الكتاب: نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) تحقيق: محمد أشرف علي المليباري، وأصله رسالة ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدراسات العليا - التفسير - 1401هـ الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية عدد الأجزاء: 1 الطبعة: الثانية، 1423هـ/2003م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه ت المليباري ابن الجوزي الكتاب: نواسخ القرآن = ناسخ القرآن ومنسوخه المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) تحقيق: محمد أشرف علي المليباري، وأصله رسالة ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدراسات العليا - التفسير - 1401هـ الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية عدد الأجزاء: 1 الطبعة: الثانية، 1423هـ/2003م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم شكر وتقدير الحمد لله وحده حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبه ومن تمسك برشده. أما بعد، فيقول الله تعالى في محكم تنزيله: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} 1. ويقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" 2. فبناء على هذين المبدأين العظيمين يطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر وفائق الاحترام إلى فضيلة الشيخ عبد المحسن حمد العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية سابقاً، الذي أشرف على بحثي حوالي ثمانية أشهر، فتعاون معي في اختيار الموضوع والحصول على النسخ المخطوطة من الكتاب، وأرشدني إلى القيام برحلة علمية إلى بعض البلدان العربية كي أتزود لبحثي، فجزاه الله وتقبل منه، وشكر سعيه.   1 الآية (40) من سورة النمل. 2 رواه أبو داود من حديث أبي هريرة. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 13/ 165 من كتاب الأدب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 كما أتقدم بخالص شكري وامتناني وعظيم تقديري وثنائي إلى فضيلة العلامة الدكتور أحمد إبراهيم مهنا، حفظه الله، المشرف المباشر على رسالتي إلى نهاية المطاف، فأعطاني من علمه الجزيل، وخلقه النبيل، وتوجيهاته الدقيقة وإرشاداته القيّمة الشيء الكثير ووهبني أوقاته النفيسة بدون تقييد زمان ومكان، فبذل قصارى جهده بكل إخلاص بإعادة النظر في كل ما أكتب لكي تخرج هذه الرسالة على أكمل وجه سليمة قيّمة يعم نفعها على الباحثين والدارسين، فجزاه الله أحسن ما يجزي به عباده المخلصين وتقبل منه جهده وإخلاصه ووهب له مزيداً من التوفيق، وأطال عمره في خدمة دينه. كذلك أتوجه بالشكر الجزيل والثناء الحسن للشيخ العلامة حماد بن محمّد الأنصاري الذي كان يفيض عليّ من كنوز معلوماته ومن نوادر كتبه ومخطوطاته ما أسد به ثغوراً كثيرةً من ثنايا بحثي. فتقبل الله منه وشكر الله سعيه وإخلاصه. كما أتوجه بالدعاء الخالص لسماحة الشيخ الدكتور مصطفى زيد رحمه الله المدرّس بالدراسات العليا سابقاً، وصاحب كتاب (النسخ في القرآن الكريم) الذي شجعني إلى اختيار هذا الموضوع وأفادني كثيراً خلال تدريسه، فغفر الله له وجعل جهده الخالص صديق خير له في مرقده ومأواه إلى يوم الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وأخيراً أتوجه بالشكر وفائق الاحترام والتقدير إلى جميع الإخوة الذين ساعدوني وتعاونوا معي على إنجاز بحثي وأداء مهمتي بخدماتهم الخالصة من موظفي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورّة، وبخاصة موظفوا الدارسات العليا. والله أسأل أن يتقبل من الجميع خدماتهم وتعاونهم وأن يوفقهم للعمل الدائب المستمر في التعاون على البرّ والتقوى، وهو حسبنا ونعم الوكيل. محمّد أشرف عليّ المليباري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 مقدّمة التحقيق بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً. والصلاة والسلام على رسوله المبيّن للناس ما نزل إليهم، وعلى آله وصحبه الذين اتخذوا سبيله شرعة ومنهاجاً. أما بعد، فإن القرآن الكريم هو أعظم رسالة سماوية وأعلاها مكانة، وأجلّها معجزة، وأكملها نظاماً ومنهجاً، وقد تولى الله سبحانه وتعالى حفظه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. وكان هذا الوعد الإلهي مزيّة للقرآن الكريم من بين الكتب السماوية، حيث بدلت تلك وحرفت، والقرآن ما زال ولم يزل أهله يحفظونه في صدورهم ومصاحفهم، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار وينفذونه جيلاً بعد جيل، في حياتهم الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، بل وفي جميع جوانب الحياة البشرية، ويتفرغ عبر القرون ثلة من خيارهم لدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه، ومعرفة ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، والاعتبار بدعوته وقصصه، ووعظه وإرشاداته، بل ولأجل هذا الكلام المعجز يتوسعون في   1 الآية (9) من سورة الحجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 العلوم والفنون الأخرى كي يتمتعوا ببلاغته وفصاحته، وإعجازه، ولكي يظهروا الفرق الشاسع بين كلام الخالق والخلق، فما من سورة من سوره ولا آية من آياته ولا كلمة من كلماته إلا ويدور حولها بحث بألسنة الباحثين والمؤلفين وأقلامهم. وقد شرف الله بهذا الكلام المعجز للعالم محمّداً خاتم النبيين وجعله مبيّناً لما أجمل فيه وشارحاً ما يحتاج إلى الشرح بقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 1 وجعل عبء مسؤوليته وثقل رسالته من بعده على عاتق أمته وكاهل علمائها، وهم الوارثون رسالته حيث يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 2. فكان كل فرد من مخلصي هذه الأمة وعلمائها يتنافس مع غيره في أخذ نصيبه من الميراث، ويسابق الآخرين للاشتراك في أداء الرسالة، وكان العلامة المحقق والفهامة المدقق فريد عصره ووحيد دهره جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي القرشي، رحمه الله رحمة واسعة، واحداً منهم، فقد جاهد في سبيل الله بلسانه وقلمه وألّف في شتى الفنون حوالي (380) كتاباً حسب ما وصل إليه العلم، ومعظم مؤلفاته كانت مهملة تأكلها الأرضة والتراب. وكان من بينها كتاب لطيف فريد في نوعه (نواسخ القرآن) وها هو اليوم بعون الله وتوفيقه يظهر من عالم   1 الآية (44) من سورة النحل. 2 الآية (108) من سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 المخطوطات ليكون في متناول الدارسين والباحثين، وذلك لأوّل مرة بعد غيابه حوالي ثمانية قرون عرضة للعث والأرضة، فلله الحمد والمنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أهمية الموضوع: إن موضوع هذا الكتاب الذي بين يديك، وهو (نواسخ القرآن)، أو (الناسخ والمنسوخ في القرآن) من أهم الموضوعات وأجلّها قدراً في شريعتنا الغراء، لأن مدار الدين كتاب الله سبحانه وتعالى، فما ثبت فيه محكماً غير منسوخ نفذناه، وعملنا به، وما كان منسوخاً منه لم نعمل به ومعرفة ذلك مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة، وهي في نفس الوقت شاقة جداً لا يستطيع الإنسان الحكم فيها بعقله وتفكيره مهما كان ولا يمكن ذلك إلا بنقل صحيح ثابت عن صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، ولا مجال للعقل أو الاجتهاد فيها، كما لا يجوز للإنسان أن يتصرف في مثل هذا الموضوع الحساس، بآرائه البحتة غير مستند إلى كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أقوال الصحابة المحكية عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، بسند صحيح ثابت خال من الجرح والعلة. لذا، كان السلف الصالح يرى معرفة الناسخ والمنسوخ شرطاً في أهلية المفسر للتفسير والمحدث للحديث، وقد كان أمير المؤمنين عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ الله بن عمر، وعبد اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنهم، لا يرضون لأحد أن يتحدث في الدين إلا إذا كان عارفاً بالناسخ والمنسوخ من القرآن1. وقد جاء في الأثر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما بأنه كان   1 أخرج نحوه النحاس في ناسخه (5) من طرق متعددة عن عليّ رضي الله عنه كما ذكره هبة الله بن سلامة في ناسخه 4 عن عليّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عنهم. وأورد نحوه الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد1/ 154، ثم عزاه إلى الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 يفسر قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً} 1 بأن الحكمة معرفة ناسخ القرآن وَمَنْسُوخِهِ وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وحلاله وحرامه وأمثاله2. يقول يحيى بن أكثم التميمي رحمه الله، وهو أحد عظماء السلف المتوفى سنة: 242هـ: "ليس من العلوم كلّها علم هو أوجب على العلماء وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضاً والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهى إليه، فالواجب على كلّ عالم، علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله، أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله"3. ويقول الإمام ابن حزم الظاهري المتوفى سنة: 556هـ: "لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين، لأن الله عزوجل، يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ   1 الآية (269) من سورة البقرة. 2 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان3/ 60، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط الجزء الأوّل ورقة (210) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 3 انظر: جامع بيان العلم وفضله للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي 2/ 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 بِإِذْنِ اللَّهِ} 1. وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} 2. فكل ما أنزل الله في القرآن، وعلى لسان نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض اتباعه. فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ، فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف إلى أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل … "3. ويقول ابن الحصار عليّ بن محمّد الأنصاري المتوفى سنة: (611هـ) 4: "إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا. قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر، قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين، من غير نقل صحيح ولا معارضة بيّنة، لأن النسخ يتضمن رفع الحكم، وإثبات حكم تقرر في عهده صلى الله عليه وسلم، والمعتمد فيه النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد. قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول،   1 الآية (64) من سورة النساء. 2 الآية (3) من سورة الأعراف. 3 انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم4/ 458. 4 انظر ترجمة ابن الحصار في التكملة لوفيات النقلة للمنذري رقم: (1359) وفيه أن زكي الدين ابن المنذري سمع منه كتابه في ناسخ القرآن ومنسوخه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ومن متساهل: يكتفى فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما) 1. ولعلنا بهذا نكون قد اطلعنا على سورة صادقة عن خطورة هذا الموضوع وعلى مدى اهتمام العلماء به سلفاً وخلفاً. ويأتي من بعدهم عالم معاصر وهو الشيخ عبد العظيم الزرقاني فيلخص ما ذكره العلماء في أهمية هذا الموضوع في كتابه مناهل العرفان، فيقول: أوّلاً - هذا الموضوع كثير التعاريج متشعب المسالك طويل الذيل. ثانياً - هو مثار خلاف شديد بين العلماء الأصوليين القدامى والمحدثين. ثالثا - أن أعداء الإسلام كالملاحدة والمستشرقين والمبشرين قد اتخذوا من النسخ أسلحة مسمومة طعنوا بها في صدر الدين الحنيف، ونالوا من قدسية القرآن واجتهدوا في إقامة الحجج البراقة ونشروا شبهاتهم ونالوا من مطاعنهم حتى سحروا عقول بعض المنتسبين إلى العلم من المسلمين فجحدوا وقوع النسخ. رابعاً - أن إثبات النسخ يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربية الخلق وسياسته   1 انظر: كلام ابن الحصار في الإتقان للسيوطي2/ 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 للبشر وابتلائه للناس بتحديد الأحكام مما يدلّ بوضوح على أن مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبيّ الأميّ، لا يمكن أن يكون مصدراً لمثل هذا القرآن، إنما هو تنزيل من حكيم حميد. خامساً - بمعرفة ذلك يهتدي الإنسان إلى صحيح الأحكام وينجو عن نسخ ما ليس بمنسوخ حين لا يجد التعارض بين الآيتين، لذا اعتنى السلف بهذه الناحية يحذقونها ويلفتون أنظار الناس إليها ويحملونهم عليها. انتهى بتصرف1. المؤلفون في هذا العلم قديماً وحديثاً: سبق أن قلنا، إن علماءنا الأجلاء قد أعطوا اهتماماً بارزاً لموضوع النسخ، ويظهر ذلك من خلال مؤلفاتهم حيث لا نكاد نرى معظم مفسري القرآن إلا وقد اهتموا بموضوع النسخ وألفوا فيه. يقول الزركشي في البرهان عن علم النسخ: "والعلم به عظيم الشأن وقد صنف فيه جماعة كثيرون منهم: قتادة بن دعامة السدوسي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس، وهبة الله بن سلامة الضرير، وابن العربي، وابن الجوزي، وابن الأنباري، ومكي وغيرهم"2.   1 انظر: مناهل العرفان2/ 69 - 71. 2 انظر: البرهان للزركشي2/ 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ويورد الداودي في طبقات المفسرين أسماء أربعة وثلاثين كتاباً ألف في علم النسخ1 بيد أن معظم تلك الكتب مفقودة اليوم أو لم تظهر بعد من عالم المخطوطات. وأما المطبوعة منها فقليلة تعد بالأصابع. وقبل أن نتعرف عليها وعلى مؤلفيها علينا أن نقدر اشتراك الإمام الشافعيّ في هذا العلم حيث يعتبر هو (من أوّل من تكلم في موضوع النسخ، وهو وإن لم يؤلف كتاباً مستقلاً في الموضوع لكنه ناقش نسخ القرآن ضمن رسالته على منهج علمي وأثبت وقوعه وبيّن مدلوله مستدلاً من الكتاب والسنة) 2.   1 انظر: طبقات المفسرين للداودي2/ 569 - 570. 2 انظر مناقشة الإمام الشافعي لموضوع النسخ في رسالته بتحقيق أحمد شاكر2/ 569 - 570. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الكتب المطبوعة: - معرفة الناسخ والمنسوخ، للإمام محمّد ابن حزم (ليس هو ابن حزم الظاهري المعروف) إنما هو شخص آخر توفي قبله بمائة وست وثلاثين سنة1. وهو أنصاري أندلسي محدث، لكنه مع جلالة قدره لدى المحدثين فقد وجدناه في كتابه يسرف في القول بالنسخ من غير أن يستند إلى أي دليل نقلي أو عقلي، وقد بلغ عدد الآيات المنسوخة عنده، بآية السيف فقط مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة2. وكتابه هذا مطبوع بمصر على هامش تفسير (تنوير المقباس) المنسوب إلى ابن عباس سنة: (1380هـ) كما طبع أيضاً على هامش (تفسير الجلالين) ولم يؤرخ. 2 - كتاب الناسخ والمنسوخ، للإمام أبي جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس المرادي النحوي المتوفى سنة: (338هـ) 3 هذا الكتاب يعتبر من أفضل ما وصل إلينا من الكتب المتقدمة في علم النسخ وقد أجاد مؤلفه،   1 وهو: محمّد بن أحمد بن حزم بن تمتام بن مصعب، ابن عمرو بن عمير بن محمّد بن مسلمة الأنصاري يكنى أبا عبد الله، مات قريباً من سنة: 320هـ. (ذكر ذلك عبد الرحمن بن أحمد الصيرفي) انظر: جذوة المقتبس للحميدي ص: 39. 2 انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ في هامش تفسير ابن عباس ص: 316. 3 ستأتي ترجمته بالتفصيل عند أوّل ذكر له في الكتاب إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 رحمه الله، في عرض الآيات الناسخة والمنسوخة حيث أثبت ما ادعى فيه النسخ وعكسه بذكر الأسانيد غالياً، ويقوم بترجيح دعوى النسخ أو الإحكام حينًا، وهو كثير ويقف موقف المحايد حينًا آخر. وذلك إذا وجد ما يرجح إحدى الطرفين أو يؤيد كليهما. ويورد ابن الجوزي في هذا الكتاب نقولاً كثيرة من كلام النحاس يعضد بها رأيه ويؤكد بها أحكام الآية، طبع هذا الكتاب بمصر سنة: 1323هـ. 3 - الناسخ والمنسوخ، للإمام هبة الله بن سلامة الضرير المتوفى سنة: (410هـ) 1، وهو مع شهرته لدى المفسرين ومكانته في أوساط العلماء، نراه يسلك مسلك ابن حزم في معالجة قضايا النسخ حيث أورد في كتابه مائة وأربع عشرة آية منسوخة بآية السيف، كما ذكر من الآيات التي ادعى فيها النسخ مائتين وأربعًا وثلاثين آية في خمس وستين سورة ولم يورد الأدلة والآثار إلا نادرًا، ولو أورد لا يذكر لها إسنادًا ولكنه ذكر في آخر كتابه أهم مصادره، بأسانيدها ومعظم تلك الأسانيد لا يخلو من المطاعن، وهو مطبوع بمصر سنة: (1387هـ). 4 - الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، للإمام أبي محمّد مكي ابن أبي طالب القيسي رحمه الله، المتوفى سنة: (437هـ) 2 وكتابه   1 ستأتي ترجمته عند أوّل ذكر له في مقدمة المؤلف، إن شاء الله. 2 اسم أبي طالب (أبيه) محمّد، ويقال له: حموش بن محمّد بن مختار أبو محمّد القيسي القيرواني الأصل النحوي اللغوي المقرئ كان إمامًا عالمًا بوجوه القراءات متبحرًا في علوم القرآن فقيهًا أديبًا متفننًا وكان راسخًا في علم القرآن ألّف في ذلك كتبًا كثيرةً، منها: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه. انظر معجم الأدباء19/ 167 - 171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 المذكور جليل القدر لا ينقص في الفضل عن كتاب النحاس، إلا أنه مع قيامه بمعالجة وقائع النسخ معالجة جدّيّة، لا يتعارض إلى ذكر الأسانيد بل يكتفي بعزو الآراء إلى القائلين بها، ويرجح حينًا ما يرتضيه من الآراء مؤيدًا وجهة نظره. وقد حقّق هذا الكتاب فضيلة الدكتور أحمد حسن فرحات، وطبع بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية سنة: 1396هـ. 5 - الموجز في الناسخ والمنسوخ، للحافظ المظفر بن الحسين بن زيد بن عليّ بن خزيمة الفارسي رحمه الله، هذا الكتاب مطبوع في آخر كتاب النحاس سنة: 1323هـ بمصر. ولا نرى فيه إلا سردًا للآيات الناسخة وعدًا للآيات المنسوخة بغض النظر عن الأدلة. فهو إذاً كنسخة أخرى لكتابي ابن حزم وابن سلامة لا يغني من جوع، مع أن مؤلّفه مجهول لم أجد له ترجمة إلا في غلاف الكتاب، ويقول في آخر كتابه: "أنه استخرج هذا الكتاب من خمسة وسبعين كتابًا من كتب الأئمة المقرئين، رحمة الله عليهم، المنقول عنهم بالأسانيد الصحيحة"1.   1 انظر: الصفحة الأخيرة 276، من الكتاب المطبوع مع الناسخ والمنسوخ للنحاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 6 - الناسخ والمنسوخ، للإمام أبي عبد الله محمّد بن عبد الله الإسفرائيني العامري الشفعوي، رحمه الله، طبع هذا الكتاب في الأستانة، سنة: (1290هـ) وألحق مع لباب النقول للسيوطي، ومؤلفه لم أعثر على ترجمته بعد فيما راجعت من كتب التراجم ويوجد اسمه المذكور على غلاف الكتاب، وهو أيضًا يورد أقوال النسخ عن العلماء بدون إسناد ربما يذكر آثارًا ولم يسند1. هذه الكتب المتقدمة هي التي عثرت عليها مطبوعة حتى اليوم في علم النسخ في القرآن الكريم، وقد صدرت في الآونة الأخيرة عدة كتب في الموضوع، منها: - النسخ في القرآن الكريم، للدكتور مصطفى زيد، رحمه الله، الأستاذ في قسم التفسير بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقًا، وهو كتاب جدير بالذكر والاهتمام، وقد تصدى فيه المؤلف لعرض الآيات المدعى عليها النسخ، وناقشها مناقشة جدية مفيدة مع ذكر الأدلة بالأسانيد، وقام برد وقائع النسخ التي لم تثبت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولم تنقل عن الصحابة بسند صحيح، وأبدى إثر كلّ آية وجهة نظره في دعوى النسخ حتى وصل إلى نهاية المطاف فعيّن بابًا خاصًا في وقائع النسخ في القرآن الثابتة بالأدلة الصحيحة وحصرها في ست آيات فقط2. ومنها:   1 انظر: فهرس مكتبة الأزهر1/ 195؛ والنسخ في القرآن الكريم فقرة (549). 2 انظر: النسخ في القرآن الكريم من فقرة 1208 - 1262، وهو مطبوع في مجلدين ببيروت سنة: 1383هـ/1963م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 - كتاب فتح المنان في نسخ القرآن، للشيخ عليّ حسن العريض مفتش الوعظ في الأزهر، وهو وإن لم يعالج الموضوع بشكل واسع وشامل إلا أنه عرض موضوع النسخ عرضًا تأريخيًا نقديًا ثم أورد في نهاية البحث بعض الآيات المدعى عليها النسخ فنقض معظمها لما يدعم رأيه مشيرًا بذلك إلى معظم ما ادعي فيه النسخ في القرآن دعوى بلا دليل1. ومنها كتاب (نظرية النسخ في الشرائع السماوية) لفضيلة الدكتور شعبان محمّد إسماعيل المدرس بجامعة الأزهر2. وقد عالج موضوع النسخ في كتابه كنظرية فقط، ولم يتعرض لمناقشة قضايا النسخ في آية أو حديث من حيث الوقوع أو عدمه بل اكتفى بعرض أقسام سور القرآن باعتبار وجود النسخ فيها ثم نقل عن الإمام السيوطي الآيات التي يراها منسوخة في الإتقان. وجاء في نهاية المطاف فعقد بابًا تحت عنوان: (الآيات التي نسختها آية السيف) فأورد فيه خمسين آية ادعى فيها النسخ ابن خزيمة الفارسي في كتابه الموجز في الناسخ والمنسوخ، السالف ذكره3 ولم يقم الدكتور شبعان بالمناقشة أو الاعتراض عليها بل تركها كقضية مسلمة لديه4.   1 طبع هذا الكتاب في مجلد واحد بمصر (1373م). 2 طبع هذا الكتاب في مطابع النجوى - عابدين - القاهرة، ولم يؤرخ. 3 انظر فيما سبق ص: 20. 4 انظر: من كتاب (نظرية النسخ في الشرائع السماوية) ص: 170 - 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ومنها: كتاب النسخ بين الإثبات والنفي، للدكتور محمّد محمود فرغلي، وهو يقع في مبحثين في مجلد واحد، يعالج فيه قضية النسخ من حيث الخلاف الحاصل بين المثبتين والنافين له ذاكرًا ما يثبت رأي كل مرجحًا ما يرجحه الدليل، بيد أنه لا يناقش وقائع النسخ من حيث وقوعه في آية ما أو عدم وقوعه1. ومنها: (النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه) للشيخ عبد المتعال الجبري، وقد تصدى فيه مؤلّفه - هداه الله - إلى إنكار جميع وقائع النسخ في الإسلام، وهو رسالة صغيرة الحجم، ومن أبرز عناوينه: 1 - لا منسوخ في القرآن، ولا نسخ في السنة المنزلة. 2 - أبدع تشريع قيل إنه منسوخ. يناقش فيه بعض وقائع النسخ فينقض وينكر وقوعه في القرآن زاعمًا: أن فيه نسبة للجهل لله سبحانه وتعالى هو منزه عن ذلك2 كأنه في ذلك أراد أ، يتبع مسلك أبي مسلم الأصفهاني3 - إن صح عنه ذلك   1 طبع هذا الكتاب بمجلد واحد بمصر سنة: 1396هـ/1976م. 2 طبع هذا الكتاب في مجلد واحد بمطبعة دار الجهاد بمصر سنة: (1380هـ). 3 وهو: أبو مسلم الأصفهاني المفسر اسمه: محمّد بن بحر المتوفى سنة: (322هـ) وقد جمع الشيخ سعيد الأنصاري عالم من علماء الهند في كتابه: (ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل) المطبوع بكلكتا سنة: 1330هـ، الآيات التي أوّلها أبو مسلم لينفي أنها منسوخة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 - حيث قيل: إنه كان يرى جواز النسخ عقلاً وينكر وقوعه سمعًا، وقد أورد جماعة خلاف أبي مسلم بأنه كان خلافًا لفظيًا فقط، فقال ابن دقيق العيد: "نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ، لا بمعنى أن الحكم الثابت لا يرفع، بل بمعنى أنه ينتهي بنص دلّ على انتهائه، فلا يكون نسخاً"1. وقد قام برد كل ما اقترحه الجبري في كتابه لإنكار النسخ، صاحب كتاب: (النسخ بين الإثبات والنفي) في خلال اثنتي عشرة صفحة وأجاد في ذلك فليرجع إليه من شاء2. وهناك بعض العلماء عالجوا وقائع النسخ بلا إفراط ولا تفريط، وذلك ضمن كتبهم المؤلَّفة في علوم القرآن. فمنهم: عالم القرن العاشر الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله، حيث اختصر الآيات المدعى عليها النسخ في كتابه الإتقان في علوم القرآن إلى ما يقارب عشرين آية، وأنشد: قد أكثر الناس في المنسوخ من عدد ... وأدخلوا فيه آيًا ليس تنحصر وهاك تحرير آي لا مزيد لها ... عشرين حررها الحذاق والكبر   1 انظر ما قاله الشوكاني عن رأي أبي مسلم في النسخ والرد عليه في إرشاد الفحول ص: 162. 2 انظر: كتاب النسخ يبن الإثبات والنفي، في الرد على كتاب عبد المتعال محمّد من ص: 112 - 114، في القسم الأوّل منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 فذكر تلك الآيات مع خلاف في بعضها1. ومنهم الشيخ أحمد شاه ولي الله الدهلوي شيخ الحديث في الهند في زمانه، وصاحب كتاب حجة الله البالغة، المتوفى سنة: 1179هـ فقد ألف كتابًا في علوم القرآن باسم (الفوز الكبير) وأنكر فيه على كل من يسرف بالقول في النسخ، ثم اختصر وقائع النسخ في القرآن في خمس آيات فقط مبينًا الأدلة ووجهة نظره، بعد أن أورد الآيات التي ذكرها السيوطي في الإتقان ضمن المنسوخة، ونقض منها ما يرى فيه النقض2. ومنهم محمّد عبد العظيم الزرقاني، صاحب كتاب (مناهل العرفان) حيث أورد في كتابه بعض وقائع النسخ التي اشتهرت أنها منسوخة، وهي حوالي اثنتين وعشرين واقعة، وقام بالترجيح منها حوالي تسع آيات فقط3. تلك هي الكتب المطبوعة المعروفة لدينا حتى اليوم في علم النسخ في القرآن، وهناك رسائل أخرى صدرت حديثًا تناقش موضوع النسخ ولا داعي لذكرها هنا؛ لأنها - كما يبدو حسب اطلاعي - لم تأت بشيء جديد في الموضوع إنما هي إعادة لما كتب وذكر مسبقًا. والله أعلم.   1 انظر: الإتقان في علوم القرآن2/ 23، المطبوع ببيروت ولم يؤرخ. 2 طبع هذا الكتاب في مقدمة كتاب (إرشاد الراغبين) بدمشق سنة: 1346هـ. 3 انظر: مناهل العرفان2/ 152 - 161، المطبوع بمصر سنة: 1362هـ بمطبعة عيسى الحلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الكتب المخطوطة: أما الكتب المخطوطة في موضوع النسخ في القرآن فهي كثيرة، سأذكر منها ما عثرت عليها ووفقني الله للاطلاع عليها خلال رحلتي العلمية إلى بعض البلدان العربية، أو ما تأكدت من وجودها في المكتبات العالمية، بغية أن ينتفع بها الباحثون الذين يعملون لإحياء التراث الإسلامي. 1 - الناسخ والمنسوخ في كتاب الله، للإمام قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة: 117هـ1. سبق أن ذكرنا عن الزركشي بأن قتادة في مقدمة الذين ألفوا في الناسخ والمنسوخ في القرآن، وقد ذكر هبة الله بن سلامة أن كتاب قتادة من المصادر التي استمد منها كتابه وأن راوي كتاب قتادة عنه هو سعيد - يقصد سعيد بن أبي عروبة2 - . يوجد جزء من الكتاب المذكور في المكتبة الظاهرية تحت رقم: (7899) ورقة: (67) 3. 2 - الناسخ والمنسوخ، لعبد القاهر البغدادي المتوفى سنة: (429هـ) 4 وهو يقع في ثمانية وسبعين ورقة، يوجد له نسخة في   1 ستأتي ترجمته عند أوّل ذكر له في الكتاب، إن شاء الله. 2 انظر: الناسخ والمنسوخ لهبة الله (106). 3 انظر: تأريخ التراث العربي لفؤاد سسكين1/ 52، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية1/ 404. 4 وهو: أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمّد البغدادي الفقيه الأصولي الشافعي الأديب، كان ذا مال وثروة وأنفقه على أهل العلم والحديث، ولم يكتسب بعلمه مالاً، درس في سبعة عشر فنًا وكان ماهرًا في علم الحاسب. توفي سنة: (429هـ) بمدينة اسفراين. انظر: وفيات الأعيان2 رقم الترجمة: (365). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ميكروفيلم في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم: (265)، عمومية: (445)، كتب سنة: (612هـ) 1. 3 - الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ، لعبد القاهر بن طاهر بن محمّد البغدادي. يوجد منه نسخة بالجامع الكبير بصنعاء تحت رقم: (43 تفسير) ورقة: (28) ولعله مختصر لكتابه السابق ذكره2. 4 - الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه، لأبي عبد الله محمّد بن بركات بن هلال السعيدي المتوفى سنة: (520هـ) 3 وقد ذكر فيه أنه روى هذا الكتاب عنه أبو القاسم هبة الله بن عليّ بن مسعود المتوفى سنة: (598هـ) وجدت هذا الكتاب في الخزانة التيمورية التابعة لدار الكتب المصرية في ميكروفيلم يبلغ عدد أوراقها (25) وقد صورت منه نسخة   1 انظر: فهرس جامعة الدول العربية ص: 48، رقم: (265). 2 انظر: فهرس مخطوطات المكتبة العربية بالجامع الكبير بصنعاء ص: 21، في قسم علوم القرآن. 3 هو: أبو عبد الله محمّد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد بن عبد الله السعيدي الصوفي المصري نحوي لغوي، عمر مائة عام وثلاثة أشهر. له مؤلفات في النحو واللغة. توفي سنة: (520هـ). يقول في مقدمة كتابه إنه ألف للملك الأفضل أمير الجيوش. انظر: إنباء الرواة، رقم الترجمة: (607). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 لنفسي عام: 1398هـ وهو يقع في الخزانة تحت رقم: (1015 تفسير) 1. 5 - كتاب ناسخ القرآن، لشرف الدين عبد الرحيم الحموي المعروف بابن البازي المتوفى سنة: 738هـ يقول في مقدمة كتابه إنه جمع فيه جميع الآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن - ويوجد له نسخة في المكتبة الظاهرية تحت رقم: 5881) مكتوبة بالحبر الأحمر2. 6 - ناسخ القرآن ومنسوخه، لعليّ بن شهاب الدين حسن بن محمّد الحسيني الهمداني المتوفى سنة: (789هـ) هو رسالة مقتصرة تقع في المكتبة الظاهرية تحت: (4425) كتبت سنة: (907هـ) بقلم تاج الدين محمّد بن زهرة الحلبي3. 7 - جواب الناجي عن الناسخ والمنسوخ، للشيخ برهان الدين الناجي، المتوفى سنة: (900هـ) يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية التابعة لدار الكتب المصرية تحت رقم مجامع (207) كتبت سنة: (1316هـ) 4.   1 انظر فهرس مكتبة الظاهرية1/ 404. 2 انظر: فهرس المخطوطات، جامعة الدول العربي ص: 32. 3 المصدر نفسه1/ 403. 4 فهرس الخزانة التيمورية1/ 239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 8 - قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ في القرآن، للشيخ مرعى ابن يوسف بن قدامة المتوفى سنة: (1033هـ) وله عدة نسخ: (أ) بخزانة دار الكتب في القاهرة تحت رقم: (13051ب)، أوراقها (139) 1. (ب) الخزانة العامة للكتب والوثائق في المغرب تحت رقم: (1882د) 2. (ج) مكتبة جامع الأزهر تحت رقم: (58) كتبت سنة: (1022هـ) 3. (د) في الخزانة التيمورية تحت رقم: (586) 4. 9 - فوائد قلائد المرجان وموارد منسوخ القرآن، للشيخ مرعى ابن يوسف الكرمي، أيضًا يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية تحت رقم: (المجامع 106) عدد صفحاتها: (205) 5.   1 انظر: فهرس المخطوطات بدار الكتب3/ 148. 2 انظر: فهرس المخطوطات العربية في الخزانة العامة بالمغرب ص: 31. 3 فهرس المكتبة الأزهرية1/ 195. 4 فهرس الخزانة التيمورية1/ 240. وأما مؤلف هذا الكتاب فهو المعروف بالكرمي صاحب مؤلفات عديدة، مؤرخ أديب من كبار الفقهاء الحنابلة. ولد بطول الكرم بفلسطين، وتوفي في القاهر سنة: 1033هـ. 5 انظر: فهرس الخزانة التيمورية1/ 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 10 - إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه من القرآن، للشيخ عطية الله البرهاني الشافعي، فقيه فاضل من أهل أجهور، تعلم وتوفي بالقاهرة سنة: (1190هـ)، يوجد لكتابه نسخة مخطوطة في الخزانة التيمورية تحت رقم: (42) تفسير1. 11 - الناسخ والمنسوخ، للإمام القاضي أبي عبد الله مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عليّ العامري، منه نسخة في المكتبة الأزهرية تحت رقم: (المجامع 736) ورقة (27) 2. 12 - الناسخ والمنسوخ في القرآن عن ابن شهاب الزهري، تأليف أبي عبد الرحمن الحسين بن محمّد، منه نسخة كتبت في القرن السابع تقريبًا، بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم: (264) وفي دار الكتب المصرية تحت رقم: (1084) تفسير3. 13 - التبيان للناسخ والمنسوخ، لعبد الله بن حمزة بن النجم الصعدي منه نسخة بالجامع الكبير بصنعاء، كتبت سنة: (1350هـ) عدد أوراقها: (19) يقع تحت رقم: (4) أصول الفقه4.   1 المصدر نفسه ص: 240. 2 فهرس المكتبة الأزهريبة1/ 195. 3 فهرس المخطوطات المصورة بجامعة الدول العربية1/ 48. 4 فهرس المخطوطات المكتبة العربية بالجامع الكبير بصنعاء (6). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 14 - صفوة الراسخ في علم المنسوخ، للشيخ شمس الدين محمّد ابن أحمد بن أحمد الحسين الموصلي يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية ضمن مجموعة رقم: (737/ 225 تفسير)، عدد صفحاتها: (129) 1. 15 - عمدة البيان في زبدة نواسخ القرآن، للشيخ محمّد الرشيدي، يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية تحت رقم: (127) كتب بخط مؤلِّفه سنة: (1291هـ) 2. 16 - البيان في الناسخ، للشيخ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي النجم، توجد نسخة منه بالجامع الكبير بصنعاء كتبت سنة: (1048هـ) عدد أوراقها: (20) يقع تحت رقم: (76) 3. 17 - وقد عثرت على كتاب صغير الحجم كبير الفائدة باسم مختصر عمدة الراسخ، وهو لمؤلفنا العلامة ابن الجوزي، سوف أذكره إن شاء الله عند ذكر أوصاف النسخ المخطوطة لغلبة ظني أنه مختصر لكتابنا هذا. وهناك رسائل أخرى مخطوطة في النسخ لم يعلم مؤلفوها، فعلى الرغم من وجود هذه الكتب العديدة، فأنا لا أريد أن أقف عندها وقفة الدارسين، لأن معظم هذه الكتب التي وفقني الله للاطلاع عليها، امتداد   1 فهرس الخزانة التيمورية1/ 240. 2 المصدر نفسه. 3 فهرس المخطوطات المكتبة العربية بالجامع الكبير بصنعاء (6). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 للاتجاه الذي بدأه ابن حزم الأنصاري وهبة الله بن سلامة في كتابيهما. وأما كتاب قتادة - وهو الأقدم منها إطلاقًا - فلم يصل إلينا منه إلا جزء قليل، كما صرح بذلك فهرس المكتبة الظاهرية، إلا أن كتاب عبد القاهر البغدادي، امتاز كثيرًا عن غيره، حيث يعالج موضوع النسخ على منهاج جديد ومفيد، غير أنه مثل مكيّ بن أبي طالب لا يذكر إسنادًا عند ذكر أقوال السلف، بل يكتفي بذكر أسمائهم وعزو الأقوال إليهم، وهو كتاب جدير بالدراسة في موضوعنا، وقد رشحه الدكتور مصطفى زيد لتحقيقه ونشره كما رشح كتابنا هذا لميزتهما على الكتب الأخرى1.   1 انظر: ما ذكره مصطفى زيد رحمه الله بعد إيراد أسماء بعض الكتب المخطوطة في النسخ وما لها وما عليها في كتاب النسخ في القرآن الكريم1، من فقرة 460 - 550. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 سبب اختياري لهذا الموضوع: في مستهلّ السنة الدراسية المنهجية للدراسات العليا كنت أبحث هنا وهناك كي أحصل على موضوع لرسالتي يكون له البروز اللامع في الأوساط العلمية وقد تم اختياري في أوّل الأمر على تحقيق كتاب (فضائل القرآن) لابن الضريس، ولكني رغم صدور موافقة المجلس على هذا الموضوع اضطررت بعد أن عملت فيه أكثر من سبعة أشهر إلى تغييره. وذلك لوجود نقص كبير في النسخة الموجودة لدى الجامعة الإسلامية، ولعدم الحصول على نسخة أخرى لها. وقد وقع اختياري بعد ذلك - بحمد الله - على تحقيق هذا الكتاب لما قدمنا من أهمية موضوع النسخ في القرآن الكريم وخطورته. وكان من أهم العوامل التي ساعدتني للتوصل إلى معرفة أهمية هذا الموضوع اختيار الجامعة الإسلامية موضوع النسخ كمادة مستقلة في منهج الدارسات العليا بقسم التفسير، فأتيحت لي بذلك فرصة ثمينة للاطلاع على كتب مفيدة في علم النسخ، والتوسع فيه فلم أر موضوعًا متشعب المسالك مترامي الأطراف تراكمت الاختلافات حوله من شتى الأديان كهذا الموضوع، حتى المسلمون أنفسهم قديمًا وحديثًا يختلفون فيه، فمن منكر مفرط ومن مثبت مسرف ومن مقتصد بينهما. ومن هنا، وقع في ذهني أن يكون لي شأن مذكور في هذا الموضوع، وكنت أذكر دائمًا ثناء شيخنا الفاضل الدكتور مصطفى زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 على كتابي عبد القادر البغدادي وابن الجوزي - كما ذكرت آنفًا - وكان يشجعنا على العمل والبحث فيهما لميزتهما على كتب النسخ الأخرى في الصناعة والمنهج فتم اختياري بفضل الله على هذا الكتاب بغية أن يعم النفع وتكثر الفائدة في مجال العلم، إن شاء الله. علاوة على ذلك، فلم أجد أحدًا سبقني من خريجي الكلية إلى تحقيق كتاب من كتب النسخ في القرآن المتقدمة المخطوطة لنيل شهادة الماجستير، وأيضًا فإن هذا العلم مع كثرة تناول المؤلفين له جيلاً بعد جيل ما رأيت أحدًا سلك مسلك العلامة ابن الجوزي في الصناعة والردّ على المقدمين على كتاب الله بآرائهم الخالية عن الأدلة النقلية الصحيحة. ولقد نرى المؤلِّف ابن الجوزي رحمه الله، في هذا الكتاب برأ ذمّته، وأدّى مسؤوليته بإيراد الأسانيد على كل ما يقول وينقل، مؤدّيًا للعلم أمانته. فتمنيت أن ينشر هذا الكتاب النفيس ويظهر من وراء القرون إلى أيدي الطلبة والباحثين وينجو من الضياع تحت التراب. ثم إن إحياء التراث الإسلامي له دور كبير في نهضة العلم والعلماء في كل عصر، حيث نستطيع بذلك الوصول إلى الحقائق العلمية التي لم يعثر عليها جيلنا الحاضر بعد، كما نستطيع الاطلاع على النهضة العلمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 والثقافية التي كان المسلمون القدامى يتمتعون بها عبر الأجيال، فيكون ذلك نبراسًا لمستقبلنا الزاهر، لنصمد في العمل الدائب المستمر كما صمد أسلافنا. من أجل هذا كلِّه، أحببت أن يكون موضوع بحثي من أنفع الموضوعات وأشرفها وأحببت أن أتفرغ له تفرغًا كاملاً وأنقطع له عدة سنين. وبعد بحث دقيق لم يظهر لي شيء أنفع للمفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين من علم النسخ من حيث إنه يعتبر جزءًا أساسيًا لديهم، لكونه مدارًا لمعرفة الحلال والحرام والمحكم من المنسوخ، فهو كما أنه من أنفع الموضوعات فهو كذلك من أفضلها وأشرفها؛ لأن مادة (نواسخ القرآن) هي الآيات القرآن المنزلة على الصادق الوعد الأمين صلوات الله وسلامه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ترجمة الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - هو: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد بن عليّ ابن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن حمادي بن أحمد بن محمّد بن جعفر بن عبد الله ابن القاسم بن النضر بن القاسم بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه القرشي التميمي البكري البغدادي الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته1. مولده: ولد العلامة ابن الجوزي "بدرب حبيب" الواقعة في بغداد، واختلف في تأريخ ودلاته: قيل: سنة: 508، وقيل: سنة: 509، وقيل: سنة: 510 هجرية. والأرجح أنه ولد بعد العشرة كما يظهر ذلك في بعض مؤلَّفاته في الوعظ، حيث يقول: إنه بدأ التصنيف سنة: 528هـ، وله من العمر 17 سنة2. ولما قيل عنه أيضًا في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار "أنه كان يقول: "لا أتحقق مولدي غير أنه مات والدي في سنة: 514هـ، وقالت الوالدة كان لك من العمر ثلاث سنين"3.   1 الذيل لابن رجب 1/ 399. 2 المصدر نفسه ص: 400. 3 وفيات الأعيان 2/ 321, رقم الترجمة: 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وعلى هذا تكون ولادته سنة: 511هـ، 1117م1. وكان أهله تجارًا في النحاس، ولهذا يوجد في بعض سماعاته القديمة: عبد الرحمن بن عليّ الجوزي الصفار2. نشأته: توفي والده عليّ بن محمّد وله من العمر ثلاث سنين، ولكن ذلك لم يؤثّر في نشأته نشأة صالحة، حيث أبدله الله عمته مربية مخلصة تعطيه كلّ عطفها وعنايتها وتسهر على خدمته وتعليمه، فهي حملته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر، فتلقى منه الرعاية التامة والتربية الحسنة حتى أسمعه الحديث3. وعلى الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده في توجهه إلى طلب العلم وتفرغه لذلك ثروة أبيه الموسر، فقد ترك من الأموال الشيء الكثير، ولهذا نراه - رحمه الله - يكثر الكلام عن نفسه في أكثر من كتاب، فيبين أنه نشأ في النعيم، ويقول في صيد الخاطر:   1 هذا الاختلاف في تأريخ ميلاده حكاه الدين ترجموا له, منهم تلميذه الحافظ المنذري في التكملة لوفيات النقلة 2/ 291 - 292. 2 تذكرة الحفاظ للذهبي رقم الترجمة: (1343). 3 انظر: البداية والنهاية لابن كثير 13 أحداث 597. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 "فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه، وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى أثر معي مرضًا قطعني عن كثير من التعبد، حتى إني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يومًا ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها، فقلت: إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناوله لطاعة عظيمة، وإن مطعمًا يؤذي البدن فيفوّته فعل خير ينبغي أن يهجر، فالعاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه"1. فلما بلغ ابن الجوزي رشده شعر بنفسه وبال الترف في طلب العلم، فقنع باليسير واستسهل الصعاب متحملاً كلّ الشدائد والمحن فهمته في طلب العلم أنسته كل الترف فانكب على طلب العلم - وهو ألذ من كلّ لذيذ - فيقول عن نفسه: "ولقد كنت في مرحلة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم"2.   1 انظر: صيد الخاطر في فصل الرفق بالبدن ص: 446. 2 انظر: صيد الخاطر (153). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 قد عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعًا تقيًا زاهدًا، لا يحب مخالطة الناس خوفًا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته: يقول الإمام ابن كثير عند ترجمته له: "وكان - وهو صبي - ديّنًا منجمعاً على نفسه لا يخالط أحدًا ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلاّ للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان"1. حبه للعزلة: وكان يحب العزلة تقديرًا لقيمة الوقت وابتعادًا عن الوقوع في اللهو. يقول في صيد الخاطر: "فليس في الدنيا أطيب عيشًا من منفرد عن العالم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه، قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلف ولا تضييع دين، وارتدى بالعز عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف القناعة باليسير، إذا لم يقدر على الكثير بهذا الاستعفاف يسلم دينه ودنياه، واشتغاله بالعلم يدلّه على الفضائل ويفرجه عن البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة، ولكن لا يصلح هذا إلا للعالم، فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتحبط"2.   1 البداية والنهاية لابن كثير 13 الأحداث (597). 2 صيد الخاطر (373). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ردّه على المتزهدين والمتصوفين: في موضع آخر من صيد الخاطر عين فصولاً للرد على العزلة العمياء والمتزهدين فيقول: "فكم فوتت العزلة علمًا يصلح به أصل الدين، وكم أوقعت في بليته هلك بها الدين، وإنما عزلة العالم عن الشر فحسب"1. ويقول في ذم المتزهدين والصوفية العمياء: "وإني أرى أكثر الناس قد حادوا عن الشريعة، وصار كلام المتزهدين كأنه شريعة لهم، فيقال: قال أبو طالب المكي: كان من السلف من يزن قوته بكربة فينقص كل يوم. وهذا شيء ما عرفه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولا أصحابه وإنما كانوا يأكلون دون الشبع. وما كانت سيرة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه على ما المتزهدون عليه اليوم. فقد كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحك ويمزح ويختار المستحسنات ويسابق عائشة رضي الله عنها، وكان يأكل اللحم ويحب الحلوى ويستعذب الماء وعلى هذا كانت طريقة أصحابه، فأظهر المتزهدون طرائق كأنها ابتداء شريعة، وكلها على غير الجادة"2.   1 صيد الخاطر (132). 2 صيد الخاطر (471 - 472). انظر أيضاً في فصل (حماقة الصوفية في كراهية الدنيا) ص: 25 - 35, في صيد الخاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 مكانته وثناء العلماء عليه: لقد أعجب بشخصيته وجهده الجبار علماء أجلاء من بعده فمدحوه وأثنوا عليه. يقول ابن خلكان: "إنه كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وفي صناعة الوعظ صنف في فنون كثير" فعد بعض مؤلَّفاته، ثم قال: "وبالجملة فكتبه تكاد لا تعد، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا إنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خصّ كل يوم تسع كراريس"1. وكان ابن الجوزي كثير الاطلاع ومشغوفًا بالقراءة فقد حكى عن نفسه أنه طالع عشرين ألف مجلد أو أكثر، وهو ما يزال طالبًا2. يقول في صيد الخاطر: "سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلوّ هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المقتدي ولا صحاب ورع فيستفيد منه   1 انظر وفيات الأعيان 2/ 321 رقم: 343. 2 انظر: صيد الخاطر (441). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الزاهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم"1. فقد استطاع بهذا الاطلاع الواسع أن يتفوق على كثير من معاصريه في المشاركة في عديد من العلوم والفنون، فألف في التفسير والحديث والطب والوعظ وغيرها الشيء الكثير ويبدو أن ابن الجوزي كان ماهرًا في التفسير وفي التأريخ والوعظ ومتوسطًا في الفقه، وأما بالنسبة إلى متون الحديث فهو واسع الاطلاع فيها لكنه غير مصيب في الحكم على الصحيح والسقيم. يقول الذهبي عند ترجمة ابن الجوزي: "كان مبرزًا في التفسير والوعظ والتأريخ ومتوسطًا في المذهب وله في الحديث اطلاع تام على متونه، وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين"2. وقال الذهبي في التأريخ الكبير: "لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه"3.   1 صيد الخاطر (441). 2 انظر: تذكرة الحفاظ رقم الترجمة: (1067). 3 انظر طبقات الحفاظ للسيوطي ص: 478. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مدرسة ابن الجوزي: كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، وقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضًا بعده مدارس بغداد1. قال الحافظ ابن الدبيثي عن ابن الجوزي: "كان من أحسن الناس كلامًا وأتمهم نظامًا وأعذبهم لسانًا، وأجودهم دينًا، وبورك في عمره وعمله، فروى الكثير، وسمع الناس منه أكثر من أربعين سنة وحدث بمصنفاته مرارًا"2. منزلة في الوعظ: لم يكن جهاده محصورًا في القلم والتأليف إنما كان له شأن عظيم وشهرة كبيرة في الوعظ والخطب والدعوة والإرشاد بين الخواص والعوام. يقول ابن كثير رحمه الله: "تفرد ابن الجوزي بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه، وفي طريقته وشكله وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه، ونفوذ وعظه، وغوصه في المعاني البديعة، وتقريبه الأشياء الغريبة بما يشهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك بحيث يجمع المعاني الكثير في الكلمة اليسيرة"3.   1 الذيل لابن رجب 1/ 413. 2 المصدر نفسه 1/ 411 - 412. 3 البداية والنهاية 13 أحداث (597). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 شجاعته في إظهار الحقّ: كان لا يخاف في الله لومة اللائم، وكان يحضر في وعظة الرؤساء والخلفاء، وقد التفت مرة إلى ناحية الخليفة المستضيء العبّاس، وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين إن تكلمت، خفت منك وإن سكتّ خفت عليك، وإن قول القائل لك: اتق الله، خير لك من قوله: لكم أنتم أهل البيت مغفور لكم … وأضاف قائلاً: لقد كان عمر بن الخطاب يقول: إذا بلغني من عامل ظلم فلم أغيره فأنا الظالم1. وهكذا دافع ابن الجوزي عن الحقّ بدون خوف لومة لائم وحارب البدع والمنكرات والتعصب في المذاهب والتقليد الأعمى، وقد كان يعترف بنجاحه في هذا المجال فيقول: "وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب، فأعانني الله عزوجل عليهم وكانت كلمتنا هي العليا"2. محنته في سبيل الحقّ: وقد امتحن ابن الجوزي رحمه الله، في آخر عمره، وذلك أن الوزير ابن يونس الحنبلي كان في ولايته قد عقد مجلسًا للركن عبد السلام ابن عبد الوهّاب بن عبد القادر الجيلي، وأحرقت كتبه. وكان فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل شيء كثير، وذلك بمحضر ابن   1 الذيل لابن رجب 1/ 409, وتذكرة الحفاظ للذهبي, رقم الترجمة: (1097). 2 الذيل لابن رجب 1/ 403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الجوزي وغيره من العلماء، وانتزع الوزير منه مدرسة جدّه وسلمها إلى ابن الجوزي. فلما ولى الوزارة ابن القصاب - وكان رافضيًا خبيثًا - سعى في القبض على ابن يونس وتتبع أصحابه، فقال الركن: أين أنت عن ابن الجوزي، فإنه ناصبي، ومن أولاد أبي بكر، فهو أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه مدرسة جدي، وأحرقت كتبه في مشورته؟ فكتب ابن القصاب إلى الخليفة الناصر - وكان الناصر له ميل إلى الشيعة - وكان يقصد إيذاء ابن الجوزي فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السلام، فجاء إلى دار الشيخ وشتمه وأهانه وختم على داره وشتت عياله، ثم أخذه في سفينة إلى واسط فحبس بها في بيت وبقي يغسل ثوبه ويطبخ، ودام على ذلك خمس سنين وما دخل فيها حمامًا1. فالمحنة بشتى أنواعها والصبر عليها والاستمرار على الوقوف في وجه الباطل والظلم والطاغوت من دأب العلماء العاملين والمجاهدين المخلصين. وقد رسم لنا العلامة ابن الجوزي من خلال حياته سلسة متصلة من الكفاح والجهل الطويل والربط بين العلم والعمل ربطًا وثيقًا. وقد عقد فصلاً مستقلاً في كتابه صيد الخاطر تحت عنوان: (العلماء العاملون) فمدح فيه من يستحق المدح من أقرانه، وذمّ من يستحق ذلك ثم قال: "فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر.   1 الذيل لابن رجب 1/ 425 - 426, وتذكرة الحفاظ, رقم الترجمة: (1098). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة فقدم مفلسًا مع قوّة الحجة عليه"1. ما أخذ عليه: رغم وصوله إلى قمة العلم والمعرفة فقد أخذ العلماء عليه مآخذ هامة: أوّلاً- كان يميل إلى التأويل في بعض كلامه. يقول ابن رجب في الذيل: "اشتد إنكار العلماء عليه في ذلك، وكان مضطربًا في قضية التأويل رغم سعة اطلاعه على الأحاديث في هذا الباب فلم يكن خبيرًا بحل شبه المتكلمين، ويقول: كان أبو الفرج تابعًا لشيخه أبي الوفاء ابن عقيل في ذلك، وكان ابن عقيل بارعًا في علم الكلام ولكنه قليل الخبرة في الأحاديث والآثار لذا نراه مضطربًا في هذا الباب"2. نعم، قد نجد ما يثبت ميله إلى التأويل من ثنايا كتبه حيث ألّف كتابًا مستقلاً يناقش هذا الموضوع باسم (دفع شبه التشبيه) وهو   1 صيد الخاطر ص: 143 - 144. 2 الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 414, أما ابن عقيل فليس هو شيخه المباشر إنما كان يتبعه بوساطة مؤلفاته, وكانت ولادة ابن الجوزي قبل وفاة ابن عقيل بسنة, وسوف تأتي ترجمته عند أول ذكر له في الكتاب إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مطبوع أورد فيه بعض آيات قرآنية، وستين حديثًا ورد فيها الكلام عن ذات الله وصفاته صلى الله عليه وسلم، كالوجه، واليد، والنفس، والساق، والاستواء، فيؤوّلها بما يحتمل التأويل بخلاف ما ذهب إليه السلف من إمرارها كما وردت بدون تأويل ولا تشبيه، ولا تعطيل1. ونجد أيضًا في صيد الخاطر، ينقد نهج السلف فيقول: " … ولا أقوامًا قصرت علومهم فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعليل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا"2. وقد قام بالردّ على ما كتبه ابن الجوزي مائلاً إلى التأويل عالم معاصر له، وهو الشيخ إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي3 حيث كتب   1 طبع هذا الكتاب بمصر, ولم يؤرخ, بتحقيق محمد زاهد الكوثري وهو في (96) صفحة. 2 انظر: كتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة ص: 14, للشيخ عدي بن مسافرالأموي الشامي المتوفى سنة: 557هـ. 3 صيد الخاطر ص: 83 - 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 رسالة يردّ فيها على ابن الجوزي ردًّا عنيفًا طالبًا فيها العودة إلى الحقّ وإلى العقيدة السلفية وعلى ما كان عليه إمامه أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، حيث يقول فيها: "وإذا تأولت الصفات على اللغة وسوغته لنفسك وأبيت النصيحة، فليس هو مذهب الإمام الكبير أحمد بن حنبل قدس روحه، فلا يمكنك الانتساب بهذا، فاختر لنفسك مذهبًا حتى قال: فلقد استراح من خاف مقام ربّه وأحجم عن الخوض فيما لا يعلم، لئلا يندم. فانتبه قبل الممات، وحسن القول العمل، فقد قرب الأجل لله الأمر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم". ثانيًا - كثرة أغلاطه في تصانيفه، وعذره في هذا واضح وهو أنه كان مكثرًا من التصانيف، فيصنف الكتاب ولا يعتبره، بل يشتعل بغيره وربما كتب في الوقت الواحد تصانيف عديدة ولولا ذلك لم تجتمع له هذه المصنفات الكثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 سيجد القارئ مثالاً لذلك من ثنايا هذا الكتاب، حيث يذكر المؤلف في المقدمة أنه سيناقش وقائع النسخ ببيان صحة الصحيح وفساد الفاسد، ثم يأتي إلى قضايا النسخ فيوردها ببيان الخطأ أو الصواب تارة - وهو كثير - وتركه أخرى. وأمثال ذلك كثيرة، سأبيّنه في الخاتمة إن شاء الله. ثالثًا - ما يوجد في كلامه من الثناء على نفسه والترفع والتعاظم، وكثرة الدعاوى، ولا ريب أنه كان عنده من ذلك طرف، والله يسامحه) كقوله في صيد الخاطر: " … ونظرت إلى علوّ همتي فرأيتها عجبًا" ويقول في موضع آخر: "خلقت لي همة عالية تطلب الغايات" وأمثال ذلك كثيرة. ولعل ما قدم للأمة من القدوة الصالحة والخدمة الخالصة التي لا مثيل لها، تغطي مساوئه، وترفع درجاته. لأن الحسنات يذهبن السيئات. والله واسع المغفرة والكرم وهو عليم بذات الصدور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وفاته: بعد أن عاش رحمه الله داعيًا مرشدًا كاتبًا بارعًا زاهدًا مخلصًا، قرابة تسعين عامًا، انتقل إلى جوار ربّه ببغداد. وكانت وفاته ليلة الجمعة (12 رمضان 597هـ) بين العشائين، فغسل وقت السحر، واجتمع أهل بغداد وحملت جنازته على رؤوس الناس، وكان الجمع كثيرًا جدًّا، وما وصل إلى حفرته إلا وقت صلاة الجمعة، والمؤذن يقول: "الله أكبر"، ودفن بباب حرب، بالقرب من مدفن الإمام أحمد بن حنبل وكان ينشد حال احتضاره يخاطب ربّه: يا كثير العفو عمن ... كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو ... الصفح عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء ... الضيف إحسان إليه فرحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته ونفعنا بعلومه آمين1   1 انظر ترجمة ابن الجوزي في: المصادر الآتية: البداية والنهاية 13/ 28؛ وفيلت الأعيان 2/ 321؛ والذيل لابن رجب 1/ 399 - 432؛ وتذكرة الحفاظ رقم الترجمة (1097)؛ الكامل لابن الأثير 12/ 171؛ ومفتاح السعادة1/ 207؛ المختصر المحتاج إليه 2/ 205 - 208؛ والتكملة لوفيات النقلة 2/ 291 - 293؛ والعبر في خبر من عبر 4/ 297 - 298؛ ودول الإسلام 2/ 106؛ والعسجد المسبوك 2/ 268؛ وغاية النهاية 1/ 375؛ وعقود الجوهر ص: 39 - 45؛ والمجددون في الإسلام ص: 232 - 240؛ ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 125؛ والبعثة المصرية ص: 20؛ ومرة الزمان 8/ 481؛ والأعلام 4/ 89 - 90؛ ومعجم المؤلفين 5/ 157 - 158؛ ومرآة الجنان 3/ 489 - 492؛ والمشيخة للنعال (140)؛ وابن الوردي 2/ 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 شيوخه: وقد ألّف في مشيخته كتابًا خاصًا، ذكر فيه حوالي تسعة وثمانين شيخًا ونرى فيه حسن اختياره للمشايخ حيث تتلمذ على طائفة من خيرة أعلام عصره، ويذكر اهتمامه في اختيار أبرع وأفهم المشايخ في بداية كتابه المذكور، حيث قال: "حملني شيخنا ابن ناصر إلى الأشياخ في الصغر وأسمعني العوالي، وأثبت سماعاتي كلّها بخطّه، وأخذ لي إجازات منهم، فلما فهمت الطلب كنت ألازم من الشيوخ أعلمهم وأوثر من أرباب النقل أفهمهم، فكانت همتي تجويد المدد لا تكثير العدد". فمن مشايخه:   1 - أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الباقي بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت، وتنتهي نسبته إلى كعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلفوا. يقول المؤلِّف: قرأ عليه، وكان ثقة فهمًا حجّة متفننًا في علوم كثيرة، منفردًا في علم الفرائض، وقع في أيدي الروم أسيرًا فأجبروه على أن ينطق كلمة الكفر فلم يفعل. توفي رحمه الله سنة: (535هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 2 - أبو بكر محمّد بن الحسن بن عليّ بن إبراهيم المعروف بالمزرعي، قال ابن الجوزي إنه سمع منه وكان ثقة ثبتًا، عالمًا، حسن العقيدة، وسمع الحديث الكثير من ابن المهتدي، والصيريفيني وغيرهما. توفي رحمه الله سنة: (527هـ). 3 - أبو الحسن عليّ بن عبد الواحد الدينوري، يقول المؤلِّف: إنه سمع منه الفقه والحديث، والجدل، والخلاف، والأصول، وهو من أقدم شيوخه وكان يسكن باب البصرة من غربي بغداد. وتوفي في جمادى الآخرة سنة: (521هـ). 4 - أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال ابن الجوزي: إنه سمع منه بقراءة شيخه الأوّل أبي الفضل بن ناصر عليه، وكان عبد الملك صالحًا صدوقًا، سمع جماعة كثيرة وخرج إلى مكة فجاورها. وتوفي في ذي الحجّة بعد رحيل الحجّ بثلاثة أيام سنة: (548هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 5 - أبو سعد أحمد بن محمّد بن الحسن بن عليّ البغدادي، يقول ابن الجوزي: إنه سمع منه بقراءة أبي الفضل بن ناصر عليه، وكان خيراً ثقة وأملى بمكة والمدينة وكان على طريقة السلف صحيح العقيدة حلو الشمائل مطرح التكلف. ولد بأصبهان ونشأ بها وتوفي بنهاوند سنة: (540هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 تلاميذه: كما اختار ابن الجوزي ثلة من خيرة أساطين علماء عصره، كذلك اختاره هو شيخًا، وأخذ العلم والحكمة على يده نخبة من الأفذاذ فورثوا بعده مقتدين بخطواته في التأليف والنصح والإخلاص، فمنهم: 1 - الحافظ عبد الغني عبد الواحد بن عليّ بن سرور. ولد في أرض نابلس سنة: (541هـ) سمع الحديث والعلوم من دمشق والموصل وهمدان، والإسكندرية، وكان حافظًا تقيًا ورعًا، وسمع من ابن الجوزي ببغداد، وألّف كتبًا عديدة، قال يوسف بن خليل: كان ثقة ثبتًا ديّنًا مأمونًا حسن التصنيف دائم الصيام. توفي بمصر سنة: (600هـ). 2 - يوسف بن فرغلي بن عبد الله، أبو المظفر الواعظ، سبط الإمام ابن الجوزي، روى عن جدّه ببغداد، وسمع أبا الفرج بن كليب وغيره، وسمع بالموصل ودمشق، وحدّث بها وبمصر وأعطى القبول، وصنف الكتب العديدة منها: كتاب مرآة الزمان في التأريخ، وشرح الجامع الكبير، واللوامع في أحاديث المختصر، وغيرها. أخذ العلم من ابن الجوزي في بغداد. وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي عشر من ذي الحجّة سنة: (654هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 3 - أحمد بن عبد الدائم بن نعمة الكاتب المحدّث. ولد سنة: (575هـ) في نابلس، ودخل بغداد، وسمع بها ابن الجوزي وغيره، وسمع بدمشق وحران، وكان حسن الخلق والخلق، ديّنًا متواضعًا، وحدّث بالكثير بضعًا وخمسين سنة، وكتب ما لا يوصف كثرة من الكتب الكبار، متأثرًا بشيخه ابن الجوزي حتى صار هو شيخًا للأئمة الكبار، والحفاظ والمحدّثين، والفقهاء كالشيخ محي الدين النووي، وشيخ شمس الدين بن عمر، وشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والشيخ تقي الدين بن تيمية، وأمثالهم، رحمهم الله جميعًا. توفي أحمد بن عبد الدائم سنة: (668هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 مؤلَّفاته: لقد فارقنا جسمًا وروحًا ولكن ذكراه وثمرات جهده الجبار المرسومة على صفحات التاريخ لم تزل ولا تزال تحيي حياة طيبة، كما قال الشاعر: الجاهلون فماتوا قبل موتهم ... والعاملون وإن ماتوا فأحياء وقد أورد المؤرخون من بعده بكل غرابة وإعجاب مؤلّفاته الضخمة في كتبهم فيقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في (أجوبته المصرية): "كان الشيخ أبو الفرج مفتيًا كثير التصنيف والتأليف وله مصنفات في أمور كثيرة، حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنف، ورأيت بعد ذلك ما لم أره". ويقول الحافظ الذهبي: "ما علمت أن أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل". ويصفه صاحب البداية والنهاية بأنه: "أحد أفراد العلماء برز في علوم كثيرة وانفرد بها عن غيره، ومجموع المصنفات الكبار والصغار نحوًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 من ثلاثمائة مصنف وكتب بيده نحوًا من مائتي مجلد. وله في العلوم كلّها اليد الطولى، والمشاركات في جميع أنواعها؛ من التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنجوم والطب والفقه. وغير ذلك من اللغة والنحو، وله من المصنفات في ذلك كلّه ما يضيق هذا المكان عن تعدادها، وحصر أفرادها، منها: كتابه في التفسير المشهور بـ (زاد المسير) وله تفسير أبسط منه - أي أوسع - لكنه ليس بمشهور. وله جامع المسانيد استوعب غالب مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وجامع الترمذي، وله كتاب (المنتظم في تاريخ الأمم من العرب والعجم) في عشرين مجلدًا، (ويقول ابن كثير) ولم يزل يؤرخ أخبار العالم حتى صار هو تاريخًا: ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدًا ... حتى رأيتك في التاريخ مكتوبًا وقد أورد ابن رجب عن القطيعي في تأريخه، ثبت التصانيف التي كتبها ابن الجوزي بخطّه فذكر فيه حوالي 199 كتابًا. ولا يتسع هذا المقام لذكر أسماء تلكم الكتب مفصلة، إنما أختار ما ألّفه في علم التفسير، وأكتفي في الباقي بالإحالة إلى كتاب الأستاذ عبد الحميد العلوجي العراقي الذي صدر قريبًا باسم (مؤلَّفات ابن الجوزي) وقد جمع فيه أسماء مؤلَّفات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ابن الجوزي في شتى الفنون، ورتبها على حروف المعجم مع ذكر ما طبع منها وأماكن وجود المخطوطة منها، وقد وصل عدد تلك الكتب عنده بأساميها المختلفة حوالي (376) كتابًا ما بين مطبوع ومخطوط. الكتب التي ألَّفها ابن الجوزي في علم التفسير: 1 - الأريب في تفسير الغريب، سيأتي ذكره في مقدمة المؤلِّف إن شاء الله. 2 - أسباب النزول، ذكره في كشف الظنون، وهدية العارفين. 3 - الإشارة إلى القراءة المختارة، ذكره ابن رجب. 4 - تذكرة المنتبه في عيون المشتبه، ذكره ابن رجب وحاجي خليفة. وقال إنه في القراءات. وقد أورد فيه المؤلِّف متشابه القرآن. 5 - تفسير الفاتحة. قال العلوجي: ذكر بروكلمان أنه يوجد منه نسخة في مكتبة داماد زادة، قاضي عسكر محمّد مراد بإستامبول تحت رقم: (63). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 6 - التلخيص. قال العلوجي: "ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان مرتين. وقال: إنه في مجلد واحد. وأنه في علم التفسير". 7 - تيسير البيان في تفسير القرآن. وسيأتي ذكره في مقدمة المؤلّف باسم تيسير التبيان في علم القرآن. 8 - الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ. قال العلوجي: "يوجد قطعة منه ضمن مجموعة في الأمبروزيانا تحت رقم: (304د) ". 9 - زاد المسير في علم التفسير. سيأتي ذكره في مقدمة المؤلّف. 10 - غريب الغريب. ذكره ابن رجب، وفي هدية العارفين غريب العزيز. 11 - فنون الأفنان في علوم القرآن. ذكره ابن رجب بعنوان فنون الأفنان في عيون علوم القرآن. يوجد له نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد. تحت رقم: (2412) ونسخة أخرى في الخزانة التيمورية بدار الكتب المصرية تحت رقم: (222). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 12 - كتاب السبعة في قراءات السبع. قال العلوجي: ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان. وقال: إنه أجزاء. 13 - كتاب في عجائب علوم القرآن. ذكر بروكلمان أن له نسخة مخطوطة في مكتبة غوطلبر، تحت رقم: (544). 14 - المجتبى في علوم القرآن. قال بروكلمان: "يوجد منه نسخة مخطوطة في دار الكتب الخديوية تحت رقم: 7/ 530، ودار الكتب المصرية تحت رقم: 5/ 325". 15 - المجتبى من المجتبي. وهو مختصر للمجتبى يوجد منه نسخ مخطوطة في دار الكتب المصرية مصوّرة من إستانبول تحت رقم: 5/ 325، و6، 188. 16 - مختصر فنون الأفنان في علوم القرآن. ذكر بروكلمان أن له نسخة في دار الكتب الخديوية تحت رقم: 7/ 530، ودار الكتب المصرية تحت رقم: 1/ 61، ونسخة أخرى في مكتبة (الغازي خروبك بسراجيفوا) في يوغوسلافيا ضمن مجموعة تحت رقم: (300). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 17 - مختصر قرة العيون النواظر في الوجوه والنظائر. يوجد له نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم: 2/ 36، (في مجموعة الجامع الأحمدي بطنطا) ونسخة أخرى (في مجموعة مكتبة طلعة) تحت رقم: 471 تفسير. 28 - المغني في تفسير القرآن. سيأتي ذكره في مقدمة المؤلّف. 19 - المنعش. ذكره حاجي خليفة وإسماعيل البغدادي. 20 - المنقبة في عيون المنبه. ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان. وقال: إنه أجزاء. 21 - المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ. ذكره ابن رجب ضمن ثبت المؤلّفات في علوم القرآن لابن الجوزي. يوجد له نسختان في مكتبة الأوقاف ببغداد (2397ز، و 2410)، وله نسخة أخرى في الخزانة التيمورية التابعة لدار الكتب المصرية، تحت عنوان مختصر عمدة الراسخ. وقد صوّرت منه نسخة لنفسي وتأكدت بالمقارنة بأنه كتاب المصفى، الموجود بمكتبة الأوقاف ببغداد. وهو يقع في الخزانة التيمورية تحت رقم: (148) تفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 22 - نواسخ القرآن، أو الناسخ والمنسوخ بالقرآن. وهو الكتاب الذي نحن بصدده. سيأتي ذكره مفصلاً عند ذكر وصف النسخ إن شاء الله. 23 - نزهة العيون النواظر في الوجوه والنظائر. ذكره ابن رجب وقال: إنه مجلد واحد. وذكره بروكلمان. وقال: يوجد منه نسخة في المكتبة العمومية بإستانبول تحت رقم: 498/ 9. 24 - ورد الأغصان في فنون الأفنان. وهو جزء. 25 - الوجوه النواضر في الوجوه والنظائر. ذكره ابن رجب. وقال إنه مجلد ومختصر لكتاب نزهة العيون النواظر المذكور سابقاً. وجعله ضمن ثبت مؤلّفات ابن الجوزي في علوم القرآن. وذكره حاجي خليفة. وقال: فيه وجوه الآيات المفسرة في مجلس الوعظ ونظائرها وفيه غنى عن كلّ كتاب صنف في ذلك. فهذه هي بعض مؤلّفاته وثمرات جهده الجبار. وتلك هي بعض ملامح ذلك الرجل الفذ الذي له ثقله ووزنه في ميزان العلم والعلماء حتى اليوم. وليس من الممكن أن أعطي لذلك البطل حقّه في هذه العجالة بعد أن أعجب به المؤرخون والباحثون، حتى ألّف عن شخصيته مؤلّفات عديدة. وقد ذكر لي الشيخ عبد الرحيم طحان الشامي أنه: يعد رسالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لنيل شهادة الدكتوراة بجامعة الأزهر، في موضوع (ابن الجوزي ومنهجه في التفسير). وهكذا ما زالت بقايا آثاره ومصنفاته ميدانًا خصبًا للباحثين والدارسين يعبق أريجها ويعمّ نفعها على المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 نسبة الكتاب إلى ابن الجوزي: لقد ورد ذكر هذا الكتاب، في معظم كتب التراجم بأسماء مختلفة. فيذكر سبط ابن الجوزي، أبو الظفر الواعظ شمس الدين فرغلي في كتابه مرآة الزمان ضمن ثبت مصنفات جده ابن الجوزي، كتابًا، باسم (ناسخ القرآن ومنسوخه)، وكتابًا آخر باسم: (مختصر ناسخ القرآن ومنسوخه). وأما الذهبي، فيذكره في تأريخ الإسلام بعنوان: (الناسخ والمنسوخ) وبه قال الزركلي أيضًا في الإعلام. وأما ابن رجب فيورد في الذيل عن ابن القطيعي تلميذ ابن الجوزي، في تأريخه. قال: (ناولني ابن الجوزي كتابًا بخطّه … ) فذكر له (199) كتابًا، من ضمنها (عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ) و (كتاب المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ). ومن ناحية أخرى، فقد وجدت في غلاف النسخة المدينة، اسم (نواسخ القرآن)، بينهما وجدت في غلاف النسخة الهندية، اسم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 (الناسخ والمنسوخ) ويذكره بروكلمان وعبد الحميد العلوجي، بهذين الاسمين، وأشار إلى حيث وجدتهما. فالكتاب إذن من حيث نسبته إلى المؤلِّف لا شبهة في ذلك، إنما الشبهة هل للمؤلّف ثلاثة كتب، ومختصران في الموضوع، أم هي أسماء استعملها النساخ لكتاب واحد ومختصره؟ والذي يظهر لي بعدما اطلعت على النسختين المدنية والهندية، وبعدما قارنت بينهما، أنهما كتاب واحد، كما تبين لي أيضًا أن مختصر عمدة الراسخ الذي صورّته من الخزانة التيمورية، وكتاب (المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ) الموجود في مكتبة الأوقاف ببغداد، أيضًا كتاب واحد. علاوة على ذلك، غلب على ظني، بعدما قارنت هذا المختصر مع نواسخ القرآن أن (عمدة الراسخ) هو اسم آخر لكتابنا هذا بدليل أنهما يتفقان مع نواسخ القرآن في التعبير والأسلوب والترتيب والمناقشة، وقد صرح المؤلِّف نفسه في مقدمته أنه مختصر لعمدة الراسخ، كما سبق ويؤكد هذا أيضًا ثبت مؤلّفات المؤلّف الذي كتبه بخطّه السابق ذكره، حيث لم نجد إلاّ عمدة الراسخ، ومختصره، والمصفى بأكف أهل الرسوخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 من علم الناسخ والمنسوخ، فالخلاصة كأنهم اختلفوا في عنوان الكتاب على أربعة أسماء: 1 - عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ. 2 - نواسخ القرآن. 3 - ناسخ القرآن ومنسوخه. 4 - الناسخ والمنسوخ. كما اختلفوا في عنوان مختصره على ثلاثة أسماء: 1 - المصفى بأكف أهل الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ. 2 - مختصر عمدة الراسخ. 3 - مختصر ناسخ القرآن ومنسوخه. أما القطعة الصغيرة الموجودة في مكتبة أنبروزيانا، السالف ذكرها باسم الرسوخ في (علم الناسخ والمنسوخ). فقد جعله العلوجي في علوم القرآن، ولم يتبين لي بعدما إذا كانت هي نفس كتاب (المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ)، أم هي في (علم الحديث) والله أعلم. ومما يؤكد ما قلته أيضًا، أن المؤلّف يعد الكتب التي ألّفها في علم التفسير في مقدمة هذا الكتاب، فلو كان له في النسخ غير هذا لأشار إليه. كما أن المؤلّف يحيل بعض القضايا إلى تفسيره زاد المسير لمن يريد التفصيل الأمر الذي يؤكد أيضًا نسبة هذا الكتاب إليه، حيث ثبتت نسبة زاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 المسير إليه بأسانيد وطرق متعددة. وسوف ترى مناقشات عديدة يذكرها المؤلف بنصّها في هذا الكتاب من زاد المسير. زيادة على هذه الشواهد الظاهرة لقد وجدت العلامة الشوكاني يروي هذا الكتاب بسند متصل إلى ابن الجوزي، في كتابه (إتحاف الأكابر)، فيقول الشيخ المفسر الشهير محمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني: (روى لنا كتاب (الناسخ والمنسوخ) السيد سليمان بن يحيى الأهدل عن السيد أحمد بن محمّد الأهدل عن السيد يحيى بن عمر الأهدل عن السيد العلامة أبي بكر بن عليّ البطاح الأهدل عن الحافظ الديبج عن زين الدين الشرجي عن نفيس الدين العلوي عن أبيه عن أحمد بن أبي الخير الشماخي عن شيخه الشراجي عن محمّد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني عن عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد المعروف بابن الجوزي رحمه الله). فالكتاب إذن معروف لدى العلماء قديمًا وحديثًا، ولكنه لم يكن متداولاً بينهم إلا في الآونة الأخيرة حيث نقل عنه محققو كتاب (زاد المسير)، والدكتور مصطفى زيد في (النسخ في القرآن الكريم)، والدكتور شعبان محمّد في (نظرية النسخ في الشرائع السماوية)، وغيرهم من المعاصرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 توجد هنا صورة من الورقة (2) من ((م)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وصف النسخ المخطوطة: يوجد لدينا من كتاب (نواسخ القرآن) نسختان مخطوطتان فقط فيما وصل إليه العلم: النسخة الأولى: في مكتبة (مدينة) الملحقة بمكتبة طبقبوسراي بتركيا، تحت عنوان: (نواسخ القرآن) برقم: (182/ 1)، قياس: 14 x 19، في 136 ورقة. في كلّ صفحة خمسة عشر سطرًا. يوجد على غلافها، أنها مكتوبة في القرن التاسع الهجري بقلم معتاد. وقد تبيّن لي بعد تكبير الفيلم، وبعد مقارنتها مع النسخة الثانية، سقوط ورقة من مقدمة الكتاب وورقة أخرى من وسط الكتاب، ووجود بياض في أربع صفحات. كما ظهر لي تكرار الصفحة الأولى بخط مختلف عن الخط الذي يستمر به الكتاب إلى النهاية، وسوف أشير إلى ذلك كلّه في الهوامش إن شاء الله. والجدير بالذكر، أنه يوجد في الورقة الأولى منها ختم للمكتبة المحمودية بالمدينة المنوّرة الأمر الذي يوحي بأنها أصلاً من المدينة المنورّة، ويؤكد هذا ما وجدته في مجلة (المجمع العلمي العربي) الصادرة بدمشق سنة: (1928م) في جزئها الثامن ص: 758، أن كتاب (نواسخ القرآن لابن الجوزي) يوجد في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورّة ضمن نوادر مخطوطاتها. وينقل ذلك أيضًا صاحب كتاب مؤلّفات ابن الجوزي عن بروكلمان (199) عند ذكر هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وقد قمت بتصوير هذه النسخة من معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بمصر خلال رحلتي العلمية عام: 1398هـ، وتجد هذه النسخة مكبرة اليوم في مكتبة قسم الدارسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 توجد هنا صورة من الورقة (1) من ((ك)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 النسخة الثانية: وأما النسخة الثانية للكتاب فقد وجدناها في مكتبة خدابخش ببنكبور، الواقعة في ولاية يتنا، شمال شرق الهند وذلك تحت عنوان (الناسخ والمنسوخ) وتقع برقم: 18/ 1481، عدد أوراقها حسب ما كتب في فهرس المكتبة المذكورة (145) ثم بدا لي بعد تكبيرها وبعد المقارنة بينها وبين النسخة الأولى وجود نقص كبير في وسط الكتاب، حيث لم أجد في الميكروفيلم إلا (91) ورقة فقط وإنما كان هذا النقص من النساخ، لا من المصورين، بدليل أن بداية النقص كانت في وسط الصفحة حيث توجد العبارات التي لا صلة بينها متلاصقة في سطر واحد. وسوف أشير إلى أماكن النقص في الهوامش إن شاء الله. وذكر في فهرس مكتبة خدابخش أن هذه النسخة مكتوبة في القرن الثاني عشر من الهجرة تقريباً وقياسها 4 x 6.05 سم و 5 x 8.05 سم في كل صفحة 19 سطراً وكتابتها جيدة، ولكن الفيلم كان رديئاً جداً لذا تجد معظم أوراقها إما مسودة أو ساقطة العبارات أو ممسوحة غير واضحة. وتجد هذه النسخة مكبرة اليوم في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة. وقد قامت الجامعة بتصويرها، من نسختها الأصلية بالهند عام 1397. ويقول عبد الحميد العلوجي نقلاً عن بروكلمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 (199) أن هناك نسخة أخرى لهذا الكتاب في خزانة المرحوم مصطفى بن محمود العمري بالموصل ببغداد، ولكن مع الأسف بعد جهد طويل وبحث شاق في جميع المكتبات ببغداد، بل وبعد الوصول إلى عقر دار الوارثين لمكتبة مصطفى محمود العمري، لم أتمكن من الحصول عليها كما لم أتمكن من التأكد من وجودها أو عدمها، من إجاباتهم المترددة. وقد أغناني الله بفضله بالنسختين الموجودتين، حيث كانت تغطي كل منهما نقص الأخرى ومساوئها غالباً. وأما مختصر عمدة الراسخ الذي تكرر ذكره سابقاً، فهو يقع في حجم صغير تبلغ أوراقه (14) فقط، وقد سقطت من الفيلم الورقة الرابعة وفي كل ورقة (33) سطراً ما عدا الورقة الأخيرة ففيها (19) سطراً. وكان من حسن الحظ الحصول على هذا الكتاب القيم الذي يغلب على ظني أنه مختصر لكتابنا هذا. يقول المؤلف في مقدمته: "أما بعد: حمداً لله ذي العز الرفيع الشامخ، والصلاة على رسوله محمد ذي القدر المنيع الباذغ، فهذا حاصل التحقيق في علم المنسوخ والناسخ، وقد بالغت في اختصار لفظه لأحثّ الراغبين على حفظه، فالتفت أيها الطالب لهذا العلم إليه وأعرض عن جنسه تعويلاً عليه، فإن أنكرت زيادة بسط واخترت الاستظهار بقوة احتجاج أو ملت إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 إسناد فعليك بالكتاب الذي اختصر هذا منه وهو كتاب عمدة الراسخ". وقد استعنت بهذا الكتاب المختصر كثيراً في تصحيح الكلمات وتقويم العبارات وتحديد موقف المؤلف من دعوى النسخ في كل آية وردت فيه فلله الحمد. الأصل في التحقيق ورمز النسختين: وقد تبيّن لنا مما ذكر في أوصاف النسختين: أن أقدم وأوضح وأكمل النسختين الموجودتين لدينا هي النسخة الأولى المكتوب عليها (نواسخ القرآن) كما تبيّن لنا أيضاً أنها أصلاً وابتداء كانت في المدينة المنورّة، فبناء على هذا وذاك جعلتها أصلاً وأساساً في التحقيق، كما اخترت ما عليها عنواناً للكتاب، لما فيه من التصريح بكلمة القرآن فيؤمن من الالتباس بين الناسخ والمنسوخ في الحديث، والناسخ والمنسوخ في القرآن. وكذلك جعلت رمز هذه النسخة (م) مشيرًا إلى أنها مدنية، ورمز النسخة الثانية (هـ) مشيرًا إلى أنها هندية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 منهج المؤلِّف وأسلوبه: ابن الجوزي رحمه الله يسلك في هذا الكتاب مسلكًا جديدًا لمعالجة قضايا النسخ. وهو وإن كان موافقًا لأسلافه في عرض الآيات حسب ترتيب القرآن كابن حزم وابن سلامة، إلا أنّه يمتاز عنهم كثيرًا في سوق الآراء وعزوها إليهم حيث لا يكتفي بذكر القيل والقال ولا بعزو الأقوال، إنما ينقل كلّ ما أثر عن السلف بسند متصل منه إليهم، حتى كاد أن يكون كتابه موسوعة لكلّ كتاب صنف قبله في موضوعه. فيروي عن معظم المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعن شيوخ المذاهب الفقهية، وأئمتها وعن كبار المحدّثين، والمفسرين بالمأثور. فقد وصل هذا الكتاب إلى درجة أنه يمكن الاستغناء به عن كثير مما صنف في موضوعه. وقد بدأ المؤلِّف بمقدمة رائعة يقرر فيها أن العلم عبارة عن التحقيق والتدقيق بالاجتهاد والاستنباط من الأدلة الصحيحة الثابتة، وليس مجرد نقول بتقليد السابقين تقليدًا أعمى، ولا عزو الآراء إلى كلّ من قال وروى. وبعد ذلك يهاجم المؤلِّفين في علم النسخ الذين لم يعنوا في معالجة قضايا النسخ بالأدلة الصحيحة الثابتة، فملؤوا كتبهم بالآراء الفاسدة. ثم يصف ما جاء بالكتاب بأنه إنقاذ لكلام الله من أباطيل هؤلاء الجهلة ويأتي بعده بفصل كبيان لمنهجه في الكتاب، فيقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 "وقد قدمت أبوابًا قبل الشروع في بيان الآيات وهي كالقواعد والأصول للكتاب" فذكر ثمانية أبواب، وفي الباب الأوّل خمسة فصول، وفي الباب الخامس فصلان. ويذكر ضمن منهجه أنه أعرض عن ذكر الآيات التي ادُّعِيَ عليها النسخ بدون أي دليل عقلي أو نقلي، فذكر لذلك أمثلة من الآيات، لكن التزامه بعدم إيراد أمثال هذه الآية ليس على إطلاقه، بدليل أنه يقول في نهاية بيان منهجه "فقد ذكرت مما يقاربه طرفاً لأنبه بمذكوره عن مغفله" ولو أردت أن أمثل لذلك لطال الكلام أكثر من اللازم، والأمثلة كثيرة سيجدها القارئ مبثوثة في ثنايا الكتاب، إن شاء الله. وقد عقد المؤلِّف فصلاً ثالثاً قبل أن يشرع في الأبواب الثمانية يعيد فيه سبب تأليفه للكتاب، فيقول: "ولما رأيت المصنفين في هذا العلم قد تباينوا فمنهم من أطال بما لا حاجة لمثل هذا التصنيف إليه، ومنهم من قلد القائلين ولم يحكم على الاختلاف ببيان الصواب، ومنهم من نقص بحذف ما يحتاج إليه، أنبئك بهذا الكتاب متوسطاً"، ويختم المقدمة بالباب الثامن، يورد فيه السُّوَرِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ مبدياً فيه موقفه الشديد ضد كل من يدعي النسخ في آية محكمة بدون بصيرة وعلم وبدون استناد إلى أدلة ثابتة حيث يقول: "زعم بعض المفسرين ... " فعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 تلك السورة المزعومة عليها النسخ، ويقول: "إن بيان التَّحْقِيقَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ يُظْهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ تَخْرِيفٌ مِنَ الذين حصروه، والله الموفق". بعد هذه المقدمة المفيدة يستعرض ابن الجوزي حوالي مائتين وسبع وأربعين واقعة من الوقائع التي ادعى فيها النسخ، في اثنتين وستين سورة، ويعقد لكل سورة باباً مستقلاً، ما عدا سورة الكهف وعبس والتكوير فلم يبوب لها، لكون دعوى النسخ في سورة الكهف في غاية الضعف، ولكون مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سورتي عبس والتكوير مُشابهاً لما في سورة الدهر السابقة. أما قضايا النسخ في هذا الكتاب، فهي وإن كانت كثيرة -لم يصح عند ابن الجوزي منها إلا ما يعد بالأصابع وبقية الوقائع إما أن يردها بالحجج ويثبت الإحكام - وهي كثيرة - وإما أن يقف موقف المحايد مكتفياً بما أورده من أقوال وأدلة تشهد لكل قول. ونحصر ذلك كله في الخاتمة التي تلي الكتاب إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 شدته في الرد على خصمه: نرى المؤلف ابن الجوزي رحمه الله، قويًّا شديداً في الرد على خصمه حين يخطئ ويذكر من المنسوخ ما ليس منه، فيقول: مثلاً - في سورة مريم عند ذكر آية {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (39) "زَعَمَ بَعْضُ الْمُغَفَّلِينَ مِنْ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الإِنْذَارَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السيف"، ثم يأتي في النهاية ويقول: "وَهَذَا تَلاعُبٌ مِنْ هَؤُلاءِ بِالْقُرْآنِ" ويقول في الآية التالية: "زعم ذلك الجاهل" ثم يقنعهم بالأدلة لعدم صلاحية أمثال هذه الآية للنسخ ويقول: "فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ وُجُودَ قَوْمٍ جُهَّالٍ يَتَلاعَبُونَ بِالْكَلامِ فِي الْقُرْآنِ ويدعون نسخ ما ليس بمنسوخ كل ذلك سوء فهم، نعوذ بالله منه". وأمثال ذلك كثير جداً في الوقائع التي لا يقول بنسخها. ما التزمه المؤلِّف في مقدمة الكتاب: وقد التزم في مقدمة الكتاب بأنه يرتب كلّ آية حسب ترتيب القرآن، كما التزم أيضاً تصحيح وقائع النسخ إن كانت صحيحة، وتبين الباطل إن كانت باطلة واختصار الأسانيد خوفاً من الملل. ولكن هل أخذ نفسه بما التزمه في كتابه كلّه؟ أم التزمه حيناً وانحرف عنه حيناً آخر؟ سوف يظهر لنا ذلك في نتائج البحث وتقويم الكتاب في نهاية البحث إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ما استخدم من الرموز: نجد ابن الجوزي في النسختين يختصر في الكتابة على: ثنا، وهو قليل، وأبنا، وبنا، وهما كثيران. وبنى، لم أجده إلا في مكان واحد. فالأول - رمز لحدثنا مقبول متبع لدى المحدثين قديمًا وحديثًا. والثاني - رمز لأخبرنا، بحذف الخاء والراء، وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين، قال عنه ابن الصلاح: "وليس هذا بحسن". وقال السخاوي عن كلام ابن الصلاح: "وكأنه فيما يظهر للخوف من أشباهها بأنبأنا، وإن لم يصطلحوا على اختصار أنبأنا كما نشاهده من كثيرين". وأما الثالث والرابع - بتقديم الباء ثم النون فلم أقف على أحد من المحدثين المتقدمين رمزوا بذلك ولو جعلناها اختصاراً لأنبأنا، أو نبأنا، أو أنبأني أو نبأني فهو شاذ غير متبع لدى أهل الحديث. ويمكن القول أن هذه الرموز لم يستخدمها ابن الجوزي، إنما كان ذلك من النساخ بدليل أننا نجد الناسخين يختلفان في استخدامها أثناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الكتابة. فهذا يقول: أبنا، وهذا يقول بنا، ولم أشر إلى ذلك في الهامش لكثرتها، وإنما التزمت فيها ما يكتبه الناسخ للمدنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 عملي في التحقيق: 1 - قارنت بين نسختي الكتاب مشيراً إلى ما في كلّ نسخة من الزيادات أو النقص ولم أكتف في إخراج النص كاملاً غير ناقص، بالنسختين فحسب، إنما بذلت أقصى جهدي في كلّ قضية بل في كلّ سطر وكلمة في المراجعة في كتابي المؤلِّف: (زاد المسير) و (مختصر عمدة الراسخ المخطوط)، لما فيهما من توافق في العبارات والكلمات غالبًا مع كتابنا هذا. فالأوّل مصنف قبل هذا الكتاب كما أشار إليه المؤلِّف في مقدمة هذا الكتاب، والثاني مصنف بعده، كما هو ظاهر. فإذا لم تغط النقص كتبه رجعت إلى مصادر أخرى من كتب التفسير أو الحديث أو النسخ أو الأصول، وفي مقدمتها: تفسير الإمام الجليل ابن جرير الطبري رحمه الله، لما فيه من كثرة الطرق في الآثار الواردة في موضوع النسخ. 2 - قد وجدت في (م) عبارات عديدة كان قد تركها الناسخ سهوًا ثم تذكر وأضافها في الهامش مشيرًا إلى أماكن سقوطها، فكتبتها في متن الكتاب بعد تأكد مكان السقوط بالمقارنة أو السياق، وذلك بدون أدنى إشارة في الهامش. 3 - عزوت الآيات القرآنية الواردة في الكتاب. 4 - إذا وجدت المؤلِّف يكتب بقراءة غير مشهورة بينت قارئها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 5 - رقمت كلّ سورة حسب ترتيب المؤلِّف لكي يسهل على الباحث الوصول إليها. 6 - رقمت الأبواب الواردة في المقدمة. 7 - خرجت الأحاديث الواردة في الكتاب من الكتب المعتمدة في السنة مع ذكر ما يراه العلماء من الصحة والضعف متى أمكن، مشيرًا إلى الكتاب والجزء والصفحة. فإذا كان الحديث مخرجًا في الصحيحين وعند غيرهما اكتفيت بذكر الجزء والصفحات فيهما فقط. 8 - خرجت الآثار الواردة في الكتاب عن الصحابة أو التابعين أو المفسرين، من كتب السنة متى أمكن، أو من كتب التفسير المعتبرة كتفسير جامع البيان، وتفسير أبي حاتم، وتفسير ابن كثير، وتفسير الدر المنثور، وغيرها، أو من كتب النسخ المعتمدة المتقدمة ككتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، وكتاب الإيضاح لمكي بن أبي طالب، وكتاب الناسخ والمنسوخ لعبد القاهر البغدادي وغيرها. 9 - التزمت في معظم الآيات تحديد رأي المؤلِّف عن النسخ بالمقارنة بين كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ، إذا وجدت ذلك مع بيان موقف علماء النسخ والتفسير في القضية نسخًا وإحكامًا. 10 - حررت عزو أقوال العلماء من المصادر الموثوقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 11 - ترجمت كلّ صحابي وصحابية، وكلّ من برز في علم التفسير، وكلّ من يقدم المؤلِّف له رأيًا في الكتاب وقت تقديمه، سواء في علم التفسير أو غيره، كما قمت بترجمة كلّ شيخ مباشر للمؤلِّف عند ورود أسمائهم مشيرًا إلى مصادر ترجمتهم كتابًا وجزءًا وصفحة أو رقم الترجمة إذا رقمت. 12 - قومت العبارات المخالفة لقواعد النحو بطريقة صحيحة متمشية معها. 13 - شرحت المفردات الغريبة من كتب اللغة. 14 - صححت الأخطاء الإملائية التي وجدتها في النسختين: حيث كان يكتب الناسخ المدني مثلاً: خطأ ... صواب - ... - ادعى ... ادعاء استثنى ... استثناء طايفة ... طائفة، وأمثال ذلك كثير وكان يكتب الناسخ الهندي مثلاً: بينها ولاء ... يبن هؤلاء سما ... سماء جز ... جزاء، وأمثال ذلك كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 15 - الرموز والمصطلحات المستعملة في التحقيق: سبق أن أشرنا إلى أن (م) إشارة إلى النسخة المدنية و (هـ) إشارة إلى النسخة الهندية، وهناك أقواس واصطلاحات أخرى استخدمتها خلال التحقيق، وهي كالتالي: أ- (): للقرآن الكريم والأحاديث النّبويّة. ب-[]: للسقوط في إحدى النسختين إما لوجود سواد أو بياض أولم أجد للعبارة الساقطة فراغاً أصلاً. ج = =: اخترت هذين الخطين المزدوجين إذا أضفت عبارة - كانت ساقطة من النساخ- حسبما أجد من المصادر الموثوقة الأخرى سواء للمؤلِّف أو لغيره، أو أضفتها من عندي نظراً لما يتطلبه المعنى الصحيح، أو أضفت التسليم على الأنبياء، أو الترضية على الصحابة حين لم أجدهما في كلتا النسختين. د- (): لعدم الوضوح في إحدى النسختين أوكليهما، أو لتكرار العبارة. هـ- اقتصرت عند عدم الالتباس في ذكر أسماء الكتب كالتالي: في ناسخه: لكلّ من ألف في النسخ وتكرر ذكر كتابه وأمن اللبس. الإيضاح: للإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكيّ بن أبي طالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 المنتظم: للمنتظم في تأريخ الملوك والأمم لابن الجوزي. الفتح: فتح الباري شرح البخاري للحافظ ابن حجر. التهذيب: لتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر. التقريب: لتقريب التهذيب للحافظ ابن حجر. الذيل: للذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب. الإتقان: للإتقان في علوم القرآن للسيوطي. 16 - ختمت الكتاب بخاتمة وجيزة تتضمن ما يلي: (أ) نتائج البحث وثماره. (ب) وقائع النسخ عند ابن الجوزي. (ج) تقويم الكتاب. 17 - وضعت فهارس علمية تساعد الباحث على الاستفادة من الكتاب، وهي تشمل: أ- فهرس الآيات القرآنية: روعي فيه أن يكون جامعاً لجميع الآيات المدعى عليها النسخ الواردة في الكتاب، موافقًا لترتيبها في المصحف مع وضع رقم الصفحة أمام كل آية. ب- فهرس الموضوعات الواردة في مقدمة التحقيق وفي مقدمة المؤلف. ج- فهرس الأعلام المترجمة في الهامش وفي مقدمة التحقيق: روعي فيه أن يكون مرتباً حسب الحروف الهجائية مع وضع رقم الصفحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أمام كل اسم. د- قائمة المراجع: روعي فيها ذكر جميع المصادر والمراجع التي استفدت خلال بحثي ونقلت منها، مطبوعاً ومخطوطاً، على ترتيب حروف الهجاء، مع الإشارة إلى أماكن طبعها، وتاريخ الطبع إذا وجد، أو الإشارة إلى أماكن وجودها إذا كانت مخطوطة. وبهذا، نأتي إلى كتاب إمامنا الجليل، نتمتع بعلومه وننتفع بجهوده حيث أفرغ جهده كله طيلة حياته ذوداً عن الدين وحماية لكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مكر الطغاة وجهل الجاهلين. وسوف نذكر إن شاء الله في نهاية الكتاب نتائج التحقيق وثمرة جهدي المتواضع لكي يستغني القارئ والباحث عن كثير من الكتب في الموضوع بهذا الكتاب القيم والتراث الثمين، والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به نفسي وأناساً أخلصوا قلوبهم لله، فما أصبت في عملي فمن الله وحده، وما أخطأت فأسأل الله العفو والمغفرة، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 تحقيق كتاب نواسخ القرآن مقدّمة المؤلِّف بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا1 الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام وحبر الأمة قدوة الأئمة سيد العلماء، جمال الدين أبوالفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي2 قدس الله روحه، ونور ضريحه. قال: الحمد لله على التوفيق، والشكر لله على التحقيق، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة سالك من الدليل أوضح طريق، ومنزه له عما لا يجوز ولا يليق. وصلى الله على أشرف فصيح، وأطرف3 منطيق، محمّد أرفق نبي بأمته وألطف شفيق4، وعلى أصحابه، وأزواجه وأتباعه إلى يوم الجمع والتفريق، وسلم تسليمًا كثيراً. أما بعد:   1 روى هذا الكتاب عن مؤلفه ابن الجوزي رحمه الله، الشيخ محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني، ذكر ذلك العلامة محمّد بن علي الشوكاني في كتابه إتحاف الأكابر ص: 113، بسنده المتصل إليه. راجع المقدمة عند ذكر نسبة الكتاب إلى ابن الجوزي. 2 في (هـ): ابن جوزي، بدون أل. ولعله سقط من الناسخ. 3 أطرف: أي: جاء بطرفة، أي: الحديث الجديد المستحسن. انظر: المصباح المنير 2/ 18. 4 في (هـ): سعي، ولعله تصحيف عما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فإن نفع العلم بدرايته لا بوراثته1 وبمعرفة أغواره2 لا بروايته3 وأصل الفساد الداخل على عموم العلماء تقليد سابقيهم، وتسليم الأمر إلى معظميهم، من غير بحث عما صنفوه ولا طلب للدليل عما ألفوه. وإني رأيت كثيراً من المتقدمين على كتاب الله عزوجل بآرائهم الفاسدة، وقد دسوا في تصانيفهم للتفسير أحاديث باطلة وتبعهم على ذلك مقلدوهم، فشاع ذلك وانتشر، فرأيت العناية بتهذيب علم التفسير عن الأغاليط من اللازم. وقد ألفت كتاباً كبيراً سميته بـ: (المغني في التفسير) 4 يكفي عن جنسه، وألفت كتاباً متوسط الحجم مقنعاً في ذلك العلم سميته (زاد   1 في (هـ): لا بدراشته بالدال والشين المعجمة، وهوتصحيف. 2 الأغوار، جمع غور بالفتح، من كل شيء قعره، يقال: عارف بالأمور وغار في الأمر، إذا دقق النظر فيه. انظر: المصباح المنير 2/ 115. 3 في (هـ): لا بزاويته، وهو تصحيف. 4 ذكره ابن رجب في الذيل1/ 416، بعنوان: (كتاب المغني في التفسير) وقال: إنه (81) جزءاً، وذكره كحالة في معجم المؤلفين5/ 157 بعنوان: (المغني في علم القرآن). وعده العلوجي في مؤلفات ابن الجوزي 219) من الآثار الضائعة أو التي يحتمل ضياعها، وقال: ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام بعنوان: (المغني في علم القرآن). وأمّا ما ذكره العلوجي كتاباً آخر باسم (المعين في علم التفسير) وأنه يقع 81) جزءاً معزياً ذلك إلى سبط ابن الجوزي، فيغلب ظني أنه الكتاب الذي ذكره المؤلّف هنا. ولعله تحريف من المغني بدليل أن سبط ابن الجوزي لم يذكر كتاباً آخر باسم المغني مع أنه في مقدمة كتب التفسير لجدّه، وبدليل أنالم نجد في ثبت مؤلفات ابن الجوزي الذي كتبه هو بخطه، والذي رواه عنه تلميذه القطيعي، كتاباً بهذا الاسم، إنما وجدنا اسم هذا الكتاب الذي ذكره المؤلِّف هنا، وهو (المغني في التفسير) انظر: الذيل لابن رجب1/ 416. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 المسير) 1 وجمعت كتاباً دونه سميته بـ: (تيسير التبيان في علم القرآن) 2 واخترت فيه الأصوب من الأقوال ليصلح للحفظ، واختصرته بتذكرة الأريب في تفسير الغريب3، وأرجو أن تغني هذه المجموعات عن كتب التفسير مع كونها مهذبة عن خللها سليمة من زللها.   1 وهو كتاب محقّق ومطبوع على تسعة أجزاء، بدمشق سنة: 1384هـ/1964م بالمكتب الإسلامي للطباعة والنشر. 2 ذكره ابن رجب في الذيل1/ 416،وذكره العلوجي في مؤلفات ابن الجوزي 213، ضمن الآثار الضائعة لابن الجوزي، وقال: ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان. 3 ذكره حاجي خليفة بعنوان: (تذكرة الأديب في التفسير)، وذكر ابن رجب بعنوان (تذكرة الأريب في تفسير الغريب)، ويوجد في بولندا نسخة مخطوطة باسم (تفسير غريب القرآن) لابن الجوزي، وفي الجامعة الإسلامية نسختان مصورتان إحداهما من الكلية (الباقيات الصالحات) بجنوب الهند، بعنوان: (الأديب في تفسير الغريب)، والثانية مصورة من الكلية (دار العلوم ندوة العلماء) بشمال الهند، بعنوان: (تذكرة الأديب) وهو الآن تحت التحقيق يحقّقه الشيخ عبد القادر منصور السوري. انظر: مؤلفات ابن الجوزي (68). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فصل1: [ثم إني رأيت الذين وقع منهم التفسير صحيحاً قد صدر عنهم ما هو أفظع فآلمني] 2 وهو الكلام في الناسخ والمنسوخ، فإنهم أقدموا) 3 على هذا العلم فتكلموا فيه، وصنفوه، وقالوا بنسخ [ما ليس] بمنسوخ، ومعلوم أن نسخ الشيء، رفع حكمه وإطلاق القول [برفع حكم آية] لم يرفع جرأة عظيمة. ومن نظر في كتاب الناسخ والمنسوخ للسدي4 رأى من (التخلط) العجائب، ومن قرأ في كتاب هبة الله المفسر5 رأى العظائم.   1 من هنا تبدأ النسخة المدنية، وفي بدايتها (بسم الله الرحمن الرحيم: قال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد بن الجوزي رحمه الله، جمع كتاباً لطيفاً في علم القرآن). 2 العبارة التي بين معقوفين، فيها سقط وقلق في النسختين، فقد جاء في (م): "ثم إني رأيت الذين [] قد تصدر ما هو أقطع فما [] عنهم وهو الكلام ... " وجاء في (هـ): "ثم إن رأيت الذين وقع في التفسير صححي منهم قد صدر ما هو أقطع مما لمسي عنهم فهو الكلام" ولعل ما أثبت أقرب إلى الصواب. 3 في (م): أقلاد. 4 أما السدي؛ فهو: إسماعيل بن عبد الرحمن المتوفى سنة: (281هـ) صاحب التفسير والمغازي، والسير، وهو ثقة عند مسلم وأصحاب السنن الأربعة، بدليل أنهم أخرجوا له، وكذلك ابن حبان فقد ذكره من الثقات، وقال حسين بن واقد: "سمعت السدي فأقمت حتى سمعته يتناول أبا بكر وعمر فلم أعد إليه". وحكي عن أحمد: "أنه ليحسن الحديث إلا أن هذا التفسير الذي يأتي به قد جعل له اسناداً واستكلفه". وقال الطبري: "إنه لا يحتج بحديثه". وأما كتاب السدي المذكور، فلم أعثر عليه بعد. انظر: التهذيب1/ 313؛ والجرح والتعديل2/ 184 - 185. 5 هو: هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي أبو القاسم الضرير، مفسر من أهل بغداد وكان له حلقة في جامع المنصور، وله مؤلفات عديدة منها: الناسخ والمنسوخ في القرآن الذي أشار إليه المؤلّف. وطيع بمصر سنة: 1387هـ. توفي رحمه الله سنة: (410هـ). انظر: تأريخ بغداد14/ 170؛ وشذرات الذهب3/ 192، والأعلام 9/ 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وقد تداوله1 الناس لاختصاره، ولم (يفهموا) دقائق أسراره فرأيت كشف هذه الغمة عن الأمة ببيان إيضاح الصحيح، وهتك ستر2 القبيح، متعيناً على من أنعم الله عليه بالرسوخ في العلم وأطلعه على أسرار النقل، واستلب زمامه من أيدي التقليد فسلمه إلى يد3 الدليل فلا يهوله قول معظم، فكيف بكلام جاهل مبرسم4.   1 في (هـ): تداولوه. 2 في (هـ): سر، بدل ستر، وهو تصحيف. 3 في (هـ): أيدي. 4 يقال: برسم الرجل وهو مبرسم، البرسم داء معروف يعرض للحجاب الذي بين الكبد والقلب. انظر: المصباح المنير1/ 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فصل: و [قد] قدمت أبواباً قبل الشروع في بيان الآيات هي كالقواعد والأصول للكتاب ثم أتيت بالآيات المدعى عليها النسخ [على ترتيب القرآن إلا أني أعرضت عن ذكر آيات أدعي عليها النسخ] [من] حكاية لا تحصل إلا تضييع الزمان أفحش تضييع كقول السدي: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} 1 نسخها {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} 2 وقوله: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} 3 نسخها {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} 4وقوله: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} 5. [نسخها {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}] 6 وقوله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} 7 نسخها {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ] مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا [} 8 وقوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} 9 نسخها {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} 10 في نظائر   1 الآية الثانية من سورة النساء. 2 الآية الخامسة من سورة النساء. 3 الآية (38) من سورة النساء. 4 الآية (53) من سورة التوبة. 5 الآية (106) من سورة المائدة. 6 الآية (106) من سورة المائدة. وما بين معقوفتين ساطقة من (هـ). 7 الآية (63) من سورة الأنعام. 8 الآية (11) من سورة محمّد. وما بين معقوفتين ساقطة من (هـ). 9 الآية (45) من سورة العنكبوت. 10 الآية (152) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 كثيرة لهذه الآيات"1. لا أدري أي الأخلاط الغالبة حملته على هذا التخليط. فلما كان مثل هذا ظاهر الفساد، وريت2 (عنه غيرةً) 3 على الزمان أن يضيع، وإن كنت قد ذكرت مما يقاربه طرفاً، لأنبه. بمذكوره على (مغفله) 4.   1 في النسختين هنا قلق في العبارة. وقد جاء في (م): (في نظائره كثير الآيات). وفي (هـ): (في نظائر كثيرة لهذه الآيات). والفقرة الأخيرة في (هـ) مكررة أيضاً. ولعل ما أثبت أقرب إلى المعنى المطلوب. 2 ورّى الشيء تورية عن كذا، أي: أراده وأظهر غيره. انظر: أقرب المورد 2/ 1447. 3 في (م): عبر، وفي (هـ): عند غيره. كلاهما تصحيف ولعل الصواب ما سجلت. 4 في (هـ): معقله، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فصل: ولما رأيت المصنفين في هذا العلم، قد تباينوا، فمنهم من أطال بما لا حاجة بمثل هذا التصنيف إليه، ومنهمِ من قلد [القائلين] ولم يحكم على الاختلاف ببيان [الصواب، منهم] من نقص بحذف ما يحتاج إليه أتيتك بهذا الكتاب متوسطاً، وحذفت كثيراً من الأسانيد الطرق خوف الملل والله ولي التوفيق1.   1 من هنا يوجد في (م) صفحتان مكررتان بخطين مختلفين. فبالخط الثاني يستمر الكتاب إلى النهاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الباب الأول: بَابُ [بَيَانِ] جَوَازِ النَّسْخِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَدَاءِ 1 اتَّفَقَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الأُمَمِ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ عَقْلا وَشَرْعًا وَانْقَسَمَ الْيَهُودُ فِي ذَلِكَ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ: فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: قَالُوا: لا يَجُوزُ عَقْلا وَلا شَرْعًا، وَزَعَمُوا أَنَّ النسخ هو عين البداء2.   1 قال الفيومي في المصباح المنير1/ 46: "وبدا له في الأمر، أي: ظهر له ما لم يظهر أوّلاً والاسم البداء". وقد جاء في القرآن كلمة البداء على معنين: أوّلاً: الظهور بعد الخفاء كقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} سورة الزمر (48). ثانياً: نشأة رأي جديد لم يكن، كقوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} يوسف (35) والله سبحانه وتعالى منزه عن أن يتصف بالبداء بكلا المعنين. 2 وهم الشمعونية؛ نسبة إلى شمعون بن يعقوب. انظر: النسخ في القرآن الكريم1/ 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَالْقِسْمُ الثَّانِي: 1 قَالُوا: يَجُوزُ عَقْلا وَإِنَّمَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ زعموا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، (قَالَ) 2 إِنَّ شَرِيعَتَهُ لا تُنْسَخُ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّ3 ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ قَالَ: لا يَجُوزُ النَّسْخُ إِلا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ (أَنَّهُ) 4 يَجُوزُ نَسْخُ عِبَادَةٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا بِمَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَى سَبِيلِ الْعُقُوبَةِ لا غَيْرَ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: 5 قَالُوا: يَجُوزُ شَرْعًا لا عَقْلا، وَاخْتَلَفَ هَؤُلاءِ فِي عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لم يكونا نبيين لأنهما   1 أما أصحاب القسم الثاني: فقد اشتهروا باسم العنانية، نسبة إلى عنان بن داود وهو رأس الجالوت تخالف فرقته سائر اليهود في السبت والأعياد، وينهون عن أكل الطير والظباء، والسمك، ويذبحون الحيوان على القفا، ويصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإرشاداته، ويقولون إنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها ودعا الناس إليها، وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة والمستجيبين لموسى عليه السلام غير أنه لا يعترف بنبوته، ولا برسالته. انظر: الملل والنحل للشهرستاني2/ 54. 2 في (هـ): أخبر، بدل (قال). 3 في (هـ): وأن من ذلك. 4 في (هـ): وهو الله، ولعله تحريف عما أثبت. 5 أما أصحاب القسم الثالث: هم العيسوية نسبة إلى أبي عيسى، إسحق بن يعقوب الأصفهاني، وقيل اسمه عويفيل الوهيم أي عابد لله وهو يدعي بأن عيسى نبي وأفضل ولد آدم وأعلى من منزلة الأنبياء الماضين، وخالفوا اليهود في كثير من أحكام الشريعة. انظر: الملل والنحل2/ 55 - 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 (لَمْ يَأْتِيَا بِمُعْجِزَةٍ، وَإِنَّمَا أَتَيَا بِمَا) 1 هُوَ مِنْ جِنْسِ (الشَّعْوَذَةِ) 2. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَا نَبِيَّيْنِ صَادِقَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا لَمْ يُبْعَثَا بِنَسْخِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَلا بُعِثَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا بُعِثَا إلى العرب والأميين3.   1 هكذا في النسختين، ونحن نرى أن المذهب الثالث الذي حكاه ابن الجوزي لا يستقيم مع ما قاله العلماء السابقون عليه كأبي الحسين صاحب كتاب المعتمد إذ إنهم حكوا المذهب الثالث بجوازه عقلاً وشرعاً فلعل ابن الجوزي قد وقع في كتابه خطأ فبدل اللام الواو، ويمكن أن يعزا ذلك إلى النساخ، وإلا لكان ابن الجرزي نبه على ذلك بقوله مثلاً "وما نقل عن هذه الفرقة غير صحيح إذ إنه يجوز شرعاً لا عقلاً وحيث لم يذكر ذلك دلّ على أنه مع الأصوليين، فثبت ما قلناه من أن ذلك خطأ من النساخ". انظر: كتاب المعتمد1/ 401. 2 في (هـ): شعبذة. والشعوذة مثل الشعبذة وزناً ومعناً، لعب يرى الإنسان منه ما ليس له حقيقة كالسحر. انظر: المصباح المنير 1/ 337. 3 تجد آراء الفرق اليهودية الثلاثة في النسخ، في معظم كتب الأصول. انظر مثلاً: الأحكام في أصول الأحكام للآمدي3/ 103؛ وشرح الأسنوي2/ 146؛ وكشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام 3/ 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فَصْلٌ: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ عَقْلا، فَهُوَ أَنَّ التَّكْلِيفَ (لا يَخْلُو) أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ الْمُكَلِّفِ أَوْ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِ، فَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ، فَلا [يُمْتَنَعُ أَنْ يُرِيدَ] تَكْلِيفَ الْعِبَادِ عِبَادَةً فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ يَرْفَعَهَا وَيَأْمُرَ بِغَيْرِهَا. وَإِنْ كَانَ [الثَّانِي] فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ لِلْعِبَادِ فِي فِعْلِ عِبَادَةِ زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ [وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ جَازَ] فِي الْعَقْلِ تَكْلِيفُ عِبَادَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ كَصَوْمِ يَوْمٍ، وَهَذَا تَكْلِيفٌ انْقَضَى بِانْقِضَاءِ زَمَانٍ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْقِلُ مِنَ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى وَمِنَ الصِّحَّةِ إِلَى السُّقْمِ [ثُمَّ] قَدْ رَتَّبَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصَالِحِ [وله] الحكم1.   1 تجد نحو هذا الدليل والتوجيهات على جواز النسخ عقلاً، في كشف الأسرار3/ 161 - 162؛ نقلاً عن الأصوليين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فَصْلٌ: وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ شرعاً، أنه قد ثَبَتَ أَنَّ مِنْ دِينِ آدَمَ [عَلَيْهِ السَّلامُ] وَطَائِفَةٍ مِنْ أَوْلادِهِ، جَوَازُ نِكَاحِ الأَخَوَاتِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ1 وَالْعَمَلِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى2 وكذلك   1 وقد جاء في سفر التكوين في الأصحاح الرابع: (أن آدم أمر بتزويج بناته من بنيه، تنزيلاً لاختلاف البطون منزلة اختلاف الأنساب، لتكثير الأفراد الذين يعمرون الأرض ويسكنونها في بدء الخليقة لضرورة عمارة الدنيا وكثرة النسل) وقد جاء في الآية (17) من الباب عشرين من سفر الأحبار "أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه، ورأى عورتها ورأت عورته، فهذا عار شديد، فيقتلان أمام شعبهما وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما" هذا كان في شريعة موسى. 2 وأما العمل يوم السبت فقد كان محرماً في شريعة موسى، ونسخ التحريم في شريعة يحيى وشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد جاء في سفر الخروج؛ الإصحاح (16): "أن الله حرم على اليهود العمل الدنيوي، ومنه الاصطياد يوم السبت في كل أسبوع". ووقع في باب (31) من سفر الخروج هكذا (13): "كلم بني إسرائيل وقل لهم أن يحفظوا يوم السبت من أجل أنه علاقة بيني وبينكم في أجيالكم، لتعلموا أني أنا الرب أطهركم". (14) فاحفظوا يومي يوم السبت فإنه طهر لكم، ومن لا يحفظه فليقتل قتلاً فيه فتهلك تلك النفس من شعبها. انظر في ذلك كله: الكتاب المقدس المطبوعة بالمطبعة الأميركانية ببيروت 1969م؛ وكتاب فتح المنان ص: 158 - 160. قلت: ذكر الأمثلة من كتب اليهود للاحتجاج عليهم من باب الإلزام فقط لأن ما فيها بعد التحريف والتبديل لا يصلح لإثبات حقّ إلا ما ورد منه في القرآن أو ثبت في السنة المطهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 (الشُّحُومُ) 1 كَانَتْ مُبَاحَةً ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي دِينِ مُوسَى، فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ فَقَدْ خَالَفُوا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى. فَصْلٌ: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لا يَجُوزُ النَّسْخُ إِلا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ2 فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ إِذَا أَجَازَ النَّسْخَ فِي الْجُمْلَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلرِّفْقِ بِالْمُكَلَّفِ، كَمَا جَازَ لِلتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ. فَصْلٌ: وَأَمَّا (دَعْوَى مَنِ ادَّعَى) 3 أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَخْبَرَ أَنَّ شَرِيعَتَهُ لا تُنْسَخُ فَمُحَالٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ الرَّاوُنْدِيِّ4 عَلَمَّهُمْ أَنْ يَقُولُوا: أَنَّ مُوسَى قَالَ: لا نَبِيَّ بَعْدِي. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ قَوْلُهُمْ لَمَا ظَهَرَتِ الْمُعْجِزَاتُ عَلَى يَدِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، لِأَنَّ اللَّهَ تعالى [لا يصدق] بالمعجزة   1 في (هـ) سحوم، وهو تصحيف. وأما حرمتها لليهود فقد قال الله تعالى في سورة الأنعام (146) {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}. 2 القائلون بذلك بعض العنانية، كما تقدم آنفاً. 3 في (هـ): وأما دعى من ادعى وهو تحريف عما سجلت. 4 في (م) و (هـ): ابن الريوندي، وهو تحريف عما أثبت، وهو أبن الراوندي المشهور بالإلحاد والزندقة اسمه أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الراوندي ابن الراوندي البغدادي، من علماء الفلاسفة. له من الكتب المؤلفة مائة وأربعة عشر كتاباً. توفي سنة (298هـ) انظر: وفيات الأعيان 1/ 78؛ والبداية والنهاية11/ 112؛ وشذرات الذهب2/ 235 .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 مَنْ كَذَّبَ مُوسَى فَإِنْ أَنْكَرُوا مُعْجِزَةَ عِيسَى لَزِمَهُمْ ذَلِكَ فِي مُعْجِزَةِ مُوسَى، فَإِنِ اعْتَرَفُوا بِبَعْضِ مُعْجِزَاتِهِ، لَزِمَهُمْ تَكْذِيبُ مَنْ نَقَلَ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ (لِأَنَّهُ قَالَ: لا نَبِيَّ بَعْدِي [وَمِمَّا] يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِمْ فِيمَا ادَّعَوْا أَنَّ الْيَهُودَ مَا كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَكَانَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ عَمَلا بِمَا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى1 [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَهَلا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَوِ احْتَجُّوا لَشَاعَ نَقْلُ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ ابْتُدِعَ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَصْلٌ: وَأَمَّا قَوْلُ من قال: [إن عيسى و] محمداً = عَلَيْهِمَا السَّلامُ = كَانَا نَبِيَّيْنِ لَكِنَّهُمَا لَمْ يُبْعَثَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَتَغْفِيلٌ مِنْ قَائِلِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ فَقَدْ أَقَرَّ بِصِدْقِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ لا يَكْذِبُ، وَقَدْ كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يُخَاطِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً" 2 وَيُكَاتِبُ مُلُوكَ الأعاجم3.   1 رواه مسلم في كتاب الحدود في باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا. انظر: صحيح مسلم بشرحه للنووي2/ 54. 2 رواه البخاري في باب التيمم، بلفظ: " بعثت إلى الناس عامة". انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري1/ 455. 3 جاء ذلك في الحديث السادس من صحيح البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فَصْلٌ: فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّسْخِ والبداء، فذلك من وجهين: أحدهما: أَنَّ النَّسْخَ (تَغْيِيرُ) 1 عِبَادَةٍ أَمَرَ بِهَا الْمُكَلِّفُ، وَقَدْ عَلِمَ الْآمِرُ حِينَ الأَمْرِ أَنَّ (لِتَكْلِيفِ) 2 الْمُكَلَّفِ بِهَا غَايَةً يَنْتَهِي الإِيجاب (إِلَيْهَا) 3 ثُمَّ يَرْتَفِعُ بِنَسْخِهَا. وَالْبَدَاءُ (أَنْ ينتقل الأمر عن ما أمر بِهِ) 4 وَأَرَادَهُ دَائِمًا بِأَمْرِ حَادِثٍ لا بِعِلْمٍ سَابِقٍ5. وَالثَّانِي: أَنَّ (سَبَبَ) 6 النَّسْخِ لا يُوجِبُ إِفْسَادَ الْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الْخِطَابِ الأَوَّلِ، وَالْبَدَاءُ يَكُونُ (سَبَبُهُ) 7 دَالًّا عَلَى إِفْسَادِ الْمُوجِبِ، لِصِحَّةِ الأَمْرِ الأَوَّلِ، مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ يَقْصِدُ بِهِ مطلوباً فيتبين أن   1 في (م): تعين، ولعله تحريف عما سجلت عن (هـ). 2 في النسختين: (التكليف) بال، وهو خطأ. 3 غير واضحة من (م). 4 في العبارة قلق في (هـ) وقد جاء فيه: (أن الأمر على ما أمر به)، وفي (م) كما أثبت إلا أن فيه: "على" بدل "عن" صححتها كي يستقيم المعنى. 5 قال بن حزم الظاهري في الفرق بين النسخ والبداء: (وهو أن البداء أن يأمر بالأمر والآمر لا يدري ما يؤول إليه الحال، والنسخ: هو: أن يأمر بالأمر والآمر يدري أنه سيحيله في وقت كذا ولا بد، قد سبق ذلك في علمه وحتمه من قضائه. انظر: الأحكام في أصول الأحكام4/ 446. 6 في (هـ): تسبب، وهو تصحيف. 7 في (هـ): شبه، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الْمَطْلُوبَ لا يَحْصُلُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (فَيَبْدُوَ) 1 لَهُ مَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَكِلا الأَمْرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى قصور في العلم والحق عزوجل منزه عن ذلك.   1 في (هـ): فسدوا، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْبَابُ الثَّانِي: بَابُ [إِثْبَاتِ] 1 أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ [عَلَى] 2 هَذَا إِلا أَنَّهُ قَدْ شَذَّ مَنْ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ3 أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ. وَهَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُقِرُّونَ، لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا نَصَّ الْكِتَابِ، وَإِجْمَاعَ الأُمَّةِ قَالَ الله عزوجل: {مَا نَنْسَخْ [4 مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} 5.   1 ساقطة من"م". 2 ساقطة من"هـ". 3 هو: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي، النحاس النحوي المصري المتوفى سنة: 338هـ كان مفسراً أديباً صاحب مؤلفات عديدة في التفسير والنحو والأدب، وله كتاب في الناسخ والمنسوخ في القرآن الذي يعتبر من أجود ما عثرنا عليه مطبوعاً، كما قدمنا. انظر في ترجمته وفيات الأعيان1/ 82؛ والبداية والنهاية11/ 222؛ والأعلام1/ 199. 4 من هنا صفحتان بيضاوان في النسخة المدنية. 5 الآية 106 من سورة البقرة. روى ابن أبي داود في المصاحف3/ 96، عن سعد بن أبي وقاص أو ننسأها وذكر النحاس في ناسخه قولين عن أبن عباس: "قال: ما ننسخ من آية نرفع حكمها أوننسها، نتركها فلا ننسخها، وقيل، ننساها: نبيح لكم تركها، وعلى قراءة البصريين ننسأها، أحسن ما قيل في معناه: أو نتركها ونؤخرها فلا ننسخها". وقال ابن كثير: "معنى ننسأها: نؤخرها، وفي قراءة ننسها". انظر: الناسخ والمنسوخ 8؛ وتفسير القرآن العظيم1/ 208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ1 قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ، قال: بنا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَشْهَلِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ2 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما3 في قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} 4 قال:   1 المبارك بن علي الصيرفي أبو طالب بن صغير، وهو من مشايخ ابن الجوزي، ذكره في مشيخته ص: 187،وقال إنه قرأ عليه، وكان ثقة صحيح السماع توفي سنة: 564هـ. انظر: شذرات الذهب4/ 206؛ والنجوم الزاهرة 5/ 376. 2 الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم الخراساني مفسر صدوق له كتاب في التفسير أخرج له أصحاب السنن، ولكن الحافظ بن حجر يقول: "إنه كثير الإرسال"، وقال ابن عدي: الضحاك بن مزاحم إنما عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس، وأبي هريرة، وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر، وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول: الضحاك بن مزاحم ثقة مأمون. مات سنة خمس ومائة أو ست ومائة. انظر: التهذيب4/ 453؛ وميزان الاعتدال1/ 471؛ والتاريخ الكبير للإمام البخاري4/ 332 - 333. 3ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المفسرين، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيته وقال: "اللهم علّمه الحكمة وتأويل الكتاب". يقال له الحبر والبحر لكثرة علمه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وعن أبيه وأمه وأخيه الفضل وغيرهم من الصحابة، قال أبو نعيم في آخرين: توفي سنة: 68هـ بالطائف. انظر: التهذيب5/ 278؛ أسد الغابة3/ 193؛ الإصابة2/ 331. 4الآية 39 من سورة الرعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1 قَالَ ابْنُ] أبي [2 داود: وحد] ثنا [3 يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ =4 ابْنِ عَبَّاسٍ= رضي الله عنهما: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ   1أخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس وعن قتادة وابن زيد وابن جريج عند ذكر هذه الآية في جامع البيان13/ 112 - 113. 2 كلمة "أبي" غير موجودة في "هـ" وهي-كما أثبت- مفهوم السياق، حيث عطف قوله على الأثر السابق المذكور من طريق ابن أبي داود، وهو الحافظ العلامة أبو بكر عبد الله بن الحافظ الكبير أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب التصانيف منها: الناسخ والمنسوخ، كان فقيهاً عالماً حافظاً ثبتاً، وقد أكثر ابن الجوزي في هذا الكتاب الرواية عنه مات سنة310هـ. انظر: تذكرة الحفاظ1/ 767 - 773؛ وتاريخ بغداد9/ 464. 3ساقطة من"هـ". كملتها نظراً للسياق. 4ساقطة من"هـ"، كملتها حسب سند ابن جرير في جامع البيان، وهو علي بن أبي طلحة الهاشمي اسمه مخارق، مولى آل عباس بن عبد المطلب، صدوق قد يخطئ روى عن ابن عباس ولم يسمع منه إنما أخذ عن طريق مجاهد، وسعيد بن جبير وقد أخرج له مسلم حديثاً واحداً في ذكر العزل، وقد أكثر المؤلف الرواية من طريقه عن ابن عباس، وصححه في هذا الكتاب، يقول السيوطي في الإتقان عن رواية علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما"إنها طريقة جيدة: قال أحمد ابن حنبل بمصر صحيفة في التفسير رواها علي ابن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي10/ 12؛ والتهذيب7/ 339 - 341؛ والإتقان2/ 188؛ والتفسير والمفسرون1/ 77 - 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَيُثْبِتُ} 1 وَيَقُولُ: يُبَدِّلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْآنِ] فَيْنَسَخُهُ وَيُثْبِتُ [2 مَا يَشَاءُ فَلا يُبَدِّلُهُ،] وَمَا يُبَدِّلُ [3 وَمَا يُثْبِتُ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي كتاب4. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ5 عَنْ عِكْرِمَةَ6 فِي قوله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ   1الآية 39 من سورة الرعد. 2ساقطة من"هـ"كملتها حسب لفظ الطبري في الأثر الآتي. 3ساقطة من"هـ"كملتها كما في رواية الطبري الآتية. 4 أخرج ابن جرير عن المثنى، قال: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني معاوية، عن علي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ قال: من القرآن: يقول يبدل الله ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وعنده أم الكتاب، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وما يبدل، وما يثبت كل ذلك في كتاب. انظر: جامع البيان 13/ 113. وأورده السيوطي في الدر المنثور4/ 67 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في المدخل، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما. 5قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز أبو الخطاب السدوس الحافظ العلامة المفسر الضرير الأكمه، بصري من رأس الطبقة الرابعة ومن أوّل من ألف في الناسخ والمنسوخ في القرآن كما تقدم في مقدمة التحقيق. قال أحمد بن حنبل: قتادة أعلم بالتفسير وأحفظ الناس. قال الحافظ بن حجر عنه: ثقة ثبت. توفي سنة 117، أو 118، في مدينة واسطة. انظر: التهذيب8/ 351 - 356؛ والتقريب ص: 381؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله ص: 106؛ وصفوة الصفوة3/ 259. 6عكرمة مولى عبد الله بن عباس أبو عبد الله البربري، كان من أعلم تلامذة ابن عباس بالتفسير روى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما، واتفق بحديثه عامة أهل العلم منهم أحمد بن حنبل. وتوفي سنة 107هـ في المدينة المنورّة. انظر: التهذيب7/ 263؛ صفوة الصفوة2/ 103 - 104؛ تذكرة الحفاظ1/ 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَيُثْبِتُ} 1 قَالَ: يَنْسَخُ الْآيَةَ بِالْآيَةِ فَتُرْفَعُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، أَصْلُ الْكِتَابِ2 قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مُوسَى بْنِ عبيدة عن محمّد ابن كعب3 في قوله عزوجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ4 قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا أبي، قالت: بنا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سيرين5 {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} 6 يرفعه، ويثبت   1الآية 39 من سورة الرعد. 