، فهل يجب عليه النزول؛ لأن العلة وهي العذر بالعجز قد زالت فيزول الإذن بزوالها، أو له أن يستمر في الركوب، وهو المشهور، وإنما يندب له النزول استحباباً، لأنه ابتدأ الركوب بوجه جائز؛ خلاف مبني على القاعدة " الغرياني ص 31) . المستثنى 1 - إذا ذهبت رائحة الطيب فلا يباح بعد الإحرام بالاتفاق، ولم يجرِ فيه الخلاف المبني على القاعدة؛ لأن حكم المنع قد ثبت فيه، والأصل استصحابه. (الغرياني ص 31) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 879 2 - نكاح المحرِم فاسد يجب فسخه، ولا يصححه زوال الإحرام، لأن المنع فيه لعين الإحرام، لا لأمر بأن عدمه، فالنهي عن النكاح في الإحرام يستلزم صفة ملازمة للعقد، وهي الدخول في الرفث المنافي للإحرام. (الغرياني ص 32) . وكذلك العقد الواقع وقت نداء الجمعة يجب فسخه؛ لأن المنع فيه أيضاً لعين الوقت، لأنه يستلزم صفة ملازمة للعقد، وهي التشاغل عن الجمعة المأمور بالسعي إليها. (الغرياني ص 32) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 880 القاعدة: [242] هل يغلب حكم الظاهر على حكم الباطن؟ الألفاظ الأخرى - الواجب الاجتهاد أو الإصابة. - الحكم هل يتناول الظاهر والباطن أم لا يتناول إلا الظاهر فقط؟ وهو الصحيح. التوضيح إذا حكم القاضي أو غيره بأمر بناء على توفر الأركان والشروط التي طلبها الشارع، فالحكم ظاهره الصواب والحق، ثم تبين في الباطن اختلال تلك الشروط التي بني عليها، فالحكم في الباطن والحقيقة خطأ، فهل يغلب حكم الظاهر وتنفذ الأحكام، أو يغلب حكم الباطن وترد الأحكام. في الجواب قولان، الأول: ينظر إلى الظاهر، لأن الشارع أمرنا أن نحكم بالظاهر، وهو مبلغ علمنا، ولم نكلف بخفايا الأمور، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لم أؤمر أن أَنْقُب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم ". ولأن الحكم يستند إلى وجه مشروع، فلا وجه لنقضه. والثاني: أن الحكم يجب نقضه، لتبين خلل ما بني عليه، ولأن ما تبين حقيقة الخطأ فيه لا يجوز التمسك بظاهره، ويختلف الحكم في المسائل، والصحيح أنه يتناول حكم الظاهر فقط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 881 التطبيقات 1 - المفقود إذا شهدت بينة بموته، فبيع ماله وتزوجت امرأته، ثم قدم حيًّا، ففي المسألة تفصيل، فإن كان للشهود وجه يعذرون به حين شهدوا بموته بما يدفع عنهم تعمد الكذب، كان رأوه في المعركة مع القتلى فظنوا أنه مات، فهذا تردُّ إليه زوجته، ويأخذ ما وجده من متاعه، وما بيع يأخذه بالثمن إن وجده قائماً، وما فات رجع بثمنه على البائع، وإن لم يكن للشهود وجه يعذرون به، كان كانوا متعمدين شهادة الزور، فترد إليه زوجته أيضاً، وما بيع من متاعه يخير بين أخذه مجاناً، أو أخذ الثمن الذي بيع به، وإن فات أخذ ثمنه من البائع. (الغرياني ص 38) . 2 - عدالة الشهود، إذا حكم الحاكم بشهادة من ثبتت عدالتهم عنده، ثم تبين جرحهم، فينقض الحكم نظراً لباطن الأمور، وهو الظاهر الذي مشى عليه خليل في المختصر. (الغرياني ص 38) . 3 - الدين على الغائب، إذا باع القاضي متاع غائب في دين، وأقبض الثمن لمن أثبت الدَّين على الغائب، ثم حضر الغائب فأثبت أنه قضى الدين، فإنه يأخذ المتاع بغير ثمن على الصحيح. (الغرياني ص 39) . 4 - دفع الزكاة، إذا دفع شخص الزكاة، والكفارة، وفدية الأذى في الحج لمن ظنه مستحقاً لها، فتبين أنه غني، أو غير مسلم، وتعذر استرجاعها منه، فقال ابن القاسم: تجزيه، وقال في رواية ثانية: لا تجزيه، وهذا قياس مالك في كفارة اليمين. والخلاف في الزكاة إذا دفعها صاحبها وتعذر عليه ردها، أما إن دفعها الإمام فإنها تجزئ ولا كرم على صاحبها، لأنه محل اجتهاد، واجتهاد الإمام ماض نافذ. (الغرياني ص 40) . 5 - الخارص: إذا أخطأ الخارص في تقدير الزكاة، فقدرها خمسة أوسق مثلاً، فلا زكاة في الزائد على الخرص، لأنه حكم مضى، ويستحب زكاة الزائد ولا يجب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 882 والصحيح: تجب الزكاة لأن الواجب الإصابة، والعبرة للحقيقة والواقع. (الغرياني ص 40) . 6 - الصلاة إلى القبلة: من أخطأ فصلى إلى غير القبلة بعد أن اجتهد ففي قول تلزمه الإعادة، ولكن لا تلزمه الإعادة في الصحيح، وتستحب فقط مراعاة للخلاف. (الغرياني ص 41) . 7 - جزاء الصيد: إذا حكم عدلان بجزاء الصيد في الحرم؛ بأن حكما بان الواجب عليه التصددتى بشاة مثلاً، ثم تبين أن الواجب عليه بدنة، أو العكس، فينقض الحكم على الصحيح، وفي قول: لا ينقض؛ لأنه حكم مضى، والواجب الاجتهاد، وقد حصل. (الغرياني ص 41) . 8 - المأموم: إذا خرج المأموم لغسل دم الرعاف، فظن فراغ الإمام، فأتم صلاته مكانه، ثم تبين أن الإمام لم يفرغ من الصلاة، فالمشهور أن صلاته صحيحة، ولا تجب عليه الإعادة، لأن الواجب في حقه الاجتهاد. (الغرياني ص 41) . 9 - الأضحية: من كان له إمام لم يبرز أضحيته إلى الصلى يوم العيد، فتحرى مقدار ذبح الإمام، وذبح، ثم تبين أنه ذبح قبله، فلا تجزئه إن كان ممن يسن في حقه حضور العيد، بأن كان على ثلاثة أميالط من البلد، لأن الواجب في حقه الإصابة. (الغريأتي ص 41) . 10 - نقض القضاء، إذا قضى للمطلقة بالنفقة لظن الحمل، ثم تبين أنْ لا حمل، ففي نقض القضاء قولان، ومن أوصي له بنفقة عمره، فدفعت له نفقة سبعين سنة بالتعمير، ثم زاد عليها عمره، ففي نقض القضاء والرجوع على الورثة أو أهل الوصايا قولان؛. (الونشريسي: ص 400، 451) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 883 القاعدة: [243] النسيان الطارئ هل هو كالأصلى، أم لا؟ التوضيح إذا نسي الإنسان شيئاً ثم بعد أن ذكره نسيه مرة ثانية، فهل يكون النسيان الثاني عذراً كالنسيان الأول؛ لأنه يسمى نسياناً، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنَ الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". أو لا يكون النسيان الثاني عذراً، لأن من تذكر ولم يبادر حتى نسي ثانياً لا يخلو من تفريط. والمفرط يقع عليه اللوم لتقصيره؟ في الجواب قولان مأخوذان من مسألتين في المدونة. التطبيقات 1 - النجاسة: من رأى نجاسة في الصلاة ثم نسيها بطلت صلاته على المشهور؛ لأن النسيان الطارئ ليس كالأصلي. وقال ابن العربي: لا تبطل. (الغرياني ص 42) . 2 - الموالاة: من ذكر الموالاة ثم نسيها في الوضوء أو الغسل، لا يعذر بالنسيان الثاني، ويجب أن يستأنف الوضوء أو الغسل؛ لأن النسيان الطارئ ليس كالأصلي. (الغرياني ص 42) . 3 - الصيام المتتابع: من أفطر ناسياً في صيام يجب تتابعه فإنه يقضيه ويصله بآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 884 صومه، فإن لم يصله ولو سهواً ابتدأ من جديد، وهو الظاهر، لعدم عذره بالنسيان الثاني. (الغرياني ص 43) . 4 - مسح الرأس: من صلى خمس صلوات، كل صلاة بوضوء، ثم تذكر أنه لم يمسح رأسه من وضوء إحداها، فعليه أن يمسحه ويعيد الخمس، فإن أعاد الخمس ناسياً لمسح رأسه، فإنه يمسحه ويعيد العشاء فقط بناء على أن النسيان الطارئ ليس كالأصلي في العذر. (الغرياني ص 43) . المستثنى من رأى نجاسة قبل الدخول في الصلاة، ثم صلى ونسي أن يغسلها، فهو كمن لم يرها بالاتفاق، وذلك لضعف أمر النجاسة، لأن إزالتها عن المصلي فضيلة، وأنه لا يجب غسلها على الفور عند رؤيتها، بخلاف من نسي في الموالاة شيئاً، فيجب أن يبادر إلى غسله فور تذكره ليصح الوضوء. (الغرياني ص 43) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 885 القاعدة: [244] هل تبطل المعصية الترخص أم لا؟ الألفاظ الأخري - العصيان هل ينافي الترخيص، أم لا؟ التوضيح اختلف المالكية في الرخصة، أهي معونة فلا تتناول المعاصي، أم هي تخفيف فتتناوله، فإن كانت معونة من الله تعالى لمن وجد في حقه سبب الترخيص، فلا يجوز لمن كان عاصياً أن يترخص بها؛ لأن العاصي لا يعان، بل يجب أن يعاقب على المعصية بمنعه من الرخصة، إذ لا يستعان بنعم الله على معاصيه، وإنما يستعان بنعمه على شكره. فإن قيل: إن المنع من الرخصة، كالتيمم مثلاً، فيه تكثير بترك الصلاة. فإن العاصي متمكن من التوبة، فعليه أن يتوب ويترخص، فهي معصية يمكنه رفعها لو أراد فلا أثر لها، وقال بهذا القول ابن العربي رحمه الله تعالى وتشدد فيه. وإن كانت الرخص تخفيفاً، فإنها تتناول كل مسلم: العاصي وغيره، لأن التخفيف ورفع الحرج عام في الشريعة. وقال بهذا القرطي، ورد على ابن العربي. فقال: "قلت: الصحيح خلاف هذا، فإن إتلاف المرء نفسه في سفر المعصية أشر معصية مما هو فيه، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) . وهذا عام، ولعله يتوب في ثاني حالٍ، فتمحو التوبة عنه ما كان ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 886 والصحيح المشهور عند المالكية التفصيل، وهو ما قاله ابن خويز منداد والقاضي عبد الوهاب والقرافي، فإن كان السفر (مع المعصية) سبباً للرخصة فلا تباح الرخصة للعاصي بسفره كالفطر والقصر، وإن كانت المعاصي مقارنة لأسباب السفر فلا تمنع من الرخصة كالتيمم. التطبيقات 1 - المسافر العاصي بسفره لقطع طريق، أو إخافة سبيل، أو عقوق، فلا حق له في قصر الصلاة والفطر على الصحيح، ويجوز له التيمم ومسح الخف (الروقي: ص 311، الغرياني ص 48) . 2 - المسافر العاصي بسفره إذا اضطر إلى أكل الميتة يرخص له في الصحيح، حفظاً للنفس، حتى عدوا الأكل عزيمة، وترك الأكل معصية. (الغرياني ص 49) . 3 - المحرِم لا يجوز له لبس الخف، فإن عمى ولبسه، فلا يمسح لعصيانه؛ لأن المحرِم مخاطب في طهارته بالغَسْل، فإذا لم يات بما خوطب به فلا تحصل له حقيقة الطهارة المطلوبة لفعله غير ما أمر به. (الغرياني ص 48) . 4 - السفر المكروه، كالسفر لصيد اللهو، والسفر لأرض العدو، يمنع الترخيص، وهو الصحيح؛ لأن المكروه ملحق بالعصيان من حيث إنه مطلوب بالكف، وقيل: تباح الرخصة لصاحب المكروه. (الغرياني ص 49) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 887 القاعدة: [245] الأصغر هل يندرج في الأكبر، أم لا؟ التوضيح الأصل في الأحكام عدم التداخل، لأن كل سبب يترتب عليه مسبّبه، لا غيره، ولما في عدم التداخل من تكثير العبادة، ولما في التداخل من التشريك في النية. والتشريك مفسد للعمل، كما مرَّ في قاعدة " الأمور بمقاصدها". لكن أجمعت الأمة على التداخل في الجملة، ووقع ذلك للمالكية في عدة مواضع، كالطهارة برفع الحدث، وتحية المسحجد، وصيام الاعتكاف، واندراج العمرة في الحج للقارن، والحدود المتماثلة من نوعين كالقذف والشرب، لأن موجبها واحد وهو ثمانون جلدة. والحد الواحد إذا تكرر كمن سرق مراراً، أو قذف جماعة فيحدُّ حدًّا واحداً، ودية الأعضاء تدخل في القصاص في النفس، واتحاد الصداق في تعدد الوطء بشبهة واحدة، وتداخل العدد بوضع الحمل، إلى غير ذلك. التطبيقات 1 - غسل الرأس في الوضوء بدل مسحه، فإنه يجزئ في وضوء الغسل باتفاق، وفي غير وضوء الغسل يكفي الغسل عن المسح على المشهور مع الكراهة، لأن الغسل مسح وزيادة، وقيل: لا يجزئ، لأن حقيقة الغسل غير حقيقة المسح. (الغرياني ص 57) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 888 2 - من اغتسل الغسل الواجب أجزأه عن الوضوء؛ لأن الأصغر يندرج في الأكبر. (الغرياني ص 57) . 3 - من كان له ض من الإبل يجب أن يخرج عنها شاة في الزكاة، فإن أخرج عنها بعيراً بدل الشاة أجزأه على الصحيح؛ لأن الأصغر يندرج في الأكبر، وقيل: لا يجزئ. (الغرياني ص 58) . 4 - اندراج أفعال العمرة في أفعال الحج للقارن. (الغرياني ص 58) . 5 - من لزمه قصاص في الأطراف كيد أو رجل، ثم لزمه قصاص في النفس، فإذ الأطراف تندرج في النفس، ولا يقتص منه في الأطراف. (الغرياني ص 58) . 6 - من لزمته حدود كالخمر والسرقة، ثم لزمه ما يأتي على النفس، كالزنا مع الإحصان، فإن ما دون النفس من الحدود يندرج في النفس من اندراج الأصغر في الأكبر. (الغرياني ص 59) . 7 - من شفع الإقامة غلطاً، قيل: تجزئه، لأنه أتى بالمطلوب وزيادة، فهو من اندراج الأصغر في الأكبر، والمشهور عدم الإجزاء. (الغرياني ص 59) . 8 - من ذبح فقطع الرأس أجزأه على الصحيح ولو تعمد الذابح ذلك، وما روي عن مالك أنها لا تؤكل، فهو على وجه الاستحباب. (الغرياني ص 59) . 9 - من أخرج زكاة الفطر بالمد الأكبر، وهو مدّ هشام بن إسماعيل بن المغيرة، عامل عبد الملك بن مروان على المدينة، وقدره مدان بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: مدًّا وثلثان، وكان أهل المدينة اتفقوا على أن مدّ هشام موضوع للنفقات الموسعة كنفقات الزوجات، أجزأه، بناء على أن الأصغر يندرج في الأكبر، وقيل لمالك: أترضى بالمدِّ الأكبر؟ قال: لا، بل بمدِّه - صلى الله عليه وسلم -، فإن أراد خيراً فعلى حِدة، وذلك من مالك سدًّا لذريعة تغيير المقادير الشرعية. (الغرياني ص 59) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 889 المستثنى 1 - من فرضه التيمم، فتجشم المشقة وتوضأ أو اغتسل بالماء، تجزئه الطهارة بالاتفاق، ولا يدخله الخلاف المبني على القاعدة. (الغرياني ص 60) . 2 - من كانت له رخصة في الفطر لمرض مثلاً، فتجشم المشقة وصام، يجزئه الصوم بالاتفاق، على خلاف القاعدة " الغرياني ص 60) . 3 - من كان له عذر يبيح له الصلاة بالا*كلاء، فتجشم المشقة وسجد على جبهته، يجزئه السجود عن الإيماء بالاتفاق، خلافاً للقاعدة. وقيل: لا؛ لأن المكلف كان منهياً عما فعله من تجشم المشقة. والمنهي عنه لا يجزئ عن المأمور. (الغرياني ص 60) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 890 القاعدة: [246] ما قرب من الشيء هل له حكمه أم لا؟ التوضيح اختلف المالكية في إعطاء ما قرب من الشيء حكمه أو بقائه على أصله؛ كاختلاف الشافعية في ذلك، لأن الأصل أن كل شيء يعطى حكم نفسه لا حكم غيره، لقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . أما إعطاؤه ما قاربه فهو محل خلاف. فإن كان ما قارب الشيء مما لا يتم إلا به. كإمساك جزء من الليل لتصحيح صوم النهار فهذا يتجه؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإن كان غير ذلك فيحتمل، ويحتج له بحديث "مولى القوم منهم ". وقوله - صلى الله عليه وسلم -. (المرء مع من أحب ". وقوله - صلى الله عليه وسلم - "الخالة بمنزلة الأم". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ابن أخت القوم منهم ". ويختلف الحكم حسب الفروع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 891 التطبيقات 1 - الأصل وجوب مقارنة النية لبداية العمل في العبادة، كالوضوء والصلاة والحج، فلو قدمت على ذلك بيسير، فهل تجزئ أم لا؟ خلاف، والمختار عدم الإجزاء، وأنه لا فرق في عدم الإجزاء بين تقدمها عن محلها أو تأخرها عنه. (الغرياني ص 62) . 2 - النجاسة القريبة من محل الاستنجاء، هل يكفي فيها الاستجمار بالحجارة؛ لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه. وقيل: لا بدَّ من غسلها بالماء؛ لأن الرخصة في الاستنجاء بالحجارة قاصرة على محل الاستنجاء، دون ما قرب منه. (الغرياني ص 62، المقري 1/ 313) . 3 - صحة عقد النكاح الذي تقدم على إذن المرأة أو الولي بالزمن اليسير. والمشهور صحة العقد إن وقع الإذن بالقرب من العقد. (الغرياني ص 62، المقري 1/ 313) . 4 - يجوز تسلف أحد المصطرفين في المجلس ما يصارف به، بعد إبرام عقد الصرف، لقربه من العقد، بخلاف استلافهما معاً بعد العقد، فلا يصح لطول الأمر فيه غالباً، وهذه المسألة تعرف بمسألة الصرف على الذمة. (الغرياني ص 62، المقري 1/ 313) . 5 - يجوز تقديم الزكاة قبل الحول بيسير، بناء على أن ما قارب الشيء يعطى حكمه. (الغرياني ص 63) . 6 - تجاوز المدة بيسير في بيع الثنيا لا يفوت المبيع على البائع، فإذا قال المشتري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 892 للبائع: متى جئت بالثمن إلى شهر مثلاً فالبيع رد عليك، فجاءه بعد الشهر بالقرب، فهل يكون المبيع للبائع أم لا؟ قولان، وكذا عهدة الثلاث، وعهدة السنة (1) ، فإذا حدث العيب بعد انقضائها بالقرب، فهل يرد به المبيع أم لا؟. (الغرياني ص 63) . 7 - المكتري للدابة أو السيارة بالمسافة إذا تجاوزها بيسير، وهلكت الدابة أو السيارة، فهل يكون ضامناً بالتجاوز اليسير أم لا؟ المشهور أنه يضمن. (الغرياني ص 64) . 8 - من أرسل الجارح على صيد بقرب الحرم، فقتله، فهل يجب عليه الجزاء أم لا؟ فيه خلاف، والمشهور أن عليه الجزاء. 9 - تأجيل رأس مال المسلم ليومين أو ثلاثة جائز؛ لأنه في حكم الحال، وأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، وكذلك تأخير قبض المبيع المعين إلى ثلاثة أيام جائز، لأنه في حكم الحال. (الغرياني ص 64) . 10 - المكتري يدَّعي دفع الكراء بحد انقضاء الوجيبة (وهي المدة التي يتفاضى المالك الكراء في نهايتها، كالمشاهرة أو المساناة) بالقرب، هل يصدق أم لا؟ فيه تفصيل، فإن القول قول المكري عند التنازع في قبض الأجرة بيمينه أنه لم يقبض إذا كان ذلك عند انقضاء الأجل أو قريب منه، لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، أما فيما بَعُد وانقضى من المدة فإن الفول قول المكتري بيمينه عند التنازع في الدفع؛ لأن المكري لو لم يقبض ما سكت المدة الطويلة. (الغرياني ص 65) . 11 - الشريك في الزرع إذا ادعى الدفع لشريكه، فالقول قول منكر الدفع بيمينه أنه لم يقبض حصته، إذا كان ذلك عند تصفية الزرع والحصاد أو بعده بقليل؛ لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه. (الغرياني ص 65) .   . (1) العهدة: هي الضمان أو الكفالة للمبيع في عصرنا الحاضر، وهي مسؤولية البائع عن العيب الحادث خلال ثلاثة أيام، وتسمى عهدة الثلاث، أو خلال سنة، رذلك تختلف باختلاف السلعة (تطبيقات القواعد الفقهية ص 64) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 893 12 - الصانع إذا ادعى عدم قبض الأجرة، فإن القول له إن كان قوله عند رذ المصنوع لربه أو قربه كاليومين. (الغرياني ص 65) . 13 - الوكيل إذا ادعى أنه دفع لموكله ما قبضه له من ديون ونحوها، لا يصدق، فإن القول للموكل أنه لم يقبض إن كان النزاع حصل عند توكيله بالقبض أو قريباً منه، وإن كان بعد مدة طويلة فالقول قول الوكيل، والمشهور أن القول قول الوكيل في الدفع مطلقاً؛ لأنه مؤتمن، إلا أن يقبض ببينة، فلا يبرأ إلا ببينة. (الغرياني ص 65) . 14 - الوكيل يشتري السلعة لموكله، فإن ادعى زيادة يسيرة في ثمنها عند تسليمها للموكل، فإنه يصدق، وكذلك إن ادعاه بالقرب. (الغرياني ص 66) . 15 - الوكيل يشتري سلعة لموكله، فيجد الموكل بها عيباً، فالشراء لازم للموكل إن كان العيب يسيراً يغتفر مثله، وكان نظراً وفرصة. (الغرياني ص 66) . 16 ً - مشتري الشقص (الحصة من عقار مشترك) يحط عنه البائع جزءاً من الثمن لعيب في المبيع، أو مكارمة وصنيعة، فإذا أخذ الشقص بالشفعة، فإن الشفيع يُحط عنه أيضاً من الثمن ما حط عن المشتري لزوماً، إذا كان ما حُط عن المشتري هو القدر اليسير المتعارف عليه بين الناس، وإلا لم يلزمه أن يحط إن كان كثيراً غير متعارف عليه. (الغرياني ص 66) . 17 - المراهق الذي قارب البلوغ يلزمه الطلاق، وأقامة الحد عليه، وقتله قصاصاً، والحكم بإسلامه إذا أسلم، والإسهام له من الغنيمة، وصحة توليه النكاح عن غيره على مبدأ أن ما قارب الشيء يعطى حكمه، ويعامل في ذلك معاملة البالغ، ولا يعتد بشيء من ذلك على مبدأ أن ما قارب الشيء يعطى حكم نفسه، فلا يعتبر بالغاً. (الغرياني ص 63) . 18 - استحقاق القليل من المبيع إذا كان مقؤماً لا يوجب الفسخ، بل يرجع المشتري بقيمته على البائع، بخلاف استحقاق الكثير فإنه يوجب الفسخ، فاستحقاق الأكثر كاستحقاق الجميع، وهذا بخلاف استحقاق ما كان من المثليات، فإنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 894 باستحقاق الأكثر يخير المشتري بين التمسك يما ينوبه من الثمن، أو رد المبيع. (الغرياني ص 66) . 19 - قطع اليسير من أذن الأضحية أو ذنبها مغتفر، وعدّوا اليسير في الأذن الثلث فأقل، وفي الذنب ما دون الثلث، والثلث من الذنب من الكثير. (الغرياني ص 67) . 20 - من أنكر شيئاً طُلب منه، فصالح المدعي بمال دفعه إليه، ثم استحق المال من يد المدعي بالقرب من زمن الصلح، فإن الصلح ينقض، وترجع الدعوى كما كانت؛ لأن الاستحقاق بالقرب يجعل الصلح كان لم يكن. فإن حصل الاستحقاق بعد طول مدة، رجع المدعي بقيمة ما استُحق منه على ا، ررعى عليه إن كان المستحَق مقوماً. وبمثله إن كان مثلياً، لكن الراجح الرجوع بالقيمة مطلقاً سواء حصل الاستحقاق عن قرب أو بعد، ولا يرجع إلى الخصومة، لأن الرجوع إلى الخصومة رجوع إلى مجهول. (الغرياني ص 67) . 21 - المرأة تعطي مالاً لزوجها رجاء أن يحسن عشرتها ولا يطلقها، أو يتزوج عليها، فإن طلقها بالقرب من إعطاء المال، وهو ما دون السنتين، كان لها الرجوع فيما أعطته، وإن كان الطلاق بعد سنين فليس لها الرجوع. (الغرياني ص 67) . 22 - ناظر الأيتام يدَّعي الدفع إليهم بعد الترشيد بالزمن اليسير فإنه لا يُصدق، لأنه ادعى الدفع إلى غير من ائتمنه؛ ولأن الأصل عدم الدفع؛ لأن الله تعالى اشترط على الأولياء الإشهاد عند الدفع إلى المحاجير، فدل على أنهم لا يصدقون، قال تعالى:. (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) . فما قارب الشيء أعطي حكمه. 23 - يجوز شرط ما قل من عمل على العامل خارجاً عن العقد في القراض والمساقاة والمغارسة، وأخذ شيء من طريق المسلمين لا يضر بها، واغتفار يسير الغرر في البيع. (الغرياني ص 68) . 24 - يجوز شراء ما لحق من ثمار لم ييد صلاحها بعد شراء ما بدا صلاحه، وخلفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 895 تحصيل ونحوه بعد شراء الأصل، إن وقع شراء المتجدد بعد العقد على الأصل بيسير. (الغرياني ص 68) . 25 - ذات الزوج تتبرع بثلث مالها، ثم تتبرع بثلث آخر، إن قرب ما بينهما منع، لأنهما كالتبرع الواحد، وإلا جاز. (الغرياني ص 68) . 26 - من سرق مراراً أقل من النصاب، والمجموع نصاب، هل يقطع أم لا؟ إذا قرب ما بين المرات، فإن قلنا: ما قارب الشيء يعطى حكمه وجب القطع، وإلا فلا. (الغرياني ص 68) . المستثنى إذا أعطت المرأة مالاً لزوجها على ألا يتزوج عليها، وتزوج، فلها أن ترجع عليه في الراجح، سواءكان الزواج بقرب أو بعد. (الغرياني ص 69) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 896 القاعدة: [247] هل النطر إلى المقصود، أو إلى الموجود؟ التوضيح إذا حصل اختلاف بين ما يقصد إليه المكلف من خطأ أو صواب، وحلال أو حرام، ومصلحة أو مفسدة، وبين واقع الحال الذي آل إليه فعله من صلاح أو غيره. فإن العلماء اختلفوا في الاعتداد بالمقصود. فقال بعضهم: يُبْنى الحكم وفقاً لما قصده، بأن يبرأ ويثاب إن قصد الصواب والمصلحة وإن خالف الواقع. ويلام ويبطل عمله إن قصد الفساد والخطأ. وإن وافق عمله واقع الحال الذي آل إليه فعله من صلاح وغيره (1) . وقال آخرون: يكون الاعتداد بما آل إليه الفعل في واقع الأمر من صلاح وفساد، فيمدح إن كان الفعل الحاصل صلاحاً. ولو قصد صاحبه الخطأ فيه، ويذم إن كان الفعل فساداً. ولو قصد به صاحبه الإصلاح بداية (2) . ويختلف الحكم في الفروع، فأحياناً يرجح القصد على الموجود بمرجحات خارجية. وأحياناً يكون العكس.   . (1) قال العز بن عبد السلام: "من فعل واجباً فتبين أنه محرم، أثيب على قصده، ولا إثم عليه إذا فعل مفسدة يظنها مصلحة".. (2) قال الشاطبي: "لو أن أحداً قصد مخالفة الشرع، فشرب جِلاباً على أنه خمر، فعليه درك الإثم في قصده المخالف ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 897 التطبيقات 1 - من ظن فراغ الإمام بعد أن خرج لغسل دم الرعاف، فأتمَّ مكانه، ثم تبين خطؤه، فقيل: تصح صلاته نظراً إلى قصده، وهو الصحيح. وقيل: لا تصح، نظراً إلى ما انكشف وتبين من أنه خرج من الصلاة قبل إمامه. (الغرياني ص 118) . 2 - المحرِم إذا أرسل كلبه فقتل صيداً، أو وضع شَرَكاً لسبع، فوقع فيه صيد. فقيل: يجب عليه الجزاء نظراً إلى الموجود، وهو الإرسال الذي أدى إلى قتل الصيد. وهو المشهور، وقيل: لا جزاء عليه نظراً إلى المقصود، وهو السبع. 3 - من قصد إلى الزواج بخمر جعله صداقاً، فتبين أنه خل، ففي صحة النكاح خلاف، بالنظر إلى المقصود أو إلى الموجود. وفصل المالكية في ذلك، فقالوا: يثبت النكاح إن رضي الطرفان بالخل، فإن لم يرضيا فسخ قبل الدخول بطلاق، وبعده يثبت بصداق الكل. ويتوقف ثبوت النكاح على رضاهما في مسألة الخمر هذه، ولا يتوقف على رضاهما فيمن نكح امرأة على أنها في العدة فظهر انقضاؤها؛ لأن المرأة المعتدة هي العين التي وقعت عليها المعاوضة. وإنما ظُن تعلق حق الله تعالى بها فبان خلافه، وهي محل العقد، وفي مسألة الخمر فالعقد لم يقع عليها. (الغرياني ص 119) . 4 - من افتتح الصلاة متيقناً الطهارة، ثم حصل له الشك في أثنائها، وتمادى عليها، ثم تبين أنه متطهر، ففي قول: تجزئه صلاته، وهو الصحيح، نظراً للموجود. وفي قول: لا تجزئه، لأنه صلى على شك. (الغرياني ص 119) . 5 - من افتتح الصلاة شاكاً في دخول الوقت، ثم تبين أنه أوقعها في الوقت. فالصحيح أنها لا تجزئه؛ لأنه صلاها غير عالم بوجوبها عليه، ولتردد النية وعدم التيقن من براءة الذمة، وقيل: تجزئه، نظراً للموجود، وهو صلاتها في الوقت. (الغرياني ص 120) . 6 - من افتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام، ثم شك فيها، وتمادى حتى أكمل، ثم تبين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 898 أنه أصاب، ففي صحة صلاته خلاف، بناء على المقصود لا تصح، وعلى: الموجود صلاته صحيحة. (الغرياني ص 120) . 7 - من قام إلى خامسة عمداً في صلاة رباعية، فإذا به قد فسدت عليه ركعة يجب قضاؤها، ففي قول تجزئ صلاته، والمشهور أنها لا تجزئه؛ لأنه متلاعب، فنظر إلى المقصود. (الغرياني ص 120) . 8 - من سلَّم شاكاً في إكمال صلاته، ثم تبين الكمال، ففي قول: صلاته فاسدة؛ لأنه قاصد إبطالها، والجاري على القاعدة الخلاف في صحة صلاته. (الغرياني ص 120) . 9 - من انحرف عن القبلة عامداً، ثم تبين أنه مستقبلها. قال الباجي: صلاته فاسدة، فنظر إلى المقصود. (الغرياني ص 120) . 10 - من حلف على ما لا يتيقنه، ثم تبين الصدق، فلا شيء عليه، وهو من النظر إلى الموجود دون المقصود، قال ابن الحاجب: وفيها من حلف على ما يشك فيه، فتبين خلافه، فغموس، وإلا فقد سَلِم. قال ابن الحاجب وغيره: والظاهر أن الظن كذلك. (الغرياني ص 120) . 11 - من أفطر يوم ثلاثين من رمضان جرأة، ثم ثبت أنه العيد، فلا كفارة عليه؛ لأن اليوم لم يكن من رمضان بالنظر إلى الموجود، ولا قضاء، وفي قول فيه خلاف على مقتضى القاعدة. (الغرياني ص 121) . 12 - من اشترى عنباً على أن يعصرها خمراً، فصرفه إلى غير الخمر من خل أو زبيب، أو أكرى داراً ممن يبيع فيها الخمر، فلم يبع حتى انقضت المدة، أئم بقصده. وهو أحد قولين في المذهب. ومن نظائرها: منع بيع الدار وكرائها لمن يتخذها كنيسة. وبيع الخشبة لمن يعملها صليباً، وبيع السلاح لمن يعلم أنه يريد قطع الطريق. أو إثارة الفتنة. والمذهب في "هذا سدّ الذرائع، وهو النظر إلى المقصود. (الغرياني ص 121) . 13 - من له زوجتان واحدة حفصة، والأخرى عمرة، فنادى عمرة، فأجابته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 899 حفصة، فقال: أنت طالق، وقال: حسبتها عمرة، فتطلق عليه عمرة؛ لأنه قصد طلاقها، وفي طلاق حفصة خلاف، قيل: تطلق عليه نظراً للموجود لوقوع الخطاب عليها ظاهراً، وقيل: لا تطلق، نظراً للقصد. (الغرياني ص 122) . 14 - لو مرت امرأة برجل في ظلام، فوضع يده عليها يظنها زوجته. وقال لها: أنت طالق إن وطئتك الليلة، ووطئها، فإذا هي غير امرأته. فقيل: تطلق عليه زوجته لقصده، وقيل: لا تطلق عليه، نظراً للموجود؛ لأن اليمين لم تقع عليها في الخارج. وإنما وقعت على امرأة أجنبية. (الغرياني ص 122) . المستثنى 1 - من تزوج امرأة يظنها معتدة، فتبين أنه عقد عليها بعد خروجها - من العدة، فهل يفسخ النكاح نظراً لقصده، أو لا يفسخ نظراً لحقيقة الحال؟ هذا هو مقتضى القاعدة. والمشهور: أن من نكح امرأة على أنها في العدة، فظهر انقضاؤها، ثبت النكاح، ولا خيار لواحد منهما، وقيل: إنه غَرَّ وسلِم. (الغرياني ص 122) . 2 - من تزوج امرأة وزوجها غائب لم يعلم بموته، وكان الواجب فسخ هذا النكاح، لكنه لم يفسخ حتى ثبت أن الزوج الغائب مات بالفعل، وأن امرأته خرجت من العدة قبل أن يعقد عليها الزوج الثاني، فمقتضى القاعدة الخلاف في صحة النكاح نظراً للمقصود أو للموجود. ولكن نقل العلماء: صحة النكاح ولم يذكروا خلافاً. (الغرياني ص 123) . 3 - من دخل خلف من يصلي الظهر، فإذا هو يصلي العصر، فمقتضى القاعدة أن صلاته مختلف في صحتها، ولكن المنقول: أنه يقطع فور علمه، ويستأنف الصلاة خارج المسجد للظهر والعصر، وهو الراجح. وفي قول: إنه يتمادى فيخرج عن شفع، وأنه إذا عقد الثالثة شفعها بأخرى، دون ذكر لصحة صلاته، وذلك لاختلاف النية. (الغرياني ص 123) . 4 - من صام يوم الشك احتياطاً، فإذا هو رمضان، فمقتضى القاعدة الخلاف في صحة صيامه، لكن الإمام مالك قال في (المدونة) : إن من صامه احتياطاً أو تطوعاً، ثم ثبت أنه من رمضان، فليقضه. (الغرياني ص 123) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 900 القاعدة: [248] الحياة المستعارة هل هي كالعدم، أو لا؟ التوضيح اختلف أهل العلم في الذي حكم عليه الطب بالموت بسبب إنفاذ مقاتله، أو لموت دماغه، ولا تزال به مظاهر للحياة مستعارة، كالتنفس أو بعض الحركة بمساعدة أجهزة الإنعاش أو بغيرها، هل يعامل معاملة من مات بالفعل. وهل يُعدُّ قاتله حقيقة من أجهز عليه وهو بتلك الصورة، أو أن قاتله من أوصله إلى تلك الحال الميؤوس منها بإنفاذ مقاتله؟ فعلى أن الحياة المستعارة تعد كالعدم، يكون القاتل له من أنفذ مقاتله، وعلى الاعتداد بالحياة المستعارة يكون القاتل من أجهز عليه، والراجح أن الحياة المستعارة كالعدم على الأصح. التطبيقات 1 - من أنفذت مقاتله في المعركة، ثم مات بعد المعركة، فهو شهيد، ولا يصلى عليه، بناء على أن الحياة المستعارة كالعدم، ولا يقتص ممن قتله في هذه الحالة، لأنه كالميت، وعلى أن الحياة معتد بها يصلى عليه، وهو الصحيح عند المالكية، إلا المغمور وهو من بقي به رمق، وبقي في غمرة الموت ولم يفق منها حتى مات، فإنه لا يصلى عليه. (الغرياني ص 164، المقري 2/ 482) . 2 - الحيوان المتردي الذي أصيبت مقاتله، وبقي فيه أثر حياة، لا تفيد فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 901 الذكاة، بناء على أن الحياة المستعارة كالعدم، فلا يؤكل، وهو مذهب مالك، وعلى أن حياته معتد بها، فإنه يذكى ويؤكل، وهو مذهب آخر. (الغرياني ص 165، المقري 2/ 482) . 3 - من أنفذ مقاتل رجل بضربه متعمداً، ثم أجهز عليه آخر، فعلى أن الحياة المستعارة كالعدم، يقتص من الأول، ويعاقب الثاني تعزيراً، وعلى أن الحياة المستعارة معتد بها، يكون القصاص من الذي أجهز عليه، وهما قولان لابن القاسم. (الغرياني ص 165) . 4 - يؤكل من غير ذكاة ما لا يعيش في البر من دواب البحر إلا لمدة قليلة. كالأربعة الأيام ونحوها، لأن حياته غير مستقرة، فهي كالعدم، فإن كان يعيش أطول من ذلك، فلا يؤكل إلا بذكاة. (الغرياني ص 165) . 6 - الجنين لا يصلى عليه، ولا يورث إلا باستهلال، أو بما يدل من التنفس مع الحركة المتكررة على قوة الحياة، أما ما دون ذلك من مظاهر الحياة المشعارة، كمجرد التنفس، فكالعدم، وإن صُلِّي عليه احتياطاً، فحسن (الغرياني ص 165، المقري 2/ 482) . المستثنى 1 - من أنفذ مقاتل رجل، وأجهز عليه آخر، وكان الإمام قال: من قتل قتيلاً فله سلبه، فإن السلب يكون للأول دون الثاني بالاتفاق، ولا يجري فيه الخلاف على القاعدة، لصيرورته بإنفاذ مقاتله أسيراً، فالثاني يكون قد قتل أسيراً، ولا سلب لمن قتل أسيراً. (الغرياني ص 166) . 2 - منفوذ المقاتل من البشر معدود في حكم الموتى على ما صوبه ابن يونس، ولو كان فيه بقية نفس، فلا يرث من مات من أهله، وهو بتلك الحياة المستعارة التي في حكم العدم، بل يكون هو الموروث؛ لأنه في عداد الموتى (الغرياني ص 185) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 902 القاعدة: [249] إذا تعارض القصد واللفظ أيهما يقدم؟ التوضيح إذا كان اللفظ له مدلول عرفي ناقل للفظ عن مدلوله اللغوي؛ بحيث صار لا يتبادر عند الإطلاق غيره، دون حاجة إلى ترينة، فتقديم المدلول العرفي على المدلول اللغوي محل اتفاق بين أشهب وابن القاسم. وإنما يختلفان في فروع هذه القاعدة، فيما يعدُّ ناقلاً للفظ عن مدلوله اللغوي وما لا يعدُّ ناقلاً، فقد يستعمل أهل العرف اللفظ استعمالاً عرفياً غالباً، لكن إن لم يصل إلى الغاية الموجبة للنقل، فابن القاسم حينئذ يقدم المدلول اللغوي، وأشهب يقدم المدلول العرفي، فهذا هو محل النزاع في تحقيق المناط. وهذا يدخل في تعارض العرف مع اللغة الذي سبق في قاعدة "العادة محكَّمة". التطبيقات 1 - من حلف لا يأكل لحماً أو رؤوساً أو بيضاً، لا يحنث بأكل لحوم أو رؤوس أو بيض الحيتان؛ لأنها لا تراد من اللفظ عرفاً، ولو أن اليمين تدل عليها لفظاً، وهو قول أشهب وابن حبيب، ويحنث عند ابن القاسم تقديماً لظاهر اللفظ على القصد. (الغرياني ص 174) . 2 - من حلف لا يجلس على بساط، لا يحنث بجلوسه على الأرض، لأنها لا تسمى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 903 بساطاً عرفاً، ولو أنها تسمى كذلك لغة، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) . وذلك نقديماً للقصد على اللفظ. (الغرياني ص 174) . 3 - من حلف بلفظ دلالته العرفية على الطلاق، ودلالته اللفظية على غير الطلاق، لزمه الطلاق، تقديماً للقصد على اللفظ، وذلك كما لو جرى عرف بعض البلاد من أن الحلف بصيغة "عليَّ اليمين" أو "عليَّ الحرام " هي عندهم يقصد بها الطلاق، فمن حلف بها لزمه الطلاق، تقديماً للقصد العرفي على اللفظ، فإن تنوسي القصد العرفي مع طول الزمن. ولم ينوِ المتكلم من اليمين شيئاً، بل أجراه على لسانه من غير قصد، فعلى الخلاف في اليمين المجردة عن النية. قيل: تلزم، وقيل: لا تلزم. (الغرياني ص 174) . 4 - من قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي قاصداً بذلك الطلاق، والمشهور عند المالكية أن صريح لفظ الظهار يقدم فيه اللفظ على القصد، فينصرف إلى الظهار، ولا تقبل فيه النية المخالفة، أما ما كان من كنايات الظهار، كانت على كيد أمي، أو ظهر فلانة الأجنبية، فإن القصد يقدم فيه على الطلاق، فإن نوى به الطلاق لزمه. وإن نوى به الظهار لزمه. (الغرياني ص 175) . 5 - من نذر صوم يوم يقدم فلان، فقدم نهاراً، والناذر مفطر، فمن قدَّم اللفظ على القصد، قال: لا يلزمه قضاء ذلك اليوم؛ لأن دلالة اللفظ هو صيام يوم قدوم فلان، وقد تعذر صيامه، ومن قدَّم القصد أوجب عليه القضاء؛ لأن قصد الناذر الشكر لله تعالى بصوم يوم، فلما تعذر بقدوم فلان وجب قضاؤه. (الغرياني ص 175) . 6 - من نذر صوم شهر، فمن قدم اللفظ، يكفيه صيام تسحة وعشرين يوما؛ لأن الشهر يكون تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين، ومن قدَّم القصد أوجب عليه صوم ثلاثين يوماً؛ لأن الناذر قاصد للتشديد على نفسه، والتشديد يتحقق بالثلاثين. (الغرياني ص 175) . 7 - من حلف ألا يأكل عسلاً، فأكل عسل الرطب، أو حلف لا أدخل عليه بيتاً، هل يحنث بدخوله عليه في المسجد أو لا؛ أو حلف لا أكلم فلاناً، فسلم عليه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 904 الصلاة، ففي ذلك خلاف في الحنث على القاعدة، فيحنث إن قدمنا المدلول اللفظي، وهو قول ابن القاسم، ولا يحنث إن قدمنا القصد، وهو قول أشهب. (الغرياني ص 176) . 8 - من وكَّل أحداً ليشتري له ثوباً، فاشترى الوكيل ما لا يليق بالموكل، فقال ابن القاسم غير لازم للموكل، فقدَّم المدلول العرفي، وقال أشهب: يلزمه قبوله، فقدَّم اللفظ، فراعى ابن القاسم العرف في الوكالة دون الأيمان، وعكس أشهب. (الغرياني ص 176) . 9 - من حلف ليتزوجنَّ، فتزوج امرأة ليست كفئاً له، فعلى مراعاة اللفظ يكون قد برَّ بيمينه، وعلى مراعاة القصد لا يحصل له برٌّ. (الغرياني ص 176) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 905 القاعدة: [250] الأتباع هل يعطى لها حكم متبوعاتها، أو حكم نفسها؟ الألفاظ الأخرى - اختلفوا في كون الأتباع مقصودة، أم لا؟ - المشهور من مذهب مالك أن الأقل يتبع الأكثر. التوضيح سبقت القاعدة العامة " التابع تابع " (م/47) وأن التابع ينسحب عليه حكم المتبوع. ولكن اختلف الحكم عند المالكية في بعض الفروع. وأن فيها قولين، لكن "المشهور من مذهب مالك أن الأقل يتبع الأكثر، ولذلك تشترك هذه القاعدة في بعض فروعها مع القاعدة المتقدمة المختلف فيها عند المالكية "ما قرب من الشيء هل له حكمه، أم لا؟ " وذلك إذا كان للأمر جانبان، جانب يشمل معظمه وأكثره. وله حكم يخصه، وجانب آخر لا يشمل إلا جزءاً قليلاً منه. وله حكم آخر يخصه لو استقل بنفسه. فهل بانضمام القليل إلى الأكثر يفقد الأقل اعتباره، ويسري عليه حكم الأغلب؟ وهو المشهور، أو يبقى للأقل حكمه الخاص به، ولا ينظر إليه إلا في نفسه، دون اعتبارِ لغيره؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 906 التطبيقات 1 - من كان له مالان، أحدهما يتاجر به تجارة (مدير) وهو الذي يعرض سلعته للبيع والشراء طوال العام، والآخر يتاجر به تجارة محتكر، لا يعرض السلعة بليتربص بها غلاء الأسعار، وأحد المالين أكثر من الآخر، فعلى أن الأقل يعطى حكم الأكثر، يزكيان معاً عند وجوب زكاة الأكثر، وهو قول ابن الماجشون، وهو الأعدل، وعلى أن الأتباع لا تعطى حكم متبوعاتها يزكى كل مال على سنته، وهو القياس. (الغرياني ص 188) . 2 - المصحف المحلى بأحد النقدين إذا كانت حليته قليلة تبعاً لغيرها، فإنه يجوز بيعه بنقد من صنف الحلية، يداً بيد على المشهور. ومنع ابن عبد الحكم بيعه كذلك، إعطاء للأتباع حكم أنفسها. ومثل المصحف المحلى بيع السيف المحلى، والخاتم المحلى. والثوب المحلى بأحد النقدين الذي لو سبك لخرج منه عين. (الغرياني ص 188) . 3 - استعمال الذهب في خاتم الرجال ممنوع؛ فإن كان المذهب قليلاً تبعاً لغيره، فإنه يجري على القاعدة. (الغرياني ص 189) . 4 - بيع حلي متبوع بصنف التابع، كسوار ثلثه ذهب وثلثاه فضة، يباع بذهب. منعه مالك في المدونة، والجواز أقيس، إذ لا فرق بين الحلي والسيف. (الغرياني ص 189) . 5 - الخنثى الذي له فرج رجل وفرج امرأة إذا بال من المحلين، ينظر إلى الأكثر منهما فيحكم له به بناء على هذه القاعدة. (الغرياني ص 189) . 6 - تكره الأجرة على الإمامة وحدها، لأن الإمامة صلاة، والصلاة متعينة على المكلف، ولا يجوز أخذ الأجرة على ما تعين عمله ديانة، وتجوز الأجرة على الأذان وحده، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا محذورة صرة من فضة بعد أن علمه الأذان وأمره به. وتجوز على الإمامة مع الأذان؛ لأنها تبع للأذان. (الغرياني ص 190) . 7 - يجوز في المسالَاة أن يترك للعامل البياض من الأرض الذي لا غرس فسِه يغرسه لنفسه، ولا يأخذ المالك منه عليه شيئاً، وذلك إذا كان البياض قليلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 907 لا يتجاوز الثلث؛ لأنه قليل وتبع، ويجوز كذلك إدخاله في عقد المساقاة تبعاً للسواد إذا لم يتجاوز الثلث على القاعدة. (الغرياني ص 190) . 8 - الدية على العاقلة من أهل البادية مئة من الإبل، وعلى أهل المدن ألف دينار ذهباً، فإن كان بعض العاقلة بالبادية، وبعضها بالحاضرة، أعطي للأقل حكم الأكثر، ولا تلفق الدية، على قول، وفي قول ينظر في الدية إلى محل الجناية. وقيل: تجب في نوع من كان الجاني مقيماً بينهم. (الغرياني ص 190) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 908 القاعدة: [251] الإقالة هل هي حَلٌّ للبيع الأول، أو ابتداء بيع ثانٍ؟ التوضيح هذه القاعدة تشبه قاعدة الشافعية "الإقالة هل هي فسخ أو بيع؟! واختلف المالكية في فروعهم في الإقالة، فقيل: تعذُ الإقالة حَلاُّ للبيع الأول ونقضاً له، وكان شيئاً لم يكن، فالبائع يسترد سلعته، والمشتري يسترد الثمن الذي بذله، والمشهور أن الإقالة تعدُّ بيعاً جديداً، بمعنى أن البيع الأول ترتبت عليه آثاره، وملك به المشتري المبيع. والبائع الثمن، وبالإقالة ينشئ العاقدان بيعاً جديدأيملك به كل ما عند صاحبه، ولا يستثنى من ذلك إلا ثلاثة أشياء، تكون الإقالة فيها حَلاَّ للبيع بالاتفاق. التطبيقات 1 - من باع ثمراً بعد زهوه وطيبه، فجذه المشتري، وبعد يبسه أقال منه، فالإقالة تجوز بناء على أنها حل للبيع؛ لأن كل واحد رجع إليه عوضه الذي بذله من غير زيادة ولا نقص، وعلى أن الإقالة ابتداء بيع لا تجوز، لأنها بيع طعام واقتضاء غيره من جنسه لم تتحقق مماثلته، لأن البائع أعطى بسراً، وأخذ عنه تمراً يابساً، والثمن لغو. لكن لو بعدت التهمة جاز، كان أفلس المشتري قبل أن يدفع الثمن، فإنه يجوز للبائع أخذ التمر اليابس بدل النقد اتفاقاً. (الغرياني ص 381) . 2 - الأرض المطبلة هي التي وضع عليها قدر معلوم من الخراج بعد إحيائها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 909 وتسمى بأرض الطبل والوظيف، قال ابن القاسم: لا يجوز بيعها، للجهل بالثمن، وعليه فلا تجوز الإقالة فيها بناء على أن الإقالة بيع، وتجوز بناء على أنها حل للبيع. (الغرياني ص 381) . 3 - العهدة واجبة في بيع الرقيق، وهي وضع البيع عند أمين حتى تتبين سلامته، فهي تعلق المبيع بضمان البائع على وجه مخصوص مدة معلومة، واختلف هل تجب العهدة في الإقالة أم لا؟ فعلى أن الإقالة ابتداء بيع تجب فيها العهدة، واعترض على ذلك بأن الإقالة مقصود بها المعروف، فلا نكون فيها عهدة، كما تجب في العقود المقصود بها المكايسة والمعاوضة، وعلى أن الإقالة حَلّ للبيع فلا تجب فيها عهدة اتفاقاً. (الغرياني ص 381) . المستثنى 1 - الإقالة في بيع المرابحة ليست ابتداء بيع، وإنما هي حَلّ للبيع الأول بالاتفاق، خلافاً للقاعدة، ولذا قالوا فيمن أراد أن يبيع السلعة مرابحة، وكان باعها قبل ذلك، ثم رجعت إليه بالإقالة: إنه يجب عليه أن يبين ذلك، بخلاف ما لو باعها ثم ملكها بشراء جديد. (الغرياني ص 381) . 2 - الإقالة في بيع الطعام تعذُ نقضاً للبيع الأول بالاتفاق؛ لأنها لو عدت ابتداء بيع لمنعت، لما يترتب عليها من بيع الطعام قبل قبضه. (الغرياني ص 302) . 3 - الإقالة في الأخذ بالشفعة ليست ابتداء بيع، ولا حَلّ بيع، بل تعد ملغاة، فمن باع شقصاً ثم أقال من مشتريه فلا يعتد بإقالته، والشفعة ثابتة للشريك بالثمن الذي أخذ به المشتري الأول، والعهدة عليه، ولو كانت الإقالة حَلّ بيع لما ثبتت للشريك الشفعة، لأن البيع لم يتم. وليست الشفعة ابتداء بيع؛ لأنها لو كانت كذلك لخيِّر الشفيع في الأخذ بأي البيعتين، وتكون العهدة على من أخذ ببيعه، فيكون مخيراً فيها أيضاً، كما لو تعدد البيع من غير البائع، فالإقالة في الأخذ بالشفعة ملغاة، ولا يحكم لها بأنها ابتداء بيع، ولا حَلّ بيع، بل لها حكم مستقل. (الغرياني ص 302) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 910 القاعدة: [252] القسمة هل هي تمييز حق، أو بيع؟ التوضيح القسمة عند المالكية تمييز للحصص المشتركة بين الشركاء على الصحيح؛ لأنه يجبر عليها من أباها، ولو كانت بيعاً ومعاوضة لما صح فيها الجبر، والقول بأنها تمييز للحصص مبني على أن الجزء المشاع في الشركة يتميز ويتعين قبل القسمة والفرز. وعلى أنها تمييز حق فإن كل شريك يكون قد أخذ بالقسمة ما تقرر له بالشركة بالأصالة، دون معاوضة لحصته بحصة شريكه. وقيل: إن القسمة بيع من البيوع؛ لأن تمييز الحصص المشتركة بين الشركاء لا يتم للشريك إلا بعد أن يعاوض حصة شريكه بحصته؛ لأن الأصل أن حصة كل شريك موزعة في المال كله، فلا يتم اختصاصه بشيء إلا بعد أن يبيع منابه في غير الجزء الذي آل إليه، بمناب شريكه في الحصة التي حازها، وهذا الخلاف إنما يجري في القسمة الجبرية، وهي قسمة القرعة، وفي قسمة المراضاة التي تتم بعد التقويم والتعديل، لأنها تشبه القرعة. أما قسمة المراضاة بغير تعديل وتقويم فلا خلاف في أنها بيع من البيوع، وليست تمييز حق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 911 التطبيقات 1 - إذا كان في التركة ذهب وفضة وحلي، وأراد أحد الورثة أن يشتري الحلي بحصته في الميراث، ويكتبه لنفسه قبل القسمة، بأن يقول لباقي الورثة مثلاً: أبيع لكم منابي في التركة كلها، وآخذ عن ذلك الحلي، فإن ذلك جائز على أن القسمة تمييز حق على الصحيح. وقيل: لا يجوز بناء على أنها بيع، لأن المحاسبة تتأخر إلى وقت القسمة. وفي ذلك بيع للحلي بالنقد مع التأخير، ولأنه لو تلف باقي التركة لرجع عليه الورثة فيما أخذ من الحلي، وهم قد بذلوا نقداً مقابل الحلي، فيكون الرجوع بالحلي من الصرف المؤخر. (الغرياني ص 342، والونشريسي ص 381) . 2 - من مات بعد ذبح أضحيته، فإنه يجوز للورثة قسمة أضحيته بناء على أن القسمة تمييز حق، وقيل: لا تجوز قسمتها، وإنما ينتفعون بها شركة، وهو مبني على أن القسمة بيع، وبيع لحم الأضحية لا يجوز. (الغرياني ص 342، الونشريسي ص 381) . 3 - معدن الذهب والفضة المشترك، يجوز قسمة ترابه كيلاً، بناء على أن القسمة تمييز حق، لأنه لا بيع يخاف التفاضل فيه في النقد، ولا يجوز قسمته كيلاً بناء على أن القسمة بيع؛ لأنه قد يصفو لأحدهما من الذهب بعد تخليصه من التراب أكثر مما يصفو للآخر، فيكون من بيع الذهب بالذهب متفاضلاً. (الغرياني ص 342) . 4 - إذا اقتسم الشركاء ثماراً على رؤوس الأشجار، فأصابت حصةَ أحدهم جائحةٌ، فإنها لا توضع، ولا يعوض عنها من وقعت في حصته، وذلك بناء على أن القسمة تمييز حق، وعلى أن القسمة بيع توضع الجائحة عمن وقعت في حصته، ويعوضه شريكه عنها، وهو ظاهر قول ابن القاسم. (الغرياني ص 343) . 5 - إذا قُسمت أصول الثمار بين الشركاء، ثم قسمت الثمار، فوقعت ثمرة بعضهم في أصل غيره، فعلى أن القسمة تمييز حق، يكون سقي الأصول على صاحب الثمرة. وهو قول سحنون، وعلى أنها بيع يكون السقي عليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة. (الغرياني ص 343) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 912 6 - إذا اقتسم الشريكان ما ملكاه من معدن الذهب أو الفضة كيلاً، فإن قلنا: هي بجع من البيوع فيحاذر فيه الوقوع في الربا؛ لأنه قد يصفو لأحدهما من الذهب أكثر مما يصفو للآخر، أو أقل. وإن قلنا: بأنها تمييز حق فيتساهل في ذلك. (الونشريسي ص 382) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 913 القاعدة: [253] العادة هل هي كالشاهد، أو كالشاهدين؟ التوضيح هذه القاعدة فرع للقاعدة الكلية الأساسية الكبرى "العادة محكَّمة" (م/ 36) ؛ لأن الرجوع إلى الأعراف والعادات أحد قواعد الفقه، وأحد الأسس التي يعتمد عليها الفقهاء والقضاة في تفسير مدلولات الألفاظ في العقود، والأيمان، والوقف، والوصية، والمقادير، والمكاييل، والموازين، والنقود، ويرجع إليها الناس في القلة والكثرة في الحيض والطهر، والأفعال غير المنضبطة التي تبنى عليها الأحكام وتتحدد بها حقوق الأطراف، ويرجعون إليها أيضاً في مهر المثل، والكفاءة، وعند التداعي والخصام مع فقد البينات أو تعادلها كوضع الخشب على الجدران، ووجوه الجدران في البناء، وربط الحبال، والنزاع في أثاث البيت بين الزوجين، إلى غير ذلك. لكن اختلف فقهاء المالكية في العادة إذا شهدت لأحد المتنازعين، فهل تكون دلالتها كالشاهد الواحد، فلا يحكم بها من غير يمين، أو تكون في حكم الشاهدين، ويحكم بها من غير يمين؛ وبنيت المسائل على كلا القولين. التطبيقات 1 - مسألة الابن الساكت، وهو أن يعقد الأب النكاح لابنه البالغ، وهو جالس ساكت لا ينكر ولا يعترض، حتى إذا فرغ الأب قام الابن يعترض في الحين، فإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 914 الابن يصدق في عدم رضاه بيمينه، فإن لم يحلف، فإن كانت العادة كشاهدين، وهو المشهور في هذه المسألة، لزمه النكاح، وعليه نصف الصداق، كان كانت العادة كشاهد واحد لم يلزمه النكاح، فإن العادة تدل على أن من فعل لى أمره، وهو ساكت حاضر، يكون راضياً به. (الغرياني ص 357، الونشريسي ص 392) . 2 - إذا تنازع الزوجان عند الطلاق في أثاث البيت، ولا بينة لأحدهما، فإنه يقضى للزوجة بما تشهد العادة أنه لها، فإن جعلنا العادة كالشاهدين حكم لها من غير يمين. وإن جعلناها كالشاهد الواحد لزمها اليمين، وهو المشهور، أما ما يعرف أنه للرجال فإنه يقضى به لهم بإيمانهم؛ لأنه حكم بالأصل، لا بالعادة، والقياس أنه بين الرجل والمرأة بأيمانهما. (الغرياني ص 358) . 3 - عند النزاع في الجدار، بقضى به لمن وجه الجدار ومغارز الخشب إلى جهته؛ لأن العادة في الجدار أن يكون لمن وجه إليه، فعلى أن العادة كالشاهد تلزمه اليمين، وهو المشهور، وعلى أنها كالشاهدين، يقضى له به من غير يمين. (الغرياني ص 358، الونشريسي ص 392) . 4 - معرفة العفاص والوكاء (1) في اللقطة يقوم مقام الشاهدين، فيقضى لمن عرفهما باللقطة بلا يمين على المشهور، وإن قلنا: إحهما كالشاهد الواحد لزمه اليمين، ويرجح الأول أن المدعي للقطة لا مكذب له، فلم يحتج في دعواه إلى يمين. (الغرياني ص 358) . 5 - عند النزاع بين الزوجين في المسيس، فالقول للزوجة مع اليمين على المشهور، فيجب لها الصداق في خلوة الاهتداء، وكذلك إذا كانت هي الزائرة؛ لأن الرجل إذا خلا بامرأته أول خلوة مع تشوقه إليها، قل ما يفارقها قبل أن ينال منها، ولو جعلت العادة هنا كشاهدين لحكم لها بالصداق من غير يمين. (الغرياني ص 359، الونشريسي ص 392) .   . (1) العفاص: هو الوعاء من الجلد أو الخرقة أو غير ذلك يكون فيه زاد الراعي، والوكاء: الخيط الذي يشد به رأس القربة أو المرة أو الكيس، المعجم الوسيط 2/ 611. 1055. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 915 6 - عند اختلاف الراهن والمرتهن في قدر الدَّين يُحكم لمن شهد له الرهن بيمينه، وتعتبر العادة كالشاهد في الراجح، فإن كانت قيمته يوم الحكم والتداعي مثل دعوى المرتهن فأكثر صدق المرتهن بيمينه؛ لأن العادة أن صاحب الدَّين لا يقبل في الرهن أنقص من دينه، ولو جعلت العادة كالثاهدين لصُدِّق من غير يمين، وإن كان الرهن يساوي ما قاله الراهن فأقل صُدِّق الراهن بيمينه في الراجح، وتكون العادة كشاهد واحد. (الغرياني ص 359، الونشريسي ص 393) . 7 - البكر إذا وجدت تبكي متعلقة برجل، وهي تُدمي، فإنه يتقرر لها الصداق، قيل بيمين، بناء على أن العادة كالشاهد، وقيل: بغير يمين، واستحسنه اللخمي، بناء على أن العادة تحكم بأن المرأة لا تفضح نفسها بتعلقها برجل تدَّعي أنه نال منها لو لم تكن صادقة، وثبت الصداق، ولم يثبت الحدّ؛ لأن الشرع جعل إثبات الحقوق المالية أخفّ من إثبات الزنا. (الغرياني ص 9 35، الونشريسي ص 393) . 8 - وضع اليد بالحيازة حيازة شرعية، مع مجرد الدعوى من غير بيِّنة لأحد المتداعيين، قرينة على الملك عادة، فلا ينزع من حائز، فإن كانت العادة كالشاهد، فيحلف واضع اليد، وهو المشهور، وإن كانت كالشاهدين فلا يطالب باليمين. وكذلك إذا تكافأت بينتاهما، وتساقطتا، فالعادة تشهد لواضع اليد، فيبقى الشيء بيده، ويحلف؛ لأن العادة كالشاهد فيحلف معها، ولأنه لما سقطت البينتان وبقيت الدعوى، وجبت اليمين على المنكر. (الغرياني ص 360، الونشريسي ص 393) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 916 القاعدة: [254] الرخصة هل تتعدى محلها إلى مثل معناها، أو لا؟ التوضيح إذا رخص الشارع في أمر، فهل يقاس عليه كل ما كان في معناه، أم أن الرخصة قاصرة ولا تتعدى محل ورودها؛ لأن الرخصة استثناء من القاعدة، ولا يقاس على الاستثناء، وهذا الخلاف إنما يجري فيما كان في معنى الرخصة المنصوص عليها، أما ما كان أحرى بثبوت الحكم نيثبت له الترخيص، وما كان أدون فلا يثبت له تعدي الرخصة اتفاقاً. التطبيقات 1 - ثوب الظئر (وهي المرضعة لولد غيرها) إذا أصابه بول الرضيع، فهل يعفى عنه في الصلاة للمشقة، قياساً على ثوب الأم؛ الصحيح العفو إن اضطرت إلى الإرضاع، أو لم يقبل الولد غيرها، بشرط أن تجتهد في التوقي، كالأم. (الغرياني ص 432) . 2 - الجزار والكناف، وكل من يزاول الدواب، وتصيبه النجاسات في مهنته، فإنه يعفى عما أصاب ثوبه للمشقة، قياساً على المرضع. (الغرياني ص 432) . 3 - صاحب السلس يعفى عنه في نفسه للمشقة، فهل له أن يؤم غيره، أم أن الرخصة خاصة به؛ الصحيح أنه يجوز له أن يؤم غيره مع الكراهة، إلا إذا كان من أهل الصلاح والفضل فلا كراهة. (الغرياني ص 433) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 917 القاعدة: [255] نوادر الصور هل يعطى لها حكم نفسها، أو حكم غالبها؟ الألفاظ الأخرى - اختلف المالكية في حكم النادر في نفسه، أو إجراء حكم الغالب عليه. - النادر هل يلحق بالغالب؟ التوضيح إن الصور المتشابهة التي ترجع إلى أصل واحد، تعطى حكماً واحداً، لمراعاة الأوصاف والعلل الغالبة في أكثر مسائلها، ولذلك قال القرافي: "إذا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يلحق بالغالب ". ولكن بعض الصور التي ترجع إلى الأصل الواحد لا تتحقق فيها كامل الأوصاف والعلل التي بني عليها الحكم في عامة المسائل، فتكون نادرة. واختلف المالكية في حكم هذه الصور النادرة، فقالوا - أحياناً - تعطى حكم غالب المسائل، وإن اختلفت عنها، لأن النادر لا حكم له، وقالوا - أحياناً - تعطى حكماً خاصاً بهها، مخالفاً لحكم الغالب، وتكون مستثناة من الغالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 918 التطبيقات 1 - النفقة على الابن تنتهي بالبلوغ، لأن الغالب في البالغين أن يكونوا قادرين على الكسب، فلو بلغ الابن وهو معاق غير قادر على الكسب فإن نفقته لا تلزم أباه، بناء على أن نوادر الصور تعطى حكم غالبها، فإن أعطيت حكم نفسها فتستمر النفقة على الأب، لأن سببها عدم القدرة، وهو غير قادر، وهو الصحيح. أما إن بلغ صحيحاً، ثم أعيق فلا تعاد إليه النفقة على الصحيح. (الغرياني ص 196) . 2 - العنب الذي لا يخرج منه زبيب، أو الرطب الذي يؤكل أخضر، ولا ييبس، ولا يخرج منه تمر، هل يجري فيه الربا، وتجب فيه الزكاة، ويعطى حكم الغالب؛ أم يكون مستثنى، ويعطى حكم نفسه فلا يكون ربوياً، لعدم وجود العلة فيه، وهي الادخار؛ فيه قولان. (الغرياني ص 196) . 3 - علة الربا في النقدين: الذهب والفضة كوخهما ثمناً للأشياء، أما الفلوس فإنها مصنوعة من معدن آخر، استعماله في الثمنية قليل، لأنها تكسد وتفسد، فمن راعى الصورة الغالبة أجرى الربا في الفلوس لوجود الثمنية فيها في الجملة، ولو في بعض الأوقات، وهو الصحيح، ومن أجرى عليها حكم نفسها لم يجر فيها الربا لعدم التثمين بها غالباً. وقيل: يكره الربا في الفلوس ولا يحرم لموضع الشبهة. (الغرياني ص 197) . 4 - حيوان البحر الذي تطول حياته بالبر، كالسلحفاة والضفاع، لا تجب ذكاته، بناء على أن الصور النادرة تعطى حكم الغالب، وتجب ذكاته بناء على أنها تعطى حكم أنفسها. (الغرياني ص 197، المقري 1/ 244) . 5 - المرأة التي تلد يجب عليها غسل النفساء لنزول الدم بعد الولادة، فإن ولدت بغير دم، فهذا نادر، ولكنها تلحق بالغالب ويجب عليها غسل النفساء؛ لأن الصورة النادرة لها حكم الغالب. وقيل: لا يجب عليها الغسل، لأن لها حكم نفسها لعدم الدم. (الونشريسي ص 257) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 919 المستثنى 1 - لو صاد المحرِم فعليه الجزاء، لأن الصيد هو الغالب، ولكن لو عمَّ الجراد المسالك أمام المحرم فصاده، فلا جزاء عليه، مع أنه نادر، ويعطى حكم نفسه، ولا يجري فيه الخلاف. (الونشريسي ص 257) . 2 - إذا مات الزوج، أو طلق زوجته ثم جاءت زوجته بولد بعد ذلك لأقصى مدة الحمل، وهو خمس سنين عند مالك، (وقيل: أربع، وهو قول الشافعي رحمه الله، وقيل: إلى سبع، وكلها روايات عن الإمام مالك رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله: إلى سنتين) . "فإن هذا الحمل الآتي بعد خمس سنين دائر بين أن يكون من الوطء السابق. من الزوج". وبين أن يكون من الزنا، ووقوع الزنا في الوجود أكثر وأغلب من تأخر الحمل. - هذه المدة، فقدم الشارع هنا النادر على الغالب قولاً واحداً، وكان المقتضى أن يجعل زناً ولا يلحق بالزوج عملاً بالغالب، لكن الله تعالى يشرع لحوقه بالزوج لطفاً بعباده، وستراً عليهم، وحفظاً للأنساب، وسدًّا لباب ثبوت الزنا. (القرافي: 3/ 203، 4/ 104) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 920 القاعدة: [256] السكوت على الشيء هل هو إقرار به، أم لا؟ وهل هو إذن فيه، أم لا؟ التوضيح إن السكوت لا يعتبر رضاً، إذ قد يسكت الإنسان عن إنكار ما يرى، وهو غير راض، ولكن الخلاف: هل يعتبر السكوت إذناً؟ لكن إذا صدر أمام الشخص فحل بحضرته، أو قيل قول، وسكت، ولم يجب بنفي ولا إثبات، فهل يعدُّ سكوته إذناً وإقراراً به، أو لا يدل سكوته على الإذن، فلا يؤخذ منه حكم. اختلف المالكية في ذلك، والصحيح عندهم أنه لا يعدُّ إذناً، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في البكر: "إذنها صماتها". فدل بصريحه أن ذلك خاص بها، ودل بمفهومه أن الثيب بخلاف ذلك، فلا يكون صماتها إذناً، وهذا إجماع في النكاح، فيقاس غيره عليه، إلا فيما يعلم بالعرف والعادة أن الساكت عنه لا يكون إلا راضياً به، كالذي يرى حمل امرأته، وهو ساكت فلا ينفيه، فإن أنكره بعد ذلك فلا يقبل منه؛ لأن سكوته السابق يعتبر رضا به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 921 التطبيقات 1 - إذا أخذ شخص سلعة ليقلبها بدون إذن البائع، ولكنه ساكت، ولم يمنعه من التقليب، فوقعت منه وانكسرت، وكسرت ما تحتها، فالصحيح أنه ضامن؛ لأن سكوت البائع لا يعدُّ إذناً. وكذلك سقوط المكيال من يد المشتري إذا أخذه بغير إذن البائع، لكنه حاضر ساكت، فالمشتري ضامن حيث لم يؤذن له، ولأن الكيل على البائع، فإن أذن له فلا ضمان. (الونشريسي ص 373، الغرياني ص 331) . 2 - من بنى في أرض غيره أو غرس، وهو ساكت، ثم أراد المالك المنع، فله ذلك على الصحيح، وللمالك الخيار في دفع قيمة الغرس والبناء مقلوعاً ومنقوضا، أو يأمره بهدم البناء وقلع الغرس، وهذا بناء على أن السكوت ليس إقراراً، فإن اعتبر إقراراً فليس للمالك الأمر بهدم البناء وقلع الغرس، وإنما يعطيه قيمته قائماً لوجود الشبهة، كالمرتفق بالعارية المبهمة في الجدار أو الساحة التي لم يبيق للمستعير أمد استعمالها، فيبني عليها أو يغرس، فإنه يعطي قيمة البناء منقوضأ، والغراس مقلوعاً عند الأجل. (الغرياني ص 331، الونشريسي ص 374) . المستثنى 1 - اتفق المالكية على أن السكوت كالإقرار فيمن قال لزوجته في العدة: قد راجعتك فتسكت، ثم تدعي من الغد أن عدتها كانت قد انقضت، فلا يسمع قولها، ويعدُّ سكوتها إقراراً منها بأنها لا تزال في العدة. (الغرياني ص 332، الونشريسي ص 374) . 2 - من حاز شيئاً يعرف لغيره، فباعه، وهو يذعيه لنفسه، والآخر عالم ساكت لا ينكر بيعه، فذلك يقطع دعواه، ويعدُّ سكوته إقراراً. (الغرياني ص 332، الونشريسي ص 374) . 3 - من يأتي ببينة على رجل، فيقول: اشهدوا أن لي عنده كذا وكذا، وهو حاضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 922 ساكت ولم يعترض، فيعد سكوته إقراراً. (الغرياني ص 332، الونشريسي ص 374) . 4 - مسألة الأيمان والنذور، فمن حلف لزوجته ألا يأذن لها إلا في عيادة مريض، فخرجت إلى عيادة مريض بإذنه، ثم مضت بعدها إلى حاجة أخرى، لا يحنث، وكذلك لا يحنث إذا خرجت بغير إذنه إلى مكان آخر، إلا أن يراها ويتركها فيحنث؛ لأن سكوته إذن بخروجها إلى المكان الآخر. (الغرياني ص 332، الونشريسي ص 374) . 5 - من رأى حمل زوجته، فلم ينكره، ثم نفاه بعد ذلك، فإنه يحد ولا يلاعن؛ لأن سكوته إقرار بأن الولد منه. (الغرياني ص 332، الونشريسي ص 374) . 6 - مسألة كراء الدور والأرضين، فيمن زرع أرض رجل بغير إذنه، وهو عالم، ولم ينكر ذلك عليه، فالسكوت إقرار (الونشريسي ص 374) . 7 - إذا اتَّجر العبد بمعرفة مولاه وعلمه، ولا يغير ذلك ولا ينكره، فالسكوت إقرار منه (الونشريسي ص 357) . 8 - إذا علم الأب والوصي بنكاح من في نظرهم، وسكتوا، فإن سكوتهم إقرار بالنكاح. (الغرياني ص 333، الونشريسي ص 357) . 9 - إذا رأى غرماء الميت الورثة يقتسمون تركته، وسكتوا، ولا مانع يمنعهم من المطالبة، فإن سكوتهم إقرار بترك حقهم. (الغرياني ص 333، الونشريسي ص 357) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 923 القاعدة: [257] اختلاف الأصل والحال التوضيح الأصل في الأشياء هو ما تكون عليه طبيعتها وتكوينها وخلقتها، ويكون الحكم عليها، فإذا تغير الأصل، وصارت حاله مختلفة عما سبق، فقد اختلف المالكية بما يُعتبر منهما، لأنه يختلف حكم الشيء بالنظر إلى أصله، أو بالنظر إلى حاله، ففيها قولان. التطبيقات 1 - السلحفاة والضفادع الأصل أنهما حيوانان بحريان وتطول حياة كل منهما في البر، وميتة البحر طاهرة، واختلف المالكية في حكم ميتة السلحفاة والضفدع. فالمروي عن مالك أن ميتتهما حلال، ولا تحتاجان إلى تذكية، وقال ابن نافع: حرام نجس إن ماتتا حتف أنفسهما. (المقري 1/ 257) . 2 - الملح غير مطهر في الأصل، فإذا ذاب في الماء، فللمالكية ثلاثة أقوال. الأول: التطهير بناء على الأصل للماء. والثاني: حكمه حكم الطعام فلا يتطهر به. والثالث: التفريق بين كون ذوبأنه بصنعة فلا يتطهر به، وكونه بلا صنعة فيتطهر به،. (المقري 1/ 257) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 924 3 - أطراف القرون والأظلاف للحيوان فيها قولان، والمشهور أنها نجسة إذا كان البدن نجساً كالميتة. (المقري 1/ 257) . 4 - مسح باطن الأذنين في الوضوء، فيه قولان، المشهور أنه سنة، وفي قول: إنه فرض، ومنشأ الخلاف النظر إلى الحال أو إلى الأصل، فإن أصل الأذن في الخلقة كالوردة سم تنفتح. (المقري 1/ 257) . 5 - النجس في أصله، إذا زال تغيره بنفسه فيه قولان، والمعتمد عدم الطهورية. (المقري 1/ 258) . المستثنى 1 - البيض واللبن أصلهما دم وفرث نجسان، وانتقل حالهما وأعراضهما من النجاسة إلى"صلاحْ وما هو طاهر، فهما طاهران قولاً واحداً. (المقري 1/ 257) . 2 - العينان، حالهما من الوجه، ولكن حفظ أصلهما لعدم ارتفاعه بالكلية، فلم يعارض بحال لازمة، فلا يجب غسلهما في الوضوء، مع توقع الضرر بغسل باطنهما. (المقري 1/ 257) . 3 - النجس إذا زالت نجاسته بالماء، فيقدم الحال قولاً واحداً، ويصبح طاهراً. (المقري 1/ 258) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 925 الباب الثامن القواعد المختلف فيها عند الشافعية وهي قواعد مختلف فيها في المذهب الشافعي غالباً، ولا يطلق الترجيح فيها لاختلافه في الفروع التي تدخل تحتها، كما قاله السيوطي. ولكن المتأخرين رجحوا أحد الشقين في كثير من هذه القواعد، فيكون الراجح تطبيقاً للقاعدة، والمرجوح مما خرج عن هذه القاعدة يعتبر مستثنيات لها، كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً عند ذكر كل قاعدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 927 القاعدة: [258] هل الجمعة ظهر مقصورة؛ أو صلاة على حيالها؟ التوضيح صلاة الجمعة ركعتان بعد خطبة الجمعة، ولكن هل تعتبر ظهراً مقصورة، أم صلاة مستقلة بذاتها، قولان، ويقال: وجهان. قال النووي رحمه الله في (شرح المهذب) : "ولعلهما مستنبطان من كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فيصح تسميتهما قولين، ووجهين، والترجيح فيهما مختلف في الفروع المبنية عليهما، كما قاله السيوطي. أي لأن قولهم: إن الخطبتين تنزلان منزلة الركعتين. وقولهم: لو خرج الوقت، وهم فيها، وجب الظهر بناء، كلاهما يؤيد كونها ظهراً مقصورة. وقولهم: لو اقتدى مسافر بمصل صلاة الجمعة لزمه الإتمام، وقولهم: ليست الخطبتان منزلتين منزلة ركعتين على المعتمد، كلاهما يوبد كونها صلاة على حيالها. والأصح، كما قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي في (التحفة) : "إنها صلاة على حيالها، أي وغالب الفروع تنبني على هذا القول " وقال الخطيب الشربيني: "والجديد أن الجمعة ليست ظهراً مقصورة. . بل صلاة مستقلة". وأما الفروع التي لا تدخل في القاعدة فمستثنيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 929 التطبيقات من فروع القاعدة: 1 - لو خرج الوقت، وهم فيها، فإنهم يتمونها ظهراً بناءً، وإن قلنا: إنها صلاة على حيالها. 2 - هل له جمع العصر إلى الجمعة لو صلاها وهو مسافر؛ الأصح الجواز، وإن قلنا: إنها صلاة مستقلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 930 القاعدة: [259] الصلاة خلف المحدث المجهول الحال. هل هي صلاة جماعة أو انفراد؟ التوضيح الصلاة خلف المحدث المجهول الحال صحيحة على القول الأصح، ولكن هل تعتبر صلاة جماعة بحسب الظاهر، أو انفراد؟ في المسألة وجهان، ويختلف الترجيح في الصور والحالات. والمرجوح في هذه القاعدة أنها تكون جماعة، والحكم لغالب الفروع، ولا يرد خروج بعضها، بل تكون من المستثنيات. التطبيقات يرجح أنها صلاة جماعة في فروع: 1 - لو كان إماماً في الجمعة، وتم العدد بغيره، إن قلنا صلاتهم جماعة صحت، وإلا فلا، والأصح الصحة. 2 - حصول فضيلة الجماعة، والأصح تحصل. 3 - لو سها الإمام أو سَهَوْا، ثم علموا حدثه قبل الفراغ، وفارقوه. إن قلنا: صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الإمام، لا لسهوهم. وإلا فبالعكس، والأصح الأول. المستثنى: يرجح أنها انفراد في فروع، منها: إذا أدركه المسبوق في الركوع. إن قلنا: صلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 931 جماعة حسبت له الركعة، وإلا فلا، والصحيح عدم الحسبان لعدم القراءة من المسبوق، وعدم صحة قراءة الإمام المحدث.. (اللحجي: ص 96) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 932 القاعدة: [260] من أتى بما ينافي الفرض دون النفل بطل فرضه. وهل تبقى صلاته نفلاً أم تبطل؟ التوضيح إذا أتى المكلف بفعل ينافي الفرض، ولا ينافي النفل، في أول الفرض أو أثنائه، بطل فرضه، وهل تبقى صلاته نفلاً أو تبطل؟ فيه قولان، والترجيح مختلف في الفروع. ورجح العلماء في هذه القاعدة أنها تنقلب نفلاً مطلقاً إذا كانت غير كسوف بالكيفية الكاملة. التطبيقات يرجح الأول وتكون نفلاً، في فروع: 1 - إذا أحرم بفرض، فأقيمت جماعة، فسلم من ركعتين ليدركها، فالأصح صحتها نفلاً. 2 - إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلاً، فالأصح الانعقاد نفلاً. (اللحجي: ص 96) . 3 - إذا أتى بتكبيرة الإحرام، أو بعضها في الركوع جاهلاً، فالأصح الانعقاد نفلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 933 القاعدة: [261] النذر، هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز؟ التوضيح إذا نذر إنسان نذراً فهل يطبقه ويسلك في تطبيقه مسلك الواجب في الشرع، أم مسلك الجائز له؟ فيه قولان، والترجيح مختلف في الفروع، كذا قاله السيوطي. والمرجح في هذه القاعدة أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع غالباً، كما صححه النووي في (باب النذر) ، لكنه في باب (الرجعة) اختار أنه لا يطلق ترجيح أحد من القولين، بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل. التطبيقات يرجح أن النذر يسلك فيه مسلك واجب الشرع، وذلك في فروع: 1 - نذر الصلاة، والأصح فيه الأول، أي إنه يسلك به مسلك واجب الشرع فيلزمه ركعتان، ولا يجوز القعود مع القدرة على القيام، ولا فعلهما على الراحلة، ولا يجمع بينها وبين فرض أو نذر آخر بتيمم. 2 - نذر الصوم والأصح فيه الأول، وهو الصوم الشرعي الواجب، فيجب فيه التبييت. 3 - نذر الخطبة في الاستسقاء ونحوه، والأصح فيها الأول، وتصبح الخطبة واجبة، حتى يجب فيها القيام عند القدرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 934 4 - نذر أن يكسو يتيماً، والأصح فيه الأول، وتصبح الكسوة واجبة، فلا يخرج عن نذره بيتيم ذمي. 5 - نذر الحج، والأصح فيه الأول، ويصبح الحج واجباً، فلو نذره معضوب لم يجز أن يستنيب صبياً أو عبداً. 6 - نذر إتيان المسجد الحرام، والأصح فيه الأول، فيصبح الإتيان واجباً، فلزم إتيانه بحج أو عمرة. المستثنى يرجح الثاني، وهو أن النذر يصبح جائزاً، وليس واجباً، وذلك في فروع: 1 - العتق إن نذره، والأصح فيه الثاني، ويكون النذر جائزاً، فيجزئ عتق كافر ومعيب. 2 - لو نذر أن يصلي ركعتين، فصلى أربعاً بتشهد أو بتشهدين، والأصح فيه الثاني، وهو الجواز فيجزئه. 3 - نذر التشهد الأول، وتركه، والأصح فيه الثاني، وهو عدم الوجوب، فلا يعود إلى القعود، لأن الواجب بالشرع مقدم على الواجب بالشرط. 4 - لو نذر صوم يوم معين، والأصح فيه الثاني، وهو عدم الوجوب، فلا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه، ووجوب الإمساك لو أفطر فيه، وعدم قبول صوم آخر من قضاء أو كفارة، بل لو صامه عن قضاء أو كفارة، صح، والفرق عن الصلاة أن رمضان له قدسية خاصة وأحكام مميزة، فلا يقاس عليه غيره، ولو كان الصيام واجباً، وأن الصلاة بالواجبة تكون ركعتين كالفجر، وتكون أربعاً كالظهر. 5 - الطواف المنذور، والأصح فيه الثاني، وهو الجواز، فتجب فيه النية، كما تجب في النفل، ولا تجب النية في الفرض لشمول نية الحج والعمرة له، وهذا المعنى منتفٍ في النفل والنذر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 935 6 - وخرج النذر عن النفل والفرض معاً في صورة، وهي ما إذا نذر القراءة، فإنه تجب نيتها، كما نقله القمولي في (الجواهر) مع أن قراءة النفل لا نية لها، وكذا القراءة المفروضة في الصلاة. قال الشارح: "قلت: ويلحق بها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 936 القاعدة: [262] العين المستعارة للرهن. هل المغلب فيها جانب الضمان أو جانب العارية؟ الألفاظ الأخرى - العين المستعارة للرهن هل المغلب فيها ضمان أو عارية؟ التوضيح يجوز إعارة العين لرهنها مقابل دين، فلو قال له: أعرني هذا لأرهنه، هل المغلب فيها جانب الضمان في الرهن، أو جانب العارية وضمان العارية؟ قولان. قال في (شرح المهذب) : "والترجيح مختلف في الفروع" قاله السيوطي ثم قال: "وعبر كثير بقولهم: هل هو ضمان أو عاربة؟ " وقال الإمام: "العقد فيه شائبة من هذا، وشائبة من هذا، وليس القولان في تمحض كل منهما، بل هما في أن المغلب منهما ما هو؛ فلذلك عبرت به في القواعد الآتيات " انتهى كلام السيوطي. قال الشارح تبعاً للنووي وغيره: "والأظهر أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء بشرط ذكر جنس الدين وقدره وصفته، أي يكون الاشتراك مبنياً على قول تغليب جانب الضمان، وأما على قول جانب العاربة فلا يشترط، لأن ضمان العارية يختلف عن ضمان الرهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 937 التطبيقات 1 - هل للمعير الرجوع بعد قبض المرتهن؟ إن قلنا: عارية، نعم، وأن قلنا: ضمان، فلا، وهو الأصح. 2 - هل للمعير إجبار المستعير على فكّ الرهن؟ إن قلنا: له الرجوع، فلا، وإن قلنا: لا، فله ذلك على القول بالعارية، وكذا على القول بالضمان إن كان حالًّا بخلاف المؤجل، كمن ضمن ديناً مؤجلاً لا يطلب الأصيل بتعجيله لتبرأ ذمته. 3 - إذا حل الدين، وبيعت العين فيه، فإن قلنا: عارية، رجع المالك بقيمتها. وإن قلنا: ضمان، رجع بما بيعت به سواء كان أقل أو أكثر، وهو الأصح. 4 - لو جنى المرهون، فبيع في الجناية، فعلى قول الضمان: لا شيء على الراهن، وعلى قول العارية، يضمن. المستثنى لو تلف المعار تحت يد المرتهن، ضمنه الراهن على قول العارية، ولا شيء على قول الضمان، لا على الراهن ولا على المرتهن، والأصح في هذا الفرع أن الراهن يضمنه، كذا قال النووي: إنه المذهب، فقد صحح هنا قول العارية، قاله السيوطي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 938 القاعدة: [263] الحوالة: هل هي بيع أو استيفاء؟ التوضيح الحوالة من شخص لشخص على آخر لاشلام الدين، هل هي بيع للدين، أم أنها استيفاء للدين؛ فيه خلاف، قال النووي في (شرح الهذب) : "والترجيح مختلف في الفروع ". وقال ابن حجر في (التحفة) : "والأصح أنها بيع دين بدين جُوّز للحاجة، لأن كُلاً ملك بها ما لم يملكه قبل، فكأن المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته، أي الغالب عليها ذلك، ومن خلاف الغالب قد تكون من باب الاستيفاء، فتكون من المستثنيات ". التطبيقات 1 - لو أحال على من لا دين عليه برضاه، فالأصح بطلانها. بناء على أنها بيع. والثاني: يصح بناء على أنها استيفاء. 2 - في اشتراط رضا المحال عليه إن كان عليه دين، وجهان، إن قلنا: بيع، لم يشترط، لأنه حق المحيل، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا: استيفاء، اشترط لتعذر إقراضه من غير رضاه، والأصح عدم الاشتراط. 3 - لو أحال أحد المتعاقدين الآخر في عقد الربا، وقبض في المجلس، فإن قلنا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 939 استيفاء جاز، وإن قلنا: بيع، فلا يجوز، والأصح البيع، كما نقله السبكي في (تكملة شرح المهذب) عن النص والأصحاب. المستثنى 1 - ثبوت الخيار في الحوالة، والأصح لا يثبت بناء على أنها استيفاء. وقيل: نعم، بناء على أنها بيع. 2 - الثمن في مدة الخيار في جواز الحوالة به وعليه وجهان. إن قلنا: استيفاء، جاز، وإن قلنا: بيع، فلا كالتصرف في المبيع في زمن الخيار، والأصح الجواز. 3 - لو خرج المحال عليه مفلساً، وقد شرط يساره، فالأصح لا رجوع له بناء على أنها استيفاء، والثاني: نعم، بناء على أنها بيع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 940 القاعدة: [264] الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك؟ التوضيح إبراء الدائن للمدين هل يُعَدُّ إسقاطاً للدين، أم أنه تمليك، ويشترط فيه شروط التمليك؛ قولان، ومثل الإبراء: الترك والتحليل كما في (التحفة) واعتمد في (التحفة) أن الإبراء تمليك للمدين، أي الغالب جانب التمليك، فما غلب فيه جانب الإسقاط من المسائل يعد من المستثنيات. التطبيقات 1 - الإبراء مما يجهله المبرئ، والأصح فيه التمليك، فلا يصح. 2 - إبراء المبهم، كقوله لمدينَيْه: أبرأت أحدهما، والأصح فيه التمليك، فلا يصح، كما لو كان له في يد كل واحد عين، ققال: ملكت أحدكما العين التي في يده، لا يصح. 3 - تعليق الإبراء، والأصح فيه التمليك، فلا يصح. المستثنى 1 - اشتراط القبول في الإبراء، والأصح فيه الإسقاط، فلا يشترط. 