2أخرج ابن جرير بسند صحيح عن قتادة بلفظ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} هي مثل قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وقوله: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: جملة الكتاب وأصله. انظر: جامع البيان13/ 112 - 113. 3محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرضي أبو حمزة من حلفاء الأوس سكن الكوفة ثم المدينة، روى عن ابن عباس، وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة، قال عنه عون ابن عبد الله: ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن منه، مات سنة 118هـ بسقوط سقف المسجد عليه وهو يدرس. ثقة عالم من الثالثة، وكان قد نزل الكوفة مدة. انظر: تهذيب التهذيب9/ 422؛ والتأريخ الصغير للبخاري، وفيه مات سنة 108. 4سبق مثله عن ابن عباس. 5محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم أبو بكر بن أبي عمرة البصري روى عن الصحابة وعن كبار التابعين، قال أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين، لم يسمع ابن سيرين من ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو تابعي فاضل عالم ثقة كان كاتب أنس بن مالك بفارس مات سنة 115هـ وهو ابن 75. انظر: التهذيب9/ 214 - 217. 6 الآية 39 من سورة الرعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 مَا يَشَاءُ فَيَدَعُهُ مُقِرًّا لَهُ قال: وحدثنا موسى بن هرون، قال حدثنا الحسين قال: بنا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} 1 قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ النَّاسِخُ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ2 قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ معمر: قال: بنا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي ابن عَفَّانَ 3 عَنْ عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ عن أسباط4 عن السدي {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} 5 مَا يَشَاءُ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَيُثْبِتُ مِنَ النَّاسِخِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا ... {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} 6 قَالَ: ... لَمْ تُنْسَخْ7 وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ8 عَنِ الضحاك، قال: المحكمات الناسخ9.   1 الآية السابعة من آل عمران. 2 أخرج الطبري نحوه عن قتادة في جامع البيان3/ 172. 3 غير واضحة من"هـ"وهو: الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ العامري أبو محمد الكوفي صدوق من الحادية عشرة مات سنة 270هـ. انظر: التهذيب 70 - 71. 4 أما أسباط فهو ابن نصر الهمداني، وقد اختلف الثقاة في الحكم عليه فضعفه أحمد وأبو نعيم والنسائي، والساجي فيما رواه عن السماك بن حرب، وأما البخاري فقد وصفه في التاريخ الأوسط بأنه صدوق، قال الحافظ بن حجر: علق له البخاري حديثاً في الاستسقاء وهو حديث منكر أوضحته في التعليق، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب من الثامنة. انظر: التهذيب1/ 211 - 212؛ والتقريب26 - 27. 5 الآية 39 من سورة الرعد. 6 الآية السابعة من آل عمران. 7 يظهر كأن في هذه الرواية سقط ولو لم يكن في"م"سقط للحقنا الصواب. 8 قي"م": وعن سلمة، ولعل الواو زيادة من النساخ كما يظهر من كتاب سفيان الثوري الآتي ذكره. 9 رواه سفيان في تفسيره: عن سلمة بن نبيط، أوجويبير، عن الضحاك في قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} قال: الناسخ، وأخر متشابهات، قال: المنسوخ. انظر: تفسير سفيان الثوري الآية 7 من سورة آل عمران والصفحة 34. = وقد جاء في تفسير الطبري3/ 172، من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المحكمات الناسخ الذي يدان به ويعمل به، والمتشابهات المنسوخات التي لا يدان بهن وفي تفسير تنوير المقياس- المنسوب إلى ابن عباس- ص: 34 آيات محكمات أي: مبينات بالحلال والحرام، لم تنسخ يعمل بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 أخبرنا إسماعيل] ابن [1 أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ2 قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رضي الله عنه3 قال:   1 ساقطة من"هـ"، والصواب ما أثبت كما يظهر من ترجمته. 2 يبدو أن هنا سقطاً، لأن إسماعيل بن أحمد لم يسمع من إسحاق بن أحمد ولم يدركه، كما أنه لم يرو المؤلّف إلى نهاية الكتاب في هذا السند إلا بواسطة أبي الفضل البقال عن ابن بشران عن إسحاق بن أحمد الكاذي، وليس هذا أيضاً من جملة حذف الأسانيد للاختصار، المشار إليه في مقدمة المؤلّف، لأنه لم يتعود الحذف إلا من بداية السند لا من وسطه. فظهر لنا أن الصواب في السند: أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفضل البقال، قال: أخبرنا ابن بشران، قال: أخبرنا إسحاق ابن أحمد الكاذي. والله أعلم. أما إسماعيل بن أحمد فهو: من مشايخ المؤلّف وممن كثر عنه الرواية في هذا الكتاب يقول ابن الجوزي في مشيخته عنه: هو إسماعيل بن أحمد بن الأشعث السمرقندي، كان ثقة ذا يقظة ومعرفة بالحديث، وحسن إصغاء إلى من يقرأ عليه الحديث، وأملى بجامع المنصور زيادة من ثلاثمائة مجلس. وقرأت عليه الحديث. توفي رحمه الله سنة: 536 هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي ص: 89 - 92؛ والمنتظم10/ 98؛ والشذرات4/ 112. 3 عبد الله بن محمد بن حنبل الشيباني ثقة ثبت مفسر محدث سمع من أبيه المسند، هو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة وعشرون ألفاً، سمع منه ثمانين ألفاً والباقي وجادة، وسمع الناسخ والمنسوخ والتاريخ وجوابات القرآن وغيرهما من أبيه، ولد سنة 213هـ وتوفي سنة 290هـ. انظر: التهذيب5/ 141 - 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ 1 عَنِ الصَّحَابَةِ] 2 قَالَ: الْمُتَشَابِهُ مَا قَدْ نُسِخَ، وَالْمُحْكَمَاتُ مَا لَمْ يُنْسَخْ3. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عَنْهُ: 4 "أُبَيٌّ5 أَعْلَمُنَا بِالْمَنْسُوخِ"6.   1 غير واضحة من "هـ" صححتها عن التهذيب وهو: سلمة بن نبيط بن شريط من مشايخ الوكيع ثقة، يقال: اختلط في آخره. انظر: التهذيب4/ 158. 2 انتهى البياض من "م". 3 أخرج الطبري من طريق السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس رصي الله عنهما وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة المحكمات: الناسخات التي يعمل بهن والمتشابهات المنسوخات. انظر: جامع البيان 3/ 104. وقد ذكر المؤلّف في زاد المسير ص: 350 ثمانية آراء للمحكمات ومنها أن معناها: الناسخ والمنسوخ، وعزاه إلى ابن عباس وابن مسعود والسدي وقتادة. 4 عمر بن الخطاب بن فضيل القرشي العدوي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين وأوّل من لقب بأمير المؤمنين، صاحب الفتوحات، يضرب المثل بشجاعته كان في الجاهلية من أشراف قريش، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين فصلوا بالكعبة جهاراً، استشهد أمير المؤمنين في أواخر ذي الحجة سنة 23هـ بعد أن عاش نحواً من ستين سنة. انظر: تذكرة الحفاظ5/ 1 - 8. 5أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار المدني سيد القراء روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شهد بدراً والعقبة الثانية. قال عمر رضي الله عنه: سيد المسلمين أبي بن كعب. قال الأكثرون: توفي في خلافة عمر رضي الله عنه. انظر: التهذيب1/ 187 - 188؛ وتذكرة الحفاظ1/ 16 - 17. 6رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن عباس عن عمر رضي الله عنه في باب جواز نسخ القرآن والدليل على ذلك. انظر: مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني18/ 57 - 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الْبَابُ الثَّالِثُ: بَابُ بَيَانِ حَقِيقَةِ النَّسْخِ النَّسْخُ فِي اللُّغَةِ عَلَى معنيين: أحدهما: الرَّفْعُ وَالْإِزَالَةُ، يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ إِذَا رَفَعَتْ ظِلَّ الْغَدَاةِ بِطُلُوعِهَا وَخَلَفَهُ ضَوْؤُهَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} 1. وَالثَّانِي: تَصْوِيرٌ مِثْلَ الْمَكْتُوبِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، (يَقُولُونَ) 2 نَسَخْتُ الْكِتَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 3. وَإِذَا أُطْلِقَ النَّسْخُ فِي الشَّرِيعَةِ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الأَوَّلُ، لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحُكْمَ الَّذِي ثَبَتَ تَكْلِيفُهُ لِلْعِبَادِ إِمَّا بِإِسْقَاطِهِ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ أَوْ إِلَى بَدَلٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ4: الْخِطَابُ فِي التَّكْلِيفِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَمَرٌ، وَنَهْيٌ، فَالأَمْرُ اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ، وَالنَّهْيُ اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ، وَاسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ يقع على ثلاثة أضرب:   1 الآية (52) من سورة الحج. 2 في (هـ) يقول، بالإفراد. 3 الآية (29) من سورة الجاثية. 4 علي بن عبيد الله بن نصر السري أبو الحسن المعروف بابن الزاغوني، تتلمذ عليه ابن الجوزي وكان فقيهاً مؤرخاً من أعيان الحنابلة يتفنن في شتى العلوم، من الأصول والفروع والحديث والوعظ وصنف في ذلك كله، قال المؤلف في مشيخته: توفي يوم الأحد سابع عشر محرم سنة سبع وعشرين وخمسمائة، انظر: الذيل لابن رجب 1/ 182؛ والنجوم الزاهرة5/ 250؛ ومشيخة ابن الجوزي ص: 86 - 88؛ ومعجم المؤلفين7/ 144. ولم أعثر على كلامه من كتبه لأنها معدومة اليوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 أحدهما: 1 مَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ2 الْإِلْزَامِ وَالِانْحِتَامِ إِمَّا بِكَوْنِهِ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا وَنَسْخُ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى ثلاثة أوجه: أحدها: 3 أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الْمَنْعِ، مِثْلَ مَا كَانَ4 التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ [بِالْمَنْعِ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ مِثْلَ نَسْخِ] 5 وُجُوبِ الْوُضُوءِ (لِكُلِّ صَلاةٍ إِلَى أَنْ) 6 جُعِلَ مُسْتَحَبًّا. وَالثَّالِثُ: 7 أَنْ يُنْسَخَ [مِنَ] 8 الْوُجُوبِ إِلَى الْإِبَاحَةِ مِثْلَ نَسْخِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ إِلَى الْجَوَازِ فَصَارَ الْوُضُوءُ مِنْهُ جَائِزًا. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: اسْتِدْعَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَهَذَا يَنْتَقِلُ إِلَى ثَلاثَةِ أوجه أيضاً:   1 في (هـ): (حدهما) ولعله خطأ من النساخ. 2 في (هـ): ما سبيل الإلزام و (ما) زياد من الناسخ. 3 في (هـ): أحدهما، وهو خطأ. 4 في (هـ): ما يكون، بصيغة المضارع. 5 ما بين معقوفتين ساقطة من (هـ). 6 غير واضحة من (م). 7 في (هـ): كلمة (والضرب) زيادة بعد والثالث، ولعلها من الناسخ. 8 ساقطة من (هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أحدها: أَنْ يَنْتَقِلَ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ إِلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ مِثْلَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ كَانَ مُسْتَحَبًّا فَإِنْ تَرَكَهُ (وَافْتَدَى) 1 جَازَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِانْحِتَامِهِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ إِلَى التَّحْرِيمِ، مِثْلَ نَسْخِ (اللُّطْفِ) 2 بِالْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِ الْحُسْنَى لَهُمْ فَإِنَّهُ نُسِخَ بِالأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ إِلَى الْإِبَاحَةِ، مِثْلَ3 نَسْخِ اسْتِحْبَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ. وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: 4 الْمُبَاحُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ5 [مَأْمُورٌ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ] غَيْرُ [6 مَأْمُورٍ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهُ النَّسْخُ عَنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّسْخُ إِلَى التَّحْرِيمِ. مِثَالُهُ: أَنَّ الْخَمْرَ مُبَاحَةٌ ثُمَّ حُرِّمَتْ. وَأَمَّا نَسْخُ الْإِبَاحَةِ إِلَى الْكَرَاهَةِ، فَلا يُوجَدُ، لِأَنَّهُ لا تَنَاقُضَ، فَأَمَّا انْتِقَالُ الْمُبَاحِ إِلَى كَوْنِهِ وَاجِبًا فَلَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ (إِيجَابَ) 7 الْمُبَاحِ إِبْقَاءُ تَكْلِيفٍ لا نَسْخٌ.   1 غير واضحة من (م). 2 غير واضحة من (هـ). 3 في (م): مثل ما نسخ، ولعل (ما) زيادة من الناسخ. 4 في (هـ): فصل: والثالث. 5 من هنا صفحتان بيضاوان في المدنية. 6 كلمة (غير) غير موجودة في (هـ) أيضاً، أضفتها، حسب ما يفهم من سياق كتب الأصول. انظر: مثلاً الموافقات في كتاب الأحكام1/ (109). 7 في (هـ): إيجاز، وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْخِطَابِ: وَهُوَ النَّهْيُ فَهُوَ يَقَعُ عَلَى ضربين: أحدهما: عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، فَهَذَا قَدْ يُنْسَخُ بِالْإِبَاحَةِ، مِثْلَ تَحْرِيمِ الأَكْلِ عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ وَالْجِمَاعِ1. وَالثَّانِي: عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ، لَمْ يُذْكَرْ لَهُ مِثَالٌ.   1 كلمة والجماع عطف على الأكل لا على النوم كما هو ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فَصْلٌ: فَأَمَّا (الأَخْبَارُ) 1 فَهِيَ عَلَى ضربين: أحدهما: مَا كَانَ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ} 2، فَهَذَا لاحِقٌ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي جَوَازِ النَّسْخِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْخَبَرُ الْخَالِصُ، فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْكَذِبِ وَذَلِكَ مُحَالٌ. وَقَدْ حَكَى جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ3 وَالسُّدِّيِّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وهذا القول عظيم جداً يؤول إِلَى الْكُفْرِ، لِأَنَّ قَائِلا لَوْ قَالَ: قَامَ فُلانٌ ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُمْ، فَقَالَ: نَسَخْتُهُ لَكَانَ كاذباً4.   1 في (هـ): الاجبار، وهو تصحيف. 2 الآية (79) من سورة الواقعة. 3 ذكر هذا القول ابن خزيمة الفارسي في ناسخه المطبوع مع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 263، عن ابن زيد وجماعة، ثم قال: ولا حجة لهم في ذلك من الرواية. وأما عبد الرحمن، فهو: ابن زيد بن أسلم العدوي مولاهم المدني، قال ابن حبان: كان يقلب الأخبار، وهو لا يعلم حتى كثر ذلك قي روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك. وقال أبو داود. أنا لا أحدث عن عبد الرحمن. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه. قال البخاري: قال لي إبراهيم بن حمزة مات سنة (82 1) هـ. انظر: التهذيب6/ 178. 4 انظر نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 3. يقول ابن جرير الطبري وهو يفسر آية {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} 106 البقرة: "يعني جل ثناؤه بقوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} ما ننسخ من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره وذلك أن يحول الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ، ولا منسوخ" انظر: جامع البيان1/ 378. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ1: الأَخْبَارُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ، لِأَنَّ نَسْخَ الأَخْبَارِ كَذِبٌ وَحُوشِيَ الْقُرْآنُ مِنْ ذَلِكَ.   1 أما ابن عقيل: فهو: علي بن عقيل بن أحمد البغدادي، أبو الوفاء المعروف بابن عقيل عالم العراق شيخ الحنابلة ببغداد في وقته ولد سنة: 431هـ - كما قال المؤلِّف نقلاً عن خطّه - وله عدة تصانيف أعظمها كتاب الفنون وهو أربعمائة جزء. قال الذهبي: ما صنف في الدنيا أكبر من كتاب الفنون. توفي رحمه الله سنة: 513هـ. انظر: معجم المؤلفين7/ 152؛ ولسان الميزان4/ 243؛وشذرات الذهب4/ 35؛ والأعلام5/ 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فَصْلٌ: وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى نَاسِخٌ لِمَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِكَلامِ مَنْ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ، لِأَنَّ] الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ [1 اللَّفْظُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ، وَكَذَلِكَ التَّخْصِيصُ، وَقَدْ يُجَوِّزُهُ بَعْضُ السَّلَفِ فَيَقُولُ "هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. أَيْ: نزلت بنسختها"2.   1 هذه العبارة غير واضحة من (هـ) كملتها من كتاب المؤلّف المخطوط سماه: بمختصر عمدة الراسخ، في الورقة الثالثة منه. 2 هذه العبارة أيضاً غير واضحة من (هـ) صححتها من كتب النسخ الأخرى. انظر: مثلاً الناسخ والمنسوخ للنحاس (112)، وسوف يأتي في أماكن كثيرة، نقل المؤلف هذا القول عن النحاس. قلت: كان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون من بعدهم يرون أن النسخ هو مطلق التغيير الذي يطرأ على بعض الأحكام، فيرفعها ليحل غيرها محلها، أو يخصص ما فيها من عموم، أو يقيد ما فيها من إطلاق. انظر ما قاله الشاطبي: "الذي يظهر من كلام المتقدمين - أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً- كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو مطلق التغيير. أما النسخ في اصطلاح المتأخرين فهو يقتضي أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخراً فالأوّل غير معمول به والثاني معمول به وهذا تغيير خاص" قلت: وهذه النظرية قد سبق إليها إمام المفسرين ابن جرير الطبري حيث يشير في تفسيره إلى كتاب له باسم (البيان عن أصول الأحكام) وأخبر أنه دلل فيه (بما أغنى عن تكريره في هذه الموضع) - (على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما نفى حكماً ثابتاً ألزم العباد فرضه، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك. فأما إذا احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم، أو المجمل والمفسر- في الناسخ والمنسوخ بمعزل ... ولا منسوخ إلا الحكم الذي قد كان ثبت حكمه وفرضه". وأما الإمام ابن حزم الظاهري فيقول: "وقد تشكل قوم في معاني النسخ والتخصيص، والاستثناء فقوم جعلوها كلها نوعاً واحداً، قال أبو محمد وهذا خطأ ... " ثم بيّن الفرق بين الاستثناء والنسخ وقال: "فإن كان هذا لمخالف يريد أن يقول: إن النسخ نوع من أنواع الاستثناء، لأنه استثناء زمان وتخصيصه بالعمل دون سائر الأزمان، لم نأب عليه ذلك، ويكون حينئذٍ صواب القول إن كل نسخ استثناء، وليس كل استثناء نسخاً، وهذا صحيح. انظر في ذلك كله: الموافقات للشاطبي3/ 108؛ وجامع البيان عند ذكر آية (115) {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1/ 402؛ والأحكام في أصول الأحكام لابن حزم 4/ 444. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الْبَابُ الرَّابِعُ: بَابُ شُرُوطِ النَّسْخِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ خمسة: أحدها: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُتَنَاقِضًا. بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى وجهين: أحدهما: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ مُتَنَاوِلا لما تناوله [الثاني [1 بِدَلِيلِ الْعُمُومِ، وَالْآخَرُ مُتَنَاوِلا لِمَا تَنَاوَلَهُ [الأَوَّلُ [2 بِدَلِيلِ الْخُصُوصِ، فَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ لا يُوجِبُ نَسْخَ دَلِيلِ الْعُمُومِ، بَلْ، يُبَيِّنُ أَنَّهُ إِنَّمَا تَنَاوَلَهُ التَّخْصِيصُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ دَلِيلِ الْعُمُومِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ ثَابِتًا فِي حَالٍ (غَيْرَ) 3 الْحَالَةِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا (الْحُكْمُ) 4 الْآخَرُ مِثْلَ تَحْرِيمِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى مطلِّقها فِي حَالٍ، وَهِيَ مَا دَامَتْ خَالِيَةً عَنْ زوج وإصابة   1 العبارة قلق في (هـ) فيها: متناولاً لاماً متناوله بدليل العموم صححتها حسب السياق، ونظراً إلى أن المعنى المطلوب لا يفهم إلا به. 2 كلمة الأوّل غير موجودة في (هـ) أضفتها حسب السياق. 3 في (هـ): عن، وهو تحريف عما أثبت. 4 في (هـ): من الحكم، ولعل من زائدة من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فَإِذَا أَصَابَهَا زَوْجٌ ثانٍ ارْتَفَعَتِ الْحَالَةُ الأُولَى، وَانْقَضَتْ بِارْتِفَاعِهَا مُدَّةُ التَّحْرِيمِ فَشُرِّعَتْ فِي حَالَةٍ أُخْرَى حَصَلَ فِيهَا حُكْمُ الْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ المطلِّق ثَلاثًا، فَلا يَكُونُ هَذَا نَاسِخًا، لِاخْتِلافِ حَالَةِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ ثَابِتًا قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فَذَلِكَ يَقَعُ بِطَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} 1 وَقَوْلُهُ: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} 2 وَمِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا" 3. وَالثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ بِطَرِيقِ التَّارِيخِ، وَهُوَ أَنْ يُنْقَلَ (بِالرِّوَايَةِ) 4 بِأَنْ يَكُونَ [الْحُكْمُ الأَوَّلُ ثُبُوتُهُ [5 مُتَقَدِّمًا عَلَى الْآخَرِ فَمَتَى وَرَدَ الْحُكْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى وَجْهٍ [لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ6 [بِأَحَدِهِمَا إِلا بِتَرْكِ الْآخَرِ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ امْتُنِعَ ادِّعَاءُ النَّسْخِ في أحدهما.   1 الآية 66 من سورة الأنفال. 2 الآية 187 من سورة البقرة. 3 أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن بريدة في باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أوّل الإسلام، وفي رواية أخرى عنه، تبدأ نهيتكم. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي13/ 134 - 135. 4 غير واضحة من (هـ). 5 ساقطة من (هـ) كملتها حسب السياق ولوجود بياض في المخطوطة. 6 ساقطة من (هـ) كملتها نظراً للسياق ولوجود بياض في المخطوطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: (أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ مَشْرُوعًا) 1 أَعْنِي أَنَّهُ ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْعَادَةِ وَالتَّعَارُفِ لَمْ يَكُنْ رَافِعُهُ نَاسِخًا، بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ وَهَذَا شَيْءٌ (ذُكِرَ عِنْدَ) 2 الْمُفَسِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ الطَّلاقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا إِلَى غَايَةٍ فنسخه قوله: (الطلاق [مرتان [3 وَهَذَا لا يَصْدُرُ مِمَّنْ (يَفْقَهُ) 4، لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَفْهَمُ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ (شَرْعٍ) 5 لا نَسْخٌ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ النَّاسِخِ مَشْرُوعًا كَثُبُوتِ الْمَنْسُوخِ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِطَرِيقِ النَّقْلِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْمَنْقُولِ، وَلِهَذَا إِذَا ثَبَتَ حُكْمُ مَنْقُولٍ لَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِإِجْمَاعٍ وَلا بِقِيَاسٍ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ النَّاسِخُ مِثْلَ الطَّرِيقِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْمَنْسُوخُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ] 6 دُونَهُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَضْعَفُ نَاسِخًا للأقوى.   1 غير واضحة من (هـ) أحسبها كما صححت. 2 غير واضحة من (هـ) كملتها نظراً للسياق. 3 الآية 229 من سورة البقرة، مرتان ساقطة من (هـ). 4 غير واضحة من (هـ). 5 في (هـ): ابتداء شرعاً، بالنصب، والذي سجلت أقوم. 6 انتهى البياض في م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْبَابُ الْخَامِسُ: بَابُ ذِكْرِ مَا اخْتُلِفَ [فِيهِ] 1 هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي النَّسْخِ أَمْ لا؟ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، فَأَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، فَالسُّنَّةُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أحدهما: مَا ثَبَتَ بِنَقْلٍ مُتَوَاتِرٍ، كَنَقْلِ الْقُرْآنِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ القرآن هَذَا حَكَى فِيهِ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد2 قال: والمشهور لا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ3 والشافعي4، والرواية الثانية   1 ساقطة من (هـ). 2 وهو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي إمام المذهب الحنبلي أصله من مرو وكان أبوه والي سرخس، ولد ببغداد سنة: 164هـ، وسافر لطلب العلم إلى البلدان النائية العديدة، وصنف المسند الذي يحتوي على ثلاثين ألف حديث، وله مؤلفات قيمة منها الناسخ والمنسوخ، رواه عنه ولده عبد الله. وتوفي رحمه الله سنة: 241هـ. انظر: تهذيب التهذيب1/ 72 - 76؛ وتاريخ بغداد4/ 412؛ ووفيات الأعيان 1/ 87؛ ودائرة المعارف الإسلامية491، 496؛ والبداية والنهاية1/ 32. 3 أما الثوري؛ فهو: سفيان بن سعيد بن مرزوق الثوري، أبو هبة الله الكوفي، إمام شهير ورع، قال الخطيب: كان إماماً من أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين مجمع على إمامته معروف بالحفظ والضبط والمعرفة والزهد، ولد سنة: 97هـ وتوفي سنة: 161هـ بالبصرة. انظر: التهذيب4/ 111 - 115؛ وتذكرة الحفاظ 203 - 204. 4 انظر ما قاله الإمام الشافعي في رسالته 106 - 110، بتحقيق أحمد شاكر. وقد روى ابن حازم عن الشافعي وأحمد رحمهما الله بسند متصل إليهما عدم جواز نسخ القرآن بالسنة، في كتابه: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار 28 - 29. وأمّا الشافعي؛ فهو: الإمام الكبير المجتهد النحرير صاحب المذهب المعروف باسمه محمد ابن إدريس المطلبي الشافعي القرشي المكي أبو عبد الله نزيل مصر ولد سنة: 150 للهجرة، يوم وفاة الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي. قال أحمد: إن الله يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي المائتين الشافعي وهو من أوّل من تكلم في النسخ ضمن مؤلفاته، توفي سنة 204هـ. انظر: التهذيب 9/ 25 - 31، وطبقات الشافعية1/ 175؛ وكتاب الشافعي حياته وعصرهللأستاذ أبي زهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 يَجُوزُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ1، وَمَالِكٍ2 قَالَ: وَوَجْهُ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 3 وَالسُّنَّةُ لَيْسَتْ مِثْلا لِلْقُرْآنِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ   1 أبو حنيفة: هو الإمام الأعظم النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي صاحب المذهب المعروف باسمه فقيه جتهد، ولد سنة 70 هـ في الكوفة ونشأ بها وكان قوي الحجة من أحسن الناس منطقاً، قال الإمام الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة توفي رحمه الله سنة 150 هـ. انظر: التهذيب 10/ 449 - 452؛ وتاريخ بغداد 13/ 323 - 423؛ وفيات الأعيان2/ 163. 2 مالك: هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة أحد أعلام الإسلام، صاحب المذهب المعروف باسمه، كان صلباً في دينه بعيداً عن الأمراء والملوك، وكان ثقة ورعاً مأموناً فقيهاً حجة قال الإمام الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم، ومالك وابن عيينة قرينان ولد سنة 93هـ وتوفي سنة 179 هـ، ودفن بالبقيع. انظر: التهذيب10/ 5؛ وصفوة الصفوة2/ 177 - 180؛ وتذكرة الحفاظ1/ 207. 3 الآية 106 من سورة البقرة. 4 الدارقطني؛ هو: عليّ بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الدارقطني الشافعي الحافظ، إمام عصره في الحديث، ولد بدارقطنى 306هـ من أحياء بغداد فتوفي فيها سنة 385هـ وله عدة تصانيف منها السنن. انظر: تاريخ بغداد12/ 34؛ وطبقات الشافعية؛ وسير أعلام النبلاء الطبقة الحادية والعشرون مخطوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 عَبْدِ اللَّهِ1 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلامي لا ينسخ القرآن، والقرآن ينسخ بعضه بعضاً" 2. ومن جِهَةُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ السُّنَّةَ تَنْقُصُ عَنْ دَرَجَةِ الْقُرْآنِ فَلا تَقْدَمُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 3 وَالنَّسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ بَيَانُ مُدَّةِ الْمَنْسُوخِ، فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُبُولَ هَذَا الْبَيَانِ، قَالَ: وَقَدْ نُسِخَتْ الوصية للوالدين والأقربين4 بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 5 وَنُسِخَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ   1 جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي، صحابي جليل رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعن كبار الصحابة، اختلف في تأريخ وفاته، قيل 78هـ وقيل غير ذلك. انظر: التهذيب 2/ 42 - 43؛ وأسد الغابة1/ 256؛ والإصابة1/ 213. 2رواه الدارقطني في النوادر من سنة5/ 145، بلفظ: كلامي لا ينسخ كلام الله وكلام الله ينسخ كلامي، وكلام الله ينسخ بعضه بعضاً وفي إسناده جبرون بن واقد، قال الذهبي عنه: إنه ليس بثقة، روى هذا الحديث عن سفيان عن الزبير بقلة حياء. انظر: المغنى في الضعفاء1/ 127.وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي العلاء بن الشخير، حديثاً بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضاً، كما ينسخ القرآن بعضه بعضًا وذكر نحوه ابن حازم في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه، وابن الجوزي في كتاب أعلام العالم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخه. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي4/ 37. 3الآية 44 من سورة النحل. 4جاء ذكر الوصية في القرآن الآية 180 من سورة البقرة. 5 رواه البخاري معلقاً والدارقطتي وابن ماجه، وقال العلامة أحمد بن أبي بكر البصيري في زوائد بن ماجه: إسناده صحيح، وفيه محمّد بن شعيب وثقه رحيم وأبو داود وباقي رجال الإسناد على شرط البخاري. انظر: سنن ابن ماجه بتحقيق فؤاد عبد الباقي2/ 905. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} 1 بأمره عليه السلام، أَنْ يُقْتَلَ ابْنُ خَطَلٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ2 وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، أَنَّ السُّنَّةَ مُفَسِّرَةٌ لِلْقُرْآنِ وَكَاشِفَةٌ لِمَا يَغْمُضُ مِنْ مَعْنَاهُ فَجَازَ أَنْ يُنْسَخَ بِهَا. وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ تَجْرِي مَجْرَى الْبَيَانِ لِلْقُرْآنِ، (لا النَّسْخُ) 3 وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ4 قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: السُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، وَلا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ إِلا الْقُرْآنُ. وَكَذَلِكَ قال الشَّافِعِيِّ: "إِنَّمَا يَنْسَخُ الْكِتَابَ الْكِتَابُ والسنة ليست ناسخة له"5.   1 الآية 119 من سورة البقرة. كما رواه البخاري عن أنس بن مالك في باب أين وكز النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية يرم الفتح، واسم ابن خطل: عبد الله، هو رجل من بني تميم بن غالب، قاله ابن إسحاق. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 76؛ وسيرة بن هشام3/ 410؛ والسيرة النبوية لابن كثير3/ 564. 3 في (م) و (هـ): لا للنسخ، ولعل اللام الثاني زيادة من الناسخ. 4 وهو سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي أبو داود إمام أهل الحديث في عصره توفي بالبصرة 266هـ وقد روى عنه أبو بكر أحمد بن سليمان النجار كتاب الناسخ والمنسوخ وله عدة مؤلفات، منها: السنن. انظر: تذكرة الحفاظ2/ 591 - 593؛ وتاريخ بغداد9/ 55. 5 يقول الإمام الشافعي في رسالته: " … وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً ومفسرة معنى ما أنزل الله منه مجملاً". انظر. الرسالة ص: 106، بتحقيق أحمد شاكر. = ويرى الإمام ابن حزم الظاهري وغيره جواز نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن، لأن كل ذلك سواء في أنه وحي، وساق ابن حزم أدلة كثيرة على ذلك في باب الأخبار من كتابه: الإحكام في أصول الأحكام، وفند أدلة المعارضين في باب الكلام في النسخ منه. انظر. الكتاب المذكور4/ 477 - 483. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ بِنَقْلِ الْآحَادِ فَهَذِهِ لا يَجُوزُ بِهَا نَسْخُ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهَا لا تُوجِبُ الْعِلْمَ، بَلْ تُفِيدُ الظَّنَّ، وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ الْعِلْمَ، فَلا يَجُوزُ تَرْكُ الْمَقْطُوعِ بِهِ لِأَجْلِ مَظْنُونٍ، وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ رَأَى جَوَازَ نَسْخِ التَّوَاتُرِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءٍ لَمَّا اسْتَدَارُوا بِقَوْلٍ وَاحِدٍ1. فَأُجِيبَ بِأَنَّ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ تَثْبُتْ بِالْقُرْآنِ فَجَازَ أَنْ (تنسخ) 2 بخبر الواحد.   1 رواه البخاري في كتاب التفسير في باب ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب الآية، ورواه مسلم في باب تحويل القبلة إلى الكعبة. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 240؛ وصحيح مسلم مع شرح النووي5/ 10. 2 في (م) و (هـ): ينسخ بالياء التحتانية، وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فَصْلٌ: وَاتَّفَقَ (الْعُلَمَاءُ) 1 عَلَى جَوَازِ نَسْخِ نُطْقِ الْخِطَابِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ مَا (ثَبَتَ) 2 بِدَلِيلِ الْخِطَابِ و (تنبيهه) 3 و (فحواه) 4 (فَذَهَبَ) 5 عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يَجْرِي مَجْرَى النُّطْقِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ (فَجَرَى مَجْرَاهُ) 6 فِي النَّسْخِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، فَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ" 7 وَعَمِلُوا بِدَلِيلِ خِطَابِهِ، فَكَانُوا (لا يَغْتَسِلُونَ) 8 مِنَ   1 غير واضحة من (هـ). 2 في (هـ): يثبت. 3 في (هـ): تنبه، وهو خطأ من الناسخ. 4 في (هـ): فجواه بالجيم وهو تصحيف. أما دليل الخطاب عند الأصوليين فهو مفهوم المخالفة، وهو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. وأما تنبيه الخطاب فهو نوع من مفهوم المخالفة، وهو مفهوم الموافقة عند القاضي عبد الوهاب، أو المخالفة عند غيره، وكلاهما فحوى الخطاب عند الباجي. فترادف تنبيه الخطاب وفحواه ومفهوم الموافقة لمعنى واحد، وهو: إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى كما ترادف مفهوم المخالفة، ودليل الخطاب وتنبيهه. انظر: شرح تنقيح الفصول ص: 53. 5 في (هـ): وذهب بالواو. 6 غير واضحة من (هـ). 7 أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري، في باب بيان أن الغسل لا يوجب إلا أن ينزل المني، والترمذي عن أبي بن كعب في باب ما جاء أن الماء من الماء. انظر: صحيح مسلم 4/ 37؛ والترمذي1/ 183؛ وفيه: إنما كان الماء من الماء رخصة في أوّل الإسلام ثم نهي عنها. 8 غير واضحة من (هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بقوله عليه السلام: "إِذَا الْتَقَى الْخِتَانُ بِالْخِتَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ (لَمْ يُنْزِلْ" 1 وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ (قَالُوا) 2: لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ لا يَكُونُ نَاسِخًا وَلا مَنْسُوخًا وَلَيْسَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ، بَلْ هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ مَعْنَى النُّطْقِ وَتَنْبِيهِهِ3.   1 في (هـ): "إذ التقى الختان الختان وجب الغسل نزل أو لم ينزل". أخرج هذا الحديث مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في باب بيان أن الغسل يجب بالجماع، وفي رواية له عن مطر "وإن لم ينزل"، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، وفيه "أنزل أو لم ينزل" وأخرجه الترمذي عن عائشة وغيرها في باب: إذ التقى الختانان وجب الغسل. وناقش قضية النسخ في هذا الحديث ابن حازم في الاعتبار. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي4/ 40 - 41؛ ومسند الإمام أحمد مع فتح الرباني2/ 114؛ والجامع الصحيح للترمذي1/ 180 - 181؛ والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص: 30 - 32. 2 في (هـ): وقالوا. 3 قال الإمام أبو إسحق الشيرازي في كتابه اللمع في أصول الفقه ص: 33: "يجوز النسخ بدليل الخطاب لأنه معنى النطق على المذهب الصحيح، ومن أصحابنا من جعله كالقياس، فعلى هذا لا يجوز النسخ به والأوّل أظهر. وأما النسخ بفحوى الخطاب وهو التنبيه فلا يجوز لأنه قياس، ومن أصحابنا من قال: يجوز النسخ به لأنه كالنطق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فَصْلٌ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمَأْمُورَ بِهِ إِذَا عُمِلَ بِهِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ النَّسْخَ يَقَعُ صَحِيحًا جَائِزًا. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ: جَوَازُ ذَلِكَ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ1 يَقُولُ: لا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ 2. وَاحْتَجَّ الأَوَّلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفِدَاءِ قَبْلَ فِعْلِهِ3 وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرِضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ خَمْسُونَ صَلاةً ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ4 وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: فَإِنَّ الأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ فِيهِ تَكْلِيفُ الْإِيمَانِ [بِهِ] وَالِاعْتِقَادِ لَهُ، ثُمَّ تَكْلِيفُ الْعَزْمِ على   1وهو: أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هرون التميمي الكوفي النحوي المعروف بابن النجار، علم مؤلف مشهور، ولد بالكوفة سنة 303هـ وتوفي فيها 402هـ. انظر: شذرات الذهب 2/ 164؛ والمنتظم 6/ 12؛ والأعلام 6/ 298 - 299. 2 يذكر الأصوليون في كتبهم الاختلاف بين العلماء في جواز نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ فقالوا: ذهب الأشاعرة وأكثر أصحاب الشافعي وأكثر الفقهاء إلى جوازه وخالفهم المعتزلة ومعظم الحنفية ... وأبو بكر الصيرفي من أصحاب الشافعي، وبعض أصحاب أحمد. انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/ 126؛ والتقرير والتحبير شرح التحرير3/ 49 - 53؛ وكتاب المعتمد 1/ 406 - 413. 3 كما جاء ذلك في سورةالصافات الآيات 100 - 108، يقول المؤلّف في كتابه فنون الأفنان في عجائب القرآن، المخطوط -وهو يثبت جواز نسخ الحكم قبل العمل به-: "إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أوفى درك الوحي. انظر: البرهان للزركثي2/ 37. 4 رواه الشيخان وأصحاب السنن. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء2/ 4 - 9؛ وصحيح مسلم بشرح النووي2/ 209 - 216؛ في باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض الصلاة، كلاهما من حديث أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 فِعْلِهِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي عين له ثم إذا فعله عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَجَازَ أَنْ يُنْسَخَ قَبْلَ الأَدَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْقِدْ مِنْ لَوَازِمِهِ غَيْرَ الْفِعْلِ، وَالنِّيَّةُ نَائِبَةٌ عَنْهُ. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْمُرُ عِبَادَهُ بِالْعِبَادَةِ، لَكَوْنِهَا (حَسَنَةً) (فَإِذَا) 1 أَسْقَطَهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا حَسَنَةً وَخُرُوجُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ يُؤَدِّي إِلَى الْبَدَاءِ2 وَهَذَا كَلامٌ مَرْدُودٌ بِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْإِيمَانِ وَالِامْتِثَالِ. وَالْعَزْمِ يَكْفِي فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، من (التكليف) 3 بالعبادة.   1 في (هـ): فان. 2 قال الإمام أبن حزم الظاهري، بعد أن جوز النسخ قبل العمل به وبعده، ومن جعل هذا بداء قد جعل النسخ بداء ولا فرق. وكل ما أدخلوه في نسخ الشيء قبل أن يعمل به راجع عليهم في نسخه بعد أن يعمل به ولا فرق. والله تعالى يفعل ما يشاء. والذي نقدر أن الذي حداهم إلى الكلام في هذه المسألة مذهبهم الفاسد في المصالح، ونحن لا نقول بها، بل نفوض الأمور إلى الله عزوجل يفعل ما يشاء. انظر: الإحكام في أصول الأحكام4/ 472. 3 في (هـ): الركب وهو تحريف ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الْبَابُ السَّادِسُ: بَابُ فَضِيلَةِ عِلْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالأَمْرِ بِتَعَلُّمِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ1 قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (الصَّرِيفِينِيُّ) 2 قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (الْكَتَّانِيُّ) 3 قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، قال: بنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ حَدَّثَنَا وكيع عن سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ [عَنْ أَبِي] عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَلِيًّا   1 وهو الحافظ المحدث أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك البغدادي الأنماطي سمع عبد الله به محمّد الصريفيني وغيره، قال السمعاني كان حافظاً ثقة متقناً، وقال ابن الجوزي: وكنت أقرأ الحديث عليه وهو يبكي فاستفدت من بكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان صحيح السماع ثقة ثبتاً، وتوفي رحمه الله سنة 538هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي ص: 92 - 93؛ والمنتظم10/ 108؛ وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 رقم 1076؛ والذيل لابن رجب1/ 201 - 203. 2 غير واضحة من النسختين صححتها من كتب التراجم. وهو بفتح الصاد، وكسر الراء والفاء نسبة إلى صريفين ببغداد، أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني خطيبها، توفي سنة 469هـ- انظر: تاريخ بغداد 10/ 146؛ ومعجم البلدان 5/ 354؛ المنتظم8/ 314. 3 في النسختين الكمالي وهو خطأ، والصواب الكتاني، كما يظهر من ترجمته وهو: أبو حفص المقرئ عمر بن إبراهيم الكتاني سمع من عبد الله البغوي وغيره مات سنة 539هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/ 738، و2/ 1011. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 عَلَيْهِ السَّلامُ1 مَرَّ بِقَاصٍّ، فَقَالَ: "أَتَعْرِفُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ" 2. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ3 قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ4 السجستاني، قال: حدثنا   1 علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن والحسين من أوّل الناس إسلاماً ورابع الخلفاء الراشدين ومن المبشرين بالجنة شهد المشاهد كلها ماعدا غزوة تبوك، ولد رضي الله عنه قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، قتل في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة 40 هـ، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". انظر: التهذيب 7/ 334 - 339؛ وأسد الغابة4/ 16 - 40؛ والإصابة 2/ 507 - 510. 2 أخرج هذا الأثر النحاس عن علي رضي الله عنه من طريق سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي، وذكره ابن حزم الأنصاري في ناسخه بدون إسناد، عن أبي عبد الرحمن، كما ذكره الخطيب البغدادي عنه، بإسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (5)، ومعرفة الناسخ والمنسوخ المطبوع على هامش تفسير ابن عباس 305؛ والفقيه والمتفقه 1/ 80. 3 محمّد بن ناصر بن محمّد بن عليّ بن عمر السلامي الفارسي الأصل ثم البغدادي، متقن ثبت أديب لغوي حافظ من أوّل مشايخ ابن الجوزي، قال: السمعاني كان ديناً خيراً كثير الصلاة دائم التلاوة للقرآن مواظباً على صلاة الضحى، وقال ابن الجوزي: كان حافظاً ثقة ضابطاً من أهل السنة لا مغمز فيه. تولى تسميعي، وسمعت بقراءته مسند أحمد والكتب الكبار، وعنه أخذت علم الحديث. انظر: الذيل 1/ 225 - 227؛ وتذكرة الحفاظ رقم 1079. 4 في هـ: والسجستاني، والواو زيادة من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى قَاصٍّ يَقُصُّ (فَقَالَ1: تَعَلَّمْتَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ قَالَ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ2 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي3 قال: أخبرنا أحمد بن بندار البقال، قال: أخبرنا محمد ابن عمر بن بكير النجار، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بن حمدان، قال: بنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بن عمر الضريرة قَالَ: أَبْنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ (الطَّائِيِّ) 4، قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَقُصُّ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: رَجُلٌ يُحَدِّثُ، ثُمَّ أَتَى عَلَيْهِ يوماً آخر [فإذا   1 في هـ: قال، بدون الفاء ولعلها سقطت من الناسخ. 2 أخرجه النحاس في ناسخه 5 من طريق شُعْبَةُ … عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ. عَنْ عبد الرحمن السلمي وذكر نحوه ابن حازم في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص: 6 عن عبد الرحمن. 3 في م: المقبري وهو تصحيف، والصواب: المقري كما يظهر من ترجمته، وهو: أبو محمّد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي من مشايخ المؤلّف ولد سنة: 414هـ وقرأ القراءات على جده أبي منصور الخياط وغيره وقرأ الأدب والحديث وكان حسن الصوت والأداء في القراءة، توفي سنة: 541هـ. انظر: ترجمته في مشيخة ابن الجرزي ص: 137 - 139؛ والذيل 1/ 209 - 212. 4 في هـ: الطاسي، وهو تحريف عما سجلت عن م. وهو: سعيد بن فيروز أبو البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ابن أبي عمران الطائي، مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل، كثير الإرسال من الثالثة، مات سنة 183هـ، التقريب 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 هُوَ يَقُصُّ] فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: رَجُلٌ يُحَدِّثُ1 فَقَالَ: اسْأَلُوهُ، يَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لا. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَقُولُ: اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي، أَنَا فُلانٌ ثُمَّ قَالَ: لا تُحَدِّثْ2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلاءِ الْغَنَوِيُّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ لَقِيَ (أَبَا يَحْيَى) 3 فَقَالَ: يَا أَبَا يَحْيَى: مَنِ الَّذِي قَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي؟ فَقَالَ إِنِّي أَظُنُّكَ عَرَفْتَ أَنِّي أنا هو، قال: قَالَ: مَا عَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، مَرَّ بِي وَأَنَا أَقُصُّ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ فَقُلْتُ أَنَا أَبُو يحيى، قال: لست بأبي   1 في م: زيادة في الهامش. ولا داعي لها، وهي: ثم أتى عليه يوم آخر فقال: هل. 2 أخرجه النحاس من طريق عطاء بن السائب عن أبي البختري. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 4. 3 أما أبو يحيى: فهو: مصدع الأعرج المعرقب مولى عبد الله بن عمرو، ويقال: مولى معاذ بن عفراء، روى عن علي والحسن، وابن عباس، وغيرهم من الصحابة، وروى عنه أبو الحسن البصري وآخرون. قال علي بن المديني وهو الذي مر به ابن سعيد بن أبي طالب وهو يقص فقال: تعرف النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: هلكت وأهلكت. وقال ابن حبان في الضعفاء، وجاء في التقريب مصدع بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه مقبول من الثالثة. انظر: التهذيب10/ 157؛ والتقريب 338. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 يَحْيَى وَلَكِنَّكَ اعْرِفُونِي، هَلْ عَرَفْتَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، قَالَ: فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقُصُّ عَلَى أحد1. قال أحمد: وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى قَالَ: أَتَانِي عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَأَنَا أَقُصُّ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أُوَسِّعُ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ إِلَيْكَ، هَلْ تَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، مَا اسْمُكَ، قُلْتُ: أَبُو يَحْيَى. قَالَ: أَنْتَ أَبُو اعْرِفُونِي. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ حَدَّثَنَا (يَزِيدُ) 2 بْنُ إبراهيم، قال: (بنا) 3 إبراهيم بن   1 ذكر ابن حزم نحوه عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ بدون إسناد، وذكر هبة الله في ناسخه أنه روي عن أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنه دخل يوماً مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلاً يعرف بعبد الرحمن بن دأب وكان صاحباً لأبي موسى الأشعري وقد تحلق عليه الناس، يسألونه ويخلط الأمر بالنهي والإباحة بالحظر. فقال له علي رضي الله عنه: أَتَعْرِفُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لا. قال: هلكت وأهلكت، أبو من أنت؟ فقال: أبو يحيى، فقال له علي رضي الله عنه أنت أبو إعرفوني، وأخذ أذنه ففتلها، فقال: لا تقصن في مسجدنا بعد. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ 308؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله 4. 2 في هـ: بريد، وهو تصحيف. 3 في هـ: حدثنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 العلاء الغنوي أبو هرون عَنْ سَعِيدِ بْنِ [أَبِي] 1 الْحَسَنِ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا يَحْيَى (الْمُعَرْقَبَ) 2 فَقَالَ لَهُ: مَنِ الَّذِي قَالَ لَهُ: اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي. قَالَ: يَا سَعِيدُ. إِنِّي أَنَا هُوَ. قَالَ: مَا عَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، مَرَّ بِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا أَقُصُّ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ فَقُلْتُ: أَنَا أَبُو يَحْيَى. فَقَالَ: لَسْتَ بِأَبِي يَحْيَى، وَلَكِنَّكَ اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي، ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلِمْتَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: فَمَا عُدْتُ بَعْدَهَا أَقُصُّ عَلَى أَحَدٍ3. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن حذيفة قال: قالت: حُذَيْفَةُ4 [إِنَّمَا يُفْتِي] النَّاسَ أَحَدُ ثلاثة: رجل قد علم   1 ساقطة من هـ والصواب ما أثبت. وهو: سعيد بن أبي الحسن وهو بصري ثقة من الثالثة. مات سنة مائة. انظر: التقريب 120. 2 مصحفة قي النسختين، وهو معرقب كما سبق في ترجمته آنفاً، وقد جاء في كتاب معرفة الناسخ والمنسوخ لابن حزم لقي أبا يحيى المعروف وهو خطأ لأن الحافظ بن حجر يقول: إنما قيل له معرقب، لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سب علي، فأبى فقطع عرقوبه. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ 309؛ والتهذيب10/ 158. 3 هذه الآثار التي أوردها المؤلف بأسانيد وعبارات مختلفة قد ذكرها معظم من ألف في النسخ في مقدمة كتبهم، كما ذكرها أيضاً السيوطي ني الإتقان2/ 20؛ والهيثمي في مجمع الزوائد1/ 154. 4 أما حذيفة فهو: حذيفة ابن اليمان اسمه حسيل مصغراً، ويقال حسل بكسر ثم سكون، العبسي بالموحدة حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين، وقد صح في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابي أيضاً، استشهد بأحد، مات حذيفة سنة: 36هـ، في أول خلافة علي رضي الله عنه. انظر: التهذيب 2/ 219 - 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 نَاسِخَ الْقُرْآنِ مِنْ مَنْسُوخِهِ، وَأَمِيرٌ (لا يَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا) 1 أَوْ أَحْمَقُ مُتَكَلِّفٌ2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ (أَحْمَدَ) 3 الكازي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ (نُبَيْطٍ) 4 عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى قَاصٍّ، قَالَ: تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وأهلكت5 قال:   1 العبارة غير مفهومة من النسختين، ففي م: لا عدا معي بداً بلا نقاط. وفي هـ: لا يجد معنى بداً صححتها، من لفظ ابن حزم. 2 رواه الدارمي في باب الفتيا، عن حذيفة، وفيه: وأمير لا يخاف وذكره ابن حزم عنه في ناسخه، وفيه: قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر. ورواه أيصاً النحاس بإسناده عن حذيفة وفيه: ورجل قاض لا يجد من القضاء بداً ورجل متكلف فلست من الرجلين الأوّلين وأكره أن أكون الثالث. انظر: سنن الدارمي1/ 62؛ ومعرفة الناسخ والمنسوخ 309؛ والناسخ والمنسوخ 5. 3 في م: حمزة، وهو خطأ وتحريف عما نقلت عن هـ وعن كتب التراجم، وهو: إسحاق بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسين الكاذي كان محدثاً روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، توفي سنة 346هـ. انظر: تاريخ بغداد6/ 399 - 400. 4 في هـ: سبط وهو تصحيف. 5 قال هبة الله في ناسخه بعد إيراد قصة عليّ مع أبي يحيى: يروى في معنى الحديث عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، قالا لرجل آخر مثل قول عليّ رضي الله عنه وورد الهيثمي أيضاً عن ابن عباس وعزاه إلى الطبراني في الكبير. انظر: الناسخ والمنسوخ 4؛ ومجمع الزوائد1/ 154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ1 قَالَ: جَهِدْتُ أَنْ أَعْلَمَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ فَلَمْ أَعْلَمْهُ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً} 2 قَالَ: الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ، وَمُتَشَابِهِهِ، وَمُقَدَّمِهِ، وَمُؤَخَّرِهِ وَحَرَامِهِ وحلاله، وأمثاله3.   1 وهو: محمّد بن سيرين، تقدمت ترجمته في ص: 123. 2 الآية 269 من سورة البقرة. 3 أخرجه الطبري والنحاس وابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق عليّ بن أبي طلحة. انظر: جامع البيان3/ 60؛ والناسخ والمنسوخ 5؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة 210. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الْبَابُ السَّابِعُ: بَابُ أَقْسَامِ الْمَنْسُوخِ الْمَنْسُوخُ1 مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: مَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَحُكْمُهُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، (قال) 2 أخبرني أبو أمامة ابن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ3 أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرُوهُ، أَنَّهُ (قَامَ) 4 رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً كَانَ قَدْ وَعَاهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 5 فَأَتَى بَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ يَسْأَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، جَاءَ آخَرُ وَآخَرُ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا جَمَعَهُمْ، فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ السُّورَةِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبروه   1 في (هـ): كلمة الأوّل، ولعلها زيادة من الناسخ. 2 مكررة في (هـ). 3 أما أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حنيف فاسمه أسعد، صحابي جليل ولد في حياة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو معروف بكنيته، له روايات كثيرة ولم يسمع من النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مات سنة (100هـ) انظر: التهذيب1/ 263 - 265؛ والتقريب ص 3. 4 في (هـ): قال، وهو تحريف ظاهر. 5 الآية (30) من سورة النمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ السُّورَةِ فَسَكَتَ سَاعَةً، لا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ", فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فِيهِ"1. [أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ] أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ حَمَّادٍ] 2 قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ (ابْنِ شِهَابٍ) 3 قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ "أَنَّ رَجُلا كَانَتْ مَعَهُ سُورَةٌ فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقْرَؤُهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا قَالَ: (فَأَصْبَحُوا) 4 فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: قُمْتُ الْبَارِحَةَ لِأَقْرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: مَا جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا لِذَلِكَ [وَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ] 5 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ"   1 أخرج نحوه الطحاوي في مشكل الآثار، في باب مشكل قول الله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}، عن أبي أمامة من طريق الزهري 3/ 418. 2 ساقطة من (هـ). وهو: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ حَمَّادٍ المهري. ثقة. من الحادية عشرة. مات سنة: 253هـ. انظر: التهذيب4/ 186؛ والتقريب133. 3 غير واضحة من (هـ). وهو: ابن شهاب الزهري. ستأتي ترجمته ص: 140. 4 في (هـ): اصبحوا، بدون الفاء. 5 هذه العبارة، كانت مضافة في (الهامش) في (م) وهي غير موجودة في رواية الطحاوي كما أنها ساقطة من (هـ). 6 أخرج نحوه الطحاوي في المصدر السابق. عن أبي أمامة بن سهل. انظر: مشكل الآثار2/ 417. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الملك الدقيقي، قال: أنبأنا عفان، قال: بنا حماد، قالت بنا عَلِيُّ [بْنُ] زَيْدٍ عَنْ أَبِي حرب (ابن) 1 أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى2 قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةٌ مِثْلُ بَرَاءَةٌ ثُمَّ رُفِعَتْ فَحُفِظَ مِنْهَا: "إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لا خَلاقَ لَهُمْ وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تاب"3 قال بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ4 قَالَ: (إِنَّ الأَحْزَابَ كَانَتْ مِثْلَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَطْوَلَ).   1 في (هـ): عن، بدل من، وهو تحريف. 2 أما أبو مرسى؛ فهو: عبد الله بن قيس بن سليم المشهور بأبي موسى الأشعري صحابي جليل ذو صوت جميل، قال فيه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعن الصحابة أمره الرسول على زبيد، وعدن، وأمره عمر على البصرة، وعثمان على الكوفة مات سنة (50هـ) وقيل بعدها. انظر: التهذيب5/ 362 - 363. 3 أخرج الطحاوي نحوه عن أبي موسى الأشعري، وذكر السيوطي نحوه في الإتقان وعزاه إلى أبي عبيدة بإسناده عن أبي موسى. انظر: مشكل الآثار2/ 419؛ في باب بيان مشكل آيه (ما ننسخ من آية) والإتقان2/ 25. 4 أما مجاهد؛ فهو ابن جبر أبو الحجاج المخزومي المكي إمام في التفسير والعلم ثقة ورع من الطبقة الثالثة، روى عن علي والعبادلة الأربعة وغيرهم من الصحابة، قال مجاهد: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت؟ مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة. انظر: التهذيب 10/ 42 - 44؛ والتقريب (328)؛ وتذكرة الحفاظ1/ 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا عباد بْنُ [يَعْقُوبَ] 1 قَالَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَيْفَ تَقْرَأُ [سُورَةَ الأَحْزَابِ] قُلْتُ سَبْعِينَ أَوْ إِحْدَى وَسَبْعِينَ آيَةً (قَالَ) وَالَّذِي (أَحْلِفُ بِهِ) لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ الْبَقَرَةَ أَوْ [تَزِيدُ] عَلَيْهَا2. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آيَةٌ) 3 فَكَتَبْتُهَا [فِي] مُصْحَفِي فَأَصْبَحْتُ لَيْلَةً فَإِذَا الْوَرَقَةُ بَيْضَاءُ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقالت: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ تِلْكَ رُفِعَتِ البارحة) 4.   1 وهو: عباد بن يعقوب الرواجني أبو سعيد صدوق رافضي بالغ فيه ابن حبان فقال: يستحق الترك، من العاشرة، مات 250هـ. انظر: التقريب (164). 2 ذكر هذا الحديث بالاختصار وبدون إسناد، مكي بن أبي طالب في ناسخه (59) عن عاصم بن بهدلة عن زر، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، ثم قال مكي عن عاصم أنه كان ثقة مأموناً، وذكر نحوه مطولاً السيوطي في الإتقان، وعزاه إلى أبي عبيدة بإسناده عن عاصم ابن أبي النجود، عن زر عن أبي، وفيه: (قلت: اثنين وسبعين أو ثلاث وسبعين آية) وذكر الهيثمي أيضاً، مطولاً بالإسناد المذكور، ثم قال: عن عاصم بن أبي النجود: وقد ضعف، ويقول الحافظ ابن حجر في التقريب عنه صدوق له أوهام حجة في القراءات من السادسة مات: 128هـ. انظر: الإتقان 2/ 25؛ وموارد الظمآن على زوائد ابن حبان (435)؛ والتقريب (159). 3 في (هـ): (أنه). وهو تحريف. 4 ذكره هبة الله في ناسخه (5)، وابن خزيمة في ناسخه (261) عن ابن مسعود بدون إسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ: أَخْبَرَنَا (ابْنُ) 1 الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ حَدَّثَنِي (ابْنُ) 2 شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: جَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ وَعَاهَا (وَعَقِلَهَا) 3 فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ (انْتَهَتْ) 4 بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعِهَا، فَلا أُحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ على أن الله عزوجل: بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم   1 في (هـ) أبو، وهو خطأ، وهو: هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد الشيباني أبو القاسم ابن الحصين، من مشايخ المؤلّف، راوي مسند الإمام أحمد عن أحمد بن علي بن المذهب، قال المؤلّف: سمعت منه جميع مسند الإمام أحمد وغيره وهو صحيح السماع، وأملى بجامع القصر مجالس كثيرة خرجها له شيخنا أبو الفضل بن ناصر واستملاها عليه، وكنت أحضر الإملاء وأكتب. توفي رحمه الله سنة 525هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي60 - 61؛ والمنتظم 10/ 24؛ والنجوم الزاهرة 5/ 247. 2 مكررة في (هـ). 3 في (هـ): علقها، وهو تحريف. 4 في (هـ): انتهب، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ (فَكَانَ) 1 فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقِلْنَاهَا وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ، عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوِ (الْحَبَلُ) 2 أَوِ الِاعْتِرَافُ، أَلا: وَإِنَّا قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ: لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ [أَنْ تَرْغَبُوا] عَنْ آبَائِكُمْ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [وَايْمُ اللَّهِ] لَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا في القرآن4.   1 في (هـ): فكأنما، وهو تحريف. 2 في (هـ): الجبل، وهو تصحيف. 3 رواه البخاري ومسلم من طريق ابن عباس بألفاظ مختلفة، كما رواه أصحاب السنن مختصراً ومطولاً، ورواه أيضاً الإمام أحمد من طريقين عن ابن عباس عن عمر. انظر: صحيح البخاري بالفتح 11/ 191 - 192؛ في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، وصحيح مسلم15/ 158؛ في باب حد الزنا؛ ومسند الإمام أحمد مع فتح الرباني في باب دليل رجم الزاني المحصن من كتاب الله16/ 81 - 82. 4 هذه الزيادة رواها أبو داود عن عمر بن الخطاب في باب الرجم، كما رواها الطحاوي عنه من طريق ابن عباس في باب (مشكل ما روى أن الرجم مما أنزل الله في كتابه). انظر: سنن أبي داود مع عون المعود12/ 98؛ ومشكل الآثار3/ 2 - 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ [قَالَ أَخْبَرَنَا] أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ قُرَيْشٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا] 1 اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (عَنْ سَعِيدِ) 2 (بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ سَنَنْتُ لَكُمُ السُّنَنَ، وَفَرَضْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ، وَتَرَكْتُكُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ، أَنْ لا تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالا، وَآيَةُ الرَّجْمِ لا تَضِلُّوا عَنْهَا، فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا، وَأَنَّهَا قَدْ أُنْزِلَتْ، وَقَرَأْنَاهَا (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ" وَلَوْلا أَنْ يُقَالَ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ (لَكَتَبْتُهَا) 3 بِيَدِي4. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ (عَنْ عَاصِمِ) بْنِ أَبِي النُّجُودِ عَنْ زِرٍّ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ سَأَلَهُ: كَمْ تَقْرَأُ هَذِهِ السورة؟ يعني   1 ساقطة من (هـ) وهو: عيسى بن حماد بن مسلم التجيبي الأنصاري، ثقة من العاشرة. مات سنة: 248هـ. انظر: التقريب (370). 2 في (هـ): ابن شعيب، بدل عن سعيد، وهو تحريف ظاهر. والصواب ما أثبت عن (م). 3 في (هـ): كتبتها، بدون لام، ولعلها سقطت من الناسخ. 4 روى الإمام مالك نحوه في الموطأ من طريق سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه. انظر: الموطأ في كتاب الحدود مع شرح التنوير الحوالك 3/ 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الأَحْزَابَ، قَالَ: إِمَّا ثَلاثًا وَسَبْعِينَ وَإِمَّا أَرْبَعًا وَسَبْعِينَ، قَالَ: (إِنْ كنا لنقرأها كَمَا نَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَإِنْ كُنَّا) 1 لَنَقْرَأُ فِيهَا، إِذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ2 قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد ابن أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ (عَنِ الْمِسْوَرِ بن مخرمة) 3 قال: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ4 أَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا (أَنْ جَاهِدُوا كَمَا جَاهَدْتُمُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فَإِنَّا لا نَجِدُهَا قَالَ: سَقَطَتْ فيما أسقط من القرآن5.   1 في (هـ): (إنا كنا نقرأها كما تقرأ سورة البقرة وإنا كنا نقرأ فيها). 2 سبق تخريجه آنفاً، وقلنا إن من رواته من تكلم فيه، وهو: عاصم بن أبي النجود، ولكن الفقرة الأخيرة من الحديث قد وردت في خطبة عمر بن الخطاب صحيحة كما سبق تخريجه عند الإمام مالك، وكما روى النحاس في ناسخه (8) من طريق الزهري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وقال: إسناد الحديث صحيح إلا أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة. 3 غير واضحة من (هـ) وهو: المسور بن مخرمة بن نوفل بن وهيب بن عبد مناف ابن زهرة الزهري أبو عبد الرحمن، له ولأبيه صحبة، مات سنة: 64هـ. انظر: التقريب (337). 4 عبد الرحمن بن عوف القرشي صحابي جليل من العشرة المبشرين بالجنة أسلم قبل أن يدخل الرسول دار الأرقم، هاجر الهجرتين وشهد المشاهد، مات سنة 32هـ، وقيل غير ذلك. انظر: التقريب 208؛ وأسد الغابة3/ 313 - 317؛ وتجريد أسماء الصحابة 353. 5 أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار2/ 418، عن عمر بن الخطاب من طريق المسور ابن مخرمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 قَالَ: 1 وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أبي حميد قالت: 2 أَخْبَرَتْنِي حُمَيْدَةُ، قَالَ أَوْصَتْ لَنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا3 بِمَتَاعِهَا فَكَانَ فِي مُصْحَفِهَا: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ الأُولَى"4 أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: بنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 5 "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بعث)   1 يعني: ابن أبي داود كما يعرف من السياق. 2 في (هـ): كلمة أخبرني، زيادة. ولعلها من الناسخ. 3 عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين زوجة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كبيرة محدثات عصرها ونابغته في الذكاء والفصاحة، والبلاغة، فكانت عاملاً كبيراً ذا تأثير عميق في نشر تعاليم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وهي أفضل أزواج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خديجة رضي الله عنها. ولدت قبل الهجرة بتسع سنين أو نحوها، وتوفيت سنة 57هـ على الصحيح. انظر: الاستيعاب4/ 1881؛ والتاريخ الصغير 1/ 99 - 100؛ وأعلام النساء3/ 9 - 131؛ والتقريب 470 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور 220؛ وعزاه إلى أبي داود في المصاحف بإسناده عن حميدة عن عائشة، وإسناد المؤلف كإسناد أبي داود، ضعيف، لأن ابن أبي حميد هو محمّد ابن إبراهيم الزرقي أبو إبراهيم المدني ضعيف من السابعة، وكذلك حميدة، قال الحافظ ابن حجر عنها أنها مقبولة من الخامسة. انظر: تقريب التهذيب 295 و 467. 5 أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة 2 وقيل 3 و 90، وقد جاوز المائة. انظر: التقريب ص 39. 6 في (هـ): بعد، وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 حَرَامًا1 خَالَهُ فِي سَبْعِينَ رَجُلا فقتلوا يوم (بير مَعُونَةٍ) 2 قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْنَا فَكَانَ مِمَّا نَقْرَأُ، فَنُسِخَ، أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا". انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ3.   1 في م حزاماً، وهو تصحيف، والصواب ما أثبت وهو حرام بن ملحان الأنصاري من بني عدي بن النجار بن مالك، بدري قتل ببير معونة. انظر: تجريد أسماء الصحابة1/ 126. 2 غير واضحة من (هـ) وفي (م): بير معاوية، وهو تحريف. 3 تجد هذا الحديث مروياً عند البخاري في باب من ينكب أو يطحن في سبيل الله كما تجده أيضاً في كتاب المغازي من صحيح البخاري في باب غزوة الرجيع، وذكوان، وبير معونة، رواه بطرق عديدة وبألفاظ مختلفة عن أنس رضي الله عنه. قال الحافظ في الفتح (والضمير في (خاله) لأنس) واستبعد تجويز الكرماني بإعادة الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أن حراماً كان خاله من الرضاعة أو أن يكون من جهة النسب. انظر: صحيح البخاري مع الفتح6/ 358 - 359، و8/ 388 - 392. أما البخاري فهو: محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا في ثقة الحديث صاحب أصح كتب بعد كتاب الله. قال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري ولد سنة: 194هـ، وتوفي سنة: 256هـ وله 62 سنة. انظر: التقريب (295)؛ وتذكرة الحفاظ1/ 555 - 557. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فَصْلٌ: وَمِمَّا نُسِخَ رَسْمُهُ وَاخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ حُكْمِهِ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ قَالَ أَبْنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ (عمر] و [، عن عمرة) وعن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [قَالَتْ: (لَقَدْ نَزَلَتْ) 2 آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا وَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ رَبِيبَةً لنا فأكلتها، تعني الشاة3.   1 العبارة قلقة في النسختين وقد جاء فيهما محمّد بن عمر عن عمرة وعن غمرة، والصواب ما أثبت عن كتب التراجم. وهو: (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بن محمّد بن عمرو بن حزم الأنصاري ثقة من الخامسة، مات سنة: 135هـ. انظر التهذيب5/ 164؛ والتقريب 169. وأما عمرة فهي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة، ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة ويقال بعدها. انظر: التقريب 471. 2 في (هـ): أنزلت. 3 رواه ابن ماجه في كتاب النكاح عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وفيه: و (دخل داجن فأكلها) انظر رقم الحديث: 1944 من سنن ابن ماجه. وجاء في أقرب المورد 1/ 320، يقال: الداجن للشاة والحمام إذا ألفت البيوت واستأنست. يقول الإمام ابن حزم الظاهري عن هذا الحديث: "وقد غلط قوم غلطاً شديداً وأتوا بأخبار ولدها الكاذبون والملحدون، منها: أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهبت البتة. ثم قال: وقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر ومحال ممتنع، لأن الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون سول الله صلى الله عليه وسلم حافظاً له، أو كان قد أنسيه، فإن كان في حفظه فسواء أكل الداجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنسيه، فسواء أكله الداجن أو تركه فقد رفع من القرآن، فلا يحل إثباته فيه كما قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} فنص تعالى على أنه لا ينسى أصلاً شيئاً من القرآن إلا ما أراد الله تعالى رفعه بإنسائه، فصح أن حديث الداجن إفك وكذب وفرية، ولعن الله من جوز هذا أو صدق به بل كان ما رفعه الله تعالى من القرآن فإنما رفعه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قاصداً إلى رفعه، ناهياً عن تلاوته إن كان غير منسي أو ممحواً في الصدور كلها، ولا سبيل إلى كون شيء من ذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجيز هذا مسلم، لأنه تكذيب لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} " انظر: كتابه الإحكام في أصول الأحكام 4/ 453 - 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أبو الطاهر، قال: أخبرنا بن وَهْبٍ، قَالَ: (أَخْبَرَنِي) 1 مَالِكٌ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخَتْ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ القرآن"2.   1 في (هـ): أخبرنا. 2 رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في كتاب الرضاع وفيه: "وهن مما يقرأ من القرآن" وقال الإمام النووي في معنى قولها: "وتوفي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهن مما يقر القرآن" أي: النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ عشر رضعات، ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده". انظر: صحيح مسلم بشرح النووي10/ 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 قُلْتُ: (أَمَّا مِقْدَارُ) مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ فَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حنبل- رحمه الله [فيه ثلاث] روايات: إحداهن: رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ أَخَذَا بِظَاهِرِ الْقِرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} 1، وَتَرَكَا لِذَلِكَ الْحَدِيثَ. وَالثَّانِيَةُ: ثَلاثٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم "لا تحرم المصة و [المصتان] " 2. وَالثَّالِثَةُ: خَمْسٌ3 لِمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهَا: "وَهِيَ [مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ] أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وَقَالُوا: لَوْ كَانَ يُقْرَأُ (بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، لَنُقِلَ إِلَيْنَا نَقْلَ الْمُصْحَفِ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ [مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَمْ] يُنْقَلْ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يُنْقَلْ نَاسِخًا لِمَا نُقِلَ، فَذَلِكَ مُحَالٌ. وَمِمَّا نُسِخَ خَطُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ مَا رَوَى مُسْلِمٌ4 فِي أَفْرَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَمْلَتْ عَلَى كَاتِبِهَا: "حافظوا على الصلوات   1 الآية (23) من سورة النساء. 2 ساقطة من (هـ). والحديث أخرجه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في كتاب الرضاع. انظر: صحيح مسلم10/ 27؛ بشرح النووي. 3 هذه الأقوال الثلاثة للإمام أحمد، ذكرها ابن قدامة في المغني9/ 192. 4 مسلم: هو: الإمام الكبير مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري حافظ من أئمة المحدثين صاحب أحد الصحيحين المعول عليهما عند أهل السنة في الحديث. ولد بنيسابور سنة 204هـ، وتوفي فيها سنة: 261هـ. انظر: تهذيب التهذيب10/ 121؛ وتاريخ بغداد13/ 100؛ والبداية والنهاية11/ 33؛ وتذكرة الحفاظ2/ 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" وَقَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الصَّلاةِ الْوُسْطَى عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَدْ شَرَحْنَا ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ2. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ رَسْمُهُ: وَلَهُ وَضَعْنَا هَذَا الْكِتَابَ وَنَحْنُ نَذْكُرُهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ (ونذكر) 3 ما قيل   1 رواه مسلم في صحيحه عن عائشة في باب: الدليل لمن قال: (الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) كما رواه مالك في موطّئه في باب الصلاة الوسطى. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي5/ 129 - 130؛ والموطّأ بشرح الزرقاني. 2 أورد المؤلّف في تفسيره زاد المسير1/ 282 - 283؛ خمسة أقوال مفصلاً، معزياً كل قوله إلى قائليه: فالقول الأوّل: أنها صلاة العصر، وعزاه إلى علي، وابن مسعود، وأبي رضي الله عنهم. والثاني: أنها الفجر، وعزاه إلى عمر، وعلي في رواية، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم. والثالث: أنها الظهر، وعزاه إلى ابن عمرو، وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد رضي الله عنهم. والرابع: أنها المغرب، وعزاه إلى ابن عباس وقبيصة بن ذؤيب رضي الله عنهما. والخامس: أنها العشاء الأخيرة، وعزاه إلى علي بن أحمد النيسابوري في تفسيره. 3 في (م): بذكر، بالباء وما أثبت عن (هـ) أنسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَنُبَيِّنُ صِحَّةَ الصَّحِيحِ وَفَسَادَ الْفَاسِدِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُوَفِّقُ بِفَضْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الْبَابُ الثَّامِنُ: بَابُ ذِكْرِ السُّوَرِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، أَوْ أَحَدَهُمَا، أَوْ خَلَتْ عَنْهُمَا. زَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ السُّوَرَ الَّتِي تَضَمَّنَتِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالأَنْفَالُ، وَالتَّوْبَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالنَّحْلُ، وَمَرْيَمُ، وَالأَنْبِيَاءُ، وَالْحَجُّ، وَالنُّورُ، والفرقان، والشعراء، والأحزاب، وسبأ، والمؤمن، وَالشُّورَى، وَالذَّارِيَاتُ، وَالطُّورُ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُجَادَلَةُ، والمزمل، والتكوير، والعصر. (وقالوا: وَالسُّوَرُ الَّتِي دَخَلَهَا الْمَنْسُوخُ دُونَ النَّاسِخِ أَرْبَعُونَ): الأَنْعَامُ، وَالأَعْرَافُ، وَيُونُسُ، وَهُودٌ، وَالرَّعْدُ، وَالْحِجْرُ، وَسُبْحَانَ، وَالْكَهْفِ، وَطَهَ، وَالْمُؤْمِنُونَ، وَالنَّمْلُ، وَالْقَصَصُ، وَالْعَنْكَبُوتُ، وَالرُّومُ، وَلُقْمَانُ، وَالسَّجْدَةُ، وَالْمَلائِكَةُ، وَالصَّافَّاتِ، وَص، وَالزُّمَرُ، (وَالْمَصَابِيحُ) 1 وَالزُّخْرُفُ، وَالدُّخَانُ، وَالْجَاثِيَةُ، (وَالأَحْقَافُ) 2، وَسُورَةُ مُحَمَّدٍ، وَق، وَالنَّجْمُ، وَالْقَمَرُ، وَالْمُمْتَحَنَةُ، وَن، وَالْمَعَارِجُ، وَالْمُدَّثِّرُ، وَالْقِيَامَةُ، وَالْإِنْسَانُ، وَعَبَسَ، وَالطَّارِقُ، والغاشية، والتين، والكافرون.   1 وهي: السورة المعروفة بفصلت. 2 في هـ: الغافر، بدل الأحقاف. وهو خطأ. لأن سورة الغافر هي سورة المؤمن التي سبق ذكرها فيما تضمن الناسخ والمنسوخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وَقَالُوا: وَالسُّوَرُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى النَّاسِخِ دُونَ الْمَنْسُوخِ سِتٌّ: الْفَتْحُ، والحشر، والمنافقون، والتغا بن، وَالطَّلاقُ، وَالأَعْلَى. وَالسُّوَرُ الْخَالِيَاتُ عَنْ نَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ ثَلاثٌ وَأَرْبَعُونَ: 1 سُورَةً الْفَاتِحَةُ، وَيُوسُفُ، وَيس، وَالْحُجُرَاتُ، وَالرَّحْمَنُ، وَالْحَدِيدُ، وَالصَّفُّ، وَالْجُمُعَةُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالْمُلْكُ، وَالْحَاقَّةُ، وَنُوحٌ، وَالْجِنُّ، وَالْمُرْسَلاتُ، وَالنَّبَأُ، وَالنَّازِعَاتُ، وَالِانْفِطَارُ، وَالْمُطَفِّفِينَ، وَالِانْشِقَاقُ، وَالْبُرُوجُ، وَالْفَجْرُ، وَالْبَلَدُ، وَالشَّمْسُ، وَاللَّيْلُ، وَالضُّحَى، وألم نشرح، والقلم، والقدر، (والانفطار)، (وَالزَّلْزَلَةُ) 2، وَالْعَادِيَاتُ، وَالْقَارِعَةُ، (وَالتَّكَاثُرُ) وَالْهُمَزَةُ، والفيل، وقر يش، وَالدَّيْنُ، (وَالْكَوْثَرُ)، وَالنَّصْرُ، وَتَبَّتْ، وَالْإِخْلاصُ، وَالْفَلَقُ، وَالنَّاسُ. قُلْتُ: وَاضِحٌ بِأَنَّ التَّحْقِيقَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ يُظْهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ تَخْرِيفٌ مِنَ الذين حصروه، والله الموفق.   1 في هـ: وأربعين. وهو خطأ من الناسخ. 2 في هـ: والزلة، وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بَاب ُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ مناقشة (247) قضيّة من (62) سورة قرآنيّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ 1 ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 2. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ النفقة على أربعة أقوال: أحدها: أَنَّهَا النَّفَقَةُ عَلَى الأَهْلِ وَالْعِيَالِ، قاله ابن مسعود3 وحذيفة4.   1 في العبارة قلق في (هـ) وقد جاء فيها: (باب ذكر الآيات والتي تضمنت ادعى عليها من النسخ). 2 الآية الثالثة من البقرة. 3 أما ابن مسعود، فهو: عبد الله بن مسعود بن غافل، بمعجمة وفاء ابن حبيب الهزلي أبو عبد الرحمن، من السابقين الأوّلين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبه جمة، وأمّره عمر رضي الله عنه على الكوفة، مات سنة: 32هـ أو في التي بعدها بالمدينة. انظر: التقريب (189). 4 أخرجه الطبري عن ابن عباس وابن مسعود، وعن ناس من الصحابة وفيه: (وهذا قبل أن تنزل الزكاة) وأخرجه ابن أبي حاتم السدّي، وذكر ابن العربي عن ابن مسعود. انظر: جامع البيان 1/ 81؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة (7)؛ وأحكام القرآن1/ 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَالثَّانِي: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ1. وَالثَّالِثُ: الصَّدَقَاتُ النَّوَافِلُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ2. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَا إِلَى نَفَقَةٍ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَ الزَّكَاةِ. ذَكَرَهُ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ، وَزَعَمُوا: أَنَّهُ كَانَ فَرْضٌ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَمْسِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ (يَوْمَهُ) 3 وَلَيْلَتَهُ وَيُفَرِّقُ بَاقِيهِ عَلَى (الْفُقَرَاءِ) 4 ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الزَّكَاةِ5 وَهَذَا قَوْلٌ لَيْسَ (بِصَحِيحٍ)   1 أخرجه الطبري عن ابن عباس من طريق عليّ بن أبي طلحة، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة وسعيد بن جبير عنه، كما ذكره ابن العربي أيضاً عن ابن عباس. انظر: المصادر الثلاثة السابقة. 2 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 (7)، عن قتادة، وذكره ابن العربي في أحكام القرآن1/ 10، عن الضحاك. 3 في (هـ): نومه، وهو تصحيف. 4 في (هـ): الفقر، وهو خطأ من الناسخ. 5 أخرجه أبن جرير1/ 81، في جامع البيان، وذكره ابن كثير في تفسيره1/ 42، عن الضحاك، وقد جاء فيهما: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قال: "كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات: سبع آيات في سورة البراءة مما يذكر فيهن الصدقات هن المثبتات الناسخات). وفي الإسناد جويبير، هو ضعيف كما في التقريب (58). 6 في (هـ): تصحيح، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 لِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لا يَتَضَمَّنُ مَا ذَكَرُوا وَإِنَّمَا يَتَضَمَّنُ مَدْحَ الْمُنْفِقِ، وَالظَّاهِرُ، أَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا قُرِنَتْ مَعَ الْإِيمَانِ بِالصَّلاةِ. وَعَلَى هَذَا، لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ (وَإِنْ كَانَتْ) 1 تُشِيرُ إِلَى الصَّدَقَاتِ النَّوَافِلِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا بَاقٍ، وَالَّذِي أَرَى، مَا بِهَا مَدْحٌ لَهُمْ عَلَى جَمِيعِ نَفَقَاتِهِمْ فِي الْوَاجِبِ وَالنَّفْلِ2 وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ3: نَسَخَتْ آيَةُ الزَّكَاةِ كُلَّ صَدَقَةٍ (كَانَتْ) قَبْلَهَا وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ كَانَ قَبْلَهُ4 وَالْمُرَادُ بِهَذَا كُلُّ صَدَقَةٍ وَجَبَتْ بِوُجُودِ الْمَالِ مرسلاً كهذه الآية5.   1 في (هـ): والزكاة، وهو خطأ من الناسخ. 2 أورد المؤلف هذه الآراء كلّها في تفسيره زاد المسير1/ 26 عمن ذكر عنهم هنا، ثم قال بعد ذكر دعوى النسخ: (وغير هذا القول أثبت) وقال في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (2) بعد إيراد دعوى النسخ: (وهذا بعيد). 3 هو: أبو جعفر المدني المخزومي اسمه: يزيد بن القعقاع، ثقة إمام أهل المدينة في القراءة روى عن مولاه عبد الله بن عياش بن ربيعة، وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. وروى عنه نافع بن أبي نعيم القاري ومالك وآخرون أخرج له أبو داود في سننه، توفي سنة:127هـ وقيل 130. انظر: التهذيب12/ 58 - 59. 4 ذكر هذا القول هبة الله في ناسخه ص: 11، عن يزيد بن القعقاع. 5 اختار الإمام ابن جرير في جامع البيان1/ 81 بأن هذه الآية عامة في الزكاة والنفقات وأن أسلوبها مدح وثناء للمنفقين، فهو إذاً أسلوب خبر، وفي نسخ الأخبار تكذيب للمخبر، وتبعه في ذلك ابن العربي في أحكام القرآن1/ 10 - 11؛ ولم يتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية النحاس ومكي بن أبي طالب وابن حزم الأنصاري في نواسخهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: (قَوْلُهُ) 1 تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الْآيَةَ.2. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ: أحدها: أَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَالَّذِينَ هَادُوا، وَهُمْ أَتْبَاعُ مُوسَى، (وَالنَّصَارَى، وَهُمْ) أتباع عيسى، والصابؤون: الْخَارِجُونَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلامِ مَنْ آمَنَ، أَيْ: مَنْ دَامَ مِنْهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ3. وَالثَّانِي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَهُمُ، الْمُنَافِقُونَ4 وَالَّذِينَ هَادُوا: وَهُمُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى والصابؤن: وَهُمْ كُفَّارٌ أَيْضًا،: مَنْ آمَنَ أي من دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ. وَالثَّالِثُ: إِنَّ الْمَعْنَى (إِنَّ الَّذِينَ آمنوا) وَمَنْ آمَنْ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: بَعْدَ هَذَا: مَنْ آمَنَ رَاجِعًا إِلَى الْمَذْكُورِينَ مَعَ الذين آمنوا،   1 في (هـ): كقوله. 2 الآية (62) من سورة البقرة. 3 أوّل ابن جرير بذلك في ما عدا كلمة (الصابئين)، وقال فيها: "الصابئون جمع صابئي، وهو المستحدث سوى دينه ديناً، وكل خارج من دين كان عليه آخر غيره". انظر: جمع البيان1/ 252. 4 ذكر القول الثاني القرطبي في الجامع لأحكام القرآن1/ 432، والمؤلّف في زاد المسير1/ 91، ونسباه إلى سفيان الثوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وَمَعْنَاهُ: مَنْ يُؤْمِنْ [مِنْهُمْ] 1 وَعَلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ الثَّلاثَةُ لا وَجْهَ لِادِّعَاءَ نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 2. فَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ (الصَّيْرَفِيُّ) 3 قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} الْآيَةَ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. قُلْتُ: فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى النَّسْخِ4 وَهَذَا الْقَوْلُ لا يَصِحُّ لوجهين:   1 في (هـ) ساقطة. قال المؤلّف في زاد الميسر1/ 92، بعد إيراد هذا القول: "وهذا المعنى مروي عن مجاهد والضحاك في آخرين وعلى هذا يرون إحكام الآية". 2 الآية (85) من سورة آل عمران. 3 في (هـ): صرفي، وهو خطأ. 4 أخرج هذا الأثر ابن جرير، وابن أبي حاتم، في تفسيرهما عن ابن عباس، ثم قال ابن جرير: "دل هذا الخبر على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل شأنه كان قد وعد من عمل صالحاً من اليهود والنصارى والصابئين الجنة في الآخرة على عمله ثم نسخ ذلك بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} ولكن ابن جرير اختار في نهاية المناقشة أحكام الآية ورد دعوى النسخ. انظر: جامع البيان1/ 252؛ وتفسير بن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة (49). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أحدهما: أَنَّهُ إِنْ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} إِلَى مَنْ كَانَ تَابِعًا لِنَبِيِّهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ الْآخَرُ فَأُولَئِكَ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَى مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مَنْ لَمْ يُبَدِّلْ دِينَهُ وَلَمْ يُحَرِّفْ أَنْ يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَّبِعَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَبَرٌ وَالأَخْبَارُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ1. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} 2. جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيِّئَةِ الشِّرْكُ3 فَلا يَتَوَجَّهُ عَلَى هذا   1 أورد مكي بن أبي طالب هذه الآية في ناسخه ص 107، رعزا دعوى النسخ إلى ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة ثم قال: "والصواب أن تكون محكمة، لأنها خبر من الله بما يفعل بعباده الذين كانوا على أديانهم قبل مبعث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا لا ينسخ، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً من الأولين والآخرين" ولم يتعرض النحاس لدعوى النسخ أصلاً ورد المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (2) دعوى النسخ بمثل ما رد به هنا. 2 الآية (81) من سورة البقرة. 3 روى ابن جرير في جامع البيان1/ 304 - 305؛ هذا المعنى عن مجاهد وقتادة وأبي وائل وابن جريج والربيع، كما عزا المؤلف في زاد المسير1/ 158، هذا القول إلى ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبي العالية، وأبي وائل ومقاتل، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره ورقة 56، عن أبي هريرة ني قوله {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قال: أحاطت به شركه، وفي تفسير سفيان الثوري ص 7 {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} قال: "الشرك"، {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قال: "كل عمل أوجب عليه النار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الْقَوْلِ نَسْخٌ (أَصْلا) 1 وَقَدْ رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيِّئَةِ الذَّنْبُ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا النَّارَ2 فَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ النَّسْخُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3 عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ، عَلَى مَنْ أَتَى السَّيِّئَةَ مستحلاً فلا يكون نسخاً4.   1 في (هـ): أصلي، وهو خطأ إملائي. 2 رواه الطبري عن السدي ضمن من يؤول السيئة بالشرك. انظر: جامع البيان1/ 305. 3 الآية (48) من سورة البقرة. 4 يقول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (2) بعد ذكر دعوى النسخ في هذه الأية "وممكن أن يحمل ذلك على أن مَنْ أَتَى السَّيِّئَةَ مُسْتَحِلًّا فَلا يكون نسخاً" ولم يتعرض لدعوى النسخ في زاد المسير أصلاً. قلت: دعوى النسخ هنا في غاية الضعف، لأنه لم يثبت ذلك بنقل صحيح، ولأن السدي غير معتبر كلامه في التفسير كما سبق في ترجمته عن الإمام أحمد، ولأن هذه الآية وردت في أسلوب الإخبار للوعيد وليس فيها حكم عملي فرعي حتى يقبل النسخ، ويؤيد ذلك إعراض أمهات كتب النسخ وكتب التفسير عن ذكر دعوى النسخ في هده الآية. انظر: ترجمة السدي في بداية مقدمة المؤلف بالهامش ص 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا على قولين: أحدهما: أَنَّهُمُ الْيَهُودُ، وَالتَّقْدِيرُ مَنْ سَأَلَكُمْ عَنْ شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاصْدُقُوهُ وَبَيِّنُوا لَهُ صِفَتَهُ وَلا تَكْتُمُوا أَمْرَهُ، قَالَهُ ابن عباس، وا بن جبير2 وابن جريج3 ومقاتل4.   1 الآية (83) من سورة البقرة. 2 أما ابن جبير، فهو: سعيد ابن جبير بن هشام الأسدي الوابلي روى عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وغيرهم من الصحابة والتابعين ثقة إمام حجة قتل (95هـ) على يد الحجاج لخروجه عليه، انظر: ترجمة التهذيب 4/ 11 - 14؛ والتقريب (120). 3 في (م) و (هـ) ابن جريح، بالحاء وهو تصحيف، وهو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي الرومي الأصل كان يدلس ويرسل، روى عن أبيه وعن الزهري وعطاء وغيرهم. ثقة كثير الحديث مات سنة:151هـ وهو ابن (70) 0 التهذيب6/ 403 - 406. 4 أما مقاتل فهو: ابن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني صاحب التفسير. قال ابن المبارك لما نظر إلى شيء من تفسيره (يا له من علم لوكان له إسناد) كذبوه وهجروه ورمي بالتجسيم من السابعة مات (150 هـ) التهذيب 10/ 239 - 285؛ والطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 373؛ وفيه (وأصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه). وتاريح بغداد13/ 160 - 169. ذكر المؤلف في زاد المسير 1/ 110، هذا القول عن ابن عباس وابن جبير وابن حريج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَالثَّانِي: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ الْحَسَنُ1: "مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهُوهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ"2 وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ3: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ مَعْرُوفًا"4 وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ5: "كَلِّمُوهُمْ بِمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَقُولُوا لَكُمْ"6 فَعَلَى هَذَا الْآيَةُ محكمة.   1 هو: الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري أبو سعيد إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه ولد بالمدينة سنة 21هـ رأى علياً وطلحة وعائشة رضي الله عنهم ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس هو رأس الطبقة الثالثة مات سنة عشرة ومائة هجرية، وقد قارب التسعين. انظر: التهذيب 2/ 263 - 270؛ وحلية الأولياء2/ 131؛ والتقريب (69). 2 أخرج هذا القول ابن حاتم عن سعيد بن جبير، وذكره النحاس عن سفيان الثوري. انظر: تفسير المخطوط لابن أبي حاتم 1/ (57 ورقة)، والناسخ والمنسوخ ص:23 - 24. 3 أما أبو العالية، فهو: رفيع بن مهران الرياحي، مجمع على ثقته، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، كثير الإرسال، من الثانية مات سنة90هـ وقيل بعد ذ لك. انظر: التهذيب 3/ 284 - 285؛ وا لتقريب (104). 4 ذكره المؤلّف عن أبي العالية في زاد المسير1/ 110. 5 وهو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أبو جعفر الباقر) ثقة فاضل من الرابعة مات على الصحيح سنة (114هـ). التهذيب 9/ 350 - 352، والتقريب (311). 6 ذكره المؤلف عن محمد بن علي بن الحسين في المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: مُسَاهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلامِ، فَالْآيَةُ عِنْدَ هَؤُلاءِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ، لِأَنَّ لَفْظَ النَّاسِ عَامٌّ فَتَخْصِيصُهُ بِالْكُفَّارِ يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ ولا دليل ها هنا، ثُمَّ إِنَّ (إِنْذَارَ) 1 الْكُفَّارِ مِنَ الحسنى2.   1 في (هـ): إنذارك)، وهو خطأ. 2 قال المؤلف في زاد المسير بعد إيراد هذه الآراء المذكورة هنا: "وزعم قوم أن المراد بذلك مساهلة الكفار في دعائهم إلى الإسلام فعلى هذا، تكون منسوخة بآية السيف" وردّ في مختصر عمدة الراسخ ورقة (2) بمثل ما ردّ به هنا، وقال النحاس في ناسخه 23 - 24 بعد ذكر دعوى النسخ هنا: "إن لآية غير منسوخة، لأن معنى الآية: أدعوهم إلى الله كما قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة} وذكرى دعوى الأحكام مكيّ بن أبي طالب في ناسخه (170) عن عطاء، على أن معناه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} 1. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لُغَةٌ فِي الأَنْصَارِ، وَهِيَ مِنْ رَاعَيْتُ الرَّجُلَ إِذَا تَأَمَّلْتُهُ وَتَعَرَّفْتُ أَحْوَالَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَرْعِنِي (سَمْعَكَ) 2 وكانت الأنصار تقولها لرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِلُغَةِ الْيَهُودِ سَبٌّ بِالرُّعُونَةِ3 وَكَانُوا يَقُولُونَهَا لَهُ وَيَنْوُونَ بِهَا السَّبَّ فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ قولها لئلا يقولها اليهود   1 الآية (104) من سورة البقرة. 2 في (هـ): سمك، وهو خطأ. معنى راعيت: الأمر، أي: نظرت في عاقبته، وراعيته: لاحظته، أرعيته سمعي: مثل أصغيت وزناً ومعنى، وأرعني سمعك. انظر: المصباح المنير 1/ 247. وقد أخرج الطبري عن ابن عباس ومجاهد والضحاك، أرعني سمعك أي: إسمع منا ونسمع منك. انظر: تفسير الطبري1/ 373 - 374. 3 قال الحافظ في الفتح: "روى أبو نعيم في الدلائل بسند ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: راعنا بلسان اليهود (السب القبيح، فسمع سعد بن معاذ ناساً من اليهود خاطبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه" وذكر نحوه السيوطي أيضاً في الدر المنثور. انظر: فتح الباري 9/ 229؛ والدر المنثرر1/ 103. وقال الراغب في المفردات ص: 197 {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} أي: وكان ذلك قولاً يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم يقصدون رميه بالرعونة، ويوهمون أنهم يقولون: راعنا، أي: احفظنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا مَكَانَهَا (أَنْظِرْنَا) وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالأَعْمَشُ1 وَابْنُ الْمُحَيْصِنِ2 (رَاعِنًا) بِالتَّنْوِينِ فَجَعَلُوهُ مَصْدَرًا، أَيْ: لا تَقُولُوا رُعُونَةً3. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (لا تَقُولُوا رَاعُونَا) عَلَى الأَمْرِ بِالْجَمَاعَةِ4 كَأَنَّهُ نَهَاهُمْ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالنَّهْيُ فِي مُخَاطَبَةِ النَّبِيِّ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْآيَةُ قَدْ ذَكَرُوهَا فِي الْمَنْسُوخِ، وَلا وَجْهَ لِذَلِكَ بِحَالٍ، ولولا إيثاري   1 أما الأعمش فهو: سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد، من أهل الكوفة المعروف بالأعمش ئقة حافظ عارف بالقراءة ورع تقي لكنه يدلس توفي سنة 145هـ. انظر: التهذيب 4/ 223؛ والتقريب 136. 2 أما ابن المحيصن، فهو: عمر بن عبد الرحمن بن المحيصن من أشهر قراء مكة مقبول من الخامسة مات سنة 123هـ. انظر: التهذيب 7/ 474؛ والتقريب 255. 3 قال الإمام البخاري في صحيحه: "راعنا: من الرعونة، إذا أرادوا أن يحمقوا إنساناً قالوا راعنا". وقال الحافظ في الفتح: "هذا على قراءة من نون، وهي قراءة الحسن البصري، ووجهه بأنها صفة لمصدر محذوف، أي: لا تقولوا قولاً راعناً أي: قولاً ذا رعونة". انظر: صحيح البخاري، وفتح الباري 9/ 229. 4 أخرجه الطبري عن ابن مسعود في جامع البيان1/ 376، وقال الحافظ في الفتح9/ 229: "وفي قراءة أبي بن كعب (لا تقولوا راعونا) وهو: بلفظ الجمع وكذا في مصحف ابن مسعود. يقول الطبري: بعد أن أورد قراءة ابن مسعود: ولا نعلم ذلك صحيحاً عن ابن مسعود فإن صح عنه وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم ني خطاب بعضهم بعضاً، كان خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ذِكْرَ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ لم أذكرها. قال أبوجعفر النَّحَّاسُ: "هِيَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ مباحاً قوله"1. قُلْتُ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ فِي الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ إِذَا نُهِيَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تَكُنِ الشَّرِيعَةُ أَتَتْ بِهِ لَمْ يُسَمَّ النَّهْيُ نَسْخًا2. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 3. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ، ثُمَّ نُسِخَ الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الْآيَةَ4، هَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وغيرهما5.   1 انظر ما قاله النحاس في: الناسخ والمنسوخ ص: 24. وفي (هـ): كلمة (تعالى) زيادة ولعلها من الناسخ. 2 لم يتعرض المؤلف لدعوى النسح في هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ ولا في تفسيره. ونرى مكي ابن أبي طالب يورد دعوى النسخ عن عطاء ثم قال: قد كان حق هذا أن لايذكر في الناسخ والمنسوخ؛ لأنه لم ينسخ قرآناً. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 107 - 108. 3 الآية من سورة البقرة (109). 4 الآية (29) من سورة التوبة. 5 أخرجه الطبري في جامع البيان1/ 90، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط1/ 76، عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 107 وزاد نسبته إلى ابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أخبرنا أبوبكر بن حبيب الله الْعَامِرِيُّ1 قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا (ابْنُ) 2 حَمُّويَةَ، قَالَ: أخبرنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ حدثنا عبد الصمد، كِلاهُمَا عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيَصْفَحَ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، فَأَنْزَلَ3 فِي بَرَاءَةٍ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [الآية] 4 فنسخها بهذه   1 أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن حبيب العامري شيخ المؤلف ولد سنة (469هـ) وكانت له معرفة في الحديث والفقه، وكان يعظ، قال المؤلف في المنتظم: قرأت عليه كثيراً من الحديث والتفسير. انظر: مشيخة ابن الجوزي 149 - 152؛ والمنتظم10/ 64 - 65؛ والبداية والنهاية 12/ 27. 2 في (هـ) أبو، وهوخطأ. وهو ابن حمويه السرخسي أبو محمد عبد الله بن أحمد محدث ثقة روى صحيح البخاري عن الفربري، توفي سنة 381هـ. انظر مشيخة ابن الجوزي ص: 74. 3 في (هـ): الله. 4 الآية (39) من سورة التوبة. كلمة (الآية) ساقطة من (هـ). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الْآيَةِ، وَأَمَرَهُ فِيهَا بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا،] أَوْ يُقِرُّوا [1 بِالْجِزْيَةِ2. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قتادة {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} 3 نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4. أَخْبَرَنَا ابُنْ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو داود السجستاني، قال: بنا أحمد ابن مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} قَالَ: نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} الآية5.   1 في النسختين: (ويقرأو) بدون همزة. وهو خطأ، والصواب ما أثبت عن رواية الطبري، ولأن الإسلام والجزية لا يجتمعان. 2 أخرج الطبري نحوه في جامع البيان1/ 190، عن قتادة. 3 الآية (109) من سورة البقرة. 4 الآية الخامسة من سورة التوبة. 5 أخرجه الطبري عن ربيع بن أنس، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية. انظر: جامع البيان1/ 190؛ وتفسير ابن أبي حاتم 1 ورقة 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فَصْلٌ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ الْكَلامِ دُونَ التَّحْرِيفِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْعَفْوِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ إِلَى غَايَةٍ وَبَيَّنَ الْغَايَةَ بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لا يَكُونُ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلآخَرِ، بَلْ يَكُونُ الأَوَّلُ قَدِ انقضت مدته بغايته والآخر محتاجاً1 إِلَى حُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ ذَهَبَ إلى ما قلته جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ2 وَهَذَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُرَادَ الْعَفْوُ عَنْ قِتَالِهِمْ (وَقَدْ قَالَ) 3 الْحَسَنُ: هَذَا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ دُونَ تَرْكِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِالْقِيَامَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالْعُقُوبَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الأَمْرُ بِالْعَفْوِ مُحْكَمًا لا منسوخاً.   1 في (هـ): محتاج بالرفع، وهو خطأ من الناسخ. 2 ذكر المؤلف في زاد المسير1/ 132، هذا الرأي عن جماعة من المفسرين والفقهاء، وقال في نفسير آية {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}: قال ابن عباس: فجاء الله بأمره في النضير بالجلاء والنفي وفي قريظة بالقتل والسبي. وأما في مختصر عمدة الراسخ في ورقة (2) فقال بعد ذكر دعوى النسخ: (زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السيف، وليس بصحيح، لأنه لا يأمر بالعفو مطلقاً، بل إلى غاية ومثل هذا لايدخل في المنسوخ). 3 في (هـ): فقال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الآية على ثمانية أقوال: أحدها: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بن خريم قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عن عبد الله بنا (عَامِرِ) 2 بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ3 قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فِي لَيْلَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَعْرِفِ الْقِبْلَةَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 4.   1 الآية (115) من سورة البقرة. 2 في (هـ) عباس، وهو خطأ والصواب ما سجلت عن (م). وهو: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ربيعة العدوي، رأى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثقة روى عن أبيه عامر بن ربيعة، وروى عنه الزهري، وعاصم بن عبيد الله وغيرهما، قال الحافظ: لأبيه صحبة، وثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين. انظر: الجرح والتعديل5/ 122 رقم 559؛ والتقريب 178. 3 وهو: عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي بسكون النرن حليف آل الخطاب صحابي مشهور، أسلم قديماً وهاجر، وشهد بدراً مات ليالي قتل عثمان رضي الله عنه. انظر: التقريب (160). 4 أخرجه الترمذي والبيهقي في سننهما والطبري وابن أبي حاتم في تفسيرهما، والواحدي في أسباب النزول عن عامر بن ربيعة، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أشعث وقد ضعف. انظر: صحيح الترمذي5/ 205؛ والسنن الكبرى للبيهقي2/ 10؛ وجامع البيان1/ 401؛ وتفسير بن أبي حاتم المخطوط اورقة 92؛ وأسباب النزول ص: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً كُنْتُ فِيهَا فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفِ الْقِبْلَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْقِبْلَةُ هَاهُنَا فَصَلُّوا وَخَطُّوا خَطًّا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَاهُنَا فَصَلُّوا وَخَطُّوا خَطًّا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَكَتُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1.   1 أخرجه الدارقطني في سننه1/ 271، في (باب الاجتهاد في القبلة) عن جابر رضي الله عنه، وأخرجه البيهقي في سننه2/ 10، في (باب الاختلاف في القبلة عند التحري) عنه وفيه: فقال: "قد أجزأت صلاتكم" وليس فيه ذكر نزول الآية، وذكر في رواية أخرى نزول الآية ولكن البيهقي ضعفهما وقال: لم نجد لها إسناداً صحيحاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 قُلْتُ: وَهَذَا الْحُكْمُ باقٍ عِنْدَنَا وَإِنَّ مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ مُجْزِيَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ1 ومجاهد و] عطاء [2 وَالشَّعْبِيِّ3، وَالنَّخَعِيِّ4 وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلِلشَّافِعِيِّ قولان:   1 وهو: سعيد به المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: "لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه"، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين. انظر: التقريب (126). تجد قول سعيد ابن المسيب في كتاب، فقه سعيد بن المسيب1/ 204. 2 غير واضحة من (هـ). وهو: عطاء بن أبي رباح بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه عالم كثير الحديث لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة:114هـ على المشهور، وقيل. إنه تغير في آخره، ولم يكن ذلك منه. انظر: تهذيب التهذيب 7/ 199؛ وا لتقريب (239). 3 أما الشعبي فهوعامر بن شراحيل بن عبد الله الشعبي الحميري الكوفي روى عن كثير من الصحابة والتابعين، وقال، ابن معين وغير واحد: إنه ثقة، وكان فقيهاً مشهوراً فاضلاً من الثالثة، مات بعد المائة وله نحواً من ثمانين سنة. انظر. التهديب5/ 65 - 69؛ والتقريب 161. 4 أما النخعي؛ فهو: إبراهيم بن يزيد بن قيس ابن الأسود النخعي الكوفي الفقيه ثقة إلا أنه يرسل كثيراً، من الخامسة، مات سنة 191هـ، هو ابن خمسين أو نحوها. انطر: التهذيب1/ 177 - 179؛ والتقريب (24). وقد أورد البيهقي قول النخعي هذا في سننه 2/ 12، وتجده أيضاً في كتاب موسوعة فقه إبراهيم النخعي 2/ 384؛ والمصنف لعبد الرازق2/ 344. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أحدهما: كَمَذْهَبِنَا1. وَالثَّانِي:] يَجِبُ [2 الْإِعَادَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ3، وَرَبِيعَةُ4 يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ يُعِدْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ صَلاةُ التَّطَوُّعِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حموية قال: أبنا إبراهيم   1 يقصد مذهب الحنابلة. 2 في (هـ): يجيب، وهوتحريف. أورد مكي بن أبي طالب عن النخعي، في هذه الآية أنها مخصوصة محكمة نزلت فيمن جهل القبلة، له أن يصلي أينما توجه، ولا إعادة عليه، وعند مالك وأصحابه عليه الإعادة. انظر: الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص: 113. 3 أما الزهري، فهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القريشي الزهري وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه، مات سنة 125هـ وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين انظر: التقريب 318؛ وتذكرة الحفاظ1/ 102؛ وحلية الأولياء2/ 360. 4 أما ربيعة، فهو: أبو عبد الرحمن التيمي مولاهم أبو عثمان المدني، واسم أبيه فروخ، ثقة، فقيه مشهور من الخامسة، مات سنة 136هـ على الصحيح. انظر: التقريب ص: 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ابن خريم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ1 قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَهُوَ جَاءٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 2 فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي هَذَا أُنْزِلَتِ الْآيَةُ3. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، قَالَ أَصْحَابُ رسوله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ قِبْلَتِنَا؟ وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما4.   1 وهو: عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي أسلم قديماً، وهو صغير، وهاجر مع أبيه، شهد الخندق وبيعة الرضوان، والمشاهد التي بعدها، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعن أبيه وعن كبار الصحابة، وكان من أشد الناس اتباعاً للأثر. مات سنة 73هـ في آخرها أو أول التي تليها. انظر: التهذيب 5/ 329 - 330، والتقريب (182). 2 الآية (115) من سورة البقرة. 3 أخرجه مسلم عن ابن عمر في باب جواز النافلة في السفر حيث توجهت، والترمذي في كتاب التفسير الباب الئالث عن ابن عمر، وابن جرير أيضاً عنه. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 209؛ والترمذي 5/ 205؛ وجامع البيان 1/ 400 - 401. 4 أخرجه الطبري في جامع البيان 1/ 401 عن قتادة بلفظ (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه، قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم، قال: فنزلت {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} قال قتادة: "فقالوا إنه كان لا يصلي إلى القبلة فأنزل الله عزوجل: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وذكر نحوه أيضاً الواحدي عن ابن عباس من طريق عطاء، في أسباب النزول ص 24. كما ذكره السيوطي في لباب النقول، نقلاً عن ابن جرير، ثم قال: هذا الحديث غريب جداً مرسل أو معضل. انظر: لباب النقول في أسباب النزول المطبوع على هامش تفسير ابن عباس ص: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ: أَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنْ شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ فَاسْتَقْبِلُوا الْكَعْبَةَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ1. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا تَكَلَّمُوا] حِينَ [2 صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَمَعْنَاهَا: لا تَلْتَفِتَنَّ إِلَى اعْتِرَاضِ الْيَهُودِ بِالْجَهْلِ وَإِنَّ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ لِلَّهِ يَتَعَبَّدُكُمْ بِالصَّلاةِ إِلَى مَكَانٍ ثُمَّ يَصْرِفُكُمْ عَنْهُ كَمَا يَشَاءُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ3، وَقَدْ رَوَى مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.   1 رواه الترمذي في صحيحه5/ 206، وابن جرير في تفسيره 1/ 402، والبيهقي في سننه2/ 13، عن مجاهد في كتاب التفسير. 2 في (هـ): حتى، وهو تصحيف. 3 هو: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري حافظ أديب نحوي صدوق فاضل دين من أهل السنة صنف كتباً عديدة في علوم القرآن، ذكر له السيوطي كتاباً في ناسخ القرآن ومنسوخه، قال أبو علي القالي: كان أبو بكر الأنباري يحفظ ثلاثماثة ألف بيت شاهد في القرآن وقال عن نفسه: إنه كان يحفظ ثلاثة عشر صندوقاً (يقصد الكتب) توفي سنة (336هـ) انظر: تاريخ بغداد3/ 181 - 186؛ وتذكرة الحفاظ2/ 230؛ وإنباه الرواة3/ 201 - 208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّلاةِ وَحْدَهَا وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ قَصَدْتُمُ اللَّهَ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ عَبَدْتُمُوهُ عَلِمَ ذَلِكَ وَأَثَابَكُمْ عَلَيْهِ. وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْوَجْهَ بِمَعْنَى الْقَصْدِ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَسْتِغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ مَعْنَاهُ: إِلَيْهِ الْقَصْدُ وَالتَّقَدُّمُ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا1. وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَيْنَمَا كُنْتُمْ [مِنَ] 2 الأَرْضِ فَعِلْمُ اللَّهِ بِكُمْ مُحِيطٌ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ3 ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَعَلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. الْقَوْلُ الثَّامِنُ: ذَكَرَ أَرْبَابُهُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، فَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ شَأْنُ الْقِبْلَةِ، قَوْلُهُ   1 يقصد ابن الأنباري المذكور. قال الراغب في المفردات ص 514: "يقال للقصد وجه وللمقصد جهة ووجهة وهي حيثما نتوجه للشيء". وذكر مكي بن أبي طالب نحو هذا المعنى عن بعض أهل المعاني. انظر: الايضاح ص 113. 2 ساقطة من (هـ). 3 في (هـ) هنا: (فعلم الله بكم) وهي زيادة عن (م). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1 فَاسْتَقَبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلاتِهِ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (فَصَلَّى) 2 إِلَيْهَا، وَكَانَتْ قِبْلَةَ اليهود، ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بِذَلِكَ الأُمِّيِّينَ مِنَ الْعَرَبِ فَنُسِخَ ذَلِكَ {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 3. أَخْبَرَنَا] إِسْمَاعِيلُ [4 بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ قَالَ أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا أبو الحسين إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بن محمد، قال: أنبا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ5 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ - فِيمَا ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ - شَأْنُ الْقِبْلَةِ، قَالَ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ   1 الآية (115) من سورة البقرة. 