2 - ارتداد الإبراء بالرد، والأصح فيه الإسقاط، فلا يصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 941 3 - لو عرف المبرئ قدر الدين، ولم يعرفه المبرأ، والأصح فيه الإسقاط، كما في (أصل الروضة) في الوكالة، فيصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 942 القاعدة: [265] الإقالة هل هي فسخ أو بيع؟ التوضيح تتم الإقالة من العقد السابق الصحيح لإنهائه. وهل تعتبر الإقالة فسخاً أو بيعاً؟ قولان، والترجيح مختلف في الفروع، ففي بعضها كعدم ثبوت الخيار فيها ما يقتضي أنها فسخ، وفي بعضها اعتبار المقوم التالف بأقل قيمة من العقد إلى القبض، كما قاله الشيخان الرافعي والنووي ما يقتضي أنها بيع. لكن قال في (شرح العباب) : "إنه ليس مبنياً على الضعيف، إنها بيع، بل هي فسخ، لكنها تشبه البيع من بعض الوجوه، فغلبوا شبه الفسخ تارة، وهو الأكثر، وشبه البيع أخرى، وهو الأقل، كما هنا، وما ذكره من أن الأكثر كونها فسخاً هو المعتمد، كما في (الإرشاد) وغيره، كما قاله الشارح. التطبيقات أ - إن الإقالة تجوز قبل القبض، إن قلنا: فسخ، وهو الأصح، وإن قلنا: بيع فلا. (اللحجي: ص 151) . 2 - إذا تقايلا في عقود الربا يجب التقابض في المجلس، بناء على أنها بيع، ولا يجب التقابض على أنها فسخ، وهو الأصح. 3 - لو تقايلا بعد تلف المبيع جاز، إن قلنا: فسخ وهو الأصح، ويرد مثل المبيع أو قيمته، وإن قلنا: بيع فلا يجوز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 943 4 - لا يتجدد حق الشفعة في الأصح، بناء على أنها فسخ. والثاني: نعم، يتجدد بناء على أنها بيع. 5 - لو اشتري عبدين، فتلف أحدهما، جازت الإقالة في الباقي، ويستتبع التالف على قول الفسخ، وهو الأصح، وعلى مقابله لا. 6 - إذا تقايلا، واستمر المبيع في يد المشتري نفذ تصرف البائع فيه على قول الفسخ، وهو الأصح، ولا ينفذ على قول البيع. 7 - لو استعمله بعد الإقالة، فإن قلنا: فسخ، فعليه الأجرة، وهو الأصح، وإن قلنا: بيع، فلا. المستثنى هو القول الثاني المرجوح في الفروع السابقة، وتكون الإقالة بيعاً فرع: حكم الإقالة والوعد يسن إقالة النادم على العقد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أقال مسلماً (نادماً) أقال الله عثرته يوم القيامة ". وخاصة إذا وعده بذلك، فلا يخلف وعده، حذراً من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ". ولا يجب الوفاء بالوعد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي له، فلم يفِ فلا إثم عليه ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 944 والحاصل: أنا، وإن اطلعنا على أنه عازم على عدم الوفاء، كان أقر مثلاً. وحكمنا بإثمه، ونزلناه منزلة المنافقين، لا يجبر على الإقالة، ولم يروَ عن أحد من السلف وجوب الوفاء بالوعد، إلا ما نقل عن عمر بن عبد العزيز، وأصبغ المالكي، قال البخاري: "وقضى ابن الأشوع بالوعد، وفعله الحسن البصري، ونقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب، أي: فمن قال لآخر: تزوج، ولك كذا، فتزوج لذلك، وجب الوفاء به ". قال الحافظ ابن حجر: " قرأت بخط والدي رحمه الله تعالى في (إشكالات على الأذكار للنووي) : لم يذكر جواباً عن الآية والحديث، يعني بالآية قوله تعالى:. (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) . والحديث: "آية المنافق ثلاث " والدلالة للوجوب منهما قوية، فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد؛ وينظر هل يمكن أن يقال: يحرم الإخلاف، ولا يجب الوفاء، أي يأثم بالإخلاف، وإن كان لا يلزمه وفاء ذلك؟ ". فالحاصل: أن الله تعالى أمر بإنجاز الوعد، وحمله الجمهور على الندب. قال المهلب: "إنجاز الوعد مأمور به، مندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 945 القاعدة: [266] هل الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض مضمون ضمان عقد أو ضمان يد؟ التوضيح إذا عين الزوج صداقاً معيناً للزوجة، وبقي في يده، فهل يكون مضموناً ضمان عقد أو ضمان يد؟ قولان، والترجيح مختلف في الفروع، والأصح كما في (المنهاج) وغيره: أنه مضمون ضمان عقد، وضمان العقد: هو ما يضمن بالمقابل، وهو هنا مهر المثل، وضمان اليد: هو ما يضمن ببدله، وهو مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان متقوماً. التطبيقات 1 - الأصح لا يصح بيعه قبل قبضه، بناء على ضمان العقد، والثاني: يصح بناء على ضمان اليد. 2 - الأصح انفساخ الصداق إذا تلف أو أتلفه الزوج قبل قبضه والرجوع إلى مهر المثل، بناء على ضمان العقد، والثاني: لا، ويلزمه مثله أو قيمته بناء على ضمان اليد. 3 - المنافع الفائتة في يده لا يضمنها على الأصح، بناء على ضمان العقد. ويضمنها بناء على ضمان اليد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 946 المستثنى 1 - لو أصدقها نصاب سائمة، وقصدت السوم، ولها حول من الإصداق، ولم تقبضه، وجبت عليها الزكاة في الأصح، بناء على ضمان اليد كالمغصوب ونحوه، وفي وجه لا تجب بناء على ضمان العقد كالمبيع قبل القبض، فقد صحح هنا قول ضمان اليد. (اللحجي: ص 105) . 2 - لو كان ديناً جاز الاعتياض عنه على الأصح، بناء على ضمان اليد، وعلى ضمان العقد لا يجوز، كالمسلم فيه، فهذه صورة أخرى صحح فيها قول ضمان اليد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 947 القاعدة: [267] الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا؟ الألفاظ الأخرى - الرجعة: هل هي ابتداء نكاح أو استدامته؟ التوضيح الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا؟ قولان، قال الرافعي: التحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما لاختلاف الزجيح في الفروع. قال الشارح: "لكن المعتمد أن المغلب فيه جانب القطع ". وفي القاعدة قول ثالث، وهو الوقف. فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة تبينا انقطاع النكاح بالطلاق. وإن رجع تبينا أنه لم ينقطع. التطبيقات 1 - لو وطئها في العدة وراجع، فالأصح وجوب المهر بناء على أنه ينقطع. 2 - لو مات عن رجعية فالأصح أنها لا تغسله، والثاني تغسله كالزوجة. 3 - يجزم بالأول في تحريم الوطء والاستمتاعات كلها والنظر والخلوة ووجوب استبرائها لو كانت رقيقة واشتراها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 948 المستثنى 1 - لو خالعها، فالأصح الصحة بناء على أنها زوجته. 2 - لو قال: نسائي طوالق، أو زوجاتي طوالق، فالأصح دخول الرجعية فيهن، لأن الرجعية كالزوجة في خمسة أحكام، وهي: التوارث، وصحة الطلاق، والظهار، والإيلاء، واللعان. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى أي الآيات التي تشملها وغيرها، وهي قوله تعالى:. (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) . وقوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) . وقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) . وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) . وقوله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) . فالنساء والزوجات يشمل الرجعيات، لا البوائن. وليس المراد أنها نص فيها، بل ظاهر". 3 - جزم بالثاني في ثبوت الإرث إذا مات الزوج في العدة، وفي لحوق الطلاق، وصحة الظهار، والإيلاء، واللعان، ووجوب النفقة. يعبر عن القاعدة بعبارة أخرى، فيقال: الرجعة: هل هي ابتداء نكاح أو استدامته؛ قال في (التحفة) : "الأصح أنها استدامة". وصحح ابتداء النكاح فيما إذا طلق المولي في المدة ثم راجع، فإنها تستأنف ولا تبني. وصحح الاستدامة في أن العبد يراجع بغير إذن سيده، وأنه لا يشترط فيها الاشهاد، وأنها تصح في الإحرام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 949 القاعدة: [268] الظهار: هل المغلب فيه مشابهة الطلاق أو مشابهة اليمين؟ التوضيح الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، فتحرم عليه كالطلاق أحياناً، وتجب عليه الكفارة للعودة عن قوله أحياناً، فهل المغلب فيه مشابهة الطلاق أو مشابهة اليمين؟ فيه خلاف في الفروع، والأصح الأول، كما في (التحفة) أي إن المغلب فيه مشابهة الطلاق. التطبيقات 1 - إذا ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة، فقال: أنتن عليَّ كظهر أمي، فإذا أمسكهن لزمه أربع كفارات على الجديد، تغليباً لشبه الطلاق، فإنه لا يفرق فيه بين أن يطلقهن بكلمة أو كلمات. والقديم: تجب كفارة واحدة تشبيهاً باليمين، كما لو حلف لا يكلم جماعة، لا يلزمه إلا كفارة واحدة. 2 - هل يصح الظهار بالخط؛ الأصح نعم كما يصح به الطلاق، صرح به الماوردي، وأفهمه كلام الأصحاب، حيث قالوا: "كل ما استقل به الشخص فالخلاف فيه كوقوع الطلاق بالخط، وجزم القاضي حسين بعدم الصحة في الظهار كاليمين فإنها لا تصح إلا باللفظ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 950 3 - إذا كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة على الاتصال، ونوى الاستئناف فالجديد يلزمه بكل كفارة، كالطلاق، والثاني: يلزمه كفارة واحدة كاليمين. 4 - لو كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة، وتفاصلت، وقال: أردت التأكيد، هل يقبل منه؛ الأصح أنه لا يقبل تشبيهاً بالطلاق، والثاني: نعم كاليمين. المستثنى ومن خلاف الغالب يعتبر فيه شبه اليمنِ في مسائل، منها: 1 - لو ظاهر مؤقتاً، فالأصح الصحة مؤقتاً كاليمين. والثاني: لا، كالطلاق. 2 - التوكيل في الظهار، والأصح المنع كاليمين، والثاني: الجواز كالطلاق. 3 - لو ظاهر من إحدى زوجتيه، ثم قال للأخرى: أشركتك معها، ونوى الظهار، فقولان أحدهما: يعتبر مظاهراً من الثانية أيضاً، كما لو طلقها، ثم قال للأخرى: أشركتك معها، ونوى الطلاق. والثاني لا يعتبر مظاهراً من الثانية كاليمين، وهو الراجح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 951 القاعدة: [269] فرض الكفاية هل يتعين بالشروع؟ الألفاظ الأخرى - فرض الكفاية هل يلزم بالشروع؟ التوضيح فرض الكفاية هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً من مجموع المكلفين، وإذا فعله البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثموا جميعاً، فإذا شرع فيه إنسان فهل يتعين عليه بالشروع؛ أي يصير فرض عين، أي مثله في حرمة القطع، ووجوب الإتمام أو لا يتعين. فيه خلاف، رجح في (المطلب) الأول، ورجح العلامة هبة الله بن عبد الرحيم البارزي في (التمييز) الثاني، قال في (الخادم) : "ولم يرجح الرافعي والنووي شيئاً، لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح، لاختلاف الترجيح في فروعها ". التطبيقات 1 - صلاة الجنازة: الأصح تعيينها بالشروع، لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت. (اللحجي: ص 107) . 2 - الجهاد، لا خلاف أنه يتعين بالشروع، نعم، جرى خلاف في صورة منه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 952 وهي ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه، والأصح أنه تجب المصابرة، ولا يجوز الرجوع. (الزركشي 2/ 243) . 3 - إذا شرع في إنقاذ غريق، ثم حضر آخر لإنقاذه، جاز قطعه قطعاً (الزركشي 2/244) . المستثنى العلم: فمن اشتغل به، وحصل منه طرفاً، وأنس منه الأهلية، هل يجوز له تركه، أو يجب عليه الاستمرار؟ وجهان، الأصح الأول، ويجوز تركه، ووجهه بأن كل مسألة مستقلة برأسها، منقطعة عن غيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 953 القاعدة: [270] فرض الكفاية هل يعطى حكم فرض العين أو حكم النفل؟ التوضيح هذه القاعدة أعم من قاعدة "فرض الكفاية هل يتعين بالشروع " وفي إعطائه حكم فرض العين أو حكم النفل خلاف، والترجيح مختلف. قال الشارح كغيره: "المعتمد ما في (التحفة) من أنه يحرم قطع فرض الكفاية الذي هو جهاد، أو نسك، أو صلاة جنازة، كفرض العين، وجزم جمع بتحريمه مطلقاً إلا الاشتغال بالعلم، لأن كل مسألة مستقلة بنفسها، وصلاة الجماعة لأنها وقعت صفة تابعة، وهذا رأي ضعيف، وإن أطال التاج السبكي في الانتصار له، وإلا لزم حرمة قطع الحِرَف والصنائع، ولا قائل به". واختلف العلماء في تفضيل فرض الكفاية على فرض العين، أو عكسه. وفيه تفصيل في ذلك. التطبيقات 1 - الجمع بينه وبين فرض آخر بتيمم، فيه وجهان، والأصح الجواز. 2 - صلاة الجنازة قاعداً مع القدرة على القيام، وعلى الراحلة، فيه خلاف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 954 والأصح المنع، وفرق بين المسألتين، بأن القيام معظم أركانها فلم يجز تركه مع القدرة، بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم. 3 - هل يجبر عليه تاركه حيث لم يتعين؛ فيه صور مختلفة، فالأصح إجباره في صورة الولي والشاهد إذا دعي للأداء مع وجود غيره، والأصح عدم الإجبار فيما إذا دعي للتحمل، وفيما إذا امتغ عن الخروج معها للتغريب، وفيما إذا طلب للقضاء فامتنع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 955 القاعدة: [271] الزائل العائد، هل هو كالذي لم يزل. أو كالذي لم يعد؟ التوضيح إذا زال الشيء - بطل حكمه، فإن عاد الزائل، فهل يعتبر كالذي لم يزل ويستمر حكمه السابق، أو يعتبر كالذي لم يعد، لأن الساقط لا يعود؟ فيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. التطبيقات أولاً: رجح الأول في فروع منها: 1 - إذا طلق قبل الدخول، وقد زال ملكها عن الصداق وعاد، تعلق حقه بالعين في الأصح. 2 - إذا طلقت رجعياً، عاد حقها في الحضانة. 3 - إذا تخمر المرهون بعد القبض ثم عاد خلاً، يعود رهناً في الأصح. 4 - إذا باع ما اشتراه، ثم علم به عيباً، ثم عاد إليه بغير رد، فله رده في الأصح. 5 - إذا خرج المعجل له الزكاة في أثناء الحول عن الاستحقاق، ثم عاد، تجزي في الأصح. 6 - إذا فاتته صلاة السفر، ثم أقام، ثم سافر، يقصرها في الأصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 956 7 - إذا زال ضوء الإنسان أو كلامه أو سمعه أو ذوقه أو شمه، أو أفضاها، ثم عاد، يسقط القصاص والضمان في الأصح. ثانياً: رجح الثاني، وكان الزائل العائد، لم يعد، في فروع، منها: 1 - لو زال الموهوب عن ملك الفرع، ثم عاد، فلا رجوع للأصل في الأصح. 2 - لو زال ملك المشتري، ثم عاد وهو مفلس، فلا رجوع للبائع في الأصح. 3 - لو أعرض عن جلد ميتة أو خمر، فتحول بيد غيره، فلا يعود الملك في الأصح. 4 - لو رهن شاة فماتت، فدبغ الجلد، لم يعد رهناً في الأصح. 5 - لو جُن قاض، أو خرج عن الأهلية، ثم عاد، لم تعد ولايته في الأصح. 6 - لو قلع سن مثغور، أو قطع لسانه، أو إليته، فنبت، أو أوضحه أو أجافه فالتأمت لم يسقط القصاص والضمان في الأصح. 7 - لو عادت الصفة المحلوف عليها، لم تعد اليمين في الأصح. 8 - لو هزلت المغصوبة عند الغاصب، ثم سمنت، لم يجبر، ولم يسقط الضمان في الأصح. 9 - إذا قلنا: للمقرض الرجوع في عين القرض ما دام باقياً بحاله، فلو زال وعاد، فهل يرجع في عينه؛ وجهان في (الحاوي) قال السيوطي: "قلت: ينبغي أن يكون الأصح لا يرجع". ثالثاً: جزم بالأول بأن الزائل العائد كالذي لم يزل قولاً واحداً في صور، منها: 1 - إذا اشترى معيباً وباعه، ثم علم العيب، ورد عليه به، فله رده قطعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 957 2 - إذا فسق الناظر، ثم صار عدلاً، وولايته بشرط الواقف منصوص عليها، عادت ولايته بغير إعادة، أفتى به النووي، ووافقه ابن الرفعة، والنظر في مدة فسقه. قال ابن الرفعة: "لمن بعده " وقال بعضهم: "للحاكم ". رابعاً: جزم بالثاني بأن الزائل العائد كالذي لم يعد قولاً واحداً، في صور، منها: 1 - إذا تغير الماء الكثير بنجاسة، ثم زال التغير عاد طهوراً، فلو عاد التغير بعد زواله، والنجاسة غير جامدة لم يعد التنجيس قطعاً، قاله النووي في (شرح المهذب) . (اللحجي: ص 109) . 2 - لو زال الملك عن العبد قبل هلال شوال، ثم ملكه بعد الغروب لا تجب عليه فطرته قطعاً. 3 - لو سمع بينته، ثم عزل قبل الحكم، ثم عادت ولايته، فلا بد من إعادتها قطعاً. 4 - لو قال: إن دخلت دار فلان، ما دام فيها، فأنت طالق، فتحول، ثم عاد إليها، لا يقع الطلاق قطعاً، لأن إدامة المقام التي انعقدت عليها اليمين قد انقطعت، وهذا عود جديد وإدامته إقامة مستأنفة، نقله الرافعي. 5 - لو وقف على امرأة ما دامت عزباً، فتزوجت، ثم عادت عزباً، فاختلف فيها. والأكثرون على أنه لا يعود لها الاستحقاق لانقطاع الديمومة. قال الزركشي: "والضابط: ما كان المعلَّق فيه شرعياً، إذا عاد، فهو كالذي لم يزل، كالمفلس إذا حجر عليه قبل إقباض الثمن، وكان قد خرج عن ملكه ثم عاد، وإن كان وضعياً فكالذي لم يعد، كما لو علق طلاقها على الدخول، ثم أبانها، ثم تزوجها، فعادت، لا يقع في الأصح ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 958 فائدة: التقارب بين الشافعية والحنابلة قال الحنابلة قريباً من قول الشافعية، فقال. (ابن رجب رحمه الله تعالى: "القاعدة الأربعون: الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها عليها. نوعان، أحدهما: ما يتعلق الحكم فيه بملك واحد، فإذا زال الملك سقط الحكم. النوع الثاني: ما يتعلق الحكم فيه بالعين نفسها من حيث هي تعلقاً لازماً فلا يختص تعلقه بملك دون ملك ". تطبيقات النوع الأول 1 - الإجارة: فمن استأجر شيئاً مدة، فزال ملك صاحبه عنه بتملك قهري يشمل العين والمنفعة، ثم عاد إلى ملك المؤجر والمدة باقية، لم تعد الإجارة. (ابن رجب 1/ 279) . 2 - الإعارة: فلو أعاره شيئاً، ثم زال ملكه عنه، ثم عاد، لم تعد الإعارة. (ابن رجب 1/ 279) . 3 - الوصية تبطل بإزالة الملك، ولا تعود بعوده. (ابن رجب 1/ 279) . 4 - الهبة قبل القبض وسائر العقود الجائزة، كالوكالة وغيرها، إذا زال الملك، ثم عاد، فلا تعود. (ابن رجب 1/ 279) . تطبيقات النوع الثانى 1 - الرهن: إذا رهن عيناً رهناً لازماً، ثم زال ملكه عنها بغير اختياره، ثم عاد، فالرهن باق بحاله؛ لأنه وثيقة لازمة للعين، فلا تنفك بتبدل الأملاك. (ابن رجب 1/ 280) . 2 - لو تخمر العصير المرتهن، ثم تخلل، فإنه يعود رهناً كما كان، وكذلك يعود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 959 الرهن بعد زواله، وإن كان ملك الراهن باقياً عليه في الصور الآتية. (ابن رجب 1/285) . 3 - لو صالحه من دين الرهن على ما يشترط قبضه في المجلس، صح الصلح، وبرئت ذمته من الدَّين، وزال الرهن، فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح وعاد الدَّين والرهن بحاله. (ابن رجب 1/ 285) . 4 - إن أعاد الرهن إلى الراهن بطل الرهن، فإن عاد إليه عاد رهناً كما كان. (ابن رجب 1/281) . 5 - الأضحية المعينة، فإن الحق ثابت في رقبتها لا يزول بدون اختيار المالك، فإذا تعيبت خرجت عن كونها أضحية، فإذا زال العيب عادت أضحية كما كانت. (ابن رجب 1/281) . 6 - رجوع الزوج في نصف الصداق بعد الفرقة فإنه يستحقه، سواء كان قد زال ملك الزوجة عنه، بم عاد، أو لم يَزُل؛ لأن حقه متعلق بعينه. (ابن رجب 1/ 282) . 7 - عروض التجارة إذا خرجت عن ملكه بغير اختياره، ثم عادت، فإنه لا ينقطع الحول بذلك، كما إذا تخمر العصير ثم تخلل. (ابن رجب 1/ 282) . 8 - صفة الطلاق تعود بعود النكاح، وسواء وجدت في زمن البينونة، أو لم توجد على المذهب الصحيح. (ابن رجب 1/ 282) . 9 - الرَّد بالعيب لا يمتنع بزوال الملك إذا لم يدل على الرضا. (ابن رجب 1/ 283) . 10 - رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا أخرجه الابن عن ملكه، ثم عاد إليه، ورجوع غريم المفلس في السلعة التي وجدها بعينها، وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه ثم عادت إليه، في المسألتين ثلاثة أوجه: أحدها: لا حق لأحدهما فيها، لأن حقهما متعلق بالعقد الأول المتلقى عنهما، والثاني: لهما الرجوع نظراً إلى أن حقهما ثابت في العين، وهي موجودة فاشبه الرد بالعيب. والثالث: إن عاد بملك جديد سقط حقهما، وإن عاد بفسخ العقد فلهما الرجوع؛ لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الأول. فإن الفسخ رفع للعقد الحادث من أصله على قول. فيعود الملك كما كان. (ابن رجب 1/ 283) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 960 القاعدة: [272] هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ الألفاظ الأخرى - الطارئ هل ينزل منزلة المقارن؟ - المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل؟ - المتوقع هل يجعل كالواقع. التوضيح إذا علق شخص تصرفه على زمن، فهل يسري حكمه من الحال، أو من المآل، أي المستقبل؛ فيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. ويعبر عن هذه القاعدة بالألفاظ السابقة الأخرى. التطبيقات 1 - إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غداً، فأتلفه قبل الغد، فهل يحنث في الحال، أو حتى يجيء الغد؛ وجهان، أصحهما الثاني. 2 - لو كان القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع، ولا تظهر عند القيام، فهل تنعقد صلاته؛ ثم إذا ركع تبطل، أو لا تنعقد، أصلاً؟ وجهان، أصحهما الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 961 3 - لو لم يبق من مدة الخفّ ما يسع الصلاة، فأحرم بها، فهل تنعقد؟ فيها وجهان، الأصح نعم، نظير الأول. وفائدة الصحة في المسألتين صحة الاقتداء به، ثم مفارقته، وفي المسألة الأولى صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوباً قبل الركوع، قال صاحب (المعين) : "وينبغي القطع بالصحة فيما إذا صلى على جنازة، إذ لا ركوع فيها". 4 - من عليه عشرة أيام من رمضان، فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام، فهل يجب فدية ما لا يسعه الوقت في الحال، أو لا يجب حتى يدخل رمضان؟ فيه وجهان، أصحهما لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان. 5 - لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل، فانقطع قبل الحلول، فهل يتنجز حكم الانقطاع، وهو ثبوت الخيار في الحال، أو يتأخر إلى المحل؟ وجهان، أصحهما: الثاني. 6 - لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الركعة الثانية، أوعلق الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة، فهل تبطل في الحال، أو حتى توجد الصفة؟ وجهان، أصحهما: الأول. 7 - هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح أو الزهوق؛ الأصح: الأول. 8 - هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثاً حال الإقرار أو الموت؟ وجهان. أصحهما: الثاني. 9 - هل العبرة في الكفارة المترتبة بحال الوجوب أو الأداء؟ قولان، أصحهما: الثاني. 10 - لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف، بأن جعل الحنطة هريسة، فهل هي كالتالف؛ أو لا، بل يرده مع أرش النقص؟ قولان، أصحهما: الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 962 المستثنى 1 - جزم باعتبار الحال في مسائل، منها: إذا وهب للطفل من يعتق عليه، وهو معسر، وجب على الولي قبوله، لأنه لا يلزمه نفقته في الحال، فكان قبول هذه الهبة تحصيل خير، وهو العتق بلا ضرر، ولا ينظر ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي، أو إعسار لهذا القريب، لأنه غير متحقق أنه آيل، وجزموا بعدم جواز بيع جلد الميتة القابل للدباغ قبل دباغه، نظراً إلى الحال. (ابن خطيب الدهشة: 1/ 112) . 2 - جزم باعتبار المآل في مسائل، منها: بيع الجحش الصغير جائز، وإن لم ينتفع به حالاً لتوقع النفع به مآلاً، ومنها: جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل، لا في الحال. 3 - بيع الزيت المتنجس، والدهن المتنجس بعارض، ففي رأي يجوز؛ لأنه يمكن تطهيره، باعتبار المآل، ومثله الثوب المتنجس، نظراً إلى المآل، والأصح: المنع. وفصل إمام الحرمين فقال: إن يمكن تطهيره جاز بيعه، وإلا ففي بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح به. (ابن خطيب الدهشة: 1/ 111، 258) . 4 - بيع الماء المتنجس، إذا فرعنا على بيع الماء في الجملة، وفيه وجهان، الأول: الجواز؛ لأن تطهيره بالمكاثرة يمكن، باعتبار المآل، والثاني: الجزم بالمنع، لأنه ليس بتطهير، ولكنه ببلوغه قلتين يستحيل من صفة النجاسة إلى صفة الطهارة، كالخمر يصير خلاً. (ابن خطيب الدهشة: 1/ 258) . 5 - بيع ما لا ينتفع به حئاً أو شرعاً كبيع السباع التي لا تصلح للاصطياد بها نظراً إلى توقع الانتفاع بجلدها في المآل، وكذلك الحمار الزمن، قولان، والصحيح: أنه لا يصح، وكذلك بيع آلات الملاهي مما له رضاض فيه مالية، وكذلك بيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب ونحوه، الأصح المنع، نظراً للحال في سلب المنفعة بها شرعاً في الحال. (ابن خطيب الدهشة: 1/ 259) . 6 - بيع السمك إذا كان في بركة كبيرة مسدودة المنافذ، لكن لا يمكن أخذه إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 963 بمعاناة وتعب شديد، الأصح: المنع، لتعذر التسليم في الحالي، ومشقته في المآل. والحمام في البرج الكبير كالسمك. (ابن خطيب الدهشة: 1/ 260) . 7 - البيع بثمن مجهول القدر في الحال، ويمكن معرفته في المآل، كقوله: بعتك بما باع به فلان فرسه. والأصح: البطلان، لما فيه من الغرر الحالي. (ابن خطيب الدهشة: 1/ 261) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 964 القاعدة: [273] تنزيل الاكتساب منزلة المال الحاضر التوضيح إن ما بكتسبه الشخص أمر متجدد في الحاضر والمستقبل، ومع ذلك ينزل الاكتساب منزلة المال الحاضر، وهذه القاعدة ملحقة بقاعدة: هل العبرة بالحال أو بالمآل؛ وفيها تفصيل. التطبيقات 1 - في الفقر والمسكنة: قطعوا بأن القادر على الكسب كواجد المال. (اللحجي: ص 111) . 2 - سهم الغارمين، هل ينزل الاكتساب فيه منزلة المال؛ فيه وجهان، الأشبه لا. 3 - المكاتب إذا كان كسوباً، هل يعطى من الزكاة؛ فيه وجهان، الأصح: نعم كالغارم. 4 - إذا حجر عليه بالفلس، أنفق على من تلزمه نفقته من ماله إلى أن يقسم، إلا أن يكون كسوباً. 5 - من له أصل وفرع، ولا مال له، هل يلزمه الاكتساب للإنفاق عليهما؛ وجهان، أحدهما: لا، كما لا يجب الاكتساب لوفاء الدين، والأصح: نعم، لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب، فكذلك إحياء بعضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 965 6 - المنفق عليه من أصل وفرع، لو كان قادراً على الاكتساب. فهل يكلف به، أو لا تجب نفقته؟ أقوال: أصحها لا يكلف الأصل لعظم حرمة الأبوة، فتجب بخلاف الفرع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 966 القاعدة: [274] ما قارب الشيء هل يعطى حكمه؟ الألفاظ الأخرى - ما قارب الشيء أعطي حكمه. التوضيح كل أمر في الوجود له حكم شرعي، وقد يختلف الحكم حسب الأزمان والأماكن، فهل يعطى الشيء المقارب حكم ما قاربه. وجمهور الفقهاء يقولون بالإيجاب، وأن ما قارب الشيء أعطي حكمه، وذلك في المذاهب الأربعة، ولذلك ذكرها الأكثر بصيغة: (ما قارب الشيء أعطي حكمه أو فهو في حكمه ". هذه القاعدة أعم من قاعدة "هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ ". التطبيقات 1 - الديون المساوية لمال المفلس، هل توجب الحجر عليه؛ وجهان، الأصح لا. وفي المقاربة للمساواة الوجهان، وأولى بالمنع. 2 - الدم الذي تراه الحامل حال الطلق ليس بنفاس على الصحيح. 3 - لا يملك المكاتب ما في يده على الأصح، ووجه مقابله أنه قارب العتق. 4 - قال الشارح: "ومن فروعها تحريم مباشرة الحائض قريباً من الفرج، ومسائل الحريم فيما يظهر، لأنها من هذا القبيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 967 القاعدة: [275] إذا بطل الخصوص فهل يبقى العموم؟ التوضيح إذاكان الفعل مقصوداً به أمر خاص، ففقد ركناً من أركانه، أو شرطاً من شروطه، فهل يبقى صحيحاً في أمر عام، أم يبطل؟ فيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. التطبيقات 1 - إذا تحرم بالظهر مثلاً، فبان عدم دخول وقته، بطل خصوص كونه ظهراً، ويبقى نفلاً في الأصح. 2 - لو نوى بوضوئه الطواف، وهو بغير مكة، فالأصح الصحة إلغاء للصفة. 3 - لو أحرم بالحج في غير أشهره، بطل، وبقي أصل الإحرام فينعقد عمرة في الأصح. 4 - لو علق الوكالة بشرط فسدت، وجاز للوكيل التصرف لعموم الإذن في الأصح. 5 - لو تيمم لفرض قبل وقته، فالأصح البطلان وعدم استباحة النفل به. 6 - لو وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة فلم يقم، بطلت، ولا يتم نفلاً في الأظهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 968 المستثنى 1 - جزم ببقائه في صور: أ - إذا أعتق معيباً عن كفارة بطل كونه كفارة، وعتق جزماً. ب - لو أخرج زكاة ماله الغائب، فبان تالفاً وقعت تطوعاً قطعاً. 2 - جزم بعدمه في صور: أ - لو وكله ببيع فاسد، فليس له البيع قطعاً، لا صحيحاً، لأنه لم يأذن فيه، ولا فاسداً لعدم إذن الشرع فيه. ب - لو أحرم بصلاة الكسوف، ثم تبين الانجلاء قبل تحرمه بها، لم تنعقد نفلاً قطعاً، لعدم نفل على هيئتها حتى يندرج في نيته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 969 القاعدة: [276] الحمل هل يعطى حكم المعلوم أو المجهول؟ التوضيح الحمل في بطن أمه له أحكام خاصة، ويعتبر معلوماً من جهة وجزءاً مستقلاً. ويعتبر مجهولاً وجزءاً من أمه من جهة، ولذلك اختلف في إعطائه حكم المعلوم أو المجهول على قولين، ففيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. التطبيقات 1 - بيع الحامل إلا حملها، فيه قولان، أظهرهما لا يصح، بناء على أنه مجهول، واستثناء المجهول من المعلوم يصير الكل مجهولاً. 2 - بيع الحامل بحُرٍّ، وفيه وجهان، أصحهما البطلان، لأنه مستثنى شرعاً، وهو مجهول. 3 - لو قال: بعتك الجارية، أو الدابة، وحملها، أو بحملها، أو مع حملها، وفيه وجهان، الأصح أيضاً البطلان لما تقدم. 4 - لو باع الدابة بشرط أنها حامل، ففيه قولان، أحدهما: البطلان، لأنه شرط معها شيئاً مجهولاً، وأصحهما الصحة بناء على أنه معلوم، لأن الشارع أوجب الحوامل في الدية. 5 - الإجارة للحمل، والأظهر، كما قال العراقي، الجواز، بناء على أنه معلوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 970 المستثنى 1 - جزم بإعطاء الحمل حكم المجهول فيما إذا بيع وحده، فلا يصح قطعاً. 2 - جزم بإعطائه حكم المعلوم في الوصية له، أو الوقف عليه، فيصحان قطعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 971 القاعدة: [277] النادر هل يلحق بجنسه او بنفسه؟ الألفاظ الأخرى - النادر هل يلحق بالغالب؟ - النادر هل يعتبر بنفسه أم يلحق بحنسه؟ التوضيح إذا كان الشيء نادراً، فهل يلحق في الحكم بأحكام جنسه، أو يكون له حكم مستقل؛ فيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. التطبيقات 1 - مس الذكر المبان، فيه وجهان، أصحهما أنه ينقض، لأنه يسمى ذكراً. 2 - لمس العضو المبان من المرأة، فيه وجهان، أصحهما عدم النقض، لأنه لا يسمى امرأة، والنقض منوط بلمس المرأة. 3 - النظر إلى العضو المبان من الأجنبية، وفيه وجهان، أصحهما التحريم، ووجه مقابله ندور كونه محل الفتنة، والخلاف جار في قلامة الظفر. 4 - لو حلف لا يأكل اللحم، فأكل الميتة، ففيه وجهان، أصحهما عند النووي عدم الحنث، ويجريان فبما لو أكل ما لا يؤكل كذئب وحمار. 5 - الأكساب النادرة كالوصية واللقطة والهبة، هل تدخل في المهايأة في العبد المشترك؟ وجهان، الأصح نعم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 972 6 - جماع الميتة يوجب عليه الغسل والكفارة عن إفساد الصوم والحج، ولا يوجب الحد ولا إعادة غسلها على الأصح فيهما، ولا المهر. 7 - يجزئ الحجر في المذي والودي على الأصح. 8 - يبقى الخيار للمتبايعين إذا داما أياماً على الأصح. 9 - جريان الربا في الفلوس إذا راجت رواج النقود، وجهان، أصحهما: لا. 10 - ما يتسارع إليه الفساد في شرط الخيار، فيه وجهان، أصحهما: لا يجوز. المستثنى 1 - جزم بالأول، ويعطى النادر حكم جنسه في صور: أ - من خُلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما، يجب غسلهما قطعاً. ب - من خُلقت بلا بكارة لها حكم الأبكار قطعاً. جـ - من أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء، يلحق به قطعاً، وإن كان نا دراً. 2 - جزم بالثاني، ويعطى النادر حكماً مستقلاً في صور: أ - الأصبع الزائدة لا تلحق بالأصلية في الدية قطعاً. ب - كذا سائر الأعضاء، لا تلحق بالأصلية في الدية قطعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 973 القاعدة: [278] القادر على اليقين، هل له الاجتهاد والأخد بالظن؟ التوضيح الأصل أن يعمل الإنسان باليقين، ويلجأ إلى الاجتهاد عند الظن، والاجتهاد ظني، فإذا قدر على اليقين، فهل له الاجتهاد والأخذ بالظن؟ فيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع. التطبيقات 1 - من معه إناءان، أحدهما نجس، وهو قادر على يقين الطهارة بكونه على البحر، أو عنده ثالث طاهر، أو يقدر على خلطهما، وهما قلتان، والأصح أن له الاجتهاد. 2 - لو كان معه ثوبان، أحدهما نجس، وهو قادر على طاهر بيقين، والأصح أن له الاجتهاد. 3 - من شك في دخول الوقت، وهو قادر على تمكين الوقت، أو الخروج من البيت المظلم لرؤية الشمس، والأصح أن له الاجتهاد. 4 - الصلاة إلى الحجر، الأصح عدم صحتها إلى القدر الذي ورد فيه أنه من البيت، وسببه اختلاف الروايات، ففي لفظ "الحِجر من البيت " وفي لفظ "سبعة أذرع " وفي آخر "ستة" وفي آخر "سبعة". والكل في (صحيح مسلم) فعدلنا عنه إلى اليقين، وهو الكعبة، قاله السيوطي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 974 5 - الاجتهاد بحضرته - صلى الله عليه وسلم -، وفي زمانه، والأصح جوازه. المستثنى 1 - جزم بالمنع فيما إذا وجد المجتهد نصاً فلا يعدل عنه إلى الاجتهاد جزماً، وفي المكي لا يجتهد في القبلة جزماً، وفرق بين القبلة والأواني بأن في الإعراض عن الاجتهاد في الآنية إضاعة مال، وبأن القبلة في جهة واحدة، فطلبها في غيرها مع القدرة عليها عبث، والماء جهاته متعددة. 2 - وجزم بالجواز في الاجتهاد والأخذ بالظن فيمن اشتبه عليه لبن طاهر ومتنجس، ومعه ثالث طاهر بيقين، ولا اضطرار، فإنه يجتهد بلا خلاف، نقله في (شرح المهذب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 975 القاعدة: [279] المانع الطارئ هل هو كالمقارن؟ التوضيح إذا طرأ شيء على تصرف أو على شيء، فهل يأخذ المانع الطارئ حكم المقارن للأصل؟ فيه خلاف، والترجيح مختلف فيه، ويعبر عن أحد شقي هذه القاعدة بقاعدة " يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" (م/ 55) . التطبيقات 1 - طريان الكثرة على الاستعمال، والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة، والردة على الإحرام، وقصد المعصية على سفر الطاعة، وعكسه، والإحرام على ملك الصيد، وأحد العيوب على الزوجة، والحلول على دَين المفلس الذي كان مؤجلاً، وملك المكاتب زوجة سيده، والوقف على الزوجة أي إذا وقفت زوجته عليه. والأصح في الكل أن الطارئ كالمقارن، ويؤثر مثله، ويعطى حكم المقارن. فيحكم للماء بالطهورية، وللصلاة والإحرام بالإبطال، وللمسافر بعدم الترخص في الأولى، وبالترخص في الثانية، وبإزالة الملك عن الصيد، وبإثبات الخيار للزوج، وبرجوع البائع في عين ماله، وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة، كما لا يجوز نكاح من وقفت عليه ابتداء. 2 - طَرَيَانُ القدرة على الماء في أثناء الصلاة، ونية التجارة بعد الشراء، وملك الابن على زوجة الأب، والعتق على من نكح جارية ولده، واليسار ونكاح الحرة على حرٍّ نكح أمة، وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر، وملك الإنسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 976 عبداً له في ذمته دين، والإحرام على الوكيل في النكاح، والاسترقاق على حربي استأجره مسلم، والعتق على عبد آجره سيده مدة. والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن، ولا يؤثر نهائياً، فلا تبطل الصلاة ولا تجب الزكاة، ولا ينفسخ النكاح في الصور الأربع، ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد، ولا تبطل الوكالة، ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين. المستثنى 1 - جُزِم بأن الطارئ كالمقارن في صور، ويعطى حكمه قولاً واحداً، منها: طَرَيانُ الكثرة على الماء النجس، والرضاع المحرم، والردة على النكاح، ووطء الأب، أو الابن، أو الأم، أو البنت بشبهة، وملك الزوج الزوجة وعكسه، والحدث العمد على الصلاة، ونية القنية على عروض التجارة، وأحد العيوب على الزوج. 2 - وجزم بخلافه، وأن الطارئ ليس كالمقارن قولاً واحداً في صور، منها: طريان الإحرام، وعدة الشبهة، وأمن العنت على النكاح، والإسلام على السبي فلا يزيل الملك، ووجدان الرقبة في أثناء الصوم، والإباق، وموجب الفساد على الرهن، والإغماء على الاعتكاف، والإسلام على عبد الكافر، فلا يزيل الملك، بل يؤمر بإزالته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 977 فوائد: الفائدة الأولى: المسائل المفتى فيها على القول القديم ذكر المسائل التي يفتى فيها على القول القديم، وهي أربع عشرة مسألة على ما ذكرها النووي، رحمه الله تعالى، في (شرح المهذب) ، وهي: 1 - مسألة التثويب في أذان الصبح، القديم استحبابه. 2 - التباعد عن النجاسة في المال الكثير، القديم أنه لا يشترط. 