2 في (هـ): فصلاً، وهو خطأ إملائي. 3 الآية (150) من سورة البقرة، الأثر أخرجه الطبري مطولاً من طريق عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في جامع البيان1/ 399 - 400. 4 في (هـ): (ابن إسماعيل). ولعلّها زيادة من الناسخ. والصواب: إسماعيل بن أحمد كما سبق في ترجمته في ص: (126) 5 أما عطاء الخراساني، فهو: عطاء بن أبي مسلم أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان واسم أبيه ميسرة وقيل عبد الله صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس، قال أبو داود: لم ير ابن عباس ولم يدركه، من الخامسة مات (135هـ). انظر: التهذيب7/ 212 - 215؛ والتقريب (239). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1 فَاسْتَقَبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَقَالَ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ماولاهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 2 يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَسَخَهَا وَصَرَفَ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَقَالَ: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 3. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا سعيد ابن أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 4 قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَنَبِيُّ اللَّهِ بِمَكَّةَ وَبَعْدَمَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجْهَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، قَالَ أَحْمَدُ، وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قال: بنا همام قال، بنا قَتَادَةَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: وَكَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ نَحْوَ الكعبة5   1 الآية (115) من سورة البقرة. 2 الآية (142) من سورة البقرة. 3 رواه البيهقي في سننه2/ 12 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وذكره الواحدي في أسباب النزول ص: 24، عن ابن عباس من طريق عطاء الخراساني، كما ذكره ابن كثير والسيوطي والشوكاني في تفاسيرهم عند ذكر هذه الآية. وقال السيوطي في الدر المنثور1/ 1430، أخرجه أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ في كتابه الناسخ والمنسوخ. 4 الآية (115) من سورة البقرة. 5 في (هـ): إلى نحو الكعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وقال عزوجل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 1 فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ قِبْلَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يُونُسُ، عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ: نُسِخَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ، فقال الله عزوجل {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ والسدي2.   1 الآية (144) من سورة البقرة. 2 هذه الأقوال الواردة عن قتادة أخرج نحوها الترمذي في سننه5/ 206؛ في كتاب التفسير وابن جرير في جامع البيان1/ 400 عن قتادة كما أخرج الطبري نحوها عن السدي من طريق أسباط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فَصْلٌ: وَاعْلَمْ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1 لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلا إِلَى غَيْرِهِ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الِجَهَاتِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا. فَأَمَّا التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ كَانَ بِرَأْيِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم واجتهاده، أوكان عَنْ وَحْيٍ؟ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عزوجل: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} 2. وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أبنا أبو بكربن أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بن الحسين قال بنا كثير بن يحيى قال: بنا أبي، قال: بنا أَبُو بَكْرٍ الْهُدْبِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ مُحَمَّدًا مُخَالِفٌ لَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَوْ تَابَعَنَا عَلَى قِبْلَتِنَا، أو على شيء لتابعناه، فَظَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا مِنْهُمْ جَدٌّ، وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْكَذِبَ، وَأَنَّهُمْ لا يَفْعَلُونَ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.   1 الآية (115) من سورة البقرة. 2 الآية (143) من سورة البقرة. والأثر أخرجه الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ. انظر: جامع البيان في تفسير الآية: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} 2/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فَقَالَ: إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ فَصَلِّ قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: قَدْ تَابَعَنَا عَلَى قِبْلَتِنَا وَيُوشِكُ أَنْ يُتَابِعَنَا على ديننا، فأنزل الله عزوجل {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 1 فقد علمنا أنهم لايفعلون، وَلَكِنْ أَرَدْنَا أَنْ نُبَيِّنَ ذَلِكَ لَكَ2. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بَلْ كَانَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ3 وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ النَّاسُ يتوجهون إلى أي جهة شاؤوا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} ثُمَّ أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: "كَانُوا يَنْحُونَ أن يصلوا إلى أي قبلة"4 شاؤوا، لِأَنَّ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ لِلَّهِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَؤُلاءِ يَهُودٌ قَدِ اسْتَقْبَلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ - يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ- فَصَلُّوا إِلَيْهِ" فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا اهْتَدَى لِقِبْلَتِهِ حَتَّى هَدَيْنَاهُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُمْ وَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} 5.   1 الآية (143) من سورة البقرة. 2 أخرج نحوه الطبري عن ابن عباس وقتادة في جامع البيان2/ 4 - 5، وليس فيه (قَدْ تَابَعَنَا عَلَى قِبْلَتِنَا وَيُوشِكُ أن يتابعنا على ديننا). 3 أخرج الطبري هذا القول عن عكرمة والحسن وأبي العالية في جامع البيان2/ 4. 4 في العبارة قلق في (هـ) وقد جاء فيه: (كانوا ينحوا أن يصلوا إلى أن قبلة)، وفي (م) سقط النون من ينحون، لعله من النساخ. 5 أورد مكيّ بن أبي طالب ما في معناه عن ابن زيد في الإيضاح ص: 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل الوراق، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن أيوب قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُوَجَّهَ حَيْثُ يَشَاءُ، فَاخْتَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، لِكَيْ يَتَأَلَّفَ أَهْلُ الْكِتَابِ ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ [الْحَرَامِ] 1. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ اخْتِيَارِهِ بيت المقدس على قولين: أحدهما: أَنَّ الْعَرَبَ لَمَّا كَانَتْ تَحُجُّ وَلَمْ تَأْلَفْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، أَحَبَّ اللَّهُ امْتِحَانَهُمْ بِغَيْرِ مَا أَلِفُوهُ لِيَظْهَرَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ لا يَتَّبِعُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 2 وَهَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ3. وَالثَّانِي: أَنَّهُ (اخْتَارَهُ) 4 لِيَتَأَلَّفَ أَهْلَ الْكِتَابِ، قَالَهُ: أبو جعفر ابن جرير الطبري5.   1 ساقطة من (هـ). وأخرج هذا القول الطبري عن أبي العالية من طريق الربيع في جامع البيان2/ 4. 2 الآية (143) من سورة البقرة. 3 وأما الزجاج، فهو: بفتح الزاي والجيم المشددة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج النحوي، كان عالماً أديباً ديناً صنف كتاباً في معاني القرآن، روى عن المبرد وثعلب وغيرهما، توفي في بغداد سنة 311هـ. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب2/ 62؛ ووفيات الأعيان1/ 32. 4 في (م): اختار. 5 وهو: الإمام الكبير والمفسر المعروف محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر، المؤرخ ولد في آمل طبرستان سنة 224هـ، وهو من ثقات المؤرخين، صاحب المؤلفات منها جامع البيان في تفسير القرآن، وأخبار الرسل والملوك، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق، توفي رحمه الله ببغداد سنة (310هـ) 0 انظر: البداية والنهاية11/ 145؛ وتذكرة الحفاظ2/ 351؛ تحد كلام الطبري عن أبي العالية في جامع البيان2/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قُلْتُ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَدْ وَجَبَ اسْتِقْبَالُهُ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَيْنَ تَوَلَّى بِوَجْهِهِ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، فَيَحْتَاجُ مُدَعِّي نَسْخِهَا أَنْ يَقُولَ: فِيهَا إِضْمَارٌ. تَقْدِيرُهُ: (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) فِي الصَّلاةِ أَيْنَ شِئْتُمْ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ، وَفِي هَذَا بعد، والصحيح إحكامها1.   1 قلت: وقد أنكر الطبري والنحاس وقوع النسخ في هذه الآية، وقالا: (لا يوجد هنا ناسخ ولا منسوخ). وأما ابن هلال فقد أورد قول النسخ وقال: (إن القول بنسخ هذه الآية غلط قبيح). قال المؤلّف في تفسيره: (وهذه الآية مستعملة الحكم في المجتهد إذا صلى إلى غير القبلة وفي صلاة التطوع على الراحلة، والخائف. وقد ذهب قوم إلى نسخها فقالوا. إنها لما نزلت، توجه رسرل الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك بقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} البقرة 144. وهذا (مروي عن ابن عباس. قال شيخنا علي بن عبيد الله: وليس في القرآن أمر خاص بالصلاة إلى بيت المقدس، وقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ليس صريحاً بالأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، بل فيه ما يدل على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها، فإذا ثبت هذا، دل على أنه وجب التوجه الى بيت المقدس بالسنة، ثم نسخ بالقرآن). وقال في مختصر عمدة الراسخ، بعد إيراد آية {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} "ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره: فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم، ثم نسخ ذلك المقدر، والصحيح أنها محكمة، لأنها خبر أخبرت أن الإنسان أينما تولى فثم وجه الله، ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة، لا على وجه النسخ. انظر: جامع البيان1/ 402؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس 15؛ والايجاز في معرفة الناسخ والمنسوخ، ورقة 15 من المخطوط وتفسير زاد المسير1/ 135؛ ومختصر عمدة الراسخ الورقة الثانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} 1. قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْكَلامَ اقْتَضَى نَوْعَ مُسَاهَلَةٍ لِلْكُفَّارِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلا أَرَى هَذَا الْقَوْلَ صحيحاً، لأربعة أوجه: أحدها: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَتُخَاصِمُونَنَا فِي دِينِ اللَّهِ2 وَكَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، لِأَنَّنَا أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَمِنَّا كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ أَيْ: نَحْنُ كُلُّنَا فِي حُكْمِ الْعُبُودِيَّةِ سَوَاءٌ فَكَيْفَ يَكُونُونَ أَحَقَّ بِهِ؟ {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} أَيْ (لا اخْتِصَاصَ لِأَحَدٍ بِهِ) 3 إِلا مِنْ جِهَةِ الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُجَازَى كُلٌّ مِنَّا بِعَمَلِهِ. وَلا تَنْفَعُ الدَّعَاوَى وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَبَرٌ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَعْمَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَيْهَا أَقْرَرْنَاهُمْ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمَنْسُوخَ مَا لا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُ هَذَا الْكَلامِ لا يَتَغَيَّرُ فَإِنَّ كُلَّ عَامِلٍ لَهُ (جَزَاءُ) 4 عَمَلِهِ فَلَوْ وَرَدَ الأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ لَمْ يَبْطُلْ تعلق أعمالهم بهم5.   1 الآية (139) من سورة البقرة. 2 أخرجه الطبري عن مجاهد وابن زيد في جامع البيان1/ 445. 3 في (هـ): لاختصاص الآخرين. وهو تحريف. 4 في (هـ): جزى، وهو تحريف. 5 نقل المؤلف دعوى النسخ هنا في زاد المسير1/ 152، عن أكثر المفسرين، بدون ردّ ولا ترجيح، وأما في مختصر عمدة الراسخ ورقة 2 - 3، فقال: بعد عزو دعوى النسخ إلى بعض المفسرين: وَفِي هَذَا بُعْدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحدا: أن الناسخ ينافي المنسوب، ولا تنافي بين الآيتين. والثاني: أنه خبر. قلت: لم تتعرض لدعوى النسخ في هذه الاية أمهات كتب النسخ أصلاً، إنما ذكر ذلك هبة الله في ناسخه (14) وعزاه إلى الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ذِكْرُ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الْآيَةَ1. قَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى الْآيَةِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لا يَطُوفَ بِهِمَا. قَالَ: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 2 وَالسَّعْيُ بَيْنَهُمَا مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ3. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ مَرْذُولٌ: لا يَصْلُحُ الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ إِضْمَارًا فِي الْآيَةِ وَلا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ قُرِئَ بِهِ فَإِنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مسعود، وأبي بن كعب، وأنس، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمَيْمُونَ بن مهران4 أنهم قرأوا5 (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لا يَطُوفَ بِهِمَا) 6، وَلِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ:   1 الآية (158) من سورة البقرة. 2 الآية (130) من سورة البقرة. 3 ذكر هذا القول هبة الله في ناسخه (14). 4 هو ميمون بن مهران الجزري أبو أيوب الرقي فقيه نشأ بالكوفة ثم نزل ((الرقة). روى عن عمر، والزبير مرسلاً، وعن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم. ذكره أبو عروبة في الطبقة الأولى من التابعين ووثقه المحدثون، مات سنة 16 أو 17 ومائة هجرية. انظر: التهذيب1/ 390 - 392. 5 في (هـ): قرأ بالإفراد، وهو خطأ. 6 أخرج هذه القرأءة الطبري في جامع البيان2/ 31؛، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما ثم قال: وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين، لو قرأ اليوم بها قارئ كان مستحقاً للعقوبة، لزيادته في كتاب الله ما ليس فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أحدهما: أَنْ تَكُونَ دَالَّةً عَلَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا لا يَجِبُ1. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ (لا) صِلَةً. كَقَوْلِهِ: مَا (مَنَعَكَ) أَنْ لا تَسْجُدَ2 فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ3 وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: هُوَ وَاجِبٌ (يَجْزِي) 4 عَنْهُ الدَّمُ5. وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآية، ما أخبرنا به أبوبكر بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ حَمُّويَةَ، قَالَ: أَبْنَا: إِبْرَاهِيمُ بْنُ خريم، قال: بنا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ عَلَى الصَّفَا [وَثَنٌ] 6 يُدْعَى (أَسَافُ) 7 وَوَثَنٌ عَلَى الْمَرْوَةِ يُدْعَى نَائِلَةُ، وَكَانَ أهل   1 أخرجه الطبري عن أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق عبد حميد. انظر: جامع البيان2/ 30. 2 ذكره الطبري في جامع البيان1/ 31، ولم يسنده إلى أحد. 3 قال المؤلف في زاد المسير1/ 164،: "اختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في السعي بين الصفا والمروة، فنقل الأشرم أن من ترك السعي لم يجزه حجه. ونقل أبو طالب: لا شيء في تركه عمداً أو سهواً، ولا ينبغي أن يتركه. ونقل الميموني: أنه تطوع". وأما ابن قدامة، فقد أورد في المغني3/ 408، أنه ركن، وعزاه إلى الإمام مالك والشافعي، وذكر عن أحمد أنه سنة فقط لا يجب الدم بتركه. 4 في (هـ): محرى، وهو تحريف. 5 أخرج الطبري عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد نحوه في جامع البيان2/ 30. 6 ساقطة من (م) وفي (هـ): وثنا بالنصب، وهو خطأ. 7 غير واضحة من (هـ) وفي (م): مساف. وهو تحريف. والصواب ما أثبت عن رواية الطبري والواحدي كما سيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَ بَيْنَهُمَا وَيُمَسِّحُونَ الْوَثَنَيْنِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلامُ أَمْسَكَ الْمُسْلِمُونَ عَنِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ1. قُلْتُ: فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا امْتَنَعُوا عَنِ الطَّوَافِ لِأَجْلِ الصَّنَمَيْنِ فَرَفَعَ اللَّهُ عزوجل الْجُنَاحَ عَمَّنْ طَافَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْصِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى بطوافه دون الأصنام2.   1 أخرجه الطبري عن الشعبي وعامر، وذكره الواحدي عن ابن عمر من طريق عمر وابن الحسين، وفيه: (أن ابن عمر انطلق إلى ابن عباس فسأله) ثم ذكر نحو الحديث. انظر: جامع البيان 2/ 28؛ وأسباب النزول للواحدي 28. وقد ذكر نحوه هبة الله في ناسخة (14) ولم يعز إلى أحد. 2 قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ هنا، أصحاب أمهات كتب النسخ، ما عدا هبة الله، كما أن المؤلف أعرض عن ذكره أصلاً في مختصر عمدة الراسخ، وفي تفسيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ذِكْرُ الْآيَةِ الْعَاشِرَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {اللاّعِنُونَ} 1. قد زعم قوم مِنَ الْقُرَّاءِ (الَّذِينَ) 2 قَلَّ حَظُّهُمْ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهَا3 ولوكان لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، لَعَلِمُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ اللَّفْظُ، وَيَنْكَشِفُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ. أحدهما: أَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إِلا بِتَرْكِ الْعَمَلِ بالآخر، وههنا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْجُمَلَ إِذَا دَخَلَهَا الِاسْتِثْنَاءُ يَثْبُتُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَكُنْ مُرَادًا دُخُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ الباقية وَمَا لا يَكُونُ مُرَادًا بِاللَّفْظِ الأَوَّلِ لا يَدْخُلُ عَلَيْهِ النَّسْخُ4.   1 الآية (159) من سورة البقرة. 2 في (هـ): الذي، وهو خطأ. 3 ذكره مكي بن أبي طالب عن يحيى بن حبيب بن إسماعيل الأسدي، ثم قال: إنه وهم منه. انظر: الإيضاح ص: 214. 4 قلت: أورد دعوى النسخ هنا كل من ابن حزم الأنصاري في ناسخه (320) وهبة الله بن سلامة في ناسخه (14)، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (17) كلهم قالوا: إنها منسوخة بالاستثناء، ثم رد ابن هلال، على ذلك. وأما المؤلف فقد أورد قول النسخ في كتابيه التفسير 2/ 166، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ثم رد عليه بمثل مارد به هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ذِكْرُ الْآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} الْآيَةَ1. ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُفَسِّرِي الْقُرْآنِ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ [تَعَالَى] 2 {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} 3 وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا نُسِخَ مِنْهَا حُكْمُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَالْكَبِدُ وَالطُّحَالُ" 4 وَكِلا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: اسْتَثْنَى مِنَ التَّحْرِيمِ حَالَ الضَّرُورَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَثْنَى بِالتَّخْصِيصِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ ولا وجه للنسخ بحال5.   1 الآية (173) من سورة البقرة. 2 ساقطة من (هـ)، وفيها: (يقول فيها) وهي زيادة من الناسخ. 3 جزء من الآية المذكورة. 4 رواه الإمام الشافعي في مسنده، وابن ماجه والدارقطني في سننهما عن عبد الله به عمر في كتاب الأطعمة. انظر: مسند الشافعي المطبوع على هامش الأم6/ 257؛ وابن ماجه2/ 102؛ والدارقطني 4/ 272؛. وما بين معقوفين من الحديث ساقطة من (هـ). 5 قلت: وممن عد هذه الآية من المنسوخة ابن حزم في ناسخه ص: 320، وهبة الله في ناسخه ص: 15، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (18)، ثم قال ابن هلال: (لا يسمى ما يبينه النبي صلى الله عليه وسلم بالتخصيص نسخاً للكتاب العزيز، وهذا خبر مؤكد موجب بحرف التأكيد ناف بالحصر ما عداه). وأما المؤلف فلم يتعرض لدعوى النسخ في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأْثَى} 1. ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ دَلِيلَ خِطَابِ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} اقْتَضَى أَنْ لا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَكَذَا لَمَّا قَالَ: {وَالأُنْثَى بِالأْثَى} اقْتَضَى، أَنْ لا يُقْتَلَ الذَّكَرُ بِالأُنْثَى مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 2 وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ3 عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي المائدة {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 4 وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلٌ. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ محمد بن إسماعيل إذنا قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَبْنَا يَعْقُوبُ بن سفيان، قال: بنا يحيى بن   1 الآية (178) من سورة البقرة. 2 الآية (45) من سورة المائدة، وفي (هـ): (والعين بالعين). 3 أما عثمان بن عطاء، فهو ابن أبي مسلم الخراساني أبو مسعود المقدسي ضعيف من السابعة مات سنة (155هـ) وقيل (151هـ). انظر: التقريب 235. 4 ذكره النحاس عن ابن عبامر من طريق جويبير، وهو ضعيف جداً كما قال الحافظ في التقريب (58)، وذكره مكي بن أبي طالب أيضاً عن ابن عباس بدون إسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ (16) والإيضاح (114). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ حَيَّيْنِ مِنَ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلامِ بِقَلِيلٍ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ قَتْلٌ وَجِرَاحَاتٌ، حَتَّى قَتَلُوا (الْعَبِيدَ وَالنِّسَاءَ) 1 فَلَمْ يَأْخُذْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى أَسْلَمُوا وَكَانَ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ يَتَطَاوَلُونَ عَلَى الْآخَرِ فِي الْعُدَّةِ وَالأَمْوَالِ فَحَلَفُوا أَنْ لا نَرْضَى حَتَّى نَقْتُلَ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرَّ مِنْهُمْ، وَبِالْمَرْأَةِ مِنَّا الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَنَزَلَ فِيهِمْ {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأْثَى} فَرَضُوا بِذَلِكَ فَصَارَتْ آيَةُ {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأْثَى} منسوخة نسخها {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 2. قُلْتُ: وَهَذَا (الْقَوْلُ) 3 لَيْسَ بِشَيْءٍ لوجهين: أحدهما: أَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ مَا كَتَبَهُ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَذَلِكَ لا يَلْزَمُنَا وَإِنَّمَا نَقُولُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نسخه، وبخطابنا بَعْدَ خِطَابِهِمْ قَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ، فَتِلْكَ الْآيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ مِنْ هَذِهِ بِتِلْكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حُجَّةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِلَفْظِ الْآيَةِ أَنَّ الْحُرَّ يُوَازِي الحر فلأن يوازي العبد   1 في (هـ) العبد والنشاء وهو تصحيف. 2 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير من طريق عطاء بن دينار وقال الحافظ في التقريب: "أن رواية عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بن جبير من صحيفته" انظر: تفسير ابن أبي حاتم المخطوط ورقة: 102، من الجزء الأوّل، والتقريب (239). 3 في النسختين: (القولين) بتثنية وهو خطأ، لأنه لم يسبق إلا قول واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أَوْلَى، ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ يَعُمُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} وَإِنَّمَا الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يَقْتُلُ حُرًّا بِعَبْدٍ وَذَكَرًا بِأُنْثَى فَأُمِرُوا بِالنَّظَرِ فِي التَّكَافُؤِ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ السَّرْخَسِيُّ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأْثَى} 1. قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِمْ بَغْيٌ وَطَاعَةٌ (لِلشَّيْطَانِ) 2 فَكَانَ الْحَيُّ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ وَعُدَّةٌ، فَقُتِلَ لَهُمْ عَبْدٌ قَتَلَهُ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ. قَالُوا: لَنْ نَقْتُلَ بِهِ إِلا حُرًّا تَعَزُّزًا وَتَفَضُّلا عَلَى غَيْرِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَإِذَا قُتِلَتْ لَهُمْ أُنْثَى قَتَلَتْهَا امْرَأَةٌ. قَالُوا: (لَنْ نَقْتُلَ) 3 بِهَا إِلا رَجُلا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْحُرَّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدَ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى، وَيَنْهَاهَمْ عَنِ الْبَغْيِ ثُمَّ أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 4.   1 الآية (178) من سورة البقرة. 2 في (هـ): عن الشيطان، ولعلها زيادة من الناسخ. 3 في (هـ): لن يقبل، وهو تصحيف. 4 أخرجه الطبري قي جامع البيان2/ 61، والبيهقي في سنه 8/ 26 في كتاب الجنايات عن قتادة. قلت: أورد دعوى النسخ في هذه الآية معظم كتب النسخ، ولكن مكي بن أبي طالب نقل عن جماعة عدم وقوع النسخ على أن آية المائدة شرع لمن قبلنا، لم يفرضه علينا فيكون ناسخاً لما تقدم من سنه الفرض علينا، ثم أورد مكي أربع توجيهات كلها تؤيد إحكام الآية: فالأول عن الشعبي، والثاني عن السدي، والئالث عن الحسن البصري، والرابع عن أبي عيد، ثم قال: "والآية عند مالك محكمة، وروى عنه أنه قال: أحسن ما سمعت في هذه الآية: أنها يراد بها، الجنس، الذكر والأنثى فيه سواء". وأما المؤلف، فقد أورد دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ثم ردها بمثل ما ردّ به هنا. وأما في تفسيره فذكر قول النسخ عن جماعة من المفسرين ثم قال: "قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ الله: وهذا عند الفقهاء ليس بنسخ، لأن الفقهاء يقولون: دليل الخطاب حُجَّةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أقوى منه". انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 114 - 116؛ وزاد المسير 1/ 180. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، هَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَمْ لا على قولين: أحدهما: أَنَّهَا كَانَتْ نَدْبًا لا وَاجِبَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ2 وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ (بِالْمَعْرُوفِ) قَالُوا: الْمَعْرُوفُ لا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ وَبِقَوْلِهِ: (على المتقين) وَالْوَاجِبُ لا يُخْتَصُّ بِهِ الْمُتَّقُونَ.   1 الآية (180) من سورة البقرة. 2 حكى مكي عن الشعبي والنخعي بأن (الوصية للوالدين والأقربين في الآية على الندب لا على الفرض فمنعت السنة من جواز الوصية للوالدين وبقيت الوصية للأقربين على الندب). انظر. الإيضاح ص: 122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَالثَّانِي: (أَنَّهَا كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ، واستدلوا بقوله: (كتب) وهوبمعنى فرض كقونه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} 1 وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَلَى نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، مَنْسُوخَةٌ2. وَأَجَابَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ أَهْلَ الْقَوْلِ الأَوَّلِ، فَقَالُوا: ذِكْرُ الْمَعْرُوفِ لا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، لِأَنَّ المعروف بمعنى العدل الذي لاشطط فيه ولاتقصيركقوله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 3 وَلا خِلافَ فِي وُجُوبِ هَذَا4 [الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ، فَذِكْرُ الْمَعْرُوفِ فِي الْوَصِيَّةِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا بَلْ يُؤَكِّدُهُ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ الأَمْرِ بِالْمُتَّقِينَ دَلِيلٌ عَلَى تَوْكِيدِهِ لِأَنَّهَا إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَقِّينَ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْلَى، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّقْوَى لازِمَةٌ لجميع الخلق.   1 الآية (183) من سورة البقرة. 2 أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره1/ 211، دعوى النسخ هنا، عن الإمام أحمد بإسناده إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 3 الآية (233) من سورة البقرة. 4 من هنا يوجد نقص كبير في النسخة الهندية، سوف تبدأ الموافقة مع النسخة المدنية من آية {وأتموا الحج ووالعمرة لله} أي: بعد ثمانية وعشرين صفحة من النسخة المدنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فَصْلٌ: ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ، بِإِيجَابِ الْوَصِيَّةِ وَنَسْخِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فِي الْمَنْسُوخِ مِنَ الْآيَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أقوال: أحدها: أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ إِيجَابِ الْوَصِيَّةِ مَنْسُوخٌ، قَالَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أبنا أبو الفضل ابن خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أخبرنا بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ ابْنُ كَامِلٍ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}. قَالَ: "نَسَخَتِ الْفَرِيضَةُ الَّتِي لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين (الوصية) "1.   1 في (م): من الوصية، ولعل (من) زيادة من الناسخ، والصواب ما سجلت عن رواية الطبري، وقد روى الطبري هذا القول عن ابن عباس من طريق محمد بن سعد العوفي. قلت: وإسناد الطبري كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء، وقد أكثر المؤلف الرواية بهذا الإسناد في الكتاب، وهو مكون من أسرة واحدة كلها من الضعفاء حتى تنتهي إلى عطية ابن سعد العوفي، وهو مختلف فيه. قال ابن حبان في كتاب المجروحين2/ 176 عنه: "فلا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب". أما محمد بن سعد، فقال الخطيب عنه لين الحديث. انظر: تاريخ بغداد5/ 322 - 323. وأما أبوه فهو: سعد بن محمد بن الحسن العوفي ضعيف جداً. انظر: المصدر السابق 9/ 126؛ ولسان الميزان 3/ 19. وأما عمه الحسين بن الحسن فقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال ابن حبان في المجروحين: "منكر الحديث … ولا يجوز الاحتجاج بخبره" مات سنة201هـ. انظر. كتاب المجروحين لابن حبان 1/ 246؛ وتاريخ بغداد8/ 26 - 32؛ ولسان الميزان2/ 278. وأما أبوه (أبو الحسين هذا) فهو: الحسن بن عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف أيضاً قال البخاري في التاريخ الكبير1/ 2/301: (ليس بذاك). وقال أبوحاتم: "ضعيف الحديث" وقال ابن حبان: "يروي عن أبيه، روى عنه ابنه محمد بن الحسن، منكر الحديث فلا أدري البلبلة في أحاديثه منه أو من أبيه أومنهما معاً، لأن أباه ليس بشيء في الحديث وأكثر روايته عن أبيه، فمن هنا اشتبه أمره ووجب تركه". مات سنة 211هـ. انظر: الجرح والتعديل2/ 3/26؛ وكتاب المجروحين لابن حبان1/ 234. أما جده عطية بن جنادة، فهو مختلف فيه. قال أحمد: "ضعيف الحديث كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير". وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث يكتب حديثه". وضعفه ابن حبان في كتاب المجروحين. وأما ابن سعد، فقال: "كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به" مات عطية سنة:110هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري1/ 4/9؛ وكتاب المجروحين2/ 176؛ والجرح والتعديل6/ 382، وطبقات بن سعد 6/ 304. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني أبي قال بنا حجاج قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 بنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عن ابن عبابس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} 1 نَسَخَتْهَا {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} الْآيَةَ2. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ يُوسُفَ3 قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ رِزْقٍ، قَالَ: أَبْنَا أحمد ابن سلمان، قال: بنا أبو داود، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آية الميراث4.   1 الآية (180) من سورة البقرة. 2 الآية السابعة من سورة النساء. والأثر أخرجه النحاس في ناسخه 18، عن ابن عباس من طريق عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ. 3 عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بن يوسف، هـ (من مشايخ ابن الجوزي، يقول عنه: إنه ولد سنة 474هـ، وكان حافظاً لكتاب الله ديناً ثقة سمع الحديث الكثير، وحدث. توفي يوم الأحد خامس عشر من جمادى الأولى من سنة 575هـ، ودفن بمقبرة أحمد. انظر: مشيخة ابن الجوزي 393 - 394؛ والشذرات4/ 251؛ والنجوم الزاهرة 6/ 86. 4 روى أبو داود نحوه عن ابن عباس في باب ما جاء في نسخ الرصية للوالدين والأقربين. كما رواه الدارمي في باب الوصية للوارث، عن عكرمة والحسن، وإسنادهما كإسناد المؤلف من طريق علي بن الحسين بن واقد، قال المنذري، بعد ذكر هذا الأثر: "وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال". انظر: سنن أبي داود مع شرح عون المعبود 8/ 71؛ وسنن الدرامي 2/ 420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أبنا ابن حموية، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَبْنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَخْطُبُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} فَقَالَ: هَذِهِ نُسِخَتْ1. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ ابْنِ حَمَّادٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ جَهْضَمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} قَالَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمَوَارِيثِ2. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدم عن محمد بن الفضيل، عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} قال: نسختها آية الفرائض3.   1 أخرجه ابن جرير في تفسيره جامع البيان 2/ 70، والبيهقي قي سننه6/ 265، في كتاب الوصايا، وذكر السيوطي أيضاً في الدر المنثور1/ 174، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبي داود في ناسخه، وابن المنذر، والحاكم وصححه، كلهم عن محمد بن سيرين. 2 أخرجه الطبري والبيهقي في المصدرين السابقين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 175، وزاد نسبته إلى وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وكلهم عن ابن عمر. 3 أخرج نحوه الطبري عن الحسن البصري في جامع البيان20/ 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَأَخْبَرَنِي شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ (ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) 1 عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ، فَهِيَ منسوخة، وكذلك قال: سعيدبن جُبَيْرٍ: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} قَالَ: نُسِخَتْ) 2. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ نُسِخَ مِنْهَا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو ظَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدَمُ عَنِ الْوَرْقَاءِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} قَالَ: كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ مِنْهُ الوالدين3.   1 أما ابن أبي نجيح فهو: عبد الله بن يسار الثقفي أبو يسار، روى عن أبيه وعطاء ومجاهد، وعكرمة، وطاؤس، وغيرهم، وروى عنه شعبة والسفيانان وورقاء وآخرون، وكان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح، وهو ثقة رمي بالقدر، ربما يدلس، من السادسة، مات سنة131هـ أو بعدها. انظر: التهذيب 6/ 54 - 55؛ والتقريب ص: 191؛ والجرح والتعديل5/ 202 - 203. 2 أخرجه الطبري عن مجاهد، وذكره السيرطي، وعزاه إلى عبد ابن حميد عن مجاهد. انظر: جامع البيان 2/ 70؛ والدر المنئرر 1/ 175. 3 تقدم نحوه عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. وفي صحيح البخاري، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في كتاب الوصايا 6/ 301؛ وفي لفظ الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما، كانت الوصية للوالدين والأقربين. انظر: سنن الدارمي في باب الوصية للوارث 2/ 420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الفضل البقال قَالَ: أَبْنَا بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا أسود بن عامر، قال: بنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: "كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ، وَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِلأَقْرَبِينَ"1. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عن زمعة عن ابن طاؤس عَنْ أَبِيهِ2 قَالَ: "نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ عَنِ الْوَالِدَيْنِ، وَجُعِلَتْ لِلأَقْرَبِينَ"3. قَالَ أبوداود: وحدثنا حماد بن سلمة عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْعَلاءَ بْنَ زِيَادٍ4 وَمُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ5 عَنِ الْوَصِيَّةِ، فقالا: "هي للقرابة".   1 ذكر البيهقي نحوه في سننه6/ 265، عن إبراهيم النخعي في كتاب الوصايا. 2 أما أبوه فهو طاؤس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري، مولاهم الفارسي يقال: اسمه ذكوان وطاؤس لقبه، ثقة فقيه فاضل من الثالثة مات سنة 156هـ وقيل بعد ذلك. انظر: التقريب 156. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان2/ 69، والبيهقي في سننه6/ 265، عن طاؤس وقد تعارضت روايتهما عنه في ذي القرابة، ففي رواية الطبري عنه: "فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته، وفي رواية البيهقي عنه (فمن أوصى لغير ذي قرابته لم تجز" 4 أما العلاء بن زياد فهو: مطر العدوي أبو نصر المصري أحد العباد ثقة من الرابعة مات سنة 194هـ. انظر: التقريب (268). 5 أما مسلم بن يسار فهو: أبو عبد الله البصري نزيل مكة فقيه، ويقال له مسلم سكرة ومسلم المصبح، ثقة عابد من الرابعة مات سنة مائة أو بعدها بقليل. انظر: التقريب (336) وقد أخرج الطبري نحو قولهما عن الحسن البصري في جامع البيان2/ 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الَّذِي نُسِخَ مِنَ الْآيَةِ الْوَصِيَّةُ (لِمَنْ) 1 يَرِثُ وَلَمْ يُنْسَخِ الأَقْرَبُونَ الَّذِينَ لا يَرِثُونَ. رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ2. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أبنا علي بن الفضل، قالت: أَبْنَا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَمَرَ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ، وَأَقْرَبِيهِ ثُمَّ نَسَخَ الْوَالِدَيْنِ وَأَلْحَقَ لِكُلِّ ذِي مِيرَاثٍ نَصِيبَهُ مِنْهَا، وَلَيْسَتْ لَهُمْ مِنْهُ وَصِيَّةٌ فَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ لا يَرِثُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِ قَرِيبٍ3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الفضل البقال، قال: بنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَبْنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ فَنُسِخَ ذَلِكَ، وَأَثْبَتَتَ لهما نصيبهما   1 في (م): لم، بدل (لمن) وهو خطأ صححتها نظراً للسياق. 2 أخرجه الطبري عن ابن عباس في جامع البيان2/ 69. 3 أخرج نحوه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط اورقة 115 عن أبي العالية، وليس فيه: (مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِ قَرِيبٍ)، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور1/ 175، وعزاه إلى عبد بن حميد عن قتادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِلأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لا يَرِثُونَ، وَنُسِخَ مِنَ الأَقْرَبِينَ كُلُّ وَارِثٍ1. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} قَالَ: "أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرِبَائِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَأَلْحَقَ لَهُمْ نَصِيبًا مَعْلُومًا، وَأَلْحَقَ لِكُلِّ ذِي ميراث نصيبه منه وليست لَهُمْ وَصِيَّةٌ، فَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ لا يَرِثُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ"2. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ حَمُّويَةَ، قَالَ: أبنا إبراهيم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا إسماعيل بن عياش، قال: بنا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ3 يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول:   1 أخرج الطبري نحوه عن قتادة والحسن في جامع البيان2/ 69. واختار الطبري رأيهما، على أن الوصية للوالدين منسوخة بآية المواريث، وبقي فرض الوصية للأقربين ممن لا يرث. 2 روى نحوه الدارمي في سننه عن قتادة في كتاب الوصايا. انظر: سنن الدارمي2/ 419. 3 أما أبو أمامة، فهو: صدي بالتصغير ابن عجلان بن وهب، ويقال. ابن عمرو، أبو أمامة الباهلي الصحابي المشهور، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وعن عمر وعن عثمان وعلي، وأبي عبيدة وغيرهم من الصحابة سكن الشام، ومات فيها سنة (86هـ)، وهو آخر من مات من الصحابة في الشام. انظر: التهذيب 4/ 420؛ والتقريب (152). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وَصِيَّةَ لوارث" 1   1 أخرجه أبو داود في سننه عن أبي أمامة في (باب ما جاء في الوصية للوارث) والإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه، والنسائي في سننه وابن ماجه في سننه من حديث عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الوصايا. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود8/ 72؛ ومسند أحمد مع فتح الرباني5/ 188؛ وجامع الترمذي4/ 433؛ والنسائي6/ 207؛ وابن ماجه2/ 907. قلت: بعد أن عرض المؤلف رحمه الله الأقوال بأدلتها نراه يقف موقفاً محايداً بدون ترجيح رأي على آخر، وأما في مختصر عمدة الراسخ في الورقة الثانية، فيقول. "فذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية منسوخة بآية الميراث، وقد نص أحمد على ذلك فقال: الوصية للوالدين منسوخة". وأما في تفسيره زاد المسير1/ 182 فيورد قول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم بنسخ هذه الآية بآية الميراث ثم يقول: "العلماء متفقون على نسخ الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وهم مختلفون في الأقربين الذين لا يرثون، هل تجب الوصية لهم؟ على قولين: أصحهما أنها لا تجب لأحد" فكأنه يميل إلى قول إمامه أحمد بن حنبل رحمه الله وقد أورد دعوى النسخ في هذه الآية معظم كتب النسخ والأصول، ونص أبو جعفر النحاس على ذلك في ناسخه (19). ويحكي ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط ورقة (115) قول النسخ في هذه الآية بآية الميراث، وعن ابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، والحسن ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حبان، وطاؤس، وإبراهيم النخعي، وشريح، والضحاك، والزهري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 1. أَمَّا قَوْلُهُ كُتِبَ، فَمَعْنَاهُ: فُرِضَ2. وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ3 وَفِي كَافِ التَّشْبِيهِ فِي قوله: (كما) ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى حُكْمِ الصَّوْمِ وَصِفَتِهِ لا إِلَى عَدَدَهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا جَعْفَرٌ الْخُلْدِيُّ، وَقَالَ: أَبْنَا أَبُو عِلاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بن خالد، قال: بنا أبي قال: بنا يُونُسُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَأَخْبَرَنَا إسماعيل بن أحمد، وقال: بنا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ: بنا إسحاق الكاذي قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حدثني أبي قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ عِكْرِمَةَ.   1 الآية (183) من سورة البقرة. 2 ذكر الطبري هذا المعنى في جامع البيان2/ 75، عن الشعبي، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره1/ 117، عن سعيد ابن جبير، وكذا في تفسير ابن عباس المنسوب إليه (20). 3 ذكر الطبري هذا المعنى في جامع البيان2/ 76 عن مجاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 1 يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْكِتَابِ، وَكَانَ كِتَابُهُ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَنْكِحُ، مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتْمَةَ، أَوْ يَرْقُدَ وَإِذَا صَلَّى الْعَتْمَةَ أَوْ رَقَدَ مُنِعَ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِهَا، فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 2. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ 3 قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر النجاد، قال: بنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا نصر بن علي، قال: بنا أبو أحمد، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ4، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا صَامَ فَنَامَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَى   1 الآية (183) من سورة البقرة. 2 الآية (187) من سورة البقرة. والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 177، وعزاه إلى سعيد وابن عساكر عن ابن عباس. 3 أما محمد بن أبي منصور، فهو: من مشايخ المؤلف، اسم أبيه عبد الملك بن الحسن ابن إبراهيم بن خيرون المقرىء، ولد سنة 454هـ وقرأ القراءات، وصنف فيها، وأقرأ به، وحدث، وكان ثقة، توفي سنة 539هـ انظر: مشيخة ابن الجوزي ص: 88 - 89، ومعجم المؤلفين 10/ 265؛ ومعرفة القراء الكبار 1/ 499. 4 أما البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري، فهو: صحابي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعلي وأبي أيوب وبلال وغيرهم استصغره النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بدر، مات سنة 72هـ. انظر: التهذيب 425 - 426؛ والتقريب ص: 43 - 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ، وَأَنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ1، أَتَى امْرَأَتَهُ، وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: عِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ: لَعَلِّي أَذْهَبُ فَأَطْلُبُ لَكَ، فَذَهَبَتْ وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: خَيْبَةٌ لَكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ} 2. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "كُتِبَ عَلَيْهِمْ إِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطْعَمَ إِلَى الْقَابِلَةِ، وَالنِّسَاءُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ لَيْلَةَ الصِّيَامِ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ ثَابِتٌ وَقَدْ أَرْخَصَ لَكُمْ"3. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ أَكَلَ بَعْدَمَا نَامَ، وأن عمربن الْخَطَّابِ جَامَعَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ4 أَنْ نَامَتْ، فَنَزَلَ فِيهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية5.   1 أما قيس بن صرمة، فهو: صحابي اختلفت الروايات في ذكر اسمه، فعند ابن جرير صرمة بن أبي أنس، وعند غيره صرمة بن قيس، وصرمة بن أنس وصرمة بن مالك، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذه الروايات، فقال: (الجمع بين هذه الروايات أنه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك). انظر: فتح الباري5/ 32؛ والإصابة2/ 183؛ وأسد الغابة 4/ 218. 2 أخرج نحوه البخاري في كتاب الصوم عن البراء بن عازب. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 5/ 32. 3 ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 177؛ وعزاه إلى عبد بن حميد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. 4 فِي (م) في الهامش: (كانت) وهي زيادة من الناسخ. 5 رواه الإمام أحمد وأبو داود في حديث طويل عن معاذ رضي الله عنه، في كتاب الصيام. انظر. مسند أحمد مع فتح الرباني9/ 239 - 244؛ وسنن أبي داود مع عون المعبود6/ 426. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى عَدَدِ الصَّوْمِ لا إِلَى صِفَتِهِ، وَلِأَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ ثلاثة أقواله: أَمَّا الأَوَّلُ: فَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن حبيب، قالت: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ الْعَامِرِيُّ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ حَمُّويَةَ، قَالَ: أبنا إبراهيم ابن خريم قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: بنا هاشم بن القاسم، قال بنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كُتِبَ عَلَى النَّصَارَى الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ، فَكَانَ أَوَّلُ أَمْرِ النَّصَارَى أَنْ قَدِمُوا يوماً قالوا: حتى لا نخطىء. قَالَ: ثُمَّ آخِرُ أَمْرِهِمْ صَارَ إِلَى أَنْ قَالُوا: نُقَدِّمُهُ عَشْرًا ونؤخر عشراً حتى لا نخطىء. فَضَلُّوا، وَقَالَ دَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ1 كَانَ عَلَى النَّصَارَى صَوْمُ رَمَضَانَ فَمَرِضَ مَلِكُهُمْ (فَقَالُوا) 2 إِنْ شَفَاهُ الله تعالى لنزيدن   1 أما دغفل، فهو: ابن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة السدوسي الشابة الشيباني الذهلي مختلف في صحبته، قال الإمام البخاري في تاريخه بعد ذكر نحو هذا الحديث عن دغفل بن حنظلة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من طريق الحسن: "لا يعرف سماع الحسن من دغفل، ولا يعرف لدغفل إدراك النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، توفي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو ابن 63، وهو الصحيح، كما قاله ابن عباس وعائشة، وفي التقريب اسمه: جعفر، مخضرم غرق بفارس في قتال الخوارج قبل سنة ستين هجرية". انظر: التاريخ الكبير للبخاري 3/ 255؛ والتهذيب 3/ 210؛ والتقريب (97) وتهذيب الكمال المخطوط2/ 198 - 199. 2 في (م): فتالي لعله تصحيف عما أثبت عن لفظ البخاري في التاريخ الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 عَشَرَةً، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ مَلِكٌ آخَرُ فَأَكَلَ اللَّحْمَ فَوَجِعَ فُوهُ فَقَالَ: إِنْ شَفَاهُ لَيَزِيدَنَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَلِكٌ بَعْدَهُ مَلِكٌ، فَقَالَ: مَا نَدَعُ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ الأَيَّامِ أَنْ نُتِمَّهَا، وَنَجْعَلَ صَوْمَنَا فِي الرَّبِيعِ، فَفَعَلَ فَصَارَتْ خَمْسِينَ يَوْمًا1. وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: اشْتَدَّ عَلَى النَّصَارَى صِيَامُ رَمَضَانَ، وَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَجَعَلُوا صِيَامًا فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَقَالُوا نَزِيدُ عِشْرِينَ يَوْمًا نُكَفِّرُ بِهَا مَا صَنَعْنَا2 فَجَعَلُوا صِيَامَهُمْ خَمْسِينَ يَوْمًا3 فَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ ابن الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ ابْنِ عباس رضي الله   1 أخرج نحوه البخاري في التاريخ الكبير3/ 255، عن دغفل عند ذكر ترجمته، كما أخرج النحاس نحوه في ناسخه (20) عنه، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثرر1/ 176، وزاد نسبته إلى الطبراني، عن دغفل بن حنظلة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي هامش التاريح الكبير نقل عن تهذيب تاريح ابن عساكر، هذا الحديث بلفظ قريب من لفظ المؤلّف. 2 في (م) صنعني. وهرخطأ والصواب ما أثبت عن لفظ الطبري. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان2/ 75، عن السدي من طريق أسباط. وذكر نحوه البغوي في تفسيره1/ 128، عن سعيد بن جبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 عَنْهُمَا {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَكَانَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ مَا أُنْزِلَ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ1 وَقَالَ قتادة: كتب الله عزوجل عَلَى النَّاسِ قَبْلَ نُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ2. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَقَدْ رَوَى (النَّزَّالُ) 3 بْنُ سَبْرَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَيَوْمُ (عَاشُورَاءَ) 4 وَقَدْ زَعَمَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ، أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ} 5 وَفِي هَذَا بُعْدٌ كَثِيرٌ، لِأَنَّ قوله {شَهْرُ رَمَضَانَ} جَاءَ عُقَيْبَ قَوْلِهِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} فَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلصِّيَامِ وَالْبَيَانِ لَهُ.   1 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان2/ 76، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، من طريق محمد بن سعد العوفي، وإسناد الطبري كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء كما قدمنا في ترجمة آل العوفي عند ذكر آية (180) من البقرة. 2 ذكره نحوه السيوطي في الدر المنثور1/ 177، وعزاه إلى عبيد بن حميد، عن قتادة. 3 في (م): البراء، وهو تحريف من النزال كما تبين لي بعد التحقيق. وهو: نزال بن سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي سمع ابن مسعود وغيره، ثقة من الئانية، وقيل إن له صحبة. انظر: التقريب (356). 4 في (م) عاشور، وهو خطأ إملائي. 5 الآية (185) من سورة البقرة. ذكر الطحاوي في باب مشكل ماروى عن صوم عاشوراء عن ابن مسعود، بأن صوم عاشوراء منسوخ بشهر رمضان. انظر: مشكل الآثار 3/ 85 - 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إِلَى نَفْسِ الصَّوْمِ لا إِلَى صِفَتِهِ وَلا إِلَى عَدَدِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ، أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} لا يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ وَلا صِفَةٍ، وَلا وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى نَفْسِ الصِّيَامِ كَيْفَ وَقَدْ عَقَّبَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} فَتِلْكَ يَقَعُ عَلَى يَسِيرِ الأَيَّامِ وَكَثِيرِهَا. فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: فِي نَسَقِ التِّلاوَةِ شَهْرُ رَمَضَانَ، بَيَّنَ عَدَدِ الأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَوَقْتَهَا، وَأَمَرَ بِصَوْمِهَا فَكَانَ التَّشْبِيهُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الصَّوْمِ. وَالْمَعْنَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصُومُوا كَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا صِفَةُ الصَّوْمِ وَعَدَدُهُ فَمَعْلُومٌ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ لا مِنْ نَفْسِ الْآيَةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى1 وَقَدْ أشار إليه السُّدِّيُّ وَالزَّجَّاجُ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى2، وَمَا رَأَيْتُ مُفَسِّرًا يَمِيلُ إِلَى التحقيق إلا   1 أخرجه الطبري عن ابن أبي ليلى مستدلاً به على إحكام الآية. انظر: جامع البيان2/ 277. وأما ابن أبي ليلى، فهو: عبد الرحمن ابن أبي ليلى، واسمه يسار، ويقال: بلال ويقال: داود الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي ولد لست بقين من خلافة عمر، روى عن أبيه وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، تابعي ثقة توفي سنة 81 أو 82 أو 83هـ، على الخلاف. انظر: التهذيب6/ 260 - 262. 2 ذكر نحوه المؤلف في زاد المسير1/ 184، ولم يعز إلى أحد. أما أبو يعلي القاضي، فهو: محمّد بن الحسين بن محمّد بن خلف المعروف بابن الفراء أحد الفقهاء الحنابلة (380 - 458هـ). قال المحاملي: ما تحاضرنا أحد من الحنابلة أعقل من أبي يعلى. تاريخ بغداد2/ 256، رقم الترجمة: (730). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وقد أومأ إِلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَإِنَّهُ شَرْحُ حَالِ صَوْمِ المتقدمين، وكيف كتب عليهم لا أنه تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ لا تَكُونُ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً أَصْلا 1. ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} 2. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ على قولين: أحدهما: أنه يقتضي التخيير بين الصوم وبين الإفطار مَعَ الْإِطْعَامِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلامِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ وَلا يَصُومُونَهُ فِدْيَةٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلامُ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 3.   1 قلت: أورد المؤلف في زاد المسير1/ 184 - 185، قولي النسخ والإحكام وما يؤيدهما، ولكنه، لم يبد رأيه فيه. وأما في مختصر عمدة الراسخ الورقة (3) فقد اختار إحكام الآية بعد أن أورد ما أورده هنا، من وجهة النظر والتعليل. وقد ذكر دعوى النسخ معظم كتب النسخ، إلا أن أبا جعفر النحاس قال: عن حديث دغفل بن حنظلة الذي رواه من طريق قتادة: (وهذا أشبه ما في هذه الآية). وذكر مكي بن أبي طالب عن الشعبي والحسن ومجاهد (أن هذه الآية غير منسوخة ولا ناسخة) وهو اختيار الطبري أيضاً، انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 20؛ والايضاح 124؛ وجامع البيان 2/ 77. 2 الآية (184) من سورة البقرة. 3 الآية (185) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أبنا بن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: بنا عبد الرازق قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قالت: نَسَخَتْهَا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} وَكَانَتِ الْإِطَاقَةُ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ يُصْبِحُ صَائِمًا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ لِذَلِكَ مِسْكِينًا فَنَسَخَتْهَا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 2. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن إدريس، قال: بنا الأَعْمَشُ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ3 {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 4.   1 ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 177، وعزاه إلى عبد بن حميد عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عباس. 2 أخرجه النحاس بسند ضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وأخرج نحوه الطبري في أثر طويل عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير. انظر: الناسخ والمنسوخ (21)، وجامع البيان2/ 79. 3 أما علقمة، فهو: ابن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان الكوفي ثقة فقيه عابد ولد في حياة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الثانية. مات بعد الستين وقيل: بعد السبعين. انظر: التهذيب7/ 26 - 278، والتقريب ص: 243. 4 أخرجه الطبري عن علقمة من طريق عبد الله بن إدريس. انظر: جامع البيان2/ 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 قَالَ أحمد: وحدثنا وكيع، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ1 {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قَالَ: نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدَهَا وَالَّتِي تَلِيهَا2. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ عَبْدِ الصمد، قال. بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قالت أَبْنَا عُبَيْدُ اللَّهِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانُوا إِذَا أراد الرَّجُلَ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ نِصْفَ صَاعٍ حَتَّى نَسَخَتْهَا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} فَلَمْ يَكُنْ إِلا لَهُمَا3. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: وَحَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبراهيم، قال: بنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. أَفْطَرَ الأَغْنِيَاءُ وَأَطْعَمُوا وَحَصَلَ الصَّوْمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فصام الناس جميعاً 4.   1 أما عبيدة، فهو: ابن عمرو السلماني بسكون اللام ويقال: بفتحها، قبيلة من مراد. مات النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الطريق. أبو عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت كان شريح إذا أشكل عليه شيء سأله. مات سنة سبعين على الصحيح. انظر: التقريب ص: 230. 2 رواه الطبري عن عبيدة السلماني من طريق وكيع في جامع البيان2/ 79. 3 تقدم تخريجه آنفاً عن علقمة مختصراً عند ابن جرير من طريق آخر. 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 178، وعزاه إلى عبد الله بن حميد وابن المنذر عن الشعبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ1 قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَبْنَا أبوعمرو بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بن مخلد، قال: بنا القاسم بن عياد، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ ابن عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ: هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ2. وَرَوَى عَطِيَّةُ، وَابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ فِي الصَّوْمِ الأَوَّلِ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ شَاءَ مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَيُفْطِرَ، كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لَهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ3. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أبو علي ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني قال: بنا قُتَيْبَةُ. وَأَبْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ القطان، قال: بنا أبو محمد بن   1 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ، من مشايخ المؤلف، المعروف بأبي زريق، قال ابن الجوزي عنه: قرأت عليه وكان ثقة خيراً من أولاد المحدثين، توفي في شوال سنة 535هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 125؛ والمنتظم 10/ 95؛ والشذرات 4/ 106. 2 تقدم تخريج نحو هذا الأثر عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عباس، وقد ذكره المؤلف هناك بإسناد آخر. 3 روى نحوه أبو داود من طريق علي بن الحسين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال المنذري عن عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ بن المسيح: وفيه مقال. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود6/ 429 - 430. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 درستويه قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالح، قال: بنا بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ1 قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا2. وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ وَكَانَ الصَّوْمُ عَلَيْهِمْ شَدِيدًا وَكَانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَافْتَدَى لِقَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} إِلَى أَنْ نَزَلَ قَوْلُهُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فَنُسِخَ ذَلِكَ بِهَذِهِ، عَنْ جَمَاعَةٍ منهم معاذبن جبل3 وابن مسعود، وا بن عمر، وا لحسن، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ رضي الله عنهم4.   1 سلمة ابن الأكوع؛ هو: عمرو بن الأكوع الأسلمي، أبو مسلم وأبو إياس صحابي شهد بيعة الرضوان، كان شجاعاً رامياً، يقال: كان يسبق الفرس، مات سنة 64هـ. انظر: التهذيب 4/ 150 - 152؛ والتقريب 131. 2 رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع في باب (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 247. 3 معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن صحابي جليل شهد بدراً وما بعدها وكان المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن. مات بالشام سنة: 81هـ. انظر: التقريب ص:340. 4 روى نحو هذا المعنى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل في مسنده 9/ 233 - 244، في كتاب الصيام، كما روى عنه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة (117) وروى نحوه الحاكم أيضاً عن سلمة بن الأكوع في المستدرك1/ 423، والبيهقي في السنن الكبرى4/ 200، عن ابن عمر في كتاب الصيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَأَنَّ فِيهِ إِضْمَارًا تَقْدِيرُهُ: وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ أَوْ لا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ، وَأُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي يَعْجَزُ عَنِ الصَّوْمِ، وَالْحَامِلِ الَّتِي تَتَأَذَّى بِالصَّوْمِ وَالْمُرْضِعِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ، وَأَبُو ظَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: أَبْنَا محمّد ابن سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قال: بنا عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} وَهُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ كَانَ يُطِيقُ صِيَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ شَابٌّ فَكَبُرَ وَهُوَ عَلَيْهِ لا يَسْتَطِيعُ صَوْمَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ يَوْمٍ أَقِطٌ1. وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الكاذي، قال بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا روح قال: بنا زكريا بن إسحق، قال: بنا عمرو ابن دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قَالَ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَهُوَ الشَّيْخُ الكبير والمرأة الكبيرة لايستطيعان أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يوم مسكيناً2.   1 أخرج الطبري نحوه في جامع البيان 2/ 80، عن ابن عباس، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء لأنه من طريق آل العوفي، وقد تقدمت ترجمتهم عند ذكر آية 180 من البقرة، وليس في لفظ الطبري ذكر الأقط. 2 رواه البخاري عن عطاء في باب قوله تعالى: (أياماً معدودات الخ) وفيه (يطوقونه). انظر: صحيح البخاري بالفتح9/ 246. وفي (م): يطيقونه وهو تحريف عما أثبت. ويدل على ذلك اعتراض المؤلف قريباً على هذه القراءة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أبنا عبد الرازق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ يُنْسَخْ1. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: وَأَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قال: بنا حمادبن سلمة عن عمروبن دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قَالَ: هُمُ الَّذِي يُكَلَّفُونَهُ وَلا يُطِيقُونَهُ هُوَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ2. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قَالَ: هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لا يُطِيقُ الصِّيَامَ يُطْعِمُ عَنْهُ لكل يوم مسكين3. وَقَدْ رَوَى قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ4 وَقَدْ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَالِبِ بْنُ غَيْلانَ، قال: أبنا أبو بكر   1 أخرجه الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق مجاهد في جامع البيان2/ 81، وذكره البيهقي عنه في كتاب الصيام من السنن الكبرى 4/ 271. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان2/ 81 عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كما أخرجه عنه عبد الرازق في مصنفه4/ 211. 3 أخرخ نحوه الدارقطني في سننه عن عكرمة في كتاب الصيام1/ 204، وليس فيه ذكر الآية. وقال الدارقطني إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرازق عنه أيضاً في مصنفه 4/ 220. 4 أخرجه الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق علي بن أبي طلخة في جامع البيان2/ 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الشافعي، قال: أبنا إسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بنا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ النَّهْدِيُّ، قَالَ: بنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقْرَؤُهَا (وَعَلَى الذين] يطوقونه [فدية) 1. قَالَ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لا يُطِيقُ الصِّيَامَ يُطْعِمُ عَنْهُ2 وَبِالْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب (وعلى الذين] يطوقونه [3 فدية) قَالَ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي يَصُومُ فَيَعْجَزُ وَالْحَامِلُ إِنِ اشْتَدَّ عَلَيْهَا الصَّوْمُ يُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا4 قُلْتُ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لا يُلْتَفَتُ إليها لوجوه: أحدها: أَنَّهَا شَاذَّةٌ خَارِجَةٌ عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمَشَاهِيرُ فَلا يُعَارَضُ مَا تثبت الحجة بنقله. والثائي: أَنَّهَا تُخَالِفُ ظَاهِرَ الْآيَةِ، لِأَنَّ الآية تقتضي إثبات الْإِطَاقَةَ لِقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 5 وهذا القراءة تقتضي نفيها.   1 في (م) يطيقونه، وهو تحريف كما قدمنا. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان2/ 80؛ عن ابن عباس رصي الله عنهما كما أخرجه عنه عبد الرزاق في مصنفه4/ 221، من طريق مجاهد. 3 في (م): يطيقونه، وهو تحريف عما أثبت من لفظ الطبري. 4 رواه الطبري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عن سعيد بن المسيب، وفيه (والحامل التي ليس عليها الصيام). انظر: جامع البيان2/ 80. 5 جزء من آية (148) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وَالثَّالِثُ: إِنَّ الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصَّوْمَ وَيَعْجَزُونَ عَنْهُ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: أحدهما: مَنْ يَعْجَزُ لِمَرَضٍ أَوْ لِسَفَرٍ، أَوْ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَيَلْزَمُهُ القضاء من غيركفارة. وَالثَّانِي: مَنْ يَعْجَزُ لِكِبَرِ السِّنِّ (فهذا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَقَدْ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ لِلْعُذْرِ لا للعجز ثم يلزمه القضاء والكفارة) 1، كَمَا نَقُولُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمُسْتَفَادٍ مِنَ الْآيَةِ إِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى السُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ. فَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي تَمَامِ الْآيَةِ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَعُودَ هَذَا الْكَلامُ إِلَى الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ وَلا إِلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَلا إِلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي حَقِّ هَؤُلاءِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ قَدْ نُهُوا أَنْ يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، وَإِنَّمَا عَادَ الْكَلامُ إِلَى الأَصِحَّاءِ الْمُقِيمِينَ خُيِّرُوا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ فَانْكَشَفَ بِمَا أوضحنا أن الآية منسوخة.   1 هذه العبارة في (م) فيها تقديم وتأخير قومتها نظراً للسياق. قلت: وأما آداء الكفارة لمن عجز لكبر السن فالجمهور ذهبوا إلى أنه يفطر ويطعم لكل يوم مسكيناً. وقال مالك: لا شيء عليه قياساً لمن ترك لمرض لا يرجى برؤه، وهو أحد قولي الشافعي. وأما قول المؤلف: "لم يلزمه القضاء والكفارة" فليس في مذهبه. انظر: المغني لابن قدامة 3/ 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ1 لا تَكُونُ الْآيَةُ عَلَى القراءة الثانية، وهي: {يُطِيقُونَهُ} إِلا مَنْسُوخَةً2. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 3. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُحْكَمَةٌ على قولين:   1 هو: الإمام المجتهد أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ البغدادي الفقيه القاضي صاحب المصنفات العديدة منها: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، معظم من صنف في النسخ بعده قد نقلوا من كتابه ويبدو أن كتابه هذا كان موجوداً حتى في القرن العاشر حيث كان السيوطي ينقل منه في الدر المنثور وغيره. وأبو عبيد كان ثقة ورعاً حافظاً للحديث وعلله، مات بمكة المكرمة سنة 224هـ. انظر: التهذيب 8/ 315؛ وطبقات المفسرين للداودي 2/ 32 - 33؛ وطبقات القراء للجزري 2/ 16 - 18؛ ومعجم الأدباء16/ 254؛ وإنباه الرواة 3/ 12؛ والإتقان 3/ 20؛ وكشف الظنون 47؛ والخلاصة ص: 469. 2 هذا هو الموضع الأول الذي صرح فيه المؤلف بنسخ الآية، وعدها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (3) من الآية المنسوخة وصرح به، وهو اختيار النحاس وابن حزم الأنصاري، وابن حزم الظاهري وابن سلامة وغيرهم. انظر: الناسخ والمنسرخ للنحاس ص 22؛ ومعرفة الناسخ والمنسرخ لابن حزم 321؛ والإحكام في أصول الأحكام 4/ 461؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله ص: 18 - 19؛ وقد أثبت إحكام هذه الآية الشيخ مصطفى زيد في كتابه النسخ في القرآن الكريم فقرة 873 - 888. 3 الآية (190) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْمَنْسُوخِ مِنْهَا على قولين: أحدهما: أَنَّهُ أَوَّلُهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقِتَالَ إِنَّمَا يُبَاحُ فِي حَقِّ مَنْ قَاتَلَ مِنَ الْكُفَّارِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَإِنَّهُ لا يُقَاتَلُ وَلا يُقْتَلُ1. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاءِ في ناسخ ذلك على أربعة أقوال: أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 2. والثاني: أَنَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} 3. وَالثَّالِثُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} 4. وَالرَّابِعُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 5.   1 ذكره الطبري عن الربيع في جامع البيان2/ 110، كما ذكره الرازي في مفاتيح الغيب2/ 218 عن ابن زيد والربيع. 2 الآية (36) من سورة البراءة. أخرج الطبري هذا القول عن ابن زيد في جامع البيان2/ 110، وذكره النحاس عنه في ناسخه 25. 3 الآية (191) من سورة البقرة. وذكره الطبري أيضاً عن ابن زيد في المصدر السابق. 4 الآية (29) من سورة التوبة. 5 الآية الخامسة من التوبة. ذكر هذا الرأي ابن سلامة في ناسخه 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالُوا إنما أَخَذُوهُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ (إِنَّمَا هُوَ) 1 حُجَّةُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَآيَةِ السَّيْفِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلاقَ قَتْلِ الْكُفَّارِ، قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا. فَأَمَّا الْآيَةُ الأُولَى الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا نَاسِخَةٌ فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَنْسُوخَةَ وَتُوَافِقُهَا فِي حُكْمِهَا، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ قِتَالَ مَنْ قَاتَلَ. وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ قِتَالَ الَّذِينَ أُمِرُوا بِقِتَالِهِمْ؛ لأن قوله (واقتلوهم) عَطْفٌ عَلَى الْمَأْمُورِ بِقِتَالِهِمْ. وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ قِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْآيَةُ الَّتِي ادُّعِيَ نَسْخُهَا مُطْلَقَةٌ فِي كُلِّ مَنْ يُقَاتِلُ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ تَصْلُحُ نَاسِخَةً لَوْ وَجَدَتْ مَا تَنْسَخُهُ وَلَيْسَ ههنا إِلا دَلِيلُ الْخِطَابِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ههنا عَلَى مَا بَيَّنَّا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَلا تَعْتَدُوا} لِلْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى هَذَا الِاعْتِدَاءِ خمسة أقوال: أحدها: لا تَعْتَدُوا بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ2. الثَّانِي: بِقِتَالِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْكُمْ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ زَيْدٍ وَهَؤُلاءِ إِنْ عَنُوا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعِدَّ نَفْسَهُ للقتال كالنساء   1 هذا في (م)، وتكون العبارة أوضح إذا أسقطنا (إنما) وقلنا (وهو حجة). 2 أخرجه الطبري عن هؤلاء، في جامع البيان2/ 115، وذكر السيوطي في الدر المنثور1/ 205، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وفيه (ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم) وهذا يشبه ما سيرويه المؤلف قريباً عن ابن قتيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَالْوِلْدَانِ، وَالرُّهْبَانِ فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ1. وَإِنْ عَنُوا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنَ الرِّجَالِ المستعدين للقتال توجه النسخ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الِاعْتِدَاءَ إِتْيَانُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، قَالَهُ الْحَسَنُ2. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فِي الْحَرَمِ قَالَهُ مُقَاتِلٌ3. وَالْخَامِسُ: لا تَعْتَدُوا بقتال من وادعكم وَعَاقَدَكُمْ. قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ4 وَالظَّاهِرُ إحكام الآية كلها ويبعد ادعاء النسخ فيها5.   1 قال السيوطي في المصدر السابق: وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغاني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الخ، فكتب إليّ أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب لك الحرب منهم. 2 ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم1/ 226، عن الحسن البصري. 3 كره المؤلف في زاد المسير1/ 197، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ولم يسنده إلى أحد، وفي تفسير المنسوب إلى ابن عباس ص: 21 (ولا تعتدوا) أي: ولا تبدأوا. 4 سبق تخريج ما في معناه عن ابن عباس عند ابن المنذر وابن أبي حاتم. وأما ابن قتيبة، فهو: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين، ولد ببغداد سنة 213هـ، وتوفي سنة 276هـ. انظر: ميزان الاعتدال2/ 503. 5 في (م) قلق في العبارة، وقد جاء فيها: (وهذا ادعاءا النسخ فيها). ولعل ما أثبت أقرب إلى الصواب، ويقول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ، (وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية). ولم يرجح المؤلف في التفسير رأياً دون آخر. قلت: ذكر دعوى النسخ هنا النحاس، وابن سلامة، ومكي بن أبي طالب، وابن هلال، في نواسخهم. واختار النحاس إحكام الآية بعد إيراد ما يؤيد الإحكام عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وقال: (وهذا أصح القولين) واستدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان، وبما ورد عن عمر بن عبد العزيز السابق ذكره، ومن ناحية اللغة أن فاعلاً يكون من اثنين فإنما هو من أنك تقاتله ويقاتلك وهذا لا يكون في النساء والصبيان. وهكذا أورد إحكام الآية أيضاً مكي بن أبي طالب عن ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد. انظر: الناسخ للنحاس 25 - 26؛ والإيضاح للمكي ص:130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} 1. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُحْكَمَةٌ عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهَا على ثلاثة أقواله: أحدها: أَنَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2 فأمر بقتلهم فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ قَالَهُ قَتَادَةُ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَبْنَا إسحق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}، فأمر أن لا يبدؤوا بِقِتَالٍ، ثُمَّ قَالَ: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} 3 ثُمَّ نُسِخَتِ الْآيَتَانِ فِي بَرَاءَةٍ فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. قال: كانوا لا يقاتلون فيه حَتَّى يُقَاتِلُوهُمْ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ   1 الآية (191) من سورة البقرة. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. 3 الآية (217) من سورة البقرة. 4 أخرجه الطبري في جامع البيان2/ 112، عن همام عن قتادة، وليس فيه ذكر الآية (217) من سورة البقرة، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور1/ 205، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد الله حميد، وابن أبي داود في ناسخه عن قتادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فَأَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ1. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 2 قاله الربيع ابن أَنَسٍ3 وَابْنُ زَيْدٍ4. وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} 5 قَالَهُ مُقَاتِلٌ6. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتَلَ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْمُحَقِّقِينَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ7 عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:   1 أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان2/ 112. 2 الآية (193) من سورة البقرة. 3 الربيع بن أنس البكري أو الحنفي بصري نزل خراسان صدوق له أوهام رمي بالتشييع من الخامسة مات سنة 145هـ أوقبلها. انظر: التقريب (100). 4 أخرجه الطبري عن الربيع بن أنس وذكره الرازي ثم قال هذا خطأ وضعيف. انظر: جامع البيان2/ 112؛ ومفاتغ الغيب22/ 220. 5 الآية (191) من سورة البقرة. 6 أخرج الطبري هذا القول عن قتادة في المصدر السابق. وأورد المؤلف هذه الآراء الثلاثة في زاد المسير1/ 199، عمن ذكرها هنا. 7 أما أبو هريرة فهوصحابي جليل مشهور حافظ لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف في اسمه واسم أبيه، قيل: عبد الرحمن بن صخر، وقيل: ابن غنم، وقيل غير ذلك. وذهب الأكثرون إلى أن أرجح الأقوال هو عبد الرحمن بن صخر مات سنة 7، أو 8، و59هـ وهو ابن ثمان وسبعين. انظر: التقريب (431). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فِي مَكَّةَ (أَنَّهَا لا تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) 1 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ الْقِتَالَ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلا يَحِلُّ إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ" 2. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُ مَنْ لا عِلْمَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةُ نُسِخَتْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَأَمَرَ بِقَتْلِ ابْنِ خطل وهومتعلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ) 3. وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وجهين:   1 متفق عليه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 87 في باب غزوة فتح مكة. وصحيح مسلم بشرح النووي9/ 128 - 129، في باب تحريم مكة وتحريم صيدها وخلالها وشجرها. 2 رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس. انظر: صحيح البخاري بالفتح4/ 418 - 420، في باب (لا يحل القتال بمكة). وصحيح مسلم بشرح النووي9/ 123 - 124، في الباب السابق ذكره. 3 رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في باب غزوة الفتح. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/ 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أحدهما: أَنَّ الْقُرْآنَ لا يَنْسَخُ إِلا الْقُرْآنَ، وَلَوْ أَجَزْنَا نَسْخَهُ بِالسَّنَّةِ لاحْتَجْنَا إِلَى أَنْ نَعْتَبِرَ فِي نَقْلِ ذَلِكَ النَّاسِخِ مَا اعْتَبَرْنَا فِي نَقْلِ الْمَنْسُوخِ، وَطَرِيقُ الرِّوَايَةِ لا يَثْبُتُ ثُبُوتَ الْقُرْآنِ. وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ بِالْإِبَاحَةِ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ، وَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ النَّسْخَ مَا رَفَعَ الْحُكْمَ عَلَى الدَّوَامِ كَمَا كَانَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ عَلَى الدَّوَامِ. فَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ لا عَلَى النَّسْخِ، ثُمَّ إِنَّمَا يَكُونُ النَّسْخُ مَعَ تَضَادِّ اجْتِمَاعِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا ادَّعُوهُ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَصَحَّ الْعَمَلُ بِهِمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أَيْ: فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بِدَلِيَلِ قوله عقب ذَلِكَ {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}.ولوجاز قَتْلُهُمْ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ الْإِخْرَاجِ، فَقَدْ بَانَ مِمَّا أَوْضَحْنَا إِحْكَامُ الْآيَةِ وَانْتَفَى النسخ عنها1.   1 قلت: اختار المؤلف إحكام الآية في تفسيره 1/ 200، وفي مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وقد أورد النحاس في ناسخه 26 الإحكام عن ابن عباس من طريق طاؤس، وعن مجاهد وابن أبي نجيح، وعن طاؤس أيضاً، كما ذكر الإحكام مكي بن أبي طالب في ناسخه 132 عن مجاهد وطاؤس، ولكن مكي بن أبي طالب اختار نسخها. وعلل ذلك (لأن قتال المشركين فرض لازم في كل موضع، وسورة براءة نزلت بعد البقرة بمدة) وقد رأينا رد المؤلف على هذه النظرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الانتهاء على قولين: أحدهما: أَنَّهُ الِانْتِهَاءُ عَنِ الْكُفْرِ2. وَالثَّانِي: عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ3 لا عَنِ الْكُفْرِ فَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَالثَّانِي يَخْتَلِفُ فِي الْمَعْنَى فَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِذْ لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِقِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ بَلْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلا يَكُونُ نَسْخٌ أَيْضًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمَعْنَى اعْفُوا عَنْهُمْ وَارْحَمُوهُمْ، فَيَكُونُ لَفْظُ الْآيَةِ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ: الأَمْرُ بِالرَّحْمَةِ لَهُمْ وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ بآية السيف4.   1 الآية (192) من سورة البقرة. 2 كذا في التفسير المنسوب إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وبه فسر الطبري مستدلاً بقول مجاهد المروي عنه بسند صحيح. انظر: تنوير المقياس من تفسير ابن عباس ص:21؛ وجامع البيان2/ 112، وقال ابن العربي في أحكام القرآن1/ 108: {فَإِنِ انْتَهَوْا} يعني انتهوا بالإيمان فإن الله يغفر لهم جميع ما تقدم. 3 ذكره المؤلف في زاد المسير1/ 200؛ وقال الحافظ ابن كثير {فَإِنِ انْتَهَوْا} أي: تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة، وهكذا فسر الشوكاني أيضاً. انظر: تفسير القران العظيم1/ 227؛ وفتح القدير1/ 191. 4 قلت: وقد سلك المؤلف في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وفي تفسيره1/ 201 مسلكه هنا حيث عرض الآراء بدون ترجيح. وأما أبو جعفر النحاس ومكي بن أبي طالب وابن خزيمة الفارسي فلم يتعرضوا لدعوى النسخ هنا أصلاً، وكذلك ابن جرير وابن كثير لم يذكرا النسخ، بل فسرا الآية بما يؤكد إحكامها. انظر: جامع البيان2/ 112؛ وتفسير القرآن1/ 227. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ذِكْرُ الْآيَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} 1. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخٌ أَمْ لا عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّ فِيهَا مَنْسُوخًا. وَاخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أَدَاءِ عُمْرَتِهِ فَقَضَاهَا فِي السَّنَّةِ الثَّانِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَاقْتَضَى هَذَا، أَنَّ مَنْ فَاتَهُ أَدَاءُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَجُعِلَ لَهُ قَضَاؤُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، أَمَّا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: وَمِمَّنْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ عَطَاءٌ. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ لا يُعْرَفُ عَنْ عَطَاءٍ وَلا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ عَلَى مَنْ مُنِعَ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ أَفْسَدَهَا أَنْ يَقْضِيَهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشَّهْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 2.   1 الآية (194) من سورة البقرة. 2 جزء من الآية نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الْكَلامِ وَوَجْهُ نَسْخِهِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ لَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَقْهَرُونَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَعَاطُونَهُمْ بِالشَّتْمِ وَالأَذَى فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْهِمْ مِثْلَ مَا أَتَوْا إِلَيْهِمْ أَوْ يَعْفُوا وَيَصْبِرُوا فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَعَزَّ اللَّهُ سُلْطَانَهُ نَسَخَ مَا كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا1. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ إِذَا اعْتُدِيَ عَلَى الْإِنْسَانِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَافَعَةٍ إِلَى سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ إِلَى السُّلْطَانِ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. قَالَ شَيْخُنَا2 وَمِمَّنْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قُلْتُ: وَهَذَا لا يَثْبُتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ3 وَلا يُعْرَفُ لَهُ صِحَّةٌ، فَإِنَّ النَّاسَ مَا زَالُوا يَرْجَعُونَ إِلَى رُؤَسَائِهِمْ وَسَلاطِينِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلامِ إلا   1 أخرجه الطبري عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في جامع البيان2/ 112، وذكره السيوطي فى الدر المنثور 1/ 207، وزاد نسبته إلى ابن المندر وابن أبي حاتم وأبي داود في ناسخه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 2 يقصد (علي بن عبيد الله) كما سبق آنفاً. 3 قال مكي بن أبي طالب بعد إيراد دعوى النسخ هنا عن ابن عباس: "وهذا القول إنما يجوز على مذهب من أجاز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: نسخها قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} الإسراء آية: 33. قال: "يأتي السلطان حتى ينتصف منه له، ثم قال له أبو محمد مكي بن أبي طالب: وهدا لا يَصِحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لأن السلطان ههنا الحجة، ولأن سورة سبحان مكية، والبقرة مدنية فلا ينسخ المكي المدني، لأنه نزل قبل المدنية، ولأن الرجرع إلى السلطان في القصاص إنما أخذ بالإجماع والإجماع لا ينسخ القرآن لكنه يبينه". انظر: الإيصاح (133). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أَنَّهُ لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا اسْتَوْفَى حَقَّ نَفْسِهِ مِنْ خَصِيمِهِ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ أَجْزَأَ ذَلِكَ1، وَهَلْ يجوز له ذلك؟ فيه رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَهَذَا مَذْكُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَلا يَثْبُتُ2 ولو ثَبَتَ كَانَ مَرْدُودًا، بِأَنَّ دَفْعَ الِاعْتِدَاءِ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الأَزْمِنَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا حُكْمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الآية أنها محكمة غير   1 قال الشوكاني في تفسيره هذه الآية: "فمن هتك حرمة عليكم أن تهتكوا حرمته قصاصاً، قيل: هذا كان فِي أَوَّلِ الْإِسْلامِ ثُمَّ نُسِخَ بالقتال، وقيل: إنه ثابت بين أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم ينسخ. يجوز لمن تعدى عليه في مال أوبدن أن يتعدى بمثله، وبهذا قال الشافعي وبه قال ابن المنذر، واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي عن مالك، ويؤيده إذنه صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها وهو الصحيح. انتهى كلام الشوكاني من تفسيره فتح القدير عند ذكر هذه الآية1/ 192. 2 أخرجه الطبري عن مجاهد في جامع البيان2/ 112، وليس فيه ذكر النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 مَنْسُوخَةٍ1. فَأَمَّا أَوَّلُهَا فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُخُولِ مكة في شهر حرام اقتصر لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِإِدْخَالِهِ مَكَّةَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَبْنَا أحمد بن الحسن بْنُ خَيْرُونَ وَأَبُو ظَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ. حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ حَبَسُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ عَنِ الْبَيْتِ فَفَخَرُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَرَجَعَّهُ اللَّهُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَأَدْخَلَهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ2. فَأَمَّا قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ عَاهَدُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ وَلأَصْحَابِهِ الْعَامَ الْمُقْبِلَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا جاء العام الذي كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ فَخَافُوا، أَنْ لا (يُوَفِّ) 3 لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِمَا   1 أورد مكي بن أبي طالب عن مجاهد: أن الآية غير منسوخة، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم، أي: من قاتلكم فقاتلوه. انظر: الإيضاح (133). 2 أخرجه الطبري عن ابن عباس وأبي العالية وعن مجاهد وقتادة وغيرهم. انظر: جامع البيان2/ 114 - 115. 3 في (م): يأفوا، وهو خطأ ولعله من الناسخ، وفي رواية الواحدي (أن لا تفي). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 شَرَطُوا وَأَنْ يَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الْقِتَالَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ فَنَزَلَتْ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} أَيْ: مَنْ قَاتَلَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَرَمِ فَقَاتِلُوهُ1. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ يُسَمَّى الْجَزَاءُ اعْتِدَاءً؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ صُورَةَ الْفِعْلَيْنِ وَاحِدَةٌ وإن اختلف حكماهما. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ظَلَمَنِي فلا] ن2 فَظَلَمْتُهُ: أَيْ: جَازَيْتُهُ بِظُلْمِهِ، وَجَهِلَ عَلَيَّ فَجَهِلْتُ عَلَيْهِ، أَيْ جَازَيْتُهُ بجهله. قلت: فقد بان بماذكرنا أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَلا وَجْهَ لِدُخُولِهَا فِي الْمَنْسُوخِ أَصْلا 3. ذِكْرُ الْآيَةِ الْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 4. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِإِتْمَامِهَا على خمسة أقوال:   1 ذكر نحوه الواحدي عن الكلبي عن أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. انظر: أسباب النزول ص: 33. 2 انتهى النقص من النسخة الهندية. 3 قلت: ذكر المؤلف قول النسخ في تفسيره وفي مختصر عمدة الراسخ ولم يناقش كما أورد دعوى النسخ معظم كتب النسخ، إلا أن أبا جعفر النحاس مال إلى قول مجاهد وهو إحكام الآية. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 28. 4 الآية (196) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (أحدها):1 أَنْ يَحْرُمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ2 أهله، قاله علي وسعيد ابن جبير وطاوس3. وَالثَّانِي: الْإِتْيَانُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِيهِمَا. قَالَهُ مُجَاهِدٌ4. وَالثَّالِثُ: إِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنِ الْآخَرِ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ5. وَالرَّابِعُ: أَنْ لا يَفْسَخَهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ6. وَالْخَامِسُ: أَنْ يَخْرُجَ قَاصِدًا لَهُمَا لا يَقْصِدُ شَيْئًا آخَرَ مِنْ تجارة أوغيرها7 وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ بُعْدٌ. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَائِلِهِ أنه   1 في (هـ): أحدها، وهو خطأ من الناسخ. 2 الدويرة تصغير دار، كل موضع حل فيه القوم فهو دارهم. 3 أخرجه الطبري عن علي وسعيد بن جبير وطاوس في حامع البيان 2/ 120 - 121، وأخرجه النحاس في ناسخه 32، عن علي رضي الله عنه. 4 أخرجه الطبري عن مجاهد في المصدر السابق، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/ 208، وعزاه إلى عبد بن حميد عن مجاهد. 5 أورده المؤلف في زاد المسير1/ 204 عن عمر بن الخطاب، والحسن، وعطاء. 6 أخرجه النحاس في ناسخه ص: 32 عن عمر بن الخطاب، وذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 208، وقال: أخرجه عبد الرزاق عن طريق الزهري عن عمربن الخطاب، وذكر السيوطي نحوه أيضاً معزياً إلى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج نحوه الطبري في جامع البيان2/ 121 عن طاؤس، وابن زيد. 7 ذكره الطبري في جامع البيان 2/ 121، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم1/ 235 والشوكاني في فتح القدير1/ 194، عن سفيان الثوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 يَزْعُمُ أَنَّ الْآيَةَ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} 1. وَالصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ فَسْخِهِمَا لِغَيْرِ عذر أو قصد صحيح، وليست هَذِهِ الْآيَةُ بِدَاخِلَةٍ فِي الْمَنْسُوخِ أَصْلا2. ذِكْرُ الْآيَةِ الْحَادِيَةَ وَالْعِشْرِينَ: قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 3 ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا الْكَلامَ اقْتَضَى تَحْرِيمَ حَلْقِ الشَّعْرِ، سَوَاءٌ وُجِدَ بِهِ أَذًى أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كعب ابن عُجْرَةَ) 4.وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِهِ، فقال: (أتجد) 5 شاة فقال.   1 الآية (198) من سورة البقرة. 2 قلت: لم يشر المؤلف في زاد المسير إلى النسخ في هذه الآية كما لم يتعرض له في مختصر عمدة الراسخ أصلاً، وكذا لم يعد هذه الآية من المنسوخة معظم كتب النسخ. 3 الآية (196) من سورة البقرة. وهذا هو الموضع الثاني من الآية السابق ذكرها، ولا داعي لذكر رقم مستقل لها كما هوظاهر. 4 أما كعب بن عجرة، فهو: أبو محمد، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو إسحاق الأنصاري المدني، صحابي مشهور مات بعد الخمسين، قال الحافظ بن حجر: وهو الذي نزلت في شأنه الرخصة في الحديبية في حلق الشعر. انظر: التهذيب8/ 435 - 436؛ والتقريب 286. 5 في (هـ) اتخذ، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 لا. فَنَزَلَتْ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 1 وَالْمَعْنَى: فَحَلَقٌ فَفِدْيَةٌ. فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلامُ إِبَاحَةَ حَلْقِ الشَّعْرِ عِنْدَ الأَذَى مَعَ الْفِدْيَةِ وَصَارَ نَاسِخًا لِتَحْرِيمِهِ الْمُتَقَدِّمِ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا بعد من وجهين: أحدهما: أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ نُزُولَ قَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} تَأَخَّرَ عَنْ نُزُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ وَلا يَثْبُتُ هَذَا. وَالظَّاهِرُ نُزُولُ الْآيَةِ فِي مَرَّةٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَتَجِدُ شَاةً" 2 وَالشَّاةُ هِيَ النُّسُكُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ نُسُكٍ}. وَالثَّانِي: إِنَّا لَوْ قَدَّرْنَا نُزُولَهُ مُتَأَخِّرًا فَلا يَكُونُ نَسْخًا، [لِأَنَّهُ قَدْ بَانَ بِذِكْرِ الْعُذْرِ أَنَّ الْكَلامَ] 3 الأَوَّلَ لِمَنْ لا عُذْرَ لَهُ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ: وَلا تَحْلِقُوا رؤسكم إلا أن يكون منكم مريض أَوْ مَنْ يُؤْذِيهِ هَوَامُّهُ فَلا ناسخ ولا منسوخ4.   1 رواه الشيخان في صحيحيهما، عن كعب بن عجزة. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 252، من كتاب التفسير، وصحيح مسلم بشرح النووي 8/ 118، في باب حلق الرأس للمحرم إذا كار به أذى. 2 في (هـ): اتخذ، وهو تصحيف. 3 ساقطة من (هـ)، وفي (م): لأن الكلام، ولعل اللام زيادة من الناسخ. 4 قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ النحاس، ومكي بن أبي طالب، ولا المؤلف في مختصر عمدة الراسخ في هذه الآية، إنما أورد ذلك ابن حزم الأنصاري وابن هلال في ناسخيهما، بأنه منسوخ بالاستثناء، بقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} وحكى المؤلف دعوى النسخ عن شيخه علي بن عبيد الله، في زاد المسير. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ ص:322؛ والإيجاز في الناسخ والمنسوخ المخطوطة ورقة (19). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} 1. اخْتَلَفُوا: هَلْ هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ أَمْ مُحْكَمَةٌ؟ رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ لَمْ تَكُنْ زَكَاةً، وَإِنَّمَا هِيَ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَالصَّدَقَةُ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا فَنَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ2 وَرَوَى عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ بِآيَةِ الصَّدَقَاتِ فِي بَرَاءَةٍ3. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نُسِخَ مِنْهَا الصَّدَقَةُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَصَارَتِ الصَّدَقَةُ لِغَيْرِهِمُ الَّذِينَ لا يَرِثُونَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالأَقْرَبِينَ وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهَا التَّطَوُّعُ عَلَى مَنْ لا يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ، كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هِيَ فِي النَّوَافِلِ وهم أحق بفضلك4.   1 الآية (215) من سورة البقرة. 2 أخرجه الطبري عر السدي عن أشياخه، في جامع البيان 2/ 200. 3 أخرجه الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق علي بن أبي طلحة في جامع البيان2/ 215. 4 أخرجه الطبري عن السدي، وروى عن ابن جريح أنه قال. سأل المؤمنون رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} الآية، فذلك النفقة في التطوع، والزكاة سوى ذلك كله، قال. وقال مجاهد: سألوا فأفتاهم في ذلك {مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} وما ذكر معهما. انظر. جامع البيان 2/ 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قُلْتُ: مَنْ قَالَ بِنَسْخِهَا ادَّعَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْفِقُوا فَسَأَلُوا عَنْ وُجُوهِ الْإِنْفَاقِ فَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فَحُكْمُهَا ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لَمْ يُنْسَخْ بِالزَّكَاةِ، وَمَا يُتَطَوَّعُ بِهِ لَمْ يُنْسَخْ بِالزَّكَاةِ وَقَدْ قَامَتِ الدِّلالَةُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لا تُصْرَفُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ بِالتَّطَوُّعِ أَشْبَهُ، لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُمْ طَلَبُوا بَيَانَ الْفَضْلِ فِي إِخْرَاجِ الفضل (فبينت) 1 لهم وجوه الْفَضْلِ2. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} 3.   1 في (هـ): فيثبت. 2 قلت: لم يتعرض النحاس ومكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً إنما ذكر ذلك بقية كتب النسخ بدون أن يسند إلى أدلة ثابتة، وأما المؤلف فيقول في تفسير هذه الآية في زاد المسير 1/ 234: "قال ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ فِي النَّوَافِلِ وهذا الظاهر من الآية، لأن ظاهرها يقتضي الندب، ولا يصح أن يقال إنها منسوخة إلا أن يقال: إنها اقتضت وجوب النفقة على المذكورين فيها"، وأما في مختصر عمدة الراسخ فاكتفى بإيراد أقوال الفريقين بدون ترجيح. انظر: الورقة الرابعة منه. 3 الآية (216) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هي منسوخة أومحكمة؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِتَالِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ خُوطِبُوا بِهَا، وَكُتِبَ بِمَعْنَى فُرِضَ 1. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سألت عطاء، أَوَاجِبٌ الْغَزْوُ عَلَى النَّاسِ مِنْ أجل هذه الآية؟ فقال: لا، إِنَّمَا كُتِبَ عَلَى أُولَئِكَ حينئذٍ2. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا (هَلِ الْغَزْوُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ؟) 3 فَقَالَ: لا. إِنَّمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ يومئذٍ4. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي نَاسِخِهَا عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 5 قاله عكرمة6.   1 فسر الطبري الآية بذلك، وجاء في تفسير ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (كتب عليكم القتال) يعني فرض عليكم. وعن ابن شهاب قال: الجهاد مكتوب على كل أحد. انظر: جامع البيان 2/ 200 وتفسر ابن أبي حاتم المخطوط اورقة 148. 2 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان2/ 200، وابن أبي حاتم في المصدر السابق عن ابن جريج. 3 في النسختين: (هل الغزو أواجب)، ولعل الاستفهام الثاني زيادة من الناسخ. 4 أخرج الطبري نحوه في المصدر السابق عن الأوزاعي. 5 الآية (286) من سورة البقرة. 6 ذكره الطبري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: هذا قول لا معنى له. لأن نسخ الأحكام من الله لا من العباد، وهذا القول خبر لا نسخ منه، وذكر نحوه أيضاً عن عكرمة ابن أبي حاتم في المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 والثاني: قَوْلُهُ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} 1 وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَنْسُوخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِهَادَ كَانَ عَلَى ئلاث طَبَقَاتٍ: الأُولَى: الْمَنْعُ مِنَ الْقِتَالِ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} 2 فنسخت بهذ الْآيَةِ وَوَجَبَ بِهَا التَّعَيُّنُ عَلَى الْكُلِّ، وَسَاعَدَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 3 ثُمَّ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَ بِالْجِهَادِ قَوْمٌ سَقَطَ عَلَى الْبَاقِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} 4. وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} مُحْكَمٌ وَأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ لازِمٌ لِلْكُلِّ، إِلا أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ فَلا وَجْهَ للنسخ) 5.   1 الآية (122) من سورة التوبة. قال مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 139، وقد قيل إنها منسوخة بآية: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. 2 الآية (77) من سورة النساء. 3 الآية (41) من سورة التوبة، وهي الطبقة الثانية، أي الأمر بالقتال. 4 الآية (122) من سورة التوبة، وهي الطبقة الثالثة. 5 قال أبو جعفر النحاس في هذه الآية: (وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَنَّ الجهاد فرض بالآية فقول صحيح، وهذا قول حذيفة، وعبد الله بن عمرو، وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا، إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض، فإن احتيج إلى الجماعة نفروا فرضاً واجباً، لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام). وقال مكي بن أبي طالب: والأمر لا يحمل على الندب إلا بقرينة ودليل. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 29؛ والإيضاح ص:139. قلت: ذكر النحاس في المصدر السابق ومكي بن أبي طالب في المصدر السابق والمؤلف في زاد المسير1/ 235 عن العلماء أن هذه الآية ناسخة لكل رخصة في القرآن في ترك القتال، واختار النحاس إحكام الآية. وأما المؤلف فلم يرجح رأياً دون آخر في تفسيره، وأورد النسخ في مختصر عمدة الراسخ الورتة الرابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} 1 سَبُبُ سُؤَالِهِمْ عَنْ هَذَا، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَقَتَلُوا عَمْرَو ابن الحضرمي فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ فَعَيَّرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ2 وَهِيَ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، لِقَوْلِهِ: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لا يَحِلُّ3. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَظَّمَ الْعُقُوبَةَ4 وَهَذَا إِقْرَارٌ لَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ الْقِتَالَ في الأشهر الحرم.   1 الآية (217) من سورة البقرة. 2 رواه الطبري في جامع البيان2/ 205 من طرق عديدة. 3 أخرجه الطبري في المصدر السابق عن مجاهد عن عطاء نحوه. 4 أخرجه النحاس عن ابن عباس من طريق جويبير – الضعيف -. انظر: الناسخ والمنسوخ (35). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ1، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الأبنوسي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عمر الرزاز، قال: أبنا بن شاهين، قال: بنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: بنا ابن عون، قال: قَالَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ2: كَانَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قَالُوا: قَدْ جَاءَ مُنْصِلُ الأَسِنَّةِ فَيَعْمِدُ أَحَدُهُمْ إِلَى سِنَانِ رُمْحِهِ فَيَخْلَعُهُ وَيَدْفَعُهُ إِلَى النِّسَاءِ، فَيَقُولُ: أشدُن هَذَا فِي عِكُومِكُنَّ فَلَوْ مَرَّ أَحَدُنَا عَلَى قَاتِلِ أَبِيهِ لَمْ يُوقِظْهُ3. قُلْتُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا التَّحْرِيمُ بَاقٍ أَمْ نُسِخَ؟   1 أما أبو الحسن الأنصاري، فهو: سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري المغربي الأندلسي نزيل بغداد، كان من مشايخ ابن الجوزي، تفقه على الإمام أبي حامد الغزالي، وكان ثقة صحيح السماع، توفي 541هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 157 - 159؛ والمنتظم10/ 121. 2 أما أبو رجاء العطاردي، فهو: عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة، ويقال: ابن تيم أبو رجاء العطاردي مشهور بكنيته وقيل غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم ثقة، معمر، مات سنة 105هـ وله 120 سنة. انظر: التقريب (265). 3 ذكر ما في معناه الحافظ ابن حجر في كتابه تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ص: 14، فقال: (رواه عيسى غنجار عن أبين بن سفيان عن غالب بن عبيد الله عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال: وأبين وغالب معروفان بوضع الحديث، ولم يثبت عن رسرل الله صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قالت بنا الكاذي قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال (بنا) 1 حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ما لهم إذ ذاك لا يحل لهم أن يغزو أَهْلَ الشِّرْكِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ثُمَّ غَزَوْهُمْ فِيهِ بَعْدُ فَحَلَفَ لِي بِاللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ الآن أن يغزو فِي الْحَرَمِ وَلا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلا أَنْ يُقَاتَلُوا فِيهِ (أو يغزو) 2 وما نُسِخَتْ3. وَرَوَى (عَبْدُ خَيْرٍ) 4 عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي قَوْلِهِ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 5 قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 6.   1 في (هـ): حدثنا. 2 في (هـ): ويعزو، بدون ألف. 3 أخرج الطبري نحوه عن ابن جريج عن مجاهد، ويقول المحقق في الهامش أن قوله: عن مجاهد زائد من قلم الناسخ. فإن القائل: قلت لعطاء إلخ هو ابن جريج كما يؤخذ من الفخر، فتأمل. وفي تفسير الطبري تحريف آخر وهو قوله: وما تستحب، بدل وما نسخت، ولعل الصواب ما أثبت عن النسختين وتفسير المؤلف والله أعلم. انظر. جامع البيان2/ 206؛ وزاد المسير1/ 237. 4 غير واضحة من (هـ). وهو: عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم ثقة سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو من الثانية، ولم يثبت له صحبة. انظر: التهذيب 6/ 124؛ والتقريب 197. 5 الآية (217) من سورة البقرة. 6 الآية الخامسة من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ1 وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ إِنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ جَائِزٌ فإدن هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2 وَقَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر} 3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَبْنَا إسحاق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال: بنا عبد الرازق عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَّنَا يُحَرِّمُ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ثُمَّ أُحِلَّ له بعد4.   1 سليمان بن يسار الهلالي مولى ميمونة رضي الله عنها روى عن الصحابة والتابعين أحد فقهاء السبعة كان ثقة رفيعاً كثير الحديث، ولد سنة (24هـ) وقيل (27هـ) وتوفي سنة (106هـ)، وقيل غير ذلك. انظر: التهذيب 4/ 228 - 230. 2 ذكر هذا القول النحاس في ناسخه (30) عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يسار. 3 الآية (29) من سورة البقرة. 4 قلت: اكتفى المؤلف بعرض الآراء في زاد المسير 1/ 237 عند ذكر هذه الآية، وقال: في نهاية المناقشة (وهذا قول فقهاء الأمصار) يعني القول بالنسخ. وأما عمدة الراسخ الورقة الرابعة فقد نص على نسخها، وسوف يأتي التصريح بنسخ هذه الآية عند مناقشة الآية الثالثة من سورة المائدة إن شاء الله. وقد عد هذه الآية من المنسوخة معظم كتب النسخ، ويقول النحاس: أجمع العلماء على نسخ هذه الآية إلاّ عطاء، وقال مكي بن أبي طالب: أكثر العلماء على أنها منسوخة إلا عطاء ومجاهد. انظر: الناسخ والمنسوخ ص:30 - 32؛ والإيضاح ص:134؛ واختار النسخ الطبري جامع البيان2/ 206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} 1. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا تَضَمَّنَتْ ذَمَّ الْخَمْرِ (لا تَحْرِيمَهَا) 2 وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ3. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَضَمَّنَتْ تَحْرِيمَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ4. فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} 5 فَيَتَجَاذَبُهُ أَرْبَابُ الْقَوْلَيْنِ، فَأَمَّا أَصْحَابُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إِثْمُهُمَا بَعْدُ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قبله6.   1 الآية (219) من سورة البقرة. 2 في (م): لا لتحريمها، والذي أثبت عن (هـ) أصح. 3 ذكر المؤلف في زاد المسير1/ 241 هذا القول عن السدي عن أشياخه وعن سعيد بن جبير ومجاهد، وقتاد ة، ومقاتل. 4 أورد المؤلف في المصدر السابق هذا القول وعزاه إلى جماعة من العلماء وإلى الزجاج والقاضي أبي يعلي. 5 جزء من الآية نفسها. 6 أخرجه الطبري في جامع البيان 2/ 241 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان، في تفسيره المخطوط 1/ 153، وجاء في تفسير ابن عباس (المنسوب إليه) (24) (قل) يا محمّد {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} بعد التحريم {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} قبل التحريم بالتجارة بهما {وَإِثْمُهُمَا} بعد التحريم {أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} قبل التحريم، ثم حرم بعد ذلك في كليهما. وذكر المؤلّف هذا القول في زاد المسير1/ 241 ونسبه إلى سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَقَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي: إِثْمُهُمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا حينئذٍ أَيْضًا1 لِأَنَّ الْإِثْمَ الْحَادِثَ عَنْ شُرْبِهَا مِنْ تَرْكِ الصَّلاةِ وَالْإِفْسَادِ الْوَاقِعِ عَنِ السُّكْرِ لا يُوَازِي مَنْفَعَتَهَا الْحَاصِلَةَ مِنْ لَذَّةٍ أَوْ بَيْعٍ وَلَمَّا كَانَ الأَمْرُ محتملاً للتأويل، قال عمربن الْخَطَّابِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ يتوجه النسخ بقوله تعالى فا [جتبوه] 2.   1 ذكره المؤلف في المصدر نفسه وعزاه إلى ابن جبير أيضاً. قلت: ويبدو كأن هنا تقديماً وتأخيراً في ربط القولين الأخيرين مع القولين السابقين، لأن أصحاب القول الأوّل لا يقولون بالتحريم، وإنما بالذم فلا يتفق هذا مع قوله. قَالُوا: إِثْمُهُمَا بَعْدُ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ من نفعهما قبله. والله أعلم. وقد روى النحاس عن الضحاك بأن المنافع التي فيها إنما كانت قبل التحريم ثم نسخت وأزيلت. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 39. 2 الآية (90) من سورة المائدة، وهي ساقطة من (ها). قلت: أورد المؤلف في زاد المسير أقوال العلماء ونسب دعوى النسخ إلى جماعة من المفسرين فيه، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (4) بدون ترجيح. وأما أبوجعفر النحاس في المصدر السابق ومكي ابن أبي طالب في الإيضاح ص: 139، فقد ذكرا عن أكثر العلماء أنها ناسخة لما كان مباحاً من شرب الخمر، واختار النحاس هذا القول مؤيداً رأيه بقول جماعة من الفقهاء، يقولون بتحريم الخمر بآيتين من القرآن، فالأولى آية {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} والثانية {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} الأعراف (33). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 1 فالمراد بهذا الإنفاق ثلاثة أأقوال: أحدها: أَنَّهُ الصَّدَقَةُ وَالْعَفْوُ مَا يَفْضُلُ عَنِ الْإِنْسَانِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ (إِسْمَاعِيلَ بْنِ) 2 سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قل العفوا) 3 قَالَ مَا أَتَوْكَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَاقْبَلْهُ منهم لم يفرض   1 الآية (219) من سورة البقرة. هذه الآية جزء من الآية السابقة، فهو إذاً الموضع الثاني مما ادعى فيها النسخ منها. 2 هكذا في (م) وهي غير واضحة من (هـ) ولعلها زيادة من الناسخ، لأنه قد تقدم في ترجمته أن اسمه محمد بن سعد العوفي، ولم يذكر المؤلف (إسماعيل) في هذا السند قط. انظر: ترجمته في: لسان الميزان 3/ 19؛ وتاريخ بغداد5/ 322 - 323. 3 في (م) قال العفو، وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فِيهِ فَرِيضَةً مَعْلُومَةً، ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَرَائِضُ مُسَمَّاةً1، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمُّويَةَ، قَالَ: أَبْنَا إبراهيم بن خريم، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: بنا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْعَفْوُ: الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ2. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: [3 أَنَّهُ كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الزَّكَاةِ أَنْ يُنْفِقُوا مَا يَفْضُلُ عنهم، فكان أهل (المكاسب) 4 يَأْخُذُونَ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ نَصِيبِهِمْ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْبَاقِي، وَأَهْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَأْخُذُونَ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ في تجار = تهم وَيَتَصَدَّقُونَ =5 بِالْبَاقِي، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.   1 أخرجه الطبري عن ابن عباس في جامع البيان2/ 213، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء. 2 أخرجه الطبري في جام البيان عن مجاهد2/ 214، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/ 253، وعزاه إلى عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن طاؤس، وفيه قال: العفو: أيسر من كل شيء، قال: وكان مجاهد يقول: العفو: الصدقة المفروصة. 3 من هنا ورقة كاملة مفقودة في (م) في الميكروفيلم الذي جئت به من معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بمصر، وهي موجودة في (هـ). 4 في (هـ) الكتاب، وهو: خطأ، ولعل ما أثبت أنسب للمقام لمقابلتها، أهل الذهب والفضة الآتي ذكره. 5 ساقطة من (هـ)، كملتها نظراً للسياق. في (هـ): الكتاب، وهوحطأ، ولعل ما أثبت أنسب للمقام لمقابلتها، أهل الذهب والفضة الآتي ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَفَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ (وَرَغَّبَهُمْ بِهَا قَالُوا: مَاذَا نُنْفِقُ؟ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) 1. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حيان2 في قوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} قَالَ: هِيَ النَّفَقَةُ فِي التَّطَوُّعِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُمْسِكُ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهِ سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بِسَائِرِهِ، وإن كان ممن يعمل بيديه أَمْسَكَ مَا يَكْفِيهِ يَوْمًا وَيَتَصَدَّقُ بِسَائِرِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَقْلِ وَالزَّرْعِ أَمْسَكَ مَا يَكْفِيهِ سنة وتصدق (بِسَائِرِهِ) 3 فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَسَخَتْهَا آيَةُ الزَّكَاةِ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، مَعْنَى قَوْلِهِ: اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَيْ: صَعُبَ ما ألزموا نفوسهم به، فإن قلنا إن هَذِهِ النَّفَقَةُ نَافِلَةٌ أَوْ هِيَ الزكاة فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا نَفَقَةٌ فُرِضَتْ قَبْلَ الزَّكَاةِ فَهِيَ منسوخة بآية الزكاة والأظهر أنها في الإنفاق في المندوب إليه4.   1 غير واضحة من (هـ). أخرج نحو هذا المعنى ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1/ 153 إلى 154، عن ابن عباس، ومن طريق أبان عن يحيى فيما بلغه عن معاذ وثعلبة. 2 مقاتل بن حيان النبطي بفتح النون والموحدة أبو بسطام الملخي الخزاز بزائين منقوطتين صدوق فاضل أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذبه، وإنما كذب الذي بعده، وهو من السادسة مات قبل 150هـ بأرص الهند. انظر. التقريب 346. 3 في (هـ): وبسائره. 4 ذكر المؤلف في زاد المسير1/ 219، خمسة أقوال في معنى العفو: أحدها: أنه ما يفضل عن حاجة المرء وعياله، رواه مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله والثاني: ما تطيب به أنفسهم من قليل أوكثير، رَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. والثالث: أنه الصدقة بين الإسراف والاقتار، قاله الحسن وعطاء وسعيد بن جبير. والرابع: أنه الصدقة المفروضة قاله مجاهد. والخامس: أنه ما لا يتبين عليهم مقداره من قولهم: عفى الأثر، إذا أخفى ودرس، حكاه شيخنا عن طائفة من المفسرين. انتهى كلام المؤلف. لكنه لم يرجح هناك رأياً في النسخ في هذه الآية، ومال إلى الإحكام في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وقد أورد معظم كتب النسخ دعوى النسخ في هذه الآية، واختار الإمام الطبري في جامع البيان 2/ 215، والإمام أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 54 - 55 إحكام هذه الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُشْرِكَاتِ هاهنا على قولين: أحدهما: أَنَّهُنَّ الْوَثَنِيَّاتُ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ الْعَامِرِيُّ قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا قبيصة عن سفيان عن حماد، قال:   1 الآية (221) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ تَزْوِيجِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ}؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْمَجُوسِيَّاتُ وَأَهْلُ الأَوْثَانِ1. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَتَادَةَ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ} قَالَ: الْمُشْرِكَاتُ الْعَرَبُ اللاتِي لَيْسَ لهن كتاب يقرأنه2 قال سعيدبن جُبَيْرٍ: هُنَّ الْمَجُوسِيَّاتُ وَعَابِدَاتُ الأَوْثَانِ3. وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْكِتَابِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الْكَافِرَاتِ، فَالْكُلُّ مُشْرِكَاتٌ، وَافْتَرَقَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى قولين: [أحدهما] 4 (أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْآيَةِ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 5.   1 ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور1/ 256، وعزاه إلى عبد بن حميد عن حماد عن إبراهيم. 2 أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان2/ 221. 3 أخرجه الطبري في المصدر السابق عن سعيد بن جبير، وفيه - وأهل الأوثان - وأخرجه البيهقي في سننه1/ 171 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي كتاب النكاح. قال الإمام الشافعي في هذه الآية: (قيل إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان يحرم نكاح نسائهم كما يحرم أن ينكح رجالهم المؤمنات، فإن كان هذا هكذا، فهذه الآية ثابتة ليس فيها منسوخ). انظر: أحكام القرآن للشافعي1/ 186. 4 انتهى النقص من النسخة المدنية، ومن هنا تسعة أسطر تقريباً في (هـ) كتابة رديئة لا تقرأ منها إلا كلمات قليلة. 5 الآية الخامسة من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بن إسحق الطالقاني، قال بنا ابْنُ مُبَارَكٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ} ثُمَّ أُحِلَّ نِكَاحُ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَمْ يُنْسَخْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ فَنِكَاحُ كُلِّ مُشْرِكٍ سِوَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرَامٌ1. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} لَفْظٌ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْكِتَابِيَّاتُ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لا نَسْخٌ2. وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا مُشْرِكِينَ، وَهَذَا فاسد، لأنهم قالوا عزير بن الله) 3 والمسيح بن الله فهم بذلك مشركون4.   1 أخرج نحوه الطبري عن عكرمة والحسن البصري في جامع البيان2/ 221، كما أخرح نحوه البيهقي في السنن الكبرى7/ 171، في كتاب النكاح بسند ضعيف عن ابن عباس. 2 أخرجه الطبري والبيهقي في المصدرين السابقين والنحاس في ناسخه (56) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وذكره أيضاً مكي بن أبي طالب عن قتادة وابن حيبر، ورجحه في الإيضاح ص:77، و143، كما أورد المؤلف هذا المعنى في زاد المسير1/ 247 عن عثمان وحذيفة وطلحة، وجابر وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. 3 انتهى عدم الوضوح من (هـ). 4 أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي عنهما، قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئاً أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله انظر: صحيح البخاري مع الفتح11/ 337 في باب قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}. قلت: أورد المؤلف في زاد المسير1/ 246، نحو هذه المناقشة بدون ترجيح. وأما في مختصر عمدة الراسخ الورقة (4) فقال: بعد ذكر هذه الآية: هذا لفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ، وقد سماه من لا يعلم نسخاً وذلك خطأ. وقد ناقش قضية النسخ في هذه الآية معظم كتب النسخ إلا أن النحاس مال إلى نسخها في كتابه الناسخ والمنسوخ ص:57، بينما مكي بن أيى طالب مال إلى إحكامها في الإيضاح ص:142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً} 1. تَوَهَّمَ قَوْمٌ قَلَّ عِلْمُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، فَقَالُوا: هِيَ تَقْتَضِي مُجَانَبَةَ الْحَائِضِ عَلَى الْإِطْلاقِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، ثُمَّ نُسِخَتْ بالسنة، وهو ماروي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَاحَ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْحَائِضِ إِلا النِّكَاحَ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَسْتَمْتِعُ) 2 مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْإِزَارِ3. وَهَذَا ظَنٌّ مِنْهُمْ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لا خِلافَ بين الآية والأحاديث.   1 الآية (222) من سورة البقرة. 2 في (هـ): يسمع، وهو تصحيف. 3 رواه البخاري في باب (مباشرة الحائض) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، ورواه مسلم عنها في كتاب الحيض، وأبو داود في باب (الرجل يصيب منها ما دون الجماع) عن عائشة. انظر. صحيح البخاري بالفتح1/ 419 - 420؛ وصحيح مسلم بشرح النووي 3/ 203؛ وسنن أبي داود مع عود المعبود1/ 550. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 قال أحمد بن حنبل: المحيض مَوْضِعُ الدَّمِ1 وَيُوَضِّحُ هَذَا التَّعْلِيلُ لِلنَّهْيِ بِأَنَّهُ أَذًى فَخَصَّ الْمَنْعُ مَكَانَ الأَذَى ثُمَّ لَوْ كَانَتِ الأَحَادِيثُ تُضَادُّ الْآيَةِ قُدِّمَتِ الْآيَةُ، لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ النَّاسِخَ يَنْبَغِي مِنْ أَنْ يُشَابِهَ الْمَنْسُوخَ فِي قُوَّتِهِ والقرآن أقوى من السنة2.   1 روى الطبري في جامع البيان2/ 225 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق علي بن أبي طلحة قوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِِ} يقول: اعتزلوا نكاح فرجهن. 2 قلت: أعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وفي تفسيره عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية كما أعرض عن ذلك ابن هلال في ناسخه، وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فقد أوردا قول النسخ وما لا إلى إحكام الآية. أانظر الناسخ والمنسوح ص:60؛ والإيضاح ص: 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ذِكْرُ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1. قَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ إِلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَنْسُوخِ منها على قولين: أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}. قالوا: فكان يجب عَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَامِلِ بِقَوْلِهِ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2. وَنُسِخَ حُكْمُ (الْآيِسَةِ) 3 وَالصَّغِيرَةِ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} 4 وَنُسِخَ حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 5. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةَ إِلا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَثْنَى وَلَفْظُ قتادة [نسخ] 6.   1 الآية (228) من سورة البقرة. 2 الآية الرابعة من سورة الطلاق. 3 في (هـ): الآية، وهو تحريف من الناسخ. 4 الآية الرابعة من سورة الطلاق. 5 الآية (49) من سورة الأحزاب. 6 ساقطة من (هـ). قلت: هذا القول الذي ذكره المؤلف فقد روى نحوه أبو داود في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وفيه نسخ واستثنى، وفي إسناده عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قال المنذري عنه: (قد ضعف) وقال الحافظ في التقريب (345) صدوق يهم، وقد ذكر نحو هذا الأثر السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى النسائي وابن المنذر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود6/ 377 في كتاب الطلاق؛ والدر المنثور1/ 274. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قَالَ: فَجُعِلَ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثُ حِيَضٍ، ثُمَّ نُسِخَ مِنْهَا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَقَالَ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فَهَذِهِ لَيْسَ لَهَا عِدَّةٌ، وَقَدْ نُسِخَ مِنَ الثَّلاثَةِ قُرُوءٍ، امْرَأَتَانِ، فَقَالَ: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} فَهَذِهِ الْعَجُوزُ الَّتِي لا تَحِيضُ عِدَّتُهَا ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَنُسِخَ مِنَ الثَّلاثَةِ قُرُوءٍ الْحَامِلُ فَقَالَ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 1. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ مُحْكَمٌ وَإِنَّمَا الْمَنْسُوخُ مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} 2.   1 أخرج نحوه الطبري بالاختصار، عن قتادة في جامع البيان 2/ 264، وذكر نحوه مطولاً السيوطي في الدر المنثور1/ 274، وعزاه إلى عبد بن حميد عن قتادة، وفي روايتهما (نسخ) كما أشار إليه المؤلف. 2 الآية (228) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 قَالُوا: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ ارْتَجَعَ،، سَوَاءً كَانَ الطَلاقُ ثَلاثًا أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَنُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 1. وَاعْلَمْ: أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا مُحْكَمَةٌ، لِأَنَّ أَوَّلَهَا عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمُومِ وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ} ثُمَّ بَيَّنَ الطَّلاقَ الَّذِي يَجُوزُ مِنْهُ الرَّجْعَةُ، فَقَالَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} إلى قوله {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني: الثلاثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 2. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 3.   1 الآية (229) من سورة البقرة. 2 قلت: أثبت المؤلف في هذه الآية في كتابيه زاد المسير 1/ 228، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (4) الإحكام، بنفس الأسلوب المذكور هنا، وحكى دعوى النسخ أصحاب أمهات كتب النسخ في هذه القضية، فأورد النحاس قول النسخ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقتادة، وأشار النحاس إلى أن ابن عباس قال: استثنى، ولفظ قتادة نسخ، وأورد النحاس الإحكام عن العلماء أيضاً. أما مكي بن أبي طالب فقال بعد إيراد قول النسخ (والأحسن الأولى أن تكون آيتا الأحزاب والطلاق مخصصتين لآية البقرة مبينتين لها، فلا يكون في الآية نسخ وتكون آية البقرة مخصوصة في المدخول بهن من المطلقات ذوات الحيض من وقت الطلاق بين ذلك آية الأحزاب وآية الطلاق). انظر: الناسخ والمنسوخ ص:62؛ والإيضاح ص: 148. 3 الآية (229) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 قَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يُطَلِّقُ مَا شَاءَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ (يَزِيدَ) 1 النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا فَنَسَخَ اللَّهُ ذلك، فقال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية2. وروى سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} قَالَ: فَنَسَخَ هَذَا مَا كَانَ قَبْلَهُ وَجَعَلَ اللَّهُ حَدَّ الطَّلاقِ ثلاثاً3. قلت: وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْكَلامِ يُرِيدُونَ بِهِ تَغْيِيرَ تِلْكَ الْحَالِ وَإِلا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا لا يُقَالُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ شَرْعٍ وَإِبْطَالٌ لِحُكْمِ العادة.   1 في (هـ): غير منقوطة. 2 رواه أبو داود والنسائي من طريق علي بن الحسين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، سبق أن قلنا عن المنذري أن علياً بن الحسين قد ضعف. انظر. سنن أبي داود6/ 264 - 266؛ وسنن النسائي6/ 176 من كتاب الطلاق. 3 أخرجه الطبري عن سعيد عن قتادة وفيه (فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات، وليس فيه ذكر النسخ). انظر: حام البيان 2/ 276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَزَعَمَ آخَرُونَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ الطَّلاقِ عَلَى الْإِطْلاقِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَانٍ، نزل قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ} 1 أَيْ: مِنْ قَبْلِ عِدَّتِهِنَّ وَذَلِكَ أَنْ تُطَلَّقَ الْمَرْأَةُ فِي زَمَانِ طهرها لتستقبل الاعتداد بِالْحَيْضِ2. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لا يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الطَّلاقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبُيِّنَ فِي الأُخْرَى كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُوقَعَ. ثُمَّ إِنَّ الطَّلاقَ وَاقِعٌ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي زَمَانِ الْحَيْضِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَعْلِيمُ أَدَبٍ وَالصَّحِيحُ أن الآية محكمة3.   1 الآية الأولى من سورة الطلاق. 2 قال مكي بن أبي طالب: في الإيضاح ص: 149 - 150، (وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ}. وهذا قول بعيد، بل الآيتان محكمتان في معنيين مختلفين لا ينسخ أحدهما الآخر: فآية البقرة ذكر الله فيها بيان عدد الطلاق وآية الطلاق ذكر الله فيها بيان وقت الطلاق فهما حكمان مختلفان معمول بهما لا ينسخ أحدهما الآخر لتباين معنييهما). 3 قلت: لم يتعرص المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ولا في زاد المسير لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً. كما لم يذكرها من المنسوخة أحد من ابن حزم الأنصاري وهبة الله ابن سلامة، وابن هلال في نواسخهم، بل إنما ذكروا بأنها ناسخة لقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وأما الإمام أبو جعفر النحاس فقد أورد في هده الآية ثلاثة آراء: الأوّل: أنها ناسخة. والثاني: أنها منسوخة. والثالث: أنها محكمة. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ ص: 324؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله ص: 25؛ والإيجاز في الناسخ والمنسوخ المخطوط ورقة 20؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 67 - 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ذِكْرُ الْآيَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 1. هَذِهِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ لِحُكْمِ الْخُلْعِ وَلا تَكَادُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلا بَعْدَ فَسَادِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ عَلَّقَ الْقُرْآنُ جَوَازَهُ مَخَافَةَ تَرْكِهِمَا الْقِيَامَ بِالْحُدُودِ، وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ وَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. إِلا أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَنَا إسماعيل ابن أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أبنا إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، قَالَ: بنا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ2، (قَالَ: سألت   1 الآية (229) من سورة البقرة، وهي جزء من الآية السابقة، فهو إذاً موضع آخر من نفس الآية فلا داعي لترقيمها برقم مستقل. 2 في (هـ): الصبا، وهو تحريف، والصواب ما أثبت عن (م). وهو عقبة بن أبي الصهباء الباهلي مولاهم البصري روى له مسلم في باب الطلاق، وثقه ابن معين، مات سة 166هـ. انظر: ميزان الاعتدال 3/ 86؛ والجرح والتعديل 6/ 312. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) 1 عَنْ رَجُلٍ سَأَلَتْهُ (امْرَأَتُهُ) 2 الْخُلْعَ؟ فَقَالَ: لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا، قُلْتُ لَهُ: يَقُولُ الله عزوجل: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} الْآيَةَ؟ قَالَ: نُسِخَتْ، قُلْتُ: فَأَيْنَ جُعِلَتْ؟ قَالَ: فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} 3. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ (بَعِيدٌ) 4 مِنْ وجهين: أحدهما: أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ وَيَكْرَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا مَا فُرِضَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ فَلا يَزَالُ يَتْبَعُهَا بِالأَذَى حَتَّى تَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهَا لِتَخْلُصَ مِنْهُ. فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا آيَةُ الْخُلْعِ فَلا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذلك.   1 في النسختين قلق في العبارة وقد جاء فيهما: (عن بكر به عبد الله قال: سألته عن رجل) ولعل الصواب ما سجلت عن رواية الطبري والنحاس كما سيأتي. وأما بكر بن عبد الله، فهو: أبو عبد الله البصري المزني ثقة ثبت جليل، من الثالثة مات سنة 106هـ. انظر: تقريب التهذيب (47). 2 في (هـ): امرأة. 3 الآية (21) من سورة النساء. والأثر أخرجه الطبري عن عقبة بن أبي الصهباء وذكره النحاس عنه. انظر: جامع البيان2/ 288، عند ذكر آية {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا} و4/ 216، عند ذكرآية {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} والناسخ والمنسوخ (68). 4 في (هـ): سعيد، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ، وَأَرَادَ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا1 فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ. وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: قَوْلُهُ {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} منسوخ بالاستثناء وهوقوله: {إِلاّ أَنْ يَخَافَا} 2. قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَرْذَلِ الأَقْوَالِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 4.   1 أخرجه الطبري هذا الوجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في جامع البيان2/ 288. 2 ذكر ابن حزم الأنصاري في ناسخه 325، وهبه الله في ناسخه 25 وابن هلال في ناسخه المخطوط (20) أن هذه الآية استثنى بقوله: {إِلاّ أَنْ يَخَافَا}. 3 قلت: لم يتعرض ابن الجوزي في كتابيه زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ أصلاً. وأما أبوجعفر النحاس فيقول بعد إيراد كلام عقبة بن أبي الصهباء السابق، (قال أبوجعفر: وهذا قول شاذ خارج عن الإجماع وليس إحدى الآيتين رافعة للأخرى ... ). وأما مكي بن أبي طالب، فأورد النسخ هنا، عن أبي عبيد وغيره، ثم اختار الإحكام. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 68؛ والإيضاح 150. 4 الآية (233) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مُحْكَمٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ (مُدَّةِ) 1 الرَّضَاعِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ (الْمُدَّةِ) 2 أَحْكَامُ الرَّضَاعِ3. وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بقوله: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} 4 قَالُوا فَنُسِخَ تَمَامُ الْحَوْلَيْنِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فَلَمَّا قَالَ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} خَيَّرَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ (فَلا تَعَارُضَ) 5.   1 في (هـ): بيد، وهو تحريف. 2 في (هـ): المرة، وهو تحريف أيضاً. 3 ذكر هذا الرأي الطبري في جامع البيان2/ 301، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم1/ 283. 4 جزء من الآية السابقة. 5 في (م): فلا يعارض. قلت: قال المؤلف في زاد المسير1/ 271، وهو يفسر هذه الآية (ونقل عن قتادة والربيع ابن أنس في آخرين أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا} قال شيخنا علي بن عبيد الله: (وهذا قول بعيد، لأن الله تعالى قال: في أولها: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فلما قال: في الثاني {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا} خير بين الإرادتين وذلك لا يعارض المدة المقدرة في التمام) انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وفي الآية موضع آخروهو قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 1. اخْتَلَفُوا فِي الْوَارِثِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَارِثُ الْمَوْلُودِ2. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَارِثُ الْوَالِدِ3. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ، الْبَاقِي مِنْ وَالِدَيِ الْوَلَدِ بَعْدَ وَفَاةِ الْآخَرِ4. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ، عَلَيْهِ لِأُمِّهِ مِثْلُ مَا كَانَ عَلَى أَبِيهِ لَهَا مِنَ (الْكِسْوَةِ) 5 وَالنَّفَقَةِ6.   1 وقد رد مكي بن أبي طالب في ناسخه 151، دعوى النسخ، بنحو هذا. وأما النحاس في ناسخه والمؤلف في مختصر عمدة الراسخ، فلم يتعرضا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان2/ 308 عن قتادة، وذكره المؤلف في زاد المسير 1/ 273، عن عطاء ومجاهد، وسعيد بن جبير، وابن أبي ليلى وقتادة، والسدي، والحسن به صالح، ومقاتل في آخرين، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 288. وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي، وإلى سفيان بن عيينة عن مجاهد. 3 أخرجه النحاس عن عمر بن الخطاب والحسين بن أبي الحسن في الناسخ والمنسوخ (71). وذكره المؤلف في المصدر السابق عن الحسن والسدي. 4 أخرجه الطبري في جامع البيان 1/ 310، والمؤلف في المصدر السابق عن سفيان. 5 في (هـ): الكرة، وهو تحريف. 6 أخرجه الطبري وذكره المؤلف في المصدرين السابقين عن الضحاك وقبيصة بن ذؤيب، كما أخرجه النحاس عن قبيصة أيضاً في المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لا يُضَارَّ1. وَاعْلَمْ: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْوَارِثُ الصَّبِيُّ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ لا يُنَافِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ وَارِثُ الصَّبِيِّ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ إِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ2، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لا يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقَةُ أَخٍ وَلا ذِي قَرَابَةٍ، وَلا ذِي رَحِمٍ مِنْهُ. (قَالَ) 3 وَقَوْلُ اللَّهِ عزوجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَالِكٌ مَا الناسخ4.   1 أخرجه الطبري عن مجاهد والشعبي والضحاك في المصدر نفسه، وذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 289، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق مجاهد والشعبي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 2 أورد المؤلف في المصدر السابق هذا القول عن شيخه علي بن عبيد الله. 3 في (هـ): وقال. 4 ذكر مكي بن أبي طالب في الإيضاح (152) هذا القول عن ابن القاسم عن مالك رضي الله عنهما، ثم أول كلام مالك فقال: إنه كان الحكم في الآية على وارث المولود نفقته، إذا لم يكن له مال ولا أب وهو مذهب جماعة من العلماء ممن لم ير في الآية نسخاً، فنسح ذلك بالإجماع، على أن من مات وترك حملاً ولا مال للميت أنه لا نفقة للحامل على وارث الحمل وقد كانت النفقة تلزم الزوج لو كان حياً، فكأنه كانت الإشارة بذلك إلى النفقة فصارت إلى ترك المضارة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، أن الإشارة في قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} إلى ترك المضارة، وقد رواه عن مالك ابن وهب وأشهب، والنسخ بالإجماع لا يقول به مالك). انتهى من الإيضاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لما أوجب الله عزوجل للمتوفى عنها زوجها من مال الْمُتَوَفِّي نَفَقَةَ حَوْلٍ وَالسُّكْنَى ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ وَرَفَعَهُ نَسَخَ ذَلِكَ أيضاً عن الوا رث1. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ مَكَثَتْ زَوْجَتُهُ فِي بَيْتِهِ حَوْلا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مِيرَاثِهِ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ خَرَجَتْ إِلَى بَابِ بَيْتِهَا وَمَعَهَا بعرة فرمت بها كلباً، وخرجت بِذَلِكَ مِنْ عِدَّتِهَا وَكَانَ مَعْنَى رميها   1 قلت: لم يتعرض المؤلف في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ في هذا الجزء من الآية أصلاً. وأما أبو جعفر النحاس فقد اختار إحكامهما، وأما مكي بن أبي طالب فقال عن جماعة: إن المراد بذلك النفقة فلا نسخ، وأما ابن العربي فقال بعد حكاية كلام مالك عن ابن القاسم: (وهذا كلام تشمئز منه قلوب العاقلين ولكن وجهه أن المقتدمين كانوا يرون التخصيص نسخاً). انظر: الناسخ والمنسوخ (71)؛ والإيضاح (152)؛ وأحكاء القرآن1/ 205. 2 الآية (240) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 بِالْبَعْرَةِ: أَنَّهَا تَقُولُ مُكْثِي بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِي أَهْوَنُ عِنْدِي مِنْ هَذِهِ الْبَعْرَةِ1. ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلامُ فأقرهم على ماكانوا عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِ الْحَوْلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 2 وَنُسِخَ الأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ لَهَا بِمَا فَرَضَ لَهَا مِنْ مِيرَاثِهِ3 وَهَذَا مجموع (قول) 4 الجماعة.   1 روى نحوه الستة، ولفظ البخاري (عن نافع بن حميد عن زينب ابنة أبي سلمة قالت: سمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: لا. مرتين وثلاثاً. كل ذلك يقول: لا. ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول. وقال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً، ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة، حمار أوشاة أو طائر، فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات. ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعدها ماشاءت من طيب أو غيره. سئل مالك رحمه الله، ماتفتض به؟ قال: تمسح به جلدها). انظر: صحيح البخاري بالفتح في باب تحد المتوفي عنها زوجها اربعة أشهر وعشراً 11/ 414 - 416، وقال أبو داود في سننه: الحفش: بيت صغير. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود6/ 403 - 404. 2 الآية (234) من سورة البقرة. 3 إلى هنا ذكر المؤلف بنصه عند ذكر هذه الآية في زاد المسير 1/ 286 - 287. 4 في (هـ): قال، وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ: قَالَ، أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، فال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} فكان للمتوفي زوجها نفقتها وسكناها فِي الدَّارِ سَنَةً فَنَسَخَهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ فَجُعِلَ لَهُنَّ الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ مِمَّا تَرَكَ الزَّوْجُ1. وَقَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} فَنَسَخَتْهَا {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} فَنَسَخَتْ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ النَّفَقَةِ فِي الْحَوْلِ وَنَسَخَتِ الْفَرِيضَةُ الثُّمُنُ وَالرُّبُعُ مَا كَانَ قبلها من نققة (فِي الْحَوْلِ) 2. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [جَعْفَرٍ] 3 الْوَرْكَانِيُّ، قَالَ بنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً   1 رواه ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما عند ذكر الآية في تفسير المخطوط1/ 176 من طريق عثمان بن عطاء. 2 غير واضحة من (هـ). أخرجه مطولاً، ابن جرير الطبري عن قتادة في جامع البيان 2/ 360. 3 ساقطة من (هـ). وهو: محمد بن جعفر بن زياد الوركاني، نزيل بغداد ثقة من العاشرة مات سنة 228هـ انظر: التقريب 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 لأَزْوَاجِهِمْ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 1. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عطاء (وصية لأزواجهم) قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُعْطَى سُكْنَى سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا [فَنَسَخَتْهَا (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشراً]) 2. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ3. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى والنفقة حولاً من ماله مالم تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 4.   1 أخرجه النسائي عن عكرمة من طريق سماك بن حرب في باب نسخ متاع المتوفي عنها، وهو إسناد مضطرب، كما قال الحافظ بن حجر. انظر: سنن النسائي5/ 172؛ والتقريب ص: 132. 2 أخرجه الطبري عن عطاء في جامع البيان2/ 361. وما بين معقوفتين ساقطة من (هـ). 3 أخرجه الطبري في جامع البيان1/ 361 عن سفيان عن حبيب عن إبراهيم. 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 309، ونسبه إلى ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم عن قتادة. قلت: سكت المؤلف هنا عن إبداء رأيه في نسخ الآية، ولكن عدم اعتراضه إيراد أدنى دليل لإحكام الآية - مع ما جاء عند البخاري في ذلك عن مجاهد - يدل على أنه مع القائلين بالنسخ، ويؤيد ذلك سكوته أيضاً في زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ. وقد روى البخاري من طريق عبد الله بن الزبير عن عثمان بن عفان أنها منسوخة. وقال الحافظ بن حجر في الفتح: هذا الموضع مما وقع فيه الناسخ مقدماً في ترتيب التلاوة على المنسوخ. وبه قال مكي بن أبي طالب في الإيضاح. وقد ذهب بعض السلف إلى أنها محكمة فقال: "إنما خص من الحول بعضه وبقي البعض وصية لها، إن شاءت أقامت وإن شاءت خرجت، والعدة كما هي واجب عليها". وقد روى ذلك الإمام البخاري عن مجاهد. وقال الحافط في الفتح: والجمهور على خلافه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 259؛ والإيضاح 154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} 1. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا الْقَدَرُ من الآية محكم أومنسوخ. فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مُحْكَمٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ إِحْكَامِهِ على قولين: أحدهما: أَنَّهُ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَأَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لا يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلامِ بَلْ يُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ. وَكَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قال: أبنا إسحق الْكَاذِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قال: بنا علي بن عاصم قال: بنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الأَنْصَارِ إِذَا كَانَتْ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ تُدْعَى الْمُقْلاةُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ نَذَرَتْ إِنْ هِيَ أَعَاشَتْ وَلَدًا تَصْبُغْهُ يَهُودِيًّا، فَأَدْرَكَ الْإِسْلامَ طَوَائِفٌ مِنْ أَوْلادِ الأَنْصَارِ - وَهُمْ كَذَلِكَ - فَقَالُوا إِنَّمَا صَبَغْنَاهُمْ يَهُودًا وَنَحْنُ نَرَى أن   1 الآية (256) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الْيَهُودَ خَيْرٌ مِنَ (عُبَّادِ) 1 الأَوْثَانِ. فَإِمَّا إِذْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلامِ فَإِنَّا نُكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِسْلامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. قال أحمد، وحدثنا حسن، قال: بنا أبو هلال، قال بنا دَاوُدُ، قَالَ: قَالَ (عَامِرٌ) 2 {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} كَانَتْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِقْلاةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَكَانَتْ تُنْذِرُ اللَّهَ عَلَيْهَا، إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَلِّمَنَّهُ فِي خَيْرِ دِينٍ تَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دِينٌ أَفْضَلَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ فَتُسَلِّمُهُ فِي الْيَهُودِيَّةِ فَلَمَّا جاء الله بالإسلام قالوا: يانبي اللَّهِ كُنَّا لا نَعْلَمُ أَوْ لا نَرَى أَنَّ دِينًا أَفْضَلَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بالإسلام نرتجعهم، فأنزل الله عزوجل {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} لا تُكْرِهُوهُمْ وَلا تَرْتَجِعُوهُمْ 3. قَالَ أحمد: (وبنا) 4 وكيع، قال: بنا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مُسْتَرْضَعُونَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلامِ فَنَزَلَتْ: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} 5. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أبنا ابن جبرون، وَأَبُو ظَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ كامل (قال) 6 بنا محمد   1 في (م): عبادة، وهو خطأ من الناسخ. 2 في (هـ): عاصم، وهو تحريف من الناسخ. 3 أخرج نحوهما أبو داود في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وقال أبو داود: المقلاة التي لا يعيش لها ولد، وأخرج نحوهما الطبري أيضاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وعن عامر. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود7/ 344؛ وجامع البيان 3/ 10. 4 مكررة في (هـ). 5 أخرج نحوه ابن جرير عن الحسن وعن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. انظر: جامع البيان3/ 11. 6 في (هـ) كلمة (لك) زايدة، ولعلها من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ابن (سَعْدٍ) 1 قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ: وَذَلِكَ لَمَّا دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلامِ وَأَعْطَى أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ2. وَالثَّانِي: (أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ) ليس الدين ما يدين بِهِ فِي الظَّاهِرِ عَلَى جِهَةِ الإِكْرَاهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ القلب وينطوي عليه الضمائر، إنما الدِّينُ هُوَ الْمُعْتَقَدُ بِالْقَلْبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الأَنْبَارِيِّ3. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، (لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ) 4 نَزَلَتْ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو داود قال: بنا جعفر بن محمد قال: بنا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ (الْقَنَّادُ) 5 قَالَ: بنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ فَأَسْنَدَهُ إِلَى مَنْ فَوْقَهُ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ نُسِخَ وَأُمِرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الكتاب في براءة.   1 في (هـ): سعيد، وهو تصحيف. 2 أخرج الطبري نحوه في جامع البيان3/ 12، وابن أبي حاتم في تفسيره عند ذكر هذه الآية1/ 194 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق آل العوفي وهو مسلسل بالضعفاء كما قدمنا في مناقشة الآية (180) من سورة البقرة. 3 ذكره المؤلف في زاد المسير1/ 36 عن ابن الأنباري. 4 في (هـ): (قال الآية هذه الآية). وهو تحريف من الناسخ. 5 في النسختين محرفة والصواب ما سجلت. وهو: عمرو بن حماد بن طلحة القناد أبو محمّد الكوفي. وقد ينسب إلى جده. صدوق رمي بالرفض. من العاشرة. مات سنة: 222هـ. انظر: التقريب 258. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا حمر بن نوح، قال بنا أبو معاذ قال: بنا أَبُو مُصْلِحٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ1 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَذَكَرَ الْمُسَيَّبُ [بْنُ وَاضِحٍ عَنْ بَقِيَّةَ] 2 بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى3 قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} نسختها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} 4.   1 ذكر نحوه الجصاص في أحكام القرآن عن الضحاك 1/ 452. 2 ساقطة من (هـ). وبقية مصحفة في (م) أيضاً والصواب ما أثبت. وهو: بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلائي صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة مات سنة 197هـ. انظر: التهذيب 1/ 473؛ والتقريب ص: 46. 3 سليمان بن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق صدوق فقيه في حديثه بعض اللين وخولط قبل وفاته بقليل من الخامسة. انظر. التقريب ص:136. 4 الآية (73) من سورة التوبة و (6) من سورة التحريم. والأثر ذكره ابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى عند ذكر هذه الآية من تفسيره المخطوط1/ 194، كما ذكره النحاس عنه في الناسخ والمنسوخ ص:79. قلت: اكتفى المؤلف رحمه الله هنا بنقل الآراء والأدلة من جهتين دون ترجيح كما فعل ذلك في مختصر عمدة الراسخ وفي زاد المسير أيضاً. ولكننا نرى الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله يرجح رأي من قال بأنه من العام المخصوص فإنه خص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام. بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية. وقد ذكر المؤلف في زاد المسير هذا الرأي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وأما عن الآثار المؤيدة لنسخ الآية فقال ابن جرير: إنها لم تصح. ويروي النحاس أثراً صحيحاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: (كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضيركان فيهم من أبناء الأنصار، قالت الأنصار: لا ندع أبناءنا، وأنزل الله {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ثم قال: هذا أولى الأقوال لصحة الإسناد، ومثله لا يؤخذ بالرأي، فلما أخبر: أن الآية نزلت في كذا وجب أن يكون أقوى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصة نزلت في هذا ورجح الإحكام أيضاً مكي ابن أبي طالب وابن العربي. انظر: زاد المسير 1/ 305؛ وجامع البيان 3/ 12؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص:80؛ والإيضاح ص: 162؛ وأحكام القرآن لابن العربي 1/ 333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} 1. هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ الأَمْرَ بِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ فِي كِتَابٍ وَإِثْبَاتِ الشَّهَادَةِ فِي الْبَيْعِ وَالدَّيْنِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا أَمْرُ وُجُوبٍ أَمِ اسْتِحْبَابٍ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أبنا أبو حفص عمر وابن علي قال: بنا معتمر بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنِ الرَّجُلِ يَبِيعُ وَلا يَشْهَدُ فَقَالَ: أَلَيْسَ قد قال الله عزوجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 2. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بن (زريع) 3 قال: بنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: "إِنْ شَاءَ أَشْهَد". وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَالِبِ بْنُ غَيْلانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَيْمُونَ، قَالَ: بنا موسى بن مسعود،   1 الآية (282) من سورة البقرة. 2 الآية (283) من سورة البقرة. وقد أخرج الطبري هذا القول عن الحسن في جامع البيان3/ 84. 3 في (م): دويغ، وفي (هـ): وريع، كلاهما تحريف. والصواب ما أثبت عن إسناد الطبري وعن ترجمة يزيد بن زريغ، وهو بتقديم الزاي مصغراً البصري أبو معاوية ئقة ثبت من الثامنة، مات سنة 182هـ. انظر: التقريب 382. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 قال: بنا الثَّوْرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إِنْ شَاءَ أَشْهَدَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُشْهِدْ ثُمَّ قَرَأَ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 1 فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ (الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ). وَذَهَبَ آخَرُونَ) 2 إِلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْإِشْهَادَ وَاجِبَانِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي قِلابَةَ3 وَالْحَكَمِ4 وَابْنِ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ5. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ نُسِخَ أَمْ لا؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ إلى أنه لم ينسخ.   1 أخرجه الطبري عن مجاهد في جامع الميان3/ 84. 2 غير واضحة من (هـ). 3 أما أبو قلابة فهو عبد الله بن زيد بن عمرو، أبو قلابة الجرمي البصري أحد أعلام هذه الأمة روى عن ثابت بن الضحاك وسمرة بن جندب وغيرهما من الصحابة والتابعين وهو ثقة فاضل كثير الإرسال مات سنة: 104هـ بالشام هارباً من القضاء وقيل بعدها. انظر: التهذيب 5/ 226؛ والتقر يب ص:174. 4 أما الحكم، فهو: ابن عتيبة بالمثناة ثم الموحدة مصغراً أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس، من الخامسة مات سنة 113هـ، أو بعدها، وله نيف وستون. انظر: التقريب (80). 5 ذكر المؤلف في زاد المسير1/ 345 هذا القول عن هؤلاء جميعاً، وذكره مكي بن أبي طالب عنهم وعن ابن عباس، إلا عن الحكم، ولكن المكي روى عن هؤلاء إحكام الآية في الإيضاح ص:165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ1 وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ إِلَى أَنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ المظفر، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بن علي قال: بنا محمد بن مروان، قال: بنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي (نَضْرَةَ) 2 عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أنه قرأ هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} حتى بلغ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} قَالَ: "هَذِهِ نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا"3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: بنا عفان، قال: بنا عبد الوارث.   1 أما أبو سعيد الخدري، فهو: صحابي جليل مشهور راوي حديث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كثيراً، اسمه: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري استصغر في أحد وغزا بعد ذلك اثنتي عشرة غزوة مات بالمدينة سنة 63هـ، وقيل 74هـ وقيل غير ذلك. انظر: التهذيب 3/ 476 - 481؛ والتقريب ص: 119. 2 في (م) و (هـ): أبي نصر. أبي نصر، وهو تحريف. والصواب ما أثبت عن إسناد الطبري. وهو عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ العبدي البصري، قال الحافظ بن حجر ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ ثم ذكر هذا الأثر الذي رواه المؤلف من طريقه، وقال الحافظ في التقريب صدوق ربما أخطأ من السابعة. انظر: التهذيب6/ 428؛ والتقريب ص: 221. 3 أخرجه الطبري عن أبي سعيد الخدري في جامع البيان3/ 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، قال: بنا أحمد بن أحمد، قال: بنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أحمد بن إسحاق قال: بنا أبو يحيى الرازي، قال: بنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: بنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ بنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ كِلاهُمَا عَنْ يؤنس عَنِ الْحَسَنِ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 1. قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ النَّاسِخَ (يُنَافِي) 2 الْمَنْسُوخَ وَلَمْ يَقُلْ هَهُنَا فَلا تَكْتُبُوا، وَلا تُشْهِدُوا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ التَّسْهِيلِ فِي ذَلِكَ ولوكان مِثْلَ هَذَا نَاسِخًا لَكَانَ قَوْلُهُ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} 3 نَاسِخًا لِلْوُضُوءِ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} 4 ناسخاً قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 5 وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا نَسْخٌ وَأَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ. وَقَدِ اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرَسَ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ خزيمة6 (بلا) 7 إشهاد8.   1 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط اورقة 223 عن الحسن. 2 في (هـ): يناسخ، وهو تحريف ظاهر. 3 الآية السادسة من سورة المائدة. 4 الآية (92) من سورة النساء، وفي نقل الآية في (م) خطأ من الناسخ. 5 جزء من الآية نفسها. 6 أما خزيمة، فهو: خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري أبو عمارة المدني ذو الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدراً، وقتل مع علي رضي الله عنه بصفين سنة 37هـ. انظر: التقريب ص: 92. 7 في (ما): (بلى). وهو خطأ إملائي. 8 ولعل المؤلف يقصد بذلك، بلا إشهاد أحد آخر غير خزيمة. وقد روى الحديث عن خزيمة بن ثابت، أبو داود والحاكم، وقال الحاكم ورجاله ثقات باتفاق الشيخين، وقد جاء فيه " ... فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً. فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد إنك قد بايعته فأقبل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين" انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود10/ 25/27؛ والمستدرك2/ 18؛ في كتاب الشهادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن بشار، قال: بنا محمد، قال: بنا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: "ثَلاثَةٌ يَدْعُونَ1 اللَّهَ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ ... " أَحَدُهُمْ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فلم يشهد عليه2.   1 في (هـ): إلى الله. 2 تمام الحديث: (ثلاثة يدعود الله فلا يستجاب لهم، رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل أتى سفيهاً ماله وقد قال الله عزوجل {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}. رواه الحاكم في المستدرك عن أبي موسى من طريق شعبة، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين) انظر: المستدرك 2/ 302. قلت: وممن قال بأن الإشهاد أمر ندب الإمام الشافعي في أحكام القرآن2/ 126، حيث يقول: "والذي يشبه - والله أعلم وإياه أسأل التوفيق - أن يقرن أمره بالإشهاد في البيع دلالة لا حتماً". وكذا قال ابن العربي في أحكام القرآن له1/ 258، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص:164. أما المؤلّف فقد عزا هذا الرأي في تفسيره إلى الجمهور كما عزا دعوى النسخ إلى الأكثرين، ولم يعد هذه الآية من المنسوخة أصلاً في مختصر عمدة الراسخ. انظر: زاد المسير ص: 340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} 1. أَمَّا إِبْدَاءُ مَا فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ الْعَمَلُ بِمَا أَضْمَرَهُ الْعَبْدُ أَوْ نَطَقَ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ. فَأَمَّا مَا يُخْفِيهِ فِي نَفْسِهِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْمَخْفِيِّ في هذه الآية على قولهم: أحدهما: أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَخْفِيَّاتِ. وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْمُؤَاخَذَةِ أَمْ2 مَنْسُوخٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 3. هذا قول علي وابن مسعود في آخرين.   1 الآية (284) من سورة البقرة. 2 في (هـ): أو بدل (أم). 3 الآية (286) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي: ابْنَ أَبَانٍ، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نزلت {لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} أَحْزَنَتْنَا وَهَمَّتْنَا1 فَقُلْنَا: يُحَدِّثُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ فَيُحَاسَبُ بِهِ فَلَمْ نَدْرِ مَا يُغْفَرُ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُغْفَرْ، فَنَزَلَتْ بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَبْنَا: مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بن عباس، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ، قال: بنا حجاج قال: بنا هُشَيْمٌ عَنْ (سَيَّارٍ) 3 أَبِي الْحَكَمِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عن   1 في (م): حزنتنا وهمنا، وفي (هـ): حزبنا وهمنا، كلاهما تحريف عما أثبت عن رواية الترمذي. 2 رواه الترمذي في جامعه 5/ 220 عن علي رضي الله عنه من طريق االسدي. وذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن أبي حاتم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وابن عمر وابن عباس رصي الله عنهم في رواية. انظر: تفسير ابن أبي حاتم المخطوط اورقة (226). 3 في (م): ساري، وفي (هـ): سفان، كلاهما تحريف، والصراب كما أثبت. وهو: سيار أبو الحكم العنزي الواسطي ابن أبي مسار اسمه وردان، وقيل ورد، وقيل دينار، روى عن الشعبي وغيره، ثقة ليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب، من السادسة مات 122هـ. انظر: التقريب ص: 142هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قوله: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قَالَ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 1. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ ظَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اليوشنجي، قَالَ: أَبْنَا2 أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، قال: بنا يزيد بن زريع، قال: بنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْعَلاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (لَمَّا أنزل الله عزوجل {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فقالوا: لوكلفنا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتُرِيدُونَ) 3 أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ - أَرَاهُ (قَالَ) 4 سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا - قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإليك المصير (فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا) 5 الْقَوْمُ (ذَلَّتْ) 6 بِهَا ألسنتهم فأنزل الله عزوجل فِي إِثْرِهَا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ   1 أخرجه الطبري من طريق سيار عن ابن مسعود، ومن طريق جويبير (الضعيف) عنه، وذكره السيوطي معزياً إلى الطبراني عن ابن مسعود. انظر: جامع البيان3/ 96؛ والدر المنثور1/ 374. 2 في (هـ): أبا، وهو خطأ. 3 في النسختين: (أتدرون) وهوخطأ والصحيح ما سجلت عن لفظ مسلم. 4 في (هـ): قالوا، بالجمع وهو خطأ من الناسخ أيضاً. 5 في (م): فلما قتربها، وفي (هـ): غير واضحة. والصواب ما أثبت عن لفظ مسلم. 6 في (م): فزلت، وفي (هـ) كما سجلت عن لفظ مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 رَبِّهِ} 1 الْآيَةَ كُلَّهَا، وَنَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا2. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قال: بنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم. قال: بنا وَرْقَاءُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا}. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قال: بنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ بنا علي بن حفص، قال بنا ورقاء عن عطاء ابن السَّائِبِ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} قال نسخت هذه الآية {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 3.   1 الآية (285) من سورة البقرة. 2 رواه مسلم في حديث أمية بن بسطام في باب بيان تجاوز الله عن حديث النفس. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي2/ 144 - 145. 3 أخرج هذا الأثر والذي قبله الطبري في جامع الميان3/ 96 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق سعيد بن جبير، كما ذكر دعوى النسخ عنهما في هذه الآية ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط اورقة 260. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ آدَمَ عن سعيد ابْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: لما نزلت: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} شُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} فَنَسَخَتْهَا1. أَخْبَرَنَا بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: بنا علي ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، قال: حدثني أبو عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قال: نسخت، فقال لله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا}. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: بنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل بن عباس، قال: بنا أبو بكر ابن أبي داود، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قال: بنا عفان، قال: بنا أبو عَوَانَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 2.   1 ذكر السيوطي نحوه، وقال: أخرجه البيهقي في الشعب. انظر: الدر المنثور1/ 274. 2 ذكره السيوطي في الدر المنثور1/ 374، وعزاه إلى أبي داود في ناسخه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: بنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ، قَالَ: بنا يعقوب الدورقي، قال: بنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَبْنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَلا هَذِهِ الْآيَةَ: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فَدَمِعَتْ عَيْنَاهُ فَبَلَغَ صَنِيعُهُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ صَنَعَ مَا صَنَعَ أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ فَنَسَخَتْهَا: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 1". أخبرنا بن الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ الْمُذَهَّبِ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، قال: حدثتي أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: "يَا ابْنَ2 عَبَّاسٍ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَبَكَى قَالَ: "أَيَّةُ آية؟ "3 قلت: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ أُنْزِلَتْ غَمَّتْ أَصْحَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم غماً   1 أخرج نحوه الطبري من طريق الزهري عن سعيد بن مرجانة، وليس فيه ذكر النسخ. انظر: جامع البيان3/ 6. 2 في النسختين: (يابا عباس) وهو تحريف ظاهر. 3 في (م): أين آية، وفي (هـ): أساسه، كلاهما خطأ وتحريف. والصواب ما أثبت عن الإمام أحمد كما سيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 شَدِيدًا، وَغَاظَتْهُمْ1 غَيْظًا شَدِيدًا يَعْنِي وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلِكْنَا إِنْ كُنَّا نُؤَاخَذُ بِمَا تَكَلَّمْنَا بِهِ وَبِمَا نَعْمَلُ بِهِ فَأَمَّا قُلُوبُنَا فَلَيْسَتْ بِأَيْدِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. قَالُوا: سمعنا وأطعنا، قَالَ: فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ ربه والمؤمنون} إِلَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فَتُجُوِّزَ لَهُمْ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَأُخِذُوا بِالأَعْمَالِ2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابن بشران، قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: قَالَ بنا وكيع، قال: بنا سفيان عن عطاء ابن السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} نسخت {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 3.   1 في (م): أغاظتهم، وفي (هـ): ورواية أحمد غاطتهم. 2 أخرجه الإمام أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وأصله عند مسلم في باب الإيمان من طريق سعيد بن جبير دون قصة ابن عمر. انظر: مسند الإمام أحمد مع فتح الرباني18/ 67. 3 أخرجه الطبري بإسنادين في جامع البيان3/ 97. الأول: عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ سفيان عن جابر عن مجاهد. والثاني: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مجاهد. وقد ثبت السماع لإبراهيم بن مهاجر من إبراهيم النخعي كما في سند المؤلف. وثبت له السماع أيضاً من مجاهد. انظر: التهذيب1/ 168؛ وتهذيب الكمال المخطوط للمزي اورقة 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عمرو، قال: بنا زَايِدَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، نسخت {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} 1. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَثَّنَا يُونُسُ قَالَ: بنا حَمَّادٌ يَعْنِي: ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ حميد عن الحسن {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا}. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَكَبُرَتْ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهَا آيَةً فِيهَا تَيْسِيرٌ وَعَافِيَةٌ وَتَخْفِيفٌ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل الوراق، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا زياد بن أيوب، قال: بنا هُشَيْمٌ عَنْ يَسَارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قال: لما نزلت: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} كَانَ فِيهَا شِدَّةٌ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فنسخت ما قبلها.   1 روى الطبري نحره عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي جامع البيان 3/ 97، كما ذكر دعوى النسخ عنه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1/ 227. 2 ذكر نحوه ابن أبي حاتم عن قتادة في المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إبراهيم، قال بنا الأَسْوَدُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يُونُسَ عن الحسن {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا}. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ والسدي، وا بن زيد، ومقاتل1. والقول الثاني: أنه لَمْ تُنْسَخْ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ: أحدها: أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْعُمُومِ فَيُؤَاخِذُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ وَاخْتَارَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدمشقي2، والقاضي أبو يعلى.   1 ذكر الطبري دعوى النسخ هنا عن عائشة وابن عباس - في رواية - وابن زيد أيضاً علاوة على من سبق ذكرهم عنه، وأورد ابن أبي حاتم في تفسيره دعوى النسخ عن علي وابن عمر وابن عباس في رواية، وأما المؤلف فقد ذكر النسخ في تفسيره عمن ذكره هنا. انظر: جامع البيان3/ 96 - 97؛ وتفسير بن أبي حاتم المخطوط اورقة 127؛ وزاد المسير1/ 242 - 243. 2 أما أبو سليمان الدمشقي، فهو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سليمان أبو سليماد السعدي مفسر كبير، له تصانيف في التفسير، منها: مجتبى التفسير، وكتاب الجامع الصغير في مختصر التفسير، وكتاب المهذب في التفسير. سمع ببغداد أبا علي الصواف، وأبا بكر الشافعي، وغيرهما، وكان شافعياً أشعرياً، كئير الاتباع للسنة حسن التكلم في التفسير. انظر: المنتظم حوادث سنة (371هـ)، وطبقات المفسرين للسيوطي ص: 103؛ ورسالة منهج ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير1/ 176 - 189، للدكتور عبد الرحيم طحان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ وَاقِعَةٌ، لكن مَعْنَاهَا إِطْلاعُ الْعَبْدِ عَلَى فِعْلِهِ السيئ. أخبرنا المبارك بن محلي، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ. أَبْنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل بن عباس، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال: بنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عبهما {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ (لَمْ تُنْسَخْ) 1 ولكن الله عزوجل إِذَا جَمَعَ الْخَلائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِمَّا (لَمْ يَطَّلِعْ) 2 عَلَيْهِ مَلائِكَتِي فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيُخْبِرُهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} يَقُولُ: يُخْبِرُكُمْ بِهِ اللَّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَأَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالرَّيْبِ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْفَوْا مِنَ التَّكْذِيبِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 3. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أيوب، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنس، قال:   1 في (هـ): ما نسخ. 2 في (هـ): لا يطلع. 3 أخرح نحوه الطبري في جامع البيان3/ 97 - 98، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط ورقة 227، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وفي رواية الطبري: (ولكن يواخذكم بما كسبت قلوبكم) من الشك والنفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. (يقول) 1 {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} يَقُولُ: يُعَرِّفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ أَخْفَيْتَ فِي صَدْرِكَ كَذَا وَكَذَا فَلا يُؤَاخِذُهُ2. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مُحَاسَبَةَ الْعَبْدِ بِهِ نُزُولُ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْعُقُوبَةِ وَالأَذَى بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا3. وَالْقَوْلُ الثَّانِي:4 أَنَّهُ أَمْرٌ بِهِ خَاصٌّ فِي نَوْعٍ مِنَ الْمَخْفِيَّاتِ ثُمَّ لِأَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ فيه قولان: أحدهما: (أَنَّهُ) 5 فِي الشَّهَادَةِ وَالْمَعْنَى إِنْ تُبْدُوا بِهَا (الشُّهُودَ) 6 مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ أَوْ تُخْفُوهُ. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا زياد بن أيوب.   1 في (هـ): بقوله، وهو تحريف. 2 ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة: 227 عن الربيع بن أنس. 3 أخرج نحوه الإمام أحمد في مسنده18/ 98؛ والترمذي في جامعه5/ 221؛ والطبري في تفسيره5/ 3 - 99؛ وابن أبي حاتم في المصدر السابق، عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. 4 يعني القول الثاني للمراد بالمخفيات. في (هـ): والقول الثالث. وهوخطأ من الناسخ. 5 في (هـ): لأن، وهو خطأ من الناسخ. 6 يعني: أن الخطاب للشهود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ المحاملي، قال: بنا يَعْقُوبُ الدُّورَقِيُّ. وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أحمد، ابن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: قال: أبنا عمربن عبيد الله، قال: أبنا بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال: بنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَبْنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، وَإِقَامَتِهَا1. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ، قال: بنا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هَذِهِ فِي الشَّهَادَةِ {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ2. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الشَّكُّ وَالْيَقِينُ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: (أَبْنَا) 3 عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي، فال: بنا عبد الله ابن أحمد ابن حنبل، قال: حدثني أبي.   1 أخرجه الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق مقسم في جامع البيان 3/ 94. 2 أورد المؤلف هذا الرأي عن ابن عباس وعكرمة والشعبي في زاد المسير1/ 344. 3 في (هـ): ابن. وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بن عباس، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود، قال: بنا المؤمل بن هشام (قال) 1 بنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلْيَةَ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحسن، قال: بنا إبرإهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا وَرْقَاءُ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي نجيح عن مجاهد {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} مِنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ2 فَعَلَى هَذَا الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. قَالَ: ابْنُ الأَنْبَارِيِّ وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الأَمْرِ وَالنَّهْيِ3. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: "لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ (فِي) 4 مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخٌ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ، وَإِنَّمَا التَّأْوِيلُ أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إن تُبْدُوا مَا فِي   1 في (م): قالا، بالتثنية، وهو خطأ. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان3/ 98، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط اورقة 226، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 85 عن مجاهد. 3 قال المؤلف في زاد المسير1/ 344: (قال ابن الأنباري: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ المحاسبة ها هنا هي إطلاع الله العبد يوم القيامة على ما كان حدث به نفسه في الدنيا، ليعلم أنه لم يعزب عنه شيء. قال: وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَدْخُلُ على الأمر والنهي. وقد روى عن عائشة أنها قالت: أما ما أعلنت فالله يحاسبك به، وأما ما أخفيت فما عجلت لك به العقوبة في الدنيا). 4 في (هـ): على، بدل فِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ، فَنَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} أي: نسخ ماوقع بِقُلُوبِهِمْ، أَيْ: أَزَالَهُ وَرَفَعَهُ"1. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2. اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُكَلِّفُ الْعِبَادَ قَدْرَ طَاقَتِهِمْ فَحَسْبُ وَهَذَا مَذْهَبُ الأَكْثَرِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا اقْتَضَتِ التَّكْلِيفَ بِمِقْدَارِ الْوُسْعِ بِحَيْثُ لا يَنْقُصُ مِنْهُ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} 3 وَذَلِكَ يَنْقُصُ عَنْ مِقْدَارِ الْوُسْعِ فنسختها4.   1 انظر نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 85 - 86. قلت: ذهب المؤلف إلى إحكام الآية في زاد المسير، وقال في مختصر عمدة الراسخ: ورقة (4) إن هذه الآية محكمة، لأنها خبر. ونسخ الخبر تكذيب للمخبر تعالى الله عن ذلك علو كبيراً. وإلى الإحكام ذهب مكي بن أبي طالب أيضاً في ناسخه ص: 168، وروى ذلك ابن أبي حاتم في تفسيره اورقة 227، عن عائشة وابن عمر وابن عباس في رواية والحسن والضحاك والربيع بن أنس. 2 الآية (286) من سورة البقرة. 3 الآية (185) من سورة البقرة. 4 ذكره أبن حزم الأنصاري في ناسخه ص:326، وهبة الله بن سلامة في ناسخه ص: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 والقول الأول1 أصح2.   1 في (هـ) كلمة الأول مكررة. 2 قلت: لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية في زاد الميسر ولا في مختصر عمدة الراسخ، كما لم يتعرض لذلك النحاس ومكي بن أبي طالب في ناسخيهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} 1. قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْكَلامَ اقْتَضَى الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّبْلِيغِ دُونَ الْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ2 وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَانِهِمْ مُزْعِجًا نَفْسَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ سَكَنَ جَأْشُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} 3 و {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} وَالْمَعْنَى: لا تَقْدِرُ عَلَى سَوْقِ قُلُوبِهِمْ إِلَى الصَّلاحِ فَعَلَى هَذَا لا نسخ4.   1 الآية (20) من سورة آل عمران . 2 ذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن حزم في معرفة الناسخ والمنسوخ ص:326، وهبة الله في الناسخ والمنسوخ ص: 28 وأبو هلال في الإيجاز لمعرفة الناسخ والمنسوخ، المخطوط ورقة 21. 3 الآية (12) من سورة هود. 4 قلت: عرض المؤلف دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ وتفسيره زاد المسير في هذه الآية بنفس الأسلوب الذي عرضه هنا، ولم يقم بالرد ولا بالترجيح. ولعل ذلك لضعف هذا القول الذي لم يستند على أي دليل نقلي صحيح. والذي يظهر من أسلوب الآية أنه إخبار من الله تعالى بأن الرسول إذا بلغ ما أنزل الله صار مؤدياً واجبه سواء كان قبل وجوب القتال أو بعده فلا وجه للنسخ والله أعلم. وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية أبو جعفر النحاس ومكي بر أبي طالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} 1. قد ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ اتِّقَاءُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُوقِعُوا فِتْنَةً أَوْ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ وَالْفُرْقَةَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ جَوَازُ اتِّقَائِهِمْ إِذَا أَكْرَهُوا الْمُؤْمِنَ عَلَى الْكُفْرِ بِالْقَوْلِ الَّذِي لا يَعْتَقِدُهُ وَهَذَا الْحُكْمُ باقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإٍِيمَانِ} 3. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ قَالَ: أَبْنَا بْنُ خَيْرُونَ وَأَبُو طَاهِرٍ الباقلاوي، قالا: أَبْنَا بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ قَالَ حَدَّثَنِي محمد ابن سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}. وَالتُّقْيَةُ بِاللِّسَانِ: مِنْ حُمِلَ عَلَى أَمْرٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَهُوَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ فَتَكَلَّمَ بِهِ مَخَافَةَ النَّاسِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَضُرُّهُ4. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قال: بنا آدم، قال: بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، {إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا   1 الآية (28) من سورة آل عمران. 2 ذكر هبة الله هذه الآية من الآيات المنسوخة بآية السيف. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 26. 3 الآية (106) من سورة النحل. 4 رواه الطبري عن ابن عباس بهذا الإسناد الذي هو مسلسل بالضعفاء كما أسلفنا. انظر: جامع البيان 3/ 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 مِنْهُمْ تُقَاةً} قَالَ: إِلا مُصَانَعَةً فِي الدِّينِ1 وَقَدْ زَعَمَ إِسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ، أَنْ قَوْلَهُ: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}. وَمِثْلُ هَذَا يَنْبَغِي تَنْزِيهُ الْكُتُبِ عَنْ ذِكْرِهِ فَضْلا عَنْ رَدِّهِ فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ لا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ2. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {يُنْظَرُونَ} 3. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيات على ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ4 كَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِقَوْمِهِ. فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَاتُ فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَيْهِ فَرَجَعَ وأسلم، قاله مجاهد5.   1 أخرجه الطبري عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مجاهد، انظر: جامع البيان3/ 153. 2 قلت: لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية في زاد المسير أصلاً، وإنما ردّ ذلك واختار النسخ في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (4) وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية أمهات كتب النسخ المتقدمة. 3 الآية 86 - 88 من سورة آل عمران. 4 قال المؤلف في زاد المسير1/ 418: ذكر مجاهد والسدي: أن اسم ذلك الرجل الحارث بن سويد. وقد جاء في تجريد أسماء الصحابة، أنه الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري أخو الجلاس، قيل: إنه ارتد عن الإسلام ثم رجع وحسن إسلامه، قال ابن الأثير: لا خلاف بين أهل الأثر أن هذا قتل بالمجذر بن زياد؛ لأنه قتل المجذر يوم أحد غيلة؛ لأنه قتل أباه سويداً في الجاهلية وكان الحارث شهد بدراً. قاله الواقدي. انظر: تجريد أسماء الصحابة 1/ 101. 5 أخرجه الطبري في جامع البيان3/ 242 عن مجاهد، والواحدي في أسباب النزول ص: 75 عن ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَشَرَةٍ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، وَمِنْهُمْ طُعْمَةُ وَوُحُوحُ وَالْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، فَنَدِمَ مِنْهُمُ الْحَارِثُ وَعَادَ إِلَى الْإِسْلامِ. رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا1. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ. رَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ2. وَقَوْلُهُ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا} استفهام في معنى الجحد، أي: لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ. وَفِيهِ طَرْفٌ مِنَ التَّوْبِيخِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: كَيْفَ أُحْسِنُ إِلَى مَنْ لا يُطِيعُنِي. أَيْ: لَسْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ (لا يَهْدِي) 3 مَنْ عَانَدَ بَعْدَ أَنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ. وَهَذَا مُحْكَمٌ لا وَجْهَ لِدُخُولِ النَّسْخِ عَلَيْهِ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ4 أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَنْسُوخَاتٌ بِقَوْلِهِ: {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي داود، قال: بنا محمد بن الحسين، قال: بنا أحمد بن المفضل، قال: بنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا} قال:   1 أخرجه الطبري عن عكرمة وفيه: نزلت في اثني عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام. انظر: جامع البيان 3/ 242. 2 أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن عباس رصي الله عنهما، كما أخرجه هو وابن أبي حاتم عن الحسن. انظر: المصدر السابق من جامع البيان. 3 في (هـ): لا يهدم، وهر تحريف. 4 في النسختين هنا (إلى أن) ولعلها زيادة من النساخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ ثُمَّ أَسْلَمَ فنسخها الله عزوجل فَقَالَ: {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} 1. قُلْتُ: وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَيِّنٌ، أَنَّ اللَّفْظَ الأَوَّلَ لَمْ يُرَدْ بِهِ الْعُمُومُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ عَانَدَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْحَقِّ بَعْدَ وُضُوحِهِ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّ الآيَاتِ خَبَرٌ، والنسخ لا يدخل في الأَخَبْارِ بِحَالٍ2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 3. قَالَ السُّدِّيُّ: "هَذَا الْكَلامُ تَضَمَّنَ وُجُوبَ الْحِجِّ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ، ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ عَادِمِ الاسْتِطَاعَةِ بِقَوْلِهِ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}   1 الآية (81) من سورة آل عمران. أورد ابن حزم الأنصاري في ناسخه المطبوع على هامش تفسير ابن عباس ص: 327، وابن سلامة في ناسخه ص: 29 وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 21، هذه الآية وقالوا: (ثم استثنى الله تعالى بِقَوْلِهِ: {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا}. 2 قلت: صرح المؤلف في زاد المسير1/ 418، بأن هذه الآية ليست منسوخة، وأما في مختصر عمدة الراسخ فقد فقد من الميكروفيلم الذي جئت به من دار الكتب المصرية ورقة كاملة تتضمن جزءاً كبيراً من سورتي آل عمران والنساء. وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً. 3 الآية (97) من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 قلت: وهذا قوله قَبِيحٌ، وَإِقْدَامٌ بِالرَّأْيِ الَّذِي لا يَسْتَنِدُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ عَلَى الْحُكْمِ بِنَسْخِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ النَّحْوِيُّونَ كَافَّةً فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: (مَنْ) بَدَلٌ مِنَ (النَّاسِ) وَهَذَا بَدَلُ الْبَعْضِ1 كَمَا يَقُولُ ضَرَبْتُ زَيْدًا بِرَأْسِهِ، فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَلِلَّهِ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ مِنَ النَّاسِ الحج أَنْ يَحُجَّ2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 3. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا مُحْكَمٌ أو منسوخ على قولين: أحدهما: أنه منسوب. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ حَمُّويَةَ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بن خريم، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: بنا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَشُقَّ ذَلِكَ على المسلمين فأنزل الله عزوجل بَعْدَ ذَلِكَ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 4. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: وَأَبْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 5.   1 انظر تفسير الكشاف للزمخشري1/ 448. 2 قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ المؤلف في زاد المسير كما لم يذكره أصلاً أمهات كتب النسخ، إنما نقل هذا القول الضعيف عن السدي، هبة الله بن سلامة في ناسخه ص: 39، بقوله: ثم استثنى فصار ناسخاً. 3 الأية (102) من سورة آل عمران. 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 59 وعزاه إلى عبد بن حميد عن عكرمة. 5 الآية (16) من سورة التغابن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قَالَ: أَنْ يُطَاعَ فَلا يُعْصَى، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: (أَبْنَا مُحَمَّدُ) 2 بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا ابن بكير، قال: بنا ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} اشْتَدَّ عَلَى الْقَوْمِ الْعَمَلُ فَقَامُوا حَتَّى وَرِمَتْ عَرَاقِيبُهُمْ وَتَقَرَّحَتْ جِبَاهُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَخْفِيفًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فنسخت الآية الأولى3. وعن ابن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحسين بْنِ أَبِي حُنَيْفٍ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: أَبْنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: "أَمَّا حق تقاته: أَنْ يُطَاعَ فَلا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلا يُنْسَى، وَيُشْكَرَ فَلا يُكْفَرَ فَلَمْ (يُطِقِ) 4 النَّاسُ هَذَا فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ".   1 أخرج نحو هذا القول الطبري في جامع البيان 4/ 20 عن قتادة من طريق همام، كما أخرج نحوه عنه النحاس في ناسخه ص: 88، وذكره السيوطي أيضاً في الدر المنثور2/ 59 معزياً إلى ابن أبي داود في ناسخه عن قتادة. 2 في (هـ) هنا تقديم وتأخير ولعله من الناسخ. 3 ذكره السيوطي في المصدر السابق وعزاه إلى ابن أبي حاتم في تفسيره عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. 4 فِي (هـ): يطلق، وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَإِلَى هُنَا ذَهَبَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ1. وَمِنْ نَصَّ هَذَا الْقَوْلِ قال: حق تقاته: هُوَ الْقِيَامُ لَهُ بِجَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ طَاعَةٍ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَةٍ، قَالُوا: هَذَا أَمْرٌ تَعْجَزُ الْخَلائِقُ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمْ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً وَأَنَّ تَعَلُّقَ الأَمْرِ بِالاسْتِطَاعَةِ. وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا بِهِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدِيرُ2 قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمَنْصُورِ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِرْزِيُّ، قَالَ: أَبْنَا البغوي، قال: بنا محمد بن بكار، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قَالَ: "أَنْ يُطَاعَ فَلا يُعْصَى وَأَنْ يُذْكَرَ فَلا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلا يُكْفَرُ"3. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: بنا أبو   1 ذكر دعوى النسخ الطبري في هذه الآية عن الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ زَيْدٍ وعن السدي من طريق أسباط كما ذكر المؤلف عنهم وعن مقاتل بن سليمان. انظر: جامع البيان 4/ 20، وزاد المسير1/ 434. 2 هو: يحيى بن علي المدير بن عمر بن علي الطراح أبو محمد المدني ولد سنة 459هـ من مشايخ ابن الجوزي، يقول عنه: سمع من أبي محمد الصرفيني وأبي الحسين ابن المهتدي وغيرهما. وكان سماعه صحيحاً وهو من أهل السنة شهد له بذلك شيخنا ابن ناصر، مات سنة 526هـ. انظر: المنتظم10/ 101؛ ومشيخة ابن الجوزي ص: 105. 3 أخرجه الحاكم في المستدرك2/ 294 مرفوعاً على ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في كتاب التفسير. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وليس فيه (وأن يشكر فلا يكفر). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قَالَ: "لَمْ تُنْسَخْ, وَلَكِنْ حَقَّ تقاته: أَنْ تُجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ. وَلا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ وَيَقُومُوا لِلَّهِ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَآبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ". وَهَذَا مَذْهَبُ طَاوُسٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ1. لأن التقوى: هو اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ وَلا أَمَرَ بِهِ إِلا وَهُوَ دَاخِلٌ تحت (الطاقة) 2 كما قال عزوجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 3. فَالْآيَتَانِ مُتَوَافِقَتَانِ، وَالتَّقْدِيرُ: "اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ". فَقَدْ فَهِمَ الأَوَّلُونَ مِنَ الآيَةِ تَكْلِيفَ مَا لا يُسْتَطَاعُ فَحَكَمُوا بِالنَّسْخِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} وإنما قوله حق تقاته، كقوله: حق جهاده، الحق ها هنا بِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ. ثُمَّ إِنَّ هَفْوَةَ المذنب   1 ذكر هذا القول عن ابن عباس وطاؤس الطبري في جامع البيان 4/ 20، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط عند ذكر هذه الآية كما عزا إليه السيوطي في الدر المنثور 2/ 60. وذكره أيضاً مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 122، والمؤلف في زاد المسير1/ 433 عنهما. 2 في (م): الطاعة، وهو تحريف. 3 الآية (286) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 لا تُنَافِي أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا لِلتَّحَفُّظِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ بِوُقُوعِ الْهَفَوَاتِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: "مَعْنَى قَوْلِ الأَوَّلِينَ نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ أَيْ: أُنْزِلَتِ الأُخْرَى بِنُسْخَتِهَا وَهُمَا وَاحِدٌ، وَإِلا فَهَذَا لا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ، لِأَنَّ النَّاسِخَ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْمَنْسُوخِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ الرَّافِعُ لَهُ الْمُزِيلُ حُكْمَهُ"1. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، لِأَنَّ قَوْلَهُ: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} بَيَانٌ لِحَقِّ تُقَاتِهِ وَأَنَّهُ تَحْتَ الطَّاقَةِ فَمَنْ سَمَّى بَيَانَ الْقُرْآنِ نَسْخًا فَقَدْ أَخْطَأَ. وَهَذَا فِي تَحْقِيقِ الْفُقَهَاءِ يُسَمَّى: تَفْسِيرٌ مُجْمَلٌ أَوْ بَيَانٌ مُشْكَلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ (مَا لا يُطَاقُ) 2 فَأَزَالَ اللَّهُ إِشْكَالَهُمْ. فَلَوْ قَالَ: لا تَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ كَانَ نَسْخًا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ3 أَنِّي لَمْ أُرِدْ بِحَقِّ التُّقَاةِ، مَا لَيْسَ فِي الطَّاقَةِ4.   1 انظر نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 86. 2 في (هـ): ولا يطاق. 3 في (هـ): (لم) زائدة ولعلها من الناسخ. 4 قال المؤلف - رحمه الله في تفسيره بعد إيراد دعوى النسخ والإحكام عن قائليهما -: "قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ الله: والاختلاف في نسخها وإحكامها يرجع إلى اختلاف المعنى المراد بها، فالمعتقد بنسخها يرى: أن حق تقاته الوقوف مع جميع ما يجب له ويستحقه، وقد يعجز الكل عن الوفاء فتحصيله من الواحد ممتنع. والمعتقد إحكامها يرى أن حق تقاته أداء ما يلزم العبد على قدر طاقته فكان قوله تعالى: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} مفسراً لـ {حَقَّ تُقَاتِهِ} لا ناسخاً ولا مخصصاً". انظر: زاد المسير 1/ 432. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً} 1. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَى الْكَلامِ: لَنْ يَضُّرُوكُمْ ضُرًا بَاقِيًا فِي جَسَدٍ (أَوْ مَالٍ) 2 إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَسِيرٌ سَرِيعُ الزَّوَالِ، وَتُثَابُونَ عَلَيْهِ. وَهَذَا لا يُنَافِي الأَمْرَ بِقِتَالِهِمْ فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ عَلَى هَذَا، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهَا خَبَرٌ، وَالأَخْبَارُ لا تُنْسَخُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الإِشَارَةُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ فَنُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} 3 وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. ذِكْرُ الآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} 4. جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مُحْكَمٌ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ (بِشَيْئَيْنِ) 5: أحدهما: أَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لا يَدْخُلُهُ النسخ.   1 الآية (111) من سورة آل عمران. 2 في (هـ): أو قال، وهو تحريف. 3 الآية (26) من سورة التوبة. قلت: ذكر دعوى النسخ في هذه الآية هبة الله بن سلامة في ناسخه ص: 29، ولم يتعرض له غيره من أصحاب أمهات كتب النسخ كما لم يذكر النسخ أحد من الطبري وابن الجوزي، وابن كثير في تفاسيرهم. 4 الآية (145) من سورة آل عمران. 5 في (هـ): بسببين، وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: مَا أَحَدٌ إِلا وَلَهُ مِنَ الدُّنْيَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ، وَلا يَفُوتُهُ مَا قُسِمَ لَهُ. فَمَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْهَا مَا قُدِّرَ لَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَشَاؤُهُ اللَّهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} 1 وَلَمْ يَقُلْ يُؤْتِهِ مِنْهَا مَا يَشَاءُ هُوَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: (لِمَنْ يُرِيدُ) 2 أَنْ يَفْتِنَهُ أَوْ يُعَاقِبَهُ. وَذَهَبَ السُّدِّيُّ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ3 بِقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مَنْ يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، فَلا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. ذِكْرُ الْآيَةِ الْعَاشِرَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} 4 الْجُمْهُورُ عَلَى إِحْكَامِ هَذِهِ الآيَةِ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الأَمْرَ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى وَلا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الصبر المذكور ها هنا منسوخ بآية السيف5.   1 الآية (18) من سورة الإسراء. 2 في (م): لم يريد، وفي (هـ): لم يرد، كلاهما خطأ والصواب ما أثبت كما يظهر من السياق. 3 قلت: أورد هبة الله في ناسخه (30) هذه الآية مع الآيات المنسوخة، وأعرض غيره من علماء النسخ والتفسير عن إدخالها ضمن الآيات المنسوخة. وأما المؤلف رحمه الله فقد أورد في تفسيره شبيهاً لما ذكر هنا مناقشة ورداً. انظر: زاد المسير 1/ 470. 4 الآية (186) من سورة آل عمران. 5 قلت: عد هذه الآية من المنسوخ هبة الله في المصدر السابق. وأما المؤلف فقد سلك في تفسيره عند ذكر هذه الآية مسلكه هنا. والذي يظهر أنه مع الجمهرر، وسكوته يدل على أن مثل هذه الدعوى لا يحتاج إلى الردّ. لأن من المعلوم لدى الجميع أن كلاً من الصبر والتقوى مطلوب من المسلمين في القتال وغير القتال فلا وجه للنسخ. انظر: زاد المسير 1/ 520. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 المجلد الثاني بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ. ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} 1. اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ الْغَنِيَّ لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا، وقالوا: معنى قوله: {فَلْيَسْتَعْفِفْ} أَيْ: بِمَالِ نَفْسِهِ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُمْ فِي الْمُرَادِ بِأَكْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ أَرْبَعَةُ أقوال: أحدها: أَنَّهُ الِاسْتِقْرَاضُ مِنْهُ، رَوَى حَارِثَةُ بْنُ (مُضَرِّبٍ) 2 قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: إِنِّي أَنْزَلْتُ مَالَ اللَّهِ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ ثم قضيت3.   1 الآية السادسة من سورة النساء . 2 هو: حارثة بن مضرّب بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة العبدي الكوفي روى عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم، ثقة من الثانية. انظر: تهذيب التهذيب2/ 166 - 167؛ تقريب التهذيب ص: 61. 3 أخرجه الطبري والنحاس من طريق حارثة بن مضرّب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخرجه البيهقي عنه من طريق البراء في باب (الولي يأكل من مال اليتيم). انظر: جامع البيان 4/ 171؛ والناسخ والمنسوخ ص: 93؛ والسنن الكبرى 6/ 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ (سَعْدٍ) 1 قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ: يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ فَإِذَا وَجَدَ مَيْسَرَةً فَلْيَقْضِ مَا يَسْتَقْرِضُ (فَذَلِكَ) 2 أَكْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ3. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا آدَمُ قَالَ: أَبْنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يَأْكُلُ بِالْمَعْرُوفِ: يَعْنِي: سَلَفًا مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ4. وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَأَبِي وَائِلٍ5 وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ6 وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمُقَاتِلٍ. وَقَدْ حَكَى الطَّحَاوِيُّ7 عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ8 وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ أَحْمَدَ بن حنبل مثله.   1 في (هـ): سعيد. وهو تحريف. 2 في (م): ذلك، وفي (هـ) كما سجلت وكذا في لفظ الطبري. 3 ذكره الطبري عن ابن عباس موصولاً من طريق محمد بن سعد العوفي وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل الضعفاء. انظر: جامع البيان 4/ 171. 4 أخرج مثله الطبري عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. انظر: جامع البيان4/ 172. 5 أبو وائل، هو: شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، أدرك النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة والتابعين. قال ابن معين: "ثقة لا يسأل عن مثله" مات سنة 82هـ. انظر: تهذيب التهذيب 4/ 361 - 363. 6 أخرج الطبري عن عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَأَبِي وَائِلٍ وَسَعِيدِ بن جبير نحوه. انظر: جامع البيان4/ 171. 7 أما الطحاوي، فهو: العلامة أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي أبو جعفر، فقيه انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، ولد ونشأ في (طحا) من صعيد مصر وتفقه على مذهب الشافعي ثم تحول حنفياً، وله عدة تصانيف، منها الآثار، ومشكل الآثار، وأحكام القرآن، توفي سنة: 221هـ. انظر: البداية والنهاية11/ 174؛ وتذكرة الحفاظ 3/ 88 - 811. 8 ذكر الجصاص قول الطحاوي هذا في أحكام القرآن6/ 65 عن أبي حنيفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الأَكْلَ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ غَيْلانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بكر الشافعي، قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا موسى بن مسعود، قال: بنا الثوري؛ قال: بنا سُفْيَانُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قال: ما سد الْجُوعَ (وَيُوَارِي) 1 الْعَوْرَةَ2. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: "الْوَصِيُّ إِذَا احْتَاجَ وَضَعَ يَدِهُ مَعَ أَيْدِيهِمْ، وَلا يَلْبَسُ عِمَامَةً"3. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ4: "يَأْخُذُ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ وَيُوَارِي الْعَوْرَةَ وَلا يَقْضِي إِذَا وَجَدَ"5. قَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: "يَأْكُلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَلا يُسْرِفُ فِي الأَكْلِ وَلا يَكْتَسِي منه"، وهذا مذهب قتادة6.   1 في (هـ): ووارى العورة. 2 أخرجه الطبري عن إبراهيم النخعي في جامع البيان4/ 173. 3 أخرجه البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في باب (الولي يأكل من مال اليتيم). انظر: السنن الكبرى 6/ 4. 4 أما مكحول، فهو: أبو عبد الله الفقيه الدمشقي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مرسلاً، وعن أبي بن كعب وثوبان وعبادة بن الصامت وأبي هريرة مرسلاً، ثقة فقيه كثير الإرسال، مات سنة عشرة ومائة هجرية. انظر: تهذيب التهذيب10/ 291 - 293؛ وتقريب التهذيب ص: 347. 5 ذكر الجصاص في أحكام القرآن له 2/ 64 هذا القول عن الحسن، وعطاء ومكحول. وذكره الطبري بإسناد عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، كما روى عن أبي سعيد، قال: سأل مكحولاً عن والي اليتيم ما أكله بالمعروف إذا كان فقيراً، قال: يده مع يده، قيل له: فالكسوة، قال: يلبس من ثيابه فأما أن يتخذ ماله مالاً لنفسه فلا. انظر: جامع البيان 4/ 170 - 171. 6 أخرج نحوه الطبري عن السدي عمن سمع ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان4/ 172، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/ 122، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رصي الله عنهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَقُولُ: مَالُ الْيَتِيمِ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَإِذَا أَيْسَرَ قَضَاهُ وَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَهُوَ فِي حِلٍّ. قَالَهُ الشَّعْبِيُّ1. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ وَقَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "يَأْكُلُ وَالِي الْيَتِيمِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ قُوتَهُ وَيَلْبَسُ مِنْهُ مَا يَسْتُرُهُ وَيَشْرَبُ فَضْلَ اللَّبَنِ وَيَرْكَبُ فَضْلَ الظَّهْرِ، فَإِنْ أَيْسَرَ قَضَاهُ وَإِنْ أَعْسَرَ كَانَ فِي حِلٍّ"2. فَهَذِهِ الأَقْوَالُ الثَّلاثَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الأَخْذِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ أَرْبَابُهَا فِي الْقَضَاءِ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الأَكْلَ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلِيُّ بِقَدْرِ أُجْرَتِهِ إِذَا عَمِلَ لِلْيَتِيمِ عَمَلا، وَرَوَى الْقَاسِمُ3 بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّ رَجُلا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لِيَتِيمٍ لِي إِبِلٌ فَمَا لِي مِنْ إِبِلِهِ؟ قَالَ: "إِنْ كُنْتَ تلوظ حِيَاضَهَا (وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا) 4 وَتَبْغِي ضَالَّتَهَا وَتَسْعَى عَلَيْهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ نَاهِكٍ بحلب ولا ضار بنسل"5.   1 أخرج نحوه الطبري عن الشعبي في جامع البيان4/ 172. 2 أخرج نحوه البيهقي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس في السنن الكبرى6/ 5. 3 وهو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم التيمي ثقة أحد فقهاء المدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة مات سنة: 106هـ على الصحيح. انظر: تقريب التهذيب ص: 279. 4 هذه العبارة مصحفة في النسختين صححتهما حسب رواية ابن جرير والنحاس. 5 أخرج نحوه ابن جرير وأبي جعفر النحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن القاسم ابن محمد موقوفاً على ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. انظر: جامع البيان 4/ 174؛ والناسخ والمنسوخ ص: 93 - 94؛ والسنن الكبرى 6/ 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: "يَضَعُ يَدَهُ مَعَ أَيْدِيهِمْ وَيَأْكُلُ معهم بقدر خدمته وقدر عمل"، وَقَدْ رَوَى أَبُو طَالِبٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مثل هذا2.   1 من هنا ورقة كاملة ساقطة في الفلم من النسخة الهندية. 2 وقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في هذه الآية أنها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيراً أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 309 - 310، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور2/ 122، وعزاه إلى ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 فَصْلٌ: وَعَلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَسْخِهَا: فَقَالُوا: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} 1 وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ: نُسِخَ مِنْ ذَلِكَ الظُّلْمُ والاعتداء فنسخها: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} 2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: بنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحُسَيْنِ (بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ) 3 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما في قوله: {مَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} الآية4.   1 الآية (29) من سورة النساء. 2 أخرجه أبو جعفر النحاس عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في الناسخ والمنسوخ ص: 92. 3 في (م) في العبارة قلق، وقد جاء فيها (أن الحسن ابن عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ). والصواب ما أثبت كما قدمنا في ترجمة آل العوفي عند ذكر آية (180) من سورة البقرة. 4 الآية العاشرة من سورة النساء. وقد ذكر قول النسخ عن ابن عباس بهذا الإسناد الضعيف، الجصاص في أحكام القرآن 2/ 65 ويقول المؤلف في زاد المسير2/ 17 بعد إيراد قول النسخ عن ابن عباس: (دعوى النسخ لم يصح عنه). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي داود: وبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عبد الله ابن عثمان، قال: بنا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: بنا عبيد الله مولى عمر ابن مُسْلِمٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ أخبره، قال: {مَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} الآية نسخت فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} 1 الآيَةُ. قُلْتُ: وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَعْنِي النَّسْخَ، لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الأَخْذُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ (عِنْدَ) 2 الْحَاجَةِ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ، وَإِنْ أُخِذَ ضُمِنَ3. وَقَالَ قَوْمٌ: لَوْ أَدْرَكَتْهُ ضَرُورَةٌ جَازَ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلا يَأْخُذُ مِنْ مال اليتيم شيئاً.   1 أخرج الجصاص أيضاً في المصدر السابق عن الضحاك من طريق عيسى بن عبيد الكندي كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 123، معزياً إلى أبي داود في ناسخه عن الضحاك. 2 في (م): عن، وهو تحريف عما أثبت. 3 ذكر الجصاص مثل هذه الآراء في المصدر السابق عن إماميه أبي حنيفة ومحمد. قلت: مال المؤلف في زاد المسير2/ 17، إلى إحكام هذه الآية، وقد ردّ ابن العربي دعوى النسخ هنا رداً عنيفاً حيث قال: (أما من قال: إنه منسوخ فهو بعيد لا أرضاه، لأن الله تعالى يقول: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} وهو الجائز الحسن، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} فكيف ينسخ الظلم المعروف بل هو تأكيد له في التجويز، لأنه خارج عن مغاير له، وإذا كان المباح غير المحظور لم يصح دعوى النسخ فيه). انظر أحكام القرآن 1/ 225. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ} 1. قَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَعَزُبَ فَهْمُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي إِثْبَاتِ نَصِيبِ النِّسَاءِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ2. وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ فِي الْغَايَةِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِيرَاثَ النساء في الجملة وثبت آيَةُ الْمَوَارِيثِ مِقْدَارَهُ وَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ بِحَالٍ. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} 3. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ على قولين: أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الآية قد نُسِخَتْ وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مما تهاون الناس به4.   1 الآية السابعة من سورة النساء. 2 لم يذكر هذه الدعوى الواهية في أمهات كتب النسخ إلا عند هبة الله بن سلامة فقد ذكرها بدون عزوها إلى أحد، وبدون ذكر دليل لها. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 31. 3 الآية الثامنة من سورة النساء. 4 أثر صحيح رواه البخاري في باب الوصايا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قال بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ1. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا وَلِيَ (رَضَخَ) 2 وَإِذَّا كَانَ الْمَالُ فِيهِ قِلَّةٌ اعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَذَلِكَ القول المعروف3. قال أحمد: وبنا عبد الصمد، قال: بنا همام قال بنا قَتَادَةُ: قَالَ الأَشْعَرِيُّ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ4. قال أحمد: وبنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مَطَرٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: وَاللَّهِ ما هي بمنسوخة، وإنها لثابتة. وَلَكِنَّ النَّاسَ بَخِلُوا وَشَحُّوا وَكَانَ النَّاسُ إِذَا قُسِّمَ الْمِيرَاثُ حَضَرَ الْجَارُ وَالْفَقِيرُ {5 وَالْيَتِيمُ (وَالْمِسْكِينُ) 6 فَيُعْطُونَهُمْ من ذلك7.   1 رواه البخاري في كتاب التفسير عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. انظر صحيح البخاري مع الفتح 9/ 310. 2 رضخ له: أي: أعطاه عطاء غير كثير. انظر: المصباح المنير1/ 345. 3 هذه الزيادة ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح وعزاها إلى الإسماعيلي من وجه آخر عن الأشجعي. انظر: المصدر السابق. 4 أخرج الطبري في جامع البيان4/ 179، بأن أبا موسى الأشعري قضى بهذه الآية. 5 انتهى النقص من (هـ). 6 في (هـ): والمساكين. 7 أخرجه الطبري عن الحسن في جامع البيان4/ 177. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 قَالَ أحمد: وبنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو (بِشْرٍ) 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: وَأَبْنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ (قَالا:) 2 هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ3. قَالَ أحمد: وبنا يَزِيدُ، قَالَ: أَبْنَا سُفْيَانُ بْنُ حسين، قال: سمعت الحسن ومحمداً، يقولان قي هذه الآية: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} هِيَ مُثْبَتَةٌ 0لَمْ تُنْسَخْ وَكَانَتِ الْقِسْمَةُ إِذَا حَضَرَتْ حَضَرَ (هَؤُلاءِ) 4 فَرُضِخَ لَهُمْ مِنْهَا، وَأُعْطُوا5. قَالَ أحمد: وبنا يحيى بن آدم قال: بنا الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} قَالا: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ6. قال أحمد: وبنا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِنَّهَا مُحَكْمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ7.   1 في (م): أبو بشرة، وفي (هـ): أبو البشرة، كلاهما خطأ، والصواب ما سجلت عن إسناد الطبري وعن كتب التراجم. وهو ابن إياس اليشكري أبو بشر الواسطي بصري الأصل ثقة من أثبت الناس في سعيد ابن جبير، وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، من الخامسة، مات سنة: خمس وقيل ست وعشرين ومائة. انظر: التهذيب2/ 82 - 84؛ والتقريب ص: 55. 2 في (هـ): قال، بالإفراد وهو خطأ. 3 أحرجه الطبري عن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي في جامع البيان4/ 177. 4 محرفة في (هـ). 5 أخرجه الطبري عن محمد بن سيرين والحسن في جامع البيان 4/ 176. 6 أحرجه الطبري عن إبراهيم والشعبي في جامع البيان4/ 177. 7 أخرجه الطبري ص معمر عن الزهري في جامع البيان4/ 177. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى إِحْكَامِهَا عَطَاءٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ1. ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِإِحْكَامِهَا فِي الأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا. فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ: إِلَى أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الاستحباب أو الندب وَهُوَ الصَّحِيحُ2. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بشران، قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: (بنا) 3 حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} فَنَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ فَجُعِلَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَصِيبًا مِمَّا تَرَكَ مِمَّا قلّ منه أو كثر4.   1 ذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 123 وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر عن يحيى بن يعمر. سوف تأتي ترجمة يحيى بن يعمر ص: 420 إن شاء الله. 2 قلت: يظهر من تصحيحه هذا الرأي أنه مع القائلين بإحكام الآية، لأن الاختلاف المذكور إنما كان عند من يقول بإحكام الآية كما ذكره المؤلف نفسه آنفاً وكما ذكره الحافظ في الفتح الباري9/ 311، وهذا القول من اختيار أبي جعفر الطبري في المصدر السابق واختيار أبي جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 6. 3 في (هـ): ثنا. 4 ذكره السيوطي معزياً إلى أبي داود في ناسخه وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور2/ 123. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 قال أحمد: وبنا يحيى بن آدم قال: بنا الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ1 وَإِذَا حَضَرَ القسمة قَالَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ2. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} يَعْنِي: عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَرَائِضَ فَأَعْطَى3 كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ4. وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَسَخَتْهَا {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ} الآيَةُ5. وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد بن حنبل   1 أما أبو مالك؛ فهو: غزوان الغفاري الكوفي مشهور بكنيته، روى عن عمار بن ياسر وابن عباس وبراء بن عازب وغيرهم ثقة من الثالثة، تهذيب التهذيب8/ 145، 246؛، وتقريب التهذيب ص: 373. 2 أخرجه الطبري عن أبي مالك من طريق الأشجعي في جامع البيان4/ 178. 3 في (هـ): الله. 4 أخرجه الطبري عن ابن عباس من طريق سعد العوفي، في المصدر السابق. 