3 - قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين، القديم: لا يستحب. 4 - لمس المحارم، القديم لا ينقض الوضوء. 5 - تعجيل الحشاء، القديم أنه أفضل. 6 - الاستنجاء بالحجر فيما جاوز المخرج، القديم جوازه. 7 - وقت المغرب، القديم امتداده إلى غروب الشفق الأحمر. 8 - المنفرد إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة، القديم جوازه. 9 - أكل الجلد المدبوغ، القديم تحريمه. 10 - تقليم أظافر الميت، القديم كراهته. 11 - شرط التحلل من التحرم بمرض ونحوه، القديم جوازه. 12 - الجهر بالتأمين للمأموم في صلاة جهرية، القديم استحبابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 978 13 - من مات وعليه صوم، القديم يصوم عنه وليه. 14 - الخط بين يدي المصلي إذا لم تكن معه عصا، القديم استحبابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 979 الفائدة الثانية: المذهب القديم قال الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري رحمه الله تعالى بعد ذكر مسائل القديم ما نصه: "المراد بالقديم ما صنفه الشافعي رضي الله عنه ببغداد، واسمه (كتاب الحُجة) الذي رواه عنه الحسن بن محمد الزعفراني، وقد رجع عنه الشافعي بمصر، وغسل كتبه فيه، وقال: "لا أجعل في حل من روى عني القول القديم" قال الإمام في باب الآنية من (النهاية) : "معتقدي أن الأقوال القديمة ليست من مذهب الشافعي حيث كانت، لأنه جزم في الجديد - بخلافها، والمرجوع عنه لا يكون مذهباً للراجع، وهذا يقتضي أن المرجوع عنه في القديم ما جزم بخلافه في الجديد". وبذلك صرح النووي، وقال: "أما قديم لم يخالفه في الجديد، أو لم يتعرض لتلك المسألة فيه، فإنه مذهب الشافعي، واعتقاده، ويعمل به، ويفتى عليه، فإنه قاله، ولم يرجع عنه، وإطلاقهم أن القديم مرجوع عنه، ولا عمل به إنما هو بالنظر إلى الغالب" ذكره العلائي في (قواعده) . وقال أيضاً: "لا ينبغي لمقلد مذهب الشافعي أن ينسب المذهب القديم إليه، ولا لمن يسأل عن مذهبه أن يفتي به لصحة رجوعه عنه، ومخالفته إياه في الجديد، بل ينظر في ذلك القول، فإن كان موافقاً لقواعد الجديد عمل به، لا لذاته، بل لاقتضاء قواعد الجديد إياه، أو دل عليه حديث صحيح، مع قول الشافعي: "إذا صح الحديث فهو مذهي " وقوله أيضاً: "كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي" وبذا عمل كثير من أصحابنا، فكان من ظفر منهم بحديث، ومذهب الشافعي بخلافه، عمل بالحديث، ولم يتفق ذلك إلا نادراً. وليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما رآه من الحديث، لأنه قد يكون الشافعي اطلع على هذا الحديث وتركه عمداً على علم منه بصحته، لمانع اطلع عليه، وخفي على غيره، كما قال أبو الوليد موسى بن أبي الجارود، روى عن الشافعي أنه قال: "إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث، وقلت قولاً بخلافه، فإني راجع عنه، قائل بذلك" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 980 قال أبو الوليد: وقد صح حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) . فرُد على أبي الوليد بأن الشافعي تركه مع صحته، لكونه منسوخاً عنده، وقد بيَّنه، والله أعلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 981 الفائدة الثالثة: مضي الزمان هناك صور يقوم فيها مضي الزمان مقام الفعل، جمعها المحب الطبري في. (شرح التنبيه) وهي بضع عشرة مسألة، أكثرها على ضعف، وهي: 1 - مضي مدة المسح، يوجب النزع، وإن لم يمسح. 2 - مضي زمن المنفعة في الإجارة، يقرر الأجرة، وإن لم ينتفع. 3 - إقامة زمن عرضها على الزوج الغائب، مقام الوطء، حتى تجب النفقة. 4 - مضي زمن يمكن فيه القبض، ويكفي في الهبة والرهن، وإن لم يقبض. 5 - إقامة وقت الجداد مقامه عند من يرى أن لا ضم. 6 - دخل وقت الصلاة في الحضر، ثم سافر، يمسح مسح مقيم في وجه. 7 - الصبي والعبد إذا وقفا بعرفة، ثم دفعا بعد الغروب، ثم كملا قبل الفجر، سقط فرضهما عند ابن سريج. 8 - إذا انتصف الليل، دخل وقت الرمي، وحصل التحلل عند الإصطخري. 9 - 10 - إقامة وقت التأبير، وبُدُوِّ الصلاح، مقامهما في وجه. 11 - إقامة وقت الخَرْص مقامه، إن لم يشترط التصريح بالتضمين، وهو وجه. 12 - خروج الوقت يمنع فعل الصلاة على قول. 13 - إذا سافر بعد الوقت، لا يقصر على وجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 982 الباب التاسع القواعد المختلف فيها في المذهب الحنبلي هذه القواعد مستنبطة من تتبع آراء الإمام أحمد وعلماء المذهب الحنبلي في الفروع الفقهية والمسائل المتعددة، وأن الحكم مختلف فيه لرأين أو أكثر، ولذلك جاءت بصيغة الاستفهام، وقد يكون أحد الأقوال راجحاً في المذهب، أو مشهوراً، فيشار إليه باعتباره القول المعتمد في المذهب، وقد يكون القول راجحاً في باب فقهي، وغيره راجحاً في باب آخر. كما يظهر أن معظم هذه القواعد هي مجرد ضوابط، أي قاعدة كلية في باب واحد من أبواب الفقه، كما يظهر من صيغتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 983 القاعدة: [280] ما يدركه المسبوق في الصلاة، هل هو آخر صلاته أو أولها؟ التوضيح المسبوق في الصلاة هو الذي اقتدى بالإمام بعد الركوع في الركعة الأولى، وما يليه، ويجب عليه متابعة الإمام حتى يسلم، ثم يقوم ليأتي بما فاته من ركعة أو أكثر، فالإمام مثلاً يكون في الركعة الثانية، والمسبوق بدأ بالركعة الأولى، فهل الركعة الأولى له تعتبر ثانية كالإمام، وما يأتيه بعد تسليم إمامه ركعة أولى، أم تعتبر الركعة الأرلى له ركعة أولى، وما يأتيه فيما بعد مرتباً عليها؟ في المسألة روايتان عن الإمام أحمد، الأولى: أن ما يدركه آخر صلاته، وما يقضيه أولها، والثانية: عكسها. التطبيقات يترتب على هذا الاختلات فوائد: 1 - محل الاستفتاح: فعلى الأولى يستفتح في أول ركعة يقضيها، إذ هي أول صلاته، وعلى الثانية: يستفتح في أول ركعة أدركها، لأنها الأولى له. 2 - التَّعوذ: فعلى الأولى يتعوذ إذا قام للقضاء خاصة، وعلى الثانية يتعوذ في أول ركعة يدركها، وهذا بناء على القول: إن التعوذ يختص بأول ركعة، فان قلنا: إنه مشروع في كل ركعة فتلغى هذه الفائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 985 3 - هيئة القراءة في الجهر والإخفات: فإذا فاتته الركعتان الأوليان من المغرب أو العشاء، جهر في قضائهما من غير كراهة، نص عليه الإمام أحمد في رواية الأثرم. وإن أمَّ فيهما، وقلنا بجوازه، سنَّ له الجهر، وهذا على الرواية الأولى، وعلى الرواية الثانية لا جهر ها هنا. 4 - مقدار القراءة: وللأصحاب طريقان: أحدهما: أنه يقرأ في المقتضيتين بالحمد وسورة معها بلا خلاف، وهو قول الأئمة الأربعة، والطريق الثاني حسب الروايتين. فإن قلنا: ما يقضيه أول صلاته فكذلك يقرأ الحمد وسورة، وعلى الرواية الثانية يقتصر على الفاتحة. 5 - قنوت الوتر: إذا أدركه المسبوق مع الإمام، فإن قلنا: ما يدركه آخر صلاته فلا يقنت ثانية، لأن القنوت مع الإمام وقع في محله ولا يعيده. وإن قلنا: أولها: أعاده في آخر ركعة يقضيها. 6 - تكبيرات العيد الزوائد: إذا أدرك المسبوق الركعة الثانية من العيد، فإن قلنا: هي أول صلاته، كبر خمساً في المقضية، وإلا كبر سبعاً. 7 - إذا سبق في بعض تكبيرات صلاة الجنازة: فإن قلنا: ما يدركه آخر صلاته تابع الإمام في الذكر الذي هو فيه، ثم قرأ الفاتحة في أول تكبيرة يقضيها. وإن قلنا: ما يدركه أول صلاته قرأ فيها بالفاتحة. 8 - محل التشهد الأول في حق من أدرك من المغرب أو الرباعية ركعة، ففي المسألة روايتان، إحداهما: أن ما يقضيه آخر صلاته، فيتشهد عقب ركعة، لأنها ثانيته، وهي الأرجح. والثانية: أن ما يقضيه أول صلاته، ويتشهد عقب ركعتين. ويتفرع على الاختلاف في القاعدة أمران لم يرد فيهما نقل، وهما تطويل الركعة الأولى على الثانية، وترتيب السورتين في الركعتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 986 القاعدة: [281] الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟ التوضيح اختلف علماء المذهب الحنبلي في ذلك على طرق: إحداها: إن الزكاة تجب في العين، الثانية: إن الزكاة تجب في الذمة، الثالثة: إنها تجب في الذمة، وتتعلق بالنصاب، والرابعة: إن في المسألة روايتين: تجب في العين، وتجب في الذمة، والرواية الأولى هي الأرجح. قال البهوتي: "وتجب الزكاة في عين المال، ولها تعلق بالذمة". - التطبيقات يزتب على الاختلاف في محل تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة فوإئد كثيرة، منها: 1 - إذا ملك نصاباً واحداً، ولم يودِّ زكاته أحوالاً، فإن كانت الزكاة في العين وجبت زكاة الحول الأول دون ما بعده، نص عليه أحمد واختاره أكثر الأصحاب؛ لأن قدر الزكاة زال الملك فيه على قول أو ضعف الملك فيه لاستحقاق تملكه، والمستحق في حكم المؤدى، فنقص النصاب في الحول الثاني ولا زكاة فيه، وإن كانت الزكاة في الذمة وجبت لكل حول، إلا إذا قلنا: إن دين الله عز وجل يمنع الزكاة. وهذا الاختلاف إذا كانت زكاته من جنسه، فإن كانت من غير جنسه كالإبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 987 المزكاة بالغنم فتتكرر زكاته لكل حول قولاً واحداً، لأن الملك لا يزال تاماً في النصاب. 2 - إذا تلف النصاب أو بعضه بعد تمام الحول، وقبل التمكن من أداه الزكاة، فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك، إلا زكاة الزروع والثمار إذا تلفت بجائحة قبل القطع فتسقط زكاتها اتفاقاً لانتفاء التمكن من الانتفاع بها. وعن أحمد رواية ثانية بالسقوط. 3 - إذا مات من عليه زكاة دين، وضاقت الزكاة عنهما، فالمنصوص عن أحمد أنهما يتحاصان، إما لتعلق التركة في الذمة أو العين سواه، وإما لتعلق الزكاة بالذمة، فقط لاستوائهما في محل التعلق، وفي قول تتعلق بالنصاب فقط وتقدم الزكاة لتعلقها بالعين، كدين الرهن. 4 - إذا كان النصاب مرهوناً ووجبت فيه الزكاة، فهل تؤدى زكاته منه؟ فيه حالتان، إحداهما: ألا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة، فيؤدي من عين النصاب المرهون؛ لأن الزكاة ينحصر تعلقها بالعين، أما دين الرهن فيتعلق بالذمة والعين، فيقدم عند التزاحم ما اختص تعلقه بالعين، أو لأن تعلق الزكاة قهري، وتعلق الرهن اختياري، والقهري أقوى، أو لأن تعلق الزكاة بسبب المال وتعلق الرهن بسبب خارجي، والتعلق بسبب المال يقدم، إلا على القول بتعلق الزكاة بالذمة خاصة فلا تقدم على حق المرضهن لتعلقه بالعين، كما تقدم الزكاة على الرهن لأن النصاب سبب دين الزكاة فيقدم دينها عند مزاحمة غيره من الديون في النصاب، كما يقدم من وجد عين ماله عند رجل أفلس، وتقدم الزكاة على هذا التعليل سواء تعلقت الزكاة بالذمة أو بالعين. الحالة الثانية: أن يكون له مال يؤدي منه زكاته غير الرهن، فليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على المذهب؛ لأن تعلق حق المرتهن مانع من تصرف الراهن في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 988 الرهن بدون إذنه، والزكاة لا يتعين إخراجها منه، وإن كانت الزكاة تتعلق بالعين، فله إخراجها من الرهن؛ لأنه تعلق قهري وينحصر بالعين. 5 - التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ييع أو غيره، والمذهب صحنه، سواء قلنا: إن الزكاة في العين أو في الذمة، وقيل: إن تعلقت الزكاة بالعين لم يصح التصرف في مقدار الزكاة، وعلى المذهب إن باع النصاب كله، تعلقت الزكاة بذمته حينئذ بغير خلاف، كما لو تلف، فإن عجز عن أدائها ففي طريق تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال، وفي طريق لم يفسخ البيع إن تعلقت الزكاة بالذمة، كما لو وجب عليه دين لآدمي وهو موسر، فباع متاعه ثم أعسر، ويفسخ البيع في قدرها إن تعلقت الزكاة بالعين، تقديماً لحق المساكين لسبقه. 6 - لو كان النصاب غائباً عن مالكه، ولا يقدر على إخراج الزكاة منه، لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه؛ لأن الزكاة مواساة، فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع بالمال المواسى منه، ومثله من وجبت عليه زكاة ماله فأقرضه، فلا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه؛ لأن عوده مرجو، بخلاف التالف بعد الحول. وهذا يرجع إلى القول بوجوب الأداء على الفور، وفي قول: يلزمه أداء زكاته قبل قبضه؛ لأنه في يده حكماً، رلهذا يتلف من ضمانه، وهذا بناء على محل الزكاة، فإن كان في الذمة، لزمه الإخراج عنه من غيره، لأن زكاته لا تسقط بتلفه بخلاف الدين. وإن كان في العين، لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه، والصحيح الأول، ولا تجب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه. 7 - إذا أخرج رث المال زكاة حقه من مال المضاربة منه، فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح، أم من نصيبه من الربح خاصة. والجواب على وجهين بناء عل الخلاف في محل التعلق، فإن كان بالذمة فهي محسوبة من الأصل والربح، لقضاء الديون، وإن كان محل التعلق بالعين، حسبت من الربح كالمؤونة؛ لأن الزكاة إنما تجب في المال النامي، فيحسب من نمائه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 989 وينبني على هذا الأصل الوجهان في جواز إخراج المضارب زكاة حصته من مال المضاربة، فإن تعلقت الزكاة بالعين فله الإخراج منه، والا فلا. وأما حق ربِّ المال فليس للمضارب تزكيته بدون إذنه، إلا أن يصير المضارب شريكاً، فيكون حكمه حكم سائر الخلطاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 990 القاعدة: [282] المستفاد بعد النصاب في أثناء الحول، هل يضم إلى النصاب أو يفرد عنه؟ التوضيح إذا استفاد المسلم مالاً زكوياً من جنس النصاب في أثناء حوله، فإنه يفرد بحول عند الحنابلة كالشافعية، ولكن هل يضمه إلى النصاب في العدد، أو يخلطه به، ويزكيه زكاة خلطة، أو يفرده بالزكاة كما أفرده بالحول؟ فيه ثلاثة وجوه: أحدها: إنه يفرده بالزكاة، كما يفرده بالحول، وهذا الوجه مختص بما إذا كان المستفاد نصاباً أو دون النصاب، ولا يغير فرض النصاب، أما إن كان دون نصاب وتغير فرض النصاب، لم يتأتَّ فيه هذا الوجه؛ لأنه مضموم إلى النصاب في العدد، فيلزم حينئذ جعل ما ليس بوقص في المال وقصاً، وهو ممتنع، ويختص هذا الوجه أيضاً بالحول الأول دون ما بعده؛ لأن ما بعد الحول الأول يجتمع فيه مع النصاب في الحول كله، بخلاف الحول الأول. الوجه الثاني: إنه يزكي زكاة خلطة، كما لو اختلط نفسان في أثناء حول، وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد فيه دون صاحبه. الوجه الثالث: إنه يضم إلى النصاب، فيزكى زكاة ضم، وتكون الزيادة كنصاب منفرد في وجه، أو تعتبر مع الكل نصاباً واحداً في وجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 991 التطبيقات تظهر فائدة اختلاف هذين الوجهين في ثلاثة أنواع: 1 - النوع الأول: أن يكون تتمة فرض زكاة الجميع أكر من فرض المستفاد بخصوصه، مثل أن يملك خمسين بقرة، ثم ثلاثين بعدها، فإذا تم حول الأولى فعليه مُسِنة، فإذا تم حول الثانية، فعليه مُسِنة أخرى على الوجه الثاني، وهو الأظهر، وعلى الأول يمتنع الضم هنا، لئلا يؤدي إلى إيجاب مسنة عن ثلاثين، ويجب إما تبيع على وجه الانفراد، أو ثلاثة أرباع مسنة على وجه الخلطة. 2 - النوع الثاني: أن تكون تتمة الواجب دون فرض المستفاد بانفراده، مثل أن يملك ستاً وسبعين من الإبل، ثم ستاً وأربعين بعدها، فإذا تم حول الأولى فعليه ابنتا لبون، فإذا تم حول الثانية، فعلى الوجه الثاني يلزمه تمام فرض المجموع، وهو بنت لبون، وعلى الأول يمتنع ذلك. 3 - النوع الثالث: أن يكون فرض النصاب الأول الخرج عند تمام حوله من غير جنس فرض المجموع أو نوعه، مثل أن يملك عشرين من الإبل، ثم خمساً بعدها، فعلى الوجه الأول يمتنع الضم ها هنا، لتعذر طرح الخرج عن الأول من واجب الكل. وعلى الثاني، وهو الأظهر، يجب إخراج تتمة الزكاة، وإن كان من غير الجنس، لضرورة اختلاف الحولين، وعلى هذا الوجه فقد تفق وجه الخلطة ووجه الضم على هذا التقدير، حيث لم تكن زكاة الخلطة مفضية إلى زكاة الفرض أو نقصه، وقد يختلفان، حيث أدى الاتفاق إلى أحد الأمرين. والمال المستفاد لا يخلو من أربعة أقسام: 1 - القسم الأول: أن يكون نصاباً مغيراً للفرض، مثل أن يملك أربعين شاة، ثم إحدى وثمانين بعدها، ففي الأربعين شاة عند حولها، فإذا تم حول الثانية فوجهان: أحدهما: فيها شاة أيضاً، وهو متخرج على وجهي الضم والانفراد. والثاني: فيها شاة واحدة، وأربعين جزءاً من أصل مئة وواحد وعثرين جزءاً من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 992 شاة، وهو وجه الخلطة؛ لأنه حصة المشفاد من الثاتين الواجبتين في الجميع. 2 - القسم الثاني: أن تكون الزيادة نصاباً لا يغير الفرض، كمن ملك أربعين شاة، ثم أربعين بعدها، ففي الأولى إذا تم حولها شاة، وإذا تم حول الثانية فثلاثة أوجه: أحدها: لا شيء فيها، وهو وجه الضم، لأن الزيادة بالضم تصير وقصاً. والثاني: فيها شاة، وهو وجه الانفراد. والثالث: فيها نصف شاة، وهو وجه الخلطة. 3 - القسم الثالث: أن تكون الزيادة لا تبلغ نصاباً، ولا تغير الفرض، كمن ملك أربعين من الغنم، ثم ملك بعدها عشرين، ففي الأولى إذا تم حولها شاة، فإذا تم حول الثانية فوجهان: أحدهما: لا شيء فيها، وهو متوجه على وجهي الضم والانفراد. والثاني: فيها ثلث شاة، وهو وجه الخلطة. 4 - القسم الرابع: ألا تبلغ الزيادة نصاباً وتغير الفرض، كمن ملك ثلاثين من البقر، ثم عشراً بعدها، فإذا تم حول الأولى ففيها تبيع، وإذا تم حول الزيادة فيجب فيها ربع مسنة بلا خلاف؛ لأن وجه الانفراد متعذر، وكذا وجه الضم، لأنه يفضي على أصله إلى استثناء شيء وطرحه من غير جنسه، وهو طرح التبيع من المسنة، وهو متعذر، فتعين وجه الخلطة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 993 القاعدة: [283] الملك في مدة الخيار، هل ينتقل إلى المشتري أم لا؟ التوضيح يتم العقد مع شرط الخيار للعاقدين أو لأحدهما، ويكون العقد غير لازم أي قابل للفسخ بإرادة صاحب الخيار، فكيف يكون مصير ملك العقود عليه، هل للبائع أم للمشتري؟ في هذه المسألة روايتان عن الإمام أحمد: أشهرهما: انتقال الملك إلى المشتري بمجرد العقد، وهي المذهب. والثانية: لا ينتقل حتى ينقضي الخيار، فعلى هذه يكون الملك للبائع، وفي قول: يخرج الملك عن البائع، ولا يدخل إلى المشتري، وهو قول ضعيف. التطبيقات يترتب على هذا الخلاف فوائد عديدة: 1 - وجوب الزكاة، فإذا باع نصاباً من الماشية بشرط الخيار حولاً، فزكاته على المشتري على المذهب، سواء فسخ العقد أو أمضى، وعلى الرواية الثانية: الزكاة على البائع إذا قيل: الملك باق له، وهو الراجح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 994 2 - لو كسب المبيع في مدة الخيار كسباً، أو نما نماء منفصلاً، فهو للمشتري، فسخ العقد أو أمضي، وعلى الثانية: هو للبائع. 3 - مؤنة الحيوان المشترى بشرط الخيار تجب على المشتري على المذهب، وعلى البائع على الثانية. 4 - إذا تلف المبيع في مدة الخيار، فإن كان بعد القبض، فهو من مال المشتري على المذهب، وعلى الثانية من مال البائع. 5 - لو تعيب المبيع في مدة الخيار، فعلى المذهب: لا يرد بذلك إلا أن يكون غير مضمون على المشتري لانتفاء القبض، وعلى الثانية: له الرد بكل حال. 6 - تصرف المشتري في مدة الخيار، فلا يجوز إلا بما يحصل به تجربته إلا أن يكون له الخيار وحده، والمنصوص أن له التصرف فيه بالاستقلال، وعلى الرواية الثانية: يجوز التصرف للبائع وحده، لأنه مالك ومملك الفسخ، فإن الخيار وضع لغرض الفسخ دون الإمضاء. فأما حكم نفوذ التصرف وعدمه فالمشهور في المذهب أنه لا ينفذ بحال، ونقل عن أحمد أنه موقوف على انقضاء مدة الخيار. هذا إذا كان الخيار لهما، فإن كان للبائع وحده، فكذلك في تصرف المشتري الروايتان، وإن كان الخيار للمشتري وحده صح تصرفه، لانقطاع حق البائع هاهنا، فلو تصرف المشتري مع البائع والخيار لهما صح. وهذا كله تفريع على المذهب، وهو انتقال اللك إلى المشتري، فأما على الرواية الأخرى، فإن كان الخيار لهما، أو للبائع وحده، صح تصرف البائع مطلقاً؛ لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 995 الملك له، وهو بتمرفه مختار للفسخ، بخلاف تصرف المشتري، فإنه يختار به الإمضاء، وحق الفسخ تقدم عليه. 7 - الأخذ بالشفعة، فلا يثبت في مدة الخيار على الروايتين عند كثر الأصحاب. لأن الملك لم يستقر بعد، أو لأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من الخيار، فلذلك لم تجز المطالبة بها في مدته، فعلى هذا التعليل الثاني لو كان الخيار للمشتري وحده لثبتت الشفعة. 8 - إذا باع أحد الثريكين شقصاً بشرط الخيار، فباع الشفيع حصته في مدة الخيار، فعلى المذهب: يستحق المشتري الأول انتزاع شقص الشفيع من يد مشتريه. لأنه هو شربك الشفيع حالة بيعه، وعلى الثانية: يستحقه البانع الأول، لأن الملك باقٍ له. 9 - لو باع الملتقط اللقطة بعد الحول بشرط الخبار، ثم جاء ربها في مدة الخيار. فإن قلنا: لم ينتقل الملك فالرد واجب، وإن قلنا: بانتقاله، فوجهان، والمجزوم به الوجوب. 10 - لو باع صيداً في مدة الخيار، ثم أحرم في مدته، فإن قلنا: انتقل الملك عنه. فليس له القسخ؛ لأنه ابتداء ملك على الصيد، وهو ممنوع منه، وإن قلنا: لم ينتقل الملك عنه، فله ذلك، ثم إن كان في يده المشاهدة، أرسله، وإلا فلا. 11 - لو باعت الزوجة قبل الدخول الصداق بشرط الخبار، ثم طلقها الزوج في المدة، فإن قلنا: الملك انتقل عنها، ففي لزوم استردادها وجهان، وإن قلنا: لم يزل، لزمها استرداده وجهاً واحداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 996 القاعدة: [284] الإقالة: هل هي فسخ أو بيع؟ التوضيح الإقالة: إنهاء للعقد السابق الصحيح، وهل تعتبر فسخاً أو بيعاً؛ فيه روايتان منصوصتان، واختار الأكثرون أنها فسخ كالشافعية، وفي قول: إنها بيع. التطبيقات 1 - إذا تقايلا قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه، فيجوز على القول: هي فسخ، ولا يجوز على الثانية إلا على رواية: إنه يصح بيعه من بائعه خاصة قبل القبض. (ابن رجب 3/ 310) . 2 - هل تجوز الإقالة في المكيل والموزون بغير وزن؛ إن قلنا: هي فسخ، جازت كذلك، وإن قلنا؛ هي بيع فلا، وهذه طريقة الأكثرين، وحكي أنه لا بد فيها من كيل ثان على الروايتين، كما أن الفسخ في النكاح يقوم مقام الطلاق في إيجاب العدة. (ابن رجب 3/ 310) . 3 - إذا نقايلا بزيادة على الثمن أو نقص منه أو بغير جنس الثمن. فإن قلنا: هي فسخ، لم يصح؛ لأن الفسخ رفع للعقد، فيترادان العوضين على وجههما، كالرد بالعيب وغيره. وإن قلنا: هي بيع، فوجهان، أحدهما يصح، والثاني: لا يصح، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 997 وهو المذهب، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه، ورجوع كل واحد إلى ماله، فلم يجز بأكثر من الثمن، كان كانت بيعاً كبيع التولية، وكره أحمد الإقالة في البيع الأول بزيادة في كل حال، ولم يجوِّز الزيادة، إلا في بيع مستأنف، أو إذا تغيرت السوق فتجوز الإقالة بنقص في مقابلة نقص السعر، أو إذا تغيرت صفة السلعة. وفي رواية الكراهة مطلقاً معللاً بشبهة مسائل العينة. وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في جواز الخلع بزيادة على المهر. (ابن رجب 3/ 315) . 4 - تصح الإقالة بلفظ الإتالة والمصالحة إن قلنا: هي فسخ، وإن قلنا: هي بيع لم ينعقد البيع (وهو الإقالة هنا) بذلك، لأن ما يصلح للحل لا يصلح للعقد، وما يصلح للعقد لا يصلح للحل، فلا ينعقد البيع بلفظ الإقالة، ولا الإقالة بلفظ البيع. وظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك، وتكون معاطاة. (ابن رجب 3/314) . 5 - توفر شروط البيع، إذا قلنا: الإقالة هي فسخ، لم يشترط لها شروط البيع من معرفة المُقال فيه، والقدرة على تسليمه، وتميزه عن غيره، ويشترط ذلك على القول بأنها بيع. ولو تقايلا مع غيبة أحدهما، بأن طلبت منه الإقالة، فدخل الدار وقال على الفور: أقلته، فإن قلنا: هي فسخ صح، وإن قلنا: هي بيع لم يصح، لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين في المجلس. وقيل: لا تصح الإقالة في غيبة الآخر على الروايتين، لأنها في حكم العقود لتوقفها على رضا المتبايعين، بخلاف الرد بالعيب والفسخ للخيار. (ابن رجب 3/ 314) . 6 - الإقالة مع تلف السلعة: فيها طريقان، أحدهما: لا يصح على الروايتين، والثاني: إن قلنا: هي فسخ صحت، وإلا لم تصح، والطريق الثاني قياس المذهب. (ابن رجب 3/ 315) . 7 - هل تصح الإقالة بعد النداء للجمعة؟ فمن قلنا: هي بيع، لم تصح، وإلا صحت. (ابن رجب 3/ 316) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 998 8 - إذا نما المبيع نماءً منفصلاً ثم تقايلا، فإن قلنا: الإقالة بيع، لم يتبع النماء بغير خلاف. وإن قلنا: فسخ، فالنماء للمشتري، وينبغي تخريجه على وجهين، كالرد بالعيب، والرجوع للمفلس. (ابن رجب 3/ 316) . 9 - باعه نخلاً حائلاً ثم تقايلا وقد أطلع، فإن قلنا: الإقالة بيع، فالثمرة إن كانت مؤبرة فهي للمشتري الأول، وإن لم تكن مؤبرة، فهي للبائع الأول، وإن قلنا: هي فسخ، تبعت الأصل بكل حال، سواء كانت مؤبرة أو لا؛ لأنها نماء متصل. (ابن رجب 3/ 316) . 10 - هل يثبت في الإقالة خيار المجلس؟ إن قلنا: إنها فسخ، لم يثبت الخيار. وإن قلنا: هي بيع، فيثبت الخيار، ويحتمل ألا يثبت أيضاً، لأن الخيار وضع للنظر في الحظ، والمقيل قد دخل على أنه لا حظ له، وإنَّما هو متبرع، والمستقيل لم يطلب الإقالة بعد لزوم العقد إلا بعد تروٍّ ونظر، وعلم بأن الحظ له في ذلك، وندم على العقد الأول، فلا يحتاج بعد ذلك إلى مهلة لإعادة النظر. (ابن رجب 3/ 317) . 11 - هل ترد الإقالة بالعيب؛ إن قلنا: هي بيع، ردت به. وإن قلنا: هي فسخ، فيحتمل ألا ترد به، لأن الفسخ لا يفسخ. ويحتمل أن يرد به، كفسخ الإقالة، والرد بالعيب يأخذ الشفيع، وأفتى الشيخ تقي الدين ابن تيمية بفسخ الخلع بالعيب في عوضه، وبفوات صفة فيه، وبإفلاس الزوجة به. (ابن رجب 3/ 317) . 12 - الإقالة في المسلم فيه قبل قبضه: فيها طريقان. أحدهما: بناؤها على الخلاف، فإن قلنا: هي فسخ، جازت. وإن قلنا: بيع لم تجز. والثانية: جواز الإقالة على الروايتين، وهي طريقة الأكثرين. ونقل فيها الإجماع على ذلك. (ابن رجب 3/ 318) . 13 - باعه جزءاً مشاعاً من أرضه ثم تقايلا، فإن قلنا: الإقالة فسخ، لم يستحق المشتري ولا من حدث له شركة في الأرض قبل المقايلة شيئاً من الشقص بالشفعة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 999 وإن قلنا: هي بيع، ثبتت لهم الشفعة، وكذلك لو باع أحد الشريكين حصته، ثم عفا الآخر عن شفعته، ثم تقايلا، وأراد العاني أن يعود إلى الطلب، فإن قلنا: الإقالة فسخ، لم يكن له ذلك، وإلا فله الشفعة. (ابن رجب 3/ 318) . 14 - اشترى شقصاً مشفوعاً، ثم تقايلاه قبل الطلب، فإن قلنا: هي بيع، لم تسقط، كلما لو باعه لغير بائعه، وإن قلنا: فسخ، فقيل: لا تسقط أيضا؛ لأن الشفعة استحقت بنفس البيع، فلا تسقط بعده، وقيل: تسقط، وهو المنصوص عن أحمد. (ابن رجب 3/ 319) . 15 - هل يملك المضارب أو الشريك الإقالة فيما اشئراه؛ فيها طريقان، أحدهما: إن قلنا: الإقالة بيع، ملكه، وإلا فلا؛ لأن الفسخ ليس من التجارة المأذون فيها. والثانية: أنه يملكها على القولين مع الصحة، وهو رأي الأكثرين، كما يملك الفسخ بالخيار. (ابن رجب 3/ 319) . 16 - هل يملك المفلس بعد الحجر المقايلة لظهور المصلحة؟ إن قلنا: هي بيع، لم يملكه، وإن قلنا: هي فسخ، فالأظهر أنه يملكه، كما يملك الفسخ بخيار قائم أو عيب، ولا يتقيد بالأحظ على الأصح؛ لأن ذلك لشى بتصرف مستأنف، بل من تمام العقد الأول ولواحقه. (ابن رجب 3/ 319) . 17 - لو وهب الوالد لابنه شيئاً، فباعه، ثم رجع إليه لإقالة، فإن قلنا: هي بيع، امتنع رجوع الأب فيه، وإن قلنا: هي فسخ، فوجهان، وكذلك حكم المفلس إذا باع السلعة ثم عادت إليه بإقالة ووجدها بائعها عنده. (ابن رجب 3/ 320) . 18 - لو حلف ألا يبيع، أو ليبيعن، أو علق على البيع طلاقاً، ثم أقال، فإن قلنا: هي بيع، ترتبت عليه أحكامه من البر والحنث، وإلا فلا، وقد يقال: الأيمان تنبني على العرف، وليس في العرف أن الإقالة بيع. (ابن رجب 3/ 320) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1000 19 - تقايلا في بيع فاسد، ثم حكم الحاكم بصحة العقد ونفوذه، فهل يؤثر حكمه؟ إن قلنا: هي بيع، فحكمه بصحة العقد الأول صحيح؛ لأن العقد باقٍ. وقد تأكد بترتب عقد عليه، وإن قلنا: هي فسخ، لم ينفذ حكم القاضي، لأن العقد ارتفع بالإقالة، فصار كأن لم يوجد، ويحتمل أن ينفذ وتلغى الإقالة؛ لأنها تصرف في بيع فاسد قبل الحكم بصحته، فلم ينفذ، ولم يؤثر فيه شيئاً. (ابن رجب 3/ 321) . 20 - لو باع ذمِّي ذمِّيًّا آخر خمراً، وقبضت دون ثمنها، ثم أسلم البائع وقلنا: يجب له الثمن، فأقال المشتري فيها، فإن قلنا: الإقالة بيع، لم يصح، لأن شراء المسلم الخمر لا يصح، وإن قلنا؛ هي فسخ، احتمل أن يصح، فيرتفع بها العقد ولا يدخل في ملك المسلم، فهي في معنى إسقاط الثمن عن المشتري، واحتمل ألا يصح، لأنه استرداد لملك الخمر، كما في المحرم: إنه لا يسترد الصيد بخيار ولا غيره، فإن رد عليه بذلك صح الرد ولم يدخل في ملكه، فيلزمه إرساله. (ابن رجب 2/ 321) . 21 - الإقالة هل تصح بعد موت المتعاقدين؛ ذكر القاضي أن خيار الإقالة يبطل بالموت، ولا يصح بعده، وذكر في موضع آخر: إن قلنا: هي بيع صحت من الورثة، وإن قلنا: فسخ، فوجهان. (ابن رجب 3/ 322) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1001 القاعدة: [285] النقود: هل تتعين بالتعيين في العقد أم لا؟ التوضيح في المسألة روايتان عن أحمد، أشهرهما أنها تتعين بالتعيين في عقود المعاوضات. وفي رواية: لا تتعين. التطبيقات يترتب على هذا الخلاف فوائد كثيرة، أهمها: 1 - يحكم بملك النقود للمشتري بمجرد التعيين، فيه لك التصرف فيها، وإذا تلفت تلفت من ضمانه على المذهب. وعلى الرواية الأخرى: لا يملكها بدون القبض. فهي قبله ملك البائع، وتتلف من ضمانه. (ابن رجب 3/ 323) . 2 - لو بأن الثمن مستحَقاً، فعلى المذهب الصحيح يبطل العقد؛ لأنه وقع على ملك الغير، فهو كما لو اشترى سلعة فبانت مستحَقة، وعلى الثانية: لا يبطل، وله البدل. (ابن رجب 3/ 323) . 3 - إذا باع النقد المعين معيباً، فله حالتان: إحداهما: أن يكون عيبه من غير جنسه، فيبطل العقد من أصله؛ لأنه زال عنه اسم الدينار والدرهم بذلك، فلم يصح العقد عليه، كما لو عقد على شاة فبانت حماراً، ويحتمل أن يبطل العقد ها هنا لمعنى آخر، وهو أن البائع لا يمكن إجباره على قبول هذا، وإنما باع بدينار كامل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1002 والمشتري لا يجبر على دفع بقية الدينار، لأنه إنما اشترى بهذا الدينار المتعين، فبطل العقد، ويحتمل أن يصح البيع بما في الدينار من الذهب بقسطه من المبيع، ويبطل في الباقي، وللمشتري الخيار لتبعض المبيع عليه. والحالة الثانية: أن يكون عيبها من جنسها، ولم ينقص وزنها، كالسواد في الفضة، فالبائع بالخيار بين الإمساك والفسخ، وليس له البدل، لتعيين النقد في العقد، ومتى أمسك فله الأرش إلا في صرفها يحنسها. وهذا كله على رواية تعيين النقود، فأما على الأخرى فلا يبطل العقد بحال إلا أن يتفرقا والعيب من غير الجنس، لفوات قبض المعقود عليه في المجلس، ولا فسخ بذلك، وإنما يثبت به البدل دون الأرش؛ لأن الواجب في الذمة دون المعين. (ابن رجب 3/ 324) . 4 - إذا باعه سلعة بنقد معين، فعلى المشهور أن النقد يتعين بالتعيين، لا يجبر واحد منهما على البداءة بالتسليم، بل ينصب عدل يقبض منهما، ثم يقبضهما، لتعلق حق كل منهما بعين معينة، فهما سواء، وعلى الروإية الأخرى أن النقد لا يتعين بالتعيين. فهو كما لو باعه بنقد في الذمة، فيجبر البائع على التسليم لتعلق حق المشتري بالعين دونه. (ابن رجب 3/ 327) . 5 - لو باعه سلعة بنقد معين، وقبضه البائع من المشتري، ثم أتاه به، فقال: هذا الثمن، وقد خرج معيباً، وأنكر المشتري، ففيه طريقان: إحداهما: إن قلنا: النقود تتعين بالتعيين، فالقول قول المشتري، لأن البائع يدعي على المشتري استحقاىَ الرد، والأصل عدمه. وإن قلنا: لا تتعين، فوجهان: الأول؛ القول قول المشتري أيضاً. لأنه أقبض لا الظاهر ما عليه. والثاني: قول القابض؛ لأن الثمن في ذمته. والأصل اشتغالها به، إلا أن يثبت براءتها منه. والطريقة الثانية: إن قلنا: إن النقود لا تتعيين. فالقول قول البائع وجهاً واحداً؛ لأنه قد ثبت اشتغال ذمة المشتري بالثمن، ولم يثبت براءتها منه، وإن قلنا: تتعين فوجهان مخرجان من الروايتين، أحدهما: القول قول البائع؛ لأنه يدعي سلامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1003 العقد، والأصل عدمه، ويدعي عليه ثبوت الفسخ، والأصل عدمه. والثاني: قول القابض؛ لأنه منكر التسليم المستحق، والأصل عدمه، وجزم ابن قدامة والمجد بأن القول قول البائع إذا أنكر أن يكون المردود بالعيب هو المبيع. (ابن رجب 3/ 328) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1004 القاعدة: [286] المضارب، هل يملك الربح بالظهور أو لا؟ التوضيح المضارب هو الشريك العامل في المضاربة الذي يقدم العمل، فإن حصل ربح من التجارة والمضاربة، فهل يملك المضارب حصته من الربح بمجرد ظهور الربح، أم بعدالقسمة؟ قال بعضهم: يملكه بالظهور رواية واحدة. وقال الأكثرون: في المسألة روايتان. إحداهما: يملكه بالظهور، وهو المذهب المشهور. والرواية الثانية:: لا يملكه بدون القسمة، ويستقر الملك بربح المضاربة بالمقاسمة، أو بالمحاسبة التامة. التطبيقات نتج عن هذا الاختلاف فوائد، منها: 1 - انعقاد الحول على حصة المضارب من الربح قبل القسمة. فإن قيل: لا يملكها بدون القسمة، فلا ينعقد الحول قبلها. وإن قيل: يملكها بمجرد الظهور، ففي انعقاد الحول عليها قبل استقرار الملك فيها أو بدون استقراره طرق: إحداها: لا ينعقد الحول عليها قبل الاستقرار بحال من غير خلاف، وتستقر بالقسمة أو بالمحاسبة التامة، فينعقد الحول عندهما وهو المنصوص عن أحمد، والطريقة الثانية: إن قلنا: يملكه بالظهور، انعقد عليه الحول من حينه، وإلا فلا. والطريقة الثالثة: إن قلنا: لا يثبت الملك قبل الاستقرار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1005 لم ينعقد الحول، وإن قلنا: يثبت بدونه ففي وجه ينعقد قبله، والراجح عدم الانعقاد. وأما ربّ المال فعليه زكاة رأس ماله مع حصته من الربح، وينعقد الحول عليها بالظهور، وأما بقية الربح (الخاص بالمضارب) فلا يلزم ربّ المال زكاته. (ابن رجب 3/ 353) . 2 - لو اشترى العامل لنفسه من مال المضاربة، فإن لم يظهر ربح صح، نص عليه أحمد، لأنه ملك لغيره، وكذلك إن ظهر ربح وقلنا: لا يملكه بالظهور، وإن قلنا: يملكه فهو كشراء أحد الشريكين من مال الشركة، والمذهب أنه يبطل في قدر حقه، لأنه مِلكه، فلا يصح شراؤه له، وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة، وفي رواية يصح في الحل تخريجاً على الرواية التي يخير فيها لرب المال أن يشتري من مال المضاربة؛ لأن علاقة حق المضارب به صيَّرته كالمنفرد عن ملكه، فكذا المضارب مع رب المال، وأولى. (ابن رجب 3/ 356) . 3 - لو اشترى العامل شقصاً للمضاربة، وله فيه شركة، فهل له الأخذ بالشفعة؟ فيه طريقان، إحداهما: فيه وجهان: ففي وجه لا يملك الأخذ؛ لأنه متصرف لرب المال، فامتنع أخذه كما يمتنع شراء الوصي والوكيل مما يتوليان بيعه، وفي وجه له الأخذ تخريجاً على وجوب الزكاة عليه في حصته، فإنه يصير حينئذ شريكاً يتصرف لنفسه ولشريكه، ومع تصرفه لنفسه تزول التهمة، ولأنه يأخذ بمثل المأخوذ به، فلا تهمة، بخلاف شراء الوصي والوكيل، وكل ذلك مقيد بحالة ظهور الربح. والطريقة الثانية: إذا لم يملك العامل الربح بالظهور، سواء كان للمال ربح أم لا، فله الأخذ بالشفعة؛ لأن الملك لغيره، فله الأخذ منه. وإذا قلنا: يملك العامل الربح بالظهور، وكان فيه ربح، ففيه وجهان بناء على ثراء العامل من مال المضاربة بعد ملكه من الربح على ما سبق. (ابن رجب 3/ 357) . 4 - لو أسقط العامل حقه من الربح بعد ظهوره، فإن قلنا: لا يملكه بالظهور، لم يسقط، وإن قلنا: يملكه بدون قسمة فوجهان. (ابن رجب 3/ 358) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1006 5 - لو قارض المريض مرض الموت غيره، وسمى للعامل فوق تسمية المثل. فالراجح: يجوز، ولا يحسب من الثلث، لأن ذلك لا يؤخذ من ماله، وإنما يستحقه بعمله من الربح الحادث، ويحدث على ملك العامل دون المالك، وهذا يتجه على القول بأنه يملكه بالظهور، وإن كان لا يملكه بدون القسمة احتمل أن يحتسب من الثلث، لأته خارج من ملكه، واحتمل ألا يحتسب منه، وهو الظاهر؛ لأن المال الحاصل لم يفوت عليهم منه شيئاً، وإنما زادهم فيه ربحاً. (ابن رجب 3/ 358) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1007 القاعدة: [287] الموقوف عليه؛ هل يملك رقبة الوقف أم لا؟ التوضيح الوقف مشروع بقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عنه: "حبّس الأصل، وسبّل الثمرة". والوقف تبرع من الواقف لوجه اللاً تعالى، واختلفت الروايات في مالك الوقف، وأشهرها: أنه ملك الموقوف عليه، والثانية: أنه ملك للوا قف، والثالثة: أنه ملك لله تعالى. التطبيقات يترتب على هذا الاختلاف مسائل كثيرة، أهمها: أ - زكاة الوقف، إذا كان ماشية موقوفة على معين، فهل يجب عليه زكاتها؟ فيه طريقتان: إحداهما: بناؤه على هذا الخلاف، فإن كان الملك للموقوف عليه، فعليه زكاتها، وإن كان لله تعالى، فلا زكاة، وإن كان الملك للواقف فعليه زكاته، ونص أحمد على أن من وقف على أقاربه، فإن الزكاة عليه، بخلاف من وقف على المساكين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1008 الطريقة الثانية: لا زكاة فيه على الروايات، لقصور الملك فيه. أما الشجر الموقوف فتجب زكاته في ثمره على الموقوف عليه وجهاً واحداً، لأن ثمره ملك للموقوف عليه، وفي رواية لا زكاة فيه. (ابن رجب 3/ 359) . 2 - إذا جنى الوقف، كما لو جنى العبد على غيره، فضمان الجناية على الموقوف عليه إذا قيل: إنه مالكه؛ لأنه امتنع من تسليمه، فيلزمه فداؤه، وإن قيل: هو ملك لله تعالى، فالأرش من كسب الدابة، وقيل: من بيت المال، وفيه وجه: لا يلزم الموقوف عليه الأرش على القولين؛ لأن امتناعه من التسليم بغير اختياره، إذ لا قدرة له عليه على التسليم بحال. (ابن رجب 360/3) . 3 - نظر الواقف، إذا لم يشرط له ناظر، فعلى القول بملك الموقوف عليه، له النظر فيه، وعلى القول بأن ملكه لله تعالى فنظره للحاكم، وظاهر كلام أحمد أن نظره للحاكم، وفي قول: ينظر فيه الحاكم، ولو كان الملك للموقوف عليه، لعلاقة حق من يأتي بعده. (ابن رجب 3/ 361) . 4 - هل يستحق الشفعة بإثركة الوقف؟ الجواب فيه طريقان، أحدهما: البناء على أنه هل يملكه الموقوف عليه. فإن قيل: يملكه، استحق به الشفعة، وإلا فلا. والطريق الثاني: فيه وجهان بناء على قولنا: يملكه؛ لأن الملك قاصر. (ابن رجب 3/ 361) . 5 - لو زرع الغاصب في أرض الوقف، فهل للموقوف عليه تملكه بالنفقة؛ إن قيل: هو المالك، فله ذلك، وإلا فهو كالمستأجر ومالك المنفعة، ففيه تردد. (ابن رجب 3/ 362) . 6 - نفقة الوقف، وهي في كلته، ما لم يشرط غيرها، فإن لم يكن له غلة. فوجهان، أحدهما: نفقته على الموقوف عليه. والثاني: من بيت المال، وقيل: هما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1009 مبنيان على انتقال الملك إليه وعدمه، وقد يقال: بالوجوب عليه، وإن كان الملك لغيره كما نقول بوجوبها على الموصى له بالمنفعة على وجه. (ابن رجب 3/ 362) . 7 - لو فضَّل بعض ولده على بعض في الوقف، فالمنصوص الجواز، بخلاف الهبة، فقيل: هو بناء على أن الملك لا ينتقل إلى الموقوف عليهم. فإن قلنا: بانتقاله، لم يجز كالهبة. وقيل: يجوز على القولين، لأنه لم يخصه بالملك، بل جعله ملكاً لجهة متصلة على وجه القربة، وجعل الولد في بعض تلك الجهة. (ابن رجب 3/ 363) . فائدة: وشبيه بهذا وقف المريض على وارثه، هل يقف على الإجازة كهبته؛ أم ينفذ من الثلث، لأنه ليس تخصيصاً للوارث، بل تمليك لجهة متصلة، الوارث بعض أفرادها؛ وفيه روايتان. 8 - الوقف على نفسه، وفي صحته روايتان مبنيتان على هذا الأصل. فإن قلنا: الوقف ملك للموقوف عليه، لم يصح وقفه على نفسه، لأنه لا يصح أن يزيل الإنسان ملك نفسه إلى نفسه، وإن قلنا: دته تعالى، صح. (ابن رجب 3/ 363) . 9 - الوقف المنقطع، هل يعود إلى ورثة الموقوف عليه، أو إلى ورثة الواقف؛ فيه روايتان، والمنصوص عن أحمد وغيره أنه يعود إلى ورثة الموقوف عليه، وظاهر كلامه أنه يعود إليهم إرثاً، لا وقفاً، وهذا متنزل على القول بأنه ملك للموقوف عليه. ولذلك شبه الإمام أحمد الوقف المنقطع بالعمرى والرقبى، وجعلها لورثة الموقوف عليه، كما ترجع العمرى والرقيى إلى ورثة المعطى، وقال الشيخ مجد الدين: إنما يرجع وقفاً على الورثة، فلا يستلزم ملك الموقوف عليه. (ابن رجب 3/ 363) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1010 القاعدة: [288] إجازة الورثة، هل هي تنفيذ للوصية، أو ابتداء عطية؟ التوضيح الوصية مشروعة بالثلث، لكسب الثواب والأجر للموصي، ورعاية لحق الورثة في الثلثين، فإن زاد الموصي على الثلث كانت الوصية بالزائد موقوفة على إجازة الورثة، فإن منعوها بطلت، وإن أجازها نفذت. واختلفت الرواية عن أحمد في حقيقة ذلك. ففي رواية: الإجازة تنفيذ للوصية، وفي رواية: الإجازة ابتداء عطية من الورثة للموصى له، والأشهر أنها تنفيذ. التطبيقات 1 - لا يشترط في الإجازة شروط الهبة من الإيجاب والقبول والقبض، فتصح بقوله: أجزت وأنفذت، ونحو ذلك، وإن لم يقبل الموصى له في المجلس. وإن قلنا: هي هبة، افتقرت إلى إيجاب وقبول. وقيل: على وجهين: الأول تقبل الهبة بلفظ الإجازة هنا، وهو ظاهر المذهب. والثاني: لا تقبل. (ابن رجب 3/ 366) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1011 2 - هل يشترط أن يكون المجاز في الوصية معلوماً للمجيز؟ والجواب: لا يشترط ذلك، فلو قال: ظننت المال قليلاً فإنه يقبل قوله، ولا تنافي بين قوله والإجازة لوجهين: الأول: أن صحة إجازة المجهول لا تنافي ثبوت الرجوع فيه إذا تبين فيه ضرر على المجيز، لم يعلمه استدراكاً لظلامته، كمن أسقط شفعته لمعنى، ثم بأن بخلافه، فإن له العود إليها، وكذلك إذا أجاز الجزء الموصى به يظنه قليلاً، فبان كثيراً فله الرجوع بما زاد على ما في ظنه. والوجه الثاني: إنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مئة وخمسون درهماً، فبان ألفاً، فهو إنما أجاز مئة وخمسين درهماً، لم يجز أكثر منها، فلا تنفذ إجازته في غيرها، وهذا بخلاف إذا أجاز النصف كائناً ما كان، فإنه يصح، ويكون إسقاطاً لحقه من المجهول، فينفذ كالإبراء، لكن ابن قدامة قال: إن الإجازة لا تصح بالمجهول. وهل يصدق في دعوى الجهالة؛ على وجهين. فإن قلنا: الإجازة تنفيذ صحت بالمجهول، ولا رجوع. وإن قلنا: هبة، فوجهان. (ابن رجب 3/ 366) . 3 - لو وقف على وارئه، فأجازه. فإن قلنا: الإجازة تنفيذ، صح الوقف ولزم. وإن قلنا: هبة، فهو كوقف الإنسان على نفسه. (ابن رجب 3/ 368) . 4 - لو كان المجيز أباً للمجاز له، كمن وصى لولد ولده الصغير، فأجازه والده، فليس للمجيز الرجوع فيه إن قلنا: هو تنفيذ. وإن قلنا: عطية: فله ذلك، لأنه وهب لولده مالاً. (ابن رجب 3/ 368) . 5 - لو حلف: لا يهب فأجاز، فإن قلنا: هي عطية، حنث، وإلا فلا. (ابن رجب 3/ 369) . 6 - لو قبل الموصى له الوصية المفتقرة إلى الإجازة قبل الأجازة، ثم أجيزت، فإن قلنا: الإجازة تنفيذ فالملك ثابت له من حين قبوله أولاً (1) . وإن قلنا: عطية، لم يثبت الملك إلا بعد الإجازة. (ابن رجب 3/ 369) .   . (1) هذا على قول الحنابلة أن الوصية من تاريخ القبول فقط، بينما قال الجمهور: تنتقل من وقت الموت مستندة بأثر رجعي، انظر: كشاف القناع 4/ 384، المغنى 8/ 419، وكتابنا: الفرائض والمواريث والوصايا ص 514 مع المصادر الواردة في الهامش 1، ص 515 لسائر المذاهب، وسيرد ذلك في القاعدة التالية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1012 7 - إن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز، هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه. ومثاله: إذا كانت معنا وصيتان، إحداهما مجاوزة للثلث، والأخرى لا تجاوزه، كنصف وثلث، وأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة. (وهي الوصية بالنصف) . فإن قلنا: الإجازة تنفيذ، زاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل، فيقسم الثلث بينهما على خمسة، لصاحب النصف ثلاثة أخماسه، وللآخر خمساه، ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة. وإن قلنا: عطية، فإنما يزاحمه بثلث خاصة، إذ الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت، فلا يزاحم بها الوصايا، فيقسم الثلث بينهما نصفين، ثم يكمل لصاحب النصف ثلث بالإجازة. (ابن رجب 3/ 369) . 8 - لو أجاز المريض في مرض موته وصية مورثه، فإن قلنا: عطية، فهي معتبرة من ثلثه. وإن قلنا: تنفيذ، فطريقان، أحدهما: القطع بأنها من الثلث أيضاً تشبيهاً بالصحيح إذا حابى في بيع له فيه خيار، ثم مرض في مدة الخيار، فإن محاباته تصير من الثلث؛ لأنه تمكن من استرداد ماله إليه، فلم يفعل، فقام ذلك مقام ابتداء إخراجه من المرض. ونظيره لو وهب الأب لولده شيئاً ثم مرض وهو بحاله ولم يرجع فيه. والطريق الثاني: إن المسألة على وجهين منزلين على أصل الخلاف في حكم الإجازة، وقد يتنزلان على أن الملك هل ينتقل إلى الورثة في الموصى به، أم تمنع الوصية الانتقال؛ وفيه وجهان. فإن قلنا: ينتقل إليهم، فالإجازة من الثلث؛ لأنه إخراج مال مملوك، وإلا فهي من رأس المال، لأنه امتناع من تحصيل مال لم يدخل بعد في ملكه، وإنما تعلق به حق ملكه، بخلاف محاباة الصحيح إذا مرض، فإن المال كان على ملكه، وهو قادر على استرجاعه. (ابن رجب 3/ 371) . 9 - إجازة المفلس للوصية الزائدة، وهي نافذة، وهو منزل على القول بالتنفيذ. وقاله صاحب (المغني) في السفيه، معللاً بأنه ليس من أهل التبرع. (ابن رجب 3/ 372) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1013 القاعدة: [289] الموصى له، هل يملك الوصية حين الموت، أو من حين قبولها؟ التوضيح الوصية تبرع بإيجاب من الموصي، وقبول من الموصى له المعين، ويشترط في القبول أن يكون بعد الموت، فإن كان عقب الموت مباشرة فلا إشكال، وينتقل الموصى به للموصى له عند الموت، فإن تأخر القبول شهراً مثلاً، فيحصل خلاف في وقت ملك الوصية حين الموت أو حين القبول، على وجهين، وعلى القول الراجح: بأن الموصى له يملكها حين قبوله. فهل هي قبله على ملك الميت أو على ملك الورثة؟ فيه وجهان، والاكثر على أنها ملك للموصى له وهو منصوص أحمد. التطبيقات 1 - حكم نماء الموصى به بين الموت والقبول. فإن قلنا: هو على ملك الموصى له، فلا يحتسب عليه من الثلث. وإن قلنا: هو على ملك الميت، فتوفر به التركة، فيزداد الثلث. وإن قلنا: على ملك الورثة فنماؤه لهم خاصة. وأكد القاضي أبو يعلى أن ملك الموصى له لا يتقدم القبول. وأن النماء قبله للورثة، مع أن العين باقية على حكم ملك الميت، فلا يتوفر به الثلث، لأنه لم يكن ملكاً له حين الوفاة. (ابن رجب 3/ 373) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1014 2 - لو نقص الموصى به في سعر أو صفة، فإن قلنا يملكه بالموت، اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدق صفاته من يوم الموت إلى القبول؛ لأن الزيادة حصلت في ملكه، فلا يحتسب عليه، والنقص لم يدخل في ضمانه، بل هو من ضمان التركة، وأما نقص الأسعار فلا يضمن عندنا، وإن قلنا: يملكه من حين القبول، اعتبرت قيمته يوم القبول سعراً وصفهَ، لأنه لم يملكه قبل ذلك. والمنصوص عن أحمد أنه يعتبر قيمته يوم الوصية، فظاهره أنه يعتبر بيوم الموت على الوجوه كلها؛ لأن حقه تعلق بالموصى به تعلقاً قطع تصرف الورثة فيه، فيكون ضمانه عليه. (ابن رجب 3/ 374) . 3 - لو وصى لرجل بأرض، فبنى الوارث فيها، وغرس قبل القبول. ثم قبل، فإن كان الوارث عالماً بالوصية قلع بناؤه وكرسه مجاناً، وإن كان جاهلاً فعلى وجهين. وهو متوجه على القول بالملك بالموت أو بعد القبول. فإن قيل: هي قبل القبول على ملك الوارث فهو كبناء مشتري الشقص المشفوع وكرسه فيكون محزماً يتملك بقيمته. (ابن رجب 3/ 376) . 4 - لو بيع شقص في شركة الورثة والموصى له قبل قبوله. فإن قلنا: الملك له من حين الموت فهو شريك للورثة في الشفعة، وإلا فلا حق له فيها. (ابن رجب 3/ 376) . 5 - جريان الملك من حيث الموت في حول الزكاة، فإن قلنا: ملكه للموصى له، جرى في حوله. وإن قلنا: للورثة، فهل يجري في حولهم، حتى لو تأخر القبول سنة كانت زكاته عليهم، أم لا، لضعف ملكهم فيه وتزلزله وتعلق حق الموصى له؛ فيه قولان. (ابن رجب 3/ 377) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1015 القاعدة: [290] الدَّين، هل يمنع انتقال التركة إلى الورثة أم لا؟ التوضيح إذا مات الإنسان انتقلت أمواله إلى الورثة، ولكن يتعلق بها أولاً أداء الدَّين، فإن كان على الميت دين، وتعلق بالتركة، فهل تنتقل التركة إلى الورثة، أم لا؟ في المسألة روايتان: أشهرهما: الانتقال، وهي المذهب. ونص أحمد أن المفلس إذا مات، سقط حق البائع من عين ماله، لأن اللك انتقل إلى ورثته. والرواية الثانية: لا ينتقل، ولا فرق بين ديون الله عز وجل وديون الآدميين، ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت بسبب منه يقتضي الضمان، كحفر بئر ونحوه. وهل يعتبر كون الدَّين محيطاً بالتركة أم لا؟ وهو الدين المستغرق، فيه قولان، وعلى القول بالانتقال فيتعلق حق الغرماء بها جميعاً، وإن لم يستغرقها الدين، وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية؛ فيه قولان. التطبيقات 1 - هل يتعلق جميع الذين بالتركة، وبكل جزء من أجزائها، أم يتقسط؛ إن كان الوارث واحداً تعلق الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها، وإن كان الوارث متعدداً انقسم الدَّين على قدر حقوقهم، وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين، وبكل جزء منها. (ابن رجب 378/3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1016 2 - هل يتعلق الدَّين بعين التركة مع الذمة؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ينتقل إلى ذمم الورثة. والثاني: هو باقٍ في ذمة الميت، وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت. والثالث: يتعلق باعيان الزكة فقط، وردّ بلزوم براءة ذمة الميت منها بالتلف، وينزتب على هذا الاختلاف الفوائد التالية. (ابن رجب 3/ 379) . 3 - هل يمنع تعلق الدين بالتركة من نفوذ التصرف ببيع أو غيره من العقود؛ إن قلنا بعدم انتقال الذين إلى ذمة الورثة فلا إشكال في عدم النفوذ، وإن قلنا بانتقال الدَّين إلى ذمة الورثة فوجهان: أحدهما: لا ينفذ. والثاني: ينفذ، وهو المذهب. وإنما يجوز التصرف بشرط الضمان. (ابن رجب 3/ 378) . 4 - نماء الزكة: فإن قلنا: لا ينتقل الدين إلى الورثة، تعلق حق الغرماء بالنماء كالأصل. وإن قلنا: ينتقل إليهم، فهل يتعلق حق الغرماء بالنماء؛ على وجهين. حسب قاعدة النماء. (ابن رجب 3/ 383) . 5 - لو مات رجل وعليه دين وله مال زكوي، فهل يبتدئ الوارث حول زكاته من حين موت مورثه أم لا؟ إن قلنا: لا تنتقل التركة إلى الوارث مع الدَّين، فلا إشكال في أنه لا يجري حوله حتى تنتقل إليه. وإن قلنا: ينتقل، انبنى على أن الدَّين هل هو مضمون في ذمة الوارث أو هو في ذمة الميت خاصهَ؟ فإن قلنا: الدَّين في ذمة الوارث، وكان مما يمنع الزكاة، انبنى على أن الدَّين المانع هل يمنع انعقاد الحول من ابتدائه، أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة؛ فيه روايتان، والمذهب أنه يمنع الانعقاد، فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الذين من المال. وإن قلنا: إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول، منع الوجوب ها هنا إلى آخر الحول في قدره أيضاً، وإن قلنا: ليس في ذمة الوارث شيء، فالظاهر أن تعلق الدَّين بالمال مانع أيضاً. (ابن رجب 3/ 382) . 6 - لو كان له شجر، رعليه دين، همات، فها هنا صورتان. إحداهما: أن يموت قبل أن يثمر، ثم أثمر قبل الوفاء، فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء أم لا؟ فإن قلنا: يتعلق به، خرج على الخلاف في منع الدَّين الزكاة في الأموال الظاهرة، وإن قلنا: لا يتعلق به، فالزكاة على الوارث بناء على انتقال الملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1017 إليه، أما إن قلنا: لا ينتقل، فلا زكاة عليه فيه إلا أن ينفك التعلق قبل بدو الصلاح. الصورة الثانية: أن يموت بعدما أثمرت، فيتعلق الدين بالثمرة، ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب، فقد وجبت عليه الزكاة، إلا أن نقول: إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر، وإن كان موته قبل وقت الوجوب. فإن قلنا: تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين، فالحكم كذلك، لأنه مال لهم تعلق به دين، ولا سيما إن قلنا: إنه في ذممهم. وإن قلنا: لا تنتقل التركة إليهم فلا زكاة عليهم. وهذا يدل على أن النماء المنفصل يتعلق به حق الغرماء بلا خلاف. (ابن رجب 3/ 383) . 7 - لو كانت التركة حيواناً، فإن قلنا بالانتقال إلى الورثة، فالنفقة عليهم، وإلا فمن التركة، وكذلك مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه. (ابن رجب 3/ 384) . 8 - لو مات المدين وله شقص، فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء، فهل للورثة الأخذ بالشفعة؛ إن قلنا بالانتقال إليهم فلهم ذلك، وإلا فلا. ولو كان الوارث شريك الموزث، وبيع نصيب المورث في دينه. فإن قلنا بالانتقال، فلا شفعة للوارث، لأن البيع وقع في ملكه؛ فلا يملك استرجاعه، وإن قيل بعدمه، فله الشفعة، لأن المبيع لم يكن في ملكه، بل في شركته. (ابن رجب 3/ 384) . 9 - لو أقرَّ لشخص، فقال: له في ميراثي ألف، فالمشهور أنه متناقض في إقراره. وفي قول: يحتمل أن يلزمه، إذ المشهور أن الدَّين لا يمنع الميراث، فهو كما لو قال: له في هذه التركة ألف، فإنه إقرار صحيح، لكن إذا قلنا: يمنع الدَّين الميراث، كان تناقضاً بغير خلاف. (ابن رجب 3/ 385) . 10 - لو مات وترك ابنين وألف درهم، وعليه ألف درهم دين، ثم مات أحد الابنين وترك ابناً، ثم أبرأ الغريم الورثة، فعلى القول بانتقال الدَّين إلى ذمم الورثة، فإن ابن الابن يستحق نصف التركة بميراثه عن أبيه، وهو الراجح؛ لأن التركة تنتقل مع الدَّين للورثة، فأنتقل ميراث الابن إلى ابنه، وعلى القول بمنع الانتقال يختص به ولد الصلب، لأنه هو الباقي من الورثة، وابن الابن ليس بوارث معه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1018 والتركة لم تنتقل إلى أبيه، وإنما انتقلت بحد موته، كالوصية إذا مات الموصى له، وقبل وارثه، فإنه يملكه هو دون مورثه على القول الراجح بملك الوصية من حين القبول. (ابن رجب 3/ 386) . 11 - رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس، ينبني على هذا الخلاف. فإن قلنا: ينتقل إلى الورثة، امتنع رجوعه، وبه علله الإمام أحمد. وإن قلنا: لا ينتقل: رجع به، لا سيما والحق هنا متعلق في الحياة تعلقاً أكيداٌ. (ابن رجب 3/ 386) . 12 - ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت ديناً ونحوه. هل هو للورثة خاصة، أم للغرماء والورثة؟ يفهم من كلام أحمد أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودعَ إذا سلَّم الوديعة إلى الورثة، لكن القاضي حمله على الاحتياط؛ لأن التركة ملك للورثة، ولهم الوفاء من غيرها، والظاهر إن قلنا: التركة ملك لهم، فلهم ولاية الطلب والقبض. وإن قلنا: ليست ملكاً لهم، فليس لهم الاستقلال بذلك. (ابن رجب 3/ 389) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1019 القاعدة: [291] نفقة الحامل، هل هي واجبة لها أو لحملها؟ التوضيح تجب النفقة شرعاً بسببين؛ النكاح والقرابة. والمرأة الحامل قد تكون زوجة، وتجب نفقتها على زوجها بالشرع بسبب النكاح، ونفقة القرابة لا تثبت إلا بحكم القاضي. فإن كانت المرأة حاملاً تجب لها النفقة إما بسبب النكاح وهذه لا خلاف فيها، وإما بسبب الحمل. ولكن هل تستحق المرأة الحامل النفقة لنفسها، أو لحملها؟ في المسألة روايتان مشهورتان، وأصحهما أنها للحمل، وينبني على هذا الاختلاف فوائد. التطبيقات 1 - إذا كان الزوج معسراً، فإن قلنا: النفقة للزوجة وجبت عليه، وثبتت في ذمته، وإن قلنا: للحمل، لم تجب؛ لأن نفقة الأقارب مشروطة باليسار دون نفقة الزوجة. (ابن رجب 3/ 398) . 2 - لو مات الزوج، فهل يلزم أقاربه النفقة؛ إن قلنا: هي للحمل، لزمت الورثة، وإن قلنا: هي للزوجة، لم يلزمهم بحال. (ابن رجب 3/ 399) . 3 - لو غاب الزوج، فهل تثبت النفقة في ذمته؟ فيه طريقان، أحدهما: إن قلنا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1020 هي للزوجة، ثبتت في ذمته ولم تسقط بمضي الزمان على المشهور من المذهب، وإن قلنا: هي للحمل، سقطت، لأن نفقة الأقارب لا تثبت في الذمة، والثاني: لا تسقط بمضي الزمان على الروايتين؛ لأنها مصروفة إلى الزوجة، ويتعلق حقها بها، فهي كنفقتها، ويشهد لذلك قول الأصحاب: لو لم ينفق عليها يظنها حائلاً، فبانت حاملاً لزمه نفقة الماضي. (ابن رجب 3/ 399) . 4 - إذا اختلعت الحامل بنفقتها، فهل يصح جعل النفقة عوضاً للخلع؟ ففي قول: إن قلنا: النفقة لها، صح، وإن قلنا: للحمل، لم يصح، لأنها لا تملكها. وقال الأكثرون: يصح على الروايتين، لأنها مصروفة إليها، وهي المنتفعة بها (ابن رجب 3/ 400) . 5 - لو نشزت الزوجة حاملاً، فإن قلنا: نفقة الحامل لها، سقطت بالنشوز، وإن قلنا؛ للحمل، لم تسقط به. (ابن رجب 3/ 400) . 6 - الحامل من وطء الشبهة أو نكاح فاسد، هل تجب نفقتها على الواطئ؛ إن قلنا: النفقة لها، لم تجب؛ لأن النفقة لا تجب للموطوءة بشبهة ولا نكاح فاسد؛ لأنه لا يتمكن من الاستمتاع بها، إلا أن يسكنها في منزل يليق بها تحصيناً لمائه، فيلزمها ذلك، وتجب لها النفقة حينئذ. وإن قلنا: النفقة للحمل، وجبت؛ لأن النسب لاحق بهذا الواطئ، ونص عليه أحمد في وجوب النفقة لها. (ابن رجب 3/ 400) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1021 7 - لو كان الحمل مومراً، بأن يوصى له بشيء، فيقبله الأب. فإن قلنا: النفقة له، سقطت نفقته عن أبيه، وإن قلنا: لأمه، لم تسقط. (ابن رجب 3/ 402) . 8 - لو دفع إليها النفقة، فتلفت بغير تفريط، فإن قلنا: النفقة لها، لم يلزم بدلها، وإن قلنا: للحمل، وجب إبدالها؛ لأن ذلك حكم نفقة الأقارب. (ابن رجب 3/ 402) . 9 - فطرة المطلفة الحامل، إن قلنا: النفقة لها، وجبت لها الفطرة. وإن قلنا: للحمل، ففطرة الحمل على أبيه غير واجبة على الصحيح إلا بعد الولادة إن كانت قبل غروب الشمس من ليلة العيد. (ابن رجب 3/ 402) . 10 - هل تجب السكنى للمطلقة الحامل؛ إن قلنا: النفقة لها، فلها السكنى أيضاً، وإن قلنا: للحمل، فلا سكنى لها. (ابن رجب 3/ 402) . 11 - نفقة المتوفى عنها إذا كانت حاملاً، في وجوبها روايتان بناهما بعضهم على هذا الأصل، فإن قلنا: النفقة للحمل، وجبت من التركة، كما لو كان الأب حياً. وان قلنا: للمرأة، لم تجب، وهذا البناء لا يصح؛ لأن نفقة الأقارب لا تجب بعد الموت، والأظهر أن الأمر بالعكس، وهو إن قلنا: للحمل، لم يجب للمتوفى عنها لهذا المعنى. وإن قلنا: للمرأة، وجبت لها النفقة؛ لأنها محبوسة على الميت لحقه. فتجب نفقتها من ماله. (ابن رجب 3/ 402) . 12 - البائن في الحياة بفسخ أو طلاق إذا كانت حاملاً، فلها النفقة، وحكي في رواية: أنه لا نفقة لها، كالمتوفى عنها، وخصها بعضهم بالمبتوتة بالثلاث، بناء على أن النفقة للمرأة، والمبتوتة لا نفقة لها، وإنما تستحق النفقة إذا قلنا: هي للحمل، وهذا متوجه في القياس، إلا أنه ضعيف مخالف للنص في قوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) . وللإجماع، ووجوب النفقة للمبتوتة الحامل يرجح القول بأن النفقة للحمل. (ابن رجب 3/ 403) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1022 13 - لو وطئت الرجعية بشبهة أو نكاح فاسد، ثم بأن بها حمل، يمكن أن يكون من الزوج والواطئ، فيلزمها أن تعتد بعد وضعه عدة الواطئ. فأما نفقتها في مدة العدة، فإن قلنا: النفقة للحمل، فعليهما النفقة عليها حتى تضع؛ لأن الحمل لأحدهما يقيناً، ولا نعلم عينه، ولا ترجع المرأة على الزوج بشيء من الماضي. وإن قلنا: النفقة للحامل، فلا نفقة لها على واحد منهما مدة الحمل؛ لأنه يحتمل أنه من الزوج، فيلزمه النفقة، ويحتمل أنه من الآخر، فلا نفقة لها، فلا تجب بالشك، فإذا وضعته، فقد علمنا أن النفقة على أحدهما، وهو غير معين، فيلزمهما جميعاً النفقة للولد، حتى ينكشف الأب منهما، وترجع المرأة على الزوج بعد الوضع بنفقة أقصر المدتين من مدة الحمل، أو قدر ما بقي من العدة بعد الوطء الفاسد، لأنها تعتد عنه بأحدهما قطعاً، ثم إذا زال الإشكال وألحقته القافة بأحدهما بعينه عمل بمقتضى ذلك، فإن كان معها وفق حقها من النفقة، وإلا رجعت على الزوج بالفضل. ولو كان الطلاق بائناً، فالحكم كما تقدم في جميع ما ذكرنا، إلا في مسألة واحدة، وهي أنه لا ترجع المرأة بعد الوضع بشيء على الزوج. سواء قلنا: النفقة للحمل، أو للحامل؛ لأن النفقة لا تستحق مع البينونة إلا بالحمل، وهو غير متحقق هنا أنه منه، بخلاف الرجعية فلها النفقة. (ابن رجب 3/ 404) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1023 القاعدة: [292] القتل العمد، هل موجبه القود عينًا، أو أحد الأمرين؟ التوضيح إن القتل العمد يوجب القصاص عن القاتل، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) ثم قال تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ، ثم قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) . وقال تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) . فإذا قتل شخص عمداً، استحق وليه المطالبة بالقصاص، أو بطلب الدية، ولكن هل الواجب الأصلي القود عيناً، أو التخيير بين القود أو الدية؟ فيه روايتان معروفتان عن الإمام أحمد، ويتفرع عليهما ثلاث قواعد في استيفاء القود، والعفو عنه، والصلح عنه، مع الأحكام الفرعية لكل قاعدة. القاعدة الأولى: في استيفاء القود: يتعين حق المستوفى فيه بغير إشكال، ثم إن قلنا: الواجب القود عيناً، فلا يكون الاستيفاء تفويتاً للمال، وإن قلنا: أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1024 الأمرين، فهل هو تفويت للمال أم لا؟ على وجهين، ويتفرع عليهما مسائل تتعلق بالقاتل العبد، مما لا حاجة لسردها بعد إلغاء الزنى وزواله من التطبيق. القاعدة الثانية: في العفو عن القصاص، وله ثلاثة أحوال: أحدها: أن يقع العفو عنه إلى الدية، وفيه طريقتان: إحداهما ثبوت الدية على الروايتين. والثانية: بناؤه على الروايتين. فإن قلنا: موجبه أحد الشيئين، ثبتت الدية. وإلا لم يثبت شيء بدون تراضِ منهما. ويكون القود باقياً بحاله؛ لأنه لم يرضَ بإسقاطه إلا بعوض، ولم يحصل له. الحالة الثانية: أن يعفو عن القصاص، ولا يذكر مالاً، فإن قلنا: موجبه القصاص عيناً، فلا شيء له، وإن قلنا: أحد الشيئين، ثبت المال. الحالة الثالثة: أن يعفو عن القود إلى غير مال مصرحاً بذلك. فإن قلنا: الواجب القصاص عيناً، فلا مال له في نفس الأمر. وقوله هذا لغو، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، سقط القصاص والمال جميعاً. فإن كان ممن لا تبرع له، كالمفلس والمحجور عليه والمريض فيما زاد عن الثلث والورثة، مع استغراق الديون للتركة، فوجهان، أحدهما: لا يسقط المال بإسقاطهم، وهو المشهور، لأن المال وجب بالعفو عن القصاص، فلا يمكنهم إسقاطه بعد ذلك، كالعفو عن دية الخطأ. والثاني: يسقط، وهو المنصوص عليه؛ لأن المال لا يتعين بدون اختياره له أو إسقاط القصاص وحده، أما إن أسقطهما في كلام واحد متصل، سقطا جميعاً من غير دخول المال في ملكه، ويكون ذلك اختياراً منه لترك التملك، فلا يدخل المال في ملكه. إذا تقرر هذا، فهل يكون العفو تفويتاً للمال؟ إن قلنا: الواجب القود عيناً، لم يكن العفو تفويتاً للمال، فلا يوجب ضماناً، وفي قول: يجب الضمان، وفي قول: على وجهين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1025 التطبيقات يتخرج على هذا الأصل مسائل، منها: 1 - عفو المفلس عن الجناية الموجبة للقود مجاناً، فالمشهور أنا إن قلنا: الواجب القود عيناً، صح، دران قلنا: الواجب أحد الأمرين، لم يصح العفو عن المال، وعلى الوجه الآخر الذي قيل: إنه المنصوص، يصح. (ابن رجب 3/ 41) . 2 - عفو الورثة عن القصاص مع استغراق الديون، وحكمه حكم المفلس السابق. (ابن رجب 3/ 41) . 3 - عفو المريض عن القصاص، وحكمه فيما زاد عن الثلث كذلك. (ابن رجب 3/ 41) . 4 - العفو عن الوارث الجاني في مرض الموت عن دم العمد، إن قلنا: الواجب القود عياً، فهو صحيح، دران قلنا: الواجب أحد شيئين؛ فكذلك، ويتوجه فيه وجه آخر بوقوفه على إجازة الورثة. (ابن رجب 3/ 42) . تنبيه أول لو أطلق العفو عن الجاني عمداً، فهل يتنزل على القود والدية، أو على القود وحده؛ فيه ثلاثة أوجه: أحدها، وهو المنصوص، أنه ينصرف إليهما جميعاً. والثاني: ينصرف إلى القود وحده، إلا أن يقر العافي بإرادة الدية مع القود. والثالث: يكون عفواً عنهما، إلا أن يقول: لم أرد الدية، فيحلف ويقبل منه، وفي قول: إن قلنا: الواجب القود وحده، سقط، ولا دية، وإن قلنا: أحد شيئين، انصرف العفو إلى القصاص في أصح الروايتين. والأخرى: يسقطان جميعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1026 تنبيه ثانٍ. لو اختار القصاص، فله ذلك، وهل له العفو عنه إلى الدية؟ إن قلنا: القصاص هو الواجب عيناً، فله تركه إلى الدية. وإن قلنا: الواجب أحد شثين، فعلى وجهين: أحدهما: نعم، لأن أكثر ما فيه أنه تعين له القصاص. فيجوز له تركه إلى مال، كما إذا قلنا: هو الواجب عيناً. والثاني: لا، لأنه أسقط حقه من الدية باختياره. فلم يكن له الرجوع إليها، كما لو عفا عنها وعن القصاص. وفارق ما إذا قلنا: هو الواجب عيناً؛ لأن المال لم يسقط بإسقاطه، ويجاب عن هذا بأن الذي أسقطه هو الدية الواجبة بالجناية، والمأخوذ هنا غيره، وهو مأخوذ بطريق المصالحة عن القصاص. القاعدة الثالثة: الصلح عن موجب الجناية، فإن قلنا: هو القود وحده، فله الصلح عنه بمقدار الدية، وبأقل، وأكثر منها، إذ الدية غير وإجبة بالجناية، وكذلك إذا اختار القود أولاً، ثم رجع إلى المال، وقلنا له ذلك، فان الدية سقط وجوبها. وإن قلنا أحد شئين، فهل يكون الصلح عنها صلحاً عن القول أو المال؛ على وجهين. التطبيقات 1 - هل يصح الصلح على كثر من الدية من جنسها، أم لا؟ في قول: لا يصح؛ لأن الدية تجب بالعفو والمصالحة، فلا يجوز أخذ أكثر من الواجب من الجنس، ويصح على غير جنس الدية، ولا يصح على جنسها إلا بعد تعيين الجنس، من إبل، أو بقر، أو غنم، حذاراً من ربا النسيئة وربا الفضل، وقال الأكثرون: بجواز الصلح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1027 بأكثر من الدية من غير تفصيل، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، لأن القود ثابت، فالمأخوذ عوض عنه، وليس من جنسه، فجاز من غير تقدير كسائر المعاوضات الجائزة، وأما القود، فقد يقال: إنما يسقط بعد صحة الصلح وثبوته، وأما مجرد المعاوضة في عقد الصلح، فلا توجب سقوطه، فإنه إنما يسقطه بعوض، فلا يسقط بدون ثبوت العوض. (ابن رجب 3/ 45) . 2 - لو صالح عن دم العمد بشقص، هل يوخذ بالشفعة أم لا؟ إن قلنا: الواجب القود عيناً، فالشقص مأخوذ بعوض غير مالي، فلا شفعة فيه على أشهر الوجهين. وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، فهو مأخوذ بعوض مالي، إذ هو عوض عن الدية لتعينها باختيار الصلح. (ابن رجب 3/ 46) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1028 القاعدة: [293] المرتد: هل يزول ملكه بالرِّدة أم لا؟ التوضيح المرتد: هو الخارج عن الإسلام باعتقاد أو قول أو عمل، ويترتب على الردة إحباط العمل، واستتابة المرتد، فإن أصرَّ أقيم عليه حدُّ الردة، وتبطل تصرفاته في قول. وفي زوال ملكه روايتان، إحداهما: لا يزول ملكه، بل هو باقٍ عليه، كالمستمر على عصمته، والثانية؛ يزول ملكه، وفي وقت زواله ثلاث روايات، إحداها: من حين موته مرتداً. والثانية: من حين ردته، فإن أسلم أعيد إليه ماله ملكاً جديداً. والثالثة: أنا نتبين بموته مرتداً زوال ملكه من حين الردة، أي لا يزول بمجرد الردة إلا إذا مات عليها، ويترتب على هذا الاختلاف فوائد كثيرة، وتطبيقات. التطبيقات 1 - لو ارتد في أثناء حول الزكاة، فإن قلنا: زال ملكه بالرِّدة، انقطع الحول بغير تردد، ونص عليه أحمد، وإن قلنا: لا يزول، فالمشهور أن الزكاة لا تجب عليه، وإن عاد إلى الإسلام، فينقطع الحول أيضاً؛ لأن الإسلام من شرائط وجوب الزكاة، فيعتبر وجوده في جميع الحول. وفي رواية: تجب الزكاة إذا عاد إلى الإسلام لما مضى من الأحوال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1029 وإن ارتد بعد الحول لم تسقط عنه إلا إذا عاد إلى الإسلام، وقلنا: إن المرتد لا يلزمه قضاء ما تركه قبل الرِّدة من الواجبات، والصحيح من المذهب خلافه، ويلزم القضاء. (ابن رجب 3/ 408) . 2 - لو ارتد المعسر، ثم أيسر في زمن الرِّدة، ثم عاد إلى الإسلام وقد أعسر، فإن قلنا: إن ملكه يزول بالرِّدة، لم يلزمه الحج باليسار السابق. وإن قلنا: لا يزول ملكه، فهل يلزمه الحج بذلك اليسار؛ ينبني الجواب على حكم وجوب العبادات عليه في حال الرِّدة وإلزامه قضاءها بعد عوده إلى الإسلام، والصحيح: عدم الوجوب، فلا يكون بذلك مستطيعاً. (ابن رجب 3/ 408) . 3 - حكم تصرفات المرتد بالمعاوضات والتبرعات وغيرها. فإن قلنا: لا يزول ملكه بحال، فهي صحيحة نافذة. وإن قلنا: يزول بموته، أقز المال بيده في حياته. ونفذت معاوضاته، ووقفت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت. فإذا مات ردَّت كلها، وإن لم تبلغ الثلث؛ لأن حكم الرِّدة حكم المرض الخوت، وإنما لم تنفذ من ثلثه؛ لأن ماله يصير فيئاً بموته لبيت المال. وإن قلنا: يزول ملكه في الحال، جعل في بيت المال، ولم يصح تصرفه فيه بحال، لكن إن أسلم ردَّ إليه ملكاً جديداً. وإن قلنا: موقوف مراعى، حفظ الحاكم ماله، ووقفت تصرفاته كلها، فإن أسلم، أمضيت، وإلا تبينا فسادها. ولو تصرف لنفسه بنكاح، لم يصح، لأن الرِّدة تمنع الإقرار على النكاح، وإن زوج موليته لم يصح لزوال ولايته بالرِّدة. (ابن رجب 3/ 409) . 4 - لو باع شقصاً مشفوعاً في الرِّدة، فإن حكمنا بصحة بيعه، أخذ منه الشفعة، وإلا فلا، ولو بيع في زمن رذته شقص في شركته. فإن قلنا: ملكه باقي، أخذ بالشفعة وإلا فلا. (ابن رجب 3/ 410) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1030 5 - لو حاز مباحاً أو عمل عملاً بأجرة، فإن قلنا: ملكه باق، ملك ذلك، وإن قلنا: زال ملكه، لم يملكه، فإن عاد إلى الإسلام بعد ذلك فهل يعود ملكه إليها، فيه احتمالان. (ابن رجب 3/ 410) . 6 - الوصية له، في صحتها وجهان، بناء على زوال ملكه وبقائه، فإن قلنا: زال ملكه، لم تصح الوصية له، وإلا صحت. (ابن رجب 3/ 410) . 7 - ميراثه، فإن قلنا: لا يزول ملكه بحال، فهو لورثته من المسلمين، أو من أهل دينه الذي اختاره على روايتين، وإن قلنا: يزول ملكه من حين الرِّدة أو بالموت، فماله فيء ليس لورثته منه شيء. (ابن رجب 3/ 410) . 8 - نفقة من تلزمه نفقته، فإن قلنا: ملكه باقٍ ولو في حياته أو مراعى، أنفق عليهم من ماله مدة الرِّدة، وإن قلنا: زال بالرِّدة، فلا نفقة لهم منه في مدة الرِّدة، لأنه لا يملكه. (ابن رجب 3/ 411) . 9 - قضاء ديونه، وهو كالنفقة، فيقضي ديونه على الروايات كلها، إلا على رواية زوال ملكه من حين الرِّدة، فلا تقضى منه الديون المتجددة في الرِّدة، وتقضى منه الديون الماضية، فإنه إنما يكون فيئاً ما فضل عن أداء ديونه ونفقات من يلزمه نفقته؛ لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها، فتؤخذ من ماله، ويصير الباقي فيئاً. (ابن رجب 3/ 411) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1031 القاعدة: [294] الكفار هل يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء عليها؟ التوضيح إذا استولى الكفار على أموال للمسلمين، سواء كان ذلك بالحرب والقتال، أم بالاغتصاب والاستيلاء، والقهر، فهل تعتبر يدهم يد ملك عليها؛ وتزول ملكية صاحبها المسلم عنها؟ اختلفت الآراء في المذهب الحنبلي. فقال القاضي: إنهم يملكونها من غير خلاف. وقال أبو الخطاب: إنهم لا يملكونها، وإنها ترد إلى من أخذت منه من المسلمين على كل حال، ولو قسمت في المغنم وتعرف عليها صاحبها، أو أسلم الكافر وهي في يده، فترد إلى صاحبها، وأيد ذلك ابن القيم بقوة، وقال بعضهم: فيها روايتان، وصححوا عدم الملك. وقال ابن تيمية: يملكونها ملكاً مقيداً لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه، وترتب على هذا الحلاف فوائد وأحكام. التطبيقات 1 - إن من وجد من المسلمين عين ماله قَبْل القسمة، أخذه مجاناً بغير عوض، وإن وجده بعد القسمة، فالمنصوص عن أحمد أنه لا يأخذه بغير عوض، وهل يسقط حقه منه بالكلية، أو يكون أحق به بالثمن؛ على روايتين، واختار أبو الخطاب أنه أحق به مجاناً بكل حال، وأن أحمد قال: هذا هو القياس، لأن اللك لا يزول إلا بهبة أو صدقة، وقال غيره: لا حق له. (ابن رجب 3/ 412) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1032 2 - إذا غُنِمت أموال المسلمين، ولم يعلم أربابها، وقلنا: يملكها الكفار، فإنه بِحوز قسمتها والتصرف فيها. وإن قلنا: لا يملكونها، فالقياس: أنه لا يجوز قسمتها. ولا التصرف فيها، بل توقف كاللقطة، وأما ما عرف مالكه من المسلمين، فإنه لا تجوز قسمته، بل يرد إليه على القولين، ونص عليه أحمد في رواية الكثيرين. (ابن رجب 3/ 413) . 3 - إذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين، فهي لهم نص عليه أحمد. وفي رواية: ليس بين الناس اختلاف في ذلك، وهذا متنزل على القول بالملك، فإن قيل: لا يملكونها، فهي لربها متى وجدها، وأكد ابن قدامة القول الأول، لأن الشارع ملّك الكافر بإسلامه ما في يده من أموال المسلمين بقوله: من أسلم على شيء فهو له، فهذا تمليك جديد يملكونها به، لا بالاستيلاء الأول، وهذا يرجع أيضاً إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال وغير ها قبضاً فاسداً، يعتقدون جوازه، فإنه يستقر لهم بالإسلام، كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها، ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين من النفوس والأموال بالإجماع. (ابن رجب 3/ 414) . 4 - لو استولى العدو على مال مسلم، ثم عاد إليه بعد حول أو أحوال، فإن قلنا: ملكوه، فلا زكاة عليه لما مضى من المدة بغير خلاف. وإن قلنا: لم يملكوه، ففي زكاته روايتان بناء على زكاة المال المغصوب والضائع من ربه. (ابن رجب 3/ 415) . 5 - لو استولى الكفار على أرض مؤجرة، فالقياس أنه تنفسخ الإجارة، لأنهم أخذوا الرقبة والمنفعة. أما لو استولوا على زوجة حرة فلا ينفسخ النكاح بسَبْيها، لأنهم لا يملكون الحرة بالسبي، وفي رواية: ينفسخ بالسبي، لأن منافع الحر في حكم الأموال، ولهذا تضمن بالغصب على رأي، فجاز أن تملك بالاستيلاء، بخلاف عينه، لا سيما والاستيلاء سبب قوي يملك به ما لا يملك بالعقود الاختيارية، ولهذا يملكون به المصاحف، فجاز أن يملكوا به منفعة بضع الحرة، ولا يلزم من ذلك إباحة وطئها لهم؛ لأن تصرفهم في أموال المسلمين لا يباح لهم وإن قيل: إنهم يملكونها. (ابن رجب 3/ 416) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1033 القاعدة: [295] الغنيمة: هل تملك بالاستيلاء المجرد. أم لا بد معه من نية التملك؟ التوضيح الغنيمة هي ما يأخذه المسلمون من أموال الكفار أثناء الحرب والقتال، والغنيمة من حق المقاتلين المسلمين الغانمين، ولكن هل تدخل في ملك المسلمين بمجرد الاستيلاء ووضع اليد عليها؛ أم لا بدَّ من نية التملك لها؟ المنصوص عن أحمد وعليه كثر الأصحاب أنها تمللث بمجرد الاستيلاء بإزالة أيدي الكفار عنها، وهل يشترط مع ذلك فعل الحيازة كالمباحات أم لا؟ على وجهين، وفي قول؛ لا تملك بدون احتياز التملك، مع التردد في الملك قبل القسمة، هل هو باقٍ للكفار، أو أن ملكهم انقطع عنها؛ وينبني على هذا الاختلاف فوائد وأحكام. التطبيقات 1 - جريان حول الزكاة، فإن كانت الغنيمة أجناساً، لم ينعقد عليها حول بدون القسمة وجهاً واحداً؛ لأن حقَّ الواحد منهم لم يستقر في جنسٍ معين، وإن كانت جنساً واحداً فوجهان، أحدهما: ينعقد الحول عليها بالاستيلاء، بناء على حصول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1034 الملك به، والثاني: لا ينعقد، بناء على أن الملك لا يثبت فيها بدون اختيار التملك لفظاً، وهذا بعيد، أو لأن استحقاق الغانمين ليس على وجه الشركة المحضة، ولذلك لا يتعين حق أحدهم في لشيء مثها بدون حصوله له بالقسمة، فلا ينعقد الحول قبلها، كما لو كانت أصنافاً. (ابن رجب 3/ 421) . 2 - لو أتلف أحد الغانمين شيئاً من الغنيمة قبل القسمة، فإن قلنا؛ الملك ثابت فيها، فعليه ضمان نصيب شركائه خاصة، ونص عليه أحمد، وإن قلنا: لم يثبت الملك فيها، فعليه ضمان جميعها. (ابن رجب 3/ 423) . 3 - لو أسقط الغانم حقه قبل القسمة، ففيه طريقان: أحدهما: أنه مبني على الخلاف. فإن قلنا: ملكوها، لم يسقط الحق بذلك، وإلا سقط. والثاني: يسقط على القولين، لضعف الملك وعدم استقراره. (ابن رجب 3/ 424) . 4 - لو مات أحد الغانمين قبل القسمة والاحتياز، فالمنصوص أن حقه ينتقل إلى ورثته. وفي قول: إن قلنا: لا يملك بدون الاحتياز، فمن مات قبله، فلا شيء له ولا يورث عنه، كحق الشفعة، ويحتمل أن يقال على هذا: يكتفي بالمطالبة في ميراث الحق، كالشفعة. (ابن رجب 3/ 424) . 5 - لو شهد أحد الغائمين بشيء من المغنم قبل القسمة. فإن قلنا: قد ملكوا، لم يقبل، كشهادة أحد الشريكين للآخر. وإن قلنا: لم يملكوا، قبلت، ولكن في قبولها نظر، لأنها شهادة تجر نفعاً، والأظهر: لا تقبل شهادة أحد الغانمين بمال الغنيمة مطلقاً. (ابن رجب 3/ 424) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1035 القاعدة: [296] القسمة: هل هي إفراز أم بيع؟ التوضيح إذا اقتسم الشريكان الال المشترك بينهما، وأخذ كل منهما حصته من الشركة، فهل يعدُّ ذلك عزلاً وفرزاً وتمييزاً لحصة كل منهما، أم يعدُّ ذلك مبادلة وبيعاً، لأن كل جزء من المال المشترك يملكه الشريكان، فيبيع أحدهما حصته في الجزء، ليأخذ مقابله حصة شريكه في جزء آخر، ويترتب على تكييف العملية بأنها إفراز أو بيع نتائج. والمذهب عند الحنابلة: أن قسمة الإجبار، وهي ما لا يحصل فيها رد عوض من أحد الشريكين، ولا ضرر عليه، إفراز لا بيع. وفي قول: إنها كالبيع في أحكامه. وقيل: فيها روايتان، أما ما كان فيه رد عوض، فهي بيع. وقيل: إنها بيع فيما يقابل الرد، وإفراز في الباقي، قياساً على قسممة الطلق عن الوقف: إذا كان فيها رد من جهة صاحب الوقف، جاز، لأنه يشتري به الطلق، وإن كان من جهة صاحب الطلق، لم يجز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1036 التطبيقات يتفرع على الاختلاف في كونها فرزاً أو بيعاً فوائد كثيرة، منها: 1 - لو كان بينهما ماشية مشتركة، فقسماها في أثناء الحول، واستداما خلطة الأوصاف، فإن قلنا: القسمة إفراز، لم ينقطع الحول بغير خلاف، وإن قلنا: بيع، خرج على بيع الماشية بجنسها في أثناء الحول، هل يقطعه أم لا؟. (ابن رجب 3/ 426) . 2 - إذا تقاسما وصرحا بالتراضى واقتصرا على ذلك، فهل يصح؟ إن قلنا: هي إفراز، صحت، وإن قلنا: هي بيع فوجهان، وكان مأخذهما الخلاف في اشتراط الإيجاب والقبول، والظاهر أنها تصح بلفظ القسمة على الوجهين، ويتخرج ألا تصح بناء على الرواية باشتراط لفظ البيع والشراء في البيع. (ابن رجب 3/ 426) . 3 - لو تقاسموا ثمر النخل والعنب على الشجر، أو الزرع المشتد في سنبله. خرصاً، أو الربويات على ما يختارونه من كيل أو وزن. فإن قلنا: هي إفراز جاز. ونص عليه أحمد في جواز القسمة بالخرص، وإن قلنا: هي بيع، لم يصح، وكذلك لو تقاسموا الثمر على الشجر قبل صلاحه بشرط التبقية، فيجوز على القول بالإفراز دون البيع. (ابن رجب 3/ 427) . 4 - لو تقاسموا أموالاً ربوية، جاز أن يتفرقوا قبل القبض على القول بالإفراز، ولم يجز على القول بالبيع. (ابن رجب 3/ 427) . 5 - لو كان بعض العقار وقفاً، وبعضه طلقاً، وطلب أحدهما القسمة، جازت إن قلنا: هي إفراز، وإن قلنا: بيع، لم يجز، لأنه بيع للوقف، وهو ممنوع إلا للضرورة والمصلحة، فأما إن كان الكل وقفاً، فهل تجوز قسمته؛ فيه طريقان، أحدهما: أنه كإفراز الطلق من الوقف سواء، وجزم به المجد، والثاني: أنه لا تصح القسمة على الوجهين جميعاً على الأصح، وعلى القول بالجواز، فهو مختص بما إذا كان وقفاً على جهتين، لا جهة واحدة. (ابن رجب 3/ 427) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1037 6 - قسمة المرهون كله أو بعضه مشاعاً، إن قلنا؛ هي إفراز، صحت، وإن قلنا: بيع، لم تصح، ولو استضر بها المرتهن، بأن رهنه أحد الشريكين حصته من بيت معين من دار، ثم اقتسما، فحصل البيت في حصة شريكه، فقيل: لا يمنع منه على القول بالإفراز، وقيل: يمنع منه. (ابن رجب 3/ 428) . 7 - إذا اقتسم الشريكان أرضاً، فبنى أحدهما في نصيبه وغرس، ثم استحقت الأرض فقُلع كرسُه وبناؤه، فإن قلنا: هي إفراز، لم يرجع على شريكه. وإن قلنا: هي بيع، رجع عليه بقيمة النقص إذا كان عالماً بالحال. وجزم القاضي بالرجوع عليه مع قوله: إن القسمة إفراز. (ابن رجب 3/ 429) . 8 - ثبوت الخيار فيها، وفيه طريقان، أحدهما: ينبني على الخلاف. فإن قلنا: إفراز، لم يثبت فيها خيار، وإن قلنا: بيع، ثبت، وقيل: يختص الخلاف بخيار المجلس، فأما خيار الشرط فلا يثبت على الوجهين، والثاني: يثبت فيها خيار المجلس وخيار الشرط على الوجهين جميعاً؛ لأن ذلك جعل للارتياء فيما فيه الحظ، وهذا المعنى موجود في القسمة. (ابن رجب 3/ 429) . 9 - ثبوت الشفعة جمها، وفيه طريقان، أحدهما: بناؤه على الخلاف، فإن قلنا: إفراز، لم تثبت، وإدط قلنا: بيع، ثبتت. والثاني: لا يوجب الشفعة على الوجهين؛ لأنه لو ثبتت لأحدهما على الآخر، لثبتت للآخر عليه فيتنافيان، ومنها قسمة المتشاركين في الهدي والأضاحي اللحم، فإن قلنا إفراز، جازت. وإن قلنا: بيع لم تجز، وهذا الظاهر. (ابن رجب 3/ 433) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1038 10 - لو حلف ألا يبيع فقاسم، فإن قلنا: القسمة بيع، حنث، وإلا فلا، وقد يقال: الأيمان محمولة على العرف، ولا تسمى القسمة بيعاً في العرف، فلا يحنث بها، ولا بالحوالة، ولا بالإقالة. وإن قيل: إنها بيوع وسبق مثل ذلك في الإقالة. (ابن رجب 3/ 433) . 11 - لو اقتسم الورثة التركة، ثم ظهر على الميت دين أو وصية، فإن قلنا: هي إفراز، فالقسمة باقية على الصحة، وإن قلنا: بيع، فوجهان بناء على الخلاف في بيع التركة المستغرقة بالدين، وقد سبق. (ابن رجب 3/ 434) . 12 - لو ظهر في القسمة كبن فاحش، فإن قلنا: هي إفراز، لم يصح لتبين فساد الإفراز، وإن قلنا: بيع، صحت وثبت فيها خيار الغبن في البيع. (ابن رجب 3/ 434) . 13 - لو اقتسما داراً نصفين، ثم ظهر بعضها مستحقاً، فإن قلنا: القسمة إفراز، انتقضت القسمة لفساد الإفراز. وإن قلنا: بيع، لم تنتقض، ورجع على شريكه بقدر حقه في المستحق إذا قلنا بذلك في تفريق الصفقة، كما لو اشترى داراً فبان بعضها مستحقاً. وقال المجد: إن كان المستحق معيناً وهو في الحصتين فالقسمة بحالها، ولم يحكِ خلافاً. (ابن رجب 3/ 434) . 14 - إذا مات رجل وزوجته حامل، وقلنا: لها السكنى، فأراد الورثة قسمة المسكن قبل انقضاء العدة من غير إضرار بها بأن يعلموا الحدود بخط أو نحوه من غير نقص ولا بناء، فيجوز ذلك، مع أنه لا يجوز بيع المسكن في هذه الحال، لجهالة مدة الحمل المستثناة فيه حكماً، وهذا يدل على أن مثل هذا يغتفر في القسمة على الوجهين، ويحتمل أن يقال: متى قلنا: القسمة بيع، وإن بيع هذا المسكن لا يصح، لم تصح القسمة. (ابن رجب 3/ 436) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1039 15 - قسمة الدين في ذمم الغرماء، فإن قلنا: إن القسمة إفراز، صحت، وإن قلنا: بيع، لم تصح. (ابن رجب 3/ 437) . 16 - قبض أحد الشريكين نصيبه من المال المشترك المثلي مع غيبة الآخر، أو امتناعه من الإذن وبدون إذن الحاكم. فإن قلنا: القسمة إفراز، فوجهان. وإن قلنا: هي بيع، لم يجز وجهاً واحداً. فأما غير المثلي فلا يقسم إلا مع الشريك، أو مع من يقوم مقامه، كالوصي والولي والحاكم. (ابن رجب 3/ 441) . 17 - لو اقتسما داراً، فحصل الطريق في نصيب أحدهما، ولم يكن للآخر منفذ يتطرق منه، فتبطل القسمة، وفي وجه آخر: تصح، ويشتركان في الطريق، من نص أحمد على اشتراكهما في مسيل الماء. ويتوجه أن يقال: إن قلنا: القسمة إفراز، بطلت. وإن قلنا: بيع، صحت ولزم الشريك تمكينه من الاستطراق، بناء على القول: إذا باعه بيتاً من وسط داره ولم يذكر طريقاً صح البيع، واستتبع طريقه، ولو اشترط عليه الاستطراق في القسمة، صح. (ابن رجب 3/ 441) . 18 - لو حلف لا يكل مما اشتراه زيد، فاشترى زيد وعمرو طعاماً مشاعاً. وقلنا: يحنث بالأكل منه، فتقاعاه، ثم أكل الحالف من نصيب عمرو، فلا يحنث؛ لأن القسمة إفراز لا بيع. وإن قلنا: بيع: يحنث، وقال القاضي: قياس المذهب أنه يحنث مطلقاً، لأن القسمة لا تخرجه عن أن يكون زيدٌ اشتراه، ويحنث قطعاً بأكل ما اشتراه زيد، ولو انتقل الملك عنه إلى غيره، ويحتمل ألا يحنث ها هنا، وعليه يتخرج أنه لا يحنث إذا قلنا: القسمة بيع. (ابن رجب 3/ 442) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1040 القاعدة: [297] التصرفات للغير بدون إذنه، هل تقف على إجازته أم لا؟ التوضيح يعبر عنها بتصرف الفضولي، وهو أن يبيع شخص مثلاً مال آخر بدون إذنه، وهو ستة أقسام، وفي كل قسم أحكام واختلاف، وهي: القسم الأول: أن تدعو الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه، ويتعذر استئذانه، إما للجهل بعينه، أو لغيبته ومشقة انتظاره، فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة، وهو في الأموال غير مختلف فيه في المذهب، وغير محتاج إلى إذن حاكم على الصحيح، وفي الأبضاع مختلف فيه، غير أن الصحيح من المذهب جوازه أيضاً، وفي افتقاره إلى الحاكم خلاف، فأما الأموال، فكالتصدق باللقطة التي لا تملك، وكالتصدق بالودائع والغصوب التي لا يُعرف ربها، أو انقطع خبره. ويكون ذلك موقوفاً، فإن أجازه المالك وقع له أجره، وإلا ضمنه التصرف، وكأنه أجره له، صرح بذلك الصحابة رضي الله عنهم. وأما الأبضاع، فتزويج امرأة المفقود إذا كانت غيبته ظاهرها الهلاك، فإن امرأته تتربص أربع سنين، ثم تعتد وتباح للأزواج، وفي توقف ذلك على الحاكم روايتان. واختلف في مأخذهما، فقيل: لأن أمارات موته ظاهرة، فهو كالميت حكماً، وقيل: بل لأن انتظاره يعظم به الضرر على زوجته، فيباح لها فسخ نكاحه، كما لو ضارها بالغيبة وامتنع من القدوم مع المراسلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1041 وعلى هذين المأخذين ينبني أن الفرقة هل تنفذ ظاهراً وباطناً، أو ظاهراً فقط؛ وينبني الاختلاف في طلاق الولي لها، وله مأخذ ثالث، وهو الأظهر، وهو أن الحاجة دعت هنا إلى التصرف في حقه من بضع الزوجة بالفسخ عليه، فيصح الفسخ وتزوجها بغيره ابتداءَ للحاجة، فإن لم يظهر، فالأمر على ما هو عليه، وإن ظهر كان ذلك موقوفاً على إجازته، فإذا قدم، فإن شاء أمضاه وإن شاء رده. القسم الثاني: ألا تدعو الحاجة إلى هذا التصرف ابتداء، بل إلى صحته وتنفيذه، بأن تطول مدة التصرف، وتكثر، ويتعذر استرداد أعيان أمواله، فللأصحاب فيه طريقان، أشهرهما: إنه على الخلاف الآتي ذكره. والثاني: إنه ينفذ ها هنا بدون إجازة، دفعاً للضرر بتفويت الربح، وضرر المشترين بتحريم ما قبضوه بهذه العقود. القسم الثالث: ألا تدعو الحاجة إلى ذلك ابتداء ولا دواماً، فهذا القسم في بطلان التصرف فيه من أصله، ووقوفه على إجازة المالك وتنفيذه، روايتان معروفتان. واعلم أن لتصرف الشخص في مال غيره حالتين: إحداهما: أن يتصرف فيه لمالكه، فهذا محل الخلاف الذي ذكرناه، وهو ثابت في التصرف في ماله بالبيع والإجارة ونحوهما. وأما في النكاح فللأصحاب فيه طريقان، أحدهما: إجراؤه على الخلاف، وهو ما قاله الأكثرون. والثاني: الجزم ببطلانه قولاً واحداً. ونص أحمد على التفريق بينهما، فعلى هذا لو زوِّج المرأة أجنبي، ثم أجازه الولي، لم ينفذ بغير خلاف، كما لو زوجت نفسها، نعم لو زوِّج غير الأب من الأولياء الصغيرة بدون إذنها، أو زوج الولي الكبيرة بغير إذنها، فهل يبطل من أصله، أو يقف على إجازتها؛ على روايتين. الحالة الثانية: أن يتصرف فيه لنفسه، وهو الغاصب، ومن يتملك مال غيره لنفسه، فيجيزه له المالك، فأما الغاصب ففي قول أن جميع تصرفاته الحكمية فيها روايتان، إحداهما: البطلان، والثانية: الصحة، وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والعقود كالبيع والإجارة والنكاح. وفي قول: إطلاق الخلاف غير مقيد بالوقف على الإجازة. وفي قول: مقيد بها، فإن أريد بالصحة من غير وقف على الإجازة وقوع التصرف عن المالك وإفادة ذلك للملك له، فهو الطريق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1042 الثانية في القسم الثاني الذي سبق ذكره، وإن أريد الوقوع للغاصب من غير إجازة، ففاسد قطعاً إلا في صورة شرائه في الذمة إذا فقد الماء من المغصوب، فإن الملك يثبت له فيها، ولا ينافي ذلك قولنا: إن الربح للمالك؛ لأنه فائدة ماله وثمرته، فيختص به، وإن كان أصل الملك لغيره. تطبيقات 1 - من فروع ذلك في العبادات المالية: لو أخرج الزكاة عن ماله من مال حرام، فالمشهور أنه يقع باطلاً، وحكي عن أحمد أنه إن أجازه المالك، أجزأته، وإلا فلا. (ابن رجب 3/ 447) . 2 - لو تصدق الغاصب بالمال، فإنه لا تقع الصدقة له ولا يثاب عليه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ". ولا يثاب المالك على ذلك أيضاً لعدم تسببه إليه. ومن الناس من قال: يثاب المالك عليه، ورجحه بعض المشايخ، لأن هذا البر تولد من مال اكتسبه، فيؤجر عليه وإن لم يقصده، كما يؤجر على المصائب التي تولد له خيراً، وعلى عمل ولده الصالح، وعلى ما ينتفع به الناس والدواب من زروعه وثماره. (ابن رجب 3/ 449) . 3 - لو غصب شاة فذبحها لمتعته أو قرانه بالحج مثلاً، فإنه لا يجزئه، صرح به الأصحاب، ونص عليه أحمد، لأن أصل الذبح لم يقع قربة من الابتداء، فلا ينقلب قربة بعده، كما لو ذبحها للحمها ثم نوى بها المتعة. وفي رواية بوقفه على إجازة المالك، ونص أحمد على الفرق بين أن يعلم أنها لغيره فلا تجزئه، وبين أن يظنها لنفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1043 فتجزئه في رواية، وسوى كثير من الأصحاب بينهما، ولا يصح. (ابن رجب 3/450) القسم الرابع: التصرف للفير في الذمة دون المال بغير ولاية عليه، فإن كان بعقد نكاح ففيه الخلاف السابق، وإن كان ببيع ونحوه مثل أن يشتري له في ذمته، فطريقان، أحدهما: إنه على الخلاف أيضاً، والثاني: الجزم بالصحة ها هنا قولاً واحداً، ثم إن أجازه المشترى له ملكه، وإلا لزم من اشتراه، وهو قول الأكثرين. وفي قول: يصح بغير خلاف، لكن هل يلزم المشتري ابتداء أو بعد رد المشترى له؛ على روايتين. واختلف الأصحاب: هل يفترق بين أن يسمى المشترى له في العقد أم لا؟ فمنهم من قال: لا فرق بينهما، ومن قال: إن سماه في العقد فهو كما لو اشترى له بعين ماله. (ابن رجب 3/ 451) . القسم الخاص: التصرف في مال الفير بإذنه على وجه تحصل فيه مخالفة الإذن، وهو نوعان: النوع الأول: أن تحصل مخالفة الإذن على وجه يرضى به عادة، بأن يكون التصرف الواقع أولى بالرضا به من المأذون به من المأذون فيه، فالصحيح أن يصح اعتباراً فيه بالإذن العرفي. التطبيقات 1 - ما لو قال له: بعه بمئة، فباعه بمئتين، فإنه يصح، وكذا لو قال له؛ اشتره بمئة، فاشتراه بثمانين. (ابن رجب 3/ 451) . 2 - لو قال له: بعه بمئة درهم نسيئة، فباعه بها نقداً، فإنه يصح. (ابن رجب 3/ 453) . 3 - لو قال له: بعه بمئة درهم، فباعه بمئة دينار، فإنه يصح على الصحيح، وفيه وجه: لا يصح للمخالفة في جنس النقد. (ابن رجب 3/ 453) . 4 - لو قال: بع هذه الثاة بدينار، فباعها بدينار وثوب، أو ابتاع شاة وثوباً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1044 بدينار، فإنه يصح، وهو المذهب، مع احتمال أنه يبطل في الثوب بحصته من الشاة، لأنه من غير الجنس. (ابن رجب 3/ 453) . 5 - لو أمره أن يشتري له شاة بدينار، فاشترى شاتين بالدينار، تساوي إحداهما أو كل واحدة منهما ديناراً، فإنه يصح لذلك، فإن باع إحداهما بدون إذنه، ففيه طريقان، أحدهما: إنه يخرج على تصرف الفضولي. والثاني: إنه صحيح وجهاً واحداً، وهو المنصوص عن أحمد، لخبر عروة بن الجعد، ولأن ما فوق الشاة المأمور بها لم يتعين فصار موكولاً إلى نظره وما يراه. (ابن رجب 3/ 454) . النوع الثاني: أن يقع التصرف مخالفاً للإذن على وجه لا يرتضي به الآذن عادة، مثل مخالفة المضارب والوكيل في صفة العقد دون أصله، كان يبيع المضارب نسأَ على القول بمنعه منه، أو يبيع الوكيل بدون ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه، أو يبيع نسأ أو بغير نقد البلد، وكل ذلك سواء في الحكم، وللأصحاب ها هنا طرق: أحدها: إنه يصح، ويكون المتصرف ضامناً؛ لأن التصرف مستند أصله إلى إذن صحيح، وإنما وقعت المخالفة في بعض أوصافه، فيصح العقد بأصل الإذن، ويضمن المخالف بمخالفته في صفته، مع تفصيل في بعض الحالات، وفي قول: إنه يبطل العقد مع مخالفة التسمية، لمخالفة صريح الأمر، بخلاف ما إذا لم يسمَّ، فإنه إنما خالف دلالة العرف، وفي قول فيه تفصيل. الطريقة الثانية: إن في الجميع روايتين، إحداهما: الصحة والضمان. والثانية: البطلان، ويكون تصرفه كتصرف الفضولي سواء. الطريقة الثالثة: إن في البيع بدون ثمن المثل وغير نقد البلد إذا لم يقدر له الثمن، ولا عين النقد، روايتين، البطلان كتصرف الفضولي، والصحة، ولا يضمن الوكيل شيئاً، وهذه الطريقة بعيدة جداً لمخالفتها التطبيقات التالية، والتي تعتبر استثناءات لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1045 الاستثئاءات من الطريقة الثالثة 1 - المخالفة في المهر: لو أذنت المرأة لوليها أن يزوجها بمهر سمته، فزوجها بدونه، فإنه يصح ويضمن الزيادة، نص عليه أحمد، وفي رواية أخرى: إنه يسقط المسمى ويلزم الزوج مهر المثل، وكذا لو لم يُسم المهر، فإن الإطلاق ينصرف إلى مهر المثل. ويستثنى من ذلك الأب خاصة، فإنه لا يلزم في عقده سوى المسمى، ولو لم تأذن فيه، أو طلبت تمام المهر، نص عليه أحمد. (ابن رجب 3/ 460) . 2 - المخالفة في عوض الخلع: إذا خالف وكيل الزوجة بأكثر من مهر المثل، أو وكيل الزوج بدونه، ففيه ثلاثة أوجه، البطلان، والصحة، والبطلان بمخالفة وكيله، والصحة بمخالفة وكيلها، ومع الصحة يضمن الوكيل الزيادة والنقص. وهذا الخلاف: من الأصحاب من أطلقه مع تقرير المهر وتركه، ومنهم من خصه بما إذا وقع التقدير، فأما مع الإطلاق فيصح الخلع وجهاً واحداً. وفيه وجهان آخران: أحدهما: يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل، والثاني: يخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً ولا شيء له غيره ويسقط حقه من الرجعة، وبين رده على المرأة ويثبت له الرجعة، وفي مخالفة وكيل الزوجة وجه آخر: إنه يلزمها أكثر الأمرين من المسمى ومهر المثل. (ابن رجب 3/ 461) . القسم السادس: التصرف للغير بمال المصرف، مثل أن يشتري بعين ماله لزيد سلعة، ففي قول يقع باطلاً رواية واحدة، ومن الأصحاب من خرجه على الخلاف في تصرف الفضولي، وهو أصح؛ لأن العقد يقف على الإجازة، وتعيين الثمن من ماله يكون إقراضاً للمشترى له، أو هبة له، فهو كمن أوجب لغيره عقداً في ماله، فقبله الآخر بعد المجلس، ونص أحمد على صحة مثل ذلك في النكاح، والصحيح في توجيهها أنها من باب وقف العقود على الإجازة، فعلى هذا لا فرق بين عقد وعقد، فكل من أوجب عقداً لغائب عن المجلس، فبلغه، فقبله، فقد أجازه وأمضاه، ويصح على هذه الرواية. وفي رواية أخرى: أنه لا يصح إلا في مجلس واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1046 القاعدة: [298] الصفقة الواحدة: هل تتفرق فيصح بعضها دون بعض أم لا. فإذا بطل بعضها بطل الكل؟ التوضيح الصفقة: هي العقد الذي يتضمن أمرين، أحدهما جائز وصحيح. والثاني باطل وممنوع، وهنا يأتي تفريق حكم الصفقة حسب الأمرين، أم تبطل بكاملها. وفيها روايتان، أشهرهما: أنها تتفرق، ويترتب على ذلك فروع. التطبيقات 1 - أن يجمع العقد بين ما يجوز العقد عليه، وما لا يجوز بالكلية، إما مطلقاً، أو في تلك الحال، فيبطل العقد فيما لا يجوز عليه العقد بانفراده. وهل يبطل في الباقي؟ على الروايتين، ولا فرق في ذلك بين عقود المعاوضات وغيرها، كالرهن والهبة والوقف، ولا بين ما يبطل بجهالة عوضه، كالبيع، وما لا يبطل كالنكاح. وقيل: فيه تفصيلات واختلافات أخرى. (ابن رجب 3/ 463) . 2 - أن يكون التحريم في بعض أفراد الصفقة ناشئاً من الجمع بينه وبين الآخر، فهنا حالتان: إحداهما: أن يمتاز بعض الأفراد بمزية، فهل يصح العقد فيه بخصوصه، أم يبطل في الكل؛ فيه خلاف، والأظهر: صحة ذي المزية. تقرير القواعد. (ابن رجب 3/ 463) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1047 التطبيقات لهذه الحالة أ - إذا جمع في عقد بين نكاح أم وبنت، فهل يبطل فيهما، أم يصح في البنت لصحة ورود عقدها على عقد الأم من غير عكس، على وجهين. (ابن رجب 3/ 463) . ب - أن يتزوج حرّ خائف للعنت غير واجد للطّوَل حرّة تعفه بانفرادها وأمة في عقد واحد، وفيه وجهان، أحدهما: يصح نكاح الحرة وحدها؛ لأن الحرة تمتاز على الأمة بصحة ورود نكاحها عليها فاختصت به. والثاني: يصح فيهما معأ؛ لأن له في هذه الحال قبول نكاح كل واحدة منهما على الانفراد، فيصح الجمع بينهما، كما لو تزوج أمة ثم حرّة، والأول: أصح؛ لأن قدرته على نكاح الحرة تمنعه من نكاح الأمة، فمقارنة نكاح الحرة أولى بالمنع. (ابن رجب 3/ 467) . الحالة الثانية: ألا يمتاز بعض الأفراد عن بعض بمزية، فالمشهور البطلان في الكل، إذ ليس بعضها بأولى من بعض بالصحة، مثل أن يتزوج أختين في عقد، أو خمساً في عقد، فالمذهب البطلان في الكل. وفي رواية عن أحمد: إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما. وتأولها القاضي على أنه يختار بعقد مستأنف، وهو بعيد، وخرج القاضي على الرواية الثانية فيما إذا زوج الوليان من رجلين ووقعا معاً، إنه يقرع بينهما، فمن قرع فهي زوجته. (ابن رجب 3/ 469) . 3 - أن تجمع الصفقة شيئين يصح العقد فيهما، ثم يبطل العقد في أحدهما قبل استقراره، فإنه يختص بالبطلان دون الآخر، رواية واحدة؛ لأن التفريق وقع هنا دواماً لا ابتداء، والدوام أسهل من الابتداء، لكن حكي فيما إذا تفرق المتصارفان عن قبض الصرف، أنه يبطل العقد فيما لم يقبض، وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة. وهذا تفريق في الدوام، إلا أن يقال: القبض في الصرف شرط لانعقاد العقد، لا لدوامه، وأن العقد مراعى بوجوده، فيكون التفريق في الابتداء، غير أن القاضي حكى الخلاف في تفريق الصفقة في السلم والصرف مع تصريحه في المسألة بأن القبض شرط للدوام دون الانعقاد، وهذا يقتضي - ولا بد - تخريج الخلاف في تفريق الصفقة دواماً قبل استقرار العقد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1048 وذكر بعضهم أن مال الزكاة إذا بيع ثم أعسر البائع بالزكاة، فللساعي الفسخ في قدرها، فإذا فسخ في قدرها، فهل ينفسخ في الباقي؛ يخرج على روايتي تفريق الصفقة. وهذا تصريح بإجراء الخلاف في التفريق في الدوام، فإن الفسخ ها هنا بسبب سابق على العقد، فلا يستقر العقد معه. وهذا في البيع ونحوه، وأما في الكاح، فإن طرأ ما يقتضي تحريم إحدى المرأتين بعينها، برذة أو رضاع، اختصت بانفساخ النكاح وحدها بغير خلاف، وإن طرأ ما يقتضي تحريم الجمع بينهما، فإن لم يكن لإحداهما مزية على الأخرى، بأن صارتا أختين بإرضاع امرأة واحدة لهما انفسخ نكاحهما، وإن كان لإحداهما مزية بأن صارتا أماً وبنتاً بالارتضاع، فروايتان، أصحهما يختص الانفساخ بالأم وحدها إذا لم يدخل بها، لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، فهو كمن أسلم على أم وبنت لم يدخل بهما. فإنه يثبت نكاح البنت دون الأم. (ابن رجب 3/ 470) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1049 القاعدة: [299] الماء الجاري، هل هو كالراكد. أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد؟ التوضيح الماء الذي يجري كالنهر والساقية إذا وقعت فيه نجاسة، فما حكمه؛ هل يتنجس كله كالماء الراكد؛ أم يعتبر كل جرية أي كل دفعة منه بمثابة ماء جديد مستقل ومنفرد، فتتنجس الجرية التي وقعت فيها النجاسة، ويعدُّ ما قبلها، وما بعدها طاهراً؟ وهذا فيه خلاف في المذهب، فإن كانت كل جرية بحكم المنفرد، فإنه ينجس بمجرد الملاقاة ما يحيط بالنجاسة فقط، وينجس بالتغير بلونه أو طعمه أو ريحه، وإذا كان الماء الجاري كالماء الراكد، فإن كان قليلاً أي أقل من قلتين، حوالي 254 كيلو غرامات أو ليترات) فإنه ينجس كله، وإن كان كثيراً، أي أكثر مت قلتين، فلا ينجس إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، وينبني على الخلاف مسائل وفروع. التطبيقات 1 - لو وقعت في الماء الجاري نجاسة، فهل يعتبر مجموعه؟ فإن كان كثيراً لم ينجس بدون تغيير، وإلا نجس، أو تعتبر كل جرية بانفرادها، فإن بلغت قلتين لم تنجس، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1050 وإلا نجست؛ فيه روايتان، والراجح: أن الماء يعتبر شيئاً واحداً، والصحيح: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير. (ابن رجب 1/5) . 2 - لو غمس الإناء النجس في ماء جار، ومرت عليه سبع جريات، فهل ذلك غسلة واحدة أو سبع غسلات؛ على وجهين، وظاهر كلام الأصحاب أن ذلك غسلة واحدة، وكلام أحمد يدل عليه، وكذلك لو كان ثوباً ونحوه، وعصره عقب كل جرية. وصورته: لو كان مع رجل إناء نجس، وأراد أن يطهره بماء جار. فإن قلنا: كل جرية غسلة منفردة، فمتى مرَّ عليه سبع جريات صار طاهراً؛ لأن كل جرية غسلة. والجرية تباشر الشيء فإذا مرَّ عليه الماء سبع مرات طهر، وإذا قلنا: إن الجاري كالراكد، فلا بدَّ أن يخرج الإناء من الماء ثم يعيدها، ثم يخرجها ثم يعيدها، حتى تتم سبع مرات، كان كان ثوباً نجساً فلا بد على القول الثاني من إخراجه ثم عصره خارج الماء، وهذا كله مبني على أنه لا بد من سبع غسلات، والصحيح أنه لا يجب سبع غسلات إلا في سؤر الكلب. (ابن رجب 1/6) . 3 - لو انغمس المحدث حدثاً أصغر في ماء جارٍ للوضوء، ومرت عليه أربع جريات متوالية، فهل يرتفع بذلك حدثه أم لا؟ عل وجهين، أشهرهما عند الأصحاب: أنه يرتفع حدثه، وقال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أنه لا يرتفع حدثه؛ لأنه لم يفرق بين الجاري والراكد، بل نص أحمد على التسوية بينهما، وأنه إذا انغمس في دجلة، فإنه لا يرتفع حدثه حتى يخرج حدثه مرتباً لكل عضو من أعضاء الوضوء. (ابن رجب 3/ 8) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1051 4 - لو حلف لا يقف في هذا الماء، وكان جارياً، لم يحنث عند أبي الخطاب وغيره؛ لأن الجاري يتبدل ويستخلف شيئاً فشيئاً، فلا يتصور الوقوف فيه، وقياس المنصوص أنه يحنث، لا سيما والعرف يشهد له، والأيمان مرجعها إلى العرف. (ابن رجب 3/9) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1052 القاعدة: [300] من قدر على بعض العبادة، وعجز عن باقيها. هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها، أم لا؟ التوضيح هذه القاعدة المختلف فسها عند الحنابلة تشبه القاعدة السابقة عند الشافعية "الميسور لا يسقط بالمعسور" وسبق بيانها، مع بعض الأمثلة، ونبين هذا الخلاف والتفصيل عند الحنابلة، وأن العبادة على أربعة أقسام، وهي: القسم الأول: أن يكون المقدور عليه ليس مقصوداً في العادة، بل هو وسيلة محضة إليها، كتحريك اللسان في القراءة، وإمرار الموسى على الرأس في الحلق، والختان لمن ولد مختوناً، فهذا ليس بواجب، فيسقط، لأنه إنما وجب ضرورة للقراءة، وللحلق وللقطع، وقد سقط الأصل، فسقط ما هو من ضرورته. القسم الثاني: ما وجب تبعاً لغيره، وهو نوعان: أحدهما: ما كان وجوبه احتياطاً للعبادة ليتحقق حصولها، كغسل المرفقين في الوضوء، فإذا قطعت اليد من المرفق، فيجب غسل رأس المرفق على الأشهر، وفي قول: يستحب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1053 الثاني: ما وجب تبعاً لغيره على وجه التكميل واللواحق، مثل رمي الجمار. والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج، فالمشهور أنه لا يلزمه، لأن ذلك كله من توابع الوقوف بعرفة، فلا يلزم من لم يقف بها. (ابن رجب 1/ 44) . ومن أمثلة ذلك المريض إذا عجز في الصلاة عن وضع وجهه على الأرض، وقدر على وضع بقية أعضاء السجود، فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح، لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعاً للسجود على الوجه وتكميلاً له. (ابن رجب 1/ 45) . القسم الثالث: ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه بانفرإده، أو هو غير مأمور به لضرورة، فا لأول: كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه، وعجز عن إتمامه، فلا يلزمه بغير خلاف. والثاني كعتق بعض رقبة في الكفارة. فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل. (ابن رجب 1/ 45) . القسم الرابع: ما هو جزء من العبادة، وهو عبادة مشروعة في نفسه، فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بلا خلاف، وفيه مسائل: 1 - العاجز عن القراءة يلزمه القيام في الصلاة؛ لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة، لكنه أيضاً مقصود في نفسه، وهو عبادة منفردة، فالقدور لا يسقط بالمحسور. (ابن رجب 1/ 48) . 2 - من عجز عن بعض الفاتحة، لزمه الإتيان بالباقي. (ابن رجب 1/ 48) . 3 - من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه الإتيان بما قدر منه؛ لأن تخفيف الجنابة مشروع، ولو بغسل بعض أعضاء الوضوء، كما يشرع الوضوء للجنب إذا أراد النوم أو الوطء أو الأكل، ويستباح بالوضوء اللبث للجنب في المسجد عندنا. (ابن رجب 1/ 48) . 4 - الحدث إذا وجد بعض ما يكفي بعض أعضائه، ففي وجوب استعماله وجهان، ففي وجه لا يجب استثناء من القاعدة، لأن الحدث الأصغر لا يتبعض رفعه، فلا يحصل به مقصود، أو أنه يتبعض لكنه يبطل بالإخلال بالموالاة فلا يبقى له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1054 فائدة، أو أن غسل بعض أعضاء المحدث غير مشروع بخلاف غسل بعض أعضاء الجنب، وفي وجه يجب وهو المذهب، كالجبيرة، تطبيقاً للقاعدة. (ابن رجب 1/ 49) . 5 - إذا قدر على بعض صاع في صدقة الفطر، ففي رواية لا يجب، لأنه كفارة بالمال فلا يتبعض، كما لو قدر على التكفير بإطعام بعض المساكين، والصحيح الوجوب، ويفرق عن الكفارة أن الكفارة بالمال تسقط إلى بدل وهو الصوم بخلاف الفطرة، وأن الكفارة لا بد من تكميلها لأن المقصود بالتكفير بالمال حصول إحدى المصالح: وهي العتق أو الإطعام أو الكسوة، وبالتلفيق يفوت ذلك، وفي الفطرة لا تبرأ الذمة منها بدون إخراج الموجود. (ابن رجب 1/ 50) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1055 القاعدة: [301] العين المنغمرة في غيرها، إذا لم يظهر أثرها. فهل هي كالعدومة حكمًا، أو لا؟ التوضيح إذا وقعت عين في سائل آخر، ولم يظهر أش ها في تغيير اللون أو الطعم أو الرائحة، فاختلف العلماء في حكمها، هل هي كالمعدومة فلا تؤثر فيه، أم تغير حكمه؟ التطبيقات 1 - الماء إذا استهلكت فيه النجاسة، فإن كان كثيراً، سقط حكمها بغير خلاف، وإن كان يسيراً نفيه رواية بسقوط حكمها؛ لأن الماء أحالها؛ لأن له قوة الإحالة فلا يبقى لها وجود، بل الموجود غيرها، فهو عين طاهرة، وفي رواية أن النجاسة موجودة وينجس الماء. (ابن رجب 1/ 172) . 2 - اللبن المشوب بالماء المنغمر فيه، ففي وجه يثبت به حكم تحريم الرضاع، وإنما يحرَّم إذا شرب الماء كله، ولو في دفعات، ويكون رضعة واحدة، وفي وجه لا يثبت به تحريم الرضاع، واختاره صاحب (المغني) وقال: إن هذا ليس برضاع، ولا في معناه. (ابن رجب 1/ 173) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1056 3 - لو خلط خمراً بماء، واستهلك فيه، ثم شربه، لم يحد، هذا هو المشهور، وسواء قيل بنجاسة الماء أو لا، وفي وجه عليه الحذ سراء استهلك أو لم يستهلك. (ابن رجب 1/ 173) . 4 - لو خلط زيته بزيت غيره على وجه لا يتميز، ففي وجه أنه استهلاك ويجب لصاحبه عوضه، وفي وجه أنه اشتراك بينهما، وهو المنصوص. (ابن رجب 1/ 175) . 5 - لو وصى له برطل من زيت معين، ثم خلطه بزيت آخر، ففيه الوجهان السابقان، فإن كان استهلاكاً بطلت الوصية، وإن كان اشتراكاً لم تبطل الوصية. (ابن رجب 1/ 177) . 6 - لو حلف: لا يأكل شيئاً، فاستهلك في غيره، ثم أكله، فلا يحنث بلا خلاف؛ لأن مبنى الأيمان على العرف، ولم يقصد الامتناع عن مثل ذلك، وقد يخرج فيه وجه بالحنث. (ابن رجب 1/ 177) . 7 - لو اشترى ثمرة، فلم يقبضها حتى اختلطت بغيرها، ولم تتميز، فهل ينفسخ البيع؛ فيه وجهان. (ابن رجب 1/ 178) . 8 - لو حلف: ألا يأكل حنطة، فأكل شعيراً فيه حبات حنطة، ففي حنثه وجهان، والراجح يحنث بلا خلاف، لأن الحب متميز لم يستهلك، بخلاف ما لو طحنت بما فيها فاستهلكت فإنه لا يحنث. (ابن رجب 1/ 178) . 9 - لو اختلطت دراهمه بدراهم مغصوبة، فالمنصوص عن أحمد إن كانت الدراهم قليلة، كثلاثة فيها درهم حرام، وجب التوقف عنها حتى يعلم، وإن كانت كثيرة، كثلاثين فيها درهم حرام، فإنه يخرج منها درهماً ويتصرف في الباقي، وفي وجه يحرم الجميع. (ابن رجب 1/ 178) . 10 - لو خلط الوديعة، وهي دراهم، بماله، ولم تتميز، فالمشهرر الضمان، لعدوانه حيث فوت تحصيلها، وفي رواية لا ضمان عليه؛ لأن النقود لا يتعلق الغرض باعيانها، بل بمقدارها. (ابن رجب 1/ 180) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1057 القاعدة: [302] عقود الأمانات، هل تنفسخ بمجرد التعدي فيها، أم لا؟ التوضيح إن عقود الأمانات المحضة، أو العقود التي تتضمن الأمانة، كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة والرهن والإجارة والوصاية، تعتمد على الثقة بواضع اليد، وأن يده على مال غيره ستكون بمثابة يد المالك، ولذلك إذا تلفت العين تحت يده بدون تعدٍّ فإنه لا يضمن باتفاق، كأنها تلفت في يد مالكها، والمالك لا يضمن. لكن إذا تجاوز الأمين ما هو مطلوب منه ومفروض عليه، وتعدى على مال الغير، فيصبح ضامناً بسبب التعدي، ولكن هل ينفسخ العقد بين الطرفين؟ في المسألة خلاف وتفصيل فإن كانت الأمانة محضة، فإنها تبطل بالتعدي لمنافاتها لمقصودها الأساسي، وإن كانت الأمانة متضمنة لأمر آخر فلا تبطل على الصحيح، وفي قول تبطل. التطبيقات الوديعة: إذا تعدى في الوديعة بطلت، ولم يجز له الإمساك، ووجب الرد على الفور؛ لأنها أمانة محضة، وقد زالت بالتعدي، فلا تعود بدون عقد متجدد، هذا هو المشهور وفي قول إذا زال التحدي وعاد إلى الحفظ لم تبطل. (ابن رجب 1/ 323) . 