5 الآية (11) من سورة النساء، وذكر هذا القول النحاس في ناسخه ص: 95 عن ابن مجاهد رضي الله عنهما من طريق مجاهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 قال: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَتْ هَذِهِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ صَارَتْ مَنْسُوخَةً. قال أحمد: وبنا عبد الصمد، قال: بنا همام، قال: بنا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، قَالَ: كَانَتْ قَبْلَ الْفَرَائِضِ، وَكَانَ مَا تُرِكَ مِنْ مَالٍ أُعْطِيَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ، وَالْمَسَاكِينُ، واليتامى، وذوي الْقُرْبَى إِذَا (حَضَرُوا) 1 الْقِسْمَةَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ، نَسَخَهَا الْمَوَارِيثُ فَأَلْحَقَ اللَّهُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حقه، فصارت وصية من ما له يُوصِي بِهَا لِذِي قَرَابَتِهِ، وَحَيْثُ يَشَاءُ2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} قَالَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ3. قَالَ أبو بكر: وبنا يعقوب بن سفيان قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَبْنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، قال: بنا عُبَيْدُ اللَّهِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ مسلم   1 في (هـ): حضر بالإفراد، وهو خطأ. 2 أخرج هذا القول الطبري في جامع البيان4/ 189، والنحاس في المصدر السابق، والبيهقي في السنن الكبرى7/ 267 عن سعيد بن المسيب. 3 أخرجه الطبري من طريق يحيى بن يمان عن أبي مالك في جامع البيان4/ 178. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ قَالَ: فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} قَالَ: "نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ"1. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: "نَسَخَتْهَا آيَةُ الْفَرَائِضِ"2. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ3 وَأَبُو صَالِحٍ وَعَطَاءٌ في رواية4.   1 أخرجه الطبري في المصدر السابق، وذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 176، وأخرجه البيهقي في السنن6/ 267، في كتاب الوصايا عن الضحاك. 2 ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق، وأخرجه البيهقي في المصدر السابق عن عكرمة، قال الحافظ في فتح الباري9/ 310: صح عن عكرمة ذلك. 3 أما أبو الشعثاء، فهو: جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي ثم الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء، البصري مشهور بكنيته ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة 93هـ، ويقال ومائة. انظر: التقرير ص: 52. 4 ذكر البيهقي دعوى النسخ هنا في المصدر السابق عن عطاء أيضاً. كما ذكره المؤلف في زاد المسير 2/ 21 عن ابن عباس - في رواية - وسعيد بن المسيب وعكرمة، والضحاك، وقتادة، في آخرين. قلت: سبق تصحيح المؤلف القول بإحكام الآية. ويقول الحافظ في الفتح وهو يناقش الآثار المروية عن ابن عباس في الباب - أن ما روى البخاري عن ابن عباس من طريق عكرمة وسعيد بن جبير - وهو إحكام الآية - وهو المعتمد عليه وبقية الروايات كلّها وردت من أوجه لا يعتمد عليها. والذي ثبت عن ابن عباس في الباب إحكام الآية لا نسخها. ويقول الطبري بعد عرض الرأيين عن قائليهما في الآية: "وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: هذه الآية منسوخة" ثم ذكر ما يؤيد مقالته. وأما ابن العربي فقد رد دعوى النسخ هنا بشدة، حيث قال: "أكثر أقوال المفسرين أضغاث وآثار ضعاف، والصحيح أنها مبينة استحقاق الورثة لنصيبهم واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له منهم". انظر: فتح الباري 9/ 210؛ وجامع البيان4/ 178 - 179؛ وأحكام القرآن لابن العربي 1/ 329. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً} 1 فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الآيَةِ ثَلاثَةُ أقوال: أحدهما: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمُوصِي. ثُمَّ فِي مَعْنَى الْكَلامِ عَلَى هذا القول قولان: أحدهما: أَنَّ الْمَعْنَى {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} وليخش الذين يحضرون موصياً بوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ما له فِيمَنْ لا يَرِثُهُ فَيُفَرِّقُهُ وَيَتْرُكُ وَرَثَتَهُ وَلَكِنْ لِيَأْمُرُوهُ أَنْ يُبْقِيَ مَالَهُ لِأَوْلادِهِ كَمَا لَوْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ يُوصُونَ لَسَرَّهُمْ أَنْ يَحُثَّهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ عَلَى حِفْظِ الأَمْوَالِ لِلأَوْلادِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، والسدي ومقاتل2.   1 الآية التاسعة من سورة النساء. 2 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان4/ 181 - 184 عن ابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير والسدي وقتادة، كما روى البيهقي في السنن الكبرى 6/ 271 عن ابن عباس نحوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وَالثَّانِي: عَلَى الضِّدِّ، وَهُوَ أَنَّهُ نَهَيٌ لِحَاضِرِي الْمُوصِي عِنْدَ الْمَوْتِ أَنْ يَمْنَعُوهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِأَقَارِبِهِ، وَأَنْ يَأْمُرُوهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَلَدِهِ وَهَذَا قَوْلُ مِقْسَمٍ1 وَسُلَيْمَانَ التَّمِيمِيِّ2. الْقَوْلُ الثَّاني: أَنَّهُ خِطَابٌ لِأَوْلِيَاءِ الْيَتَامَى، رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} 3 فَقَالَ تَعَالَى: - يَعْنِي أَوْلِيَاءَ الْيَتَامَى - {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ} فِيمَنْ وُلُّوهُ مِنَ الْيَتَامَى وَلْيُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ كَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يُحْسِنَ وُلاةُ أَوْلادِهِمْ لَوْ مَاتُوا هُمْ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما أيضاً4.   1 رواه الطبري في المصدر السابق بإسناده عن مقسم. أما مقسم، فهو: بكسر أوله ابن بجرة ويقال ابن نجدة أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث ويقال له مولى عباس للزومه له، روى عن ابن عباس وعبد الله بن الحارث وعائشة، صدوق وكان يرسل من الرابعة، مات سنة 101هـ. انظر: تهذيب التهذيب10/ 288؛ وتقريب التهذيب ص: 346. 2 ذكره الطبري أيضاً عن سليمان التميمي في المصدر نفسه. وهو سليمان بن بلال التميمي القرشي من الثامنة ثقة مات بالمدينة سنة 177هـ. تقريب التهذيب ص: 132. 3 الآية السادسة من سورة النساء. 4 أخرجه الطبري بسند ضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في جامع البيان 4/ 183، كما ذكره المؤلف في زاد المسير2/ 22 عنه وعن ابن السائب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلأَوْصِيَاءِ بِإِجْرَاءِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا رَسَمَ الْمُوصِي وَأَنْ يَكُونَ الْوُجُوهُ الَّتِي فِيهَا مَرْعِيَّةً بِالْمُحَافَظَةِ كَرَعْيِ الذُّرِّيَّةِ الضِّعَافِ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْه} 1 فَأُمِرَ بِهَذِهِ الآيَةِ إِذَا وَجَدَ الْوَصِيُّ مِنَ الْمُوصِي فِي الْوَصِيَّةِ جَنَفًا أَوْ مَيْلا (عَنِ الْحَقِّ فَعَلَيْهِ) 2 الإِصْلاحُ فِي ذَلِكَ، وَاسْتِعْمَالُ قَضِيَّةِ الشَّرْعِ وَرَفْعِ الْحَالِ الْوَاقِعِ فِي الْوَصِيَّةِ. ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ3. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً، وَعَلَى الأَقْوَالِ قَبْلَهَا هِيَ مُحْكَمَةٌ4. وَالنَّسْخُ مِنْهَا بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ إِذَا أَوْصَى بِجَوْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يجري على ما أوصى5.   1 الآية (182) من سورة البقرة. 2 غير واضح من (هـ). 3 قال المؤلف في المصدر السابق بعد إيراد هذا القول: (ذكره شيخنا وغيره في الناسخ والمنسوخ). 4 انظر: مناقشة المؤلّف هذه الآية في زاد المسير2/ 22. 5 قلت: ساق المؤلف مناقشة هذه الآية في تفسيره بنفس الأسلوب الذي ساقه ها هنا، إلا أنه لم يقم هناك بالترجيح. وأما أصحاب أمهات كتب النسخ المتقدمة كابن حزم الأنصاري والنحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضوا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً، إنما ذكرها من المنسوخة، هبة الله في ناسخه ص: 32، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 22 بدون استناد إلى دليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} 1. قَدْ تَوَهَّمَ قَوْمٌ لَمْ يُرْزَقُوا فَهْمَ التَّفْسِيرِ (وَفِقْهَهُ) 2 أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} 3 وَأَثْبَتُوا ذَلِكَ فِي كُتُبِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَرَوَوْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أنبا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بن العباس، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا (عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ) 4 قال: بنا عمران بن عيينة، قال: بنا عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} قَالَ: كَانَ يَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ الْيَتِيمُ فَيَعْزِلُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} 5 فأحل لهم طعامهم6.   1 الآية العاشرة من سورة النساء. 2 في (هـ) وفهمها وهو تحريف من الناسخ. 3 الآية (220) من سورة البقرة. 4 هذه العبارة قلقة في (هـ) وقد جاء فيها: (بنا علي بن عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ). والصواب ما أثبت عن (م) كما يظهر من ترجمته، وهو: عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ بن كنيز بنون وزاي، أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة 249هـ انظر: التقريب ص: 261. 5 الآية (230) من سورة البقرة. 6 روى نحوه أبو داود في سننه في باب (مخالطة اليتيم في الطعام) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وقال المنذري: أخرجه النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وتكلم فيه غير واحد، فقال الإمام أحمد: من سمع منه قديماً فهو صحيح، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيء. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود8/ 73. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} عَزَلُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وتحرجوا من مخاطبتهم فَنَزَلَ قَوْلُهُ: تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} 1. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ لا خِلافَ أَنَّ أَكْلَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا حَرَامٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: "هَذِهِ الآيَةُ لا يَجُوزُ فِيهَا نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهَا خَبَرٌ وَوَعِيدٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي، وَمُحَالٌ نَسْخُ هَذَا، فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرُوا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَأْوِيلُهُ مِنَ اللُّغَةِ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نسخة تلك الآية"2. وزعم بَعْضُهُمْ أَنَّ نَاسِخَ هَذِهِ الآيَةِ قوله تعالى: {َمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} 3 وَهَذَا قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الأَكْلَ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ بِظُلْمٍ فَلا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيتين4.   1 ذكره السيوطي في الدر المنثور، وعزاه إلى عبد بن حميد عن سعيد بن جبير. انظر: الدر المنثور1/ 255. 2 قلت: لم أجد كلام النحاس المنقول، عنه في كتابه الناسخ والمنسوخ المطبوع سنة 1323هـ بل ولم يعد فيه هذه الآية من المنسوخة أصلاً، فليحرر. 3 الآية السادسة من سورة النساء. 4 قلت: ذكر نحو هذا القول هبة الله في ناسخه ص: 32 - 33، وابن هلال في ناسخه المخطوط 22، ونقل مكي ابن أبي طالب في ناسخه ص: 175 عن ابن عباس وزيد بن أسلم أن آية: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ناسخة لقوله {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، وأما المؤلف في زاد المسير2/ 24، فيقول: عن دعوى النسخ هنا: "هذا غلط وإنما ارتفع عنهم الجرح بشرط قصد الإصلاح لا على إباحة الظلم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} وقوله: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} 1. الآيَتَانِ. أَمَّا الآيَةُ الأُولَى فَإِنَّهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَةِ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلامِ الْحَبْسَ إِلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهَا سَبِيلا، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ. وَالآيَةُ الثَّانِيَةُ اقْتَضَتْ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ الأَذَى فَظَهَرَ مِنَ الآيَتَيْنِ أَنَّ حَدَّ الْمَرْأَةِ كَانَ الْحَبْسَ وَالأَذَى جَمِيعًا، وَحَدَّ الرَّجُلِ كَانَ الأَذَى فَقَطْ، لِأَنَّ الْحَبْسَ وَرَدَ خَاصًّا فِي النِّسَاءِ، وَالأَذَى وَرَدَ عَامًّا فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا خُصَّ النِّسَاءُ فِي الآيَةِ الأُولَى بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُنَّ يَنْفَرِدْنَ بِالْحَبْسِ دُونَ الرِّجَالِ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الأَذَى، وَلا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِ (هَذَيْنِ) 2 الْحُكْمَيْنِ عَنِ الزَّانِيَيْنِ، أَعْنِي: الْحَبْسَ وَالأَذَى، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا بِمَاذَا نُسِخَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ نسخ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 3. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بن العباس، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال:   1 الآيتان (15 - 16) من سورة النساء. 2 في (هـ): هذان، وهو خطأ من الناسخ. 3 الآية الثانية من سورة النور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} 1 قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا زَنَى أُوذِيَ بالتعيير، وَالضَّرْبِ بِالنِّعَالِ، فَنَزَلَتْ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}. وَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا بِسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم2. أبنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قال: بنا آدم، قال: بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عن مجاهد {فآذوهما} يَعْنِي سَبًّا ثُمَّ نَسَخَتْهَا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: بنا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} 4 قال: نسختها الحدود5.   1 الآية (15) من سورة النساء. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان4/ 198، عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، كما ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/ 130، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وليس فيه قوله: "كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ في البيت حتى تموت" وقد جاء ذلك في رواية الطبري. 3 أخرج نحوه البيهقي في سننه8/ 210 عن مجاهد من طريق عبد الرحمن بن الحسن. 4 الآية (15) من سورة النساء. 5 ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 180، عن قتادة، وفيه: (نسخها الله بالحدود، والميراث) وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 129، وعزاه إلى عبد بن حميد، وعبد الرزاق والنحاس عن قتادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 قال أحمد: وبنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَبْلَ الحدود ثم أنزلت: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} قَالَ: كَانَا يُؤْذَيَانِ بِالْقَوْلِ وَالشَّتْمِ وَتُحْبَسُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ ذَلِكَ فَقَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1. قال أحمد: وبنا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ عَنِ ابْنِ أبي نجيح عن مجاهد {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} قَالَ: "نَسَخَتْهُ الآيَةُ الَّتِي فِي النور بالحد المفروض"2. وقال قَوْمٌ: نُسِخَ هَذَانِ الْحُكْمَانِ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ3 عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ4 جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ونفي سنة" 5.   1 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان4/ 198 - 199 عن قتادة، كما أخرج عنه النحاس في ناسخه (96) وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور2/ 129، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وأبي داود في ناسخه وابن المنذر عن قتادة. 2 أخرج نحوه البيهقي في سننه عن مجاهد8/ 210. 3 أما عبادة بن الصامت بن قيس، فهو: صحابي جليل أنصاري خزرجي بدري مشهور، أحد النقباء، له مائة وإحدى وثمانون حديث مات بفلسطين بالرملة سنة 34هـ وله 72 سنة، وقيل عاش إلى خلافة معاوية. انظر: التقريب (164). 4 في (هـ): بالجلد، وهو تحريف. 5 الحديث رواه مسلم في باب حد الزنى11/ 190، والشافعي في الرسالة 247، وأحمد في مسنده18/ 112، وأبو داود في سننه4/ 202، في كتاب الحدود، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 قَالُوا فَنُسِخَتِ الْآيَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَؤُلاءِ يُجِيزُونَ نَسْخَ الْقُرْآنِ (بِالسُّنَّةِ) 1 وَهَذَا قَوْلٌ مُطْرَحٌ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّوَاتُرُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا أَنْ يُنْسَخَ الْقُرْآنُ بِأَخْبَارِ الآحَادِ فَلا يَجُوزُ ذلك وهذا مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ. وَقَالَ الآخَرُونَ: السَّبِيلُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ هُوَ الآيَةُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 2. وقال آخَرُونَ: بَلِ السَّبِيلُ قُرْآنٌ نَزَلَ ثُمَّ رُفِعَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ3. وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُبَادَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، (لِأَنَّهُ) 4 قَالَ: (قَدْ جَعَلَ الله لهن سبيلاً) فأخبر أن اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُنَّ السَّبِيلَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِوَحْيٍ لَمْ تَسْتَقِرَّ تِلاوَتُهُ5 وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لا يَرَى نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ6، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِمَاذَا ثبت الرجم على قولين:   1 انظر: مثلاً كلام الجصاص حيث يثبت هذا النسخ مستدلاً على نسخ القرآن بالسنة، في أحكام القرآن2/ 107، ويروي ذلك ابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (22) عن هبة الله المفسر. 2 يقول السيوطي في الدر المنثور2/ 129: أخرج آدم وأبو داود في سننه والبيهقي عن مجاهد، قال: السبيل الحد. 3 وهو اختيار مكي بن أبي طالب في ناسخه (180). 4 في (هـ): الآية، وهو تحريف. 5 ذكر المؤلف هذا الرأي في تفسيره2/ 26، ثم قال: صححه أبو يعلى. 6 تقدم الكلام عن هذا بالأدلة في مقدمة المؤلف في بَابُ ذِكْرِ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي النَّسْخِ أم لا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 أحدهما: أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ قُرْآنٌ ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهُ، وَانْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ1. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} وَقَوْلُهُ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} الآيتان2.   1 قلت: هذا هو الموضع الثالث الذي صرح فيه المؤلف نسخ الآية، وبه قال في زاد المسير2/ 36، وأما في مختصر عمدة الراسخ، فقد حرمنا ورقة من ميكروفيلم التي تضمن هذه الآية كما قدمنا. يقول النحاس في ناسخه ص: 97 - 98 بعد أن أورد ثلاثة آراء للعلماء الذين اتفقوا على نسخ هاتين الآيتين: "إن أصح الأقوال بحجج بينة أن يكون الله قد نسخ الآيتين في كتابه وعلى لسان رسوله". ويقول ابن كثير في تفسير لهذه الآية1/ 462: (فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم" ثم عزا ابن كثير دعوى النسخ إلى جماعة وقال: "وهو أمر متفق عليه". انتهى وأما الإمام أبو سليمان الخطابي: فيقول عن حديث عبادة: "إنه ليس نسخاً للآية بل هو مبين للحكم الموعود بيانه في الآية، فكأنه قال: عقوبتهن الحبس إلى أن يجعل الله لهن سبيلاً، فوقع الأمر بحبسهن إلى غاية فلما انتهت مدة الحبس وحان وقت مجيء السبيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني" تفسير السبيل وبيانه، ولم يكن ذلك ابتداء حكم منه، وإنما هو بيان أمر كان ذكر السبيل منطوياً عليه، فأبان المبهم منه وفصل المجمل من لفظه فكان نسخ الكتاب بالكتاب لا بالسنة". انظر: معالم السنن 3/ 316. 2 الآيتان (17 - 18) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 إِنَّمَا سُمِّيَ فَاعِلُ الذَّنْبِ جَاهِلا، لِأَنَّ فِعْلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِسُوءِ مَغَبَّتِهِ1 فَأَشْبَهَ مَنْ جَهِلَ (الْمَغَبَّةَ) 2. وَالتَّوْبَةُ مِنْ قَرِيبٍ: مَا كَانَ قَبْلَ مُعَايَنَةِ الْمَلَكِ فَإِذَا حَضَرَ الْمَلَكُ لِسَوْقِ الرُّوحِ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَةٌ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حينئذٍ يَصِيرُ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى التَّوْبَةِ فَمَنْ (تَابَ) 3 قَبْلَ ذَلِكَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، أَوْ أَسْلَمَ عَنْ كُفْرٍ قُبِلَ إِسْلامُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ: أَنَّ هَذَا الأَمْرَ أُقِرَّ عَلَى هَذَا فِي حَقِّ أَرْبَابِ الْمَعَاصِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنُسِخَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} 4، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ حُكْمَ الفريقين واحد5.   1 في (هـ): مفيد، وهو تحريف ظاهر، والصواب المغبة: هي: العاقبة وغب كل شيء عاقبته. انظر: مختار الصحاح 1/ 467. 2 في (هـ): المعبد، وهو تحريف. 3 في (م): (مات) والذي أثبت عن (هـ) أنسب. 4 الآية (18) من سورة النساء. 5 أورد المؤلف قول النسخ في حق المؤمنين بدون رد ولا ترجيح، وذكر النسخ أيضاً هبة الله في ناسخه ص: 34 - 35، ومكي بن أبي طالب: في ناسخه (183) ثم قال: "وهذا قول ينسب إلى ابن عباس وقد احتج من قال إنها محكمة عامة غير منسوخة بما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر)، فالغرغرة عند حضور الموت ومعاينة الرسل لقبض الروح فعند ذلك لا تقبل التوبة"، انتهى. هذا الذي استدلوا به على إحكام الآية صحيح رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من طريق عبد الرحمن البيلماني. قال الهيثمي في المجمع 10/ 197 عن هدا الحديث: "رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن وهو ثقة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 ذِكْرُ الْآيَةِ الْعَاشِرَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} 1. هَذَا كَلامٌ مُحْكَمٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ} أي: بعد ما قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ نَسَخَ مَا قَبْلَهُ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ لا حَاصِلَ لَهُ وَلا يَجُوزُ أن يلتفت إليه من جهتين: أحدهما: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إِلَى مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ فَعَلْتُمُ عُوقِبْتُمْ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ، فَإِنَّكُمْ لا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، فَلا مَعْنَى لِلنَّسْخِ هَهُنَا2. ذِكْرُ الآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ} 3. وَهَذِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ زَعَمَ الزَّاعِمُ هُنَاكَ: أَنَّ هَذِهِ كَتِلْكَ فِي أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا رذولة هذا القول4.   1 الآية (22) من سورة النساء. 2 ذكر ابن حزم الأنصاري في ناسخه (330) وهبة الله بن سلامة في ناسخه (3) أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ. 3 الآية (23) من سورة النساء. 4 قلت: لم يتعرض المؤلف في تفسيره ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية ولا في التي قبلها، إنما ذكر ذلك ابن حزم وابن سلامة في المصدرين السابقين، حيث قالا: "نسخت بالاستثناء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 1. وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَوْضِعَانِ مَنْسُوخَانِ: الأَوَّلُ: قَوْلُهُ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 2، وهذا عِنْدَ (عُمُومِ) 3 الْعُلَمَاءِ لَفْظٌ عَامٌّ دَلَّهُ التَّخْصِيصُ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنْ تُنْكَحَ المرأة على عمتها أو أعلى خَالَتِهَا"4 وَلَيْسَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ النَّسْخِ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ لا فِقْهَ لَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الآيَةِ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ فَهْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْجَهْلِ بِشَرَائِطِهِ وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ5. وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّانِي: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ} 6.   1 الآية (24) من سورة النساء. 2 الآية (24) من سورة النساء. 3 في (م): هموم، وهو تحريف. 4 رواه البخاري عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما في كتاب النصح. انظر: صحيح البخاري مع الفتح11/ 64. 5 قلت: أورد المؤلف في زاد المسير2/ 52، نحو ما ذكره هنا نقلاً عن شيخه علي بن عبيد الله. وذكر دعوى النسخ النحاس في ناسخه (100) بقوله: "إنها أدخلت في الناسخ والمنسوخ" كما ذكر النسخ أيضاً مكي بن أبي طالب في الإيضاح (184) معزياً ذلك إلى عطاء، ثم نقض هذا القول وأثبت إحكام الآية بقوله: "إنما هي مخصصة بالسنة مبينة بها في أن الآية غير عامة والسنة تبين القرآن ولا تنسخه". 6 جزء من الآية نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الاستمتاع على قولين: أحدهما: أَنَّهُ النِّكَاحُ، وَالأُجُورُ الْمُهُورُ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْجُمْهُورِ1. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمُتْعَةُ الَّتِي كَانَتْ في أول الإسلام، كَانَ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيَشْهَدُ شَاهِدَيْنِ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ. قَالَهُ قَوْمٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ2 ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ، فَقَالَ3 قَوْمٌ: هِيَ مُحْكَمَةٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: بنا محمد ابن المثنى، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لا. قَالَ الْحَكَمُ: وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَوْلا أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ - فَذَكَرَ شَيْئًا –"4. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَاخْتَلَفُوا بِمَاذَا نسخت على قولين: أحدهما: بإيجاب العدة.   1 أخرجه الطبري5/ 9، في جامع البيان، والنحاس ص: 104 - 105 في ناسخه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 2 أخرج نحوه الطبري بطوله في جامع البيان5/ 9 عن السدي. 3 في (هـ): (هي). ولعلها زيادة من الناسخ. 4 أخرجه الطبري في المصدر السابق من طريق محمد بن المثنى عن الحكم وفيه: "وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا (أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ) 1 قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَبْنَا هَاشِمُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ ابن المبارك، عن عثمان ابن عَطَاءٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} فنسختها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 2 {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 3 {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} 4. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المتعة5.   1 في (هـ): على ذان، بدل (شاذان)، ولعلها خطأ من الناسخ. 2 الآية الأولى من سورة الطلاق. 3 الآية (228) من سورة البقرة. 4 الآية الرابعة من سورة الطلاق. والأثر ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/ 14، وقال: "أخرجه أبو داود في ناسخه وابن المنذر من طريق عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما". وذكر النحاس في ناسخه (103) قول النسخ عن ابن عباس من طريق عثمان بن عطاء. قلت: وفي هذا الإسناد ضعف لأن فيه عثمان ابن عطاء قال عنه ابن حجر في التقريب (235) ضعيف. 5 قال ابن حزم الأنصاري في ناسخه ص: 331، أن هذه الآية منسوخة بحديث مسلم عن سبرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "إني كنت أحللت هذه المتعة، ألا وإن الله ورسوله قد حرّماها، ألا فليبلغ الشاهد الغائب". وذكر ابن خزيمة في ناسخه (270) بأن هذه الآية منسوخة بالطلاق والعدة وبنهي المتعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ: أحدهما: أَنَّ الآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ عُقْدَةِ النكاح بقوله: {مُحْصِنِينَ} أَيْ: مُتَزَوِّجِينَ، عَاقِدِينَ النِّكَاحَ، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ الْمَوْصُوفِ فَآتُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ، وَلَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَلا حاجة إلى التكلف، وإنما أجاز المتعة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مُنِعَ مِنْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. نَسْخُهُ بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ1. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 2. هَذِهِ الآيَةُ عَامَّةٌ فِي أَكْلِ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ، وَأَكْلِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِالْبَاطِلِ. فَأَمَّا أَكْلُهُ مَالَ نَفْسِهِ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ إِنْفَاقُهُ فِي معاصي الله عزوجل.   1 قلت: رد المؤلف في تفسيره2/ 54 دعوى النسخ بنحو مارد به هنا، وقال: "إن الآية لم تتضمن جواز المتعة، لأنه قال فيها: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} فدل ذلك على النكاح الصحيح". قال الزجاج: "ومعنى قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي: عاقدين التزويج) (فأتوهن أجورهن) أي: مهورهن. ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة". انتهى. وقد ذكر قول الإحكام مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 186، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ. 2 الآية (29) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ، فهو تناوله على الْوَجْهَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ غَصْبًا مِنْ مَالِكِهِ، أَوْ كَانَ بِرِضَاهُ، إِلا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شرعاً، مثل القمار والربا. وَهَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: بنا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: أَبْنَا سُفْيَانُ عَنِ رَبِيعٍ عَنِ الْحَسَنِ {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 1 قَالَ: مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: بنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرٍو، أَنَّ مَسْرُوقًا2 قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} قَالَ: "إِنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ مَا نُسِخَتْ"3. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي التَّفْسِيرِ، وَمُدَّعِي عِلْمَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ تَحَرَّجُوا مِنْ أَنْ يُوَاكِلُوا الأَعْمَى وَالأَعْرَجَ وَالْمَرِيضَ، وَقَالُوا إِنَّ الأَعْمَى لا يبصر أطايب الطَّعَامِ، وَالأَعْرَجَ لا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَالْمَرِيضَ لا يَسْتَوْفِي الأَكْلَ، فأنزل الله عزوجل: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ} الآية4 فنسخت هذه الآية5.   1 الآية (29) من سورة النساء. 2 أما مسروق، فهو: ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة، فقيه، عابد مخضرم من الثانية، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وستين. انظر: التقريب ص: 334. 3 ذكر هذا القول السيوطي في الدر المنثور2/ 143 وقال: "أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وفيه (ولا تنسخ إلى يوم القيامة". 4 الآية (61) من سورة النور. 5 ذكر هبة الله في ناسخه ص: 36 - 37، ونسبه مكي بن أبي طالب في ناسخه (190) إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما ثم قال: "وهذا لم يصح عنه". وأخرج نحوه الطبري في جامع البيان 5/ 20 - 21، عن عكرمة والحسن من طريق عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ المروزي الذي قال عنه المنذري: "قد ضعف". قلت: أسلوب المؤلف في تفنيد هذا القول يدل على عدم ثبوته عن هؤلاء، لذا لم يتعرض في زاد المسير لقول النسخ أصلاً. وقد أنكر الطبري دعوى النسخ في المصدر السابق، كما أنكر ذلك مكي بن أبي طالب أيضاً: حيث قال: بعد ذكر دعوى النسخ: "قلت: وهذا لا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ، لِأَنَّ أكل الأموال بالباطل لا ينسخ إلا إلى جواز ذلك، وجوازه لا يحسن ولا يحل. فأما من أكلت ماله بطيب نفسه من صديق فهو جائز وليس ذلك من أكل الأموال بالباطل بشيء - والآية في النساء - وهي في النهي عن أكل مال غيرك من غير طيب نفسه، فهو من أكل المال بالباطل. والآية - في النور - هي في جواز أكل مال غيرك عن طيب نفسه، وذلك جائز. فالآيتان في حكمين مختلفين لا تنسخ إحداهما الأخرى، فلا مدخل لذكرهما في هذا الباب"، انتهى. انظر: كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص: 190. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وهذا ليس بشيء، ولأنه لا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَلا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِحَالٍ، (وَعَلَى مَا قَدْ زَعَمَ) 1 هَذَا الْقَائِلُ قَدْ كَانَ يَجُوزُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} 2.   1 في (هـ): وعلى ما قدر زعم. 2 الآية (33) من سورة النساء. وفي النسختين (عاقدت). وفيها قراءتان فقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عمرو، وابن عامر: (عاقدت) بالألف، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي (عقدت) بلا ألف. قال أبو علي: "من قرأ بالألف، فالتقدير: والذين عاقدتهم أيمانكم، ومن حذف الألف، فالمعنى: عقدت حلفهم أيمانكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه". انظر: جامع البيان 5/ 20 - 21، وزاد المسير 1/ 71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ المعاقدة على ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّهَا الْمُحَالَفَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَاخْتَلَفَ هَؤُلاءِ عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ: أحدها: عَلَى أَنْ يَتَوَارَثُوا. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ قَبْلَ الْإِسْلامِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، فنسختها هذه الآية {وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآيَةُ1. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بن محمد المروزي، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ ليس   1 الآية (75) من سورة الأنفال. والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 150 وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 بَيْنَهُمَا نَسَبٌ، فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فنسخ ذلك قوله: {وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1. وَقَالَ الْحَسَنُ: "كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ، عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الآخَرُ، فَنَسَخَتْهَا آيَةُ المواريث"2. والثاني: أنهم كانوا يَتَعَاقَدُونَ عَلَى أَنْ يَتَنَاصَرُوا، وَيَتَعَاقَلُوا فِي الْجِنَايَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ وَهَدْمِي هَدْمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلامُ بَقِيَ مِنْهُمْ نَاسٌ فَأُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدُسُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بالميراث، فقال: {وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 3.   1 رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس من طريق الحسين بن واقد، قال المنذري وفيه مقال، وذكره السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى ابن مردويه. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 8/ 136؛ والدر المنثور 4/ 150. 2 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان5/ 33 عن الحسن البصري من طريق عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ. 3 أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان 5/ 34، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 150 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن قتادة، وذكر النحاس النسخ عن قتادة أيضاً في ناسخه 106. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 فَصْلٌ: وَهَلْ أُمِرُوا فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يَتَوَارَثُوا بِذَلِكَ فِيهِ قَوْلانِ: أحدهما: أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَتَوَارَثُوا بِذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْعَلُ لِحَلِيفِهِ السُّدُسَ مِنْ مَالِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْعَلُ لَهُ سهماُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ مَالِهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْحَقُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَكُونُ تَابِعَهُ، فَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ صَارَ لِأَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الْمِيرَاثُ، وَبَقِيَ تَابِعُهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} وَكَانَ يُعْطِي مِنْ مِيرَاثِهِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى بعد ذلك، {وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 1. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي: نَسْخَ الآيَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ2 وَمَالِكٌ، والشافعي، وأحمد بن حنبل.   1 أخرج الطبري هذا الأثر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق آل العوفي، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء. انظر: جامع البيان 5/ 34؛ ومناقشة الآية (180) من سورة البقرة فيما سبق. 2 الأوزاعي، فهو: الإمام عبد الرحمن به عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي ثقة فقيه جليل مشهور اسمه: يحمد الشامي، نزل ببيروت في آخر عمره، ومات بها مرابطاً سنة سبع وخمسين ومائة. انظر: التهذيب 6/ 238 - 242؛ والتقريب ص: 207. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ ذَوِي الأَرْحَامِ أَوْلَى مِنْ مَوَالِي الْمُعَاقَدَةِ، فَإِذَا فَقَدَ ذَوِي الأَرْحَامِ وَرِثُوا، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالتَّوَارُثِ بِذَلِكَ، بَلْ أُمِرُوا بِالتَّنَاصُرِ، وَهَذَا حُكْمٌ باقٍ لَمْ يُنْسَخْ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: "لا حِلْفَ فِي الْإِسْلامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلامَ (لَمْ يَزِدْهُ إِلا شِدَّةً" 1 وَأَرَادَ بِذَلِكَ النُّصْرَةَ وَالْعَوْنَ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "لا حِلْفَ فِي الْإِسْلامِ" أَنَّ الْإِسْلامَ قَدِ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ، بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنَ التَّنَاصُرِ2 وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَهُمْ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُمْ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا وكيع، قال: بنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ   1 في (هـ) لم يرد الإشارة وهو غلط وتحريف، والصحيح ما أثبت عن (م). هدا الحديث رواه مسلم، والترمذي عن جبير بن مطعم. قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: "وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، فهذا باقٍ لم ينسخ وهذا معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذه الأحاديث "وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لم يزده الإسلام إلا شدة" وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا حلف في الإسلام" فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه، والله أعلم". انظر: صحيح مسلم بشرح النووي16/ 81 - 82. 2 قال المؤلف في تفسيره2/ 73، بعد ذكر هذا القول: "وهذا قول سعيد بن جبير وهو يدل على أن الآية محكمة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قَالَ: "هُمُ الْحُلَفَاءُ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَقْلِ وَالْمَشُورَةِ وَالنُّصْرَةِ، وَلا مِيرَاثَ"1. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعَاقَدَةِ، الْمُؤَاخَاةُ الَّتِي عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ قَالَ: أَبْنَا أبو داود السجستاني، قال: بنا هرون بن عبد الله، قال: بنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ2 بن يزيد، قال: بنا طلحة3 ابن مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يُوَرِّثُونَ الأَنْصَارَ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِمْ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} 4 نَسَخَتْ، فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ. وَيُوصِي لَهُمْ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ5. وَرَوَى أَصْبَغُ6 عَنِ ابْنِ زَيْدٍ {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: الَّذِينَ عَاقَدَ بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِذَا لَمْ يَأْتِ ذو رحم يحول بينهم.   1 أخرجه الطبري والنحاس عن مجاهد. انظر: جامع البيان 5/ 35 - 36؛ والناسخ والمنسوخ ص: 106 - 107. 2 هو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ثقة من السابعة. انظر: التقريب ص: 25. 3 هو: طلحة بن مصرف بن عمرو الكوفي، قارئ فاضل من الخامسة. انظر: التقريب ص: 157. 4 الآية (33) من النساء. 5 أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في (سننه) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ولفظ ابن جرير - كلفظ المؤلف - أوضح وأكمل مما في البخاري، كما قال الحافظ في الفتح. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في كتاب التفسير 9/ 317؛ وتفسير الطبري5/ 34. 6 أما أصبغ، فهو: ابن الفرج الفقيه الحافظ أبو عبد الله، سمع عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أسلم وحدث عنه البخاري وخلق كثير، ثقة من العاشرة مات سنة 225هـ. انظر: التقريب ص: 38؛ وتذكرة الحفاظ 2/ 457. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 (قَالَ: وَهَذَا) 1 لا يَكُونُ الْيَوْمَ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي نَفَرٍ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ وَلا يَكُونُ هَذَا لِأَحَدٍ إِلا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ أَبْنَاءَ غَيْرِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُمِرُوا أَنْ يُوصُوا لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ تَوْصِيَةً وَرَدُّ الْمِيرَاثِ إِلَى (الرَّحِمِ) 3 وَالْعُصْبَةِ. رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ4. ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 5. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِهِ الآيَةُ اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ السُّكْرِ فِي غَيْرِ (أَوْقَاتِ) 6 الصَّلاةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلُهُ تعالى {فَاجْتَنِبُوهُ} 7.   1 في (هـ): وقال هذا. 2 ذكره الطبري عن ابن وهب عن ابن زيد في جامع البيان 5/ 35. 3 في (هـ): الوهم، وهو تحريف. 4 هذا القول أخرجه الطبري في جامع البيان5/ 35 والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 106، عن سعيد بن المسيب من طريق الزهري، وذكر مكي بن أبي طالب أيضاً في الإيضاح ص: 193، عنه. قلت: ناقش المؤلف قضية النسخ في زاد المسير2/ 72 - 73، في هذه الآية بنحو ما ناقشه هنا بدون ترجيح رأي دون آخر، وأورد دعوى النسخ معظم كتب النسخ، ولكن الإمامين الطبري والنحاس رجحا إحكام الآية مستدلين بما استدل به أصحاب القول الثاني هنا. انظر: جامع البيان 5/ 35 - 36، والناسخ والمنسوخ ص: 106 - 107. 5 الآية (43) من سورة النساء. 6 في (م): أقوات وهو تحريف من الناسخ. 7 الآية (91) من سورة المائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ إسماعيل بن العباس، قال: بنا (أَبُو) 1 بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ (قُهْزاد) 2، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} قَالَ: نَسَخَتْهَا {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 3. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَبْنَا يَعْقُوبُ بن سفيان، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: بنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} قَالَ: كَانُوا لا يَشْرَبُونَهَا عِنْدَ الصَّلاةِ فَإِذَا صَلُّوا الْعِشَاءَ شَرِبُوهَا فَلا يُصْبِحُونَ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُمُ السُّكْرُ، فَإِذَا صَلُّوا الْغَدَاةَ شَرِبُوهَا، فأنزل الله عزوجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ} الآية4 فحرم الله الخمر5.   1 في (م): أبي، وهو خطأ. 2 غير واضحة من (هـ) و (م). والصواب كما أثبت عن كتب التراجم. وهو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزاذ بضم القاف وسكون الهاء المروزي ثقة من الحادية عشرة مات سنة 262هـ. انظر: التقريب (306). 3 أخرجه أبو داود في سننه10/ 108؛ والنحاس في ناسخه ص: 107، والبيهقي في سننه8/ 285 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وقال المنذري وفي إسناده عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وقد ضعف. 4 الآية (91) من سورة المائدة. 5 أخرج نحوه الطبري في حديث طويل عن محمد بن قيس، عند ذكر آية {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} من سورة المائدة في جامع البيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 قَالَ أبو بكر: وبنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} قَالَ: نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي المائدة {فَاجْتَنِبُوهُ} 1 قال أبو بكر: وبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَبْنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: بنا عُبَيْدُ اللَّهِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ، أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ أَخْبَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} قَالَ: "نَسَخَتْهَا {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ} " الآيَةَ2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} 3.   1 أخرج نحوه الطبري عن ابن عباس من طريق محمد بن سعد العوفي، وفيه أن هذه الآية كانت قبل أن تحرم الخمر. انظر: جامع البيان 5/ 61، وذكر قول النسخ السيوطي في الدر المنثور2/ 125، ونسب إلى عبد بن حميد وأبي داود، والنسائي، والبيهقي في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 2 قلت: روى الطبري في تفسيره 5/ 62، والنحاس في ناسخه ص: 108، وذكر المؤلف في زاد المسير2/ 89 عن الضحاك أن معنى: {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} أي: من النوم، على أن الآية محكمة، ولكن النحاس والمؤلف ردا هذا الرأي واختار المعنى الأول على أن الآية منسوخة. وأما مكي بن أبي طالب فيقول بعد عزو معنى (النوم) إلى الضحاك وزيد بن أسلم: "ويجوز أن يكون ذلك بياناً وتفسيراً لآية النساء وليس بنسخ المفهوم". وأما القرطبي فيورد معنى (النوم) عن الضحاك وعبيدة، ثم يقول: "وهذا معنى صحيح، وعلى هذا فالآية محكمة". انظر: الإيضاح ص: 192، والجامع لإحكام القرآن 5/ 201. 3 الآية (63) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. تَقْدِيرُهُ: فَعِظْهُمْ فَإِنِ امْتَنَعُوا عَنِ الإِجَابَةِ فَأَعْرِضْ. وَهَذَا كَانَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ1. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: اخْتَصَمَ يَهُودِيٌّ وَمُنَافِقٌ، وَقِيلَ: بَلْ مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ، فَأَرَادَ الْيَهُودِيُّ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ، أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى الْمُنَافِقُ. فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} 3 إِلَى هَذِهِ الآيَةِ، وَكَانَ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ: وَلَوْ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا مِنْ (صَنِيعِهِمْ) 4 وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ5،وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ منتحلي التفسير:   1 قلت: ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم في ناسخه (332) وابن سلامة في ناسخه (37) وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (23) ولم يتعرض له النحاس أو مكي بن أبي طالب أصلاً. أما المؤلف فكما اكتفى بعزو هذا القول إلى المفسرين هنا فقد اكتفى بعزوه إلى قوم في زاد المسير، ولم يبد رأيه فيه. انظر: زاد المسير 2/ 122. 2 الآية (64) من سورة النساء. 3 الآية (60) من سورة النساء. 4 في (هـ) ضيعتهم، وهو تصحيف. 5 قلت: هذا السبب الذي أورده المؤلف في نزول الآية هو مكون من سببين مستقلين رويا من طريقين مختلفين: فالأول: أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة إلى آخر ما قاله المؤلف. رواه الواحدي في أسباب النزول (92) عن الكلبي عن أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَالثَّانِي: أَنَّ رجلاً من بني النضير قتل رجلاً من بني قريظة فاختصموا، فقال المنافقون منهم: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن، وقال المسلمون من الفريقين بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون، فنزلت هذه الآية. ذكره المؤلف في زاد المسير2/ 118 - 119. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} 1. وَهَذَا قَوْلٌ مَرْذُولٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى النِّفَاقِ، فَأَمَّا إِذَا جَاءُوا فَاسْتَغْفَرُوا وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ، فَقَدِ ارْتَفَعَ الإِصْرَارُ فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} 3. وَهَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ الأَمْرَ بِأَخْذِ الْحِذْرِ، وَالنَّدْبِ إِلَى أَنْ يَكُونُوا عصباً وَقْتَ نَفِيرِهِمْ، ذَوِي أَسْلِحَةٍ عِنْدَ بُرُوزِهِمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ وَلا يَنْفِرُوا مُنْفَرِدِينَ4 لِأَنَّ الثُّبَاتَ: الْجَمَاعَاتُ الْمُتَفَرِّقَةُ5.   1 الآية (85) من سورة التوبة. 2 قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية أصحاب أمهات كتب النسخ ولا المفسرون لضعف ذلك، وإنما ذكره ابن سلامة في ناسخه ص: 37 - 38 بدون نسبته إلى أحد. 3 الآية (71) من سورة النساء. 4 أخرج الطبري في جامع البيان5/ 105 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق علي بن أبي طلحة في قوله: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} قال: عصباً يعني سراياً متفرقين، أو انفروا جميعاً يعني: كلكم. وذكره المؤلف في زاد المسير 2/ 129، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 183، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 5 نقل هذا القول المؤلف في المصدر السابق عن الزجاج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ: إِلَى أَنَّ هذه الآية منسوخة. أَخْبَرَنَا بْنُ1 نَاصِرٍ قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أبنا أبو داود السجستافي، قال: بنا الحسن بن محمد، قال: بنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} 2، وقال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 3 وَقَالَ: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 4 ثُمَّ نَسَخَ هَذِهِ الآيَاتِ، فَقَالَ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآيَةَ5. قُلْتُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيهَا مَغْمَزٌ6. وَهَذَا الْمَذْهَبُ لا يُعْمَلُ عَلَيْهِ. وَأَحْوَالُ الْمُجَاهِدِينَ تَخْتَلِفُ، وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يراه الإمام   1 ساقطة من (م). والصواب ما أثبت كما قدمنا في ترجمته عند أول ذكر له ص: 150. 2 الآية (71) من سورة النساء. 3 الآية (41) من سورة التوبة. 4 الآية (39) من سورة التوبة. 5 الآية (122) من سورة التوبة. وروى قول النسخ البيهقي في سننه9/ 47، من طريق عطاء عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 183 وزاد نسبته إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم. 6 المغمز: عيب يقال، ليس فيه غميزة ولا مغمز، أي: عيب انظر: المصباح المنير 2/ 107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَاتِ شَيْءٌ مَنْسُوخٌ بَلْ كُلُّهَا مُحْكَمَاتٌ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى مَا قَدْ ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ1. ذِكْرُ الْآيَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} 2. رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَعْنَاهُ: فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ (رَقِيبًا تُؤْخَذُ بِهِمْ) 3. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ (قُتَيْبَةَ) 4: حَفِيظًا أَيْ: مُحَاسِبًا لَهُمْ5. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، إِلَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ6 وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ تَفْسِيرُهَا مَا ذَكَرْنَا فَأَيُّ وَجْهٍ لِلنَّسْخِ7. ذِكْرُ الْآيَةِ الْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 8.   1 ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير 2/ 130 عن أبي سليمان الدمشقي. قلت: لم يذكر النحاس ومكي بر أبي طالب هذه الآية من المنسوخة أصلاً. 2 الآية (80) من سورة النساء. 3 ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير2/ 142، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 4 مصحفة في (هـ). 5 ذكره المؤلف في المصدر السابق عن السدي وابن قتيبة. 6 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان5/ 112 عن ابن زيد. 7 قلت: لم يعد النحاس ومكي بن أبي طالب هذه الآية من المنسوخة أصلاً. أما المؤلف فقد عزا قول النسخ هنا إلى المفسرين في زاد المسير. 8 الآية (81) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَى الْكَلامِ: أَعْرِضْ عَنْ عُقُوبَتِهِمْ، ثُمَّ نَسَخَ هَذَا الإِعْرَاضُ عَنْهُمْ بِآيَةِ السَّيْفِ1. ذِكْرُ الْآيَةِ الْحَادِيَةَ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ: لا تُكَلَّفُ إِلا الْمُجَاهَدَةَ بِنَفْسِكَ، وَلا تُلْزَمْ فِعْلَ غَيْرِكَ، وَهَذَا مُحْكَمٌ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ3 (فَكَأَنَّهُ) 4 اسْتَشْعَرَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلامِ: لا تُكَلَّفُ أَنْ تُقَاتِلَ أَحَدًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا الْمَعْنَى: لا تُكَلَّفُ فِي الْجِهَادِ إِلا فِعْلَ نَفْسِكَ5. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلاّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} 6.   1 قلت: ذكر النسخ هنا ابن حزم في ناسخه ص: 333، وابن سلامة في ناسخه ص: 38، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 22،كما ذكره المؤلف في زاد المسير2/ 143، وعزاه إلى ابن عباس، ولم يبد رأيه. وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا هنا لدعوى النسخ أصلاً. 2 الآية (84) من سورة النساء. 3 ذكر النسخ هنا ابن سلامة في ناسخه (38). 4 في (هـ): فكأن. 5 فسر المؤلف بذلك في زاد المسير 2/ 149، ولم يذكر النسخ وأعرض عنه النحاس ومكي بن أبي طالب أيضاً. 6 الآية (90) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 قوله تعالى: {يَصِلُونَ}: يَدْخُلُونَ فِي عَهْدٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ. وَالْمَعْنَى: يَنْتَسِبُونَ بِالْعَهْدِ1 أَوْ يصلون إلى قوم جاؤوكم، حصرت   1 أوضح المؤلف في تفسيره معنى الآية حيث قال: "وفي {يَصِلُونَ} قولان: أحدهما: أنه بمعنى: يتصلون ويلجؤون). قلت: عزا ابن كثير هذا القول إلى السدي وابن زيد وابن جرير. والثاني: أنه بمعنى ينتسبون. قاله ابن قتيبة، وأنشد: إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم يريد: إذا نسبت". قلت: قد أنكر النحاس هذا القول وتعقبها بقوله: "قال أبو جعفر: وهذا غلط عظيم؛ لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين أنساب. وأشد من هذا الجهل، الاحتجاج بأن ذلك كان، ثم نسخ، لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له (براءة) وإنما نزلت (براءة) بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب، وإنما يأتي هذا من الجهل بقول أهل التفسير، والاجتراء على كتاب الله تعالى وحمله على المعقول من غير علم بأقاويل المتقدمين. والتقدير على قول أهل التأويل: فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أولئك خزاعة صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم لا يقاتلون، وأعطاهم الذمام والأمان، ومن وصل إليهم فدخل في الصلح معهم، كان حكمه كحكمهم {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: وإلا الذين جاؤوكم حصرت صدورهم وهم بنو مدلج وبنو خزيمة ضاقت صدورهم أن يقاتلوا المسلمين، أو يقاتلوا قومهم بني مدلج. (وحصرت) خبر بعد خبر). انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 109. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 صُدُورُهُمْ أَيْ: ضَاقَتْ عَنْ قِتَالِكُمْ1 لِمَوْضِعِ الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَأُمِرَ2 الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِتَرْكِ قِتَالِ مَنْ (لَهُ) 3 مَعَهُمْ عَهْدٌ، أَوْ مِيثَاقٌ، أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِعَهْدٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَبِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ نَبْذِ الْعَهْدِ إِلَى أَرْبَابِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ. (أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ) 4 قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ. أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السجستاني، قال: بنا الحسن ابن محمد، قال: بنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِلاّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} 5 وَقَالَ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} 6 وَقَالَ: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} 7 نَسَخَ هَذَا {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 8 {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} 9.   1 ذكر الطبري نحوه في جامع البيان5/ 135 عن السدي. 2 في (هـ): فأمرو، ولعل الواو زيادة من الناسخ. 3 في (هـ): لهم، وهو خطأ. 4 هذه العبارة غير سليمة في (هـ) وقد جاء فيها: (قال. أبنا قال ابن بنا ابن أيوب). 5 الآية (90) من سورة النساء. 6 الآية (10) من سورة الممتحنة. 7 الآية الثامنة من الممتحنة. 8 الآية الأولى من سورة التوبة. 9 الآية الخامسة من سورة التوبة. أخرج النحاس قول النسخ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما هنا بآية السيف، من طريق عطاء الخراساني، كما أخرج الطبري الأثر المذكور بطوله عن عكرمة والحسن، وفيه ذكر الآية التاسعة من الممتحنة بدل العاشرة، وذكر النسخ أيضاً مكي بن أبي طالب عن ابن عباس بدون إسناد. انظر. الناسخ والمنسوخ ص: 109؛ وجامع البيان5/ 123؛ والإيضاح (195). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أبنا عمر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بن إسحاق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {إِلاّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} الآيَةَ. قَالَ: نُسِخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَةٍ، وَنُبِذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُقَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية1.   1 أخرجه الطبري في جامع البيان 5/ 123، من طريقين عن قتادة، كما أخرجه النحاس في ناسخه (195) عنه وعن مجاهد، وذكره مكي بر أبي طالب في ناسخه ص: 195، عن قتادة بدون إسناد. قلت: رأينا المؤلف هنا يورد أدلة القائلين بالنسخ بدون أدنى اعتراض على ذلك، وقال في تفسيره2/ 150: "قال: جماعة من المفسرين: معاهدة المشركين وموادعتهم المذكورة في هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ" انتهى. واختار الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب النسخ، إلا أن عبد القاهر البغدادي ذكر عن جماعة أن هذه الآيَةَ محكمة وإنما نزلت في قوم مخصوصين، وهم بنو خزيمة وبنو مدلج، عاقدوا حلفاء المسلمين فنهي عن قتلهم، ونزلت آية السيف بعد إسلام الذين ذكرناهم. انظر: جامع البيان 5/ 128؛ والناسخ والمنسوخ ص: 109، والإيضاح ص: 195؛ والناسخ المخطوط لعبد القاهر ورقة من الفلم 61. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} 1. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الْمُوَافَقَةَ لِلْفَرِيقَيْنِ لِيَأْمَنُوهُمَا فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، إِذَا اعْتَزَلُوا وَأَلْقُوا إِلَيْنَا السَّلَمَ، وَهُوَ الصُّلْحُ كَمَا أَمَرَ بِالْكَفِّ عَنِ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} 3.   1 الآية (91) من سورة النساء. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. قلت: يظهر من أسلوب المؤلف أن دعوى النسخ هنا أمر مسلم لديه حيث لم ينسبه إلى أحد، وأما في تفسيره 2/ 161، فقد عزاه إلى أهل التفسير. ويقول الأستاذ مصطفى زيد في كتابه النسخ في القرآن الكريم 2/ 785 عن هذه الآية والتي قبلها: "أن كلتيهما في المنافقين وكان الإسلام يأبى أن يقتلهم حتى لا يقال أن محمداً يقتل أصحابه" ولم يتعرض النحاس ومكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً. وقد ذكره ابن حزم في ناسخه ص: 333، وابن سلامة في ناسخه ص: 39 وابن هلال في ناسخه المخطوط 23، بدون أن ينسبوه إلى أحد. 3 الآية (92) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَذَا إِلَى الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً (فَعَلَى) 1 قَاتِلِهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا2. فَالآيَةُ عَلَى هَذَا مُحْكَمَةٌ. وَقَدْ ذَهَبَ (بَعْضُ) 3 مُفَسِّرِي الْقُرْآنِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عهد (وهدنة) 4 إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 5 وبقوله: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} 6. ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية7. اختلف العلماء هل هذه مُحْكَمَةٌ أَمْ مَنْسُوخَةٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:   1 في (هـ): فلا، وهو خطأ وتحريف. 2 يقصد بذلك أصحاب أحمد بن حنبل، وقد روى هذا القول الإمام أبو جعفر الطبري عن ابن عباس من طريق عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في جامع البيان 1/ 131 - 132. 3 في (هـ): في بعض. والفاء زيادة من الناسخ. 4 في (م): هدية، وهو تصحيف. 5 الآية الأولى من سورة التوبة. 6 الآية (85) من الأنفال. ذكر مكي به أبي طالب هنا في الإيضاح (60) قول النسخ وعزاه إلى أبي أويس. أما النحاس في ناسخه والطبري في جامع البيان والمؤلف في زاد المسير فلم يتعرضوا هنا لدعوى النسخ أصلاً. 7 الآية (93) من سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 أحدهما: (أَنَّهَا) 1 مَنْسُوخَةٌ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: بِأَنَّهَا حَكَمَتْ بِخُلُودِ الْقَاتِلِ فِي النَّارِ، وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلاّ مَنْ تَابَ} 3. وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: مَعْنَى نَسَخَتْهَا آية (الفرقان) 4 أي: نزلت بنسختها5. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. وَاخْتَلْفَ هَؤُلاءِ فِي طَرِيقِ أَحْكَامِهَا عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّ قَاتِلَ الْمُؤْمِنِ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَأَكَدُّوا هَذَا بِأَنَّهَا خَبَرٌ، وَالأَخْبَارُ لا تُنْسَخُ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ6، قَالَ: أَبْنَا أَبِي، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي البغوي، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَبْنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، قال: سمعت   1 في (هـ): أنه بالتذكير وهو خطأ. 2 الآية (48) من سورة النساء. 3 الآية (68 - 70) من سورة الفرقان. 4 في (هـ): القرآن، وهو تحريف. 5 انظر: نصّ ما ذكره النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 112. 6 يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ بن إبراهيم الدينوري، من مشايخ ابن الجوزي سمع منه - كما قال في مشيخته - صحيح الإسماعيلي وغيره، مات سنة 565هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي ص: 174. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} قَالَ: (فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نزلت وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ) 1. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عباس عن قول الله عزوجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} قَالَ: لا تَوْبَةَ لَهُ2. أَخْبَرَنَا ابن الحصين، قَالَ: أَبْنَا غَيْلانُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا ابن حذيفة النهدي، قال: بنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} قَالَ: لَيْسَ لِقَاتِلِ مُؤْمِنٍ تَوْبَةٌ، مَا نَسَخَتْهَا آيَةٌ مُنْذُ نَزَلَتْ3. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ4، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ الْيَسَرِيِّ، قَالَ: أَبْنَا المخلص،   1 ما بين القوسين مكررة في (هـ). وقد روي هذا الأثر الإمام البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير، كما رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير، عنه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 326 من كتاب التفسير. 2 رواه الطبري في جامع البيان5/ 137 عن سعيد بن جبير. 3 أخرجه الطبري عن سعيد جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما في جامع البيان 5/ 138. 4 أما سعيد بن أحمد، فهو: أبو القاسم بن الحسن بن البناء سمع منه المؤلف ابن الجوزي رحمه الله، ولد سنة 467هـ وسمع الكثير وكان خيراً، وتوفي في ذي الحجة سنة 505هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي ص: 125 - 126؛ والمنتظم10/ 126؛ والنجوم الزاهرة 5/ 321 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 قال: بنا البغوي، قال: بنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: بنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنْ عُمَرَ بن قيس الملاي، عَنْ يَحْيَى الْجَابِرِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقِيلَ لَهُ: وَإِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ قَدْ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، قَاتِلُ الْمُؤْمِنِ إِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاضِعًا رَأْسَهُ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ آخِذًا بِالأُخْرَى الْقَاتِلَ (تَشْخُبُ) 1 أَوْدَاجُهُ قِبَلَ عرش الرحمن عزوجل فَيَقُولُ: رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ قَالَ: وَمَا نَزَلَتْ فِي كتاب الله عزوجل آيَةٌ نَسَخَتْهَا2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بشران، قال: أبنا إسحاق ابن أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قال بنا مغيرة بن   1 تشخب: أي: تجري، يقال: شخبت أوداج القتيل دماً من بابي قتل، ونفع. انظر: المصباح المنير1/ 328. 2 أخرج نحوه الطبري والنحاس عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: جامع البيان5/ 137 - 138؛ والناسخ والمنسوخ ص: 111. وزاد السيوطي نسبته في الدر المنثور2/ 196 إلى أحمد، وسعيد بن منصور، والنسائي وابن ماجه، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، من طريق سالم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} فَرَحَلْتُ إِلَى ابْنِ أَبِي عَبَّاسٍ رضي الله عنها فَقَالَ: إِنَّهَا مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ1. قَالَ أحمد: وبنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جريج، قال: حدثني القاسم ابن أَبِي بَزَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لا. فَتَلَوْتُ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ {إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ} 2 فَقَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 3. قال أحمد: وبنا حسين بن محمد قال بنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّيَادِ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا يُحَدِّثُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَاكَ، (قَالَ) 4: نَزَلَتِ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الْهَيِّنَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ قَوْلُهُ: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقّ} 5 وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 6.   1 تقدم تخريجه عن الشيخين وغيرهما، وزاد السيوطي أيضاً نسبته إلى عبد بن حميد والطبراني من طريق سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عاس رضي الله عنهما. انظر: الدر المنثور 2/ 196. 2 الآية (70) من سورة التوبة. 3 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 5/ 138، والنحاس في ناسخه (111) من طريق سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. 4 فِي (هـ): يقول. 5 الآية (68) من سورة الفرقان. 6 الآية (93) من سورة النساء. والأثر أخرجه الطبري في تفسير 5/ 135، والنحاس في ناسخه ص: 110 - 111، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. وزاد السيوطي نسبته إلى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت. انظر: الدر المنثور2/ 196. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ التَّشْدِيدَ بِهَذَا الْقَوْلِ. فَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ قَالَ: بنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: أبنا يزيد بن هرون، قَالَ: أَبْنَا أَبُو مَالِكٍ، قَالَ: بنا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ: لِمَنْ قَتَلَ الْمُؤْمِنَ تَوْبَةٌ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، أَلِمَنْ قَتَلَ مؤمناً توبة؟ قال: لا إِلا النَّارَ. فَلَمَّا قَامَ قَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ: مَا هَكَذَا؟ كُنْتَ تَفْتِينَا أَنَّهُ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوْبَةٌ مَقْبُولَةٌ، فَمَا شَأْنُ هَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: إِنِّي أَظُنُّهُ رَجُلا مُغْضَبًا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا، فَبَعَثُوا فِي أَثَرِهِ فَوَجَدُوهُ كَذَلِكَ1. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن (للقاتل) توبة2.   1 أخرجه النحاس من طريق سعد بن عبيدة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في الناسخ والمنسوخ ص: 112، وذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 198 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، عن ابن عباس، ولفظ النحاس: "قال جلساؤه: هكذا كنت تفتينا ... " ولفظ السيوطي: قال له جلساؤه: "ما كنت هكذا تفتينا، كنت تفتينا ... ". 2 في (هـ): المقاتل، وهو تحريف، وقد ذكر السيوطي نحو هذا القول في الدر المنثور 2/ 197، معزياً إلى ابن المنذر عن ابن عباس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ (مِينَاءَ) 1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: (سَأَلَهُ) 2 رَجُلٌ، قَالَ: إِنِّي قَتَلْتُ رَجُلا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: تَزَوَّدْ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ، فَإِنَّكَ لا تَدْخُلُهَا أَبَدًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ضِدَّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ لِلْقَاتِلِ: "تُبْ إِلَى اللَّهِ يَتُبْ عَلَيْكَ" وَرَوَى سَعِيدُ بن مينا) 3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا تَقُولُ فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ، هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: وَالَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ4. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَامَّةٌ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ، بِدَلِيلِ5 أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الْكَافِرُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهَا مِنَ الْعَامِّ الْمُخَصَّصِ، فَأَيُّ دَلِيلٍ صَلُحَ لِلتَّخْصِيصِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. وَمِنْ أَسْبَابِ التَّخْصِيصِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ مُسْتِحِلًّا لِأَجْلِ إِيمَانِهِ فيستحق التخليد لاستحلاله.   1 غير واضحة من (هـ). وهو: سعيد بن ميناء ابن أبي البختري ابن أبي ذباب الحجازي أبو الوليد، ثقة من الثالثة. انظر: التقريب (126). 2 في (هـ): بناله، وهو تحريف من الناسخ. 3 في (هـ) في العبارة تقديم وتأخير. 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 197، وعزاه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن ميناء يحدث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه. 5 في (هـ) كلمة (إلا) زيادة، ولعلها من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي داود، قال: بنا الْحَسَنُ بْنُ عَطَاءٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ محمد الحسين، قالا: بنا خلاد بن يحيى، قال بنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الصَّيْرَفِيُّ أَبُو رَوِيَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَعَلَيْهَا أَمِيرٌ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَهْلِ مَاءٍ خَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِلَى مَا تَدْعُو؟ فَقَالَ: إِلَى الْإِسْلامِ، قَالَ: وَمَا الْإِسْلامُ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ تُقِرَّ بِجَمِيعِ الطَّاعَةِ، قَالَ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ لا يَقْتُلُهُ إِلا عَلَى الْإِسْلامِ، فَنَزَلَتْ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} لا يَقْتُلُ إِلا عَلَى إِيمَانِهِ الآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ فِي (مَقِيسِ بْنِ ضُبَابَةَ) قَتَلَ مُسْلِمًا عَمْدًا وَارْتَدَّ كَافِرًا1. وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْوَجْهَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فَقَالَ: وَمِنْ لَفْظٍ عَامٍّ لا يُخَصُّ إِلا (بِتَوْقِيفٍ) 2 أَوْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ3. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتُبْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاّ مَنْ تَابَ} 4.   1 رواه الطبري في جامع البيان 5/ 137 عن عكرمة من طريق ابن جريج. ورواه الواحدي من طريق الكلبي عن أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في أسباب النزول ص: 114، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 195 وعزاه إلى ابن أبي حاتم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. 2 فِي (هـ): توقف، وهو تحريف. 3 انظر: نصّ ما ذكره النحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 112. 4 الآية (70) من سورة الفرقان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 وَالصَّحِيحُ أَنَّ الآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ أُنْزِلَتْ أَوَّلا فَإِنَّهَا مُحْكَمَةٌ نَزَلَتْ عَلَى حُكْمِ الْوَعِيدِ غَيْرَ مُسْتَوْفَاةٍ الْحُكْمَ، ثُمَّ بُيِّنَ حُكْمُهَا فِي الآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ المفسرين منهم ابن عباس وأبوا مِجْلَز1 وَأَبُو صَالِحٍ. يَقُولُونَ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ إِنْ جَازَاهُ. وَقَدْ رَوَى لَنَا مَرْفُوعًا إِلا أَنَّهُ لا يَثْبُتُ رَفْعُهُ2. وَالْمَعْنَى: يَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ غَيْرَ أَنَّهُ لا يُقْطَعُ لَهُ بِهِ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ بُعْدٌ لِقَوْلِهِ: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}. فَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ عَذَابِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنْ كَانَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ الأُولَى فَقَدِ اسْتَغْنَى بِمَا فِيهَا عَنْ إِعَادَتِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ بحال3.   1 أما أبو مجلز، فهو: لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مِجْلَز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي، مشهور بكنيته ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ست أو سبع ومائة وقيل غير ذلك. انظر: التقريب (372). 2 ذكر نحو هذا المعنى السيوطي في الدر المنثور2/ 197، وعزاه إلى ابن أبي حاتم والطبراني وأبي القاسم بن بشران عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه بسند ضعيف عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} قال: "هو جزاؤه إن جازاه". ونسب النحاس هذا القول إلى مشاجع ثم رده بقوله: "ولم يقل بذلك أحد، وهو خطأ في العربية". انظر: الناسخ والمنسوخ (112). 3 قلت: ناقش المؤلف قضية النسخ في هذه الآية، في كتابيه، التفسير2/ 168، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (5) بشبه ما ناقش به هنا بالاختصار، لكنه لم يقم بترجيح رأي دون رأي آخر. وأما أبو جعفر النحاس فقد اختار إحكام الآية في ناسخه ص: 110 - 112. يقول الشوكاني في فتح القدير1/ 461 بعد أن أورد الآثار الواردة عن سعيد بن جبير وزيد بن ثابت بعدم النسخ: (ومن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف: أبو هريرة وعبد الله بن عمرو، وأبو سلمة، وعبيد بن عمير، والحسن، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة، واستدلوا بمثل قوله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} وقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. قالوا أيضاً: والجمع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما: فجزاؤه جهنم إلا من تاب، لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل الموجب والتوعد بالعقاب" ثم سرد الشوكاني أدلة الجمهور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاّسْفَلِ} 1. زَعَمَ بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ إنها نسخت بالاستثناء بعد ها، وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا} 2 وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الاستثناء ليس بنسخ3.   1 الآية (145) من سورة النساء. 2 الآية (146) من السورة نفسها. 3 قلت: لم يتعرض المؤلف للنسخ هنا في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ، كما لم يتعرض له أصحاب أمهات كتب النسخ، إلا أن هبة الله قال في هذه الآية: "ثم استثنى بآية {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا} ولم يذكر النسخ". انظر: الناسخ والمنسوخ له (40). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 باب ذكر الآيات اللواتي قَدْ زَعَمَ (قَوْمٌ) 1 أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَائِدَةِ مَنْسُوخٌ، فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ بنا محمّد بن بشار، قال: بنا عبد الرحمن2، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ، قَالَ: الْمَائِدَةُ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ3 قَالَ ابْنُ بشار: وبنا ابن أبي عدي، قال: بنا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: نُسِخَ مِنَ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لا4. وَقَدْ ذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ فِي الْمَائِدَةِ مَنْسُوخًا وَنَحْنُ نذكر ذلك.   1 في (هـ): قال، بدل قوم، وهو تحريف. 2 في (هـ): (ما) زيادة ولعلها من الناسخ. 3 ذكره النحاس في ناسخه ص: 114 عن عامر بن شرحبيل (الشعبي) وذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 252، وعزاه إلى أبي داود في ناسخه عن الشعبي. 4 ذكره السيوطي في المصدر نفسه وعزاه إلى عبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر من طريق ابن عون عن الحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} الآيَةَ1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَمْ منسوخة؟ على قولين: أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَلا يَجُوزُ اسْتِحْلالُ الشَّعَائِرِ وَلا الْهَدْيِ قَبْلَ أَوَانِ ذَبْحِهِ2. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقَلائِدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ رَفْعُ (الْقِلادَةِ) 3 عَنِ الْهَدْيِ حَتَّى (يُنْحَرَ) 4. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُقَلِّدُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَقِيلَ لَهُمْ لا تَسْتَحِلُّوا أَخْذَ الْقَلائِدِ مِنَ الْحَرَمِ وَلا تَصُدُّوا الْقَاصِدِينَ إِلَى الْبَيْتِ5. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، ثُمَّ فِي الْمَنْسُوخِ مِنْهَا ثَلاثَةُ أقوال: أحدهما: قَوْلُهُ: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} فَإِنَّ هَذَا اقْتَضَى جَوَازُ إِقْرَارِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قَصْدِهِمُ الْبَيْتَ، وَإِظْهَارِهِمْ شَعَائِرَ الْحَجِّ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} 6 وَبِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 7 وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما.   1 الآية الثالثة من سورة المائدة. 2 ذكر المؤلف في زاد المسير 2/ 277 هذه الرأي عن الحسن وأبي ميسرة في آخرين. 3 في (هـ): القلائد. 4 مصحفة في (هـ). 5 ذكر المؤلّف هذه الآراء بنصّها في زاد المسير2/ 277 ولم ينسبها إلى أحد. 6 الآية (28) من سورة التوبة. 7 الآية الخامسة من سورة التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قال: أبنا عمر بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ ابن (أَحْمَدَ) 1، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قال. بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: نُسِخَ مِنْهَا: {آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} نَسَخَهَا قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. وَقَالَ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} 3. وَقَالَ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} 4. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْهَا تَحْرِيمُ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَتَحْرِيمُ الآمِّينَ لِلْبَيْتِ إِذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَهَدْيِ الْمِشْرِكِينَ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَانٌ، قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ5. وَالثَّالِثُ: أَنَّ جَمِيعَهَا مَنْسُوخٌ. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ. أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح،   1 في (هـ): بشر، بدل أحمد. ولعله تحريف من الناسخ. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. 3 الآية (17) من سورة التوبة. 4 الآية (28) من سورة التوبة. 5 أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان6/ 40، وذكره المؤلّف2/ 278، عن ابن عباس وقتادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 قَالَ: بنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} 1 قَالَ: "كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَيُهْدُونَ الْهَدَايَا وَيُحَرِّمُونَ (حُرْمَةَ) 2 الْمَشَاعِرِ، وَيَنْحَرُونَ فِي حَجِّهِمْ، فَأَنْزَلَ الله عزوجل {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} أَيْ لا تَسْتَحِلُّوا قِتَالا فِيهِ، {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} يَقُولُ: مَنْ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} " 3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا يَزِيدُ، قَالَ: أَبْنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4. قال أحمد: وبنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} قال: هي منسوخة، كان   1 الآية الثالثة من سورة المائدة. 2 في (هـ): حرمت، بالتاء المفتوحة، وهو خطأ إملائي. 3 الآية الخامسة من التوبة. والأثر أخرجه الطبري عن مجاهد والضحاك في جامع البيان 6/ 40، وعزاه المؤلف في زاد المسير2/ 278 إلى الشعبي. وأخرج النحاس نحوه من طريق عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وفيه ثم أنزل الله بعد ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. 4 ذكره مكي بن أبي طالب في ناسخه ص: 218 عن مجاهد، وذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 254، وعزاه إلى ابن المنذر عن مجاهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ تَقَلَّدَ من (السَّمْر) 1 فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، فَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلادَةَ شَعْرٍ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، وَكَانَ الْمُشْرِكُ يومئذٍ لا يَصُدُّ عَنِ الْبَيْتِ، فَأُمِرُوا أَنْ لا يُقَاتِلُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلا عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَنَسَخَهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا بْنُ غَيْلانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو حذيفة النهدي، قال: بنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ بَيَّانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنَ المائدة غير آية واحدة {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} (نَسَخَتْهَا) 3 {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4. وفصل الخطاب في هذا أَنَّهُ لا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِنَسْخِ جَمِيعِ الآيَةِ فَإِنَّ شَعَائِرَ اللَّهِ أَعْلامُ مُتَعَبَّدَاتِهِ5. وَلا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِنَسْخِ هَذَا (إِلا أَنْ يَعْنِي)   1 في (هـ): السَّمُو. وهو تحريف. والسمر بفتح السين وضم الميم، من الشجر صغار الورق قصار الشوك، وله برمة صفراء يأكلها الناس. وليس في العناة شيء أجود خشباً منه، ينقل إلى القرى فتغمي به البيوت، وقوله: تقلد من السَّمُر، يريد قشره. انظر: تاج العروس المجلد الثالث 278 في مادة (سمر). 2 أخرجه الطبري في جامع البيان 6/ 40 والنحاس في ناسخه (115) عن قتادة وذكره مكي به أبي طالب في ناسخه ص: 219 عنه، كما ذكره السيوطي في المصدر السابق معزياً إلى عبد الرزاق وابن أبي حميد عن قتادة أيضاً. 3 في (هـ): ونسختها ولعل الواو زيادة من الناسخ. 4 ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 220 عن الشعبي. 5 اختار النحاس هذا الاتجاه، وذكر ذلك عن عطاء، وقال مكي به أبي طالب – وهو يناقش هذه الآية -: (وأكثر العلماء على أن قوله: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} محكم غير منسوخ، ومعناه: لا تستحلوا حدوده ومعالمه وحرماته، وهذا لا يجوز. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (116) والإيضاح في الصفحة السابقة. 6 في (هـ): لأن يعني، وهو خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 بِهِ: لا تَسْتَحِلُّوا نَقْضَ مَا شَرَعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَنْسُوخًا. وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ وَالْقَلائِدُ، وَكَذَلِكَ الآمُّونَ لِلْبَيْتِ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ صَدُّهُمْ إِلا أَنْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الشَّهْرُ الْحَرَامُ فَمَنْسُوخُ الْحُكْمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 1. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 2 فَلا وَجْهَ لِنَسْخِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} فَمْنَسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3 وَبَاقِي الآيَةِ مُحْكَمٌ (بِلا) 4 شَكٍّ.   1 الآية (217) من سورة البقرة. 2 جزء من الآية الثانية من سورة المائدة. 3 الآية الخامسة من التوبة. قلت: دعوى النسخ في هذا الجزء من الآية مروية عن ابن زيد، وذهب مجاهد إلى إحكامها مستدلاً بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم "لعن الله من قتل بذحل في الجاهلية" فهي مخصوصة نزلت في مطالبة المسلمين المشركين بذحول الجاهلية، لأجل أن صدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية، أن تطالبوهم فما مضى في الجاهلية من قتل أو غيره فما هم عليه من الكفر أعظم من ذلك، وهذا هو القول المختار عند النحاس، ومكي بن أبي طالب، وقال مكي عن بقية الآية: "وأكثر الناس على أن المائدة نزلت بعد براءة، فلا يجوز أن ينسخ ما في براءة ما في المائدة". انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 116؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 221. قلت: ناقش موضوع النسخ المؤلّف في زاد المسير، وبيّن اختلاف المفسرين ولكنه لم يبد رأيه فيه، وقد رأيناه هنا ينصّ على نسخ جزئين من الآية. وأما في مختصر عمدة الراسخ ورقة (5) فيقول بعد ذكر آراء العلماء: "هكذا أطلق القول جماعة، وليس بصحيح فإن قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} إلى آخرها، لا وجه فيهما للنسخ". 4 في (م): بلى، وهو خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ على ثلاثة أقوال: أحدهما: أَنَّهَا اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْإِطْلاقِ، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَدْ أَهَلُّوا عَلَيْهَا بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ، أَوْ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ2 فِي آخَرِينَ، وَهَؤُلاءِ زَعَمُوا أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 3. قال أبو بكر: وبنا حَرَمِيُّ بْنُ يُونُسَ4 قَالَ: أَبْنَا أَبِي، يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: بنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمَسِيحَ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ، قَالَ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا هُمْ قَائِلُونَ، وَقَدْ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ. قال أبو بكر: وبنا زياد بن أيوب، قال: بنا مروان، قال بنا أيوب ابن يَحْيَى الْكِنْدِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ نَصَارَى نَجْرَانَ فَقُلْتُ: مِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الْمَسِيحَ. قَالَ: كُلٌّ، وَأَطْعَمَنِي.   1 الآية الخامسة من سورة المائدة. 2 القاسم بن مخيمرة بالمعجمة مصغراً وهو أبو عروة الهمداني الكوفي نزيل الشام ثقة فاضل من الثالثة، مات سنة (100هـ) انظر: التقريب (280). 3 الآية (121) من سورة الأنعام. 4 في (هـ): جرمي، وهي غير واضحة في (م) أيضاً، والصواب ما أثبت عن ترجمته. وهو إبراهيم بن يونس بن محمد البغدادي نزيل طرسوس المعروف بحرمي بلفظ النسب بمهملتين صدوق من الحادية عشرة. انظر: التقريب (24). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 قال أبو بكر: وبنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ، قال: بنا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جِرُيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُوا وَإِنْ ذُبِحَ لِلشَّيْطَانِ. قَالَ أَبُو بكر: وبنا محمود بن خالد، قال: بنا الْوَلِيدُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ يَقُولُ: "لا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا ذَبَحَتِ النَّصَارَى لِأَعْيَادِ كَنَائِسِهَا، وَلَوْ سمعته يقوله: عَلَى اسْمِ جُرْجِيسَ وَبُولِسَ"1. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} 2 مَا ذَبَحَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أُحِلَّ لَكُمْ ذَبَائِحُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ3. قال أبو بكر: وبنا محمد بن بشار، قال: بنا يحيى، قال: بنا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إِذَا ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فكل4.   1 ذكره النحاس عن القاسم بن مخيمرة قي الناسخ والمنسوخ ص: (117). 2 جزء من الآية الثالثة من سورة المائدة. 3 أخرج الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في قَوْلُهُ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} فإنه أحل لنا طعامهم ونساءهم. ويذكر النحاس عن ابن عباس جواز نكاح المحصنات من نصارى تغلب وأكل ذبائحهم، كما يذكر ذلك عنه مكي لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "سنوا بهم بسنة أهل الكتاب". انظر: جامع البيان6/ 66؛ والناسخ والمنسوخ ص: 117؛ والإيضاح ص: 226. 4 ذكره النحاس عن عطاء في المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 قال أبو بكر: وبنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: بنا ابن أبي غنية، قال: بنا أَبِي، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: لَوْ ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ الْمَسِيحُ لَأَكَلْتُ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ". وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} 1 وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَتْ ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ الأَصْلَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا (فمتى علم) 2 أنهم قد ذَكَرُوا غَيْرَ اسْمِهِ لَمْ يُؤْكَلْ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي3. وَمِمَّنْ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُ الْكِتَابِيَّ يُسَمِّي غَيْرَ اللَّهِ فَلا تَأْكُلْ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَطَاؤُسٌ وَالْحَسَنُ4، وعن عبادة   1 الآية (121) من سورة الأنعام. وقد ذكر هذا القول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (5) ولم ينسبه إلى أحد، ولم يتعرض لقول النسخ في تفسيره. 2 في (هـ): فمتى علمتم. 3 قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم2/ 196: "أحل الله طعام أهل الكتاب، وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم، وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم، فإن كانت ذبائحهم يسمونها الله تعالى فهو حلال، وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله تعالى، مثل اسم المسيح، أو يذبحونه باسم دون الله تعالى لم يحل هذا من ذبائحهم". 4 ذكر النحاس هذا القول عن هؤلاء، ثم قال عن مالك أنه قال أكره ذلك. ولا أرى تحريمه. انظر: الناسخ والمنسوخ (117). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 ابن الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ1 (كَهَذَا الْقَوْلِ) 2. وَكَالْقَوْلِ الأَوَّلِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 4. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّ فِي (الْكَلامِ) 5 إِضْمَارًا تَقْدِيرُهُ: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ مُحْدِثِينَ. وَهَذَا قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبَّاسٍ، والفقهاء6.   1 أبو الدرداء، هو: عويمير بن زيد بن قيس الأنصاري، مختلف في اسم أبيه، وقيل اسمه: عامر، وعويمير لقبه، صحابي جليل أول مشاهده أحد، وكان عابداً، مات في آخر خلافة عثمان. انظر: التقريب (267). وقد ذكر الطبري القول الأول عن أبي الدرداء في جامع البيان 6/ 66، وذكره النحاس وابن العربي ومكي بن أبي طالب عنه وعن عبادة بن الصامت. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 117، و 145؛ وأحكام القرآن 2/ 555؛ والإيضاح ص: 224 - 226. 2 في (هـ): هكذا القول، وهو تحريف من الناسخ. 3 قلت: تجد معالجة هذه القضية بالاختصار في زاد المسير 2/ 292؛ ومختصر عمدة الراسخ الورقة الخامسة، وسيأتي ذكرها مرة أخرى في سورة الأنعام، حيث ادعي هناك أن هذه الآية ناسخة لآية الأنعام رقم (121) وقد أنكر المؤلف ذلك كما أنكره الطبري والمكي وغيرهم، وقال المكي: "إن الأنعام مخصوص حكمها فيما ذبح للأصنام من ذبائح أهل الكتاب، وآية المائدة في إباحة أكل ذبائح أهل الكتاب، فالآيتان على هذا في حكمين مختلفين محكمين لا نسخ في واحد منهما" انظر: جامع البيان8/ 13؛ والإيضاح في المصدر السابق. 4 الآية السادسة من سورة المائدة. 5 في (هـ): لكال، وهو تحريف. 6 ذكر هذا الرأي مكي بن أبي طالب عن زيد بن أسلم وجماعة من الفقهاء في الإيضاح ص: 228. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى إِطْلاقِهِ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلاةَ أَنْ يَتَوَضَّأَ سَوَاءً كَانَ مُحْدِثًا أَوْ غَيْرَ مُحْدِثٍ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ سِيرِينَ1. ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ هَذَا الْحُكْمُ باقٍ أَمْ نُسِخَ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ باقٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ منسوخ بالسنة وَهُوَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ2: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. فَقَالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ"3. وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ أَنَّ أَخْبَارَ الآحَادِ لا تَجُوزُ أَنْ تَنْسَخَ الْقُرْآنَ4 وَإِنَّمَا يُحْمَلُ فِعْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم هذا على تبيين مَعْنَى الآيَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ: إِذَا قُمْتُمْ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ. وَإِنَّمَا كَانَ يَتَوَضَّأُ لَكُلِّ صَلاةٍ لِطَلَبِ الْفَضِيلَةِ.   1 في (هـ): شيرين. وهو تصحيف. وقد روى الطبري القول المذكور عن علي رضي الله عنه من طريق عكرمة وعن ابن سيرين من طريق ابن عون، في جامع البيان6/ 72. 2 أما بريدة، فهو: ابن الخصيب بمهملتين مصغراً، أبو سهل الأسلمي صحابي أسلم قبل بدر، مات سنة 63هـ. انظر: التقريب ص: 43. 3 رواه مسلم وأصحاب السنن عن بريدة في كتاب الطهارة، وقد جاء في البخاري عن سويد بن النعمان، قال: "خرجنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا السويق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المغرب فتمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي2/ 232؛ وصحيح البخاري بالفتح1/ 323 - 324 من كتاب الوضوء. 4 انظر في مقدمة المؤلف (باب ذكر ما اختلف فيه). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَقَدْ حَكَى أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وُكِّلْنَا إِلَى الآيَةِ لَكَانَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّلَوَاتِ) 1 بِطَهُورٍ وَاحِدٍ، بَيَّنَهَا فَيَكُونُ الْمَعْنَى: إِذَا قُمْتُمْ وَقَدْ أَحْدَثْتُمْ فَاغْسِلُوا2. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ نُسِخَ بِوَحْيٍ لَمْ تَسْتَقِرَّ تِلاوَتُهُ. فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أبو جعفر ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ فَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَرُفِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إِلا مِنْ حَدَثٍ"4. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} 5. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا مَنْسُوخٌ أم محكم؟ على قولين،:   1 في (هـ): الصلاة. 2 تجد نصّ كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 120. 3 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ ابن عامر الراهب الأنصاري الصحابي وأبوه غسيل الملائكة قتل يوم أحد، وأم عبد الله جميلة بنت عبد الله بن أبي، استشهد عبد الله يوم الحرة في ذي الحجة سنة 62هـ. وكان أمير الأنصار بها يومئذ. انظر: التقريب (131). 4 أخرجه الطبري في جامع البيان6/ 73 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ رضي الله عنهما، وذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 262، وزاد نسبته إلى أحمد وأبي داود، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، والبيهقي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ. قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ هنا، ونقل إحكام الآية في زاد المسير2/ 299 عن علي وعكرمة وابن سيرين كما نقل دعوى النسخ عن جماعة، ولم يبد رأيه. وأما الطبري فقد فسر الآية بما يؤيد إحكامها، وهو اختيار مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 228. 5 الآية (13) من سورة المائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 أحدهما: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، قَالَهُ الأَكْثَرُونَ، وَلَهُمْ في ناسخه ثلاثة أقوال: أحدهما: آيَةُ السَّيْفِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَاعْفُ عَنْهُمْ} 1 {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا} 2 وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ (كُلُّهُ) 3 بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4. وَالثَّانِي: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 5. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قال بنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} قَالَ: نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} 6.   1 الآية (159) من سورة آل عمران، و (13) من سورة المائدة. 2 الآية (14) من سورة التغابن. 3 في (هـ): قوله، وهو تحريف. 4 الآية الخامسة من سورة التوبة. وقد ذكر هذا القول بإسناده أبو جعفر الطبري في جامع البيان 6/ 101؛ كما ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 232 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 5 الآية (29) من سورة التوبة. 6 أخرجه الطبري في المصدر السابق عن قتادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَالثَّالِثُ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} 1. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُحْكَمٌ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَغَدَرُوا وَأَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ، وَلَمْ تُنْسَخْ2. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَعْفِيَ عَنْهُمْ فِي غَدْرَةٍ فعلوها مالم يَنْصِبُوا حَرْبًا، وَلَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَالإِقْرَارُ بِالصِّغَارِ فَلا يتوجه النسخ3.   1 الآية (58) من سورة الأنفال. ذكر هذا القول مكي ابن أبي طالب في الإيضاح 6/ 101 ولم ينسبه إلى أحد. 2 يقول مكي في المصدر نفسه: "فأما من قال: المائدة نزلت بعد براءة، فالآية عنده محكمة غير منسوخة، لكنها مخصوصة نزلت في قوم من اليهود، أرادوا الغدرة بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنجاه الله منهم، وأمره بالعفو عنهم ما داموا على الذمة. وهو الصواب إن شاء الله. لأن القصة من أول العشر إلى آخره وما بعده كله نزلت في أهل الكتاب والإخبار عن حالهم عهدهم وخيانتهم وغير ذلك". 3 ونصّ كلام ابن جرير: (قال أبو جعفر: والذي قال قتادة – وهو أن الآية منسوخة بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} - غير مدفوع إمكانه، غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر هو ما كان نافياً كل معاني خلافه الذي كان قبله، فأما ما كان غير ناف جميعه، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله عزوجل أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} دلالة على الأمر بنفي معاني الصفح والعفو عن اليهود، وإذا كان ذلك كذلك وكان جائزاً بالصغار وأداء الجزية بعد القتال - الأمر بالعفو عنهم غدرة هموا بها أو نكثة غرموا عليها ما لم ينصبوا حرباً دون أداء الجزية ويمتنعوا من الأحكام اللازمة منهم - لم يكن واجباً أن يحكم لقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} بأنه ناسخ قوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} انتهى من جامع البيان 6/ 101. قلت: أورد المؤلف رأى ابن جرير هذا في مختصر عمدة الراسخ الورقة (5) وفي زاد المسير2/ 314، ثم قال: (فلا يتوجه النسخ). وأما النحاس في ناسخه ص: 123، فقد أورد النسخ بإسناده عن قتادة كما أورد الإحكام على ضوء ما قاله الطبري، ثم قال: "وهذا لا يمتنع أن يكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة والصغار فصفح عنهم في شيء بعينه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا} 1. هَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَمْ عَلَى التَّخْيِيرِ. فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ، أَوْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا قُتِلُوا وَصُلِبُوا وَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا، قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ مِنْ خِلافٍ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ نُفُوا2. وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي إِقَامَةِ أَيِّ الْحُدُودِ شَاءَ سَوَاءٌ قَتَلُوا أَمْ لَمْ يَقْتُلُوا، أَخَذُوا الْمَالَ أو لم يأخذوا3.   1 الآية (33) من سورة المائدة. 2 أورد المؤلف هذا القول بنصه في زاد المسير2/ 345 عن الإمام أحمد، ويقول النحاس: "إن الذين قالوا بالترتيب اضطربوا في آرائهم ... فذكر قول بن عباس: "إذا خرج وقتل، قتل. وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ونفى، وإن أخذ المال وقتل، قتل" وقال عن أحمد بن حنبل: "إن قتل قتل، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله" انتهى من الناسخ والمنسوخ (127). وجاء في المغني روايتان عن الإمام أحمد، فيمن قتل ولم يأخذ المال، أنه يقتل ويصلب، والرواية الثانية أنه يقتل فقط، وقال ابن قدامة والأولى أصح. لأن الخبر المروي فيهم قال فيه: "ومن قتل ولم يأخذ المال" ولم يذكر صلباً. انظر: المغني 10/ 309 - 310. 3 ذكر المؤلف هذا القول بنصه عن مالك في المصدر السابق، وأورده مكي ابن أبي طالب في الإيضاح ص: 233. كما أورده ابن العربي عن سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء وإبراهيم في أحكام القرآن 2/ 599، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال، ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً، نفوا من الأرض". انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/ 314. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مُفَسِّرِي الْقُرْآنِ مِمَّنْ لا فَهْمَ لَهُ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ فِي مَوَاضِعَ1. ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 2. اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا إِذَا تَرَافَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُخَيَّرًا (إِنْ شَاءَ حَكَمَ) 3 بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ثم نسخ ذلك، بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 4 فَلَزِمَهُ الْحُكْمُ (وَزَالَ) 5 التَّخْيِيرُ، رَوَى هَذَا الْمَعْنَى أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ بأسانيده عن   1 قلت: لم يتعرض المؤلف في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ في هذه الآية كما لم يتعرض له أصحاب أمهات كتب النسخ. وإنما ذكر النحاس ومكي بن أبي طالب عن ابن سيرين أن هذه الآية ناسخة لفعل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعرنيين، وقد ذكر النسخ بالاستثناء هبة الله ابن سلامة. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 122؛ والإيضاح ص: 233؛ والناسخ لهبة الله ص: 41. 2 الآية (42) من سورة المائدة. 3 في (هـ): إنشا حكم، وهو خطأ من الناسخ. 4 الآية (49) من سورة المائدة. 5 في (هـ): وزول، وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَدْ رَوَى أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ (وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) 1. وَقَدْ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَالِبِ بْنُ غَيْلانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قال: بنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 2 قال: نسختها {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ بنا عمر بنا عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بن أحمد، قال: بنا عبد الله ابن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} قال: نسختها {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 4.   1 أما عمر بن عبد العزيز، فهو: ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان الوزير وولي الخلافة بعده فعد مع الخلفاء الراشدين، من الرابعة مات في رجب سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف. انظر: التقريب التهذيب ص: 255. وقد ذكر عنه قوله هذا أبو جعفر، النحاس، في الناسخ والمنسوخ ص: 128 ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 325. 2 الآية (42) من سورة المائدة. 3 الآية (48) من السورة نفسها، وقد روي هذا القول عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما النحاس في ناسخه ص: 129 والحاكم 2/ 312، وصححه وفيه: آيتان نسختا من هذه السورة ثم ذكر آية القلائد، وهذه الآية. 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 284، وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 قال أحمد: وبنا هشيم قال: بنا أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ: مَنْصُورٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قَالَ: نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا، قَوْلَهُ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 1. قال أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قال: نسخ قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} قَوْلِهِ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 2. قال أحمد: وبنا حُسَيْنٌ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بَعْدَمَا كَانَ رَخَّصَ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا3. وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا: إِذَا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَى الإِمَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ، وَإِنْ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ لَمْ يَحْكُمْ. وَقَالَ أَصْحَابُهُ: بَلْ يَحْكُمْ. قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا خِيَارَ لِلْإِمَامِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ أَكْثَرِ العلماء أن الآية منسوخة4.   1 أخرجه الطبري في جامع البيان6/ 158، والنحاس في المصدر السابق عن مجاهد. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان6/ 158، عن السدي عن عكرمة كما ذكره النحاس في ناسخه ص: 129، ومكي بن أبي طالب في ناسخه 235 عنه. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان6/ 159 عن قتادة كما ذكر عنه قول النسخ النحاس ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين. 4 تجد كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ (129)، كما تجد آراء الأحناف في الحكم بين أهل الكتاب مفصلة في أحكام القرآن 2/ 437 للجصاص، وقد أورد قول النسخ النحاس عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والزهري، وعمر بن عبد العزيز والسدي، والشافعي في هذه الآية كما ذكر مكي بر أبي طالب في ناسخه (235) عن هؤلاء وعن قتادة، وعطاء الخراساني والكوفيين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ الْإِمَامَ وَنُوَّابَهُ فِي الْحُكْمِ مُخَيَّرُونَ وإذا ترافعوا إليهم إن شاؤوا حكموا بينهم وإن شاؤوا أَعْرَضُوا عَنْهُمْ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَبْنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}، قَالا: إِذَا ارْتَفَعَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحُكْمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَكَمَ، حَكَمَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ1. قال أحمد: وبنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إِنْ شَاءَ حَكَمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُمْ2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنى المثنى بن أحمد، قال: بنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {فَإِنْ جَاءُوكَ   1 أخرجه الطبري في جامع البيان6/ 158، والنحاس في ناسخه ص: 128 - 129 عن الشعبي، وذكره عنه مكي بن أبي طالب بدون إسناد في الإيضاح ص: 235. 2 أخرجه الطبري وذكره النحاس ومكي بن أبي طالب في المصادر السابقة عن عطاء ابن أبي رباح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} جَعَلَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ عَلَى (الخيرة) 1 إما أن يحكم (و) 2 إما أَنْ يَتْرُكَهُمْ فَلا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ3. قال أبو بكر: وبنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلاد، قال: بنا يزيد قال: بنا مُبَارَكٌ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِذَا ارْتَفَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إِلَى حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَهُمْ إِلَى حُكَّامِهِمْ، فَإِنْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بِالْعَدْلِ، وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَبِهِ قَالَ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّهُ لا (تَنَافِي) 4 بَيْنَ الآيَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَحَدَهُمَا خَيَّرَتْ بَيْنَ الْحُكْمِ وَتَرْكِهِ، وَالأُخْرَى ثَبَتَتْ كَيْفِيَّةَ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ5. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ} 6.   1 في (هـ): التخيير. 2 في (م): الفاء بدل الواو. 3 ذكره السيوطي في الدر المنثور2/ 285، من طريق عبد بن حميد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. 4 فِي (م): ينافي بالتحتانية. 5 قلت: ناقش المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وتفسيره هذه القضية بنحو ما ناقش به هنا، ورجح الإحكام في تفسيره بعد عزوه إلى الحسن والشعبي والنخعي والزهري وأحمد بن حنبل، وهو اختيار أبي جعفر الطبري، ومكي بن أبي طالب. انظر: مختصر عمدة الراسخ الورقة الخامسة وزاد المسير2/ 361 - 362؛ وجامع البيان 6/ 159 - 160؛والإيضاح ص: 235. 6 الآية (99) من سورة المائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الرَّسُولِ التَّبْلِيغُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الاقْتِصَارَ عَلَى التَّبْلِيغِ دُونَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ1 وَالأَوَّلُ أَصَّحُ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} 3. لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ: قَالَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ هِيَ تَتَضَمَّنُ كَفَّ الأَيْدِي عَنْ قِتَالِ (الضَّالِّينَ) 4 فَنُسِخَتْ. وَلَهُمْ فِي ناسخها قولان: أحدهما: آيَةُ السَّيْفِ. وَالثَّانِي: أَنَّ آخِرَهَا نَسَخَ أَوَّلَهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ جَمَعَتِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ غير هذه وموضع الْمَنْسُوخِ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} والناسخ قوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} والهدى ها هنا الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ5.   1 ذكره ابن حزم في ناسخه (337) وابن سلامة في ناسخه ص: 42. 2 قلت: لم يعرض النحاس والمكي لدعوى النسخ هنا. وقد ذكره المؤلّف في زاد المسير2/ 432، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) عن بعضهم. ورجّح فيه إحكام الآية. 