2 - الوكالة: إذا تعدى الوكيل، فالمشهور أن وكالته لا تنفسخ، بل تزول أمانته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1058 ويصير ضامناً، فلو باع بدون ثمن المثل صح، وضمن النقص؛ لأن الوكالة إذن في التصرف مع ائتمان، فإذا زال أحدهما لم يزل الآخر، هذا هو المشهور. وفي قول: إن المخالفة من الوكيل تقتضي فساد الوكالة، لا بطلانها، فيفسد العقد، ويصير متصرفاً بمجرد الإذن، وفي وجه تبطل كالوديعة. (ابن رجب 1/ 324) . 3 - الشركة والمضاربة: إذا تعدى فيهما، فالمعروف من المذهب أنه يصير ضامناً، ويصح تصرفه لبقاء الإذن فيه، وفي وجه تصرفه كالوكالة. (ابن رجب 1/ 325) . 4 - الإجارة: إذا استأجره لحفظ شيء مدة، فحفظه في بعضها ثم ترك، ففيها وجهان، الأصح: لا تبطل الإجارة، بل يزول الاستئمان، ويصير ضامناً، وفي وجه؛ يبطل العقد، فلا يستحق شيئاً من الأجرة. (ابن رجب 1/ 325) . 5 - الوصاية: إذا تعدى الوصي في التصرف، ففي بطلان الوصاية احتمالان. أحدهما: لا تبطل، بل تزول أمانته، ويصير ضامناً كالوكيل. والثاني: تبطل؛ لأنه خرج من حيز الأمانة بالتفريط، فزالت ولايته بانتفاء شرطها، كالحاكم إذا فسق. (ابن رجب 1/ 326) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1059 القاعدة: [303] الواجب بالنذر، هل يلحق بالواجب بالشرع، أو بالمندوب؟ التوضيح الواجب إما أن يجب بالشرع، وله أحكامه وآثاره، وإما أن يوجبه المكلف على نفسه بالنذر. فإذا أوجب المكلف نفسه بشيء، فيختلف الحكم في آثار المنذور، هل يكون كالواجب بالشرع، أم يعامل كالمندوب؛ فيه خلاف عند الحنابلة. التطبيقات 1 - الأكل من أضحية النذر، فيه وجهان، والصحيح الجواز كالأضحية المندوبة التي يجوز له الأكل منها. (ابن رجب 2/ 394) . 2 - فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي، فيه وجهان، أشهرهما الجواز. (ابن رجب 2/ 394) . 3 - نذر الصيام أيام التشريق، فيه وجهان، والراجح المنع كنذر المعصية؛ لأن الالتزام بالنذر هو التطوع المطلق، وليس المعصية. (ابن رجب 2/ 395) . 4 - لو نذر صلاة، فهل يجزئه ركعة كالوتر، أو لا بدَّ من ركعتين؛ على روايتين، والظاهر أنه يلزمه ركعتان، لأنه المتبادر للذهن. (ابن رجب 3/ 395) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1060 5 - لو نذر صوم شهر، فجنَ فيه، لم يلزمه قضاؤه على الأصح، وليس كذلك إذا جن جميع رمضان. (ابن رجب 2/ 396) . 6 - لو نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، فقدم في أثناء النهار، وهو ممسك. فصامه، أجزأه على الأصح كالمندوب، وفي رواية يلزمه قضاؤه. (ابن رجب 2/ 396) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1061 القاعدة: [304] من خُيِّر بين شيئين، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معًا. فهل يجزئه، أم لا؟ التوضيح خير الشرع في القرآن والسنة بين حكمين فأكثر، والمكلف يختار الفعل الأول، أو الثاني، كالخيار في كفارة اليمين بين إطعام عثرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن فعل نصف الأول ونصف الثاني، فهل يجزئه ذلك؟ فيه خلاف عند الحنابلة. التطبيقات 1 - أعتق في الكفارة نصفي رقبتين، فيها وجهان، وقيل: إن كان باقيها حرًّا أجزأ وجهاً واحداً لتكميل الحرية به. (ابن رجب 2/ 398) . 2 - لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين، أو أهدى للحرم نصفي شاتين، فالراجح الجواز، لأن المقصود من الهدي اللحم، ولهذا أجزأ فيه شقص من بدنة. (ابن رجب 2/ 398) . 3 - لو أخرج الجبران في زكاة الإبل شاة وعشرة دراهم، ففيه وجهان. (ابن رجب 2/ 398) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1062 4 - لو كفر بيمينه بإطعام خمسة مساكين، وكسوة خمسة مساكين، فإنه يجزئ على المشهور، وفيه وجه في زكاة الفطر. (ابن رجب 2/ 398) . 5 - لو أخرج في الفطرة صاعاً من جنسين، فالمذهب الإجزاء. (ابن رجب 2/ 398) . 6 - لو كفر في محظورات الحج بصيام يوم وإطعام أربعة مساكين، وذلك في فدية الأذى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ، فالصيام ثلاثة أيام، والإطعام لستة مساكين، فالأظهر منعه. (ابن رجب 2/ 399) . المستثنى لو أخرج عن أربع مئة من الإبل أربع حقاق، وخمس بنات لبون، جاز بغير خلاف، لأنه عمل بمقتضى "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة" ففي مئتين أخرج الحقاق، وفي مئتين أخرج بنات لبون. (ابن رجب 2/ 400) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1063 القاعدة: [305] الرضا بالمجهول قدرًا، أو جنسًا، أو وصفًا. هل هو رضًا معتبر لازم؟ التوضيح إذا رضي شخص، أو عزم على أمر مجهول، من ناحية القدر، أو الجنس، أو الوصف، وكان الالتزام بعقد أو فسخ، صح الإبهام بالنسبة إلى الأنواع، أو الأعيان التي ترد عليه، وصح الرضا به ولزم بغير خلاف، وإن كان غير ذلك ففيه خلاف. التطبيقات 1 - أن يحرم بمثل ما أحرم به فلان، أو بأحد الأنساك، صح. (ابن رجب 2/ 413) . 2 - إذا طلق إحدى زوجاته، صح، وتعين بالقرعة على المذهب. (ابن رجب 2/ 413) . 3 - إذا أعتق أحد عيده، صح، ريعين بالقرعة على الصحيح. (ابن رجب 2/ 413) . 4 - إذا طلق بلفظ أعجمي من لا يفهم معناه، والتزم موجبه عند أهله، ففي لزوم الطلاق وجهان، والمنصوص أنه لا يلزمه. (ابن رجب 2/ 414) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1064 5 - إذا قال لامرأته: أنت طالق مثل ما طلق فلان زوجته، ولم يعلم عدده، فهل يلزمه مثل طلاق فلان بكل حال، أو لا يلزمه أكثر من واحدة؟ فيه وجهان. (ابن رجب 2/ 414) . 6 - البراءة من المجهول تصح مطلقاً في أشهر الروايات، سواء جهل المبرئ قدره أو وصفه، أو جهلهما معاً، وسواء عرفه المبرئ أو لم يعرفه. (ابن رجب 2/ 416) . 7 - إجازة الوصية المجهولة، في صحتها وجهان. (ابن رجب 2/ 417) . 8 - البراءة من عيوب المبيع إذا لم يعين منها شيء. فيها وجهان، الأشهر لا يبرأ. (ابن رجب 2/ 417) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1065 الباب العاشر القواعد المختلف فيها في فروع المذهب الحنفي لم يذكر علماء الحنفية هذا العنوان للقواعد المختلف فيها بين علماء المذهب الحنفي، ولم يتنبه لها العلامة ابن نجيم رحمه الله تعالى، ولكن ورد مضمونها في كتاب (تأسيس النظر) للإمام عبيد الله بن عمر الدَّبُّوسي الحنفي، وهو يتكلم على أصول مسائل الخلاف، وسر منشأ الخلاف، ومعرفة مأخذ أدلة الأئمة لاستنباط الأحكام، وعرضها بعنوان (الأصل) ولذلك أخرناها إلى الباب العاشر، وقسَّمها إلى ثمانية أقسام، خمسة منها لبيان الخلاف بين أئمة الحنفية، وثلاثة لبيان الخلاف بين الحنفية وسائر المذاهب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1067 ونقتبس بعض هذه القواعد، بعنوان (الأصل) ، ونذكر بعض التطبيقات الفقهية والفروع لها، وغالبها ضوابط كل منها في باب واحد من أبواب الفقه، كالصلاة، والحج، والطهارة وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1068 القاعدة: [306] الأصل أن ما غيَّر الفرض في أوله غيَّره في آخره التوضيح إن الفرض له أعمال كثيرة، وفي مقدمتها النية، ويكون العمل حسب النية، فإن تغيرت النية تغير العمل، فإن حصل تغيير النية في آخر العمل، فإنه يتغير عند أبي حنيفة خلافاً لصاحبيه أبىِ يوسف ومحمد، مثل نية الإقامة للمسافر، واقتداء المسافر بالمقيم، وينبني على ذلك مسائل كثيرة. التطبيقات 1 - المتيمم: إذا أبصر الماء في آخر صلاته بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم فاته تفسد صلاته عنده؛ لأنه لو حصلت الرؤية في أول الفرض غيره، فكذلك إذا حصلت فِى آخره، وعندهما لا تفسد. (الدَّبُّوسي ص 6) . 2 - العريان: إذا أصاب ثوباً، أو مقدار ما يستر عورته بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم، فسدت صلاته عند أبي حنيفة، كالمتيمم، وعندهما لا تفسد صلاته، لأنه يكون بحكم المنتهي. (الدَّبُّوسي ص 6) . 3 - المرأة: إذا قامت بجنب الرجل في آخر صلاته أفسدت صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. (الدَّبُّوسي ص 7) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1069 4 - الخف: إذا انقضت مدة المسح على الخفين، أو سقط الخف من رجله ولو بغير فعله، بعدما قعد قدر التشهد، وقبل أن يسلم، فسدت صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. (الدَّبُّوسي ص 7) . 5 - العاجز: إذا قدر على الركوع والسجود بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم، فتفسد صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. (الدَّبُّوسي ص 7) . 6 - المرأة: إذا حاضت بعدما قعدت قدر التشهد فسدت صلاتها عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. (الدَّبُّوسي ص 7) . 7 - من كان في صلاة الفجر، وطلعت عليه الشمس بعدما قعد قدر التشهد وقبل أن يسلم فسدت صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. (الدَّبُّوسي ص 7) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1070 القاعدة: [307] الأصل أن المحرم إذا أخر النسك عن الوفت المؤقت له أو قدَّمه لزمه دم التوضيح إن كثيراً من مناسك الحج مؤقتة بوقت محدد، فإذا أخرها المحرم عن وقتها المحدد، أو قدَّمها لزمه دم عند أبي حنيفة، كمن جاوز الميقات بغير إحرام، ثم أحرم، وعند الصاحبين لا يلزمه دم، وفيه مسائل. 1 - إذا أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة؛ لأنه أخر النسك عن الوقت المؤقت له، وعندهما لا دم عليه. (الدَّبُّوسي ص 8) . 2 - من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر حتى يطلع الفجر من اليوم الثاني من أيام النحر، لزمه دم عند أبي حنيفة، وعندهما لا دم عليه. (الدَّبُّوسي ص 8) . 3 - إذا أخر المحرم الحلق عن أيام النحر، لزم عليه دم عند أبي حنيفة، وعندهما لا دم عليه. (الدَّبُّوسي ص 8) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1071 4 - من أخر إراقة دم المتعة أو القران حتى مضت أيام النحر، لزمه دم لتأخيره عن وقت التقديم، لا التأخير، عند أبي حنيفة، وعندهما لا دم. (الدَّبُّوسي ص 8) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1072 القاعدة: [308] الأصل أن الشيء إذا غلب عليه وجوده فيجعله كالموجود حقيقة التوضيح إن الأخذ بالغالب معهود بالشرع، فإذا كان الشيء يغلب وجوده في حالات فيجعل كالموجود حقيقة عند أبي حنيفة، وإن لم يوجد، كالحدث من النائم المضجع؛ لأنه كلب وجوده، فجعل كالموجود وإن لم يوجد، وعندهما لا يعتبر موجوداً حتى يوجد حقيقة، ولذلك مسائل. التطبيقات 1 - من صلى في السفينة، وهو يخاف على نفسه دوران رأسه جازت صلاته جالساً عند أي حنيفة لهذا المعنى؛ لأن الغالب من السفينة دوران الرأس، فجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد، وعندهما لا تجوز صلاته جالساً إلا إذا وجد فى وران الرأس. (الدَّبُّوسي ص 9) . 2 - إن الغلام إذا بلغ خمساً وعشرين سنة، ولم يؤنس منه الرشد، فإنه يدفع إليه ماله حتى يتصرف فيه عند أبي حنيفة، وعندهما لا يدفع إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد، لقوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) .. (الدَّبُّوسي ص 9) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1073 3 - إن الغلام إذا لم يحتلم يحكم ببلوغه، في ظاهر الرواية، إذا بلغ تسع عشرة سنة، وفي الجارية سبع عشرة سنة، لأن الغالب أن من كان من أهل الاحتلام احتلم إذا بلغ هذه المدة، فإذا لم يبلغ يجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد عند أبي حنيفة. وفي رواية إذا بلغ ثماني عشرة سنة لهذه العلة والجارية سبع عشرة سنة، وعندهما ببلوغهما خمس عشرة سنة. (الدَّبُّوسي ص 9) . 4 - إن الزوجين إذا ماتا، واختلف ورثتهما في بقاء المهر، فلا يقضى بشيء على ورثة الزوج عند أبي حنيفة، لأن الغالب أن المهر لا يبقى في ذمة الزوج إلى ما بعد موتهما، ولكن تحصل البراءة منه بوجه من الوجوه، فيجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد، وعندهما يقضى بمهر المثل. (الدَّبُّوسي ص 9) . 5 - إذا باشر المتوضئ زوجته مباشرة فاحشة بانتشار، ولم يحصل منه شيء من البلل انتقض وضوءه؛ لأن الظاهر أن المرء إذا بلغ هذا المبلغ، ولم يكن بينهما حاجز، يخرج منه شيء، ويوجد منه وديّ، فيجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا ينقض حتى يوجد منه شيء. (الدَّبُّوسي ص 9) . 6 - قدروا مدة للمفقود بمئة وعشرين سنة من وقت مولده عند أبي حنيفة؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يعيش أكثر من هذا، فيجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد، وقدره أبو يوسف ومشايخ بلخ بمئة سنة. (الدَّبُّوسي سنة 9) . 7 - قدروا مدة الآيسة بستين سنة، لأن الغالب أن المرأة إذا بلغت ستين سنة فإن العادة الشهرية تنتهي، فيجعل كالموجود حقيقة، وإن لم يوجد. (الدَّبُّوسي سنة 10) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1074 القاعدة: [309] الأصل متى عرف ثبوت الشيء فهو على ذلك ما لم يتيقن خلافه التوضيح هذا الأصل عند أبي حنيفة كالقاعدة السابقة " اليقين لا يزول إلا بيقين " فمتى عرف ثبوت الشيء عن طريق الإحالة والتيقن لأي معنى كان فهو على ذلك ما لم يتيقن خلافه، كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو على طهارته، وكمن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على الحدث ما لم يتيقن الطهارة وفيه مسائل كثيرة. التطبيقات 1 - إن القول في بيان خروج وقت الظهر عند أبي حنيفة أنه لا يحكم بخروجه ودخول وقت العصر ما لم يصر ظل كل شيء مثليه، لأنا عرفنا يقيناً كون الوقت مستحقاً للظهر، وشككنا في خروج وقته ودخول وقت العصر، فلا يحكم إلا بيقين، ولا يقين إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه، وعندهما إذا صار ظل كل شيء مثله يحكم بخروج وقت الظهر ودخول وقت العصر، وهو قول الشافعي للحديث الصحيح. (الدَّبُّوسي سنة 10) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1075 2 - من طلق امرأته، وله منها أبن، وانقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر، فحبلت من الثاني، ثم أرضعت صبياً، فالرضاع يحصل من الزوج الأول عند أبي حنيفة، لأنه عرف كون الابن من الزوج الأول من طريق الإحاطة واليقين، فلا نحكم بانقطاعه إلا بيقين مثله، ولا يقين هها إلا بعد ولادتها من الثاني، وعند أبي يوسف إذا ازداد اللبن من الحبل فهو من الثاني، ويحكم بانقطاعه من الأول، وإذا لم يزد اللبن فهو من الأول، وعند محمد يكون منهما جميعاً. (الدَّبُّوسي سنة 10) 3 - من تزوج امرأة على ألف درهم أو ألفين، ومهر مثلها ألف وخمس مئة فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة؛ لأن العقد يوجب مهر المثل من طريق الإحاطة واليقين، فلا يحط عنه إلا بيقين مثله، ولا يقين هنا؛ لأن كلمة (أو) للشك أو للتخيير ممن له الخيار وهو مجهول، وعند أبي يوسف: الخيار إلى الزوج يعطيها أي المالين شاء. 4 - إذا قال لامرأته: أنت طالق إذا لم أطلقك، أو إذا لم أطلقك فأنت طالق، ولم يكن له نية، فيقع الطلاق عند أبي حنيفة في آخر جزء من أجزاء الحياة بلا فصل؛ لأن كلامه يحتمل أن يكون عبارة عن الوقت احتمالاً على السواء، وقد تيقنا بقاء ملكه عليها من طريق الإحاطة واليقين، ووقع الشك في زوال اللك في الحال، فلا يحكم بزواله إلا بيقين مثله، ولا يقين في زوال اللك، فيقع الطلاق في آخر جزء من أجزاء حياته يقيناً، وعندهما "إذا" للوقت فيقع الطلاق للحال، كما إذا قال: أنت طالق متى لم أطلقك، ومتى ما لم أطلقك. (الدَّبُّوسي سنة 11) 5 - إذا قال: لفلان عينَ من درهم إلى عشرة دراهم، فلا يلزمه إلا تسعة عند أبي حنيفة؛ لأنا تيقنا كون العاشر مملوكاً له، وشككنا في الزوال، وعندهما يلزمه عشرة دراهم، وتدخل الغايتان جميعاً عندهما. (الدَّبُّوسي ص 12) . 6 - إن العصير إذا غلى أدق غليان، ولم يقذف بالزبد، فإنه يحل شربه عند أبي حنيفة؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1076 لأنا تيقنا كونه حلالاً، ولا يترك اليقين بالشك، وعندهما لا يحل شربه. (الدَّبُّوسي ص 13) . 7 - إن الخمر إذا دخلها حموضة لا يحل شربها عند أبي حنيفة، لأنا تيقنا كونها حراماً، وشككنا في ثبوت الحل، فلا يترك اليقين بالشك، وعندهما يحل شربها، لأن الحموضة دليل أنها صارت خلاً. (الدَّبُّوسي ص 13) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1077 القاعدة: [310] الأصل أن العقد إذا دخله فساد قوي مجمع عليه أوجب فسادَه شاع في الكل التوضيح يتضمن العقد الصحيح أركاناً وشروطاً، وقد يطرأ فساد على أحد شروطه، فإن كان قوياً متفقاً عليه وأنه يوجب فساد العقد، فإن الفساد يشيع في الكل عند أبي حنيفة، كما لو باع سيارتين في صفقة واحدة بألف درهم، ثم ظهر أن إحدى السيارتين تالفة، فسد العقد كله لهذا المعنى، وعند صاحبيه يجوز في حصة السيارة، وفيه مسائل، وهذا يشبه تفريق الصفقة التي سبق بيانها عند الشافعية، وأن الأصح فيها التفريق كالصاحبين. التطبيقات 1 - إذا أسلم الرجل حنطة في شعير وزيت لم يجز عند أبي حنيفة هذا السلم في الكل؛ لأن فساد سلم الحنطة في الشعير قوي مجمع عليه، فثاع في الكل، وعندهما يجوز في حصة الزيت. (الدَّبُّوسي ص 16) . 2 - إذا اشترى الرجل حلياً فيه جواهر يمكن امتيازه من غير ضررِ بدينار نسيئة، فالعقد فاسد في الكل عند أبي حنيفة، وعندهما جاز في حصة الجوهر. (الدَّبُّوسي ص 16) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1078 3 - خرج الفقهاء على قول أبي حنيفة: فيمن باع درهماً على أن يأخذ بنصفه فلوساً وبنصفه نصفاً إلا حبة، فسد الكل عند أبي حنيفة في الكل، وعندهما جائز في حصة الفلوس. (الدَّبُّوسي ص 16) . 4 - إذا اشترى خاتماً، وفيه فص من جوهر يمتاز من غير ضرر بدينارِ نقد ونسيئة، فالعقد فاسد في الكل عند أبي حنيفة، وعندهما جائز في حصة الجوهر. (الدَّبُّوسي ص 17) . 5 - لو باع شاتين مسلوختين، إحداهما متروك التسمية عمداً، فسمى لكل واحد منهما ثمناً، فسد العقد في الكل عند أبي حنيفة، وعندهما يصح في الحصة التي سمى عليها، ولا يجوز في حصة الآخر. (الدَّبُّوسي ص 17) . 6 - إذا اشترى عشرة أقفزة من الحنطة، وعشر من الغنم، كل قفيز وكل شاة بعشرة، فوجد الغنم تسعاً، لم يجز البيع في الكل عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز في تسعة أقفزة وتسع من الغنم. (الدَّبُّوسي ص 17) . 7 - إذا باع الرجل من الرجل داراً بفنائها، لم يجز البيع في الكل عند أبي حنيفة، لأنه فسد في حصة الفناء، فشاع في الكل، وعندهما جائز في الدار. (الدَّبُّوسي ص 17) . 8 - إذا دفع الرجل أرضاً إلى رجلين مزارعةً على أن الخارج بين رب الأرض وبينهما أثلاثاً، وعلى أن لأحد العاملين على رب الأرض مئة درهم، فعلى قياس قول أبي حنيفة لا يجوز، وعندهما جائزة بينه وبين الذي لم يشترط له الدارهم. (الدَّبُّوسي ص 18) . المستثنى لو قالت امرأة لزوجها: طلقني ثلاثاً على ألف درهم، وهي في عدة منه في تطليقة رجعية، فإنه يقع تطليقتان عند أبي حنيفة، لأنها أضافت الألف إلى ما يقبل البدل وإلى ما لا يقبل البدل، فالعبرة لما يقبل البدل. (الدَّبُّوسي ص 18) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1079 القاعدة: [311] الأصل أن من جمع في كلامه بين ما يتعلق به الحكم. وما لا يتعلق به الحكم، فلا عبرة لما لا يتعلق به الحكم التوضيح هذه القاعدة تجمع بين أمرين، وهي كحالة تفريق الصفقتين، لكن الحكم فيها كالاستثناء من القاعدة السابقة، فيعطى الكل لما يتعلق به الحكم، عند أبي حنيفة. والعبرة لما يتعلق به الحكم، وما لا يتعلق به الحكم فكأنه لم يذكر في الكلام، وعندهما يفرق الكلام على الأمرين ويوزع الحكم على القسمين، فيصح في جانب ويبطل في جانب، وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إذا قال لفلان عليَّ ألف درهم ولهذا الحائط، لزمه الألف كلها عند أبي حنيفة؛ لأن الكلام لم يتناول الحائط، وعندهما يلزمه النصف. (الدَّبُّوسي ص 18) . 2 - لو أوصى بثلث ماله لحي وميت، فالثلث كلُّه للحي عنده، وتابعه محمد، سواء علم بموته أو لم يعلم، وقال أبو يوسف: إن علم بموته فكذلك، وإن لم يعلم فله نصف الثلث. (الدَّبُّوسي ص 18) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1080 3 - إذا قال لفلان في كثر حنطة وكثر شعير، إلا كر حنطة وقفيز شعير لم يصح استئناؤه في قفيز الشعير عنده، لأنه لم يتعلق بقوله إلا كرّ حنطة، فصار بمنزلة السكتة، وعندهما يصح استئناؤه في قفيز الشعير. (الدَّبُّوسي ص 19) . 4 - إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، أو واحدة إن شاء الله، لا يصح استئناؤه، اويقع الطلاق عند أبي حنيفة، وعندهما لا يقع. (الدَّبُّوسي ص 19) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1081 القاعدة: [312] الأصل أن ما يعتقده أهل الذمة ويدينون عليه يتركون عليه. وعندهما لا يتركون التوضيح أمر الله ترك أهل الذمة على عقيدتهم، وعلى الأمور التي يتدينون عليها، فالأصل أن يتركوا كذلك عند أبي حنيفة، وعند الصاحبين لا يتركون في غير أمور العقيدة على ما يدينون عليه إذا كان مخالفاً للشريعة الإسلامية. التطبيقات 1 - إذا تزوج الذمي امرأة ذمية في عدة زوج ذمي فيتركان عند أبي حنيفة، وعندهما يفرق بينهما. (الدَّبُّوسي ص 19) . 2 - إذا تزوج الذمي ذات رحم مَحْرَم منه، فلا يفرق بينهما ما لم يترافعا إلى حاكم المسلمين عند أبي حنيفة، وعندهما إذا رفع أحدهما يفرق. (الدَّبُّوسي ص 19) . 3 - إذا تزوج المجوسي أمه ودخل بها ثم أسلم وقذفه إنسان بالزنا يحدُّ قاذفه عند أبي حنيفة، لأنهما عنده كانا يقران على ذلك، فلم يكن الدخول بها زناً، فيحد قاذفه، وعندهما لا يحد. (الدَّبُّوسي ص 20) . 4 - إذا تزوج المجوسي ذات رحم محرم منه لزمته النفقة عنده؛ لأنهما يقران على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1082 ذلك، وعندهما لا نفقة عليه؛ لأنهما لا يقرإن على ذلك العقد. (الدَّبُّوسي ص 20) . 5 - إذا تزوج الذمي ذمية على أن لا مهر لها جاز العقد عند أبي حنيفة، ولا مهر لها، وإن أسلما، وعندهما يجب لها مهر مثلها إذا أسلما، وأن طلقها قبل الدخول وجب لها المتعة. (الدَّبُّوسي ص 20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1083 القاعدة: [313] الأصل أن من أخبر بخبر، ولصدق خبره علامة، لا يقبل قوله إلا ببيان تلك العلامة، فإنه يؤمر بإظهارها التوضيح إن الخبر يحتمل الصدق والكذب، ولذلك يحتاج إلى دليل أو دعم أو قرينة ترجح جانب الصدق لقبوله، فإذا كان الخبر يعتمد على علامة فلا يقبل إلا إذا بين صاحبه تلك العلامة، كمن ادعى على آخر شخه، فإنه يؤمر بإظهار تلك الشجة، والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه" وفي رواية "ولكن البينة على المدَّعي واليمين على من أنكر" ولذلك يحتاج البيان إلى دليل وحجة ليقبل. وفي ذلك مسائل مختلف فيها بين الإمام وصاحبيه. التطبيقات 1 - إن ولي الصغير أو الصغيرة إذا أخبر بنكاح سابق، لا يقبل قوله عند أبي حنيفة رحمه الله إلا بالبينة، لأن لصدق خبره علامة، وهي البينة، ولا يقبل قوله ما لم تثبت تلك العلامة، وعندهما يقبل قوله من غير بينة. (الدَّبُّوسي ص 20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1084 وكذلك وكيل الرجل، أو دليل المرأة، إذا أخبر بنكاح سابق، والموكِل منكر، لا يقبل قوله عد أبي حنيفة إلا ببينة، وعندهما يقبل. (الدَّبُّوسي ص 20) . 2 - إذا شهد شاهدان على رجل يشرب الخمر فلا تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ما لم يوجد منه رائحة الخمر، لأن لصدق خبرهما علامة، وعند محمد تقبل بدون اشتراط وجود رائحة الخمر، ويحد. (الدَّبُّوسي ص 20) . 3 - إذا قال صاحب المال: دفعت الزكاة إلى مصدق غيرك، وكان في تلك السنة مصدق آخر غيره، لا يقبل قوله في رواية عند أبي حنيفة، حتى يأتي بالعلامة؛ لأنه إخبار، فيكون لصدق خبره علامة، وهي البراءة، وفي ظاهر الرواية يقبل قوله من غير براءة. (الدَّبُّوسي ص 20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1085 القاعدة: [314] الأصل أن سبب الإتلاف متى سبق ملك المالك فإنه لا يوجب الضمان على المتلف لمن حدث الملك له التوضيح إن الإتلاف للضمان على المتلِف لتعويض المالك، فإن كان سبب الملك متأخراً، وسبب الضمان سابقاً له، فلا يضمن المتلِف لمن حدث الملك له لاحقاً عند أبي حنيفة، كمن تطع يد عبد، فباعه المالك، ثم ص ى الجرح إلى النفس في يد المشتري بسبب القطع السابق، فلا ضمان على الجاني لا للبائع، ولا للمشتري. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إذا اشترى رجلان ابن أحدهما فإنه يعتق على الأب، ولا يضمن الأب عند أبي حنيفة؛ لأن سبب الإتلاف سبق ملك المشترى فيه، وهي القرابة، وعندهما يضمن، وكذلك إذا وهب لهما ابن أحدهما، أو أوصي لهما بابن أحدهما، فيحتق ولا يضمن الأب عند أبي حنيفة، ويضمن عندهما. (الدَّبُّوسي ص 21) . 2 - إذا باع رجل نصف عبده من أب العبد، فيعتق عليه، ولا ضمان على الأب عند أبي حنيفة؛ لأن سبب الضمان سبق ملك الأب فيه، وهي القرابة، وعندهما يضمن نصف قيمته إن كان موسراً. (الدَّبُّوسي ص 21) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1086 3 - إذا غصب رجلان ابن أحدهما، وغرما القيمة، فإنه يعتق، ولا ضمان على الأب عند أبي حنيفة، لأن سبب الإتلاف سبق ملك المالك فيه، وعندهما يضمن. (الدَّبُّوسي ص 21) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1087 القاعدة: [315] الأصل أن الإذن المطلق إذا تعرَّى عن التهمة والخيانة لا يختص بالعرف التوضيح إذا كان الإذن بالتصرف مطلقاً؛ وغير مقيد بمقدار، أو بزمان، أو بمكان، فيبقى على إطلاقه عند أبي حنيفة، ولا يخصص بالعرف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما يخصص بالعرف. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - الوكيل وكالة مطلقة إذا باع بما عز وهان، وبأي ثمن كان، جاز عند أبي حنيفة؛ لأن الإذن مطلق، والتهمة منتفية، فلا يختص الثمن بالعرف، وعندهما يختص بأن يكون الثمن حسب العرف العتاد. (الدَّبُّوسي ص 21) . 2 - المودع إذا سافر بالوديعة جاز له ذلك عند أبي حنيفة إذا كان الطريق آمناً، سواء كان للوديعة حمل ومؤنة أم لم يكن لها، وعندهما: إن لم يكن لها حمل ومؤنة له ذلك، وإن كان لها حمل ومؤنة لم يجز له ذلك. (الدَّبُّوسي ص 21) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1088 3 - إذا وكل الرجل وكيلاً لشراء جارية له، وحمى له جنساً، ولم يسم له ثمنها وصفتها، فاشترى عمياء، أو مقطوعة اليدين أو الرجلين بثمن يساوي ذلك، جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز، ولو أنه اشترى جارية مقطوعة إحدى اليدين أو إحدى الرجلين جاز بالاتفاق. (الدَّبُّوسي ص 22) . 4 - إذا وكل المطلوب بالقصاص وكيلاً بالصلح، ولم يسم له شيئاً، فصالح وزاد على الدية جاز الصلح على القليل أو الكثير عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز إلا أن يكون النقص بمقدار يتغابن الناس بمثله. (الدَّبُّوسي ص 22) . وكذا لو وكل الطلوب بالقصاص وكيلاً بالصلح فصالح وزاد على الدية، فإن ضمن جاز، وإن لم يضمن لم يجز. (الدَّبُّوسي ص 22) . 5 - إن الوكيل بالنكاح إذا زاد في مهر المرأة زبادة لا يتغابن الناس في مثلها جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز إلا بما يتغابن الناس في مثلها، وكذا الوكيل بالخلع. (الدَّبُّوسي ص 23) . 6 - إن الوكيل بالنكاح وكالة مطلقة إذا زوَّج من الموكِل امرأة لا تليق فيه، جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز. (الدَّبُّوسي ص 23) . 7 - إذا أعار أحد المتفاوضين في شركة المفاوضة متاعاً لآخر ليرهنه، جاز عند أبي حنيفة عليهما، وعنده يجوز عليه خاصة. (الدَّبُّوسي ص 23) . 8 - إذا كفل أحد المتفاوضين آخر، فتجوز كفالته على نفسه وعلى شريكه عند أبي حنيفة، وعندهما لا تجوز على شريكه. (الدَّبُّوسي ص 23) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1089 9 - وكل شخص وكيلاً بأن يؤاجر داره مطلقاً، فأجرها الوكيل لمدة عشر سنين أو أكثر، جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز. (الدَّبُّوسي ص 23) . 10 - إذا باع الشريك المضارب، أو أحد شريكي العنان أو المفاوضة بمحاباة قليلة أو كثيرة جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز إلا بما يتغابن الناس في مثله، لكن إن اشترى بغبن فاحش لا يتغابن الناس في مثله فلا يجوز بالاتفاق، وكذا إذا باع الوصي أو الأب أو الجد أو القاضي مال اليتيم بأقل من قيمته، أو اشترى له بأكثر من قيمته مما لا يتغابن الناس بمثله لفحشه، فلا يجوز بالاتفاق. (الدَّبُّوسي ص 24) . 11 - إذا اشترى الوصي مال اليتيم لنفسه بأكثر من قيمته، أو باع مال نفسه من الصبى بأقل من قيمته جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز، ولو باع مال اليتيم من نفسه بمثل قيمته أو أقل لم يجز بالاتفاق. (الدَّبُّوسي ص 24) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1090 القاعدة: [316] الأصل أن ما حصل مفعولاً بإذن الشرع كان كأنه حصل مفعولاً بإذن من له الولاية من بني آدم التوضيح هذه القاعدة تشبه قاعدة "الجواز الشرعي ينافي الضمان" (م/ 91) وسبق بيانها. وقال بهذا الأصل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وقال أبو حنيفة: يسقط الضمان بشرط السلامة، كما لو رمى الصيد فإنه مأذون فيه بشرط السلامة، حتى لو أصاب إنساناً فيضمن باتفاق. وعلى ذلك مسائل. التطبيقات 1 - إذا كسر سائر المعازف والملاهي فلا يضمن عندهما، لأنه حصل مفعولاً بإذن الشرع، فصار كأنه حصل مفعولاً لإذن من له الولاية عندهما. وقال أبو حنيفة: إن إذن الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط السلامة من غير أن يتلف مالاً، فإنه أتلفه ضمن. (الدَّبُّوسي ص 25) . 2 - إذا علق الرجل من غير أهل المسجد قنديلاً فيه، أو بسط الحصير، فتولد منه الهلاك، لم يضمن عندهما؛ لأنه فعل بإذن الشارع. وعند أبي حنيفة يضمن؛ لأن السلامة فيه شرط. وكذا إذا قعد الرجل في المسجد غير منتظر للصلاة فعثر به إنسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1091 فتلف، لم يضمن عندهما، لأن الشرع أذن فب الدخول في المسجد، وعند أبي حنيفة يضمن؛ لأن السلامة فيه شرط. (الدَّبُّوسي ص 25) . 3 - إذا وجب القصاص على رجل في نفسه، فقطع الولي يد القاتل، ثم عفا عن القصاص، فلا يضمن أرش اليد عندهما؛ لأن الشارع أباح له إتلاف يده، فصار كأنه هو أباح نفسه، فقال: اقطع يدي فقطعها، ولو كان كذلك لا يضمن فكذا هنا. وعند أبي حنيفة يضمن دية اليد إذا عفا عن القصاص. (الدَّبُّوسي ص 26) . 4 - إذا وجب القصاص عل رجل في يده، أو في رجله، أو في عينه، فاستوفى القصاص منه من له الحق، فمات من ذلك القصاص، فلا يضمن القاطع عندهما، وتضمن عاقلة القاطع عنده، لأن حقه مقرر بشرط السلامة، بخلاف الإمام إذا قطع يد السارق فسرى إلى النفس، فلا ضمان عليه باتفاق، لأنه مكلف به، ولا يجوز للسارق أن يشترط السلامة عليه في العاقبة، وقال أبو حنيفة في حالة القصاص: يجوز اشتراط السلامة في العاقبة؛ لأن من له الحق مخير في القطع. وقال الصاحبان: إن الشرع أذن له في القطع فصار كأنه هو الذي أذن له بنفسه أن يقطع يده. (الدَّبُّوسي ص 26) . 5 - الملتقط إذا ترك الإشهاد، فهلكت اللقطة في يده، فلا يضمن عند أبي يوسف، لأنه أخذ بإذن الشرع، وعند أبي حنيفة ومحمد يضمن؛ لأن الشرع أذن له في الأخذ بشرط السلامة. (الدَّبُّوسي ص 26) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1092 القاعدة: [317] الأصل إذا صحت التسمية لا يعتبر مقتضاها، وإذا لم تصح يعتبر المقتضى التوضيح إن الأسماء لها دلالة صريحة، وقد تتضمن معاني في مقتضاها، وتفهم من موجَباتها، فإن كانت تسمية الأشياء صريحة فلا يصح اعتبار المقتضى والموجَب، كالحقيقة الصريحة فلا يعمل المجاز، فإن لم تصح التسمية فيلجأ إلى المقتضى والموجَب عند أبي حنيفة. وفيها مسائل. التطبيقات 1 - إذا باع الرجل قطيعاً من الغنم، كل شاة منها بعشرة، ولم يسمِّ جماعتها، كعشرين أو مئة، فالعقد لا يصح عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لأن التسمية لم تصح، فاعتبر فيها المقتضى، وهو الجهالة. ولو قال: اشتريت منك هذا الغنم، وهي مئة شاة، كل شاة بعشرة، وجملة الثمن ألف درهم، فإذا هي تسعرن شاة، فالبيع صحيح؛ لأن التسمية قد صحت، فلم يعتبر المقتضى، ولم يحكم بفساد العقد وإن كان فيه جهالة (الدَّبُّوسي ص 26) . 2 - لو أوصى رجل بثلث ماله لرجل، وبنصف ماله لرجل آخر، فإنهما يشتركان في الثلث، لأن تسمية النصف لم يصح عند أبي حنيفة، فصار كأنه أوصى بثلث ماله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1093 وللآخر بألف درهم مرسلة، وثلث ماله ست مثة درهم، قسمت الست مئة بينهما أثلاثاً؛ لأن تسمية الألف في الظاهر صحيحة، فلم يعتبر المقتضى (الدَّبُّوسي ص 27) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1094 القاعدة: [318] الأصل أن تعتبر التهمة في الأحكام التوضيح قال الإمام أبو حنيفة: تعتبر التهمة في الأحكام، ويعتد بها، وتؤثر على التصرفات، وإن كل من فعل فعلاً، وتمكنت التهمة في فعله حكم بفساد فعله، خلافاً للصاحبين. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إذا باع الوكيل بالبيع ممن لا يجوز شهادته له كأبويه، فلا يجوز بيعه عند أبي حنيفة، لأنه متهم في بيعه من أبيه وأمه وأولاده وزرجته، وعندهما يجوز، وكذلك الوكيل بالسلم إذا أسلم ممن لا تجوز شهادته له، لا يجوز عنده، ويجوز عندهما. (الدَّبُّوسي ص 27) . 2 - إذا قال المريض لامرأته: قد كنت طلقتك في الصحة، وانقضت عدتك، فصدقته، ثم أوصى لها بوصية، أو أقر لها بدين، فإن لها عند أبي حنيفة الأقل من الميراث ومن الوصية أو من الإقرار؛ لأنه متهم في فعله، لجواز أنه لما عرف أنه لا يصيبها إلا الربع أو الثمن، احتال بهذه الحيلة حتى يصل لها أكثر من حقها. وعندهما: الإقرار لها جائز، والوصية لها جائزة، كما جاز لسائر الأجنبيات. وكذا إذا باع المريضى ماله من وارثه باضعاف قيمته لم يجز عند أبي حنيفة؛ لأنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1095 متهم، لجواز أنه أراد إيثاره على سائر الورثة بعين من أعيان ماله. وعندهما يجوز. (الدَّبُّوسي ص 27) " 3 - إذا اشترى الرجل من أبيه، أو ممن لا تقبل شهادته له، يكره بيعه مرابحة من غير بيان عند أبي حنيفة، لأنه متهم بأن يجري بينه وبين هؤلاء من الحط والأغماض ما لا يجري بينه وبين غيرهم، وعندهما يجوز بيعه من غير البيان مرابحة. (الدَّبُّوسي ص 28) . 4 - إذا باع الرجل شيئاً وسلم ولم يقبض الثمن، ثم اشتراه أبوه أو ابنه بأقل من الثمن الأول، فلا يجوز شراؤه عنده، لأنه حيلة للعينة، وعندهما يجوز (الدَّبُّوسي ص 28) . 5 - إذا أقرَّ لوارثه ولأجنبي بدين، فأنكر الأجنبى الشركة، وقال: ليس للوارث معي شركة، أو جحد الواؤرث الدين، وقال: ليس له عنده دين، فسد الإقرار في الكل عند أبي حنيفة وأيى يوسف، وعند محمد يجوز الإقرار في حق الأجنبي ولو جحد الوارث الشركة، ولو صذق الأجنبى لم يجز إقراره بالاتفاق. (الدَّبُّوسي ص 28) . 6 - إذا شهد الوصي للوارث الكبير بدين على الميت لا تجوز شهادته، بخلاف ما لو شهد الأجنبى، عند أي حنيفة، وعندهما تقبل شهادة الوصي. (الدَّبُّوسي ص 28) . 7 - إذا زوَّج غير الأب والجد الصغير أو الصغيرة، ثم أدركا، فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد، لأن العقد صدر ممن هو متهم في عقده، فثبت لهما الخيار. وقال أبو يوسف: لا خيار لهما. (الدَّبُّوسي ص 28) . 8 - إذا وضعت المرأة نفسها في كفء، وقصرت عن مهر مثلها، فللأولياء حق الاعتراض عند أبي حنيفة؛ لأنها متهمة في حق حط المهر، فالحق ذلك هواناً وعاراً بالأولياء، فثبت لهم حق الاعتراض، وعند أبي يوسف لا اعتراض لهم، وعند محمد لا يتصور ذلك. (الدَّبُّوسي ص 28) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1096 9 - إذا قال الرجل لامرأته في صحته: إذا فعلت كلذا فأنت طالق، ولا بدَّ لها من ذلك الفعل، وفعلت ذلك في مرض الزوج، ثم مات الزوج من ذلك المرض، فإذن ترث عند أبي حنيفة، وتابعه أبو يوسف؛ لأنه قصد الإضرار بها حين علق الطلاق بفعل لا بدَّ لها منه، ودام على ذلك حتى مات فصار متهماً، وعند محمد لا ترث. (الدَّبُّوسي ص 29) . 10 - إذا أقر المريض بدين لامرأته، ثم طلقها قبل الدخول بها، ثم تزوجها بعدما بانت منه، ثم مات من ذلك المرض. فقال أبو يوسف: لا يجوز إقراره لها. وقيل: إن قول أبي حنيفة مثل قوله؛ وإانما لم يجز هذا الإقرار لأنه لحقته تهمتان، لأنها كانت وارثة قبل الإقرار، ثم صارت وارثة قبل الموت، فلزمه وقت الموت، والحيلة فيما بينهما موهومة. وعند محمد جاز إقراره لها. (الدَّبُّوسي ص 29) . 11 - إذا كره الرجل على أن يقر بألف درهم، فقال المكرَه: له ولفلان الغائب في ألف درهم، وأنكر الغائب الشركة، لم يجز إقراره للغائب؛ لأنه متهم، لجواز احتياله بهذه الحيلة، ليكون المال بينهما نصفان. وعند محمد جاز كما في الإقرار من غير إكراه. (الدَّبُّوسي ص 29) . 