3 الآية (105) من سورة المائدة. 4 في (م): بلا نقاط. 5 ذكر ذلك هبة الله في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 42، كما ذكر نحوه ابن العرب في أحكام القرآن2/ 79 عن بعض العلماء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 قُلْتُ: وَهَذَا الْكَلامُ إِذَا حُقِّقَ لَمْ يَثْبُتْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهَا: إِنَّمَا أَلْزَمَكُمُ اللَّهُ أَمْرَ أَنْفُسِكُمْ لا يُؤَاخِذُكُمْ بِذُنُوبِ غَيْرِكُمْ. قَالَ: وَهَذِهِ الآيَةُ لا تُوجِبُ تَرْكَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تَرَكَهُ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَهُ، فَهُوَ ضَالٌّ وَلَيْسَ بِمُهْتَدٍ1. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. وَيَدُلُّ على إحكامها أربعة أشياء: أحدها: أن قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} يَقْتَضِي (إِغْرَاءَ) 2 الْإِنْسَانِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ، وَيَتَضَمَّنُ الإِخْبَارَ بِأَنَّهُ لا يُعَاقَبُ بِضَلالِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لا يُنْكِرَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنَّمَا غَايَةُ الأَمْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَيَقِفُ عَلَى الدَّلِيلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. لِأَنَّ قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أَمْرٌ بِإِصْلاحِهَا وَأَدَاءِ مَا عَلَيْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُهُ: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُهْتَدِيًا إِذَا امْتَثَلَ أَمْرَ الشَّرْعِ، وَمِمَّا أَمَرَ الشَّرْعُ بِهِ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ: قُولُوا مَا قُبِلَ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أنفسكم3.   1 ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير2/ 106 عن الزجاج. 2 في (م): (اعر)، وهو خطأ إملائي. 3 أخرج الطبري في جامع البيان7/ 61 بإسناده عن الحسن قال: (إن هذه الآية قرئت على ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقال: ليس هذا بزماننا قولوا ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم، فعليكم أنفسكم). وقد ذكر مكي بن أبي طالب عن ابن مسعود أنها محكمة. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 237. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ الْمُذَهَّبِ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بن جعفر، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ حدثني أبي، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال: بنا زَهَيْرٌ يَعْنِي: ابْنَ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: بنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: بنا قَيْسٌ قَالَ: قَامَ (أَبُو بَكْرٍ) 1 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ وَأَنَّكُمْ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رأوا المنكر، ولا يغيرونه أو شك الله عزوجل أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ" 2. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الآيَةَ قَدْ حَمَلَهَا قَوْمٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا أَدُّوا الْجِزْيَةَ فَحِينَئِذٍ لا يُلْزَمُونَ بِغَيْرِهَا. فَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم   1 أبو بكر الصديق رضي الله عنه، هو: عبد الله بن أبي قحافة؛ عثمان بن عامر القرشي أوّل الخلفاء الراشدين، وأوّل من آمن من الرجال وأحد أعاظم العرب، ولد بمكة سنة (51) قبل الهجرة شهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال، وبويع بالخلافة يوم وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سنة: 11هـ. توفي سنة: 13هـ. انظر: تاريخ الطبري4/ 46. 2 رواه الإمام أحمد في مسنده والطبري في تفسيره نحوه عن قيس بن أبي حازم. وقال الحافظ بن كثير في تفسيره: (وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه، وغيرهم من طرق متعددة عن جماعة كثيرة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به متصلاً مرفوعاً، ومنهم من روى به موقوفاً على الصديق، وقد رجح رفعه الدارقطني. انظر: جامع البيان7/ 64؛ وتفسير القرآن العظيم2/ 109. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 كَتَبَ إِلَى حُجْرٍ، وَعَلَيْهِمْ مِنْذِرُ بْنُ (سَاوِيٍّ) 1 يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَلْيُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ عَرَضَهُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَأَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ وَكَرِهُوا الْإِسْلامَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَّا الْعَرَبُ فَلا تَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلا الْإِسْلامَ أَوِ السَّيْفَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ فَاقْبَلْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ) فَلَمَّا قرؤوا الْكِتَابَ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ (وَأَعْطَى) 2 أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: عَجَبًا لِمُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ لِيُقَاتِلَ النَّاسَ كَافَّةً حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقَدْ قَبِلَ مِنْ مَجُوسِ هَجْرٍ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، الْجِزْيَةَ، فَهَلا أَكْرَهَهُمْ عَلَى الْإِسْلامِ وَقَدْ رَدَّهَا عَلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْعَرَبِ. فَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ3. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ (لَمَّا عَابَهُمْ) 4 فِي تَقْلِيدِ آبَائِهِمْ بِالآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْلَمَهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ لا يضره ضلال   1 في (هـ): ساري، بالراء، وهو تصحيف والصواب منذر بن ساوي. وهو ابن عبد الله بن زيد التميمي الدارمي صحابي جليل كان عامل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البحرين، وقيل هو من عبد القيس ذكره ابن قانع وجماعة، وجاء ذكر كتابة الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه في ترجمة نافع بن أبي سليمان، انظر: أسد الغابة4/ 417؛ وتجريد أسماء الصحابة2/ 95. 2 كلمة أعطى مكررة في (هـ). 3 رواه الواحدي في أسباب النزول ص: 142، من طريق الكلبي عن أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وفيه: (عجباً من محمد يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ لِيُقَاتِلَ الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر مارد على مشركي العرب، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يعني: من ضل من أهل الكتاب) انتهى. وعن مقاتل قال: إنه لما طعن المنافقون في قبول الرسول الجزية من مجوس هجر نزلت هذه الآية. ذكره المؤلف في زاد المسير2/ 441. 4 في (هـ): لها عالهم، وهو تحريف ظاهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 مَنْ (ضَلَّ) 1 إِذَا كَانَ مُهْتَدِيًا حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُمْ مِنْ ضَلالِ آبَائِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ2 وَإِذَا تَلَمَّحَتِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الآيَتَيْنِ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ لِلأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المنكر ها هنا مَدْخَلٌ وَهَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ فِي الآيَةِ3. ذِكْرُ الآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} 4. الإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ يَشْهَدَانِ عَلَى الْمُوصِي فِي السَّفَرِ. وَالنَّاسِ (فِي قَوْلِهِ) 5: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قائلان: أحدهما: مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: من أهل   1 في (هـ): (ضل) بالمهملة وهو تصحيف. 2 ذكر نحو هذا المعنى عن ابن زيد، بالإسناد، الطبري في تفسيره 7/ 64. 3 أورد المؤلف هذه القضية في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6)، ورجّح الإحكام. وأما في تفسيره2/ 443 فسكت عن الترجيح. أما النحاس فلم يتعرض لها ألبتة. وحكى مكي بن أبي طالب عن الأكثرين أنها محكمة. انظر: الإيضاح ص: 237. 4 الآية (106) من سورة المائدة. 5 في (هـ): قواله: وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 الإسلام1. وهذا قوله ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ2 وَسَعِيدِ بْنِ المسيب، وسعيد ابن جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ (سِيرِينَ) 3 وَالشَّعْبِيِّ، والنخعي، وقتادة، وأبو مَخْلَدٍ4 وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ5، وَالثَّوْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا6. وَالثَّانِي: أَنَّ معنى قوله {مِنْكُمْ} أَيْ: مِنْ عَشِيرَتِكُمْ، وَقَبِيلَتِكُمْ، وَهُمْ مُسْلِمُونَ أَيْضًا. قَالَهُ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَعَنْ عُبَيْدَةَ كَالْقَوْلَيْنِ7، فَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ أَوْ لِلتَّخَيُّرِ إِنَّمَا الْمَعْنَى: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْكُمْ8 وَفِي قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ قولان:   1 أخرجه الطبري في جامع البيان7/ 66 - 67 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق محمد بن سعد العوفي وهو إسناد ضعيف كما قدمنا في مناقشة آية (180) من سورة البقرة. 2 أمّا شريح، فهو: ابن الحارث بن قيس الكوفي النخعي أبو أمية مخضرم ثقة، وقيل: له صحبة مات قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو أكثر. انظر: التقريب (145). 3 في (هـ): بالشين المعجمة وهو تصحيف. 4 يقول الحافظ في التهذيب12/ 227: أبو مخلد عن ابن عباس صوابه أبو مجلز وهو لاحق. تقدمت ترجمته ص (392). 5 أما يحيى بن يعمر - بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة -، فهو: بصري نزيل مرو، وقاضيها ثقة فصيح، وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المائة وقيل بعدها. انظر: التقريب (380). 6 يقصد به علماء الحنابلة، وقد أخرج الطبري هذا القول عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة وابن زيد، ومجاهد، ويحيى بن يعمر في جامع البيان6/ 66 - 67. 7 ذكر المعنى الثاني: ابن العربي في أحكام القرآن2/ 722 عن الحسن وسعيد بن المسيب كما ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح (38) عن الحسن وعكرمة. 8 قاله ابن العربي في المصدر السابق عن ابن المسيب، ويحيى بن يعمر، وأبو مجلز، وذكره المؤلف في زاد المسير2/ 446 عن ابن عباس وابن جبير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 أحدهما: مِنْ غَيْرِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ، قَالَهُ أَرْبَابُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ. وَالثَّانِي: مِنْ غير عشرتكم وَقَبِيلَتِكُمْ، وَهُمْ مُسْلِمُونَ أَيْضًا. قَالَهُ أَرْبَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ شَهَادَةُ المسلمَينِ مِنَ الْقَبِيلَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْقَبِيلَةِ لا يُشَكُّ فِي إِحْكَامِ هَذِهِ الآيَةِ. فَأَمَّا الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أَهْلُ الْكِتَابِ إِذَا (شَهِدُوا عَلَى الْوَصِيَّةِ) فِي السَّفَرِ فَلَهُمْ فِيهَا قولان: أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بَاقٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ1. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2 وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ3 وَإِلَيْهِ يَمِيلُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، قَالُوا: وَأَهْلُ الْكُفْرِ لَيْسُوا بِعُدُولٍ4.وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ هَذَا موضع ضرورة فجاز   1 ذكر هذا القول مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 238، عن ابن عباس، وعائشة وأبي موسى الأشعري والشعبي، وابن سيرين، ومحمد، وابن جبير، وابن المسيب، وشريح، والنخعي، والأوزاعي كلهم قالوا: هم أهل الكتاب شهادتهم على الوصية خاصة في السفر جائزة عند فقد المسلمين للضرورة. 2 الآية الثانية من الطلاق. 3 زيد بن أسلم العدوي مولى عمر أبو عبد الله أو أبو أسامة المدني ثقة عالم وكان يرسل من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومائة. انظر: التقريب ص: 112. 4 ذكر ذلك مكي بن أبي طالب عن زيد بن أسلم، ومالك والشافعي وأبي حنيفة، ثم قال: "وأضاف بعض الناس قول الإحكام إلى مالك والشافعي". انظر: الإيضاح ص: 241. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 كَمَا يَجُوزُ فِي بَعْضِ الأَمَاكِنِ شَهَادَةُ نِسَاءٍ لا رَجُلٍ مَعَهُنَّ بالحيض، والنفاس، والاستهل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 1. زَعَمَ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخَافَ عَاقِبَةَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} 2. قُلْتُ: فَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الشِّرْكُ، لِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي عُقَيْبِ قَوْلِهِ: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3 فَإِذَا قَدَّرْنَا الْعَفْوَ عَنْ ذَنْبٍ - إِذَا كَانَ - لَمْ تُقَدَّرُ الْمُسَامَحَةُ فِي شِرْكٍ - لَوْ تَصَوَّرَ - إِلا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ فِي حَقِّهِ، (بَقِيَ) 4 ذِكْرُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ مِنْ عَاقِبَتِهِ كَقَوْلِهِ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 5 فَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، يُؤَكِّدُهُ أَنَّهَا خَبَرٌ، وَالأَخْبَارُ (لا تُنْسَخُ) 6. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} 7.   1 الآية (15) من سورة الأنعام . 2 الآية الثانية من سورة الفتح. 3 الآية (14) من سورة الأنعام. 4 في (م): نفي، وهو تصحيف. 5 الآية (66) من سورة الزمر. 6 قلت: اختار المؤلّف إحكام هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6). وفي زاد المسير3/ 12، وأعرض عن ذكرها النحاس ومكي بن أبي طالب ضمن الآيات المدعى عليها النسخ. 7 الآية (66) من سورة الأنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 للمفسرين فيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ اقْتَضَى الاقْتِصَارَ فِي حَقِّهِمْ عَلَى الإِنْذَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا1. وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ لَسْتُ حَفِيظًا عَلَيْكُمْ إِنَّمَا أَطْلُبُكُمْ بِالظَّوَاهِرِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ، لا بِالأَسْرَارِ. فَعَلَى هَذَا هُوَ مُحْكَمٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. يُؤَكِّدُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَالأَخْبَارُ لا تُنْسَخُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ 2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} 3. الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَوْضِ: الْخَوْضُ بِالتَّكْذِيبِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْرَاضُ الْمَذْكُورُ ههنا منسوخاً بآية السيف4.   1 ذكره مكي بن أبي طالب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ثم قال: "والرواية عن ابن عباس بذلك ضعيفة". انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 242. 2 انظر كلام النحاس في كتابه (الناسخ والمنسوخ ص: 136 - 137، وهو اختيار مكي بن أبي طالب في المصدر السابق، حيث قال: "لا يحسن نسخ هذا، لأنه خبر والمعنى الصحيح أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ليس حفيظاً على من أرسل إليه بحفظ أعماله إنما هو داع ومنذر ومبلغ -ومثله في الاختلاف {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} كله محكم غير منسوخ" وللمؤلف كلام شبيه لما ذكره هنا في تفسيره 3/ 61، وفي مختصر عمدة الراسخ الورقة السادسة. 3 الآية (68) من سورة الأنعام. 4 قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية المؤلف في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ، كما لم تتعرض له أمهات كتب النسخ المعتبرة، ولا كتب التفسير كجامع البيان وتفسير القرآن العظيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 1 أَيْ: مِنْ كُفْرِ الْخَائِفِينَ وَإِثْمِهِمْ، وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} 2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا إِسْحَاقُ بُنْ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} قَالا: نَسَخَهَا: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا} 3 الآية. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: هَؤُلاءِ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ كَانَ أَصْلَحَ4 وَكَانَ (مَعْنَاهَا) 5 عِنْدَهُمْ إِبَاحَةَ مُجَالَسَتِهِمْ وَتَرْكَ الاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّهَا خَبَرٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْنَى: مَا عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنْ آثَامِهِمْ إِنَّمَا يَلْزَمُكُمْ إِنْذَارُهُمْ6.   1 الآية (69) من سورة الأنعام. 2 الآية (140) من سورة النساء. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان7/ 149 عن السدي وابن جريج، وأخرجه النحاس في ناسخه (137) بسند ضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وذكره مكي بن أبي طالب عنه بدون إسناد في الإيضاح (243). 4 قلت: ليس هذا اعترافاً منه إنما ذكره على طريق الإلزام بدليل قوله فيما بعد: "والصحيح أنها محكمة". 5 في (هـ): معناه بالتذكير. 6 قلت: أعرض المؤلف عن ذكر هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ، وأورد دعوى النسخ في تفسيره 3/ 63 ثم علق على ذلك بقوله: "والصحيح أنها محكمة. لأنها دلت على أن كل عبد يختص بحساب نفسه، ولا يلزمه حساب غيره" وهكذا فند الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب دعوى النسخ هنا وأثبت الإحكام لكونها خبر. انظر: المصادر الثلاثة السابقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} 1. للمفسرين فيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ اقْتَضَى الْمُسَامَحَةَ لَهُمْ وَالإِعْرَاضَ عَنْهُمْ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا مَذْهَبُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ. أَخْبَرَنَا بن نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قال: أبنا أبو علي ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي بَرَاءَةٍ، وَأَمَرَهُمْ بِقِتَالِهِمْ2. وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّهْدِيدِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 3، فَعَلَى هَذَا هُوَ مُحْكَمٌ، وَهَذَا مذهب مجاهد4 وهو الصحيح5.   1 الآية (70) من سورة الأنعام. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان7/ 150، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (137) عن قتادة. 3 الآية (11) من سورة المدثر. 4 أخرجه الطبري في المصدر السابق عن مجاهد. 5 قلت: عرض المؤلف قضية النسخ هنا، في زاد المسير6/ 62 بدون ترجيح. واختار في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) الإحكام، وهو اختيار النحاس في ناسخه ص: 137 - 138، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (254). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} 1 فيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَهْدِيدٌ، فَهُوَ مُحْكَمٌ، وَهَذَا أَصَحُّ3. ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} 4 فيه قولان: أحدهما: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَتَضَمَّنُ تَرْكَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ5. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى لَسْتُ رَقِيبًا عَلَيْكُمْ أُحْصِي أَعْمَالَكُمْ فَهِيَ على هذامحكمة6.   1 الآية (91) من سورة الأنعام. 2 ذكره ابن حزم في ناسخه ص: 337، وابن سلامة في ناسخه (46) وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (25) ولم يستندوا - كعادتهم- إلى دليل. 3 أورد هذه القضية المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) مثل ما أوردها هنا توجيهاً واختياراً، وذكر قول النسخ في زاد المسير 3/ 84 بدون تعليق. 4 الآية (104) من سورة الأنعام. 5 ذكره ابن حزم وابن هلال في المصدرين السابقين. 6 قلت: فسر بذلك الطبري في جامع البيان7/ 104، والمؤلف في زاد المسير3/ 100، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) وهو اختيار مكي بن أبي طالب في الإيضاح (242). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 1. رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: هَذَا (وَنَحْوَهُ) 2 مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنِ المشركين فإنه نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3. ذِكْرُ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} 4. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَظَائِرِهَا تَكُونُ محكمة5.   1 الآية (106) من سورة الأنعام. 2 في (هـ): ونحوهما، وهو تحريف. 3 الآية الخامسة من التوبة. قلت: سكت المؤلف عن الترجيح في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ، كما فعل هنا، وأعرض عن ذكرها النحاس. وأما مكي بن أبي طالب فيقول بعد عزو دعوى النسخ إلى ابن عباس بدون إسناد: "وأكثر الناس على أنها محكمة وأن المعنى لا ينبسط إلى المشركين، من قولهم: أوليته عرض وجهي، وهذا المعنى لا يجوز أن ينسخ. لأنه لو نسخ لصار المعنى: أبسط إليهم وخالطهم، وهذا لا يؤثر به ولا يجوز". انظر: الإيضاح ص: 247. 4 الآية (107) من سورة الأنعام. وفي النسختين: (وما أرسلناك) وهو خطأ من الناسخ. 5 يعني: ليست حفيظاً ورقيباً عليهم، إنما أنت مبلغ. انظر فيما سبق: الآية (104) من سورة الأنعام. ويقول الطبري في تفسير مؤيّداً إحكام الآية: "لست عليهم بقيم تقوم بأرزاقهم وأقواتهم ولا بحفظهم فيما يجعل إليك حفظه من أمرهم". انظر: جامع البيان7/ 27. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 ذِكْرُ الْآيَةِ الْعَاشِرَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} 1. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِهِ نُسِخَتْ بِتَنْبِيهِ الْخِطَابِ فِي آيَةِ السَّيْفِ. لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الأَمْرَ بِقَتْلِهِمْ، وَالْقَتْلُ أَشْنَعُ مِنَ السَّبِّ2 وَلا أَرَى هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةً، بَلْ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَعَرَّضَ بِمَا يُوجِبُ ذِكْرَ مَعْبُودِهِ بِسُوءٍ أَوْ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3. ذِكْرُ الآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 4 إِنْ قُلْنَا إِنَّ هَذَا تَهْدِيدٌ كَمَا سَبَقَ فِي الآيَةِ السَّادِسَةِ فَهُوَ مُحْكَمٌ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ أَمْرٌ بِتَرْكِ قِتَالِهِمْ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بآية السيف5.   1 الآية (108) من سورة الأنعام. 2 ذكره ابن حزم في ناسخه ص: 337؛ وهبة الله في ناسخه ص: 45 - 46. 3 قلت: دعوى النسخ هنا لم يتعرض له المؤلف في كتابيه التفسير والمختصر، كما لم يتعرض له النحاس والمكي لما فيه من ضعف لعدم الدليل، ولأن وجوب القتال لا يتنافى مع حكم هذه الآية والله أعلم. 4 الآية (112) من سورة الأنعام. 5 قلت: يظهر من تشبيه المؤلف للآية السادسة أن المشبه والمشبه به متفقان في الحكم وقد سبق في الآية السادسة ترجيح إحكام الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 1. قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، أَنَّهُمْ قَالُوا: نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 2 وَهَذَا (غَلَطٌ) 3؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ (أَرَادُوا) 4 النَّسْخَ حَقِيقَةً وَلَيْسَ هَذَا بِنَسْخٍ، وَإِنْ أَرَادُوا التَّخْصِيصَ (وَأَنَّهُ خُصَّ) 5 بِآيَةِ الْمَائِدَةِ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَيُحْمَلُ أَمْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا ذِكْرَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَنْ نِسْيَانٍ، وَالنِّسْيَانُ لا يَمْنَعُ الْحِلَّ، فَإِنْ تَرَكُوا لا عَنْ نِسْيَانٍ، لَمْ يَجُزِ الأَكْلُ فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ أَصْلا. وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عليه الْبَتَّةِ6 فَقَدْ خَصَّ عَامًّا، وَالْقَوْلُ بِالْعُمُومِ أَصَحُّ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ. لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا عِنْدَهُ الْمَيْتَةُ أو يكون نهي كراهة7.   1 الآية (121) من سورة الأنعام. 2 الآية الخامسة من المائدة. ذكر النسخ الطبري بإسناده في جامع البيان8/ 106 - 107 عن عكرمة والحسن من طريق الحسين بن واقد - وفيه مقال - وقد جاء فيه نسخ ثم استثنى. 3 في (هـ) بالظاء المعجمة وهو خطأ من الناسخ. 4 في (هـ): أراد بالإفراد وهو خطأ من الناسخ. 5 في (هـ): وإن خص، ولعل هاء الضمير سقط من الناسخ. 6 روى ذلك ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس كما ذكره السيوطي في الدر المنثور3/ 42. 7 قلت: للمؤلف كلام شبيه بهذا في كتابيه التفسير والمختصر، وممن اختار إحكام الآية الطبري في المصدر السابق والنحاس ص: 114، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (248). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} 1 للمفسرين فيها قولان: أحدهما: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تَرْكُ قِتَالِ الْكُفَّارِ، فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّهْدِيدُ فَعَلَى هَذَا هِيَ مُحْكَمَةٌ وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ3. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 4 فيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ اقْتَضَى تَرْكَ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ فَهُوَ مُحْكَمٌ5. ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6.   1 الآية (135) من سورة الأنعام. 2 ذكر دعوى النسخ هنا هبة الله في ناسخه ص: 46. 3 ذكر هذه المناقشة بنصّها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وأثبت فيه إحكام الآية في ورقة (7). 4 الآية (137) من سورة الأنعام. 5 سبق مثل هذه الآية وترجيح الإحكام فيها. انظر: مناقشة الآية السادسة من السورة، وقد رجّح النحاس الإحكام في أشباه هذه الآية في الناسخ والمنسوخ ص: 137 - 138. 6 الآية (141) من سورة الأنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الحق على قولين: أحدهما: أَنَّهُ الزَّكَاةُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الباقي البزاز1. قال: بنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدٌ الْمُظَفَّرُ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: بنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قال: بنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قال: بنا (يَزِيدُ بْنُ دِرْهَمٍ) 2 قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: "الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ"3. قَالَ أَبُو حفص: وبنا معلي بن أسد قال بنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: بنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: "الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ"4. قَالَ أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ طاؤس عَنْ أَبِيهِ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قال: "الزكاة"5.   1 أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الباقي بن محمد من مشايخ المؤلف ولد سنة 448هـ، عرف بقاضي مارستان، كان فقيهاً حنبلياً محدثاً ثقة متقناً في علوم كثيرة سمع منه ابن الجوزي، توفي سنة 535هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي ص: 61 - 65؛ والأعلام 7/ 54؛ والمقدمة ص: 39. 2 في (هـ): بريدان درهم، وهو تحريف عما أثبت. 3 ذكره النحاس بإسنادهما من طريق يزيد بن درهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كما ذكره مكي بن أبي طالب عنه. انظر: جامع البيان8/ 29؛ والناسخ والمنسوخ ص: 128؛ والإيضاح ص: 245. 4 أخرجه الطبري والنحاس عن ابن عباس في المصدرين السابقين. 5 أخرجه الطبري في جامع البيان 8/ 40 عن طاؤس. وفي الطبعة الأولى من جامع البيان في هذه الرواية (عن ابن عباس عن أبيه) وهو خطأ والصواب عن ابن طاؤس عن أبيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 قال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا أبو هلال، عن حيان الأَعْرَجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: "الزَّكَاةُ"1. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وبنا محمد بن جعفر، قال: بنا (شُعْبَةُ) 2 عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: "الزَّكَاةُ"3. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ4، وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي آخَرِينَ5. فَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ هَؤُلاءِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقُّ غَيْرِ الزَّكَاةِ أُمِرَ بِهِ يَوْمَ الْحَصَادِ، وَهُوَ إِطْعَامُ مَنْ حَضَرَ وَتَرْكُ مَا سَقَطَ مِنَ الزَّرْعِ، وَالتَّمْرِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَبْنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا الظَّفَرُ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو حَفْصٍ، قَالَ: أَبْنَا يحيى بن سعيد، قال:   1 أخرجه الطبري في جامع البيان 8/ 40 عن جابر بن زيد، وذكره عنه النحاس في ناسخه ص: 138، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 245. 2 في (م): غير منقوطة. 3 أخرجه الطبري والنحاس، وذكره مكي بن أبي طالب عن الحسن في المصادر الثلاثة السابقة. 4 ابن الحنفية، وهو: محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو القاسم بن الحنفية المدني، ثقة عالم، من الثانية، مات بعد الثمانين. انظر: التقريب ص: 312. 5 أخرجه الطبري في جامع البيان8/ 29 - 41، عنهم ما عدا عطاء كما ذكره النحاس في ناسخه ص: 138 - 139، عنهم والسدي، وذكره أيضاً مكي بن أبي طالب عنهم في الإيضاح ص: 244 - 245، ثم قال: وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 بنا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: "الْقَبْضَةُ مِنَ الطَّعَامِ"1. وَقَالَ: يحيى بن سعيدعن سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَآتُوا حَقَّهُ} قَالَ: "شَيْءٌ سِوَى الزَّكَاةِ فِي الحصاد (والجذاذ) 2 إذا حصدوا، و (إذا جذوا) "3. وقال أبو حفص: وبنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "إِذَا حَصَدُوا أَلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَذُّوا النَّخْلَ أَلْقَى لَهُمْ مِنَ (الشَّمَارِيخِ) 4 فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ"5. قار أبو حفص: وبنا معمر بن سليمان، قال: بنا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {وَآتُوا حَقَّهُ} قَالَ: "كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى] الزكا ة ["6. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:   1 أخرجه الطبري في جامع البيان8/ 39 عن عطاء. 2 في النسختين غير منقوطة. 3 في (م): جدر، وفي (هـ): وجدوا، كلاهما خطأ والصواب: جذوا، بالذال. يقال: جذذت الشيء جذاً، إذا قطعته، فاتجذ؛ أي: انقطع من باب قتل. انظر: المصباح المنير1/ 102. 4 الشماريخ: جمع شمراخ. ما يكون فيه الرطب. انظر: المصباح المنير1/ 345. 5 أخرج الطبري عن مجاهد في جامع البيان8/ 41 - 42. 6 هذه الكلمة ساقطة من النسختين، أضفتها حسبما جاء في الرواية السابقة عن مجاهد آنفاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 حدثنا أبي، قال: بنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَبْنَا مُغِيرَةُ عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: "كَانُوا يُعْطُونَ حَتَّى نَسَخَتْهَا، الصَّدَقَةُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ"1. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، قَالَ: "كَانُوا إِذَا حَصَدُوا، (وَإِذَا دبس وَإِذَا غَرْبَلَ أَعْطُوا) مِنْهُ شَيْئًا، فَنَسَخَ ذَلِكَ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ2، قال: أبو بكر: وبنا محمد بن (بشار) 3 قال: بنا يَزِيدُ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: "لَيْسَ بِالزَّكَاةِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا كَيَّلَ قَبَضَ مِنْهُ قَبَضَاتٍ مِنْ شَهِدَ رَضَخَ لَهُ مِنْهُ"4. وَاخْتَلَفَ العلماء: هل نسخ ذلك أَمْ لا؟ (إِنْ قُلْنَا أَنَّهُ أَمْرُ وُجُوبٍ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فهو باقي الحكم5.   1 أخرجه الطبري من طريق مُغِيرَةُ عَنْ شِبَاكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ في جامع البيان8/ 43. 2 ذكره المؤلّف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (7) عن عطية كما ذكره السيوطي في الدر المنثور8/ 43 معزياً إلى ابن أبي حاتم عن عطية العوفي. 3 في النسختين غير واضحة. والصواب ما أثبت عن كتب التراجم، وهو: محمد بن بشار بن عثمان العبدي، ثقة، من العاشرة مات سنة: 252هـ. التقريب (291). 4 وقد أخرج الطبري هذا القول8/ 41 عن عطاء من طريق عبد الملك. 5 قلت: نهج المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وفي تفسيره نفس المنهج حيث سكت عن ترجيح رأي دون آخر، ولكن الطبري والنحاس رجحا نسخ الآية. وأما مكي بن أبي طالب فذهب إلى الإحكام حيث يقول: في نهاية مناقشة هذه القضية: "إنها محكمة نزلت في فرض الزكاة مجملة، وبينها النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويعارض كونها في الزكاة قول أكثر الناس، أن الزكاة فرضت بالمدينة والأنعام مكية، فيصير فرض الزكاة نزل بمكة، والله أعلم بذلك". انظر: جامع البيان 8/ 44؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 138؛ والإيضاح ص: 245 - 247. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} 1 الآيَةَ. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هذه الآية على قولين: أحدهما: أَنَّ الْمَعْنَى: لا أَجِدُ مُحَرَّمًا مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَحِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلا هذا، قاله طاؤس وَمُجَاهِدٌ2. وَالثَّانِي: أَنَّهَا حَصَرَتِ الْمُحَرَّمَ، فَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانَاتِ مُحَرَّمٌ إِلا مَا ذُكِرَ فِيهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ. فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لا يَرَى بِلُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ بَأْسًا، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الآية ويقول: ليس شيء (حَرَامًا) 3 إِلا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ4. وَهَذَا مَذْهَبُ عَائِشَةَ، والشعبي.   1 الآية (145) من سورة الأنعام. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان8/ 52، عن طاوس. 3 في النسختين حرام بالرفع، وهو خطأ ولعله من النساخ. 4 روى البخاري من طريق عمرو بن دينار، قال: قلت لجابر بن زيد، يزعمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية، فقال: قد كان يقول ذاك، الحكم بن عمرو الغفاري عندنا ولكن أبى ذاك البحر ابن عباس، وقرأ: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} انظر: صحيح البخاري مع الفتح12/ 76. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا نُسِخَتْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَائِدَةِ مِنَ الْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ1 وَقَدْ رَدَّ قَوْمٌ هَذَا الْقَوْلَ، بِأَنْ قَالُوا: كُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْمَيْتَةِ، وَقَدْ ذكرت الميتة ها هنا فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَزَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ، وَبِالسُّنَّةِ مِنْ تَحْرِيمِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ2 وَمَخْلَبٍ3 مِنَ الطَّيْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، أَمَّا آيَةُ الْمَائِدَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا، لِأَنَّ مَرْتَبَةَ الْقُرْآنِ لا يُقَاوِمُهَا أَخْبَارُ الأَحَادِ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ السُّنَّةَ خَصَّتْ ذَلِكَ الإِطْلاقَ أَوِ ابْتَدَأَتْ حُكْمًا، كَانَ أَصْلَحَ. وَإِنَّمَا الصَّوَابُ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ تَكُنِ الْفَرَائِضُ قَدْ تَكَامَلَتْ وَلا الْمُحَرَّمَاتُ الْيَوْمَ قَدْ تَتَامَّتْ، وَلِهَذَا قَالَ: {فِي مَا أُوحِيَ} عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي وَقَدْ كَانَ حينئذ من قال: لا إله إلِا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وقعت   1 كما جاء ذلك في الآية الثالثة من سورة المائدة. 2 روى هذا الحديث البخاري في صحيحه12/ 78 عن أبي ثعلبة. 3 المخلب بكسر الميم، وهو: للطائر والسبع كالظفر للإنسان، لأن الطائر يخلب بمخلبه الجلد أي يقطعه ويمزقه. انظر: المصباح المنير 1/ 100 وقد جاء النهي عن مخلب الطير في حديث مسلم من طريق ميمون بن مهران عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي12/ 83. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 الْمُطَالَبَةُ بِهَا، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الآيَةُ إِنَّمَا أَخْبَرَتْ بِمَا كَانَ فِي الشَّرْعِ مِنَ التَّحْرِيمِ يَوْمَئِذٍ، فَلا نَاسِخَ إِذَنْ وَلا مَنْسُوخَ. ثُمَّ كَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُهَا وَهِيَ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ1. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي مَا أُوحِيَ} 2. للمفسرين فيها قولان: أحدهما: أَنَّهَا اقْتَضَتِ الأَمْرَ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ3. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّهْدِيدُ، فهي محكمة وهو الصحيح4.   1 قلت: اختار المؤلف في مختصر عمدة الراسخ إحكام الآية وهو اختيار أبي جعفر النحاس ومكي بن أبي طالب، ويقول المؤلف في تفسيره 3/ 140 بعد ذكر دعوى الإحكام: ولأرباب هذا القول في سبب إحكامها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ. والثاني: أنها جاءت جواباً عن سؤال سألوه، فكان الجواب بقدر السؤال، ثم حرم بعد ذلك ما حرم. والثالث: أنه ليس في الحيوان محرم إلا ما ذكر فيها. انظر: مختصر عمدة الراسخ ورقة (7)؛ والناسخ (142)؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 249 - 250. 2 الآية (158) من سورة الأنعام. 3 ذكر النسخ هنا، هبة الله في ناسخه ص: 46. 4 قلت: ذكر دعوى النسخ المؤلف في تفسيره ولم يرجح، وذكره في مختصر عمدة الراسخ ثم أحال إلى أمثال هذه الآية السابقة التي رجح المؤلف إحكامها. أما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلاً. انظر زاد المسير 3/ 158؛ ومختصر عمدة الراسخ (7). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} 1. لِلْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَاهُ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أحدها: لَسْتَ مِنْ قِتَالِهِمْ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ2. وَالثَّانِي: لَيْسَ إِلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وَالثَّالِثُ: أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مِنْكَ بَرَاءٌ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الْجَزَاءِ فَعَلَى هذين القولين الآية محكمة3.   1 الآية (159) من سورة الأنعام. 2 أخرجه النحاس بسند ضعيف في الناسخ والمنسوخ ص: 146. 3 قلت: أورد المؤلف في تفسيره3/ 158، ومختصر عمدة الراسخ الورقة (7) القول الأول والثالث، ثم قال: "فعلى هذا تكون محكمة"، وأما الطبري فيروي القول الثالث في تفسيره8/ 78 عن أبي الأحوص، وعن مالك بن مغول بالإسناد ثم رجح إحكام الآية واستبعد النسخ لعدم ثبوته بسند صحيح ولإمكان الجمع بين الآيتين. وأما النحاس فيقول في ناسخه ص: 144، إن هذه الآية عن الناسخ والمنسوخ بمعزل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 1. قال ابن زيد: نسخها الأَمْرُ بِالْقِتَالِ2 وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَهَذَا لا يُنْسَخُ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} 4. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِكَيْدِهِ: مُجَازَاةُ أَهْلِ الْكَيْدِ، وَالْمَكْرِ، وَهَذِهِ خَبَرٌ، فَهِيَ مُحْكَمَةٌ5. وَقَدْ ذَهَبَ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ مِنْ مُنْتَحِلِي التَّفْسِيرِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الآيَةِ الأَمْرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمتاركتهم. قَالَ: وَنُسِخَ مَعْنَاهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا قَوْلٌ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ6.   1 الآية (180) من سورة الأعراف . 2 ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 353 عن ابن زيد. 3 ذكر المؤلّف في مختصر عمدة الراسخ نفس ما ذكره هنا. وعزا قول الإحكام في تفسيره2/ 293 - 294 إلى الجمهور. 4 الآية (183) من سورة الأعراف. 5 ذكره المؤلّف في زاد المسير1/ 36 عن محمّد بن قاسم الأنباري والمفسرين. 6 قلت: أعرض المؤلّف في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية كما أعرض عنه معظم كتب النسخ المتقدمة إلا أن هبة الله قد عدّها من المنسوخة في ناسخه ص: 47. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 1. الْعَفْوُ (الْمَيْسُورُ) 2 وَفِي الَّذِي أُمِرَ بأخذ العفو ثلاثة أقوال: أحدها: أخلاق الناس، قاله ابن عمر، وَابْنُ الزُّبَيْرِ3 وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: اقْبَلِ الْمَيْسُورَ مِنْ أَخْلاقِ النَّاسِ وَلا تَسْتَقْصِ عَلَيْهِمْ فَتَظْهَرُ مِنْهُمُ الْبَغْضَاءُ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مُحْكَمٌ4. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ الْمَالُ، ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ: أحدهما: أَنَّ الْمُرَادَ (بِعَفْوِ الْمَالِ) 5: الزَّكَاةُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ6. وَالثَّانِي: أَنَّهَا صَدَقَةٌ كَانَتْ تُؤْخَذُ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا7، قَالَ الْقَاسِمُ وسالم8:   1 الآية (199) من سورة الأعراف. 2 في النسختين المنسوب. ولعله تصحيف عما أثبت عن زاد المسير3/ 307. 3 أخرجه الطبري في صحيحه في كتاب التفسير وابن جرير في تفسيره، والنحاس في ناسخه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح9/ 375. أما عبد الله بن الزبير، فهو: صحابي جليل، القرشي الأسدي أبو بكر وأبو خبيب بالمعجمة مصغراً كان أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين وولى الخلافة تسع سنين قتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين. انظر: التقريب (173). 4 وهو اختيار النحاس في ناسخه ص: 147، ومكي بن أبي طالب ني الإيضاح ص: 253. 5 في (هـ): بالعفو المال، و (أل) زيادة من الناسخ. 6 ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق عن الضحاك، في (هـ): والضحاك. 7 ذكره النحاس ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين. 8 أمّا القاسم فقد سبق ترجمته في ص (338). وأمّا سالم؛ فهو: ابن عبد الله بن عمر ابن الخطاب القرشي أحد فقهاء السبعة كان ثبتاً عابداً فاضلاً من كبار الثالثة مات آخر سنة ست التقريب (115). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 الْعَفْوُ شَيْءٌ (فِي) 1 الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ، وَهُوَ فَضْلُ الْمَالِ مَا كان عن ظهر غنى2. والثالث: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ (مُسَاهَلَةُ) 3 الْمُشْرِكِينَ وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ4. وَقَوْلُهُ: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 5 فيهم قولان: أحدهما: أَنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ أُمِرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ6. وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ فِيمَنْ جَهِلَ، أُمِرَ بِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ (مُقَابَلَتِهِمْ عَلَى) 7 سَفَهِهِمْ، وَأَنَّ وَاجِبَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الآيَةُ محكمة وهو الصحيح8.   1 في (هـ): (من) بدل (في). 2 ذكره النحاس في ناسخه ص: 147، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (253) عن قاسم وسالم، وذكره المؤلف في زاد المسير 1/ 36، عن ابن عباس من طريق مقسم. 3 في (هـ): متاهلة، وهو تصحيف. 4 ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق عن ابن زيد أورد المؤلف هذه الآراء في تفسيره3/ 308، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) بدون ترجيح. 5 عجز الآية نفسها. 6 ذكره مكي بن أبي طالب أيضاً في المصدر السابق. 7 في (هـ): ماتلهم عن، وهو تحريف ظاهر. 8 يقول المؤلف في زاد المسير: "هذه الآية عند الأكثرين كلّها محكمة، وعند بعضهم أن وسطها محكم، وطرفيها منسوخان على ما بينا) ونص مكي بن أبي طالب على إحكامها بقوله: "أن معناها: أعرض عن مجالستهم، وهذا لا ينسخ إلا بالأمر بالمجالسة، وهذا لا يجوز". انظر: المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَنْفَالِ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} 1. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ نَاسِخَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَنْسُوخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَنَائِمَ كَانَتْ حَرَامًا فِي شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ وَجَعَلَ الأَمْرَ فِي الْغَنَائِمِ إِلَى مَا يَرَاهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: أبنا وكيع، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، قَالا: "كَانَتِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ فَنَسَخَهَا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} " هَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ3. وَقَالَ آخَرُونَ المراد بالأنفال شيئان:   1 الآية الأولى من سورة الأنفال . 2 الآية (41) من سورة الأنفال. 3 ذكر النحاس في ناسخه عن ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة وعن مجاهد وعكرمة والضحاك والسدي، كما ذكره أبو محمد مكي بن أبي طالب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي رواية عنهما، وعن عكرمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 أحدهما: مَا يَجْعَلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَائِفَةٍ مِنْ شُجْعَانِ الْعَسْكَرِ وَمُقَدِّمِيهِ، يَسْتَخْرِجُ بِهِ نُصْحَهُمْ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. وَالثَّانِي: مَا يَفَضُلُ مِنَ الْغَنَائِمِ بَعْدَ قِسْمَتِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَغَنِمْنَا إِبِلا، فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا بَعِيرًا بَعِيرًا"1. فَعَلَى هَذَا هِيَ مُحْكَمَةٌ2؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمُ باقٍ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا, وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فَإِنَّ عَامَّةَ، مَا تَضَمَّنَتْ أَنَّ الأَنْفَالَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِيهَا وَقَدْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ الْخُمُسِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الأَمْرَ بِنَفْلِ الْجَيْشِ مَا أَرَادَ، فَهَذَا حُكْمٌ باقٍ، فَلا يُتَوَجَّهُ النَّسْخُ بِحَالٍ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْ آيَةٍ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ إِلا أَنْ يُرْفَعَ حُكْمُهَا وَحُكْمُ هَذِهِ مَا رُفِعَ فَكَيْفَ يُدَّعَى النَّسْخُ؟ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ أبو جعفر ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ3. ذِكْرُ الآيَةِ الثانية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} 4.   1 رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ولفظ البخاري: عن مالك عن نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة فكانت سهامهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً". انظر: صحيح البخاري مع الفتح7/ 47 في كتاب فرض الخمس. 2 ذكر المؤلف العبارة نفسها في زاد المسير9/ 319 وسكت عن دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ لضعفها. 3 انظر: نص ما قاله الطبري في جامع البيان9/ 118 - 119. 4 الآية (15 - 16) من سورة الأنفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ، مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَالْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ إِلَى أَنَّهَا فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شُعْبَةُ عَنْ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قَالَ: "نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ"1. قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا حَبِيبُ [بْنُ] 2 الشَّهِيدِ عَنِ الْحَسَنِ، {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} قَالَ: "نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ"3. قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ4: إِنَّمَا شَدَّدَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ أحمد: وبنا حسين، قال: بنا5 حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قال: "يوم بدر"6.   1 أخرجه أبو داود في سننه 7/ 303، والطبري في تفسيره 9/ 134، والنحاس في ناسخه ص: 152، والحاكم في المستدرك 2/ 327 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. 2 في (م): ساقطة كلمة (ابن). وهو: حبيب بن الشهيد الأزدي أبو محمد البصري، ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة 145هـ. وهو ابن ست وستين. انظر: التقريب (63). 3 ذكره النحاس في المصدر السابق بإسناده عن الحسن، كما ذكره عنه مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 256. 4 كلمة (قال) مكررة في (هـ). 5 في (هـ): (الحمد) زيادة. 6 ذكره السيوطي في الدر المنثور3/ 173 وعزاه إلى ابن المنذر وأبي الشيخ عن عكرمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 قُلْتُ: لَفْظُ الآيَةِ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَامَّةٌ، ثُمَّ لِهَؤُلاءِ فِيهِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 1 فَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفِرُّوا عَنْ مِثْلَيْهِمْ2. قَالَ آخَرُونَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفِرَارِ3. فَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَعْلَى] مِنْ [4 عَدِدِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَهَبْ إِلَى نَحْوِ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ5. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} 6.   1 الآية (66) من سورة الأنفال. 2 دعوى النسخ هنا مروية عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، في جامع البيان9/ 135، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 153، وذكره مكي بن أبي طالب أيضاً عنه في الإيضاح ص: 256. 3 روى الطبري والنحاس في المصدرين السابقين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ}. 4 غير موجودة في النسختين، أضفتها كي يستقيم المعنى. 5 تجد نص كلام الطبري في جامع البيان9/ 135، وذهب إلى ما ذهب إليه الطبري من إحكام الآية النحاس، ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين، وقالا: إنها خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد. 6 الآية (33) من سورة الأنفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ. عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا {وَمَا لَهُمْ إلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} 1. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ2. وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ النَّسْخَ لا يَدْخُلُ عَلَى الأَخْبَارِ، وَهَذِهِ الآيَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ مَنَعَ نُزُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَكَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَغْفِرُونَ بَيْنَهُمْ مَنَعَ أَيْضًا وَالآيَةُ الَّتِي (تَلِيهَا) 3 بَيَّنَتِ اسْتِحْقَاقَهُمُ الْعَذَابَ لِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، غَيْرَ أَنَّ كَوْنَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بَيْنَهُمْ مَنَعَ مِنْ تَعْجِيلِ ذَلِكَ، أَوْ عُمُومِهِ، فَالْعَجَبُ مِنْ مُدَعِّي النَّسْخِ4. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} 5.   1 الآية (34) من سورة الأنفال. 2 أخرج الطبري قول النسخ عن الحسن وعكرمة في جامع البيان9/ 156، وذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 257 عن الحسن، إلا أن الطبري رد على ذلك وأثبت الإحكام. 3 في (هـ): أن يكون، ولعلها تحريف من الناسخ. 4 قلت: أنكر المؤلف في زاد المسير 3/ 350، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) وقوع النسخ في هذه الآية. ويقول النحاس في هذه الآية: "والنسخ هنا محال، لأنه خبر، خبر الله به ولا نعلم أحداً روى عنه إلا الحسن وسائر العلماء على أنها محكمة" وبه قال مكي بن أبي طالب. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 153؛ والإيضاح ص: 258. 5 الآية (61) من سورة الأنفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذَهِ الآية على قولين: أحدهما: أَنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ فِي آخَرِينَ2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فَنَسَخَتْهَا {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآيَةَ3. وَأَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ (أَبْنَا) 4 أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ ابن محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} 5 نسختها   1 الآية (29) من سورة التوبة. 2 ذكر النسخ النحاس هنا عن ابن عباس بآية: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} وذكره هو والطبري والمكي بآية السيف عن قتادة. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 155؛ وجامع البيان10/ 24؛ والإيضاح ص: 259. 3 ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 199، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر، وابن أبي حاتم. 4 في (هـ): أخبرنا. 5 الآية (61) من سورة الأنفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1 قال أحمد بن محمد: وبنا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "بَنُو قُرَيْظَةَ". أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهاب، قال: بنا أبو ظاهر قال: بنا شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ قال: أبنا إبراهيم تال: بنا آدم قال: بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} يَعْنِي: قُرَيْظَةَ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَرْكِ حَرْبِ أَهْلِ الْكِتَابِ3 إِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَقَامُوا بِشَرْطِ الذِّمَّةِ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ، وَإِنْ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي مُوَادَعَتِهِمْ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ تَوَجَّهَ النَّسْخُ لَهَا بِآيَةِ الْجِزْيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية4.   1 الآية (29) من سورة التوبة. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. 3 أورد ابن كثير هذا القول عن مجاهد ثم قال: "وهذا فيه نظر، لأن السياق كله في وقعة بدر وذكرها مكتنف لهذا كله". انظر: تفسير القرآن العظيم 2/ 320. 4 الآية (29) من سورة التوبة. قلت: أورد المؤلف الرأيين في مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) وفي تفسيره 3/ 376 بالاختصار دون ترجيح. أما الإمام ابن جرير فأورد قول النسخ ثم نفى وقوعه هنا وقال: "لأن المقصود بنو قريظة وهم كانوا يهوداً وقد أذن الله للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم، وأما قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فإنما عني به المشركون العرب الذين لا يجوز قبول الجزية منهم فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى بل كلّ واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه". انتهى كلام ابن جرير من جامع البيان10/ 23. وأمّا ابن كثير، فيقول بعد عزو دعوى النسخ إلى قائليه: "وفيه نظر لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك. فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلميوم الحديبية فلا منافاة ولا نسخ". انتهى من تفسير القرآن العظيم2/ 322 - 323. وهكذا رد دعوى النسخ ابن العربي لعدم وجود الشروط لوقوعه في إحكام القرآن21/ 876، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 59 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 1. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَفْظُ هَذَا الْكَلامِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الأَمْرُ، وَالْمَرَادُ: يقاتلون مِائَتَيْنِ، وَكَانَ هَذَا فَرْضًا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} 2، فَفَرَضَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَثْبُتَ لِرَجُلَيْنِ (فَإِنْ زَادَ) 3 جَازَ لَهُ الْفِرَارُ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بن بندار، قال: أنبأنا أَبِي، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ، قال: بنا حَيَّانُ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قال: سمعت الزبير ابن الخِرِّيت4 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قوله عزوجل:   1 الآية (65) من سورة الأنفال. 2 الآية (66) من سورة الأنفال. 3 في (هـ): فإن زادوا بصيغة الجمع. 4 هو: الزبير بن الخِرِّيت المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم فوقية، البصري، ثقة من الخامسة. انظر: التقريب (106). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ: فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَفِرَّ رَجُلٌ مِنْ عَشَرَةٍ وَلا قَوْمٌ مِنْ عَشَرَةٍ أَمْثَالَهُمْ، قَالَ: فَجَهَدَ النَّاسَ ذَلِكَ وَشُقَّ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتِ الآيَةُ الأُخْرَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ} الآيَةَ1 "فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَفِرَّ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلا قَوْمٌ مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَنَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنَ الْعَدَدِ"2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قال: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 3 فَنَسَخَتْهَا {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} 4. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} نُسِخَ فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} 5.   1 الآية (66) من سورة الأنفال. 2 أخرج نحوه البخاري وابن جرير الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق جرير بن أبي حازم. انظر: صحيح البخاري بالفتح 9/ 382 من كتاب التفسير، وجامع البيان10/ 29. 3 الآية (65) من سورة الأنفال. 4 الآية (66) من الأنفال. وهذا القول أخرجه الطبري في أثر طويل عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في جامع البيان10/ 97. 5 أخرجه الطبري عن عكرمة والحسن في المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ غَيْلانَ1 قَالَ: أَبْنَا أَبُو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحق بن الحسن، قال: بنا أبو حذيفة قال: بنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} قَالَ: "كَانَ لا يَنْبَغِي لِوَاحِدٍ أَنْ يَفِرَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ". أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم ابن الحسين قال: بنا آدم قال: بنا وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ قَدْ جُعِلَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِتَالُ عَشَرَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ (فَضَجُّوا) 2 مِنْ ذَلِكَ فَجُعِلَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ قِتَالُ رَجُلَيْنِ فَنَزَلَ التَّخْفِيفُ من اللهعزوجل فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} 3. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا تَخْفِيفٌ لا نَسْخٌ. لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْخِ رَفْعُ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَلَمْ يُرْفَعْ حُكْمُ الأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ لا يُقَاتِلُ الرَّجُلُ عَشَرَةً بَلْ إِنْ قَدِرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الاخْتِيَارُ لَهُ. وَنَظِيرُ هَذَا إِفْطَارُ الصَّائِمِ فِي السَّفَرِ، لا يُقَالُ إِنَّهُ نَسَخَ الصَّوْمَ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْفِيفٌ وَرُخْصَةٌ (وَالصِّيَامُ) 4 له أفضل5.   1 في (هـ): ابن (بي) وهي زيادة من الناسخ. 2 في (هـ): صبحوا، وهو تصحيف. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان10/ 28 عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. 4 في (م): والسيام، بالسين، وهو تحريف. 5 تجد كلام النحاس المذكور في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: 156. قلت: قد نص المؤلف في تفسيره3/ 378، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) بنسخ هذه الآية. يقول الإمام الشافعي رحمه الله بعد ذكر دعوى النسخ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: "هذا كما قال ابن عباس - إن شاء الله - مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله أن لا يفسر العشرون من المائتين فكان هكذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى أن لا يفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين" انتهى من رسالة الشافعي فقرة: 372 - 374. ومن أحكام القرآن له 2/ 40. قلت: وقد تبع النحاس في إنكار وقوع النسخ هنا، ابن حزم الظاهري حيث قال: "وهذا خطأ، لأنه ليس إجماعاً، ولا فيه بيان نسخ ولا نسخ عندنا في هذه الآيات أصلاً، وإنما هي في فرض البراز إلى المشركين. وأما بعد اللقاء فلا يحل لواحد منا أن يولي دبره جميع من على وجه الأرض من المشركين إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة" انتهى من كتابه الإحكام في أصول الأحكام 4/ 462. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} 1. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي آخَرِينَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 2 وَلَيْسَ لِلنَّسْخِ وَجْهٌ لِأَنَّ غُزَاةَ بَدْرٍ كَانَتْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ قِلَّةٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ نَزَلَتِ الآيَةُ الأُخْرَى، وَيُبَيِّنُ هَذَا قَوْلَهُ: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}.   1 الآية (67) من سورة الأنفال. 2 الآية الرابعة من سورة محمد. روى هذا القول النحاس بإسناده عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وذكره مكي بن أبي طالب بدون إسناد، عنه. انظر: الناسخ والمنسوخ ص:156؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (265). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: (لَيْسَ ها هنا نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ قَالَ عزوجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} فَلَمَّا أَثْخَنَ فِي الأَرْضِ كَانَ لَهُ أَسْرَى1. ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 2 قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لا يُهَاجِرُ (لا يَرِثُ) 3 قَرِيبَهُ الْمُهَاجِرَ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 4. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قال: بنا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كان المؤمنون على   1 انظر: نص كلام النحاس في المصدر السابق، ويقول مكي بن أبي طالب: "والذي يوجبه النظر وعليه جماعة من العلماء أن الآية غير منسوخة، لأنه خبر والخبر لا ينسخ". وأمّا المؤلّف فقد رد دعوى النسخ في تفسيره بمثل ما رد به هنا، ولم يتعرض له في مختصر عمدة الراسخ أصلاً. انظر: زاد المسير 3/ 381. 2 الآية (72) من سورة الأنفال. 3 في (هـ): لم يرث. 4 جزء من آية (72) من سورة الأنفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلاثَةِ مَنَازِلَ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَاجِرُ (الْمُرَافِقُ) 1 لِقَوْمِهِ فِي الْهِجْرَةِ خَرَجَ إِلَى قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فِي دِيَارِهِمْ وَعَقَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ] وَفِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا وَأَعْلَنُوا مَا أَعْلَنَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ وَشَهَرُوا السُّيوفَ عَلَى مَنْ كَذَبَ وَجَحَدَ [2 فَهَذَانَ مُؤْمِنَانِ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِنُ الْمُهَاجِرُ بِالْوَلايَةِ فِي الدَّيْنِ، وَكَانَ الَّذِي آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لا يَرِثُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ، ثُمَّ الحِقَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ بِرَحْمِهِ"3. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن قهزاذ4 قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ   1 في رواية ابن أبي حاتم (المباين) مكان (المرافق). 2 ما بين الخطين المزدوجين لا يوجد في النسختين، ولعله سقط من المؤلف - رحمه الله - سهوأً، بدليل أن المؤلف - ولو روى هذا الأثر بمعناه بالإيجاز - يذكر بعد هذا ضمير التثنية، فلو لم يذكر المنزل الثاني للمؤمن، لا نجد ما يعود الضمير إليه، لذا أكملت الأثر من رواية الطبري في جامع البيان10/ 37، ومن الدر المنثور3/ 205. 3 أخرج نحوه مطولاً الطبري في جامع البيان10/ 37، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق محمد بن سعد العوفي، وهو إسناد ضعيف كما كررنا. وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 3/ 205 معزياً إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 4 في (م): مهراد، وهو تحريف، والصواب قهزاذ. وهو: محمد بن عبد الله بن قهزاذ كما تقدم ص: (373). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} قَالَ: "وَكَانَ الأَعْرَابِيُّ لا يَرِثُ الْمُهَاجِرَ، وَلا يَرِثُهُ الْمُهَاجِرُ، فَنَسَخَهَا، فقال: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآيَةِ1. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ الله، قال: أبناابن بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله ابن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قال بنا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قال: بنا عمر بن فروخ، قال: بنا حَبِيبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} قَالَ: "لَبِثَ النَّاسُ بُرْهَةً، وَالأَعْرَابِيُّ لا يَرِثُ الْمُهَاجِرَ، وَالْمُهَاجِرُ لا يَرِثُ الأَعْرَابِيَّ حَتَّى فُتِحَتْ مَكَّةُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي الدِّينِ فَأَنْزَلَ الله {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} "2. وَقَالَ الْحَسَنُ: "كَانَ الأَعْرَابِيُّ لا يَرِثُ الْمُهَاجِرَ وَلا يَرِثُهُ الْمُهَاجِرُ، فنسخها {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} "3.   1 الآية (75) من الأنفال، و (6) من الأحزاب. والأثر، رواه ابن جرير بإسناده عن عكرمة، وفي إسناده كإسناد المؤلف علي بن الحسين، قال المنذري، عنه: وقد ضعف، وقال الحافظ في التقريب ص: 245، صدوق له أوهام. انظر: جامع البيان10/ 38. 2 ذكره النحاس بالاختصار وعزاه إلى العلماء كما روي دعوى النسخ عن عكرمة، وذكر هذا الأثر مكي بن أبي طالب عن عكرمة أيضاً وابن أبي حاتم في إسناده عنه، في تفسيره. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 157 - 158؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 264؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط عند ذكر هذه الآية من سورة الأنفال وهي تقع في المجلد الخامس، ج (4) تقسيم (1). 3 أخرجه الطبري بإسناده عن الحسن في المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (وَلايَةُ) 1 النُّصْرَةِ وَالْمَوَدَّةِ. قَالُوا ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنِ اسْتَنْصَرَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا فَانْصُرُوهُمْ إِلا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، فَلا تَغْدُرُوا بِأَهْلِ الْعَهْدِ3. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى أَحْيَاءٍ مِنْ كُفَّارِ الْعَرَبِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَادَعَةٌ، فَكَانَ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِمْ عَاوَنُوهُ، وَإِنِ احْتَاجُوا عَاوَنَهُمْ فَنُسِخَ ذلك بآية السيف4.   1 في النسختين: (ولاة) وهو تحريف عما أثبت. 2 الآية (71) من سورة التوبة. 3 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان10/ 38 عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وبه فسر المؤلف الآية في زاد المسير3/ 385، وذكره ابن كثير أيضاً عن ابن عباس في تفسيره عند ذكر هذه الآية. 4 ذكر هذا القول هبة الله بن سلامة، في الجزء الأخير من هذه الآية. انظر: الناسخ والمنسوخ له ص 50. قلت: عرض المؤلف دعوى النسخ في موضعين من الآية، ففي الجزء الأول نراه يسرد آراء العلماء ولا يبدي رأيه كما فعل ذلك في مختصر عمدة الراسخ وفي تفسيره. وأما في الجزء الأخير فلم يتعرض لدعوى النسخ في كتابيه أصلاً بل فسر الآية بما يؤيد إحكامها. وأما ابن جرير، رحمه الله، فيسوق الآثار الصحيحة عن ابن عباس وقتادة على نسخ الآية، ثم يناقشها وأثبت إحكام جميع الآية فيقول: "لا ناسخ في هذه الآيات لشيء، ولا منسوخ". وكذلك استبعد الإمام فخر الرازي جميع التفاسير المؤيدة للنسخ ورجح إحكامها. انظر: زاد المسير 3/ 385؛ وجامع البيان10/ 40؛ والتفسير الكبير 4/ 580. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ 1 ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 2. زَعَمَ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ مِمَّنْ لا يَدْرِي مَا يَنْقُلُ: أَنَّ التَّأْجِيلَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ3. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} 4 وَهَذَا سُوءُ فَهْمٍ، وَخِلافٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ، فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ جُعِلَتْ لَهُ هَذِهِ الأَشْهُرُ على أربعة أقوال: أحدها: أَنَّهَا أَمَانٌ لِأَصْحَابِ الْعَهْدِ، فَمَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَكْثَرَ مِنْهَا حُطَّ إِلَيْهَا، وَمَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَقَلَّ مِنْهَا رُفِعَ إِلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ انْسِلاخُ الْمُحَرَّمِ خَمْسُونَ لَيْلَةً. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ5 وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الأَجَلُ خَمْسِينَ لَيْلَةً، لِأَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ نُودِيَ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقِيلَ يَوْمَ النَّحْرِ.   1 يقول النحاس عن هذه السورة: "إنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ". انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 160. 2 الآية الثانية من سورة التوبة . 3 ذكره هبة الله في ناسخه (51) وابن حزم الأنصاري في معرفة الناسخ والمنسوخ ص: 240. 4 الآية (58) من سورة الأنفال. 5 أورد هذا القول عن هؤلاء بنصه المؤلف في زاد المسير 3/ 394. وقد أخرج الطبري نحوه عن ابن عباس من طريقين في جامع البيان 10/ 9: أحدهما: من طريق علي بن أبي طلحة. والثاني: من طريق آل العوفية وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، ورواه عن قتادة والضحاك، كما روى نحوه النحاس عن الضحاك بسند ضعيف، في ناسخه (162) لأن فيه جوبير، يقول الحافظ عنه في التقريب (58): ضعيف جداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً مَنْ لَهُ عَهْدٌ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عهد، قاله مجاهد والقرظي وَالزُّهْرِيُّ1. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا أَجَلُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أَمَّنَهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ أَمَانُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ، فَأَمَّا مَنْ لا أَمَانَ لَهُ فَهُوَ حَرْبٌ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ2. وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا أَمَانٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ وَلا عُهُودَ، فَأَمَّا أَرْبَابُ الْعَهْدِ فَهُمْ عَلَى عُهُودِهِمْ. قَالَهُ ابْنُ السَّائِبِ3. وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ نَادَى يَوْمَئِذٍ: "وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَعَهْدُهُ إلى   1 أخرجه الطبري في جامع البيان10/ 44 - 45 بسند صحيح عن الزهري. 2 ذكره المؤلف في زاد المسير3/ 394 عن ابن إسحاق. أما ابن إسحاق؛ فهو: محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس، رمي بالتشيع والقدر وهو من صغار الخامسة، مات سنة 150هـ ويقال بعدها، وقد عده ابن تيمية رحمه الله ممن يروي الإسرائيليات فلا يقبل منه إلا بحجة. انظر: التقريب (390) ومقدمة أصول التفسير لابن تيمية ص: 56 - 57. 3 ذكر نحوه النحاس في ناسخه ص: 162، وقال: هذا أحسن ما قيل في الآية. وذكره المؤلف في زاد المسير3/ 394 فعزاه إلى ابن السائب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 مُدَّتِهِ"1 وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ} 2 قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الأَشْهُرَ الَّتِي قِيلَ لَهُمْ فِيهَا {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 3 وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ فَلا نَسْخَ أَصْلا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالأَشْهُرِ الْحُرُمِ: رَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ4. وَهَذَا كَلامٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ} فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ يَجُوزُ قَتْلُهُ بَعْدَ الْمُحَرَّمِ، وَمَنْ لَهُ عَهْدٌ فَمُدَّتُهُ آخِرَ عَهْدِهِ فَلَيْسَ لِذِكْرِ رَجَبٍ ها هنا معنى5.   1 أخرجه النحاس في ناسخه ص: 162، عن علي رضي الله عنه، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور2/ 309 وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وإلى أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وفي رواية عنه: (فأجله أربعة أشهر). 2 الآية الخامسة من التوبة. 3 ذكره المؤلف في زاد المسير3/ 398 عن الحسن. وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 213 وعزاه إلى أبي الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه. 4 ذكره المؤلف في المصدر السابق وعزاه إلى الأكثرين. 5 قلت: لم يتعرض المؤلف إلى دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ ولا في تفسيره عند ذكر هذه الآية، إنما عرض الآراء في تفسيره كما عرضها هنا، وقد سبقه في رد دعوى النسخ هنا، أبو جعفر النحاس في ناسخه ص: 165، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص:266، ويقول المكي في نهاية المناقشة: "وكان حق هذا أن لا يدخل في الناسخ والمنسوخ لأنه لم ينسخ قرآناً متلواً إنما نسخ أمراً رآه النبيصلى الله عليه وسلم، وأشياء كانوا عليها مما لا يرضاه الله، والقرآن كله ناسخ لما كانوا عليه إلا ما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 1 قَدْ ذَكَرُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّ حُكْمَ الأُسَارَى كَانَ وُجُوبَ قَتْلِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 2 قَالَهُ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ (فِي آخَرِينَ) 3، وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: {وَخُذُوهُمْ} وَالثَّانِي: بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ كَانَ الْحُكْمُ فِي الأُسَارَى، أَنَّهُ لا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ صَبْرًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَنُّ أَوِ الْفِدَاءُ، بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 4 ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 5. قاله مجاهد وقتادة6.   1 الآية الخامسة من التوبة. 2 الآية الرابعة من سورة محمد. 3 غير واضحة من (هـ). ذكر هذا القول النحاس وأبو محمّد مكي بن أبي طالب عن الضحاك وعطاء والسدي. انظر: الناسخ والمنسوخ (164)؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (267). 4 الآية الرابعة من سورة محمّد. 5 الآية الخامسة من سورة التوبة. 6 ذكر المؤلف في زاد المسير 3/ 399، هذا القول عن مجاهد، وقتادة. وأما مكي بن أبي طالب، فحكى عن قتادة أن هذه الآية محكمة ناسخة لقوله: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ثم قال: نقلاً عن ابن زيد: "الآيتان محكمتان غير منسوختين، ومعنى آية براءة أنه تعالى ذكره أمر بقتل المشركين حيث وجدوا، ثم قال: {وَخُذُوهُمْ} يعني: أساري القتل أو المن أو الفداء". انظر: الإيضاح ص: 367. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وَالثَّالِثُ: أَنَّ الآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ، لِأَنَّ قوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} أمر بالقتل وقوله: {وَخُذُوهُمْ} أَيِ: ائْسِرُوهُمْ، فَإِذَا حَصَلَ الأَسِيرُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ صبراً، أي ذلك رأي فيه المصلحة للمسلمين. فعلى هَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ1. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ مِنْ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ وَهِيَ آيَةُ السَّيْفِ نَسَخَتْ مِنَ الْقُرْآنِ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَعِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ صَارَ آخِرَهَا نَاسِخًا لِأَوَّلِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم) 2. وَهَذَا سُوءُ فَهْمٍ. لِأَنَّ الْمَعْنَى: اقْتُلُوهُمْ وَأْسِرُوهُمْ إِلا أَنْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ، وَيُقِرُّوا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فخلوا سبيلهم ولا تقتلوهم3.   1 ناقش المؤلف هذه القضية في تفسيره 3/ 399 بنصّ هذه العبارة وزاد فيه: (وهو قول الإمام أحمد). 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. وهذا القول ذكره ابن حزم في ناسخه ص: 340، وهبة الله في ناسخه (51) ويذكر السيوطي في الدر المنثور2/ 213: "أن الجزء الأخير من الآية نسخ واستثني من الجزء الأول". وعزا هذا القول إلى أبي داود في ناسخه: وأورد مكي بن أبي طالب في ناسخه (269) مثل هذا القول عن ابن حبيب، ثم رد عليه بقوله: "لا يجوز في هذا نسخ، لأنها أحكام الأصناف من الكفار، حكم الله على قوم بالقتل إذا أقاموا على كفرهم، وحكم لقوم بأنهم إذا آمنوا وتابوا أن لا يعرض لهم، وأخبرنا بالرحمة والمغفرة لهم، وحكم لمن استجار بالنبي عليه السلام وأتاه، أن يجيره ويبلغه إلى موضع يأمن فيه، فلا استثناء في هذا إذ لا حرف فيه للاستثناء ولا نسخ فيه إنما كل آية في حكم منفرد، وفي صنف غير الصنف الآخر، فذكر النسخ في هذا وهم وغلط ظاهر وعلينا أن نتبين الحق والصواب". 3 قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لذكر هذه الآية أصلاً لشدة ضعف قول النسخ فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} 1. فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْمُعَاهَدَةِ ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّهُمْ بَنُو ضَمْرَةَ2. وَالثَّانِي: قُرَيْشٌ. رُوِيَ الْقَوْلانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا3. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَكَثُوا وَظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ4. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ خُزَاعَةُ دَخَلُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ5. وَقَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ} أَيْ: مَا أَقَامُوا عَلَى الْوَفَاءِ بعهدهم {فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: ثُمَّ نُسِخَ هذا بآية السيف6.   1 الآية السابعة من سورة التوبة. 2 ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 214 وعزاه إلى أبي الشيخ وابن أبي حاتم عن مقاتل. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان10/ 58 - 59 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ذكره المؤلف عنه في زاد المسير 3/ 405. 4 أورد المؤلف بنصه عن قتادة في المصدر السابق. 5 أخرجه الطبري عن مجاهد وقتادة في المصدر السابق. 6 قلت: عد هذه الآية هبة الله في ناسخه (51) من المنسوخة، وأعرض عنه ابن حزم والنحاس ومكي بن أبي طالب. أما المؤلف فأورد قول النسخ في زاد المسير3/ 401، ومختصر عمدة الراسخ الورقة الثامنة، بقوله: (زعم بعض المفسرين) وهذا يدل على عدم قبوله لدعوى النسخ والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ على ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ (أَبُو ذَرٍّ) 2 وَالضَّحَّاكُ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا خَاصَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ3. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ4 وَالسُّدِّيُّ، وَفِي المراد بالإنفاق ها هنا قولان:   1 الآية (34) من سورة التوبة. 2 في (م): ذز، وهو تصحيف. أما أبو ذر، فهو: الصحابي الجليل المشهور بأبي ذر الغفاري اسمه: جندب بن جنادة على الصحيح، أسلم قديماً، وهاجر متأخراً فلم يشهد بدراً، وكان يوازي ابن مسعود في العلم مات سنة 32هـ في خلافة عثمان. انظر: تهذيب التهذيب 12/ 90 - 91؛ والتقريب (455)، وقد أخرج الطبري بإسناده، قول أبي ذر الغفاري رضي الله عنه هذا في جامع البيان 10/ 86. 3 أما معاوية بن أبي سفيان، فهو صخر بن أمية الأموي القرشي، أسلم يوم الفتح، وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم وحسن إسلامهما وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه أبو بكر على الشام، توفي سنة 60هـ، وهو ابن ثمانين. انظر: أسد الغابة4/ 385 - 388 وقد أخرج الطبري قوله هذا من طريق زيد بن وهب في جامع البيان المصدر السابق. 4 أخرج الطبري في المصدر نفسه هذا القول عن ابن عباس من طريقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 أحدهما: إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا مُحْكَمَةٌ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى1، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَارِسِيُّ2، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي شريح، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد البغوي، قال: بنا الْعَلاءُ بْنُ مُوسَى الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: "أَبْنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: (مَا كَانَ مِنْ مال تؤدي زكاته فإنه ليس بكنز" وإن3 "كان مدفوناً وما ليس مدفوناً لا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، فَإِنَّهُ الْكَنْزُ الَّذِي ذكره الله عليه السلام فِي كِتَابِهِ"4. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالإِنْفَاقِ إِخْرَاجُ مَا فَضُلَ عَنِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ (نَقَلَةِ) 5 التَّفْسِيرِ: أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِخْرَاجُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلامِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالزَّكَاةِ، وَفِي (هَذَا) 6 القول (بعد) 7.   1 أما عبد الأول، فهو: أبو الوقت عبد الأول عيسى ابن شعيب، من مشايخ ابن الجوزي، ولد سنة 458هـ، وسمع خلقاً كثيراً، هو مسند الدنيا في وقته الصوفي الزاهد قدم إلى بغداد سنة (552هـ) يريد الحج فسمع الناس بها عليه صحيح البخاري لعلو إسناده وتوفي سنة 553هـ. انظر: ترجمته في مشيخة ابن الجوزي ص: 74 - 76؛ والنجوم الزاهرة 5/ 328 - 329. 2 في (هـ): هنا، كلمة (أنها) زيادة من الناسخ. 3 في (هـ): ولو، وفي (م) كما أثبت وكذا في لفظ الطبري. 4 رواه الإمام مالك في موطّئه 2/ 333 بشرح الزرقاني، والطبري في جامع البيان 10/ 83 بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. 5 في (هـ): نقله، وهو تصحيف. 6 في (م): في هذه، بالتأنيث. وهو خطأ من الناسخ. 7 في (هـ): بعدر، وهو تحريف. ذكر دعوى النسخ هنا ابن سلامة في ناسخه ص: 51. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أبنا أبو أسامة عن عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وعراك) 1 ابن مَالِكٍ قَالا فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 2. ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 3. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو داود السجستاني، قال: بنا أحمد ابن محمد قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ   1 في (م): عرال، وفي (هـ) عوال، كلاهما تحريف. والصواب ما أثبت عن كتب التراجم. وهو: عراك بن مالك الغفاري الكناني المدني ثقة فاضل من الثالثة، مات في خلافة يزيد ابن عبد الملك بعد المائة. انظر: التقريب (337). 2 الآية (103) من سورة التوبة. وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور3/ 232 - 233، هذا القول وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز، وذكره أيضاً مكي بن أبي طالب عن عمر بن عبد العزيز، ثم قال: (ومن حمل قوله {وَلا يُنْفِقُونَهَا} على معنى: ولا ينفقون الواجب عليهم منها، قال: هي محكمة منصوصة في الزكاة). انظر: الإيضاح ص: 272 - 273. قلت: ولم يتعرض لدعوى النسخ هنا الطبري ولا النحاس، ولا المؤلف في مختصر عمدة الراسخ. 3 الآية (39) من سورة التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} نَسَخَتْهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 1. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ2 وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا حُكْمُ كُلِّ آيَةٍ قَائِمٌ في موضعها. فإن قلنا: إن قوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا} أُرِيدَ بِهِ غَزْوَةُ3 تَبُوكٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً النَّفِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا عَاتَبَ الْمُخَلَّفِينَ وَجَرَتْ قِصَّةُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا4. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الَّذِينَ اسْتَنْفَرُوا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ فَكَانَ عَذَابَهُمْ5. فَإِنَّ أُولَئِكَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ6 حِينَ اسْتَنْفَرُوا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى إِحْكَامِ الآيَتَيْنِ وَمَنْعِ النَّسْخِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُ جَرِيرٍ7 وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَكَى القاضي   1 الآية (122) من سورة التوبة. 2 ذكر الطبري 10/ 95 من جامع البيان هذا القول عن الحسن وعكرمة كما ذكر نحوه النحاس بسند ضعيف عن ابن عباس، وعن الحسن وعكرمة، ثم قال: "وهذا مما لا ينسخ لأنه خبر ووعيد". انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 167. 3 في (م): غزوت بالتاء المفتوحة، وهو خطأ إملائي. 4 كما جاء في آية (118) من السورة نفسها. 5 رواه أبو داود والبيهقي في سننهما وفي إسنادهما نجدة بن نفيع وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (356) وذكر السيوطي هذا الحديث في الدر المنثور 3/ 239، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ والحاكم، وابن مردويه. 6 في (م): اليقين، والذي أثبت عن (هـ) أنسب للمقام. 7 انظر ما قاله الطبري في إحكام الآية من جامع البيان 10/ 95. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 أَبُو يَعْلَى عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ هَاهُنَا نَسْخٌ، وَمَتَى لَمْ يُقَاوِمْ أَهْلُ الثُّغُورِ الْعَدُوَّ فَفَرْضٌ عَلَى النَّاسِ النَّفِيرُ إِلَيْهِمْ، وَمَتَى اسْتَغْنَوْا عَنْ (إِعَانَةِ) 1 من ورائهم، عُذِرَ الْقَاعِدُونَ عَنْهُمْ2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 3. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال: في براءة {نْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} وَقَالَ: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 4 فَنَسَخَ (هَؤُلاءِ) 5 الآيَاتِ، {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 6. وَقَالَ السُّدِّيُّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى} 7.   1 في (هـ): إيمانه، وهو تحريف. 2 ذكر هذا القول بنصه المؤلف في زاد المسير 3/ 438، ورد دعوى النسخ بمثل مارد به هنا، ولم يتعرض له في مختصر عمدة الراسخ أصلاً. 3 الآية (41) من سورة التوبة. 4 الآية (39) من سورة التوبة. 5 غير واضحة من (هـ). 6 الآية (122) من السورة نفسها. والأثر ذكره النحاس عن ابن عباس بسند ضعيف في ناسخه ص: 167 - 168. كما ذكره مكي بن أبي طالب عنه بدون إسناد في الإيضاح (273) والمؤلف في زاد المسير 3/ 442 عن ابن عباس من طريق عطاء. 7 الآية (91) من التوبة، وقد ذكر هذا القول السيوطي في الدر المنثور3/ 246 وعزاه إلى أبي حاتم وأبي الشيخ عن السدي، وذكره المؤلف عنه في المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وَاعْلَمْ: أَنَّهُ مَتَى حُمِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ الَّتِي قَبْلَهَا لَمْ يُتَوَجَّهْ نَسْخٌ1. ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله} 2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: بنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد، قال بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} نَسَخَتْهَا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} 3. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السجستاني، قال: بنا محمد بن أحمد4 = قال=5: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عن يزيد النحوي، عن   1 انظر إن شئت كلام القاضي أبو يعلي في مناقشة الآية السابقة. قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ المؤلف في مختصر عمدة الراسخ في هذه الآية أصلاً وإنما ذكره في زاد المسير 3/ 443 بدون رد ولا ترجيح. 2 الآية (44) من سورة التوبة. 3 الآية (62) من سورة النور. والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 247 وعزاه إلى أبي عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وفيه: (فجعل الله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأعلى النظرين في ذلك، من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد من غير حرج إن شاء). وذكر قول النسخ عنه بآية: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} النحاس بسند ضعيف في ناسخه (168). 4 في (هـ): كلمة (قيل) زيادة، ولعلها من الناسخ. 5 لا يوجد من النسختين، ولعلها سقطت من النساخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله} نَسَخَتْهَا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ} 1. قُلْتُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّسْخِ ها هنا مَدْخَلٌ، لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالآيَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَابَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أن يستأذنوه في القعود عَلَى الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَأَجَازَ لِلْمُؤْمِنِينَ الاسْتِئْذَانَ لِمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ حَاجَةٍ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا كَانُوا مَعَهُ، فَعَرَضَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ، ذَهَبُوا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ. وَإِلَى نَحْوِ هَذَا، ذَهَبَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ2 وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدمشقي.   1 أخرجه الطبري عن الحسن وعكرمة من طريق علي بن الحسين- وقد ضعفه النقاد - كما في الجرح والتعديل6/ 176، وذكره النحاس في المصدر السابق ومكي ابن أبي طالب في الإيضاح ص: 274. 2 انظر: كلام الطبري في جامع البيان 10/ 101، وقد رد المؤلف في زاد المسير 3/ 446 دعوى النسخ بكلام أبي سليمان الدمشقي المذكور هنا. قلت: أخرج ابن جرير في المصدر السابق عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أن هذه الآيات محكمات وإنما هو تعيير وتوبيخ للمنافقين حين استأذنوا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القعود عن الجهاد بغير عذر، وعذر الله المؤمنين فقال {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 247 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس، في ناسخه، ولكن النحاس ذكر ذلك عن علي بن أبي طلحة ولم ينسبه إل ابن عباس في ناسخه (168) وأورد قول الإحكام مكي بن أبي طالب أيضاً عن ابن عباس في الإيضاح ص: 274. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} 1. لَفْظُ هَذِهِ الآيَةِ لَفْظُ الأَمْرِ وليس كذلك، وإنما الْمَعْنَى: إِنِ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} 2 فَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ. هَذَا قول المحققين. وقد ذهب وقوم إِلَى أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يُعْطِي أَنَّهُ إِنْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ رُجِيَ لَهُمُ الْغُفْرَانُ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} 3. فَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحسن، قال: بنا إبراهيم ابن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} 4.   1 الآية (80) من سورة التوبة. 2 الآية (53) من سورة التوبة. 3 الآية السادسة من سورة المنافقين. 4 جزء من آية (80) من سورة التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: (سأزيد عَلَى سَبْعِينَ مَرَّةً) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ (لَنْ يغفر الله لهم) عزماً1. وَقَدْ حَكَى2 أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ: فَنُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} 3. قُلْتُ: وَالصَّحْيِحُ إِحْكَامُ الآيَةِ عَلَى مَا سَبَقَ4. ذِكْرُ الآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} 5. قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ (إِلَى أَنَّ) 6 هَذِهِ الآيَةَ اقْتَضَتْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا كَانَ في أول الأمر   1 أصل الحديث رواه البخاري في كتاب التفسير من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وليس فيه ذكر نزول سورة المنافقين، وذلك زيادة عند ابن جرير من طريق ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وقد أخرج نحو ما ساقه المؤلف، النحاس ومكي بن أبي طالب عن ابن عباس من طريق الضحاك، وفيه: "لأزيدن على السبعين". وذكر الحافظ في الفتح نحوه عن قتادة من طريق عبد الرزاق. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/ 406 - 407؛ وجامع البيان10/ 138؛ والناسخ والمنسوخ (174)؛ والإيضاح (227). 2 في (هـ): عن أبي. 3 الآية (47) من سورة التوبة تجد نص كلام النحاس في ناسخه (174). 4 قلت: هنا لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ أصلاً وإنما نسبه في زاد المسير 3/ 477، إلى قوم، كما نسب القول المؤيد للإحكام إلى المحققين. 5 الآية (120) من سورة التوبة. 6 في (هـ): كلمة (إلا) زيادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 1، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ: لِكُلِّ آيَةٍ وَجْهُهَا وَلَيْسَ لِلنَّسْخِ عَلَى إِحْدَى الآيَتَيْنِ طَرِيقٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الآية الخامسة2.   1 الآية (122) من سورة التوبة. 2 انظر مقالة المؤلف فيما تقدم من مناقشة الآية الخامسة. قال المؤلف في زاد المسير 3/ 515 - 516، (قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ الله: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ فقالت طائفة: كان في أول الأمر لا يجوز التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان الجهاد يلزم الكل، ثم نسخ ذلك بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. وقالت طائفة: فرض الله تعالى على جميع المؤمنين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ممن لا عذر له الخروج معه لشيئين: أحدهما: أنه من الواجب عليهم أن يقوه بأنفسهم. والثاني: أنه إذا أخرج الرسول فقد خرج الدين كله فأمروا بالتظاهر لئلا يقل العدد، وهذا الحكم باق إلى وقتنا فلو خرج أمير المؤمنين إلى الجهاد وجب على عامة المسلمين متابعته لما ذكرنا. فعلى هذا، الآية محكمة) انتهى، ثم ذكر كلام أبي سليمان المذكور هنا. أمّا أبو جعفر النحاس فأورد دعوى النسخ في هذه الآية عن ابن زيد ودعوى الإحكام عن ابن عباس والضحاك وقتادة، وكذا فعل مكي بن أبي طالب. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 176؛ والإيضاح ص: 276. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 1. الْكَلامُ فِي هَذِهِ كَالْكَلامِ فِي نَظِيرَتِهَا فِي الأَنْعَامِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا هُنَاكَ2 وَمَقْصُودُ الآيَتَيْنِ تَهْدِيدُ الْمُخَالِفِ، وَأُضِيفَ إِلَى الرَّسُولِ لِيُصَعِّبَ الأَمْرَ فِيهِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا نَسْخٌ، وَيُقَوِّي مَا قُلْنَا، أَنَّ الْمُرَادَ بالمعصية ها هنا تَبْدِيلُ الْقُرْآنِ وَالتَّقَوُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمُوَافَقَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا هم عليهم، وَهَذَا لا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} 3 كيف وقد قال عزوجل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ} 4 وَقَالَ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 5 وَقَالَ: {إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} 6 وإنما   1 الآية (15) من سورة يونس. 2 لعله يقصد قول النسخ المذكور في آية (15) مما سبق من سورة الأنعام: حيث قال: زعم بعض المفسرين أنه كان يجب على الرسول أَنْ يَخَافَ عَاقِبَةَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ نسخ ذلك بِقَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} (الفتح: 2) ثم قال: إنما هو معلق بشرط، والصحيح أن الآيتين خبر وتهديد. 3 الآية الثانية من سورة الفتح. 4 الآية (44) من سورة الحاقة. 5 الآية (65) من سورة الزمر. 6 الآية (75) من سورة الإسراء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 هَذَا وَأَمْثَالُهُ1 لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ آثار الْمَعَاصِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ مَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ أَنْ يَقَعَ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} 3. رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ، وَهَذَا بَعِيدٌ من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يَصِحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ تنافٍ، وَالْمَنْسُوخُ لا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُ مَعَ النَّاسِخِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ أَنْ يُدَّعَى نَسْخُ هَذِهِ الآيَةِ بَلْ إِنْ قِيلَ مَفْهُومُهَا منسوخ، ومفهومها عِنْدَهُمْ، فَقُلْ لِي عَمَلِي، وَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلا تُقَاتِلْهُمْ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ إِنَّمَا مَعْنَى الآيَةِ: لِي جَزَاءُ عَمَلِي فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَوَبَالُهُ عَلَيَّ، وَلَكُمْ جَزَاءُ عَمَلِكُمْ فِي تَكْذِيبِكُمْ لِي، وَفَائِدَةُ هذا أنه لا يجازي أحد إلاّ بعمله ولا يأخذ بجرم غيره وهذا لا يَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى مَا يُفْهَمُ مِنْهَا فلا وجه للنسخ4.   1 في (هـ): ومثله، بالإفراد. 2 أثبت المؤلف إحكام هذه الآية في كتابيه: التفسير ومختصر عمدة الراسخ، وأما أمهات كتب النسخ، فقد أغفلت دعوى النسخ هنا لضعفها. انظر: زاد المسير 4/ 15؛ ومختصر عمدة الراسخ ورقة (8). 3 الآية (41) من سورة يونس. 4 ذكر دعوى النسخ هنا بآية السيف مكي بن أبي طالب ص: 281 من الإيضاح، وردها المؤلف في تفسيره4/ 34، ولم يتعرض لها في مختصر عمدة الراسخ أصلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} 1. زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، فَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَاهَا: اتْرُكْ قِتَالَهُمْ، فَرُبَّمَا رَأَيْتَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ، وَلَيْسَ هَذَا شَيْءٌ2. ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} 3. زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَبَيَانُ. ذَلِكَ: أَنَّ الْإِيمَانَ لا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الإِكْرَاهُ عَلَى النُّطْقِ لا عَلَى الْعَقْلِ4. ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} 5.   1 الآية (46) من سورة يونس. 2 ذكر دعوى النسخ هنا هبة الله في ناسخه ص: 54، بدون أن يستند إلى دليل. وسكت عنه المؤلف في زاد المسير وفي مختصر عمدة الراسخ، كما أعرض عن قول النسخ هنا أصحاب أمهات كتب النسخ لشدة ضعف هذا القول. 3 الآية (99) من سورة يونس. 4 ادعى النسخ هنا ابن سلامة في المصدر السابق وأورده المؤلف في زاد المسير4/ 67 ومختصر عمدة الراسخ ورقة (8) ثم رده بمثل ما رد به هنا، ولم يتعرض لدعوى النسخ هنا معظم من ألف في النسخ. 5 الآية (108) من سورة يونس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ، وَهَذَا لا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لا يُتَوَجَّهُ النَّسْخُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ1، لِأَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: مَا أَنَا بِوَكِيلٍ فِي مَنْعِكُمْ مِنِ اعْتِقَادِ الْبَاطِلِ، وَحَافِظٍ لَكُمْ مِنَ الْهَلاكِ إِذَا لَمْ (تَعْمَلُوا) 2 أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مَا يُخَلِّصُهَا3. ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} 4. رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: هذه مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ، وَهَذَا لا يَثْبُتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ إِنَّ الأَمْرَ بِالصَّبْرِ هَاهُنَا مَذْكُورٌ إِلَى غَايَةٍ، وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا. وَقَدْ شَرَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 5 فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ فِي شَيْءٍ من هذه الآيات6.   1 انظر مثلاً فيما سبق مناقشة الآية (66)، و (107) من سورة الأنعام. 2 في (هـ): تعلموا. 3 في (هـ): كلمة (يقوله) زيادة، ولعلها من الناسخ. قلت: أورد دعوى النسخ هنا ابن حزم في ناسخه ص: 341؛ وابن سلامة في ناسخه (54) وابن هلال في ناسخه المخطوط (27) ولم يتعرض له الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب. وأما المؤلف فقام برد هذا القول في زاد المسير 4/ 71 ومختصر عمدة الراسخ ورقة 8. 4 الآية (109) من سورة يونس. 5 الآية (109) من سورة يونس. انظر: إن شئت مناقشة الآية المذكورة. 6 قلت: نقل دعوى النسخ هنا النحاس في ناسخه ص: 179، عن ابن زيد، كما ذكره عنه مكي بن أبي طالب في الإيضاح (281)، أما المؤلف فقد رد قول النسخ وصحح الإحكام في زاد المسير 4/ 71 ومختصر عمدة الراسخ ورقة (8). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ هُودٍ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} 1. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ: اقْتَصَرَ عَلَى إِنْذَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: (إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ) 3، لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: مَعْنَاهَا: إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تُنْذِرَهُمْ بِالْوَحْيِ لا أَنْ تَأْتِيَهُمْ بِمُقْتَرَحِهِمْ مِنَ الآيَاتِ، وَالْوَكِيلُ: الشَّهِيدُ4. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} 5.   1 الآية (12) من سورة هود . 2 ذكره هبة الله في ناسخه ص: 55. 3 في (هـ): هي محكمة. 4 فسر بذلك المؤلف في زاد المسير4/ 82، ورد دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ ورقة (8). قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية أصحاب أمهات كتب النسخ. 5 الآية (15) من سورة هود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ أُعْطِيَ فِيهَا ثَوَابَ عَمَلِهِ مِنَ الرِّزْقِ وَالْخَيْرِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} 1. وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الآيتين خبر، وهذه الآية نظيرة قَوْلِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} 2 وَقَدْ شَرَحْنَاهَا هُنَاكَ. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} 3. قَالَ: بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هَاتَانِ الآيَتَانِ اقْتَضَتَا تَرْكَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَالاقْتِنَاعَ بِإِنْذَارِهِمْ، ثُمَّ نُسِخَتَا بِآيَةِ السَّيْفِ4.   1 الآية (18) من سورة الإسراء. ذكر قول النسخ النحاس في ناسخه ص: 177 بسند ضعيف، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (272) بدون سند، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ثم قال النحاس: "محال أن يكون ها هنا نسخ، لأنه خبر" وبه قال مكي عن أكثر الناس. 2 الآية (146) من آل عمران. قلت: وقد أورد المؤلف في زاد المسير4/ 83 وفي مختصر عمدة الراسخ دعوى النسخ هنا، عن مقاتل، ثم قال في التفسير: "وهذا لا يصح لأنه لا يوفي إلا من يريد" وقال في المختصر: لأن الآيتين خبر. 3 الآيتان (121 - 122) من سورة هود. 4 عد هذه الآية ابن حزم في معرفة الناسخ والمنسوخ المطبوع على هامش التفسير المنسوب إلى ابن عباس (342) وهبة الله بن سلامة في الناسخ والمنسوخ ص: 55، وبركات بن هلال، في الإيجاز في الناسخ والمنسوخ، المخطوط ورقة (27) ولم يستندوا كعادتهم إلى أي دليل نقلي أو عقلي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، مَعْنَاهُ: اعْمَلُوا مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ فَسَتَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ، وَانْتَظِرُوا مَا يَعِدُكُمُ الشَّيْطَانُ، إِنَّا مُنْتَظِرُونَ مَا يعدنا ربنا وهذا لا يُنَافِي قِتَالَهُمْ فَلا وَجْهَ للنسخ1.   1 لم يتعرض لدعوى النسخ هنا، أبو جعفر الطبري ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب. فأما المؤلف فقد أورد في كتابيه، ورد قول النسخ بمثل ما رد به هنا. انظر: زاد المسير4/ 174؛ ومختصر عمدة الراسخ ورقة (9). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 باب: ذكر الآيات التي1ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} 2. قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: المراد بالظلم ها هنا الشِّرْكُ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 3وَهَذَا التَّوَهُّمُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الظُّلْمَ عام، وتخصيصه بالشرك ها هنا- يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الشِّرْكُ، فَلا يخلوا الْكَلامُ مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يراد به التَّجَاوَزُ عَنْ تَعْجِيلِ عِقَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا، أَوِ الْغُفْرَانُ لَهُمْ إِذَا رَجَعُوا عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُغْفَرُ لِلْمُشْرِكِينَ إِذَا مَاتُوا عَلَى الشِّرْكِ4. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} 5.   1 في (هـ): اللواتي 2 الآية (6) من سورة الرعد . 3 الآية (48) من سورة النساء. 4 قلت: أعرض عن دعوى النسخ في هذه الآية النحاس، ومكي بن أبي طالب، أما ابن حزم في ناسخه ص: 342، وابن سلامة في ناسخه (57) فقد عداها مما اختلف في نسخها وقال بن سلامة عن السدي: إنما هو إخبار من الله تعالى، وتعطف على خلقه. وأما ابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (27) فقد نقل عن مجاهد أنها محكمة وعن الضحاك أنها منسوخة. وأما المؤلف ابن الجوزي فلم يتعرض لها في مختصر عمدة الراسخ أصلاً إنما ذكر النسخ فيها عن بعض المفسرين في زاد المسير ثم قال: والمحققون على أنها محكمة. 5 الآية (40) من سورة الرعد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ وَفَرْضِ الْجِهَادِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: قَتَادَةُ1. وَعَلَى مَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ (تَأْتِيَهُمْ) 2بِمَا يَقْتَرِحُونَ مِنَ الآيَاتِ إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تُبِلِّغَ3. تَكُونُ مُحْكَمَةً ولا يكون بينها وبين آية السيف منافات4.   1 ذكر النسخ هنا، هبة الله، وابن هلال، في المصدرين السابقين. 2 في (هـ): يأتيهم، بالياء التحتانية، وهو خطأ. 3 انظر مثلاً مما سبق مناقشة الآية (12) من سورة هود. 4 قلت: ذكر نحو هذا الكلام المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (9) ونقل دعوى النسخ في زاد المسير4/ 339، عمن نقله هنا، ولم يعدها من المنسوخة الإمام الطبري والإمام النحاس ومكي بن أبي طالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} 1. قَدْ زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَذَلِكَ لا يُنَافِي قِتَالَهُمْ فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 4. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي داود، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: بنا عُقْبَةُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} قال: هذا قبل القتال5.   1 الآية الثالثة من سورة الحجر . 2 عد هذه الآية من المنسوخة ابن حزم الأنصاري في ناسخه ص: 243، وابن سلامة في ناسخه (58) وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (27). 3 قلت: أعرض النحاس ومكي بن أبي طالب عن ذكر النسخ في هذه الآية، وقد ذكره المؤلف في زاد المسير 4/ 838، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (9) فرده بمثل ما رد به هنا. 4 الآية (85) من سورة الحجر. 5 أخرجه الطبري عن مجاهد من طريق إسرائيل، في جامع البيان 14/ 35، وذكره السيوطي في الدر المنثور4/ 104 معزياً إلى ابن أبي حاتم عن عكرمة، وفيه هَذَا قَبْلَ الْقِتَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 قال أبو بكر: وبنا موسى بن هارون، قال: بنا الحسين، قال: بنا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} قَالَ: نُسِخَ هَذَا بَعْدُ، فَقَالَ: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} 1.   1 الآية (191) من سورة البقرة و (91) من سورة النساء. قلت: أخرج قول النسخ عن قتادة ابن جرير الطبري في المصدر السابق، كما ذكره النحاس في ناسخه ص: 179، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (285) عن سعيد عن قتادة، وذكر النسخ أيضاً المؤلف في زاد المسير4/ 412، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (9) لكن هؤلاء لم يناقشوا قضية النسخ كأن وقوع النسخ هنا مسلم لديهم. ويقول ابن كثير: بعد عزو قول النسخ إلى مجاهد وقتادة: "وهو كما قالا: فإن هذه مكية، والقتال إنما شرع بعد الهجرة". انتهى، من تفسير القرآن العظيم 2/ 556. وأما القرطبي فيقول في تفسيره 10/ 54 بعد إيراد دعوى النسخ عن قتادة وعكرمة ومجاهد: "قيل: ليس بمنسوخ وأنه أمر بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم والصفح الإعراض عن الحسن وغيره". ويقول الخازن في تفسيره 3/ 101 بعد إيراد قول النسخ: "قيل: فيه بعد، لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يظهر الخلق الحسن، وأن يعاملهم بالعفو والصفح الخالي من الجزع والخوف، يعني: ولو كان الصفح منطوياً على حقد لما كان الصفح جميلاً". ويقول الشيخ مصطفى زيد في كتابه النسخ في القرآن الكريم 2/ 537 وهو يرد دعوى النسخ في هذه الآية: "ونحن لا نرى تلازماً بين كون هذه الآية مكية وكونها منسوخة، فما ذهب إليه ابن كثير من قبوله دعوى النسخ، اعتماداً على مكية الآية، ومشروعية القتال بعد الهجرة - ليس صحيحاً ولا لازماً عندنا، وبخاصة أن الله عزوجل توعدهم - على أنه قد وقع منهم ما يقتفي الصفح عنهم - بعذابه قي الآخرة فإن يكن بد من الربط بين الأمر بالصفح عنهم والأمر بقتالهم - فإن الأمر بالصفح أناء للقتال فلا ينافيه وهذا حسم وإبطال لدعوى النسخ لا سبيل للاعتراض عليه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ} 1. قَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَقِيلَ: لا تَحْزَنْ بِمَا أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيَا، وَلا وَجْهَ للنسخ، وَكَذَلِكَ قَالَ: أَبُو الْوَفَاءِ ابْنُ عَقِيلٍ، قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ3. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} 4. زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَاهَا نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ5. لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَهُ: اقْتَصَرَ عَلَى الإِنْذَارِ، وَهَذَا خَيَالٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَتَضَمَّنُ هَذَا، ثُمَّ هِيَ خبر فلا وجه للنسخ6.   1 الآية (88) من سورة الحجر. 2 ذكره ابن حزم في ناسخه (343) وابن سلامة في ناسخه (58) وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (27). 3 قلت: لم يذكر الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب والمؤلف في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ، دعوى النسخ في هذه الآية إذ لم يعتبروا هذا القول الضعيف جديراً بالذكر. 4 الآية (89) من سورة الحجر. 5 قال ابن حزم: "نسخ معناها ولفظها بآية السيف" وقال ابن سلامة: "نسخ معناها لا لفظها". انظر: المصدرين السابقين. 6 قلت: لم يعدها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ من المنسوخة وقد ذكرها في تفسيره 4/ 416 بدون رد ولا تعليق، وأعرض عن ذكره النحاس ومكي بن أبي طالب في ناسخيهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 1. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ عن معاوية بنا صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} قَالَ: نَسَخَتْهَا: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: بنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي داود، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، قال: هذا من المنسوخ3.   1 الآية (94) من سورة الحجر. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. ذكر هذا القول النحاس وأبو محمد مكي بن أبي طالب بدون إسناد، عن علي عن ابن عباس، وذكره السيوطي في الدر المنثور معزياً إلى أبي داود في ناسخه، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عن ابن عباس. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 179؛ والإيضاح ص: 285؛ والدر المنثور 4/ 106. 3 أخرجه الطبري بهذا الإسناد الذي هو مسلسل بالضعفاء عن ابن عباس، وقد نسب المؤلف دعوى النسخ إلى أكثر المفسرين ولم يبد رأيه فيه، والذي يظهر أن المؤلف يميل إلى القائلين بالنسخ في الآيات التي ورد فيها الإعراض عن المشركين، حيث لا يناقش الآية ولا يعترض. انظر: مناقشة الآيات مما سبق (63) و (81) من سورة النساء و (42) من المائدة، و (106) من الأنعام، ولكنه يقول في آية النجم (29) {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا}: زعموا أنها منسوخة، ولم يظهر مذهبه، أيضاً. ولكن الظاهر من كلمة زعم عدم القبول، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ بِالْمُرَادِ بِالْسَكَرِ عَلَى ثلاثة أقوال: أحدها: أَنَّهُ الْخَمْرُ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد ابن حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} قَالَ: النَّبِيذُ فَنَسَخَتْهَا: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} 2 الآيَةُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا حفص بن   1 الآية (67) من سورة النحل . 2 الآية (90) من سورة المائدة. والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 122 وعزاه إلى أبي داود في ناسخه، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن المنذر، عن ابن عاس رضي الله عنهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 عمر، قال: بنا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي رَزِينٍ1 أنهم قَالُوا: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} 2 (قَالُوا) 3 هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ4. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ العباس، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: بنا أبو علي الحنفي، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}، قَالَ: الْخَمْرُ5. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرحمن بن الحسن قال: بنا إبراهيم ابن الحسين قال: بنا آدم، قال بناورقاء عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مجاهد {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} قَالَ: السَّكَرُ: الْخَمْرُ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وهذا قول الحسن6 وابن   1 أما أبو رزين؛ فهو: مسعود بن مالك، أبو رزين الأسدي الكوفي ثقة فاضل من الثانية مات سنة 85هـ، وهو غير أبي رزين الذي قتله عبيد الله بن زياد بالبصرة، ووهم من خلطهما. انظر: تقريب التهذيب (334). 2 الآية (67) من سورة النحل. 3 في (هـ): قال، بالإفراد. وهو خطأ. 4 أخرجه الطبري في جامع البيان 14/ 91 عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي رَزِينٍ من طريق مغيرة. 5 ذكره السيوطي في الدر المنثور4/ 122، وعزاه إلى ابن أبي شيبة عن سعيد ابن جبير، وأخرجه الطبري عن إبراهيم من طريق الهيثم في جامع البيان14/ 92. 6 أخرج الطبري نحو هذا المعنى عن مجاهد من عدة طرق، وعن الحسن من طريقين في جامع البيان 14/ 91. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 أَبِي لَيْلَى وَالزَّجَّاجِ، وَابْنِ قُتَيْبَةَ1 وَمَذْهَبُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ (إِذْ كَانَتِ) 2 الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاجْتَنِبُوهُ} 3 وَمَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ4. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هذا القول ليست بِمَنْسُوخَةٍ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ خَلَقَ لَكُمْ هَذِهِ الثِّمَارَ لِتَنْتَفِعُوا بِهَا عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَاتَّخَذْتُمْ أَنْتُمْ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ. وَيُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّهَا خَبَرٌ وَالأَخْبَارُ لا تُنْسَخُ وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ (أَبُو الوفاء) 5 ابن عَقِيلٍ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ السُّكْرِ، إِنَّمَا هِيَ مُعَاتَبَةٌ وَتَوْبِيخٌ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ السَّكَرَ الْخَلُّ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: بنا أبو بكر ابن أبي داود، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عن الحسين بن   1 أورد المؤلف في زاد المسير 4/ 464، عن هؤلاء جميعاً بأن معنى السكر الخمر. 2 في (هـ): إذا كانت، وهو خطأ. 3 الآية (90) من سورة المائدة. 4 ذكر النسخ النحاس في ناسخه (180) عن هؤلاء وعن أبي رزين، ثم رد عليهم بقوله: "وهو خَبَرٌ، وَالأَخْبَارُ لا تُنْسَخُ". وَقَدْ ذكر السيوطي في الدر المنثور4/ 122، قول النسخ، معزياً إلى عبد الرزاق وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة، وإلى ابن الأنباري والبيهقي عن إبراهيم النخعي والشعبي. 5 في (م): أبو الوفى. وهو خطأ إملائي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الْحَبَشَةَ يُسَمُّونَ الْخَلَّ السَّكَرَ1. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الْخَلُّ بِلِسَانِ الْيَمَنِ2. وَالثَّالِثُ: أَنَّ السَّكَرَ: الطَّعْمُ. يُقَالُ هَذَا لَهُ سَكَرٌ أَيْ: طَعْمٌ3. وَأَنْشَدُوا: جُعِلَتْ (عِنَبُ الأَكْرَمِينَ سَكَرًا) 4. قَالَهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ، فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ5. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 6.   1 ذكر هذا المعنى بهذا الإسناد الضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في جامع البيان14/ 92 كما ذكره المؤلف في زاد المسير4/ 464، عن طريق العوفي عن ابن عباس. 2 قاله المؤلف في المصدر السابق عن الضحاك. 3 ذكر هذا المعنى النحاس في ناسخه (180) وابن العربي في أحكام القرآن3/ 1153 ومكي بن أبي طالب في الايضاح (288) عن أبي عبيدة. 4 تجد هذا الشعر في جامع البيان14/ 92 والقرطبي 10/ 129 وقائل هذا البيت هو: جندل بن مثنى الطهوري. وفي رواية عرض الأكرمين. 5 قلت: سلك المؤلف في زاد المسير4/ 464 - 465، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (9) مسلكه هنا مناقشة وترجيحاً. كما ذهب الطبري، والنحاس في المصدرين السابقين إلى إحكام الآية، وقال الطبري: "الآية محكمة غير منسوخة، وأن أولى الأقوال المؤيدة لذلك، قول من قال بأن السكر هو كل ما كان حلالاً شربه، كالنبيذ الحلال، والخل الرطب والرزق الحسن والتمر والزبيب". روى ذلك بإسناده عن مجاهد، وعامر، ومجالد، والشعبي. 6 الآية (82) من سورة النحل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا مُنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي نَظَائِرِهَا أَنَّهُ لا حَاجَةَ بِنَا إِلَى (ادِّعَاءِ) 1 النَّسْخِ فِي مِثْلِ هَذِهِ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 3. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ4 فِي هَذِهِ الْآيَةِ على أربعة أقوال: أحدها: أَنَّ الْمَعْنَى جَادِلْهُمْ بِالْقُرْآنِ. وَالثَّانِي: بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَالْقَوْلانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،5 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَالثَّالِثُ: أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ الْحُسَيْنُ، قَالَ: أَبْنَا آدم، قال: بنا وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 6 قَالَ: يَقُولُ أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إياك7.   1 في (هـ): ادعى. وهو خطأ إملائي. 2 انظر مثلاً فيما سباق شرح الآيات (20) آل عمران، و (99) منها. 3 الآية (125) من سورة النحل. 4 في (م): المفسرين، وهو خطأ من الناسخ. 5 قد ذكر المؤلف هذين القولين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في زاد المسير4/ 506 6 الآية (125) من سورة النحل. 7 أخرجه الطبري في جامع البيان عن مجاهد، وذكره السيوطي في الدر المنثور4/ 135 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 وَالرَّابِعُ: جَادِلْهُمْ غَيْرَ فَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ1. وَقَدْ ذَهَبْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الْمُجَادَلَةَ لا تُنَافِي الْقِتَالَ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ، اقْتَصِرْ عَلَى جِدَالِهِمْ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى جَادِلْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ فَلا يُتَوَجَّهُ نَسْخٌ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} 4. لِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ: أحدهما: أَنَّهَا (نَزَلَتْ) 5 قَبْلَ بَرَاءَةٍ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَلا يَبْدَأُ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُمِرَ بِالْجِهَادِ. قَالَهُ ابْنُ عباس والضحاك.   1 أورد هذا الرأي في زاد المسير4/ 506 عن الزجاج. 2 ذكر النحاس دعوى النسخ في ناسخه (185) دون أن يدعم قوله بأي دليل عقلي أو نقلي. 3 في (هـ): النسخ، بال. قلت: ذكر دعوى النسخ المؤلف في المصدر السابق وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (9) ثم رده بمثل مارد به هنا. وأما مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص:291 فيقول بعد ذكر قول النسخ: "وهذا لا يجوز نسخه لأنه انتهاء إلى ما أمر الله به، والكف عما نهى الله عنه، فالآية محكمة". 4 الآية (126) من سورة النحل. 5 في (هـ): ليست. وهو تحريف ظاهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أحمد بن كامل، قال: حدثي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} 1 فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، ثُمَّ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ، فَهَذَا مِنَ الْمَنْسُوخِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، يَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عَنِ الْقِتَالِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ ظُلِمَ ظَلامَةً فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنَالَ مِنْ ظَالِمِهِ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَ الظُّلْمُ مِنْهُ. قَالَهُ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالثَّوْرِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَبْنَا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم قال بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} يَقُولُ: لا تَعْتَدُوا يَعْنِي: مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ3. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عَلَى الْمِثْلَةِ لا عَنِ4 الْقِتَالِ. وَهَذَا أَصَحُّ من القول الأول5.   1 في (هـ): (فعوقبوا)، وهو خطأ من الناسخ. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. وقد أخرج هذا الأثر ابن جرير الطبري في جامع البيان14/ 132، عن ابن عباس من طريق العوفي وهو إسناد مسلسل بالضعفاء. 3 أخرجه الطبري في جامع البيان14/ 132 - 133، عن مجاهد وابن سيرين وإبراهيم النخعي، كما ذكره المؤلف في تفسيره عمن ذكر عنهم هنا. انظر: زاد المسير 4/ 508. 4 في (هـ): على، والذي أثبت عن تفسيره أنسب. 5 أورد المؤلف رأيين في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ بدون ترجيح في هذه الآية ولم يعدها من المنسوخة النحاس، ولا مكي بن أبي طالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} 1. هَذِهِ الآيَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالَّتِي قَبْلَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُهَا، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الصَّبْرَ هَاهُنَا مَنْسُوخٌ بآية السيف2.   1 الآية (127) من سورة النحل. 2 ساق ابن كثير في تفسيره حديثاً – وهو يفسر هذه الآية - يشير به إلى أن هذا الصبر على الانتقام من قريش يوم الفتح، وهو صبر الناصر الفاتح، والحديث مروي عن الإمام أحمد في مسنده عن أبي بن كعب، قال: "لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلاً ومن المهاجرين ستة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنمثلن بهم، فلما كان يوم الفتح، قال رجل: لا تعرف قريش بعد هذا اليوم، فنادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمن الأسود والأبيض إلا فلاناً وفلاناً - ناساً سماهم - فأنزل الله تبارك وتعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} إلى آخر السورة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصبر ولا نعاقب"، وقد ذكر المؤلف هذا الحديث من أسباب نزول هذه الآية في تفسيره مختصراً. انظر: تفسير القرآن العظيم 2/ 592؛ وزاد المسير 4/ 507. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عليهن النَّسْخُ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} 1. قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ الْمُطْلَقَ نُسِخَ مِنْهُ الدُّعَاءُ لِلْوَالِدَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٌ. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي داود، قال: بنا محمد بن قهزاذ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (فِي) 2 قَوْلِهِ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} نَسَخَتْهَا {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 3.   1 الآية (24) من سورة الإسراء. 2 في (م): وقوله، وهو تحريف. 3 الآية (113) من سورة التوبة. وهذا الأثر، رواه البخاري في الأدب المفرد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في باب: لا يستغفر لأبيه المشرك، كما رواه الطبري أيضاً عن عكرمة من طريق علي بن الحسن بن واقد، انظر: الأدب المفرد1/ 80؛ رقم (80)؛ وجامع البيان 15/ 50. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 قال أبو بكر: وبنا مُحَمَّدُ بْنُ (سَعْدٍ) 1 قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي (عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ) 2 بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} إِلَى قوله: {صَغِيراً} فَنَسَخَهَا {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 3. قال أبو بكر: وبنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قتادة نحوه4. أَخْبَرَنَا بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عيسى بن عبيد الله عن عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُمَرَ عَنِ الضحاك {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} نُسِخَ مِنْهَا بِالآيَةِ الَّتِي (فِي) 5 بَرَاءَةٍ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 6.   1 في (هـ) سعيد. وهو خطأ كما قدمنا في ترجمة محمد بن سعد عند ذكر آية (180) من البقرة. 2 في (هـ): تقديم وتأخير، ولعله من الناسخ. 3 الآية (113) من التوبة. والأثر أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في جامع البيان 15/ 50. 4 أخرجه النحاس عن قتادة في ناسخه (181) وقد أورد النحاس هذا القول عن قتادة بأسلوب يوحي بإحكام الآية، حيث قال: (والآية مستثنى منها الكفار) فذكر قول قتادة. 5 في (هـ): هي، بدل في، وهو تحريف من الناسخ. 6 الآية (113) من سورة التوبة. وقد ذكر المؤلف في زاد المسير5/ 26 هذا القول عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ ومقاتل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِنَّمَا هُوَ عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَإِلَى نَحْوِ مَا قُلْتُهُ ذهب ابن جرير والطبري1. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} 2. لِلْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى الْوَكِيلِ ثَلاثَةِ أقوال: أحدها: كفيلاً (تؤخذ بهم) 3 قاله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَالثَّانِي: حَافِظًا وَرَبًّا، قَالَهُ الْفَرَّاءُ4. وَالثَّالِثُ: كَفِيلا بِهِدَايَتِهِمْ وَقَادِرًا عَلَى إِصْلاحِ قُلُوبِهِمْ ذَكَرَهُ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ. وَعَلَى هَذَا، الآيَةُ مُحْكَمَةٌ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ5، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا على نظائرها فيما سبق6.   1 تجد كلام الطبري في جامع البيان15/ 50. قلت: وللمؤلف كلام شبيه بهذا في المصدر السابق رداً وتوجيهاً، وكذا في مختصر عمدة الراسخ الورقة (9)، وبالإحكام قال مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 293. 2 الآية (54) من سورة الإسراء. 3 في (هـ): توخذه ولعله خطأ من الناسخ. وقد ذكر هذا القول المصنف في زاد المسير 5/ 48 عن أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. 4 ذكره المؤلف أيضاً في نفس المصدر عن الفراء. وأما الفراء؛ فهو: إبراهبم بن موسى بن يزيد التميمي أبو إسحاق الرازي، يلقب بالصغير ثقة حافظ من العاشرة، مات بعد العشرين ومائتين. انظر: التقريب ص: 23 - 24. 5 ذكر هذا القول ابن حزم في ناسخه ص: 345، وابن سلامة في ناسخه (64). 6 انظر مثلاً مما تقدم مناقشة الآيات (66 - 107) من سورة الأنعام، و (108) من سورة يونس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1. قَدْ زَعَمَ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ، مِنْ نَقَلَةِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتِ امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ مُخَالَطَةِ الْيَتَامَى فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} 2. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِ قَائِلِهِ بِالتَّفْسِيرِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ أَيَرَاهُ يُجَوِّزُ قُرْبَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ نَسْخٌ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْلِطُونَ طَعَامَهُمْ بِطَعَامِ الْيَتَامَى، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَزَلُوا طَعَامَهُمْ عَنْ طَعَامِهِمْ، وَكَانَ يَفْضُلُ الشَّيْءُ فَيَفْسَدُ، فَنَزَلَ قوله: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} 3 فَأَمَّا أَنْ تُدْعَى نَسْخٌ فَكَلا … 4.   1 الآية (34) من سورة الإسراء. قلت: وكان من المفروض أن يقدم هذه الآية على التي قبلها، كي تكون مرتبة الأرقام حسبما التزم المؤلف في مقدمة الكتاب. 2 الآية (220) من سورة البقرة. 3 الآية (220) من سورة البقرة. 4 انظر إن شئت ما ذكره المؤلف في تفسير آية (152) من سورة الأنعام من زاد المسير عن مال اليتيم. وأما دعوى النسخ في هذه الآية فقد أعرض عنه المؤلف في تفسيره، ومختصر عمدة الراسخ، وذكر النحاس ما يشير إلى النسخ عن قتادة، كما ذكر ذلك مكي بن أبي طالب عن مجاهد، ثم قال: والذي يوجبه النظم وعليه جماعة من العلماء، أنه غير منسوخ، لأنه قال تعالى: {إلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ففي هذا جواز مخالطتهم بالتي هي أحسن وهو قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِح} (220) البقرة، فكلتا الآيتين يجوز مخالطة اليتيم، فلا يجوز أن تنسخ أحدهما الأخرى، لأنهما في معنى واحد. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (183)؛ والإيضاح (294). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بها} 1. رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} 2 وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ: نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} 3 وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الآيَاتِ تَنَافٍ وَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ. وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الصَّلاةُ الشَّرْعِيَّةُ، لا تَجْهَرْ بِقِرَاءَتِكَ فِيهَا وَلا تخافت بها4.   1 الآية (110) من سورة الإسراء. 2 الآية (205) من الأعراف. ذكر النحاس في ناسخه ص: 183، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كما ذكر عنه مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 296 3 الآية (94) من سورة الحجر، أورد المؤلف هذا القول والذي قبله في زاد المسير 5/ 101 عمن أوردهما هنا. 4 رواه البخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 10/ 20 - 21، من كتاب التفسير؛ وصحيح مسلم بشرح النووي 4/ 164 - 165، في باب (التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وَقَالَ آخَرُونَ الصَّلاةُ: الدُّعَّاءُ، فَأُمِرَ التَّوَسُّطَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَذَلِكَ لا ينافي التضرع1.   1 روى هذا المعنى البخاري في صحيحه والطبري في جامع البيان عن عائشة رضي الله عنها قال الحافظ في الفتح: (رجح النووي وغيره قول ابن عباس كما رجحه الطبري، لكن يحتمل الجمع بينهما، بأنها نزلت في الدعاء، داخل الصلاة. وقد روى ابن مردويه من حديث أبي هريرة، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء، فنزلت: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} " انتهى من فتح الباري10/ 21. قلت: حكى دعوى النسخ هنا النحاس في ناسخه ص: 183 - 184، والمؤلف في تفسيره 5/ 101 واستبعدا هذا القول، وذكر النسخ مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 296 - 297، ولكنه قال بعد إيراد قول أبي هريرة، وأبي موسى، وعائشة، من أن معنى الصلاة الدعاء: (فتكون الآية محكمة غير منسوخة). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 فَأَمَّا سُورَةُ الْكَهْفِ: فَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ إِلا أَنَّ السُّدِّيِّ يَزْعُمُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 1. قَالَ: وَهَذَا تَخْيِيرٌ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 2 وَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الْكَلامِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَلَيْسَ بِأَمْرٍ (كَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ) 3 وَلا وجه للنسخ.   1 الآية (29) من سورة الكهف. 2 الآية (30) من سورة الدهر. ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم في ناسخه ص: 346 وابن سلامة في ناسخه ص: 61. 3 وقد أورد المؤلف قول الزجاج هذا في زاد المسير5/ 134. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} 1. زَعَمَ بَعْضُ الْمُغَفَّلِينَ مِنْ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ، أَنَّ الإِنْذَارَ (مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ) 2 وَهَذَا تَلاعُبٌ مِنْ هَؤُلاءِ بِالْقُرْآنِ وَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ التَّنَافِي بَيْنَ إِنْذَارِهِمُ الْقِيَامَةَ، وَبَيْنَ قِتَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 3. زَعَمَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ4. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا} 5.   1 الآية (39) من سورة مريم . 2 ذكر النسخ هنا ابن حزم في المصدر السابق وابن سلامة في ناسخه ص: 62، ولم يتعرض له المؤلف في كتابيه التفسير، ومختصر عمدة الراسخ. 3 الآية (59) من سورة مريم. 4 عد هذه الآية من المنسوخة ابن حزم في ناسخه 346،وابن سلامة في ناسخه (62) بلفظ ثم استثنى بقوله: {إلا من تاب} ولم يتعرض له المؤلف في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ. 5 الآية (71) من سورة مريم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 زَعَمَ ذَلِكَ الْجَاهِلُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} 1 وَهَذَا مِنْ أَفْحَشِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْكَلامِ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْجَهْلِ. وَهَلْ بَيْنَ الآيَتَيْنِ تَنَافٍ فَإِنَّ الأُولَى (تُثْبِتُ) 2 أَنَّ الْكُلَّ يَرِدُونَهَا، وَالثَّانِيَةُ (تُثْبِتُ) 3 أَنَّهُ يَنْجُو مِنْهُمْ مَنِ اتَّقَى، ثُمَّ (هُمَا) 4 خَبَرَانِ وَالأَخْبَارُ لا تُنَسْخُ5. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً} 6. وَزَعَمَ ذَلِكَ الْجَاهِلُ، أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ7. وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ الآيَةُ لَفْظُهَا لَفْظُ أَمْرٍ، وَمَعْنَاهَا الْخَبَرُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ جَزَاءَ ضَلالَتِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ فِيهَا8. وَعَلَى هَذَا لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ. ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} 9.   1 الآية (72) من السورة نفسها. 2 في (هـ): ثبت. 3 في (هـ): ثبت. 4 في (هـ): هم، وهو خطأ. 5 ذكر النسخ هنا مكي بن أبي طالب في الإيضاح (301) عن قوم ثم رده بقوله: إنه خبر لا يجوز نسخه. وأما الطبري والنحاس، والمؤلف في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ فأعرضوا عن ذكره. 6 الآية (75) من سورة مريم. 7 ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم في ناسخه (346) وابن سلامة في ناسخه (62). 8 ذكر المؤلف هذا المعنى في زاد المسير5/ 259 عن الزجاج، ولم يتعرض لقول النسخ أصلاً. 9 الآية (84) من سورة مريم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ1. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَعْنَى: لا تَعْجَلْ بِطَلَبِ عَذَابِهِمُ الَّذِي (يَكُونُ) 2 فِي الآخِرَةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ أعمارهم (سَرِيعَةُ) 3 الْفَنَاءِ، فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ. وإن كان المعنى: ولا تَعْجَلْ بِطَلَبِ قِتَالِهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُؤْمَرْ حِينَئِذٍ بِالْقِتَالِ فَنَهْيُهُ عَنِ الاسْتِعْجَالِ بِطَلَبِ الْقِتَالِ، وَاقِعٌ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ أَمْرُهُ بِقِتَالِهِمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لا يُنَافِي النَّهْيَ عَنِ طَلَبِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ فَكَيْفَ يُتَوَجَّهُ النَّسْخُ. فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ وُجُودَ قَوْمٍ جُهَّالٍ يَتَلاعَبُونَ بِالْكَلامِ فِي الْقُرْآنِ، ويدعون نَسْخَ مَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْفَهْمِ، نَعُوذُ بالله منه4.   1 ذكره ابن حزم وابن سلامة في المصدرين السابقين. 2 في (هـ): كون، وهو تحريف. 3 في (هـ): شريعة، وهو تحريف. 4 لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ هنا وقد ذكره في زاد المسير5/ 262، ثم رده بقوله: (وهذا ليس بصحيح). وأما أبو جعفر النحاس فأعرض عن ذكر دعوى النسخ في الآيات الخمسة المذكورة هنا، كما أعرض عن الأربعة منها مكي بن أبي طالب. إنما ذكر في واحدة منها كما قدمنا آنفاً ثم رد على ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ طَهَ. ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} 1. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مَعْنَاهَا: فَاصْبِرْ عَلَى مَا (تَسْمَعُ) 2 مِنْ أَذَاهِمْ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا} 4. قَالُوا: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ5. وَقَدْ ذَكَرُوا فِي سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ مَا لا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ مِمَّا ادعوا فيه النسخ فأضربنا عنه.   1 الآية (130) من سورة طه . 2 في (هـ): سمع. 3 قلت: عبارة المؤلف في مختصر عمدة الراسخ كعبارته هنا، حيث نسب قول النسخ إلى جماعة بدون تعليق، إلا أنه فسر الآية في زاد المسير 5/ 333، بما يؤيد النسخ، وقال: (ثم حكم فيهم بالقتل، ونسخ آية السيف). ونحن لا نجد دليلاً صحيحاً يثبت النسخ هنا، بل يشير كلام المؤلف في آيتي النحل: وهما: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} أن أمثال هذه الآية لا يقول بنسخها. والله أعلم. 4 الآية (135) من سورة طه. 5 قلت: ذكر النسخ هنا هبة الله في ناسخه (64) أما المؤلف فأسلوبه، في مختصر عمدة الراسخ كأسلوبه هنا حيث لم يبد رأياً فيه، إنما نقل قول النسخ في زاد المسير، فقال: (وليس بشيء) ولم يتعرض لقول النسخ في هذين الآيتين الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 باب: ذكر الآيات التي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ. ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} 1. اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ كَانَتْ تَظْهَرُ مِنْهُمْ فَلَتَاتٌ ثُمَّ يُجَادِلُونَ عَلَيْهَا فَأُمِرَ أَنْ يَكِلَ أُمُورَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالآيَةُ عَلَى هَذَا مُحْكَمَةٌ3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} 4 فيها قولان: أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّ فِعْلَ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّهِ لا يُتَصَوَّرُ مِنْ أَحَدٍ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلاءِ في ناسخها على قولين:   1 الآية (68) من سورة الحج ّ. 2 ذكره هبة الله في ناسخه ص: 66. 3 في النسختين غير واضحة قومتها حسبما وجدت في تفسير المؤلف ومختصر عمدة الراسخ، لم يتعرض الطبري وابن كثير للنسخ في هذه الآية بل فسراها بما يؤيد الإحكام. انظر: جامع البيان 17؛ وتفسير القرآن العظيم 3/ 34. 4 الآية (78) من سورة الحجّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 1، وَالثَّانِي: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 2. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، لِأَنَّ حَقَّ الْجِهَادِ الْجِدُّ فِي الْمُجَاهَدَةِ، وَبَذْلُ الإِمْكَانِ مَعَ صِحَّةِ الْقَصْدِ. فعلى هَذَا هِيَ مُحْكَمَةٌ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الله تعالى لم يؤمر بِمَا لا يُتَصَوَّرُ، فَبَانَ أَنَّ قوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} تَفْسِيرٌ لِحَقِّ الْجِهَادِ فَلا يَصِحُّ نَسْخٌ، كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 3.   1 الآية (286) من سورة البقرة. 2 الآية (16) من سورة التغابن. 3 الآية (102) من آل عمران. في (م): اتق بالإفراد وهو خطأ من الناسخ. قلت: مال المؤلف إلى إحكام الآية في زاد المسير5/ 459،ومختصر عمدة الراسخ الورقة العاشرة، وهو اختيار النحاس ومكي به أبي طالب. انظر: الناسخ والمنسوخ (192)؛ والإيضاح (310). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 باب: ذكر الآيات (التي) 1 ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ2 ذِكْرُ الآيَةِ الأَولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} 3 أَيْ: فِي (عَمَايَتِهِمْ) 4 وَحِيرَتِهِمْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ مَا وَعَدُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ أَمْ لا، عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ لِأَنَّهَا اقْتَضَتْ تَرْكَ الْكُفَّارِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ5. وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهَا الْوَعِيدُ وَالتَّهْدِيدُ، فَهِيَ مُحْكَمَةٌ6. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} 7.   1 في (هـ): اللواتي. 2 في (هـ): المؤمنين. 3 الآية (54) من سورة المؤمنون . 4 وقد ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير5/ 479 عن الزجاج. 5 ذكره ابن حزم في ناسخه ص: 349، وابن سلامة في ناسخه ص: 67. 6 ذكر المؤلف في زاد المسير5/ 479، وفي مختصر عمدة الراسخ الورقة العاشرة، نفس ما ذكره هنا. كما فسر الطبري وابن كثير الآية بما يؤيد إحكامها. انظر: جامع البيان 18/ 24؛ وتفسير القرآن العظيم 3/ 247. 7 الآية (96) من سورة المؤمنون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 للمفسرين في معنا هذا أربعة أقوال: أحدها: ادفع إساءة المسيء (بالصفح) قاله الْحَسَنُ1. وَالثَّانِي: ادْفَعِ الْفُحْشَ بِالإِسْلامِ، قَالَهُ عَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ2. وَالثَّالِثُ: ادْفَعَ الشرك بالتوحيد قاله بن السَّائِبِ. وَالرَّابِعُ: ادْفَعَ الْمُنْكَرَ بِالْمَوْعِظَةِ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ3. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لا حَاجَةَ بِنَا إِلَى الْقَوْلِ بِالنَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْمُدَارَاةَ مَحْمُودَةٌ مَا لَمْ تَضُرَّ بِالدِّينِ، وَلَمْ تُؤَدِّ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ وَإِثْبَاتِ بَاطِلٍ4.   1 ذكر السيوطي في الدر المنثور5/ 14، عن عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد، في قوله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} أعرض عن أذاهم إياك. 2 ذكره السيوطي في المصدر السابق وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء. 3 ذكر المؤلف في زاد المسير 5/ 488 - 489، هذه الآراء الأربعة عمن ذكرهم هنا. كما ذكر النسخ ابن حزم في ناسخه ص: 349 وابن سلامة في ناسخه (67). 4 قلت: أورد المؤلف قول النسخ في المصدر السابق عن بعضهم، ولم يرجح، وأورده في مختصر عمدة الراسخ الورقة العاشرة عن البعض ثم رده بمثل ما رد به هنا. ولم يتعرض له النحاس ولا مكي بن أبي طالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 باب: ذكر الآيات (التي) 1 ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ النُّورِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} 2. قَالَ عِكْرِمَةُ هَذِهِ الآيَةُ فِي بَغَايَا كُنَّ بِمَكَّةَ أَصْحَابَ رَايَاتٍ وَكَانَ لا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ إِلا زَانٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشْرِكٍ، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ3. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: الزَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ أُولَئِكَ الْبَغَايَا إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً؛ لِأَنَّهُنَّ كَذَلِكَ، وَالزَّانِيَةُ مِنْ أُولَئِكَ الْبَغَايَا لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ4. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قال: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قال: بنا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ ابن أحمد، قالت: بنا عبد الله بن أحمد،   1 في (هـ): اللواتي. 2 الآية الثالثة من سورة النوز. 3 ذكر نحو هذا المعنى الطبري في تفسيره18/ 55، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وغيرهم، كما ذكره المؤلف في زاد المسير6/ 9 عن عكرمة، وفيه: (كن بمكة ومنهن تسع صاحب رايات وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير). 4 تجد في تفسير الآية الثالثة من سورة النور في جامع البيان 48/ 50 - 57 نص كلام الطبري والآثار المروية في ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 قال: حدثني أبي، قال: بنا هُشَيْمٌ، وَأَبْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابن شاذان، قال بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا وهب بن بقية عن هشيم، قَالَ: أَبْنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} قَالَ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا: {وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ} 1. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ2.   1 الآية (32) من سورة النور. والأثر رواه الطبري بأسانيد صحيحة عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي المصدر نفسه. 2 قال الإمام الشافعي رحمه الله بعد أن روى قول ابن المسيب بإسناده: (فهذا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إِنْ شاء الله وعليه دلائل من القرآن والسنة). قلت: المؤلف رحمه الله لم يبد رأيه في نسخ الآية - كما هنا -، في مختصر عمدة الراسخ، ولم يتعرض في تفسيره لدعوى النسخ، وأما النحاس فيورد أربعة أقوال في الآية: الأول: أنها منسوخة، على رأي ابن المسيب رحمه الله. والثاني: أنها محكمة ومعناها الوطأ، هذا على رأي ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو اختيار الطبري. والثالث: الزاني المجلود في الزنا لا ينكح إلا مجلودة مثله، وهو مروي عن أبي هريرة والحسن، ثم قال النحاس وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخاً. والرابع: وهي الزانية التي تكتسب بزناها، وتنفق على زوجها، وهذا المعنى مروي عن عبد الله بن عمرو، وهو قول مجاهد ثم قال النحاس: هذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية، فإذا صح جاز أن تكون الناسخة بعده والله أعلم بحقيقة ذلك. هكذا أورد مكي بن أبي طالب الآراء الأربعة عن أصحابها ولم يرجح راياً دون آخر. وأما الإمامان ابن جرير، وابن كثير، فقد فسرا بما يؤيد إحكام الآية، وإليك نص ما ذكره ابن كثير بعد إيراد هذه الآية: (هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك الزانية لا ينكحها إلا زان، أي: عاص أو مشرك لا يعتقد تحريمه) ثم يروي نحو هذا المعنى من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويقول: هذا إسناد صحيح عنه، وقد روى عنه من غير وجه، كما روى عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد نحو ذلك. ويقول ابن كثير أيضاً: (ومن هنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على امرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت، صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} انتهى. وقد ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير، وقال: (وهو مذهب أصحابنا). وقد ناقش أستاذنا الدكتور مصطفى زيد هذه الآية مناقشة جدية في كتابه النسخ في القرآن الكريم، فيقول في نهاية المناقشة: (إن علاقة الآيتين الناسخ والمنسوخ هنا من نوع علاقة الخاص الإضافي بالعام، تخصيص عمومه ولا تنسخ به وقد أسلفنا أن الحنفية يسمون مثل هذا نسخاً، إن كان العمل بالعام فيه ممكناً قبل نزول الخاص، فإن الخاص حينئذ، يعتبر ناسخاً للعام بمعنى أنه رفع الحكم، عن أفراد كان العام يشملهم قبل أن ينزل الخاص، أما إذا لم يكن العمل بالعام ممكناً قبل نزول الخاص فلا خلاف بين الأئمة في أن نزول الخاص بعده مخصص له، لا ناسخ). انظر في ذلك كله: كتاب الأم للإمام الشافعي5/ 10؛ وأحكام القرآن له1/ 178؛ والسنن الكبرى للبيهقي7/ 154؛ وزاد المسير6/ 9؛ ومختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (10)؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 193 - 194؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 312 - 313؛ وتفسير جامع البيان18/ 55 - 57؛ وتفسير القرآن العظيم 3/ 262؛ والنسخ في القرآن الكريم الجزء الثاني، فقرة 1185 - 1196. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} 1. زَعَمَ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ، مِنْ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ، أَنَّهَا نُسِخَتْ (بِالاسْتِثْنَاءِ) 2 بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا} 3 وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لا يَكُونُ نَاسِخًا4. ذِكْرُ الآية الثالثة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} الآيَةَ5. ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُ نُسِخَ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّهْيِ الْعَامِّ حُكْمُ الْبُيُوتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ يُسْتَأْذَنُونَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} 6.   1 الآية الرابعة من سورة النور. 2 في (هـ): استثنى، وهو خطأ إملائي. 3 الآية الخامسة من سورة النور. 4 ذكر مكي بن أبي طالب: دعوى النسخ هنا عن أبي عبيدة وغيره، لأنها أوجبت ترك قبول شهادة القاذف على الأبد، ثم نسخه بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ثم قال مكي: (وهذا عند جميع العلماء ليس بنسخ إنما هو استثناء بحرف الاستثناء، ولو وجب هذا لكان كل استثناء ناسخاً للمستثنى منه وهذا لا يقوله أحد) انتهى من الإيضاح ص: 317. وأما المؤلف فلم يذكر النسخ في مختصر عمدة الراسخ وإنما نقل ذلك بمعنى الاستثناء في تفسيره عن جماعة ثم رجح قول من قال: بأن الاستثناء يعود إلى جميع الآية، فإذا تاب القاذف ارتفع الفسق فتقبل شهادته، وهو قول الجمهور. انظر: زاد المسير 6/ 12. 5 الآية (27) من سورة النور. 6 الآية (29) من سورة النور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أبنا محمد بن قهزاذ، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:1 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} الآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} (وَهَذَا) 2 مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ3، (وَلَيْسَ هَذَا نَسْخٌ) 4 إِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصٌ5. وَالثَّانِي: أَنَّ الآيَتَيْنِ محكمتان (فالاستئذان) 6 شَرْطٌ فِي الأُولَى، إِذَا كَانَ للدار أهل، و (الثانية) 7 وَرَدَتْ فِي بُيُوتٍ لا سَاكِنَ لها   1 في (م): (وقال) زيادة، ولعلها من الناسخ. 2 في (هـ): ولهذا، وهو خطأ. 3 أخرج الطبري والنحاس هذا القول عن ابن عباس بسند ضعيف، كما ذكره النحاس عن عكرمة والحسن، وذكره مكي بن أبي طالب عن ابن عباس بدون إسناد، ثم قال النحاس ومكي: إن الآيتين محكمتان عند أكثر أهل التأويل. انظر: جامع البيان15/ 87؛ والناسخ والمنسوخ ص: 195؛ والإيضاح ص: 316. 4 في (م): وليس ولهذا نسخ، وهو تحريف. 5 ذكر ذلك المؤلف في مختصر عمدة الراسخ الورقة العاشرة. 6 في (هـ): قال استيذ، وهو تحريف. 7 في (م): والثاني بالتذكير، وهو خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 (وَالإِذْنُ) 1 لا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ آذِنٍ، فَإِذَا بَطُلَ الاسْتِئْذَانُ لَمْ يَكُنِ الْبُيُوتُ الْخَالِيَةُ دَاخِلَةٌ فِي الأُولَى، وَهَذَا أَصَحُّ2. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} 3. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الرِّدَاءُ4. وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ هَذَا نَسْخٌ، بِقَوْلِهِ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُن} 5.أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن قهزاذ قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَزِيدَ النحوي عن عكرمة عن بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ} إِلَى قَوْلِهِ: {لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ} 6 نسخ ذلك   1 في (م): الآن، وهو تحريف. 2 أورد المؤلف من القول الثاني إلى قوله: وهذا أصح، بنصها في زاد المسير 6/ 29، بعد أن عزا قول النسخ إلى الحسن وعكرمة. 3 الآية (31) من سورة النور. 4 في (هـ) الرد، وهو خطأ. وقد ذكر الإمام الطبري هذا المعنى عن ابن مسعود بطرق عديدة في جامع البيان5/ 18، 92. 5 الآية (60) من سورة النور. 6 الآية (31) من سورة النور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 وَاسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} 1 وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ2 وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الآيَةَ الأُولَى فِيمَنْ يَخَافُ (الافْتِتَانَ) 3 بِهَا وَهَذِهِ الآيَةُ فِي الْعَجَائِزِ، فَلا نَسْخَ4. ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} 5. زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ6 وَلَيْسَ هَذَا صَحِيحًا، فَإِنَّ الأَمْرَ بِقِتَالِهِمْ لا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ، وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَمَتَى لَمْ يَقَعِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَمْ يكن] نسخ [7.   1 الآية (60) من سورة النور. 2 أورد هذا القول مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 318 - 319، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 3 في (هـ): الإفسار بها، وهو تحريف. 4 قلت: لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية في زاد المسير ولا في مختصر عمدة الراسخ، وقد أورده ابن حزم في ناسخه (351) وابن سلامة في ناسخه (70) بدون أن يستندا إلى أي دليل كعادتهما، وأما مكي بن أبي طالب فيقول بعد عزو قول النسخ إلى ابن عباس: (وقد يكون قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} مخصوصاً في غير القواعد، وتكون آية القواعد خصصتها، وبينت أنها في غير القواعد من النساء ودليل ذلك أن حكم الأولى لم يزل بكليته إنما زال بعضه، وأكثر النسخ وبابه، وأصله إنما هو بزوال الحكم وحلول الثاني محله، وباب التخصيص معناه: زوال بعض حكم الأول، وبقاء ما بقي على حكمه، فهذا بالتخصيص أشبه منه بالنسخ) انتهى من الإيضاح (319). 5 الآية (54) من سورة النور. 6 ذكر النسخ هنا ابن حزم في ناسخه ص: 351، وابن سلامة في ناسخه (70)، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (30). 7 ما بين الخطين المزدوجين غير موجودة قي النسختين، أضفتها نظراً للسياق. قلت: أورد المؤلف قول النسخ في تفسيره6/ 56 وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (10) ثم رد ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1. اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: (بنا) 2 عفان، قال: بنا أبو عوانة، قال: بنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ بِهِ {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَمَا نُسِخَتْ قَطُّ3. قَالَ أَحْمَدُ: وبنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زيد4. (فقد) 5 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أبنا عمر، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا هشيم، قال: بنا شعبة عن دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ ابن   1 الآية (58) من سورة النور. 2 في (هـ) بن، وهو تحريف. 3 أخرج الطبري نحوه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي جامع البيان 17/ 125. 4 أخرجه الطبري في المصدر السابق عن الشعبي، كما ذكره النحاس في ناسخه (198) عنه وعن الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَجَابِرِ بْنِ زيد، وذكره ابن العربي في أحكام القرآن 3/ 1396، وعزاه إلى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. 5 في (هـ): وقال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 المسيب، قال: هذه الآية منسوخة1. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ2: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} 3 وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ} أَيْ: مِنَ الأَحْرَارِ (الْحُلُمَ) 4 فَلْيَسْتَأْذِنُوا، أَيْ: فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْكُمْ {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: كَمَا اسْتَأْذَنَ الأَحْرَارُ الْكِبَارُ الَّذِينَ بَلَغُوا قَبْلَهُمْ، فَالْبَالِغُ يَسْتَأْذِنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالطِّفْلُ وَالْمَمْلُوكُ يستأذنان في العورات الثلاث5.   1 ذكره النحاس في الناسخ والمنسوخ (197) ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (319) عن سعيد بن المسيب، ولم يذكرا عنه ما نسخها. 2 في (هـ): تعالى. 3 الآية (59) من سورة النور. 4 في (هـ): الحكم، وهو تحريف. 5 قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ أصلاً، وقد عرض الآراء، ورجح الإحكام في زاد المسير 6/ 62، فأما النحاس فيروي عن عكرمة أن رجالاً من أهل العراق سألوا ابن عباس، كيف ترى في هذه الآية من كتاب الله عزوجل قوله تعالى. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لا يعمل بها أحد؟ قال ابن عباس: إن الله رفيق حليم رحيم بالمؤمنين يحب السترة عليهم، وكان القوم ليس لهم مستور ولا جمال، فربما دخل الخادم أو الولد أو اليتيمة وهو مع أهله في حال جماع، فأمر الله بالاستئذان في هذه الحالات الثلاث … ) وقال في رواية أخرى، عن عكرمة عن ابن عباس رصي الله عنهما: (ثم جاء بالستر وبسط الرزق، فاتخذ الناس الستور والجمال فرأى الناس ذلك قد كفاهم من الاستيذان الذي أمروا به). قال النحاس عن هذا القول: (إنه مشبه حسن، وليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على أنها كانت على حال ثم زالت فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان) انتهى من الناسخ والمنسوخ (198) ويقول مكي بن أبي طالب في الإيضاح (320): "وأكثر العلماء على أن الآية محكمة، وحكمها باق والاستئذان في هذه الأوقات واجب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} 1. هَذِهِ الآيَةُ كُلُّهَا مُحْكَمَةٌ، وَالْحَرَجُ الْمَرْفُوعُ عَنْ أَهْلِ الضُّرِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: المعنى: ليس عليكم في مواكلتكم حَرَجٌ، لِأَنَّ الْقَوْمَ تَحَرَّجُوا (وَقَالُوا) 2: الأَعْمَى لا يُبْصِرُ مَوْضِعَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، وَالْمَرِيضُ لا يَسْتَوْفِي الطَّعَامَ، فكيف نواكلهم3 وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَلْ كَانُوا يَضَعُونَ مَفَاتِحَهُمْ إِذَا غَزَوْا عِنْدَ أَهْلِ (الضُّرِّ) 4 وَيَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا فَيَتَوَرَّعُ أُولَئِكَ عَنِ الأَكْلِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية5.   1 الآية (61) من سورة النور. 2 في (هـ): وقال، بالإفراد. وهو خطأ. 3 أخرجه الطبري، في جامع البيان 18/ 129 وذكره الواحدي في أسباب النزول ص: 223 بدون إسناد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور5/ 58 ونسبه إلى ابن أبي حاتم، عن سعيد به جبير. 4 في (هـ): ضرر، وهو تحريف. 5 ذكر نحوه النحاس في ناسخه عن سعيد بن المسيب، وعن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة، كما ذكر الواحدي بإسناده عن سعيد بن جبير نحوه. انظر. الناسخ والمنسوخ ص: 201؛ وأسباب النزول (223). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 وَأَمَّا الْبُيُوتُ الْمَذْكُورَةُ فَيُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ الأَكْلُ مِنْهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِبَذْلِ أهلها الطعام لأهلهم، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْكَمٌ، وَقَدْ زَعَمَ بعضهم: أنها منسوخة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 1 وليس هذا بقول فقيه2.   1 الآية (69) من سورة النساء وقد ذكر دعوى النسخ النحاس عن ابن زيد ولم يعين الناسخ، كما ذكره مكي بن أبي طالب عنه، وقال: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} الآية منسوخة بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 199؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 321. 2 لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هده الآية، في زاد المسير ولا في مختصر عمدة الراسخ أصلاً. وقال مكي بن أبي طالب في نهاية مناقشة هذه الآية في المصدر السابق: (وقال أكثر أهل التأويل الآية محكمة، وذلك أنهم كانوا إذا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد، وضعوا مفاتحهم عند أهل العلة والزمانة المتخلفين عن الجهاد لعذرهم وعند أقربائهم، وكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك فكان المتخلفون يتقون أن يأكلوا مما في بيوت الغير، ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم طيبة، فأنزل الله تعالى ذكره، هذه الآية تحل لهم ذلك، وهذا التفسير مروي عن عائشة رضي الله عنها، وقاله ابن المسيب أيضاً) انتهى من الإيضاح الصفحات السابقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ. ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} 1. زعم الكلبي2 أنه مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَفَأَنْتَ تَكُونُ حَفِيظًا عَلَيْهِ تَحْفَظُهُ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ؛ فَلَيْسَ لِلنَّسْخِ وَجْهٌ3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} 4. قَالَ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِهَا: "لا يَجْهَلُونَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ جَهِلَ عليهم حلموا"5. وَهَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.   1 الآية (43) من سورة الفرقان. 2 أما الكلبي، فهو: محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي المفسر، متهم بالكذب، ورمي بالرفض، من السادسة. انظر: التقريب (298). 3 قلت: أعرضت معظم كتب النسخ والتفسير عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية، وقد أورد كلام الكلبي، المؤلف في زاد المسير6/ 92 بدون تعليق! ورده في مختصر عمدة الراسخ ورقة (10) بمثل ما رد به هنا. وفسره الطبري بما يؤيد إحكامه في: 19/ 21 من جامع البيان. 4 الآية (63) من سورة الفرقان. 5 ذكر الطبري هذا المعنى عن الحسن ومجاهد، في تفسيره لهذه الآية 19/ 22. وذكره المؤلف عن الحسن في زاد المسير 6/ 101، وقال: عن مقاتل بن حيان " (قالوا سلاماً) أي: قولاً يسلمون فيه من الإثم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ غَيْرُ السَّلامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّلامَ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ، وإنما المراد بالسلام التسلّم، أَيْ: تَسَلُّمًا مِنْكُمْ وَمُتَارَكَةً لَكُمْ، كَمَا يَقُولُ: بَرَاءَةٌ (مِنْكَ) 1 أَيْ: لا أَلْتَبِسُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ اسْمَ الْجَاهِلِ يَعُمُّ الْمُشْرِكَ وَغَيْرَهُ، فَإِذَا خَاطَبَهُمْ مُشْرِكٌ، قَالُوا: السَّدَادَ وَالصَّوَابَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَحُسْنُ (الْمُحَاوَرَةِ) 2 فِي الْخَطَّابِ لا يُنَافِي الْقِتَالَ. فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقّ} - إِلَى قَوْلِهِ - {إِلاّ مَنْ تَابَ} 4. لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلِهَؤُلاءِ فِي نَاسِخِهَا ثَلاثَةُ أقوال: أحدها: أَنَّهُ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} 5، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا6 وَالأَكْثَرُونَ عَلَى خِلافِهِ فِي أن القتل لا   1 في (هـ): منكم. 2 في (هـ): مجاورة، بالجيم، فهو تصحيف. وقد أحرج الطبري نحو هذا المعنى عن الحسن في جامع البيان 19/ 22. 3 ذكر النحاس في ناسخه ص: 202 - 203 ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 324، والمؤلف في زاد المسير 6/ 101، دعوى النسخ في هذه الآية دون أن يبدوا آرائهم فيه. ولم يتعرض له المؤلف في مختصر عمدة الراسخ أصلاً. 4 الآية (68 - 70) من سورة الفرقان. 5 الآية (93) من سورة النساء. 6 ذكره الطبري والنحاس بإسنادهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: جامع البيان19/ 28؛ والناسخ والمنسوخ (11). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 يُوجِبُ الْخُلُودَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ، مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} الآيَاتِ نَسَخَهَا قَوْلُهُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} فَمَعْنَاهُ نَزَلَ بِنُسْخَتِهَا1. وَالآيَتَانِ وَاحِدٌ، لِأَنَّ هَذَا لا يَقَعُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 2. الآيَةَ (وَهَذَا لا يَصِحُّ، لِأَنَّ الشِّرْكَ لا يُغْفَرُ إِذَا مَاتَ الْمُشْرِكُ عَلَيْهِ) 3. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ نُسِخَتْ بِالاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ: {إِلاّ مَنْ تَابَ} وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَالْخُلُودُ إِنَّمَا كَانَ لِانْضِمَامِ الشِّرْكِ إلى القتل والزنا4.   1 ذكر النحاس هذا القول عن بعض العلماء مثبتاً إحكام الآية بوجهة نظره. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 112، وراجع أيضاً مناقشة آية (93) من سورة النساء مما سبق. 2 الآية (48) من سورة النساء. 3 العبارة قلقة في (هـ) وقد جاء فيها: (لأن الشرك لا يغفر أن يشرك الآية وهذا لا يصح) ولعله من الناسخ. 4 ناقش المؤلف واقعة النسخ في هذه الآية في زاد المسير6/ 106، نحو ما ناقشها هنا عرضاً وترجيحاً، ولم يتعرض لها في مختصر عمدة الراسخ أصلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ. قَوْلُهُ تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} 1. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابن أيوب، قل: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتُثْنِيَ، فَقَالَ: {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً} 2. قُلْتُ: وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ، وَلا يُعَوَّلُ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ الأَلْفَاظُ مِنْ تَغْيِيرِ (الرُّوَاةِ) 3 وَإِلا فَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح،   1 الآية (124) من سورة الشعراء . 2 الآية (127) من السورة نفسها. والأثر أخرج الطبري نحوه عن عكرمة من طريق الحسين بن واقد، سبق أن قلنا مراراً إن علي بن الحسين قد تكلم فيه النقاد، ونرى المؤلف هنا يرفض هذه الرواية وقد جاء عند النحاس هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ من طريق جويبر، وهو أيضاً ضعيف جداً كما قال الحافظ في التقريب (58). انظر: جامع البيان 19/ 19؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 203. 3 في (هـ): الروايات، وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عن علي بن أيي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَهَذَا هُوَ اللَّفْظُ الصَّحِيحُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِنَّ هَذَا هُوَ (اسْتِثْنَاءٌ) 1 لا نَسْخٌ وَإِنَّمَا الرُّوَاةُ تَنْقِلُ، بِمَا (تظنه) 2 المعنى فيخطئون3.   1 في (م): استثنى، وهو خطأ إملائي. 2 في (هـ): (مطه)، وهو تحريف ظاهر. 3 أخرجه الطبري والنحاس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، ثم قال النحاس: (وهذا أحسن ما قيل في الآية) وهو اختيار الطبري ومكي بن أبي طالب أيضاً، يقول بعد عزو دعوى النسخ إلى ابن عباس: (إنما هو استثناء وقد ورد ذلك كثير في القرآن عن ابن عباس فيها حرف الاستثناء، وهو يقول: إنه نسخ وهو لفظ مجاز لا حقيقة) ولم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية لا تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ. انظر: جامع البيان19/ 79؛ والناسخ والمنسوخ ص: 204؛ والإيضاح ص: 326 - 327. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النسخ في سورة النَّمْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} 1. رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى جِنْسِ هَذَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ2.   1 الآية (92) من سورة النمل . ودعوى النسخ في عجزها، هو قوله: {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} صرح بذلك المؤلف في زاد المسير6/ 198؛ ولم يرجح، وأما في مختصر عمدة الراسخ ورقة (10) فذكر قول النسخ واختار الإحكام. 2 انظر مناقشة الوقائع المشابهة لها مما سبق مثلاً الآية (12) من سورة هود، و (89) من سورة الحجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِاللَّغْوِ هَاهُنَا، فَقَالَ: مُجَاهِدٌ: هُوَ الأَذَى وَالسَّبُّ2، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الشِّرْكُ3. فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ (ادِّعَاءُ) 4 النَّسْخِ5. وَقَوْلُهُ: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَنَا حِلْمُنَا وَلَكُمْ سَفَهُكُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، وَقَوْلُهُ: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يُرِيدُوا التَّحِيَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ (الْمُتَارَكَةُ) 6 (وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْقِتَالِ) 7 وَقَوْلُهُ: {لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} أي:   1 الآية (55) من سورة القصص . 2 ذكر الطبري هذا المعنى بإسناده عن مجاهد، وذكره المؤلف في زاد المسير عنه، بدود إسناد. انظر: جامع البيان20/ 58؛ وزاد المسير6/ 230. 3 ذكره المؤلف عن الضحاك في المصدر نفسه. 4 في (م): أدعى، وهو خطأ إملائي. 5 لم أجد من ذكر النسخ في هذا الجزء من الآية، بل صرح هبة الله الذي يسرف في القول بالنسخ بأن هذا القول محكم، والمنسوخ ما بعده. انظر. الناسخ والمنسوخ له ص: 73. 6 في (م) أ: المباركة، وفي (هـ): التاركة، كلاهما تحريف، والصواب ما أثبت عن زاد المسير 6/ 230. 7 في (هـ): (وقال: هذا قبل أن يؤمر بالقتال). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 لا نَطْلُبُ (مُجَاوَرَتَهُمْ) 1 قَالَ الأَكْثَرُونَ: فَنُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ، بِآيَةِ السَّيْفِ2.   1 في (م): مجاوزتهم، وفي (هـ): محادرتهم، كلاهما تحريف والصواب ما سجلت من المصدر السابق. 2 أورد المؤلف هذه القضية بنصها في زاد المسير 6/ 230، وأوردها بالاختصار في مختصر عمدة الراسخ بدون ترجيح. قلت: نحن لو رجعنا إلى كلام المؤلف في سورة البقرة عند قوله تعالى: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} البقرة (139) حيث يورد أربعة أوجه لإثبات إحكام الآية نجد أن وجهين منها تنطبقان على هذه الآية أيضاً، وهما: أن الآية خبر خارج مخرج الوعيد والتهديد، وأن المنسوخ ما لا يبقى له حكم، وحكم هذا الكلام لا يتغير فإن كل عامل له جزاء عمله فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم. راجع مناقشة الآية المذكورة، وراجع أيضاً مناقشة الآية (15) من الشورى من هذا الكتاب حيث أثبت هناك إحكام ما تشبه هذه الآية. وأما قوله: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} فقد سبق آنفاً رد المؤلف في آية الفرقان على فرض أن المراد بالجاهلين، هم المشركون، فمعناه: قالوا: السداد والصواب في الرد عليه. وحسن المحاورة في الخطاب لا ينفي القتال فلا وجه للنسخ. انظر: مما سبق مناقشة الآية (43) من سورة الفرقان. ويؤيد ذلك قول مكي بن أبي طالب في الآية حيث قال: ذكر بعض العلماء أن الآية منسوخة بالنهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن السلام على الكفار، وقيل: هي منسوخة بالقتال. والذي عليه أهل النظر - وهو الصواب - أنها محكمة غير منسوخة، ومعنى: السلام فيها: المتاركة والمداراة من الكفار، وليس سلام التحية المحظور، بقوله: {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} طه (47). ويقول عن قوله: {لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} قال مجاهد: لا نطلب عمل الجاهلين، فهي محكمة. انظر: كلام مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 328. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1. اختلفوا فيها على قولين: أحدهما: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} 2 قَالهَ قَتَادَةُ وَابْنُ السَّائِبِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا أَبِي، وَأَبْنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ هَمَّامٍ كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} فَلا مُجَادَلَةَ أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ3.   1 الآية (46) من سورة العنكبوت . 2 الآية (29) من سورة التوبة. 3 الأثر أخرج الطبري والنحاس بإسنادهما عن قتادة نحوه. انظر: جامع البيان21/ 3؛ والناسخ والمنسوخ (205). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا ثَابِتَةُ الْحُكْمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ ابْنُ زَيْدٍ1. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا قَيْسٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: مَنْ أَدَّى مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ فَلا تَقُلْ لَهُ إِلا حُسْنًا2. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وإنما أنا نذير مبين} 3.   1 ذكره الطبري بإسناد عن ابن زيد كما ذكره النحاس ومكي بن أبي طالب عنه. انظر: جامع البيان21/ 3؛ والناسخ والمنسوخ ص: 205؛ والإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص: 330. 2 أخرجه النحاس عن مجاهد في المصدر السابق، ثم قال: (قول مجاهد أحسن. لأن أحكام الله لا ينبغي أن يقال: إنها منسوخة إلا لدليل يقطع العذر أو حجة من معقول) وقد ذكر مكي بن أبي طالب أيضاً قول الإحكام عن مجاهد في المصدر السابق، وهو اختيار ابن جرير الطبري ويقول في المصدر السابق: "لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة؛ لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من نظرة عقل". أما المؤلف، رحمه الله، فقد أورد الرأيين في مختصر عمدة الراسخ بدون ترجيح، وذكر النسخ في تفسيره عن قتادة والكلبي، كما ذكر الإحكام عن ابن زيد. انظر: مختصر عمدة الراسخ الورقة العاشرة؛ وزاد المسير 276 - 277. 3 الآية (50) من سورة العنكبوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا لَوْ كَانَ فِي قَوْلِهِ وَمَا {أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ} احْتَمَلَ، فَأَمَّا هَاهُنَا فَلا. لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أَثْبَتَتْ أَنَّهُ نَذِيرٌ، وهو نَذِيرٌ، وَيُؤَيِّدُ إِحْكَامَهَا، أَنَّهَا خَبَرٌ1.   1 قلت: لم يتعرض الطبري ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب ولا ابن كثير لدعوى النسخ في هذه الآية، بل فسر الطبري وابن كثير الآية بما يؤيد إحكامها، وأما المؤلف فقد ذكر النسخ عن البعض في تفسيره ولم يذكره في مختصر عمدة الراسخ، إنما أثبت إحكام مثل هذه الآية أيضاً في سورة فاطر الآية (23). انظر: جامع البيان 21/ 6؛ وتفسير القرآن العظيم3/ 418؛ وزاد المسير 6/ 275. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الرُّومِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} 1. زَعَمَ السُّدِّيُّ: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ لَوْ كَانَ الأَمْرُ بِالصَّبْرِ عَنْ قِتَالِهِمْ فَأَمَّا إِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ صَبْرًا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ عَمَّا نُهِيَ عنه لم يتصور نسخ2.   1 الآية (60) من سورة الروم . وفي (هـ): فاصبروا، بالجمع وهو خطأ من الناسخ. 2 ذكر النسخ هنا هبة الله في ناسخه (74) ولم يتعرض له النحاس ومكي بن أبي طالب، ولا المؤلف في مختصر عمدة الراسخ، إنما ذكره في زاد المسير6/ 313 عن بعض المفسرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} 1. ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُسِخَ مَعْنَاهَا لا لَفْظُهَا بِآيَةِ السَّيْفِ2، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَضَمَّنَتِ التَّسْلِيَةَ لَهُ عَنِ الْحُزْنِ، وَذَلِكَ لا يُنَافِي القتال3.   1 الآية (23) من سورة لقمان . 2 ذكر النسخ هنا ابن حزم الأنصاري في ناسخه ص: 355 بآية السيف. 3 قلت: فسر الطبري وابن كثير هذه الآية بما يؤيد إحكامها ورد المؤلف في تفسيره على دعوى النسخ فيها. انظر: جامع البيان 21/ 38؛ وتفسير القرآن العظيم 3/ 440؛ وزاد المسير 6/ 325. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ} 1. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، مَعْنَاهُ: لا تُجَازِهِمْ عَلَيْهِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي كِفَايَةِ شَرِّهِمْ قَالُوا وَنُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنّ} 3.   1 الآية (48) من سورة الأحزاب . 2 قلت: لم يشر إلى النسخ في هذه الآية الطبري وابن كثير والنحاس ومكي بن أبي طالب، بل تفسير الطبري للآية يؤيد إحكامها حيث قال: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} يقول: (أعرض عن أذاهم لك واصبر عليه ولا يمنعك ذلك عن القيام لأمر الله في عباده والنفوذ لما كلفك) واستدل على تأويله بالآثار الواردة عن مجاهد وقتادة في هذا المعنى، ويقول عن قوله {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}: أي فوض إلى الله أمورك وثق به، فإنه كافيك جميع من دونه حتى يأتيك أمره وقضاؤه {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} يقول: وحسبك بالله قيّماً، وحافظاً لك وكالئاً. وأمّا المؤلف فقد ذكر النسخ عن العلماء، في تفسيره، وقال: في مختصر عمدة الراسخ: (زعم جماعة من المفسرين أنها نسخت بآية السيف. انظر: جامع البيان 22/ 15؛ وزاد المسير 6/ 400؛ ومختصر عمدة الراسخ الورقة (11). 3 الآية (49) من سورة الأحزاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِمَنْ هَذِهِ الْمُتْعَةُ، فَقَالَ الأَكْثَرُونَ: هِيَ لِمَنْ لَمْ (يُسَمِّ) 1 لَهَا مَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} 2 وَهَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ: ] أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا واجبة للمطلقة التي لم يسم لَهَا مَهْرًا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ [3 وَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَقَالَ قَوْمٌ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِهَذِهِ الآيَةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 4. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، قال: بنا أبي، قال: بنا (محمد بن سواء) 5.   1 في (م) و (هـ): يسمى، وهو خطأ إملائي. 2 الآية (237) من سورة البقرة. 3 ما بين الخطين المزدوجين لم أجدها في النسختين وقد وجدتها في كتاب المؤلف مختصر عمدة الراسخ ورقة (11) الذي سبق أن قلنا في المقدمة إنه يغلب على ظني أن مختصر عمدة الراسخ، وهو مختصر لهذا الكتاب، والظاهر أن هذه العبارة سقطت من النساخ، ولا يتضح المعنى المطلوب إلا بها، لذا أضفتها إلى المتن. 4 من بداية الآية الثانية إلى هذا الحد ذكرها المؤلف بنصها في مختصر عمدة الراسخ بالمصدر نفسه. 5 غير واضحة من (هـ) وفي (م): سوا، والصواب ما أثبت عن كتب التراجم. وهو: محمد بن سواء بن عنبر السدوسي أبو الخطاب البصري وكان كفيفاً، وهو صدوق من التاسعة مات سنة بضع وثمانين ومائتين. انظر: التهذيب 9/ 208؛ والتهذيب ص: 300. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 قال: بنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنّ} قَالا: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَهَا الْمَتَاعُ1. قَالَ أَحْمَدُ: وبنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 2 فَصَارَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلا مَتَاعَ لَهَا3. قَالَ سَعِيدٌ: وَكَانَ قتادة يأخذ بهذا. قال أحمد: وبنا حُسَيْنٌ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنّ} الآية قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ نَسَخَ هَذَا الْحَرْفُ4 الْمُتْعَةَ {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 5.   1 ذكر نحوه السيوطي معزياً إلى عبد بن حميد عن الحسن وأبي العالية. انظر: الدر المنثور5/ 207. 2 الآية (237) من سورة البقرة. 3 ذكره الطبري بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي جامع البيان 22/ 15، وليس فيه: (فَصَارَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلا متاع لها). وذكر نحوه السيوطي أيضاً في الدر المنثور 5/ 207 عن سعيد بن المسيب من طريق عبد ابن حميد، وذكر المؤلف دعوى النسخ في زاد المسير 6/ 402 عن سعيد بن المسيب وقتادة، ولم يرجح. 4 المراد بالحرف هنا الآية الناسخة وهي (237) من البقرة. 5 أخرجه الطبري بإسناده عن قتادة في المصدر السابق. وأورد دعوى النسخ هنا مكي ابن أبي طالب بدون نسبته إلى أحد، ونصّ كلامه: (ويحتمل أن تكون المطلقة في هذه الآية التي قد سمي لها صداقاً فيكون هذا منسوخاً لقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أوجب الله للمطلقة قبل الدخول بها التي كان قد فرض لها نصف ما فرض لها، فنسخ الإمتاع، وقيل هو ندب وليس بفرض فهو محكم غير منسوخ على هدا القول. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 334 - 335. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} 1. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أحدهما: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} 2 وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ3 وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ4 وَالضَّحَّاكِ5. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود، قال:   1 الآية (52) من سورة الأحزاب. 2 الآية (50) من السورة نفسها. 3 أما أم سلمة؛ فهي: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن المغيرة بن مخزوم المخزومية أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، تزوجها النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل ثلاث، وعاشت بعد ذلك ستين سنة وماتت سنة اثنين وستين وقيل سنة إحدى، وقيل قبل ذلك والأول أصح. انظر: تقريب التهذيب ص: 473. 4 علي بن الحسين، بن أبي طالب زين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه، من الثالثة مات سنة: 93هـ وقيل غير ذلك. انظر: ترجمته في تقريب التهذيب ص: 345. 5 ذكر المؤلف قول النسخ عن هؤلاء في تفسيره زاد المسير 6/ 411. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 بنا عِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: بنا أبو عاصم قال: ابنا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ (لَهُ) 1 أَنْ يَنْكِحَ مَا شاء"2 قال أبو سلمان الدِّمَشْقِيُّ: يَعْنِي نِسَاءَ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَغَيْرِ الْمُهَاجِرَاتِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، ثُمَّ فِيهَا قولان: أحدهما: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى (أَثَابَ) 3 نِسَاءَهُ حِينَ اخْتَرْنَهُ بِأَنْ قَصَرَهُ، عَلَيْهِنَّ فَلَمْ يُحِلَّ لَهُ غَيْرَهُنَّ، وَلَمْ يُنْسَخْ هَذَا. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ. أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ. بنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى أَنَّ يُوسُفَ بْنَ السَّفَرِ حَدَّثَهُمْ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} قَالَ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ كَمَا حَبَسَهُنَّ عَلَيْهِ4. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وبنا إسحاق بن إبراهيم، قال: بنا حجاج، قال: بنا (حَمَّادٌ) 5 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} قال:   1 في (هـ): لكم. وهو خطأ من الناسخ. 2 رواه الترمذي في جامعه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، في كتاب التفسير5/ 356 رقم: 3216، وذكره الطبري بإسناده عنها في جامع البيان 22/ 24. 3 في (هـ): أياب، وفي (م) غير منقوطة صححتها عن زاد المسير 6/ 411. 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور5/ 212 وعزاه إلى ابن مردويه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 5 في (هـ) كلمة (الحمد) زيادة ولعلها من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 قَصَرَهُ اللَّهُ عَلَى نِسَائِهِ (التِّسْعِ) 1 اللاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي أُمَامَةَ (بْنِ سَهْلٍ) 2 وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ3 وَالسُّدِّيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسَاءِ هَاهُنَا، الْكَافِرَاتُ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِكَافِرَةٍ قَالَهُ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ4.   1 في (هـ): (النسخ) وهو تصحيف. 2 في (م): وابن سهل، والواو زيادة من الناسخ، لأنه أبو أمامه بن سهل، كما ذكره المؤلف في زاد المسير، حينما نقل هذا الرأي عنه. انظر: 6/ 411 من زاد المسير. 3 أبو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني قيل اسمه محمّد، وقيل المغيرة وقيل أبو بكر اسمه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل اسمه كنيته. ثقة فقيه عابد من الثالثة مات سنة: 94هـ وقيل غير ذلك. انظر: التقريب ص:396. 4 قلت: ذكره الطبري بالإسناد، ومكي بن أبي طالب بدون إسناد، عن مجاهد، وذكر هذه الآراء كلها المؤلف في تفسيره، عنهم كما ذكر دعوى النسخ مختصراً في مختصر عمدة الراسخ الورقة (11)، ولم يرجح. وأما الطبري فقد اختار إحكام الآية: وقال: (أولى الأقوال عندي بالصحة قول من قال: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنّ} إلى قوله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيّ} وإنما قلت ذلك أولى بتأويل الآية لأن قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} عقيب قوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} وغير جائز أن يقول قد أحللت لك هؤلاء ولا يحللن لك إلا بنسخ أحدهما صاحبه، وعلى أن يكون وقت فرض إحدى الآيتين قبل الأخرى منهما، فإذا كان كذلك، ولا برهان ولا دلالة إلى نسخ حكم إحدى الآيتين حكم الأخرى، ولا تقدم تنزيل إحداهما قبل صاحبتها وكان غير مستحيل مخرجهما على الصحة، لم يجز إحداهما ناسخة للأخرى) ا. هـ. وأورد مكي بن أبي طالب إحكام الآية بأدلته عن ابن عباس وأبي أمامة سهل وقتادة والحسن وابن سيرين. انظر: جامع البيان 22/ 22؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (337). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ (عَلَيْهِ) 1 النَّسْخُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، الْمَعْنَى: لا تُؤَاخَذُونَ بِجُرْمِنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ. وَالْمَعْنَى: إِظْهَارُ التَّبَرِّي مِنْهُمْ، قَالُوا: وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ3. وَلا أَرَى لِنَسْخِهَا وَجْهًا، لِأَنَّ مُؤَاخَذَةَ كُلِّ وَاحِدٍ بِفِعْلِهِ لا يَمْنَعُ مِنْ قِتَالِ الكفار4.   1 في (هـ): عليهن، وهو خطأ لأنه لا يوجد مما ادعي عليه النسخ هنا إلا آية واحدة. 2 الآية (25) من سورة سبأ . 3 ذكره هبة الله في الناسخ والمنسوخ ص: 75. 4 أورد دعوى النسخ المؤلف في مختصره 6/ 455، وفي مختصر عمدة الراسخ الورقة (11) ثم ردها بقوله: وَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ} 1. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: نُسِخَ مَعْنَاهَا بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى جِنْسِهَا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لا نَسْخَ3.   1 الآية (23) من سورة فاطر . 2 ذكره هبة الله في المصدر السابق. 3 انظر فيما سبق على طريق المثال مناقشة الآيات (12) هود، (82) النحل، (104) الأنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سِورَةِ الصَّافَّاتِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} 1. لِلْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ (بِالْحِينِ) 2 ثَلاثَةُ أقوال: أحدها: أَنَّهُ زَمَانُ الأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ3. وَالثَّانِي: مَوْتُهُمْ: (قَالَهُ قَتَادَةُ) 4. وَالثَّالِثُ: الْقِيَامَةُ: (قَالَهُ) 5 ابْنُ زَيْدٍ، وَعَلَى هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ يَتَطَرَّقُ نَسْخُهَا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ6. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ 7. أَيِ: انْظُرْ إِلَيْهِمْ إِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِهِمْ بِبَدْرٍ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ مَا أَنْكَرُوا، وَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ   1 الآية (174) من سورة الصافات . 2 في (هـ): (الخير) بدل الحين، وهو تحريف من الناسخ. 3 ذكره المؤلف في زاد المسير7/ 93، عن مجاهد، ثم قال: فعلى هذا الآية محكمة. 4 هاء الضمير ساقطة من (هـ). وقد ذكر هذا القول ابن جرير في جامع البيان عند ذكر هذه الآية، عن قتادة. 5 في (هـ): قوله، بدل قاله، وهو تحريف من الناسخ، أورد الطبري هذا القول عن ابن زيد عند ذكر هذه الآية. 6 ذكر المؤلف القولين الآخرين عن قتادة وابن زيد، في مختصر عمدة الراسخ ورقة (11) وفي زاد المسير المصدر السابق، ثم قال عن مقاتل إنها منسوخة بآية القتال. 7 الآية (175) من سورة الصافات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 تَكْذِيبًا وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِحْكَامِهَا، وَزَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ1. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ: وَهُمَا تَكْرَارُ الأوليين: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا تَكْرَارٌ لِمَا تَقَدَّمَ (تَوْكِيدٌ) 3 لِوَعْدِهِ بِالْعَذَابِ، وَقَالَ ابن عقيل: الآيتان المتقدمتان عائدتان إِلَى أَذِيَّتِهِمْ لَهُ، وَصَدِّهِمْ لَهُ عَنِ الْعُمْرَةِ. وَالْحِينُ الأَوَّلُ: حِينُ الْفَتْحِ فَالْمَعْنَى: أَبْصِرْهُمْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْكَ بِالذُّلِّ، وَطَلَبِ الْعَفْوِ، فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ عِزَّكَ وَذُلَّهُمْ عَلَى ضِدِّ مَا كَانَ، يَوْمَ الْقَضَاءِ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي:4 {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَبْصِرْ مَا يَكُونُ مِنْ عَذَابِ الله لهم.   1 فسر المؤلف في زاد المسير7/ 93 - 94، بقوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي: أعرض عن كفار مكة {حَتَّى حِينٍ} أي: حتى تنقضي مدة إمهالهم، وقال مجاهد: حتى نأمرك بالقتال، فعلى هذا الآية محكمة، وقال في رواية: حتى الموت، وكذلك قال قتادة. وقال ابن زيد: حتى القيامة فعلى هذا يَتَطَرَّقُ نَسْخُهَا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حيان نسختها آية القتال انتهى). وكذلك أورد في مختصر عمدة الراسخ ورقة (11) قول قتادة وابن زيد وذكر النسخ بدون تعليق. 2 الآية (178 - 179) من سورة الصافات. 3 في (م): توكيداً، بالنصب. 4 يقصد الحين الثاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 قُلْتُ: وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَ الآيَتَيْنِ خُصُوصًا إِذَا قُلْنَا إنها تكرار للأوليين1.   1 سكت عن دعوى النسخ في هذه الآيات الأربعة النحاس ومكي بن أبي طالب، وذكره ابن حزم في ناسخه ص: 358، وابن سلامة في ناسخه (74) وابن هلال في ناسخه ورقة (30) أما المؤلف فلم يتعرض له في زاد المسير، وقال في مختصر عمدة الراسخ: إنه تكرار لما تقدم وتوكيد. انظر: الورقة (11) منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ ص ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} 1. وَمَعْنَى الْكَلامِ: إِنِّي مَا عَلِمْتُ قِصَّةَ آدَمَ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} 2 إِلا بِوَحْيٍ وَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَقَدْ زَعَمْ بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ3. وَقَدْ رَدَدْنَا مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي نَظَائِرِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ4 ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} 5 زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ وَعِيدٌ بِعِقَابٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِوَقْتِهِ الْمَوْتُ أو القتل والقيامة وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ قِتَالَ الكفار6.   1 الآية (70) من سورة ص . 2 الآية (71) من السورة نفسها. 3 ذكره ابن حزم في المصدر السابق وابن سلامة في ناسخه ص: 76، وابن هلال في ناسخه (31). 4 قلت: لم يذكر المؤلف هذه السورة في مختصر عمدة الراسخ إطلاقاً، وقد فسر هذه الآية في زاد المسير 17/ 155، ـ كما فسرها الطبري في جامع البيان23/ 178 - بما يؤيد إحكامها. وقد سبق أن رد المؤلف دعوى النسخ في أشباه هذه الآية. انظر: مثلاً مناقشة الآية (92) من سورة النمل، و (50) من سورة العنكبوت. 5 الآية (88) من سورة ص. 6 قلت: ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم، وابن سلامة، وابن هلال، في المصادر السابقة وقال ابن سلامة: فمن يجعل الحين (الدهر) لا نسخ فيها. فأما النحاس ومكي ابن أبي طالب فلم يتعرض للنسخ في هذه الآية ولا في التي قبلها. وذكر المؤلف في زاد المسير بأن المراد بالحين الموت أو القيامة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر المعنى الأول عن قتادة، وقال ابن كثير: (لا منافاة بين القولين، فإن من مات دخل في حكم القيامة، وقال قتادة في قوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} قال الحسن: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين). انظر: زاد المسير 7/ 159، وتفسير القرآن العظيم 4/ 44. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 بَابُ: ذِكْرِ1 مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا حُكْمُ الآخِرَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحْكَمٌ، وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ حُكْمُ الدُّنْيَا3 بِأَنْ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ4. ذِكْرُ الآيَةِ الثانية: قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 5 قَدِ ادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَهَا بِقَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ من ذنبك وما تأخر} 6 وقد منعنا ذلك في ذكر نظيرتها في الأنعام7.   1 في (هـ): تقديم وتأخير. 2 الآية الثالثة من سورة الزمر . 3 هنا كلمة (بأمر) زائدة في (هـ) ولعلها من الناسخ. 4 ذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن حزم في ناسخه (359) وابن سلامة (77) في ناسخه، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (31)، ولم يتعرض له النحاس، ومكي ابن أبي طالب، ولا المؤلف في مختصر عمدة الراسخ، إنما ذكره المؤلف في زاد المسير7/ 162، عن قوم ثم قال: ولا وجه لذلك. 5 الآية (13) من سورة الزمر. 6 الآية الثانية من سورة الفتح. 7 انظر مثلاً: مناقشة آية (115) من سورة الأنعام. قلت: ذكر دعوى النسخ في هذه الآية بآية الفتح ابن حزم وابن سلامة وابن هلال في المصادر السابقة ولم يتعرض له الطبري ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب ولا المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وإنما اكتفى المؤلف في زاد المسير7/ 165 بالإحالة إلى سورة الأنعام حيث أثبت الإحكام هناك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} 1. لَيْسَ هَذَا بِأَمْرٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ، وَهُوَ مُحْكَمٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} 2 وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ3. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَمْرٌ، وَهَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ وَخَيَالٌ رَدِيءٌ4. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 5. زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ (أَنَّهُمَا نُسِخَتَا) 6 بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُمَا التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ، فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ7.   1 الآية (15) من سورة الزمر. 2 الآية (40) من سورة فصلت. 3 ذكره ابن حزم في ناسخه (360) وهبة الله في ناسخه (77)، وابن هلال في ناسخه المخطوط، ورقة (31) ولم يتعرض له النحاس ومكي بن أبي طالب. 4 قلت: لم يذكر المؤلف هذا القول في مختصر عمدة الراسخ، وأورده في زاد المسير 7/ 169، ثم قال: وهذا باطل، لأنه لو كان أمراً كان منسوخاً فأما أن يكون بمعنى الوعيد فلا وجه لنسخه. 5 الآيتان (39 - 40) من سورة الزمر. 6 في (هـ): أنها نسخت بالإفراد، وهو خطأ من الناسخ. 7 ذكر مكي بن أبي طالب قول النسخ هنا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ثم قال: وهذا تهديد ووعيد لا يحسن نسخه، وكذا قال المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (11)، وأما في تفسيره 7/ 185 فذكر النسخ بدون تعليق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 ذِكْرُ الْآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} 1قَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَدْ سَبَقَ كَلامُنَا فِي هَذَا الْجِنْسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالآرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} 3. زَعَمَ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّ مَعْنَاهُ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا بِإِظْهَارِ حجج (المحقين) 4 وَإِبْطَالِ شُبَهِ (الْمُلْحِدِينَ) 5 وَفِي الآخِرَةِ بِإِدْخَالِ هَؤُلاءِ الْجَنَّةَ، وَهَؤُلاءِ النَّارَ، وهذا لا ينافي قتالهم6.   1 الآية (41) من سورة الزمر. 2 انظر: مناقشة الآية (104) من سورة الأنعام والآية (92) من سورة النمل. 3 الآية (46) من سورة الزمر. 4 في (هـ): المحققين. 5 في (هـ): محدثين، وهو تحريف. 6 قال ابن حزم في ناسخه ص:360، وابن سلامة في ناسخه ص: 78، أن معنى هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ لا لفظها، ولم أجد أحداً عدها من المنسوخة غيرهما، ولم يتعرض لدعوى النسخ فيها المؤلف في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ قَوْلُهُ تعال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} 1. هَذِهِ الآيَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَعَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي نَظَائِرِهَا لا نَسْخَ2.   1 الآية (55) و (77) من سورة المؤمن . 2 انظر مثلاً الآيات (176)، من سورة آل عمران، و (109) من سورة يونس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَبْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مهران، قال: بنا عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ، عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: هَذَا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ كَدَفْعِ الْغَضَبِ بِالصَّبْرِ، (وَالْإِسَاءَةِ) 3 بِالْعَفْوِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ فَلا يُتَوَجَّهُ النَّسْخُ. أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ، ابْنُ نَاصِرٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالا: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: بنا سليمان أبي أحمد، قال: بنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: هُوَ السَّلامُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: المصافحة4.   1 الآية (34) من سورة السجدة. 2 ذكر هذا القول ابن حزم في ناسخه (362) وابن سلامة في ناسخه (79) وابن هلال في ناسخه ورقة (31). 3 في (هـ):والاثا، وهو تحريف، وقد ذكر هذا الرأي المؤلف في زاد المسير7/ 258. 4 ذكره الطبري بإسناده عن مجاهد، وذكره المؤلف في زاد المسير في المصدر نفسه عن عطاء، وفسر الطبري الآية بقوله: (ادفع يا محمّد بحلمك جهل من جهل عليك، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم، ويلقاك من قبلهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في تأويله) ثم ذكر أثراً عن ابن عباس يؤيد تفسيره هذا. ولم يتعرض لدعوى النسخ هنا، النحاس ولا مكي ابن أبي طالب، وذكر المؤلف في مختصر عمدة الراسخ الورقة (11) نحو ما ذكره هنا بالاختصار، ونسب قول النسخ في زاد المسير إلى المفسرين. انظر: جامع البيان 24/ 85 - 86. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ حم عسق ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الآرْضِ} 1. زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ مُنَبِّهٍ2 وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} 3. وَهَذَا قَبِيحٌ، لِأَنَّ الآيَتَيْنِ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لا يُنْسَخُ، ثُمَّ لَيْسَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ تَضَادٌّ؛ لِأَنَّ اسْتِغْفَارَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ اسْتَغْفَارٌ خَاصٌّ لا يَدْخُلُ فِيهِ إِلا مَنِ اتَّبَعَ الطَّرِيقَ المستقيم فلأولئك طلبوا الغفران والإعادة مِنَ النِّيرَانِ وَإِدْخَالَ الْجِنَانِ. وَاسْتِغْفَارُهُمْ لِمَنْ فِي الأَرْضِ لا يَخْلُوا مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْحِلْمَ عَنْهُمْ وَالرِّزْقَ لَهُمْ، وَالتَّوْفِيقَ لِيَسْلَمُوا، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا وَالْمَعْنَى خاصاً، وقد دلت عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِهِ قَوْلُهُ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} والدليل الموجب لصرفه عَنِ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ أَنَّ الْكَافِرَ لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُغْفَرَ له فعلى هذا البيان   1 الآية (5) من سورة الشورى. 2 وهب بن منبه ابن كامل اليماني، ثقة من الثالثة مات سنة بضع عشرة ومائة انظر: تقريب التهذيب (372). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير 56 - 57: (كان ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة). 3 الآية السادسة من سورة غافر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الآرْضِ} قَالَ: لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ1. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي2 فِي الْكَلامِ مُضْمَرٌ، تَقْدِيرُهُ: لِمَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَهْبُ بْنُ مُنَبَّهٍ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نَسْخِ تِلْكَ الآيَةِ، لأنه لا فرق بينهما3. ذ كر الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} 4.   1 ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور6/ 3، وقال: أخرجه عبد الرزاق وابن منذر وعبد بن حميد عن قتادة، وذكره النحاس في الناسخ والمنسوخ (215) بإسناده عن قتادة أيضاً. 2 وهو: أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، ولد ببغداد سنة: 256هـ، وكان عالماً ممتازاً حتى قيل إنه ألف أكثر من مائة مؤلف، وله كتاب في النسخ في القرآن، توفي سنة: 334هـ، كما قال كشف الظنون (1921). انظر: طبقات الحنابلة ص: 291 - 292 (رقم 632). 3 انظر كلام النحاس في الرد على من ادعى النسخ في الناسخ والمنسوخ (214 - 215) وقد أورد المؤلف في تفسيره7/ 273 دعوى النسخ هنا، عن قوم منهم مقاتل، كما أوردها في مختصر عمدة الراسخ ورقة (11) ثم رد فيهما بمثل مارد به هنا، وأما مكي بن أبي طالب فيقول بعد ذكر قول النسخ: (إن الصواب فيه مخصوص ومبين بآية غافر وليس بمنسوخ لها). انظر: الإيضاح في ناسخ القرآن ومنسوخه ص: 350. 4 الآية السادسة من سورة الشورى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 قَدْ زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا مُنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّا لَمْ نُوَكِّلْكَ بِهِمْ فَتُؤْخَذُ بِأَعْمَالِهِمْ فَلا يُتَوَجَّهُ نَسْخٌ1. ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} 2. لِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ: أحدهما: أَنَّهَا اقْتَضَتِ الاقْتِصَارَ عَلَى الإِنْذَارِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ السَّيْفِ فَنَسَخَتْهَا. قَالَهُ الأَكْثَرُونَ وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} مُخَاطَبَةً لِلْيَهُودِ أَيْ لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، قَالَ: ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآيَةَ3 وَهَكَذَا قَالَ مِجَاهِدٌ4. وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا الحسين بن علي، قال: بنا عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَسْبَاطٍ عن   1 انظر مما تقدم الآيات ص: (66)، و (104) من سورة الأنعام. أورد المؤلف في المصدرين السابقين دعوى النسخ في هذه الآية ثم ردها بقوله: (ولا يصح). 2 الآية (15) من سورة الشورى. 3 الآية (29) من سورة التوبة. 4 ذكره النحاس في ناسخه بسند ضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، كما ذكره مكي بن أبي طالب عنه وعن مجاهد، بدون إسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ (215) والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (350). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 السُّدِّيِّ {لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} قَالَ: هَذِهِ1 قَبْلَ السَّيْفِ، وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجِزْيَةِ2. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهَا: أَنَّ الْكَلامَ بَعْدَ ظُهُورِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينَ قَدْ سَقَطَ بَيْنَنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلا السَّيْفُ فَعَلَى هَذَا هِيَ مُحْكَمَةٌ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ3. ذِكْرُ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} هَذَا مُحْكَمٌ. وَقَوْلُهُ {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} 4. للمفسرين فيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِقَوْلِهِ: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} 5 رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِهِ قَالَ مقاتل6.   1 في (هـ): هذه الآية، وهي ساقطة في (م). 2 ذكر ابن كثير في تفسيره4/ 109، نحوه عن السدي. 3 انظر فيما سبق مناقشة الآية (139) من سورة البقرة، وقد أورد المؤلف قول الإحكام في زاد المسير7/ 278 عن شيخه علي بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين، وذكره أيضاً في مختصر عمدة الراسخ ورقة (12)، ثم قال: (فعلى هذا هي محكمة). وأما ابن كثير فيورد قول النسخ عن السدي، ثم يرد ذلك بأن هذه مكية وأن آية السيف بعد الهجرة. انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 109. 4 الآية (20) من سورة الشورى. 5 الاية (18) من سورة الإسراء. 6 أورد هذا القول النحاس في ناسخه بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس، كما ذكره عنه مكي بن أبي طالب بدون إسناد، وقال المؤلف في تفسيره وهذا قول جماعة منهم مقاتل. انظر: الناسخ والمنسوخ (215) والإيضاح (351)؟ وزاد المسير 7/ 282. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُحْكَمٌ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ قَالَهُ قَتَادَةُ1، (وَوَجَّهَهُ) 2 مَا بَيَّنَّاهُ فِي نَظِيرِهَا فِي آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} 3. ذِكْرُ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 4 للمفسرين فيها قولان: أحدهما: أَنَّ هَذَا الاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْجِنْسِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سَائِلا أَجْرًا، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} 5 وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُقَاتِلٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الأَوَّلِ، لأن الأنبياء لا يسألون عن تَبْلِيغِهِمْ أَجْرًا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: لَكِنِّي أُذَكِّرُكُمُ الْمَوْدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَعْنَى جَمَاعَةٌ عَنِ ابن عباس، منهم طاؤس والعوفي6.   1 يقول النحاس في المصدر السابق: (والدليل على أنها غير منسوخة: أنه خبر وقد قال قتادة في الآية من آثر الدنيا على الآخرة وكدح لها لم يكن له في الآخرة إلا النار، ولم يزد منها شيئاً إلا ما قسم الله له). 2 في النسختين هاء الضمير ساقطة في كلمة ووجهه، كملتها ليتضح المعنى. 3 انظر إن شئت مناقشة الآية (145) من آل عمران، وقد رد المؤلف في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ ورقة (12) قول النسخ في هذه الآية وأثبت فيها الإحكام، وهو اختيار النحاس ومكي بن أبي طالب. 4 الآية (23) من سورة الشورى. 5 الآية (47) من سبأ، وقد أخطأ الناسخ في نقل هذه الآية في (هـ)، وأما هذا القول فقد رواه النحاس بسند ضعيف عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. انظر: الناسخ والمنسوخ (216). 6 أورد الطبري في جامع البيان 25/ 25 هذا المعنى عن ابن عباس من طريق العوفي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا بن الْمُذَهَّبِ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ جعفر، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طاؤوس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمْ يَكْنُ بَطْنٌ من قُرَيْشٍ إِلا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} إِلا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ1. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلا يُتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا نَسْخٌ أَصْلا2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} 3. اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فِي الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ ابْنُ زيد4 وكأنهم   1 رواه البخاري وابن جرير نحوه عن ابن عباس، ولفظ البخاري من طريق شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت طاؤس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنه سأل عن قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فقال سعيد بن جبير: عجلت: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة. فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في كتاب التفسير 10/ 185، وجامع البيان 25/ 15. 2 قال المؤلف في زاد المسير 7/ 284 بعد ذكر المعنى الثاني المذكور هنا: (وهذا اختيار المحققين، وهو الصحيح فلا يتوجه نسخ أصلاً) وهو اختيار الطبري، والنحاس، وابن كثير4/ 111 - 114. 3 الآية (39) من سورة الشورى. 4 ذكره الطبري بإسناده والنحاس ومكي بن أبي طالب بدون إسناد، عن ابن زيد. انظر: جامع البيان28/ 23؛ والناسخ والمنسوخ ص: 217؛ ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 352. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 يُشِيرُونَ إِلَى أَنَّهَا أَثْبَتَتِ الِانْتِصَارُ بَعْدَ بَغْيِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا جَازَ لَنَا أَنْ نَبْدَأَهُمُ الْقِتَالَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهَا. وَلِلْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فِي المسلمين قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} 1 فَكَأَنَّهَا نَبَّهَتْ عَلَى مَدْحِ الْمُنْتَصِرِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا أَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ أَمْدَحُ، فَبَانَ وَجْهُ النَّسْخِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ فَضِيلَةٌ، وَالانْتِصَارُ مُبَاحٌ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُحْكَمَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ2. ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 3. زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ، أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 4 وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مَنْ يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، لِأَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّ مَنْ جَازَى مُسِيئًا فَلْيُجَازِهِ بِمِثْلِ إِسَاءَتِهِ، وَمَنْ عَفَا فَهُوَ أفضل5.   1 الآية (43) من سورة الشورى. 2 ذكر المؤلف - رحمه الله - في تفسيره7/ 292 بمثل ما ذكره هنا من عرض الأقوال والترجيح، وقال: في مختصر عمدة الراسخ ورقة (12) والتحقيق أنها محكمة، وهو اختيار الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب. انظر: المصادر السابقة وفسرها ابن كثير بما يؤدي الإحكام في تفسير القران العظيم 4/ 118. 3 الآية (40) من سورة الشورى. 4 عجز الآية نفسها. 5 قلت: عزا دعوى النسخ هنا الطبري، والنحاس إلى ابن زيد، ثم قال الطبري: "غير أن الصواب عندنا أن تحمل الآية على الظاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التسليم له وأن لا يحكم لحكم في آية بالنسخ إلا بخبر يقطع العذر أو حجة يجب التسليم لها، ولم تثبت حجة في قوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} أنه مراد به المشركون دون المسلمين ولا بأن هذه الآية منسوخة فنسلم لها بأن ذلك كذلك". انظر: جامع البيان 28/ 14؛ والناسخ والمنسوخ (217). وأما المؤلف فلم يتعرض لدعوى النسخ هنا، في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} 1. زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا يَفْهَمُ، أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الآمُورِ} 2 وَلَيْسَ هَذَا (بِكَلامِ) 3 مَنْ يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، لِأَنَّ الآيَةَ الأُولَى تُثْبِتُ جَوَازَ الانْتِصَارِ، وَهَذِهِ تُثْبِتُ أن الصبر (أفضل) 4.   1 الآية (41) من سورة الشورى. 2 الآية (43) من السورة نفسها. 3 في (هـ): (الكلام) وهو تحريف من الناسخ. 4 غير واضحة من (هـ)، ذكر الطبري دعوى النسخ هنا بإسناده عن ابن زيد، وعد هذه الآية والتي قبلها ابن حزم وابن سلامة من المنسوخة بآية {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} الآية وقال النحاس بعد عزو قول النسخ إلى ابن زيد في الآيات الثلاثة السابقة: "وقال قتادة إنه عام، وكذا يدل ظاهر الكلام". واختار الطبري إحكام الآية حيث يقول: (والصواب من القول أن يقال: إنه معنى به كل منتصر من ظالمه وأن الآية محكمة غير منسوخة). وأمّا المؤلف فلم يتعرض لقول النسخ أصلاً في زاد المسير ولا في مختصر عمدة الراسخ. انظر: تفسير الطبري 25/ 25؛ ومعرفة الناسخ والمنسوخ ص: 365؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله ص: 80؛ وللنحاس ص: 217. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 ذِكْرُ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاغُ} 1. زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ3.   1 الآية (48) من سورة الشورى. 2 عد هذه الآية من المنسوخة بآية السيف ابن حزم، وابن سلامة في المصدرين السابقين، وابن هلال في ناسخه المخطوط (31) ولم ينسبه إلى أحد كما لم يستندوا إلى أدلة نقلية أو عقلية على قولهم. 3 انظر مثلاً مما سبق مناقشة الآيات: (66)، (104)، (107) من سورة الأنعام، ذكره المؤلف في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (12) ورد قول النسخ بمثل ما رد به هنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ ذِكْرُ الآيَةِ الأَولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} 1. زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَدْ عُرِفَ مَذْهَبُنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّهَا وَارِدَةٌ لِلْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، فَلا نَسْخَ إِذَنْ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} 3. يَرْوِي الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ السَّيْفِ.   1 الآية (84) من سورة الزخرف . 2 انظر على طريق المثال مما سبق الآيات: (91)، (112)، (137)، من سورة الأنعام. قلت: تجد هذه الآية معدودة في المنسوخة بلا دليل وحجة، في كتاب ابن حزم، في معرفة الناسخ والمنسوخ ص:365؛ والناسخ والمنسوخ لابن سلامة (81) والإيجاز في الناسخ والمنسوخ (31) لابن هلال ولكن الإمام الطبري والإمام ابن كثير لم يتعرضا لدعوى النسخ بل فسرا الآية بما يؤيد إحكامها كما أثبت إحكامها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (12). انظر: جامع البيان28/ 62؛ وتفسير القرآن العظيم 4/ 136. 3 الآية (89) من سورة الزخرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، وَأَبْنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ (قال) 1 بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: فِي قَوْلِهِ: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَتْهَا بَرَاءَةٌ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. هَذَا مَذْهَبُ قَتَادَةَ وَمُقَاتِلُ بْنُ سليمان.   1 في (م): بالتثنية، وهو خطأ. 2 الآية الخامسة من التوبة. ذكر هذا القول الطبري عن قتادة بطريقين صحيحين إليه ونسبه النحاس إلى ابن عباس بسند ضعيف، وبإسناد آخر إلى قتادة، وأما مكي بن أبي طالب فقد عزا دعوى النسخ إليهما بدون إسناد، ولم يناقشوا قضية النسخ ولم يتعرضوا إليها. وأما المؤلف فقد نحا نحوهم بدون ترجيح ولا تعليق على قول النسخ ولكنه فسر الآية في زاد المسير فقال: {وَقُلْ سَلامٌ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: قل خيراً بدلاً من شرهم، قاله السدي. والثاني: أردد عليهم معروفاً، قاله مقاتل. والثالث: قل ما تسلم به من شرهم، حكاه الماوردي. وفسر قوله {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} بثلاثة معان: منها أنه تهديد ووعيد، وبه فسر ابن كثير أيضاً. ويقول الدكتور/ مصطفى زيد في نهاية المناقشة عند ذكر هذه الآية: (الآية محكمة لأنه وعيد وتهديد ولأنه لم يرد خبر على نسخها عن الرسول صحيحة ولأنه لا خلاف بين الصفح في مكة مع من لم ينقضوا العهد والأمر بالقتال بالمدينة مع من نقض العهد). انظر في ذلك كله: جامع البيان25/ 63؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس (218)؛ والإيضاح (354)؛ وزاد المسير 7/ 335؛ وتفسير ابن كثير 4/ 137؛ والنسخ في القرآن الكريم 2/ 538 - 539. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 باب: ذكر ما ادعي عيه النَّسْخُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ قَوْلُهُ تعالى: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} 1. قَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَلا نَرَى ذَلِكَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لا تَنَافِي بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَارْتِقَابِ عَذَابِهِمْ أَمَّا عِنْدَ الْقَتْلِ أَوْ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ فِي الآخِرَةِ وليس في هذا منسوخ3.   1 الآية (59) من سورة الدخان . 2 ذكره ابن حزم في ناسخه (366) وهبة الله في ناسخه (81) وابن هلال في ناسخه المخطوط (31) وابن خزيمة الفارسي في ناسخه (267) ولم ينسبوا قول النسخ إلى أحد كما لم يدعموه بأي دليل. 3 هكذا رد المؤلف دعوى النسخ في زاد المسير7/ 353، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة 12، ولم يتعرض له الطبري ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب ولا ابن كثير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} 1. جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الأَمْرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهَا عَلَى أربعة أقوال: أحدها: آيَةُ السَّيْفِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: بنا أحمد بن كامل، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه}. قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا آذَوْهُ، وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيُكَذِّبُونَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، فَكَانَ هَذَا مِنَ الْمَنْسُوخِ2 رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ3. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال:   1 الآية (14) من سورة الجاثية . 2 أخرجه الطبري في جامع البيان25/ 87، عن ابن عباس من طريق العوفي وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء. 3 رواه الطبري بإسناده عن الضحاك في المصدر السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه} وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ فِيهِ بِالْعَفْوِ عَنِ المشركين فإنه نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 1 وَقَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِر} 2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}. قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ نَاسِخَهَا قَوْلُهُ فِي الأَنْفَالِ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} 4 وَقَوْلُهُ فِي بَرَاءَةٍ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} 5 رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ. أَخْبَرَنَا إسماعيل به أَحْمَدَ قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني   1 الآية الخامسة من سورة التوبة. 2 الآية (29) من سورة التوبة. والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 34، وقال: أخرجه ابن مردويه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 3 رواه الطبري في جامع البيان25/ 87، عن معمر عن قتادة. 4 الآية (57) من سورة الأنفال. 5 الآية (36) من سورة التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 أبي قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قتادة قال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} 1. وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِر} 2. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ، قال: بنا أحمد بن محمد، قال بنا ابْنُ رَجَاءٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} ثُمَّ نُسِخَ فَقَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية3. وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} 4 قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ5. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَلَى بِيرٍ فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ غُلامَهُ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَتَى، قَالَ مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: غُلامُ عُمَرَ مَا تَرَكَ أَحَدًا يَسْتَقِي حَتَّى مَلَأَ قِرَبَ النَّبِيِّ وَقِرَبَ أَبِي بَكْرٍ وَمَلَأَ لِمَوْلاهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُ هَؤُلاءِ إِلا كَمَا قِيلَ: (سَمِنَ) 6 كَلْبُكَ يَأْكُلُكَ فبلغ قوله عمر   1 رواه الطبري في جامع البيان25/ 87، عن سعيد عن قتادة. 2 الآية (29) من سورة التوبة. 3 الآية (29) من سورة التوبة. 4 الآية (39) من سورة الحجّ. 5 ذكره الطبري عن أبي صالح من طريق عبد بن حميد. انظر: جامع البيان25/ 87. 6 في (هـ): ممن، وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. رَوَاهُ عَطَاءٌ عن ابن عباس1.   1 ذكره الواحدي في أسباب النزول (253) والمؤلف في زاد المسير 7/ 357، عن عطاء عن ابن عباس، كما ذكره الألوسي في تفسيره بدون سند35/ 147. قلت: ذكر المؤلف سبباً آخر، وهو أيضاً يؤيد إحكام الآية وذلك: (لما نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} (245) البقرة، قال يهودي بالمدينة يقال له منخاص: احتاج رب محمد، فلما سمع بذلك عمر، اشتمل على سيفه وخرج في طلبه فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلب عمر، فلما جاء، قال. يا عمر، ضع سيفك وتلا عليه الآية رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس) وذكره الواحدي أيضاً في المصدر السابق. وقد أورد المؤلف في زاد المسير قول النسخ عن الجمهور ولم يبد رأيه فيه كما فعل ذلك في مختصر عمدة الراسخ ورقة (12). وذكر معظم كتب النسخ نسخ هذه الآية بدون تعليق، وقد رأينا قول المؤلف باحتمال إحكامها، ويعتبر بعض المتأخرين هذه الآية مما تأمر بحسب المعاملة للأعداء وهذا من حكمة الدعوة إلى الله التي لا ينبغي للدعاة تركها، فهي محكمة. انظر: النسخ في القرآن الكريم 2/ 551. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَحْقَافِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} 1. اخْتَلَفَ (الْمُفَسِّرُونَ) 2 فِي هَذَا عَلَى قولين: أحدهما: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الدُّنْيَا، ثُمَّ لهؤلاء فيه قولان: أحدهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَشَجَرٍ وَمَاءٍ، فَقَصَّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ مَكَثُوا بُرْهَةً لا يَرَوْنَ ذَلِكَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَتَى نُهَاجِرُ فَسَكَتَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَمَعْنَاهَا: لا أَدْرِي أَخْرُجُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي أَمْ لا رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا3. قَالَ عَطِيَّةُ مَا أَدْرِي هَلْ يَتْرُكُنِي بِمَكَّةَ أَوْ يُخْرِجُنِي مِنْهَا4. وَالثَّانِي: مَا أَدْرِي هَلْ أُخْرَجُ كَمَا أُخْرِجَ الأنبياء قبلي أو أقتل كَمَا قُتِلُوا، أَوْ لا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِكُمْ، أَتُعَذَّبُونَ أَمْ تُؤْجَرُونَ أَتُصَدَّقُونَ أَمْ تُكَذَّبُونَ، قَالَهُ الحسن5.   1 الآية التاسعة من سورة الأحقاف . 2 في (هـ): مفسرين، وهو خطأ من الناسخ. 3 رواه الكلبي والثعلبي عن صالح عن ابن عباس نحوه. انظر: أسباب النزول (254). 4 ذكره السيوطي في الدر المنثور6/ 37، وقال: أخرجه ابن المنذر عن عطية. 5 أخرجه الطبري في أثر طويل بإسناده عن الحسن، كما ذكره ابن كثير في تفسيره عنه. واختارا هذا القول وصوباه. انظر: جامع البيان26/ 6؛وتفسير القرآن العظيم4/ 155. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الآخِرَةِ. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} 1فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} 2 وَقَالَ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} 3 فَأَعْلَمَهُ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ4 وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى نَحْوِ هَذَا أَنَسٌ وِعْكِرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَسَخَتْهَا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الآيَةَ5. وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر ابن أبي داود قال:   1 الآية التاسعة من الأحقاف. 2 الآية الثانية من سورة الفتح. 3 الآية الخامسة من سورة الفتح. 4 رواه بنحوه مختصراً، الطبري في جامع البيان26/ 7، عن طريق عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابن عباس، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 6/ 38، وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 5 ذكره النحاس، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في الناسخ والمنسوخ ص: 219. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 بنا محمد بن قهزاذ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، وَأَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النجاد، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي} 1 نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْفَتْحِ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَبَشَرَّهُمْ بِالَّذِي غفر له، ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فقال رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هَنِيئًا لَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الآنَ مَا يُفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} 2. وَقَالَ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الآنْهَارُ} 3. قُلْتُ: وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهَا لا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إِذَا خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ شَيْءٍ ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي نَاسِخٍ وَلا مَنْسُوخٍ، وَقَالَ النَّحَّاسُ: مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُشْرِكِينَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَمْ يَزَلْ يُخْبِرُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَمَنْ مَاتَ على الإيمان   1 الآية التاسعة من سورة الأحقاف. 2 الآية (47) من سورة الأحزاب. 