12 - إذا وكل الرجل رجلاً يشتري له عبداً، بغير عينه، بألف درهم، فاشتراه وهو قائم في يده، وقال: اشتريته لك، وقال الموكِل: بل اشتريته لنفسك، والثمن غير منقود، فالقول قول الموكِل عند أبي حنيفة؛ لأنه متهم لجواز أنه اشتراه لنفسه، فلم ترض به نفسه، فأراد إلزامه على موكله، وعندهما: القول قول الوكيل. (الدَّبُّوسي ص 29) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1097 القاعدة: [319] الأصل أن ملك المرتد يزول بنفس الردة زوالاً موقوفًا التوضيح إذا ارتد شخص عن الإسلام فيستحق القتل، وتزول أهليته عن أمواله، وقال أبو حنيفة: يزول ملكه بنفسى الردة زوالاً موقوفاً على عودته أو قتله، وعندهما لا يزول ملكه ما لم يقض القاضي بلحوقه بدار الحرب، ويترتب عل الاختلاف نتائج. وله مسائل. التطبيقات 1 - إن المال المكتسَب في حال إسلامه يكون ميراثاً لورثته عند أبي حنيفة، لأنه بنفس الردة زالت أملاكه إلى ورثته، وهو مسلم، فحصل توريث المسلمين من المسلم، والمكتسَب في حال ردته يكون فيئاً؛ لأن الردة أزالت العصمة عن دمه، فكذلك العصمة عن ماله. وعندهما: المالان جميعاً لورثته؛ لأن القاضي لم يقض بلحوقه بدار الحرب، فلم يُزل ملكه عنه. وعند الشافعي: المالان جميعاً لبيت المال. (الدَّبُّوسي ص 30) . 2 - إذا قتل المرتد إنساناً خطأ، وله مال اكتسبه في حال إسلامه، ومال اكتسبه في حال ردته، فتجب الدية عند أبي حنيفة في المال الذي اكتسبه في حال إسلامه، في رواية الجامع الصغير، وفي الرواية الأخرى: تجب الدية في المال المكتسب في حال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1098 ردته؛ لأن الكسب الذي كان حاصلاً في حال إسلامه زال عنه بنفس الردة بنوع زوال، وعندهما يجب في المالين جميعاً؛ لأن حقه باق على ملكه، ما لم يقض القاضي بلحوقه بدار الحرب. (الدَّبُّوسي ص 30) . 3 - إن عقود المرتد موقوفة عند أبي حنيفة؛ لأنه زال ملكه بنفس الردة زوالاً موقوفاً فوقفت عقوده بحسب توقف ملكه، وعندهما لا تتوقف، لأن ملكه لم يزل، ما لم يقض القاضي بلحوقه بدار الحرب. (الدَّبُّوسي ص 31) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1099 القاعدة: [320] الأصل أن الحقوق إذا تعلقت بالذمة وجب استيفاؤها من العين. فإذا ازدحمت في العين، وضاقت عن إيفائها، قسمت العين على طريق العول، وإذا كانت الحقوق متعلقة بالعين قسمت بينهم عن طريق المنازعة التوضيح إن الديون والحقوق تتعلق بالذمة، ولا تتعلق بالأعيان التي يملكها المدين، فإذا حكم القاضي مثلاً بالوفاء، فتتعلق بالعين، فإذا ازدحمت الديون في العين، بأن كانت الديون أكثر من قيمة العين، وضاقت العين على الإلفاء، فتقسم العين على طريق المحاصصة والعول بحسب نسبة الديون لبعضها، ولكن إذا تعلقت الحقوق بالعين. وازدحمت فتقسم عن طريق المنازعة عند أبي حنيفة، وعندهما فيها تفصيل فإن كل عين تضايقت عن الحقوق نظر فيها، هما كان منها لو انفرد صاحبه لا يستحق العين كلها. فإن العين تقسم عن طريق المنازعة كرأي الإمام، وما كان منها لو انفرد صاحبه استحق الكل، وإنما ينفصه انضمام غيره إليه فإنه يقسم عن طريق العول. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إذا كانت دار واحدة في يد رجل، ويدعي آخر كلها، ويدعي ثالث نصفها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1100 وأقاما جميعاً البينة، فإنها تقسم بينهما عن طريق المنازعة عند أبي حنيفة، وتقسم أرباعاً؛ لأن النصف متنازع فيه فيقسم بينهما، والنصف الآخر غير متنازع عليه فيسلم لصاحب البينة الأولى، فيأخذ ثلاثة أرباع، وعندهما تقسم بينهما على طريق العول أثلاثاً. (الدَّبُّوسي ص 34) . 2 - إذا أوصى رجل بسيف لرجل، وأوصى بنصف السيف لرجل آخر، والسيف يخرج من الثلث، فإنه يقسم بينهما أثلاثاً على طريق العول عند أبي حنيفة، وعندهما أرباعاً على طريق المنازعة. (الدَّبُّوسي ص 35) . 3 - إذا اجتمعت الوصايا في المال، وكانت أكثر من الثلث، فأجازت الورثة، فإن المال يقسم على طريق العول عند أبي حنيفة، وعندهما على طريق المنازعة، مثل إذا أوصى الرجل لرجل بكل ماله، ولآخر بنصف ماله، فأجازت الورثة، قسم المال بينهما على طريق العول عند أبي حنيفة، وعندهما على طريق المنازعة. (الدَّبُّوسي ص 35) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1101 القاعدة: [321] الأصل أن كل من لا يقدر بنفسه، فوسِع غيره، لا يكون وسعًا له التوضيح إن التكاليف الشرعية تكون بحسب قدرة الإنسان ووسعه، ولا يكلف بما لا يقدر عليه، أو أكثر من وسعه، فإن كان عاجزاً بنفسه، وقادراً بغيره، فلا يكلف به، ولا يكون وسعاً له عند أبي حنيفة، وعندهما إذا استطاع عن طريق غيره كلف به. وفي ذلك مسائل. التطبيقات 1 - إن المريض إذا لم يقدر عل أن يحول وجهه للقبلة بنفسه، وهناك من يحول وجهه إلى القبلة، فصلى ولم يحول وجهه إلى القبلة، جازت صلاته عند أبي حنيفة. وعندهما لا تجوز، لأن وسع غيره يكون وسعاً له. (الدَّبُّوسي ص 37) . 2 - إذا كان المريض على فراش كلس، وهناك فراش طاهر، وهناك من يحوله، فصلى على مكانه، جاز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز. (الدَّبُّوسي ص 37) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1102 3 - إذا كان المريض لا يقدر أن يتوضأ بنفسه، وهناك من يوضئه، وصلى في مكانه ولم يتوضأ جاز عنده، وعندهما لا يجوز، وكذا الأعمى إذا لم يقدر على السعي بنفسه إلى الجمعة، وهناك من يقوده، لا تكون الجمعة فرضاً عليه عند أبي حنيفة. وعندهما الجمعة فرض عليه؛ لأن وسع غيره يكون وسعاً له. (الدَّبُّوسي ص 37) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1103 القاعدة: [322] الأصل أن فساد أفعال الصلاة لا يوجب فساد حرمة الصلاة التوضيح إن الصلاة لها أفعال لتصح، فإذا فسدت أفعال الصلاة كالقراءة، فهذا لا يؤدي إلى فساد التحريم في الصلاة، فتبقى المباشرة صحيحة، ووجب القضاء كاملاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد وزفر تفسد الحرمة، ويقضى الأوليين فقط. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إذا قرأ المصلي في إحدى الركعتين الأوليين، وقرأ في إحدى الأخريين في التطوع، وجب عليه قضاء الأربع عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الأفعال وإن فسدت فالحرمة باقية فصحت المباشرة في الأخريين، فلما صحت المباشرة وجب عليه القضاء لما حصل من فساد، وعند محمد وزفر يجب عليه تضاء الركعتين الأوليين، ولا يجب عليه قضاء الأخريين، لأن الحرمة قد فسدت بفساد الأفعال. (الدَّبُّوسي ص 38) . 2 - لبر ترك المصلي القراءة في الأوليين، وقرأ في الأخريين، فذلك جائز، لأن التحريم باق، فصح بناء الأخريين على الأوليين، وعند محمد وزفر الأخريان غير جائزين. (الدَّبُّوسي ص 38) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1104 3 - إذا كان الإمام في الجمعة، فخرج الوقت قبل فراغها بعدما قعد مقدار التشهد، ثم قهقه، فلا وضوء عليه، لأن القهقهة التي تنقض الوضوء يجب أن تكون في الصلاة. وقيل: هذا قول محمد، وعلى قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف لزمه الوضوء لصلاة أخرى. (الدَّبُّوسي ص 38) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1105 القاعدة: [323] الأصل أن كل عقد امتنع عن الفسخ بالإقالة فلا تحالف ولا تراد إلا إذا اختلفا في البدن كالعتق التوضح إذا اختلف المتعاقدان في أحكام العقد، فإنهما يتحالفان، ويترادان، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اختلف المتبايعان، والسلعة قائمة، ولا بينة لأحدهما، تحالفا، وترادا". لكن إن امتنع العقد عن الفسخ بالإقالة، فيمنع التحالف والتراد عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد يتحالفان ويترادان القيمة. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إن هلاك المعقود عليه يمنع الفسخ، فيمتنع التحالف والتراد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن العقد امتنع عن الفسخ بالإقالة. وعند محمد يتحالفان ويترادان القيمة. (الدَّبُّوسي ص 38) . 2 - من اشترى جارية فازدادت قيمتها عند المشتري، أو ولدت ولداً، ثم اختلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1106 مع البائع في الثمن، فلا يتحالفان ولا يترادان عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأنه يمتنع الفسخ في هذه الحالة. وعند محمد يتحالفان. (الدَّبُّوسي ص 38) . 3 - لو اشترى عبدين فهلك أحدهما في يده، ثم اختلفا في الثمن، إنهما لا يتحالفان فيهما إلا أن يرضى البائع أن يأخذ الحي، ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئاً عند أبي حنيفة، لأن هلاك بعض المبيع يمنع فيه الإقالة. وعند أبي يوسف يتحالفان في حصة الحي. وعند محمد يتحالفان فيهما، ويرد الحي وقيمة الهالك إذا تحالفا. (الدَّبُّوسي ص 39) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1107 القاعدة: [324] الأصل أن كل إخبار لا يلزم القاضي القضاء بغير مخبره. ولا يتوصل إلى القضاء إلا به، فالعدالة من شرطه. وليس العدد من شرطه التوضيح الأصل في الشهادة أمام القاضي أن تكون من اثنين، فإذا قضى القاضي بخبر ما،ولا مجال فيه لغيره، فيشترط في المخبر العدالة، ولا يشترط العدد، ويحكم القاضي بقول الواحد، عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وإذا قضى بالشهادة على رجل بعينه في حادثة بعينها، كان قضاء عليه بالبينة، أو بالإقرار، أو بالنكول، ولا يكون قضاؤه عليه بذلك الخبر، وإن كان لا يتوصل إلى القضاء بتلك الحجة إلا بهذا الخبر، وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إن تزكية الواحد مقبولة عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن القاضي لا يقضي بتزكيته، وإنما يقضي بقول الشهود. وعند محمد لا بدَّ أن تكون التزكية من اثنين. (الدَّبُّوسي ص 39) . 2 - إن ترجمة الواحد العدل مقبولة؛ عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن القاضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1108 لا يقضي بترجمته، وإنَّما يقضي بقول الشهود، وعند محمد لا بد أن يكون اثنين. (الدَّبُّوسي ص 39) . 3 - إن رسول القاضى يجوز أن يكون واحداً عند أبي حنيفة، وعند محمد لا بدَّ أن يكون اثنين. (الدَّبُّوسي ص 39) . 4 - إن شهادة القابلة على الولادة وحدها جائزة إن كانت عدلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأنه يحكم بثبوت النسب بالفراش، لا بشهادتها، والفراش ثابت قبل شهادتها، ولكن من حيث أنا نعلم أن الولادة بقولها جعلنا العدالة من صفتها. ومن حيث أنه لا يتعلق الحكم بشهادتها لم يشترط العدد، وليس كالشهادة في حق الإحصان، لأن تلك الشهادة على أحكام تتعين في الشهود عليه يقضي بها القاضي. وهو كونه مسلماً، أو كونه حراً. وهذه من الأحكام التي يحتاج القاضي إلى القضاء بها. فلا بدَّ من العدد، وتابعهما محمد في هذه المسألة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1109 القاعدة: [325] الأصل أن كل عصمير استخرج بالماء فطبخ أوفى طبخة. فالقليل منه غير المسكر حلال التوضيح يرى الحنفية أن الخمرة المحرمة بقليلها وكثيرها هي المستخرجة من العنب. أما ما استخرج من غير العنب، فلا يحرم إلا إذا أسكر، ووجد له "حدّ السكر". وإن عصير العنب إذا طبخ طبخاً كاملاً، وكان القليل منه غير مسكر فهو حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف في قوله الأخير، كالدبس والرب المصنوعين من العنب والزبيب. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إن نقيع الزبيب، ونبيذ التمر إذا طبخ أدق طبخ جاز شربهما للتداوي ولاستمراء الطعام عند أبي حنيفة وأبي يوسف في قوله الأخير، وعند محمد لا يحل شربه إذا اشتد للتداوي واستمراء الطعام. (الدَّبُّوسي ص 40) . 2 - إن عصبر العنب إذا طبخ، وذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، أو ذهب ثلثه، ثم صبَّ عليه الماء، ثم أغلي بالنار أو لم يغل، واكتفى بالنار الأولى، ثم اشتد، جاز شربه للتداوي واستمراء الطعام عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد لا يحل شربه. (الدَّبُّوسي ص 40) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1110 3 - إن قشور العنب بعد سيلان عصيرها إذا رشَّ عليها الماء بعد استخراج عصيرها بالماء، وطبخ بالنار، ثم ترك حتى اشتد وغلى، فإن القليل غير المسكر حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد حرام كله. (الدَّبُّوسي ص 40) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1111 القاعدة: [326] الأصل أنه إذا لم يصح الشيء لم يصح ما في ضمنه. وعند الطرفين يصح التوضيح إن كثيراً من الأشياء تتضمن أموراً تدخل فيها، فإذا لم يصح الأصل فلا يصح الفرع الذي يدخل في الأصل ضمناً عند أبي يوسف. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يثبت ما في ضمنه، وإن لم يصح. وقال محمد في أكثر هذه المسائل كقولى أبي حنيفة. وعلى هذا مسائل. التطبيقات 1 - إذا أودع الرجل صبياً محجوراً عليه مالاً، فاستهلكه الصبى، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأنه صح تسليط الصبي على الإتلاف. وإن لم يصح به عقد الوديعة. وعند أبي يوسف يضمن؛ لأن التسليط لو صح يصح في ضمن عقدا الوديعة، والعقد لا يصح، فلا يصح ما في ضمنه وهو التسليط على الاستهلاك، فيكون الصبى متعدياً فيضمن. وكذلك لو باع من الصبى المحجور عليه مالاً، وسلمه إليه، واستهلكه الصبى، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف يضمن، وكذلك الاختلاف لو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1112 أقرض صبياً محجوراً عليه ألف درهم، فاستهلكها، فلا يضمن عندهما، ويضمن عنده. (الدَّبُّوسي ص 40) . 2 - لو تزوج امرأة في السر على ألف درهم، وفي العلانية على ألفي درهم، فالمهر مهر السر عند أبي يوسف على كل حال؛ لأن تسمية العلانية لو صحت لصحت في ضمن العقد الثاني، والعقد الثاني لم يصح، فلا يصح ما في ضمنه، وعند أبي حنيفة ومحمد المهر مهر العلانية، فلو أنه أشهد على أن المهر مهر السر لكان المهر مهر السر. والثاني رياء وسمعة، وعند ابن أبي ليلى المهر مهر العلانية على كل حال (الدَّبُّوسي ص 41) . 3 - إذا مات رجل، وترك سيارة، فجاء رجلان، وادعى كل فهما أن الميت رهن هذه السيارة عنده، وأقاما البينة، فلا تقبل شهادتهما، ولا تباع السيارة في دينيهما عند أبي يوسف؛ لأن البيع في الدين لو ثبت لثبت في ضمن عقد الرهن، وعنده الرهن لا يثبت في المشاع، فلا يثبت ما في ضمنه، وعند أبي حنيفة ومحمد تباع. (الدَّبُّوسي ص 41) . 4 - لو أن رجلاً جاء إلى امرأة، وقال لها: إن زوجك طفقك، وأرسلني إليك، وأمرني أن أزوجك منه، فزؤجها منه، وضمن لها المهر، ثم جاء الزوج وأنكر التوكيل والطلاق، فيضمن الوكيل لها نصف المهر في قول أبي يوسف الأخير وقرل زفر. وعلى قول أبي يوسف الأول لا يضمن لها شيئاً، لأنه لو وجب الضمان لوجب في ضمن عقد النكاح، والنكاح لم يصح فلم يصح ما في ضمنه (الدَّبُّوسي ص 41) . 5 - إذا باع درهماً بدرهمين في دار الحرب، لم تقع للإباحة عند أبي يوسف؛ لأنها لو وقعت لوقعت في ضمن العقد، والعقد لم يثبت فلم يثبت ما في ضمنه، وعند أبي حنيفة ومحمد تقع للإباحة. (الدَّبُّوسي ص 41) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1113 6 - إذا زاد في ثمن الصرف، أو حط منه شيئاً، صح ذلك، وفسد العقد عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف لا يبطل العقد؛ لأنه لا يثبت الزيادة، ولا يبطل العقد الذي كان بطلانه لأجله. (الدَّبُّوسي ص 41) . 7 - لو اصطلح الرجلان، فقالا لرجل ذمي: إن أسلمت فأنت الحكم بيننا، فأسلم، لم يكن حكماً عند أبي يوسف، لأن التحكيم ثبت في ضمن الصلح، وتعليق الصلح في مثل هذا الخطر لا يجوز، فلا يجوز ما في ضمنه، وعند محمد يجوز التحكيم وإن لم يجز ما في ضمنه، ولم يظهر قول لأبي حنيفة في مثل هذه المسألة. وقيل: إن قوله مع قول محمد. (الدَّبُّوسي ص 42) . 8 - لو زاد المسلم إليه في السلم لم تجز هذه الزيادة، ويرد المسلم إليه بإزاء تلك الزيادة من رأس المال عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف لا يرد، لأن حكم الرد يثبت ضمناً لصحة الزيادة، والزيادة لم تصح، فلم يصح ما في ضمنه، وتابعه محمد في هذه المسألة. (الدَّبُّوسي ص 42) . 9 - إذا اشترى الرجل مكتباً بألف درهم، ثم زاد المشتري أرطالاً من خمر، فسد البيع عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف لا يفسد، لأنه لو فسد لفسد ضمناً لصحة الزيادة، وهذه الزيادة لم تصح، فلا يصح ما في ضمنها، ووافقه محمد في هذه المسألة. (الدَّبُّوسي ص 42) . 10 - إذا ادعى نسب من لا يولد لمثله، وهو عبده، عتق عليه عند أبي حنيفة. وعند أبي يوسف لا يعتق، لأنه لو عتق إنما يعتق ضمناً لثبوت النسب، والنسب لا يثبت، فلا يثبت ما هو ضمن له، وتابعه محمد في هذه المسألة. (الدَّبُّوسي ص 42) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1114 القاعدة: [327] الأصل أن اليمين لا تنعقد إلا على معقود عليه. فإن لم تنعقد فلا كفارة فيها التوضيح تنعقد اليمين بالحلف بالله تعالى على محلوف عليه كالطعام والقيام والسفر وغيره، فإن لم يذكر الحالف معقوداً عليه فلا تنعقد اليمين، وبالتالي فلا كفارة لها، عند أبي حنيفة، لأن العقد صفة فلا بدَّ للصفة من الموصوف، وعند أبي يوسف تنعقد اليمين. وإن كان المعقود عليه فائتاً كطعام قد أكل سابقاً. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - من حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز، وهو لا يعلم أنه لا ماء فيه، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عليه الكفارة. (الدَّبُّوسي ص 42) . 2 - إن من حلف ليقتلن فلاناً، وفلان ميت وهو لا يعلم بموته، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف عليه الكفارة. (الدَّبُّوسي ص 42) . 3 - من حلف ليشربن الماء الذي في الكوز اليوم، فانصب الماء قبل غروب الشمس، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد، لأن اليمين تتأكد بآخر الوقت، وقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1115 جاء آخر الوقت والمعقود عليه فائت معدوم، فلم يتأكد اليمين فلا كفارة عليه، وعند أبي يوسف عليه الكفارة عند مضي اليوم. (الدَّبُّوسي ص 42) . 4 - قال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف لا كفارة في اليمين الغموس، لأنها لم تعقد، إذا لو انعقدت لتأتي فيها الانحلال، وإذ لم يترتب فيها بر، فلا حنث لاستحالة الانحلال، وإذا استحال الانحلال استحال أن يوصف بالانعقاد. (الدَّبُّوسي ص 43) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1116 القاعدة: [328] الأصل أن الشروط المتعلقة بالعقد بعد العقد كالموجود لدى العقد التوضيح قد يشترط المتعاقدان شروطاً بعد انتهاء العقد، فتعتبر كأنها موجودة في العقد، وتلحق به عند أبي يوسف، وعند أبي حنيفة ومحمد لا تجعل كالموجودة في العقد. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إذا أسلم في كر حنطة وسطاً، فجاء باجود منها في الصفة، وقال: خذ هذه، وأعطني درهماً، أو جاء بارداً منه في الصفة، وقال: خذ هذا واطرح درهماً، جاز عند أبي يوسف، ويلحق هذا الشرط بأصل العقد، فيجعل كان العقد وقع في الابتداء على هذا. وقال أبو حنيفة ومحمد: لم يجز ذلك في ظاهر الرواية. (الدَّبُّوسي ص 43) . وكذا لو أسلم في ثوب وسط، فجاء بارداً منه في الصفة، أو أنقص منه في المقدار، وطلب عوضه جاز عنده، ولم يجز عندهما. (الدَّبُّوسي ص 43) . 2 - إذا تزرج امرأة ولم يفرض لها مهراً، ثم فرض لها مهراً بعد العقد، ثم طلقها قبل الدخول بها، فإن لها نصف المفروض بعد العقد عند أبي يوسف في قوله الأخير، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1117 ويجعل المفروض بعد العقد كالمفروض عند العقد. وفي قوله الآخر، وهو قول أبي حنيفة ومحمد لها المتعة".. (الدَّبُّوسي ص 43) . 3 - إذا كفل عن رجل بمال، والطالب غائب، فبلغه الخبر، فأجاز الكفالة، جاز عند أبي يوسف، ويجعل الإجازة في الانتهاء كالخطاب في الابتداء، وكذلك لو قالت المرأة: زوجت نفسي من فلان وهو غائب، فبلغه الخبر فأجاز، جاز عند أبي يوسف، ويجعل الإجازة عند الانتهاء كالاذن في الابتداء، وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز في المسألتين جميعاً إذا لم يكن ثمة مخاطب عن الغائب. (الدَّبُّوسي ص 43) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1118 القاعدة: [329] الأصل أن الشيء يجوز أن يصير تابعًا لغيره. وإن كان له حكم نفسه بانفراده التوضيح إن بعض الأمور لها أحكام خاصة عند انفرادها، وقد تصير تابعاً لغيرها في حالات، عند أبي يوسف، وعند محمد إذا كان له حكم نفسه فلا يصير تابعاً لغيره. وأبو حنيفة مع أبي يوسف في أكثر مسائل هذا الأصل. وعلى هذا مسائل. التطبيقات 1 - إذا ورثت الجدة من وجهين تبعت إحدى الجهتين الأخرى عند أبي يوسف، وعند محمد وزفر لا تصير تابعاً، وترث من الحالين جميعاً. (الدَّبُّوسي ص 44) . 2 - إذا ذبح الرجل شاة، وقطع بعض العروق وترك البعض، فلا يجوز أكلها عند محمد ما لم يقطع من كل عرق أكثره؛ لأن كل عرق يقوم بنفسه فلا يصير تابعاً لغيره. وعند أبي يوسف إذا قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين جاز وإلا فلا، لأن الودجين هما من جنس واحد، فجاز أن يصير أحدهما تبعاً للآخر. وعند أبي حنيفة إذا قطع الثلاثة، أي ثلاثة كان كفى. (الدَّبُّوسي ص 44) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1119 3 - إذا أوجب الرجل المشي على نفسه لبيت الله الحرام، ثم حج من عامه ذلك حجة الإسلام، سقط ما وجب بإيجابه عند أبي يوسف. وعند محمد لا يسقط؛ لأن إيجاب الرجل يقوم بنفسه، فلا تصير تبعاً لغيره. (الدَّبُّوسي ص 44) . 4 - إذا ملك المسلم ثمانين من الغنم، فهلك منها أربعون بعد الحول، فالواجب عند أي حنيفة وأبي يوسف شاة؛ لأن عندهما الزكاة في النصاب دون العفو، وليس كل واحد من الأربعين أصلاً، وعند محمد وزفر الواجب في الكل شاة شائعأ؛ لأن كل واحد من الأربعين تصير أصلاً بنفسها، فلا تصير تبعاً لغيرها، فوجب الشاة في الكل، فإذا هلك منه شيء بعد الحول سقط بقدره، فبقي عليه نصف شاة. (الدَّبُّوسي ص 44) . 5 - إذا ملك المسلم ثمانين من الغنم، فالواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، في إحدى الأربعين شاة، وعند محمد وزفر الواجب في الكل شاة؛ لأن كل واحدة من الأربعين تقوم بنفسها فلا تصير تبعاً، بدليل قوله تعالى:. (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) . (الدَّبُّوسي ص 44) . 6 - إن المهر يدخل في الدية في مسألة الإفضاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا يدخل، لأن كل واحد منهما له حكم نفسه، فلا يصير تابعاً لغيره، فلا يدخل فيه. (الدَّبُّوسي ص 45) . 7 - إن الخف إذا أصابته نجاسة متجسدة فجفت، ثم حكها بالأرض، طهرت عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا تطهر، ولا تصير البلة تابعة للجسومة؛ لأنها لو انفردت لا يجوز المسح بالأرض، فكذلك إذا كانت مع غيرها. (الدَّبُّوسي ص 45) . 8 - إذا قرأ آية سجدة في ركعتين في صلاة واحدة لا يلزمه عند أي يوسف إلا سجدة واحدة، وعند محمد يلزمه لكل مرة سجدة؛ لأن السجدة من موجَب التلاوة، والتلاوة في إحدى الركعتين لا تقوم مقام الأخرى. (الدَّبُّوسي ص 45) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1120 9 - إذا أطعم في كفارة ظهارين ستين مسكيناً، كل مسكين صاعاً واحداً في يوم واحد، فيجزيه عن إحداهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا يجزيه عن الكفارتين جميعاً؛ لأن كل كفارة من الكفارتين تقوم بنفسها، فتسشقل بذاتها، فلا تصير تابعة لغيرها، كما لو كانت من جنسين مختلفين، وكذلك في كفارة يمينين لو أطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعاً في يوم واحد، فهو على هذا الاختلاف. (الدَّبُّوسي ص 45) . 10 - إن إقامة الجمعة بمنى تجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا تجوز؛ لأن منى تقوم بنفسها فلا تصير تابعة لمكة. (الدَّبُّوسي ص 46) . 11 - إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق واحدة أو لا شيء، فلا يقع شيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وتقع واحدة عند محمد، لأنها تقوم بنفسها فاعتبر حكمها بنفسها، وكذلك لو قال لها: أنت طالق ثلاثاً أو لا شيء، فهو على هذا الخلاف. (الدَّبُّوسي ص 46) . 12 - لو حلف الرجل ألا ينام على هذا الفراش، فبسط فوقه فراشاً آخر، ثم نام عليه، حنث عند أبي يوسف، وعند محمد لا يحنث؛ لأن الأعلى يقوم بنفسه فلا يصير تابعاً للأسفل، فلا يكون نامْماً على الفراش المحلوف عليه، فلا يحنث. (الدَّبُّوسي ص 46) . 13 - إذا باع رجلان من رجل شيئاً، ثم مات أحد البائعين، والآخر وارثه ثم إن المشتري وجد به عيباً، فأراد أن يرده على الحي، فأنكر الحي أن يكون به عيب، فأراد استحلافه، حلف يميناً واحدة على البتات، ويكفيه ذلك عند أبي يوسف. وعند محمد يحلف على النصف الذي باعه على البتات. وفي النصف الآخر على العلم؛ لأنهما قائمان بأنفسهما، وحكمهما مختلف، فاعتبر كل واحد منهما على حدة. (الدَّبُّوسي ص 46) . 14 - إذا أجنبت المرأة، ثم حاضت، وطهرت واغتسلت، فيكون الغسل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1121 الأول عند أبي يوسف، وعند محمد يكون منهما جميعاً؛ لأن كل واحد منهما يقوم بنفسه فاعتبر كل واحد منهما بحاله. وفائدة هذه المسألة تظهر في اليمين، فلو حلفت أن لا تغتسل من هذه الجنابة، ثم حاضت واغتسلت بعد الطهر، فتحنث عند أبي يوسف. ولا تحنث عند محمد. (الدَّبُّوسي ص 46) . 15 - إذا قتل أحد الأسيرين صاحبه في دار الحرب فلا شيء عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا الكفارة؛ لأنه تبع لهم. فصار كواحد من أهل دار الحرب. وعند محمد تجب عليه الدية؛ لأن له حكماً بنفسه فاعتبر حكمه على حدة. (الدَّبُّوسي ص 46) . 16 - لو وجد قتيل في محلة، فقال أهل المحلة قتله فلان، فيحلفون بالله ما قتلوه ولا يزيدون على هذا عند أبي يوسف، وتدخل يمين العلم في يمين البتات. وعند محمد يحلفون بالله ما قتلوه وما علمنا له قاتلاً سوى فلان. ولا تدخل إحدى اليمينين في الأخرى. (الدَّبُّوسي ص 47) . 17 - إذا اختلف الطالب والمطلوب في رأس المال، وهو ما لا يتعين، فأقاما جميعاً البينة، فيقضى بسلم واحد عند أبي يوسف، لأن رأس المال من جنس واحد، ويدخل أحدهما في الآخر، وعند محمد يقضى بسلمين؛ لأن كل واحدة من البينتين تفيد حكماً بنفسها إذا انفردت، فإذا اجتمعتا اعتبرت كل واحدة منهما على حدة. (الدَّبُّوسي ص 47) . 18 - إذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف، فربح فيها ألفاً، وصارت ألفين، ثم دفع إليه ألفاً أخرى مضاربة بالثلث، وقال: اعمل فيها برأيك، فخلط المضارب خس مئة من الألف الثانية بالألف الأولى وربحها، ثم هلك منها شيء، فعند أبي يوسف يكون الهلاك من الربح؛ لأن العقد من جنس واحد، والمال لواحد، فصار المال الثاني تابعاً لماله الأول. وعند محمد الهلاك من ربح المال الأول ومن رأس المال الثاني، لأن كل واحد من العقدين يقوم بنفسه فلم يصر تابعاً لغيره، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1122 فيصير حكم كل واحد منهما على حدة، كما لو دُفِع إلى رجلين. (الدَّبُّوسي ص 47) . ْ19 - لو خلط عثرة أرطال من لبن امرأة، ورطلاً من لبن أخرى، فأُرضع بذلك صبي، فقال أبو يوسف: تحرم صاحبة العشرة، وصار الرطل تابعاً للعشرة. وقال محمد: تحرمان معاً؛ لأن كل واحدة منهما لو انفرد كان له حكمه بنفسه، فإذا اجتمعا لم يكن أحدهما تابعاً لصاحبه. (الدَّبُّوسي ص 47) . 20 - إذا قال الرجل لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق وعبده حر، فعند أبي يوسف يتعلق الأمرأن جميعاً بالتزويج، لأنه عطف العتق على الطلاق فيتبعه في حكمه، وعند محمد يقع العتق في الحال؛ لأنه يقوم بنفسه، فلا ضرورة في تعليقه بالتزويج، فاعتبر حكم كل واحد منهما على حدة، وليس كالطلاق؛ لأنه لا يقوم بنفسه، فيتعلق بالشرط. (الدَّبُّوسي ص 47) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1123 القاعدة: [330] الأصل أن العارض في العقد الموقوف قبل تمامه كالموجود لدى العقد التوضيح إذا كان العقد موقوفاً فلا تنفيذ لآثاره، وتبقى كما كانت قبل العقد، فإذا طرأ عارض يتعلق بالعقد قبل تمامه وإقراره فيكون كالموجود لدى العقد عند أبي حنيفة. وعند أبي يوسف لا يجعل العارض في العقد الموقوف كالموجود لدى العقد، كمن تزوج امرأة بغير إذنها، فاعترضتها عدة قبل الإجازة، ارتفع العقد عند أبي حنيفة ولا تعمل الإجازة. وعلى هذا مسائل. التطبيقات 1 - إن الوكيل بالبيع إذا باع بمثل قيمته على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم زاد المعقود عليه حتى صار يساوي ألفين، فالوكيل بالخيار عند أبي حنيفة؛ لأنه يملك استئناف العقد في هذه الحالة. وعند أبي يوسف إذا مضت مدة الخيار تم البيع ولا يجعل العارض كالموجود لدى العقد، وإن أجاز ذلك قصداً منه لم يجز. وعند محمد ينفسخ العقد ويجعل العارض كالموجود لدى العقد. (الدَّبُّوسي ص 48) . 2 - إذا باع مال ولده الصغير على أنه بالخيار ثلاثة أيام، فادرك الابن قبل ثلاثة أيام، فالإجازة للابن الذي بلغ عند محمد، ويجعل العارض كالموجود لدى العقد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1124 فصار كأنه باع ملك ولد بالغ، فيوقف على إجازته، وكذلك هذه. وعند أبي يوسف يسقط خيار الأب، ويتم البيع؛ لأنه سقطت ولايته، فأشبه موت الأب. (الدَّبُّوسي ص 48) . 3 - إذا بلغ الصبي، وقد باع له الوصي شيئاً، أو اشترى له شيئاً، وشرط فيه الخيار، فيضم البيع ويبطل الخيار عند أبي يوسف، وعند ابن حماعة لا يملك الوصي إجازة البيع إلا برضاء اليتيم بعد بلوغه، وله نقض البيع إذا لم يرضَ به، ولو مات الصبى فالخيار للوصي، وينفذ بيعه بمضي المدة قبل البلوغ وبعده. وفي رواية عن محمد أن الصبي إذا بلغ في مدة الخيار لم يجز البيع بمضي المدة ما لم يجز، مثل من باع مال غيره بغير أمره، وشرط الخيار فيه، لم يجز ذلك العقد بمضي المدة ما لم يجز البيعَ المالكُ، وهذه الرواية توافق رواية الجامع الكبير في الأب إذا باع مال ولده الصغير بشرط الخيار، فأدرك الابن فلا بدَّ من إجازة الولد. (الدَّبُّوسي ص 48) . 4 - إذا اشترى الرجل عصيراً، فصار خمراً تبل القبض، انتقض البيع. وقيل بأن هذا قول محمد، وروي عن أبي يوسف أن البيع لا يبطل. (الدَّبُّوسي ص 49) . 5 - إذا باع شيئاً بشرط الخيار، فهلك بعضه، والمبيع مما يتفاوت، انتقض البيع في الباقي عند محمد؛ لأنه لو جاز البيع في الباقي لتعلق بإجازته تمليك ما بقي بحصته من الثمن مجهولة، ولا يجوز تمليكه بثمن مجهول، وجعل كأنه باع في الابتداء الحصة مجهولة، وليس كما إذا كان المعقود عليه مما لا يتفاوت، فإن حصة الباقي معلومة. (الدَّبُّوسي ص 49) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1125 القاعدة: [331] الأصل أن البقاء على الشيء يجوز أن يعطى حكم الابتداء التوضيح إذا بقي شيء من حال إلى حال فالأصل أن يعطى البقاء حكم الابتداء عند محمد. وفضل أبو يوسف فقال: لا يعطى له حكم الابتداء في بعض المواضع. وفيه مسائل. التطبيقات 1 - إن الرجل إذا تطيب قبل الإحرام بطيب بقيت رائحته بعد الإحرام، كُره ذلك عند محمد، وجعل البقاء عليه كابتداثه، وعند أبي يوسف لا يكره. (الدَّبُّوسي ص 50) . 2 - إذا قال الرجل لامرأته: إذا جامعتك فأنت طالق، فجامعها، فقال أبو يوسف: إذا أولج وقع الطلاق، فإن أخرج ثم أوج صار مراجعاً، وقال محمد: إذا أولج ومكث هنيهة على ذلك صار مراجعاً، فجعل البقاء عليه كابتدائه، وعند أبي يوسف لا يصير مراجعاً إلا أن يتنحى عنها، وكذلك إذا قال لامرأته: إن لمستك فأنت طالق، فلمسها، فإذا رفع يده عنها وأعادها ثانية صار مراجعاً عند أبي يوسف، وعند محمد إذا لمسها ومكث هنيهة فلم يرفع يده صار مراجعاً. (الدَّبُّوسي ص 50) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1126 3 - إذا حلف الرجل لا يلبس هذا الثوب فألقاه عليه إنسان وهو نائم، فقال محمد: أخشى عليه أن يحنث في يمينه، فجعل البقاء على اللبس كابتدائه. (الدَّبُّوسي ص 50) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1127 القاعدة: [332] الأصل أن إيجاب الحق لله تعالى في الغير يزيل ملك المالك التوضيح إن جعل المالك حقه في الملك لله تعالى فإن ذلك يزيل الملك عنه عند أبي يوسف، وعند محمد لا يزيله. وعلى هذا مسائل. التطبيقات 1 - إذا اتخذ المشتري الدار التي اشتراها مسجداً، ثم جاء الشفيع فله أن ينقض المسجد بالشفعة عند محمد. وفي رواية لأبي يوسف: ليس له أن ينقض المسجد؛ لأنه لما اتخذها مسجداً فقد زال ملكه عنها، وصارت ملكاً لله تعالى. (الدَّبُّوسي ص 51) . 2 - إذا وهب الرجل شاة لرجل، فضحى جمها، فليس للواهب الرجوع فيها عند أبي يوسف، وعند محمد له أن يرجع فيها. (الدَّبُّوسي ص 51) . 3 - إذا وهب الرجل شاة فأوجب الموهوب له على نفسه أن يهدى بها لفقراء الحرم، فليس له أن يرجع فيها عند أبي يوسف، وعند محمد له ذلك، وكذلك لو جعلها هدي متعة أو جزاء صيد فهو على هذا الخلاف، وكذلك لو كانت بقرة أو بعيراً فجعلها بدنة لله تعالى، فإنه ينقطع حق الرجوع فيها. (الدَّبُّوسي ص 51) . 4 - إذا وهب لرجل دراهم، فاوجب الموهوب له على نفسه أن يتصدق بها فليس له أن يرجع فيها عند أبي يوسف، وعند محمد له ذلك. (الدَّبُّوسي ص 51) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1128 5 - إذا كانت له شاة، فأوجب على نفسه أن يهدى بها لفقراء الحرم، جاز له بيعها عند محمد، وروي عن أبي يوسف أنه ليس له أن يبيعها، لأنه أوجب لئه تعالى حقاً فيها، فصارت في الحكم كأنها زائلة عن ملكه. (الدَّبُّوسي ص 51) . 6 - إذا خرب المسجد، ولم يبق له أهل، فلا يعود ميراثاً عند أي يوسف، وعند محمد يعود ميراثاً. (الدَّبُّوسي ص 51) . 7 - إذا قال الرجل لرجل: داري هذه موقوفة، ولم يزد على هذا، صارت وقفاً عند أبي يوسف، وشبهه بالعتق، وعند محمد لا تصير وقفاً. (الدَّبُّوسي ص 51) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1129 فوائد إلى هنا ننتهي من القواعد المختلف فيها عند الحنفية، وسبق بياني مثل ذلك في المذهب المالكي، والشافعي، والحنبلي، ونلاحظ ما يلي: 1 - تظهر ميزة كل مذهب من خلال مسائله، وقواعده، وفروعه، وتعليلاته. كما يظهر الفكر الذي يحمله أئمته وعلماؤه، والاهتمام الذي يولونه في العبادات أو المعاملات، وفي السعة والانفتاح، وفي المرونة، والتطبيقات. 2 - تبين القواعد المذكورة في المذاهب حقيقة المنهج الفقهي في احترام الأئمة والعلماء بعضهم لبعض، وفتح المجال أمام الاجتهاد، وإبداء الرأي، والمخالفة، وسعة الأفق، وعدم الحجر على الفكر والتفكير والاجتهاد، مما يكشف حقيقة التعصب والمتعصبين، وأنهم أنصاف علماء، بل أقل من ذلك، وأن باب الحوار والجدال والمناقشة مفتوح على مصراعيه، ويرحب بكل عالم ومفكر ما دام له رأي ودليل عليه. 3 - إن دراسة القواعد الفقهية تؤكد ما ذكرناه في الباب التمهيدي في أهمية القواعد وفوائدها في تكوين الملكة الفقهية للباحث والدارس، وتعطيه ثروة فقهية زاخرة، وتحقق جانباً من الفقه المقارن في أصوله ومناهجه وأدلته ومسائله وفروعه. 4 - تظهر سمة الفقه المقارن، ومنهجه في القواعد، وذلك بتحرير محل النزاع، وبيان المسائل والأحكام المتفق عليها، ثم بيان الأحكام والمسائل المتفق عليها، وتحديد سبب الخلاف ومنشئه وتعليله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1130 خاتمة هذا عرض موجز لأهم القواعد الفقهية في المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، مع توضيح القاعدة، وبيان بعض تطبيقاتها من الفروع الفقهية، وذكر المستثنيات إن وجدت، مع توشيحها بالفوائد الفقهية، والتنبيهات التي يستفيد منها القارئ عامة، والطالب خاصة. وهي مساهمة متواضعة في عرض القواعد، لتسهيل دراستها على الطلاب. وعرضها بأسلوب واضح، وليس الغاية من هذا الكتاب استعراض جميع القواعد الفقهية، واستقصاء الفروع والجزئيات، وإنَّما الهدف كما بيَّنت في المقدمة توفير كتاب للطالب يجمع بين المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، بدلاً من أن يضطر إلى دراسة قواعد كل مذهب منفردة في كتاب خاص. ولم نقصد استيعاب القواعد الفقهية في المذاهب الأربعة، وإنَّما ذكرنا المهم منها، وكثير من هذه القواعد متفق عليها بين المذاهب، حتى ما ورد أنه خاص بمذهبا معين، ولكن تختلف الفروع المندرجة تحت القاعدة في كل مذهب. وأسال الله تعالى النفع والفائدة، وتحقيق المقصد والغاية، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربِّ العالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1131