3 الآية الخامسة من سورة الفتح. والحديث، ذكر الطبري نحوه عن عكرمة والحسن البصري، وذكره السيوطي وقال: أخرجه أبو داود في ناسخه عن ابن عباس، وذكره البغوي أيضاً في تفسيره بدون إسناد. انظر: جامع البيان26/ 5؛ والدر المنثور6/ 38. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَدْ دَرَى مَا يُفَعْلُ بِهِ وَبِهِمْ فِي الآخِرَةِ، وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الآيَةِ قَوْلُ الْحَسَنِ {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} فِي الدُّنْيَا1. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} 2. زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلا يَصِحُّ لَهُ هَذَا إِلا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَاصْبِرْ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَسِيَاقُ الآيَاتِ يَدُلُّ على غير ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: كَأَنَّهُ ضجر من قومه، فَأَحَبَّ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ بِمَنْ أبى منهم (فأمر بالصبر) 3.   1 أخرج النحاس بإسناده عن الحسن هذا المعنى، بعد أن ذكر ما نقله المؤلف عنه، ثم قال: (وهذا أصح قول وأحسنه لا يدري صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يلحقه وإياهم من مرض وصحة وغنى وفقر وغلاء ورخص) وقال عن النسخ: (محال أن يكون فِيهَا نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهَا خبر وتوبيخ واحتجاج على المشركين). وإلى هذا ذهب مكي بن أبي طالب في اختيار معنى الآية وفي اختيار إحكام الآية، وكذا رجح المؤلف في مختصر عمدة الراسخ أيضاً. ولم يذكر فيها النسخ إلا أولئك الذين يسردون في كتبهم كل ما قيل بدون حجة ولا برهان كابن حزم وابن سلامة وابن هلال. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 219؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 356 - 357؛ ومختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (12). 2 الآية (35) من سورة الأحقاف. 3 ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير 7/ 397، تفسيراً لقوله {وَلا تَسْتَعْجِلْ} ولم يذكر النسخ أصلاً فيه ولا في مختصر عمدة الراسخ، كما لم يذكر ذلك النحاس ومكي ابن أبي طالب والإمام أبو جعفر الطبري، إنما عدها من المنسوخة ابن حزم في ناسخه (368) وهبة الله في ناسخه ص: 85 وابن هلال في ناسخه المخطوط (32) وابن حزم الفارسي في ناسخه ص: 267. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 1 فيها قولان: أحدهما: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّ حُكْمَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ2. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3 وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيِّ، وأبي حنيفة. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، (قَالا) 4: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ   1 الآية الرابعة من سورة محمّد. 2 روى الطبري إحكام الآية عن ابن عمر من طريق الحسن البصري وعن الحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز، يقول الشافعي في أحكام القرآن: "كلما حصل - مما غنم من أهل دار الحرب - قسم كله، إلا الرجال البالغين فالإمام بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم أو يقتل أو يفادي، أو يسبى". انظر: جامع البيان26/ 27؛ وأحكام القرآن للشافعي 1/ 158. 3 الآية الخامسة من سورة التوبة. 4 في النسختين: (قال) بالإفراد. وهو خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: الْفِدَاءُ مَنْسُوخٌ نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 1. أَخْبَرَنَا بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا ابْنُ السَّرْحِ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بن بزار، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عن حجاج ابن الْحَجَّاجِ الْبَاهِلِيِّ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: كَانَ أَرْخَصَ لَهُمْ أَنْ يَمُنُّوا عَلَى مَنْ شَاءُوا وَيَأْخُذُوا الْفِدَاءَ إِذَا أَثْخَنُوهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: نُسِخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَةٍ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. قال: أحمد: وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ بِأَخْذِ الْفِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي بَرَاءَةٍ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. قال أحمد: وبنا حجاج، قال: بنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، قَالَ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3.   1 أخرج نحوه الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق محمد بن سعد العوفي، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل الضعفاء. انظر: جامع البيان26/ 26. 2 ذكر السيوطي نحوه في الدر المنثور 6/ 46، وقال: أخرجه عبد بن حميد عن قتادة، وذكر النحاس في الناسخ والمنسوخ (221) عن قتادة أنها منسوخة بآية {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}. 3 أخرج نحوه الطبري بإسناده عن سفيان عن السدي. انظر: جامع البيان26/ 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 قال أحمد: وبنا حجاج، قال: بنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، قَالَ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قال: نسختها {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} 1. قال أحمد وبنا معاوية بن عمرو، قال: بنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةُ لا يُفَادُونَ، وَلا يرسلون2.قال أحمد: وبنا حجاج قال بنا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ (سَعِيدٍ) 3 قَالَ: "يُقْتَلُ أَسْرَى الشِّرْكِ، وَلا يُفَادُونَ حَتَّى يَثْخِنَ فِيهِمُ الْقَتْلُ"4.   1 أخرج نحوه الطبري بإسناده عن سفيان عن السدي. انظر: جامع البيان 26/ 26. 2 ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور6/ 47، وقال أخرجه ابن أبي شيبة عن مجاهد وذكر النسخ النحاس عنه أيضاً في الناسخ والمنسوخ (221). 3 وهو: سعيد بن أبي عروبة بن مهران ثقة له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط في آخره، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة مات سنة: 157هـ. التقريب ص: 124. 4 قلت: ذكر المؤلف في تفسيره أن الآية محكمة عند عامة العلماء، ولم يبد رأيه فيه ولا في مختصر عمدة الراسخ، لكنه يفهم من السياق أنه يميل إلى رأي إمامه أحمد رحمه الله، وهو إحكام الآية، وهو اختيار الطبري، والنحاس، ومكي بن أبي طالب، والبغوي، وعزاه إلى ابن عمرو والحسن وعطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، واستدلوا بما ورد عن ابن عباس أنه قال: "خير النبي صلى الله عليه وسلم في الأسرى بين الفداء والقتل والمن، والاستعباد، يفعل ما يشاء) رواه النحاس عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ثم قال: وهو قول حسن مروي عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد". انظر: جامع البيان26/ 27؛ والناسخ والمنسوخ ص: 221 - 222؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (359)؛ ومعالم التنزيل7/ 496. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} 1. زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: لا يَسْأَلْكُمْ جَمِيعَ أَمْوَالِكُمْ (قَالَ السُّدِّيُّ) 2 إِنْ يَسْأَلْكُمْ جَمِيعَ مَا فِي أَيْدِيكُمْ تَبْخَلُوا. وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُغَفَّلِينَ مِنْ نَقَلَةِ التَّفْسِيرِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} 3 وهذا ليس معه حديث.   1 الآية (36) من سورة محمد. 2 في (هـ): فإن، بدل قاله وهو تحريف. 3 جزء من الآية (37) من السورة نفسها. قلت: ذكر قول النسخ هنا ابن حزم في معرفة الناسخ والمنسوخ (369) ولم يتعرض لهذا القول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وذكره في تفسيره ثم رده بمثل ما رد به هنا، وأغفلت دعوى النسخ في هذه الآية أمهات كتب النسخ. انظر: زاد المسير 7/ 415. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ ق. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} 1 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: (لم تبعث لِتَجَبُّرِهِمْ عَلَى الْإِسْلامِ) 2 وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ قَالُوا وَنُسِخَ هذا بآية السيف.   1 الآية (45) من سورة ق . 2 ذكر هذا المعنى المؤلف في زاد المسير8/ 25 عن ابن عباس، وذكر نحوه الطبري بإسناده عن مجاهد ولم يذكر الطبري ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب النسخ هنا، بل فسر الطبري وابن كثير الآية بما يؤيد إحكامها، وقد نقل المؤلف عن المفسرين قول النسخ في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ. انظر: جامع البيان26/ 115؛ وتفسير ابن كثير 4/ 231. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ مِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} 1 الحق ها هنا النصيب، وفيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ مَا يَصِلُونَ بِهِ رَحِمًا، أَوْ يُقْرُونَ بِهِ ضَيْفًا، أَوْ يَحْمِلُونَ بِهِ كَلًّا، أَوْ يُغْنُونَ بِهِ مَحْرُومًا وَلَيْسَ بِالزَّكَاةِ. قَالَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا2. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الزَّكَاةُ، (قَالَهُ) 3، قَتَادَةُ وَابْنُ سِيرِينَ4 وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ اقْتَضَتْ وُجُوبَ إِعْطَاءِ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ فَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا حَثٌّ عَلَى التطوع ولا يتوجه نسخ5.   1 الآية (19) من سورة الذاريات . 2 ذكره المؤلف في زاد المسير8/ 25، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور6/ 113، وعزاه إلى ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 3 هاء الضمير ساقطة من (هـ). 4 في (هـ) كلمة: (هو) زيادة ولعلها من الناسخ. 5 قلت: نقل المؤلف دعوى النسخ هنا في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13)، وفي زاد المسير 6/ 113 ثم قال: (وهذا لا يصح) وروى إحكام الآية النحاس عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي، وهو أيضاً اختيار مكي بن أبي طالب. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 225؛ والإيضاح ص: 362. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} 1. زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهَا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: آيَةُ السَّيْفِ2، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ نَاسِخَهَا {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} 3 وَهَذَا قَدْ يُخَيِّلُ أَنَّ مَعْنَى قوله {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أَعْرِضْ4 عَنْ كَلامِهِمْ، فَلا تُكَلِّمْهُمْ، وَفِي هَذَا بُعْدٌ فَلَوْ قَالَ: هَذَا إِنَّ الْمَعْنَى أَعْرِضْ عَنْ قِتَالِهِمْ صَلُحَ نَسْخُهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الآيَةِ أَعْرِضْ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ فَقَدْ أَوْضَحْتَ لَهُمُ الْحِجِجَ، وَهَذَا لا يُنَافِي قتالهم5.   1 الآية (54) من سورة الذاريات. 2 ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق ولم يعز إلى أحد. 3 الآية (55) من السورة نفسها. وقد ذكر هذا القول السيوطي في الدر المنثور 6/ 116 معزياً إلى أبي داود في ناسخه، كما ذكر نحوه النحاس في ناسخه (225) عن الضحاك، وابن سلامة في ناسخه (86). 4 في (هـ): أعراضهم، وهو تحريف. 5 قلت: عرض المؤلف الرأيين في هذه الآية في زاد المسير 8/ 42 كما ذكر قول النسخ عن المفسرين في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) بدون ترجيح، أما النحاس ومكي بن أبي طالب فقد أورد عن الضحاك أن هذه الآية منسوخة بالأمر بالتبليغ. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 225 والإيضاح ص:362. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الطُّورِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} 1. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهَا: انْتَظِرُوا فِي رَيْبِ الْمَنُونِ فَإِنِّي مُنْتَظِرٌ عَذَابَكُمْ فَعُذِّبُوا يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2 وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إِذْ لا3 تَضَادَّ بَيْنَ الآيَتَيْنِ4. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} 5 فِي هَذَا الْيَوْمِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أحدها: أَنَّهُ يَوْمُ مَوْتِهِمْ6. وَالثَّانِي: يَوْمُ النفحة الأولى.   1 الآية (31) من سورة الطور . 2 ذكره ابن سلامة في ناسخه ص: 87. 3 في (هـ): (ليس لا) وهو تحريف. 4 قلت: سلك المؤلف في تفسيره8/ 54، وفي مختصر عمدة الراسخ (13) مسلكه هنا عرضاً ورداً. 5 الآية (45) من سورة الطور. 6 ذكره الطبري بإسناده عن ابن عباس وقتادة في جامع البيان 27/ 19. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 وَالثَّالِثُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ1. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بآية السيف2 وإذا كان معنى: {فَذَرْهُمْ} الْوَعِيدَ لَمْ يَقَعْ نَسْخٌ3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} 4 زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ5 وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْبِرَ لِحُكْمِ رَبِّهِ وَيُقَاتِلَهُمْ، وَلا تَضَادَّ بين الآيتين6.   1 ذكر المؤلف في زاد المسير8/ 59 الآراء الثلاثة. 2 ذكره هبة الله في ناسخه ص: 87، وابن خزيمة في ناسخه ص: 267. 3 نقل المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) والتفسير الصفحة السابقة قول النسخ عن المفسرين ثم رده بمثل مارد به هنا. 4 الآية (48) من سورة الطور. 5 ذكره ابن حزم في ناسخه ص: 371. 6 قلت: رد المؤلف دعوى النسخ في تفسيره 8/ 60 بمثل مارد به هنا، وأمّا في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) فقال بعد نقل دعوى النسخ عن المفسرين: وإنما يصح هذا أن لو كان المراد الصبر عل القتال، والصبر ها هنا مطلق يمكن أن يثار به على أوامر الله سبحانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ النَّجْمِ. ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} 1 المراد بالذكر ها هنا الْقُرْآنُ، وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى} 3 رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَاتَّبَعَناهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} 4 قَالَ: فَأُدْخِلَ الابْنُ الْجَنَّةَ بِصَلاحِ الآباء.   1 الآية (29) من سورة النجم . 2 هكذا نسب المؤلف دعوى النسخ في تفسيره8/ 75 وفي مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (13) إلى من زعم ذلك، ولم يبد رأيه فيه كعادته في الآيات التي فيها معنى الإعراض وممن زعم ذلك أبو محمد مكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (366) وهبة الله في ناسخه (89) وابن حزم في ناسخه (371) وأما الإمامان الطبري وابن كثير، فلم يشيرا إلى النسخ بل فسرا الآية بما يؤيد إحكامها. انظر: جامع البيان27/ 37؛ وتفسير القرآن العظيم4/ 255. 3 الآية (39) من سورة النجم. 4 الآية (21) من سورة الطور. في النسختين (فأتبعنا) بالفاء، ولم أقف على من قرأ بذلك. وأمّا قوله: {وَاتَّبَعَناهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} جمعاً في الموضعين. هي قراءة بعض قراء البصرة كابن عامر وهي قراءة مستفيضة كما قال الطبري27/ 16، وأما المؤلف فيقول في زاد المسير 8/ 50 "قوله تعالى: {وَاتَّبَعَناهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة والكسائي: {وَاتَّبَعَتْهُمْ} بالتاء {ذُرِّيَّتُهُمْ} واحدة {هُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} واحدة أيضاً. وقرأ نافع: {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} واحدة {هُمْ ذُرِّيَّاتُهُمْ} جمعاً وقرأ ابن عامر {وَاتَّبَعَناهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} جمعاً في الموضعين". ا. هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل، قال: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى} 1 قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} 2 فَأَدْخَلَ اللَّهُ الأَبْنَاءَ بِصَلاحِ الآبَاءِ الْجَنَّةَ3. قُلْتُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا نَسْخٌ غَلَطٌ، لِأَنَّ الآيَتَيْنِ خَبَرٌ، وَالأَخْبَارُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ ثُمَّ إِنَّ إِلْحَاقَ الأَبْنَاءِ بِالآبَاءِ إِدْخَالُهُمْ فِي حُكْمِ الآبَاءِ بِسَبَبِ إِيمَانِ الآبَاءِ فَهُمْ كَالْبَعْضِ تَبَعُ الْجُمْلَةِ، (ذَاكَ) 4 لَيْسَ لَهُمْ إِنَّمَا فَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِفَضْلِهِ وَهَذِهِ الآيَةُ تُثْبِتُ مَا لِلإِنْسَانِ إِلا مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْهِ5.   1 الآية (39) من سورة النجم. 2 الآية (21) من سورة الطور. 3 أخرجه الطبري بإسناده من طريق عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. انظر: جامع البيان 27/ 44. 4 في (هـ): (ذلك). 5 قلت: لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ أصلاً، وإنما نقل هذا القول في زاد المسير8/ 81 عن العلماء ثم قال: "ولا يصح لأن لفظ الآيتين لفظ خبر والأخبار لا تنسخ" وهكذا أثبت مكي بن أبي طالب إحكام الآية في الإيضاح ص: 365. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النسخ من سُورَةِ الْقَمَرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 1. قَالَ الزَّجَّاجُ الْوَقْفُ التَّامُّ، فَتَوَلَّ عنهم ويوم مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ} 2. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعْنَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ إلى يوم يدع الداع، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا (التَّوَلِّي) 3 مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ4 وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَظَائِرِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ5.   1 الآية (6) من سورة القمر . 2 الآية السابعة من سورة القمر، وقد ذكر هذا المعنى المؤلف عن الزجاج في زاد المسير 8/ 90. 3 في (هـ) كلمة (التولي) مكررة. 4 ذكره هبة الله في ناسخه ص: 88 وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 33. 5 انظر على طريق المثال مناقشة الآيات: (63)، و (81) من سورة النساء و (94) من سورة الحجر، مما سَبَقَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} 1. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، قال: أبنا بن المظفر الداوودي، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّويَةَ، قَالَ: أَبْنَا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد ابن حميد، قال: حدثني أبي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ عن سالم ابن أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ (الأَنْمَارِيِّ) 2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} 3 قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا تَرَى دِينَارًا) قَالَ: قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: فَكَمْ قُلْتُ شُعَيْرَةٌ قَالَ: إنك لزهيد، قال: فنزل {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} 4 الآية فبيّ خفف الله عزوجل عن هذه الأمة5.   1 الآية (12) من سورة المجادلة . 2 في (ما): أنصاري وهو تحريف والصواب ما أثبت عن (م) وهو علي بن علقمة الأنماري الكوفي مقبول من الثالثة، التقريب 247. 3 في (هـ) خطأ في نقل الآية الكريمة حيث كتب نجواهم، بدل نجواكم ولعله من الناسخ. 4 الآية (13) من سورة المجادلة. 5 أخرج هذا الحديث الترمذي في كتاب التفسير وحسنه والطبري والنحاس، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. انظر: سنن الترمذي 5/ 85، رقم الحديث (3355)؛ وجامع البيان28/ 15؛ والناسخ والمنسوخ (237). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قال: أبنا أبو علي ابن شاذان، قال: بنا أحمد بن إسحاق بن بنجاب، قال: بنا محمد بن أحمد ابن أبي العوام، قال: بنا سعيد بن سليمان قال: بنا أَبُو شِهَابٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آيَةٌ فِي كِتَابِ الله عزوجل مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي آيَةُ النَّجْوَى، كَانَ لِي دِينَارٌ فَبِعْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُنَاجِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ، فَمَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلا بَعْدِي1. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} نسختها الآية التي تليها {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} 2. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عطاء الخراساني عن ابن   1 أخرج نحوه الطبري في جامع البيان28/ 14 من طريق ليث عن مجاهد عن علي رضي الله عنه، وفيه: (كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 482، عن عليرضي الله عنه وصححه، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 186. 2 أخرج نحوه الطبري من طريق علي بن الحسين، عن عكرمة والحسن البصري في جامع البيان 28/ 15. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} نسختها {أأشفقتم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صدقات} 1. قال أحمد: وبنا عبد الرزاق، قال: بنا ابن عينية عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} قَالَ: أُمِرَ أَنْ لا يُنَاجِيَ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ تصدق علي ابن أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَنَاجَاهُ فَلَمْ يُنَاجِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ نَزَلَتِ الرخصة {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} 2. قال عبد الرزاق، وبنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مَا كَانَتْ إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ3. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الفضل ابن خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدِّمُونَ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى صَدَقَةً فَلَمَّا نَزَلَتِ الزكاة نسخ هذا4.   1 ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور6/ 186، وعزاه إلى أبي داود في ناسخه، وابن المنذر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق عطاء الخراساني. 2 أخرجه الطبري في جامع البيان28/ 14 عن مجاهد من طريق بن أبي نجيح، وذكره السيوطي في المصدر السابق6/ 185 معزياً إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وسعيد بن أبي منصور، عن مجاهد. 3 أخرجه الطبري بإسناده عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي جامع البيان28/ 15. 4 أخرجه الطبري عن ابن عباس في المصدر نفسه، من طريق محمّد بن سعد العوفي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 قُلْتُ: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَفِيهَا {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 1 قال المفسرون نزل قوله: {أَأَشْفَقْتُمْ} أَيْ: خِفْتُمْ بِالصَّدَقَةِ الْفَاقَةَ {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي: أتجاوز عَنْكُمْ وَخَفَّفَ بِنَسْخِ إِيجَابِ الصَّدَقَةِ2. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَشْرُ لَيَالٍ3 وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ إِلا سَاعَةً مِنْ نهار4.   1 الآية (14) من سورة المجادلة. 2 فسر الآية ابن جرير في المصدر السابق بهذا التفسير، والمؤلف في زاد السير8/ 195. 3 ذكر السيوطي هذا المعنى في أثر طويل، في المصدر السابق، وقال: أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل. 4 قلت: ذكر المؤلف- رحمه الله- في زاد المسير7/ 195 ومختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (12) أن هذه الآية منسوخة، ورأيناه هنا يذكر دعوى النسخ ويسرد الآثار الواردة عن السلف المؤيدة لذلك، ولو كانت معظمها وردت بأسانيد ضعيفة ولكنها يعضد بعضها بعضاً، والنسخ هنا اختيار جمهور العلماء وبه قال أصحاب أمهات كتب النسخ. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 231؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: 368 - 369؛ ومعرفة الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص: 373 - 374. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النسخ من سُورَةِ الْحَشْرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} 1. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الفيء على قولين: أحدهما: أَنَّهُ الْغَنِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ عَنْوَةً وَكَانَتْ فِي بَدْءِ الْإِسْلامِ لِلَّذِينَ سَمَّاهُمُ الله ها هنا دُونَ (الْغَالِبِينَ) 2 الْمُوجِفِينَ عَلَيْهَا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الأَنْفَالِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} 3 الآيَةِ - هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ4 فِي آخَرِينَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} 5 الآية، قال:   1 الآية السابعة من سورة الحشر . 2 في (م): و (هـ): العالمين، وهو تحريف عما أثبت. 3 الآية (41) من سورة الأنفال. 4 يزيد بن رومان المدني، مولى آل الزبير، ثقة من الخامسة، مات سنة:130هـ، وروايته عن أبي هريرة مرسلة. انظر: التقريب (382). 5 الآية السابعة من سورة الحشر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 كَانَ الْفَيْءُ بَيْنَ هَؤُلاءِ فَنَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الأَنْفَالِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} 1. قال أحمد: وبنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، قَالا: نَسَخَتْ سُورَةُ الأَنْفَالِ سُورَةَ الْحَشْرِ2. قال أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ قَالا: كَانَتِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَنَسَخَتْهَا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْفَيْءُ مَا أخذ من أموال المشاركين مِمَّا لَمْ (يُوجَفْ) 3 عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، كَالصُّلْحِ وَالْجِزْيَةِ وَالْعُشُورِ وَمَالِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي دار الإسلام وَلا وَارِثَ لَهُ، فَهَذَا كَانَ يُقَسَّمُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ فَأَرْبَعَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ يَفْعَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِلْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ. وَاخْتَلَفَ العلماء فيها (يُصْنَعُ) 4 بِسَهْمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلخْلِيفَةِ بَعْدَهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. فَعَلَى هذا   1 الآية (41) من سورة الأنفال. أخرج هذا الأثر بنحوه الطبري في جامع البيان 28/ 25 عن سعيد عن قتادة. 2 رواه الطبري عن مجاهد وعكرمة والسدي، ثم رد الطبري على هذا القول مستدلاً بالآثار المعارضة لدعوى النسخ. انظر: جامع البيان 9/ 118. 3 في (هـ): هنا كلمة (يجف) زيادة ولعلها من الناسخ. 4 في (هـ): هنا كلمة (يجمع) زيادة، ولعلها من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 تَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مُبِيِّنَةً لِحُكْمِ الْفَيْءِ وَالَّتِي فِي الأَنْفَالِ مُبَيِّنَةٌ لِحُكْمِ الْغَنِيمَةِ فَلا يُتَوَجَّهُ نَسْخٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ: رَوَى لَنَا الثِّقَةُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: دَخَلَتْ آيَةُ الْفَيْءِ فِي آيَةِ الْغَنَائِمِ، قَالَ أَحْمَدُ (بْنُ شَبُّوَيْهِ) 1 هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَسُورَةُ الْحَشْرِ نَزَلَتْ بَعْدَ الأَنْفَالِ بِسَنَةٍ فَمُحَالٌ أَنْ يَنْسَخَ مَا قَبْلُ مَا بَعْدُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وبنا (خشيش) 2 بن أصرم، قال: بنا يحيى بن حسان، قال: بنا محمد بن راشد، قال: بنا لَيْثُ بْنُ أَبِي رُقَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، أَنَّ سَبِيلَ الخمس سبيل الفيء.   1 غير واضحة من النسختين، والصواب ما سجلت عن كتب التراجم. وهو: أحمد بن شبوية المروزي، روى عن وكيع وعبد الرزاق، مات بطرسوس سنة: 230هـ. انظر: الجرح والتعديل 2/ 55. 2 غير واضحة في (هـ) وفي (م): خبشيش والصواب ما أثبت عن كتب التراجم. وهو: خشيش بمعجمات مصغر ابن أصرم بن الأسود النسائي ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة 253هـ. التقريب (92). قلت: أثبت المؤلف في زاد المسير 8/ 210، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) إحكام هذه الآية هو اختيار الطبري في جامع البيان28/ 25، والنحاس في ناسخه ص: 232 - 233 وابن العربي في أحكام القرآن4/ 1773، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص:370 - 371. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ مِنْ سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآيَةُ1 وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الآيَةُ2. زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَأَنَّهُ منسوخ بآية السيف. أخبرنا بن ناصر، قال: بنا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن عبيد، قال: بنا محمّد ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} قَالَ نَسَخَتْهَا: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 3 وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى الآيَتَيْنِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ4. قَالَ أَبُو جَعْفَرِ ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ لا وَجْهَ لِادِّعَاءِ النَّسْخِ، لِأَنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُحَارِبِينَ سواء كانوا قَرَابَةً أَوْ غَيْرَ قَرَابَةٍ5 غَيْرُ مُحَرَّمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ بِكُرَاعٍ أَوْ سِلاحٍ أَوْ دِلالَةٍ لهم على عورة   1 الآية (8) من سورة الممتحنة . 2 الآية (9) من السورة نفسها. 3 الآية (5) من التوبة، وقد ذكر قول النسخ الطبري في جامع البيان28/ 43، بإسناده عن قتادة كما ذكره النحاس عنه في ناسخه ص: 235. 4 ذكر هبة الله في ناسخه ص: 91 عن الآية الأولى منسوخة بالتي تليها، ثم قال: "ونسخ معنى الآيتين بآية السيف، وذكر ابن هلال في ناسخه ص: 33 نحوه". 5 في (هـ): كلمة (أو) زيادة، ولعلها من الناسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 أَهْلِ الْإِسْلامِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ - حَدِيثُ أَسْمَاءَ1 بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "لَمَّا قَدِمَتْ عَلَيْهَا أُمُّهَا قَتِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى الْمَدِينَةَ بِهَدَايَا فَلَمْ (تَقْبَلْ) 2 هَدَايَاهَا وَلَمْ تُدْخِلْهَا مَنْزِلَهَا، فَسَأَلَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية فأمرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُدْخِلَهَا مَنْزِلَهَا وَتَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُكْرِمَهَا وَتُحْسِنَ إِلَيْهَا"3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} الآيَةُ4 وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} الآيَةُ5. كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَالَحَ مُشْرِكِي مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ لهم وكتبوا بذلك   1 أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما زوج الزبير بن العوام رضي الله عنه، هي من كبار الصحابة، عاشت مائة سنة وماتت سنة ثلاث أو أربع وتسعين. انظر: تقريب التهذيب (465). 2 في (هـ): يقتل، وهو تصحيف. 3 تجد ما ذكره الطبري في جامع البيان28/ 43، كما تجد قصة أسماء رضي الله عنها مذكورة في الصفحة نفسها قبيل هذا الكلام، عن عبد الله بن الزبير، ورواها، الحاكم في المستدرك2/ 485، وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أيضاً الواحدي عن عبد الله بن الزبير في أسباب النزول (284). قلت: ذكر المؤلف في زاد المسير نفس هذه المناقشة وكلام الطبري كما رجح إحكام الآية في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) أيضاً، وهو اختيار النحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 235 - 236، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: 272 - 273. 4 الآية العاشرة من سورة الممتحنة. 5 الآية الحادية عشرة من سورة الممتحنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 الْكِتَابَ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ، وَفِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ ثلاثة أقوال: أحدها: أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ1. وَالثَّانِي: سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ2. وَالثَّالِثُ: أُمَيْمَةُ3 بنت بشر فنزلت: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} وَفِيمَا كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهِ ثَلاثَةُ أقوال: أحدها: الإِقْرَارُ بِالإِسْلامِ4. وَالثَّانِي: الاسْتِحْلافُ لَهُنَّ: مَا خَرَجْنَ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ وَلا رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ وَلا الْتِمَاسَ دُنْيَا وَمَا خَرَجْنَ إِلا حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ5. وَالثَّالِثُ: الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} 6 فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّهُنَّ إليهم7. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ دَخَلَ رَدُّ النِّسَاءِ إِلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ لفظاً أو عموماً؟   1 قاله الإمام الشافعي في أحكام القرآن1/ 185 عن أهل العلم بالقراءات وذكره محمد بن سعد في الطبقات الكبرى8/ 230 بدون سند، كما ذكره المؤلف في زاد المسير 8/ 238 عنه، ثم قال: وهو المشهور. 2 ذكره الواحدي في أسباب النزول (284) عن ابن عباس بدون إسناد، وذكره المؤلف عنه في المصدر السابق. 3 نقل هذا القول المؤلف في المصدر نفسه عن أبي نعيم الأصفهاني. 4 ذكره الطبري في جامع البيان28/ 44 بسند ضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 5 أخرج نحوه الطبري بإسناده من طريق أبي نصر عن ابن عباس (ولم يعرف سماعه من ابن عباس كما قال البخاري). انظر جامع البيان المصدر السابق، وتهذب التهذيب12/ 255. 6 الآية العاشرة نم سورة الممتحنة. 7 روى هذا المعنى الإمام الترمذي في جامعه2/ 164 وقال هذا حديث حسن صحيح، كما رواه الطبري في جامع البيان28/ 44 كلاهما عن عائشة رضي الله عنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 فقالت طَائِفَةٌ: قَدْ كَانَ شَرْطُ رَدِّهِنَّ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُنَّ مِنَ العقد وأبقاه في الرجال1. وقال طائفةلم يَشْرُطْهُ صَرِيحًا بَلْ كَانَ ظَاهِرُ الْعُمُومِ اشْتِمْالَ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ مَعَ الرجال فبين الله عزوجل خُرُوجَهُنَّ عَنْ عُمُومِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُنَّ وبين الرجال، لأمرين: أحدهما: أَنَّهُنَّ ذَوَاتُ فُرُوجٍ تَحْرُمْنَ عَلَيْهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَسْرَعُ تَقَلُّبًا. فَأَمَّا الْمُقِيمَةُ عَلَى شِرْكِهَا فَمَرْدُودَةٌ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: "إِنَّمَا لَمْ يَرُدَّ النِّسَاءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْفِعْلُ2. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ} يَعْنِي: أَزْوَاجَهُنَّ الْكُفَّارَ، {مَا أَنْفَقُوا} يَعْنِي: الْمَهْرَ، وَهَذَا إِذَا تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا أَحَدٌ، فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ شَيْءٌ، وَالأُجُورُ: الْمُهُورُ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 3 وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} 4 وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بالكوافر (الوثنيات) ثم لو   1 قاله النحاس عن جماعة من العلماء في الناسخ والمنسوخ (237) ومكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (374)، والقرطبي في تفسيره 18/ 63، ثم قالوا وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن. وذكره المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) ثم قال: وقد نص أحمد على هذا. 2 أورد المؤلف هذه الآراء بنصها في زاد المسير8/ 240 ولم ينسبها إلى أحد. 3 الآية العاشرة من سورة الممتحنة. 4 الآية الخامسة من سورة المائدة، ذكر دعوى النسخ هنا النحاس في الناسخ والمنسوخ (248) عن قوم وذكر الإحكام عن قوم ولم يرجح، فأما المكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخة (375) والمؤلف في تفسيره7/ 243، ذكرا النسخ ثم ردا هذا القول، وقالا: وهذا تخصيص لا نسخ، عام في كل كافر، مخصص بإباحة إمساك الكتابيات زوجات، فالآية في الكوافر غير الكتابيات". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 قُلْنَا إِنَّهَا عَامَّةٌ كَانَتْ إِبَاحَةُ الْكِتَابِيَّاتِ تَخْصِيصًا لَهَا لا نَسْخًا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات} 1 وقوله: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} أَيْ: إِنْ لَحِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْكُمْ بِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ مُرْتَدَّةً فسألوهم مَا أَنْفَقْتُمْ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا لم (يدفعوها) 2 إليكم {وَلْيَسْأَلوا} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ الذَّينَ لَحِقَتْ أَزْوَاجُهُمْ بِكُمْ مُؤْمِنَاتٍ إِذَا تَزَوَّجْنَ مِنْكُمْ، من تزوجهن ما أنفقوا وهوالمهر، وَالْمَعْنَى: عَلَيْكُمْ أَنْ تَغْرَمُوا لَهُمُ الصَّدَقَاتِ كَمَا يَغْرَمُونَ لَكُمْ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} 3 أَيْ: أَصَبْتُمُوهُمْ فِي الْقِتَالِ بِعُقُوبَةٍ حَتَّى غَنِمْتُمْ4 {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} أَيْ: أَعْطُوا الأَزْوَاجَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ مَا أَنْفَقُوا مِنَ الْمَهْرِ5.   1 انظر مناقشة الآية (221) من سورة البقرة فيما سبق. 2 في (هـ): (لم يدفعونها) وهو خطأ من الناسخ. 3 الآية الحادية عشرة من سورة الممتحنة. 4 قال مكي بن أبي طالب في تفسير الآية: {فَعَاقَبْتُمْ} أي: (أصبتم عقبي، بمعنى غنيمة أوفى، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ ما أنفقوا) وقد نسب ابن كثير هذا التفسير إلى مسروق وإبراهيم وقتادة وغيرهم. وقال أبو السعود: {فَعَاقَبْتُمْ} أي: فجاءت عقبتكم أي: نوبتكم من أداء المهر شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك، وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (377)؛ وتفسير القرآن العظيم (322)؛ وتفسير أبو السعود5/ 8. 5 تجد ما فسره المؤلف هنا في زاد المسير7/ 243، وعزا تفسير {فَعَاقَبْتُمْ} إلى الزجاج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّ إِذَا فَرَرْنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، إِلَى أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ فَتَزَوَّجُوهُنَّ، بَعَثُوا بِصَدَاقِهِنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَإِذَا فَرَرْنَ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلى كفار لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَتَزَوَّجُوهُنَّ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً أُعْطِيَ زَوْجُهَا مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ اقْتَسَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ، وَنُبِذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ وَأُمِرَ بِقِتَالِ المشركين كافة1. قال أحمد: وبنا أسود بن عامر، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} 2 قَالَ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صُلْحٌ (فَإِذَا خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ أَعْطَوْا زوجها ما أنفق، وإذا خرجت امرأة من المشركين إلى المسلمين أَعْطَوْا زَوْجَهَا مَا أَنْفَقَ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهَذِهِ الأَحْكَامُ من أداء   1 أخرج نحره الطبري في جامع البيان28/ 49 عن قتادة، كما ذكره السيوطي مطولاً في الدر المنثور6/ 206 - 207، وقال: أخرجه عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن قتادة، وذكر دعوى النسخ عن قتادة النحاس ومكي بن أبي طالب. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 249؛ والإيضاح ص: 378. 2 الآية الحادية عشرة من سورة الممتحنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 الْمَهْرِ وَأَخْذِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَعْوِيضِ الزَّوْجِ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ صَدَاقٍ، قَدْ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: "كُلُّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ نَسَخَتْهَا آيَةُ السيف"1.   1 ذكر المؤلف عن هؤلاء دعوى النسخ هنا، في زاد المسير8/ 244 وقال في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13): "اعلم: أن الأحكام المذكورة في الآية مِنْ أَدَاءِ الْمَهْرِ وَأَخْذِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَعْوِيضِ الزَّوْجِ مِنَ الْغَنِيمَةِ أو من صداق، قد وجب رده على أهل الحرب منسوخ، وقد نص أحمد على هذا. قال مقاتل: كل هذه الآيات نسخت بآية السيف" انتهى. قلت: فكأنه يميل إلى مذهب إمامه، وأما الإمام الطبري فلم يشر إلى النسخ بل فسر الآية بما يوحي إحكامها ويقول مكي بن أبي طالب: "قيل: هي محكمة، وإذا تباعدت الدار واحتيج إلى المحنة كان ذلك إلى الإمام". انظر: جامع البيان28/ 50؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (377). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. قُلْتُ: قَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ من   1 الآية (14) من سورة التغابن . 2 الآية الخامسة من سورة التوبة. أمّا قول ابن عباس فقد سبق تخريجه في سورة المائدة آية: 13 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما عند الطبري ومكي بن أبي طالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ (مَنَعَتْهُ) 1 زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ2 وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ آمَنُوا مَعَهُ وَلَكِنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ حُبًّا لِإِقَامَتِهِ3 فَلا يُتَوَجَّهُ نسخ4.   1 في (م):نعته، وفي (هـ): غير واضحة، والصواب ما سجلت عن تفسيره8/ 284. 2 قال المؤلف في تفسيره {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} سبب نزولها: أن الرجل كان يسلم فإذا أراد الهجرة منعه أهله وولده، وقالوا ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وعشيرتك وتسير إلى المدينة بلا أهل ولا مال، فمنهم من يرق لهم ويقيم فلا يهاجر، فنزلت هذه الآية فلما هاجر أولئك، ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهلهم الذين منعوهم فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا} إلى آخر الآية، هذا قول ابن عباس)، انتهى من زاد المسير. وقد ذكر نحوه الواحدي في أسباب النزول عن عكرمة عن ابن عباس بدون إسناد (288) كما أخرجه الترمذي في جامعه وقال هذا حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك. وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرجه الطبري في جامع البيان 28/ 80، عن ابن عباس. 3 قال المؤلف في المصدر السابق عن مجاهد: (كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه). 4 ذكر المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (13) نحو ما ذكره هنا، ولم يتعرض لقول النسخ في زاد المسير أصلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ ن ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} 1. زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ فَلا نَسْخَ2. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} 3 قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ4 وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نظائر هذا فيما سبق5.   1 الآية (44) من سورة القلم. 2 قلت: رد المؤلف دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ، المصدر السابق بمثل مارد به هنا، ونسبها في تفسيره8/ 342 إلى بعض المفسرين. 3 الآية (48) من سورة القلم. 4 ذكر قول النسخ في هذه والتي قبلها هبة الله بن سلامة في الناسخ والمنسوخ ص: 94. 5 انظر مثلاً مما سبق الآيات (77) من سورة المؤمن، (35) من الأحقاف، والآية (39) من (ق)، ذكر المؤلف قول النسخ هنا في تفسيره 8/ 342 عن البعض ورده في مختصر عمدة الراسخ ورقة (14). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} 1 قَالَ الْمُفَسِّرُونَ صَبْرًا لا جَزَعَ فِيهِ، وَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ2 وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَظَائِرِ هَذَا3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} 4، زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ بِلِقَاءِ الْقِيَامَةِ فَلا وَجْهَ للنسخ5.   1 الآية الخامسة من سورة المعارج. 2 ذكر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص:251، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (381) دعوى النسخ هنا عن ابن زيد، ثم نقلا رد بعض العلماء على هذا القول: بأن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزل صابراً عليهم رفيقاً بهم. 3 انظر مناقشة الآيات التي أشرت إليها آنفاً في سورة القلم. 4 الآية (42) من سورة المعارج. 5 ذكر هذه الآية والتي قبلها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (14) فحولنا إلى أشباهها فيما سبق مما أثبت فيه إحكام الآية، وذكر في هذه الآية في زاد المسير 8/ 366: (وهذا لفظ أمر معناه الوعيد فلا وجه للنسخ) ولم يتعرض لهذه الآية النحاس ومكي بن أبي طالب أصلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} 1. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، الْمَعْنَى: انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَى النِّصْفِ فَجُعِلَ لَهُ سَعَةً فِي مُدَّةِ قِيَامِهِ، إِذْ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً فَكَانَ (يَقُومُ) 2 وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَخَافَةَ أَنْ لا يَحْفَظَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} 3 هَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالُوا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ نَسَخَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا سِوَى هَذِهِ السُّورَةِ4 وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ نُسِخَ5 قِيَامُ اللَّيْلِ فِي حَقِّهِ بِقَوْلِهِ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} 6 وَنُسِخَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ7 وَقِيلَ: نُسِخَ عَنِ الأُمَّةِ وَبَقِيَ فَرْضُهُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِ دُونَهُمْ.   1 الآيتان الثانية والثالثة من سورة المزمل . 2 في (هـ): يقول، وهو تحريف. 3 الآية (20) من السورة نفسها. 4 ذكر ذلك هبة الله في الناسخ والمنسوخ ص: 92. 5 هذه العبارة مكررة في (هـ). 6 الآية (79) من سورة الإسراء. 7 قال الإمام الشافعي رحمه الله في رسالته1/ 116، بعد عرض هاتين الآيتين: "فكان يقيناً في كتاب الله نسخ قيام الليل، ونصفه والنقصان في النصف والزيادات عليه بقوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنهُ}، فاحتمل هذا القول على معنيين: أحدهما: أن يكون فرضاً ثابتاً لأنه أزيل به فرض غيره. والآخر: أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره، كما أزيل به غيره وذلك لقول الله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} الإسراء (79) فاحتمل قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه. قال: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها منسوخ بها استدلالاً بقول الله: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} وأنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر: انتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ1 قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو داود، قال بنا أحمد بن محمد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً} نَسَخَتْهَا {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} 2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِيِّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي داود، قال: بنا زيد بن أخرم، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُتِبَ عَلَيْنَا قِيَامُ اللَّيْلِ فَقُمْنَا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُنَا وَكُنَّا فِي مَغْزًى لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرُّخْصَةَ {أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} إلى آخر السورة.   1 في (هـ) (أبو) وهو تحريف من الناسخ. 2 الآية (20) من سورة المزمل، والحديث أخرج نحوه النحاس وابن العربي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، كما ذكر الطبري نحوه عن عكرمة والحسن. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: 252؛ وأحكام القرآن4/ 1881؛ وجامع البيان29/ 79. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 قال أبو بكر: وبنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلاد، قال: بنا يزيد، قال: بنا مُبَارَكٌ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نزلت: {يا أيها الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةً قَالَ الْحَسَنُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا كُلُّهُمْ قَامَ بِهَا فَخَفَّفَ اللَّهُ فَأَنْزَلَ آخِرَ السُّورَةِ {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}، إِلَى آخِرِ الآيَةِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قتادة، عن زرارة بن أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كَانَ اللَّهُ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثني عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةٌ فِيهَا يُسْرٌ وَتَخْفِيفٌ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ"1. قال قتادة: "نسختها {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} الآية"2. قال أحمد: وبنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {يا أيها المزمل قُمِ اللَّيْلَ} قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَسَخَتْهَا هَذِهِ الآيَةُ {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} الآية3.   1 روى نحوه مسلم والنسائي والنحاس، من طريق سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي في كتاب الصلاة في باب صلاة الليل6/ 25 - 27؛ والنسائي3/ 126؛ والنحاس ص: 252. 2 روى الطبري نحوه عن قتادة29/ 79، من جامع البيان. 3 ذكره النحاس في الناسخ والمنسوخ ص: 252 بإسناده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طريق عطاء الخراساني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 قال أحمد: وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فُرِضَ قِيَامُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، فَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ حَوْلا ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِهَا، فَقَالَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} فَنُسِخَ مَا كَانَ قَبْلَهَا1. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} 2. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ وَأَذَاهُمْ لك {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} لا جَزَعَ فِيهِ3 وَهَذِهِ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَهُمْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ قَتَادَةَ4 وَعَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ تَفْسِيرِهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُحْكَمَةً5.   1 ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 285 وقال: أخرجه عبد بن حميد عن قتادة. قلت: قضية النسخ هنا مسلم لدى الجمهور، وأما الخلاف بماذا نسخ؟ فقال الشافعي، نسخ في حق الرسول بآية الإسراء، وفي حق المؤمنين بالصلوات الخمس، كما سبق، وقال قوم: نسخ عن الجميع بآخر سورة المزمل، وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة وقتادة، والحسن وجماعة من المفسرين وَقِيلَ نُسِخَ عَنِ الأُمَّةِ وَبَقِيَ عليه فرضه أَبَدًا، وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ مَفْرُوضًا عليه دونهم، واختلفوا في مدة فرضه، على قولين: أحدهما: سنة، قاله ابن عباس وكان بين أول المزمل وآخرها سنة. والثاني: ستة عشر شهراً، وهو ما نقله المؤلف عن الماوردي. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: 251 - 252؛ والإيضاح ص: 382 - 383؛ وزاد المسير8/ 388 - 389. 2 الآية (10) من سورة المزمل. 3 فسر بذلك الطبري بجامع البيان29/ 84. 4 أخرجه الطبري في المصدر نفسه، والنحاس في المصدر السابق بإسنادهما عن قتادة. 5 ذكر المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (14) احتمال الإحكام المذكور هنا. وانظر إن شئت الآية (176) من آل عمران، و (109) من سورة يونس، حيث أثبت المؤلف إحكام الآية هناك فيما فيه معنى الصبر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} 1. زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ قوله {ذَرْنِي} وَعِيدٌ، وَأَمْرُهُ بِإِمْهَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى الإِطْلاقِ، بَلْ أَمَرَهُ بِإِمْهَالِهِمْ إِلَى حِينِ يُؤْمَرُ بِقِتَالِهِمْ فَذَهَبَ زَمَانُ الإِمْهَالِ فَأَيْنَ وَجْهُ النَّسْخِ؟ 3. ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} 4. زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 5 وَلَيْسَ هَذَا بِكَلامِ مَنْ يَدْرِي مَا يَقُولُ، لِأَنَّ الآيَةَ الأُولَى أَثْبَتَتْ لِلإِنْسَانِ مَشِيئَتَهُ، وَالآيَةَ الثَّانِيَةَ أَثْبَتَتْ أَنَّهُ لا يَشَاءُ حَتَّى يَشَاءَ اللَّهُ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ النَّسْخُ؟ 6.   1 الآية (11) من سورة المزمل. 2 ذكره ابن حزم في معرفة الناسخ والمنسوخ ص: 383. 3 أنكر المؤلف دعوى النسخ هنا بقوله: (وليس بصحيح) في زاد المسير8/ 393، وأعرض عن ذكرها النحاس ومكي بن أبي طالب، وهبة الله في نواسخهم. 4 الآية (19) من سورة المزمل. 5 الآية (30) من سورة الدهر، ذكر قول النسخ هنا ابن حزم في المصدر السابق، وابن سلامة في ناسخه ص: 96. 6 قلت: أعرض المؤلف دعوى النسخ هنا في تفسيره وفي مختصر عمدة الراسخ كما أعرض أصحاب أمهات كتب النسخ عن ذكرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 1. هَذِهِ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ2. وَالْمَعْنَى: خَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَإِنِّي أَتَوَلَّى هَلاكَهُ. وَقَدْ زَعَمْ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ3. وهذا باطل من وجهين: أحدهما: أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَعِيدٌ فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَظَائِرِهَا فِيمَا سَبَقَ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَآيَةُ السَّيْفِ مَدَنِيَّةٌ، وَالْوَلِيدُ هَلَكَ بِمَكَّةَ قبل نزول آية السيف4.   1 الآية (11) من سورة المدثر . 2 ذكره الواحدي في أسباب النزول (295) بإسناده عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. 3 ذكره هبة الله في ناسخه ص: 97. 4 قال المؤلف في مختصر عمدة الراسخ (14) عن هذه الآية: (لا نسخ) ولم يتعرض لها أمهات كتب النَّسْخُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ هَلْ أَتَى ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} 1. زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ تَضَمَّنَتِ الْمَدْحَ عَلَى إِطْعَامِ الأَسِيرِ الْمُشْرِكِ، قَالَ: وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَبْنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: بنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سعيد بن جبير: {وَأَسِيراً} قَالَ: يَعْنِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ، نَسَخَ السَّيْفُ الأَسِيرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ3. قُلْتُ: وإنما أشار بهذا إِلَى أَنَّ الأَسِيرَ يُقْتَلُ وَلا يُفَادَى فَأَمَّا إِطْعَامُهُ فَفِيهِ ثَوَابٌ بالإجماع لقول عزوجل (فِي كُلِّ كَبِدٍ (حَرَّى) أَجْرٌ)   1 الآية الثامنة من سورة الدهر 2 ذكره هبة الله في المصدر السابق. 3 روى الطبري في جامع البيان 29/ 130، وذكر السيوطي في الدر المنثور، معزياً إلى بن أبي شيبة، عن سعد بن جبير (وأسيراً) أنه من أهل القبلة وغيرهم. 4 في (م): أحرى أجر، وهو تحريف من الناسخ. وقد روى هذا الحديث البخاري في المساقاة، وكتاب الأدب كما رواه أبو داود في باب الجهاد وابن ماجه في باب الأدب. انظر: صحيح البخاري مع الفتح13/ 45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 وَالآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّطَوُّعِ بِالإِطْعَامِ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَلا يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى الْكُفَّارِ1. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} 2. زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى نَظَائِرِهَا، وَبَيَّنَّا عَدَمَ النَّسْخِ3. ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} 4. قَالَ بَعْضُهُمْ، نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 5 وقال: وكذلك قوله، في:   1 قلت: لم يذكر المؤلف هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ، وقد ذكر في زاد المسير دعوى النسخ عن بعض المفسرين ثم رده بمثل مارد به هنا، وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يعتبرا هذه الآية من المنسوخة أصلاً. 2 الآية (24) من سورة الدهر. 3 انظر مثلاً مناقشة الآيات (109) من سورة يونس و (9) من سورة المزمل. 4 الآية (29) من سورة الدهر. 5 الآية (30) من السورة نفسها، ذكر هذا القول هبة الله في ناسخه (98). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 باب: جزء عم عَبَسَ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} 1 (قال) 2: وكذلك في سورة:   1 الآية (12) من سورة عبس. 2 ساقطة من (م). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 التَّكْوِيرِ. قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} 1 وَقَدْ رَدَدْنَا هَذَا فِي سُورَةِ المزمل2.   1 الآية (28) من سورة التكوير. 2 انظر مناقشة الآية (19) من سورة المزمل، وقد أورد قول النسخ في هذه الآيات كلها هبة الله بن سلامة في ناسخه ص: 97 و 98 و 99. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الطَّارِقِ. ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} 1. زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ2 مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ فلا نسخ3.   1 الآية (17) من سورة الطارق. 2 في (هـ): نسخ، وهي زيادة. 3 قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لهذه الآية أصلاً وفسرها في زاد المسير9/ 85 بأنها وعيد وتهديد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْغَاشِيَةِ. قَوْلُهُ تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} 1. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود، قال: بنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} قَالَ: نُسِخَ ذَلِكَ فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 2. قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَاهَا: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَلَّطٍ فَتُكْرِهَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ3، فَعَلَى هَذَا لا نسخ.   1 الآية (21) من سورة الغاشية. 2 الآية الخامسة من سورة التوبة، ذكر هذا القول السيوطي في الدر المنثور6/ 343 وعزاه إلى أبي داود في ناسخه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. 3 ذكره السيوطي في المصدر نفسه، وقال: أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك، وجاء في صحيح مسلم1/ 53 عن جابررضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، ثم قرأ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} ورواه الترمذي2/ 170، وقال حديث حسن صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ التِّينِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} 1. زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ نُسِخَ مَعْنَاهَا بِآيَةِ السَّيْفِ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَاهَا: دَعْهُمْ وَخَلِّ عَنْهُمْ2 وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا ظَنَّ، فَلا وَجْهَ للنسخ3.   1 الآية الثامنة من سورة التين. 2 قاله هبة الله بن سلامة في الناسخ والمنسوخ ص: 110. 3 قال الطبري في تفسير هذه الآية: (أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه وفصل قضائه بين عباده) جامع البيان30/ 160 وفسر ابن كثير أيضاً الآية بما يؤيد إحكامها. انظر: تفسير القرآن العظيم4/ 527.وقال المؤلف في زاد المسير9/ 174: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أي: بأقضى القاضين: قال مقاتل يحكم بينك وبين مكذبيك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الْكَافِرِينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 1. قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ2. وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى، قَدْ أَقْرَرْتُمْ عَلَى دِينِكُمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مَفْهُومُ الآيَةِ بَعْدَ النسخ3. آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمّد النبي وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.   1 الآية السادسة من سورة الكافرون. 2 ذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن حزم في ناسخه ص: 396، وابن سلامة في ناسخه ص: 104 وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 35 ولم يتعرض لها النحاس ومكي بن أبي طالب أصلاً. 3 قلت: رد المؤلف في مختصر عمدة الراسخ بمثل ما رد به هنا. انظر الورقة (14) من المخطوطة. ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "إن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادة يسلكها إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أي: لا معبود إلا الله، ولا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} كما قال تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} وقال: {لن لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} " انتهى من تفسير القرآن العظيم 4/ 560. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 خاتمة التحقيق نتائج البحث وثماره : بعد أن عشنا نتتلمذ على العلامة ابن الجوزي رحمه الله بواسطة كتابه القيم، وعلومه المفيدة علينا أن نقوم حصيلة هذا البحث الذي قضيت في إعداده قرابة سنتين، وعلينا أن نتساءل، ونتدارس عن مدى ثمرة هذا الكتاب وميزته أيضاً من بين كتب النسخ الأخرى هل قدم لنا شيئاً جديداً أم هو تكرار لما سطر الآخرون قبله. ولا شك أن كل مجد ومجتهد يسر بأثر جهده، ويتمتع بثمرة عمله إذا أخلص فيه، لقد ترك لنا ذلك العالم الفذ في ثنايا كتابه أشياء عديدة وجديدة ومفيدة، منها: 1 - إظهار مسؤولية الدعاة وحماة القرآن كتاباً ومؤلفين خطباء ومدرسين، تجاه كتاب الله المحكم حينما تتناوله أيد فاسدة وجاهلة - ولو بحسن النية - لجعل الآيات المحكمة منسوخة، وإظهار خطورة هذا الموضوع حين يضيع بين القيل والقال من غير استناد إلى الأدلة الصحيحة الثابتة عن صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه. 2 - التعرف على شخصية المؤلف التي بدت لنا من خلاله معالجته لقضايا النسخ، وعرضه للأحاديث والآثار التي يرويها لنا عن مشايخه بأسانيد متصلة، كأنه محدّث ومفسر وفقيه وأصولي في آن واحد، يجيد فهم القرآن ويحسن الاستنباط من آيات الأحكام فيه، ودارس لوقائع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 النسخ وحقيقته، ومتمكن فيه، لا يتجاوز شروطه في قبول قضاياه، ذوداً عن الحق ودفاعاً عن القرآن العظيم. 3 - ليست آية السيف - كما يظن البعض - سيفاً صارماً يقضي بها على مئات الآيات القرآنية الواردة فيها الصفح والإعراض عن المشركين والعفو عنهم فيجعل تلك الآيات بين دفتي القرآن رسماً بلا عمل، كما قضى بها على أساطين الشرك والضلال يوم نزلت، بل إنما هي آيات محكمات نزلت ليتأسى بها الدعاة ويعملوا بها في توجيه دعوتهم بالحكمة والبصيرة عبر القرون تبعاً للبيئة والظروف، فيعرض الداعي عن سفه الكفار أو الجهلة، وطلباتهم واختراعاتهم تارة، ويصبر على أذاهم حتى يتمكن من الدخول إلى قلوبهم إن أمكن أو يجاهدهم بالسيف حتى يفتح البلاد وينقذ العباد، وربما اكتفى بالإبلاغ والإنذار حسبما تقتضيه المصلحة. فهي إذاً آيات محكمات يعمل بها من يوم نزولها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 4 - كون الآية منسوخة أو غير منسوخة ليس أمراً اجتهادياً، يتصرف فيه الإنسان كيف يشاء وأصل كل آية الإحكام فيحتاج للقول بنسخها نزول أمر آخر من الله أو ورود أمر مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صحيحاً، لذا رأينا، علماء النسخ لا يعتبرون القول بالنسخ، وحتى ولو ثبتت الرواية عن الصحابة والسلف الصالح، إلا بعد أن يقابلوه بالشروط المتفق عليها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 لديهم، المنبثقة من كتاب الله، وسنة نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فإذا توافرت الشروط وصحت الرواية عن السلف قبلوها وقالوا به، وإلا أولوا كلامهم بمعنى المصطلح المعروف عندهم الثابت عنهم، وهو إطلاق النسخ على الاستثناء والتخصيص والتقييد وما إلى ذلك أو يؤولون معنى نسخت هذه الآية بهذه الآية، أي: نزلت بنسختها. 5 - وكما امتاز ابن الجوزي عن غيره من مؤلفي النسخ بسرد الأسانيد المتعددة الطرق، كذلك امتاز عنهم بتبويب السور دون ذكر عدد الآيات في بدايتها. خلاف ما فعله السابقون له. 6 - بعد الإيجاز والاقتصار وترك ما لا يلتفت إليه من أقوال واهية نرى ابن الجوزي أكثر المؤلفين إيراداً لوقائع النسخ مع أنه أقلهم قبولاً لها. فقد بلغ عدد القضايا التي قيل فيها بالنسخ لدى السابقين لابن الجوزي كالتالي: عند ابن حزم الأنصاري ... 214 قضية وعند أبي جعفر النحاس ... 134 قضية وعند ابن سلامة ... 213 قضية وعند مكي بن أبي طالب ... 200 قضية وعند عبد القاهر البغدادي ... 66 قضية وعند ابن بركات ... 210 قضية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 وعند ابن الجوزي 247 قضية في 62 سورة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرصه الخالص لكشف الغطاء عن بعض المفسرين الذين لم يفهموا معنى النسخ وحقيقته، فقالوا بنسخ ما ليس بمنسوخ. 7 - ابن الجوزي لم يهتم بالكتب المتقدمة في النسخ إذا كانت خالية عن الأدلة والآثار، أو كانت مجرد نقول وحكايات مع أن بعضها كانت معروفة لديه وقت تأليفه لهذا الكتاب ككتاب هبة الله بن سلامة. 8 - خلال استعراضه لقضايا النسخ، يختار المؤلف وقوعه في عدد ضئيل من الآيات، وبالتحديد لم يقل بوقوع النسخ إلا في 22 واقعة فحسب. بينما يرى الإحكام في حوالي (205) واقعة، وفي الآيات الباقية وقف موقف الحياد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 وقائع النسخ عند ابن الجوزي : يلاحظ هنا أن المؤلف، رحمه الله، لم يصرح في هذا الكتاب بالنسخ في جميع هذه الوقائع الآتية، وإنما صرح به في سبع وقائع فقط، واكتفى في الباقي بسرد أقوال القائلين بالنسخ، أو أدلتهم بدون أدنى اعتراض على ذلك وبدون ذكر أدلة المعارضين وهذا يعني القول بنسخ الآية. بيان مفصل بالوقائع المذكورة: 1 - الآية (184) من البقرة، نص على نسخها هنا وفي مختصر عمدة الراسخ. 2 - الآية (217) من البقرة، نص على نسخها عند ذكر الآية الأولى من سورة المائدة في هذا الكتاب وصرح بذلك في مختصر عمدة الراسخ. 3 - الآية (240) من البقرة، اكتفى هنا وفي مختصر عمدة الراسخ بذكر أدلة القائلين بالنسخ بدون اعتراض وصرح بذلك في زاد المسير عند ذكر آية (234) من نفس السورة. 4 - الآيتان (15 - 16) من سورة النساء، صرح بنسخها هنا وفي زاد المسير، وأما في مختصر عمدة الراسخ فقد سقط من الفلم جزء كبير من سورتي آل عمران والنساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 5 - الآية (43) من النساء، أورد هنا أدلة القائلين بالنسخ ولم يعترض عليها وصرح بذلك في زاد المسير. 6 - الآية (63) من النساء، ذكر هنا قول النسخ عن المفسرين بدون أدنى اعتراض وهكذا سلك في زاد المسير أيضاً. 7 - الآية (81) من النساء، ذكر قول النسخ هنا وفي التفسير عن المفسرين ولم يعترض عليه. 8 - الآية (90) من النساء، ذكر هنا أدلة القائلين بالنسخ بدون اعتراض. 9 - الآية (91) من النساء، صرح بنسخها في هذا الكتاب. 10 - الآية (2) من المائدة، اختار النسخ في موضعين منها وصرح بذلك في هذا الكتاب. 11 - الآية (68) من سورة الأنعام، قال في هذا الكتاب "ويشبه أن تكون منسوخة". 12 - الآية (72) من الأنفال، أورد هنا وفي زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ أدلة القائلين بالنسخ بدون أدنى رد ولا اعتراض. 13 - الآية (106) من الأنعام، أورد النسخ هنا، وفي زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ ولم يرد على ذلك. 14 - الآية (85) من سورة الحجر، ذكر دعوى النسخ عن المفسرين هنا ولم يعترض وصرح بالنسخ في مختصر عمدة الراسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 15 - الآية (94) من الحجر ذكر قوله النسخ هنا وفي زاد المسير والمختصر عن المفسرين بدون أدنى اعتراض. 16 - الآية (3) من سورة النور، أورد النسخ وأدلة القائلين به هنا وذكر دعوى النسخ في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ ولم يعترض على ذلك. 17 - الآية (30) من سورة السجدة ذكر دعوى النسخ عن المفسرين هنا وفي مختصر عمدة الراسخ ولم يرد على ذلك. 18 - الآية (89) من الزخرف، أورد دعوى النسخ هنا وفي المختصر ولم يرد على ذلك. 19 - الآية (45) من سورة (ق) ذكر النسخ عن المفسرين هنا وفي زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ ولم يرد على ذلك. 20 - الآية (12) من المجادلة، ساق هنا أدلة القائلين بالنسخ، وصرح به في زاد المسير وفي مختصر عمدة الراسخ. 21 - الآيتان (10 - 11) من الممتحنة أورد هنا دعوى النسخ في الآية العاشرة وجزء من الحادي عشرة وصرح بنسخها في التفسير والمختصر. 22 - الآيات (1 - 3) من سورة المزمل ذكر هنا أدلة القائلين بالنسخ وصرح بذلك في زاد المسير ومختصو عمدة الراسخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 ولا يخفى على القارئ أن كون هذه الآيات كلها منسوخة أو غير منسوخة ليس محل اتفاق بين العلماء، وقد بينا فيما تقدم من الحواشي اختلاف العلماء وآرائهم في ذلك وفيه الكفاية إن شاء الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 تقويم الكتاب : لقد رأينا المؤلف ابن الجوزي -رحمه الله- في مقدمة الكتاب يرسم نموذجاً للخطة التي قرر السير عليها في هذا الكتاب، ونحن الآن نعرض تلك الخطة عرضاً سريعاً، لنرى مدى التزامه بها أثناء التأليف. فيقول في نهاية الباب السابع من المقدمة: إنه "يبين صحة الصحيح وفساد الفاسد)) يعني بذلك: أنه يقوم بإيضاح الصحة والخطأ في دعاوي النسخ. نعم، حينما نقارن بين ما التزمه وبين ما فعله في معالجة قضايا النسخ نجده يبين الخطأ بإثبات الإحكام في (205) واقعة تقريباً بينما يختار وقوع النسخ في (22) قضية، ولكن هناك وقائع أخرى تصل إلى عشرين قضية لم يصححها ولم يضعفها ولم يردها، بل وقف فيها موقف المحايد بعد إيراد أدلة الفريقين أو سرد أقوالهم. كما وجدناه أيضاً لا يقف موقفاً واحداً تجاه آيات وردت بمعنى واحد، وهو الإعراض عن المشركين، حيث نسب دعوى النسخ في الآيات (63) و (81) من سورة النساء و (106) من الأنعام و (94) من الحجر و (30) من السجدة، إلى المفسرين بدون رد ولا اعتراض على ذلك بينما قال في آية (68) من الأنعام: "ويشبه أن يكون الإعراض ههنا منسوخاً بآية السيف"، وقال في آية النجم (29): "زعموا أنها منسوخة" علماً بأن هذه الآيات السبع كلها وردت في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 الإعراض عن المشركين، كما أن الأدلة التي ساقها المؤلف عن ابن عباس وقتادة في وقوع النسخ فيها تعم جميع الآيات المذكورة، حيث قالا: كل ما ورد في القرآن بمعنى الإعراض أو العفو منسوخ بآية السيف. ومن المعلوم أن كلمة "يشبه" دالة على ميله إلى النسخ كما أن كلمة "زعموا" دالة إلى عدم قبوله النسخ، فكأن المؤلف تناقض مع نفسه في قضية واحدة وهي الإعراض عن المشركين، ويؤيد ذلك عرض المؤلف آية النجم في كتابيه التفسير والمختصر بنفس الأسلوب، والله أعلم. وتبين مما ذكرنا، أن التزام المؤلف بالتصحيح والتضعيف ليس على إطلاقه بل هو محمول على الغالب، كما تبين لنا أن بعض الأخطاء التي دخلت في بعض كتبه نتيجة كثرة التأليف، قد دخلت في هذا الكتاب أيضاً. ومن خطته حذف كثير من الأسانيد خوف الملل وقد أدركنا ذلك فعلاً حيث كان يترك الشيوخ بينه وبين الإمام أحمد وبينه وبين ابن أبي داود، وبينه وبين عبد الحميد وأبي حفص وأمثال ذلك كثير، وكل هؤلاء ليسوا من أقرانه. ومن خطته أيضاً ترتيب السور والآيات حسب ترتيب القرآن فقد التزم بذلك في جميع الكتاب إلا في آية واحدة فقط حيث قدم الآية (54) من سورة الإسراء على آية (34) منها ولعل ذلك سهو منه فسبحان من لا ينام ولا يسهو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 ومما لاحظنا من خلاله ترقيمه للآيات أنه إذا كان في الآية موضعان ادعي فيهما النسخ كما في آية (233) البقرة، و (24) النساء، و (72) الأنفال يقول: ((وفي الآية موضع آخر))، هذا هو الغالب، وهو نهج سليم. بينما نرى في بعض الآيات الواردة على هذا المنوال، يذكر رقمين مستقلين، كما فعل في آية (196) من البقرة، وقد أشرت إلى ذلك كله في الهامش. وفي الحقيقة لا أرى هذه الملاحظات مما يؤخذ عليه أو مما يلام بسببه، لأنه رحمه الله كان يؤلف عدة كتب في عدة فنون في آن واحد، ثم لا يمكنه مراجعة ما كتب1. حقاً إن موقفه في معالجة قضايا النسخ ومناقشتها يمتاز عن أسلافه كثيراً، فرغم التزامه بحذف ما لا يلتفت إليه، فقد كان حريصاً في جمع أوجه الاختلاف بين المفسرين والفقهاء. ولم أجد قضية من قضايا النسخ أعرض المؤلف عن ذكرها، إلا وهي في منتهى الضعف، كما أشار في المقدمة2. وفلتاته في هذا الكتاب الصغير ليست معياراً للحكم على شخصيته إنما ذلك بالنظر إلى مدى جهده وجهاده طول حياته، وقد سئل   1 انظر: مقدمة التحقيق ص: 34. 2 انظر مقدمة المؤلف في الفصل الأوّل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 رحمه الله في عدد تآليفه، فقال: تزيد عن ثلاثمائة وأربعين مصنفاً منها ما هو عشرون مجلداً ومنها ما هو كراس واحد فرحم الله ذلك المجاهد ونفعنا بعلومه، ووفقنا لخدمة دينه، فحمداً لله أولاً وآخراً. ومن هنا أكرر شكري مرة أخرى إلى المشرف على الرسالة فضيلة الدكتور أحمد إبراهيم مهنا، الذي لم يدخر وسعاً ولم يأل جهداً في مساعدتي بل أنفق قصارى جهده من أجل إنجاز هذه الرسالة، بإرشاداته القيمة وتوجيهاته الدقيقة، فجزاه الله أحسن الجزاء وأطال عمره في خدمة دينه آمين. وبهذا آتي إلى نهاية التحقيق راجياً من الله العلي القدير أن يغفر زلاتي وأن يتقبل جهدي المتواضع وأن يلهمنا رشدنا ويسدد خطانا وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 تطور تعريف النسخ : في العصر الأوّل كان مفهوم النسخ واسعاً حيث كان الصحابة، رضوان الله عليهم، والتابعون من بعدهم يرون أن النسخ هو مطلق التغير الذي يطرأ على بعض الأحكام سواء كان ذلك بالاستناد أو التخصيص، أو التقيد أو التفصيل أو برفع الحكم السابق بحكم شرعي متأخر. لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو مطلق التغيير. ولكن بمرور الزمن، وصل العلماء إلى وضع المصطلحات المختلفة المتميزة بمدلولاتها فحدد تعريف النسخ، فصار النسخ الاصطلاحي؛ وهو: (رفع حكم شرعي بحكم شرعي متأخر). هذا، وقد قمنا بعمل المقارنة بين المراجع المختلفة المعتبرة في علم النسخ في القرآن، لنرى وقائع النسخ حسب تطبيقهم على ضوء المعنى المصطلح المتعارف لديهم، وأثبتنا ذلك في الجدول التالي وقد روعي في هذا الجدول: 1 - أن يكون متضمناً لآراء الكتب المعتبرة في علم النسخ في القرآن بحيث تثبت وقوع النسخ أو عدم وقوعه مستمدة من الأدلة النقلية أو العقلية. 2 - أن يكون مرتباً ترتيباً زمنياً لتأليف الكتاب. 3 - أن يكون متضمناً للآيات الناسخة والمنسوخة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 جدول للآيات المنسوخة والناسخة 1 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (البقرة / 109) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 2 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (البقرة / 115) الآية الناسخة: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة / 144) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : مكي بن أبي طالب السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس ابن الجوزي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 3 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} (البقرة / 180) الآية الناسخة: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} (النساء / 7) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي مصطفى زيد 4 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (البقرة / 183) الآية الناسخة: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (البقرة / 187) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 5 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة / 184) الآية الناسخة: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة / 185) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الزرقاني الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : الدهلوي مصطفى زيد 6 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} (البقرة / 191) الآية الناسخة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (البقرة / 193) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 7 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (البقرة / 217) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 8 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} (البقرة / 240) الآية الناسخة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (البقرة /234) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : الزرقاني الدهلوي مصطفى زيد 9 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (البقرة /284) الآية الناسخة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} (البقرة /286) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الزرقاني الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الدهلوي مصطفى زيد 10 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (آل عمران /102) الآية الناسخة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن /16) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الزرقاني الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الدهلوي مصطفى زيد 11 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} -إلى قوله:- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (النساء 15 - 16) الآية الناسخة: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} (النور /2) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الزرقاني مصطفى زيد الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : الدهلوي 12 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (النساء /33) الآية الناسخة: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (الأنفال /75) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 13 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (النساء /43) الآية الناسخة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ} (المائدة /90) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي مصطفى زيد الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني 14 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا} (النساء /63) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 15 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (النساء /81) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 16 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} إلى قوله: {سُلْطَانًا مُبِينًا} (النساء /90 - 91) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 17 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (النساء /92) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 18 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} (المائدة /2) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : ابن الجوزي السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 19 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} (المائدة /42) الآية الناسخة: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (المائدة /49) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 20 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} (المائدة /106) الآية الناسخة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (الطلاق /2) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 21 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} (الأنعام /68) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 22 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام /106) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 23 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} -إلى قَوْلِهِ:- {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعام /141) الآية الناسخة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} (التوبة /60) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 24 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ} (الأنفال /1) الآية الناسخة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ} (الأنفال /41) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 25 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (الأنفال /61) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 26 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (الأنفال /65) الآية الناسخة: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} (الأنفال /66) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي 27 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (الأنفال /72) الآية الناسخة: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (الأنفال /75) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 28 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} (التوبة /41) الآية الناسخة: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (التوبة /122) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 29 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (حجر /85) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 30 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (حجر /94) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 31 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل /125) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 32 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (النور/3) الآية الناسخة: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (النور/32) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس ابن الجوزي السيوطي الزرقاني الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : مكي بن أبي طالب الدهلوي مصطفى زيد 33 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} (الم السجدة /30) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 34 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (الأحزاب /52) الآية الناسخة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} (الأحزاب /50) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي مصطفى زيد 35 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (الزمر /41) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : مكي بن أبي طالب الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي النحاس السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 37 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (الزخرف /89) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد   كذا (37) في النسخ الإلكترونية المتاحة .. وهو خطأ يسير 38 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} (الجاثية /14) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 39 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} (ق /45) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : ابن الجوزي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 40 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (الذاريات /54) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : مكي بن أبي طالب الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 41 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} (النجم /29) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : مكي بن أبي طالب الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : النحاس ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 42 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (المجادلة /12) الآية الناسخة: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} (المجادلة /13) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : - 43 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} (الممتحنة /10) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد 44 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} (المزمل /1 - 3) الآية الناسخة: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} (المزمل /20) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : - 45 - الآيَاتُ : الآية المنسوخة: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا} (المزمل /10) الآية الناسخة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة /5) الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ : النحاس مكي بن أبي طالب الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّسْخِ : ابن الجوزي السيوطي الدهلوي الزرقاني مصطفى زيد ومن هنا يتبين للقارئ أن المتفق عليه مما قيل بنسخه لا يزيد عن آيتين اثنتين فقط، هما: 1 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (12) من سورة المجادلة. 2 - {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَليلاً} (1 - 3) من سورة المزمل. وما عدا ذلك فهو موضع اختلاف بينهم. ويمكنك العودة إلى المصادر المختلفة لمعرفة وجهة نظر كل من علماء النسخ، والله تعالى أعلى وأعلم. وصلى الله وسلم على محمد الناطق بالصدق والصواب وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله ربّ العالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 فهرس المراجع (أ) 1 - إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر، للشوكاني (محمد بن علي بن محمد)، من أئمة الزيدية المجتهدين، المتوفى سنة1200هـ، المطبوع بحيدرأباد، دكن، الهند، بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية،1328هـ. 2 - الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين السيوطي (عبد الرحمن بن أبي بكر) المتوفى سنة 911هـ، من توزيع دار الفكر ببيروت، لبنان، ولم يؤرخ، يقع في جزئين. 3 - أحكام القرآن، للإمام الشافعي المتوفى سنة 204هـ، طبع بدار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1395هـ/1975م. 4 - أحكام القرآن، لأحمد بن علي الجصاص الحنفي المتوفى سنة 370هـ، طبع بمطبعة الأوقاف الإسلامية، بيروت، لبنان سنة 1335هـ، في ثلاثة أجزاء. 5 - أحكام القرآن لابن العربي (محمّد بن عبد الله القرطبي المتوفى سنة 543هـ)، طبع بمطبعة عيسى البابي حلبي سنة 1387هـ/1967. 6 - الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم الأندلسي الظاهري المتوفى سنة 456هـ، طبع بمطبعة الإمام في (8) أجزاء ولم يؤرخ. 7 - الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (علي بن أبي علي بن محمّد الشافعي المتوفى سنة 631هـ)، في أربعة أجزاء، مع تعليق عبد الرزاق عفيفي طبع بتاريخ: 7/ 8/1387هـ، مؤسسة النور. 8 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1356هـ/1937م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 9 - الأريب في تفسير الغريب، للعلامة ابن الجوزي، وهو مخطوط مصور من الهند، يوجد منه نسختان بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وقد تم تحقيقه فيها في جمادى الثاني من سنة 1400هـ. 10 - أسباب النزول، للواحدي (علي بن أحمد النيسابوري)، المتوفى سنة 468هـ، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1395هـ/1975م. 11 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، المتوفى سنة 463هـ، المطبوع على هامش الإصابة، بمصر سنة 1328هـ، الطبعة الأولى. 12 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين أبي الحسن المعروف بابن الأثير المتوفى سنة 630هـ طبع بالمطبعة الإسلامية، بالأوفست، سنة1966م، في خمسة أجزاء. 13 - الأسماء والكنى، للحاكم النيسابوري (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حمدويه، المتوفى سنة 405هـ)، نسخة مصورة مخطوطة بمكتبة بالدراسات العليا، بالجامعة الإسلامية. 14 - الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ، المطبوع بمصر، في أربعة أجزاء سنة 1328هـ. 15 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، للعلامة محمد بن موسى بن حازم الهمذاني، المتوفى سنة584هـ. طبع بحمص، بمطبعة الأندلس 1386هـ/ 1966م. 16 - اعتقاد أهل السنة والجماعة، للشيخ عدي بن مسافر، المتوفى سنة 557هـ، طبع بمصر، ولم يؤرخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 17 - أعلام العالم بعد رسوخه في حقائق ناسخ الحديث ومنسوخه، للعلامة ابن الجوزي، حقق وطبع بجامعة الملك بجدة سنة 1399هـ. 18 - الأعلام، لخير الدين الزركلي، طبع على آلة الأوفست سنة 1389هـ في بيروت، في عشرة أجزاء. 19 - أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، لعمر رضا كحالة، طبع سنة 1397هـ1977م، مؤسسة الرسالة. 20 - أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد، لسعيد الخوري اللبناني، طبع بمطبعة مرسلي اليسوعية ببيروت سنة 1889م. 21 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتعدد السماع، للقاضي عياض بن موسى المتوفى سنة 544هـ، تحقيق أحمد صقر، الناشر دار التراث بالقاهرة، سنة 1379هـ/1978م. 22 - الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، المطبوع بالهند على سبعة أجزاء، بمطبعة أبناء مولوي (بومباي) ولم يؤرخ. 23 - إنباه الرواة على أنباه النحاة، للشيخ جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف، بتحقيق محمد أبي الفضل، طبع بمطبعة دار الكتب المصرية 1369هـ/ 1950م. 24 - الإيجاز في الناسخ والمنسوخ، المخطوط، لمحمد بن بركات بن هلال، المتوفى سنة 525هـ، صورت نسخة من دار الكتب المصرية، لنفسي، وهو يقع في الدار تحت رقم 1085 تفسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 25 - الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، لمكي بن أبي طالب، المتوفى سنة 437هـ، طبع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1396هـ/1976م، بتحقيق الأستاذ بالجامعة الدكتور أحمد حسن فرحات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 (ب) 26 - البداية والنهاية، لابن كثير (أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة 774هـ). في 14 جزء، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، سنة 1351هـ/1932م. 27 - البرهان في علوم القرآن، للزركشي (محمد بن بهادر بن عبد الله المتوفى سنة 794هـ)، بتحقيق محمّد أبي الفضل. في أربعة أجزاء، بمطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الأولى 1376هـ/1957م. (ت) 28 - تاج التراجم في طبقات الحنفية، لشيخ أبي العدل زين الدين المتوفى 879هـ، المطبوع ببغداد سنة 1962م، بمطبعة العاني. 29 - تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضى الزبيدي في عشرة أجزاء طبع بمطبعة الخيرية بمصر سنة 1306هـ. 30 - تأريخ ابن الوردي (عمر بن مطفر بن عمر المتوفى سنة 749هـ)، اسم الكتاب تتمة المختصر في أخبار البشر مطبوع بمصر في مجلدين سنة 1375هـ. 31 - تأريخ الإسلام وطبقات المشاهير الأعلام، للحافظ الذهبي (الحافظ شمس الدين محمّد بن أحمد الدمشقي المتوفى سنة 748هـ)، يقع على خمسة أجزاء من منشورات مكتبة ((القيسي)) القاهرة، بدون تأريخ. 32 - تأريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري (محمد بن جرير المتوفى سنة 310هـ) في عشرة أجزاء، مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1358هـ. 33 - تأريخ بغداد، للخطيب البغدادي (أبو بكر أحمد به عاب المتوفى سنة 463هـ)، طبع بمطبعة السعادة بمصر في أربعة عشر مجلداً سنة 1349هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 34 - تأريخ التراث الإسلامي، لفؤاد سزكين، نقله إلى العربية الدكتور فهمي أبو الفضل، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، سنة 1971م، طبع منه جزءان. 35 - التأريخ الصغير، للإمام البخاري (الإمام محمد بن إسماعيل المتوفى سنة 256هـ)، طبع بالهند سنة 1325هـ. 36 - التأريخ الكبير، للإمام البخاري، انتهى طبع الجزء الرابع من القسم الثامن سنة 1361هـ، وهو في ثمانية مجلدات من منشورات دار الكتب العلمية ببيروت. 37 - التبصرة والتذكرة في شرح الألفية للعراقي، لزين الدين بن عبد الرحيم المتوفى سنة 806هـ، المطبوع بمطبعة فاس بالمغرب سنة 1354هـ، ويقع في جزئين. 38 - تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، لابن حجر، المطبوع بمصر، القاهرة، بمطبعة المعاهد سنة 1351هـ. 39 - تجريد أسماء الصحابة، للحافظ شمس الدين الذهبي، طبع في بومباي بالهند، سنة 1389هـ، 1969م في جزئين. 40 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين السيوطي مطبعة السعادة بمصر سنة 1385هـ 1966م، في جزئين. 41 - تذكرة الحفاظ، للذهبي، المطبوع في أربع أجزاء والذيل نشر: دار أحياء التراث العربي. 42 - تقريب التهذيب، للحافظ بن حجر، طبعة لاهور بباكستان سنة 1393هـ/1973م، بمطبعة نفيس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 43 - التقرير والتحبير شرح التحرير (للعلامة بن أمير الحاج المتوفى سنة 879هـ)، المطبوع بالمطبعة الأميرية بمصر، سنة 1317هـ، الطبعة الأولى. 44 - تفسير إرشاد العقل السليم، لأبي السعود، طبعة مصرية 1347هـ. 45 - تفسير تنوير المقياس في تفسير ابن عباس، لأبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزابادي صاحب القاموس، المطبوع في مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1380هـ/1967م. 46 - تفسير جامع البيان في تفسير القرآن، للإمام محمد بن جرير الطبري في ثلاثين مجلداً، نشر دار المعرفة ببييروت، الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية بمصر سنة 1329هـ. 47 - تفسير الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (محمد بن أحمد الأنصاري، المتوفى سنة 671هـ)، في عشر مجلدات، المكتبة العربية، القاهرة 1387هـ/1967م. 48 - تفسير الدر المنثور للسيوطي، في ستة أجزاء، من نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت. 49 - تفسير روح المعاني للألوسي (السيد محمود بن عبد الله الحسيني البغدادي المتوفى سنة 1270هـ)، في ثلاثين جزء، نشر دار التراث العربي، بيروت. 50 - تفسير فتح القدير، للشوكاني، في خمسة أجزاء، الطبعة الثانية في مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1383هـ/1964م. 51 - تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم (الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن محمّد بن إدريس بن المنذر الرازي، المتوفى سنة 327هـ،) نسخة مخطوطة مصورة، من سورة البقرة إلى سورة يوسف تحت رقم 180 و 212 يقع بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 52 - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، طبعة عيسى البابلي الحلبي وشركاه بمصر، في أربعة أجزاء، ولم يؤرخ. 53 - تفسير القرآن، لسفيان الثوري (الإمام المجتهد المتوفى سنة 161هـ) رواية أبي جعفر محمد عن أبي حذيفة النهدي عنه، المطبوع في رامبور، الهند، سنة 1915م. 54 - تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري (جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي، المتوفى سنة 538هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت، في أربعة أجزاء. 55 - تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل، لعلي بن محمد البغدادي المعروف بالخازن المتوفى سنة 741هـ دار المعرفة للطباعة والنشر، ببيروت. 56 - تفسير مفاتيح الغيب، لفخر الدين الرازي (محمد بن عمر بن الحسن البكري، المتوفى سنة 606هـ) في ثمانية أجزاء مطبعة بولاق بمصر، سنة 1289هـ. 57 - تفسير معالم التنزيل، للبغوي (الحسن بن مسعود، المتوفى سنة 516هـ)، مطبوع مع ابن كثير في تسعة أجزاء بمطبعة المنار في مصر سنة 1343هـ. 58 - التفسير والمفسرون، للدكتور محمد حسين الذهبي، في جزئين، طبع بمطبعة السعادة، سنة 1396هـ/1976م. 59 - التكملة لوفيات النقلة، للمنذري (زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المتوفى سنة 656هـ) بتحقيق بشار عواد معروف، مطبوع بمطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة 1389هـ/1969م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 60 - توضيح الأفكار، للشوكاني طبع في جزئين بمطبعة السعادة بمصر سنة 1366هـ. 61 - تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، المطبوع في 12 مجلداً بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرأباد، الهند، سنة 1325هـ. (ج) 62 - جامع بيان العلم وفضله، للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي، المطبوع بالمطبعة العاصمة بالقاهرة. 63 - جامع الترمذي لابن عيسى محمد بن عيسى بن سورة، المتوفى سنة 279هـ، مطبوع في مطبعة مصطفى البابلي الحلبي، بمصر سنة 1356هـ/1937م، بتحقيق أحمد شاكر، في خمسة أجزاء. 64 - جذوة المقتبس، تأليف الحميدي (محمد بن أبي نصر المتوفى سنة 488هـ) طبع بالدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م. 65 - الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرأباد الدكن، الهند سنة 1371هـ/1952م في تسعة أجزاء. (ح) 66 - حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني، المتوفى سنة 430هـ الناشر: مكتبة الخانجي بمصر، في عشرة أجزاء سنة 375هـ. (خ) 67 - الخلاصة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للإمام صفي الدين أحمد الخزرجي المتوفى بعد سنة 923هـ، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية بيروت، الطبعة الثانية 1391هـ. (د) 68 - دائرة المعارف الإسلامية، النسخة العربية، نقلها إلى العربية محمد ثابت الفندي، وآخرون، طبع بمصر 1933م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 69 - دفع شبه التشبيه، للعلامة ابن الجوزي، طبع بمصر بتحقيق محمد زاهد الكوثري، ولم يؤرخ. 70 - دول الإسلام، للحافظ الذهبي، المطبوع بالهيئة المصرية العامة سنة 1974م، بتحقيق فهيم شلتوت، ومحمد مصطفى إبراهيم في جزئين. (ذ) 71 - الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي، المتوفى سنة 795هـ)، طبع بمطبعة السنة المحمدية سنة 1372هـ/1952م، في جزأين. 72 - الذيل على مرآة الزمان، للشيخ قطب الدين موسى المتوفى سنة 726هـ، المطبوع بحيدرأباد، دكن- بالهند - بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية سنة 1380هـ 1960م، في أربعة أجزاء. (ر) 73 - الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، طبع مصطفى البابلي الحلبي، بمصر سنة 1358هـ، 1954م، بتحقيق وشرح المرحوم أحمد شاكر. 74 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، للإمام محمد باقي الموسى المتوفى سنة 1313هـ، طبع حجر بطهران، سنة 1307هـ (ز) 75 - زاد المسير في علم التفسير، للعلامة ابن الجوزي، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، دمشق، الطبعة الأولى، سنة 1385هـ/1965م. (س) 76 - سنن أبي داود، للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني، من كبار العلماء، المتوفى سنة 275هـ، في أربعة عشر مجلداً الطبعة الثانية 1388هـ/1968م، مع شرحه عون المعبود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 77 - سنن الدارقطني، للإمام الكبير علي بن عمر الدارقطني المتوفى385هـ، طبع بمطبعة دار المحاسن، القاهرة، بتحقيق السيد عبد الله هاشم في أربعة أجزاء. 78 - سنن الدارمي، للإمام الكبير أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن المتوفى سنة 255هـ، في جزأين نشرته دار إحياء السنة النبوية. 79 - السنن الكبرى، للبيهقي (الحافظ أحمد بن الحسين علي البيهقي المتوفى سنة 458هـ)، الطبعة الأول في الهند بمطبعة مجلس دائرة المعارف سنة 1244هـ. 80 - سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المتوفى سنة 275هـ، في جزأين، بتحقيق محمد عبد الباقي، نشرته دار إحياء التراث العربي، بيروت. 81 - سنن النسائي، للحافظ أبي عبد الرحمن بن شعيب النسائي المتوفى سنة 303هـ، طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الأولى 1384هـ/1965م، في ثمانية أجزاء. 82 - سير أعلام النبلاء، للذهبي، نسخة مصورة توجد في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية (930 ق) وطبع منه الجزء الأول والثاني والثالث بمصر، دار المعارف، سنة 1962م. 83 - السيرة النبوية، لابن كثير، في أربعة أجزاء، طبع بمطبعة دار المعرفة 1395هـ/1976م، بيروت، لبنان. 84 - سيرة بن هشام، في أربعة أجزاء، طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، سنة 1375هـ/1955م. (ش) 85 - الشافعي، حياته، وعصره، آرائه، وفقهه - للشيخ محمد أبي زهرة، التزم بالطبع دار الفكر العربي بمصر، ولم يؤرخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 86 - شرح الأسنوي، لجمال الدين المتوفى سنة 772هـ المسمى نهاية السول في شرح منهاج الأصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي، مطبعة التوفيق الأدبية بمصر في ثلاثة أجزاء، ولم يؤرخ. 87 - شرح تنقيح الفصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس المتوفى سنة 684هـ، بتحقيق عبد الرؤوف، شركة الطباعة الفنية بالقاهرة، 1393هـ. 88 - شرح مسلم، للنووي (يحيى بن شرف النووي الشافعي أبو زكريا، المتوفى 676هـ)، في 18 مجلداً، طبع بمصر. 89 - شذرات الذهب، لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد المتوفى سنة 1089هـ، نشر المكتبة التجارية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. (ص) 90 - صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل المتوفى سنة 256هـ، المطبوع مع شرحه فتح الباري في (7) أجزاء بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1378هـ/1959م. 91 - صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المتوفى سنة 261هـ، المطبوع مع شرحه للنووي المذكور في حرف الشين آنفاً. 92 - صفوة الصفوة، للعلامة ابن الجوزي، دار الشعب، بالقاهرة سنة 1393هـ، في أربعة أجزاء. 93 - صيد الخاطر، للعلامة ابن الجوزي، من منشورات المكتبة العلمية، بيروت، لبنان، يقع في جزء واحد. (ط) 94 - طبقات الحنابلة، للقاضي أبي الحسين محمد، في جزئين طبع بمطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1371هـ/1952م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 95 - طبقات الشافعية، لتاج الدين عبد الوهاب المتوفى سنة: 771هـ، تحقيق عبد الفتاح، ومحمد الطناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، في عشر مجلدات. 96 - الطبقات الكبرى، لابن سعد (محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، كاتب الواقد وأحد الحفاظ، توفي سنة 230هـ)، في ثمانية أجزاء، نشرته دار صادر بيروت. 97 - طبقات القراء، لابن الجزري (محمد بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الشافعي، شيخ القراء في زمانه، توفي سنة 833هـ) اسم الكتاب: غاية النهاية في طبقات القراء، طبع بمطبعة السعادة، مصر 1352هـ، في جزأين. 98 - طبقات المفسرين، للسيوطي، بتحقيق علي محمد عمر، مطبعة الحضارة بمصر، سنة 1396هـ. 99 - طبقات المفسرين، للداودي (محمد بن علي بن أحمد المالكي شيخ أهل الحديث في عصره من تلاميذ السيوطي، توفي سنة 945هـ) في جزأين، مطبعة الاستقلال الكبرى 1392هـ. (ع) 100 - العبر في خبر من غبر، للحافظ الذهبي، تحقيق صلاح الدين المنجد، وفؤاد سيد، طبع الكويت في خمسة أجزاء، سنة 1965 - 1966م. 101 - العسجد المسبوك (للملك الأشرف القسامي المتوفى سنة 853هـ) مطبوع بدار التراث الإسلامية ببيروت سنة 1395هـ/1975م. 102 - عقود الجوهر لجميل بك الأعظم، طبع بالمطبعة الأهلية ببيروت سنة 1362هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 103 - علوم الحديث، لابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن المتوفى سنة 643هـ، مطبعة الأصيل، حلب 1386هـ/1966م. 104 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، ومعه شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، مطبوع في 14 مجلداً، مذكور في حرف السين آنفاً. (ف) 105 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر، انظر حرف الصاد. 106 - فتح الباقي على ألفية العراقي، للشيخ زكريا الأنصاري المتوفى سنة 925هـ، طبع بمطبعة فاس بالمغرب سنة 1354هـ. 157 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث، للسخاوي (محمد بن عبد الرحمن، المتوفى سنة 902هـ) مطبعة العاصمة بالقاهرة في ثلاثة أجزاء، سنة 1969م. 108 - فتح المنان في نسخ القرآن، لعلي حسن العريص، طبع بمصر سنة 1973م. 109 - فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد للبخاري، تأليف فضل الله الجيلاني الأستاذ بجامعة حيدرأباد. توزيع ونشر مطابع الإرشاد، حمص، سورية في جزأين، سنة 1388هـ. 110 - فقه سعيد بن المسيب (أحد علماء الإثبات الفقهاء المتوفى بعد التسعين من الهجرة)، أعده دكتور هاشم جميل عبد الله، وطبع بالعراق مطبعة الإرشاد ببغداد في 4 أجزاء سنة: 1394هـ. 111 - الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، تحقيق صلاح الدين المنجد، نشر دار إحياء السنة المحمدية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 112 - الفوز الكبير في أصول التفسير، للشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله الدهلوي الهندي المتوفى سنة 1179هـ. المطبوع في مقدمة إرشاد الراغبين، نشرتها إدارة الطباعة المنيرية بدمشق سنة 1346هـ. 113 - فهرس خزانة التيمورية، مطبعة دار الكتب المصرية 1367هـ،/1948م. 114 - فهرس مخطوطات جامعة الدول العربية، لفؤاد سيد، القاهرة، دار الرياض للطبع، 1954م. 115 - فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، علوم القرآن، للدكتور عزة حسن، دمشق، مطبوعات المجمع العلمي العربي 1391هـ/1962م. 116 - فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية، لفؤاد سيد، مطبعة دار الكتب 1380هـ/1961م. 117 - فهرس المخطوطات العربية، بمكتبة الأوقاف ببغداد، كتبه عبد الله الجبور، طبع بمطبعة الإرشاد ببغداد 1393هـ/1973م. 118 - فهرس مكتبة الأزهر، مطبعة الأزهر 1366هـ/1947م. 119 - فهرس مكتبة خدابخش، تحت عنوان: مفتاح الكنوز الخفية في مجلدين طبع بالهند سنة 1918م. 120 - فهرس مخطوطات المكتبة الغربية، بالجامع الكبير بصنعاء إعداد محمد سعيد المليح، وأحمد محمد عيسوي، مكتبة الأطلس بالقاهرة. (ق) 121 - القرآن الكريم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان وبهامشه كتاب نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، المتوفى سنة330هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 (ك) 122 - الكامل، لابن الأثير (علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري، المتوفى سنة 630هـ)، في اثني عشر جزء، طبع بيروت، دار صادر للطباعة والنشر سنة 1385هـ. 123 - كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، لابن حبان، المتوفى سنة 354هـ، بتحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب 1395هـ، في ثلاثة أجزاء. 124 - الكتاب المقدس، طبع بالمطبعة الأميركانية، ببيروت، سنة 1969م. 125 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة (مصطفى ابن عبد الله كاتب شلبي، المتوفى سنة 1066هـ، طبع بمطبعة البهية في جزأين 1941م/1360هـ 126 - كنز الأصول، للبزدوي (علي بن محمد بن الحسن عبد الكريم من كبار الحنفية، توفى سنة 483هـ)، وهو مطبوع في جزأين بشرح عبد العزيز البخاري المسمى بكشف الأسرار طبعة جديدة بالأوفست 1394هـ/1974م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. (ل) 127 - اللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير الجزري، دار صادر، بيروت. 128 - لباب النقول، للسيوطي المطبوع على هامش تفسير تنوير المقياس، السابق ذكره في حرف التاء. 129 - لسان الميزان، للحافظ بن حجر، في سبعة أجزاء، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1971م/1390هـ. 130 - اللمع في أصول الفقه، لأبي إسحاق الشيرازي، طبعة مصطمى البابي الحلبي بمصر سنة 1377هـ/1957م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 (م) 131 - مؤلفات ابن الجوزي، لعبد الحميد العلوجي، شركة دار الجمهورية للنشر والطبع، بغداد 1385هـ/1965م. 132 - المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر، لعبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب ومطبعتها بالقاهرة. 133 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة: 807هـ في عشرة أجزاء، مكتبة القدسي، القاهرة، 1353هـ. 134 - مختصر عمدة الراسخ، مخطوط في أربعة عشر أوراق، لابن الجوزي، يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية بالقاهرة تحت رقم (148) تفنير (3). 135 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لليافعي (عبد الله بن أسعد المتوفى سنة 768هـ) في أربعة أجزاء، طبع بحيدرأباد، دكن - الهند 1337ـ1339هـ. 136 - المستدرك على الصحيحين في الحديث، للحافظ محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم المتوفى 405هـ، في أربعة أجزاء الناشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة، الرياض. 137 - مختار الصحاح، لمحمد بن عبد القادر الرازي المتوفى سنة 666هـ، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان سنة 1967م. 138 - المختصر المحتاج إليه من تأريخ أبي عبد الله الدبيش المتوفى سنة 639هـ مطابع الزمان، بغداد 1963م. 139 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مع شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني في 23 جزء، مطبعة الأخوان المسلمين بالقاهرة، الطبعة الأولى 1353هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 140 - مسند الإمام الشافعي، المطبوع مع الأم السابق ذكره في حرف الألف. مشكل الآثار، للطحاوي، في أربع مجلدات، ولم يكمل دار صادر، بيروت. 141 - مشيخة ابن الجوزي، تحقيق محمد محفوظ، طبع الشركة التونسية 1977م. 142 - المشيخة للنعال (صائف الدين محمد المتوفى سنة 679هـ) مطبعة المجمع العلمي ببغداد سنة 1395هـ/1975م. 144 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيومي المتوفى سنة 770هـ، بتصحيح مصطفى السقا، طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي، بمصر، في سنة 1369هـ، في جزأين. 145 - المصنف، للحافظ عبد الرزاق الصنعاني المتوفى 211هـ في إحدى عشر مجلداً، حققه حبيب الأعظمي، من منشورات المجلس العلمي. 146 - معالم السنن للخطابي (أبي سليمان محمد بن محمد المتوفى سنة 388هـ طبع في أربعة أجزاء بالمطبعة العلية بحلب سنة 1353هـ/1932م. 147 - المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب المتوفى سنة: 436هـ، بتحقيق محمد حميد الله، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية لدمشق. 148 - معرفة القراء الكبار، للحافظ الذهبي، تحقيق محمد سيد جاد الحق في جزأين. دار الكتب الحديثة بالقاهرة. 149 - معرفة الناسخ والمنسوخ، المطبوع على هامش تنوير المقياس، انظر حرف التاء فيما سبق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 150 - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، في عشرين جزء، مطبعة دار المأمون بالقاهرة، 1357هـ/1938م. 151 - معجم البلدان، لياقوت الحموي، في ثمانية أجزاء، طبع بمصر 1323هـ/1325م. 152 - المعجم الكبير: للطبراني، المتوفى سنة 365هـ، بتحقيق عبد المجيد السلفي الدار العربية للطباعة، بغداد سنة 1979م. 153 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة في (15) جزء، دار أحياء التراث العربي، بيروت. 154 - المغنى في الضعفاء، للحافظ شمس الدين الذهبي، في جزأين بتحقيق نور الدين عن، دار المعارف، حلب، سوريا 1391هـ/971ام. 155 - المغنى، لابن قدامة (موفق الدين أبي محمد بن قدامة المتوفى سنة630هـ) في اثني عشر جزء، مطبعة المنار بمصر سنة 1348هـ. 156 - مقدمة أصول التفسير لابن تيمية (تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المتوفى سنة 738هـ)، تحقيق الدكتور عدنان زرزور طبع ببيروت، بدار القاع سنة 1391هـ/1971م. 157 - مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الصلاح، بتحقيق بنت الشاطىء مطبعة دار الكتب 1974م، القاهرة. 158 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة، لطاش كبرى زادة (أحمد مصطفى، المتوفى سنة 968هـ) في ثلاثة أجزاء مطبوع بالهند سنة 1329هـ. 159 - المفردات، للراغب أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، المتوفى سنة 502هـ، بتحقيق محمد السيد كيلاني، طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1381هـ/1961م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 160 - ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل، للشيخ سعيد الأنصاري الهندي المطبوع بالهند، كلكتا سنة 1330هـ. 161 - الملل والنحل، للشهرستاني (محمد بن عبد الكريم بن أحمد المتوفى 548هـ) المطبوع بهامش الملل والنحل لابن حزم الظاهري، مطبعة الأدبية القاهرة 1320هـ، في خمسة أجزاء. 162 - مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي، طبع بمصر سنة 1349هـ. 163 - المنتظم، لابن الجوزي المطبوع من 5 إلى 10 مجلدات، حيدرأباد، دكن - الهند 1359هـ. 164 - مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني في جزأين، طبعة عيسى البابي الحلبي مصر 1392هـ. 165 - موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان، للحافظ الهيثمي بتحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، طبع بمطبعة السلفية بشارع الفتح بالروضة. 166 - الموافقات للشاطبي (أبي إسحاق إبراهيم بن موسى المتوفى 790هـ، في أربعة أجزاء، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت. 167 - الموجز في الناسخ والمنسوخ، لابن خزيمة، المطبوع مع الناسخ والمنسوخ للنحاس سنة 1322هـ بمطبعة السعادة. 168 - موسوعة فقه إبراهيم النخعي، بقلم الدكتور محمد رواس، في جزأين نشرته جامعة الملك عبد العزيز، بمكة المكرمة 1399هـ/199م. 169 - الموطأ للإمام مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ مع شرحه تنوير الحوالك للسيوطي طبعة عيسى البابي الحلبي، في ثلاثة أجزاء. 170 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للحافظ الذهبي، في ثلاثة أجزاء، مطبعة السعادة بمصر سنة 1325هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 (ن) 171 - الناسخ والمنسوخ، لأبي جعفر النحاس المتوفى سنة 328هـ، طبع بمطبعة السعادة 1323هـ. 172 - الناسخ والمنسوخ، لعبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429هـ له نسخة في ميكروفيلم بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية رقم 265، عمومية 445 كتب سنة 612هـ. 173 - الناسخ والمنسوخ، لهبة الله بن سلامة المتوفى سنة 490هـ طبع بمصر (1387هـ). 174 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ليوسف بن تغري بردى (12) مجلد دار الكتب المصرية 1348 - 1375هـ. 175 - النسخ بين الإثبات والنفي، للدكتور محمد محمود فرغلي، طبع بمصر 1391هـ/1971م. 176 - نظرية النسخ في الشرائع السماوية، للدكتور شعبان محمد مطابع النجوي بالقاهرة، بدون تاريخ. 177 - النسخ في الشريعة الإسلامية، لعبد المتعال الجبري، مطبعة دار الجهاد بمصر 1380هـ. 178 - النسخ في القرآن الكريم، للدكتور مصطفى زيد في مجلدين، دار الفكر 1383هـ/1963م. (و) 179 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، بتحقيق محمد محيي الدين في ستة أجزاء مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة 1367هـ/1948م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705